بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكرمهم

محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

وبعد

هذا هو الجزء الثاني من كتابنا دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري ، أسأله تعالى ان ينفع به اخواننا الاعزاء طلاب الحوزات العلمية وان يجعله بذرة لبرمجة كتبنا الدراسية تنضح بجهود بقية اخواني الافاضل الاعزاء.

فشكرا لك اللهم على نعمك وآلائك وحمدا لك على توفيقك وعنايتك فكم يا ربّ من صعب ذل بلطفك ، وكم من عسير تيسر بجودك ، انك جواد كريم رءوف رحيم ، وما توفيقي الا بك عليك توكلت وإليك انيب.

باقر الايرواني

١٨ / ربيع الاول / ١٤١٩ ه‍

قم المشرّفة‌



العقود‌

١ ـ البيع‌

٢ ـ الاجارة‌

٣ ـ المزارعة‌

٤ ـ المساقاة‌

٥ ـ الشركة‌

٦ ـ الضمان‌

٧ ـ الحوالة والكفالة‌

٨ ـ الصلح‌

٩ ـ الوكالة‌

١٠ ـ المضاربة‌

١١ ـ القرض‌

١٢ ـ الرهن‌

١٣ ـ الهبة‌

١٤ ـ الوديعة‌

١٥ ـ العارية‌

١٦ ـ السبق والرماية‌

١٧ ـ النكاح‌



كتاب البيع‌

١ ـ شروط عقد البيع‌

٢ ـ شروط المتعاقدين‌

٣ ـ شروط العوضين‌

٤ ـ الخيارات‌

٥ ـ الربا‌

٦ ـ بيع الصرف‌

٧ ـ بيع السلف‌

٨ ـ محرمات في الشريعة‌



١ ـ شروط عقد البيع‌

يعتبر في البيع الإيجاب والقبول بكلّ ما يدلّ عليهما ولو لم يكن صريحا أو كان ملحونا أو ليس بعربي ولا بماض.

ويعتبر التطابق بين الايجاب والقبول دون الموالاة بينهما أو تأخّر القبول.

وذهب المشهور إلى اعتبار التنجيز.

ولا يعتبر اللفظ في تحقّق البيع وتكفي المعاطاة. والملك الحاصل بها لازم.

ويعتبر فيها ما يعتبر في العقد اللفظي من شروط العقد والعوضين والمتعاقدين.

وتثبت فيها الخيارات كما تثبت فيه.

وهي تجري في جميع المعاملات إلاّ ما خرج بالدليل كالنكاح والطلاق والنذر واليمين.

والمستند في ذلك :

١ ـ امّا البيع‌ ففي تحديد حقيقته خلاف بالرغم من بداهتها إجمالا‌


وعدم ثبوت حقيقة شرعية أو متشرعية له.

وقد نقل الشيخ الأعظم عدّة آراء في ذلك لعلّ أجودها ما اختاره هو قدس‌سره من انّه تمليك عين بعوض (١).

والإشكال عليه بشموله للشراء والاستيجار ـ حيث ان المشتري بقبوله يملّك ماله بعوض ومستأجر العين يملّك الاجرة بعوض ـ مدفوع بما ذكره الشيخ نفسه من ان ذلك مدلول تضمني وإلاّ فالشراء والاستيجار يدلان مباشرة على التملّك بعوض.

وبعد هذا التحديد لا تبقى حاجة لما ذكره غير واحد من المتأخّرين من ان البيع «نقل المال بعوض بما ان العوض مال لا لخصوصية فيه ، والاشتراء هو إعطاء الثمن بإزاء ما للمشتري غرض فيه بخصوصه في شخص المعاملة» (٢).

ان إضافة التقييد المذكور وجيهة لو لم نتمكّن من دفع الإشكال السابق بما تقدّم وإلاّ فلا حاجة إليها.

على ان ذكر المال يستلزم اعتبار مالية المبيع في صدق البيع لغة وهو بلا ملزم. إضافة إلى شمول التعريف للإجارة وعدم اختصاصه بالبيع.

٢ ـ واما اعتبار الايجاب والقبول في البيع‌ فلأنّه عقد وليس إيقاعا ، وهو متقوّم بهما.

٣ ـ وامّا الاكتفاء بكل ما يدلّ عليهما ولو لم يكن صريحا‌ فلأنّه بعد ظهور اللفظ في البيع وصدق عنوانه ـ ولو كان الاستعمال بنحو‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٣٩ ، انتشارات اسماعيليان.

(٢) منهاج الصالحين للسيّد الخوئي ٢ : ١٣ الطبعة ٢٨ وتعليقة الشهيد الصدر على منهاج الصالحين ٢ : ٢٠.


المجاز أو الكناية ـ يشمله إطلاق أدلّة الامضاء كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١).

ومع الأصل اللفظي المذكور لا تصل النوبة إلى الأصل العملي المقتضي للاقتصار على القدر المتيقّن لاستصحاب عدم ترتّب الأثر عند الانشاء بغيره.

لا يقال : ان الأصل العملي يقتضي ـ كالأصل اللفظي ـ نفي شرطية ما يشك في شرطيّته ، فإنّ حديث البراءة يعمّ الأحكام الوضعية أيضا حيث طبّقه الامام عليه‌السلام لنفي الصحّة عن الحلف المكره عليه ، كما في صحيحة صفوان والبزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢). وبارتفاع الشرطية المشكوكة بالبراءة لا يبقى مجال للتمسّك بأصالة عدم ترتّب الأثر لأنّ الشك فيه مسبب عن الشك في الشرطية.

فإنّه يقال : إنّ الشك في الشرطية يرجع في روحه إلى الشكّ في ترتّب الأثر على الفاقد للقيد المحتمل اعتباره ، والأصل في مثله لا يقتضي البراءة بل عدم ترتّب الأثر.

وبكلمة اخرى : ان مرجع الشك في الشرطية إلى علم وشك ، أي إلى علم بأن الواجد للقيد يترتّب عليه الأثر جزما ، وشك في ترتّبه على الفاقد ، وعند الشك في ترتّب الأثر لا معنى للبراءة.

وبهذا يتّضح الفارق بين المقام ومسألة الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين حيث يتمسّك فيها بالبراءة.

والفارق : انّه في تلك المسألة يرجع الشك إلى العلم بتعلّق التكليف‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٦٤ الباب ١٢ من كتاب الإيمان الحديث ١٢.


بتسعة أجزاء مثلا والشك في تعلّقه بما زاد ، والبراءة تقتضي نفي ذلك لأنّ لازمه ثبوت الكلفة الزائدة ، وحيث إنّها مشكوكة فيمكن نفيها بالبراءة. وهذا بخلافه في المقام فإنّ مرجع الشك إلى العلم بترتّب الأثر والامضاء على الواجد للقيد والشك في ترتّب ذلك على الفاقد ، والأصل عدمه.

٤ ـ وامّا الجواز بالملحون وغير الماضي أو العربي‌ فلإطلاق أدلّة الامضاء المتقدّمة.

ودعوى اعتبار العربية من باب وجوب التأسي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان يعقد بها ، مدفوعة بأنّ التأسي يراد به الإتيان بالفعل على النحو الذي كان يأتي به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحيث نحتمل ان اجراءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العقد بالعربية كان من باب اجراء العقد بأحد أساليبه وطرقه فلا يمكن إثبات اللزوم من خلال ذلك ويبقى إطلاق أدلّة الامضاء بلا مقيّد.

ودعوى اعتبار الماضوية من جهة صراحة الماضي في الانشاء بخلاف المضارع والأمر فانّهما أشبه بالوعد والاستدعاء مدفوعة بأنّ الدلالة العرفية على البيع إذا كانت متحقّقة فلا محذور في التمسّك بإطلاق أدلّة الامضاء.

٥ ـ واما اعتبار المطابقة‌ فلتوقّف صدق عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراض على ذلك.

٦ ـ وامّا الموالاة‌ فقد قال جماعة ـ منهم الشهيد الأوّل في قواعده (١) ـ باعتبارها.

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٢٣٤.


ووجّه الشيخ الأعظم ذلك بأن الايجاب والقبول بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض ، ومع الفاصل الطويل لا يصدق عنوان العقد (١).

واستدلّ الشيخ النائيني بأنّ حقيقة العقد خلع ولبس ، فالموجب يخلع ثوب سلطانه على المال ويلبسه القابل ، ومع تحقّق الفصل يتحقّق الخلع بلا لبس ، ومن ثمّ لا يتحقّق العقد لأنّه عبارة عن مجموع الخلع واللبس دون الخلع وحده (٢).

وكلا الوجهين كما ترى.

امّا الأوّل فلصدق عنوان المعاقدة ما دام الموجب لم يعرض عن إيجابه حتّى مع تخلّل الفصل الطويل.

وامّا الثاني فلأنّ اللبس إذا تحقّق ولو بعد فاصل طويل يصدق آنذاك تحقّق اللبس والخلع ومن ثمّ يصدق في ذلك الوقت تحقّق العقد.

على ان اللبس والخلع في اعتبار الموجب متحقّقان بمجرّد قوله بعت ولو لم ينضم القبول ، وفي اعتبار الشرع والعقلاء لم يتحقّق خلع قبل القبول بل يتحقّق هو واللبس بعد القبول ، فالانفكاك غير متصوّر في كلا الاعتبارين.

وعليه فالمناسب صحّة القبول حتّى مع الفصل الطويل ما دام الموجب لم يتراجع عن إيجابه.

٧ ـ وامّا جواز تأخّر الايجاب‌ فلأنّ عنوان البيع والعقد صادقان مع التأخّر أيضا ، ومعه يتمسّك بإطلاق دليل إمضائهما.

هذا ولكن الشيخ الأعظم فصّل بين ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٩٢ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) منية الطالب ١ : ١١١.


لفظ قبلت فلا يجوز وبين ما إذا كان بمثل لفظ اشتريت فيجوز بتقريب انّه يعتبر في القبول دلالته على أمرين : الرضا بالايجاب وإنشاء القابل نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضية ، ومع تقدّم لفظ قبلت لا تكون الدلالة على الأمر الثاني ثابتة ، وهذا بخلاف ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل لفظ اشتريت فإنّ دلالته على كلا الأمرين ثابتة بالرغم من تقدّمه (١).

وفيه : ان المهم صدق عنوان العقد والبيع ، وهو متحقّق حالة تقدّم القبول مطلقا ، ومع تحقّقه يتمسّك بإطلاق دليل الامضاء.

٨ ـ وامّا اعتبار التنجيز وعدم صحّة العقد مع التعليق‌ فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع ، واستدلّ عليه بعدّة وجوه ضعيفة نذكر منها :

أ ـ ما افيد في الجواهر‌ من ان ظاهر دليل وجوب الوفاء بالعقد هو ترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّقه ، فإذا لم يشمله من حين تحقّقه ولم يجب الوفاء به من حين حدوثه ـ لفرض التعليق ـ فلا دليل على ترتّب الأثر ووجوب الوفاء بعد ذلك (٢).

وفيه : انّنا نلتزم بترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّق العقد ، بيد ان وجوب الوفاء يعني الالتزام بمدلول العقد ، ومدلوله قد يكون هو النقل من حين تحقّق العقد فيلزم الحكم بتحقّق النقل من ذلك الحين ، وقد يكون هو النقل بعد حصول المعلّق عليه فيلزم الحكم بتحقّق النقل عند تحقّق المعلّق عليه.

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٨٦ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) جواهر الكلام ٢٣ : ١٩٨.


ب ـ ما أشار إليه السيّد العاملي‌ من ان الأسباب الشرعية لمّا كانت توقيفية فيلزم الاقتصار فيها على القدر المتيقّن وهو العقد العاري من التعليق (١).

وفيه : ان العمل بإطلاق أدلّة الامضاء كاف في تحقّق التوقيف.

ج ـ ما أفاده الشيخ النائيني‌ من ان العقود المتعارفة هي المنجزة ، والمعلّقة ليست متداولة إلاّ لدى الملوك والدول أحيانا ، وأدلّة الامضاء منصرفة إلى العقود المتعارفة (٢).

وفيه : ان صغرى الدعوى المذكورة لم تثبت تماميتها.

د ـ التمسّك بالإجماع المدّعى في المسألة.

وفيه : ان الاتفاق لو تمّ واقعا فهو ليس حجّة لعدم كاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام بعد كونه محتمل الاستناد إلى المدارك السابقة.

وعليه فالحكم باعتبار التنجيز غير ممكن إلاّ على سبيل الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور والإجماع المدعى.

٩ ـ وامّا المعاطاة فقد وقعت موردا للاختلاف. وقد نقل الشيخ الأعظم قدس‌سره ستّة أقوال فيها ، أهمّها : إفادتها الملك اللاّزم ، وإفادتها الملك الجائز ، وإفادتها لإباحة التصرّف لا غير (٣).

والمختار لدى المتأخّرين إفادتها الملك كالعقد اللفظي لوجوه :

أ ـ التمسّك بإطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٤) بتقريب ان‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٦.

(٢) منية الطالب ١ : ١١٣.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٢٤٧ ، انتشارات إسماعيليان.

(٤) البقرة : ٢٧٥.


المراد من حليّة البيع امّا الحليّة الوضعيّة ـ كما تقتضيها نسبة الحل إلى الأمر الاعتباري دون الفعل الخارجي ـ وبذلك يثبت المطلوب ، لأنّها عبارة عن النفوذ والامضاء ، أو الحلية التكليفية ـ التي تقتضيها وحدة السياق حيث يراد من تحريم الربا تحريمه تكليفا بل ويقتضيها ظهور الحلّ نفسه في ذلك ـ وبذلك يثبت المطلوب أيضا ، لأنّ الحل التكليفي ليس منسوبا إلى البيع نفسه لعدم احتمال حرمته تكليفا ليدفع بإثبات جوازه بل هو منسوب إلى التصرّفات المترتّبة عليه ، ولازم إباحة جميع التصرّفات المترتّبة عليه صحّته وإفادته للملك.

وقد اختار الشيخ الأعظم قدس‌سره الثاني ـ إرادة الحل التكليفي ـ وقرّب الدلالة بما ذكرناه (١).

ب ـ التمسّك بإطلاق المستثنى في قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(٢) بتقريب ان الأكل كناية عن التملّك والاستيلاء ، فكل تملّك بالأسباب الباطلة منهيّ عنه إلاّ ان تكون تجارة عن تراض ، وحيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض فتثبت صحّتها بالبيانين السابقين.

ج ـ التمسّك بإطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٣) ، فإنّ المعاطاة عقد ، غايته عقد فعلي لا قولي ، والوفاء بالعقد عبارة اخرى عن إتمامه وعدم نقضه فيثبت وجوب الوفاء بالمعاطاة وعدم جواز نقضها ومن ثمّ تثبت إفادة المعاطاة للملك بل اللزوم بخلاف الآيتين السابقتين‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٤٨ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) المائدة : ١.


فإنّه قد يشكك في دلالتهما على اللزوم.

د ـ التمسّك بسيرة العقلاء على ترتيب آثار الملك اللازم على المعاطاة‌ ، فإنّ سيرة المتشرّعة وان أمكن التشكيك في اتصالها بزمن المعصوم عليه‌السلام باعتبار ان الفقهاء قبل زمن المحقّق الثاني كانوا يفتون بعدم إفادتها الملك ، ومعه لا يمكن الجزم بانعقادها بوصف انّهم متشرّعة على إفادتها الملك إلاّ ان سيرة العقلاء لا مجال للتشكيك في انعقادها ، وبعدم ثبوت الردع عنها يثبت الامضاء.

لا يقال : الردع ثابت برواية خالد بن الحجاج : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يجي‌ء فيقول : اشتر هذا الثوب واربحك كذا وكذا ، قال : أليس ان شاء ترك وان شاء أخذ؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس ، انّما يحلّ الكلام ويحرم الكلام» (١) ، فإنّ لازم حصر المحلّل بالكلام عدم انعقاد البيع بالمعاطاة.

فإنّه يقال : هذا مبنيّ على ان المراد : لا يكون الشي‌ء حلالا أو حراما بمجرّد القصد أو الفعل ، وهذا باطل جزما ، فإنّ إباحة التصرّف في المعاطاة ثابتة جزما ولا تحتمل حرمة التصرّف عند افتراض رضا المالك بالتصرّف.

اضافة الى ان هذا المعنى لا يتناسب ومورد الرواية.

والمناسب تفسيرها بأن من طلب من غيره اشتراء شي‌ء له من غيره فمتى ما كان الكلام الدائر بينهما على مستوى المقاولة والمواعدة فهو كلام محلّل ، ومتى ما كان على مستوى إيجاب البيع وإيقاعه قبل الشراء من الغير فهو كلام محرّم. وبناء عليه تكون الرواية أجنبية عن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٦ الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.


المقام ومرتبطة بمسألة من باع ثم ملك.

على ان مثل السيرة المذكورة لاستحكامها القوي لا تكفي في تحقّق الردع عنها رواية واحدة ذات لسان غير صريح.

هكذا ينبغي الجواب.

ولا يمكن ان يضاف إلى ذلك ضعف سند الرواية بخالد بن الحجاج حيث لم تثبت وثاقته.

والوجه في ذلك : ان ضعف سند الرواية لا ينفي احتمال صدورها ومن ثمّ احتمال الردع بها عن السيرة المسقط لها عن الاعتبار.

١٠ ـ وامّا ان الملك الحاصل بها لازم فللسيرة‌ ـ اذ كما هي منعقدة على حصول الملك بها كذلك هي منعقدة على كونه لازما ـ وآية الأمر بالوفاء بالعقود بالبيان المتقدّم.

ومع التنزّل وفرض الشك في كون الملك الحاصل بها لازما أو جائزا فلا بدّ من الحكم باللزوم لأصالة اللزوم التي يمكن الاستدلال لها بعدّة وجوه منها :

أ ـ التمسّك باستصحاب بقاء الملك وعدم زواله بفسخ أحد الطرفين بدون رضا صاحبه.

لا يقال : لا يجري الاستصحاب لأنّ الملك الجائز يجزم بعدم بقائه ، واللاّزم يشك في أصل حدوثه.

فإنّه يقال : نحن نستصحب بقاء ذلك الملك الواحد الذي حدث بالمعاطاة حيث نشك في ارتفاعه وبقائه ويكون من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثاني.

والإشكال المذكور سيّال في جميع موارد الاستصحاب المذكور ،


وجوابه ما ذكرناه.

أجل جريان الاستصحاب المذكور مبني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة اصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

ب ـ التمسك بعموم الحديث النبوي : «الناس مسلطون على أموالهم» (١) بتقريب ان مقتضى السلطنة عدم زوال الملكية عن المالك بغير اختياره ، ومن المعلوم ان جواز الفسخ والتملّك بدون رضا المالك مناف لسلطنته فلا يكون جائزا.

والوجه المذكور وجيه بناء على تمامية سند الحديث ولكنّه ضعيف لأنّه لم يرو إلاّ في عوالي اللآلي بشكل مرسل.

ج ـ التمسّك بحديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه» (٢) ، فانّ الفسخ وأخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس بحلال بمقتضى الحديث.

د ـ التمسّك بقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٣) ، فإنّ الفسخ وأخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس تجارة عن تراض فيدخل تحت أكل المال بالباطل المنهي عنه.

ه ـ التمسّك بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) بالبيان‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، ٤٥٧ ، و ٢ : ١٣٨ ، و ٣ : ٢٠٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣ الباب ١ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) المائدة : ١.


المتقدّم.

١١ ـ وامّا انّه يعتبر في المعاطاة كلّ ما يعتبر في العقد اللفظي من شروط‌ فلأنّه بعد ما كانت مصداقا عرفا للعقد والبيع فيثبت لها كلّ ما يثبت لهما تمسّكا بالإطلاق.

ومنه يتّضح الوجه في ثبوت الخيارات فيها.

١٢ ـ وامّا جريانها في جميع المعاملات‌ فلأنّه بعد ما كانت مصداقا حقيقيّا لكلّ فرد من أفراد المعاملات فيشملها إطلاق دليل إمضاء تلك المعاملة وأحكامها.

١٣ ـ وامّا وجه استثناء ما ذكر‌ فللدليل الخاصّ الدال على اعتبار اللفظ في كل واحد منها حسبما يأتي في محلّه ان شاء الله تعالى.

٢ ـ شروط المتعاقدين‌

يلزم في المتعاقدين : البلوغ إذا لم يكن دورهما دور الآلة ، والقصد ، والعقل والاختيار ، ومالكية التصرّف ـ بأن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عنه أو وليّا عليه وليس بممنوع التصرّف لسفه أو فلس ـ وإلاّ كان العقد فضوليّا تتوقّف صحّته على الاجازة.

والقول ببطلانه ضعيف حتى مع فرض منع المالك مسبقا أو فرض بيع الفضولي لنفسه.

وفي كون الاجازة كاشفة أو ناقلة خلاف.

وتظهر الثمرة في موارد.

والمستند في ذلك :


١ ـ امّا اعتبار البلوغ‌ فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع ، وقد يستدلّ له بما يلي :

أ ـ التمسّك بقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(١) ، فإنّ ظاهره إناطة جواز تصرّف الصبي ببلوغ النكاح الذي هو كناية عن تجاوز فترة الصبا.

وهو وان كان خاصّا باليتيم وبالتصرّف في أموال نفسه دون التصرّف في أموال غيره إلاّ أنّه يمكن التعميم بضم عدم القول بالفصل بل والأولويّة بلحاظ التصرّف في أموال الغير.

وفيه : ان الآية الكريمة ناظرة إلى دفع الأموال إلى الصبي وانّه لا يجوز قبل البلوغ ولا تدلّ على بطلان معاملاته فيما إذا كان الدافع بعد تمامية المعاملة هو الولي.

ب ـ التمسّك برواية حمران‌ عن أبي جعفر عليه‌السلام : «... ان الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ... جاز أمرها في الشراء والبيع ... والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ...» (٢).

وفيه : ان دلالتها وان كانت واضحة إلاّ انّها ضعيفة السند على ما تقدّم في البحث عن شرائط التكليف.

ج ـ التمسّك بحديث رفع القلم‌ الذي رواه ابن ظبيان : «... أما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى‌

__________________

(١) النساء : ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٠ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ٢.


يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» (١) بدعوى ان المرفوع ليس خصوص المؤاخذة بل مطلق القلم بما في ذلك قلم الاحكام الوضعية.

وفيه : انّه ضعيف سندا ـ لاشتماله على عدّة مجاهيل ـ ودلالة باعتبار ان وروده مورد الامتنان قرينة على اختصاصه بما يكون في رفعه منة ولا يشمل مثل المقام الذي لا يكون في الرفع منة.

د ـ التمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم‌ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عمد الصبي وخطؤه واحد» (٢) ، فإنّ مقتضاه عدم ترتّب الأثر على العقد الصادر من الصبي لأنّه كالصادر منه خطأ.

وفيه : ان الحديث ناظر إلى خصوص باب الجناية ولا يمكن تعميمه لغيره لأنّه لمّا نزّل العمد منزلة الخطأ يلزم ان نفترض وجود أثرين : أثر موضوعه العمد وأثر موضوعه الخطأ كي يكون مقتضى التنزيل ترتيب أثر الخطأ حالة العمد ، ومن المعلوم ان وجود أثرين من هذا القبيل يختص بباب الجناية ، فالجناية العمدية لها أثر خاص والجناية الخطئية لها أثر خاص ، ولا يتصوّر ذلك في غير باب الجناية ، فمثلا لو أكل الصبي متعمّدا في صومه فلا يمكن تنزيل ذلك منه منزلة الأكل خطأ فإن الأكل خطأ ليس له أثر خاص إذ الكفّارة وان كانت منتفية في الأكل الخطئي ولكن ليس ذلك لكون الخطأ بعنوانه موضوعا لذلك بل لأنّ موضوع وجوب الكفارة هو العمد فعند انتفائه تنتفي الكفارة لانتفاء موضوعها.

أجل لو كان الحديث يقول : عمد الصبي كعدمه أمكن تعميمه لغير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٢ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٠٧ الباب ١١ من أبواب العاقلة الحديث ٢.


باب الجناية ولكن المفروض تنزيله العمد منزلة الخطأ.

ه ـ التمسّك بالإجماع المدعى في المسألة‌. قال الشيخ الأعظم : «... فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة وإلاّ فالمسألة محل إشكال» (١).

وفيه : ان الاتفاق لو تمّ يحتمل استناده إلى المدارك السابقة فلا يجزم بكاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

و ـ وأحسن ما يمكن التمسّك به صحيحة أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ‌ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سأله أبي ـ وأنا حاضر ـ عن اليتيم متى يجوز أمره؟ ... قال : إذا بلغ وكتب عليه الشي‌ء جاز أمره إلاّ ان يكون سفيها أو ضعيفا» (٢).

والسند صحيح فإنّ أبا الحسين الخادم هو آدم بن المتوكّل الذي وثّقه النجاشي (٣).

٢ ـ وامّا استثناء حالة الآلية‌ فلأنّ البالغين إذا تمّ الاتفاق بينهما وكان الصبي مجرّد وكيل في اجراء العقد لم يصدق ان الأمر أمره ليحكم عليه بعدم النفوذ بل أمر البالغين ، ولا أقل هو منصرف عن ذلك. ومعه يبقى إطلاق أدلّة الامضاء بلا مانع من شموله.

٣ ـ وامّا اعتبار القصد‌ فلتقوّم عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراض بذلك.

٤ ـ وامّا اعتبار العقل‌ فواضح إذا فرض فقدان القصد ، وامّا على‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٣٣٨ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٤٣ الباب ٢ من كتاب الحجر الحديث ٥.

(٣) رجال النجاشي : ٧٦ ، منشورات مكتبة الداوري.


تقدير وجوده فالحكم ببطلان عقده مشكل.

ودعوى صاحب الجواهر : «عدم اعتبار قصده وكون لفظه كلفظ النائم بل أصوات البهائم» (١) مدفوعة بأن القياس على النائم والبهائم في غير محلّه بعد فقدان القصد فيهما.

والتمسّك بحديث رفع القلم قد تقدّم ما فيه.

ولا يبقى إلاّ الاجماع ، وهو لاحتمال مدركيته لا يصلح مستندا إلاّ للحكم على مستوى الاحتياط.

٥ ـ وامّا اعتبار الاختيار وعدم صحّة بيع المكره فلوجوه :

أ ـ ان المكره فاقد لطيب النفس‌ ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحيحة زيد الشحّام : «... لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه» (٢).

ب ـ ان التجارة مع فقدان الاختيار ليست عن تراض‌ ، ولا يجوز الأكل إلاّ مع التجارة عن تراض كما قال تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٣).

ج ـ التمسّك بحديث رفع التسعة‌ الذي رواه حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن أمّتي تسعة أشياء : السهو والنسيان وما اكرهوا عليه ...» (٤) ، فإنّ مقتضى اطلاق الحديث الشمول لمثل المقام وعدم اختصاصه برفع المؤاخذة أو الاحكام التكليفية.

ويكفي لإثبات التعميم استشهاد الإمام عليه‌السلام به لرفع الحكم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٢ : ٢٦٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣ الباب ١ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) وسائل الشيعة ٥ : ٣٤٥ الباب ٣٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.


الوضعي ، كما في صحيحة صفوان والبزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه‌السلام (١).

٦ ـ وامّا عقد الفضولي‌ فالمشهور صحّته بالاجازة ، وذهب جمع منهم صاحب الحدائق إلى بطلانه مع الاجازة أيضا (٢).

واستدل المشهور بعدّة وجوه نذكر منها :

أ ـ ان الصحّة يمكن تخريجها على طبق القاعدة بلا حاجة إلى دليل خاص ، فان العقد بعد اجازته ينتسب إلى المالك ويصدق انّه عقده فيشمله آنذاك اطلاق خطاب (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٣) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٥) بعد فرض عدم تقيده بما إذا كان الاستناد إلى المالك ثابتا حدوثا وبعد وضوح قابلية الأمر الاعتباري ـ كالعقد ـ على خلاف الأمر التكويني للاستناد إلى غير موجده بالاذن أو بالاجازة.

وهذا الوجه هو ما أشار إليه الشيخ الأعظم بقوله : «لعموم أدلّة البيع والعقود» (٦).

ب ـ التمسّك برواية عروة البارقي قال : «قدم جلب فأعطاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دينارا فقال : اشتر بها شاة ، فاشتريت شاتين بدينار ، فلحقني رجل فبعت احداهما منه بدينار ، ثم أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشاة ودينار فردّه عليّ ، وقال : بارك الله لك في صفقة يمينك. ولقد كنت أقوم بالكناسة أو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٦٤ الباب ١٢ من كتاب الايمان الحديث ١٢.

(٢) الحدائق الناضرة ١٨ : ٣٧٨.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) المائدة : ١.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) كتاب المكاسب ١ : ٣٦٧ ، انتشارات إسماعيليان.


قال بالكوفة فأربح في اليوم أربعين ألفا» (١) ، بتقريب ان شراءه الشاتين بدينار وإن أمكن توجيهه بما يخرج به عن الفضولية إلاّ ان بيعه لإحدى الشاتين فضولي جزما ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمضى بيعه المذكور بقوله : «بارك ...».

والسند وان كان ضعيفا ، إلاّ انّه قد يقال ـ كما في الجواهر ـ : «أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده» (٢).

وناقش الشيخ الأعظم الدلالة باحتمال ان بيع عروة وقبضه واقباضه كان مقرونا بعلمه برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، والمعاملة تخرج عن الفضولية باقترانها بذلك وان كان ظاهر المشهور يدل على العدم واعتبار الاذن أو الاجازة في تحقّق الانتساب وانتفاء الفضولية (٣).

ج ـ التمسّك بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ، ثم قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه ـ يعني الذي باعه الوليدة ـ حتى ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيّع (٤) الابن قال أبوه : ارسل ابني ، فقال : لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، ومسند أحمد بن حنبل ٤ : ٣٧٦.

(٢) جواهر الكلام ٢٢ : ٢٧٧.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٨ ، انتشارات إسماعيليان.

(٤) اي المشتري ، فان لفظ البيّع يطلق على البائع والمشتري.


بيع ابنه» (١).

ونوقشت دلالتها بعدم عمل الأصحاب بها في موردها ـ وهو الاجازة بعد الردّ التي هي غير مجدية اجماعا ـ فكيف يمكن العمل بها في غيره.

والوجه في تحقّق الردّ قبل الاجازة امور ثلاثة : أخذ الوليدة وابنها ، ورفع الخصومة إلى الإمام عليه‌السلام الذي لا معنى له لو لا الرد ، ومناشدة المشتري الامام عليه‌السلام علاج المشكلة ، ولو لا الردّ لما كان لها وجه.

د ـ التمسّك بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيّده ، فقال : ذاك إلى سيّده ، ان شاء أجازه وان شاء فرّق بينهما ، قلت : أصلحك الله ، ان الحكم بن عتيبة وابراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : ان أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ اجازة السيّد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : انّه لم يعص الله وانّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (٢) ، بتقريب ان التعليل يدلّ على ان اجازة من بيده الأمر كافية في تصحيح عقد الفضولي.

والاشكال على ذلك واضح ، إذ المفروض في مورد الرواية صدور العقد ممّن ينبغي صدوره منه ـ وهو العبد الزوج ـ غايته هو فاقد لرضا من يعتبر رضاه ـ وهو المولى ـ فإذا رضي ينبغي وقوع العقد صحيحا ، وهذا بخلافه في سائر الموارد فإنّ العقد لا يفرض فيها صدوره ممّن ينبغي صدوره منه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٩١ الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٢٣ الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.


وهناك روايات اخرى استدلّ بها على المطلوب ، إلاّ ان الكلّ أو الأغلب قابل للمناقشة ، ويكفينا اقتضاء القاعدة لإثبات المطلوب.

٧ ـ وامّا القول بالبطلان‌ فاستدلّ له بعدّة وجوه ، نذكر منها :

أ ـ التمسّك بقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (١) ، فإنّه يدلّ بمقتضى مفهوم الحصر أو مفهوم الوصف على ان غير التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض ليس بسبب مبيح لأكل مال الغير ، ومعلوم ان التجارة في الفضولي ليست تجارة عن تراض.

وفيه : ان التجارة انّما تنتسب إلى المالك متى ما أجاز ، وآنذاك يصدق انها تجارة عن تراض.

ب ـ التمسّك بما ورد في صحيحة سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام من ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «... نهى عن بيع ما ليس عندك» (٢).

ونظيره ما ورد في روايات العامّة من نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده (٣) ، فإنّ المقصود من ذلك الكناية وانه لا تبع ما لا تملكه أو لا تبع ما لا تقدر على تسليمه لعدم كونك مالكا له ، وحيث ان النهي في أمثال المقام ظاهر في الارشاد فيكون دالاّ على فساد بيع الفضولي.

وفيه : ان البيع انّما ينتسب إلى المالك حينما يجيزه ، وآنذاك يصدق ان بيعه بيع لما عنده وليس لما ليس عنده.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٤ الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٤.


٨ ـ واما تعميم الحكم بالصحة لحالة منع المالك مسبقا‌ فلأنّ ما يتصوّر كونه مانعا هو ان العقد إذا وقع منهيّا عنه فذلك النهي حيث انه مستمر إلى ما بعد العقد آنا ما فيلزم على تقدير اجازة المالك سبقها بالرد ، والاجازة المسبوقة بالرد لا تنفع في تصحيح العقد على ما هو المعروف بين الأصحاب.

وفيه : ان كبرى عدم اجداء الاجازة المسبوقة بالردّ لو كانت مسلّمة وتمّ الاجماع المدعى عليها فصغراها غير محقّقة في المقام لأن الثابت بعد العقد مع النهي المسبق هو الكراهة الباطنية من قبل المالك ، والمانع من اجداء الاجازة هو إنشاء الرد قبلا دون مجرّد الكراهة الباطنية.

٩ ـ واما التعميم لحالة بيع الفضولي لنفسه‌ ـ كما هو الحال في الغاصب عادة ـ فلاقتضاء القاعدة لذلك بالبيان المتقدّم ، والقصد المذكور لا يصلح مانعا إلاّ على بيانات ضعيفة نذكر منها :

أ ـ عدم تحقّق قصد البيع والمعاوضة الحقيقية ، فانه ليس منها ـ المعاوضة الحقيقية ـ قصد دخول الثمن في كيس من لم يخرج منه المثمن ، كما هو الحال في الفضولي الذي يقصد البيع لنفسه ، ومعه فلا تنفع الاجازة.

واجيب بانّ الفضولي يقصد ادخال الثمن في كيس مالك المثمن ، غايته يعتبر نفسه هو الملك للمثمن وينزّل نفسه منزلته ، ومعه فقصد المعاوضة الحقيقية متحقّق بعد تنزيل الفضولي نفسه منزلة المالك وقصده ادخال الثمن في كيس مالك المثمن بعد التنزيل المذكور.

ب ـ ان الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فالاجازة ان تعلّقت بذلك‌


فيلزم وقوع المعاملة للفضولي ودخول الثمن في ملكه ، وان تعلّقت بالبيع للمالك فهو لم ينشأ.

وان شئت قلت : يلزم ان ما انشأ لم يجز ، وما اجيز لم ينشأ.

واجيب بانّ جملة «بعت» الصادرة من الفضولي تدلّ على تمليك المبيع للمشتري بازاء الثمن ، وامّا ان الثمن يدخل في كيس من فهو مسكوت عنه ، غايته مقتضى المعاوضة الحقيقية دخوله في كيس مالك المثمن ، وحيث ان الفضولي ينزّل نفسه منزلة المالك للمثمن فيكون قاصدا ادخال الثمن في ملكه بعد التنزيل المذكور.

وباتضاح هذا يقال : ان الاجازة الصادرة من المالك تتعلّق بما تدلّ عليه كلمة «بعت» وما تقتضيه المعاوضة الحقيقية ولا تتعلّق بما قصده الفضولي بعد تنزيل نفسه منزلة المالك للمثمن.

١٠ ـ وامّا ان الاجازة كاشفة أو ناقلة‌ فمحل خلاف.

ووجه النقل واضح ، فانّ السبب الناقل ليس مجرّد العقد بل العقد عن رضا ، وحيث ان الرضا يتحقّق بالاجازة فيلزم تحقّق النقل عند تحقّقها.

ووجه الكشف امور متعدّدة ، نذكر منها :

أ ـ ما ذكره الشهيد والمحقّق الثانيان : «من ان العقد سبب تام في حصول الملك لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وتمامه في الفضولي انّما يعلم بالاجازة ، فإذا أجاز تبيّن كونه تامّا فوجب ترتّب الملك عليه وإلاّ لزم ان لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شي‌ء آخر ، ولا دليل‌


يدل عليه» (١).

وفيه : كيف يكون العقد تمام السبب؟! وعلى تقديره لا تبقى حاجة إلى الاجازة.

اللهم إلاّ ان يكون المقصود ان السبب هو العقد المتعقّب بالاجازة ، فمع حصولها يعلم بتحقّق العقد المتعقّب من حين صدوره.

وهو جيّد ثبوتا إلاّ انّه لا دليل اثباتا على مدخلية وصف التعقّب ، بل ظاهر قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) مدخلية وصف التراضي نفسه لا التعقّب به.

ب ـ ما جاء عن فخر الدين من انها «لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود لأن العقد حالها عدم» (٢).

وفيه : ان قياس الامور الاعتبارية على الامور التكوينية قياس مع الفارق ، فمن الوجيه اعتبار العقد مؤثّرا من حين تحقّق الاجازة وان كان معدوما آنذاك.

والمناسب ان يقال : ان المالك حيث يجيز العقد من حين صدوره وليس من حين الاجازة فيلزم ان تثبت الملكية بعد الاجازة من حين العقد ، فاعتبارها من حين الاجازة إلاّ ان المعتبر ـ الملكية ـ سابق ومن حين العقد.

وهذا نحو من الكشف قد يصطلح عليه بالكشف الانقلابي ، بمعنى انه قبل الاجازة لا ملكية من حين صدور العقد غير انه بالاجازة ينقلب الواقع إلى حدوث الملكية من حين صدور العقد.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٧٤ ، وقريب من ذلك عبارة الروضة البهية ١ : ٣١٤.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٣٨٨ ، انتشارات إسماعيليان.


ولا يصل الامر بعد امكان الكشف بالنحو المذكور إلى ما تبناه الشيخ الأعظم من الكشف الحكمي ، وهو انه بالاجازة لا تحدث الملكية من حين العقد بل تترتب جميع أحكامها من حين العقد (١).

ان ما ذكره لا وجه له بعد ان كان المجيز يجيز العقد من حين صدوره ، إذ لازم الاجازة بالشكل المذكور تحقّق الملكية بعد الاجازة من حين صدور العقد.

على ان اعتبار ترتّب جميع آثار الملكية من حين العقد دون الملكية نفسها لعلّه لا يخلو من تهافت.

وبهذا يتّضح ان المحتملات في الكشف ثلاثة : الكشف الحقيقي ، والكشف الانقلابي ، والكشف الحكمي.

والمقصود من الأوّل : ان اعتبار الملكية من حين العقد ثابت قبل تحقّق الاجازة ما دامت الاجازة تحصل بعد ذلك في علم الله سبحانه.

والمقصود من الثاني : ان اعتبار الملكية من حين العقد يثبت بعد تحقّق الاجازة لا قبلها.

والمقصود من الثالث : انه بالاجازة تترتّب آثار الملكية من حين العقد دون نفسها.

وبضم هذه المحتملات إلى النقل يصير المجموع أربعة (٢).

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٣٩١ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) ولربما يصطلح على الكشف الانقلابي بالمعنى الذي ذكرناه بالكشف الحكمي ، ويفسّر الكشف الانقلابي بكاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن ، فهي لم تكن قبل الاجازة ويتبدّل الواقع إلى الملكية بسبب الاجازة في مقابل :

أ ـ الكشف الحقيقي الذي تفرض فيه كاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد من ـ


١١ ـ واما الثمرة‌ فتظهر في موارد متعدّدة.

وعلى سبيل المثال تظهر الثمرة بين الكشف والنقل في النماء المتخلّل بين العقد والاجازة ، فنماء المبيع للبائع ونماء الثمن للمشتري على النقل ، في حين ان الأمر بالعكس على الكشف.

وتظهر بين أفراد الكشف في من اشترى جارية بالفضولية وأولدها وأجاز المالك بعد ذلك ، فانّه على الكشف الحقيقي يكون الوطء حلالا وتصير بذلك أم ولد ، بينما على الكشف الانقلابي والحكمي يكون الوطء زنا ولا تصير أم ولد ، لأنّ الوطء ليس وطأ في الملك حدوثا بل هو كذلك ـ على الكشف الانقلابي ـ بقاء ، فإذا استظهر من أدلّة أمّ الولد اعتبار كون الوطء في الملك حدوثا لم تصر بذلك أم ولد.

وتظهر الثمرة بين الكشف الانقلابي والحكمي فيما إذا بنينا في المثال السابق على كفاية تحقّق الوطء في الملك بقاء ، فانّه على الكشف الانقلابي تصير الأمة أم ولد بخلافه على الكشف الحكمي ، فانّ الوطء في الملك غير متحقّق حتى بقاء.

٣ ـ شرائط العوضين‌

يلزم في العوضين ملكيتهما ، والقدرة على تسليمهما إلاّ مع الضم لما يمكن تسليمه ، وضبطهما بالكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة ـ وتكفي‌

__________________

ـ دون افتراض انها لم تكن قبل الاجازة.

ب ـ وفي مقابل الكشف الحكمي الذي يفترض فيه اعتبار المالك من حين الاجازة الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن من دون فرض كاشفية الاجازة.


المشاهدة فيما ينضبط بها ـ ، ومعرفة جنسهما وصفاتهما التي تختلف باختلافها القيمة.

ويلزم في المبيع ان يكون عينا.

وقيل باشتراط مالية العوضين.

ومع تخلّف الشروط المذكورة يقع البيع باطلا ، بيد انه لا يحرم التصرّف مع رضا الطرفين به حتى على تقدير البطلان ، كما هو المتداول بين عوام الناس.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الملكية وعدم جواز بيع مثل السمك والطير قبل أخذهما من الماء والهواء‌ فقد استدل له ببعض الروايات من قبيل ما كتبه الامام العسكري عليه‌السلام إلى الصفار : «لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» (١).

والمناسب ان يستدل على ذلك بانّ البيع تمليك بعوض فإذا لم يكن الشخص مالكا فكيف يملّك غيره. وهذا من دون فرق بين البائع والمشتري.

وامّا الرواية المذكورة وما شاكلها فهي ضعيفة الدلالة لأنّها ناظرة في جملة «لا يجوز بيع ما ليس يملك» إلى ان من باع ما هو مملوك لغيره فلا يمضي بيعه ، وهذا من الواضح أجنبي عن المطلوب اثباته ، وقد تقدم الحديث عنه في شرائط المتعاقدين.

٢ ـ واما القدرة على التسليم‌ فلم يعرف خلاف في اعتبارها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٥٢ الباب ٢ من أبواب عقد البيع الحديث ١.


واستدلّ على ذلك بعدّة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسّك بالنبوي المعروف : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر» (١) بعد تفسير الغرر بالمخاطرة المتحقّقة بشراء ما لا يقدر على تسليمه.

وفيه : انّه ضعيف سندا ـ للإرسال ـ ودلالة لإمكان اندفاع الغرر باشتراط الخيار على تقدير عدم تحقّق التسليم خلال مدّة مضبوطة.

وأيضا يمكن تصوّر اندفاع الغرر فيما إذا أمكنت الاستفادة من المبيع بالرغم من عدم القدرة على تسلمه ، كما في العبد الآبق حيث يمكن عتقه في كفارة والدار المغصوبة حيث يمكن وقفها على من هي بيدهم وذريتهم ما تناسلوا.

ب ـ ما تمسّك به الشيخ النائيني من زوال المالية عمّا لا يقدر على تسليمه (٢).

وفيه : انه لو سلم باعتبار شرطية المالية في العوضين ـ وسيأتي التأمّل في ذلك ـ لا نسلم بزوال المالية بعدم القدرة فانّه مخالف للوجدان.

ج ـ ان الاقدام على المعاملة التي لا قدرة فيها على التسليم سفهي.

وفيه : ان السفاهة منتفية في حالة امكان الانتفاع كما في المثالين السابقين.

ومع غضّ النظر عن ذلك يمكن أن يقال : لا دليل على بطلان المعاملة السفهية بل مقتضى اطلاق مثل «أحل الله البيع» امضاؤها وعدم اشتراط ان لا تكون كذلك. أجل تصرّف السفيه في أمواله باطل لا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٣٠ الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٢) منية الطالب ١ : ٣٧٨.


ان المعاملة السفهية باطلة.

د ـ ان أكل المال بازاء ما لا يقدر على تسليمه أكل له بالباطل ، وهو منهي عنه بمقتضى قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*) (١).

وفيه : ان من المحتمل أن يكون المقصود : لا تأكلوا أموالكم بالأسباب الباطلة وليس لا تأكلوها بلا مقابل. ويكفي الاحتمال في المقام حيث تعود المطلقات بلا مانع يمنع من التمسّك باطلاقها.

ه ـ التمسّك بالنبوي المتقدّم في الفضولي : «لا تبع ما ليس عندك».

وفيه : انه لو تمّ سنده فمن المحتمل ان يكون المقصود الكناية عن عدم الملكية وليس عن عدم القدرة على التسليم ، ويكفي الاحتمال لما تقدّم.

و ـ وأحسن ما يمكن التمسّك به الروايات الناهية عن بيع الآبق بلا ضميمة ، كما في موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال : لا يصلح إلاّ ان يشتري معه شيئا آخر ويقول : اشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فان لم يقدر على العبد كان الذي نقّده فيما اشتري منه» (٢).

وإذا لم يحتمل اختصاص مثل الرواية المذكورة بموردها أمكنت الفتوى باعتبار الشرط المذكور وإلاّ فلا بدّ من التنزل إلى الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور والاجماع المدعى على الشرطية.

٣ ـ واما وجه الاستثناء‌ فواضح من خلال الموثقة المتقدّمة بعد فهم العرف عدم الخصوصية لموردها.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٦٣ الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروط الحديث ٢.


٤ ـ واما اعتبار ضبط العوضين‌ فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه روايات كثيرة من قبيل :

أ ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد ، قال : لا بأس به» (١) ، فانّها تدلّ على ارتكاز عدم جواز بيع المعدود بلا عدّ ، والامام عليه‌السلام قد أمضى الارتكاز المذكور. وموردها وان كان هو المعدود إلاّ ان الخصوصية له غير محتملة فيتعدّى إلى غيره.

ب ـ صحيحة محمد بن حمران : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اشترينا طعاما فزعم صاحبه انّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله ، فقال : لا بأس ، فقلت : أيجوز ان أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : لا ، اما انت فلا تبعه حتى تكيله» (٢).

واما حديث نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (٣) فهو ضعيف سندا ـ للإرسال ـ ودلالة باعتبار ان الجهل بالمقدار لا يلازم الغرر بمعنى الخطر ، فمن باع شيئا مردّدا بين كونه مثقال ذهب أو نصف مثقال بدرهم صدق عليه الجهل بمقدار المبيع من دون صدق الغرر بمعنى المخاطرة.

هذا كلّه بالنسبة إلى المبيع.

واما اعتبار ضبط الثمن فيمكن ان يستفاد من الروايات السابقة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٥٩ الباب ٧ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٥٦ الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٣٠ الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢.


بعد تنقيح المناط والغاء العرف خصوصية المورد حيث يفهم ان المعلومية معتبرة في العوضين بلا خصوصية للمبيع.

٥ ـ واما كفاية المشاهدة فيما ينضبط بها‌ فلأنّ المستفاد من النصوص السابقة اعتبار معلومية العوضين فإذا تحقّقت بالمشاهدة كفت ، ولا دليل على اعتبار ما هو أكثر منها.

٦ ـ واما اعتبار ضبط الجنس والصفات‌ فلأنّ مورد النصوص السابقة وان كان هو المقدار إلاّ ان المفهوم منها اعتبار المعلومية الرافعة للجهالة ، وذلك لا يتحقّق بضبط المقدار دون الجنس والصفات.

٧ ـ واما اعتبار ان يكون المبيع عينا وعدم صحّة كونه منفعة أو عملا‌ فلأنّ ذلك ان لم يكن هو المتبادر من لفظ البيع على خلاف الاجارة ـ التي يتبادر منها التعلّق بالمنفعة أو العمل ـ فلا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك ، ومعه لا يصحّ التمسّك بالعمومات لأنّه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ، وهو لا يجوز لأنّ الحكم لا يتكفّل باثبات موضوعه.

أجل يصح أن لا يكون الثمن عينا لعدم احتمال اعتبار ذلك في المفهوم العرفي للبيع.

٨ ـ واما القول باشتراط المالية‌ فقد يستدلّ له بما في المصباح من كون البيع مبادلة مال بمال (١).

وفيه : ان الاطلاقات العرفية أعم من ذلك ، فالورقة الصغيرة ليست مالا ولكن باعتبار اشتمالها على دعاء خاص لي كامل الاعتقاد به أقدم على شرائها ويصدق البيع والشراء على ذلك من دون تشكيك.

__________________

(١) المصباح المنير ١ : ٧٧.


ومع تحقّق الصدق في زماننا فباستصحاب القهقرى ـ أو اصالة عدم النقل ـ يثبت الوضع للمعنى الوسيع عصر صدور النصوص.

وإذا قيل : مع عدم المالية تقع المعاملة باطلة لكونها سفهية.

قلنا : سفهية المعاملة أوّل الكلام لفرض وجود غرض عقلائي خاص بالمشتري.

ولو تنزّلنا فبالامكان أن نقول : لم يقم دليل على اشتراط صحّة المعاملة بعدم كونها سفهية بالبيان المتقدّم.

ومن خلال هذا يتّضح امكان تصحيح بيع الدم والعذرة والحشرات وما شاكل ذلك على تقدير التسليم بعدم ماليّتها.

٩ ـ واما وجه ما ذكر أخيرا‌ فباعتبار ان جواز التصرّف منوط بالرضا وطيب النفس كما دلّ عليه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه» (١).

٤ ـ الخيارات‌

الخيار الثابت في المعاملات على أقسام :

خيار المجلس‌

١ ـ وهو ثابت لخصوص المتبايعين في مجلس البيع ويستمر ما دام لم يتم التفرّق بينهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٣ الباب ١ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣.


ولا يثبت للوكيل في مجرّد اجراء الصيغة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اصل ثبوت خيار المجلس في الجملة‌ فممّا لا إشكال فيه ، وقد دلّت عليه الروايات المستفيضة ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيّعان بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام» (١).

وفي مقابل ذلك موثق غياث بن ابراهيم : «قال علي عليه‌السلام : إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وان لم يفترقا» (٢).

وهو ان أمكن توجيهه بحمل التصفيق المذكور فيه على ما قصد به اسقاط الخيار فلا اشكال وإلاّ يلزم طرحه لمخالفته لإجماع الأصحاب والضرورة الثابتة بينهم ، بل ان كثرة الروايات الدالة على ثبوته يمكن ان تشكّل عنوان السنّة القطعية ، والمخالف لها يلزم طرحه ، لأن المخالف للكتاب انّما لزم طرحه لا لمخالفة الكتاب بعنوانها بل لأن الكتاب الكريم يمثّل دليلا قطعيّا فيلزم طرح كل ما يخالف الدليل القطعي.

٢ ـ واما اختصاصه بالمتبايعين وعدم شموله لمطلق المتعاقدين‌ فللقصور في المقتضي.

٣ ـ واما التعبير ب «مجلس البيع» فهو من باب ذكر الفرد الغالب وإلاّ فلو جرى العقد حالة المشي ثبت الخيار أيضا لعدم تعبير النص بالمجلس.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٥ الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٧ الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٧.


٤ ـ واما ان الغاية افتراقهما دون الافتراق عن المجلس‌ فلتعبير الصحيحة ب «حتى يفترقا» الظاهر في الافتراق بينهما دون افتراقهما عن المجلس.

٥ ـ واما عدم ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة فقط‌ فلانصراف عنوان «البيّع» عنه ، بل لا يحتمل ثبوته له بعد ما كان الغرض من الخيار هو التروي والارفاق اللذين لا معنى لهما في حقّه.

وقد يضاف إلى ذلك : ان الوكيل المذكور وكيل في اجراء الصيغة فقط وليس في الفسخ عن المالك ، لكنّه قابل للتأمّل ، فان عدم ثبوت حق الفسخ له من المالك لا ينافي ثبوته له بما هو عاقد من قبل الشرع تعبّدا.

ومن خلال ما ذكرناه يتّضح الحال في الوكيل في تمام شئون المعاملة وان المناسب ثبوت الخيار له لعدم انصراف عنوان «البيّع» عنه.

خيار الحيوان‌

٢ ـ وهو ثابت لمشتري الحيوان ثلاثة أيّام ، وقيل : بثبوته لبايعه أيضا.

وإذا كان الثمن حيوانا ثبت لبايعه أيضا.

ومبدأ الثلاثة من حين العقد دون التفرّق.

ويكفي التلفيق لو كان العقد أثناء النهار.

وتدخل الليلتان المتوسّطتان في مدّة الخيار ، وهكذا الليلة الثالثة عند التلفيق.

والمستند في ذلك :

١ ـ امّا ان خيار الحيوان ثلاثة أيّام‌ فلا خلاف فيه في الجملة ،


والروايات به مستفيضة ، ففي صحيحة ابن مسلم المتقدّمة : «وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام».

٢ ـ واما ان الخيار للمشتري بالرغم من عدم دلالة الصحيحة السابقة عليه‌ فللتصريح بذلك في جملة من الروايات الاخرى ، كصحيحة علي بن رئاب : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار ، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما (١)؟ فقال : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة» (٢).

وفي موثقة ابن فضال : «سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : صاحب الحيوان المشترى بالخيار بثلاثة أيّام» (٣).

٣ ـ واما القول بثبوته للبائع أيضا‌ فيمكن الاستدلال له بصحيحة اخرى لمحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (٤).

وفيه : ان بالإمكان الجمع بحمل الصحيحة المذكورة على حالة كون كلا العوضين حيوانا لصراحة صحيحة ابن رئاب في اختصاص الخيار بالمشتري.

ومع التنزّل يستقرّ التعارض بين الصحيحتين ويتعيّن الحكم بالاختصاص بالمشتري أيضا ، امّا لترجيح صحيحة ابن رئاب باعتبار موافقتها للكتاب الكريم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الدال على لزوم كل عقد من‌

__________________

(١) المناسب : كليهما.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٠ الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٩ الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٩ الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٣.


طرف البائع ما عدا فترة خيار المجلس الخارجة بالتخصيص ، أو لأنه بعد استقرار التعارض يتساقطان ويلزم الرجوع للقاعدة ، وهي تقتضي اللزوم من طرف البائع ، فإن قوله عليه‌السلام في روايات خيار المجلس : «البيّعان بالخيار حتى يفترقا» (١) يدل بإطلاقه على اللزوم بعد الافتراق في الحيوان وغيره ومن طرف البائع والمشتري ، ويقتصر في الخروج عنه على القدر المتيقّن ، وهو ثبوت خيار الحيوان لمشتري الحيوان.

٤ ـ وامّا ثبوته للبائع إذا كان الثمن حيوانا‌ فللتمسّك بإطلاق عنوان «صاحب الحيوان» الوارد في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، فإنه كما يشمل المشتري حالة كون المثمن حيوانا كذلك يشمل البائع حالة كون الثمن حيوانا.

ولا موجب لرفع اليد عن الاطلاق المذكور سوى أحد امور ثلاثة : اما انصراف عنوان «صاحب الحيوان» لخصوص المشتري لكون ذلك الحالة الغالبة ، أو التصريح في صحيحة ابن رئاب بثبوت الخيار للمشتري فقط ، أو تقييد صاحب الحيوان في موثقة ابن فضال بالمشتري.

والكل كما ترى.

اما الأوّل فلعدم كون الغلبة الوجودية موجبة لتقييد اطلاق المطلق.

واما الثاني فلأنّ الصحيحة صرّحت بثبوته للمشتري فقط من جهة فرض كون المبيع حيوانا فقط.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٥ الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ١.


واما الثالث فلأنّ تقييد صاحب الحيوان بالمشتري يمكن أن يكون : اما لدفع احتمال كون المقصود منه الصاحب الأوّل للحيوان ، وهو البائع.

أو لوروده مورد الغالب من كون صاحب الحيوان مشتريا ، فان الغلبة قد يصحّ تنزيل التقييد عليها دون اطلاق المطلق.

أو لوصف الحيوان ـ دون صاحبه ـ بانه مشترى ، بان تكون كلمة «المشترى» بصيغة المبني للمفعول دون الفاعل.

٥ ـ واما ان مبدأ الثلاثة هو العقد دون التفرّق ـ خلافا لجماعة ـ فلظاهر صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، فإنها دالّة على ان الخيار الذي ينتهي بالتفرّق يستمر في الحيوان إلى ثلاثة أيّام ، ومن الواضح ان خيار المجلس الذي ينتهي بالتفرّق يبتدئ من حين العقد فيلزم أن يكون الأمر كذلك في خيار الحيوان.

وبهذا يتّضح التأمّل فيما استدل به على كون البداية هي التفرّق من استصحاب عدم حدوث الخيار قبل انقضاء المجلس ، أو استصحاب عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد ، أو بانّه يلزم اجتماع سببين على مسبب واحد.

ووجه التأمّل :

اما بالنسبة إلى الاستصحابين فلأن النوبة لا تصل إلى الدليل الفقاهتي مع وجود الدليل الاجتهادي.

على ان الاستصحاب الأوّل مثبت لأنّ المطلوب اثبات عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد ، وهو لازم غير شرعي لعدم حدوثه قبل‌


انقضاء المجلس.

واما بالنسبة إلى الأخير فلأن قياس الامور الاعتبارية على الامور التكوينية قياس مع الفارق.

٦ ـ واما دخول الليلتين‌ فلأن اليوم وان كان ظاهرا في خصوص بياض النهار إلاّ ان المستفاد من الروايات استمرار الخيار الواحد ، ولازمه دخول الليلتين.

٧ ـ واما كفاية التلفيق‌ فلأن ذلك هو المفهوم عرفا من التحديد بثلاثة أيّام ونحوه ، فهو يفهم ان العقد لو وقع بداية بياض النهار استمر ثلاثة من دون تكسير ، ولو وقع أثناء بياض النهار استمر إلى أثناء بياض اليوم الرابع.

وهذا البيان نفسه يأتي في عشرة الاقامة وثلاثة الحيض وعشرته.

٨ ـ واما دخول الليلة الثالثة حالة التلفيق‌ فلما تقدّم في دخول الليلتين.

خيار الشرط‌

٣ ـ وهو الثابت بسبب اشتراطه في العقد للمتعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي.

ويلزم لدى المشهور ضبط المدّة المجعول فيها الخيار وعدم تردّدها بين الزيادة والنقصان.

ومن أفراد الخيار المذكور بيع العين على أن يكون للبائع الخيار في استرجاعها عند ردّ الثمن نفسه ـ على تقدير وجوده ـ أو مثله ـ على تقدير‌


عدمه ـ خلال فترة معيّنة. ويصطلح عليه ببيع الخيار.

كما يجوز للمشتري أيضا اشتراط الخيار عند ردّ العين خلال فترة معينة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الخيار يثبت باشتراطه‌ فلعدّة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسّك بقاعدة «المسلمون عند شروطهم» المستفادة من صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز» (١).

ونوقش ذلك بأن شرط الخيار مخالف للكتاب الكريم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الدال على لزوم كل عقد ، وللسنّة الشريفة ـ فإذا افترقا فلا خيار ـ الدالّة على لزوم البيع بعد الافتراق.

ويمكن الجواب بانّ اللزوم ووجوب الوفاء ليسا بمعنى وجوب ابقاء العقد بعد الافتراق تعبّدا بل هما بمعنى حرمة التخلّف عمّا تمّت عليه المعاقدة ، وهو لا يتنافى مع اشتراط الخيار في بداية المعاقدة.

ب ـ التمسّك بإطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) الشامل للبيع المشتمل على الخيار.

ج ـ التمسّك بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيّام للمشتري. وهو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط» (٣) ، فانّها تدلّ على ان ثبوت الخيار في غير الحيوان يمكن أن يتمّ من خلال الشرط.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٩ الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ١.


٢ ـ واما جواز اشتراطه للأجنبي‌ فلإطلاق الوجوه المتقدّمة كلا أو جلا.

٣ ـ واما اعتبار ضبط المدّة‌ فلا وجه له سوى صيرورة البيع نفسه غرريا لدى جهالة الشرط ، وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (١).

بيد انه قد تقدّم ضعف سند الحديث ، ويبقى الحكم مبنيا على الاحتياط تحفّظا من مخالفة الاجماع المدعى في المسألة.

٤ ـ واما بيع الخيار فالوجه في صحّته :

أ ـ التمسّك بالبيان المتقدّم في خيار الشرط حيث انه من مصاديقه.

ب ـ التمسّك بالروايات الخاصّة من قبيل موثقة إسحاق بن عمّار : «حدّثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله رجل وأنا عنده فقال : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال : ابيعك داري هذه وتكون لك أحبّ إليّ من ان تكون لغيرك على ان تشترط لي ان انا جئتك بثمنها إلى سنة ان تردّ عليّ ، فقال : لا بأس بهذا ...» (٢).

ودلالة الموثقة وان كانت واضحة إلاّ ان سندها قابل للتأمّل ، فإن الشيخ الطوسي نقلها كما ذكر (٣) ، في حين ان الشيخ الصدوق نقلها عن إسحاق هكذا : «سأله رجل وأنا عنده فقال : ...» (٤) ، والشيخ الكليني نقلها عن إسحاق هكذا : «أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام قال : سأله رجل وأنا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٣٠ الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٥ الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٨.


عنده فقال له ...» (١).

وهي بالنقلين الأوّلين لا إشكال فيها إلاّ انها بالنقل الثالث محل اشكال لأن السامع من الامام عليه‌السلام الذي ينقل إسحاق الرواية عنه مجهول ، ولعلّه غير ثقة ، ومعه يحصل التعارض في النقل ، إذ من البعيد تعدّد النقل الحاصل من إسحاق بل هو اما قال : سمعت ممّن سمع الامام عليه‌السلام أو قال : سمعت الامام عليه‌السلام وقد سأله رجل وأنا عنده ، وحيث لا مرجّح للثاني فتسقط الرواية عن الاعتبار.

ولكن لئن لم يمكنّا تصحيح سند الموثقة المذكورة فبالامكان التعويض عنها بروايات اخرى ، كموثقة معاوية بن ميسرة (٢).

٥ ـ واما انه يلزم ردّ الثمن نفسه على تقدير وجوده وبدله على تقدير عدمه‌ فلأن ذلك من لوازم الفسخ المقتضي لرجوع كل واحد من العوضين إلى صاحبه عند وجوده وبدله على تقدير عدمه.

٦ ـ واما جواز اشتراط الخيار المذكور للمشتري أيضا‌ فلأن الروايات الخاصّة وان لم تشمل ذلك الا انه يكفي اقتضاء القاعدة بالبيان المتقدّم.

خيار تخلّف الشرط‌

٤ ـ كل من اشترط شرطا في العقد صريحا أو ضمنا وكان غير مخالف للشرع ولا لمقتضى العقد يلزم الوفاء به. وعند تخلّف المشروط عليه عن القيام به يثبت للشارط الخيار.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٥ الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ٣.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الشرط الذي يجب الوفاء به هو ما كان مذكورا في العقد بأحد النحوين‌ فباعتبار انه عبارة عن الالتزام ضمن الالتزام ، فإذا لم يكن ضمن العقد يكون التزاما ابتدائيّا وليس شرطا ليشمله عموم «المسلمون عند شروطهم».

٢ ـ واما اعتبار ان لا يكون مخالفا للشرع فلوجهين :

أ ـ عدم احتمال الزام الشارع بالوفاء لما كان مخالفا له.

ب ـ تقييد وجوب الوفاء في صحيحة ابن سنان السابقة بذلك.

٣ ـ واما اعتبار ان لا يكون مخالفا‌ لمقتضى العقد ـ كالبيع بلا ثمن ـ فلوجهين :

أ ـ ان الوفاء بالعقد حيث يتنافى مع مضمون الشرط فيلزم أحد أمرين : اما عدم وجوب الوفاء بالعقد ومن ثمّ بطلانه ، أو عدم وجوب الوفاء بالشرط ومن ثمّ بطلانه ، وعلى كلا التقديرين يلزم بطلان الشرط وعدم وجوب الوفاء به.

ب ـ ان الشرط إذا كان مخالفا لمقتضى العقد فهو مخالف للكتاب الكريم الدال على ترتّب مقتضى العقد عليه.

٤ ـ واما وجوب الوفاء بالشرط تكليفا فلوجوه :

أ ـ التمسّك بقوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١) ، فانه يدل على ان الوفاء بالشرط لا ينفك عن الإسلام ، وعدمه لا ينفك عن عدمه ، ولازم ذلك وجوب الوفاء بالشرط.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.


ب ـ التمسّك بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، اما بتقريب ان المقصود من العقود هو العهود ـ كما روى ذلك عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه‌السلام (٢) ، والعهد صادق على الشرط ـ أو بتقريب ان العقد إذا وجب الوفاء به فيلزم الوفاء بالشرط أيضا لأنه جزء ممّا تمّ التعاقد عليه.

ج ـ التمسّك بالروايات الخاصّة ، من قبيل موثقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحل حراما» (٣) ، فانها واضحة في وجوب الوفاء.

وموردها وان كان عقد النكاح الا انه يتعدّى إلى غيره اما لعدم القول بالفصل أو لأن التعليل ينفي احتمال الخصوصية.

وبهذا يتّضح ان ما أفاده الشهيد في اللمعة ـ من عدم وجوب الوفاء بالشرط وان فائدته تنحصر في جواز الفسخ عند تخلّفه (٤) ـ قابل للتأمّل.

٥ ـ واما ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط‌ فلأن مرجع الاشتراط عرفا إلى تعليق الالتزام بالعقد على تحقّق الشرط خارجا ، فعند عدم تحقّقه لا التزام بالعقد الذي هو عبارة اخرى عن جعل الشارط الخيار لنفسه عند تخلّف الشرط.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٤٨ الباب ٢٥ من كتاب النذر والعهد الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٤ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٥.

(٤) اللمعة الدمشقية كتاب التجارة الفصل ٩ الخيار ١٠.


ووجّه الشيخ الأعظم ثبوت الخيار بقوله : «إذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه» (١).

خيار الغبن‌

٥ ـ وهو ثابت من حين العقد للمغبون ـ بايعا كان أو مشتريا ـ مع جهله بالحال لا على الفورية بل يجوز التأخير لغرض عقلائي.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ثبوت الخيار عند الغبن‌ فلا إشكال فيه وانما الاشكال في تخريجه الفني.

وقد ذكرت عدّة تقريبات ، أوجهها التمسّك بفكرة الشرط الضمني بتقريب ان كل عاقد عاقل يشترط ضمن العقد لنفسه الخيار ـ اشتراطا ضمنيّا ـ على تقدير كونه مغبونا وكون التفاوت فاحشا.

٢ ـ واما انه من حين العقد‌ ـ خلافا للقول بكونه عند ظهور الغبن ـ فلأن المشترط ضمنا ثبوت الخيار عند ثبوت الغبن واقعا وان لم يظهر ، وعليه إذا فسخ المغبون قبل ظهور غبنه وقع صحيحا.

٣ ـ واما التعميم للبائع والمشتري‌ فلاشتراك النكتة.

٤ ـ واما اعتبار الجهل‌ فلاختصاص نكتة الخيار المتقدّمة بحالة الجهل.

٥ ـ واما فورية خيار الغبن‌ فمحل خلاف.

واستدل لها بان الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ٣ : ٣٣ ، انتشارات إسماعيليان.


المتيقن. وأوضح المحقّق الثاني الأصل بان «العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة والا لم ينتفع به» (١).

واستدل للتراخي بالاستصحاب ، وهو يتم بناء على تمامية أمرين :

أ ـ جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي وعدم اختصاصه بموارد الشك في الرافع خلافا للشيخ الأعظم والنائيني.

ب ـ جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة أصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

والمناسب ان يقال : ان التأخير إذا كان لغرض عقلائي ـ كانتظار حضور الغابن ـ فلا يسقط به الخيار وانما يسقط إذا كان في التأخير دلالة على الاغماض عن الخيار ، فان النكتة المتقدّمة لثبوت الخيار تقتضي ما ذكرناه.

خيار العيب‌

٦ ـ كل من انتقل إليه بالبيع أو الشراء ما فيه عيب كان له ردّه. والمشهور جواز المطالبة بالارش أيضا الا مع احداث حدث فيه فيتعيّن الارش.

ويسقطان مع العلم بالعيب او البراءة من العيوب.

ولا فورية في اعمال الخيار المذكور.

والخيار في الردّ يعمّ جميع المعاملات وان كان الارش خاصا بالبيع.

والمستند في ذلك :

__________________

(١) كتاب المكاسب ٢ : ٢٩٢ ، انتشارات إسماعيليان.


١ ـ اما جواز ردّ المعيب‌ فقد دلّت عليه عدّة روايات ، ولكنّها خاصّة بموردها من قبيل صحيحة ميسر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل اشترى زق زيت فوجد فيه درديا (١) قال : فقال : ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه ، وان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه» (٢).

الا ان الحكم يمكن اثباته على طبق القاعدة بلا حاجة إلى رواية ، وذلك بالتمسّك بفكرة الشرط الضمني ، فان كل من يقدم على معاملة يشترط ضمنا السلامة والخيار لنفسه على تقدير عدمها.

٢ ـ واما التعميم للبائع والمشتري‌ فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمني بالمشتري.

٣ ـ واما التخيير بين الردّ والارش الذي صار له المشهور‌ فلا رواية تدلّ عليه وانما الوارد ثبوت الارش عند حصول بعض التصرّفات المانعة من الرد. ويجوز ان يكون ذلك من باب تعيّن الرد حالة عدم التصرف ، والارش حالة التصرّف وليس من باب تعين أحد طرفي التخيير بتعذّر الآخر.

أجل ورد في الفقه الرضوي : «فان خرج في السلعة عيب وعلم المشتري فالخيار إليه ان شاء ردّه وان شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة ارش العيب» (٣).

__________________

(١) الدردي في الزيت ونحوه : ما يبقى في اسفله.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤١٩ الباب ٧ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٢ من أبواب الخيار الحديث ٣.

والظاهر زيادة الالف في (أو).


بيد ان الكتاب المذكور ساقط عن الاعتبار لعدم ثبوت نسبته إلى الامام الرضا عليه‌السلام وان أصرّ على ذلك بعض الأصحاب كصاحب الحدائق (١).

نعم من يرى حجية الشهرة الفتوائية والاجماعات المنقولة فبامكانه الاستناد إليها ، والا فالمناسب اختصاص الارش بحالة عدم امكان الردّ بسبب التصرّف لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء انه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» (٢).

والسند يشتمل على موسى بن بكر الواسطي ، وهو لم يوثق في كتب الرجال الابناء على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد تفسير القمي.

أجل ورد في الحديث ان أبا الحسن عليه‌السلام أرسل خلفه وقال له : «مالي أراك مصفرّا ألم آمرك بأكل اللحم؟ فأجاب ما أكلت غيره منذ أمرتني ، فقال عليه‌السلام : كيف تأكله؟ فقال : طبيخا ، قال : كله كبابا. وبعد جمعة أرسل خلفه الامام عليه‌السلام فإذا الدم قد عاد في وجهه وأرسله إلى الشام في بعض حوائجه» (٣).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ : ٢٥.

وللشيخ النوري في مستدركه ١٩ : ٢٣٠ ـ ٣٢٢ بحث مفصّل عن الكتاب المذكور.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٢ الباب ١٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٣١٩.


ولكن الحديث ضعيف سندا لان الراوي له الواسطي نفسه ، ودلالة لان اعتناء الامام عليه‌السلام بصحّته وارساله في بعض حوائجه لا يلازم الوثاقة.

والاولى الاستدلال على قبول رواياته بما رواه الشيخ الكليني بطريق معتبر عن الحسن بن محمد بن سماعة : «دفع إليّ صفوان كتابا لموسى بن بكر فقال لي : هذا سماعي من موسى بن بكر وقرأته عليه فإذا فيه : موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة. قال صفوان : هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا» (١).

٤ ـ واما سقوط الرد والارش حالة العلم أو البراءة‌ فلقصور فكرة الشرط الضمني والنصوص المتقدّمة عن الشمول لمثل ذلك.

٥ ـ واما انه لا فورية في الخيار المذكور‌ فذلك واضح بالنسبة إلى الرد لان الاشتراط الضمني لم تؤخذ فيه الفورية في اعمال الخيار.

واما بالنسبة الى الارش فعدم فوريته مقتضى اطلاق صحيحة زرارة ، ومع التنزّل والتسليم بدعوى انها في مقام بيان أصل الخيار دون خصوصياته فلا أقلّ من اطلاقها المقامي.

٦ ـ واما ان الرد بالعيب يعمّ جميع المعاملات‌ فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمني بالبيع بل تعم غيره.

اجل يختص الارش بالبيع لاختصاص صحيحة زرارة ـ التي هي مدركه ـ به.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٩٧.


خيار التأخير‌

٧ ـ من باع من دون قبض العوضين ولا أحدهما فالبيع عليه لازم ثلاثة ايام وله الفسخ بعدها ما دام لم يشترط تأخير قبضهما أو أحدهما. ويصطلح عليه بخيار التأخير.

ومتى ما تمّت المعاملة يلزم تسليم العوضين بعدها فاذا امتنع احدهما كان للآخر الفسخ ، ولا يختص هذا بالبيع بخلاف ما سبق.

ومن باع ما يسرع إليه الفساد ـ كبعض الفواكه ـ فالامهال ليس إلى ثلاثة ، بل الى ما قبل طروه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ثبوت الخيار بالتأخير‌ فلا إشكال فيه في الجملة. وتدلّ عليه عدّة روايات ، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه. قال : ان جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام والا فلا بيع له» (١).

ولا يضر ضعفها بعلي بن حديد في أحد طريقي الكليني بعد سلامة بقيّة طرقها من ذلك.

وقد يستفاد من نفي الإمام عليه‌السلام البيع بقوله : «والا فلا بيع له» بطلان البيع اما من الأساس أو بعد الثلاثة دون ثبوت الخيار للبائع ، وبذلك لا تكون دالّة على ما ذهب إليه المشهور.

الا ان ذلك ضعيف باعتبار ان المقصود تسهيل الأمر على البائع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٦ الباب ٩ من أبواب الخيار الحديث ١.


وهو يتحقّق بنفي اللزوم من ناحيته ، كيف وهل يحتمل ان البائع لا يحق له الانتظار أكثر من ثلاثة متبرّعا.

وبعد هذا لا تبقى حاجة إلى ما أفاده الشيخ الأعظم بقوله : «وكيف كان فلا أقل من الشك فيرجع إلى استصحاب الآثار المترتبة على البيع.

وتوهم كون الصحّة سابقا في ضمن اللزوم فترتفع بارتفاعه ، مندفع بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحّة وانما هو حكم مقارن له في خصوص البيع الخالي من الخيار» (١).

٢ ـ واما اشتراط عدم قبض العوضين ولا أحدهما‌ فللتصريح بذلك في الصحيحة المتقدّمة.

واما اعتبار عدم اشتراط التأخير فلأن ذلك هو المنصرف من الصحيحة.

٣ ـ واما انه يلزم تسليم العوضين بعد تمامية المعاملة‌ فلأن كل طرف يملك بالمعاملة ما انتقل إليه فالتأخير من دون رضاه غير جائز الا مع الانصراف اليه ، وهو غير ثابت بل الثابت عكسه.

٤ ـ واما انه يحق للآخر الفسخ على تقدير امتناع أحدهما‌ فذلك للاشتراط الضمني على احتفاظ كل منهما بالخيار لنفسه على تقدير امتناع الآخر من التسليم.

٥ ـ واما اختصاص خيار التأخير بالبيع‌ فلاختصاص صحيحة زرارة السابقة وغيرها به ، وهذا بخلاف جواز الفسخ على تقدير امتناع أحدهما من التسليم فان نكتته عامة لغير البيع أيضا.

__________________

(١) كتاب المكاسب ٢ : ٢٩٩ ، انتشارات إسماعيليان.


٦ ـ واما بيع ما يسرع إليه الفساد‌ فقد دلّت بعض الروايات على ثبوت الخيار فيه بعد دخول الليل إذا كان يفسده المبيت كما في رواية محمد بن أبي حمزة أو غيره عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يشتري الشي‌ء الذي يفسد من يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن ، قال : ان جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن والا فلا بيع له» (١).

ولكنها ضعيفة السند بالارسال. ولا بدّ من حملها على حالة تحقّق الفساد بالمبيت ، اما إذا كان يتحقّق في وسط النهار مثلا فالخيار لا بدّ وان يكون ثابتا قبيل ذلك بنحو يمكن بيعه لو فسخ.

والوجه في ذلك هو الاشتراط الضمني الارتكازي إذ العاقل لا يقدم على اتلاف ماله بلا مقابل.

خيار الرؤية‌

٨ ـ من اشترى اعتمادا على رؤية سابقة أو على وصف بدون رؤية ثم وجده على خلاف ذلك كان بالخيار بين الردّ والامساك.

ولا يحق له المطالبة بالارش كما لا يسقط خياره ببذل البائع الارش أو ابدال العين باخرى.

والخيار يثبت للبائع أيضا إذا كان قد رأى المبيع أو اعتمد على وصف ثم انكشف الخلاف.

بل يثبت الخيار للبائع أو المشتري إذا اتّضح الخلاف في الثمن.

وليس الخيار المذكور ثابتا بنحو الفورية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٩ الباب ١١ من أبواب الخيار الحديث ١.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما ثبوت الخيار عند تخلّف الرؤية أو الوصف‌ فهو المعروف بين الأصحاب ، واستدل له بصحيح جميل بن دراج : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلما ان نقذ المال صار الى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : انه لو قلب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية» (١).

وهو ان تمت دلالته على المطلوب فلا إشكال والا أمكن التمسّك بفكرة الاشتراط الضمني ، فان من يشتري اعتمادا على الرؤية أو الوصف يشترط لنفسه الخيار ضمنا وارتكازا على تقدير التخلّف. والسيرة العقلائية المنعقدة على استحقاق المشتري للفسخ عند التخلّف واضحة في ذلك.

٢ ـ واما انه لا تجوز المطالبة بالارش ولا يسقط الخيار ببذله ولا بالابدال بعين اخرى‌ فلأن ثبوت الارش يحتاج إلى دليل ، وهو خاص بالعيب ، ومقتضى الاشتراط الضمني ثبوت الحق في الفسخ دون الارش أو الابدال.

٣ ـ واما التعميم للبائع ولانكشاف الخلاف في الثمن‌ فلعموم نكتة الاشتراط الضمني.

٤ ـ واما عدم اعتبار الفورية في اعمال الخيار‌ فلعدم اقتضاء فكرة الاشتراط الضمني لذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦١ الباب ١٥ من أبواب الخيار الحديث ١.


٥ ـ الربا‌

الربا حرام بالضرورة ، ويتحقّق في موردين :

أ ـ القرض. ويأتي البحث عنه في كتاب القرض إن شاء الله تعالى.

ب ـ والبيع. وذلك فيما إذا بيع أحد المتّحدين جنسا بالآخر مع زيادة أحدهما زيادة عينية أو حكمية وافتراض كونهما من المكيل أو الموزون ، فشروط تحقّقه في البيع ـ على هذا ـ ثلاثة.

وفي عموم التحريم لغير البيع ـ كالصلح ـ خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الربا‌ فهي من الضروريات. وقد دلّ عليها الكتاب الكريم في أكثر من موضع ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ) ... (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (١) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٢).

وما ورد في السنّة الشريفة كثير ، ففي موثق عبد الله بن بكير : «بلغ أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل انه كان يأكل الربا ويسمّيه اللبأ (٣) ، فقال : لئن‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) البقرة : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٣) اللبأ بكسر اللام وفتح الباء والهمزة بعدها : أوّل لبن الام. والمقصود المبالغة في حليّته بالتشبيه بأوّل لبن الام.


أمكنني الله منه لأضربن عنقه» (١).

وفي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم» (٢).

٢ ـ واما شموله لكلا الموردين المذكورين دون احدهما ودون ما زاد عليهما‌ فلدلالة الدليل على ثبوته فيهما دون ما زاد فتجري البراءة عنه.

٣ ـ واما اعتبار الشروط الثلاثة في تحقّق الربا في البيع‌ فذلك واضح بالنسبة إلى اشتراط الزيادة في أحد الطرفين لتقوّم مفهوم الربا بذلك لغة إذ هو عبارة عن الزيادة.

واما الشرطان الآخران فقد دلّت عليهما روايات كثيرة. وقد جمعت الشروط الثلاثة موثقة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن البيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس به ، والثوب بالثوبين ، قال : لا بأس به ، والفرس بالفرسين ، فقال : لا بأس به. ثم قال : كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد» (٣).

٤ ـ واما ان الزيادة تعمّ الحكمية‌ ـ كبيع أحد المتماثلين مع اشتراط كنس المسجد أو اداء صلاة الليل مثلا في جانب احدهما ، أو كون احدهما نقدا والآخر نسيئة ـ ولا تختص بالعينية فلا وضوح للروايات فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٢٩ الباب ٢ من أبواب الربا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٢٣ الباب ١ من أبواب الربا الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٤٨ الباب ١٦ من أبواب الربا الحديث ٣.


وقد يستدل على ذلك بالوجوه التالية :

أ ـ التمسك بما دلّ على اعتبار المماثلة وعدم الزيادة ، كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق بالسويق مثلا بمثل ، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ، والذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار» (٢).

وصحيحة الوليد بن صبيح : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر» (٣).

وتقريب الدلالة : انه مع الزيادة ولو حكمية يصدق الفضل بينهما ولا يصدق البيع مثلا بمثل.

ب ـ التمسك برواية خالد بن الحجاج : «سألته عن الرجل كان لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة وزنا ، قال : لا بأس ما لم تشترط ، قال : وقال : جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط» (٤) ، فانها تدل بالاطلاق على ان الشرط ولو كان بنحو الزيادة الحكمية موجب لها.

ج ـ التمسك بالإجماع المدعى في المسألة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٤٠ الباب ٩ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٦ الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٧ الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٦ الباب ١٢ من أبواب الصرف الحديث ١.


والكل كما ترى.

اما الاول فلان ظاهر المثلية هو المماثلة في القدر لا من جميع الجهات. وهكذا ظاهر الفضل هو الفضل من حيث القدر.

واما الثاني فلان رواية خالد ضعيفة سندا به ـ لعدم توثيقه وان كان اخوه يحيى الراوي عنه قد وثّقه النجاشي ـ ودلالة لاختصاص موردها بالقرض.

هذا كله مضافا إلى كون الرواية مضمرة ، وعلى المسلك القائل بعدم حجية المضمرات الا إذا كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير المعصوم عليه‌السلام يشكل العمل بها لان خالدا ليس كذلك.

واما الثالث فلان الاجماع لو ثبت وغض النظر عن نسبة الخلاف إلى الأردبيلي وابن ادريس فهو محتمل المدرك ، ومعه لا يمكن الجزم بكاشفيته عن رأي الامام عليه‌السلام يدا بيد. ومن هنا رفض بعض كالسيد اليزدي التعميم (١) ، ولكن الحكم بذلك بنحو الاحتياط امر لازم لا ينبغي الحياد عنه.

٥ ـ واما الخلاف في التعميم لغير البيع بالرغم من اطلاق الاخبار المتقدمة الدالة على اعتبار المماثلة‌ فلاحتمال انصرافها إلى خصوص البيع ، ومعه يتمسك بالبراءة عن التحريم في غير البيع.

والمناسب التعميم لوهن دعوى الانصراف.

اجل لا يبعد التخصيص بما إذا كان الصلح بين العينين ـ كما لو‌

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٥.


قيل : صالحتك على هذا المثقال من الذهب بهذين المثقالين ـ دون ما إذا كان بين غيرهما ـ كما لو قيل : صالحتك على ان اهب لك هذا المثقال من الذهب مقابل ان تهب لي مثقالين من الذهب ـ لصدق عنوان الفضة بالفضة مثلا في الاول دونه في الثاني.

احكام خاصة بالربا‌

يتخلص من الربا ـ لدى المشهور ـ بضم غير الجنس إلى الطرف الناقص ـ كبيع كيلوين من الارز بكيلو من الارز وكيلو من العدس ـ او بضم غير الجنس إلى كل من الطرفين ولو مع التفاضل فيهما ، كبيع كيلوين من الارز مع كيلوين من العدس بكيلو من الارز وكيلو من العدس ، لوقوع الزيادة مقابل الضميمة في الصورة الاولى ، ووقوع كل جنس في مقابل مخالفه تعبدا وان لم يقصد المتعاقدان ذلك في الصورة الثانية.

كل ذلك مع افتراض العوضين حالّين.

ويلزم عند بيع الذهب المصوغ بغيره والفضة المصوغة بغيرها تساويهما ، ومعه لا يجوز بيع مثقال من الذهب المصوغ بمثقال من الذهب غير المصوغ منضما إلى اجرة الصياغة.

ولا يجوز ان يقول شخص لآخر : ابيعك هذا المثقال من الفضة الجيدة بمثقال من الفضة الرديئة بشرط ان تخيط لي ثوبا مثلا ، ويجوز العكس بان يقول : خط لي ثوبا على ان ابيعك المثقال الجيد بالمثقال الردي‌ء.

والمشهور عدم تحقق الربا بين الوالد وولده والمولى ومملوكه والزوج وزوجته والمسلم والحربي اذا اخذ المسلم الفضل.

ويجوز بيع الاوراق النقدية بعضها بالآخر مع اختلاف العملة ـ نقدا‌


ونسيئة ـ حتى مع فرض التفاضل في المالية ، بل يجوز مع اتحادها أيضا إذا افترض كون العوضين شخصيين.

كما يجوز أيضا بيع الصكوك على ثالث بأقل إذا كانت تعبر واقعا عن دين.

والعملة النقدية إذا كانت مصنوعة من الفضة ونحوها من المعادن الموزونة لا يجوز تبديلها إلى ابعاضها مع فرض التفاضل بين الاصل والابعاض وفرض كونها خالصة.

والربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه وكتابته والشهادة عليه.

والحنطة والشعير في باب الربا جنس واحد وان كانا في غيره جنسين.

ومن تعامل بالربا وهو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت وتاب فلا يلزمه ارجاعه.

ومن ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تميزها فلا شي‌ء عليه والا لزم ردها على مالكها مع معرفته ، ومع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما التخلص من الربا بما ذكر‌ فهو على طبق القاعدة لو كان ايقاع كل جنس مقابل ما يخالفه مقصودا للمتعاقدين كما هو واضح.

واما إذا لم يكن مقصودا فالانصراف إلى المخالف يحتاج إلى دليل. وقد دلّت عدّة روايات على ذلك لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «... اشتري الف درهم ودينارا بالفي درهم ، فقال : لا بأس بذلك ان ابي كان اجرأ على أهل المدينة مني فكان يقول هذا ، فيقولون : انما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط الف درهم ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار ، وكان يقول لهم : نعم الشي‌ء الفرار من الحرام‌


إلى الحلال» (١).

واضمارها لا يضر بعد كون ابن الحجاج من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام أو للبيان العام المتقدم أكثر من مرة.

وصحيحته الاخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كان محمد بن المكندر يقول لأبي عليه‌السلام : يا ابا جعفر رحمك الله والله انا لنعلم انك لو اخذت دينارا والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على ان تجد من يعطيك عشرين ما وجدته ، وما هذا الا فرار ، فكان ابي يقول : صدقت والله ولكنه فرار من باطل إلى حق» (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به» (٣).

وهناك رأي لبعض المتأخرين يخصّص جواز التخلص بالضميمة بما إذا كان الارز الزائد مثلا في هذا الجانب مع الارز الناقص في الجانب الآخر متساويين من حيث المالية تقريبا واريد بالضميمة التخلص من محذور تفاوت المقدار اللازم منه الربا.

وهو غير بعيد لقرب انصراف نصوص الضميمة إلى خصوص الحالة المذكورة.

٢ ـ واما اعتبار كون العوضين حالين‌ فلاختصاص مورد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٦٦ الباب ٦ من أبواب الصرف الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٦٧ الباب ٦ من أبواب الصرف الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٦٨ الباب ٦ من أبواب الصرف الحديث ٤.


النصوص المجوّزة بذلك.

٣ ـ واما لزوم التساوي بين المصوغ وغيره‌ ، ومن ثمّ عدم جواز اشتراط اجرة الصياغة فلان المصوغ وغيره جنس واحد ويشملهما النص المتقدم : «الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، الفضل بينهما هو الربا المنكر» ، ومعه يكون اشتراط الاجرة فضلا موجبا للربا.

وبكلمة اخرى : المصوغ وغيره هما كالجيد والردي‌ء والوسخ والنظيف ، والمكسور وغيره ، فكما ان كل واحد من هذه يعد مع مقابله واحدا ويلزم تساويهما فكذلك في المصوغ وغيره.

وقد ادعى صاحب الجواهر عدم الخلاف والاشكال في المسألة (١).

٤ ـ واما عدم جواز بيع احد المثقالين بالآخر بشرط خياطة ثوب مثلا‌ فواضح للزوم محذور الربا ـ بناء على تعميم الزيادة اللازم منها الربا للزيادة الحكمية ـ فان الجيد والردي‌ء جنس واحد لا يجوز التفاضل فيه.

واما جواز العكس ـ الذي هو من الوسائل التي يتخلص بها من الربا ـ فلصحيح ابي الصباح الكناني : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وابدل لك درهما طازجا بدرهم غلة (٢) ، قال : لا بأس» (٣).

بل قد يقال باقتضاء القاعدة لذلك لان ابدال الجيد بالردي‌ء وقع‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٤ : ١٣.

(٢) الطازج هو الخالص. والغلة ـ بكسر الغين ـ المغشوش.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٨٠ الباب ١٣ من أبواب الصرف الحديث ١.


اجرا للخياطة من دون وقوع الخياطة شرطا في البيع لتلزم الزيادة فيه.

٥ ـ واما عدم تحقق الربا بين من ذكر‌ فقد دلت عليه بعض الروايات الضعيفة ، كرواية زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ...» (١) ، وهي ضعيفة بياسين الضرير. ورواية عمر بن جميع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليس بيننا وبين اهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم» (٢) ، وهي ضعيفة بمعاذ بن ثابت وغيره.

ولا يمكن الركون إلى الروايتين المذكورتين بعد ضعفهما السندي الا بناء على كبرى الانجبار بعمل المشهور والا فالاحتياط يبقى أمرا مناسبا.

٦ ـ واما جواز بيع العملة مع اختلافها‌ فلعدم تحقق محذور الربا بعد اختلاف جنس العوضين وعدم كونهما من المكيل والموزون.

وإذا قلت : ان الرصيد الذي تعبر عنه الأوراق النقدية قد يكون واحدا كالذهب الذي هو من الموزون.

قلنا : ان المعاوضة لم تجر على الرصيد بل على الاوراق ذات الاعتبار بسبب الرصيد.

٧ ـ واما انه مع اتحاد العملة تجوز المعاملة حتى مع التفاضل في فرض كون العوضين شخصيين‌ فلما تقدم من ان الاوراق النقدية ليست من قبيل المكيل والموزون.

واما عدم جوازها مع التفاضل في فرض كون العوض نسيئة في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣٦ الباب ٧ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣٦ الباب ٧ من أبواب الربا الحديث ٢.


الذمة فلان المعاملة ترجع في روحها إلى القرض وان ابرزت مبرز البيع لان شرط البيع تحقق المغايرة بين الثمن والمثمن ، وفي المورد لا مغايرة ، فان الثمن ينطبق على المثمن مع زيادة.

وإذا نوقش ما ذكر بان المغايرة المعتبرة في البيع يكفي في تحققها كون المثمن عينا خارجية والثمن أمرا كليا في الذمة أمكن ذكر تقريب آخر ، وهو ان المعاملة المذكورة بحسب الارتكاز العرفي قرض لأنه عبارة عن تبديل المال المثلي الخارجي بمثله في الذمة ، وهو صادق في المقام.

٨ ـ واما جواز بيع الصك بالاقل إذا كان يعبّر عن دين واقعا‌ فلانه بيع حقيقة في غير المكيل والموزون.

واما عدم جوازه مع عدم وجود دين واقعا فلان شرط صدق البيع وجود عوضين ، وهو مفقود في الفرض إذ لا يوجد حق في الذمة ليقع عوضا ، فالمعاملة المذكورة في حقيقتها اقراض بفائدة يبرز مبرز البيع.

٩ ـ واما عدم جواز تبديل العملة المعدنية مع التفاضل‌ فلأنها من الموزونات فيلزم مع التفاضل محذور الربا.

اجل مع خروجها عن كونها من الموزونات وصيرورتها من المعدودات ـ كما في المصنوعة من النحاس عادة ـ يزول المانع من التفاضل.

واما الجواز مع فرض كونها مخلوطة بمعدن آخر ـ كما هو الغالب ـ فلحصول الضميمة المانعة من تحقق محذور الربا حسبما تقدم. بيد انه يلزم في الضميمة ان لا تكون مستهلكة وفاقدة للمالية.

١٠ ـ واما تعميم حرمة الربا للدفع والشهادة عليه وكتابته‌


فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه فيه سواء» (١) وغيرها.

١١ ـ واما ان الحنطة والشعير في باب الربا واحد‌ فلصحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يصلح الشعير بالحنطة الا واحد بواحد» (٢) وغيره.

واما قصر الحكم بالوحدة على باب الربا فلانه مخالف للقاعدة المقتضية لدوران الاحكام مدار الاسماء فيقتصر في المخالفة على مورد النص.

١٢ ـ واما عدم لزوم ردّ الربا على الآخذ مع الجهل والتوبة بعد الالتفات‌ فهو ما عليه جماعة من الفقهاء. ويدل عليه قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) (٣) ، فان تخصيصه بنفي العقوبة أو بما وقع من ربا زمن الجاهلية لا وجه له.

ومع التنزل تكفينا الروايات الكثيرة ، كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى انه له حلال ، قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فاذا اصابه فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل» (٤).

وصحيحة ابي المعزا : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : كلّ ربا اكله الناس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣٠ الباب ٤ من أبواب الربا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣٩ الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٥.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣٠ الباب ٥ من أبواب الربا الحديث ١.


بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم اذا عرف منهم التوبة ...» (١) وغيرهما.

واذا قيل : ان قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (٢) يدل على لزوم ردّ الزيادة ، وبذلك يعارض ما تقدم.

قلنا : ما سبق ناظر إلى حالة الجهل والالتفات والتوبة بعد ذلك في حين ان هذه ظاهرة في حالة التعمد ، ولا أقل من امكان حملها على ذلك.

١٣ ـ واما التعميم للجاهل بالحكم والموضوع‌ فلإطلاق ما تقدم.

١٤ ـ واما ارث ما فيه الربا‌ فيدل على حكمه صحيحة ابي المعزا المتقدمة حيث ورد فيها : «... لو ان رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف ان في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله. وان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا ...» (٣) وغيرها.

وابو المعزا هو حميد بن المثنى الكوفي الصيرفي ثقة ثقة على ما ذكر النجاشي (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣١ الباب ٥ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٢) البقرة : ٢٧٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٣١ الباب ٥ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٤) رجال النجاشي ٩٦ منشورات مكتبة الداوري.

وتوجد نسخة ثانية في ابي المعزا وهي : ابو المغراء.


٦ ـ بيع الصرف‌

وهو بيع الذهب أو الفضة باحدهما مسكوكين كانا أو لا.

ويشترط ـ لدى المشهور ـ في صحة البيع المذكور التقابض قبل تحقق الافتراق بينهما حتى مع وحدة الجنس.

وإذا كان العوضان متحدي الجنس يلزم تساويهما أيضا ، بخلاف ما إذا كانا مختلفي الجنس فانه لا يلزم تساويهما وان لزم التقابض.

ويختص لزوم التقابض بالبيع دون الصلح.

ولا يجري حكم الصرف على الأوراق النقدية لو بيع بعضها ببعض.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان بيع الصرف ما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه ولم ينقل فيه خلاف. بيد ان تحديد المقصود منه غير مهم لعدم ترتب حكم على العنوان المذكور شرعا ، وانما المهم ملاحظة حكم بيع الصرف ، وهو لزوم التقابض قبل الافتراق ، وانه لأي بيع ثبت.

والحكم المذكور لم يثبت في الروايات الا لبيع الذهب بالفضة أو بالعكس ولم يثبت لبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فلاحظ صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا بفضة الا يدا بيد» (١) ، وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا اشتريت ذهبا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٨ الباب ٢ من أبواب الصرف الحديث ٣.


بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه وان نزا حائطا فانز معه» (١) وغيرهما تجد ذلك واضحا فيها.

وعليه لا بدّ في تعميم الحكم بلزوم التقابض في حالة وحدة الجنس من التمسك بالتسالم وعدم القول بالفصل. فان تمّ ذلك والا فالمناسب عدم لزوم ذلك فيها.

اجل يلزم عدم كون احدهما مؤجلا والا لزمت الزيادة الحكمية ـ التي تقدم في البحث عن الربا ـ منع المشهور من جوازها.

٢ ـ واما التعميم لغير المسكوك‌ فلإطلاق النصوص.

٣ ـ واما ان التقابض شرط في الصحة‌ فلما تقدم من النصوص ، فان الامر في باب المعاملات ظاهر في الارشاد الى الشرطية دون الحكم التكليفي.

وعليه فاحتمال وجوب التقابض في باب الصرف وجوبا تكليفيا بحيث يؤثم على عدمه ضعيف.

ثم ان المنسوب للمحقق الأردبيلي عدم لزوم التقابض وضعا ، بدعوى عدم صراحة الاخبار في ذلك ، فان تعبير «يدا بيد» كناية عن كون العوضين نقدا لا مؤجلين وليس كناية عن التقابض (٢).

وفيه : ان التعبير المذكور ان لم يكن ظاهرا في اعتبار التقابض فلا أقل من اجماله ، ويكفينا آنذاك دليلا على لزوم التقابض صحيحة منصور لصراحتها في ذلك.

اجل يمكن ان يناقش بان الروايات السابقة وان كانت دالة على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٩ الباب ٢ من أبواب الصرف الحديث ٨.

(٢) الحدائق الناضرة ١٩ : ٢٧٩.


شرطية التقابض الا انه ورد في روايات ثلاث ما ظاهره عدم اعتبار التقابض. ففي موثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة ، قال : لا بأس» (١).

وهي ان ثبت هجران الاصحاب لمضمونها ـ وغض النظر عن نسبة الخلاف إلى الشيخ الصدوق في عدم اعتبار التقابض ـ سقطت عن الحجية والا فالمناسب الجمع بحمل الاولى على رجحان التقابض دون لزومه ، بناء على قبول الاوامر الارشادية للحمل على مثل ذلك وعدم اختصاصه بالاوامر التكليفية ، والا فالمناسب تحقق التعارض والتساقط والرجوع إلى دليل اطلاق حلية البيع والتجارة عن تراض القاضي بعدم اعتبار الشرطية ، ومعه تكون النتيجة متحدة مع ما سبق تقريبا.

وبالجملة فكرة الهجران ان تمت صغرى وكبرى حكم بالاشتراط والا فالمناسب عدم الاشتراط أو التنزل إلى الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٤ ـ واما ان المدار ليس على الافتراق عن المجلس بل على افتراقهما‌ فذلك واضح من خلال صحيحة منصور المتقدمة.

٥ ـ واما انه مع الاتحاد يلزم التساوي في الكم‌ فللتحفظ من محذور الربا.

٦ ـ واما اختصاص اعتبار التقابض بالبيع‌ فلاختصاص الروايات بذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٦٠ الباب ٢ من أبواب الصرف الحديث ١١.


هذا وبالامكان ان يقال بالتعميم للصلح بناء على انه ليس معاملة مستقلة في مورد افادته فائدة البيع بل هو هو مع اختلاف الالفاظ.

٧ ـ واما عدم جريان حكم الصرف على الاوراق النقدية‌ فلأنها ليست ذهبا أو فضة ، والتعامل ليس عليهما بل عليها وانما هما سبب لاعتبارها.

بيع السلف‌

لا يجوز السلف أو السلم ـ وهو شراء كلي إلى أجل بثمن حال عكس النسيئة ـ إذا كان كلا العوضين من الذهب أو الفضة سواء اختلفا في الجنس أم اتحدا ، ويجوز في غير ذلك ـ بشرط عدم اتحاد جنسهما فيما إذا كانا من المكيل أو الموزون ـ سواء كانا معا من العروض أم كان أحدهما من ذلك والآخر ذهبا أو فضة.

ويلزم فيه ـ مضافا إلى الشرط المتقدم ـ ما يلي :

أ ـ ذكر الاوصاف الرافعة للجهالة ، فما لا يمكن ضبطه بها لا يصح السلف فيه.

ب ـ قبض الثمن قبل التفرق على المشهور.

ج ـ تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو العدد إذا كان المبيع من المكيل ونحوه.

د ـ ضبط أجل المبيع.

ه ـ تمكن البائع من دفع المبيع في الوقت الذي تعهد بالدفع فيه أو في المكان الخاص لو شرط.


ولو طرأ العجز بعد ذلك أو اتضح تخير المشتري بين الصبر واخذ الثمن بلا زيادة أو الاتفاق على دفع شي‌ء آخر بدله.

ولا يلزم تعيين مكان التسليم.

ومن اشترى شيئا سلفا يجوز له بيعه على بائعه بشرط عدم زيادة الثمن على الثمن السابق لو كان من جنسه.

واما بيعه على غير بائعه فالمشهور عدم جوازه قبل حلول الاجل.

هذا في غير المكيل والموزون.

واما فيهما فلا يجوز البيع قبل القبض مرابحة حتى بعد حلول الاجل على المشهور.

وكما ينعقد بيع السلف بالايجاب من البائع بلفظ بعت ونحوه والقبول من المشتري بلفظ قبلت ونحوه ينعقد أيضا بالايجاب من المشتري بلفظ اسلفتك أو اسلمتك الثمن في المبيع الموصوف بكذا إلى اجل كذا وقبول البائع بلفظ قبلت ونحوه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما صحة بيع السلم في الجملة‌ فمما لا خلاف فيها. وتدل على ذلك الروايات الخاصة الدالة على شرطية بعض الشروط فيه ، كصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس بالسلم في الحيوان والمتاع إذا وصفت الطول والعرض. وفي الحيوان إذا وصفت اسنانها» (١) ، وموثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم ولا تسلمه إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٥٦ الباب ١ من أبواب السلف الحديث ١٠.


دياس ولا إلى حصاد» (١) وغيرهما.

بل يمكن اثبات ذلك بالادلة العامة من قبيل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) ونحوه.

٢ ـ واما عدم الصحة إذا كان العوضان من الذهب والفضة مع اتحاد الجنس‌ فلمحذور الربا اللازم حتى مع التساوي في المقدار بناء على تعميم المنع للزيادة الحكمية أيضا ، مضافا إلى كون ذلك من الصرف ـ لدى المشهور ـ الذي يلزم فيه التقابض.

واما عدم الصحة إذا كانا من الذهب والفضة مع اختلاف الجنس فلكون ذلك من الصرف المعتبر فيه التقابض.

واما اعتبار ان لا يكونا من المكيل أو الموزون عند اتحاد الجنس فلكي لا يلزم محذور الربا.

واما الصحة سواء كانا معا من العروض أم كان احدهما كذلك فللمطلقات الخاصة والعامة المتقدمة.

وبذلك يتضح التأمل فيما ينسب إلى ابن الجنيد من «منع اسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن والزيت» (٣).

٣ ـ واما اعتبار ضبط الاوصاف الرافعة للجهالة‌ فلصحيحة زرارة السابقة وغيرها ، فان اعتبار ذكر الطول والعرض والاسنان يدل عرفا على ذلك والا فلا خصوصية للأوصاف المذكورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٥٨ الباب ٣ من أبواب السلف الحديث ٥.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٠ : ١٠.


هذا مضافا إلى اعتبار معلومية العوضين في مطلق البيع كما تقدم.

٤ ـ واما اعتبار قبض الثمن قبل التفرق‌ فهو مشهور بين الاصحاب بل ادعي عليه الاجماع.

وقد اعترف في الجواهر والحدائق بعدم وجود مستند لذلك سوى الاجماع المدعى (١).

فان تمّ الاجماع وثبتت كاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام بنحو الجزم كان هو الحجة والا فالمناسب التنزل عن الفتوى إلى الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٥ ـ واما اعتبار الضبط بالكيل ونحوه‌ فلاعتبار ذلك في مطلق البيع لدى الاصحاب.

٦ ـ واما اعتبار ضبط الاجل‌ فلموثقة غياث السابقة وغيرها. مضافا إلى انه لو لا ذلك يلزم الغرر المنهي عنه في مطلق البيع لدى المشهور.

٧ ـ واما اعتبار امكان الدفع في الوقت أو المكان المقررين‌ فلانه بدون ذلك لا يتحقق القصد إلى العقد.

ومع التنزل تكفينا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني يطلب المتاع فاقاوله على الربح ثم اشتريه فابيعه منه ، فقال : أليس ان شاء أخذ وان شاء ترك؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس به. قلت : فان من عندنا يفسده ، قال : ولم؟ قلت : قد باع ما ليس‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٤ : ٢٨٩ ، والحدائق الناضرة ٢٠ : ١٥.


عنده؟ قال : فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده ، قلت : بلى ، قال : فانما صلح من اجل انهم يسمونه سلما ، ان ابي كان يقول : لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه» (١).

٨ ـ واما تخير المشتري بين الصبر واخذ رأس ماله لو تعذر تسليم المبيع‌ فيمكن اثباته من خلال الاشتراط الضمني ، فان للمتعاقدين في باب السلم اشتراطا ضمنيا عادة على ثبوت حق الفسخ للمشتري ان تعذر على البائع تسليم المبيع.

ومع التنزل تكفينا موثقة عبد الله بن بكير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه ، قال : فليأخذ رأس ماله أو لينظره» (٢) وغيرها.

٩ ـ واما عدم جواز الفسخ بزيادة على الثمن أو نقصان‌ فلان ذلك مقتضى الفسخ الموجب لرجوع العوضين إلى حالتهما الاولى.

على ان موثقة ابن بكير السابقة دالة على ذلك أيضا.

ومع التنزل والتسليم بعدم ظهورها في ذلك يمكن التمسك بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف إلى أجل مسمّى فقال له صاحبه : لا نجد لك وصيفا ، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا ، قال : فقال : لا يأخذ الا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه اول مرة لا يزداد عليه شيئا» (٣).

١٠ ـ واما جواز التراضي على شي‌ء آخر‌ فهو مقتضى القاعدة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٤ الباب ٧ من أبواب احكام العقود الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٢ الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٠ الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ٩.


لرجوع ذلك إلى معاملة جديدة اتفقا عليها.

على ان موثقة يعقوب بن شعيب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باع طعاما بدراهم فلما بلغ ذلك الاجل تقاضاه فقال : ليس عندي دراهم خذ مني طعاما ، قال : لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» (١) وغيرها قد دلت على ذلك أيضا.

١١ ـ واما انه لا يلزم تعيين مكان الدفع‌ فلاقتضاء الاطلاق الانصراف إلى البلد الذي تمّ العقد فيه.

١٢ ـ واما جواز بيع المبيع على بايعه بالشرطين‌ فلانه مقتضى التمسك بالمطلقات العامة من قبيل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) ونحوه.

وهذا من دون فرق بين كون البيع بعد حلول الاجل أو قبله ، وبغير جنس الثمن أو به إذا لم تكن زيادة.

واما عدم جوازه إذا كان بجنس الثمن مع الزيادة فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة وغيرها.

وهي لا تختص بصورة حلول الاجل بل مطلقة من الناحية المذكورة. وعلى تقدير نظرها إلى خصوص ذلك فيمكن الحكم بالتعميم من باب عدم احتمال الخصوصية.

١٣ ـ واما عدم جواز بيعه على غير بائعه قبل حلول الاجل‌ فهو مشهور بدون ان يدل عليه نص خاص. ومقتضى القاعدة جوازه.

وقد صرح في الجواهر والحدائق (٣) بانحصار المستند في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٧١ الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ١٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) جواهر الكلام ٢٤ : ٣٢٠ ، والحدائق الناضرة ٢٠ : ٤٦.


الاجماع المدعى.

وقد يقال : ان عدم جواز البيع قبل حلول الاجل هو على مقتضى القاعدة لعدم استحقاق المشتري المبيع آنذاك ليمكنه بيعه.

والجواب : ان اشتغال ذمة البائع للمشتري يحصل بتمامية العقد ولو لم يحل الاجل وانما الاجل شرط في استحقاق المطالبة بالفعل.

اجل لربما يحكم بعدم الجواز لو فرض كون الثمن مؤجلا لصدق عنوان بيع الدين بالدين ، وقد روى طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين» (١).

وطلحة وان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد (٢) يكفي في قبول رواياته.

الا انه تمكن المناقشة أيضا بان ظاهر النهي عن بيع الدين بالدين بيع ما كان دينا قبل العقد بما كان دينا قبله أيضا ولا يشمل بيع ما كان دينا قبله بما صار دينا بسببه ، كما هو المفروض في المقام.

والملخص : ان جواز البيع هو مقتضى القاعدة ما دام قد فرض ارادة البيع بأجل أيضا يزيد على السابق أو يساويه.

وعليه فالفتوى بعدم الجواز في الفرض المذكور يبتني على حصول الاطمئنان للفقيه بمثل الاجماعات المذكورة والا فالمناسب التنزل إلى الاحتياط تحفظا من مخالفة شبهة الاجماع.

١٤ ـ واما عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه مرابحة‌ فهو على خلاف القاعدة ومن صغريات مسألة بيع المبيع قبل قبضه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٦٤ الباب ٨ من أبواب السلف الحديث ٢.

(٢) الفهرست للشيخ الطوسي : ٨٦ الرقم ٣٦٢.


والمنسوب إلى الشيخ المفيد الكراهة في خصوص المكيل والموزون ، وإلى الشيخ عدم الجواز في خصوص الطعام (١) ، والى الأردبيلي الجواز مطلقا (٢).

والمشهور عدم الجواز في خصوص المكيل والموزون لصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه» (٣) وغيرها.

هذا ولكن ورد في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه ، قال : لا بأس. ويوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله؟ قال : لا بأس» (٤).

ومقتضى الجمع حمل الروايات الاولى على الكراهة إذا لم يحتمل للطعام خصوصية والا يكون المناسب التفصيل بين الطعام فيجوز بيعه قبل قبضه وبين غيره من المكيل والموزون فلا يجوز.

لا يقال : ان صحيحة ابن دراج لا يمكن الاخذ بها لكونها معارضة بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال ، قال : لا يصلح له ذلك» (٥).

فانه يقال : ان جملة «لا يصلح» قابلة للحمل على الكراهة فلا‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٩ : ١٦٨.

(٢) الحدائق الناضرة ١٩ : ١٧٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٩٠ الباب ١٦ من أبواب احكام العقود الحديث ١٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٨٨ الباب ١٦ من أبواب احكام العقود الحديث ٦.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٨٨ الباب ١٦ من أبواب احكام العقود الحديث ٥.


تتحقق المعارضة.

١٥ ـ واما انعقاد بيع السلف بما تقدم من الصيغ‌ فللمطلقات العامة من قبيل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) ونحوه.

٨ ـ محرّمات في الشريعة‌

في الشريعة الاسلامية محرّمات كثيرة يحرم التكسب بها ـ ان كانت قابلة لذلك ـ لحرمتها في نفسها ، نذكر من بينها :

الغناء‌

يحرم الغناء ولو في الرثاء والدعاء وقراءة القرآن ونحو ذلك وحتى من دون انضمام محرم آخر إليه. وكذا يحرم استماعه.

ويستثنى منه الحداء وما كان في الاعراس للنساء إذا لم يقترن به محرم.

والميزان في صدقه كون الكيفية مناسبة لمجالس اللهو وأهل الفسوق.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الغناء في الجملة‌ فمتفق عليها من غير الكاشاني والسبزواري. ويدل عليها الكتاب الكريم : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٢) ، (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٣) لتفسير الزور بالغناء في صحيحة زيد الشحام : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن قوله‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) الحج : ٣٠.

(٣) لقمان : ٦.


تعالى : واجتنبوا قول الزور ، قال : قول الزور الغناء» (١) وتفسير لهو الحديث بذلك أيضا في عدة روايات (٢).

وإذا اشكل بان ما يراد اثبات تحريمه هو الغناء بمعنى الكيفية اللهوية الخاصة القائمة بالكلام الباطل أو الاعم دون الكلام نفسه ، وما ذكر لا يدل على تحريم الكيفية بل على تحريم الكلام الباطل ، أمكن التمسك بالروايات :

كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الغناء مما وعد الله عليه النار ، وتلا هذه الآية : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ...) (٣).

وصحيحة الريان بن الصلت : «سألت الرضا عليه‌السلام يوما بخراسان عن الغناء وقلت : ان العباس ذكر عنك انك ترخص في الغناء ، فقال : كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت : ان رجلا اتى ابا جعفر عليه‌السلام فسأله عن الغناء فقال : يا فلان إذا ميّز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت» (٤) ، فان انكاره عليه‌السلام للترخيص يدل على المطلوب.

وصحيحة مسعدة بن زياد : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : بأبي انت وأمي اني ادخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما اطلت الجلوس استماعا مني لهنّ ، فقال عليه‌السلام : لا تفعل. فقال الرجل : والله ما اتيتهن انما هو سماع اسمعه باذاني‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٥ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٦ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٧ ، ١١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٦ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٦.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٧ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٣.


فقال عليه‌السلام : بالله انت ، اما سمعت الله يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ...) (١).

وصحيحة عبد الاعلى : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الغناء فقلت : انهم يزعمون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في ان يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيكم فقال : كذبوا ان الله عز وجل يقول : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ...) (٢).

وصحيحة ابراهيم بن ابي البلاد : «قلت لأبي الحسن الاول عليه‌السلام : جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن اربعة عشر الف دينار وقد جعل لك ثلثها ، فقال : لا حاجة لي فيها ، ان ثمن الكلب والمغنية سحت» (٣) ، فان سحتية الثمن تدل على حرمة الغناء والا فلا وجه لكونه سحتا.

٢ ـ واما تعميمه لغير الكلام الباطل كالدعاء ونحوه‌ فلان المفهوم عرفا من الغناء الكيفية الخاصة بقطع النظر عن المادة ، ولذا من سمع من بعيد صوتا بالكيفية الخاصة المناسبة لمجالس اهل الفسوق حكم بكونه غناء ولو لم يميز مادته.

ويؤكد ما ذكرناه صحيحة عبد الاعلى المتقدمة فان الجمل المذكورة فيها ليست باطلة المضمون ومع ذلك كذّب عليه‌السلام ترخيصها.

وقد يقال باختصاص التحريم بما إذا كانت المادة باطلة ، اما لأخذ ذلك في مفهوم الغناء ، كما يستفاد من صحيحة زيد الشحام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٩٥٧ الباب ١٨ من أبواب الاغسال المسنونة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٨ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٧ الباب ١٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.


المتقدمة (١) ، او لما ذكره المحقق الأردبيلي من انعقاد سيرة المتشرعة على حضور مآتم أهل البيت عليهم‌السلام واستماعهم إلى ألحان قراءة الخطيب بدون انكار منهم (٢) ، او لما ذكره المحقق النراقي من التمسك باطلاق أدلة قراءة القرآن الكريم والدعاء والرثاء (٣).

والكل كما ترى.

اما الاول فلان صحيحة الشحام لم تحكم بان الكلام الباطل هو الغناء لينحصر الغناء بالكلام الباطل وانما حكمت بان الغناء هو فرد من الكلام الباطل ، وواضح ان الغناء لو تحقق بقراءة الدعاء امكن ان يصدق عليه عنوان الكلام الباطل ولو باعتبار كيفيته.

واما الثاني فلعدم احراز اتصال السيرة بزمن المعصوم عليه‌السلام ليثبت تلقيها منه لو لم يحرز عدم ذلك.

واما الثالث فلان ادلة الحث على قراءة القرآن مثلا ناظرة إلى قراءة القرآن بما هي وبقطع النظر عما يصاحبها والا فهل يحتمل كونها حاثّة عليها حتى لو استلزمت ايذاء نائم مثلا؟

ومما يؤكد عدم مدخلية المادة ـ مضافا إلى ما تقدم ـ ان لازم مدخليتها ندرة تحقق الغناء المحرّم لعدم كون المادة في الغالب كذبا وباطلا بل ويلزم عدم حرمة عنوان الغناء والغاء خصوصيته كما هو واضح.

٣ ـ واما تعميم التحريم لحالة عدم انضمام محرّم إليه‌ ـ من‌

__________________

(١) محاضرات في الفقه الجعفري ١ : ٣٥٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٦١.

(٣) مستند الشيعة ٢ : ٦٤٤.


دخول الرجال على النساء واستعمال الآلات الموسيقية والتكلم بالباطل ـ فلان ظاهر مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم المتقدمة : «الغناء مما وعد الله عليه النار» حرمة الغناء نفسه لا انه مباح والحرمة ثابتة لما يقارنه.

هذا ولكن المختار لدى المحققين الكاشاني والسبزواري عدم حرمة الغناء في نفسه بل هي ثابتة لما يقارنه (١).

وقد يستدل لذلك ببعض الروايات ، من قبيل :

صحيحة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : اجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال» (٢).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والاضحى والفرح؟ قال : لا بأس به ما لم يعص به» (٣).

بيد ان بالامكان مناقشتهما.

اما الاولى فلأنها ناظرة إلى الغناء في الاعراس وانه جائز فيما إذا لم يدخل الرجال ، والالتزام باستثنائه ممكن كما سيأتي ولا تدل على نفي البأس عن اجر مطلق المغنية.

واما الثانية فلا اشكال في سندها لأنها بطريق قرب الاسناد وان كانت ضعيفة بعبد الله بن الحسن لكونه مجهول الحال الا ان الحر رواها من كتاب علي بن جعفر ، وطريقه إليه صحيح ـ حيث ان له طرقا‌

__________________

(١) الوافي ١٧ : ٢١٨ وكفاية الاحكام : ٨٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٥ الباب ١٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٥ الباب ١٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥.


صحيحة إلى جميع الكتب التي روى عنها الشيخ الطوسي (١) والتي منها كتاب علي بن جعفر (٢) ، وطريق الشيخ بدوره إلى الكتاب المذكور صحيح في الفهرست (٣) ـ غير انها لا تفي بتمام مطلوب الكاشاني لأنها تدل على جواز الغناء في نفسه في الموارد الثلاثة المذكورة فيها لا أكثر ، وبذلك تكون مخصصة لما سبق.

ومع التنزل تتحقق المعارضة بين هذه وما دلّ على حرمة الغناء نفسه ، والترجيح لما دلّ على حرمة الغناء في نفسه لمخالفته للعامة.

٤ ـ واما ان الاستماع حرام‌ فلصحيحة مسعدة المتقدمة. مضافا إلى امكان استفادة ذلك من الحكم بكون ثمن المغنية سحتا ، إذ لا وجه لذلك ما دامت المنفعة محللة.

ويؤيد ذلك ما ورد من ان الاستماع إلى المغنيات نفاق (٤).

٥ ـ واما الحداء فالمشهور استثناؤه. والوارد من غير طرقنا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعبد الله بن رواحة : «حرّك بالنوق فاندفع يرتجز وكان عبد الله جيد الحداء ، وكان مع الرجال ، وكان انجشة مع النساء فلما سمعه تبعه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نجشة : رويدك ، رفقا بالقوارير» (٥) واستفيد من ذلك التقرير ، ولكنها غير تامة سندا ، كما هو واضح ، ولا دلالة ، حيث لم يأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن رواحة بالحداء ولم تتضح كيفية ارتجازه ليثبت التقرير.

__________________

(١) راجع الفائدة الخامسة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة ٢٠ : ٥٠.

(٢) راجع الفائدة الرابعة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٩.

(٣) فهرست الشيخ الطوسي : ٨٧ الرقم ٣٦٧.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٨ الباب ١٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٧.

(٥) سنن البيهقي ١٠ : ٢٢٧.


واما من طرقنا فالوارد عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خنا (١)» (٢).

وهو جيد لو تمّ سندا ولم يناقش من ناحية النوفلي.

الا ان بالامكان ان يقال بخروج الحداء عن الغناء تخصصا لا تخصيصا ، كما احتمل ذلك في الجواهر (٣) ، ومعه لا حاجة إلى البحث عن دليل الاستثناء.

٦ ـ واما استثناء الاعراس‌ فلصحيحة ابي بصير المتقدمة وغيرها.

واما اعتبار عدم انضمام المحرّم فلان المستثنى عنوان الغناء دون ما زاد. مضافا إلى امكان فهم ذلك من صحيحة ابي بصير ، بل يفهم منها أيضا تخصيص الجواز بالنساء.

٧ ـ واما ان الميزان في صدق الغناء مناسبة الكيفية لمجالس أهل الفسوق‌ فلم يذكر في كلمات المشهور بل المذكور فيها ان الغناء هو الصوت المشتمل على الترجيع او المشتمل على الترجيع مع الطرب ، وما شاكل ذلك.

والمناسب الرجوع إلى العرف ـ لأنه المرجع في تحديد مفاهيم الالفاظ ـ وهو يحدده بما ذكرناه. وعادة يتحقق ذلك فيما إذا كان الصوت من شأنه الاطراب.

__________________

(١) الخنا : الفحش في الكلام.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٣٠٦ الباب ٣٧ من أبواب آداب السفر الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٢٢ : ٥١.


وعند الشك بنحو الشبهة الموضوعية يكون المرجع هو البراءة كما هو واضح.

ثم ان المفهوم من الغناء عرفا ما ذكرناه ، ولكن لو فرض الشك فيه بنحو الشبهة المفهومية وتردده بين السعة والضيق فالمناسب الاقتصار على القدر المتيقن واجراء البراءة عن حرمة الزائد.

الغيبة‌

تحرم الغيبة ، وهي «أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه». ولا تتحقق الا بذكر المؤمن في غيبته بعيبه المستور امام سامع ولو من دون كراهته ولا قصد الانتقاص.

وتستثنى من حرمة الغيبة موارد منها : المتجاهر بالفسق ، والاحتياط يقتضي الاقتصار على ذكره بما تجاهر به ، والظالم فانه تجوز للمظلوم غيبته ، والاحتياط يقتضي أيضا الاقتصار على بيان ما تحقق به الظلم وعند من يتوقع منه ازالته.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الغيبة في الجملة‌ فمن ضروريات الدين. ويدل عليها الكتاب الكريم : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (١) ، والاخبار المتواترة ، كموثقة ابي بصير عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه» (٢) وغيرها.

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٥٩٩ الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة الحديث ١٢.


والتدقيق في سندها غير مهم بعد تواترها.

واما الاجماع فلا يمكن التمسك به بعد كونه مدركيا.

٢ ـ واما تحديد الغيبة‌ فلا يمكن الاعتماد فيه على كلمات اللغويين لاختلافها وعدم دقتها في ذكر القيود ، بل لا مجال للرجوع إليها بعد تحديد الروايات لها ، ففي صحيحة عبد الرحمن بن سيابة : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه. واما الامر الظاهر مثل الحدة والعجلة فلا» (١). وقريب من ذلك صحيحة داود بن سرحان (٢).

وابن سيابة وان لم يوثق بالخصوص الا انه قد يتساهل من ناحيته ، اما لوروده في كامل الزيارات ، أو لرواية ابن ابي عمير عنه ، او لاشتمال السند على يونس الذي هو من اصحاب الاجماع ، او لكونه وكيل الامام الصادق عليه‌السلام في تقسيم الاموال على عوائل من قتل مع عمه زيد.

ومع التنزل تكفينا صحيحة ابن سرحان حيث لا مشكلة في سندها الا من ناحية المعلى بن محمد ، فانه وان لم يوثق بل قيل في حقه :

انه مضطرب الحديث والمذهب ٣ ، الا انه يمكن التساهل من ناحيته بعد اكثار الحسين بن محمد الاشعري شيخ الشيخ الكليني الرواية عنه.

٣ ـ واما اعتبار ان يكون ذكره بالعيب في غيبته‌ فلتقوم مفهوم الغيبة به. ولربما تلمح الآية الكريمة إلى اعتباره حيث وصفت الاخ بكونه ميتا ، وما ذاك الا لتشبيه غيابه المعتبر في الغيبة بموته.

__________________

(١) ١ ، ٢ وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠٤ الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة الحديث ٢ ، ١.

(٢) ٣ رجال النجاشي : ٢٩٦ منشورات مكتبة الداوري.


وينبغي ان يكون واضحا ان نفي صدق عنوان الغيبة عند افتراض الحضور لا يعني نفي الحرمة بل قد تكون ثابتة بشكل اقوى لثبوت ملاك تحريم الغيبة وزيادة.

٤ ـ واما اعتبار ان يكون المذكور عيبا‌ فيمكن استفادته من التعبير ب «تقول فيه» ، «ستره الله عليه» ، بل ومن الآية الكريمة أيضا ، فان أكل لحم الاخ ميتا لا يتحقق الا بذكر عيوبه.

وبهذا يتضح ان الذكر بما ليس عيبا فضلا بما هو كمال ليس من الغيبة في شي‌ء وان كان صاحبه كارها لذلك.

واما ما ورد في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : «... قلت يا رسول الله : وما الغيبة؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره» (١) فهو على تقدير صحة سنده منصرف إلى ما يكره ذكره من العيوب فلاحظ ذيل الحديث : «اعلم انك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته» (٢).

اجل قد يحرم ذلك من جهة عنوان آخر غير الغيبة كإيذاء المؤمن مثلا بناء على حرمته بعرضه العريض الشامل لمثل المقام.

٥ ـ واما اعتبار كون العيب مستورا‌ فهو صريح الروايتين السابقتين.

واما اعتبار وجود السامع فلأن كشف العيب المستور لا يتحقق الا بذلك.

وصحيحة ابن سيابة وان لم تذكر لفظ الكشف الا ان ارادته واضحة والا فلا معنى لأخذ قيد الستر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٥٩٨ الباب ١٥٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

(٢) المصدر نفسه.


٦ ـ واما عدم اعتبار الكراهة‌ فلإطلاق الصحيحتين السابقتين.

ولا يمكن تقييد الاطلاق المذكور بالنبوي المتقدم بعد ضعف سنده واحتمال ان تكون كلمة «يكره» مبنية للمجهول.

واحتمال ان حرمة الغيبة هي من باب ان من حق المؤمن ان لا يذكر بعيوبه فإذا اسقط الحق المذكور ـ فيما إذا فرض رضاه بذكر عيوبه ـ فلا موجب لبقاء الحرمة ضعيف لعدم الدليل على كون حرمة الغيبة هو من باب الحق بل بالامكان دعوى كونها من باب الحكم الشرعي بقرينة اطلاق الصحيحتين.

٧ ـ واما عدم اعتبار قصد الانتقاص‌ فلإطلاق الصحيحتين ، بل مع فرض قصد الانتقاص تثبت الحرمة حتى في بيان العيب الظاهر ، والحال ان ظاهر صحيحة ابن سيابة نفي الحرمة عن بيان العيوب الظاهرة لا نفي موضوع الغيبة فقط.

٨ ـ واما استثناء المتجاهر بالفسق‌ فلرواية هارون بن الجهم عن الصادق عليه‌السلام : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة» الا انها ضعيفة بأحمد بن هارون شيخ الشيخ الصدوق ـ ومجرّد ترضيه عنه (١) لا يدل على توثيقه له ـ بل تمكن الخدشة السندية في باقي روايات الاستثناء المذكور.

الا انه يمكن ان يقال ان تعددها ومفروغية الحكم لدى الاصحاب يصحح للفقيه التساهل من الناحية المذكورة.

هذا كله إذا لم يخصص الحكم بالجواز بخصوص ما تحقق‌

__________________

(١) كما في الخصال : ٣٣ باب الاثنين الحديث ١.


التجاهر به والا فلا يحتاج الاستثناء إلى دليل لعدم صدق عنوان الغيبة بلحاظه.

٩ ـ واما ان الحكم بالجواز يختص بالفسق المتجاهر به او الاعم‌ فمحل خلاف ، فقد استظهر صاحب الحدائق عدم الاختصاص (١). واختار الشهيد الثاني الاختصاص (٢).

وفصّل الشيخ الأعظم بين ما كان دون المتجاهر به في القبح فيلحق بالمتجاهر به في جواز الغيبة به وبين غيره فلا يلحق به. قال قدس‌سره : «وينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح ، فمن تجاهر باللواط ـ العياذ بالله ـ جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجنبيات ...» (٣).

والمناسب التعميم تمسكا باطلاق الروايات خصوصا ان ظاهرها كون الحكم من باب التخصيص دون التخصص.

واما ما ذكره الشيخ الاعظم فقابل للتأمل ، فان الدليل القائل مثلا : من تجاهر بالزنا جازت غيبته بذلك يدل بالملازمة على ان من تجاهر بالنظر الى الاجنبية جازت غيبته بذلك أيضا ، ولا يدل بالملازمة على ان النظر الى الاجنبية لو لم يكن متجاهرا به تجوز غيبته به أيضا.

هذا كله بمقتضى الصناعة العلمية. ولكن يبقى الاحتياط بالاقتصار على غيبته في خصوص ما تجاهر به امرا لا ينبغي الحياد عنه.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٨ : ١٦٦.

(٢) كشف الريبة : ٨٠.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٢٩٨ ، منشورات دار الحكمة.


١٠ ـ واما استثناء الظالم‌ فمتفق عليه لقوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ) (١).

ومقتضى اطلاقه جواز الجهر بالسوء حتى في غير ما تحقق الظلم به وعند من لا يتوقع منه ازالة الظلم خصوصا لو لوحظ التعبير ب «الجهر» الظاهر في الاشاعة وعدم الاقتصار في البيان عند شخص دون آخر.

ويبقى الاحتياط بالاقتصار على القدر المتيقن امرا لا ينبغي الحياد عنه بل قد يشكّك في انعقاد الاطلاق من الناحية الاولى.

القمار‌

القمار حرام إذا كان مع الرهن وبآلاته الخاصة بل يكفي توفر احدهما في ثبوت التحريم لدى المشهور.

واما إذا فرض فقدان كلا الامرين ـ كالمصارعة والمسابقة بأشكالها المختلفة إذا لم تكن مع الرهن ـ فالمناسب الحكم بالجواز.

والمراد من آلات القمار ما تداول التقامر بها ولو في عصرنا المتأخّر.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة إلى معنى القمار‌ فقد اختلف اللغويون بل الفقهاء أيضا في تحديده من حيث اخذ العوض وكون اللعب بخصوص آلاته الخاصة في مفهومه (٢).

__________________

(١) النساء : ١٤٨.

(٢) ففي الصحاح ، مادة «قمر» : قمرت الرجل إذا لا عبته فيه فغلبته. ـ


قال الشيخ الأعظم : «القمار ... وهو ـ بكسر القاف ـ كما عن بعض اهل اللغة : الرهن على اللعب بشي‌ء من الآلات المعروفة ، وحكي عن جماعة انه قد يطلق على اللعب بهذه الاشياء مطلقا ولو من دون رهن. وبه صرح في جامع المقاصد (١). وعن بعض ان اصل المقامرة المغالبة» (٢).

وعليه فالشبهة بلحاظ مفهوم القمار مفهومية لتردده بين السعة والضيق. وحكمها ـ كما هو واضح ـ الاقتصار في الحكم بالتحريم مثلا على القدر المتيقن ، وهو المفهوم الضيق واجراء البراءة بلحاظ ما زاد.

٢ ـ واما حرمته‌ فلا اشكال فيها ، وهي مورد اتفاق المسلمين. ويدل عليها من الكتاب الكريم قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (٣) ، فان الميسر‌

__________________

ـ وفي اساس البلاغة : القمار خداع. وقامرته : غلبته.

وفي لسان العرب : قامر الرجل مقامرة وقمارا : راهنه ، وهو التقامر.

وفي المصباح المنير : قامرته عليه : غلبته في القمار.

وفي القاموس : قامره مقامرة ... راهنه فغلبه.

وفي مجمع البحرين : تقامروا : لعبوا بالقمار واللعب بالآلات المعدة له على اختلاف انواعها نحو الشطرنج والنرد وغير ذلك. وأصل القمار : الرهن على اللعب بالشي‌ء من هذه الأشياء.

(١) ونص عبارة المحقق الكركي : «واصل القمار : الرهن على اللعب بشي‌ء من هذه الأشياء.

وربما أطلق على اللعب بها مطلقا. ولا ريب في تحريم اللعب بذلك وان لم يكن رهن». جامع المقاصد ٤ : ٢٤.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٣١٩ ، منشورات دار الحكمة.

(٣) المائدة : ٩٠.


هو القمار كما دلت عليه الروايات (١) وكلمات اهل اللغة (٢).

ومن السنة الشريفة روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر ، كصحيحة زيد الشحام : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٣) قال : الرجس من الاوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء» (٤).

وموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اللعب بالشطرنج والنرد» (٥).

وصحيحة معمر بن خلاد عن ابي الحسن عليه‌السلام : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكل ما قومر عليه فهو ميسر» (٦).

٣ ـ واما تحريم ما كان اللعب فيه مع الرهن وبالآلات الخاصة‌ فلانه القدر المتيقن من ادلة التحريم السابقة.

٤ ـ واما ما كان بآلات القمار المتداولة بدون رهن‌ فقد يستدل على حرمته بوجوه نذكر منها :

أ ـ التمسك باطلاق الآية الكريمة حيث لم يؤخذ في وجوب‌

__________________

(١) روى الوشاء عن ابي الحسن عليه‌السلام : «الميسر هو القمار» وسائل الشيعة ١٢ : ١١٩ الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٢) ففي لسان العرب ، مادة «يسر» : الياسر من الميسر وهو القمار.

وفي مجمع البحرين : الميسر : القمار ... ويقال سمّي ميسرا لتيسر اخذ مال الغير فيه من غير تعب ومشقة.

(٣) الحج : ٣٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٣٧ الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٣٨ الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

(٦) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٤٢ الباب ١٠٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.


الاجتناب عن الميسر فيها وجود الرهن.

وفيه : ان المفروض الشك في صدق عنوان «القمار» بدون الرهن ، والتمسك بالاطلاق فرع احراز صدق عنوان المطلق على المشكوك.

ب ـ التمسك بما دلّ على ان المؤمن مشغول عن اللعب ، كما في رواية عبد الواحد بن المختار : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام ... عن اللعب بالشطرنج فقال : ان المؤمن لمشغول عن اللعب» (١).

وقد تمسك الشيخ الأعظم بهذا الوجه في جملة ما تمسك به لإثبات التحريم في محل الكلام (٢).

وفيه : ان ما ذكر لو تمّ سندا لا دلالة له على التحريم كما هو واضح.

ج ـ التمسك بما دلّ على حرمة اللعب بالنرد والشطرنج ـ كموثقة السكوني المتقدمة ـ بتقريب ان اللعب بما ذكر يصدق ولو بلا مراهنة. وفرق بين ذلك وبين القمار ، فان صدق الثاني وان كان من المحتمل توقفه على المراهنة الا ان الاول لا يتوقف على ذلك جزما.

ودعوى الشيخ الاعظم : انصراف اطلاق النهي عن اللعب بما ذكر إلى الحالة المتعارفة وهي حالة ثبوت الرهن (٣) ، قابلة للتأمل ، فان غلبة الوجود لا توجب الانصراف ، وعلى تقدير التنزل يمكن التأمل في دعوى الغلبة المذكورة.

والمناسب في مناقشة الوجه المذكور ان يقال : ان النهي المذكور‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٣٩ الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١١.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٣٢٢ ، منشورات دار الحكمة.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٣٢٠.


خاص بالنرد والشطرنج ولا يعم اللعب بغيرهما من آلات القمار.

ودعوى عدم الفصل او الحمل على المثالية غير واضحة.

د ـ التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة حيث ورد فيها : «وكل ما قومر عليه فهو ميسر».

وفيه : ما تقدم من الشك في صدق عنوان «ما قومر عليه» عند عدم وجود الرهن.

وعليه فالمناسب في هذه الصورة الحكم بالتحريم إذا كان اللعب بآلات النرد والشطرنج ويكون الحكم بالحرمة في غير ذلك مبنيا على الاحتياط.

٥ ـ واما إذا كان اللعب بغير آلات القمار مع افتراض وجود الرهن‌ ـ كالمراهنة في باب المصارعة او حمل الاثقال او سائر المسابقات ـ فقد استدل على تحريمه بعدة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسك برواية العلاء بن سيابة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان الملائكة تحضر الرهان في الخف والحافر والريش. وما سوى ذلك فهو قمار حرام» (١).

وفيه : ان السند ضعيف بالعلاء نفسه حيث لم يوثق الا بناء على كفاية رواية ابن ابي عمير ـ الذي هو احد الثلاثة ـ عنه.

ب ـ التمسك بمرسلة الصدوق : «قال الصادق عليه‌السلام : ان الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخف والريش والنصل. وقد سابق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسامة بن زيد واجرى الخيل» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٩ الباب ٣ من السبق والرماية الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٧ الباب ١ من السبق والرماية الحديث ٦.


والجواب عنها واضح لضعف سندها بالارسال.

الا انه قد يحكم بحجية مراسيل الشيخ الصدوق لأحد البيانات الثلاثة التالية :

الاول : انه قدس‌سره ذكر في مقدمة كتابه : «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدّس ذكره» (١) ، وذلك يدل على انه لا يذكر في كتابه الا الاخبار الصحيحة.

وفيه : ان الصحيح في مصطلح المتقدمين عبارة عن كل خبر يجب العمل به ولو لاحتفافه ببعض القرائن الموجبة للاطمئنان بصدوره ـ دون ما كان رواته عدولا امامية ، فانه مصطلح متأخر ـ ولعل بعض تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

الثاني : انه ذكر في مقدمة كتابه أيضا ان «جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعول واليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي وكتب علي بن مهزيار الاهوازي ...» (٢) ، ومع استخراج الأحاديث من كتب مشهورة عليها اعتماد الاصحاب لا تبقى حاجة إلى وجود طريق صحيح.

وفيه : ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يعني صحة جميع احاديثه وانما يعني ان التعويل عليه هو طابعه العام ، فكتاب الكافي مثلا يصدق عليه انه كتاب مشهور وعليه معول الشيعة مع عدم الحكم بصحة جميع احاديثه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣.

(٢) المصدر نفسه.


الثالث : التمسك بالرأي المفصّل في مراسيل الصدوق بين ما إذا عبّر ب «روي عن الصادق عليه‌السلام» فلا تكون حجة ، وبين ما إذا عبّر ب «قال الصادق عليه‌السلام» فتكون حجة لان ذلك يدل على جزمه بصدور الحديث والا لما جازت له النسبة بنحو الجزم ، وكيف ينسب الامامي إلى امامه قولا لا يجزم بصدوره عنه.

وفيه : ان تعبيره ب «قال» وان دلّ على جزمه بصدور الرواية الا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة جميع رجال سندها ، بل قد يكون ذلك لاحتفافها بنظره بقرائن أوجبت اطمئنانه بصدورها ، ولعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

ج ـ التمسك برواية العياشي في تفسيره عن ياسر الخادم عن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن الميسر ، قال : الثقل من كل شي‌ء. قال : والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم» (١).

وفيه : ان على تقدير تمامية سندها ـ وعدم المناقشة من ناحية ياسر الخادم لجهالته بل وجهالة طريق العياشي إليه ـ قد تناقش دلالتها بان مفادها حرمة العوض لا حرمة اللعب نفسه.

د ـ التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة ، حيث ورد فيها : «وكل ما تقومر عليه فهو ميسر».

وفيه : ان المفروض الشك في صدق عنوان «تقومر عليه» على اللعب بغير الآلات المتداولة. مضافا إلى انها ناظرة إلى تحريم العوض دون اللعب نفسه.

ه ـ دعوى الجزم بعدم مدخلية اللعب بالآلات المتداولة في صدق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٤٣ الباب ١٠٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.


عنوان القمار ـ ولذا لو فرض انعدام الآلات القديمة وتبدلها إلى آلات جديدة فهل يحتمل انتفاء الحرمة؟! ـ بل المناط صدق اللعب مع الرهان ولو لم يكن اللعب بالآلات المتعارفة.

ولا يشكل على ذلك بلزوم صدق القمار إذا فرض التسابق مع الرهان في حفظ سورة او بناء عمارة او كتابة كتاب وما شاكل ذلك ، والحال ان الالتزام بذلك بعيد جدا.

إذ يجاب بان عنوان اللعب في مثل ذلك غير صادق.

٦ ـ واما عدم التحريم في الصورة الاخيرة‌ فلأصل البراءة بعد عدم الدليل على التحريم ، إذ الموجب له اما التمسك بما دلّ على حرمة القمار ، أو التمسك بما تقدم من «ان المؤمن لمشغول عن اللعب» ، أو التمسك بمثل صحيحة حفص عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل» (١).

والكل كما ترى.

اما الاول فللشك في صدق القمار.

واما الثاني فلانه لا يدل على الحرمة ، بل لا يمكن الالتزام بها ، كيف وهل يحتمل ان اللهو واللعب باللحية أو بالمشي في الازقة والاسواق عبثا أو بنقض الغزل من بعد قوة انكاثا وما شاكل ذلك محرم؟

واما الثالث فلاحتمال كون السبق بفتح السين والباء معا ـ بمعنى المال المجعول رهنا ـ وليس بفتح السين وسكون الباء.

٧ ـ واما تعميم آلات القمار‌ لما تداول في عصرنا الحاضر فلعدم احتمال الخصوصية لتلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٨ الباب ٣ من السبق والرماية الحديث ١.


كتاب الاجارة‌

١ ـ حقيقة الاجارة‌

٢ ـ من خصوصيات عقد الاجارة‌

٣ ـ شرائط العوضين‌

٤ ـ الضمان في باب الاجارة‌

٥ ـ احكام عامة للإجارة‌



١ ـ حقيقة الاجارة‌

الاجارة عقد يتضمن تمليك المنفعة ـ التي هي عمل أو غيره ـ بعوض.

وهي مشروعة بالضرورة.

ولها شرائط يرتبط بعضها بالمتعاقدين ـ هي شرائط المتعاقدين نفسها في باب البيع ـ وبعضها بالعوضين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حقيقة الاجارة ما ذكر‌ فهو ما جاء في كلمات غير واحد من الأصحاب. وهو مبني على كون الاجارة فعل المؤجر ، كتعريف البيع بانه تمليك عين بعوض. واما بناء على كونها فعل الطرفين ـ كما في النكاح ـ فالمناسب تعريفها بانها عقد يتضمن المعاوضة على المنفعة.

٢ ـ واما ان المنفعة قد تكون عملا او غيره‌ فواضح. وقد تكون الاجارة على العمل ـ كإيجار الشخص للبناء او الخياطة ونحوهما ـ وقد تكون للعين ، كإيجار الدار للسكن.

ويطلق على مستحق المنفعة بالاجارة عنوان المستأجر ، وعلى‌


مستحق الاجرة في اجارة الاعيان عنوان المؤجر وفي الاجارة على العمل عنوان الاجير.

٣ ـ واما شرعية الاجارة‌ فثابتة بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٢) ، وبالروايات الواردة لبيان احكامها التي تأتي الاشارة إلى بعضها ، بل بالضرورة التي لا يحتاج معها إلى دليل.

٤ ـ واما شرائط المتعاقدين فبما انها لا تختلف عن شرائط المتعاقدين في باب البيع عددا ومدركا‌ فلا حاجة إلى التكرار.

٢ ـ من خصوصيات عقد الاجارة‌

يعتبر في الاجارة الايجاب والقبول ، ففي اجارة الدار مثلا يصح الايجاب من صاحب الدار بلفظ آجرتك الدار والقبول من الآخر بلفظ قبلت ونحوه ، كما يصح العكس فيقول الآخر : استأجرت دارك ويقول صاحب الدار : قبلت.

وتتحقق الاجارة بالمعاطاة.

وهي من العقود اللازمة التي لا تنفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

والمشهور جواز الاجارة المعاطاتية الا اذا تصرف احدهما فيما انتقل إليه. والمستند في ذلك :

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.


١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في الاجارة‌ فلأنها من العقود.

واما صحة الايجاب والقبول بكلا الشكلين فلإطلاق الامر بالوفاء بالعقد الصادق فيهما.

٢ ـ واما صحة الاجارة بالمعاطاة‌ فلان ذلك هو مقتضى القاعدة ، فانه بعد صدق العقد بالمعاطاة وعدم انحصار تحققه باللفظ يشمله اطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ويكون الخروج عن ذلك والحكم باعتبار اللفظ فقط هو المحتاج إلى الدليل. وقد قام الدليل في بعض الموارد ـ كالنكاح والطلاق والنذر واليمين ـ ويبقى غيرها مشمولا لمقتضى القاعدة.

هذا وقد فصّل الشيخ النائيني بين الاجارة في الاعيان فتصح فيها المعاطاة والاجارة في الاعمال فلا تصح فيها ، بتقريب ان التعاطي يمكن تحققه خارجا في اجارة الاعيان ولا يمكن تحققه في اجارة الاعمال ، فان أحد الطرفين إذا دفع اجرة الخياطة فلا يتحقق من الآخر تسليم العمل حين دفع الاجرة بل يتحقق بعد ذلك من باب كونه وفاء بالعقد وليس من باب كونه محققا وإنشاء له (٢).

وفيه : انه بدفع الاجرة يمكن تحقق الايجاب والقبول الفعليين ، فبالدفع من احد الطرفين يتحقق الايجاب وبأخذ الطرف الثاني يتحقق القبول ولا يتوقف تحقق العقد الفعلي على صدور دفع من الثاني عند دفع الاول.

بل يمكن تحقق العقد الفعلي بلا دفع الاجرة أيضا ، كما إذا دفع‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التعليقة الشريفة للشيخ النائيني على العروة الوثقى ، الفصل ١ من كتاب الاجارة.


المستأجر قطعة القماش إلى الخياط وتسلمها الخياط منه بقصد تحقق العقد بذلك.

٣ ـ واما ان الاجارة من العقود اللازمة‌ فلان ذلك مقتضى الاصل في كل عقد على ما هو المستفاد من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ـ فان مقتضى وجوب الوفاء بالعقد عدم جواز نقضه من دون رضا الطرف الآخر ـ ومن استصحاب بقاء الملك الثابت قبل فسخ احدهما ، ومن الوجوه الاخرى لإثبات اللزوم التي تقدمت الاشارة إليها في كتاب البيع.

ويمكن ان تضاف هنا الروايات الواردة في خصوص المقام ، كصحيحة علي بن يقطين : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت او السفينة سنة او اكثر من ذلك او أقلّ ، قال : الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه. والخيار في أخذ الكراء إلى ربها ان شاء أخذ وان شاء ترك» (٢) وغيرها.

٤ ـ واما تحقق الانفساخ بالتقايل‌ فلان الحق لا يعدو المتعاقدين بعد وضوح ان اللزوم حقي لا حكمي.

واما جواز الفسخ بالخيار الثابت لأحدهما او كليهما فواضح لأنه مقتضى اشتراط الخيار النافذ بقوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٣).

واما جوازه عند تخلف الشرط فلان مرجع الاشتراط عرفا الى تعليق الالتزام بالعقد على تحقق الشرط خارجا ، فعند عدم تحققه لا‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٤٩ الباب ٧ من احكام الاجارة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.


التزام بالعقد الذي هو عبارة اخرى عن جعل الشارط لنفسه الخيار عند تخلف الشرط.

٥ ـ واما ان الاجارة المعاطاتية جائزة لدى المشهور الا عند التصرف‌ فذلك للإجماع المدعى على عدم لزوم المعاطاة بشكل عام الا عند التصرف.

والمناسب هو الحكم باللزوم تمسكا باطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) وغيره من الوجوه المذكورة لإثبات لزوم المعاطاة في باب البيع فراجع.

واما الاجماع المدعى فغير ثابت خصوصا مع مدركيته المحتملة.

٣ ـ شرائط العوضين‌

يلزم في العوضين : المعلومية ، والقدرة على التسليم ، والملكية ، وامكان الانتفاع بالعين مع بقائها فلا تصح اجارة الخبز للأكل مثلا ، وان تكون المنفعة مباحة فلا تصح الاجارة لفعل المحرم ، وان تكون العين صالحة لاستيفاء المنفعة منها فلا تصح اجارة الارض للزراعة إذا لم تمكن زراعتها ، وتمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة فلا تصح اجارة الحائض لكنس المسجد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار معلومية العوضين‌ فقد يستدل له :

__________________

(١) المائدة : ١.


تارة بلزوم الغرر على تقدير عدم المعلومية ، وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (١).

واخرى بالنبوي : «من استأجر أجيرا فليعلمه اجره» (٢).

وثالثة بما دل على لزوم اعتبار ضبط الكيل والوزن والعدد في باب البيع (٣) ، بعد وضوح عدم الخصوصية له.

ورابعة بما أفاده بعض الاعلام من ان المعاملات لدى العقلاء مبنية على حفظ التساوي في مقدار مالية العوضين. ولعلهم يستغنون عن التصريح بذلك لوضوحه. ومن هنا يثبت الخيار عندهم في حالات الغبن. وعليه فالمعاملة على المجهول المتضمنة للغرر خارجة عن المعاملات العقلائية وينصرف عنها دليل الامضاء لاختصاص نظره بالمعاملات العقلائية (٤).

وخامسة بتسالم الاصحاب على ذلك.

والكل كما ترى.

اما الاول فلان الثابت في كتب الحديث : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر» (٥) ، وليس : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر.

هذا بقطع النظر عن السند والا فالاشكال أوضح.

وإذا قيل : ان ذلك يستفاد من رواية الشيخ الصدوق في معاني‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، المسألة ٢ من الركن ٣ في الفصل ٢.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٣ من أبواب الاجارة الحديث ١.

(٣) راجع الرقم ٤ من بحث شرائط العوضين في كتاب البيع.

(٤) مستند العروة الوثقى ، كتاب الاجارة : ٣٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٣٠ الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.


الاخبار ، حيث ورد فيها : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نهى عن المنابذة والملامسة وبيع الحصاة ... وهذه بيوع كان اهل الجاهلية يتبايعونها فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها لأنها غرر كلها» (١) ، فان التعليل يدل على المنع من الغرر بدون اختصاص بالبيع.

قلنا : ان التعليل المذكور هو من الشيخ الصدوق قدس‌سره دون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فراجع. على ان السند ضعيف بعدة مجاهيل.

واما الثاني فلضعف الحديث سندا. ومع التنزل يمكن فرض العلم بالمشاهدة فيما إذا كانت الاجرة من المكيل او الموزون.

واما الثالث فباعتبار ان الغاء الخصوصية للبيع لا يمكن الجزم به ، ولذا يقال في ردّ الاستدلال بحديث النهي عن الغرر : ان الثابت هو النهي عن بيع الغرر ، فلو فرض عدم الخصوصية للبيع كفى ورود النهي عن بيع الغرر.

واما الرابع فباعتبار ان التساوي في المالية وان كان معتبرا لدى العقلاء الا ان الطريق إليه لا ينحصر لديهم بالكيل والوزن والعد بل يكتفون بالتخمين الحاصل من المشاهدة أيضا.

واما الخامس فالتسالم مع احتمال المدرك لا حجية له كما هو واضح.

وعليه فالحكم باعتبار معلومية العوضين ينبغي ابتناؤه على الاحتياط.

٢ ـ واما اعتبار القدرة على التسليم‌ فقد تقدمت الاشارة في باب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٦٦ الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٣.


البيع إلى مستندات ذلك وكانت كلها ضعيفة ما عدا الاخير ، وهو روايات جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة ، والتعدي منه إلى الاجارة مبني على الغاء خصوصية البيع.

ويمكن الاستدلال في خصوص الاجارة بان مثل منفعة الدار مع عدم القدرة على التسليم تتصرم شيئا فشيئا ، ومن ثمّ لا تكون مملوكة في اعتبار العقلاء لصاحب الدار ليمكنه نقلها.

وهذا الوجه ـ كما نرى ـ يختص بحالة تعذر التسليم واقعا ، اما مع الشك وفرض عدم التعذر واقعا فلا مانع من الحكم بالصحة.

٣ ـ واما اعتبار الملكية‌ فواضح ، إذ غير المالك لا يمكنه تمليك الغير ، فان فاقد الشي‌ء لا يعطيه. بل تحقق النقل من دون رضا المالك خلاف قاعدة السلطنة الثابتة له وقاعدة لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفس منه.

هذا كله مضافا إلى ان الخطاب بالوفاء بالعقود منصرف الى الملاّك الذين هم أصحاب العقد حقيقة دون غيرهم.

اجل لا يقع النقل من غير المالك باطلا رأسا بل موقوفا على الاجازة ، كما هو شأن كل عقد فضولي.

٤ ـ واما اعتبار امكان الانتفاع بالعين مع بقائها‌ فلتقوّم حقيقة الاجارة بذلك ، فان تمليك منفعة العين دونها يستبطن ذلك.

٥ ـ واما اعتبار اباحة المنفعة‌ فاستدل له بما يلي :

أ ـ ما أفاده الشيخ النائيني من ان المنفعة المحرمة ليست مملوكة ليمكن تمليكها. قال قدس‌سره : «ان اشتراط مملوكية المنفعة يغني عن هذا‌


الشرط ، فان المنفعة المحرمة غير مملوكة» (١).

ب ـ ان المنفعة إذا كانت محرمة فلا يمكن تسليمها شرعا ، والممتنع شرعا كالممتنع عقلا ، وقد تقدم ان القدرة على التسليم شرط في صحة الاجارة.

ج ـ التمسك برواية جابر أو صابر : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : حرام اجره» (٢) ، بتقريب ان حرمة الاجر يكشف عن بطلان المعاملة.

الا ان الرواية المذكورة لو تمت سندا ولم تحتمل لموردها ـ وهو الخمر ـ خصوصية معارضة بصحيحة عمر بن اذينة : «كتبت إلى ابي عبد الله عليه‌السلام اسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر والخنازير ، قال : لا بأس» (٣).

د ـ ان المنفعة ما دامت محرمة فتسليمها والوفاء بالعقد يكون محرما ، وإذا لم يجب الوفاء بالعقد لم يمكن اثبات صحته ، فان صحة العقد تستكشف من وجوب الوفاء ، فاذا فرض عدمه فلا يمكن استكشافها.

٦ ـ واما اعتبار قابلية العين لاستيفاء المنفعة منها‌ فباعتبار ان المنفعة إذا لم تكن قابلة للاستيفاء فهي ليست ملكا لصاحب العين ليمكنه تمليكها.

__________________

(١) راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني على العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الشرط ٥ من شرائط العوضين.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ١٢٥ الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ١٢٦ الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.


٧ ـ واما اعتبار تمكن المستأجر من الانتفاع بالعين‌ فقد يوجّه بما ذكره الشيخ النائيني من «ان هذا المثال (١) قد خرج باشتراط مملوكية المنفعة واباحتها» (٢).

وفيه : ان المنفعة ـ كنس المسجد ـ مباحة لعدم حرمة كنس الحائض للمسجد بما هو كنس للمسجد ، وانما المحرم هو مكث الحائض في المسجد الموقوف عليه الكنس ، وحرمة هذا لا تستلزم حرمة مقارناته والا فهل يحتمل استلزام حرمة المكث لحرمة تحريك اليد؟

والانسب ان يعلل اعتبار الشرط المذكور بان استيفاء المنفعة ما دام مستلزما لارتكاب محرم شرعي فلا يجب الوفاء بالاجارة ، ومن ثمّ لا يمكن استكشاف الصحة لأنها لازم لوجوب الوفاء فاذا لم يثبت لم يمكن استكشاف لازمه.

٤ ـ الضمان في باب الاجارة‌

مستأجر العين امين عليها لا يضمن تلفها او تعيبها الا إذا تعدّى أو فرّط.

وهكذا الحال في الاجير إذا دفع له المستأجر العين ليعمل فيها.

واذا باشر الطبيب من خلال عملية جراحية علاج المريض وتضرر بذلك كان ضامنا الا اذا اخذ البراءة مسبقا ولم يكن مقصرا في اعمال اجتهاده.

__________________

(١) أي مثال اجارة الحائض لكنس المسجد الذي ذكره السيد الطباطبائي.

(٢) راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني على العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الشرط ٧ من شرائط العوضين.


وإذا وصف الدواء من دون ان يباشر العلاج وتضرر المريض بذلك فقد قيل : بعدم الضمان أيضا.

وإذا أفسد الخيّاط أو البنّاء أو النّجار أو الختّان أو أي عامل آخر كان ضامنا كالطبيب المباشر ما دام قد تجاوز الحدّ المأذون فيه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم ضمان المستأجر للعين‌ فللقصور في المقتضي ، فان الضمان لو كان ثابتا فليس له مدرك سوى قاعدة على اليد ، وهي لا تشمل مثل يد المستأجر ، لان مستند القاعدة المذكورة ليس الا السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع ، وهي لا تشمل مثل يد المستأجر ، ولا أقلّ من الشك فيقتصر على القدر المتيقن.

ومع التنزل وفرض تمامية المقتضي يكفينا للحكم بعدم الضمان وجود المانع ، وهو الروايات الواردة في عدم ضمان الامين ، كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته» (١).

بل والروايات الواردة في خصوص باب الاجارة ، كصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم فنفقت الدابة ، فقال : ان كان جاز الشرط فهو ضامن. وان كان دخل واديا لم يوثقها فهو ضامن. وان وقعت في بئر فهو ضامن لأنه لم يستوثق منها» (٢).

٢ ـ واما الضمان مع التعدي أو التفريط‌ فلقاعدة على اليد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٢٩ الباب ٤ من أحكام الوديعة الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨١ الباب ٣٢ من الاجارة الحديث ٢.


والصحيحتين المتقدمتين.

٣ ـ واما عدم ضمان الاجير للعين التي يعمل فيها‌ فلما تقدم نفسه في عدم ضمان المستأجر.

٤ ـ واما ضمان الطبيب عند مباشرته للعلاج وتضرر المريض‌ فلقاعدة من اتلف ، وموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه والا فهو له ضامن» (١).

بل يمكن التمسك أيضا بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده ، فقال : كل عامل أعطيته أجرا على ان يصلح فأفسد فهو ضامن» (٢).

وإذا قيل : مع اذن المريض للطبيب في مباشرة علاجه لا يبقى موجب للضمان.

قلنا : ان الاذن كان في العلاج دون الافساد.

٥ ـ واما استثناء حالة أخذ البراءة‌ فلموثقة السكوني المتقدمة.

وإذا قيل : لا تصح البراءة لأنها من قبيل اسقاط ما لم يجب.

قلنا : هذا يتم لو اريد تخريج الحكم على طبق القاعدة ، اما بعد وجود النص فلا مجال لمثل الاشكال المذكور.

٦ ـ واما القول بعدم الضمان عند وصف الدواء من دون مباشرة العلاج‌ فلان المستند للضمان اما موثقة السكوني المتقدمة أو قاعدة الاتلاف أو قاعدة الغرور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٩٥ الباب ٢٤ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٥ الباب ٢٩ من أحكام الاجارة الحديث ١٩.


والكل لا يمكن التمسك به.

اما الاول فلان ظاهر كلمة «تطبب» مباشرة الطبابة والعلاج خارجا.

واما الثاني فلان الاتلاف لا ينتسب إلى شخص الا اذا كان مباشرا له او كان سببا أقوى من المباشر بحيث يسند الفعل إليه عرفا ، كما لو كان المريض فاقدا للإرادة لصغر ونحوه ، اما مع فرض الاختيار التام للمريض فلا ينسب الاتلاف الى الطبيب.

واما الثالث فلعدم صدق الغرور مع جهل الغار ، ولا أقلّ من الشك.

٧ ـ واما ضمان الخيّاط وغيره لما يفسده‌ فلقاعدة من اتلف وصحيحة الحلبي المتقدمة.

هذا إذا تجاوز الحدّ المأذون فيه.

واما مع عدم تجاوزه ـ كما لو قال صاحب القماش للخياط : فصّله بهذا الشكل فامتثل ثم اتضح الخلل وسقوط القماش بذلك عن صلاحية الانتفاع أو فرض أمر الختّان بالختن ثم اتضح ان اصل الختان مضر ومات المختون بذلك ـ فينبغي التفصيل بين ما شاكل مثال القماش فلا ضمان ـ للإذن الرافعة للضمان ، والاتلاف ان صدق فهو ما دام باذن المالك فلا يوجب الضمان ـ وبين مثال الختن فيحكم بثبوت الضمان لان الختّان بالتالي هو القاتل ، غايته هو معذور في ذلك ، وحيث ان دم المسلم لا يبطل (١) فيلزم الحكم بضمان الدية لأنه من قبيل القتل الخطئي.

__________________

(١) لصحيحة عبد الله بن سنان وعبد الله بن بكير جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله ، قال : ان كان عرف له اولياء يطلبون ـ


اجل مع اخذ الختّان البراءة مسبقا فلا يبعد عدم الضمان لموثقة السكوني المتقدمة بناء على عدم فهم الخصوصية للتطبّب.

٥ ـ أحكام عامة في باب الاجارة‌

لا يثبت في الاجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير ثلاثة أيام وتجري فيها بقية الخيارات ، كخيار العيب والغبن وتخلف الشرط ونحوها.

واذا تحقق عقد الاجارة ملك كل طرف بالعقد نفسه ما استحقه على الآخر ، فالاجير يملك الاجرة ولو لم يقم بالعمل والمستأجر يملك العمل ولو لم يدفع الاجرة. ويجب على كل واحد منهما تسليم ما عليه الا اذا كان الآخر ممتنعا.

ويحق لمستأجر العين ايجارها على آخر ما دام لم يشترط عليه ـ ولو ضمنا ـ استيفاءه المنفعة مباشرة. واستشكل بعض في تسليم العين إلى المستأجر الثاني بدون اذن المؤجر.

ولا يجوز لمستأجر الدار ايجارها على آخر بأكثر من الاجرة السابقة الا ان يحدث فيها حدثا او تكون الاجرة الثانية مغايرة للأولى جنسا.

ومن استؤجر لأداء عمل بدون اشتراط المباشرة عليه ولو ضمنا يجوز له استيجار غيره للقيام بذلك العمل فيما إذا كانت الاجرة مساوية أو أكثر ، اما إذا كانت أقل فلا الا إذا أتى ببعض العمل.

__________________

ـ ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم ...».

وسائل الشيعة ١٩ : ١٠٩ الباب ٦ من أبواب دعوى القتل الحديث ١.


وفي جواز الاجارة على اداء الواجبات خلاف مشهور.

ومن استأجر محلاّ تجاريا أو غيره إلى فترة محددة فعليه بعد انتهائها تخليته إذا طالب بذلك المالك ولا يحق له ايجاره على شخص آخر من دون اذن الا إذا تمّ الاتفاق ـ لبناء عرفي خاص أو عام ـ على ذلك مسبقا ولو مقابل مبلغ معين قد يعبر عنه في بعض الاعراف بحق السرقفلية ، فيجوز آنذاك للمستأجر عدم التخلية وتجديد عقد الايجار بل يجوز له أيضا رفع اليد عن حقه في البقاء والتنازل بالمحل لثالث ازاء مبلغ معين من النقود قد يعبّر عنه بحق السرقفلية أيضا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم ثبوت الخيارات الثلاثة في الاجارة‌ فلاختصاص مدرك ثبوتها بالبيع ، كصحيحة محمد بن مسلم : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (١) ، وصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه ، قال : ان جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام والا فلا بيع له» (٢).

٢ ـ واما ثبوت بقية الخيارات‌ فلان مدرك ثبوتها يعم غير البيع أيضا ، فخيار العيب والغبن ثابتان من خلال فكرة الاشتراط الضمني ، وهي لا تختص بالبيع. وهكذا الخيار الثابت باشتراطه أو بتخلف الشرط ، فانه لا يختص بالبيع.

وبالجملة : مدرك الخيارات الثلاثة السابقة حيث انه التعبد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٩ الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٦ الباب ٩ من أبواب الخيار الحديث ١.


فيقتصر على مورده ، بخلاف بقية الخيارات فان مدركها ليس هو التعبد بل مقتضى القاعدة الذي لا اختصاص له بالبيع.

٣ ـ واما ان كان واحد مالك ما له على الآخر بمجرد العقد‌ فباعتبار كونه سببا تاما للملكية بمقتضى قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

٤ ـ واما وجوب التسليم على كل واحد منهما‌ فلان ذلك لازم ملكية الآخر لما في يده.

واما عدم لزوم التسليم عند امتناع الآخر فلان ذلك مقتضى الشرط الضمني الارتكازي على ثبوت الحق لكل منهما في الامتناع عند امتناع الآخر.

٥ ـ واما جواز ايجار العين من قبل المستأجر الاول‌ فلانه مالك للمنفعة وليس من شروط صحة الاجارة ملكية العين.

اجل مع اشتراط استيفائه المنفعة مباشرة فلا يجوز له ذلك لقاعدة المسلمون عند شروطهم التي دلت عليها صحيحة عبد الله بن سنان (٢).

٦ ـ واما الاشكال في جواز تسليم العين‌ فقد صار إليه جمع من الاعلام (٣) باعتبار ان العين ملك لصاحبها ، والتصرف فيها بالتسليم إلى ثالث تصرف في ملك الغير من دون اذنه فلا يجوز.

وفيه : ان الاذن ثابتة لان اذن المالك للمستأجر الاول في الاستيلاء على العين كانت باعتبار انه مالك للمنفعة وليس بما هو فلان ، وحيث ان‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٣) وممن استشكل السيد الطباطبائي في العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الفصل ٥.


الوصف العنواني المذكور منطبق على المستأجر الثاني فيجوز تسليمه اليها واستيلاؤه عليها.

اجل لا يجوز تعريض العين للخطر بايجارها من شخص لا يتحفظ عليها بشكل كامل.

ومما يؤكد ذلك ان المستأجر الاول يجوز له استضافة بعض الضيوف لأيام من دون حاجة الى استئذان المالك ، فإذا جاز ذلك جاز ايجار العين للضيف وتصرفه فيها بلا حاجة إلى استئذان.

هذا كله بقطع النظر عن الروايات والا فالأمر أوضح. وقد روى علي بن جعفر ـ بطريق صحيح ـ عن أخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال : ان كان شرط ان لا يركبها غيره فهو ضامن لها وان لم يسم فليس عليه شي‌ء» (١) ، فانها تدل على جواز اركاب الغير ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون ذلك باجرة أو بدونها.

وفي صحيحة ابي المعزا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يؤاجر الارض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها ، قال : لا بأس ...» (٢).

٧ ـ واما عدم جواز ايجار الدار من قبل المستأجر الاول بأكثر من الاجرة الاولى الا مع احداث حدث‌ فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به ، قال : لا يصلح ذلك الا ان يحدث فيها شيئا» (٣) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٥٥ الباب ١٦ من أحكام الاجارة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٦٠ الباب ٢٠ من أحكام الاجارة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٦٣ الباب ٢٢ من الاجارة الحديث ٤.


٨ ـ واما اعتبار اتحاد جنس الاجرة في عدم جواز الزيادة‌ فلان عنوان «الاكثر» لا يصدق الا مع اتحاد جنس الاجرتين ، فاذا كانت احداهما دينارا والاخرى كتابا فلا يصدق ان هذا أكثر من ذاك إذا تفاوتا في القيمة الا مع العناية.

اجل إذا كانت كلتا الاجرتين من النقود واختلفتا في نوعية النقد فلا يبعد صدق عنوان الاكثر عرفا إذا تفاوتا في المالية.

٩ ـ واما ان المستأجر لعمل يجوز له استيجار غيره إذا كانت الاجرة مساوية أو أكثر‌ فلكونه مقتضى القاعدة ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

واما عدم جواز ذلك إذا كانت أقل الا مع اداء بعض العمل فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه ، قال : لا ، الا ان يكون قد عمل فيه شيئا» (١) وغيرها.

١٠ ـ واما الخلاف في جواز الاجارة على الواجبات‌ فينبغي ان تستثنى منه الحالات التالية :

أ ـ ما إذا لم تعد للباذل فائدة من وراء الاجارة ، كالاستيجار لأداء الصلاة الواجبة اليومية عن العامل نفسه. ولا اشكال في بطلان الاجارة في مثل ذلك.

وتتصور الفائدة فيما إذا كان الواجب كفائيا وأراد الباذل اسقاطه عن نفسه فاستأجر غيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٦٥ الباب ٢٣ من الاجارة الحديث ١.


ب ـ ما إذا فهم من الادلة مطلوبية تحقيق الفعل مجانا ، كما في تعليم الاحكام والافتاء وتجهيز الميت والاذان ونحو ذلك. وفي مثله لا اشكال في بطلان الاجارة كما هو واضح.

ج ـ ما إذا علم بمطلوبية ايقاع الفعل في الخارج ولو مع الاجرة ، كما هو الحال في المهن التي يتوقف عليها النظام كالطبابة والخبازة والبقالة وما شاكل ذلك. وفي مثله لا اشكال في جواز الاجارة كما هو واضح.

وبعد هذا يقع الكلام تارة في البحث عن مانعية حيثية الوجوب من جواز الاجارة واخرى عن مانعية حيثية قصد التقرب المعتبر في العبادات من صحة الاجارة.

اما المانعية من الحيثية الاولى فذكر لها عدة تقريبات نشير من بينها إلى : الاول : ما نقله الشيخ الأعظم من ان الشي‌ء إذا كان واجبا فهو مملوك لله سبحانه ، ومع كون الشي‌ء مملوكا للغير فلا يمكن تمليكه لان الشخص إذا لم يملك فعله فكيف يملّكه لغيره (١).

وفيه : ان وجوب الفعل يستدعي الزام ايجاده دون الملكية اعتبارا ليلزم ما ذكر.

الثاني : ما أفاده الشيخ النائيني من ان شرط صحة الاجارة بل كل معاملة كون الفعل والترك معا تحت سلطان الاجير ، ومع فرض ايجاب الفعل لا يكون الترك تحت سلطانه بل يكون ممتنعا عليه شرعا ،

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٤٣٢ ، منشورات دار الحكمة.


والممتنع شرعا كالممتنع عقلا (١).

وفيه : ان القدرة بمعنى تساوي الطرفين لا دليل على اعتبارها وانما الثابت اعتباره هو القدرة على تسليم متعلق الاجارة بمعنى الامكان التكويني ، وهو متحقق في محل الكلام.

الثالث : ما استند إليه الشيخ الأعظم ، وهو ان العمل إذا كان واجبا على الاجير بقطع النظر عن الاجارة فيجوز اجباره على ايقاعه ولو لم يستأجر عليه ، ومعه فلا تعود فائدة من وراء الاجارة.

قال قدس‌سره : «... لان أخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله اكل للمال بالباطل لان عمله هذا لا يكون محترما لان استيفاءه منه لا يتوقف على طيب نفسه لأنه يقهر عليها مع عدم طيب النفس والامتناع» (٢).

وفيه : ان الثابت قبل الاجارة حق عام لجميع المكلفين في المطالبة بايقاع الفعل من باب الامر بالمعروف ، وهذا بخلافه بعد الاجارة ، فانه يثبت حق شخصي خاص لخصوص المستأجر في المطالبة بالفعل من باب المطالبة بملكه.

وعليه فلا منع من حيثية الوجوب.

واما المانعية من الحيثية الثانية فتقريبها ان الباعث على الاتيان بالعمل إذا كان هو استحقاق الاجرة فكيف يتأتى قصد القربة من الاجير؟!

وفيه : ان الاجرة لم تجعل على ذات الفعل بل على الفعل بقصد‌

__________________

(١) منية الطالب للخوانساري ١ : ١٥.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٤٣٧ ، منشورات دار الحكمة.


العبادية والتقرب ، فما لم يؤت به كذلك لا يكون الاجير مستحقا لها ، وهذا معناه ان الاجارة تكون مؤكدة لطلب قصد التقرب وليست منافية له ، إذ ما لم يقصد الاجير التقرب لا يكون مستحقا للأجرة.

وهذا ما أطلق عليه الآخوند الخراساني بفكرة الداعي إلى الداعي (١) ، فان ذات الفعل يؤتى بها بقصد القربة ، والداعي لقصد القربة هو تحصيل الاجرة.

وإذا قلت : كيف نتصور قصد التقرب لأجل تحصيل الاجرة؟! ما هذا الا مجرد ألفاظ.

قلنا : لا يلزم في الداعي لقصد القربة ان يكون هو الله سبحانه بشكل محض ، ان هذا لا يتصور الا من امير المؤمنين عليه‌السلام وبقية المعصومين صلوات الله عليهم بل اللازم صدور قصد التقرب ولو لدواع اخرى ، كالإتيان بصلاة الرزق أو نزول المطر بقصد التقرب طلبا للرزق أو نزول المطر ، وكالإتيان بالصلاة بقصد التقرب طلبا للتخلص من النار أو حبّا لدخول الجنّة.

وما دام هذا ممكنا فبالامكان في مقامنا أيضا اتيان الاجير بالصلاة بقصد التقرب طلبا لتحصيل الاجرة.

وفي الحقيقة يمكن ان نفهم من خلال هذا ان المطلوب في باب العبادات هو قصد القربة على هذا المستوى وبالمقدار المذكور.

وعليه فلا مانع من الاجارة على الواجبات لا من حيثية الوجوب ولا من حيثية العبادية.

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ١٢٤ ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.


١١ ـ واما وجوب التخلية بعد انتهاء عقد الاجارة‌ فلانه هو المسوغ للتصرف فاذا انتهى يعود المالك مسلطا على ملكه ولا يجوز التصرف فيه من دون طيب نفسه.

١٢ ـ واما انه يجوز للمالك اخذ السرقفلية‌ فلان لكل ذي حق التنازل عن حقه مقابل ما يشاء.

واما ان للمستأجر ذلك أيضا فلانه مقابل تنازله عن حقه في البقاء وعدم التخلية المتولد له بسبب الاتفاق مع المالك.

١٣ ـ واما كفاية التباني العام‌ فلانه محقق للاشتراط الضمني.


كتاب المزارعة‌

١ ـ حقيقة المزارعة‌

٢ ـ شرائط المزارعة‌

٣ ـ أحكام عامة في باب المزارعة‌



١ ـ حقيقة المزارعة‌

المزارعة عقد يتضمن الاتفاق على زرع شخص أرض غيره بحصة من حاصلها. وهي مشروعة بلا كلام.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحديد المزارعة‌ بما ذكر فمضافا إلى كونه من واضحات الفقه يمكن استفادته من روايات باب المزارعة ، كصحيحة عبد الله بن سنان : «الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر وثلث للبذر وثلث للأرض ، قال : لا يسمي شيئا من الحب والبقر ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ان شئت نصفا وان شئت ثلثا» (١) وغيرها.

وعدم اسناد الحديث الى الامام عليه‌السلام غير مهم بعد كون الناقل عنه ابن سنان الذي لا تحتمل في حقه الرواية عن غيره عليه‌السلام.

على ان عدم اسنادها كذلك انما هو في رواية الكليني والا ففي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٠ الباب ٨ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٥.


رواية الشيخ اسندت إلى ابي عبد الله عليه‌السلام (١).

٢ ـ واما شرعيتها‌ فليست محلا للخلاف عندنا بل عند أكثر علماء الإسلام على ما في الجواهر (٢).

وتدل عليها الضرورة الفقهية والروايات الخاصة كالصحيحة المتقدمة وغيرها.

وهناك بحث عن امكان اثبات شرعيتها بمقتضى القاعدة وقطع النظر عن الروايات الخاصة وعدمه.

فقيل بعدم الامكان ، بتقريب ان المزارعة تتضمن تمليك العامل حصته من الناتج ، وحيث انه لا وجود لها حين العقد فلا يمكن تمليكها عقلائيا لان غير الموجود ليس بمملوك كي يقبل التمليك. وهل ترى امكان ان يبيع الشخص السمكة التي سيصطادها بعد ساعة أو يهب الشي‌ء الذي يشتريه بعد ذلك؟ كلا ، انه ليس عقلائيا ، وعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ونحوه منصرف عنه.

وعليه فيحتاج اثبات الصحة إلى دليل خاص غير مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

وهذا الكلام لا يختص بالمزارعة بل يعم ما كان على شاكلتها ، كالمضاربة والمساقاة.

ولربما يشير الى اختيار هذا الاحتمال صاحب الجواهر قدس‌سره حيث تمسك ـ في تعليل عدم جواز اجارة الارض للزراعة بما يخرج منها ـ

__________________

(١) حسب بعض نسخ التهذيب على ما اشير اليه في هامش الطبعة القديمة من وسائل الشيعة.

(٢) جواهر الكلام ٢٧ : ٢.

(٣) المائدة : ١.


ب «ضرورة اعتبار ملكية الاجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة خارجا أو ذمة ، ولا شي‌ء منهما في الفرض» (١). وصرّح باختياره والدفاع عنه بعض الاعلام من المتأخرين (٢).

وفي مقابل هذا ما بنى عليه المشهور من امكان التمسك بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣).

وعلّل ذلك السيد الطباطبائي بان ما يحصل في المستقبل هو في نظر العرف بمنزلة الموجود كمنافع العين (٤).

وتترتب على هذا الخلاف آثار متعددة ، فلو شك في جواز تقدم القبول في المزارعة او انعقادها بغير العربية وما شاكل ذلك صح التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات الجواز على الاحتمال الثاني ، في حين لا يصح ذلك على الاحتمال الاول ، ويتعين عليه التمسك باطلاق دليل صحة المزارعة ان كان ثابتا والا لم يمكن الحكم بالجواز.

٢ ـ شرائط المزارعة‌

يلزم في المزارعة :

١ ـ الايجاب والقبول. ويكفي فيهما كل لفظ دال عليهما ـ مثل زارعتك أو سلّمت إليك الارض لتزرعها على كذا ـ ولو بغير العربية والماضوية.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ١١.

(٢) مستند العروة الوثقى ، كتاب الاجارة : ٣٣٥.

(٣) المائدة : ١.

(٤) العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الفصل ٦.


ولا يلزم ان يكون الايجاب من المالك ولا تقدمه ولا كونه لفظا بل يجوز ان يكون الايجاب باللفظ والقبول بالفعل او يكونا معا بالفعل.

٢ ـ ان يكون كل من المالك والزارع بالغا عاقلا مختارا وليس بمحجور عليه لسفه أو فلس.

اجل إذا لم يشارك الزارع بمال فلا يلزم اشتراط عدم المحجورية في حقه.

٣ ـ ان يكون الناتج مشتركا بين المالك والزارع وليس خاصا بأحدهما والا لم تصح المعاملة مزارعة.

٤ ـ ان يكون الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة ، فلو شرط لأحدهما الاختصاص بما يحصل اولا أو من هذه القطعة من الارض وللآخر ما يحصل ثانيا أو من تلك القطعة لم تصح.

٥ ـ تعيين الحصة بالكسر المشاع ، فلو قال : ازرع واعطني مقدارا ما مشاعا لم تصح.

٦ ـ تعيين المدة بداية ونهاية إذا لم يكن هناك انصراف يقتضي التعيين.

٧ ـ ان تكون المدة بمقدار صالح لإدراك الناتج فيها.

٨ ـ قابلية الارض للزراعة ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة أو لا يمكن وصول الماء إليها أو ما شاكل ذلك فلا تصح.

٩ ـ تعيين نوع المزروع إذا لم يقصدا التعميم لأي نوع كان ولم يكن هناك انصراف إلى نوع معين.

١٠ ـ تعيين الارض مع ترددها بين قطعتين أو أكثر إذا لم يكن هناك انصراف ولم يقصد التعميم لأي أرض وقع الاختيار عليها.

١١ ـ تعيين المصارف من البذر ونحوه وكونها على أي واحد منهما إذا لم يكن هناك انصراف.


١٢ ـ ان تكون الارض ونحوها مملوكة ولو منفعة او يكون التصرف فيها نافذا بوكالة او ولاية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في المزارعة‌ فلأنها عقد لا ايقاع كما هو واضح.

واما التعميم من الجهات الاخرى فلصدق العقد في جميعها ، ومقتضى اطلاق (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ثبوت الصحة واللزوم في جميعها.

هذا بناء على رأي المشهور.

واما بناء على الرأي الآخر فالأمر مشكل لعدم وجود اطلاق في ادلة مشروعية المزارعة يدل على امضائها في جميع الحالات المتقدمة ، فلاحظ صحيحة ابن سنان المتقدمة. وعلى منوالها غيرها.

ودعوى وجود مثل هذا الاطلاق في ادلة مشروعية المزارعة عهدتها على مدعيها.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ وما تلاه‌ فقد تقدم وجهه في مبحث شروط المتعاقدين من كتاب البيع ، فان ما ذكر هناك عام لمطلق العقود فلاحظ.

٣ ـ واما ان الزارع لا يشترط فيه عدم المحجورية إذا لم يشارك بمال‌ فلان السفيه والمفلس ممنوعان من التصرف المالي فاذا فرض عدم المشاركة بمال فلا يعود وجه للاشتراط المذكور.

هذا بناء على الرأي المشهور من عدم منع السفيه من التصرفات‌

__________________

(١) المائدة : ١.


غير المالية (١).

واما بناء على منعه حتى من مثل جعل نفسه عاملا في المزارعة والمساقاة ونحوهما فيلزم في الزارع عدم السفه حتى اذا لم يشارك بمال.

٤ ـ واما اعتبار الاشتراك في الناتج‌ فلاعتباره في المزارعة حسبما يفهم من بعض النصوص ، فقد ورد في صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تقبل الارض بحنطة مسماة (٢) ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به» (٣). والحكم متسالم عليه.

هذا بناء على الرأي المشهور الذي يرى امكان التمسك بالعمومات.

واما بناء على الرأي الآخر فيكفي لاعتبار الشرط المذكور عدم الدليل على صحة المزارعة في عدم حالة عدم الاشتراك في النماء.

٥ ـ واما اعتبار الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة وتعيين الحصة بالكسر المشاع‌ فلما سبق في اعتبار اصل الاشتراك.

٦ ـ واما اعتبار تعيين البداية والنهاية للمدة‌ فقد يستدل له بحديث نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (٤) او بالإجماع.

__________________

(١) قال صاحب الجواهر في جواهره ٢٦ : ٥٨ «لان السفه لم يسلبه ... اهلية مطلق التصرف بل في ماله خاصه ... كما هو واضح خلافا لبعض العامة».

(٢) اي بحنطة مقدّرة بغير الكسر المشاع ، بان يقول مثلا : بعشرين كيلوغراما.

وقيّد الشيخ في الاستبصار ٣ : ١٢٨ النهي في الرواية بما اذا كانت الحنطة المسماة من نفس حاصل الارض ، اما اذا كانت من حاصل موجود بالفعل من غيرها فلا بأس بذلك.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ١٩٩ الباب ٨ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، المسألة ٢ من الركن ٣ في الفصل ٢.


وكلاهما كما ترى.

اما الاول فلما تقدم في مبحث الاجارة عند البحث عن شرائط العوضين.

واما الثاني فلاحتمال مدركيته.

والاولى الاستدلال لذلك بان المدة إذا لم تكن متعينة بداية ونهاية فلا يمكن تعلق الامر بوجوب الوفاء بالعقد لان ما لا تعين له حتى في علم الله سبحانه كيف يتعلق به وجوب الوفاء؟

اجل إذا حددت البداية وجعلت النهاية أدراك الحاصل كفى ذلك لأنه نحو من التعيين.

٧ ـ واما اعتبار ان تكون المدة بمقدار يمكن ادراك الناتج فيها‌ فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المقصود من المزارعة ويكون الاقدام عليها لغوا ولا يشملها دليل الامضاء.

٨ ـ واما اعتبار القابلية للزراعة‌ فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المزارعة ، ومن ثمّ لا يمكن ان يشملها دليل الامضاء.

٩ ـ واما اعتبار تعيين نوع المزروع فيما إذا لم يقصد التعميم ولم يفرض الانصراف‌ فقد جاءت الإشارة إليه في كلمات غير واحد من الفقهاء.

وهو وجيه مع اختلاف نوع الزرع المقصود لكل واحد منهما ، لان وجوب الوفاء بالعقد على طبق مقصود احدهما بلا مرجح ، وعلى طبق مقصودهما معا غير ممكن لفرض التنافي. واما مع عدم الاختلاف في المقصود واقعا فلا مستند للبطلان سوى التمسك بحديث : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر ، وقد تقدم في مبحث الاجارة عدم‌


ثبوت كونه رواية.

١٠ ـ واما اعتبار تعيين الارض‌ فلما تقدم نفسه في اعتبار تعيين نوع المزروع.

١١ ـ واما لزوم تعيين من عليه المصارف إذا لم يكن هناك انصراف‌ فلان العقد بدون ذلك لا يمكن تعلق وجوب الوفاء به ، إذ وجوب الوفاء ببذل المصارف من خصوص احدهما بلا مرجح ، ووجوبه بالبذل من كليهما امر على خلاف مقصودهما.

١٢ ـ واما اعتبار ملكية الارض ونحوها او نفوذ التصرف فيها‌ فلأنه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

٣ ـ أحكام عامة في باب المزارعة‌

المزارعة عقد لازم لا تنفسخ الا بالتقايل أو الفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

ولا يلزم في البذر ان يكون من العامل بل يجوز ان يكون من المزارع أيضا أو منهما.

كما لا يلزم في الارض ان تكون من المزارع ويجوز كونها من العامل.

بل قد يقال : ان المزارعة تحتاج إلى امور أربعة : الارض والبذر والعمل والعوامل.

ويصح ان يكون من احدهما احد هذه ومن الآخر البقية ، او من كل منهما اثنان منها ، او من احدهما بعض احدها ومن الآخر البقية ، او الاشتراك في الكل.

ويجوز لكل من المالك والعامل بعد ظهور الناتج تقبل حصة الآخر بمقدار‌


معين من الناتج نفسه بعد التخمين ، ولا يضر لو اتضحت بعد ذلك الزيادة أو النقيصة.

ويجوز للعامل ما دام لم تشترط عليه مباشرة الزرع بنفسه ان يؤجر الغير او يزارعه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان المزارعة عقد لازم لا ينفسخ الا بما ذكر‌ فلما تقدم في مبحث الاجارة تحت عنوان «من أحكام عقد الاجارة».

٢ ـ واما البذر‌ فقد يقال بلزوم كونه على العامل تمسكا بصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... وسألته عن المزارعة فقال : النفقة منك والارض لصاحبها ، فما اخرج الله من شي‌ء قسّم على الشطر وكذلك اعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها على ان يعمروها ولهم النصف مما اخرجت» (١).

الا انه يلزم حملها على المتعارف في تلك الفترة ـ خصوصا بعد ملاحظة الاستشهاد بسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لصراحة بقية الروايات في جواز عدم كونه على العامل ، كما في موثقة سماعة : «سألته عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر والبقر وتكون الارض والماء والخراج والعمل على العلج ، قال : لا بأس به» (٢) وغيرها.

على ان الحكم متسالم عليه بين الاصحاب. بل قد يدعى ان سيرة المزارعين المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام هي على ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٣ الباب ١٠ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٤ الباب ١٢ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ١.

والعلج هو الرجل الضخم من الكفار او مطلق الكافر.


٣ ـ واما جواز كون الارض من العامل‌ فلموثقة سماعة المتقدمة.

٤ ـ واما وجه القول بجواز الاشتراك في الامور الاربعة بأي شكل‌ فقد علّله الشيخ البحراني بقوله : «لإطلاق الاذن في المزارعة من غير تقييد بكون بعض بخصوصه من احدهما» (١).

وهذا الاطلاق ان كان ثابتا فيه والا فبالامكان التعويض عنه بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) بناء على رأي المشهور.

٥ ـ واما جواز تقبل حصة الآخر بمقدار من الناتج نفسه بعد التخمين‌ فوجهه :

أ ـ التمسك بمقتضى القاعدة ، فان الناتج بعد اشتراكه بين الطرفين فمن حقهما تقسيمه بالشكل الذي يتفقان عليه ، فان الحق لا يعدوهما. وهو واضح. ويأتي إن شاء الله تعالى توضيح أكثر للوجه في مشروعية القسمة في مبحث القسمة من كتاب القضاء.

ب ـ ما أفاده السيد الطباطبائي من امكان ارجاع ذلك إلى الصلح غير المعاوض ، فكأنهما يتسالمان على ان تكون حصة احدهما من المال المشترك كذا مقدار والبقية للآخر. وعلى ذلك يصح ايقاع عملية التقبيل هذه بلفظ الصلح (٣).

ج ـ التمسك بالروايات الخاصة ، كصحيحة يعقوب بن شعيب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول احدهما لصاحبه : اختر اما ان تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢١ : ٣٢٣.

(٢) المائدة : ١.

(٣) العروة الوثقى ، كتاب المزارعة ، المسألة ٢٠.


نصف هذا الكيل اما زاد أو نقص ، واما ان آخذه انا بذلك ، قال : نعم لا بأس به» (١) وغيرها.

٦ ـ واما تقييد ذلك بما بعد ظهور الناتج‌ فلانه قبل ذلك لا حنطة وشعير مثلا ليمكن تقسيمه ، وهل يمكن تقسيم المعدوم.

٧ ـ واما انه لا يضر اتضاح الزيادة او النقيصة بعد ذلك‌ فلإقدام كل منهما على اجراء عقد القسمة او الصلح بالشكل المذكور فيلزم بمقتضى لزوم كل عقد.

هذا بناء على كون المدرك الوجهين الاولين.

واما بناء على الوجه الثالث فلظهور الصحيحة في ذلك.

٨ ـ واما جواز ايجار العامل شخصا لمباشرة الزرع‌ فواضح بعد عدم اشتراط المباشرة بنفسه واشتغال ذمته بذلك.

واما جواز مزارعته للغير فلعدم اشتراط صحة المزارعة بملك المزارع للأرض بل يكفي كونه مالكا للتصرف فيها فتشمله ادلة صحة المزارعة بل مثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) أيضا ، بناء على رأي المشهور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨ الباب ١٠ من أبواب بيع الثمار الحديث ١.

(٢) المائدة : ١.



كتاب المساقاة‌

١ ـ حقيقة المساقاة‌

٢ ـ شرائط المساقاة‌

٣ ـ أحكام عامة في باب المساقاة‌



١ ـ حقيقة المساقاة‌

المساقاة عقد يتضمن الاتفاق على سقي شخص اشجار شخص ثان أو غيرها واصلاح شئونها إلى مدة معينة بحصة من حاصلها. وهي مشروعة جزما.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحديد المساقاة بما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه. ويمكن استفادته من صحيحة يعقوب الآتية.

وفرقها عن المزارعة ان العامل في الثانية يقوم بزرع الارض بحصة من الناتج بعد فرض انها غير مزروعة ، بخلافه في المساقاة ، فان المفروض ثبوت الاشجار وغرسها في الارض قبل العقد ، ودور العامل السقي واصلاح شئون ما هو مغروس بحصة من الناتج.

٢ ـ واما شرعيتها‌ فقد قال في الجواهر : «هي جائزة بالإجماع من علمائنا وأكثر العامة خلافا لأبي حنيفة وزفر فانكراها‌


للجهالة والغرر» (١).

وتدل على ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... سألته عن رجل يعطي الرجل ارضه وفيها ماء او نخل او فاكهة ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما اخرج الله عز وجل منه ، قال : لا بأس» (٢) وغيرها.

والخلاف السابق بين المشهور وغيره في امكان تصحيح المزارعة على طبق القاعدة وبقطع النظر عن الروايات الخاصة وعدمه آت هنا أيضا لوحدة النكتة.

٢ ـ شرائط المساقاة‌

يلزم في المساقاة توفر :

١ ـ الايجاب والقبول بالشكل المتقدم في المزارعة.

٢ ـ البلوغ والعقل في المالك والعامل وعدم الحجر بالنحو المتقدّم في المزارعة.

٣ ـ ان يكون المغروس مملوكا ولو منفعة فقط أو يكون التصرف فيه نافذا بوكالة أو ولاية.

٤ ـ معلومية الاشجار في مقابل التردّد.

٥ ـ ان تكون الاصول ذات جذور ثابتة في الارض ، كما في النخل وأشجار الفواكه ، فلا تصح على ما لا ثبوت لعروقه في الارض ، كالبطّيخ والباذنجان‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ٥٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٢ الباب ٩ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٢.


وغيرهما من الخضر.

٦ ـ تحديد المدة بداية ونهاية ، وان تكون بمقدار تصلح لبلوغ الثمرة.

ويكفي بلوغ الثمرة تحديدا للنهاية.

٧ ـ ان يكون العقد قبل بلوغ الثمرة أو بعدها مع افتراض الحاجة إلى السقي أو غيره. اما مع فرض الحاجة إلى مجرد الحفظ والقطف فالصحة محل خلاف.

٨ ـ تعيين حصة كل من المالك والعامل بنحو الكسر المشاع.

٩ ـ تعيين ما على كل واحد منهما من اعمال إذا لم يكن هناك انصراف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة إلى الشرطين الاولين‌ فلما تقدم في المزارعة.

٢ ـ واما اعتبار ملك المنفعة او التصرف‌ فلانه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

٣ ـ واما اعتبار معلومية الاشجار ـ بمعنى عدم ترددها ـ فلان تعلق وجوب الوفاء بهذا المعين او بذاك المعين ترجيح بلا مرجح ، وتعلقه بكليهما امر على خلاف مقصودهما. والمردد لا تحقق له ليمكن تعلق ذلك به.

واما المعلومية في مقابل الجهل فقد يقال باعتبارها لا لحديث نفي الغرر ـ لعدم ثبوت كونه رواية على ما تقدم في مبحث الاجارة. اضافة إلى امكان القول بان مثل المساقاة مبنية على الغرر والجهل من الاساس فلا معنى للتمسك بلحاظها بالحديث المذكور ـ ولا للإجماع لاحتمال مدركيته بل لان مورد صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة قد فرضت فيه المعلومية لدى الطرفين فلا يبقى ما يدل على صحتها مع‌


عدم المعلومية بناء على عدم امكان تصحيح المساقاة بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١). واما بناء على امكان ذلك ـ كما عليه المشهور ـ فاعتبار ذلك قابل للتأمل ، ولا بدّ من التنزل الى الاحتياط في الفتوى تحفظا من مخالفة المشهور.

٤ ـ واما اعتبار كون الاصول ثابتة‌ فلا يتم الا بناء على عدم امكان تصحيح مثل المساقاة بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ـ حيث يقال : ان مورد صحيحة يعقوب خاص بما كان له اصل ثابت ، وتصحيح المساقاة في غير ذلك لا دليل عليه ـ واما بناء على الرأي الآخر فلا وجه للاشتراط المذكور.

بل قد يقال : لا وجه له حتى على الرأي الاول ، لان مورد الصحيحة وان كان مختصا بما له اصل ثابت الا ان تخصيص ذلك بالذكر لم يجئ في كلام الامام عليه‌السلام بل في كلام السائل ، وحيث لا يحتمل ثبوت خصوصية لذلك عرفا فيمكن تعميم الحكم إلى غيره.

٥ ـ واما اعتبار تحديد المدة‌ فلانه بدون ذلك لا تعيّن للعقد في الواقع ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

واما اعتبار ان تكون المدة بمقدار تبلغ فيه الثمرة فلانه بدون ذلك لا يمكن ثبوت حصة العامل ، ومن ثمّ يكون العقد لغوا ولا معنى لتعلق وجوب الوفاء به.

واما كفاية بلوغ الثمرة حدا للنهاية فلأن ذلك نحو من التحديد. ولعله هو المتعارف الذي يبعد عدم شمول دليل الامضاء له.

__________________

(١) المائدة : ١.


٦ ـ واما عدم تقييد صحة المساقاة بما قبل بلوغ الثمرة‌ فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

واما عدم اعتبار الحاجة إلى خصوص السقي فلان عطف الاعمار على السقي في الصحيحة : «اسق هذا من الماء واعمره» هو من عطف العام على الخاص ، وهو يدل على كفاية الاعمار بأي شكل كان ولو لم يكن بالسقي. والتعبير بالمساقاة تعبير فقهي لوحظ فيه أهم افراد الاعمار وهو السقي والا فالرواية لم تعبّر بذلك لتفهم الخصوصية للسقي.

ولو قيل باعتبار الخصوصية للسقي باعتبار انه منصوص عليه في الصحيحة يلزم ان يقال باعتبار الخصوصية أيضا للأعمار غير السقي لأنه مذكور في الصحيحة أيضا ، وهو غير محتمل.

واما الخلاف في الاكتفاء بالحاجة إلى الحفظ والقطف فلأنهما ليسا نحوا من الاعمار ليكونا مشمولين للصحيحة.

اجل بناء على صحة التمسك بالعمومات يتوجه الحكم بالصحة ولو لم يكن ذلك بعنوان المساقاة.

٧ ـ واما اعتبار تعيين الحصة وكون ذلك بالكسر المشاع‌ فواضح بناء على عدم جواز التمسك بالعمومات والا فالتعيين يكون معتبرا دون كونه بالكسر المشاع ، إذ مع تردد الحصة لا يمكن ثبوت وجوب الوفاء لان تعلقه بلحاظ أحد الاحتمالين دون الآخر بلا مرجح ، والمردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

ثم انه بناء على جواز التمسك بالعمومات لا يعتبر تعيين الحصة بالكسر المشاع في باب المساقاة ولكن يلزم ذلك في باب المزارعة.


ووجه الفرق : انه في المزارعة فهم من مثل صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تقبل الارض بحنطة مسماة ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به» (١) اعتبار تعيين الحصة بالكسر المشاع ويكون ذلك بمنزلة المقيّد للعمومات ، وهذا بخلافه في المساقاة ، فان صحيحة يعقوب لا يفهم منها عدم الصحة عند عدم تعيين الحصة بنحو الكسر المشاع وانما ذلك موردها لا أكثر.

٨ ـ واما اعتبار تعيين الاعمال‌ فلما تقدم في المزارعة.

٣ ـ احكام عامة في باب المساقاة‌

المساقاة عقد لازم لا ينفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ بالخيار إذا فرض اشتراطه او تخلف بعض الشروط.

وفي جواز المساقاة على الاشجار التي لا ثمر لها وانما ينتفع بورقها ـ كالحناء ـ خلاف.

ويجوز اجراء عقد المساقاة على الاشجار التي لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء المطر ونحو ذلك ما دامت بحاجة إلى الاعمار من جهات اخرى.

ولا يلزم على العامل مباشرة العمل بنفسه بل يجوز له استيجار غيره لذلك ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

وإذا كان البستان يشتمل على أنواع مختلفة من الاشجار فتجوز المساقاة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٩٩ الباب ٨ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٣.


على النصف مثلا في النخيل والربع في شجر التفاح ، وهكذا.

ويجوز ان يشترط احدهما على الآخر مضافا إلى حصته شيئا آخر ، كبناء بيت له أو دفع مبلغ من النقود وما شاكل ذلك.

ولو قال المالك للعامل : ساقيتك بالنصف ان سقي بالناضح وبالثلث ان سقي بالسيح لم تقع المساقاة صحيحة.

والمغارسة ـ وهي ان يدفع شخص أرضه لغيره للغرس فيها مع الاشتراك في المغروس ـ باطلة على المشهور. اجل مع فرض الاشتراك في الشجر من حين العقد وقبل الغرس صحيحة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان المساقاة لازمة لا تنفسخ الا بما ذكر‌ فقد تقدم ذلك في مبحث الاجارة فلاحظ.

٢ ـ واما الخلاف في جواز المساقاة على الاشجار التي لا ثمر لها‌ فباعتبار ان مورد صحيحة يعقوب هو الشجر المثمر.

الا ان المناسب هو الحكم بالتعميم لان مورد الصحيحة وان كان ما ذكر لكنه قد وقع في سؤال السائل ولا يفهم العرف له خصوصية فبتنقيح المناط ينبغي التعدي.

هذا لو لم نقل بجواز التمسك بالعمومات والا فالأمر أوضح.

٣ ـ واما عدم توقف صحة عقد المساقاة على الحاجة إلى السقي‌ فلما تقدم من ان عطف الاعمار على السقي في صحيحة يعقوب هو من عطف العام على الخاص ، وذلك يدل على ان المدار في صحة المساقاة على الحاجة إلى الاعمار بأي شكل كان من دون خصوصية للسقي.

هذا بناء على عدم امكان التمسك بالعمومات والا فالحكم‌


بالصحة أوضح.

٤ ـ واما ان العامل يجوز له استيجار غيره إذا لم تشترط عليه المباشرة بنفسه‌ فواضح لان الذمة تكون مشغولة بالاعمار الكلي ، وهو مما يمكن تحققه باستيجار الغير له.

٥ ـ واما جواز المساقاة بحصص مختلفة باختلاف الاشجار‌ فلانحلال العقد إلى عقود متعددة بعدد أنواع الاشجار.

٦ ـ واما جواز اشتراط شي‌ء آخر اضافة إلى الحصة‌ فلانه بعد عدم مخالفته لمقتضى العقد ولا للكتاب والسنة الشريفين يكون اشتراطه صحيحا وواجب الوفاء بمقتضى قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

٧ ـ واما عدم وقوع المساقاة صحيحة في فرض كون الحصة هي النصف ان سقي بالناضح والثلث ان سقي سيحا‌ فلما تقدم من ان التردد مانع من الصحة ، إذ تعلق وجوب الوفاء بأحدهما بخصوصه ترجيح بلا مرجح ، وتعلقه بكليهما أمر على خلاف مقصودهما ، والمردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

٨ ـ واما بطلان المغارسة‌ فقد علل :

تارة باقتضاء الاصل لذلك بعد عدم الدليل على صحتها ، فان عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ناظر إلى اثبات اللزوم للعقد الصحيح وليس لإثبات صحة مشكوك الصحة كما هو رأي صاحب الجواهر (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) المائدة : ١.

(٣) جواهر الكلام ٢٧ : ٥٩.


واخرى بان الاثر للإنشاء لا بدّ وان يكون مقارنا له ـ كما هو المستفاد من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث يجب الوفاء بالعقد بمجرّد تحققه ـ ولذا لا يمكن الانشاء من الآن للبيع او الطلاق بعد يوم. وحيث انه في باب المغارسة يصير صاحب الارض مالكا للأشجار بعد الغرس لا من حين العقد فيلزم ما ذكر من الانفكاك الذي لا دليل على صحة العقد معه.



كتاب الشّركة‌

١ ـ حقيقة الشركة‌

٢ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الأوّل‌

٣ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الثاني‌



١ ـ حقيقة الشركة‌

تطلق الشركة على معنيين :

أ ـ كون شي‌ء واحد لاثنين أو أزيد بنحو الاشاعة.

ب ـ الاتفاق بين طرفين أو أزيد على الاتجار بمالهم مع الاشتراك في الربح والخسارة.

وهي بالمعنى الثاني عقد ، ولأجله صحّ ادراجها في العقود بخلافه بالمعنى الاول فانها ليست عقدا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحقق الشركة بالمعنى الاول‌ فهو من الامور الواضحة.

فالاخوة مثلا إذا ورثوا مالا او حقا كانت الشركة فيه فيما بينهم بالمعنى المذكور.

وهكذا تتحقق بالمعنى المذكور إذا افترض اشتراك شخصين في حيازة المباحات ، كاصطياد مجموعة من الاسماك بواسطة شبكة.

او افترض امتزاج مالين لشخصين باختيار او بغيره من دون‌


تميز لأحدهما من الآخر بنحو عدّا عرفا موجودا واحدا ، كامتزاج حنطة بحنطة او دقيق حنطة بدقيق حنطة او شعير. واما إذا كان المزج بنحو لا يعدّان موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة وان لم يمكن التمييز ، كما إذا اختلطت دنانير شخص بدنانير غيره ، أو عباءة شخص بعباءة غيره ، أو حنطة شخص بشعير غيره ، فانه حيث لا يعدّ الخليط موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة بل يلزم الفرز ان امكن ، وان لم يمكن الا بكلفة بالغة فمع اتفاقهما على الصلح فلا مشكلة والا اجبرهما الحاكم عليه.

وقيل بالمصير إلى القرعة مع عدم اتفاقهما على الصلح. وهو جيد في مثال العباءة والدنانير حيث لا يعرف المالك فيشخص بالقرعة لان «كل مجهول ففيه القرعة» (١) ، بخلافه في مثال اختلاط الحنطة بالشعير ، فانه لا معنى للمصير إلى القرعة بعد تشخص مالك الحنطة عن مالك الشعير بل يتعيّن المصير إلى الصلح ان اتفقا عليه والا اجبرهما الحاكم عليه.

وقد يفترض تحقق الشركة بالمعنى الاول أيضا فيما إذا امتلك شخصان أو أزيد شيئا واحدا بشراء أو صلح أو هبة ونحوها.

كما تتحقق أيضا بعملية التشريك المنصوص عليها في الاخبار ، كمن كان عنده شي‌ء وطلب منه غيره تشريكه فيه ، بان قال له : شرّكني في نصفه بكذا مقدار ، فانه إذا قبل تحققت فيه الشركة بالمعنى المذكور ، فاذا حصل ربح أو نقصان اشتركا في ذلك.

والوجه فيه ـ مضافا إلى امكان دعوى انعقاد السيرة العقلائية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٩ الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١١.


عليه الممضاة بعدم ردع الشارع عنها ـ التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يشارك في السلعة ، قال : ان ربح فله وان وضع فعليه» (١) وغيرها.

والشركة في كل الأمثلة التي أشرنا إليها تتحقق بنحو الاشاعة. وقيل بامكان تحققها أيضا في موارد اخرى بنحو الكلي في المعين أو بنحو استقلال الشركاء في التصرف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، وبني هاشم في الخمس ، والموقوف عليهم في الاوقاف العامة.

٢ ـ واما الشركة بالمعنى الثاني‌ فهي مما انعقدت عليها السيرة العقلائية المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام الممضاة بعدم الردع عنها ، ومشمولة للعمومات ، كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

بل يمكن التمسك لإثبات صحتها بموثقة النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي الا ان تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم» (٣) وغيرها.

وقد تقدم ان السكوني وان لم يرد في حقه توثيق خاص الا ان دعوى الشيخ في عدته عمل الطائفة برواياته (٤) كاف في التساهل من ناحيته.

واما النوفلي فيمكن اثبات وثاقته اما من خلال وروده في اسناد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٧٤ الباب ١ من أبواب أحكام الشركة الحديث ١.

(٢) المائدة : ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ١٧٦ الباب ٢ من أحكام الشركة الحديث ٢.

(٤) العدة في الاصول ١ : ١٤٩.


تفسير القمي أو كامل الزيارات ـ بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من ورد في أحد الكتابين المذكورين ـ أو من خلال عمل الطائفة بروايات السكوني ، فانه يدل بالالتزام على عملهم بروايات النوفلي بعد ان كان اكثر روايات السكوني واصلا بطريق النوفلي.

٢ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الاول

لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في العين المشتركة بالمعنى الاول الا باذن البقية.

وإذا طالب بعض الشركاء بالقسمة لزمت اجابته ان لم يلزم منها تضرر البعض أو الكل. وفي حالة عدم لزومه تلزم الاجابة سواء كانت قسمة افراز ـ بمعنى عدم احتياج المال المشترك في تقسيمه إلى تعديل سهامه لتساوي أجزائه في القيمة ـ أم قسمة تعديل.

والقسمة عقد لازم لا يجوز فسخها من دون تراض. ولو ادعي وقوع الغلط فيها لم يقبل ذلك الا بالبينة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز التصرف في العين المشتركة الا بموافقة بقية الشركاء‌ فلعدم جواز التصرف في مال الغير الا بطيب نفسه.

٢ ـ واما لزوم الاجابة إلى القسمة مع عدم التضرر‌ فللسيرة العقلائية المنعقدة على ان لكل مالك الحق في المطالبة بفرز ماله عن مال شريكه ، وحيث لا يحتمل حدوث السيرة المذكورة في الازمنة المتأخرة بل يجزم باتصالها بزمن المعصوم عليه‌السلام فتكون كاشفة عن‌


رضاه عليه‌السلام بمضمونها بعد عدم ردعه عنها.

واما استثناء حالة لزوم الضرر فلقاعدة نفي الضرر بناء على كون المراد منها نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

٣ ـ واما ان لزوم الاجابة إلى القسمة لا يفرّق فيه بين شكلي القسمة‌ فلعموم السيرة المتقدمة.

٤ ـ واما ان القسمة عقد لازم لا يجوز فسخه بدون تراض من الاطراف‌ فلأصالة اللزوم في كل عقد ـ وقد تقدمت الاشارة إلى مستندها في باب البيع ـ التي يلزم التمسك بها ما دام لم يثبت بالدليل الجواز.

٥ ـ واما عدم قبول دعوى الغلط فيها‌ فلأصالة الصحة ـ في كل عقد لم يثبت فساده ـ الثابتة بالسيرة العقلائية غير المردوع عنها.

٦ ـ واما استثناء حالة اقامة البينة‌ فلان كل من ادعى شيئا على خلاف الاصل فيمكنه اثبات دعواه باقامة البينة عليها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (١).

ويأتي التعرض من جديد إن شاء الله تعالى في كتاب القضاء الى مبحث القسمة تحت عنوان «قسمة المال المشترك».

٣ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الثاني‌

لا تصح الشركة العقدية لدى المشهور الا بمزج مالي الشريكين اما قبل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


العقد أو بعده بنحو لا يتميزان.

وهي ذات اشكال متعددة لا تصح الا في واحد منها ، وهو ما تقدم من التعاقد على الاشتراك في ربح وخسارة المالين بعد الاتجار بهما.

ويصطلح عليها بشركة العنان.

واما بقية أشكالها فباطلة (١) ، وهي :

أ ـ شركة الابدان. وهي التعاقد على عمل كل واحد من الطرفين بصورة مستقلة وفي مجاله الخاص مع اقتسام الربح الحاصل لكل واحد ، كما لو قرّر حلاّقان اقتسام اجرة الحلاقة التي يحصلان عليها في كل يوم.

ب ـ شركة الوجوه. وهي التعاقد بين شخصين لا يملكان مالا بل وجاهة بين الناس فقط على شراء كل واحد منهما بثمن ثابت في ذمته فقط شيئا لكلا الطرفين ثم بيعه بعد ذلك واداء الثمن بعده واقتسام الربح الحاصل.

ج ـ شركة المفاوضة. وهي التعاقد على اقتسام كل ما يستفيده أحد الطرفين من ارث أو وصية أو ربح تجارة ونحو ذلك ، وهكذا تحمل الطرفين كل ما يرد على احدهما من خسارة.

ويلزم في الشركة العقدية الصحيحة الايجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس.

ويتساوى الشريكان في الربح والخسارة مع تساوي المالين ، ومع الزيادة‌

__________________

(١) وقد اتفقت كلمة اصحابنا على ذلك على ما في جامع المقاصد ٨ : ١٣ ولم ينسب الخلاف الا الى الاسكافي فان العلامة في المختلف : ٤٧٩ قد نقل عنه جواز شركة الوجوه والاعمال.

هذا ما عليه اصحابنا.

واما العامة فقد ذهب بعضهم الى جواز بعض الاشكال المذكورة فلاحظ المغني لابن قدامى ٥ : ١١١.


فبالنسبة ربحا وخسارة. ولو شرطت زيادة لأحدهما فمع كونها في مقابل العمل أو زيادته فلا اشكال والا لم يجز ذلك على قول.

والتصدي للعمل في عقد الشركة يتبع ما تمّ الاتفاق عليه بين الطرفين ، فاذا اتفقا على تصدي احدهما فقط أو كليهما بنحو الاستقلال أو الانضمام كان السير على طبق ذلك لازما.

وهكذا الحال بالنسبة إلى تعيين الكيفية الخاصة للعمل فانها تتبع ما تمّ الاتفاق عليه.

وعقد الشركة جائز ، بمعنى ثبوت الحق لكل من الشريكين في التراجع عن اذنه في التصرف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار المزج لدى المشهور‌ فلا مستند له سوى الاجماع المدعى في المسألة ، فان تمّ كان هو المدرك والا فمقتضى العمومات ـ كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ـ عدم الاعتبار ، كما أكد ذلك السيّد اليزدي في العروة الوثقى (٢).

وإذا قلت : مع افتراض تحقق المزج تكون الشركة متحققة به فما الفائدة بعد ذلك من اجراء عقد وأي شي‌ء يترتب عليه؟

قلت : مع افتراض تحقق المزج الموجب للإشاعة تنحصر فائدة العقد في الاذن في التصرف في المال المشترك ويكون في روحه راجعا إلى الاذن في التصرف وتوكيل احدهما الآخر فيه.

واما مع عدم تحقق المزج أو افتراض تحققه بنحو غير موجب‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب الشركة ، المسألة ٤.


للإشاعة ـ بناء على انكار الاجماع رأسا أو دعوى قيامه على اعتبار اصل المزج ولو لم يوجب الاشاعة ـ فمرجع العقد إلى تمليك كل واحد من الطرفين حصة من ماله للآخر.

وعليه تكون حقيقة عقد الشركة راجعة اما إلى الاذن في التصرف أو الى تمليك حصة من المال للآخر.

وعلى الاول يكون معنى اشتركنا : اشتركنا في الاذن في التصرف.

وعلى الثاني يكون المعنى : اشتركنا في الملك.

٢ ـ واما الوجه في صحة شركة العنان‌ فقد تقدم عند البحث عن حقيقة الشركة.

واما الوجه في عدم صحة شركة الابدان فواضح على رأي المشهور المعتبر للامتزاج الذي هو مفقود فيها. واما بناء على عدم اعتباره فقد قيل في وجه عدم الصحة : ان ربح العمل المستقبلي معدوم حين العقد ، وتمليك المعدوم أمر غير عقلائي وتحتاج صحته إلى قيام دليل خاص عليه ، وهو مفقود.

وبهذا نفسه يمكن توجيه بطلان شركة الوجوه والمفاوضة ، فان المزج ـ بناء على اعتباره ـ مفقود ، وبناء على عدمه يكون المورد من موارد تمليك المعدوم ، فان ربح ما يشترى في الذمة أو الفوائد المستقبلية التي تحصل من خلال الارث أو الوصية ونحوهما مفقود حين اجراء عقد الشركة ، وتمليك ذلك تمليك للمعدوم.

٣ ـ واما اعتبار الايجاب والقبول في الشركة العقدية الصحيحة‌ فلان ذلك لازم افتراض كونها عقدا.


ويكفي كل ما يدل عليهما ، كقول احدهما : تشاركنا مع قبول الآخر ، بل لا يبعد الاكتفاء بالمعاطاة ، كما لو مزج المالان بقصد الاشتراك في التجارة وما يترتب عليها من ربح أو خسارة ، فانه بعد صدق العقد بذلك يشمله عموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

واما اعتبار البلوغ وبقية الشروط فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

٤ ـ واما التساوي في الربح والخسارة مع تساوي المالين والا فبالنسبة‌ فذلك لقاعدة تبعية الربح والنماء للمال.

٥ ـ واما جواز اشتراط الزيادة في مقابل العمل أو زيادته‌ فلانه شرط سائغ ومشمول لعموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٢).

٦ ـ واما القول بعدم جواز اشتراط الزيادة مع تساوي المالين والعمل‌ فقد علل بكونه اكلا للمال بالباطل ، وقد نهي عنه في قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*) (٣).

واما وجه القول بجواز ذلك فهو التمسك بعموم «المسلمون عند شروطهم».

ودعوى انه مخالف لمقتضى العقد مدفوعة بانه مخالف لمقتضى اطلاقه لا لأصله.

٧ ـ واما تبعية التصدي للعمل وكيفيته لما تمّ الاتفاق عليه‌ فلأن عقد الشركة على ما تقدم يرجع اما إلى الاذن في التصرف أو إلى تمليك‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٣) النساء : ٢٩.


الحصة ، وعلى كلا التقديرين يكون تحديد الاذن والتمليك أمرا راجعا إلى الآذن والمملك.

٨ ـ واما ان عقد الشركة جائز‌ فلان مرجعه ـ كما قلنا ـ اما الى الاذن في التصرف او التمليك.

اما على التقدير الاول فالامر واضح لان من حق كل آذن التراجع عن اذنه.

واما على التقدير الثاني فلان كل واحد من الطرفين وان ملك حصة من مال الآخر بسبب العقد الا ان من حقه عدم الاذن في التصرف فيها والتراجع عنها.


كتاب الضمان‌

١ ـ حقيقة الضمان‌

٢ ـ شرائط الضمان‌

٣ ـ من أحكام الضمان‌



١ ـ حقيقة الضمان‌

الضمان ـ بمعناه المصطلح عليه لدى فقهائنا ـ هو التعهد بالدين للغير بنحو ينتقل من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

واما عند غيرنا فهو ضم ذمة إلى ذمة بحيث تعود ذمة الضامن والمضمون عنه مشغولتين للمضمون له ويحق له الرجوع على ايهما شاء.

وله اطلاق بمعنى ثان ، وهو التعهد بالمال للغير وتحمل مسئوليته من دون اشتغال ذمة الضامن بالفعل وبراءة ذمة المضمون عنه ، كما هو على المعنى الاصطلاحي.

وهو مشروع بكلا معنييه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما الضمان بالمعنى الاصطلاحي الذي تترتب عليه براءة ذمة المضمون عنه بمجرد الضمان واشتغال ذمة الضامن‌ فمشروعيته من بديهيات الفقه.

ويمكن التمسك لذلك بصحيحة عبد الله بن سنان ـ التي رواها‌


المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء ، فقال : إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت» (١).

هذا في الضمان بمعناه المصطلح عندنا.

واما بمعناه المصطلح عليه عند غيرنا فالمعروف بين الاصحاب عدم صحته حتى مع التصريح بارادته الا انه ذكر البعض امكان تصحيحه من خلال التمسك بالعمومات (٢).

٢ ـ واما الضمان بمعناه الثاني‌ فهو متداول لدى العقلاء ، كضمان شخص الدين للدائن ان لم يؤده المديون أو ضمان الدار لمشتريها إذا ظهرت مستحقة للغير أو ضمان الثمن للبائع ان ظهر كذلك.

٣ ـ واما شرعية الضمان بمعناه الاصطلاحي‌ فقد اتضح وجهها.

واما شرعيته بالمعنى الثاني فللسيرة العقلائية المنعقدة عليه المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام والممضاة بعدم الردع. مضافا إلى امكان التمسك بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) بناء على افادته اللزوم والصحة لا خصوص اللزوم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٠ الباب ٢ من أبواب أحكام الضمان الحديث ١.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، المسألة ٢.

(٣) المائدة : ١.


٢ ـ شرائط الضمان‌

يلزم لتحقق الضمان توفر :

١ ـ الايجاب من الضامن والقبول من المضمون له بكل ما يدل عليهما.

ولا يلزم رضا المضمون عنه.

٢ ـ كون الضامن والمضمون له بالغين عاقلين مختارين وليسا محجرا عليهما لسفه ، بخلاف المضمون عنه ، فانه لا يلزم فيه ذلك.

ويلزم أيضا عدم فلس المضمون له دون الضامن.

٣ ـ التنجيز على المشهور ، فلا يصح لو قال انا ضامن ان اذن لي فلان أو ان لم يف المديون دينه. اجل لا يعتبر ذلك في الضمان بالمعنى الثاني.

٤ ـ ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه فلا يصح اقرض فلانا وانا ضامن.

نعم يصح ذلك في الضمان بمعناه الثاني.

٥ ـ تعيّن الدين والمضمون له والمضمون عنه ، بمعنى عدم تردده ، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معين على شخص معين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو على واحد معين.

واما ما نسب إلى بعض من لزوم العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب فغريب.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقق الضمان‌ فلانه نحو من المعاقدة التي لا تتم الا بذلك.


واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلانه بذلك يتحقق العقد فيشمله عموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، كما يتحقق بذلك عنوان الضمان فتشمله صحيحة ابن سنان المتقدمة.

٢ ـ واما عدم اعتبار رضا المضمون عنه‌ فلصحة الضمان التبرعي ، الذي هو بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا بدون ضمان حيث لا يعتبر فيه رضاه.

اجل إذا استلزم الضمان التبرعي اهانة المضمون عنه ـ كتبرع وضيع بضمان دين انسان شريف ـ حرم تكليفا ولكنه لا يلزم عدم الصحة وضعا.

٣ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده في الضامن والمضمون له‌ فلأنهما طرفا العقد ، وذلك معتبر في مطلق طرفي العقد.

واما عدم اعتبار ما ذكر في المضمون عنه فلانه اجنبي عن العقد. على انه إذا جاز كونه ميتا ـ كما هو مورد صحيحة ابن سنان المتقدمة ـ جاز كونه صبيا أو مجنونا أو مكرها أو سفيها لعدم الفرق ، بل لعل ذلك أولى.

واما اشتراط عدم فلس المضمون له فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله ولو بنقلها ، وواضح ان لازم قبوله الضمان نقل دينه من ذمة إلى ذمة.

واما عدم اشتراط فلس الضامن فلان المفلّس ممنوع من التصرف في أعيان أمواله دون ذمته. وهل يحتمل عدم جواز اقتراضه؟

__________________

(١) المائدة : ١.


٤ ـ واما اعتبار التنجيز في نظر المشهور‌ فقد علّله السيد اليزدي بقوله : «لا دليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة الا دعوى الاجماع في كل العقود» (١).

واما عدم اعتباره في الضمان بالمعنى الثاني فلكون القدر المتيقن من معقد الاجماع هو الضمان بالمعنى الاول ، ومعه لا يعود مانع من التمسك بالسيرة العقلائية والعموم.

٥ ـ واما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه‌ فلانه بدونه لا يمكن نقل ما في ذمته إلى ذمة اخرى.

واما عدم اشتراطه في الضمان بالمعنى الثاني فلانه تعهد وتحمل للمسئولية من دون اشتماله على نقل ما في ذمة إلى ذمة اخرى ليعتبر فيه ذلك.

٦ ـ واما اعتبار التعيّن وعدم التردد في الدين والمضمون له والمضمون عنه‌ فلانه بدونه لا يمكن تحقق القصد إلى الضمان ، فان تحقق الضمان بلحاظ هذا الدين دون ذاك بلا مرجح ، وبلحاظهما خلاف المقصود ، والمردد بما هو مردد لا خارجية له ليمكن تحقق الضمان بلحاظه.

وهذا نفسه يجري في فرض تردد المضمون له أو المضمون عنه.

٧ ـ واما غرابة اعتبار العلم بوصف ونسب المضمون عنه والمضمون له‌ فلان ذلك لا دليل عليه ، كيف وهو غير معتبر في البيع الذي هو اكثر قيودا من سائر العقود.

__________________

(١) العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، الشرط ٧ من شروط الضمان.


٣ ـ من أحكام الضمان‌

إذا ضمن الضامن باذن المضمون عنه وتحقق الاداء منه جاز له الرجوع عليه.

وإذا لم يكن باذنه أو لم يؤد لإبراء لم يجز له الرجوع عليه. بل لو تمّ التصالح على نصف المبلغ مثلا والابراء عن الباقي لم يجز الرجوع بالجميع بل بما أدّى.

وإذا ابرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمة المضمون عنه أيضا.

وإذا ابرأ ذمة المضمون عنه كان ذلك لغوا.

والضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له.

وإذا أدى الضامن الدين من غير جنسه لم يجز له اجبار المضمون عنه بالدفع من خصوص جنس ما أدى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز رجوع الضامن على المضمون عنه مع عدم تحقق الاداء‌ فمما لا اشكال فيه. ويمكن استفادته من موثق عمر بن يزيد : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه ، قال : ليس له الا الذي صالح عليه» (١) ، فانه يدل على ان السبب في اشتغال ذمة المضمون عنه هو الاداء وقبله لا اشتغال.

هذا وقد قيل ان الحكم المذكور هو على خلاف القاعدة فانها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٣ الباب ٦ من أحكام الضمان الحديث ١.


تقتضي جواز الرجوع بمجرد تحقق الضمان ، إذ كما اشتغلت ذمة الضامن بمجرد الضمان كذلك يلزم بالمقابل اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بمجرد الضمان ادّى الضامن أو لم يؤد (١).

٢ ـ واما عدم جواز الرجوع مع عدم الاذن في الضمان‌ فلانه تبرع من الضامن لا يسوّغ رجوعه ، وهو اشبه باداء دين الغير تبرعا ومن دون ضمان.

٣ ـ واما انه لا يرجع مع الابراء أو يرجع بما ادّى في فرض الابراء من الباقي‌ فلاستفادة ذلك من الموثق المتقدم.

٤ ـ واما براءة ذمة المضمون عنه لو ابرأ المضمون له الضامن‌ فواضحة ، إذ البراءة للمضمون له قد تحققت بمجرد الضمان ، واما البراءة للضامن فلما تقدم من تفرع جواز الرجوع على المضمون عنه على الاداء.

٥ ـ واما ان ابراء المضمون عنه لغو فلان ذمته برئت بمجرد الضمان‌ فلا معنى لإبرائها.

اجل إذا فهم ان المقصود اسقاط الدين رأسا برئت بذلك ذمة الضامن.

٦ ـ واما ان عقد الضمان لازم‌ فلان رجوع الدين إلى ذمة المضمون عنه واشتغالها به ثانيا بعد براءتها منه وانتقاله إلى ذمة الضامن يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود ، والاصل في كل عقد هو اللزوم كما تقدم في مبحث البيع.

__________________

(١) العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، المسألة ١٣.


٧ ـ واما ان الضامن لو ادّى الدين من غير جنسه فلا يجوز له اجبار المضمون عنه بالدفع من جنس ما ادّاه‌ فباعتبار عدم امر المضمون عنه الضامن بذلك وانما هو تصرف تبرعي منه.

نعم مع امر المضمون عنه بذلك فللضامن الحق في ذلك لاقتضاء الامر نفسه لذلك بالسيرة العقلائية.


كتاب الحوالة والكفالة‌

١ ـ حقيقة الحوالة‌

٢ ـ شرائط الحوالة‌

٣ ـ من أحكام الحوالة‌

٤ ـ الكفالة وبعض أحكامها‌



١ ـ حقيقة الحوالة‌

الحوالة معاملة تتضمن نقل المدين ما في ذمته من دين إلى ذمة غيره باحالة الدائن عليه.

وهي مشروعة جزما.

والمعروف كونها عقدا خلافا لبعض المتأخرين حيث اختار كونها ايقاعا.

وهي متقومة بطرفين : المحيل والمحال دون المحال عليه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان معنى الحوالة ما ذكر‌ فهو من بديهيات الفقه.

والفرق بينها وبين الضمان ـ المتضمن أيضا لنقل ما في ذمة إلى ذمة اخرى ـ ان الحوالة معاملة بين المدين والدائن ، حيث ينقل الاول ما في ذمته إلى ذمة غيره بخلاف الضمان ، فانه معاملة بين الدائن والاجنبي ، حيث ينقل الثاني ما في ذمة المدين إلى ذمته.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فأمر متسالم عليه.

ويمكن الاستدلال لذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع ،


وبعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، وبالروايات الخاصة ، كصحيحة ابي أيوب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه؟ قال : لا يرجع عليه أبدا الا ان يكون قد أفلس قبل ذلك» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما انها عقد‌ فلتضمنها تصرفا في مال المحتال الذي هو تحت سلطانه وفي ذمة المحال عليه التي هي تحت سلطانه فيلزم قبولهما ، ولا يكفي إنشاء المحيل فقط لتكون ايقاعا.

واما كونها ايقاعا فقد اختاره السيد اليزدي قدس‌سره ، حيث قال : «الذي يقوى عندي كونها من الايقاع غاية الامر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرد هذا لا يصيّره عقدا ، وذلك لأنها نوع من وفاء الدين وان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء وهو لا يكون عقدا وان احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس ، فانه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك ايقاع» (٣).

وما أفاده يمكن التأمل فيه باعتبار ان الحوالة تتضمن نقلا للدين من ذمة إلى اخرى فكيف تكون وفاء.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٨ الباب ١١ من أبواب أحكام الضمان الحديث ١.

والمراد : أيرجع المحال على المحيل؟ قال : لا ، الا اذا اتضح ان المحال عليه كان قد حصل له الفلس قبل الحوالة. هذا هو المقصود وان كان تعبير الصحيحة قد يوهم كون المقصود : الا ان يكون المحيل قد افلس قبل ذلك ، ولكنه غير مقصود جزما لعدم مدخلية افلاس المحيل في جواز الرجوع عليه. هذا مضافا الى ان الاصحاب لم يفهموا الا ما اشرنا اليه.

(٣) العروة الوثقى ، كتاب الحوالة ، الشرط ١ من شروط الحوالة.


ومع التنزل والتسليم بكونها كالوفاء بغير الجنس فذلك لا يوجب كونها ايقاعا لان كون المقيس عليه من قبيل الايقاع اول الكلام بل هو عقد لكونه معاوضة بين الدين والجنس الآخر.

٤ ـ واما تقوّمها بالمحيل والمحتال فقط‌ فلان المحال عليه وان اعتبر رضاه اما مطلقا أو فيما إذا كان بريئا أو كانت الحوالة بغير الجنس الا ان ذلك لا يصيّره من أركان العقد ، فان مجرد اشتراط رضاه لا يدل على كونه طرفا وركنا ، كما هو الحال في رضا المالك في عقد الفضولي.

وقيل باحتمال اعتبار قبوله على حدّ اعتبار قبول المحال فيكون العقد مركبا من ايجاب وقبولين. ولكنه بعيد.

والثمرة بين اعتبار قبوله بنحو الركنية وبين اعتباره لا بنحوها انه على الاول يعتبر في قبوله ما يعتبر في الايجاب والقبول من الموالاة ونحوها بخلافه على الثاني.

٢ ـ شرائط الحوالة‌

يلزم في صحة الحوالة توفر :

١ ـ الايجاب من المحيل والقبول من المحتال بكل ما يدل عليهما.

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه في المحيل والمحتال الا في الحوالة على البري‌ء فلا يعتبر عدم الحجر في المحيل.

واما المحال عليه فلا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك الا إذا كانت الحوالة على البري‌ء أو بغير الجنس.


٣ ـ التنجيز على المشهور.

٤ ـ ثبوت الدين في ذمة المحيل فلا يصح في غير الثابت ولو مع تحقق سببه ، كمال الجعالة قبل العمل فضلا عما إذا لم يتحقق سببه ، كالحوالة بما سيقترضه.

٥ ـ عدم تردد المال المحال فلا تصح الحوالة بأحد الدينين من دون تعيين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في الحوالة‌ فلأنها عقد. واحتمال كونها ايقاعا ضعيف على ما تقدم.

كما تقدم ان رضا المحال عليه لو اعتبرناه فهو ليس على حدّ القبول الركني بل على حدّ رضا المالك في عقد الفضولي.

واما الاكتفاء بكل ما يدل على الايجاب والقبول فقد تقدم وجهه عند البحث عن الضمان وغيره.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده في المحيل والمحال‌ فلان نقل الدين والتصرف فيه قائم بهما فيلزم فيهما ما ذكر.

٣ ـ واما انه في الحوالة على البري‌ء لا يلزم عدم الحجر في المحيل‌ فلانه لا يملك شيئا في ذمة المحال عليه ليمنع من التصرف فيه بل ما يصدر منه هو اشغال لذمة الغير بما ثبت في ذمته هو.

اجل يعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار لعدم الاثر لعقد الصغير والمجنون والمكره.

٤ ـ واما ان المحال عليه لا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك‌ فلوضوح ان لمن يملك المال في ذمة الصغير والمجنون ومن لم يرض بالحوالة ، الحقّ في تمليكه لغيره ونقله إليه. بالرغم من فرض الصغر والجنون‌


وعدم الرضا. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ توضيح ذلك ثانية تحت عنوان «من احكام الحوالة».

واما اعتبار ذلك فيه إذا كان بري‌ء الذمة أو كانت الحوالة بغير الجنس فلانه بالحوالة يحصل تصرف في ذمته فلا بدّ من بلوغه وعقله واختياره وعدم سفهه.

اجل لا يعتبر عدم فلسه إذا كان بري‌ء الذمة لجواز اشغال المفلس ذمته بخلاف السفيه فانه ليس له اشغال ذمته بدون اذن وليه.

٥ ـ وأما التنجيز‌ فلا مستند لاعتباره سوى الاجماع فان تمّ وكان كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام أخذنا به والا فلا وجه لاعتباره الا على مستوى الاحتياط.

٦ ـ واما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المحيل‌ فلان الحوالة نقل من المحيل الدين الثابت في ذمته الى ذمة اخرى ، والمعدوم لا يقبل النقل.

٧ ـ واما اعتبار تعيّن المحال‌ فلان المردد لا تحقق له ليمكن نقله من ذمة الى اخرى.

٣ ـ من أحكام الحوالة‌

يعتبر في صحة الحوالة موافقة المحيل والمحال دون المحال عليه الا إذا كانت على البري‌ء أو بغير الجنس. وقيل باعتبار رضاه مطلقا.

وهي لازمة لا يجوز فسخها بدون التراضي الا إذا اتضح كونها على مفلس.

ويجوز اشتراط الفسخ لكل واحد من الثلاثة.

وبتحققها تبرأ ذمة المحيل وان لم يبرئه المحال وتشتغل ذمة المحال عليه‌


للمحال وتبرأ من اشتغالها للمحيل ان كانت الحوالة من الجنس نفسه وبمقدار مساو.

وإذا قضى المحيل الدين بعد تمامية الحوالة تبرأ بذلك ذمة المحال عليه وجاز للمحيل الرجوع عليه ان كان ذلك بطلب منه.

ويجوز الترامي في الحوالة بل والدور فيها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار موافقة المحيل والمحال في صحة الحوالة‌ فلأنها تتضمن نقل المحيل الدين الثابت في ذمته للمحال فيتوقف على رضاهما.

واما عدم اعتبار رضا المحال عليه فلان المال ملك للمحيل فله نقله إلى أي ذمة شاء.

ودعوى اعتبار رضاه لاختلاف الناس في كيفية الاقتضاء سهولة وصعوبة مدفوعة بعدم الدليل على اعتبار تساوي الطرفين في كيفية الاقتضاء في صحة النقل ، ولذا يصح بيع الدين وان لم يرض المدين بالرغم من اختلاف المشتري في الاقتضاء سهولة وصعوبة.

٢ ـ واما استثناء حالة الحوالة على البري‌ء أو بغير الجنس‌ فلعدم ثبوت السلطنة للمحيل على اشغال الذمة البريئة رأسا أو من الجنس الخاص.

٣ ـ واما وجه القول باعتبار رضا المحال عليه مطلقا‌ فقد اتضح مع جوابه.

٤ ـ واما ان الحوالة لازمة‌ فلأصالة اللزوم في كل عقد. مضافا إلى دلالة صحيحة ابي ايوب المتقدمة عليه فراجع.


واما استثناء الحوالة على المفلس فللصحيحة نفسها.

٥ ـ واما جواز اشتراط خيار الفسخ للثلاثة‌ فلان الحوالة وان كانت لازمة الا ان لزومها ليس حكميا بل حقي ، ومعه فيمكن التمسك بعموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

٦ ـ واما براءة ذمة المحيل بمجرد تحقق الحوالة ولو مع عدم ابراء المحال‌ فللصحيحة المتقدمة.

وقد يقال بالتوقف على ابراء المحال لصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال : برئت مما لي عليك ، فقال : إذا ابرأه فليس له ان يرجع عليه ، وان لم يبرئه فله ان يرجع على الذي احاله» (٢).

والجواب : ان الصحيحة المذكورة معارضة بالصحيحة السابقة الدالة على تحقق البراءة بالحوالة الا مع اتضاح كونها حوالة على مفلس ، ولصراحة الثانية فيما تدل عليه يلزم حمل الاولى على بعض المحامل ـ تطبيقا لقاعدة متى ما اجتمع النص والظاهر تصرف في الثاني بقرينة الاول ـ من قبيل ان يقال : ان المقصود من الابراء هو قبول الحوالة دون الابراء نفسه ، فيراد بقوله عليه‌السلام : «إذا ابرأه فليس ...» : إذا قبل المحال الحوالة فليس له الرجوع على المحيل.

٧ ـ واما انه بعد تحقق الحوالة تشتغل ذمة المحال عليه للمحال وتبرأ من اشتغالها للمحيل‌ فلانه بعد اشتغالها للمحال ـ الذي هو لازم براءة ذمة المحيل من دين المحال ـ يلزم براءتها من الاشتغال للمحيل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٨ الباب ١١ من أحكام الضمان الحديث ٢.


لعدم احتمال اشتغالها لاثنين.

٨ ـ واما براءة ذمة المحال عليه بقضاء المحيل للدين مع جواز رجوعه إليه ان لم يكن تبرعا‌ فلانه كقضاء شخص اجنبي آخر الدين الذي حكمه براءة ذمة المدين وجواز رجوع الاجنبي عليه ان لم يكن ذلك تبرعا ، وواضح ان المحيل بعد تحقق الحوالة يصبح أجنبيا لبراءة ذمته.

٩ ـ واما جواز الترامي والدور في الحوالة‌ فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

٤ ـ الكفالة وبعض أحكامها‌

الكفالة ـ وهي التعهد باحضار المدين وتسليمه إلى الدائن عند طلبه ذلك ـ مشروعة ، ولكنها مكروهة.

ويعتبر فيها الايجاب من الكفيل بكل ما يدل على تعهده والتزامه والقبول من المكفول له بكل ما يدل عليه. وفي اعتبار رضا المكفول خلاف.

ومتى لم يحضر الكفيل المكفول في الموعد المقرر حبس حتى يحضره أو يؤدي ما عليه.

ومن حق الكفيل ـ إذا ادى ما على المكفول ـ الرجوع عليه ان كان الاداء بطلب منه.

ويلزم الكفيل التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان معنى الكفالة ما ذكر‌ فمن الواضحات ، فاذا اراد شخص الاقتراض فمن حق المقرض طلب الكفيل من المقترض ليقوم باحضاره‌


في الموعد المقرر. وهكذا من باع شيئا وخاف من المشتري عدم احضاره الثمن فان من حقه طلب الكفيل منه. وغير ذلك من الأمثلة.

وتفترق الكفالة عن الحوالة والضمان في ان الاولى تعهد بالنفس بخلاف الاخيرتين فانهما تعهد بالمال.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فمن بديهيات الفقه.

ويمكن التمسك لإثبات ذلك بالسيرة العقلائية المنعقدة على ذلك والممضاة بعدم الردع ، وبعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وبالروايات الخاصة ، كصحيحة داود بن سرحان حيث : «سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن الكفيل والرهن في بيع النسيئة ، قال : لا بأس» (١).

٣ ـ واما كراهتها‌ فلحديث الامام الصادق عليه‌السلام : «الكفالة خسارة غرامة ندامة» (٢) وغيرها.

٤ ـ واما اعتبار الايجاب من الكفيل والقبول من المكفول له‌ فلأن ذلك مقتضى كون الكفالة عقدا قائما بالكفيل والمكفول له.

واما رضا المكفول له فقيل بعدم اعتباره تمسكا بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) لصدق عقد الكفالة باتفاق الكفيل والمكفول له ولو بدون رضا المكفول.

وقيل باعتباره للشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الرجوع إلى استصحاب عدم ترتب الاثر دون عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لكون المورد من الشبهة المصداقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٥ الباب ٨ من أحكام الضمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٤ الباب ٧ من أحكام الضمان ٢.

(٣) المائدة : ١.


فالخلاف على هذا ينشأ من كون رضا المكفول على تقدير اعتباره هل هو شرط في الصحة لينفى بالاطلاق مع الشك في اعتباره أو ركن لكي لا تتحقق الكفالة بدونه.

ومال صاحب الجواهر قدس‌سره إلى اعتبار رضا المكفول باعتبار ان الركنية محتملة ، وذلك يكفي لعدم صحة التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

٥ ـ واما جواز حبس الكفيل مع عدم احضاره المكفول في الموعد المقرر‌ فلموثقة عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «أتي أمير المؤمنين برجل قد تكفّل بنفس رجل فحبسه وقال : اطلب صاحبك» (٢) وغيرها.

واما الاكتفاء باداء الكفيل الدين في تخلية سبيله فلانه معه تفرغ ذمة المدين ولا يعود موجب لبقاء الكفالة.

٦ ـ واما جواز رجوع الكفيل على المكفول لو كان اداؤه الدين بطلب منه‌ فلدلالة الطلب نفسه على ذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

واما عدم جواز الرجوع مع عدم الطلب فلعدم الموجب.

٧ ـ واما لزوم التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول‌ فلانه مقتضى وجوب مقدمة الواجب ولو عقلا.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٦ : ١٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٦ الباب ٩ من أحكام الضمان الحديث ١.


كتاب الصّلح‌

١ ـ حقيقة الصلح‌

٢ ـ شرائط الصلح‌

٣ ـ من أحكام الصلح‌



١ ـ حقيقة الصلح‌

الصلح معاملة مضمونها التسالم بين شخصين على تمليك مال أو اسقاط دين أو حق بعوض أو مجانا.

ولا اشكال في مشروعيته.

وهو عقد مستقل بنفسه ولا يرجع إلى سائر العقود وان افاد فائدتها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حقيقة الصلح‌ هي التسالم المذكور فلفهم ذلك منه عرفا.

٢ ـ واما انه عقد مشروع‌ فهو من بديهيات الفقه.

وقد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (١) ، وعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

ويدل على ذلك بوضوح قول الامام الصادق عليه‌السلام في صحيح‌

__________________

(١) النساء : ١٢٨.

(٢) المائدة : ١.


حفص بن البختري : «الصلح جائز بين الناس» (١) ، وصحيح الحلبي : «الرجل يكون عليه الشي‌ء فيصالح فقال : إذا كان بطيب نفس من صاحبه فلا بأس» (٢) وغيرهما.

هذا كله مضافا إلى انعقاد السيرة العقلائية الممضاة عليه.

٣ ـ واما انه عقد مستقل ولا يرجع إلى غيره وان افاد فائدته‌ فلأن ما يفهم من عنوانه عرفا شي‌ء مغاير للمفهوم من سائر المعاملات.

بل ان نفس اثبات احكام خاصة لعنوانه الخاص في النصوص يدل على كونه شيئا مغايرا لغيره.

وفي تسالم الاصحاب على عدم اشتراط معلومية المصالح عليه واشتراطهم لها في عوضي البيع دلالة واضحة على ارتكاز المغايرة عندهم.

وعليه فهو وان افاد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض وفائدة الهبة إذا كان على عين بلا عوض وفائدة الاجارة إذا كان على منفعة بعوض وفائدة الابراء إذا كان على اسقاط حق أو دين الا ان ذلك لا يستلزم كونه نفسها ، فان الاشتراك في النتيجة بين شيئين لا يدل على كونهما واحدا.

وعليه فاحكام بقية العقود وشرائطها لا يمكن تسريتها إليه ، فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه من الخيارات الخاصة واعتبار قبض العوضين في المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين ، وما افاد فائدة الهبة لا يعتبر فيه قبض العين كما هو معتبر فيها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٤ الباب ٣ من أحكام الصلح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٦ الباب ٥ من أحكام الصلح الحديث ٣.


ومنه يتضح ان ما هو المنسوب إلى شيخ الطائفة من كون الصلح بيعا تارة وهبة اخرى و... (١) قابل للتأمل.

٢ ـ شرائط الصلح‌

يلزم في تحقق الصلح توفر :

١ ـ الايجاب والقبول مطلقا حتى إذا كان مفيدا للإبراء. ويكفي فيهما كل ما يدل عليهما.

٢ ـ ان لا يكون مستلزما لتحليل محرم أو بالعكس.

٣ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار في المتصالحين. وهكذا عدم الحجر لفلس أو سفه في من تقتضي المصالحة التصرف في ماله.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في الصلح‌ فلكونه عقدا.

واما ان ذلك معتبر فيه حتى إذا أفاد فائدة الابراء فلان ذلك مقتضى كونه عقدا مستقلا.

واما انه يكفي كل ما يدل على الايجاب والقبول فلأنه بذلك يصدق عنوان الصلح فتشمله الاطلاقات العامة والخاصة.

٢ ـ واما اعتبار عدم استلزامه لتحليل الحرام وبالعكس‌ فلعدم احتمال امضاء الشارع للمعاملة المتضمنة لذلك.

وفي موثقة اسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٨٨.


ان علي بن ابي طالب عليه‌السلام كان يقول : «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (١) ، فانه ان لم يفهم من الشرط ما يشمل مطلق المعاملة فبالامكان التعدي من باب تنقيح المناط والغاء الخصوصية.

وفي مرسلة الشيخ الصدوق قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» (٢).

وهي حجة بناء على تمامية التفصيل في مراسيل الصدوق بين ما إذا كانت بلسان روي فلا تكون حجة وبين ما إذا كانت بلسان قال فتكون حجة ، فانه بناء على هذا تكون حجة ـ لأنها بلسان قال ـ فضلا عمّا إذا بني على الكبرى القائلة بحجية جميع روايات الشيخ الصدوق في كتابه كتاب من لا يحضره الفقيه لوجوه تقدمت في كتاب البيع عند البحث عن حرمة القمار.

٣ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده‌ فلكون ذلك من الشرائط العامة.

٣ ـ من أحكام الصلح‌

لا يلزم في جواز الصلح وجود نزاع مسبق.

وتجوز الاستعانة به في كل مورد الا إذا استلزم تحريم الحلال أو بالعكس.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٤ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٤ الباب ٣ من أحكام الصلح الحديث ٢.


وهو عقد لازم لا ينفسخ الا بالاقالة أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما اثناءه.

وتغتفر الجهالة في الصلح حتى مع امكان معرفة المصالح عليه بشكل تام ومن دون مشقة.

وفي جواز التصالح على الجنس الربوي بمماثله مع التفاضل خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم اعتبار النزاع المسبق في صحة الصلح‌ فلان ذلك من قبيل حكمة التشريع التي لا تمنع من التمسك باطلاق الدليل. ولفظ الصلح وان كان مشعرا باعتبار سبق ذلك الا انه ليس بشكل يمنع من التمسك بالاطلاق.

٢ ـ واما جواز الاستعانة بالصلح في كل مورد‌ فلإطلاق دليل مشروعيته.

واما اعتبار ان لا يكون مستلزما لتحريم حلال وبالعكس فلما تقدم.

٣ ـ واما انه عقد لازم‌ فلأصالة اللزوم في كل عقد التي تقدم مدركها في مبحث البيع.

واما جواز الفسخ بالاقالة والخيار فلان لزوم الصلح حقي لا حكمي.

٤ ـ واما اغتفار الجهالة ـ خلافا للمنسوب إلى الشافعي من اعتبار العلم في المصالح عليه والمصالح به‌ (١) ـ فلإطلاق صحيح حفص‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٦ : ٢١٨.


وصحيح الحلبي السابقين.

ومع التنزل وافتراض نظرهما إلى أصل التشريع دون الخصوصيات يمكن التمسك بصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما» (١).

واحتمال ان المنظور للحديث الابراء دون الصلح مدفوع بان ظاهره المعاوضة التي لا مجال لها الا في الصلح.

٥ ـ واما ان الجهالة مغتفرة حتى مع امكان تحصيل العلم‌ فللإطلاق أيضا.

٦ ـ واما الخلاف في جواز التصالح على الجنس الربوي بمماثله مع التفاضل‌ فيستند إلى الاخبار الدالة على اعتبار المماثلة ، فانه قد يدعى انصرافها إلى خصوص البيع فيلزم اختصاص التحريم به وقد ينكر ذلك ويتمسك باطلاقها فيلزم تعميم التحريم للصلح أيضا.

ومن تلك الاخبار صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق بالسويق مثلا بمثل ، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به» (٢).

وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٦ الباب ٥ من أحكام الصلح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٤٠ الباب ٩ من أبواب الربا الحديث ٢.


والذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان» (١).

وصحيحة الوليد بن صبيح : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٦ الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٧ الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ٢.



كتاب الوكالة‌

١ ـ حقيقة الوكالة‌

٢ ـ من أحكام الوكالة‌



١ ـ حقيقة الوكالة‌

الوكالة عقد يتضمن تسليط الغير على معاملة أو ما هو من شئونها كالقبض والاقباض.

وهي أمر يغاير الاذن والنيابة.

ولا شك في مشروعيتها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوكالة عقد‌ فهو المشهور. وخالف في ذلك السيد اليزدي فاختار عدم توقف تحققها على القبول ، بدليل انه لو قال الموكل للوكيل : وكلتك في بيع داري فباعها صحّ البيع حتى مع الغفلة عن قصد النيابة وإنشاء القبول بالبيع. وأيضا لو كانت عقدا لزم مقارنة القبول لإيجابها ، والحال ان من الجائز توكيل الغائب الذي يصله خبر الوكالة بعد فترة.

ثم ذكر قدس‌سره : ان هذا لا يعني ان القبول لو تحقق بعد الايجاب فلا تكون عقدا ، بل المقصود ان بالامكان وقوعها بنحو الايقاع تارة‌


وبنحو العقد اخرى (١).

هذا والمناسب كونها عقدا لقضاء الارتكاز العقلائي بتوقف تحققها على القبول ، والذي لا يحتاج إلى ذلك هو الاذن ، وهما شيئان متغايران وليسا شيئا واحدا.

وصحة البيع التي أشار إليها في القرينة الاولى تحتمل ان تكون من جهة الاذن دون الوكالة.

والموالاة بين الايجاب والقبول التي اشار إليها في القرينة الثانية لم يثبت اعتبارها في العقد بشكل مطلق لو سلم بثبوت اعتبارها في الجملة.

وما ذكره من تحققها احيانا بالايجاب والقبول معا غير واضح ، إذ لو كان الايجاب كافيا في تحققها فلا دور لضم القبول ، ومن ثمّ يلزم ان تكون ايقاعا دائما.

٢ ـ واما انها تسليط يتضمن ما ذكر‌ فلان ذلك هو المفهوم منها عرفا.

واما تخصيصها بالتسليط على المعاملة وما هو من شئونها دون جميع الاشياء فلما يأتي من اختصاص الوكالة بالاشياء التي لم يعتبر الشارع فيها الصدور بالمباشرة ، وليست تلك الا المعاملة والقبض والاقباض.

٣ ـ واما ان الوكالة امر يغاير الاذن‌ فواضح ، فان الاذن لا يتوقف تحققه على القبول بخلاف الوكالة.

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١١٩.


والوكالة تنفسخ بفسخ الوكيل ، بخلاف الاذن ، فانه لا يرتفع برفض الماذون.

وتصرف الوكيل يقع صحيحا وان عزله الموكل ما دام لم يبلغه خبر العزل ، بخلافه في الاذن ، فان التصرف يقع باطلا مع التراجع وان لم يبلغ الماذون ذلك.

٤ ـ واما مغايرة الوكالة للنيابة‌ فواضحة أيضا ، إذ في الوكالة ينتسب الفعل الى الموكل ، بخلافه في النيابة ، فالحج الآتي به النائب لا ينتسب إلى المنوب عنه ، بخلافه في مثل البيع الذي يأتي به الوكيل ، فانه ينتسب إلى الموكل.

والنيابة قد تقع تبرعية ، بخلاف الوكالة ، فانه لا يتصور فيها ذلك.

٥ ـ واما مشروعية الوكالة‌ فهي من البديهيات لاستقرار سيرة العقلاء ونظامهم عليها.

وفي صحيح معاوية بن وهب وجابر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من وكّل رجلا على امضاء امر من الامور فالوكالة ثابتة ابدا حتى يعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها» (١).

وقد يستدل على ذلك بقوله تعالى : (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) (٢) ، (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) (٣). ولكنه كما ترى.

واما عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) فلا يمكن التمسك به في المقام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨٥ الباب ١ من أحكام الوكالة الحديث ١.

(٢) الكهف : ١٩.

(٣) يوسف : ٩٣.

(٤) المائدة : ١.


للتسالم على جواز الوكالة وعدم لزومها.

٢ ـ من أحكام الوكالة‌

يعتبر في الوكالة الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما.

وتتحقق بكتابة الموكل إلى الوكيل ـ ولو كان في بلد آخر ـ متى ما قبل ولو بعد فترة.

والمشهور عدم جواز التعليق فيها وان جاز في متعلقها.

وهي من العقود الجائزة ولكن الوكيل لو تصرف قبل بلوغه عزل الموكل وقع تصرفه صحيحا.

وتلزم متى ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة.

وإذا اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة فقد قيل بلزومها أيضا.

وتبطل بموت الموكل وجنونه واغمائه.

وتصح في كل ما لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه مباشرة. ويعرف ذلك من بناء العرف وارتكاز المتشرعة.

ولا يحق للوكيل التعدي عما حدّد له الا إذا كان المفهوم عرفا ان المذكور هو من باب احد الافراد وليس من باب التحديد.

ولا يضمن الوكيل ما يتلف الا إذا تعدّى أو فرّط. ولا تبطل بذلك وكالته.

وعند الاختلاف في تحقق التعدي والتفريط يؤخذ بقول الوكيل مع يمينه وعدم البينة للموكل.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقق الوكالة‌ فلأنها عقد.


٢ ـ واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما‌ فلإطلاق دليل شرعيتها بعد فرض تحققها.

ومنه يتضح الوجه في تحققها بالكتابة.

والتسالم على اعتبار الموالاة في العقود ان فرض تحققه فلا يجزم بشموله للوكالة ان لم يدع الجزم بعدم شموله لها.

٣ ـ واما عدم جواز التعليق في الوكالة نفسها‌ فقد علّله صاحب الجواهر بالإجماع القائم بكلا قسميه على عدم جواز التعليق في مطلق العقود (١).

ويمكن ان يقال : انه لا يمكن الجزم بشمول الاجماع المذكور لمثل الوكالة ، والقدر المتيقن منه هو البيع والاجارة وما شاكلهما من المعاوضات ، كما نبه عليه السيد اليزدي (٢) ، ومعه يعود اطلاق دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك به.

٤ ـ واما جواز التعليق في متعلق الوكالة دونها‌ ـ كما إذا قال الموكّل : انت وكيلي من الآن في بيع داري متى ما ارتفع سعرها ـ فواضح لان الاجماع على عدم جواز التعليق في الوكالة ان ثبت فهو ناظر الى تعليق الوكالة نفسها دون حالة التعليق في متعلقها مع فرض اطلاقها ، ولا أقلّ من كون ذلك هو القدر المتيقن منه فيعود دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك باطلاقه.

٥ ـ واما ان الوكالة من العقود الجائزة‌ فقد ادعي عدم الخلاف فيه. وصحيح معاوية وجابر المتقدم واضح الدلالة على ذلك ، الا انه خاص‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ٣٥٢.

(٢) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٢١.


بتراجع الموكل فلا بدّ من ضم عدم القول بالفصل أو دعوى تنقيح المناط والغاء الخصوصية.

٦ ـ واما صحة تصرف الوكيل مع عزل الموكل له ما دام لم يبلغه خبر العزل‌ فقد دل عليه الصحيح المتقدم وغيره.

ويظهر من خلال بعض النصوص ان المسألة كانت محل خلاف بيننا وبين غيرنا ، فغيرنا كان يفصّل بين النكاح فيبطل بالعزل ولو لم يصل خبره إلى الوكيل وبين غيره فلا يبطل ، ففي الحديث ان العلاء بن سيابة سأل الامام الصادق عليه‌السلام عن حكم المسألة فأجابه بصحة فعل الوكيل ما دام لم يصله خبر العزل. ثم سأل الامام عليه‌السلام العلاء قائلا : «ما يقول من قبلكم في ذلك؟ ... قلت : نعم يزعمون انها لو وكّلت رجلا واشهدت في الملأ وقالت في الخلاء (١) : اشهدوا اني قد عزلته أبطلت (٢) وكالته بلا ان تعلم في العزل ، وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة ، وفي غيره لا يبطلون الوكالة الا ان يعلم الوكيل بالعزل ، ويقولون : المال منه عوض لصاحبه والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد فقال عليه‌السلام : سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده ، ان النكاح احرى واحرى ان يحتاط فيه وهو فرج ومنه يكون الولد ...» (٣).

٧ ـ واما لزوم الوكالة متى ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة‌ ـ كما لو اشترطت الزوجة في عقد نكاحها ان تكون وكيلة عن زوجها في طلاق نفسها متى ما سجن أو ساء خلقه أو غير‌

__________________

(١) في تهذيب الاحكام ٦ : ٢١٥ والفقيه ٣ : ٤٨ : وقالت في الملأ.

(٢) في تهذيب الاحكام ٦ : ٢١٥ : بطلت وكالته وان لم يعلم العزل.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨٦ الباب ٢ من أحكام الوكالة الحديث ٢.


ذلك ـ فهو المشهور لأنها وان كانت جائزة في حدّ نفسها الا ان ذلك لا ينافي لزومها بسبب الاشتراط.

اجل تردد المحقق في كتاب الرهن من شرائعه فيما لو اشترطت في عقد الرهن وكالة المرتهن في بيع العين المرهونة متى لم يتم تسديد القرض في الموعد المقرر (١) ، الا انه كما ترى.

هذا وقد زاد بعض الاعلام قائلا : لو اشترطت الوكالة ضمن العقد الجائز لزم العمل بالشرط ما دام العقد باقيا وان جاز فسخ العقد فيزول لزوم الشرط بالتبع (٢).

ثم انه إذا افترض اشتراط الوكالة ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل كان العمل بالشرط واجبا تكليفا الا انه لو عصى المشترط عليه فلا يلزم سوى الاثم ولا تتحقق الوكالة.

٨ ـ واما القول بلزومها لو اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة فهو من جهة لزوم العمل بالشرط‌ بمقتضى قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٣).

وتوهم لزوم الدور مندفع بان لزوم الشرط ليس موقوفا على بقاء الوكالة بل على ايقاع عقدها وقد حصل.

٩ ـ واما انها تبطل بموت الموكل وجنونه واغمائه‌ فقد قيل : انه لا مستند له سوى الاجماع (٤).

الا انه يمكن ان يقال : ان الوكالة هي في روحها اذن خاص تترتب‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٣٣٤ انتشارات استقلال.

(٢) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٤) جواهر الكلام ٢٧ : ٣٦٢.


عليه بعض الخصوصيات ، ومعه فمن المناسب بطلانها بما ذكر لزوال الاذن بذلك.

لا يقال : على هذا يلزم الحكم ببطلان الوكالة في حالة نوم الموكل.

فانه يقال : الوجدان قاض بالفرق ، ولذا لو كان الاذن لا بنحو الوكالة يحكم بزوالها وعدم جواز التصرف بالموت ونحوه دون طرو النوم.

١٠ ـ واما صحة الوكالة في خصوص ما لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه بالمباشرة ـ كالوضوء والغسل مثلا‌ ـ فواضح والا يلزم خلف الفرض.

واما وجه الاستناد إلى ارتكاز المتشرعة في تحديد مطلوبية المباشرة فلان الارتكاز المذكور يكشف عن وصول مضمونه يدا بيد من الامام عليه‌السلام بعد افتراض عدم احتمال وجود منشأ آخر له غير ذلك.

واما الاستناد الى العرف في ذلك أيضا فلحجية ما يفهمه من النص من خلال تحكيم مناسبات الحكم والموضوع وغيرها من القرائن.

١١ ـ واما انه لا يحق للوكيل التعدي عما حدد له‌ فلان الوكالة ترجع في روحها إلى الاذن فلا بد من الاقتصار على حدودها.

١٢ ـ واما عدم ضمان الوكيل إذا لم يتعد ولم يفرّط‌ فلانه امين ، وهو لا يضمن الا بذلك.

واما انه لا تبطل الوكالة بالتعدي والتفريط فلان جعلها من الموكل لم يكن محدّدا بما إذا لم يحصل ذلك.

١٣ ـ واما تقديم قول الوكيل عند الاختلاف في تحقق التعدي أو التفريط‌ فلموافقة قوله الاصل فيحتاج المدعي لخلاف ذلك في اثبات دعواه إلى البينة فإذا لم تكن قدّم قول من وافق قوله الاصل مع اليمين.


كتاب المضاربة‌

١ ـ حقيقة المضاربة‌

٢ ـ شرائط المضاربة‌

٣ ـ من أحكام المضاربة‌



١ ـ حقيقة المضاربة‌

المضاربة معاملة بين طرفين تتضمن دفع المال من أحدهما والعمل من الآخر مع اقتسام الربح.

وهي مشروعة جزما.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان معنى المضاربة ما ذكر‌ فهو من المسلمات التي لا خلاف فيها.

اجل عرّفها جمع ـ كصاحب الجواهر والعروة الوثقى ـ بدفع الانسان مالا إلى غيره ليتجر به على ان يكون الربح بينهما (١).

والاولى ما ذكرناه لأنها معاملة وتعاقد بين طرفين يتضمن دفع المال من احدهما وليست دفع المال نفسه الذي هو فعل خارجي.

وفرقها عن القرض ان المال على فرض القرض ينتقل جميعه‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٦ : ٣٣٨ ، والعروة الوثقى : بداية كتاب المضاربة.


إلى الطرف الثاني مقابل ضمانه لما يساويه ، بخلافه على فرض المضاربة ، فان المال يبقى على ملك مالكه ويعمل العامل فيه مقابل قسم من الربح.

وفرقها عن الاجارة ان الارباح على فرض الاجارة تكون بأجمعها للمالك ، وللعامل الاجرة ، بخلافه في المضاربة ، فان الارباح من البداية تكون بين الطرفين حسب الاتفاق.

٢ ـ واما مشروعيتها فمما لا كلام فيها. وتدل على ذلك نصوص كثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة وينهى ان يخرج به فخرج ، قال : يضمن المال ، والربح بينهما» (١) وغيرها.

وهي صحيحة بكلا طريقيها فراجع.

ويظهر منها ان صحة المضاربة في الجملة امر مفروغ منه وان السؤال وقع عن بعض خصوصياتها.

وهل يمكن التمسك لإثبات صحتها بالعمومات من قبيل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ونحوه؟

ان هذا سؤال تقدم الجواب عنه في مبحث المزارعة وذكرنا ان المشهور قال بجواز ذلك خلافا لبعض حيث اختار عدم جواز ذلك.

وقد تقدم ان النزاع المذكور تترتب عليه جملة من الثمرات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨١ الباب ١ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١.

(٢) المائدة : ١.


٢ ـ شرائط المضاربة‌

يلزم في تحقق المضاربة توفر :

١ ـ الايجاب من المالك والقبول من العامل بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار في المالك والعامل. ويلزم في المالك أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس.

٣ ـ تعيين الحصة وعدم ترددها ، وان يكون تعيينها بنحو الكسر المشاع الا اذا افترض وجود تعارف خارجي يوجب انصراف الاطلاق إليه.

٤ ـ كون الربح بينهما ، فلا يصح جعل مقدار منه لأجنبي الا مع افتراض قيامه بعمل.

٥ ـ ان يكون الاسترباح بالتجارة ، فلو دفع إلى شخص مال ليشتري به سيارة لحمل المسافرين مع اقتسام الاجرة او دفع إلى خباز أو بقال ونحوهما مال ليصرف في حرفتهم مع اقتسام الارباح لم يكن ذلك مضاربة.

٦ ـ قدرة العامل على مباشرة التجارة بنفسه إذا اشترط عليه ذلك.

٧ ـ ان يكون رأس المال عينا وليس دينا ، فلو كان لشخص على آخر دين لم يجز جعله مضاربة الا بعد قبضه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في المضاربة‌ فواضح بعد كونها عقدا.


واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فللتمسك باطلاق ادلة مشروعيتها بعد فرض تحقق الدلالة عليها.

ومن ذلك يتضح الوجه في تحققها بالمعاطاة.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ والعقل والاختيار في المالك والعامل‌ فلأنها من الشرائط العامة المعتبرة في كل عقد.

واما اعتبار عدم الحجر على المالك فلانه من خلال المضاربة يتحقق منه التصرف في أمواله ، وشرط جواز ذلك عدم الحجر.

واما عدم اعتبار ذلك في العامل فباعتبار انه لا يتحقق منه تصرف في ماله وانما يحاول تحصيل مال وذلك ليس ممنوعا منه.

هذا وقد تقدم في كتاب المزارعة وجود رأي يعتبر ذلك في العامل أيضا.

٣ ـ واما اعتبار تعيين الحصة وعدم ترددها‌ فلان الحصة المرددة لا وجود لها ليمكن تمليكها للعامل.

وهل يلزم تعيين الحصة بمعنى معلوميتها وعدم كونها مجهولة ، كما لو قال المالك : ضاربتك بحصة تساوي الحصة المجعولة في مضاربة فلان مع افتراض انهما يجهلان ذلك؟

المشهور ذلك لحديث : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (١).

والمناسب عدم اعتبار ذلك لما تقدم في مبحث الاجارة من ضعف الحديث سندا بل لم يثبت كونه رواية.

٤ ـ واما اعتبار كون تعيين الحصة بالكسر المشاع‌ فلان ذلك‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، المسألة ٢ من الركن ٣ في الفصل ٢.


مقوّم لمفهوم المضاربة ، إذ لو عينت لا بذلك ـ كما لو قال المالك : ضاربتك على ان يكون لك مائة دينار ـ كان المورد مصداقا للإجارة أو الجعالة.

واما كفاية الانصراف فلأن به يتحقق التعيين.

٥ ـ واما اعتبار كون الربح بينهما وعدم صحة جعل قسم منه لأجنبي‌ فلأن ظاهر روايات المضاربة كون الربح بينهما لا غير.

على انه يكفي الشك في جواز الجعل للأجنبي في الحكم بعدم الجواز بناء على رأي المشهور القائل بعدم امكان التمسك بالعمومات لإثبات صحة المضاربة.

واما استثناء حالة قيام الاجنبي بعمل فلأنه بفرض قيامه بعمل يكون عاملا آخر في المضاربة ، ومن ثمّ سوف تكون المضاربة بين المالك وعاملين ، وذلك مما لا محذور فيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

٦ ـ واما اعتبار كون الاسترباح بالتجارة‌ فلان ذلك دخيل في مفهوم المضاربة.

ولا أقل من احتمال ذلك ، ويكفي ذلك ، حيث يلزم الرجوع إلى اصالة عدم ترتب الاثر.

وهل يمكن تصحيح المعاملة ـ التي لا يكون الاسترباح فيها بالتجارة ـ بواسطة العمومات؟

نعم يمكن ذلك بناء على رأي المشهور القائل بامكان تصحيح المضاربة وما شاكلها من خلال العمومات.

٧ ـ واما اعتبار قدرة العامل على المباشرة إذا كانت مقصودة‌ فلأنه بدون ذلك لا يمكن تحقق القصد إلى المعاملة ولا يمكن تعلق‌


وجوب الوفاء بها.

وهذا مطلب سار في كل معاملة ولا يختص بالمضاربة.

٨ ـ واما اعتبار كون رأس المال عينا وليس بدين‌ فللقصور في المقتضي ووجود المانع.

اما القصور في المقتضي فلان عنوان اعطاء المال المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وغيرها ظاهر في دفع العين ولا يشمل الدين. ولا أقلّ من الشك فلا يمكن التمسك بها لإثبات مشروعيتها.

واما المانع فهو موثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : لا يصلح حتى تقبضه منه» (١).

وهي معتبرة السند بطرقها الاربع فراجع.

والسكوني والنوفلي وان لم يوثقا بشكل خاص الا ان بالامكان التساهل في امرهما لبيان مرّ في بعض الأبحاث.

هذا وقد نسب إلى المشهور اعتبار ان يكون رأس المال من الذهب والفضة المسكوكين وادعي الاجماع على ذلك.

الا ان المناسب التعميم للأوراق النقدية لصدق عنوان المال ـ المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وغيرها ـ عليها.

والاجماع المدعى ـ بمعنى الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام ـ لم يثبت تحققه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨٧ الباب ٥ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١.


٣ ـ من أحكام المضاربة‌

عقد المضاربة جائز ويحق للطرفين التراجع عنه متى شاءا الا إذا اشترط عدم الفسخ الى فترة محددة.

ومع تحقق الخسارة في التجارة لا يضمن العامل منها شيئا الا إذا تجاوز الحدّ المقرر له.

وإذا اشترط المالك تقسيم الخسارة كان الشرط صحيحا على قول.

ولا يحق للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو غيره الا مع كسب الاذن من المالك.

وإذا حدّد المالك كيفية التصرف بالمال لزم السير على طبقها والا لزم السير على طبق ما هو المتعارف.

ويجوز تعدد العامل في باب المضاربة مع اتحاد المالك سواء اتحد المال أم تميز.

وتبطل المضاربة بموت كل من العامل أو المالك.

والربح وقاية لرأس المال ، فلو ربح العامل في تجارة وخسر في اخرى بعدها او حصل تلف جبر ذلك بالربح.

والعامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره من غير توقف على الانضاض ـ بمعنى تحويل الاجناس إلى نقود ـ أو القسمة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان عقد المضاربة جائز بالرغم من ان المناسب‌ لأصالة اللزوم في مطلق العقود لزومه فعلل تارة بالإجماع وانه الحجة في‌


الخروج عن قاعدة اللزوم ، واخرى بان عقد المضاربة يرجع في روحه إلى الاذن في التصرف من احدهما والقبول من الآخر كالعارية ، وللآذن التراجع عن اذنه متى شاء.

٢ ـ واما ان المضاربة تلزم باشتراط عدم الفسخ‌ فلوجوب الوفاء بالشرط المستفاد من قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

ودعوى ان الشرط باطل لمنافاته لمقتضى العقد مدفوعة بانه مناف لإطلاقه لا لأصله.

ودعوى ان الشرط في العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به مدفوعة بان عموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» يعم كل شرط بما في ذلك الواقع ضمن العقد الجائز.

اجل إذا كان مفاد الشرط شيئا آخر غير عدم الفسخ فيجوز فسخ العقد فيسقط الشرط والا فما دام العقد باقيا فالوفاء بالشرط واجب. واما إذا كان مفاد الشرط عدم الفسخ كما في المقام فيترتب عليه عدم جواز الفسخ. ولكن لو فرض ان المشروط عليه خالف وفسخ فهل يقع الفسخ أو لا؟

قيل : لا. واختاره السيد اليزدي (٢).

والمناسب وقوعه لان مفاد قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» الوجوب التكليفي من دون ترتب اثر وضعي عليه. اجل يكون الفاسخ آثما وعاصيا.

٣ ـ واما عدم تحمل العامل للخسارة الا مع التجاوز عن الحد المقرر له‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ باب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب المضاربة ، المسألة ٢ من فصل شرائط عقد المضاربة.


فلصحيحة ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يعمل بالمال مضاربة ، قال : له الربح وليس عليه من الوضيعة شي‌ء الا ان يخالف عن شي‌ء مما امر صاحب المال» (١) وغيره.

٤ ـ واما القول بصحة اشتراط تحمل الطرفين للخسارة‌ فوجهه ان ذلك ليس شرطا مخالفا لمقتضى العقد بل لإطلاقه.

والمناسب التفصيل بين اشتراط تحمل الطرفين للخسارة فيبطل وبين افتراض كون الخسارة على المالك فقط الا ان العامل يلزمه تقديم مال ولو بعنوان الهدية إلى المالك يعادل مقدار الخسارة فيصح.

اما البطلان في الاول فلان ظاهر صحيحة الكناني المتقدمة وغيرها كون الخسارة على المالك لا غير ، ومقتضى اطلاقها كونها عليه حتى مع اشتراط تقسيطها.

واما الصحة في الثاني فلان مفاد الشرط ليس تحمل العامل شيئا من الخسارة بل هو اشتراط لأمر آخر غير الخسارة ، فكما انه يصح اشتراط المالك على العامل خياطة ثوب له كذلك يصح اشتراط اهداء مال له بمقدار نصف الخسارة على فرض تحققها.

٥ ـ واما عدم جواز خلط رأس المال بغيره‌ فلان ظاهر كلام المالك التجارة برأس المال بشخصه من دون خلط بغيره ، ولا يجوز التصرف في مال الغير الا بالنحو الماذون من قبله.

٦ ـ واما انه مع تحديد المالك لكيفية التصرف يلزم السير على طبقها‌ فلعدم جواز التصرف في ملك الغير الا باذنه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨١ الباب ١ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٣.


واما انه مع عدم التحديد الخاص يلزم السير على طبق المتعارف فباعتبار ان الاطلاق ينصرف الى ما هو المتعارف.

٧ ـ واما جواز تعدد عامل المضاربة‌ فلكونها في الواقع منحلة الى مضاربتين وبمنزلة مضاربة المالك من البداية كل واحد منهما على نصف المال. والاتحاد في مقام الانشاء لا ينافي التعدد في مقام الواقع.

هذا مع اتحاد المال. واما مع تميّزه فالامر أوضح.

٨ ـ واما بطلان المضاربة بموت العامل‌ فلاختصاص الاذن به.

واما بطلانها بموت المالك فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، وابقاؤها يحتاج إلى عقد جديد.

٩ ـ واما ان الربح وقاية لرأس المال ويجبر التلف والخسارة به‌ فلاقتضاء عقد المضاربة نفسه لذلك ، فان المجعول للعامل ليس هو الحصة من الربح في كل معاملة بعينها بل في مجموع المعاملات بما هو مجموع ، ومع افتراض الربح في تجارة سابقة والخسارة في تجارة لاحقة لا يصدق تحقق الربح بلحاظ مجموع المعاملات.

١٠ ـ واما ان العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره‌ فلوجهين :

أ ـ ان ذلك مقتضى اشتراط كون الربح بينهما.

ودعوى ان الربح لا يصدق تحققه قبل الانضاض مدفوعة بان ذلك مخالف للوجدان ، فان العقلاء يرون تحقق الربح بمجرد ارتفاع القيمة السوقية للشي‌ء ولو قبل تحويله إلى نقد. كيف ولو كان الربح غير صادق فيلزم عدم استحقاق العامل لشي‌ء لو فسخ المالك قبل الانضاض.


ب ـ التمسك بصحيح محمد بن ميسر : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل الف درهم مضاربة فاشترى اباه وهو لا يعلم ، فقال : يقوّم فإذا زاد درهما واحدا اعتق واستسعى في مال الرجل» (١) ، بتقريب ان العامل لو لم يملك حصته بمجرد ظهور الربح لما انعتق ابوه عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨٨ الباب ٨ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١.



كتاب القرض‌

١ ـ حقيقة القرض‌

٢ ـ شرائط القرض‌

٣ ـ ربا القرض‌

٤ ـ من أحكام القرض‌



١ ـ حقيقة القرض‌

القرض عقد يتضمن تمليك شخص ماله لآخر مع ضمانة في ذمته بمثله ان كان مثليا وبقيمته ان كان قيميا.

وهو أخصّ من الدين.

والاقراض مشروع بنحو السنة المؤكدة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه عقد‌ فقد ادّعي عليه في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه (١).

واما انه يتضمن التمليك مع الضمان فلا خلاف فيه أيضا. ويؤكده فهم العرف منه ذلك.

ان قلت : ان كلاّ من البيع والقرض يشتمل على التمليك بعوض فما الفارق بينهما؟

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ١.


قلت : أجاب الشيخ الاعظم عن ذلك بان البيع يشتمل على معاوضة ، فالبائع يملّك المبيع بعوض بخلاف القرض فانه لا يشتمل على المعاوضة بل هو تمليك للعين مع ضمانها ، ولذا يصح للبائع عرفا ان يقول : انشأت معاوضة على مالي بخلافه في القرض (١).

٢ ـ واما انه اخص من الدين‌ فلان الدين كل مال كلي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الاسباب ، كالضمان وبيع السلم والنسيئة والاجارة مع كون الاجر كليا في الذمة والنكاح مع كون المهر كليا والجناية بالنسبة إلى ارشها والزوجية بالنسبة إلى النفقة ، إلى غير ذلك من الأسباب التي احدها القرض.

وعلى هذا الأساس فكل قرض دين بخلاف العكس.

ويطلق على من اشتغلت ذمته بالمدين أو المديون ، وعلى الآخر بالدائن ، وعليهما بالغريم.

وبهذا يتضح ان المقصود من كلمة «الدين» في قول الفقهاء : «لا يجوز بيع الدين بالدين» هذا المعنى دون خصوص القرض.

٣ ـ واما ان الاقراض مسنون بنحو السنّة المؤكدة‌ فللأحاديث الكثيرة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وان رفق به في طلبه جاز به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب. ومن شكا إليه اخوه المسلم فلم يقرضه حرّم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين» (٢).

__________________

(١) كتاب المكاسب ٢ : ١٧ ، منشورات دار الحكمة.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٨٨ الباب ٦ من أبواب الدين الحديث ٥.


والمسنون بنحو مؤكد ـ كما هو واضح ـ الاقراض الذي هو فعل المقرض دون الاقتراض الذي هو فعل المقترض فانه ليس بمستحب بل قد تستفاد مبغوضيته من النصوص ، ففي الحديث : «إيّاكم والدين فانه شين الدين» (١) ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء ، وليجوّد الحذاء ، وليخفف الرداء ، وليقل مجامعة النساء. قيل : وما خفّة الرداء؟ قال : قلّة الدين» (٢).

٢ ـ شرائط صحة القرض‌

يلزم لصحة القرض توفر :

١ ـ قبض المقترض المال المقترض والا فلا يملكه.

٢ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم السفه في المتعاقدين ، وعدم الفلس في خصوص المقرض.

٣ ـ كون المال عينا فلا يصح لو كان دينا أو منفعة. وكذا لا يصح لو كان مرددا بين فردين من العين.

٤ ـ كون المال مما يصح تملكه شرعا فلا يصح اقراض مثل الخمر والخنزير.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان القبض شرط في صحة القرض‌ بحيث لا يحصل الملك قبله فلا وجه له سوى الاجماع والا فالقاعدة تقتضي تحقق الملك بمجرد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٧ الباب ١ من أبواب الدين الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٧ الباب ١ من أبواب الدين الحديث ٥.


تمام العقد وان لم يتحقق القبض.

قال في الجواهر : «لو لا الاجماع لاتجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض على حسب غيره من العقود التي لا ريب في ظهور الادلة في اقتضائها التمليك ضرورة صدق مسماها بها» (١).

ودعوى ان اسم القرض لا يصدق الا بالقبض لا نعرف لها وجها.

ثم ان هناك قولا باشتراط التصرف أيضا بعد القبض في تحقق الملك. ولكنه كما ترى ، اذ اطلاق الأدلة ينفيه وان كان مقتضى استصحاب عدم ترتب الاثر ـ لو لا ذلك ـ اعتباره لو فرض الشك في ذلك.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ والعقل والقصد والاختيار في المقرض والمقترض‌ فلأنها من الشرائط العامة في كل عقد.

واما اعتبار عدم السفه فلان السفيه ممنوع من كل تصرف مالي.

واما اعتبار عدم الفلس في المقرض فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله.

واما عدم اعتبار ذلك في المقترض فلان السفيه ممنوع من التصرف في امواله دون التصرف في ذمته باشغالها.

٣ ـ واما اعتبار كون المال المقترض عينا وعدم صحة القرض لو كان دينا أو منفعة‌ فلما تقدم من اشتراط القبض في صحة القرض ، وامكان ذلك مختص بالاعيان.

واما عدم صحة القرض مع تردد المال بين فردين فلان تحقق‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ٢٣.


التمليك بلحاظ هذا الفرد دون ذاك بلا مرجح ، والمردد لا تحقق له.

٤ ـ واما اعتبار كون المال مما يصح تملكه‌ فواضح لان القرض تمليك للمال فلا بدّ من كون متعلقه قابلا لذلك.

٣ ـ ربا القرض

يحرم الربا في القرض ، وذلك باشتراط المقرض دفع زيادة في القدر أو الصفة على المقدار المقترض.

ويجوز للمقترض اشتراط التسديد بالاقل.

ولا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين كونها راجعة إلى المقرض أو غيره.

وإذا تبرع المقترض بدفع الزيادة بدون اشتراط جاز قبولها ، بل ذلك مستحب.

ولا يجوز ـ على قول ـ اقراض مقدار من المال مع اشتراط ايجاد دار مثلا أو بيعها بأقل من اجرة او ثمن المثل ، ويجوز العكس.

ويصح بيع الدين بمال موجود وان كان أقل منه ما لم يستلزم الربا ولا يصح بيعه بدين مثله ، كما اذا كان شخص يستحق على ثان مائة كيلو من الحنطة وللثاني على الاول مائة كيلو من الشعير واريد بيع احدهما بالآخر.

ولا يجوز تأجيل الدين عند حلوله بزيادة. أجل يجوز تعجيل المؤجل ولو باسقاط بعضه.

والربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه وكتابته والشهادة عليه.

ومن تعامل بالربا وهو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت وتاب فلا يلزمه ارجاعه.


ومن ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تمييزها فلا شي‌ء عليه والا لزمه ردّها على مالكها مع معرفته ، ومع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الربا في الجملة فهي من ضروريات الإسلام‌ لدلالة صريح الكتاب العزيز عليها كما تقدمت الاشارة إلى ذلك في البيع عند البحث عن ربا المعاوضة.

واما تحقق الربا المحرم في القرض وعدم اختصاصه بالمعاوضة فهو من المسلّمات التي لم يقع فيها شك.

وقد دلت على ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينارا ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا ، قال : لا يصلح إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح ...» (١).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام : «وسألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر ، قال : هذا الربا المحض» (٢) وغيرهما.

والصحيحة الثانية وان كانت ضعيفة السند بطريق قرب الاسناد بعبد الله بن الحسن الا انها صحيحة في طريقها الثاني لوجودها في كتاب علي بن جعفر الذي يرويه صاحب الوسائل عن الشيخ ، وهو عن علي بن جعفر بطريق صحيح. وقد تقدم توضيح ذلك اكثر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٥ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٨ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ١٨.


من مرة في ابحاث سابقة (١).

ثم انه توجد بعض الروايات التي قد يستشف منها جواز الربا في القرض ، ففي أكثر من رواية ورد : «خير القرض ما جرّ منفعة» (٢).

الا انه لا بدّ من حملها على صورة عدم الاشتراط لما دلّ على التفصيل بين ما إذا كان جرّ المنفعة في القرض بسبب الاشتراط فلا يجوز وبين ما إذا لم يكن بسببه فيجوز ، كما في موثقة إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشي‌ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه ، قال : لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا» (٣).

ويظهر من خلال بعض النصوص ان تلك الروايات جاءت ردّا على غيرنا القائل بعدم جواز جرّ القرض للمنفعة ولو بدون اشتراط ، ففي صحيحة محمد بن مسلم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن إما خادما وإما آنية وإما ثيابا فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له قال : إذا طابت نفسه فلا بأس. قلت : ان من عندنا يروون ان كل قرض يجر منفعة فهو فاسد ، فقال : أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة» (٤).

٢ ـ واما عدم الفرق بين كون الزيادة في الصفة أو القدر‌ فلإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة : «لا يصلح إذا كان‌

__________________

(١) راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٤ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٣ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٤ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٤.


قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

٣ ـ واما جواز اشتراط المقترض دفع الاقل‌ فلعدم ما يدل على المنع من ذلك فيتمسك بأصل البراءة.

٤ ـ واما عدم الفرق بين رجوع الزيادة إلى المقرض أو غيره‌ فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

٥ ـ واما جواز قبول الزيادة من دون اشتراط‌ فلموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة وغيرها.

٦ ـ واما استحباب دفع الزيادة إذا لم يكن مع الاشتراط‌ فلأنها نوع من مقابلة الاحسان بالاحسان ، بل ذلك هو الفضل المندوب إليه ، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ان أبي عليه‌السلام كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليها الدراهم الجياد الجلال فيقول : يا بني ردها على الذي استقرضتها منه فأقول : يا أبه ان دراهمه كانت فسولة وهذه أجود منها فيقول : يا بني ان هذا هو الفضل فاعطه إيّاها» (١).

٧ ـ واما القول بعدم جواز الاقراض بشرط ايجار الدار أو بيعها بالأقل‌ فلانه مصداق لقوله عليه‌السلام في صحيحة يعقوب المتقدّمة : «لا يصلح إذا كان قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

واما جواز الايجار أو البيع بالأقل بشرط القرض فلانه ليس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٨ الباب ١٢ من أبواب الصرف الحديث ٧.

والفسولة من الفسل وهو الردي‌ء من كل شي‌ء.

وقوله عليه‌السلام : «ان هذا هو الفضل» يحتمل كونه اشارة الى قوله تعالى : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) البقرة ٢٣٧.


مصداقا للقرض الذي جرّ شيئا وانما هما مصداق للبيع أو الاجارة التي جرت نفعا ، وذلك لم يرد النهي عنه ، بل هما قد شرّعا لذلك. هكذا يمكن توجيه القول المذكور ، الا انه قد يقال في المقابل : ان المستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة عدم الجواز في كلتا الحالتين فراجع.

٨ ـ واما ان الدين يجوز بيعه بمال موجود وان كان أقل منه ما دام لا يلزم منه الربا‌ فلإطلاق ادلة صحة البيع ومشروعيته.

واما عدم صحة بيعه بدين مثله حتى مع التساوي فلموثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين» (١).

ولا مشكلة في سندها الا من جهة طلحة حيث لم يوثق في كتب الرجال ، الا ان الامر فيه سهل بعد قول الشيخ في الفهرست : «طلحة بن زيد له كتاب وهو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد» (٢).

ثم انه ورد النهي عن بيع الدين بالدين بلسان آخر ، ففي دعائم الإسلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انه نهى عن الكالئ بالكالئ (٣)» (٤).

٩ ـ واما عدم جواز تأجيل الدين الحال بزيادة‌ فمما لا خلاف فيه لكونه ربا وجعل زيادة عن المقدار المستحق لأجل الاجل.

واما جواز تعجيل المؤجل باسقاط بعض الدين فلانه ليس فيه جعل للزيادة ليلزم محذور الربا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٩٩ الباب ١٥ من أبواب الدين الحديث ١٥.

(٢) الفهرست : ٨٦.

(٣) الكالئ بالكالئ : بيع الدين بالدين ، كما في لسان العرب ١ : ١٤٧.

(٤) مستدرك الوسائل ١٣ : ٤٠٥.


على ان كلا الحكمين يمكن استفادته من صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول : انقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقيته ، أو يقول : انقدني بعضا وامدّ لك في الاجل فيما بقي فقال : لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا يقول الله عز وجل : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (١).

١٠ ـ واما حرمة دفع الربا أيضا وكتابته والشهادة عليه وما تلا ذلك من الحكمين‌ فقد تقدم وجهه في ربا المعاوضة من البيع.

٤ ـ من أحكام القرض‌

يعتبر في القرض الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

ولا يلزم في المال المقترض أن يكون من النقود ، كما لا يعتبر تعيين مقداره واوصافه. نعم على المقترض تحصيل العلم بذلك مقدمة لأدائه.

وهو عقد لازم ، بمعنى عدم جواز فسخه لإرجاع العين لو كانت موجودة.

نعم مع فرض عدم تحديده بأجل تجوز المطالبة بالوفاء بدفع المثل إذا كان مثليا والقيمة إذا كان قيميا في أي وقت.

ومع عدم تحديد القرض بأجل فليس للدائن الامتناع عن قبض الدين إذا دفعه المدين ، وهكذا إذا كان مؤجلا وفرض حلول الاجل. واما قبل حلوله فيمكن الحكم بجواز ذلك إذا كان التأجيل حقا له.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٠ الباب ٣٢ من ابواب الدين الحديث ١ ، والباب ٧ من أبواب الصلح الحديث ١ ، والآية ٢٧٩ من سورة البقرة.


ولا يلزم تحديد القرض بأجل معيّن بل لو حدّد بأجل فالمشهور عدم لزومه الا إذا اشترط ضمن عقد لازم غير القرض.

والمال المقترض إذا كان مثليا يثبت في ذمّة المقترض مثله ، وإذا كان قيميا تثبت قيمته.

وإذا كان مثليا فلا محذور في دفع القيمة مع التراضي.

ولا يلزم مع وجود العين المقترضة تسديد القرض بها وان جاز ذلك مع موافقة الطرفين.

ويجب على المدين عند مطالبة الدائن الاداء فورا ان قدر على ذلك ولو ببيع بعض أملاكه الا الاملاك التي هو بحاجة ماسة إليها بحسب حاله وشرفه ويقع في ضيق شديد لو بيعت وقضي منها الدين ، كدار سكناه وما شاكلها ، ويعبر عنها بالمستثنيات في قضاء الدين.

وإذا لم يكن لدى المدين شي‌ء يقضي به دينه غير المستثنيات حرمت مطالبته ويلزم انظاره إلى ميسرة.

وإذا كان الدين مؤجلا ومات المدين حلّ الاجل. وإذا مات الدائن بقي الاجل على حاله وليس لورثته المطالبة به قبل حلوله.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقّق القرض‌ فلأن ذلك مقتضى افتراض كونه عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل مشروعية القرض بعد افتراض صدقه.

ومن ذلك يتّضح وجه الاكتفاء بالمعاطاة.

٢ ـ واما انه لا يلزم في المال المقترض كونه من النقود‌ فمتسالم‌


عليه. ويقتضيه اطلاق أدلة مشروعيته.

وتؤيد ذلك رواية الصباح بن سيابة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان عبد الله بن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال : انا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر ، فقال عليه‌السلام : نحن نستقرض الجوز الستين والسبعين عددا فتكون فيه الكبيرة والصغيرة فلا بأس» (١) وغيرها.

٣ ـ واما عدم اعتبار تعيين مقدار المال المقترض وأوصافه‌ فلإطلاق دليل شرعيته.

واما لزوم تحصيل العلم بمقداره من باب المقدمة للأداء فلوجوب مقدمة الواجب.

٤ ـ واما ان عقد القرض لازم ، بمعنى عدم جواز الفسخ والالزام بارجاع العين المقترضة‌ فمحل خلاف. والمنسوب إلى شيخ الطائفة عدم اللزوم.

والمناسب هو اللزوم تمسكا باصالة اللزوم في كل عقد.

نعم إذا فرض عدم تحديد الوفاء بأجل معيّن فتجوز للمقترض المطالبة ببدل العين ، لان مقتضى عقد القرض ضمان المقترض للبدل دون العين نفسها ، وحيث فرض عدم التحديد بأجل فيلزم جواز المطالبة به في أي وقت.

٥ ـ واما عدم جواز امتناع الدائن من قبض الدين مع عدم التأجيل أو فرض حلول الأجل‌ فلان من حق كل شخص مشغول الذمة تفريغ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٩ الباب ٢١ من أبواب الدين الحديث ١.


ذمته من الاشتغال ما دام لم يجعل حق الامتناع للطرف الاخر ضمن العقد.

واما جواز امتناع الدائن من قبض الدين قبل حلول الاجل فقد وقع محلا للخلاف.

والمناسب التفصيل بين ما إذا كان اشتراط الاجل حقا للمدين فقط وما إذا كان حقا للدائن فقط.

فعلى الاول لا يحق له الامتناع لأنه لا يصدق الاشتراط من ناحيته ليشمله عموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

وعلى الثاني يحق له ذلك حيث يصدق في حقه ذلك فيشمله العموم.

٦ ـ واما عدم لزوم تحديد القرض بأجل معين‌ فلإطلاق دليل شرعيته.

واما عدم لزوم الاجل المذكور في عقد القرض فباعتبار ان الشرط يتبع في لزومه وجوازه لزوم العقد وجوازه ، وحيث ان المشهور يرى القرض من العقود الجائزة فيلزم كون الشرط المذكور فيه جائزا أيضا.

هذا والمناسب الحكم بلزوم الاجل لأنه لو سلّم بجواز عقد القرض فذلك لا يمنع من لزوم الشرط المذكور فيه بعد ما كان مقتضى اطلاق قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» شاملا للشرط المذكور ضمن العقد الجائز أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.


هذا مضافا إلى إمكان استفادة لزوم الاجل من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) (١).

بل يمكن استفادته من الروايات الآتية الدالة على حلول أجل الدين بموت المدين ، فانها تدل على لزوم الاجل بدون فرض الموت.

٧ ـ واما ان المال المقترض يثبت مثله في ذمة المقترض إذا كان مثليا وقيمته إذا كان قيميا‌ فلان المقرض بعد جعله المقترض ضامنا لا للعين نفسها بل لبدلها يلزم ما ذكر إذ البدل الأقرب مع فرض كون الشي‌ء مثليا هو المثل ومع كونه قيميا هو القيمة ويلزم من ثمّ ان يكون ذلك هو الملحوظ للمقرض عند تضمينه للمقترض بالبدل.

٨ ـ واما جواز دفع القيمة عن المثلي في فرض تراضي الطرفين‌ فلان الحق لا يعدوهما فيجوز لهما الاتفاق كيفما أحبا.

٩ ـ واما عدم لزوم التسديد بالعين المقترضة نفسها لو كانت موجودة‌ فلان المفروض صيرورتها ملكا للمقترض بالقرض ، والضمان تعلّق ببدلها.

واما جواز ذلك مع توافق الطرفين فلان الحق لا يعدوهما.

واما انه مع عدم موافقة المقرض بقبول العين فلا يجوز اجباره على ذلك فمن جهة انه اشترط الضمان بالبدل واشتغال الذمة به.

١٠ ـ واما لزوم تسديد الدين فورا مع المطالبة عند فرض كونه حالا أو قد حلّ أجله‌ فلعدم جواز الامتناع أو التواني عن اداء‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.


الحقوق لأصحابها.

واما استثناء دار السكن ونحوها فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تباع الدار ولا الجارية في الدين ، ذلك انه لا بدّ للرجل من ظل يسكنه وخادم يخدمه» (١) وغيرها ، فان موردها وان كان خاصا بالدار والجارية الا ان مقتضى التعليل التعدي إلى غيرهما من الاشياء التي لا بدّ منها في حياة الإنسان.

١١ ـ واما عدم جواز المطالبة مع الاعسار‌ فلقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٢).

١٢ ـ واما حلول الاجل بموت المدين‌ فلموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام : «إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حلّ الدين» (٣) وغيرها.

واما عدم حلولها بموت الدائن فلان الحلول بالموت حكم على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على مورد النص.

هذا مضافا إلى انه قد يفهم ذلك من الموثقة ، باعتبار تخصيصها حلول الاجل بموت المدين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٩٥ الباب ١١ من أبواب الدين الحديث ١.

(٢) البقرة : ٢٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٩٧ الباب ١٢ من أبواب الدين الحديث ٣.



كتاب الرّهن‌

١ ـ حقيقة الرهن‌

٢ ـ شرائط صحة الرهن‌

٣ ـ من أحكام الرهن‌



١ ـ حقيقة الرهن‌

الرهن عقد يتضمن جعل مال وثيقة للتأمين على دين أو عين مضمونة.

وهو مشروع بلا اشكال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الرهن عقد ويتضمن ما ذكر‌ فهو من الواضحات. والفهم العرفي خير شاهد عليه.

٢ ـ واما صحة جعل الرهن وثيقة على العين المضمونة أيضا ـ كالعين المغصوبة إذا طالب صاحبها الغاصب أو غيره ضمن عقد لازم بالرهن عليها‌ ـ فلإطلاق ما يأتي من دليل مشروعية الرهن.

٣ ـ واما ان الرهن مشروع‌ فهو من ضروريات الإسلام. ويدل على ذلك الكتاب الكريم : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (١) ، والروايات الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.


احدهما عليهما السّلام : «سألته عن السلم في الحيوان وفي الطعام ويؤخذ الرهن ، فقال : نعم استوثق من مالك ما استطعت. قال : وسألته عن الرهن والكفيل في بيع النسية ، فقال : لا بأس» (١) وغيرها.

والقول باختصاص مشروعية الرهن بحالة السفر تمسكا بالآية الكريمة ضعيف ، فان ذكر السفر مبني على الغالب من عدم تواجد الكاتب فيه ، وهو كذكره في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) ... (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) (٢). على انه يكفينا اطلاق السنة الشريفة.

وعليه فما ينسب إلى بعض العامة من عدم جواز الارتهان في الحضر (٣) لا وجه له خصوصا وان لازم التمسك بالآية الكريمة لاعتبار السفر اشتراط فقدان الكاتب للدين في مشروعية الرهن عليه ، وهو غير محتمل ولم يقل به القائل المذكور.

٢ ـ شرائط صحّة الرهن‌

يشترط لصحّة الرهن توفر :

١ ـ الايجاب من الراهن والقبول من المرتهن بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

٢ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار في الراهن والمرتهن. وعدم الحجر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢١ الباب ١ من أبواب أحكام الرهن الحديث ٥.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) جواهر الكلام ٢٥ : ٩٨.


على الراهن لسفه أو فلس.

٣ ـ كون المرهون عينا مملوكة يجوز بيعها وشراؤها ، فلا يصح رهن الدين ولا المنفعة ولا مثل الخمر ولا مثل الطير في الهواء والوقف ولو كان خاصا.

٤ ـ كون ما يرهن عليه دينا ثابتا في الذمة لفعلية سببه من اقتراض أو اسلاف مال أو شراء نسية فلا يصح الرهن على ما سيقترض أو على ثمن ما سيشترى ونحو ذلك.

٥ ـ قبض المرتهن للعين المرهونة حدوثا ولا تلزم استدامة ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقّق الرهن‌ فهو مقتضى كونه عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة فلانه بعد صدق عنوان الرهن يصح التمسك باطلاق دليل مشروعيته.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده‌ فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

واما اعتبار عدم الحجر على الراهن فلان السفيه والمفلس لا يصح منهما التصرّف في أموالهما.

واما عدم اعتبار ذلك في المرتهن فلانه بالرهن لا يتصرف في ماله.

٣ ـ واما اعتبار كون المرهون عينا‌ فلان الدين لا يمكن تحقق القبض فيه ، وهو شرط في صحة الرهن كما سيأتي.

بل لا يصح تعلق الرهن بالدين حتى بناء على انكار شرطية القبض باعتبار ان الغرض من الرهن ـ وهو الاستيثاق ـ


لا يتحقق بالدين.

واما عدم صحة تعلقه بالمنفعة فلانه لو تصورنا فيها تحقق القبض فيمكن ان يقال : هي من الموجودات المتصرمة تدريجا وليست موجودا قارّا ليمكن ان تكون وثيقة على الدين.

واما اعتبار كون المرهون أمرا مملوكا فلان غير القابل للملك في نفسه ـ كالخمر ـ أو غير المتصف به بالفعل لا يحصل به الاستيثاق.

ومنه يتضح الوجه في اعتبار كون العين المرهونة أمرا صالحا للبيع والشراء ولا يكفي أن تكون مثل الطير في الهواء أو الوقف.

٤ ـ واما اعتبار ثبوت الدين في الذمة حالة العقد‌ فلان الرهن وثيقة على مال المرتهن الذي هو ثابت في ذمة الغير ، فقبل ثبوت الدين في الذمة لا يصدق الرهن والاستيثاق. ولا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك ، وهو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر بعد عدم جواز التمسك باطلاق دليل المشروعية لكون المورد شبهة مصداقية.

٥ ـ واما اعتبار القبض في صحة الرهن‌ فمحل خلاف. ومقتضى القاعدة عدم اعتباره تمسكا باطلاق دليل شرعيته.

ودعوى ان عنوانه لا يصدق الا بالقبض غير مقبولة.

والمناسب اعتباره لا لأجل التقييد به في الآية الكريمة ـ فان ذكره فيها هو من جهة انها بصدد بيان طريقة للاستيثاق على الدين ، وذلك لا يتحقق بمجرد الارتهان من دون قبض وليست بصدد بيان شرطية ذلك لتحقّق الارتهان شرعا ، على ان السياق يلوح عليه بوضوح كونه في صدد الارشاد إلى جملة من الآداب والسنن ـ بل لقوله عليه‌السلام في‌


صحيحة محمد بن قيس : «لا رهن الا مقبوضا» (١).

وما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره من احتمال ان يكون ذكر القبض لا من باب الشرطية بل لأنه بدونه لا يحصل الاطمئنان والاستيثاق خصوصا وان المنفي هو العين المرهونة لا العقد الذي هو القابل للاتصاف بالصحة والفساد (٢) كما ترى.

٦ ـ واما عدم لزوم استدامة القبض‌ فلانه لا يظهر من صحيحة محمد بن قيس اعتبار ذلك ، وهي مجملة من الجهة المذكورة فيرجع لنفي احتمال اعتبار الاستدامة إلى اطلاق ادلة شرعية الرهن لقاعدة ان العام إذا خصص بمجمل مفهوما فيقتصر في تخصيصه على القدر المتيقن لبقاء الظهور في العموم على الحجية فيما زاد عليه بلا معارض.

٣ ـ من احكام الرهن‌

لا يلزم في العين المرهونة أن تكون ملكا لمن عليه الدين بل يصح رهن ملك الغير إذا استعير لذلك.

والرهن لازم من جهة الراهن فلا يصح له التراجع عنه الا برضا المرتهن أو ايفائه الدين.

ويجوز لمالك العين المرهونة التصرّف فيها بما لا يتنافى والاستيثاق ـ كركوب الحيوان إذا كان رهنا ـ واما ما يتنافى ـ مثل بيع الحيوان أو ذبحه ـ فلا يجوز الا اذا اذن المرتهن به. واما المرتهن فلا يجوز له التصرف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٣ الباب ٣ من أحكام الرهن الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٢٥ : ١٠٤.


مطلقا الا باذن المالك.

وإذا حلّ موعد الدين وطالب به المرتهن ولم يؤد فلا يجوز له بيع العين المرهونة واستيفاء دينه منها الا إذا كان وكيلا في ذلك من البداية أو اذن له مالكها فيما بعد. واذا لم يكن وكيلا عنه ولم يأذن له في ذلك بعد طلبه منه جاز له البيع. ويبقى الفاضل على مقدار الدين ـ ان كان ـ أمانة بيده.

ولا يضمن المرتهن العين المرهونة إذا تلفت أو تعيبت ما دام لم يتحقق منه التعدي او التفريط ، ومن ثمّ يرجع بتمام ماله الذي يستحقه على الراهن ولا ينقص منه شي‌ء.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم لزوم كون العين المرهونة ملكا للراهن وكفاية اذن مالكها في رهنها‌ فلإطلاق دليل شرعية الرهن.

٢ ـ واما لزوم الرهن من طرف الراهن‌ فلأصالة اللزوم في مطلق العقود التي تقدم مستندها في مبحث البيع.

على ان الغرض من الرهن وهو الاستيثاق لا يتأتى مع الجواز من طرف الراهن.

٣ ـ واما جواز تصرف مالك العين المرهونة فيها بما لا يتنافى والاستيثاق‌ فلانه مالك ، ولا موجب لمنعه بعد عدم كون تصرفه منافيا للاستيثاق.

ويؤكد ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «رجل رهن جاريته قوما أيحل له أن يطأها؟ فقال : ان الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت : أرأيت ان قدر عليها خاليا؟ قال :


نعم لا أرى به بأسا» (١).

واما ما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ان «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» (٢) فضعيف السند ، فان ابن أبي جمهور قد رواه في درر اللآلي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا.

وبهذا يتضح ان تأكيد صاحب الجواهر على عدم جواز تصرّف الراهن بشتى أشكاله استنادا إلى الحديث المتقدم والى التنافي بين الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن وبين جواز التصرّف (٣) قابل للتأمّل.

٤ ـ واما عدم جواز تصرف المرتهن في العين المرهونة بشكل مطلق‌ فلان ذلك مقتضى عدم جواز التصرف في مال الغير بدون اذنه.

٥ ـ واما عدم جواز بيع المرتهن العين المرهونة إذا حلّ وقت المطالبة ولم يسدد الدين‌ فلأنها ملك للغير ، ولا يجوز التصرف فيه من دون اذنه.

وجعلها وثيقة على الدين لا يلازم تجويز بيعها لاستيفاء الدين لعدم انحصار الاستيفاء بذلك بل يمكن ذلك بتصدي الراهن نفسه للبيع.

نعم مع افتراض كسب الوكالة في البيع مسبقا لا يعود اشكال في البيع ولو من دون استئذان.

٦ ـ واما انه يجوز للمرتهن البيع عند افتراض عدم الوكالة والاذن‌ فمن جهة ان التعاقد على الرهن يستبطن التعاقد على ان يكون للمرتهن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٣٣ الباب ١١ من أحكام الرهن الحديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل ١٣ : ٤٢٦.

(٣) جواهر الكلام ٢٥ : ١٩٥.


الحق في البيع لاستيفاء حقه مع عدم تصدي الراهن نفسه للبيع ولا اذنه فيه.

وقيل بان النوبة لا تصل الى المرتهن ما دام يمكن للحاكم الشرعي التصدي لذلك فانه صاحب الولاية على الممتنع ، واذا لم يمكن للحاكم التصدي لسبب وآخر فآنذاك تصل النوبة إلى المرتهن.

وهو جيد ان لم نفترض تمامية ما أشرنا إليه من التعاقد المستبطن.

٧ ـ واما عدم ضمان المرتهن تلف العين المرهونة وتعيبها من دون تعدّ وتفريط‌

فلان ذلك مقتضى كون يده يد امانة.

وتؤكد ذلك الروايات الكثيرة ، كصحيحة جميل بن دراج : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن : هو من مال الراهن ويرجع المرتهن عليه بماله» (١) وغيرها.

هذا ويوجد في مقابل الروايات المذكورة روايات اخرى تدل على ضمان المرتهن وانه ينقص مما له على الراهن بمقداره ، كموثقة ابن بكير : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في الرهن فقال : ان كان أكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن ، وان كان أقل من ماله فهلك الرهن أدّى إليه صاحبه فضل ماله ، وان كان الرهن سواء فليس عليه شي‌ء» (٢) وغيرها.

ويمكن الجمع بحمل الأولى على صورة عدم التفريط والثانية على صورة التفريط.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٥ الباب ٥ من أبواب أحكام الرهن الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٩ الباب ٧ من أبواب أحكام الرهن الحديث ٣.


ومما يؤيّد ذلك موثقة إسحاق بن عمار : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم وهو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك ، أعلى الرجل ان يرد على صاحبه مائتي درهم؟ قال : نعم لأنه اخذ رهنا فيه فضل وضيّعه. قلت : فهلك نصف الرهن قال : على حساب ذلك. قلت : فيترادّان الفضل؟ قال : نعم» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٩ الباب ٧ من أبواب أحكام الرهن الحديث ٢.



كتاب الهبة‌

١ ـ حقيقة الهبة‌

٢ ـ من أحكام الهبة‌



١ ـ حقيقة الهبة‌

الهبة عقد يتضمّن تمليك عين بلا عوض.

وشرعيتها واضحة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الهبة عقد‌ فأمر متسالم عليه. وتدل عليه قاعدة سلطنة الانسان على نفسه وأمواله ، فان خروج المال من الواهب بدون رضاه أمر على خلاف سلطنته على أمواله ، ودخوله في ملك الموهوب له بدون موافقته أمر على خلاف سلطنته على نفسه.

وأيضا انعقاد سيرة العقلاء على احتياجها إلى الايجاب والقبول شاهد يصلح التمسك به في المقام بعد فرض امضائها المستكشف بسبب عدم الردع.

٢ ـ واما تضمن عقدها التمليك بلا عوض‌ فهو من الواضحات. وفهم العرف خير دليل عليه.

ولا يشكل عليه بخروج الهبة المعوضة بالرغم من كونها أحد‌


فردي الهبة ، فان العوض فيها ليس في مقابل العين الموهوبة وعوضا عنها بل التمليك فيها مجاني لكنه مشروط بتمليك مجاني آخر.

والفرق بينها وبين الهدية والصدقة مع ان الاخيرتين هما تمليك مجاني أيضا هو ان الهدية تمليك مجاني بقصد التكريم والتعظيم ، والصدقة تمليك مجاني بقصد القربة ، بخلاف الهبة فانها تمليك مجاني ملحوظ لا بشرط من ناحية القصدين المذكورين فتكون أعمّ منهما أو بشرط لا فتكون مباينة لهما.

٣ ـ واما شرعيتها‌ فأمر بديهي ، كيف وقد جرت عليها سيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع ، وسيرة المتشرّعة ، بل وسيرة أهل بيت العصمة بما في ذلك جدّهم صلوات الله عليهم أجمعين.

وما انحال الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدكا لبضعته الطاهرة عليها‌السلام الا عبارة اخرى عن الهبة ، فانهما واحد ، غايته لوحظ في الإنحال تعلقه بالارحام.

والروايات الدالة على شرعيتها كثيرة. وسيأتي بعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (١) ، وقوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) (٢) بعد عدم اختصاص الايتاء بالمهر.

__________________

(١) النساء : ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٩.


٢ ـ من أحكام الهبة‌

لا تتحقّق الهبة الا بايجاب من الواهب وقبول من الموهوب له بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

ويلزم ان يتوفر في الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس.

ويعتبر القبض في صحّة الهبة وان يكون عن اذن الواهب الا في هبة ما في يد الغير له.

ولا تلزم فيه الفورية ولا كونه في مجلس العقد.

ويلزم في الموهوب ان يكون عينا فلا تصح هبة المنافع. واما الدين فتصح هبته على غير من هو عليه دون من هو عليه.

والهبة عقد جائز يصح فيها الرجوع الا إذا كانت معوضة ، أو لذي رحم ، أو قصد بها القربة ، أو فرض تحقق التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين بعينها.

ولا يلزم في صحّة الرجوع عن الهبة ان يكون امام الموهوب له.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما توقف تحقق الهبة على الايجاب والقبول‌ فلأن ذلك مقتضى كونها عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

٢ ـ واما انه يعتبر في الواهب البلوغ وما بعده‌ فلان الهبة عقد‌


وتصرف في المال ، وكلاهما مشروط بما ذكر.

واما انه لا يعتبر ذلك في الموهوب له فلصحة الهبة إلى الصبي والمجنون والمحجور عليه بالضرورة ، غايته يلزم في الاولين نيابة الولي عنهما في القبول.

٣ ـ واما توقف صحة الهبة على القبض‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها» (١) وغيرها.

وقد يقال : توجد في المقابل صحيحة أبي المعزا أو أبي بصير : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض قسّمت أو لم تقسّم. والنحل لا تجوز حتى تقبض» (٢) ، فانها تدل على صحة الهبة قبل تحقق القبض سواء فسر الجواز باللزوم ـ كما هو الظاهر ـ أم بالصحة.

والجواب : ان النتيجة لا تتغيّر ، فان الطائفتين حيث يتعذر الجمع العرفي بينهما تتساقطان ويلزم الرجوع إلى الاصل ، وهو يقتضي عدم ترتب الأثر قبل القبض.

وإذا قيل : لا تصل النوبة إلى الأصل لوجود المرجح للطائفة الثانية ، وهو موافقتها للكتاب العزيز (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) الدال على ترتب الأثر بمجرّد العقد.

قلنا : ان الكتاب العزيز يدل على لزوم الهبة قبل القبض وهو مخالف لكلتا الطائفتين ، ومعه كيف يمكن الترجيح به ، فان ما هو مفاده‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٦ الباب ٤ من أحكام الهبات الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٥ الباب ٤ من أحكام الهبات الحديث ٤.

(٣) المائدة : ١.


لا يمكن الترجيح به وما يمكن الترجيح به ليس مفادا له.

٤ ـ واما اعتبار كون القبض باذن الواهب‌ فهو المشهور. وهو جيد لانصراف ما دل على اعتبار القبض في صحة الهبة إلى ذلك. بل ان من المحتمل ان تكون كلمة «يقبضها» من باب الافعال.

ومنه يتضح النظر فيما اختاره السيّد اليزدي قدس‌سره من عدم اعتبار الاذن تمسكا بالاطلاق وان الأصل عدم شرطية ذلك وان القدر المتيقن اعتبار وصول المال إلى يد المتهب ، ولذا لو كان بيده كفى (١).

٥ ـ واما عدم اعتبار القبض في هبة ما في يد الغير‌ فلتحققه من دون حاجة إلى تجديده.

٦ ـ واما عدم لزوم الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد‌ فلإطلاق الصحيحة الدالة على اعتبار القبض.

٧ ـ واما عدم صحة هبة المنافع‌ فلأنها موجود تدريجي متصرم لا يمكن تحقق القبض فيه.

واما صحة هبة الدين على غير من هو عليه فلانه بعد امكان قبضه بقبض فرد منه لا يعود مانع من التمسك باطلاق دليل شرعيتها.

ودعوى ان ما في الذمة ـ الذي تعلقت به الهبة ـ لا يمكن قبضه ، وما يمكن قبضه وهو الفرد الخارجي ليس الكلي نفسه ، مدفوعة بان الكلي الطبيعي موجود بوجود افراده في نظر العرف أيضا ويمكن قبضه واقباضه من خلال الفرد.

واما عدم صحة هبة الدين على من هو عليه فلان ذلك ابراء لا هبة‌

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٦٥.


ويترتب عليه احكامه دون احكامها فلا يجوز الرجوع في الموهوب ، كما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيهبها له ، أله ان يرجع فيها؟ قال : لا» (١).

٨ ـ واما جواز الرجوع في الهبة وكونها عقدا جائزا بالرغم من اقتضاء اصالة اللزوم لعكس ذلك‌ فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «اذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع وإلاّ فليس له» (٢) وغيرها.

٩ ـ واما استثناء الهبة المعوضة‌ فلصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا عوّض صاحب الهبة فليس له ان يرجع» (٣) وغيرها.

واما استثناء الهبة لذي الرحم فلصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها ان شاء ، حيزت أو لم تحز الا لذي رحم فانه لا يرجع فيها» (٤) وغيرها.

واما استثناء الهبة التي قصد بها القربة فلصحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا يرجع في الصدقة اذا أبتغي وجه الله» (٥) وغيرها.

واما استثناء حالة التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين فلصحيحة الحلبي المتقدمة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٢ الباب ١ من أحكام الهبات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤١ الباب ٨ من أحكام الهبات الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤١ الباب ٩ من أحكام الهبات الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٨ الباب ٦ من أحكام الهبات الحديث ٢.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٤ الباب ٣ من أحكام الهبات الحديث ٢.


ثم انه يوجد في المقابل روايات اخرى معارضة ، كموثقة داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... واما الهبة والنحلة فانه يرجع فيها حازها او لم يحزها وان كانت لذي قرابة» (١) وغيرها.

ويمكن ان يقال : ما دام لا يمكن الجمع فتتحقق المعارضة ويلزم ترجيح الطائفة الاولى لموافقتها لإطلاق الكتاب الدال على وجوب الوفاء بالعقود (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

١٠ ـ واما عدم لزوم ان يكون الرجوع امام الموهوب له‌ فلإطلاق ما دلّ على جواز الرجوع وعدم تقييده بما إذا كان امامه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٩ الباب ٦ من أحكام الهبة الحديث ٣.

(٢) المائدة : ١.



كتاب الوديعة‌

١ ـ حقيقة الوديعة‌

٢ ـ من أحكام الوديعة‌



١ ـ حقيقة الوديعة‌

الوديعة عقد يتضمن استئمان الغير في حفظ المال. ويصطلح على الغير بالودعي والمستودع ، وعلى الآخر بالمودع.

وهي مشروعة بلا اشكال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوديعة عقد‌ فواضح ، إذ لا يكفي مجرد إيجاب المودع في تحققها بل لا بدّ من قبول الودعي والا لم يكن له السلطنة على نفسه ، وهو خلف قانون السلطنة.

٢ ـ واما انها عقد يتضمن ما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه ، ويقتضيه الفهم العرفي.

٣ ـ واما مشروعية عقد الوديعة‌ فمن البديهيات لانعقاد سيرة العقلاء والمتشرعة عليه ، وللكتاب العزيز الصريح في ذلك في موارد‌


متعددة ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (١) ، (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (٢).

والروايات في ذلك كثيرة ، كرواية أبي كهمس : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام قال : وعليك وعليه‌السلام ، إذا أتيت عبد الله فاقرئه السلام وقل له : ان جعفر بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به علي عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالزمه ، فان عليّا عليه‌السلام انما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصدق الحديث واداء الأمانة» (٣) وغيره.

٢ ـ من أحكام الوديعة‌

يعتبر في تحقق الوديعة الايجاب من المودع والقبول من الودعي بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

ويجب ردّ الوديعة إلى صاحبها عند المطالبة بها ولو لم يكن مؤمنا ما دام ليس غاصبا.

ومن طلب من الغير ان يكون ماله وديعة لديه ولم يقبل الغير ذلك ولم يتسلمه ومع ذلك تركه المالك عنده فلا يضمنه لو تلف أو تعيّب.

وعقد الوديعة جائز من الطرفين وان كان مؤجلا بأجل محدّد الا مع اشتراط عدم فسخه إلى ذلك الأجل ولو ضمن عقد الوديعة نفسه ، فانه يلزم الوفاء آنذاك ، ولكن مع الفسخ ينفسخ ويكون الفاسخ بذلك آثما.

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) البقرة : ٢٨٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢١٨ الباب ١ من أحكام الوديعة الحديث ١.


ولو فسخ الودعي لزمه ايصال المال إلى صاحبه فورا ، وإذا لم يفعل ذلك من دون عذر شرعي وتلف يكون ضامنا.

ويجب على الودعي الحفاظ على الوديعة بما هو المتعارف في الحفظ لأمثالها ، وإذا لم يفعل ذلك يكون مفرّطا.

والودعي لا يضمن تلف الوديعة وتعيّبها الا مع التعدي أو التفريط.

ولا يحق للودعي التصرف في الوديعة.

ومن أحسّ بامارات الموت يلزمه ايصال الوديعة إلى صاحبها أو وكيله ، وإذا لم يمكنه ذلك يلزمه الايصاء بها والعمل بما يضمن به وصولها إلى صاحبها بعده.

والامانة على قسمين : مالكية وشرعية ، والحكم في كليهما واحد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوديعة لا تتحقق الا بالايجاب والقبول‌ فهو مقتضى كونها عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة فلإطلاق دليل شرعيتها بعد صدق عنوانها.

٢ ـ واما وجوب ردّ الوديعة الى صاحبها عند مطالبته بها ولو لم يكن مؤمنا‌ فلإطلاق قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (١).

وفي الحديث عن الامام الصادق عليه‌السلام : «ادّوا الامانة ولو إلى قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام» (٢).

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٢٤ الباب ٢ من أحكام الوديعة الحديث ١٢.


٣ ـ واما التقييد بعدم كون صاحب الوديعة غاصبا‌ فلان الواجب هو ردّ الامانة إلى أهلها ، وذلك لا يتحقق بالدفع إلى الغاصب بل فعل ذلك موجب للضمان لأنه تعدّ على الامانة.

واما عدم ضمان من ترك عنده شي‌ء وقد تلف أو تعيب من دون قبوله لذلك ولا تسلمه إيّاه فلعدم صدق عنوان الوديعة ـ الموقوف على تحقق القبول ـ كي يجب التحفّظ عليه بعد وضوح ان أموال الغير لا يجب التحفظ عليها ابتداء.

٤ ـ واما ان عقد الوديعة جائز‌ فذلك واضح بلحاظ المودع لأنه من ناحيته لا يعدو الاذن في حفظ ماله ، وللآذن حق التراجع عن اذنه متى شاء.

واما بلحاظ الودعي فلا وجه لجواز تراجعه قبل انتهاء الاجل ـ ما دام العقد قد حدّد به ـ سوى التسالم على ذلك.

قال صاحب الجواهر : «وهو ـ التسالم ـ الحجّة في تخصيص الآية وغيرها من أدلّة اللزوم» (١).

٥ ـ واما عدم جواز الفسخ ما دام قد اشترط عدم الفسخ‌ فلعموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٢).

ودعوى ان الوديعة عقد جائز فيكون الشرط المذكور فيها جائزا أيضا مدفوعة بان عموم وجوب الوفاء بالشروط لا يختص بالشرط المذكور في العقد اللازم.

واما تحقق الفسخ مع مخالفة الشرط فلان العموم السابق ليس‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ١٠٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.


بناظر الى الأثر الوضعي بل التكليفي فقط.

٦ ـ واما ان الودعي يلزمه ايصال الوديعة إلى صاحبها لو فسخ‌ فلوجوب ردّ الامانات إلى أهلها كما دلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (١).

واما الضمان لو فسخ الودعي ولم يوصل الوديعة إلى صاحبها وتلفت أو تعيبت فلان ذلك من التفريط في أمر الوديعة.

٧ ـ واما وجوب التحفظ على الوديعة بما هو المتعارف في أمثالها‌ فلاستبطان قبول الودعي الوديعة تعهّده بذلك.

على ان ردّ الامانة إلى أهلها واجب ، والتحفظ المذكور مقدّمة له فيكون واجبا.

٨ ـ واما عدم ضمان الودعي التلف والتعيب لو حصل من دون تعدّ أو تفريط‌ فللحديث الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جربته» (٢).

على ان بالامكان ان يقال : ان التعاقد على الاستيداع يستبطن عرفا التعاقد على ذلك أيضا.

٩ ـ واما عدم جواز التصرف في الوديعة‌ فلان ذلك مقتضى عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه ، بل لا معنى للأذن في التصرّف والا كان المورد عارية لا وديعة.

١٠ ـ واما ان من أحسّ بامارات الموت يلزمه ما ذكر‌ فلان ذلك مقتضى التحفظ الواجب في أمر الامانة ، ومن دونه يصدق التفريط.

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٢٩ الباب ٤ من أحكام الوديعة الحديث ١٠.


١١ ـ واما انقسام الامانة إلى مالكية وشرعية‌ فواضح إذ المودع تارة هو المالك فتكون الامانة مالكية ، واخرى هو الشارع فتكون شرعية ، كما في باب اللقطة ، حيث اذن الشارع بالالتقاط والتحفظ على المال كأمانة.

واما وحدة حكم القسمين فلانه بعد صدق عنوان الامانة في كليهما ينبغي تطبيق جميع أحكامه عليهما.


كتاب العارية‌

١ ـ حقيقة العارية‌

٢ ـ من أحكام العارية‌



١ ـ حقيقة العارية‌

العارية عقد يتضمن تسليط شخص غيره على عين للانتفاع بها مجانا.

وهي مشروعة بلا اشكال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان العارية عقد‌ فينبغي عدّه من الواضحات ، فان جواز الانتفاع بملك الغير يتحقق تارة من خلال اذن الشخص بالتصرف في ملكه ، وهو بهذا اللحاظ ايقاع لا يتوقف على قبول الطرف الثاني ، واخرى من خلال العارية ، وهو بهذا اللحاظ عقد يتوقف على القبول.

٢ ـ واما ان عقد العارية يتضمن التسليط المجاني على الانتفاع‌ فمما لا كلام فيه. ويقتضيه فهم العرف منها ذلك.

وفرق العارية عن الاجارة ان الثانية تمليك للمنفعة بعوض والاولى تمليك للانتفاع مجانا.

٣ ـ واما شرعية العارية‌ فمن واضحات الفقه ، وتدل على ذلك سيرة العقلاء والمتشرعة والروايات الكثيرة ، كصحيح أبي بصير عن‌


أبي عبد الله عليه‌السلام : «بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صفوان بن امية فاستعار منه سبعين درعا باطراقها (باطرافها) فقال : أغصبا يا محمّد؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل عارية مضمونة» (١) وغيره.

٢ ـ من أحكام العارية‌

لا تتحقق الاعارة الا بايجاب من المعير وقبول من المستعير بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

ولا يلزم في المعير ان يكون مالكا للعين بل تكفي ملكيته للمنفعة باجارة ونحوها فيما إذا لم يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه.

ويعتبر في العين المعارة امكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، اما إذا لم يمكن ذلك فلا تصح الاعارة ، كما هو الحال في مثل الخبز والدهن.

ويلزم المستعير ان لا يستفيد من العين المعارة الا في حدود ما جرت عليه العادة ، فان تجاوز ضمن. وإذا نقصت بسبب الاستعمال المأذون فيه فلا ضمان.

والعين المعارة لا يضمنها المستعير ما دام لم يتحقق منه التعدي أو التفريط الا اذا اشترط عليه الضمان أو فرضت العين من الذهب أو الفضة. والعارية جائزة من الطرفين وان كانت مؤجلة الا مع اشتراط عدم فسخها إلى أجل معين فيجب الوفاء الا انه لو خولف الشرط تحقق الفسخ وان كان الفاسخ آثما بذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٣٦ الباب ١ من أحكام العارية الحديث ١.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما توقف تحقق العارية على الايجاب والقبول‌ فهو مقتضى كونها عقدا.

واما انها تتحقق بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة فللتمسك باطلاق دليل شرعيتها بعد فرض صدق عنوانها.

٢ ـ واما انه لا يلزم في المعير ان يكون مالكا للعين بل يكفي كونه مالكا للمنفعة‌ فباعتبار ان التسليط على الانتفاع لا يتوقف على ملكية العين بل تكفي فيه ملكية المنفعة ما دام لم يشترط استيفاؤها بالمباشرة.

٣ ـ واما اعتبار بقاء العين المعارة عند الانتفاع بها‌ فلانه بدون ذلك لا يمكن تمليك الانتفاع.

٤ ـ واما عدم جواز الاستفادة من العين المعارة الا في حدود ما جرت عليه العادة‌ فلانصراف الاذن في الانتفاع بالعين ـ الذي تتضمنه الاعارة ـ إلى الانتفاعات المتعارفة فيها.

٥ ـ واما عدم ضمان النقصان الطارئ على العين بسبب استعمالها‌ فلان ذلك من لوازم الاذن في الانتفاع بها مجانا.

٦ ـ واما عدم ضمان المستعير للعين المعارة ما دام لم يحصل منه تعدّ أو تفريط الا مع اشتراط الضمان‌ فهو مقتضى قاعدة عدم ضمان الامين. مضافا إلى الروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه الا ان يكون‌


اشترط عليه» (١).

٧ ـ واما ضمان عارية الذهب والفضة‌ فلموثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو أبي إبراهيم عليهما السّلام : «العارية ليس على مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فانهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا» (٢).

ان قلت : لا بدّ من تقييد الذهب والفضة بخصوص الدنانير والدراهم لصحيحة عبد الله بن سنان : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تضمن العارية الا ان يكون قد اشترط فيها ضمان الا الدنانير فانها مضمونة وان لم يشترط فيها ضمانا (٣)» (٤) ، وصحيحة عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ليس على صاحب العارية ضمان الا ان يشترط صاحبها الا الدراهم فانها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط» (٥).

قلت : ان التقييد المذكور ليس عرفيا لان لازمه الحمل على الفرد النادر ، إذ شرط صحة العارية على ما تقدم امكان الانتفاع بالعين مع بقائها ، وهذا لا يتحقق عادة في الدنانير والدراهم وان كان يتحقق نادرا كما في اعارتها للتزيّن بها او لرهنها كما ذكر صاحب الجواهر.

وعليه فتكون النتيجة ان العارية ليس فيها ضمان الا مع الاشتراط أو كونها من قبيل الذهب والفضة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٣٦ الباب ١ من أحكام العارية الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٤٠ الباب ٣ من أحكام العارية الحديث ٤.

(٣) المناسب : ضمان بالرفع كما في تهذيب الاحكام ٧ : ١٨٣ والاستبصار ٣ : ١٢٦.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٣٩ الباب ٣ من أحكام العارية الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٤٠ الباب ٣ من أحكام العارية الحديث ٣.


٨ ـ واما ان العارية جائزة من الطرفين بالرغم من كون المناسب لزومها ـ طبقا لأصالة اللزوم‌ ـ فللتسالم على ذلك. وهو جيد ، فان العارية في روحها ترجع إلى الاذن في التصرف ، وللآذن التراجع عن اذنه متى أحب.

واما انه مع اشتراط عدم الفسخ لا يجوز فسخها تكليفا وان ترتّب الاثر وضعا فلما تقدم عند البحث عن الوديعة.



كتاب السّبق والرّماية‌

١ ـ حقيقة السبق والرماية‌

٢ ـ من أحكام السبق والرماية.



١ ـ حقيقة السبق والرماية‌

السبق ـ بسكون الباء ـ معاملة تتضمن اجراء الخيل وما شابهها في حلبة السباق لمعرفة الاجود منها.

والرماية معاملة تتضمن رمي السهام نحو الهدف للتعرف على الحاذق من المترامين.

وهما مشروعان دون خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان السبق والرماية عقدان‌ فباعتبار انهما لا يتحققان إلاّ بعد اتفاق شخصين أو أكثر عليهما ، ولا يكفي الايجاب من طرف واحد لتحققهما.

أجل بناء على كونهما جعالة ـ كما هو المنسوب للشيخ والعلاّمة (١) ـ فهما ايقاع ولا حاجة في تحققهما إلى القبول بل يكفي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٢٣.


البذل ، كما يكفي في مثل : من ردّ عليّ سيارتي المسروقة فله كذا.

الا ان ذلك جيد لو كان البذل من شخص ثالث أجنبي ، واما إذا كان منهما باتفاق بينهما فكونهما جعالة بعيد.

٢ ـ واما ان العقدين المذكورين يتضمنان ما ذكر‌ فأمر متسالم عليه.

٣ ـ واما شرعية المعاملتين المذكورتين‌ فيمكن استفادتها من عموم قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (١) ، فان الغرض من السبق والرماية تدريب المسلمين على الفنون العسكرية وتهيئتهم لمواجهة الكفار في ساحة القتال ، وذلك مصداق واضح لإعداد القوة المأمور بها في الآية الكريمة.

وقد يقال بامكان استفادة ذلك من قوله تعالى : (إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) (٢) ولكنّه قابل للتأمّل كما هو واضح.

واما الروايات في هذا المجال فكثيرة ، كموثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجرى الخيل وجعل سبقها (٣) أواقي من فضة» (٤) ، وصحيحة حفص بن البحتري عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه كان يحضر الرمي والرهان (٥).

__________________

(١) الأنفال : ٦٠.

(٢) يوسف : ١٧.

(٣) السبق بفتح السين والباء : العوض المجعول للسابق. ويقال له : الخطر ـ بفتح الحاء والطاء ـ أيضا. والسبق بفتح السين وسكون الباء : مصدر بمعنى المعاملة المتقدمة. والأواقي : جمع أوقية.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٥ الباب ١ من أحكام السبق والرماية الحديث ١٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٨ الباب ٢ من أحكام السبق والرماية الحديث ٤.


٢ ـ من أحكام السبق والرماية‌

يعتبر في تحقق السبق والرماية الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما.

ويصح اجراء هاتين المعاملتين على وسائل القتال الحديثة ولا يختص بما إذا كان على السيف والسهام والخيل والابل وما شاكل ذلك.

ولا يلزم في صحة المسابقة وجود المحلّل ، وهو شخص يدخل في المسابقة من دون ان يبذل عوضا وانما يجري فرسه مع المتراهنين على انه ان سبق كان له العوض وان لم يسبق لم يخسر شيئا (١).

ويجوز في العوض المقرر للسابق ـ السبق ـ ان يكون من أحد الطرفين أو من شخص ثالث أجنبي أو من بيت المال.

والعبرة في تحقق السبق على الصدق العرفي الا اذا تمّ الاتفاق على غيره.

والعقد في السبق والرماية لازم لا يجوز فسخه الا مع اشتراط الخيار.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقق السبق والرماية‌ فلان ذلك مقتضى كونهما عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل المشروعية.

٢ ـ واما ان صحة هاتين المعاملتين لا تنحصر بالوسائل القديمة‌ فباعتبار ان النصوص وان اقتصرت عليها ، كما في صحيحة حفص عن‌

__________________

(١) وانما سمي بالمحلل لان القائل باشتراط وجوده في صحة المسابقة يرى ان وجوده محلل لها وعدمه محرّم لها.


أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل» (١) الا ان تخصيصها بالذكر هو من جهة كونها الوسائل الحربية المتداولة تلك الفترة ولا ينبغي فهم الخصوصية لها. كيف وهل يحتمل انتهاء فترة تشريع المسابقة والرماية وعدم امتداده لمثل زماننا أو هل يحتمل ان التشريع ممتدّ مع لزوم الاقتصار على الوسائل القديمة؟! كلا ، لا يحتمل هذا ولا ذاك. وبطلان الاحتمالين يساوق الحكم بعموم النتيجة (٢).

٣ ـ واما المحلّل فقد قيل باشتراط وجوده في حلية العقد. ونسب ذلك إلى ابن الجنيد استنادا منه الى خبر لا يوجد في كتبنا (٣).

والمناسب عدم اعتبار وجوده في صحّة العقد تمسّكا باطلاق دليل المشروعية.

٤ ـ واما جواز ان يكون السبق من أجنبي أو بيت المال أو المتراهنين‌ فلإطلاق دليل المشروعية.

٥ ـ واما ان العبرة في تحقق السبق على الصدق العرفي‌ فلكونه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٨ الباب ٣ من أحكام السبق والرماية الحديث ١.

قيل : بان الخف إشارة إلى الابل والفيلة ، والنصل إشارة إلى السهم والسيف والحربة ، والحافر إشارة إلى الفرس والبغل والحمار.

(٢) ولعل المورد المذكور يمكن عدّه مصداقا من مصاديق تأثير عنصر الزمان في عملية الاجتهاد الذي قد يفهم من بعض كلمات المحقق الأردبيلي في مبحث الصلاة من كتابه مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٣٦ ـ حيث قال : «ولا يمكن القول بكلية شي‌ء بل تختلف الاحكام باعتبار الخصوصيات والاحوال والازمان والامكنة والاشخاص ، وهو ظاهر. وباستخراج هذه الاختلافات والانطباق على الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف امتياز اهل العلم والفقهاء شكر الله سعيهم ورفع درجاتهم» ـ واكّده بعض الاعلام من المتأخرين في صحيفة النور ٢١ : ٩٨.

(٣) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٢٦.


المقصود للمتعاقدين حينما تعاقدا على ثبوت العوض للسابق.

٦ ـ واما ان السبق والرماية عقدان لازمان‌ فلكون ذلك مقتضى اصالة اللزوم في مطلق العقود.

أجل بناء على كونهما من مصاديق الجعالة دون العقد ينبغي الحكم بجوازهما لكون الجعالة من المعاملات الجائزة كما يأتي إن شاء الله تعالى.



كتاب النّكاح‌

١ ـ النكاح وبعض أحكامه‌

٢ ـ ولاية الأبوين‌

٣ ـ أحكام النظر‌

٤ ـ من يحرم العقد عليها‌

٥ ـ الزواج المؤقت‌

٦ ـ أحكام النفقة‌

٧ ـ أحكام القسمة‌



١ ـ النكاح وبعض أحكامه‌

النكاح عقد يتضمن إنشاء علقة الزوجية الخاصة. وهو دائم ومنقطع وملك يمين.

ويتحقق الدائم بقول الزوجة للزوج : زوجتك نفسي على كذا وقول الزوج بعد ذلك : قبلت الزواج على كذا.

والمنقطع بقولها : متعتك نفسي على كذا ولمدة كذا وقول الزوج بعد ذلك : قبلت التمتع على كذا ولمدّة كذا.

ويلزم في الايجاب والقبول ان يكونا لفظيين.

كما يلزم في الايجاب ان يكون بلفظ الزواج أو النكاح.

وفي تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع اشكال.

والمشهور اعتبار العربية والماضوية في اجراء العقد.

ولا يلزم في الايجاب تقدمه على القبول بل يجوز ان يكون الايجاب من الزوج والقبول من الزوجة وان كان الاحتياط أمرا لا ينبغي الحياد عنه.

وليس من اللازم على الزوجين مباشرة العقد بأنفسهما بل يجوز لهما‌


التوكيل في ذلك.

ولا مانع من كون الوكيل واحدا عن الطرفين ، بل يجوز ان يكون الزوج وكيلا عن الزوجة فيجري الايجاب بالوكالة والقبول بالاصالة ، كما يجوز ان تكون هي وكيلة عنه فتوجب بالاصالة وتقبل بالوكالة.

وإذا لم يباشر الزوجان العقد وأوكلاه إلى الغير فلا يجوز لهما الاستمتاع الجنسي بما في ذلك النظر الا بعد الاطمئنان باجراء الوكيل للعقد.

ولا يعتبر في صحة النكاح عندنا الاشهاد.

ويلزم في صحة نكاح البكر مضافا إلى موافقتها موافقة وليها ، وهو أبوها أو جدها لأبيها. واما الثيب فتكفي موافقتها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان النكاح هو العقد المذكور وليس الوطء‌ فهو المشهور. ويشهد له الكتاب العزيز ، فانه لم يعهد فيه استعمال لفظ النكاح في الوطء.

واما انقسامه الى الاقسام الثلاثة فهو من ضروريات المذهب بل الدين. ويأتي بيان الدليل على شرعية النكاح المنقطع فيما بعد إن شاء الله تعالى.

٢ ـ واما تحقق العقد الدائم والمنقطع بالصيغة المتقدمة‌ فهو محل وفاق بل هو القدر المتيقن من الصيغة الصحيحة التي يقع بها العقد.

٣ ـ واما اعتبار الايجاب والقبول اللفظيين وعدم الاكتفاء بالتراضي‌ فقد ادعي في الحدائق اجماع العامة والخاصة عليه (١).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٣ : ١٨.


وقد يستدل على ذلك بانه :

أ ـ لو لا ذلك لم يبق فارق بين النكاح والسفاح.

والتأمل فيه واضح ، فان الفارق ثابت بقطع النظر عن ذلك ، وهو انه في النكاح يوجد اعتبار للزوجية بخلافه في السفاح.

ب ـ وبما ورد في تعليم صيغة النكاح المنقطع ، فقد روى ابان بن تغلب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما وان شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الاجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فاذا قالت : نعم فقد رضيت وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها» (١) وغيرها.

وهي وان كانت واردة في النكاح المنقطع الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

ودلالتها واضحة ، فانها ظاهرة في ارتكاز المفروغية من اعتبار الصيغة في ذهن ابان والسؤال وقع بلحاظ بعض الخصوصيات.

على ان قوله عليه‌السلام في الذيل : «فاذا قالت : نعم فقد رضيت وهي امرأتك» يدل بالمفهوم على عدم تحقق الزوجية من دون قول الزوجة نعم بعد قول الزوج لها أتزوجك متعة ...

هذان وجهان لاعتبار الصيغة.

ولعل الأجدر الاستدلال على ذلك بارتكاز اعتبار الصيغة في تحقق النكاح في اذهان جميع المتشرعة الصغير منهم والكبير والرجل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦٦ الباب ١٤ من أبواب المتعة الحديث ١.


والمرأة والعالم والجاهل ، ولا منشأ لذلك سوى الوصول من المعصوم عليه‌السلام يدا بيد.

٤ ـ واما تحقق عقد النكاح بلفظ الزواج والنكاح‌ فمما لا إشكال فيه.

ويدل على انعقاده بلفظ الزواج قوله تعالى : (فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (١) وحديث ابان المتقدم وغيره.

وعلى انعقاده بلفظ النكاح قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٢) وغيره من الاستعمالات القرآنية المعبرة بلفظ النكاح.

٥ ـ واما الاشكال في تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع‌ فباعتبار انه لم يرد في شي‌ء من النصوص الشرعية التعبير عن الدائم بلفظ التمتع ليحكم بصحة الانشاء به ، ومن الواضح انه لا تصح الاستعانة بكل لفظ بل لا بدّ من الاقتصار على ما تداول التعبير به شرعا أو عرفا.

واذا قيل : يمكن التمسك بالنصوص الدالة على انقلاب العقد المنقطع دائما اذا لم يذكر الاجل نسيانا.

قلنا : لو كان لدينا نص بالمضمون المذكور بحيث يكون ناظرا إلى حالة النسيان لأمكن التمسك به ويثبت المطلوب ولكن ليس لدينا نص كذلك بل الوارد في مثل موثقة عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان سمى الاجل فهو متعة وان لم يسم الاجل فهو نكاح بات» (٣) ، والقدر المتيقن من ذلك هو ان الصيغة اذا كان يمكن ان يقع بها العقد دائما‌

__________________

(١) الاحزاب : ٣٧.

(٢) النساء : ٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٩ الباب ٢٠ من ابواب المتعة الحديث ١.


ومنقطعا ـ كصيغة زوجت وانكحت ـ فبذكر الاجل يقع العقد مؤقتا وبعدمه يقع دائما ولا يمكن ان يستفاد منه ان العقد ينقلب دائما مهما كانت الصيغة ولو مثل متعت ، فانه ليس في مقام البيان من هذه الناحية والا يلزم صحة التمسك به لإثبات تحقق عقد النكاح بأي صيغة كانت حتى مثل صيغة اتخذتك بعلا او فراشا او لباسا.

٦ ـ واما اعتبار العربية في صيغة العقد‌ فقد يستدل له :

تارة بعدم صدق العقد إذا لم يكن بالعربية.

واخرى بان القدر المتيقن من العقد الصحيح هو العقد بالعربية ، وتحققه بغيرها يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود ، والاصل يقتضي عدم ترتب الأثر.

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فواضح.

واما الثاني فلعدم احتمال منع الشارع من الزواج إذا لم يتمكن الزوجان من النطق بالعربية.

هذا مضافا إلى ان المستفاد من قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ...) (١) مطلوبية عنوان النكاح من دون قيد زائد ، وحيث ان العقد بغير العربية يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا وممضيا.

ثم ان التفصيل بين امكان توكيلهما شخصا يعقد بالعربية فلا يجوز لهما العقد بغير العربية وبين عدم الامكان فيجوز لهما ذلك ، بعيد لعدم امكان تتميمه بالدليل.

__________________

(١) النور : ٣٢.


أجل الاحتياط بالاقتصار على حالة عدم امكان التوكيل أمر مناسب بل لازم.

٧ ـ واما اعتبار الماضوية‌ فقد يستدل له :

تارة بكون العقد بالماضي هو القدر المتيقن من العقد الصحيح ، وغيره مشكوك فتجري بلحاظه اصالة عدم ترتب الاثر.

واخرى بأن الماضي صريح في الانشاء بخلاف غيره.

وثالثة بان تجويز غير الماضي يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها عند حدّ معين.

والجواب :

امّا عن الاخير فبان انتشار الصيغة وعدم وقوفها عند حدّ لا يشكّل محذورا.

واما عن الاولين فبما تقدم من ان المستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية كل ما يصدق عليه عنوان النكاح من دون قيد زائد ، وحيث ان الانشاء بغير الماضي يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا.

هذا مضافا إلى ما تقدم في روايات النكاح المنقطع من انه يقول : أتزوجك ...

٨ ـ واما عدم اعتبار تقدم الايجاب‌ فلصدق عنوان النكاح بدون ذلك ، والمستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية عنوان النكاح لا أكثر.

بل جواز ذلك يستفاد بوضوح من روايات المتعة التي تقدمت الاشارة إلى بعضها.

ومن خلال هذا يتضح الوجه في جواز كون الايجاب من الزوج والقبول من الزوجة.


٩ ـ واما الاكتفاء بالتوكيل‌ فلإطلاق دليل مشروعية الوكالة ـ الذي تقدمت الاشارة إليه عند البحث عن الوكالة ـ والروايات الخاصة ، كصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل يريد ان يزوّج اخته ... فان قالت : زوّجني فلانا زوّجها ممن ترضى» (١) وغيرها.

وعلى هذا يكفي ان يقول وكيل الزوجة لوكيل الزوج : زوجت موكلتي فلانة موكلك فلانا على مهر كذا ، ثم يقول وكيل الزوج : قبلت الزواج عن موكلي على المهر المذكور.

وإذا كانت الزوجة قد وكلت فقط كفى ان يقول وكيلها للزوج : زوجتك موكلتي على مهر كذا ثم يقول الزوج : قبلت الزواج على المهر المذكور.

وإذا كان الزوج قد وكّل فقط كفى ان تقول الزوجة لوكيل الزوج : زوجت نفسي موكلك على مهر كذا ، ثم يقول وكيل الزوج : قبلت الزواج عن موكلي على المهر المذكور.

١٠ ـ واما جواز تولي شخص واحد طرفي العقد‌ فلعدم المانع منه بعد شمول اطلاق ادلة مشروعية الوكالة له.

واتحاد الموجب والقابل لا محذور فيه بعد كفاية المغايرة الاعتبارية.

ومنه يتضح الوجه في جواز تولي الزوج أو الزوجة كلا طرفي العقد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١١ الباب ٧ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.


ان قلت : ان موثقة عمار الساباطي عن أبي الحسن عليه‌السلام : «امرأة تكون في أهل بيت فتكره ان يعلم بها اهل بيتها أيحل لها ان توكّل رجلا يريد ان يتزوجها تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : لا. قلت له : جعلت فداك وان كانت ايّما قال : وان كانت ايّما. قلت : فان وكّلت غيره بتزويجها منه ، قال : نعم» (١) تدل على عدم جواز تولي الزوج كلا طرفي العقد.

قلت : هي أجنبية عن ذلك ، فانها ناظرة إلى ان الزوج إذا كان وكيلا فلا يصلح ان يكون شاهدا بل الشاهد لا بدّ من كونه مغايرا للوكيل في التزويج.

١١ ـ واما عدم جواز الاستمتاع للزوجين إلاّ بعد التأكّد من اجراء الوكيل للعقد‌

فلاستصحاب عدم تحققه.

١٢ ـ واما عدم اعتبار الاشهاد في النكاح‌ فيكفي لإثباته عدم الدليل على اعتباره فيتمسك آنذاك باطلاق ادلة صحة النكاح. على انه قد قام الدليل على عدم اعتبار ذلك حتى اصبح ذلك من معالم مذهبنا.

وفي الحديث ان الامام الكاظم عليه‌السلام قال لأبي يوسف القاضي : «ان الله امر في كتابه بالطلاق وأكّد فيه بشاهدين ولم يرض بهما الا عدلين وأمر في كتابه بالتزويج فاهمله بلا شهود فاثبتم شاهدين فيما اهمل وأبطلتم الشاهدين فيما اكّد» (٢).

١٣ ـ واما توقف صحة نكاح البكر على موافقتها وموافقة وليّها بخلاف الثيب‌ فيأتي بيان الوجه فيه إن شاء الله تعالى في البحث التالي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٧ الباب ١٠ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٦٨ الباب ٤٣ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٥.


٢ ـ ولاية الابوين‌

للأب والجد للأب الولاية على الصغيرين في تزويجهما ، وعلى المجنون البالغ المتصل جنونه ببلوغه. بل قيل بثبوتها عليه في حالة الانفصال أيضا.

وفي ثبوت الولاية لهما على البكر البالغة خلاف ، بخلاف الثيب فانه لا خلاف في استقلالها في أمرها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ثبوت الولاية للأب والجد‌ فلم ينسب فيه خلاف لأحد ـ سوى ابن أبي عقيل حيث نسب له انكار الولاية للجد (١) ـ للروايات الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم. قلت : فهل يجوز طلاق الاب؟ قال : لا» (٢) وغيرها.

ولعل انكار ابن ابي عقيل ولاية الجد ناشئ من اقتصار الرواية المذكورة وغيرها على خصوص الاب.

ولكنه يندفع بكون الجد مصداقا للأب ، وبالروايات الاخرى الدالة على ان الجد والاب لو تزاحما في اعمال الولاية قدّم الجد ، كصحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن أحدهما عليهما السّلام : «اذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا ان يزوجها. فقلت : فان هوى ابوها رجلا‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٩ : ١٧١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٢٠ الباب ١٢ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.


وجدها رجلا فقال : الجد أولى بنكاحها» (١) وغيرها.

٢ ـ واما اختصاص الولاية بالجد للأب دون ما لو كان للأمّ‌ فتدل عليه ـ مضافا إلى كفاية القصور في المقتضي ـ صحيحة ابن مسلم المتقدمة ، فانها ظاهرة في اختصاص الولاية بالجد للأب.

٣ ـ واما ولاية الاب والجد على المجنون‌ فلصحيحة أبي خالد القماط : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال : ولم لا يطلق هو؟ قلت : لا يؤمن إن طلّق هو ان يقول غدا : لم أطلق أو لا يحسن ان يطلّق قال : ما أرى وليّه الا بمنزلة السلطان» (٢) وغيرها ، فان القدر المتيقن في المراد من الولي هو الاب والجد. وإذا ثبت كونه بمنزلة السلطان في الطلاق ثبت كونه كذلك في النكاح بالاولوية.

وبقطع النظر عن الصحيحة المذكورة يمكن التمسك باستصحاب الولاية الثابتة قبل البلوغ بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة استصحاب بقاء المجعول باستصحاب عدم الجعل الزائد.

٤ ـ واما القول بعموم الولاية لحالة الجنون الطارئ بعد البلوغ الذي ذهب إليه بعض الفقهاء‌ فيمكن الاستدلال له باطلاق الصحيحة السابقة وما هو بمضمونها.

٥ ـ واما ولاية الابوين في زواج البكر‌ فقد وقعت محلا للاختلاف ، فقيل باستقلالهما في ذلك ، وقيل باستقلالها ، وقيل بالتشريك.

ومنشأ ذلك اختلاف الروايات ، فانها على طوائف نذكر من بينها :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٧ الباب ١١ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٩ الباب ٣٥ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.


١ ـ ما دلّ على استقلال الاب. وهو روايات متعددة تبلغ ستا أو اكثر وفيها الصحاح ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب» (١) وغيرها.

٢ ـ ما دلّ على اعتبار اذن الاب من دون دلالة على الاستقلالية ، وهو روايات متعددة تبلغ ستا أو أكثر وفيها الصحاح أيضا ، كصحيحة ابن ابي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تنكح ذوات الآباء من الابكار الا باذن آبائهن» (٢) وغيرها.

٣ ـ ما دلّ على اعتبار اذن البكر وعدم استقلال الاب‌ ، وهو روايتان :

احداهما : صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح الا بامرها» (٣).

ثانيتهما : صحيحة صفوان : «استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته لابن أخيه فقال : افعل ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها نصيبا. قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر فقال : افعل ويكون ذلك برضاها فان لها في نفسها حظّا» (٤).

٤ ـ ما دلّ على استقلال البكر في امرها. ولا توجد رواية صريحة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٠٣ الباب ٣ من أبواب عقد النكاح الحديث ١١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٠٨ الباب ٦ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٤ الباب ٩ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٤ الباب ٩ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.


تدل على ذلك سوى رواية سعدان بن مسلم : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير اذن أبيها» (١).

ولا بدّ من اسقاط هذه الرواية من الحساب لان الروايات الدالة على اعتبار اذن الاب استقلالا أو في الجملة هي الجملة هي اثنتا عشرة رواية بل أكثر ، ولكثرتها تشكّل عنوان السنة القطعية ، ويلزم طرح المخالف للسنة القطعية لان المخالف للكتاب العزيز انما وجب طرحه من جهة انه ـ الكتاب العزيز ـ يمثّل حكما قطعيا وليس لخصوصية فيه ، والمخالف للسنة القطعية حيث انه مخالف للحكم القطعي فيلزم طرحه أيضا.

هذا مضافا إلى ان الرواية ضعيفة السند في نفسها لا فقط لان سعدان لم تثبت وثاقته الا بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من ورد في كامل الزيارات أو تفسير القمي بل اضافة إلى ذلك هي مبتلاة بالاشكال من ناحية اخرى ، فان الشيخ رواها مرّة بسنده إلى محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن سعدان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ... واخرى رواها عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العباس عن سعدان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... (٢) ، وبما ان من البعيد سماع سعدان الرواية من الامام عليه‌السلام مرتين فلا يمكن الجزم بعدم وجود واسطة مجهولة بين سعدان والامام عليه‌السلام فتسقط من الاعتبار.

وعليه فالأمر يبقى دائرا بين الطوائف الثلاث الأول.

والجميع يشترك في الدلالة على اعتبار اذن الاب في الجملة ، ولا معارضة فيما بينها من هذه الناحية ، وانما المعارضة بلحاظ الزائد ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٤ الباب ٩ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٥٩ الباب ١١ من أبواب المتعة الحديث ٨.


وهو اعتبار موافقتها أيضا ، وتتساقط بلحاظ هذا الزائد ويلزم الرجوع إلى الأصل. والنتيجة على ذلك اعتبار موافقة الطرفين : الأب ، والبنت.

اما الأب فلفرض دلالة الروايات على اعتبار اذنه بلا معارضة.

واما البنت فباعتبار اننا نشك في ترتب الاثر على العقد من دون موافقتها ، والاصل يقتضي عدم ترتبه.

٥ ـ واما ان المعتبر اذن ابيها أو جدّها‌ فباعتبار ان الجد للأب أب حقيقة فيشمله ما دلّ على اعتبار اذن الأب.

٦ ـ واما ان الثيب تستقل في امرها‌ فالنصوص والفتاوى متفقة عليه. وقد تقدمت الاشارة إلى بعض تلك النصوص ضمن الحديث عن البكر.

٣ ـ أحكام النظر‌

لا يجوز للرجل النظر إلى بدن الاجنبية ولو من دون تلذذ. واستثنى جمع من الفقهاء من ذلك الوجه والكفين.

وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل خلاف.

ويجوز لكل من الرجل والمرأة النظر إلى بدن مماثله ما عدا العورة.

ويستثنى من حرمة النظر إلى الاجنبية مقام المعالجة وحالة الضرورة كالإنقاذ من الغرق أو الحرق ونحوهما فانه يجوز النظر بل اللمس أيضا.

كما يستثنى النظر إلى القواعد من النساء والصبية غير البالغة.

ولا يلزم المرأة التحجب من الصبي غير البالغ وان كان ذلك أفضل.

ويجوز لمن أراد التزوّج بامرأة النظر إلى وجهها وكفيها وشعرها‌


ومحاسنها.

وفي نظر المرأة إلى من تريد الزواج به قول بالجواز.

ويجوز النظر إلى غير المسلمة وكل امرأة لا تنتهي إذا نهيت بشرط عدم التلذذ.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة النظر إلى بدن الاجنبية في الجملة ولو لم يكن بتلذذ‌ فهو من واضحات الفقه. ويمكن استفادته من قوله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) (١) ، والروايات الآتية التي تستثني الوجه والكفين من حرمة الابداء ، وغير ذلك من الروايات الواردة في الموارد المتفرقة.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ...) (٢) ، فان حرمة الابداء امام الغير تستلزم حرمة نظره عرفا. والمراد بالزينة ان كان مواضعها فالأمر واضح ، وان كان نفسها فحرمة ابدائها تستلزم حرمة ابداء موضعها بالاولوية العرفية.

واما الاستدلال بقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ...) (٣) فقابل للتأمّل لان غض البصر ليس بمعنى تركه رأسا بل بمعنى عدم الطمع في الشي‌ء وجعله مغفولا عنه.

على انه قد يقال : بان المراد غضّ البصر عن خصوص الفروج بقرينة السياق.

٢ ـ واما استثناء الوجه والكفين لدى جمع من الفقهاء‌ فلعدّة وجوه‌

__________________

(١) (٢) النور : ٣١.

(٣) النور : ٣٠.


نذكر منها :

أ ـ التمسك بصحيحة الفضيل : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال الله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ)؟ قال : نعم ، وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين» (١) ، فان الوجه لا يستره الخمار ، والكف فوق السوار لا دونه فتكون الصحيحة دالة على جواز ابدائهما.

الا ان الاستدلال بها يحتاج إلى ضم مقدمة اخرى ، وهي ان جواز الابداء يستلزم جواز نظر الغير ، وقد ترفض الملازمة المذكورة ، ولذا يجوز للرجل عدم ستر بدنه من دون استلزام ذلك لجواز نظر المرأة اليه.

ب ـ التمسك برواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : (إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) قال : الزينة الظاهرة : الكحل والخاتم (٢).

ودلالتها على جواز ابداء الوجه والكفين في الجملة واضحة.

الا انه يرد عليها ما يرد على الصحيحة السابقة. مضافا الى اشتمال سندها على القاسم بن عروة الذي لم تثبت وثاقته.

ج ـ التمسك بقوله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) ، فان تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل على عدم وجوب ستر الوجه والا كان اولى بالذكر من الجيب لان الخمار لا يستر الوجه عادة بل الجيب.

ودلالتها لا تتم الا بضم الملازمة السابقة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ١٤٥ الباب ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١٤٦ الباب ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.


د ـ التمسك بصحيحة ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها اما كسر واما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها؟ قال : إذا اضطرت إليه فليعالجها ان شاءت» (١) ، فانها تدل بوضوح على ان بعض جسد المرأة يصلح النظر إليه ، وحيث لا يحتمل انحصاره بغير الوجه والكفين فيكونان القدر المتيقن للموضع الذي يجوز النظر إليه.

هذه وجوه أربعة لاستثناء الوجه والكفين من حرمة النظر.

وقد اتضح ان الملازمة المتقدمة ان لم تتم فلا بدّ من التفصيل بين الابداء من قبل المرأة فيجوز وبين نظر الأجنبي فلا يجوز. أجل إذا تمت دلالة صحيحة الثمالي فيمكن ان يستفاد منها جواز النظر أيضا.

هذا ويمكن ان يقال : ان غاية ما يقتضيه انكار الملازمة فقدان الدليل على جواز نظر الرجل الا ان هذا وحده لا يكفي للحكم بحرمته إذا لم يكن لدليل حرمة النظر إلى بدن الاجنبية اطلاق يشمل الوجه والكفين لإمكان التمسك آنذاك بأصل البراءة.

وقد يتمسك لإثبات حرمة النظر بما يأتي من الروايات الدالة على جواز النظر لمريد التزوج إلى وجه وكفي المرأة ، فانه يدل على عدم جواز النظر في غير حالة ارادة التزوج.

أو بصحيحة محمد بن الحسن الصفار : «كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ١٧٢ الباب ١٣٠ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.


رجل أراد ان يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له ان يشهد عليها وهي من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان انها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أو لا يجوز له الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع عليه‌السلام : تتنقب وتظهر للشهود ان شاء الله» (١) ، فانها تدل على عدم جواز النظر إلى وجه المرأة لو لا الحاجة إلى ذلك للشهادة والا لم يكن حاجة للأمر بالتنقب.

واما ما دل على ان النظر سهم من سهام ابليس وانه زنا العين (٢) فلا دلالة له على التحريم كما هو واضح.

ومن خلال هذا يتضح ان القائل بجواز النظر لا بدّ له اما من دعوى القصور في المقتضي لحرمة النظر أو دعوى الملازمة العرفية بين جواز الابداء وجواز النظر.

٣ ـ واما نظر المرأة إلى الرجل‌ فقد ادعي الاجماع على مساواته لنظر الرجل في محل المنع والجواز.

وفيه : ان الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام لم يتضح ثبوته ، بل السيرة القطعية للمتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام على خلاف ذلك ، فالرجال يخرجون ورءوسهم وأعناقهم مكشوفة ، والنساء يختلطن معهم في الازقة والأسواق فلو كان نظر المرأة إلى ما تعارف للرجل كشفه حين خروجه من بيته محرّما لزم القول اما بوجوب تستر الرجال أو عدم جواز الاختلاط أو جواز الاختلاط والتحدث مع حرمة النظر. والكل غير محتمل.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ : ٢٥٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١٣٨ الباب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح.


وبهذا يثبت جواز نظر النساء إلى ما تعارف للرجال ابرازه.

وقد يستدل على الجواز ـ مضافا إلى ما تقدم ـ بعدم وجود روايات يسأل فيها الاصحاب عن حكم نظر النساء إلى الرجال. والسبب في ذلك يعود اما إلى وضوح الحرمة لديهم أو الشك في ذلك أو وضوح الجواز. والمتعين هو الاخير ، لبطلان الاول لعدم احتمال أوضحية حرمة نظر النساء إلى الرجال من حرمة نظر الرجال إلى النساء ، والثاني لان المناسب له صدور السؤال من الأصحاب.

وفي مقابل هذا قد يستدل على الحرمة :

اما بقوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ...) (١).

أو بما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي : «استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : قوما فادخلا البيت فقالتا : انه أعمى فقال : ان لم يركما فانكما تريانه» (٢).

أو بما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ان فاطمة قالت له في حديث : خير للنساء ان لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة مني» (٣).

أو بما رواه الطبرسي أيضا عن أم سلمة قالت : «كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد ان أمر بالحجاب فقال : احتجبا فقلنا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس أعمى لا يبصرنا؟ فقال :

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١٧١ الباب ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ١٧٢ الباب ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.


أفعمياوان انتما ألستما تبصرانه» (١).

والكل كما ترى.

اما الاول فلما تقدم من عدم مساوقة غضّ البصر لترك النظر رأسا.

واما الثاني فلأنه على تقدير تمامية دلالته على التحريم هو ضعيف السند بالارسال لبعد عصر البرقي عن عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

واما الاخيران فلضعفهما بالارسال على تقدير تمامية دلالتهما.

٤ ـ واما جواز النظر إلى بدن المماثل ما عدا العورة‌ فهو من الضروريات ، وتقتضيه سيرة المسلمين ، وروايات باب الحمام الناهية عن دخول الحمام الا بمئزر (٢).

بل لا حاجة إلى دليل على الجواز بعد كونه مقتضى الاصل الذي خرج منه خصوص النظر الى العورة بالدليل الشرعي ، كصحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه» (٣) وغيرها.

٥ ـ واما استثناء مقام المعالجة‌ فلصحيحة الثمالي المتقدمة.

واما قاعدة نفي الضرر وقوله عليه‌السلام : «وليس شي‌ء مما حرّم الله الا وقد أحلّه لمن اضطر إليه» (٤) فيدلان على جواز تكشف المرأة لدى الاجنبي ولا يدلان على جواز نظر الطبيب ، فانه ليس مضطرا ولا متضررا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ١٧٢ الباب ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٦٧ الباب ٩ من أبواب آداب الحمام.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٣٦٣ الباب ٣ من أبواب آداب الحمام الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ٤ : ٦٩٠ الباب ١ من أبواب القيام الحديث ٧.


ان قلت : ان اثبات الجواز في حق المرأة دون الطبيب المعالج تلزم منه اللغوية.

قلت : انها تلزم لو كان الدليل على جواز تكشف المرأة دليلا خاصا دون ما لو كان اطلاقا ، كما هو المفروض في المقام ، إذ لا يلزم الغاء الدليل رأسا بل الغاء اطلاقه ، وهو لا محذور فيه.

٦ ـ واما استثناء حالة الضرورة‌ فلدخول المورد تحت باب التزاحم المقتضي لتقديم الأهم.

ومنه يتضح ان الحكم بالجواز يعمّ كل حالة مزاحمة تكون مراعاتها أهم في نظر الشارع من مراعاة حرمة النظر أو اللمس.

٧ ـ واما استثناء النظر إلى القواعد من النساء‌ فلقوله تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) (١).

٨ ـ واما جواز النظر إلى الصبية غير البالغة‌ فللقصور في المقتضي ، فان حرمة النظر ان كانت مستفادة من الضرورة الفقهية فالقدر المتيقن منها النظر إلى البالغة. وان كانت مستفادة من آية حرمة ابداء الزينة فهي خاصة بالبالغة أيضا. وان كانت مستفادة مما دلّ على استثناء الوجه والكفين من حرمة الابداء فهو خاص بالبالغة أيضا.

واما ما دلّ على ان النظر سهم من سهام ابليس فقد تقدم قصور دلالته عن افادة حرمة النظر.

٩ ـ واما تكشف المرأة لدى غير البالغ‌ فمقتضى المفهوم في قوله‌

__________________

(١) النور : ٦٠.


تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) (١) عدم جوازه الا ان مقتضى صحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام : «يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين. ولا تغطّي المرأة شعرها منه حتى يحتلم (٢) الجواز. ولا بدّ من تقييد اطلاق مفهوم الآية الكريمة بها.

١٠ ـ واما جواز النظر إلى المرأة التي يراد التزوج بها‌ فهو محل وفاق في الجملة لجملة من النصوص ، كصحيح هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس بان ينظر الى وجهها ومعاصمها إذا أراد ان يتزوجها» (٣) ، وموثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام : «رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد ان يتزوجها قال : لا بأس انما هو مستام فان يقض أمر يكون» (٤).

وذهب بعض الفقهاء إلى جواز النظر إلى جميع بدنها ما عدا العورة تمسكا باطلاق بعض الروايات ، كصحيحة محمد بن مسلم : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يريد ان يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال : نعم ، انما يشتريها بأغلى الثمن» (٥).

وانما استثنيت العورة للتسالم على عدم جواز النظر إليها.

ودعوى الشيخ الاعظم ان تخصيص جواز النظر في صحيحة‌

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١٦٩ الباب ١٢٦ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٩ الباب ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

والمعاصم : جمع معصم ، وهو موضع السوار من الساعد.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٦٠ الباب ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٨.

(٥) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٩ الباب ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.


الفضلاء بالوجه والمعاصم لا يظهر له وجه الا اختصاصهما بجواز النظر فيكون ذلك مقيدا لإطلاق صحيحة ابن مسلم (١) ، مدفوعة بان تخصيص ذلك بالذكر لا يوجب صلاحيته لتقييد غيره الا بناء على ثبوت المفهوم للقلب ، وهو محل رفض.

١١ ـ واما نظر المرأة إلى من تريد الزواج به‌ فقد اختار الشيخ الأعظم جوازه لأنه إذا جاز نظر الرجل إلى من يريد الزواج بها لأنه يبذل أغلى الثمن فيجوز نظر المرأة إليه بالاولى لأنها تبذل أغلى المثمن خصوصا وان بامكان الرجل التخلص بالطلاق بخلاف المرأة فانها لا تتمكن من ذلك (٢).

وفيه : ان بذلها لأغلى المثمن يقتضي جواز معرفتها بالثمن ، وهو المهر لا بالزوج ، فانه ليس هو الثمن للبضع المبذول.

١٢ ـ واما جواز النظر إلى غير المسلمة‌ فلموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا حرمة لنساء أهل الذمة ان ينظر إلى شعورهن وأيديهن» (٣).

والتقييد بنساء أهل الذمة لا خصوصية له بل يجوز النظر إلى مطلق غير المسلمة ، فان تخصيص نساء أهل الذمة بالذكر هو من باب دفع توهم ان عقد الذمام يمنحهن نحوا من الاحترام.

على انه بقطع النظر عن ذلك يمكن التمسك باطلاق صحيحة عباد بن صهيب : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس بالنظر إلى رءوس أهل‌

__________________

(١) كتاب النكاح للشيخ الأعظم : ٣٩.

(٢) كتاب النكاح : ٤٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ١٤٩ الباب ١١٢ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.


تهامة والاعراب وأهل السواد والعلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون» (١).

ومنه يتضح جواز النظر إلى كل من لا تنتهي إذا نهيت.

واما اعتبار عدم التلذذ بالنظر فللتسالم الفقهي عليه ، ولولاه كان مقتضى الاطلاق الجواز مطلقا.

٤ ـ من يحرم العقد عليها‌

يحرم على الرجل العقد على مجموعة من النساء.

ومنشأ التحريم اما النسب أو السبب.

والحرمة الثابتة بسبب ما ذكر على نحوين : دائمة ومؤقتة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما النسب‌ فانه تحرم به سبعة أصناف : الام وان علت ، والبنت وان سفلت ، والاخت لأب أو لأم أو لهما ، والعمة وان علت ، والخالة وان علت ، وبنت الاخ وان نزلت ، وبنت الاخت وان نزلت.

قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) (٢).

وتعميم التحريم للبنت النازلة ليس الا لصدق عنوان البنت عليها فيشملها اطلاق الآية الكريمة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى بقية التعميمات المذكورة في بقية الاصناف فانها ليست الا لأجل التمسك بالاطلاق.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ١٤٩ الباب ١١٣ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

والمراد من العلوج : الكفار.

(٢) النساء : ٢٣.


والحرمة كما لا يخفى ثابتة من الطرفين ، فمثل الاصناف السبعة من الرجال يحرم على النساء أيضا ، فيحرم الاب وان علا على البنت ، والولد وان سفل على الام ، وهكذا.

وحرمة الاصناف السبعة بالنسب لا تختص بالنسب الشرعي بل تعم ما يحصل بالزنا أيضا ، فيحرم الولد من الزنا على الزانية وامها واختها وعلى أم الزاني واخته وهكذا ، فان المراد من الاصناف السبعة المشار إليها في الآية الكريمة هو عناوينها اللغوية والا فالشريعة لم تأت بمصطلح جديد في هذا المجال ، فبنت الرجل مثلا هي من تولدت من مائه سواء كان ذلك بنكاح شرعي أم لا ، وأم الابن هي من ولدته سواء كان ذلك بنكاح شرعي أم لا. والشريعة لا تدخّل لها في هذا المجال سوى انها نفت التوارث في فرض الزنا والا فبقية الاحكام تترتب تمسكا بالاطلاق بعد عدم تقييد الاصناف السبعة بما إذا كان صدقها من طريق النكاح الشرعي.

وأيضا لا فرق في النسب المتولد من النكاح الشرعي بين ان يكون بسبب العقد أو وطء الشبهة ، تمسكا بالاطلاق.

٢ ـ واما السبب‌ فالمراد به غير النسب من مناشئ التحريم ، وهي : المصاهرة وما يلحق بها من الرضاع ، والاعتداد ، واستيفاء العدد ، والكفر ، والاحرام ، واللعان.

ويأتي الحديث عن المناشئ المذكورة إن شاء الله تعالى.

٣ ـ واما انقسام الحرمة إلى دائمة ومؤقتة‌ فواضح ، فالدائمة كحرمة الاصناف السبعة النسبية مثلا ، والمؤقتة كحرمة اخت الزوجة ، وبنت الزوجة غير المدخول بها ، والمطلقة ثلاثا ، وبنت اخ او اخت‌


الزوجة وغير ذلك.

مناشئ التحريم بالسبب‌

أ ـ المصاهرة وما يلحق بها‌

للمصاهرة وما بحكمها عدة احكام :

١ ـ تحرم زوجة كل من الاب وان علا والابن وان نزل على الاخر بمجرد العقد ولو منقطعا ، ومن دون فرق بين كون الابوة والبنوة بالنسب أو بالرضاع.

٢ ـ تحرم على الزوج أم زوجته وان علت بمجرد العقد وابنتها وان نزلت بشرط الدخول بالام سواء كانت في حجره أم لا. اما مع عدم الدخول فتحرم ما دامت الام في عقده.

٣ ـ تحرم على الزوج اخت زوجته جمعا لا عينا.

٤ ـ يحرم على الزوج العقد على بنت اخ او اخت زوجته الا باذنها. واما العكس فجائز بلا حاجة إلى اذن.

٥ ـ من زنى بخالته حرم عليه العقد على بنتها. وقيل بالحاق العمة بذلك ، بل قيل بتعميم الحكم لمطلق المزني بها.

٦ ـ إذا لاط البالغ بغلام وتحقق منه الدخول حرمت عليه مؤبدا بنت الملوط به واخته وامه فيما إذا كان اللواط سابقا على العقد دون ما لو كان لاحقا.

٧ ـ من تزوّج بذات البعل عالما بذلك حرمت عليه مؤبدا ، ومع الجهل تحرم مؤبدا أيضا بشرط الدخول بها.

٨ ـ من زنى بذات البعل حرمت عليه مؤبدا لدى المشهور.


٩ ـ إذا زنت المرأة ففي جواز الزواج بها قبل توبتها خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة زوجة كل من الابن والاب على الآخر‌ فمما لا خلاف فيها ، وهي من ضروريات الفقه بل الدين. وقد دلّ عليها قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (١) ، (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) (٢).

وقد ورد في صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول الله عز وجل : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ...) حرمن على الحسن والحسين بقول الله عز وجل : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ...) ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده» (٣).

واما كفاية مجرد العقد ولو من دون دخول أو مع افتراض كونه منقطعا فلإطلاق ما تقدم.

واما تعميم الحكم للأب وان علا والابن وان نزل فللإطلاق المتقدم ، مضافا إلى خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدمة الواردة في الجد.

واما التعميم للرضاع فلقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٤).

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) النساء : ٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣١٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٠ الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.


٢ ـ واما حرمة أمّ الزوجة مطلقا وبنتها بشرط الدخول‌ فمما لا اشكال فيه لقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) (١).

ومقتضى اطلاق فقرة «وامهات نسائكم» ثبوت حرمة أمّ الزوجة ولو من دون دخول بها بخلاف الربيبة حيث قيدت حرمتها بالدخول بامها.

واحتمال رجوع قيد (مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي ...) إلى قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) أيضا بعيد جدا لطول الفصل ، ولزوم التكرار في كلمة النساء ، ولزوم استعمال كلمة «من» في معنيين ـ إذ على تقدير تعلقها بالربائب تكون نشوية وعلى تقدير تعلقها بالنساء تكون بيانية ـ وهو مخالف للظاهر حتى على تقدير فرض امكانه.

٣ ـ واما التعميم لام الزوجة وان علت‌ فللتمسك بالاطلاق.

واما التعميم لبنت الزوجة وان نزلت فقد يستشكل استفادته من الآية الكريمة الا ان في اطلاق الروايات كفاية حيث استعانت بكلمة «البنت» مطلقة ، كما في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه‌السلام قال : «إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالام فإذا لم يدخل بالام فلا بأس ان يتزوج بالابنة. وإذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الام. وقال : الربائب عليكم حرام كنّ في الحجر أو لم يكنّ» (٢) وغيرها.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٥٢ الباب ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.


على ان المسألة متسالم عليها.

واما التعميم لكون الربيبة في الحجر وعدمه فلان التقييد به في الآية الكريمة لا موضوعية له بل اشارة إلى الحالة الغالبة تنبيها على انها كبنت الزوج حيث تربت في حجره فكيف يتزوج بها.

على ان الموثقة المتقدمة وغيرها قد صرحت بالتعميم ، والمسألة متسالم عليها.

٤ ـ واما عدم جواز العقد على بنت الزوجة ما دام قد فرض العقد على امها مسبقا ولو من دون دخول بها‌ فلانه مع العقد عليها ـ البنت ـ يصدق على الام عنوان «امهات نسائكم» ، وهو يوجب التحريم متى ما صدق بمقتضى اطلاق الآية الكريمة ، فالجمع بينهما بنحو يكون عقدهما صحيحا معا غير ممكن فيتعين بطلان احدهما ، وحيث ان العقد على الام قد فرض وقوعه صحيحا وانقلابه الى البطلان يحتاج إلى دليل فيتعين بطلان العقد على البنت.

هذا ما تقتضيه القاعدة وان كان الاحتياط يقتضي الحكم ببطلان كلا العقدين وتجديد العقد على الام من جديد. ولو أراد العقد على البنت فعليه بطلاق الام اولا ثم العقد عليها بعد ذلك.

٥ ـ واما حرمة اخت الزوجة جمعا لا عينا‌ فلا خلاف فيه بين المسلمين لدلالة صريح الكتاب العزيز : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) (١) على ذلك. والروايات في المسألة كثيرة (٢).

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٤ وما بعده من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.


٦ ـ واما حرمة العقد على بنت اخ او اخت الزوجة الا باذنها وجواز العكس مطلقا‌ فلموثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا تزوّج ابنة الاخ ولا ابنة الاخت على العمة ولا على الخالة الا باذنهما ، وتزوّج العمة والخالة على ابنة الاخ وابنة الاخت بغير اذنهما» (١) وغيرها.

وإذا قيل : قد روى علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام : «سألته عن امرأة تزوج على عمتها وخالتها قال : لا بأس» (٢) ، وهي باطلاقها تدل على الجواز بلا حاجة إلى اذن.

وفي مقابلها صحيحة ابي عبيدة : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على اختها من الرضاعة» (٣) ، وهي تدل على عدم الجواز مطلقا فكيف التوفيق بينهما؟

قلنا : انه بقرينة موثقة محمد بن مسلم المتقدمة يمكن الجمع العرفي بحمل الاولى على فرض الاذن والثانية على فرض عدمه وينحل بذلك التعارض.

٧ ـ واما ان الزنا بالخالة يوجب تحريم بنتها‌ فهو المشهور لصحيحة محمد بن مسلم : «سأل رجل ابا عبد الله عليه‌السلام وانا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع يتزوج ابنتها؟ قال : لا. قلت : انه لم يكن افضى إليها انما كان شي‌ء دون شي‌ء فقال : لا يصدق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٥ الباب ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٥ الباب ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

وفي تهذيب الاحكام ٧ : ٣٣٣ : تزوجت على ....

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٦ الباب ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٨.


ولا كرامة» (١).

وقد يتوقف في الحكم تارة من جهة متن الرواية واخرى من جهة سندها.

اما من جهة المتن فلان تكذيب الامام عليه‌السلام الفاعل في اخباره مناقشة صغروية لا تتناسب ومقام الامامة وغير لائق به.

واما من جهة السند فباعتبار ان الشيخ الكليني روى بسنده إلى ابي ايوب عن محمد بن مسلم انه : «سأل رجل ابا عبد الله عليه‌السلام وانا جالس عن رجل ... (٢) في حين ان الشيخ الطوسي روى الرواية نفسها بسنده إلى ابي ايوب ان محمد بن مسلم هو الذي سأل الامام عليه‌السلام عن رجل نال ... (٣).

وكلتا المناقشتين لا وجه لها.

اما الاولى فلاحتمال وجود مصلحة في المناقشة الصغروية قد اطلع عليها الامام عليه‌السلام.

واما الثانية فلان مثل الاختلاف المذكور لا يضر بصحة الرواية.

٨ ـ واما العمة‌ فلا نص يدل على الحاقها بالخالة ، والحاقها مبني على عدم القول بالفصل أو الاولوية القطعية. وكلاهما محل تأمّل.

وعلى هذا فلا تمكن الفتوى بالالحاق ولا بدّ من التنزل الى الاحتياط لاحتمال عدم الفصل.

٩ ـ واما تعميم الحكم بحرمة الزواج ببنت مطلق المزني بها‌ فتدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٩ الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٩ الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.


عليه مجموعة من الروايات ، كصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج بابنتها؟ قال : لا» (١) وغيرها.

وفي مقابل ذلك مجموعة اخرى تدل على العكس ، كصحيحة سعيد بن يسار : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج ابنتها؟ قال : نعم يا سعيد ، ان الحرام لا يفسد الحلال» (٢) وغيرها.

وقد يجمع بينهما بحمل الاولى على الكراهة لصراحة الثانية في الجواز.

وهو جيد بناء على قبول الاحكام الوضعية للحمل على الكراهة. واما إذا بني على عدم قبولها لذلك تتحقق المعارضة المستقرة ويلزم ترجيح الطائفة المجوّزة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣).

ومع التنزل يتساقطان ويتمسك بالاطلاق المذكور كمرجع لا كمرجح. والنتيجة واحدة على جميع التقادير.

١٠ ـ واما ان اللواط يوجب تحريم زواج اللائط باخت وبنت وام الملوط به‌ فلم ينقل في ذلك خلاف بين الاصحاب. وقد دلت على ذلك مرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل يعبث بالغلام قال : إذا أوقب حرمت عليه ابنته واخته» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٢ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٤ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٩ الباب ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

ثم ان ضمير الغائب يرجع الى الغلام دون الرجل ولو بقرينة عدم حكم الاصحاب بحرمة‌


وقد يحاول التغلب على مشكلة ارسالها من خلال الاستعانة بكبرى وثاقة كل من يروي عنه أحد الثلاثة بناء على تماميتها.

الا انه يمكن ان يقال في المقابل بان الكبرى المذكورة على تقدير تماميتها لا تنفع في المقام لان خمسة من مشايخ ابن أبي عمير تقريبا قد ثبت ضعفهم ، ومن المحتمل كون المرسل عنه في الرواية المذكورة هو من أحد الخمسة المذكورة ، ومعه يكون التمسك بالكبرى المذكورة تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، وينحصر مورد التمسك بها بما إذا صرح باسم المروي عنه حتى ينتفي معه احتمال كونه من أحد الخمسة.

وعليه فمشكلة الارسال باقية على حالها الا انه يمكن التعويض بموثقة ابراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل لعب بغلام هل تحل له امه؟ قال : ان كان ثقب فلا» (١) وغيرها.

وهي وان كانت خاصة بالام الا انه لعدم التفصيل بينها وبين الاخت والبنت يمكن التعدي إليهما.

وتؤيد ذلك الروايات الاخرى المشتمل بعضها على ذكر الاخت وبعضها الآخر على البنت (٢) ، فان ضعف اسنادها لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

١١ ـ واما التقييد بما إذا كان الفاعل بالغا والمفعول به صبيا‌ فلان‌

__________________

ـ شي‌ء على المفعول. نعم نقل في الجواهر ٢٩ : ٤٤٨ ان الشيخ حكى عن بعض الاصحاب التحريم عليه أيضا ، ثم قال : ولعله لاحتمال عود الضمير في الاخبار الى كل من الفاعل والمفعول ، ولكنه استبعد ذلك باعتبار ان المحدث عنه هو الرجل.

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤١ الباب ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٩ الباب ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.


ذلك هو المستفاد من الموثقة لتقييدها الفاعل بالرجل والمفعول به بالغلام.

ودعوى صدق عنوان الرجل على الفاعل ولو بعد بلوغه فيقال انه «رجل لعب وثقب» وان كان ذلك قد تحقق منه مسبقا ، وأيضا التحريم خارج مخرج الغالب ، مدفوعة بان الاول مخالف للظاهر ، فان ظاهر قول القائل «رجل ثقب» كونه فعل ذلك حال كونه رجلا ، كقولنا : «مسافر صلّى قصرا» والثاني مجرد احتمال لا يمنع من الرجوع إلى البراءة في غير مورد النص.

١٢ ـ واما التقييد بما إذا كان اللواط سابقا على العقد‌ فلان الموثقة وان كانت مطلقة من هذه الناحية الا انه يستفاد من جملة النصوص الاخرى ان ما يطرأ بعد العقد لا يرتفع به الحل الثابت سابقا ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «سئل عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن ان كانت عنده امرأة ثم فجر بامها أو اختها لم تحرم عليه امرأته ، ان الحرام لا يفسد الحلال» (١) وغيرها.

وموردها وان كان هو الزنا الا انه بعموم التعليل يمكن تسرية الحكم الى اللواط أيضا.

١٣ ـ واما ان من تزوج بذات البعل تحرم عليه مؤبدا‌ فلعدة روايات كموثقة اديم بن الحر : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «التي تتزوج ولها زوج يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا» (٢) وغيرها.

ومقتضى اطلاقها ثبوت الحرمة المؤبدة حتى مع الجهل وعدم الدخول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٦ الباب ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤١ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.


الا ان في مقابلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم فطلقها الاول أو مات عنها ثم علم الاخير أيراجعها؟ قال : لا حتى تنقضي عدتها» (١). وهي واردة في صورة الجهل ، ومقتضاها عدم تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الجهل سواء تحقق الدخول أم لا.

واللازم على هذا تخصيص الاولى بالثانية وتكون النتيجة هي تحقق الحرمة المؤبدة في صورة العلم وعدمها في صورة الجهل من دون فرق في كلتا الحالتين بين فرض تحقق الدخول وعدمه.

هذا ويوجد في مقابل الصحيحة الثانية صحيحة ثالثة رواها زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها انه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الاول فان الاول احق بها من هذا الاخير دخل بها الاول أو لم يدخل بها وليس للاخر ان يتزوجها ابدا ولها المهر بما استحلّ من فرجها» (٢) ، وهي تدل على تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الدخول.

وهذه ان كانت ناظرة إلى خصوص حالة الجهل كالصحيحة الثانية كانت ـ الثالثة ـ أخص مطلقا منها ـ الثانية ـ فتخصصها بفرض عدم الدخول ، وتكون النتيجة انتفاء الحرمة المؤبدة مع الجهل وعدم الدخول وثبوتها مع فرض الجهل والدخول ، واما حالة العلم فالحرمة المؤبدة ثابتة فيها للموثقة. وبذلك نصل إلى النتيجة التي أشرنا إليها في المتن.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤١ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٢ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.


هذا لو فرض ان الصحيحة الثالثة ناظرة إلى خصوص حالة الجهل.

واما إذا كانت مطلقة من هذه الناحية فتكون النسبة بينهما ـ الثانية والثالثة ـ هي العموم من وجه. ويتعارضان في فرض الجهل والدخول ويتساقطان فيه ويلزم الرجوع بعد التساقط إلى اطلاق موثقة اديم لان المقيد له ـ وهو الصحيحة الثانية ـ مبتلى بالمعارض. وبذلك نصل إلى النتيجة نفسها أيضا.

١٤ ـ واما ان من زنى بذات البعل حرمت عليه مؤبدا‌ فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع.

واستند في ذلك إلى :

أ ـ التمسك بدعوى الاولوية القطعية وان الزواج بذات البعل إذا أوجب الحرمة الابدية فالزنا بها اولى بايجابه لذلك.

وفيه : ان الاولوية ممنوعة ، فان الاحكام الشرعية تعبدية ولا طريق لنا إلى معرفة ملاكاتها.

ب ـ التمسك بما في الفقه الرضوي : «ومن زنى بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا» (١).

وفيه : ان الكتاب المذكور لم تثبت نسبته إلى إمامنا الرضا عليه‌السلام ليمكن الاعتماد عليه.

ج ـ التمسك بدعوى الاجماع التي نقلها بعض الفقهاء.

وفيه : ان تحقق الاجماع غير ثابت. وعلى تقدير ثبوته لا يمكن‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ٣٨٧ الرقم ١٧٠٤٨.


الحكم بحجيته لكونه محتمل المدرك.

ومع عدم ثبوت الدليل على الحرمة المؤبدة يمكن التمسك لإثبات الحلية وترتب الاثر بعموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١).

هذا كله في الزواج أو الزنا بذات البعل. واما الزواج والزنا بالمعتدة فيأتي حكمه إن شاء الله تعالى عند البحث عن الاعتداد.

١٥ ـ واما الزواج بالزانية‌ فلا اشكال في جوازه على فرض توبتها حتى على تقدير كونها مشهورة بالزنا لأنها مع التوبة تعود كغيرها لقوله تعالى : (إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢) ، وانما الاشكال في فرض عدم التوبة.

وقد يقال بعدم الجواز لقوله تعالى : (الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (٣).

ولكنه ضعيف ، فان من المحتمل كون الآية الكريمة بصدد الاخبار عن الواقع الخارجي ـ وان الزاني لا يتحقق منه الوطء والزنا الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك ـ دون إنشاء التحريم والتحليل والا يلزم الحكم بجواز نكاح المسلم الزاني المشركة وجواز نكاح المشرك الزانية المسلمة ، ولم يقل به أحد.

وعليه لا بدّ من ملاحظة الروايات. وهي على طائفتين :

أ ـ فبعضها دلّ على عدم جواز الزواج بالزانية الا على فرض توبتها ، كصحيحة أبي بصير : «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) الفرقان : ٧٠.

(٣) النور : ٣.


ان يتزوجها فقال : إذا تابت حلّ له نكاحها ...» (١) وغيرها.

ب ـ وبعضها دلّ على الجواز مطلقا ، كصحيحة علي بن رئاب : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم قال : نعم وما يمنعه ولكن إذا فعل فليحصّن بابه مخافة الولد» (٢) وغيرها.

وحيث ان حمل الثانية على فرض التوبة بعيد يتحقق التعارض بين الطائفتين. وإذا لم ترجّح الثانية لموافقتها لإطلاق قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣) فلا أقلّ من التساقط والحكم بالجواز للإطلاق المتقدم.

هذا لو خلينا نحن والطائفتين المذكورتين.

الا انه قد يقال بوجود طائفة ثالثة تدل على التفصيل بين المعلنة بالزنا فلا يجوز نكاحها وبين غيرها فيجوز ، كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا الا بعد أن تعرف منهما التوبة» (٤).

والمناسب تقييد الطائفة الثانية الدالة على الجواز مطلقا بهذه وتكون النتيجة هي الجواز في غير المعلنة. وبعد هذا التقييد تصبح الطائفة الثانية أخص مطلقا من الطائفة الاولى فتخصصها وتصبح النتيجة هي اختصاص الحرمة بالمعلنة والجواز في التائبة وغير المعلنة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٢ الباب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٤ الباب ١٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٥ الباب ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.


هكذا قد يقال.

الا ان بالامكان مناقشته باعتبار ان صحيحة الحلبي يلزم حملها على التنزيه دون التحريم بقرينة السياق لأنه ورد في فقرتها الثانية «ولا يتزوج الرجل ...» ، ومضمون الفقرة المذكورة لا يمكن الالتزام به للجزم بعدم الحرمة في جانب الرجل.

واذا أراد الزاني التزوج بمن زنى بها فهل يلزمه استبراؤها؟ قد يقال : نعم لموثقة اسحاق بن حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله ان يتزوجها ...» (١).

وهي وان كانت ضعيفة بطريق الكليني بالارسال الا انها صحيحة بطريق الشيخ.

ومن هنا يكون العمل بها وجيها الا انه لاعراض المشهور عن العمل بمضمونها يكون المناسب هو التنزل إلى الاحتياط دون الفتوى.

ب ـ الرضاع‌

إذا ارضعت امرأة ولد غيرها ـ ضمن الشروط الآتية ـ ترتبت على ذلك حرمة النكاح في الجملة وبالشكل التالي :

١ ـ صيرورة المرضعة اما للرضيع ، وصاحب اللبن ابا له ، واخوتهما اخوالا واعماما له ، واخواتهما عمات وخالات له ، واولادهما اخوة له. وهكذا تصير المرضعة جدة لأبناء الرضيع وصاحب اللبن جدا لأبناء الرضيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣١ الباب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.


والضابط الكلي : ان كل عنوان نسبي من العناوين السبعة المتقدمة إذا حصل مثله في الرضاع يكون موجبا للتحريم كالحاصل بالولادة ، واما إذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين فلا يكون موجبا لانتشار التحريم ـ الا في الاستثناء الآتي ـ وان حصل بسببه عنوان خاص لو كان حاصلا بالولادة لكان ملازما مع أحد تلك العناوين ، كما لو ارضعت امرأة أحد اخوين فانها تحرم عليه لصيرورتها اما له ولا تحرم على الاخ الآخر لأنها تصير بالرضاع أم اخيه ، وهي ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب وانما تحرم فيه لكونها إما امّا نسبية أو زوجة الأب.

٢ ـ تحرم على ابي الرضيع بنات المرضعة النسبيات دون الرضاعيات.

وتحرم أيضا بنات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات. وهذان هما الاستثناءان من الضابط الكلي المتقدم.

٣ ـ يحرم الرضيع على أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وعلى أولاد المرضعة ولادة لا رضاعا.

٤ ـ في جواز زواج اولاد ابي المرتضع الذين لم يرتضعوا من اللبن بأولاد المرضعة نسبا واولاد الفحل مطلقا خلاف.

٥ ـ لا فرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا على العقد أو لاحقا له ، فمن كانت له زوجة صغيرة وأرضعتها زوجته الكبيرة او بنته حرمت عليه لصيرورتها بنتا له ، وهكذا في بقية الأمثلة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الرضاع سبب لتحقق حرمة النكاح في الجملة‌ فهو من ضروريات الدين. ويدل عليه قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... أُمَّهاتُكُمْ


اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) (١) ، وقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٢) ، وقول صادق أهل البيت عليهم‌السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة» (٣).

هذا ما ورد بنحو الضابط الكلي والا فالوارد في الموارد المتفرقة فوق حدّ الاحصاء.

٢ ـ واما صيرورة المرضعة امّا للرضيع وصاحب اللبن ابا له و... فباعتبار ان الآية الكريمة وان كانت خاصة بالامهات والاخوات الا ان ذلك لا يقتضي قصر الحرمة عليهما ـ وان نسب اختيار ذلك إلى بعض العامة (٤) ـ بعد استفادة عموم التنزيل من الروايات.

٣ ـ واما قصر الحرمة على ما إذا حصل بالرضاع احد العناوين السبعة دون ما يلازمها‌ فلأن ذلك هو المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، فان ظاهره النظر إلى العناوين الثابت تحريمها في الشريعة ، وليست هي الا السبعة دون ما يلازمها.

ثم انه مع التنزل وفرض اجمال دليل التنزيل من هذه الناحية واحتمال ارادة عموم المنزلة منه يلزم الرجوع إلى الأصل المستفاد من قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٥) ، كما تقتضيه القاعدة في مورد تردد المخصص المنفصل بين الاقل والاكثر ، والنتيجة واحدة‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٠ الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨١ الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) جواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٩.

(٥) النساء : ٢٤.


على كلا التقديرين.

وبهذا يتضح النظر فيما صار إليه المحقق المير محمد باقر الداماد من استفادة عموم المنزلة من دليل التنزيل والّف رسالة في ذلك ونسب ما صار إليه إلى المشهور مستندا في ذلك تارة إلى ظهور الأحاديث في افادة عموم المنزلة ، واخرى إلى ان حرمة زواج ابي المرتضع بأولاد المرضعة بنكتة «ان ولدها صارت بمنزلة ولدك» ، كما دلت عليه صحيحة أيوب بن نوح الآتية لا تتم الا بناء على عموم المنزلة (١).

وكلا الوجهين المذكورين قابلان للتأمل.

اما الاول فلما تقدم.

واما الثاني فلان ثبوت حرمة الزواج في المورد المذكور وتنزيل اولاد المرضعة منزلة اولاد ابي المرتضع لا يدل على ارادة عموم المنزلة من مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، بل لعله الحاق حكمي ـ لا اكثر ـ دلّ الدليل الخاص عليه.

ثم ان الثمرة في هذا الخلاف كبيرة ، فعلى رأي المشهور تنحصر دائرة انتشار الحرمة بالمرتضع وفروعه من جهة والمرضعة وصاحب اللبن واصولهما وفروعهما ومن كان في طبقتهما من جهة اخرى ، ولا يتعدى ما سوى ذلك لان العناوين السبعة لا تتحقق الا فيما ذكر ، بخلافه بناء على عموم المنزلة ، فان الحرمة تتعدى إلى اصول المرتضع ومن كان في طبقته من جهة والمرضعة وصاحب اللبن‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٣ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧.


واصولهما وفروعهما ومن كان في طبقتهما من جهة اخرى.

اجل هناك استثناء ـ على رأي المشهور ـ تأتي الاشارة إليه إن شاء الله تعالى في الرقم ٤ ، ٥.

٤ ـ واما انه تحرم على ابي المرتضع بنات المرضعة‌ بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك ـ حيث لا يصرن بالاضافة إليه الا اخوات لولده ، واخت الولد ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب وانما تحرم اما لكونها بنتا أو ربيبة ـ فلصحيحة ايوب بن نوح : «كتب علي بن شعيب إلى ابي الحسن عليه‌السلام : امرأة ارضعت بعض ولدي هل يجوز لي ان اتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه‌السلام : لا يجوز ذلك لك لان ولدها صارت بمنزلة ولدك» (١) وغيرها.

واما قصر الحكم على بنات المرضعة من النسب دون الرضاع فلظهور كلمة «الولد» في الصحيحة في ذلك ، وفي غيره يتمسك باصالة الحل المستفادة من قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢).

ان قلت : لم لا نتمسك باطلاق دليل تنزيل الرضاع منزلة النسب لإثبات تنزيل بنات المرضعة رضاعا منزلة بناتها نسبا فيحرم الجميع على ابي المرتضع.

قلت : المفروض في المقام كون بنات المرضعة بنات رضاعية لها من لبن فحل آخر غير الذي ارتضع الرضيع من لبنه ـ وإلاّ حرمن أيضا كما تأتي الاشارة إليه في الرقم ٥ ـ وشرط التنزيل وتحقق الاخوة الرضاعية بين المرتضعين ومن ثمّ الحرمة وحدة الفحل كما يأتي إن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٦ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) النساء : ٢٤.


شاء الله تعالى. واذا لم تكن حرمة بينهما فلا تسري الحرمة الى ابي المرتضع ، فان الرواية سؤالا وجوابا ناظرة الى اولاد المرضعة الذين يحرمون على المرتضع وان مثل هؤلاء الاولاد هل يحرمون على ابي المرتضع بعد ما حرموا على ابنه؟ واما اولادها الذين لا يحرمون على المرتضع فعدم حرمتهم على ابي المرتضع مما لا تأمل فيه ولا يخطر ببال السائل السؤال عن حكمهم بالاضافة اليه وهم خارجون عن مفروض الرواية وداخلون في عمومات الحل.

٥ ـ واما انه يحرم على ابي المرتضع بنات صاحب اللبن‌ ـ وهو ما يعبر عنه في لسان الفقهاء بجملة : لا ينكح ابو المرتضع في أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ـ بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك ـ بالبيان المتقدم ـ فلصحيحة علي بن مهزيار : «سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام : ان امرأة ارضعت لي صبيا فهل يحل لي ان اتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي : ما اجود ما سألت ، من هاهنا يؤتى ان يقول الناس : حرمت عليه امرأته ، من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره» (١) فقلت له : الجارية ليست ابنة المرأة التي ارضعت لي هي ابنة غيرها فقال : «لو كنّ عشرا متفرقات ما حلّ لك شي‌ء منهن وكنّ في‌

__________________

(١) اي من هاهنا يأتي الجهل على الناس حيث يقولون : ان لبن الفحل يحرّم زوجة الفحل عليه ، ولكنه اشتباه ، فان لبن الفحل لا يوجب ذلك بل يوجب ما ذكرت وهو حرمة بنت صاحب اللبن على ابي المرتضع.

هكذا فسّر في الوافي ٢١ : ٢٤٧ العبارة المذكورة. وفسّرها الحرّ في هامش وسائله بشكل آخر فراجع. والأمر سهل بعد عدم توقف الاستدلال بالصحيحة على فهم المراد من الجملة المذكورة.


موضع بناتك» (١).

واما التعميم لبنات صاحب اللبن من الرضاع أيضا فلفرض وحدة الفحل هنا فيقوم الرضاع مقام النسب.

٦ ـ واما حرمة الرضيع على بنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعا‌ فلأنهن اخوات من الاب والام او من الاب فقط ، والاخوات هن من العناوين المحرّمة بالنسب فتحرم في الرضاع أيضا.

واما حرمة من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة ولادة فلكونهم اخوة من الام فيحرمون.

واما عدم حرمة من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة رضاعا فلعدم اتحاد الفحل الذي هو شرط في انتشار الحرمة.

٧ ـ واما زواج اولاد ابي المرتضع ببنات المرضعة ولادة وبنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعا‌ فقد اختار الشيخ في الخلاف والنهاية عدم جوازه ، بتقريب ان التعليل في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة يدل على تنزيل بنات صاحب اللبن منزلة بنات ابي المرتضع ، وهكذا التعليل في صحيحة ايوب بن نوح يدل على تنزيل بنات المرضعة منزلة بنات ابي المرتضع ، ولازم ذلك صيرورة اولاد ابي المرتضع اخوة لبنات صاحب اللبن ولبنات المرضعة ، ومعه لا يجوز لهم الزواج بهنّ (٢).

وفيه : ان التنزيل في الصحيحتين قد ثبت بلحاظ ابي المرتضع فقط ، وذلك لا يستلزم اخوة بنات صاحب اللبن وبنات المرضعة لأولاد ابي المرتضع ، إذ التعبد يتحدّد بدائرته ولا يسري إلى غيرها بعد ما لم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٦ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٠.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٣ : ٣٩٩.


تكن الملازمة شرعية ، ومن هنا قيل بعدم حجية الاصل المثبت.

وعليه فالمناسب هو الحكم بالجواز تمسكا بعموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١).

٨ ـ واما عدم الفرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا على العقد أو لاحقا‌ فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لو ان رجلا تزوج جارية رضيعة فارضعتها امرأته فسد النكاح» (٢) وغيرها.

بل يكفينا اطلاق ما دلّ على تنزيل الرضاع منزلة النسب بلا حاجة إلى خاص.

شروط الرضاع المحرم‌

لا يوجب الرضاع انتشار الحرمة الا إذا تحققت الشروط التالية :

١ ـ حصول اللبن من ولادة شرعية.

٢ ـ الارتضاع من الثدي فلا يكفي غيره ، كشرب اللبن المحلوب.

٣ ـ عدم تجاوز الرضيع للحولين.

٤ ـ خلوص اللبن فلا يكفي إذا كان ممزوجا بغيره مما يسلبه اسم اللبن.

٥ ـ كون اللبن بتمامه من رجل واحد ، فلو ولدت المرأة من زوجها الاول وتزوجت بآخر وحملت منه وقبل ان تلد ارضعت بلبن ولادتها الاولى صبيا عشر رضعات ثم بعد ولادتها الثانية اكملتها بخمس ـ اما من دون تخلل المأكول والمشروب أو مع فرض تخللهما بناء على عدم اخلال فصلهما في نشر الحرمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ لم يكف ذلك‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٢ الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.


لانتشار الحرمة.

٦ ـ وحدة المرضعة ، فلو كانت لرجل واحد زوجتان اشتركتا في ارضاع طفل واحد خمس عشرة رضعة لم يكف ذلك.

٧ ـ ان يكون الارتضاع موجبا لإنبات اللحم وشد العظم. والطريق الشرعي لإحراز ذلك ارتضاع يوم وليلة أو تحقق عشر رضعات متوالية. وقيل خمس عشرة رضعة.

٨ ـ عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي والزماني بخلافه في التحديد الكيفي فانه لا يعتبر فيه ذلك.

واما الفصل بالاكل والشرب فلا يعتبر عدمه في التحديد الكيفي وفي الخمس عشرة رضعة بخلافه في التحديد الزماني فانه يعتبر فيه عدمه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار كون اللبن من ولادة شرعية‌ فلا خلاف فيه. ويمكن استفادته من صحيحة عبد الله بن سنان : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لبن الفحل قال : هو ما ارضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اخرى فهو حرام» (١) ، بتقريب ان اسناد اللبن إلى الفحل والولد يدل على اعتبار الوطء والحمل والولادة. والتعبير ب «امرأتك» يدل على اعتبار العقد الشرعي وعدم كفاية الولادة عن زنا.

ويدل عليه أيضا في الجملة صحيح يونس بن يعقوب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٤ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٤.


قال : لا» (١).

٢ ـ واما اعتبار صدق عنوان الارتضاع من الثدي‌ فلأن الحكم في الادلة انيط بعنوان الارضاع والرضاعة ونحو ذلك ، وهو لا يصدق عرفا من دون الامتصاص من الثدي ، ولذا لا يقال لمن شرب الحليب المحلوب من البقرة انه ارتضع منها بخلاف ما لو امتصه من ثديها.

ومع التنزل والتسليم بصدقه بدون ذلك فيمكن ان يقال بانصرافه إلى النحو المتعارف منه ، وفيما عداه يرجع إلى عموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢).

٣ ـ واما اعتبار ان يكون الرضاع في الحولين للمرتضع‌ فهو المعروف بين الاصحاب لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا رضاع بعد فطام» (٣). وظاهرها وان كان يدل على كون المدار على الفطام الفعلي دون الوصول إلى سن الفطام ، وهو الحولان الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لرواية حماد بن عثمان : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما الفطام؟ قال : الحولين الذي قال الله عز وجل» (٤) ، حيث فسرت الفطام بالحولين دون الفطام الفعلي. وسندها وان اشتمل على سهل الا ان الامر فيه سهل ان شاء الله تعالى.

ثم انه لو رفضنا الرواية المذكورة يلزم جعل المدار على الفطام الفعلي سواء كان بعد الحولين أم قبلهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٢ الباب ٩ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩١ الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩١ الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.


وإذا قيل : ان صحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرضاع بعد الحولين قبل ان يفطم محرّم» (١) تدل على ان الرضاع بعد الحولين موجب لنشر الحرمة أيضا.

قلنا : انه يلزم ترجيح رواية حماد ـ بناء على تمامية سندها وعدم امكان الجمع بينها وبين صحيحة داود ـ اما لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أو لمخالفتها للتقية على ما قيل (٢).

ومع التنزل وفرض عدم المرجح لا بدّ من التساقط في مادة المعارضة والرجوع إلى الاطلاق المتقدم كمرجع لا كمرجح.

هذا كله في المرتضع.

واما ولد المرضعة فهل يشترط كونه في الحولين؟ ذكر في جامع المقاصد ان في المسألة قولين :

أ ـ الاشتراط لقوله عليه‌السلام : «لا رضاع بعد فطام» ، فانه يتناول ولد المرضعة.

ب ـ عدم الاشتراط لان المتبادر من الحديث المتقدم المرتضع دون ولد المرضعة.

واختار هو قدس‌سره القول المذكور تمسكا بأصالة عدم الاشتراط (٣).

وكان من المناسب ان يتمسك لإثباته باطلاق مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في الرقم ١ ، فان الخارج منه هو المرتضع ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٢ الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧.

(٢) القائل بذلك هو الشيخ الطوسي حيث ذكر في كتابه تهذيب الاحكام ٧ : ٣١٨ معلقا على صحيحة داود ما نصه : «ويجوز ان يكون خرج مخرج التقية لأنه مذهب لبعض العامة».

(٣) جامع المقاصد ١٢ : ٢٢١.


حيث دلّ الدليل الخاص على اعتبار كونه في الحولين ، واما ولد المرضعة فلم يدل دليل على خروجه منه ـ لانصراف الحديث المتقدم الى المرتضع ـ فيبقى مشمولا له.

٤ ـ واما اعتبار الخلوص‌ فلان نشر الحرمة يتوقف على صدق عنوان ارتضاع اللبن ، ومع المزج الموجب لسلب الاسم لا يصدق ذلك.

٥ ـ واما اعتبار كون اللبن لفحل واحد‌ فهو المشهور. ويمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة حيث ورد فيها : «هو ما ارضعت امرأتك من لبنك» ، فان عنوان لبنك لا يصدق مع تعدد الفحل.

ومنه يتضح الوجه في اعتبار وحدة المرضعة ، فان ظاهر كلمة «امرأتك» هو شخص امرأتك دون جنسها.

هذا مضافا إلى تصريح موثقة زياد بن سوقة الآتية باعتبار كلا الامرين.

ثم ان وحدة الفحل كما هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضع والمرضعة والفحل و... كذلك هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضعين ، فلو ارتضع اثنان من مرضعة واحدة بلبن فحلين لم تنتشر الحرمة بينهما وان انتشرت بين كل واحد منهما مع المرضعة والفحل و...

وتدل على ذلك صحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له ان يتزوج اختها لأمها من الرضاعة؟ فقال : ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل ، فان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن‌


فحلين فلا بأس بذلك» (١) وغيرها.

وخالف ذلك الشيخ الطبرسي والفيض الكاشاني واختارا انتشار الحرمة بين المرتضعين حتى مع عدم وحدة الفحل (٢).

٦ ـ واما تحديد مقدار الرضاع الناشر للحرمة‌ فقد وقع محلا للخلاف. ومنشؤه اختلاف الروايات.

وهي مع اختلافها اتفقت على التحديد الكيفي وان الارضاع متى ما اوجب نبات اللحم وشد العظم تحقق به نشر الحرمة.

بل يظهر منها ان المدار في نشر الحرمة هو التحديد الكيفي ، وجاء التحديد الزماني والكمي كطريق لا حراز ذلك ما نجد ذلك واضحا في صحيحة علي بن رئاب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما انبت اللحم وشدّ العظم. قلت : فتحرّم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنه لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات» (٣) وغيرها.

والاختلاف في الروايات ينحصر في ضبط التحديد الكمي ، ففي بعضها اكتفي بعشر رضعات متوالية ، وفي بعضها الآخر اعتبر خمس عشرة رضعة.

مثال الاول : صحيحة عمر بن يزيد : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين فقال : لا يحرّم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات فقال : إذا كانت متفرقة فلا» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٤ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٢٨ ، والوافي ٢١ : ٢٤٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.


ومثال الثاني : موثقة زياد بن سوقة : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو ان امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وارضعتها امرأة اخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما» (١).

ولو كنّا نحن وصحيحة ابن رئاب مع صحيحة عمر بن يزيد لكنّا نجمع بينهما بتقييد صحيحة ابن رئاب الدالة على عدم الاكتفاء بعشر رضعات بحالة عدم التوالي بقرينة صحيحة عمر بن يزيد الا انه بعد ادخال موثقة زياد في الحساب يتحول التعارض الى التعارض المستقر ، حيث تدل موثقة زياد على عدم الاكتفاء بعشر رضعات حتى مع التوالي بخلاف صحيحة عمر بن يزيد حيث تدل على الاكتفاء بها مع التوالي.

ولا يمكن الترجيح من خلال الموافقة والمخالفة للتقية لان الجمهور يكتفي اما بمسمى الرضاع أو الرضعة الواحدة أو سبع أو خمس رضعات وليس القول بالعشر ـ فضلا عن الخمس عشرة رضعة ـ معروفا بينهم (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) قال الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الاربعة ٤ : ٢٢٨ : «ان الشافعية والحنابلة يقولون :

ان الرضاع لا يحرّم الا اذا كان خمس مرات ، والمالكية والحنفية يقولون : ان الرضاع يحرّم مطلقا قليلا كان او كثيرا ولو قطرة. وقد استدل الشافعية والحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان فيما انزل الله في القرآن ان عشر رضعات معلومات يحرّمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهنّ فيما يقرأ من القرآن».


كما لا يمكن الترجيح من خلال موافقة الكتاب العزيز لان قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) (١) لا نظر له إلى تحديد المدة.

وهكذا قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢) يثبت الحل لما عدا الامهات والاخوات من الرضاعة من دون دلالة على ما يتحقق به ذلك.

ومع استقرار التعارض وعدم المرجح يتساقطان ويلزم الرجوع الى الاصل بلحاظ كل اثر بخصوصه ، فبالنسبة إلى صحة العقد على من رضعت عشرا يستصحب عدم ترتب الاثر ، وبالنسبة إلى جواز النظر تجري البراءة على فرض عدم وجود عموم يصلح التمسك به.

ومراعاة الاحتياط للفقيه والعامي قضية لا ينبغي الحياد عنها.

٧ ـ واما اعتبار عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي‌ فلدلالة موثقة زياد وصحيحة عمر بن يزيد على ذلك بوضوح.

واما اعتبار ذلك في التحديد الزماني فلانصراف عنوان اليوم والليلة إلى ذلك.

واما عدم اعتبار ذلك في التحديد الكيفي فلان اللازم بناء عليه نبات اللحم واشتداد العظم ، ولا يهم بعد تحققه ثبوت الفصل بأي شي‌ء كان لإطلاق النصوص من هذه الناحية.

٨ ـ واما ان الفصل بالاكل والشرب لا يعتبر عدمه في التحديد بخمس عشرة رضعة‌ فلان موثقة زياد قد قيدت الفاصل الذي يعتبر‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النساء : ٢٤.


عدمه بالرضاع من امرأة اخرى ، وهذا بخلافه لو اخذنا برواية العشر فإنه يعتبر عدم الفصل بذلك لاعتبار التوالي فيها الذي لا يصدق مع الفصل بالاكل والشرب.

واما انه لا يعتبر عدم الفصل بذلك في التحديد الكيفي فلان المعتبر فيه اشتداد العظم ونبات اللحم كيفما اتفق لفرض اطلاق الروايات من هذه الناحية.

واما انه يعتبر عدم الفصل بذلك في التقدير الزماني فلعدم صدق عنوان اليوم والليلة مع الفصل المذكور.

اجل لا يضر مثل شرب الماء والدواء بمقدار قليل لأنه امر متعارف في اليوم والليلة ولا يضر بالصدق عرفا.

ج ـ الاعتداد‌

لا يجوز الزواج بالمرأة في عدتها من الغير.

وتحرم مؤبدا مع علمهما أو علم احدهما بالصغرى والكبرى ولو مع عدم الدخول. ومع الدخول تحرم كذلك ولو مع جهلهما بذلك.

ولا فرق في الدخول بين كونه في القبل أو الدبر.

ومن زنى بامرأة في عدتها الرجعية حرمت عليه مؤبدا لدى المشهور.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الزواج بالمعتدة من الغير‌ فهو من ضروريات الدين. وقد دلّ على ذلك الكتاب الكريم في الجملة. قال تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا


بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (١) ، فانها بالمفهوم تدل على المطلوب.

وقال : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢) ، فان المقصود من وجوب التربص ـ ولا أقلّ بقرينة الآية الاولى ـ هو الامتناع عن الزواج.

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (٣) ، فانه لا معنى لإحصاء العدة الا اذا فرض حرمة الزواج فيها.

وقال : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٤) ، فانه لا معنى لوجوب التربص ـ ولو بقرينة ذيلها ـ الا حرمة زواجها بالغير.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

واما الروايات فيمكن استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية وغيرها.

٢ ـ واما التقييد بما إذا كانت العدة من الغير‌ فباعتبار ان المفهوم من نصوص تشريع العدة كون المنع من الزواج هو لاحترام ذي العدة.

واذا شكك في ذلك امكن التمسك بنصوص الزواج المؤقت الدالة على جواز تجديد الزوج العقد في العدة ـ بعد ضم عدم القول بالفصل ـ

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) البقرة : ٢٣٤.


كما في صحيح محمد بن مسلم حيث سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة فقال : «ان اراد ان يستقبل امرا جديدا فعل ، وليس عليها العدة منه ، وعليها من غيره خمسة واربعون ليلة» (١) وغيره.

٣ ـ واما الحرمة المؤبدة‌ فلا بدّ لإثباتها من الاستعانة بالروايات. وهي على طوائف أربع :

الاولى ـ ما دلّ على الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية ـ ما دلّ على نفيها مطلقا.

الثالثة ـ ما دلّ على التفصيل بين حالة العلم فتحرم مؤبدا وحالة الجهل فلا تحرم.

الرابعة ـ ما دلّ على التفصيل بين فرض الدخول فتحرم مؤبدا وبين عدمه فلا تحرم.

مثال الاولى : رواية محمد بن مسلم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها قال : يفرّق بينهما ولا تحل له ابدا» (٢).

وسندها لا يخلو من اشكال لاشتماله على عبد الله بن بحر الذي لم تثبت وثاقته الابناء على تمامية كبرى وثاقة جميع رجال تفسير القمي.

ومثال الثانية : صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام : «سألته عن امرأة تزوجت قبل ان تنقضي عدتها قال : يفرّق بينها وبينه ويكون خاطبا من الخطاب» (٣).

وسندها في رواية قرب الاسناد وان اشتمل على عبد الله بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٥ الباب ٢٣ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٥٠ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٩ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٩.


الحسن الذي هو مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل قد رواها من كتاب علي بن جعفر نفسه ، وطريقه إليه صحيح كما تقدم أكثر من مرّة (١).

ومثال الثالثة : موثقة إسحاق بن عمار : «قلت لأبي ابراهيم عليه‌السلام : بلغنا عن ابيك ان الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا فقال : هذا إذا كان عالما فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد ثم يتزوجها نكاحا جديدا» (٢).

ومثال الرابعة : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر وعشرا فقال : ان كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له ابدا واعتدت ما بقي عليها من الاول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء وان لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الاول وهو خاطب من الخطاب» (٣).

والطائفتان الاخيرتان متعارضتان بالعموم من وجه لدلالة احداهما على الحرمة المؤبدة مع العلم سواء تحقق الدخول أم لا ، وثانيتهما على الحرمة المؤبدة مع الدخول سواء فرض الجهل أم لا ، والجمع بينهما كما يمكن بتقييد منطوق كل واحدة بمنطوق الاخرى الذي لازمه تحقق الحرمة المؤبدة عند تحقق العلم والدخول كذلك يمكن بتقييد مفهوم كل واحدة بمنطوق الاخرى ، ولازمه كفاية العلم او‌

__________________

(١) راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٧ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٦ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.


الدخول في تحقق الحرمة المؤبدة.

والارجح هو الجمع بالشكل الثاني لعدم المعارضة بين المنطوقين ليعمل التقييد فيهما وانما هي بين اطلاق المفهومين ، ومعه يكون المناسب تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخرى وتكون النتيجة تحقق الحرمة المؤبدة عند افتراض احد الامرين : العلم أو الدخول.

وبعد هذا يمكن رفع التعارض بلحاظ الطائفة الاولى والثانية أيضا ، وذلك بحمل الاولى على فرض الدخول أو العلم والثانية على فرض عدمهما ، فان العرف يجمع بين الطائفتين المطلقتين بالشكل المذكور بقرينة الطائفة المفصلة.

ثم ان الطائفة الاولى وان كانت ضعيفة السند بناء على انكار الكبرى المتقدمة الا ان حذفها لا يؤثر على النتيجة التي تمّ التوصل إليها كما هو واضح.

هذا كله فيما تقتضيه قواعد الجمع العرفي.

وقد دلت صريحا على النتيجة المذكورة صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له ابدا عالما كان أو جاهلا ، وان لم يدخل حلت للجاهل ولم تحل للآخر» (١).

٤ ـ واما ان علم احدهما يكفي في تحقق الحرمة المؤبدة‌ فهو واضح لو كان العالم هو الزوج لكون ذلك مورد موثقة اسحاق المتقدمة.

واما لو كان العالم هو الزوجة فيمكن التمسك بذيل صحيحة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٥ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.


الحلبي المتقدمة ، فانه باطلاقه يشمل الزوجة ، وعدم ثبوت الحلية لها بالرجوع كاف في اثبات المطلوب.

٥ ـ واما ان المقصود من العلم الموجب للحرمة المؤبدة هو العلم بالصغرى والكبرى‌ فباعتبار ان ظاهر الروايات المتقدمة وان كان هو ارادة العلم بالعدة الا ان العلم بها لما كان يلازم العلم بالحرمة عادة فيثبت ان المراد من العلم ـ الذي هو سبب للحرمة المؤبدة ـ هو العلم بالموضوع والحكم معا ولا يكفي العلم باحدهما في تحقق الحرمة المؤبدة.

ولو قطعنا النظر عن هذا فيمكن استفادة ذلك بوضوح من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : لا ، اما إذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت : بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم بجهالته انها في عدة؟ فقال : احدى الجهالتين اهون من الاخرى ، الجهالة بان الله حرّم ذلك عليه ، وذلك بانه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت : وهو في الاخرى معذور؟ قال : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يتزوجها ...» (١).

٦ ـ واما كفاية الدخول في الدبر في تحقق الحرمة المؤبدة‌ فلإطلاق ما تقدم.

٧ ـ واما ان من زنى بالمرأة في عدتها الرجعية تحرم عليه مؤبدا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٥ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.


فيمكن اثباته من خلال مقدمتين :

أ ـ ان المعتدة الرجعية زوجة حقيقة خلافا للمشهور القائل بترتب احكام الزوجة عليها من دون ان تكون زوجة حقيقة.

ب ـ ان الزنا بذات البعل موجب للحرمة المؤبدة.

اما المقدمة الاولى فيمكن استفادتها من صحيحة سعد بن ابي خلف : «سألت ابا الحسن موسى عليه‌السلام عن شي‌ء من الطلاق فقال : «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه» (١) وغيرها مما اشتمل على التعبير بكلمة «بانت» ، فانها ظاهرة في بينونة الزوجية نفسها ـ لا بينونة احكامها ـ في الطلاق البائن ، وبقاء الزوجية وعدم بينونتها في الطلاق الرجعي الا بانقضاء العدة.

واما المقدمة الثانية فقد تقدم (٢) تبني المشهور لها لوجوه ثلاثة.

وبهذا اتضح ان تخريج الحرمة المؤبدة في حق الزاني بالمعتدة الرجعية لا يتم الا على رأي المشهور القائل بتمامية المقدمة الثانية.

كما انه لا مجال للمشهور المنكر للمقدمة الاولى تخريج الحرمة المؤبدة الا بالتشبث بالإجماع المدعى في المسألة.

٨ ـ واما قصر الحكم على المعتدة الرجعية دون البائنة او المعتدة بعدة الوفاة‌ فللتمسك بالاصل المستفاد من قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣) بعد قصور المانع عن الشمول لغير المعتدة الرجعية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٦ الباب ٢٠ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) في الرقم ١٤ تحت عنوان «المصاهرة».

(٣) النساء : ٢٤.


د ـ استيفاء العدد‌

لا تجوز الزيادة في العقد الدائم على اربع زوجات.

ومن كانت عنده اربع وطلّق واحدة رجعيا فلا يجوز له الزواج بالخامسة الا بعد انتهاء العدة.

ومن طلّق زوجته ثلاثا وقد تخللت بينها رجعتان او ما بحكمهما ولم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. واذا تكرر الطلاق بعد ذلك حرمت في السادس كما سبق وفي التاسع مؤبدا على بيان يأتي في باب الطلاق إن شاء الله تعالى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز الزيادة على اربع‌ فمما لا خلاف فيه بين المسلمين. ويمكن استفادته من قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (١) ، فان العدد وان لم يكن له مفهوم الا ان ذلك فيما إذا لم يسق في مقام التحديد والا ثبت له ، وظاهر الآية الكريمة سوقها لذلك.

والروايات الدالة على ذلك كثيرة ، كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا جمع الرجل اربعا وطلّق احداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلّق. وقال : لا يجمع ماءه في خمس» (٢) وغيره.

واحتمال كون المقصود تحريم وطء الخامسة دون اصل الزواج‌

__________________

(١) النساء : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٩٩ الباب ٢ من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ١.


لقوله عليه‌السلام : «لا يجمع ماءه في خمس» ضعيف ، لان ظاهره الكناية عن الزواج ، ومع التنزل تكفينا الروايات الاخرى.

٢ ـ واما التخصيص بالعقد الدائم‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه الروايات الكثيرة ، كصحيحة زرارة : «قلت : ما يحل من المتعة؟ قال : كم شئت» (١) وغيرها.

ولا يضرها الاضمار بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه‌السلام. على ان بالامكان التعويض عنها بالروايات الاخرى.

وإذا قيل : ان موثقة عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قالت عن المتعة : «هي احد الاربعة» (٢) ، وهذا يدل على الخلاف.

قلنا : لا بدّ من توجيهها بشكل وآخر لعدم التزام احد بمضمونها. ويمكن حملها على ارادة الاحتياط تحفظا من انكار المخالفين ، كما دلت عليه بوضوح صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «قال ابو جعفر عليه‌السلام : اجعلوهن من الاربع فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ قال : نعم» (٣).

٣ ـ واما عدم جواز الزواج بالخامسة لمن طلّق واحدة رجعيا‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة وغيرها.

واما تقييد الطلاق بما إذا كان رجعيا فهو المشهور باعتبار‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٦ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٨ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٨ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.


انقطاع العصمة في البائن.

والمناسب التعميم لإطلاق الصحيحة المتقدمة وغيرها الا ان يثبت اجماع تعبدي على خلافه فيكون مقيدا.

ه ـ الكفر‌

لا يجوز للمسلم الزواج بالكافرة غير الكتابية. وفي جوازه بالكتابية خلاف.

واما المسلمة فلا يجوز لها الزواج بغير المسلم مطلقا.

ولا يجوز للمسلم الزواج بالكتابية على زوجته المسلمة بدون اذنها حتى بناء على جواز زواج المسلم بالكتابية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز زواج المسلم بالكافرة غير الكتابية‌ فقد ادعي عليه الاجماع ، وقد يستدل له بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ) (١).

ولكنه ـ كما ترى ـ خاص بالمشركة ولا يعمّ مطلق الكافرة الا ان يتمسك باحد البيانين التاليين :

أ ـ ان ذيل الآية الكريمة : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ) ينفي الخصوصية للمشركة.

ب ـ التمسك بالغاية ـ حتى يؤمنّ ـ حيث تدل على ان المسلم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢١.


لا يجوز له الزواج بغير المؤمنة.

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فلان ذيل الآية الكريمة وارد مورد الحكمة فلا يمكن التمسك به لإثبات التعميم ، بل لا ينفع التمسك به حتى على تقدير وروده مورد العلة لأنه يدل آنذاك على عدم ثبوت النهي إذا لم تتحقق الدعوة بالفعل الى النار ، كما إذا كان بين الزوجين نفرة لا يمكن تحقق الدعوة إلى النار معها.

واما الثاني فلاحتمال ان لا يكون المقصود من الايمان في الغاية الإسلام بل الايمان بالله سبحانه بنحو التوحيد ومن دون شرك.

والاولى الاستدلال بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١) ، فان العصم جمع عصمة ، وهي ما يعتصم به كالعقد. والكوافر جمع كافرة. والمراد نهي المؤمنين عن الاستمرار في نكاح الكوافر لانقطاع العصمة بالاسلام. وإذا ثبت هذا بقاء ثبت ابتداء بالاولوية.

وعلى هذا يتمسك باطلاق الآية الكريمة الا ان يقوم دليل على الخلاف في مورد فيقيد به في ذلك المورد.

٢ ـ واما الكتابية‌ فيمكن القول بجواز زواج المسلم بها انقطاعا بل دواما أيضا ـ خلافا لما قيل من عدم الجواز مطلقا أو في خصوص الدائم ـ لصحيحة معاوية بن وهب وغيره عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية والنصرانية فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى ، قال : ان فعل‌

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.


فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ...» (١) وغيرها.

هذا وقد يستدل على عدم الجواز بما يلي :

أ ـ التمسك بالآية المتقدمة (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ) بعد تفسير المشرك بما يعمّ الكتابي لقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) ... (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (٢).

وفيه : ان كلمة «المشرك» منصرفة عن الكتابي. والتعبير في قوله تعالى : (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) لا يتنافى مع دعوى الانصراف المذكورة ، ولذا نلاحظ عطف الكتابي على المشرك في جملة من الآيات ، كقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ...) (٣) ‌وغيره.

ب ـ التمسك بقوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ ...) (٤) ، بتقريب ان الزواج بالكتابية لما كان موجبا لموادتها المنهي عنها فيلزم ان يكون محرما.

وفيه : انه لا تلازم بين الزواج والمودة. ومع التنزل يمكن القول بان المنهي عنه هو موادة من حادّ الله ورسوله من حيث الوصف المذكور لا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٢ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٢) التوبة : ٣٠ ـ ٣١.

(٣) البقرة : ١٠٥.

(٤) المجادلة : ٢٢.


مطلقا بل يمكن القول بعدم دلالتها على التحريم رأسا.

ج ـ التمسك بموثقة زرارة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا يصلح للمسلم ان ينكح يهودية ولا نصرانية انما يحل منهنّ نكاح البله» (١).

وفيه : ان التعبير بجملة «لا يصلح» لا يدل على التحريم بل هو أعم منه.

٣ ـ واما عدم جواز زواج المسلمة بالكافر‌ فلا خلاف فيه ، ويمكن استفادته من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (٢) ، فان النهي في مرحلة البقاء يلازم النهي في مرحلة الحدوث ان لم يكن ذلك اولى.

ويمكن استفادة ذلك أيضا من روايات متعددة ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما» (٣) وغيرها.

٤ ـ واما عدم جواز الزواج بالكتابية على المسلمة‌ فلعدة روايات ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا تتزوج اليهودية والنصرانية على المسلمة» (٤) وغيرها.

بل في بعضها يضرب الزوج ثمن حدّ الزاني ، كما في صحيح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٤ الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٢١ الباب ٩ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٨ الباب ٧ من أبواب ما يحرم بالكفر المتعة الحديث ١.


هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل تزوج ذمية على مسلمة ، قال : يفرّق بينهما ويضرب ثمن حدّ الزاني اثنا عشر سوطا ونصفا فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ ولم يفرّق بينهما ...» (١).

ودلالتها واضحة في ان عدم الجواز حق للمسلمة وليس حكما شرعيا ليمتنع ارتفاعه باذنها أو رضاها المتاخر.

و ، ز ـ الاحرام واللعان‌

لا يجوز للمحرم الزواج حالة احرامه سواء كانت المرأة محرمة أيضا أم لا.

ولو فعل ذلك مع علمه بالحرمة حرمت عليه مؤبدا سواء دخل بها أم لا.

ومن قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا اذا لا عنها فانه يدرأ بذلك الحدّ عن نفسه ولكنه يحرم عليها مؤبدا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز زواج المحرم حالة احرامه‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة يونس بن يعقوب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يتزوج؟ قال : لا ، ولا يزوّج المحرم المحل» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما الحرمة المؤبدة‌ فالروايات فيها على ثلاث طوائف :

الاولى ـ ما دلّ على الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية ـ وما دلّ على عدمها مطلقا.

الثالثة ـ وما دلّ على التفصيل بين فرض العلم بالحرمة فتثبت الحرمة مؤبدا وبين عدمه فلا تثبت.

مثال الاولى : موثقة اديم بن الحر عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان المحرم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٩ الباب ٧ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٨ الباب ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.


إذا تزوج وهو محرم فرّق بينهما ولا يتعاودان أبدا ، والذي يتزوج المرأة ولها زوج يفرّق بينهما ، ولا يتعاودان ابدا» (١).

ومثال الثانية : صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل ان يحل فقضى ان يخلى سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل ، فاذا احلّ خطبها ان شاء وان شاء اهلها زوجوه ، وان شاءوا لم يزوجوه» (٢).

ومثال الثالثة : صحيحة زرارة وداود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... والمحرم إذا تزوج وهو يعلم انه حرام عليه لم تحل له أبدا» (٣).

والتعارض بين الاولى والثانية ـ بقطع النظر عن الثالثة ـ وان كان مستقرا الا انه بعد ملاحظة الثالثة يمكن الجمع عرفا بحمل الاولى على فرض العلم بالحرمة والثانية على فرض الجهل. وبذلك نصل إلى النتيجة المذكورة في المتن.

واما التعميم لفرض الدخول وعدمه فلإطلاق النصوص من هذه الناحية.

٣ ـ واما ان من قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا إذا لاعنها‌ فيأتي وجهه في باب الحدود ان شاء الله تعالى.

واما ثبوت الحرمة المؤبدة باللعان فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن الرجل يقذف امرأته قال : يلاعنها ثم يفرّق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٩١ الباب ١٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٩٢ الباب ١٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٨ الباب ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.


بينهما فلا تحل له أبدا» (١) وغيرها.

٥ ـ الزواج المؤقت‌

الزواج المؤقت ـ وهو ما يصطلح عليه بعقد التمتع ـ مشروع بلا اشكال.

ويعتبر فيه الايجاب والقبول اللفظيان ، وتعيين المهر والاجل ، وبدون ذلك يبطل.

كما يعتبر فيه الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه بحيضتين كاملتين تلحظان بعد ذلك. وإذا فرض انها لا تحيض وهي في سن من تحيض لزمها الاعتداد بخمسة واربعين يوما. هذا في غير الصغيرة واليائس والتي لم يدخل بها ، واما هنّ فلا عدة عليهنّ.

هذا في غير موت الزوج أثناء الاجل والا لزمها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام.

والولد المتحقق به ملحق بالزوج وله جميع حقوق الولد الثابتة في العقد الدائم.

ولا تستحق الزوجة فيه النفقة ولا توارث بينها وبين الزوج لو تحقق موت احدهما في الاجل الا مع الاشتراط.

كما انه لا طلاق فيه بل تحصل البينونة بانتهاء المدة أو هبة ما تبقى منها.

ولا يجوز للمسلم التمتع بالكافرة غير الكتابية.

ولا يصح ـ عند المشهور ـ تجديد العقد دائما أو منقطعا قبل انتهاء الاجل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٩ الباب ٣٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.


ويجوز للمتمتع بها اشتراط عدم الدخول بها ولكنها لو أذنت بعد ذلك جاز.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما شرعية الزواج المؤقت‌ فهي من شعار الامامية وضرورات مذهبهم ، بل ذلك مورد اتفاق جميع المسلمين وان اختلفوا في نسخه بعد ذلك.

ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (١).

وأحاديثنا في ذلك متواترة بل وأحاديث غيرنا كذلك.

فمن أحاديثنا صحيح زرارة : «جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى ابي جعفر عليه‌السلام فقال : ما تقول في متعة النساء؟ فقال : احلّها الله في كتابه وعلى سنّة نبيه ، فهي حلال إلى يوم القيامة فقال : يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرّمها عمر ونهى عنها؟ فقال : وان كان فعل ، فقال : فاني اعيذك بالله من ذلك ان تحل شيئا حرّمه عمر فقال له : فانت على قول صاحبك وانا على قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهلمّ ألاعنك ان الحق ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان الباطل ما قال صاحبك ...» (٢) وغيره.

ومن احاديث غيرنا ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا : «خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٣٧ الباب ١ من أبواب المتعة الحديث ٤.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اذن لكم ان تستمتعوا ، يعني متعة النساء» (١).

وبعد اتفاق السنّة الشريفة من كلا الطرفين على ذلك لا معنى للإشكال في دلالة الآية الكريمة بدعوى ان الاستمتاع ليس بمعنى عقد التمتع بل بمعنى الدخول المتحقق في العقد الدائم وان الآية بصدد بيان ان الدخول موجب لاستحقاق المهر كاملا (٢) ، ان هذا لا يجدي بعد دلالة السنّة الشريفة واتفاق المسلمين على ذلك (٣).

اجل قد تنفع في المقام دعوى نسخ المشروعية ، الا ان صدور ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يكن مقطوع العدم فهو مشكوك فيه ، ومعه يجري استصحاب عدم النسخ الذي هو حجة لدى الجميع بما في ذلك المنكر لحجية الاستصحاب في باب الاحكام الكلية.

وصدور النهي من بعد زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان كان مسلما (٤) الا انه‌

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة الرقم ١٤٠٥ ، صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نكاح المتعة آخرا الرقم ٥١١٧.

(٢) احكام القرآن لأبي بكر الجصاص ٢ : ١٨٤ وتفسير القرطبي ٥ : ١٢٩ وتفسير الرازي ١٠ : ٥١.

(٣) من جملة من نقل الاتفاق على اباحة المتعة في صدر الإسلام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ١٠ : ٥١.

(٤) روى مسلم في باب نكاح المتعة في صحيحة الرقم ١٤٠٩ عن ابي نضرة قال : «كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر :

فعلناهما مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما».

وروى الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ١٠ : ٥٢ عن عمران بن الحصين : «نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم تنزل بعدها آية تنسخها وامرنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتمتعنا بها ومات ولم ينهنا عنه ، ثم قال رجل برأيه ما شاء».

ونقل في الصفحة نفسها من تفسيره عن الطبري في تفسيره عن علي بن ابي طالب رضي‌الله‌عنه :


لا ينفع بعد ما كان نسخ الاحكام حقا خاصا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عصره لوضوح ان حلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة (١).

ومن الجرأة على الله سبحانه مقالة من اجاب : «ان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع» (٢) ، ان الله سبحانه يقول عن نبيّه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى) (٣) ، (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ) (٤) وفي مقابله يقال : ان النبي مجتهد كبقية أفراد البشر دون أي فرق ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً) (٥).

__________________

«لو لا ان عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى الا شقي».

ونقل في الصفحة نفسها أيضا ان الخليفة الثاني قال في خطبته : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انا انهى عنهما واعاقب عليهما».

وقد روى المضمون المذكور البيهقي في سننه ٧ : ٢٠٦.

وروى أحمد في مسنده ٣ : ٣٢٥ : «تمتعنا متعتين على عهد رسول الله : الحج والنساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا».

وروى احمد في مسنده أيضا ٢ : ٩٥ عن عبد الله بن عمر الذي كان يفتي بجواز التمتع : «كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فقال لهم : ويلكم ألا تتقون ... أفرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحق أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر».

(١) ورد المضمون المذكور في صحيحة زرارة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي ١ : ٥٨.

(٢) الجواب المذكور نقله القوشجي في شرحه على تجريد الاعتقاد : ٣٧٤ في مقام الدفاع عن الخليفة الثاني ـ الذي صعد المنبر وقال : ايها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله انا انهى عنهن واحرّمهن واعاقب عليهن وهي متعة النساء ومتعة الحج وحيّ على خير العمل ـ من دون تعليق عليه.

(٣) النجم : ٣ ـ ٤.

(٤) يونس : ١٥.

(٥) الكهف : ٥.


وإذا قيل في الرد على مشروعية المتعة : «سمي الزنا سفاحا لانتفاء احكام النكاح عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش ، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا» (١).

قلنا : هذه مناقشة لله سبحانه ولرسوله الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث ثبتت المشروعية عنهما في بداية الشريعة بالاتفاق. على انه سيأتي اعتبار الامور الثلاثة المذكورة في الزواج المؤقت كالدائم.

وإذا قيل : ان ايجار المرأة نفسها كل فترة من الزمن لرجل يتنافى والاحصان المؤكد عليه في الشريعة ويتلاءم مع السفاح.

بل جواز المتعة يتنافى مع قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*) (٢) ، فان المتمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين فيكون الزواج بها من العدوان المحرم.

على ان التحريم الصادر من الخليفة الثاني لم يكن من قبل نفسه بل هو مبيّن ومنفّذ له ، وإذا كان النهي قد نسبه إلى نفسه فهو بهذا المعنى (٣).

قلنا : لا تنافي بين الزواج المؤقت والاحصان إذا ما فهمنا شروطه كما ينبغي. كيف ولو كان يلزم منه ذلك عاد الاشكال الى تشريعه الثابت في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جزما؟!

والمنافاة مع الآية الكريمة لا نعرف لها وجها بعد ما كانت المتعة‌

__________________

(١) القول المذكور هو للجصاص في احكام القرآن ٢ : ١٨٦.

(٢) المعارج : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) القول المذكور هو لمحمد رشيد رضا في تفسير المنار ٥ : ١٣.


فردا حقيقيا للزواج ، غايته هي زواج مؤقت له تمام خصوصيات الزواج الدائم الا من بعض الجهات.

والدفاع المذكور أخيرا دفاع بما لا يرضى به صاحبه وهو أوهن من بيت العنكبوت.

٢ ـ واما ان الزواج المؤقت لا يتحقق الا بايجاب وقبول لفظيين‌ فباعتبار انه فرد من الزواج فيشمله ما تقدم اعتباره في الزواج الدائم.

بل ان الزواج المؤقت اختص بروايات دلت على اعتبار ذلك فيه ، وقد تقدمت الاشارة إلى بعضها سابقا.

ثم ان الصيغة التي يقع بها الزواج المذكور ان تقول المرأة : متعتك أو أنكحتك أو زوجتك نفسي بمهر كذا إلى أجل كذا ثم يقول الرجل : قبلت.

وكل ما تقدم من ابحاث في الزواج الدائم ـ كاعتبار العربية أو تقدّم الايجاب أو كونه من المرأة أو ... آت هنا لكونه فردا حقيقيا للزواج كالدائم.

٣ ـ واما اعتبار تعيين المهر والاجل في الزواج المؤقت وبطلانه عند عدم ذلك‌ فلصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تكون متعة الا بأمرين : أجل مسمى واجر مسمى» (١) وغيرها.

٤ ـ واما وجوب الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه‌ فلا اشكال فيه في الجملة ، وانما الاشكال في مقدار العدة ، حيث دلت بعض الروايات على انه حيضتان في من تحيض وخمسة وأربعون يوما في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٥ الباب ١٧ من أبواب المتعة الحديث ١.


من لا تحيض وهي في سن من تحيض ، في حين دلّ بعضها الآخر على كونه حيضة واحدة في من تحيض وخمسة واربعين يوما في من لا تحيض.

مثال الاول : صحيحة اسماعيل بن الفضل الهاشمي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريح فسله عنها فان عنده منها علما ، فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها وكان فيما روى لي فيها ... فاذا انقضى الاجل بانت منه بغير طلاق ... وعدتها حيضتان وان كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما قال : فأتيت بالكتاب ابا عبد الله عليه‌السلام فقال : صدق واقرّ به ...» (١).

ومثال الثاني : صحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المتعة ان كانت تحيض فحيضة ، وان كانت لا تحيض فشهر ونصف» (٢).

والجمع العرفي بينهما بحمل الاولى على الاستحباب متعذر اما لان الاوامر الارشادية لا تقبل ذلك مطلقا او لأنها وان قبلت ذلك ولكن بشرط ان يكون لسانها لسان الامر دون لسان الاخبار كما هو المفروض في المقام.

ومع تعذر الجمع العرفي يكون التعارض مستقرا فيلزم الرجوع إلى المرجحات ـ موافقة الكتاب الكريم ومخالفة التقية ـ وحيث انها غير متوفرة في المقام يتعين التساقط والرجوع إلى الاصل ، وهو يقتضي اعتبار الحيضتين للشك في ترتب الاثر على العقد الثاني قبل مضي ذلك فيستصحب عدمه. ولا مجال للرجوع إلى قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٧ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٣ الباب ٢٢ من أبواب المتعة الحديث ١.


وَراءَ ذلِكُمْ) (١) لكونه ناظرا الى العموم الافرادي دون الاحوالي.

٥ ـ واما اعتبار كمال الحيضتين بعد انتهاء الاجل او الابراء وعدم كفاية الحيضة التي يقع انتهاء الاجل او الابراء في اثنائها‌ فهو واضح بناء على ترجيح صحيحة الهاشمي لان ظاهر التعبير «وعدتها حيضتان» هو ما ذكر ، واما بناء على التساقط والرجوع إلى الاصل فالامر كذلك أيضا كما هو واضح.

٦ ـ واما عدم لزوم الاعتداد على الصغيرة واليائس والتي لم يدخل بها‌ فتدل عليه رواية عبد الرحمن بن الحجاج : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ثلاث يتزوجن على كل حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض قال : قلت : وما حدّها؟ قال : إذا اتي لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ...» (٢) وغيرها.

وسندها وان اشتمل على سهل بن زياد الا ان الامر فيه سهل إن شاء الله تعالى.

٧ ـ واما ان عدتها من الوفاة اربعة أشهر وعشرة ايام‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة زرارة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال : اربعة اشهر وعشرا ، ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ...» (٣) وغيرها.

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٦ الباب ٢ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٨٤ الباب ٥٢ من أبواب العدد الحديث ٢.


بل يمكن التمسك بعموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ...) (١).

وإذا قيل : انه ورد في رواية علي بن يقطين عن ابي الحسن عليه‌السلام : «عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة واربعون يوما» (٢) ، وفي رواية الحلبي عن ابيه عن رجل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما» (٣) وهذا يتنافى مع ما تقدم.

قلنا : لو تمّ سند الروايتين ولم يناقش في الاولى من ناحية احمد بن هلال وفي الثانية من ناحية الارسال تحقق التعارض بينهما من جهة وبين صحيحة زرارة من جهة اخرى وينبغي ترجيح الثانية لموافقتها للكتاب الكريم.

٨ ـ واما ان الولد ملحق بالزوج فهو من واضحات الفقه.

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام في حديث عن المتعة قلت : «أرأيت إن حبلت فقال : هو ولده» (٤) وغيرها.

بل لا نحتاج إلى رواية خاصة بعد قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٥).

واما ترتب جميع حقوق الولد ـ الثابتة في العقد الدائم ـ عليه‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٨٥ الباب ٥٢ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٠ : ٤٨٥ الباب ٥٢ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٨ الباب ٣٣ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٦٨ الباب ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء الحديث ٤.


فباعتبار ان ذلك لازم كونه ولده ، إذ يشمله آنذاك اطلاق أدلة احكام الولد الثابتة لعنوانه.

٩ ـ واما عدم استحقاق المتمتع بها للنفقة‌ فقد ادعى صاحب الجواهر الاجماع على ذلك (١). واستدل له الشيخ البحراني بما دلّ على انها لا تطلّق ولا تورث وانما هي مستأجرة ، قال قدس‌سره : «ومن المعلوم ان الاجير لا نفقة له» (٢).

وكان من المناسب له الاستدلال لذلك أيضا برواية هشام بن سالم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اتزوج المرأة متعة مرة مبهمة فقال : ذلك اشد عليك ترثها وترثك ولا يجوز لك ان تطلقها الا على طهر وشاهدين قلت : اصلحك الله فكيف أتزوجها قال : اياما معدودة بشي‌ء مسمّى مقدار ما تراضيتم به فاذا مضت ايامها كان طلاقها في شرطها ولا نفقة ولا عدة لها عليك» (٣).

ولعل دلالتها واضحة الا ان سندها يشتمل على موسى بن سعدان وعبد الله بن القاسم اللذين لم تثبت وثاقتهما ، ولكن ذلك غير مهم على مباني الشيخ البحراني قدس‌سره.

هذان وجهان لإثبات عدم وجوب الانفاق على المتمتع بها. وكلاهما كما ترى.

والأنسب ان يستدل على ذلك بان المسألة عامة البلوى ، وحكمها‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣١ : ٣٠٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٩٨.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ : ٢٦٧ ، ووسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٠ الباب ٢٠ من ابواب المتعة الحديث ٣.


لا بدّ ان يكون واضحا بين الاصحاب ، وحيث لا يحتمل ان يكون هو وجوب الانفاق ـ والا لانعكس ذلك على الروايات وكلمات الاصحاب ، والحال ان الامر بالعكس تماما ـ فيتعين ان يكون هو عدم الوجوب ، وهو المطلوب.

١٠ ـ واما انه لا توارث في الزواج المؤقت الا مع الاشتراط‌ فهو المشهور. والروايات في هذا المجال على ثلاث طوائف :

الاولى ـ ما دلّ على عدم الارث من دون تفصيل.

الثانية ـ ما دلّ على الارث مع الشرط.

الثالثة ـ ما دلّ على الارث الا مع اشتراط العدم.

مثال الاولى : صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الاجل» (١).

والسند يشتمل على موسى بن بكر ، وهو لم يوثق في كتب الرجال الا انه تقدم في ابحاث سابقة توجيه وثاقته.

ومثال الثانية : صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ، ان اشترطت كان وان لم تشترط لم يكن» (٢).

ومثال الثالثة : موثقة محمد بن مسلم : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا ، وانما الشرط بعد النكاح (٣)» (٤) ، بناء على ان المقصود : اذا لم يشترطا عدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٧ ٢ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٥ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٣) لعل المقصود ان الشروط يلزم ان تذكر ضمن عقد النكاح وبعد كلمة «أنكحت».

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٦ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ٢.


الارث ، واما اذا كان المقصود : إذا لم يشترطا الاجل فهي أجنبية عن المقام ولا بدّ من حذف الطائفة الثالثة من الحساب.

ثم ان المعارضة تنحصر بين الطائفة الثالثة والثانية والا فالاولى ليست طرفا للمعارضة بعد كونها بمنزلة المطلق القابل للتقييد بأي واحدة من الطائفتين الاخيرتين.

وكلتا الطائفتين متفقتان على ثبوت الارث مع الاشتراط وانما التعارض عند فرض عدم الاشتراط ، فالثانية تدل على عدم الارث والثالثة تدل على ثبوته.

وبعد التعارض في هذا المقدار يتساقطان ويلزم الرجوع إلى الطائفة الاولى لأنها بمنزلة العام الفوقاني ، ومن ثمّ تكون النتيجة ثبوت الارث عند اشتراطه لكونه مورد اتفاق الطائفتين الاخيرتين وعدم ثبوته عند عدم اشتراطه تمسكا باطلاق الطائفة الاولى.

وبذلك نصل إلى النتيجة التي صار اليها المشهور.

ومن هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من الحكم بعدم الارث حتى مع اشتراطه بدعوى ان مقتضى عقد التمتع عدم الارث ، فاشتراطه مخالف لمقتضى العقد بل هو على حد اشتراط ارث غير الوارث المعلوم بطلانه بسبب مخالفته للكتاب والسنة (١).

ووجه التأمل : انه اتضح من خلال ما ذكرناه ان عقد التمتع لا يقتضي الارث في حالة عدم الاشتراط والا فيقتضيه لاتفاق الطائفتين الاخيرتين على ذلك.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ : ١٩٥.


١١ ـ واما انه لا طلاق في عقد التمتع بل تحصل البينونة بانتهاء الاجل‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة الهاشمي المتقدمة وغيرها.

واما انه يصح للزوج هبة ما يبقى من الاجل وتبين بذلك فهو مما لا خلاف فيه أيضا. وتدل عليه صحيحة علي بن رئاب : «كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضى اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقع عليه‌السلام : لا يرجع» (١) وغيرها.

وهي تدل على المفروغية من جواز الابراء وانما السؤال عن جواز التراجع عنه.

واضمارها لا يضر بحجيتها للبيان المتقدم في ابحاث سابقة لإثبات حجية المضمرات بشكل عام.

١٢ ـ واما عدم جواز الزواج المؤقت بالكافرة غير الكتابية‌ فلما تقدم نفسه من الوجه في العقد الدائم.

١٣ ـ واما انه لا يصح تجديد العقد عليها قبل انتهاء الاجل‌ فهو المشهور. واستدل لذلك صاحب الجواهر بوجوه ثلاثة :

أ ـ ان العقد إذا كان يؤثر من حينه يلزم محذور تحصيل الحاصل ، وان كان يؤثر بعد انتهاء الاجل يلزم تأخر الاثر عن المؤثر ، وهو مستحيل.

ب ـ التمسك بمفهوم صحيحة ابي بصير : «لا بأس ان تزيدك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٣ الباب ٢٩ من أبواب المتعة الحديث ١.


وتزيدها إذا انقطع الاجل فيما بينكما تقول لها استحللتك بأجل آخر برضا منها ولا يحلّ ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها» (١).

ج ـ التمسك برواية ابان بن تغلب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ثم انها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز ان يزيدها في اجرها ويزداد في الايام قبل ان تنقضي ايامه التي شرط عليها فقال : لا ، لا يجوز شرطان في شرط. قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الايام ثم يستأنف شرطا جديدا» (٢). هذا ما افيد في الجواهر (٣).

والكل كما ترى.

اما الاول فلان محذور تحصيل الحاصل يختص بالامور التكوينية دون الامور الاعتبارية ، وما المانع من تأثير العقد تأكيد الحاصل بلحاظ الفترة الباقية والتأسيس بلحاظ ما بعد انتهاء الاجل.

واما الثاني فباعتبار انه لا يبعد نظر صحيحة ابي بصير في مفهومها الى انه يجوز بعد انتهاء الاجل تجديد العقد من دون توقف على انتهاء العدة وليست ناظرة إلى ما هو المقصود في محل الكلام.

واما الثالث فباعتبار ان رواية ابان وان كانت تامة الدلالة الا ان الشيخ الكليني قد رواها بطرق ثلاث تشترك جميعا في ابراهيم بن الفضل الهاشمي الذي لم تثبت وثاقته.

وعليه فالحكم بعدم الجواز لا بدّ من ابتنائه على الاحتياط ـ تحفظا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٥ الباب ٢٣ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٨.

(٣) جواهر الكلام ٣٠ : ٢٠٢.


من مخالفة المشهور ـ دون الفتوى.

١٤ ـ واما جواز اشتراط عدم الوطء‌ فالظاهر انه لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عمار بن مروان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها ان تزوجه نفسها فقالت : ازوجك نفسي على ان تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من اهله الا ان لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت فاني اخاف الفضيحة ، قال : ليس له الا ما اشترط» (١).

بل بالامكان التمسك باطلاق موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام ان علي بن ابي طالب عليه‌السلام كان يقول : «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (٢).

واما انه يجوز الوطء لو تنازلت عن شرطها فباعتبار ان ما اشترطته كان حقا لها لا عليها ، ومن حق كل صاحب حق التنازل عن حقه.

ومن هذا يتضح التأمل فيما نسب إلى العلامة من عدم جواز الوطء حتى مع التنازل بتقريب ان العقد لم يتشخص الا بذلك الشرط ، وخلافه ليس مندرجا في العقد (٣).

على ان المسألة تشتمل على نص خاص ، وهو ما رواه اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل تزوج بجارية عاتق على ان لا يفتضها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٩١ الباب ٣٦ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٧ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ٩.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٤ : ١٩٨.


ثم اذنت له بعد ذلك قال : إذا اذنت له فلا بأس» (١).

٦ ـ أحكام النفقة‌

يجب على الزوج الانفاق على زوجته الدائمة بما هو المتعارف من حيث الطعام والسكن والملابس وما شاكل ذلك بشرط ان لا تكون متمردة على القيام بحقوقه الزوجية.

وإذا خرجت من بيت زوجها معلنة للتمرد فلا نفقة لها. واما إذا لم يكن عن تمرد فلا تستحق النفقة الا بعد عودها.

وإذا لم يقم الزوج بالنفقة الواجبة اشتغلت ذمته بها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب الانفاق على الزوجة‌ فهو في الجملة من ضروريات الفقه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ... وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) ، فان مقتضى المعاشرة بالمعروف هو الانفاق بالشكل المتعارف من حيث المسكن والطعام وما شاكل ذلك.

واختصاص الآية الاولى بالزوجة المولود لها ليس مضرا بعد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥ الباب ٣٦ من أبواب المهور الحديث ٢.

والعاتق : الجارية اول ما تدرك او الجارية التي لم تتزوج.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) النساء : ١٩.


عدم احتمال اختصاص الحكم بها.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

واما الروايات فهي كثيرة ، كصحيحة ابي بصير : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرّق بينهما» (١) وغيرها.

٢ ـ واما التقييد بالزوجة الدائمة‌ ـ بالرغم من شمول اطلاق ما تقدم للمنقطعة ـ فقد تقدم وجهه عند البحث عن الزواج المؤقت.

٣ ـ واما ان المدار على المتعارف‌ فيمكن ان يقرب ببيانين :

أ ـ التمسك بفكرة الاطلاق المقامي ، بان يقال : ان اثبات وجوب الانفاق من دون تحديده كما وكيفا يدل على احالة الامر في المسألة الى العرف وما هو المتعارف عنده.

ب ـ ان التقييد بكلمة «بالمعروف» في الآيتين الكريمتين يدل بوضوح على المطلوب.

٤ ـ واما تعميم الانفاق الواجب لغير الطعام والملابس‌ فللتمسك باطلاق الامر بالمعاشرة بالمعروف.

ولا يمكن تقييده بمدلول الآية الكريمة الاولى أو بالصحيحة لعدم ثبوت المفهوم لهما ، بل الرزق في الآية يحتمل ان يراد به العموم دون خصوص الرزق للطعام ، والا فالسكن ليس مذكورا فيهما ، وهل يحتمل عدم وجوب النفقة من ناحيته؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٢.


وهل المدار في النفقة الواجبة على ملاحظة شأن الزوجة أو شأن الزوج أو شأن كليهما؟ لا يبعد أرجحية الأخير ، فان المعاشرة بالمعروف تصدق مع ملاحظة شأن الاثنين دون احدهما.

٥ ـ واما اعتبار ان لا تكون الزوجة متمردة على القيام بالحقوق الزوجية‌ فباعتبار ان المعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية الكريمة لا تقتضي الا لزوم انفاق الزوج على زوجته في حالة قيامها بحقوقه والا فتركه للإنفاق لا يعدّ امرا مخالفا للمعاشرة بالمعروف.

وإذا قيل : ان الآية الكريمة المذكورة وان كانت ضيقة المدلول الا ان هذا لا ينافي التمسك باطلاق الآية الاخرى والصحيحة المقتضي لوجوب الانفاق حتى مع النشوز.

قلنا : بما ان الآية الكريمة واردة مورد التحديد فتدل على المفهوم الصالح لتقييد الاطلاق في غيرها.

٦ ـ واما عدم استحقاق النفقة مع الخروج عن تمرد‌ فلما تقدم من اشتراط وجوب النفقة بعدم التمرد على الحقوق الزوجية.

واما عدم استحقاقها مع الخروج بلا تمرد الا بعد العود فلموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ايّما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع» (١).

والسكوني والنوفلي وان لم يوثقا بشكل خاص الا انه تقدم في ابحاث سابقة امكان توجيه حجية رواياتهما.

٧ ـ واما انشغال ذمة الزوج بالنفقة اذا لم يؤدها‌ فيمكن استفادته‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٣٠ الباب ٦ من أبواب النفقات الحديث ١.


من قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ) (١) ، فان التعبير بكلمة «على» ظاهر في إرادة الحكم الوضعي دون مجرّد الحكم التكليفي.

٧ ـ احكام القسمة‌

في وجوب القسمة بين الزوجات في مبيت الليالي ابتداء أو بعد الشروع خلاف ، فقيل بعدم الوجوب الا بالشروع ، وقيل بالوجوب ابتداء.

وفي وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت وجه.

والواجب في المبيت هو المضاجعة دون المواقعة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب القسمة في مبيت الليالي‌ فلا اشكال فيه في الجملة ، فان لكل انسان الحق في الزواج بأربع نساء بالعقد الدائم ، وإذا بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من البقية ليلة الا إذا تنازلت واحدة عن حقها فله ان يضع ليلتها حيث شاء.

وإذا كانت عنده ثلاث زوجات وبات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من الأخيرتين بالمثل ـ الا مع التنازل فكما تقدم ـ وتبقى له ليلة يضعها حيث شاء.

وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند الاخرى ليلة ـ الا مع التنازل ـ وكانت له ليلتان يضعهما حيث شاء.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.


وهذا المقدار لم يقع محلا للخلاف بين الفقهاء وانما الخلاف في لزوم الشروع وعدمه في التقسيم ابتداء ، فهل يلزم من كانت عنده زوجتان مثلا الشروع في المبيت ، بان يبات عند هذه ليلة ثم عند الاخرى ليلة ويضع الليلتين الاخيرتين من الاربع حيث شاء أو لا يلزمه ذلك بل له الحق في ان لا يبات عندهما رأسا؟

قيل بلزوم الشروع في التقسيم ابتداء. وقيل لا يلزم ذلك ولكنه لو شرع بالمبيت عند واحدة لزمه المبيت عند الاخرى أيضا ويعود حرا في الليلتين الاخيرتين ، وإذا تمت الليالي الاربع فلا يلزمه الشروع في المبيت من جديد ولكنه لو شرع لزمه المبيت عند الاخرى بالمثل ، وهكذا.

والخلاف نفسه يسري إلى من كانت عنده زوجة واحدة ، فانه على القول الاول يلزمه المبيت عندها ليلة من كل اربع ليال ، بخلافه على القول الثاني فانه لا يلزمه ذلك.

وليس المنشأ لهذا الاختلاف اختلاف الروايات بل هو القصور في مدلولها عن افادة تعيين احد الاحتمالين بخصوصه ، كما نلاحظ ذلك في صحيحة محمد بن مسلم : «سألته عن الرجل تكون عنده امرأتان واحداهما أحبّ إليه من الاخرى ، قال : له أن يأتيها ثلاث ليال والاخرى ليلة ، فان شاء أن يتزوج اربع نسوة كان لكل امرأة ليلة فلذلك كان له ان يفضّل بعضهن على بعض ما لم يكنّ أربعا» (١) وغيرها.

ولا يضر اضمارها بعد ما كان المضمر مثل محمد بن مسلم الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٨١ الباب ١ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣.


٢ ـ اما القول بعدم وجوب القسمة الا بالشروع‌ فيمكن الاستدلال له بالبيانين التاليين :

أ ـ التمسك باصالة البراءة عن وجوب التقسيم ابتداء بعد قصور الصحيحة المتقدمة وما هو بمضمونها عن افادته.

ب ـ التمسك بموثقة اسحاق بن عمار حيث : «سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن حق المرأة على زوجها قال : يشبع بطنها ويكسو جثتها وان جهلت غفر لها» (١) وما هو بمضمونها ، بتقريب انها بصدد بيان حق الزوجة على زوجها ولم يذكر منه المبيت عندها فيدل ذلك على عدم وجوبه ابتداء.

وكلا الوجهين تامان لو فرض عدم تمامية ما يستدل به على الوجوب ابتداء والا فلا معنى للتمسك بأصل البراءة ويلزم تقييد الموثقة ، فان دلالتها على نفي الوجوب ابتداء بالاطلاق فيقيد.

٣ ـ واما القول بوجوب القسمة ابتداء‌ فقد يستدل له بما يلي :

أ ـ التمسك بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يتزوج الامة على الحرة قال : لا يتزوج الامة على الحرة ويتزوج الحرة على الامة. وللحرة ليلتان وللأمة ليلة» (٢) وما هو بمضمونها.

وفيه : ان من المحتمل ان يكون المقصود من ذلك انه لو أراد المبيت فيلزمه تخصيص الحرة بليلتين والأمة بليلة واحدة لا ان ذلك واجب عليه ابتداء.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٨٨ الباب ٨ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣.


ب ـ التمسك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم ١ ، حيث ورد فيها «فان شاء ان يتزوج اربعة نسوة كان لكل امرأة ليلة» ، فان مقتضى اطلاقها ان لكل امرأة من الاربع ليلة سواء شرع في القسمة أم لا.

وفيه : ان المقصود من جملة «كان لكل امرأة ليلة» عدم جواز تفضيل بعضهن على بعض لا استحقاق كل واحدة ليلة ، ولا أقل من احتمال ذلك ، ومعه لا يصح التمسك بالاطلاق.

ج ـ التمسك باطلاق قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (١) ، بتقريب انه يدل على وجوب فعل كل ما هو مصداق للمعاشرة بالمعروف ، ومن جملته المبيت عند الزوجة. والاطلاق المذكور حجة ما لم يدل دليل على تقييده ، وحيث لم يدل دليل على نفي وجوب المبيت ابتداء فيكون الاطلاق محكّما.

والظاهر ان الوجه المذكور متين ، وفي ضوئه يمكن الحكم بوجوب القسمة ابتداء.

٤ ـ واما الوجه في وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت‌ فمستنده رواية ابراهيم الكرخي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له اربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهن ، فاذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في هذا اثم؟ قال : انما عليه ان يبيت عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها وليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك» (٢).

__________________

(١) النساء : ١٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٨٤ الباب ٥ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.


وابراهيم وان لم يوثق بالخصوص الا انه تكفي رواية ابن ابي عمير عنه (١) بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة.

٥ ـ واما عدم وجوب المواقعة‌ فلأصل البراءة بعد عدم الدليل على وجوبها.

هذا لو قطعنا النظر عن رواية الكرخي المتقدمة والا كانت هي الدليل.

ثم انه قد يشكك في وجوب المضاجعة ـ وهي النوم مع الزوجة في فراش واحد قريبا منها بحيث لا يعدّ هاجرا لها ـ أيضا باعتبار ان الروايات دلت على وجوب المبيت دون المضاجعة عنده ، ومعه يتمسك لنفي وجوبها بأصل البراءة.

__________________

(١) كما ورد في الكافي ٢ : ٢٩٢ الحديث ١١.


الإيقاعات‌

١ ـ الطلاق‌

٢ ـ الظهار‌

٣ ـ الايلاء‌

٤ ـ اللعان‌

٥ ـ اليمين والنذر والعهد‌

٦ ـ الوصية‌

٧ ـ الوقف‌

٨ ـ الجعالة‌

٩ ـ الشفعة‌



كتاب الطّلاق‌

١ ـ حقيقة الطلاق‌

٢ ـ شرائط صحة الطلاق‌

٣ ـ أقسام الطلاق‌

٤ ـ أحكام العدّة‌

٥ ـ من أحكام الخلع والمباراة‌

٦ ـ من أحكام الطلاق‌



١ ـ حقيقة الطلاق‌

الطلاق ايقاع يتضمّن إنشاء الزوج للفرقة بعد تحقّق الزوجية الدائمة.

وهو مشروع بضرورة الدين من الزوج فقط إلاّ في موارد خاصّة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الطلاق ايقاع متقوّم بالايجاب بلا مدخلية للقبول في تحققه‌ فهو من بديهيات الفقه. ويمكن استفادته من النصوص المذكورة في ثنايا الابحاث الآتية.

واما ان حقيقته ما ذكر فهو من بديهيات اللغة والشرع.

واما اختصاص مورده بفرض الزواج الدائم فلما يأتي ان شاء الله تعالى.

٢ ـ واما انه مشروع‌ فهو من ضروريات دين الإسلام. ويدل على ذلك أيضا ترتيب الاحكام الخاصة عليه في الكتاب الكريم. قال تعالى :


(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...) (١) ، (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ ...) (٢) ، (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ...) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

واذا كان الزواج أحبّ شي‌ء إلى الله سبحانه فالطلاق أبغض شي‌ء اليه. وقد ورد في الحديث الشريف عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من شي‌ء أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر بالنكاح. وما من شي‌ء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة ، يعني الطلاق» (٤).

وفي حديث آخر : «تزوجوا ولا تطلقوا ، فان الطلاق يهتز منه العرش» (٥).

أجل هذا يختص بحالة الوئام بين الزوجين أو وجود مشاكل لا ينحصر علاجها بالطلاق والا لم يكن مبغوضا لعدم احتمال المبغوضية شرعا في مثل ذلك. مضافا الى دلالة جملة من الروايات على ذلك. وقد ورد في الحديث ان أبا جعفر عليه‌السلام «كانت عنده امرأة تعجبه وكان لها محبا فأصبح يوما وقد طلّقها واغتم لذلك فقال له بعض مواليه : لم طلقتها؟ فقال : اني ذكرت عليا عليه‌السلام فتنقصته فكرهت ان الصق جمرة من جهنم بجلدي» (٦). بل روي عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خمسة لا يستجاب لهم : رجل جعل الله بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه وعنده ما‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) البقرة : ٢٣١.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٦٦ الباب ١ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٦٨ الباب ١ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

(٦) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٦٩ الباب ٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.


يعطيها ولم يخلّ سبيلها ...» (١).

يبقى كيف نثبت مشروعية الطلاق في حالة الوئام وعدم وجود الضرورة؟

والجواب : انه بعد ضرورة ذلك بين جميع المسلمين لا نبقى بحاجة إلى دليل بل الضرورة نفسها دليل على ذلك.

هذا مضافا الى انه لو لم يجز عند عدم الضرورة لانعكس ذلك على الروايات لكون المسألة عامة البلوى.

بل يمكن التمسك باطلاق بعض النصوص ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ...» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما اختصاص مشروعية الطلاق بالزوج‌ فهو من الضروريات التي لا تحتاج الى دليل.

بل ان القصور في مقتضي التعميم كاف وحده لإثبات الاختصاص.

وتؤيد الاختصاص مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة وشرطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق فقال : خالف السنة وولى الحق من ليس اهله ، وقضى ان على الرجل الصداق وان بيده الجماع والطلاق وتلك السنة» (٣) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٧١ الباب ٥ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٨ الباب ٢ من أبواب اقسام الطلاق الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٠ الباب ٤٢ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.


والحديث النبوي : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (١).

٤ ـ واما موارد الاستثناء التي يصح فيها الطلاق من غير الزوج‌ فيأتي التحدث عنها فيما بعد ان شاء الله تعالى.

٢ ـ شرائط صحة الطلاق‌

يلزم لوقوع الطلاق صحيحا توفر :

١ ـ البلوغ فلا يصح طلاق الصبي وان بلغ عشرا بل ولا طلاق وليه عنه.

٢ ـ العقل فلا يصح طلاق المجنون الا اذا كان بالغا فانه يجوز لوليه الطلاق مع اقتضاء المصلحة لذلك.

٣ ـ الاختيار فلا يصح طلاق المكره.

٤ ـ القصد فلا يصح طلاق السكران والهازل وغيرهما ممن لا قصد له.

٥ ـ التنجيز فلا يقع الطلاق لو قال الزوج لزوجته : انت طالق ان فعلت كذا.

٦ ـ تعيين المطلقة فلا يصح لو قال الزوج : احدى زوجاتي طالق.

٧ ـ ان تكون الزوجة في حالة طهر ـ من الحيض والنفاس ـ لم يواقعها فيه.

ويستثنى من ذلك :

أ ـ ما اذا كان المطلّق غائبا ، فان الطلاق يقع صحيحا منه حتى مع اتضاح عدم طهرها حالته بشرطين : عدم امكان معرفته لحالها ، ومضي فترة يعلم بحسب عادتها انتقالها من طهر الى آخر. والاحتياط يقتضي ان تكون شهرا وأحوط من ذلك أن تكون ثلاثة اشهر.

__________________

(١) كنز العمال ٥ : ١٥٥ الرقم ٣١٥١.


وفي حكم الغائب الحاضر الذي لا يمكنه معرفة حال زوجته كالمسجون.

ب ـ ما اذا كانت حاملا وقد استبان حملها فانه يصح طلاقها وان لم تكن على طهر او كانت في طهر المواقعة.

ج ـ ما اذا لم تكن مدخولا بها.

د ـ ما اذا كانت صغيرة لم تبلغ سنّ التكليف وقد دخل بها الزوج وان كان ذلك محرما.

ه ـ ما اذا كانت قد بلغت سنّ اليأس.

و ـ المسترابة ـ وهي من كانت في سن من تحيض ولا تحيض لخلقة او لعارض اتفاقي من رضاع أو مرض طارئ وما شاكل ذلك ـ فانه يجوز طلاقها وان كان ذلك في طهر المجامعة بشرط مضي ثلاثة اشهر على المواقعة الاخيرة.

٨ ـ ان يكون الزواج دائما فلا يقع بالمتمتع بها بل تتحقق الفرقة بانتهاء المدة او هبة المقدار المتبقّى منها.

٩ ـ اشهاد رجلين عادلين. ولا يلزم ان يعرفا المطلقة بنحو يصح منهما الشهادة عليها.

١٠ ـ الصيغة الخاصة ، وهي : «انت طالق» أو «زوجتي طالق» أو «فلانة طالق» وما أشبه ذلك من الصيغ المشتملة على كلمة «طالق». ولا يصح بصيغة «فلانة مطلقة» أو «طلقت فلانة».

وتجزئ الترجمة عند تعذر النطق بالعربية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار البلوغ في المطلّق‌ فهو المشهور بين المتأخرين ـ


خلافا للشيخين وجماعة من القدماء (١) ـ لعدة امور :

أ ـ التمسك بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (٢) ، فان مقتضى اطلاقه الشمول لقلم الوضع أيضا.

وضعف سنده منجبر بعمل الاصحاب ـ كما تقدم غير مرة ـ بناء على تمامية كبرى الانجبار.

ب ـ اتفاق الاصحاب على اعتبار البلوغ في باب البيع وسائر المعاملات المالية. والطلاق ان لم يكن اولى باعتبار ذلك فيه فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج ـ الروايات الخاصة ، من قبيل موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم» (٣) وغيرها.

والحسين ثقة لان ظاهر كلام النجاشي : «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي. واخوه الحسن يكنى ابا محمد ثقة. رويا عن ابي عبد الله عليه‌السلام ...» (٤) رجوع التوثيق الى الحسين دون الحسن.

الا ان في مقابل ذلك عدة روايات تدل على العكس ، من قبيل ما رواه الشيخ في تهذيبه عن الكليني بسنده الموثق عن ابن بكير عن ابي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٢ : ٥.

وفي تهذيب الاحكام لشيخ الطائفة ٨ : ٧٥ ما نصه : «طلاق الصبي جائز اذا عقل الطلاق.

وحدّ ذلك عشر سنين. يدل على ذلك ما رواه ...».

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٠ الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٥ باب ٣٢ من ابواب مقدمات الطلاق حديث ٨.

(٤) رجال النجاشي : ٣٨ منشورات مكتبة الداوري.


عبد الله عليه‌السلام : «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» (١) ، ورواية ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» (٢).

ولا يضر الارسال في السند بعد كون المرسل ابن ابي عمير بناء على رأي المشهور من حجية مراسيله من دون تفصيل. والمناسب ـ بناء على تمامية سند هذه الطائفة ـ الجمع بينها وبين الاولى بالتقييد فتحمل الاولى على من كان عمره أقلّ من عشر.

ولا يقف امام ذلك حديث رفع القلم لإمكان تخصيصه.

هذا ولكن الاحتياط باعتبار البلوغ امر لازم تحفظا من مخالفة المشهور ولإمكان التشكيك في سند روايات الطائفة الثانية ، فان الرواية الاولى وان كانت معتبرة السند حسب نقل التهذيب الا انها في الكافي لم تذكر بالسند المذكور بل بسند آخر فراجع (٣).

وصحة الرواية الثانية تبتني على مسلك المشهور في مراسيل ابن ابي عمير ، بل ان النسخ قد اختلفت في كيفية نقل متن الرواية ، ففي بعضها : «لا يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» وفي بعضها الآخر : «يجوز» بدون كلمة النفي.

٢ ـ واما عدم ثبوت الولاية لولي الصبي في الطلاق‌ فأمر لا خلاف فيه. ويكفي لإثباته القصور في المقتضي. ومع التنزل يمكن التمسك بالروايات الخاصة كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ : ٧٧ الرقم ١٧٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٤ الباب ٣٢ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٤.


«الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : اذا كان ابواهما اللذان (١) زوجاهما فنعم. فقلت : فهل يجوز طلاق الاب؟ قال : لا» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما عدم صحة الطلاق من المجنون‌ فلعدم تحقق القصد منه وللروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق السكران وعتقه فقال : لا يجوز. قال : وسألته عن طلاق المعتوه قال : وما هو؟ قال : قلت : الاحمق الذاهب العقل قال : لا يجوز» (٣) وغيرها.

٤ ـ واما انه يجوز الطلاق لولي المجنون‌ فهو المشهور لصحيحة أبي خالد القماط : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ولم لا يطلق هو؟ قلت : لا يؤمن ان طلق هو ان يقول غدا : لم أطلق او لا يحسن ان يطلق ، قال : ما ارى وليه الا بمنزلة السلطان» (٤) وغيرها.

هذا وقد نسب الخلاف في المسألة إلى ابن ادريس تمسكا بان الاصل بقاء العقد وبالنبوي : «الطلاق بيد من اخذ بالساق» (٥).

وفيه : ان الاصل لا مجال له مع الدليل الاجتهادي. والنبوي على تقدير تماميته سندا قابل للتقييد بصحيحة القماط وغيرها.

ثم انه لا يبعد ان يكون قوله عليه‌السلام : «ولم لا يطلق هو» ناظرا الى فرضية عدم زوال العقل بشكل كامل او الى حالة الجنون الادواري مع‌

__________________

(١) الظاهر ان الصواب : اللذين.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٢٠ الباب ١٢ من أبواب عقد النكاح الحديث ١ ، و ١٥ : ٣٢٦ الباب ٣٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٨ الباب ٣٤ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٩ باب ٣٥ من ابواب مقدمات الطلاق حديث ١.

(٥) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٥٥.


فرض الافاقة ، كما نبّه عليه في الحدائق (١).

٥ ـ واما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بما اذا كان ـ المجنون ـ بالغا‌ فلانه بدون فرض ذلك يكون مشمولا لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على ان الاب لا يجوز له الطلاق بالولاية.

واذا قيل : كما ان لصحيحة ابن مسلم اطلاقا كذلك لصحيحة القماط اطلاق فلما ذا تقديم الاطلاق الاول؟

قلنا : انه يمكن التشكيك في ثبوت الاطلاق لصحيحة القماط لأنها تدل على ثبوت السلطنة للولي في المورد الذي يكون للمجنون الحق في الطلاق لو لا جنونه ، وذلك لا يتم الا اذا كان المجنون بالغا بناء على عدم ثبوت الحق لغير البالغ في الطلاق.

ثم انه مع التنزل وفرض تعارض الاطلاقين وتساقطهما يلزم الرجوع إلى الاصل وهو يقتضي عدم ترتب الاثر على طلاق الولي. وبذلك تكون النتيجة واحدة على كلا التقديرين.

٦ ـ واما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بالمصلحة‌ بالرغم من اطلاق الروايات من هذه الناحية فباعتبار الجزم بان الولاية المجعولة للولي ليست تكريما له بل لحاجة المولى عليه الى من يتصرف عنه تحقيقا لمصالحه.

٧ ـ واما عدم صحة طلاق المكره‌ فأمر لا خلاف فيه ، ويدل عليه حديث الرفع (٢) والروايات الخاصة ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن طلاق المكره وعتقه فقال : ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.


بعتق ...» (١) وغيرها.

٨ ـ واما اعتبار القصد‌ فللتسالم على تبعية العقود والايقاعات للقصد. هذا مضافا الى الروايات الخاصة الواردة بلسان : «لا طلاق الا لمن اراد الطلاق» (٢).

٩ ـ واما التنجيز‌ فمدركه منحصر بالإجماع المدعى على اعتباره والا فغير قابل للتأمل من قبيل :

أ ـ منافاة التعليق لقاعدة عدم تأخر المعلول عن علته.

ب ـ ان ظاهر الروايات فعلية الطلاق بمجرد تحقق الصيغة ، واشتراط تأخره الى حصول المعلق عليه شرع جديد.

وقد تمسك بهذين الوجهين صاحب الجواهر (٣).

ووجه التأمل :

اما في الاول فلان العلة ليست هي الصيغة بمجردها بل مع الشرط فلا تأخر.

واما في الثاني فلانه لا توجد رواية تدل بوضوح على ذلك. ومع التنزل يمكن دعوى نظرها إلى الحالة الغالبة ، وهي التنجيز.

هذا ويظهر الخلاف في المسألة من الشهيد الثاني في المسالك حيث رجح جواز التعليق لعدة وجوه نذكر منها :

أ ـ القياس على الظهار ، حيث دلت النصوص على جواز التعليق فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٣١ الباب ٣٧ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٥ الباب ١١ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) جواهر الكلام ٣٢ : ٧٨.


ب ـ ان في التعليق حكمة لا تحصل في العقد المنجز ، فان الزوجة قد تخالف زوجها في بعض مقاصده فتفعل ما يكرهه ، والزوج يكره طلاقها من حيث انه ابغض الحلال فيحتاج الى التعليق على فعل ما يكرهه كي اذا امتنعت يحصل غرضه او خالفت تكون هي المختارة لطلاقها (١).

وكلاهما كما ترى.

والمناسب اعتبار التنجيز ولو على مستوى الاحتياط تحفظا من مخالفة الاجماع المدعى.

هذا اذا فرض وجود مطلقات تدل على مشروعية الطلاق المعلق والا كفى القصور في المقتضي حيث يجري آنذاك استصحاب بقاء النكاح بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

بل يمكن تقريب جريان الاستصحاب حتى بناء على الرأي المذكور ، بان يستصحب بقاء اباحة الاستمتاعات ، فان القائل بالمنع من جريان الاستصحاب في الاحكام يخصّص ذلك بالاحكام الالزامية دون الترخيصية ، اذ لا جعل فيها ليعارض استصحاب بقائها باستصحاب عدم الجعل الزائد.

١٠ ـ واما اعتبار تعيين المطلقة‌ فهو المشهور. ويمكن الاستدلال له بانه مع عدم التعيين اما ان يقع الطلاق بالواحدة المرددة من الزوجات او بالواحدة بنحو الكلي في المعين.

__________________

(١) مسالك الافهام ٢ : ١٥.


وكلاهما لا يمكن المصير اليه.

اما الاول فلعدم معقولية الفرد المردد.

واما الثاني فلان ثبوت الطلاق للواحدة الكلية وان كان امرا ممكنا ـ كتعلق البيع بكيلو كلي من صبرة معينة ـ غايته تعيّن تلك الواحدة الكلية بواسطة القرعة الا ان ذلك يحتاج الى دليل يدل عليه ، ولا دليل يدل على صحة طلاق الواحدة الكلية مع تعيينها بالقرعة.

وتؤيد اعتبار التعيين رواية محمد بن احمد بن مطهر : «كتبت إلى ابي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام اني تزوجت اربع نسوة ولم اسأل عن اسمائهن ثم اني اردت طلاق احداهن وتزويج امرأة اخرى فكتب عليه‌السلام انظر الى علامة ان كانت بواحدة منهن فتقول : اشهدوا ان فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ثم تزوّج الاخرى اذا انقضت العدّة» (١).

ومن ذلك يتضح النظر فيما نسب الى جماعة كالشيخ وابن البراج والمحقق والعلامة والشهيد من وقوع الطلاق صحيحا مع عدم التعيين لوجهين : اصالة عدم الاشتراط ، وعموم مشروعية الطلاق (٢).

ووجه النظر :

اما بالنسبة الى الاصل المذكور فلانه لا اساس له ان لم يرجع الى التمسك بالعموم الذي هو الوجه الثاني.

واما العموم فهو غير مستفاد من النصوص.

١١ ـ واما اعتبار ان تكون الزوجة طاهرة بطهر لم يواقعها فيه زوجها‌ فأمر متسالم عليه. وتدل عليه النصوص المستفيضة ، كصيحة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٠٠ الباب ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٨١.


زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : «اما طلاق السنة فاذا اراد الرجل ان يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر فاذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين ...» (١).

وصحيحة الفضلاء عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «اذا طلّق الرجل في دم النفاس او طلّقها بعد ما يمسها فليس طلاقه اياها بطلاق» (٢) وغيرهما.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (٣) ، فان المقصود اذا أردتم طلاق النساء فطلقوهنّ لزمان عدتهن بحيث يأخذ زمان العدة بالشروع من حين تحقق الطلاق ، وليس ذلك الا بان يقع الطلاق في طهر لا مواقعة فيه فان العدة كما يأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ هي ثلاثة قروء بمعنى ثلاثة اطهار ، فلو وقع الطلاق في الحيض لم يمكن شروع العدة ـ بالمعنى المذكور ـ من حين الطلاق كما هو واضح ، ولو وقع في طهر المواقعة لم يمكن ذلك أيضا لان المقصود من الاطهار الثلاثة هي الاطهار الخالية من المواقعة ، ومعه فيحتاج إلى مرور ثلاثة اطهار جديدة منفصلة عن الطلاق.

١٢ ـ واما استثناء حالة غيبة المطلّق‌ فأمر متسالم عليه للروايات المتعددة الواردة بلسان : «خمس يطلقهن أزواجهن متى شاءوا : الحامل المستبين حملها ، والجارية التي لم تحض ، والمرأة التي قعدت من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٠ الباب ٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٧٩ الباب ٩ من ابواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) الطلاق : ١.


المحيض ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها» (١).

وسند الروايات المذكورة جلا أو كلا صحيح فراجع.

١٣ ـ واما تعميم الحكم بالصحة لما اذا اتضح عدم الطهر واقعا حالة الطلاق‌ فللتمسك باطلاق الروايات المذكورة بل وللتصريح بالتعميم فيها بلفظ «متى شاءوا» ، على انه قد يقال بان الطهر واقعا لو كان معتبرا يلزم عدم ثبوت الخصوصية لعنوان غيبة المطلّق.

١٤ ـ واما اعتبار عدم امكان معرفة حالها ومضي فترة يعلم فيها بالانتقال‌ فلانه لا يحتمل اعتبار عنوان الغيبة بنحو الموضوعية ولا يحتمل ان مجرد غيبة الزوج في الساعات الاولى كاف لجواز الطلاق حتى مع امكان تحصيل العلم بسهولة او فرض العلم ببقاء طهر المواقعة او كونها في حالة حيض او نفاس.

١٥ ـ واما الاحتياط باعتبار مضي شهر‌ فلموثق ابن سماعة : «سألت محمد بن ابي حمزة متى يطلق الغائب؟ فقال : حدثني اسحاق بن عمار او روى اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام او ابي الحسن عليه‌السلام قال : اذا مضى له شهر» (٢).

وانما كان الحكم بنحو الاحتياط دون الفتوى باعتبار ان لسان الروايات السابقة : «خمس يطلقهن ازواجهن متى شاءوا ...» يأبى التقييد ، فانه لو كان مضي الشهر معتبرا لم يكن للغائب الطلاق متى شاء.

ومن القريب جدا ان يكون اعتبار مضي الشهر من باب انه الفترة التي يحرز فيها عادة بالانتقال من طهر إلى آخر. ويترتب على ذلك انه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٦ الباب ٢٥ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٨ الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.


لو تمّ الاحراز قبل مضي الفترة المذكورة كان ذلك كافيا للحكم بصحة الطلاق.

ولكن مع ذلك كله يبقى الاحتياط باعتبار مضي الشهر حتى مع تحقق الاحراز قبله امرا وجيها.

١٦ ـ واما احوطية اعتبار مضي ثلاثة أشهر‌ فلموثقة اسحاق بن عمار الاخرى : «قلت لأبي ابراهيم عليه‌السلام : الغائب الذي يطلّق اهله كم غيبته؟ قال : خمسة أشهر ، ستة أشهر. قال : حدّ دون ذا قال : ثلاثة أشهر» (١) ، فان ظاهرها وان كان يقتضي الالزام بمضي ثلاثة أشهر الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لعدم احتمال ان مضي المدة المذكورة معتبر حتى مع الجزم بالانتقال من طهر الى آخر ، فان حال الغائب ليست أسوأ من حال الحاضر.

وعليه فمع الجزم بالانتقال لا يعتبر مضي ثلاثة أشهر وان كان ذلك أحوط حفاظا على العمل بظاهر الموثقة.

١٧ ـ واما ان الحاضر بحكم الغائب اذا لم يمكنه معرفة حال زوجته‌ فلما تقدم من عدم احتمال ان تكون لغيبة المطلّق موضوعية بل الخصوصية لعدم امكان معرفة حال الزوجة الملازم عادة للغيبة. وعليه فيسري حكم الغيبة إلى الحضور الذي هو بمنزلتها.

ومما يدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من اهلها وهي في منزل اهله وقد اراد ان يطلقها وليس يصل اليها فيعلم طمثها اذا طمثت‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٨ الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.


ولا يعلم بطهرها اذا طهرت فقال : هذا مثل الغائب عن اهله يطلّق بالاهلة والشهور ...» (١).

١٨ ـ واما استثناء الحامل المستبين حملها‌ فهو لما تقدم من الروايات الواردة بلسان : «خمس يطلقهن ازواجهن متى شاءوا : الحامل المستبين حملها ...».

واما انه يصح طلاقها حتى اذا لم تكن على طهر أو كانت في طهر المواقعة فللتقريبات الثلاثة المتقدمة في الرقم ١٣.

١٩ ـ واما استثناء غير المدخول بها والصغيرة واليائس‌ فللروايات المتقدمة نفسها.

واذا قيل : لم نحمل فقرة «والجارية التي لم تحض» على خصوص الصغيرة ولا نحملها على مطلق الجارية التي لا تحيض ولو كانت في سن من تحيض ، كما هو المنسوب إلى شرح النافع (٢)؟

قلنا : ان الوارد في الفقرة المتقدمة : «والجارية التي لم تحض» لا «والجارية التي لا تحيض» ، والتعبير المذكور ظاهر في الجارية التي لم يحن وقت حيضها.

هذا مضافا الى ان الوارد في بعض روايات المسألة : «والتي لم تبلغ المحيض» (٣) ، وهو صريح في المدعى.

٢٠ ـ واما ان المسترابة يجوز طلاقها بعد مضي ثلاثة أشهر من المواقعة الاخيرة‌ فلم ينسب فيه الخلاف لأحد. ويدل عليه صحيح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٠ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٧٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٦ الباب ٢٥ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.


اسماعيل بن سعد الاشعري : «سألت الرضا عليه‌السلام عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق؟ قال : تطلق بالشهور» (١).

واذا كان في المراد من كلمة «الشهور» اجمال لعدم تشخص عدد الاشهر فيمكن من خلال مراجعة روايات عدة المرأة المسترابة (٢) تحصيل الاطمئان بارادة ثلاثة أشهر.

على انه ورد في مرسلة داود بن ابي يزيد العطار عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها كيف يطلقها اذا اراد طلاقها؟ قال : ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها» (٣) التصريح بذلك. وهي وان كانت مرسلة الا ان ضمها الى تلك يوجب الاطمئنان بارادة ذلك.

هذا ويمكن ان يقال : ان كلمة «الشهور» جمع يصدق على الثلاثة ، وارادة الاقل غير محتملة ، وارادة ما زاد تحتاج الى دليل ، ومقتضى الاطلاق الاكتفاء بالثلاثة.

٢١ ـ واما انه لا طلاق في عقد التمتع‌ فامر متسالم عليه. واستدل له في الحدائق بما دلّ على حصول الفرقة بانتهاء المدة بلا حاجة إلى طلاق ، كصحيح محمد بن اسماعيل عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «قلت له الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر ، قال : اذا كان شيئا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٤ الباب ٤ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٠ الباب ٤ من أبواب العدد.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٣٥ الباب ٤٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.


معلوما الى أجل معلوم قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم» (١).

وفيه : ان هذا المضمون تكرر في الروايات الا انه لا ينفي امكان وجود سبب ثان لتحقق الفرقة ـ أثناء المدة ـ وهو الطلاق.

ومن هنا قال في الجواهر : «لم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمتمتع بها. نعم فيها ما يدل على حصوله بانقضاء المدة وبهبتها ولكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها لا مكان تعدد الاسباب» (٢).

هذا وبالامكان تحصيل بعض الروايات على ذلك من قبيل رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «المتعة ليست من الاربع لأنها لا تطلق ولا ترث وانما هي مستأجرة» (٣) ، ورواية الحسن الصيقل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول؟ قال : لا ، لان الله يقول : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها) (٤) والمتعة ليس فيها طلاق» (٥).

وهاتان الروايتان ان تمّ سندهما ـ ولم يناقش في الاولى بالقاسم بن عروة وفي الثانية بالصيقل ـ كانتا هما المستند والا انحصر المدرك بالتسالم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٨ الباب ٢٥ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٩٥ الباب ٤٣ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٤) البقرة : ٢٣٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ الباب ٩ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.


٢٢ ـ واما تحقق الفرقة بهبة ما تبقى من المدة‌ فأمر متسالم عليه. وتدل عليه صحيحة علي بن رئاب : «كتبت اليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضى اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقع عليه‌السلام : لا يرجع» (١) وغيرها.

٢٣ ـ واما اعتبار الاشهاد في الطلاق‌ فهو من شعار الامامية. وقد تقدم في بداية البحث عن النكاح حوار الامام الكاظم عليه‌السلام مع ابي يوسف القاضي فراجع.

ويدل على ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ... * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢).

واحتمال رجوع الامر بالاشهاد الى الامساك والرجعة بعيد لتخلل الفاصل المانع من ذلك.

والروايات في المسألة كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر ، كصحيحة الفضلاء عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «... وان طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه اياها بطلاق» (٣) وغيرها.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يوهم بعدم اعتبار العدالة في الشاهدين ، كما في صحيحة عبد الله بن المغيرة : «قلت لأبي الحسن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٣ الباب ٢٩ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الطلاق : ١ ـ ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٢ الباب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.


الرضا عليه‌السلام : رجل طلّق امرأته واشهد شاهدين ناصبيين ، قال : كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (١) وعلى منوالها صحيحة البزنطي (٢).

وهما ان أمكن توجيههما ـ بدلالتهما على سعة معنى العدالة لما يشمل حسن الظاهر والمعروفية بالصلاح ـ والا يلزم طرحهما لمخالفتهما لصريح القرآن الكريم.

٢٤ ـ واما عدم اعتبار تشخيص المطلقة بنحو تصح الشهادة عليها‌ فهو المشهور. وخالف في ذلك صاحب المدارك قائلا : «... فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق وان لم يعلما المطلق والمطلقة بوجه بعيد جدا بل الظاهر انه لا أصل له في المذهب ، فان النص والفتوى متطابقان على اعتبار الاشهاد. ومجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمى اشهادا قطعا» (٣).

وما أفاده قابل للتأمل ، فان اعتبار المعرفة التفصيلية لا دليل عليه بل الدليل على عدمه ، وهو اطلاق أدلة اعتبار الشهادة.

ودعوى عدم صدق الاشهاد بدون المعرفة التفصيلية مدفوعة بان الاشهاد بمرتبته العالية وان لم يكن صادقا ولكنه بمرتبة ما صادق ، وهو كاف ، لعدم الدليل على اعتبار الاكثر.

ويظهر من صاحب الجواهر عدم اعتبار المعرفة الاجمالية أيضا ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٠ الباب ٤١ من أبواب الشهادات الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٢ الباب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٢٤٧. ولصاحب المدارك شرح على المختصر النافع من كتاب النكاح إلى آخر النذر باسم نهاية المرام في شرح مختصر شرايع الإسلام. وهو لم يطبع بعد.


فلو كان لشخص عدة زوجات وقال : زوجتي طالق قاصدا لمعينة لا يعرفها الشاهدان كفى ذلك تمسكا باطلاق الادلة (١).

هذا ويمكن أن يضاف الى التمسك بالاطلاق النصوص الخاصة ، كصحيحة صفوان عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «سئل عن رجل طهرت امرأته من حيضها فقال : فلانة طالق وقوم يسمعون كلامه ولم يقل لهم اشهدوا أيقع الطلاق عليها؟ قال : نعم هذه شهادة» (٢) ، وصحيحة ابي بصير : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد ومهورهن مختلفة قال : جائز له ولهن. قلت : أرأيت ان هو خرج الى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع واشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسّم ميراثه؟ قال : ان كان له ولد ...» (٣) وغيرهما.

ومما يؤكد عدم اعتبار المعرفة التفصيلية سيرة المتشرعة. قال صاحب الحدائق معلقا على مختار صاحب المدارك : «ما ذكرنا من الاكتفاء بالمعرفة الاجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا الذين عاصرناهم وحضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه. واما ما ادّعاه رحمه‌الله فلم أقف له على موافق» (٤).

٢٥ ـ واما ان صيغة الطلاق ما تقدم‌ فلصحيحة محمد بن مسلم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٢ : ١٠٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٢ الباب ٢١ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٣ الباب ٢٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٤) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٢٥١.


حيث «سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : انت عليّ حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية قال : هذا كله ليس بشي‌ء انما الطلاق ان يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل ان يجامعها : أنت طالق أو اعتدي يريد بذلك الطلاق ويشهد على ذلك رجلين عدلين» (١) وغيرها.

والمذكور فيها جملة : «انت طالق» ولكنه يتعدّى إلى غيرها مما اشتمل على كلمة «طالق» من جهة انه في الطلاق لا يلزم ان يواجه الزوج به زوجته ويخاطبها به بل يجوز ايقاعه عند غيبتها التي لا يتأتى معها الخطاب بضمير «أنت».

وهل يتحقق الطلاق بجملة «اعتدي»؟ المناسب ذلك ـ لو لم يثبت تسالم على الخلاف ـ تمسكا بالصحيحة المذكورة وغيرها. ونسب القول بذلك إلى ابن الجنيد (٢).

الا انه اذا ثبت تسالم الاصحاب على عدم القول بذلك فالمتعين الاقتصار على الصيغة المتقدمة ولا أقل من كون ذلك هو مقتضى الاحتياط اللازم.

٢٦ ـ واما إجزاء الترجمة عند تعذر النطق بالعربية‌ فلان الطلاق لم يشرّع لخصوص العرب.

وهل يلزم توكيل العربي ان أمكن؟ المناسب هو العدم لعدم الدليل على ذلك. أجل الاحتياط بالتوكيل أمر لا ينبغي تركه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٩٥ الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٩٩.


٣ ـ أقسام الطلاق‌

ينقسم الطلاق إلى القسمين التاليين :

الأول : بدعي. وهو ما كان فاقدا للشرائط المتقدمة. وحكمه البطلان.

ويلحق بالقسم المذكور الطلاق ثلاثا من دون تخلل رجعة في البين ـ بان يقول المطلق : انت طالق ثلاثا أو يقول : انت طالق انت طالق انت طالق قاصدا بذلك تعدد الطلاق ـ الا انه لا يبطل رأسا بل تقع لدى المشهور طلقة واحدة دون ما زاد.

الثاني : سني. وهو الطلاق الجامع للشرائط المتقدمة ، وهو على نحوين :

١ ـ بائن. وهو ما لا يحق للزوج الرجوع فيه الى المطلقة سواء كان لها عدة أم لا ، ومصاديقه ستة :

أ ـ طلاق الصغيرة التي لم تبلغ سن المحيض حتى مع فرض الدخول بها عمدا أو اشتباها.

ب ـ طلاق اليائس.

ج ـ الطلاق قبل الدخول.

والمرأة في هذه الانحاء الثلاثة للطلاق ليست لها عدة.

د ـ المطلقة بالطلاق الثالث المسبوق بطلاقين قد تعقبتهما عودة برجوع أو عقد جديد فانها تحرم على زوجها حتى ينكحها رجل آخر ويفارقها بموت أو طلاق. فيجوز آنذاك للأول العقد عليها بعد انتهاء العدة.

ه ـ طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت.

و ـ طلاق الحاكم الشرعي لزوجة الممتنع من الانفاق والطلاق.


٢ ـ رجعي. وهو ما يحق للزوج الرجوع فيه في العدة سواء رجع بالفعل أم لا ، ومصداقه كل ما عدا الأفراد الستة المتقدمة.

ثم ان الرجعي ينقسم بدوره إلى عدي وغيره.

ويراد من العدي ان يطلّق الزوج زوجته على الشرائط ثم يراجع قبل الخروج من العدة ويواقع ثم يطلقها في غير طهر المواقعة ثم يراجعها ويواقعها ثم يطلقها في طهر آخر. وبذلك تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ، فاذا طلقها او مات جاز للأول الزواج بها بعد انتهاء العدة.

هذا هو الطلاق العدي. واذا تكرر حرمت في السادس أيضا حتى تنكح آخر بالشكل المتقدم ، وفي التاسع تحرم مؤبدا.

والطلاق العدي بالمعنى المذكور متقوم بأمرين :

أولهما : تخلل رجعتين. ولا يكفي وقوع عقدين جديدين أو عقد ورجعة.

ثانيهما : تحقق المواقعة بعد كل رجعة.

فطلاق العدة على هذا مركب من ثلاث طلقات : ثنتان منها رجعية وواحدة ـ وهي الثالثة ـ بائنة.

ولا خلاف في تحقق الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع في الطلاق العدي بالتفسير المذكور. كما لا خلاف ـ من غير ابن بكير ـ في تحقق الحرمة في كل طلاق ثالث بأي شكل اتفق. وانما الخلاف في تحقق الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع فيما اذا لم يكن عديا بالمعنى المتقدم والمشهور صار الى العدم.

ثم ان الطلاق السني له ثلاثة اطلاقات :

أ ـ سني بالمعنى الأعم. وهو كل طلاق جامع للشرائط مقابل الطلاق البدعي الفاقد لبعضها. وهذا الاطلاق هو ما تقدمت الاشارة إليه.


ب ـ سني مقابل العدي. وهو ما تتحقق به الرجعة في العدة من دون مواقعة.

ج ـ سني بالمعنى الأخص. وهو ما لا تتحقق فيه الرجعة في العدة بل تنقضي ثم يتزوجها الزوج بعقد جديد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما التقسيم الى البدعي والسني‌ فهو ـ كما تقدم ـ باعتبار الواجدية للشرائط المتقدمة وعدمها ، فما كان فاقدا لها هو بدعي نسبة إلى البدعة بمعنى المحرم ، أي غير المشروع ، وما كان واجدا لها هو سني نسبة الى السنة بمعنى المشروع.

والمعروف في كلمات بعض الاصحاب ـ كالمحقق وغيره ـ اصطلاح البدعي على أقسام ثلاثة من الطلاق غير المشروع ـ وليس على جميع مصاديقه وان كانت كلها باطلة ـ هي : طلاق الحائض والنفساء في غير موارد الاستثناء ، والطلاق في طهر المقاربة ، وطلاق الثلاث من غير تخلل رجعة (١).

والأمر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح.

٢ ـ واما ان البدعي باطل‌ فلان المشروط عدم عند عدم شرطه. هذا في مذهبنا. واما الجمهور فقد اتفقت كلمتهم على الصحة مع الاثم (٢).

__________________

(١) شرايع الإسلام ٣ : ٥٥٨ انتشارات استقلال.

(٢) قال الجزيري : «اذا طلّق الزوج امرأته طلاقا بدعيا فانه تسن له رجعتها ... ويحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحدا أو أكثر باتفاق الائمة الاربعة. وخالفهم بعض الشواذ الذين‌


هذا كله في غير الطلاق ثلاثا بلا تخلل رجعة ، واما هو فيقع واحدا عندنا كما سيتضح وجهه.

٣ ـ واما الطلاق ثلاثا بدون تخلل رجعة‌ فقد اتفقت كلمة أصحابنا على بطلانه ، بمعنى عدم وقوعه ثلاثا خلافا للجمهور (١). واتفقت أيضا على وقوعه واحدا في حالة الولاء ، أي تكرار جملة «انت طالق» ثلاث مرات ، واختلفت في حالة الارسال وعدم التكرار ، بان قيل : «انت طالق ثلاثا».

ولو لا حظنا مقتضى القاعدة فالمناسب هو التفصيل ، ففي حالة الولاء يقع واحدا لان جملة «انت طالق» الاولى تقتضي تحقق الطلاق‌

__________________

لا يعوّل على آرائهم. راجع الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٢٧٤ مبحث ما يترتب على الطلاق البدعي من الاحكام.

(١) قال الجزيري : «يملك الرجل الحرّ ثلاث طلقات ولو كان زوجا لأمة ويملك العبد طلقتين ولو كان زوجا لحرة ، فاذا طلّق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة ، بان قال لها : انت طالق ثلاثا لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الاربعة. وهو رأي الجمهور. وخالفهم في ذلك بعض المجتهدين ، كطاوس وعكرمة وابن اسحاق ، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهم ، فقالوا : انه يقع به واحدة لا ثلاث ، ودليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر : الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه اناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٣٠٣ مبحث تعدد الطلاق.

هذا وقد جاءت روايات أهل البيت عليهم‌السلام ترد بشدة على الطلاق ثلاثا وانه لا يقع الا واحدة أو ليس بشي‌ء وانه مخالف لكتاب الله عزّ وجلّ.

نعم هو مخالف لكتاب الله الناطق بان (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) البقرة : ٢٢٩.

ان تعريف الطلاق بالألف واللام يدل على ان الطلاق المشروع هو المرتان لا غير ، وواضح ان عنوان المرتين لا يصدق الا مع التفرقة بين الطلاقين.


وتشملها العمومات الدالة على تحقق الطلاق بصيغة «انت طالق» (١). ومجرد تكرارها ثانية وثالثة لا يمنع من صحتها ووقوع الطلاق الواحد.

واما في حالة الارسال فمع قصد ايقاع الطلاق بجملة «انت طالق» ثم اعتبار كونه ثلاثا عند التلفظ بلفظ «ثلاثا» فالمناسب وقوع واحد لما تقدم ، ومع قصد ايقاع الثلاث بمجموع الجملة لا بخصوص قيد «ثلاثا» فالمناسب البطلان رأسا لان ما قصد لا يمكن ان يقع وما يمكن ان يقع لم يقصد.

هذا بمقتضى القاعدة.

ولو رجعنا الى الروايات وجدناها على طائفتين :

الاولى : ما دلت على وقوع طلاق واحد من دون تفصيل بين حالة الولاء وحالة الارسال. وهي متعددة ، كصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر قال : هي واحدة» (٢) ، وصحيحة الاسدي والحلبي وابن حنظلة جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الطلاق ثلاثا في غير عدة (٣) ان كانت على طهر فواحدة وان لم تكن على طهر فليس بشي‌ء» (٤).

الثانية : ما دلت على البطلان رأسا ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من طلّق ثلاثا في مجلس فليس بشي‌ء. من خالف كتاب الله‌

__________________

(١) كصحيحة محمد بن مسلم المشار اليها في الرقم ٢٥ من مبحث شرائط صحة الطلاق.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١١ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) يراد من الطلاق في غير عدة الطلاق الذي لا يتعقبه رجوع في العدة.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١١ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.


عز وجل ردّ الى كتاب الله عز وجل وذكر طلاق ابن عمر» (١) وغيرها.

وقد جمع في الحدائق بحمل الاولى على حالة الولاء والثانية على حالة الارسال مستندا في ذلك الى ان روايات الطائفة الاولى قد اشتملت على تعبير «الطلاق ثلاثا» ، وهو لا يصدق الا مع تكرار جملة «انت طالق» ثلاثا نظير ما لو قيل : سبّح الله عشرا فانه لا يصدق على قول : «سبحان الله عشرا» (٢).

وفيه : ان التعبير ب «طلّق ثلاثا في مجلس واحد» وارد في كلتا الطائفتين لا في خصوص الاولى.

ولعل الانسب حمل الطائفة الثانية على نفي وقوعه ثلاثا لان النفي في جملة «فليس بشي‌ء» مطلق فيقيد بالثلاث بقرينة الطائفة الاولى. هكذا يقال أو يقال بحمل الطائفة الثانية على من طلّق ثلاثا في حالة عدم الطهر بقرينة صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من طلّق امرأته ثلاثا في مجلس وهي حائض فليس بشي‌ء. وقد ردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلاق ابن عمر اذ طلق امرأته ثلاثا وهي حائض فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الطلاق وقال : كل شي‌ء خالف كتاب الله والسنة ردّ الى كتاب الله» (٣) ، فان صحيحة ابي بصير بقرينة استشهادها بطلاق ابن عمر واضحة في النظر الى حالة الطلاق بدون طهر.

وعلى كلا التوجيهين تبقى الطائفة الاولى بلا معارض فيتمسك باطلاقها لإثبات تحقق طلقة واحدة عند الطلاق ثلاثا سواء كان بنحو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٣ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٢٣٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٣ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٩.


الولاء أم بنحو الارسال.

اللهمّ الا ان يقال بعدم صدق عنوان الطلاق ثلاثا في حالة الارسال ـ كما هو ليس ببعيد ـ فينحصر نظر الطائفة الاولى بحالة الولاء ويلزمنا في حالة الارسال الرجوع الى مقتضى القاعدة بالبيان المتقدم.

٤ ـ واما ان طلاق الصغيرة واليائس وغير المدخول بها بائن‌ فباعتبار انه لا عدة لها ، ومعه فلا يتمكن المطلّق من الرجوع اليها. ويأتي ان شاء الله تعالى في مبحث أحكام العدة الوجه في عدم وجوب العدة على الثلاث المذكورة.

٥ ـ واما ان المطلقة بالطلاق الثالث تحرم على زوجها حتى ينكحها آخر‌ فهو من ضرورات الفقه بل الدين. ويدل عليه قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ... * فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (١). وهي باطلاقها تشمل حالة العودة بعد كل طلقة بالرجوع أو بعقد جديد.

والروايات في المسألة كثيرة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها» (٢) وغيرها. وهي مطلقة كالآية الكريمة.

٦ ـ واما تعميم مفارقة المحلل لما اذا كانت بالموت‌ ـ بالرغم من‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٥٣ الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٠.

والعسيلة : الجماع أو اللذة ، فان العرب تسمي كل شي‌ء تستلذه عسلا.


التقييد في الآية الكريمة بالطلاق ـ باعتبار ان المفهوم من الروايات ان المهم في حصول التحليل ذوق المحلل لعسيلة المطلقة دون تطليقه لها بعنوانه. هذا مضافا الى التصريح بالتعميم في موثقة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... فاذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فاذا تزوجها غيره ولم يدخل بها وطلقها او مات عنها لم تحل لزوجها الاول حتى يذوق الآخر عسيلتها» (١) وغيرها.

٧ ـ واما ان الطلاق في الخلع والمباراة بائن ما دام لم ترجع الزوجة في البذل‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب» (٢).

واما التقييد بعدم رجوع الزوجة في البذل فلانه مع رجوعها يحق للزوج الرجوع أيضا ، وهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة البقباق عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المختلعة ان رجعت في شي‌ء من الصلح يقول لا رجعن في بضعك» (٣).

٨ ـ واما ان طلاق الممتنع من الانفاق والطلاق بائن‌ فلان النصوص وان لم تدل على ذلك بل دلت على ثبوت الولاية في الطلاق ، كما في صحيحة ابي بصير : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعم ما يقيم صلبها كان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٦ الباب ٧ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٧ الباب ٨ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٩ الباب ٧ من أبواب الخلع والمباراة الحديث ٣.


حقا على الامام ان يفرّق بينهما» (١) وغيرها ، الا انه لا بدّ من كونه بائنا والا يلزم نقض الغرض وعدم الفائدة في طلاق الحاكم.

٩ ـ واما ان الطلاق الرجعي هو ما جاز للزوج الرجوع فيه سواء رجع بالفعل أم لا‌ فهو من واضحات الفقه ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) (٢).

١٠ ـ واما تفسير الطلاق العدي بما ذكر‌ فهو متسالم عليه. وتدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... واما طلاق العدة الذي قال الله عز وجل : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (٣) فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ويراجعها من يومه ذلك ان احبّ او بعد ذلك بأيام قبل ان تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض ، فاذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة اخرى من غير جماع يشهد على ذلك ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل ان تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها وتكون معه الى ان تحيض الحيضة الثالثة فاذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع ويشهد على ذلك فاذا فعل ذلك فقد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٢.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) الطلاق : ١.


بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره» (١) وغيرها.

ويستفاد من الصحيحة اضافة بعض القيود الاخرى للطلاق العدي أكثر مما نقلناه في تفسير الفقهاء ، من قبيل ان يكون الرجوع قبل ان تحيض الحيض الاول ولا يكفي الرجوع اثناء العدة متى ما تحقق.

ثم انه ذكر الشهيد الثاني في الروضة ان اطلاق الطلاق العدي على مجموع الطلقات الثلاث المتقدمة يشتمل على المسامحة ، فان الطلاق العدي هو الاول والثاني دون الثالث ، فانه ليس عديّا حيث لا يمكن الرجوع فيه (٢).

والامر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح فيمكن افتراض وضع مصطلح الطلاق العدي للطلقات الثلاث بالشكل المتقدم.

١١ ـ واما الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع العدي‌ فمتسالم عليها. وتدل على ذلك رواية زرارة وداود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات وتزوج ثلاث مرات لا تحل له ابدا» (٣) وغيرها.

وليس في السند من يتأمل فيه سوى المثنى ـ فانه مشترك بين جماعة لم تثبت وثاقة بعضهم ـ والامر فيه سهل بعد رواية البزنطي عنه بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة.

هذا من حيث السند.

واما الدلالة فالقدر المتيقن منها هو الطلاق العدي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٨ الباب ٢ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الروضة البهية ٢ : ١٣١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٥٨ الباب ٤ من أقسام الطلاق الحديث ٤.


١٢ ـ واما الحرمة في كل طلاق ثالث ـ بأي شكل اتفق ـ حتى تنكح زوجا آخر‌ فلم ينسب الخلاف فيها الا الى عبد الله بن بكير الذي هو من الفطحية. ويدل على ذلك الكتاب الكريم والروايات المتقدمة في الرقم ٥.

والمنسوب الى ابن بكير (١) ان المطلقة بالطلاق الثالث لا تحرم على زوجها بل اذا انتهت عدة الطلاق الثالث جاز لزوجها العقد عليها بلا توقف على نكاح شخص آخر فيما اذا لم يكن الطلاق عديا ، واما العدي فلا خلاف فيه حتى منه.

ومستنده في ذلك غير واضح فتارة يستند الى رواية رفاعة واخرى الى ان ذلك امر رزقه الله اياه.

روى الشيخ الكليني عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن محمد بن زياد وصفوان عن رفاعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه وانقضت عدتها ثم تزوجت زوجا آخر فطلقها أيضا ثم تزوجت زوجها الاول أيهدم ذلك الطلاق الاول؟ قال : نعم. قال ابن سماعة : وكان ابن بكير يقول : المطلقة اذا طلقها زوجها ثم تركها حتى تبين ثم تزوجها فانما هي على طلاق مستأنف. قال : وذكر الحسين بن هاشم انه سأل ابن بكير عنها فأجابه بهذا الجواب فقال : سمعت في هذا شيئا؟ قال : رواية رفاعة. قال : ان رفاعة روى اذا دخل بينهما زوج فقال : زوج وغير زوج عندي سواء. فقلت : سمعت في هذا شيئا؟ قال : لا ، هذا مما رزق الله من الرأي. قال ابن سماعة : وليس نأخذ‌

__________________

(١) ولربما يظهر ذلك من الشيخ الصدوق أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٢٠.

والرأي المذكور لابن بكير قد أشارت اليه الرواية الآتية ونقل في جواهر الكلام ٣٢ : ١٢٩ والروضة البهية ٢ : ١٣١ وغيرهما.


بقول ابن بكير ، فان الرواية اذا كان بينهما زوج» (١).

ومناقشة رأي ابن بكير واضحة ، فان مقتضى اطلاق الآية الكريمة والرواية المتقدمتين في الرقم ٥ عدم الفرق بين الطلاق العدي وغيره في تحقق الحرمة بالطلاق الثالث حتى تنكح زوجا غيره. ولا مقيد للإطلاق المذكور سوى صحيحة رفاعة ، ولكنها خاصة بما اذا تزوج رجل آخر بالمطلقة بعد الطلاق ، ومحل الكلام فيما اذا لم يتخلل الزواج بآخر بين الطلقات.

١٣ ـ واما الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع اذا لم يكن عديّا‌ فالمشهور عدمها.

والمناسب عدم الفرق بين العدي وغيره ، ففي كليهما تثبت الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع لإطلاق رواية زرارة وداود بن سرحان المتقدمة في الرقم ١١. ولا وجه لتخصيصها بالطلاق العدي الا اذا تمّ اجماع تعبدي على ذلك.

قال في الجواهر ـ بعد ذكر رواية زرارة وداود وغيرها من الروايات الاخرى ـ ما نصه : «الا ان الجميع كما ترى لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع في الطلاق العدي على الوجه المزبور بل ظاهره الاطلاق. فالعمدة حينئذ الاجماع» (٢).

والمناسب تحفظا من مخالفة المشهور والاجماع المدعى التنزل من الفتوى بالتعميم الى الاحتياط.

١٤ ـ واما الاطلاقات الثلاثة للطلاق السني‌ فالوجه فيها :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٥٣ الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ١٢٢.


اما بالنسبة الى الاطلاق الاول فواضح لان كل طلاق جمع الشرائط فهو سني ، بمعنى انه مشروع.

واما بالنسبة الى الاطلاق الثاني فلان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم ١٠ اختصاص الطلاق العدي بما تحقق فيه الرجوع بعد الطلاق والمواقعة ، ومعه فالطلاق الذي يتحقق الرجوع بعده بلا مواقعة هو سني بالمعنى المقابل للعدي.

واما بالنسبة الى الاطلاق الثالث فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي اقراؤها فاذا مضت اقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب ان شاءت نكحته وان شاءت فلا ...» (١).

٤ ـ أحكام العدة‌

تجب العدة ـ بمعنى وجوب التربص على المرأة فترة معينة بترك الزواج فيها اما مع ثبوت الحق لزوجها في الرجوع اليها أو بدونه ـ على :

١ ـ المطلقة فيما اذا كانت مدخولا بها ولم تكن صغيرة ولا يائسا والا فلا عدة عليها. ومقدارها ثلاثة قروء ، أي ثلاثة اطهار.

ويكفي في الطهر الاول مسماه فاذا طلقت وقد بقيت من طهرها فترة قليلة ثم مرّ بها طهران تامان آخران فبمجرد رؤية دم الحيضة الثالثة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٤ الباب ١ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.


تخرج من العدة.

هذا في غير المسترابة. واما هي ـ بان كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض ـ فعدتها ثلاثة أشهر.

كما ان هذا كله في غير الحامل. واما الحامل فتنتهي عدتها بوضع الحمل.

٢ ـ المتوفى عنها زوجها. ومقدارها أربعة أشهر وعشرة أيام. من دون فرق بين حالات الزوج من كونه كبيرا أو صغيرا. ومن دون فرق بين حالات الزوجة من كونها صغيرة أو كبيرة ، يائسا او لا ، مدخولا بها او لا ، دائمة أو متمتعا بها.

هذا في غير الحامل.

واما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل.

ويلزم على الزوجة اذا كانت كبيرة عاقلة الحداد خلال عدة الوفاة ، وذلك بترك كل ما يعدّ زينة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه ، فيلزم ترك التزين بالكحل والطيب والخضاب والحمرة والملابس التي تعدّ زينة عرفا وما شاكل ذلك.

ويجوز مثل تنظيف البدن وتمشيط الشعر وما شاكل ذلك مما لا يعدّ زينة.

٣ ـ الموطوءة شبهة. وعدتها عدة المطلقة.

٤ ـ المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ لعيب ونحوه او بانفساخ لارتداد أو رضاع ونحوهما. وعدتها كعدة المطلقة.

أجل اذا ارتدّ الزوج عن فطرة فالعدة عدة الوفاة.

٥ ـ المتمتع بها. وعدتها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الأجل أو هبة المقدار المتبقى.


هذا اذا لم تكن حاملا.

واما الحامل فعدتها ان لم تكن من الوفاة تنتهي بوضع الحمل ، وان كانت منها فأبعد الاجلين من ذلك ومن اربعة اشهر وعشرة ايام.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب العدة في الجملة‌ فهو من واضحات الفقه بل من ضروريات الدين. ويدل عليه الكتاب الكريم في جملة من المواضع ، كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) (١) ، (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٢) ، (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٣) ، (... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) (٤).

واما الروايات فهي فوق حدّ الاحصاء. وسيوافيك بعضها فيما يلي من أبحاث إن شاء الله تعالى.

٢ ـ واما تفسير العدة بما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه. وتدل عليه الآيات الكريمة السابقة.

٣ ـ واما وجوب العدة على المطلقة‌ فقد اتضح مما سبق. واما عدم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

(٤) الأحزاب : ٤٩.


وجوب العدة على غير المدخول بها فهو مما لا كلام فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) ، والروايات الشريفة ، كصحيحة أبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فقد بانت منه وتزوج من ساعتها ان شاءت» (١) وغيرها.

٤ ـ واما الصغيرة واليائس‌ فالمشهور بين الاصحاب عدم ثبوت العدة عليهما. وخالف في ذلك السيد المرتضى فأثبتها عليهما (٢).

ومنشأ الخلاف في ذلك أمران : الآية الكريمة والروايات.

اما الآية الكريمة : (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ...) (٣) فقد استدل بها السيد المرتضى على مدعاه بتقريب انها تدل بوضوح على ثبوت العدة ثلاثة أشهر للآيسات واللائي لم يحضن. ولا يوجد ما يحول دون الاخذ بذلك سوى الشرط ـ (إِنِ ارْتَبْتُمْ) ـ فانه لا يتلاءم مع افتراض عدم بلوغ سن الحيض او تجاوزه ولكنه يمكن تفسيره بالجهل ، اي ان عدتهن ثلاثة أشهر ان كنتم جاهلين وغير عالمين بمقدارها.

ويؤيده ما ورد في شأن النزول من ان البعض سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السبب في عدم ذكر عدد بعض النساء ـ كالكبار والصغار واولات الاحمال ـ في القرآن الكريم فنزلت الآية الكريمة.

هذا هو المقصود من الارتياب. وليس المقصود الارتياب في انها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٤ الباب ١ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٣١.

(٣) الطلاق : ٤.


يائس أو لا ، اذ فرض في الآية الكريمة اليأس من الحيض ، ومع الارتياب بالمعنى المذكور لا يأس.

هذا توضيح ما أفاده قدس‌سره (١).

واما الروايات فهي على طائفتين ، فهناك مجموعة تبلغ أربعا أو أكثر دلت على عدم ثبوت العدة لليائس والصغيرة ، كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن التي قد يئست من المحيض والتي لا يحيض مثلها ، قال : ليس عليها عدة» (٢) وغيرها.

وهناك مجموعة تقرب من مقدار الطائفة الاولى دلت على ثبوت العدة عليهما وانها ثلاثة اشهر ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض ثلاثة أشهر ...» (٣).

وهذا الاختلاف بين الروايات هو سبب آخر لعدم وضوح حكم المسألة.

والسيد المرتضى لم يعر أهمية للأخبار المذكورة. ولعل ذلك نشأ من مبناه في مسألة حجية الخبر.

واما رأي المشهور ففي مقام الدفاع عنه يمكن أن يقال :

اما بالنسبة إلى الآية الكريمة فالمناسب لو كان المقصود ما ذكره السيد المرتضى في تفسير معنى الارتياب التعبير بالجهل دون الارتياب. على ان جميع الاحكام واردة في حالة الجهل بها فلا وجه‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٤ الباب ١ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٨ الباب ٢ من أبواب العدد الحديث ٨.


لتقييد خصوص الحكم المذكور بذلك.

وعليه يتعين ان يكون المقصود : ان ارتبتم في تحقق اليأس لهن واقعا وعدمه فعدتهن ... ولازم ذلك انه مع عدم الارتياب ـ بان كان يجزم باليأس ـ فلا عدة عليهن لا بالاقراء ولا بالاشهر اذ لا يحتمل ثبوت العدة عليهن بشكل آخر.

والتعبير عنهن ب (اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) وجيه بعد افتراض انهن اشرفن على سن اليأس واحتمل ذلك في حقهن.

واما قوله : (وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ) فليس من البعيد أن يكون المراد منه : واللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. والارتياب لا يتصور في حق التي لم تحض الا اذا فرض انها في سن من تحيض ولم تحض.

وعليه فالآية الكريمة أجنبية عن الصغيرة التي هي ليست في سن من تحيض.

يبقى انه لو كان المقصود من الارتياب هذا المعنى فالمناسب ان يعبر : ان ارتبن لا (إِنِ ارْتَبْتُمْ).

والجواب : ان التعبير المذكور وجيه بعد ان كان ارتياب الرجال يؤثر على موقفهم ، حيث لا يجوز لهم آنذاك الزواج بهن اثناء الاشهر الثلاثة ويجوز لأزواجهن الرجوع إليهن.

واما بالنسبة الى الروايات فاذا أمكن الجمع بحمل الثانية على الاستحباب بقرينة الاولى فلا اشكال.

واذا لم يمكن ذلك لعدم عرفية الجمع المذكور يلزم ترجيح الاولى‌


لموافقة الثانية للتقية (١).

ومع التنزل يلزم التعارض والتساقط. ومن ثمّ لا يبقى دليل على لزوم العدة على اليائس والصغيرة ويكون المرجع هو اطلاقات جواز النكاح. وعلى جميع التقادير الثلاثة تعود النتيجة واحدة.

٥ ـ واما ان العدة ثلاثة قروء‌ فلصريح الآية الكريمة : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...) (٢).

واما ان القرء هو بمعنى الطهر دون الحيض فالروايات فيه متعارضة ، فهناك مجموعة دلت على انه بمعنى الطهر ومجموعة اخرى على انه بمعنى الحيض.

مثال الاولى : صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الاقراء هي الاطهار» (٣). وفي صحيحته الاخرى : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سمعت ربيعة الرأي يقول : من رأيي ان الاقراء التي سمى الله عز وجل في القرآن انما هو الطهر فيما بين الحيضتين فقال : كذب ، لم يقل برأيه ولكنه انما بلغه عن علي عليه‌السلام. فقلت : كان علي عليه‌السلام يقول ذلك؟ فقال : نعم ، انما القرء الطهر الذي يقرؤ فيه الدم فيجمعه فاذا جاء المحيض دفعه» (٤) وغيرهما.

ومثال الثانية : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة التي‌

__________________

(١) نقل الجزيري في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٤٨٢ ان الحنفية قالوا بثبوت العدة على الصغيرة. وهكذا المالكية والشافعية قالت بثبوت العدة عليها لو كانت تطيق الوطء.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٢٤ الباب ٤ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٤ الباب ١٤ من أبواب العدد الحديث ٤.


تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، وهي ثلاث حيض» (١).

والتعارض بين الطائفتين مستقر.

ويمكن ترجيح الاولى اما لأنها مخالفة للتقية ـ حسب دعوى الشيخ الطوسي (٢) او لموافقتها للكتاب الكريم اما ببيان ان القرء عبارة عن الجمع ، وجمع الدم وحبسه يتحقق في حالة الطهر ـ كما تشير إلى ذلك صحيحة زرارة المتقدمة ـ فيكون القرء متحققا حالة الطهر أو ببيان ان ظاهر الآية الكريمة ان مدة التربص التي هي ثلاثة قروء تبتدئ من حين الطلاق ، وذلك لا يتم الا بتفسير القرء بالطهر.

٦ ـ واما انه يكفي في الطهر الاول مسماه‌ ، ومن ثمّ يكفي في انتهاء العدة مجرد رؤية دم الحيضة الثالثة فتدل عليه الروايات الكثيرة ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : اصلحك الله رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين فقال : اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج. قلت له : اصلحك الله ان اهل العراق يروون عن علي عليه‌السلام انه قال : هو احق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة فقال : فقد كذبوا» (٣) وغيرها ، فان مقتضى اطلاق قوله عليه‌السلام : «اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها» انه برؤية الدم الثالث تنتهي العدة سواء كان الطلاق قد وقع في بداية الطهر الاول أو قبيل نهايته بلحظة.

وبناء على هذا فأقل زمان يمكن تحقق العدة فيه ستة وعشرون‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٢٥ الباب ١٤ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) نقل ذلك الحر العاملي في وسائله ١٥ : ٢٢٥ من أبواب العدد الباب ١٤ في ذيل الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٢٦ الباب ١٥ من أبواب العدد الحديث ١.


يوما ولحظتان ، بان يفترض ان طهرها الاول لحظة ثم تحيض ثلاثة ايام ثم ترى أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض ثلاثة ايام ثم ترى أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض. وبمجرد رؤية هذا الدم الاخير لحظة من اوله تنقضي العدة. وطبيعي ان هذه اللحظة الاخيرة خارجة عن العدة ودورها دور الكاشف عن تمامية الطهر الثالث.

٧ ـ واما ان عدة المسترابة ثلاثة اشهر‌ فيدل عليه قوله تعالى : (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ...) (١) ، فان فقرة (وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ) تدل على المطلوب ، أي واللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. والارتياب في التي لا تحيض لا يتصور الا في المسترابة كما تقدم في الرقم ٤.

والاخبار في المسألة كثيرة ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة اشهر ...» (٢) وغيرها.

٨ ـ واما ان عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل‌ فهو المشهور. ويدل عليه قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٣) ، والروايات الشريفة ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «طلاق الحامل واحدة فاذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه» (٤) وغيرها.

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٢ الباب ٤ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٣) الطلاق : ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٨ الباب ٩ من أبواب العدد الحديث ٣.


وفي مقابل ذلك قول الشيخ الصدوق وآخرين بان عدتها اقرب الاجلين من الوضع والاقراء او ثلاثة اشهر تمسكا بصحيحة ابي الصباح عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «طلاق الحامل واحدة وعدتها اقرب الاجلين» (١) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «طلاق الحبلى واحدة وأجلها ان تضع حملها وهو أقرب الاجلين» (٢) وغيرهما (٣).

ولا يخفى ان الواو في فقرة : «وهو أقرب الاجلين» حالية لا استئنافية ، اذ قد يكون الوضع أقرب الاجلين وقد لا يكون.

هذا قول الشيخ الصدوق.

ولا تبعد وجاهته لان الآية الكريمة والطائفة الاولى من الروايات مطلقة من حيث كون الوضع أقرب الاجلين أو لا فتقيد بالطائفة الثانية الدالة على ان الوضع تنتهي به العدة فيما اذا كان أقرب الاجلين.

ولأجل هذا مال صاحب الجواهر الى القول المذكور (٤).

٩ ـ واما ان عدة المتوفى زوجها اربعة اشهر وعشرة ايام‌ فهو من ضروريات الفقه بل الدين. ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٥).

واما ما تضمنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) (٦) فهو تشريع قبل نزول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٨ الباب ٩ من ابواب العدد الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٩ الباب ٩ من ابواب العدد الحديث ٦.

(٣) جواهر الكلام ٣٢ : ٢٥٢.

(٤) جواهر الكلام ٣٢ : ٢٥٣.

(٥) البقرة : ٢٣٤.

(٦) البقرة : ٢٤٠.


آية العدة ومنسوخ بها.

والروايات في المسألة كثيرة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للنساء : اف لكن قد كنتنّ قبل ان ابعث فيكن وان المرأة منكن اذا توفي عنها زوجها اخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها ثم قالت : لا امتشط ولا اكتحل ولا اختضب حولا كاملا وانما امرتكن بأربعة أشهر وعشرا ثم لا تصبرن» (١) وغيرها.

١٠ ـ واما التعميم بلحاظ جميع الحالات المتقدمة‌ فلإطلاق ما تقدم من الآية الكريمة والروايات الشريفة.

اجل دلت رواية محمد بن عمر الساباطي : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل بها قال : لا عدة عليها. وسألته عن المتوفى عنها زوجها من قبل ان يدخل بها قال : لا عدة عليها ، هما سواء» (٢) على اشتراط الدخول في ثبوت عدة الوفاة ، لكنها مضافا الى ضعف سندهما بالساباطي نفسه ساقطة عن الحجية لهجران الاصحاب لمضمونها.

١١ ـ واما ان عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الاجلين‌ فهو مما لا خلاف فيه. وقد يستدل له بانه مقتضى الجمع بين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٣) ، وقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥١ الباب ٣٠ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٦٢ الباب ٣٥ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) البقرة : ٢٣٤.


حَمْلَهُنَّ) (١) بتقريب ان الحامل مشمولة لكلتا الآيتين الكريمتين ، وامتثال الامر فيهما لا يحصل الا بالاعتداد بأبعد الاجلين.

وفيه : ان آية الاحمال ناظرة إلى خصوص المطلقة فلاحظ.

والانسب الاستدلال لذلك بالروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها آخر الاجلين» (٢) وغيرها.

١٢ ـ واما الحداد‌ (٣) فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه. وقد دلت عليه صحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المتوفى عنها زوجها قال : لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ...» (٤) وغيرها.

وقد فهم منها الاصحاب حرمة كل ما يعدّ زينة. قال في الحدائق : «والمفهوم من هذه الاخبار ان الحداد هو ترك كل ما يعدّ زينة في البدن أو اللباس وان اختلف ذلك باختلاف العادات في البلدان فيحكم على كل بلد بما هو المعتاد فيها» (٥).

اجل قيّد بعض الاصحاب ـ ومنهم السيد اليزدي ـ التزين المنهي عنه بما يعدّ زينة للزوج (٦).

ولعله استند في ذلك الى موثقة عمار الساباطي عن ابي‌

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥٥ الباب ٣١ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الحداد من الحدّ بمعنى المنع ، فان الزوجة حيث تمنع نفسها من التزين فهي حادة.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥٠ الباب ٢٩ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٥) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٧٠.

(٦) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٦٣.


عبد الله عليه‌السلام : «سأله عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحل لها ان تخرج من منزلها في عدتها؟ قال : نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج» (١).

الا ان الموثقة قد ترمى بهجران الاصحاب لها لاشتمالها على جواز صنع ما شاءت بشرط ان لا يكون معدودا من مصاديق الزينة للزوج ، وهو مما لا يقول به الاصحاب.

١٣ ـ واما جواز ما لا يعدّ زينة‌ فلأصل البراءة بعد قصور المقتضي للتحريم. هذا لو لم يستفد من اخبار الحداد نفسها جواز ذلك والا كانت هي الدليل ، لعدم وصول النوبة الى الاصل العملي بعد فرض وجود الدليل الاجتهادي.

١٤ ـ واما تقييد وجوب الحداد بما اذا كانت الزوجة كبيرة عاقلة‌ فلأن غيرها لا تكليف عليها ، ووجوب الحداد تكليفي.

١٥ ـ واما ثبوت العدة في وطء الشبهة‌ فقد نفى السيد اليزدي الاشكال والخلاف في ذلك (٢). وتدل عليه صحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل» (٣) وغيرها ، فانها باطلاقها تشمل وطء الشبهة. والزنا خرج بالمخصص.

ولكن كيف نثبت ان العدة هي بمقدار عدة المطلقة؟ ذلك بالبيانات التالية :

أ ـ ان السكوت عن مقدار العدة مع كونه عليه‌السلام في مقام البيان يدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥١ الباب ٢٩ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٥٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٥ الباب ٥٤ من أبواب المهور الحديث ٤.


على ان عدتها كعدة المطلقة ـ وهي العدة المعروفة للمرأة التي لم يمت زوجها ـ ولو كانت غيرها لبيّن عليه‌السلام ذلك.

ب ـ التمسك بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر. وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ...» (١) ، فانها تدل على ان عدة المرأة بشكل عام فيما اذا كانت مستقيمة الحيض هي ثلاثة قروء فتشمل محل كلامنا ، والخروج عن ذلك هو الذي يحتاج الى دليل.

ج ـ التمسك بصحيحة الحلبي الاخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر وعشرا فقال : ان كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له ابدا واعتدت ما بقي عليها من الاول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ...» (٢) ، فان وطء الشبهة هو القدر المتيقن منها وقد دلت على ان العدة له ثلاثة قروء.

١٦ ـ واما وجوب العدة على المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ او انفساخ‌ فلا اشكال فيه. وتدل عليه صحيحة ابن البختري المتقدمة.

واما ان مقدارها كعدة المطلقة فللصحيحة الاولى المتقدمة للحلبي وغيرها.

واما ان عدة المرتد زوجها عن فطرة هي عدة الوفاة فلموثقة الساباطي : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذّبه ، فان دمه مباح لمن سمع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٢ الباب ٤ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٦ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.


ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام ان يقتله ولا يستتيبه» (١).

١٧ ـ واما ان عدة المتمتع بها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الاجل أو هبة المقدار المتبقى من الاجل‌ فقد تقدم بيانه في مبحث النكاح المؤقت من كتاب النكاح.

١٨ ـ واما ان عدتها من الوفاة اذا كانت حاملا ابعد الاجلين‌ فهو مما لا خلاف فيه على ما في الجواهر (٢). وتدل على ذلك الروايات الخاصة التي تقدّمت الاشارة إليها في الرقم ١١ ، فانها باطلاقها تشمل المتمتع بها.

واما ان عدتها في غير الوفاة اذا كانت حاملا وضع الحمل فلقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٣) ، فانه وان كان ناظرا الى المطلقات دون المتمتع بها التي ليس لها طلاق ، الا انه حيث لا يحتمل ان يكون حال المتمتع بها اشد من حال المطلقة في العقد الدائم فيعمها ذلك.

٥ ـ من أحكام الخلع والمباراة‌

الخلع ـ بضم الخاء ـ هو طلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها. وهو مشروع جزما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٤٥ الباب ١ من أبواب حد المرتد الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٣٠ : ٢٠٠.

(٣) الطلاق : ٤.


وتشترط فيه ـ مضافا الى الشروط المتقدمة في الطلاق ـ كراهة الزوجة لزوجها ، وعدم كراهة الزوج لزوجته ، وبذل الزوجة للفدية عن طيب نفس.

والصيغة الخاصة للخلع : «خلعتك على كذا» ، او «انت او هي مختلعة على كذا» ، او «انت او هي او فلانة طالق على كذا».

والجمع باتباع الخلع بالطلاق ـ بأن يقول الزوج او وكيله : «خلعتك على كذا فانت طالق» ـ اولى.

ويعتبر ـ لدى المشهور ـ عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخل بالموالاة العرفية.

ويجوز في الفدية ان تكون بمقدار المهر او أقلّ او اكثر.

والطلاق في الخلع بائن ما دام لم ترجع الزوجة عن البذل في العدة.

والمباراة (١) تساوي الخلع في الاحكام المتقدمة وتفارقه في :

أ ـ اعتبار الكراهة من كلا الطرفين فيها بخلافه في الخلع فان الكراهة معتبرة من الزوجة فقط.

ب ـ ان لا يكون الفداء اكثر من مقدار المهر فيها.

ج ـ انها تقع بلفظ الطلاق ـ بان يقول الزوج : انت طالق على كذا ، أو يقول :

بارأتك على كذا فانت طالق ـ ولا يكفي الانشاء بلفظ المباراة وحده.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الخلع يتميز عن الطلاق بأمرين ـ الفدية من الزوجة وكراهتها‌ ـ فهو من واضحات الفقه. وتدل عليه مضافا الى ذلك نصوص المشروعية التالية.

__________________

(١) المبارأة ـ بالهمز وقد تخفف الفا ـ هي المصالحة. يقال : بارأه بمعنى صالحه. والمرأة بارأها بمعنى صالحها على الفراق. القاموس المحيط ١ : ٨.


٢ ـ واما انه مشروع‌ فهو مما لا اشكال فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (١) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها : والله لا ابرّ لك قسما ولا اطيع لك امرا ولا اغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك ولآذنن عليك بغير اذنك وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما اخذ منها فكانت عنده على تطليقتين باقيتين وكان الخلع تطليقة ...» (٢) وغيرها.

وعليه فالمشروعية لا تأمل فيها بل عن جماعة منهم شيخ الطائفة اختيار وجوبه عند تمرد الزوجة على القيام بحقوق الزوجية بحجة ان النهي عن المنكر واجب وهو لا يتم الا بالخلع (٣).

والتأمل في ذلك واضح باعتبار عدم تمامية المقدمة الثانية. ومن هنا حمل في الحدائق الوجوب في كلام الشيخ على الثبوت (٤).

٣ ـ واما ان الخلع طلاق وليس فسخا‌ فهو المشهور خلافا لشيخ الطائفة حيث اختار كونه فسخا لأنه لا ينشأ بلفظ الطلاق بل ولا ينوى به ذلك.

والثمرة تظهر في عدّه من جملة الطلقات الثلاث وعدمه.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٩ الباب الخلع الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ٣.

(٤) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٥٥٥.


والمناسب كونه طلاقا لتصريح الروايات بذلك ، كصحيحة الحلبي السابقة وغيرها.

وزاد في الجواهر ما نصه : «بل لو قلنا انه فسخ امكن دعوى اجراء حكم الطلاق عليه للنصوص المزبورة» (١).

٤ ـ واما اعتبار اجتماع شرائط صحة الطلاق في الخلع ـ من حضور شاهدين وكون الزوجة طاهرة بطهر لم تواقع فيه و... ـ فباعتبار انه لما كان فردا من الطلاق فتثبت له أحكامه.

هذا مضافا الى ان بعض الشرائط الخاصة للطلاق قد دلت الروايات الخاصة على ثبوتها للخلع ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام هل يكون خلع او مباراة الا بطهر؟ فقال : لا يكون الا بطهر» (٢) وغيرها.

٥ ـ واما اعتبار كراهة الزوجة لزوجها في تحقق الخلع‌ فهو من المسلمات ، بل يمكن اعتبار كون الكراهة قد وصلت حدا يؤدي الى ترك الحقوق الثابتة للزوج على زوجته لقوله تعالى : (إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ...) (٣) وصحيحة الحلبي السابقة وغيرها.

هذا وقد وقع الكلام بين الاعلام في ان التلفظ بالكلمات المذكورة في صحيحة الحلبي هل هو شرط في صحة الخلع او يكفي تحقق الكراهة إلى المستوى المذكور ولو من دون تلفظ بذلك؟

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٣ : ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٦ الباب ٦ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ١.

(٣) البقرة : ٢٢٩.


المناسب لو خلينا وظاهر الصحيحة المتقدمة وما شاكلها اعتبار التلفظ بالكلمات السابقة الا ان قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) يدل على ان المدار على وصول الكراهة الى حدّ يخاف من ترك الحدود الالهية من دون مدخلية للتلفظ بما ذكر.

وتؤكد ما ذكرناه السيرة الجارية على اجراء الخلع بدون فحص عن صدور الكلمات المذكورة.

وهل يلزم في الكراهة ان تكون ذاتية ـ بمعنى نشوئها عن مناشئ غير طارئة بعد الزواج كقبح منظر الزوج وفقره وسوء خلقه ـ أو يكفي كونها عارضة وناشئة من اسباب طارئة بعد ذلك كالتزوج باخرى؟

أجاب صاحب الحدائق بما نصه : «المستفاد من كلام من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين هو الاول. وقد حضرناه في غير موضع وقد كانوا لا يوقعون الخلع الا بعد تحقيق الحال ومزيد الفحص والسؤال في ثبوت الكراهة الذاتية وعدم الكراهة العارضية ...» (١).

ويرده : ان الآية الكريمة وصحيحة الحلبي مطلقتان من الناحية المذكورة. ولعله لذلك قال صاحب الجواهر : «وهو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب ولا سنة» (٢).

٦ ـ واما اعتبار عدم كراهة الزوج لزوجته‌ فلانه مع كراهته أيضا يكون المورد من مصاديق المباراة دون الخلع.

٧ ـ واما اعتبار بذل الزوجة للفداء‌ فلتقوم حقيقة الخلع بذلك ومن‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٥٧٦.

(٢) جواهر الكلام ٣٣ : ٤٤.


دونه لا يكون خلعا بل طلاقا بشكله المتعارف.

٨ ـ واما اعتبار ان يكون بذل الفداء عن طيب نفس الزوجة‌ فلقوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) (١). بل بقطع النظر عن ذلك لا مسوغ لإكراهها على بذل ذلك فانه مصداق للظلم المحرم. اضافة الى دلالة حديث : «رفع عن امتي ما استكرهوا عليه» (٢) على عدم ترتب الاثر على ذلك.

٩ ـ واما ان الصيغة الخاصة «خلعتك او انت او هي مختلعة على كذا» فلانه بعد ما لم ترد صيغة خاصة في النصوص لانشاء الخلع فيلزم الحكم بالاكتفاء بكل صيغة دالة على إنشاء الخلع ـ ومن ذلك ما تقدم ـ تمسكا بالاطلاق اللفظي ان امكن تحصيله والا فبالاطلاق المقامي.

١٠ ـ واما الاكتفاء بصيغة «هي او انت او فلانة طالق على عوض كذا» فباعتبار ان الخلع لما كان مصداقا من مصاديق الطلاق فيلزم الاكتفاء فيه بصيغة الطلاق ، غايته يلزم اضافة العوض لان ذلك هو المائز بين الخلع والطلاق المتعارف.

١١ ـ واما الجمع باتباع الخلع بالطلاق‌ فقد اختار اعتباره الشيخ قدس‌سره وجماعة (٣). وقد يستدل له برواية موسى بن بكر عن العبد الصالح : «قال علي عليه‌السلام : المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة» (٤).

__________________

(١) النساء : ١٩.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ٦.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٠ الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ١.


وفيه : انها لو تمت سندا ولم يناقش من ناحية موسى بن بكر هي ضعيفة دلالة لإجمال المقصود منها.

وما ذكره الشيخ قدس‌سره لو استفيد منها يلزم الحكم بجواز تأخير الطلاق عن الخلع حتى بفترة طويلة ما دامت العدة باقية. وهذا بعيد وان استظهر في الحدائق من بعض كلمات القائلين بالقول المذكور الالتزام بذلك (١) ، ولكنه غريب.

هذا ويظهر من بعض الروايات ان الخلاف في اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق كان ثابتا في عصر الأئمة عليهم‌السلام ، ولذلك تكرر السؤال عن ذلك فلاحظ صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع : «سألت ابا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال : تبين منه وان شاءت ان يرد اليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت. فقلت : فانه روي لنا انه لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق قال : ليس ذلك اذا خلع. فقلت : تبين منه؟ قال : نعم» (٢) وغيرها.

وبالجملة : لا دليل على اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق لعدم الدليل ـ فيتمسك بالاطلاق اللفظي ان كان والا فبالاطلاق المقامي ـ بل وللدليل على العدم ، كصحيحة ابن بزيع وغيرها.

نعم لا اشكال في ان الاتباع اولى خروجا من خلاف الشيخ وغيره وامتثالا للمضمون المحتمل لرواية موسى بن بكر.

١٢ ـ واما اعتبار عدم الفصل بين إنشاء الفدية والطلاق‌ فهو‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٢ الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٩.


المشهور. واستدل له في الجواهر :

تارة بان الخلع معاوضة بين بذل الفداء وإنشاء الطلاق فهو على هذا كسائر المعاوضات لقول امير المؤمنين عليه‌السلام : «لكل مطلقة متعة الا المختلعة فانها اشترت نفسها» (١) ، وموثقة البقباق عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المختلعة ان رجعت في شي‌ء من الصلح يقول لأرجعن في بضعك» (٢). واخرى بان القدر المتيقن من نصوص الباب حالة التحفظ على الموالاة ، والاصل عدم الصحة فيما سوى ذلك (٣).

ويرده :

اما بالنسبة الى الاول فلان الحديثين ليسا واضحين في المعاوضة. وكيف يمكن الالتزام بذلك والحال ان رجوع الزوجة عن البذل لا يستوجب بطلان الطلاق بل صيرورته رجعيا؟ هذا مضافا الى ان اعتبار الموالاة في باب المعاوضة اول الكلام.

واما بالنسبة الى الثاني فباعتبار انه لا مجال للأصل بعد وجود الاطلاق ولو المقامي.

وعليه فالمناسب عدم اعتبار الموالاة ويكفي استمرار عزمها على البذل. ولكن الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور امر لازم.

١٣ ـ واما انه يجوز في الفدية ان تكون بقدر المهر او اكثر او أقلّ‌ فلعدم الدليل على اشتراط حدّ معين بل وللدليل على العدم ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «المباراة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٣ الباب ١١ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٩ الباب ٧ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ١٤.


يؤخذ منها ما شاء او ما تراضيا عليه من صداق او اكثر ...» (١) وغيرها.

١٤ ـ واما ان الخلع طلاق بائن‌ فمما لا خلاف فيه لصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب» (٢).

واما انه يجوز للزوج الرجوع عند رجوعها عن البذل فلصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها» (٣). وموثقة البقباق المتقدمة في الرقم ١٢.

١٥ ـ واما ان المباراة كالخلع في جميع الاحكام الا في الاحكام الثلاثة‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وقد يستفاد من رواية زرارة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن عدة المختلعة كم هي؟ قال : عدة المطلقة. ولتعتد في بيتها. والمبارئة بمنزلة المختلعة» (٤).

فان تمت الدلالة على العموم ولم يناقش في السند من ناحية المعلى بن محمد فلا مشكلة والا فيمكن تصيد ذلك من مجموع النصوص ، كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «لا مباراة الا على طهر من غير جماع بشهود» (٥) وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في الرقم ١٤ وغيرهما ، فانه بضم النصوص المذكورة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٣ الباب ٤ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٥ الباب ٥ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٩ الباب ٧ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٣ الباب ١٠ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٨ الباب ٦ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٧.


بعضها الى بعض قد يستفاد الحكم المذكور.

١٦ ـ واما انه يعتبر في المباراة الكراهة من كلا الطرفين‌ فهو على ما في الحدائق امر مقطوع به في كلام الاصحاب (١). ويمكن استفادته من موثقة سماعة : «سألته عن المباراة كيف هي؟ فقال : يكون للمرأة شي‌ء على زوجها من مهر أو من غيره ويكون قد اعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه فتقول المرأة لزوجها : ما اخذت منك فهو لي ، وما بقي عليك فهو لك وابارئك فيقول الرجل لها : فان انت رجعت في شي‌ء مما تركت فانا أحق ببضعك» (٢).

ولا يضر اضمارها بطريق الكليني بعد ما كانت مسندة في طريق الشيخ.

اجل ان الشيخ رواها بسنده عن علي بن الحسن ، اي ابن فضال ، وطريقه اليه يشتمل على علي بن محمد بن الزبير الذي لم يذكر في حقه توثيق خاص. الا ان الامر من ناحيته سهل بناء على كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

١٧ ـ واما انه يعتبر في المباراة ان لا تكون الفدية اكثر من المهر‌ فهو مما لا خلاف فيه ، وانما الخلاف في اعتبار ان لا تكون مساوية له أيضا بل أقلّ.

وظاهر صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المباراة تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني او تجعل لها من قبلها شيئا فيتركها الا انه يقول : فان ارتجعت في شي‌ء فانا املك ببضعك.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٦٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٠ الباب ٨ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.


ولا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه» (١) بل صريحها جواز كونها مساوية.

الا انه قد يقال بكونها معارضة بصحيحة زرارة المتقدمة في الرقم ١٣ الدالة على اعتبار كونها أقلّ من مقدار المهر.

ويمكن الجمع بينهما بحمل الوارد في صحيحة زرارة «دون الصداق» على اعتبار ان لا تكون ازيد من مقدار المهر ، فان صحيحة ابي بصير صريحة في جواز كونها بمقداره بينما صحيحة زرارة ظاهرة في اعتبار كونها أقلّ منه فيؤول الظاهر بقرينة الصريح طبقا للقاعدة العرفية : كلما اجتمع دليلان متنافيان احدهما صريح والآخر ظاهر أوّل الظاهر بقرينة الصريح.

واذا تمّ هذا فلا مشكلة والا كان التعارض مستقرا ويلزم ترجيح صحيحة ابي بصير لموافقة مضمونها لقوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٢).

وعليه فالنتيجة واحدة على كلا التقديرين.

١٨ ـ واما انه لا تصح المباراة بلفظ «بارأتك على كذا» من دون اتباع بالطلاق‌ فقد ادعى المحقق اتفاق الاصحاب عليه» (٣). ولو لا ذلك كان من الوجيه الحكم بعدم الحاجة الى الاتباع بذلك لصحيحة حمران : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يتحدث قال : المباراة (٤) تبين من ساعتها من غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٠ الباب ٨ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) شرايع الإسلام ٣ : ٦٢٣ انتشارات استقلال.

(٤) في تهذيب الاحكام ٨ : ١٠٢ : المبارئة ....


طلاق ولا ميراث بينهما ...» (١) وغيرها.

والمناسب تحفظا من مخالفة الاتفاق المحتمل التنزل عن الفتوى بعدم اعتبار الاتباع بالطلاق الى الاحتياط باعتباره.

٦ ـ من أحكام الطلاق‌

اذا طلّق غير الامامي زوجته بطلاق صحيح على مذهبه فاسد على مذهبنا جاز للإمامي الزواج بها بعد انقضاء عدتها. هذا اذا كانت الزوجة غير امامية أيضا. واذا كانت امامية جاز لها التزوج بالغير أيضا.

ويجوز للزوج في الطلاق الرجعي الرجوع على زوجته ما دامت العدة لم تنته. ويتحقق الرجوع باللفظ ، كقول رجعتك ولو بغير العربية ، وبالفعل كالتقبيل بشهوة ونحوه مع قصد الرجوع به. اجل خصوص الوطء يتحقق به الرجوع ولو من دون قصده. واما لو قبّل أو لا مس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك فالمشهور تحقق الرجعة به.

والمطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما ما دامت في العدة فيجب الانفاق عليها ، ولا يجوز لها الخروج بغير اذنه ، ويجوز الدخول عليها بغير اذن. وهذا بخلاف المطلقة بائنا فانها بمنزلة الاجنبية ولا تترتب عليها الاحكام المذكورة.

ولا يجوز اخراج المطلقة من دار سكناها عند الطلاق الا ان تأتي بفاحشة مبينة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠١ الباب ٩ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.


وكل زوجة تستحق على زوجها النفقة اذا لم تنشز بالخروج من بيته بغير اذنه. واذا امتنع من الانفاق عليها جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي ليلزمه بأحد امرين عليه : اما الانفاق او الطلاق. فان امتنع من كليهما جاز للحاكم ان يطلقها اذا طلبت ذلك ويقع الطلاق بائنا.

واذا فقد الزوج وانقطع خبره عن زوجته ، فان كانت تعلم ببقائه على قيد الحياة فعليها بالصبر الى ان يرجع وليس لها المطالبة بالطلاق الا اذا ثبت للحاكم الشرعي هجرانه لها وتعمّد اخفاء موضعه لكي لا يلزمه بالطلاق او الانفاق فيجوز له في مثل ذلك الطلاق اذا طلبته.

هذا اذا كانت الزوجة تعلم بحياته.

واما اذا لم تعلم بذلك وكان يحتمل موته فتارة يفرض وجود مال للزوج يتم من خلاله تأمين نفقة الزوجة او يفرض ان وليه يقوم بالانفاق عليها فليس لها المطالبة بالطلاق ، واخرى يفرض عدم ذلك فيجوز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي فيؤجلها اربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال المدة المذكورة فاذا انقضت ولم تتبين حاله امر الحاكم وليه بطلاقها واجبره على ذلك ، فان لم يكن له ولي او لم يمكن اجباره طلقها الحاكم بنفسه واعتدت بمقدار عدة الوفاة ، وجاز لها التزوج بعد انتهائها. واذا عاد الزوج بعد ذلك لم يكن له حق عليها وكانت اجنبية عنه.

واذا حصل لزوجة الغائب من خلال تراكم القرائن علم بموت زوجها جاز لها الزواج بعد العدة من دون حاجة الى مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد على علمها.

والطلاق وان كان بيد الزوج الا انه يجوز للزوجة ان تشترط على زوجها اثناء عقد النكاح ان تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها متى ما سجن لفترة‌


سنة مثلا أو أدمن المواد المخدرة او سافر وانقطعت اخباره لفترة محددة وما شاكل ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان غير الامامي اذا طلّق زوجته بطلاق صحيح في مذهبه فاسد في مذهبنا فيجوز للإمامي الزواج بها بعد انتهاء عدتها‌ فلقاعدة الالزام المستفادة من جملة من النصوص من قبيل :

أ ـ ما رواه الشيخ بسنده الى الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن غير واحد عن علي بن ابي حمزة حيث سأل ابا الحسن عليه‌السلام : «المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال : الزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك» (١).

وطريق الشيخ الى الحسن معتبر على ما في المشيخة (٢). والارسال عن «غير واحد» لا مشكلة من ناحيته لان مصداق التعبير المذكور عرفا ثلاثة فما زاد ، واجتماع العدد المذكور على الكذب بعيد جدا ويحصل الاطمئنان بعدمه. ولئن كانت هناك مشكلة فهي من ناحية البطائني الذي فيه كلام طويل ، وقد ورد عن الامام الرضا عليه‌السلام : «انه أقعد في قبره فسئل عن الائمة عليهم‌السلام فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا» (٣).

هذا ولكن استناد الاصحاب الى الرواية وتعبيرهم بمضمونها يجبر ضعفها بناء على ما هو المشهور من تمامية كبرى جابرية ضعف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢١ الباب ٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

(٢) لاحظ المشيخة المذكورة في نهاية تهذيب الاحكام ١٠ : ٧٥.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٠٥ الرقم ٧٥٥ طبع مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.


السند بشهرة العمل.

ب ـ ما رواه الكليني بسنده الى عمر بن اذينة عن عبد الله بن محرز : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ترك ابنته واخته لأبيه وامه فقال : المال كله لابنته وليس للأخت من الاب والام شي‌ء. فقلت : فانا قد احتجنا الى هذا والميت رجل من هؤلاء الناس واخته مؤمنة عارفة قال : فخذلها النصف ، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم وقضاياهم. قال ابن اذينة : فذكرت ذلك لزرارة فقال : ان على ما جاء به ابن محرز لنورا» (١). وهي تدل على ثبوت حق المقاصة النوعية وانه ما داموا يأخذون منكم فانتم خذوا منهم بالمقابل أيضا.

وتبقى المشكلة من ناحية ابن محرز فانه لم يوثق الا ان تعبير زرارة بان على روايته نورا قد يسهّل الامر من هذه الناحية.

ج ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن الاحكام قال : تجوز على اهل كل ذوي دين ما يستحلون» (٢).

ثم ان المسألة بقطع النظر عن قاعدة الالزام تشتمل على روايات خاصة بها من قبيل موثقة عبد الرحمن البصري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له امرأة طلقت على غير السنة فقال : تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج» (٣) وغيرها.

٢ ـ واما ان الزوجة الامامية يجوز لها التزوج بالغير اذا طلقها زوجها غير الامامي بطلاق صحيح في مذهبه فاسد في مذهبنا‌ فلقاعدة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٨٤ الباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة والاجداد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٨٤ الباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٠ الباب ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.


الالزام المتقدمة.

٣ ـ واما انه يجوز للزوج الرجوع على زوجته في العدة الرجعية‌ فهو من المسلمات بل من ضروريات الدين. ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ... الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١) ، (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٢). والروايات في ذلك كثيرة. وقد تقدمت الاشارة اليها خلال الابحاث السابقة.

٤ ـ واما ان الرجوع يتحقق بالفعل أيضا ولا ينحصر بالقول‌ فلانه بعد تحقق إنشاء الرجوع عرفا بالفعل فلا وجه لعدم الاكتفاء به بعد وجود المطلقات.

٥ ـ واما تحقق الرجوع بالوطء وان لم يقصد به الرجوع‌ فلرواية محمد بن القاسم : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من غشى امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحدّ ، وان غشيها قبل انقضاء العدة كان غشيانه اياها رجعة لها» (٣).

الا انه قد يشكل في سندها من ناحية محمد بن القاسم ، فان الثابت وثاقته هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي لقول النجاشي : «ثقة هو وابوه وعمه العلاء وجده الفضيل» (٤) ، الا انه يروي‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٣١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠٠ الباب ٢٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٥٦ منشورات مكتبة الداوري.


عن الامامين الكاظم والرضا عليهما السّلام ولم تذكر روايته عن الامام الصادق عليه‌السلام ، ومن هنا يتولد احتمال انه شخص آخر ، خصوصا وان الشيخ ذكر في رجاله اسم محمد بن القاسم البصري وقال من دون توثيق : «هو من أصحاب الصادق عليه‌السلام» (١).

نعم بناء على تمامية كبرى الجابرية لا مشكلة ، بل ادعى في الجواهر عدم الخلاف بيننا وانعقاد الاجماع بقسميه على ذلك (٢).

٦ ـ واما التقبيل واللمس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك‌ فقد ادعى في الجواهر عدم الخلاف في تحقق الرجوع به أيضا (٣).

هذا ولكن لا يوجد نص يدل على ذلك ، فان تمّ الاجماع الكاشف فبها والا فالأمر مشكل وينبغي العمل على طبق الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٧ ـ واما ان المطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما‌ فهو من المسلمات للنصوص الدالة على وجوب الانفاق عليها وثبوت التوارث بينهما والحث على تزيينها لزوجها وجواز دخول زوجها عليها بلا اذن ، كقوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ...) (٤) ، (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ...) (٥) ، وصحيحة ابي بصير عن ابي‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٠٠.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ١٨٠.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) الطلاق : ٦.

(٥) الطلاق : ١.


عبد الله عليه‌السلام : «المطلقة تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك امرا» (١) ، ورواية محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «المطلقة تسوق (٢) لزوجها ما كان له عليها رجعة ولا يستأذن عليها» (٣) ، وصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... حتى تطمث طمثتين فتنقضي عدتها بثلاث حيض وقد بانت منه ... وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدتها ، وهما يتوارثان حتى تنقضي عدتها» (٤) وغيرها.

والروايات المذكورة كما ترى تتلاءم مع بقاء الزوجية حقيقة أو حكما. أجل الحديث الاخير بقرينة التعبير ب «بانت منه» ظاهر في بقائها حقيقة.

٨ ـ واما ان المطلقة بائنا ليست زوجة ولا تترتب عليها احكامها‌ فهو من المسلمات أيضا. ويمكن استفادته من النصوص السابقة وغيرها. بل لا حاجة الى البحث عن نص ويكفي القصور في المقتضي بعد فرض زوال عنوان الزوجية بالطلاق البائن.

٩ ـ واما انه لا يجوز اخراجها من دار سكناها عند الطلاق‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٧ الباب ٢١ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) هكذا في الطبعة القديمة للوسائل. وفي الكافي ٦ : ٩١ تشوفت. والظاهر ان الصواب : تشوف ، كما هو المنقول عن بعض نسخ الكافي. يقال : تشوفت المرأة : تزينت وأظهرت زينتها كما عن لسان العرب ٩ : ١٨٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٧ الباب ٢١ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٤ الباب ١ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.


بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ...) (١). والروايات في ذلك كثيرة (٢).

١٠ ـ واما وجوب الانفاق على الزوجة‌ فهو من المسلمات. ويدل عليه قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) ، (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ) (٤).

وهذه الآية الاخيرة وان كانت واردة في المطلقة الا انه يفهم منها ثبوت ذلك لغيرها بالاولوية.

وقد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (٥).

والروايات في ذلك فوق حدّ الاحصاء وسنشير الى بعضها فيما يأتي ان شاء الله تعالى.

واما التقييد بعدم نشوزها بالخروج من البيت بغير اذنه فلموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ايما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع» (٦) وغيرها.

هذا اذا كان نشوزها بخروجها من البيت بغير اذن.

واما اذا كان بغير ذلك فالمشهور سقوط النفقة أيضا. ولكن لا دليل على ذلك بعد اطلاق ما تقدم. والاحتياط لا ينبغي تركه.

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٤ الباب ١٨ من أبواب العدد.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الطلاق : ٦ ـ ٧.

(٥) النساء : ٣٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٩ الباب ٦ من أبواب النفقات الحديث ١.


١١ ـ واما انه مع امتناع الزوج من الانفاق يحق للزوجة ان ترفع امرها الى الحاكم الشرعي ليلزمه باحد الامرين‌ فتدل عليه صحيحة ابي بصير : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : من كان عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرّق بينهما» (١) ، وصحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ) (٢) قال : ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والا فرّق بينهما» (٣) وغيرهما.

والتقييد بثبوت الولاية لخصوص الحاكم باعتبار ان الصحيحة الاولى دلت على ثبوت الولاية لمنصب الامامة ، والقدر المتيقن في المنتقل اليه المنصب المذكور هو الحاكم الشرعي. والصحيحة الثانية لا اطلاق لها ، اذ هي ليست في صدد بيان من يقوم بالتفريق فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وهو الامام عليه‌السلام او الحاكم الشرعي.

والتقييد بامتناعه من الانفاق باعتبار انه مع انصياعه للإنفاق يصدق عليه آنذاك عنوان «انفق عليها» الوارد في الصحيحة الثانية.

والتقييد بامتناع الزوج من الطلاق باعتبار انه مع استعداده للتصدي للطلاق بنفسه لا يحتمل وصول النوبة الى الحاكم الشرعي.

هذا وقد يقيد ثبوت الولاية على الطلاق للحاكم الشرعي بما اذا لم يمكن الانفاق من مال الزوج ولو ببيع بعض أمواله ولم يمكن أيضا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٢.

(٢) الطلاق : ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ١.


اجباره على الطلاق.

وفيه : ان اطلاق الحديثين السابقين ينفي ما ذكر الا ان يستفاد ذلك من الروايات الآتية في المفقود خبره. فان تمّ ذلك والا يبقى التقييد المذكور مبنيا على الاحتياط.

١٢ ـ واما ان طلاق الحاكم يقع بائنا في حالة امتناع الزوج من الانفاق والطلاق‌

فقد تقدم وجهه عند البحث عن اقسام الطلاق.

١٣ ـ واما ان زوجة المفقود خبره يلزمها الصبر وليس لها المطالبة بالطلاق اذا علم ببقائه حيا‌ فيكفي لإثباته القصور في مقتضي ثبوت الولاية للحاكم. ومع التنزل فالمانع ثابت وهو صحيحة بريد بن معاوية الآتية.

١٤ ـ واما انه يجوز للحاكم الطلاق اذا ثبت له هجران الزوج وتعمده لإخفاء موضعه‌ فذلك لما تقدم في الرقم ١١ من ثبوت الولاية للحاكم الشرعي عند الامتناع من الطلاق والانفاق.

١٥ ـ واما انه اذا لم يعلم بحياة الزوج فيجوز للحاكم اجراء الطلاق على ضوء البيان المتقدم‌ فذلك لعدة روايات ، كصحيحة بريد بن معاوية : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال : ما سكنت عنه وصبرت فخلّ عنها. وان هي رفعت أمرها الى الوالي اجّلها اربع سنين ثم يكتب الى الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه فان خبّر عنه بحياة صبرت وان لم يخبر عنه بحياة حتى تمضي الاربع سنين دعا ولي الزوج المفقود فقيل له : هل للمفقود مال؟ فان كان للمفقود مال انفق عليها حتى تعلم حياته من موته. وان لم يكن له مال قيل للولي : انفق عليها فان فعل فلا سبيل لها الى ان تتزوج ما انفق عليها. وان ابى ان‌


ينفق عليها اجبره الوالي على ان يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهر فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فان جاء زوجها قبل ان تمضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له ان يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين. وان انقضت العدة قبل ان يجي‌ء ويراجع فقد حلت للأزواج ولا سبيل للأول عليها» (١) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المفقود اذا مضى له اربع سنين بعث الوالي او يكتب الى الناحية التي هو غائب فيها ... قلت : فانها تقول : فاني اريد ما تريد النساء قال : ليس ذاك لها ولا كرامة فان لم ينفق عليها وليه او وكيله امره ان يطلقها» (٢).

١٦ ـ واما ان عدتها هي بمقدار عدة الوفاة وان لم تكن هي عدة الوفاة‌ فلموثقة سماعة : «... فان لم يوجد له خبر حتى تمضي الاربع سنين امرها ان تعتد اربعة أشهر وعشرا ثم تحل للأزواج فان قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة وان قدم وهي في عدتها اربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها» (٣).

١٧ ـ واما انه يجوز لزوجة الغائب اذا حصل لها العلم بموت زوجها الزواج بعد العدة من دون حاجة الى مراجعة الحاكم‌ فذلك لحجية العلم وشمول أدلة جواز تزوج المتوفى زوجها بعد العدة لها.

واما انه لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد على علمها فلان علم كل شخص حجة في حق نفسه خاصة ، واستصحاب بقاء الزوج‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٨٩ الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٩٠ الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٩٠ الباب ٤٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.


على قيد الحياة جار في حقه.

١٨ ـ واما جواز اشتراط الزوجة ضمن عقد النكاح الوكالة عن الزوج في طلاق نفسها متى ما سجن او ... فلانه شرط مشروع فيكون صحيحا وواجب الوفاء كسائر الشروط. وانما الذي لا يجوز لها اشتراطه هو كون امر الطلاق بيدها متى ما سجن او ... انه لا يجوز باعتبار ان امر الطلاق بيد الزوج لا غير كما تقدم.



كتاب الظّهار‌

١ ـ الظهار وحكمه‌

٢ ـ شرائط الظهار‌



١ ـ الظهار وحكمه‌

الظهار ـ وهو تنزيل الزوج زوجته بمنزلة أمّه او غيرها من محارمه في حرمة نكاحها بمثل صيغة : انت عليّ كظهر أمي ـ حرام.

وبه تحرم على الزوج زوجته حتى يكفّر.

ولا يجب التكفير بمجرد التلفّظ من دون ارادة العود.

واذا كفّر لإرادة العود قبل الوطء فلا تجب عليه اخرى بعده ، بخلاف ما لو وطئها بدون تكفير فانه تلزمه كفارتان احداهما للوطء والاخرى لإرادة العود.

واذا صبرت الزوجة بعد الظهار فلا اعتراض والا رفعت امرها الى الحاكم الشرعي وخيّر الزوج بين التكفير والرجوع وبين الطلاق فان لم يختر احدهما انظره ثلاثة اشهر من حين المرافعة فان انقضت ولم يختر احد الامرين حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار احدهما.

والكفارة هي عتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان‌


لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. وان عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الظهار ما ذكر فهو من واضحات الفقه واللغة. وتدل عليه الروايات الآتية ان شاء الله تعالى.

٢ ـ واما انه يقع بصيغة «انت عليّ كظهر أمي» فامر لا خلاف فيه ، وهو القدر المتيقن من الصيغة التي يقع بها الظهار. ويستفاد ذلك من صحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الظهار ظهاران فاحدهما ان يقول : انت عليّ كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفّر فاذا قال : انت عليّ كظهر أمي ان فعلت كذا وكذا ففعل وحنث فعليه الكفارة حين يحنث» (١) وغيرها.

هذا وقد وقع الخلاف في انعقاده فيما لو قال : انت عليّ كظهر عمتي وخالتي او غيرهما من المحارم او قال : انت عليّ كشعر او بطن او صدر أمي. والتعرض لذلك ليس بمهم.

٣ ـ واما انه حرام فهو من المسلمات‌ ، ويدل عليه قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٢) ، وصحيح حمران عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال : ان امرأة من المسلمين اتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ان فلانا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٠ الباب ١٦ من كتاب الظهار الحديث ٧.

(٢) المجادلة : ٢.


زوجي قد نثرت له بطني (١) واعنته على دنياه وآخرته فلم ير مني مكروها وانا اشكوه الى الله وإليك قال : فما تشكينه؟ قالت : انه قال لي اليوم : انت عليّ حرام كظهر أمي وقد اخرجني من منزلي فانظر في امري فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما انزل الله عليّ كتابا اقضي به بينك وبين زوجك وانا اكره ان اكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها الى الله والى رسوله وانصرفت فسمع الله محاورتها لرسوله وما شكت اليه فانزل الله عز وجل بذلك قرآنا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ...) فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المرأة فاتته فقال لها : جئني (٢) بزوجك فاتته به فقال : أقلت لامرأتك هذه انت عليّ حرام كظهر أمي؟ فقال : قد قلت ذلك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد انزل الله فيك قرآنا فقرأ عليه ما انزل الله ... فضم امرأتك إليك فانك قد قلت منكرا من القول وزورا قد عفا الله عنك وغفر لك فلا تعد ...» (٣) وغيره.

وبالجملة لا اشكال في حرمة الظهار لوصفه بالمنكر والزور في الآية الكريمة وللنهي عن العود اليه في الرواية الشريفة.

هذا وقد نسب الى قائل غير معروف بانه محرم لا عقاب عليه لتعقيبه بالعفو في الآية السابقة (٤).

وفيه : ان العفو ثابت للفاعل الاول باعتبار جهله بالتحريم وليس لكل فاعل حتى مع علمه بذلك.

__________________

(١) اي اكثرت له الولد من بطني.

(٢) وفي المصدر اي الكافي ٦ : ١٥٢ جيئيني.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٦ الباب ١ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٤) جواهر الكلام ٣٣ : ١٢٩.


٤ ـ واما انه يحرم بالظهار وطء الزوجة قبل التكفير‌ فيدل عليه صريح الآية الكريمة : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ...) (١) وصحيح الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد ان يتم على طلاقها قال : ليس عليه كفارة. قلت : ان اراد ان يمسها؟ قال : لا يمسها حتى يكفّر. قلت : فان فعل فعليه شي‌ء؟ قال : اي والله انه لآثم ظالم. قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم يعتق أيضا رقبة» (٢) وغيره.

٥ ـ واما انه لا يجب التكفير بمجرد التلفظ بالظهار من دون ارادة العود‌ فيدل عليه ظاهر الآية الكريمة وصحيح الحلبي السابق وغيره. بل يكفي لنفي ذلك القصور في المقتضي بلا حاجة الى دليل يدل على النفي.

٦ ـ واما تعدد الكفارة بالوطء قبل التكفير وعدم تعددها عند التكفير قبل الوطء‌ فيستفاد من صحيح الحلبي السابق وغيره.

٧ ـ واما ان الزوجة اذا صبرت فلا اعتراض‌ فباعتبار انها صاحبة الحق فمع تنازلها فلا موجب للاعتراض.

واما انها اذا رفعت امرها الى الحاكم خيّره على البيان المتقدم فقد يستدل له بموثق ابي بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته قال : ان اتاها فعليه عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا والا ترك ثلاثة اشهر ، فان فاء والا اوقف حتى‌

__________________

(١) المجادلة : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٢٧ الباب ١٥ من كتاب الظهار الحديث ٤.


يسأل : لك حاجة في امرأتك او تطلقها؟ فان فاء فليس عليه شي‌ء وهي امرأته ، وان طلق واحدة فهو املك برجعتها» (١).

ولكنه ـ كما ترى ـ لا يدل على التضييق في المأكل والمشرب فلا بدّ من اتمام ذلك بالتسالم وعدم الخلاف أو ان يبنى على التعدي من روايات باب الايلاء الدالة على التضييق (٢) الى باب الظهار بناء على عدم فهم الخصوصية.

هذا وقد ورد في بعض الكلمات انه اذا لم يجده كل ذلك طلقها الحاكم. ولكنه قابل للتأمل ، اذ لا نص يدل على ذلك وليس موردا للاتفاق فلاحظ.

٨ ـ واما ان الكفارة ما تقدم‌ فتدل عليه الآية الكريمة : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (٣) وموثق ابي بصير المتقدم ونحوه.

واما انه اذا عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما فيدل عليه موثق ابي بصير الآخر : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام قال : يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة ايام» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٣ الباب ١٨ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٥ الباب ١١ من أبواب الايلاء.

(٣) المجادلة : ٣ ـ ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٥٨ الباب ٨ من أبواب الكفارات الحديث ١.


٢ ـ شرائط الظهار‌

يلزم لتحقق الظهار حضور شاهدين عادلين يسمعان قول المظاهر. كما يلزم بلوغه وعقله واختياره وقصده وعدم غضبه.

ويلزم في الزوجة المظاهرة الدخول بها وكونها على طهر لم تواقع فيه.

ولا يقع الظهار اذا قصد به الاضرار بالزوجة. وهكذا لا يقع اذا قصد به الزجر ، كما لو قال الزوج : فلانة كظهر أمي عليّ ان تركت الصلاة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه يلزم في تحقق الظهار حضور شاهدين عادلين‌ فقد ادعى في الجواهر عدم وجدانه الخلاف في ذلك (١). ويدل عليه صحيح حمران : «قال ابو جعفر عليه‌السلام : لا يكون ظهار في يمين ولا في اضرار ولا في غضب ، ولا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين» (٢).

اجل يظهر الخلاف من الشهيد الثاني حيث ذكر ان النص عبّر بلزوم كونهما مسلمين لا اكثر (٣).

وفيه : ان الإسلام وحده لا تحتمل كفايته اذ شهادة الفاسق الذي لا رادع له عن الكذب كيف تحتمل كفايتها وما هي فائدتها؟! فالرواية على هذا اطلقت اعتمادا على وضوح الامر. وقد ورد في صحيحة بن ابي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٣ : ١٠٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٩ الباب ٢ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٣) مسالك الافهام ٢ : ٧٦.


يعفور : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ...» (١).

٢ ـ واما اعتبار بلوغ الزوج المظاهر وعقله‌ فلعدة امور :

أ ـ التمسك بحديث رفع القلم (٢) المتقدم في ابحاث سابقة ، بناء على شمول اطلاقه لقلم الوضع أيضا. وضعف سنده منجبر بعمل المشهور بناء على تمامية كبرى الجابرية.

ب ـ اتفاق الاصحاب على اعتبار البلوغ والعقل في البيع وسائر التصرفات ، والظهار ان لم يكن اولى بذلك فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج ـ ان الادلة الدالة على حصول التحريم بالظهار ناظرة الى خصوص البالغ العاقل بقرينة اثباتها لعنوان الزور والمنكر ولوجوب الكفارة على ارادة العود ، ويبقى غيره بلا دليل يدل على حصول التحريم به فيتمسك بالاستصحاب.

هذا كله لو فرض تحقق القصد الى الظهار ـ كما في العاقل ـ والا فالامر اوضح.

٣ ـ واما اعتبار الاختيار‌ فلحديث نفي الاكراه (٣).

واما اعتبار القصد فلانه بدونه لا يصدق عنوان الظهار. على ان بعض الروايات قد دلت على ذلك ، كموثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا طلاق الا ما اريد به الطلاق ولا ظهار الا ما اريد به‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٨ الباب ٤١ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.


الظهار» (١) وغيرها.

واما اعتبار عدم الغضب فلصحيح حمران المتقدم. ومقتضى اطلاقه الشمول لحالة ثبوت القصد أيضا.

٤ ـ واما اعتبار الدخول بالزوجة في تحقق الظهار بها‌ فقد وقع محلا للخلاف. والمناسب اعتباره لصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «المرأة التي لم يدخل بها زوجها ، قال : لا يقع عليها ايلاء ولا ظهار» (٢) وغيره.

هذا ولكن نسب الى الشيخ المفيد والسيد المرتضى عدم الاعتبار (٣). وقد يستدل له اما باطلاق الآية الكريمة او بما رواه الشيخ الكليني بسنده الى ابن فضال عمن اخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يكون الظهار الا على مثل موضع الطلاق» (٤) بتقريب ان صحة الطلاق ليست مشروطة بالدخول فيلزم ان يكون الامر في الظهار كذلك.

وفيه :

اما بالنسبة الى اطلاق الآية الكريمة فهو قابل للتقييد بصحيح محمد بن مسلم المتقدم.

واما بالنسبة الى رواية ابن فضال فهي تدل على ان الظهار لا يصح في المورد الذي لا يصح فيه الطلاق ولا تدل على انه كلما صح الطلاق صح الظهار.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٠ الباب ٣ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٦ الباب ٨ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ١٢٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٩ الباب ٢ من كتاب الظهار الحديث ٣.


هذا مضافا الى ضعف سندها بالارسال الا بناء على المسلك القائل بحجية كل رواية ورد في سندها احد بني فضال استنادا الى ما رواه الشيخ الطوسي عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه قال : «سئل الشيخ ـ يعني ابا القاسم ـ رضي‌الله‌عنه عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟ فقال : اقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (١).

والمسلك المذكور قابل للتأمل لضعف الرواية المذكورة سندا بعبد الله الكوفي ، فانه مجهول الحال ، ودلالة حيث تدل على انه لا موجب للتوقف من ناحية بني فضال اذا وردوا في سند رواية لا ان الرواية تكون حجة حتى مع ضعفها من جهات اخرى.

٥ ـ واما اعتبار وقوعه في طهر لم يواقع فيه‌ فلصحيح حمران المتقدم.

وهل شرطية الطهر تختص بما اذا كان الزوج حاضرا كما هو الحال في الطلاق؟ مقتضى اطلاق الصحيح المتقدم نفي الاختصاص المذكور الا ان المشهور ـ بل في الجواهر نفي الخلاف في ذلك (٢) ـ على الاختصاص. ومعه يكون المناسب العمل على وفق ما يقتضيه الاحتياط.

__________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٣٩.

(٢) جواهر الكلام ٣٣ : ١٢٣.


٦ ـ واما انه لا يصح الظهار اذا قصد به الاضرار او الزجر‌ فلصحيح حمران المتقدم وصحيح صفوان عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يصلي الصلوات او يتوضأ فيشك فيها بعد ذلك فيقول : ان اعدت الصلاة أو اعدت الوضوء فامرأته عليه كظهر امه ويحلف على ذلك بالطلاق فقال : هذا من خطوات الشيطان ليس عليه شي‌ء» (١) وغيرهما.

هذا مضافا إلى ما يأتي في مبحث اليمين من عدم صحته الا بالله سبحانه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٣ الباب ٦ من كتاب الظهار الحديث ٤.


كتاب الإيلاء‌

١ ـ ما هو الايلاء‌

٢ ـ من أحكام الايلاء‌



١ ـ ما هو الايلاء؟

الايلاء هو الحلف على ترك مواقعة الزوجة ـ الدائمة المدخول بها ـ ابدا او مدة تزيد على أربعة أشهر بقصد ايذائها والاضرار بها دون ما اذا لم يكن كذلك ، كما اذا حلف على ذلك حفاظا على صحته أو صحتها.

ومع فقدان بعض القيود المذكورة لا ينعقد الحلف ايلاء وان انعقد يمينا وترتبت عليه آثاره اذا اجتمعت شروطه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الايلاء ما ذكر‌ فهو معناه شرعا والا فهو لغة بمعنى مطلق الحلف. والفعل آلى يؤلي.

وقد كان الايلاء في الجاهلية نحوا من الطلاق كالظهار ، فاذا غضب الزوج على زوجته حلف على عدم مواقعتها قاصدا بذلك تضييق الخناق عليها فلا يطلق سراحها ـ كما في الطلاق ـ لتتزوج من غيره ولا يعود اليها ليعيش معها.

وقد جاء قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ


أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) متعرضا الى حكم الايلاء ومحددا للفترة التي يتمكن الزوج فيها من اتخاذ القرار النهائي ، وهي اربعة أشهر فاما ان يعود ويعيش معها او يخلي سبيلها بالطلاق. ومن الطبيعي ان يشجّع الكتاب الكريم على الاول ، ولذا قال : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢ ـ واما اعتبار دوام العقد‌ فهو المشهور. ويدل عليه :

أ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ...) فانه ظاهر في اعتبار قبول الزوجة المؤلّى منها للطلاق وهو لا يتم الا في الدائمة.

ب ـ ان من لوازم صحة الايلاء جواز مطالبة الزوجة بالوطء ، وهو لا يتم الا في الدائمة.

ج ـ التمسك بصحيحة عبد الله بن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا ايلاء على الرجل من المرأة التي يتمتع بها» (٢).

د ـ اذا شك في ترتب الاثر بايلاء المتمتع بها يستصحب عدم ترتب الاثر لو فرض القصور في المقتضي.

ومن ذلك يتضح التأمل فيما هو المنسوب الى السيد المرتضى من وقوعه بالمتمتع بها تمسكا بعموم الآية الكريمة الذي لا يخصصه عود الضمير الى البعض. وجواز المطالبة بالوطء لم يثبت كونه من لوازم مطلق الايلاء بل خصوص الايلاء المتعلق بالزوجة الدائمة (٣).

ووجه التأمل : ان عود الضمير الى البعض اذا لم يستلزم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ : ٨ الرقم ٢٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ٣٠٨.


التخصيص فلا أقلّ من استلزامه الاجمال وعدم انعقاد العموم ، ومعه يرجع الى الاستصحاب بلا مانع. على انه بناء على المبنى المعروف من حجية الخبر يكفينا التمسك بالصحيحة.

٣ ـ واما اشتراط الدخول‌ فلم يعرف فيه خلاف للروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «في المرأة التي لم يدخل بها زوجها قال : لا يقع عليها ايلاء ولا ظهار» (١) وغيرها (٢).

٤ ـ واما اعتبار ان تكون الفترة المحلوف على ترك الوطء فيها تزيد على اربعه اشهر‌ فتدل عليه رواية زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : رجل آلى ان لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر فقال : لا يكون ايلاء حتى يحلف على اكثر من اربعة اشهر» (٣).

لكنها قابلة للتأمل سندا من ناحية القاسم بن عروة فانه لم تثبت وثاقته.

وقد يعوض عنها بصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين اربعة أشهر استعدت عليه فاما ان يفي‌ء واما ان يطلق فان تركها من غير مغاضبة او يمين فليس بمؤل» (٤) ، فانه يستفاد منها انه يكون مؤليا لو ترك وطأها اربعة اشهر عن يمين.

وعلى اي حال لم يعرف خلاف في الحكم المذكور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٦ الباب ٨ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٢) يمكن مراجعة بقية الروايات في وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٨ الباب ٦ من أبواب الايلاء.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٨ الباب ٦ من أبواب الايلاء الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٥ الباب ١ من أبواب الايلاء الحديث ٢.


٥ ـ واما اعتبار ان يكون الحلف على ترك الوطء بقصد الاضرار‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اتى رجل امير المؤمنين فقال : يا امير المؤمنين ان امرأتي ارضعت غلاما واني قلت : والله لا اقربك حتى تفطميه فقال : ليس في الاصلاح ايلاء» (١).

واذا شكك في السند من ناحية النوفلي الراوي عن السكوني فبالامكان التعويض بصحيحة حفص بن البختري المتقدمة ، فانه بالامكان استفادة ذلك منها فلاحظ.

٦ ـ واما انه عند فقدان بعض الشرائط المتقدمة لا ينعقد ايلاء فواضح‌ ، فان ذلك مقتضى الشرطية ومن لوازمها.

واما انه ينعقد يمينا فلان الايلاء يمين ولا وجه للتوقف في انعقاده يمينا بعد فرض توفر شرائط ذلك.

٢ ـ من احكام الايلاء‌

لا ينعقد الايلاء ـ كمطلق اليمين ـ الا باسمه تعالى.

واذا تمّ بشرائطه فمع صبر الزوجة فلا اعتراض والا رافعته الى الحاكم الشرعي فان تراجع خلال اربعة اشهر وواقعها خلال ذلك فهو والا الزمه بأحد امرين : الرجوع او الطلاق. واذا لم يستجب سجنه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتى يختار احدهما.

وفي بداية الاشهر الاربعة وانها من حين المرافعة او من حين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٧ الباب ٤ من أبواب الايلاء الحديث ١.


الايلاء خلاف.

وعلى الزوج اذا واقع زوجته ـ خلال الفترة المذكورة او قبلها او بعدها ـ التكفير الا اذا فرض التحديد بفترة معينة وتحققت المواقعة بعد انتهائها.

وكفارة الايلاء ككفارة حنث اليمين التي يأتي بيانها في المحل المناسب ان شاء الله تعالى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه لا ينعقد الايلاء الا اذا كان الحلف بالله سبحانه‌ فلانه فرد من اليمين فيعتبر فيه ما يعتبر فيه. على انه يمكن استفادة ذلك من الروايات الخاصة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الايلاء ما هو؟ فقال : هو ان يقول الرجل لامرأته : والله لا اجامعك كذا وكذا ...» (١).

٢ ـ واما انه اذا تمّ الايلاء وصبرت الزوجة فلا اعتراض‌ فواضح باعتبار انها صاحبة الحق ولصاحب الحق التنازل عن حقه.

واما انها اذا لم تصبر فلها الحق في رفع امرها الى الحاكم الشرعي فلدلالة الروايات المتعددة عليه. وقد سبق بعضها ويأتي بعضها الآخر.

واما ان للحاكم الحق في الالزام بأحد الامرين عند انتهاء المدة فذلك لازم جواز رفع القضية الى الحاكم والا كان رفعها اليه لغوا. على ان ذلك يستفاد من بعض الروايات الآتية.

٣ ـ واما ان الحاكم يضيّق عليه في المأكل والمشرب اذا امتنع من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤١ الباب ٩ من أبواب الايلاء الحديث ١.


الامرين في نهاية المدة‌ فقد دلت عليه رواية حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المؤلي اذا أبى ان يطلق قال : كان امير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب ويجعله فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق» (١) وغيرها.

ولكن الجميع ضعيف السند فلاحظ. ولا بدّ من اتمام المطلب بالتسالم ان تمّ.

ثم انه اذا امتنع المؤلي من اختيار احد الامرين اما مع التضييق عليه في المأكل والمشرب او بدونه فهل للحاكم التصدي للطلاق؟ نعم له ذلك لموثق سماعة : «... وان لم يف بعد اربعة اشهر حتى يصالح اهله او يطلّق جبر على ذلك ولا يقع طلاق فيما بينهما حتى يوقف وان كان بعد الاربعة اشهر فان أبى فرّق بينهما الامام» (٢).

٤ ـ واما بداية المدة‌ فالمشهور انها من حين المرافعة. والروايات مختلفة :

أ ـ فمنها ما دلّ على ان البداية هي المرافعة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الايلاء هو ان يحلف الرجل على امرأته ان لا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر وان رفعته الى الامام انظره اربعة اشهر ...» (٣) وغيرها.

ب ـ ومنها ما دلّ على انها تحقق الايلاء ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ايما رجل آلى من امرأته ... فانه يتربص به اربعة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٥ الباب ١١ من ابواب الايلاء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٢ الباب ٩ من أبواب الايلاء الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤١ الباب ٨ من أبواب الايلاء الحديث ٦.


اشهر ثم يؤخذ بعد الاربعة اشهر فيوقف فاذا فاء ...» (١).

والمناسب على تقدير استقرار التعارض ترجيح الثانية لموافقتها لظاهر الكتاب الكريم الدال على اتحاد وقت الايلاء والتربص.

هذا ولكن الشهرة حيث انها على وفق مضمون الاولى فينبغي العمل على وفق الاحتياط.

٥ ـ واما لزوم الكفارة‌ فهو مما لا اشكال فيه من جهة تحقق حنث اليمين.

ومنه يتضح الوجه في كونها ككفارة حنث اليمين.

وهل يلزم دفعها بعد الوطء او قبله؟ قد يقال بلزوم كونها قبله تمسكا بظاهر رواية منصور : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل آلى من امرأته فمرت اربعة اشهر قال : يوقف فان عزم الطلاق بانت منه وعليها عدة المطلقة والا كفر عن يمينه وامسكها» (٢).

الا ان سندها قابل للتأمل ، فان الشيخ الصدوق رواها بسنده عن ابان بن عثمان عن منصور. وطريقه الى ابان صحيح في المشيخة (٣). وابان نفسه ثقة لكونه من اصحاب الاجماع الا ان المشكلة هي من ناحية منصور ، فان ابان بن عثمان يروي عن منصور بن حازم الذي هو ثقة وعن منصور الصيقل الذي لم تثبت وثاقته ، فالمشكلة هي من حيث منصور لتردده بين الثقة وغيره.

وعليه فالمناسب ان تكون الكفارة بعد الوطء لأنه آنذاك يتحقق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٩ الباب ٨ من أبواب الايلاء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٧ الباب ١٢ من أبواب الايلاء الحديث ٣.

(٣) مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه ٤ : ٨٣.


حنث اليمين فيلزم التكفير لأجله.

٦ ـ واما عدم ثبوت الكفارة اذا كانت اليمين محدّدة بفترة وتحققت المواقعة بعد انتهائها‌ فالامر فيه واضح لعدم تحقق الحنث آنذاك.

وينبغي الالتفات الى ان الحنث هنا يختلف عنه في سائر الموارد فهو جائز بل واجب بعد انقضاء المدة ومطالبتها وامر الحاكم.

ويختلف الايلاء أيضا عن سائر موارد اليمين بانعقاده بالرغم من كون مخالفته راجحة على خلاف سائر الموارد فانها لا تنعقد في مثل ذلك.


كتاب اللّعان‌

١ ـ ما هو اللعان‌

٢ ـ صيغة اللعان‌

٣ ـ من أحكام اللعان‌



١ ـ ما هو اللعان؟

اللعان مباهلة بين الزوجين على وجه خاص يترتب عليها دفع حدّ أو نفي ولد. ويثبت في موردين :

١ ـ القذف بالزنا ، فانه لا يجوز قذف المسلم بالزنا حتى مع تراكم القرائن على صحة النسبة الا مع الاطلاع على ذلك بنحو اليقين. ويلزم حدّ القاذف حدّ القذف حتى مع يقينه بصحة النسبة. ولكن بامكانه دفع الحدّ عن نفسه إذا فرض أحد أمرين :

أ ـ اقامة شهود أربعة يشهدون بذلك.

ب ـ ان يكون القاذف هو الزوج والمقذوف هو الزوجة ، فان بامكان الزوج دفع الحد عن نفسه من خلال اللعان بالكيفية الآتية فيما اذا لم تكن له بينة.

٢ ـ نفي الولد ، فانه لا يجوز للشخص اذا ولدت زوجته طفلا نفيه عنه حتى اذا فجرت وظن بعدم كونه منه لتراكم بعض القرائن ما دام يمكن تولده منه. اجل مع القطع بعدم كونه منه ـ كما اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من‌


حين الزواج ـ يجوز له نفيه عنه بل قد يقال بوجوبه ولكن لا ينتفي شرعا في مرحلة الظاهر الا اذا لاعن او قامت البينة على عدم امكان تولده منه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان اللعان ما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه. ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ) (١).

وقد ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «ان عباد البصري سأل ابا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال : ان رجلا من المسلمين أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت لو ان رجلا دخل منزله فرأى مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع؟ فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانصرف الرجل وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته قال : فنزل الوحي من عند الله عز وجل بالحكم فيها قال : فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ذلك الرجل فدعاه فقال : أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا؟ فقال : نعم فقال له : انطلق فايتني بامرأتك فان الله عز وجل قد انزل الحكم فيك وفيها قال : فاحضرها زوجها فوقفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال للزوج : اشهد اربع شهادات بالله انك لمن الصادقين فيما رميتها به قال : فشهد قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) النور : ٦ ـ ٩.


امسك ووعظه. ثم قال : اتق الله فان لعنة الله شديدة ثم قال : اشهد الخامسة ان لعنة الله عليك ان كنت من الكاذبين قال : فشهد فأمر به فنحي. ثم قال عليه‌السلام للمرأة : اشهدي اربع شهادات بالله ان زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به قال : فشهدت ثم قال لها : امسكي فوعظها ثم قال لها : اتقي الله فان غضب الله شديد ، ثم قال لها : اشهدي الخامسة ان غضب الله عليك ان كان زوجك من الصادقين فيما رماك به قال : فشهدت قال : ففرّق بينهما وقال لهما : لا تجتمعا بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما» (١).

٢ ـ واما ثبوت اللعان في مورد القذف‌ فهو المشهور. وتدل عليه الآية الكريمة وصحيحة ابن الحجاج المتقدمة وغيرها.

هذا ونسب الى الشيخ الصدوق عدم ثبوت اللعان في مورد القذف وانحصاره بنفي الولد وانه في القذف يتعين الجلد ثمانين مستندا في ذلك الى صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته ولا يكون اللعان الا بنفي الولد» (٢).

والتأمل في ذلك واضح ، فان الحديث المذكور مضافا الى معارضته بخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «لا يكون اللعان الا بنفي الولد. وقال : اذا قذف الرجل امرأته لا عنها» (٣) هو مخالف بنحو صريح للآية الكريمة المتقدمة فيلزم طرحه أو تأويله بما ذكره الشيخ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٨٦ الباب ١ من أبواب اللعان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٤ الباب ٩ من أبواب اللعان الحديث ٢.

وقد نقل رأي الشيخ الصدوق هذا في الجواهر ٣٤ : ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٤ الباب ٩ من أبواب اللعان الحديث ١.


الطوسي ونحوه (١).

واذا كان الشيخ الصدوق قد حصر سبب اللعان بنفي الولد فعلى العكس تماما ما ذهب إليه بعض الاعلام من الاشكال في ثبوت اللعان في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف وينحصر الامر لإثبات انتفاء الولد في مثل ذلك بالبينة.

ولعل منشأ الاشكال ان صحيحة ابي بصير المتقدمة الدالة على ثبوت اللعان في مورد نفي الولد تدل على حصر اللعان بالمورد المذكور وحيث ان المضمون المذكور مخالف لصريح الكتاب الكريم الدال على ثبوت اللعان في مورد القذف فيلزم طرح الصحيحة لأجل ما ذكر ، ومن ثمّ نعود في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف فاقدين للدليل على ثبوت اللعان.

الا ان هذا البيان ـ كما ترى ـ وجيه لو فرض انحصار مدرك اللعان في مورد نفي الولد بالصحيحة المتقدمة ، ولكن سيأتي وجود غيرها.

٣ ـ واما انه لا يجوز القذف من دون يقين‌ فهو مما لا تأمّل فيه فانه من الرمي الموجب للّعنة في الدنيا والآخرة ، وهو من الافك الذي نهي عنه المؤمنون. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢). وقال تعالى في قصة الافك : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً

__________________

(١) راجع ما نقله الحر في ذيل الحديث لمعرفة تأويل الشيخ الطوسي.

(٢) النور : ٢٣ ـ ٢٤.


وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ* لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ* وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ* إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ* وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١).

وفي الحديث : «جاءت امرأة الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله اني قلت لأمتي : يا زانية فقال : هل رأيت عليها زنا فقالت : لا فقال : اما انها ستقاد منك (٢) يوم القيامة فرجعت الى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت : اجلديني فأبت الأمة فأعتقتها ثم أتت الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته فقال : عسى أن يكون به» (٣).

٤ ـ واما ان القاذف يحدّ حدّ القذف ـ ثمانين جلدة‌ ـ فلقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤).

واما ان القاذف يحدّ حتى مع يقينه بصحة النسبة فلإطلاق الآية الكريمة.

٥ ـ واما اندفاع الحدّ عن القاذف بلعانه‌ فللآية الكريمة المتقدمة في الرقم ١.

__________________

(١) النور : ١٢ ـ ١٦.

(٢) في التهذيب ١٠ : ٨٠ : سيقاد لها منك.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٣١ الباب ١ من أبواب حد القذف الحديث ٤.

(٤) النور : ٤.


واما تقييد اللعان بعدم وجود البينة فللتقييد بذلك في الآية الكريمة نفسها.

٦ ـ واما ثبوت اللعان في مورد نفي الولد‌ فيستفاد من صحيحة الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم اكذب نفسه بعد الملاعنة وزعم ان الولد ولده هل يرد عليه ولده؟ قال : لا ولا كرامة لا يرد عليه ولا تحل له الى يوم القيامة» (١) وغيرها.

٧ ـ واما عدم جواز نفي الولد في حالة امكان الانتساب‌ فلقاعدة الفراش المستندة الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» الذي رواه الفريقان.

فمن طرقنا روى سعيد الاعرج في صحيحة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال : للذي عنده لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٢).

والمقصود من قوله عليه‌السلام : «للذي عنده» المولى المالك للجارية كما نبّه عليه الكاشاني (٣).

ومن طرق غيرنا ما رواه مسلم بسنده الى عائشة : «اختصم سعد بن ابي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن ابي وقاص عهد إليّ انه ابنه ، انظر الى شبهه. وقال عبد بن زمعة : هذا اخي يا رسول الله ولد على فراش ابي من وليدته فنظر رسول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠١ الباب ٦ من أبواب اللعان الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٦٨ الباب ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء الحديث ٤.

(٣) الوافي ٢٣ : ١٤٠٧.


الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى شبهه فرأى شبها بيّنا بعتبة فقال : هو لك يا عبد ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ...» (١).

٨ ـ واما جواز نفيه عند عدم امكان الانتساب‌ فلان الفراش لا يتحقق بمجرد العقد خلافا لأبي حنيفة حيث نسب اليه تحققه بذلك فقد نقل العيني : «شذّ ابو حنيفة فيما اذا عقد شخص على امرأة وطلقها عقيب النكاح من غير امكان الوطء فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد حيث ألحقه بالزوج. وهذا خلاف ما جرت به عادة الله من ان الولد انما يكون من ماء الرجل والمرأة» (٢) بل يتحقق بالعقد مع امكان الالتحاق بالزوج ، فان القاعدة شرعت في حالات الشك في الانتساب اذ مع الجزم بالانتساب الى الزوج فلا معنى لان يعبدنا الشارع بالالحاق به لأنه تعبد بما هو معلوم بالوجدان ، كما لا معنى للتعبد مع الجزم بعدم امكان الالتحاق اذ لا يمكن التعبد بما يجزم بعدمه.

٩ ـ واما وجوب نفيه في حالة الجزم بعدم الانتساب‌ فلأجل ان لا ترتب عليه أحكام الولد من الميراث والنكاح والنظر الى المحارم وغير ذلك مما يعلم بمبغوضية الشارع لترتيبه.

١٠ ـ واما انه لا ينتفي الولد شرعا في مرحلة الظاهر من دون لعان أو بينة‌ فلقاعدة الفراش الحاكمة بالالتحاق ظاهرا بصاحب الفراش.

__________________

(١) صحيح مسلم كتاب الرضاع الباب ١٠ الولد للفراش وتوقي الشبهات الحديث ١٤٥٧.

(٢) عمدة القاري ١١ : ١١٠ وهو شرح العيني لصحيح البخاري.


٢ ـ كيفية اللعان‌

وكيفية اللعان أن يبدأ الرجل ويقول أربع مرّات ـ بعد قذفها أو نفي الولد ـ :

«اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها او نفي ولدها» ، ثم يقول مرة واحدة : «لعنة الله عليّ ان كنت من الكاذبين».

واذا تمّ اللعان بالنحو المذكور من الرجل حدّت المرأة حدّ الزنا ان كان قد قذفها بالزنا أو نفى ولدها بنحو يوجب قذفها بالزنا. وبامكانها بدورها ان تدفع الحد عن نفسها بلعانها هي بأن تقول اربع مرات : «اشهد بالله انه لمن الكاذبين في مقالته» ، ثم تقول مرة واحدة : «ان غضب الله عليّ ان كان من الصادقين».

والمستند في ذلك :

١ ـ اما كيفية اللعان بالشكل المتقدم‌ فتستفاد من الآية الكريمة وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين سابقا في الرقم ١.

٢ ـ واما انه بلعان الزوج يثبت الحد على الزوجة وبامكانها دفعه عنها بلعانها‌

فتمكن استفادته من الآية الكريمة نفسها حيث قالت : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ ...) (١) كما هو واضح.

٣ ـ واما تقييد نفي الولد بما اذا استلزم القذف‌ فلانه بدون ذلك لا يثبت في حق المرأة ما يستوجب اقامة الحدّ عليها.

__________________

(١) النور : ٧.


٣ ـ من أحكام اللعان‌

اذا تمّ اللعان من الزوج أو الزوجة ترتبت الاحكام التالية :

١ ـ انفساخ عقد النكاح.

٢ ـ الحرمة المؤبدة ، فلا تحل للزوج حتى بعقد جديد.

وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان من دون فرق بين كونه للقذف أو لنفي الولد.

٣ ـ سقوط الحدّ عن الزوج ـ اذا تحقق منه القذف بالزنا او نفي الولد بنحو موجب للقذف ـ بلعانه ويسقط عنها بلعانها. اما اذا لاعن هو ونكلت هي حدت هي دونه. واذا لم يلاعن هو أيضا حدّ هو دونها.

٤ ـ اذا كان التلاعن لنفي الولد ترتب عليه انتفاء الولد عن الرجل وبقي ملتحقا بالمرأة فقط ومن ثمّ ينتفي التوارث بينهما بل بينه وبين كل من ينتسب بواسطته كالجد والجدة والاخ والاخت للأب والعم والعمة ، ويبقى منحصرا بينه وبين امه ومن ينتسب بواسطتها.

واذا لاعن هو دونها انتفى عن الرجل فقط أيضا ولا يثبت في حق المرأة شي‌ء الا اذا كان نفي الولد بنحو موجب للقذف فيثبت عليها الحد الا ان تلاعن.

ومن الاحكام ان انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا لاحتمال كونه من وطء شبهة. وعليه فلا يجوز له رميها بالزنا الا مع اليقين.

ولا يتمكن الزوج من لعان زوجته اذا قذفها بالزنا الا اذا ادعى المشاهدة ولم تكن له بينة والا تعين عليه اقامتها لنفي الحدّ ولا تصل النوبة‌


الى اللعان.

ولا يثبت اللعان عند قذف الزوجة اذا كانت خرساء او صماء بل تحرم بمجرد القذف من دون توقف على لعان.

ولا يثبت اللعان لنفي الولد مع كون الزوجة متمتعا بها او غير مدخول بها.

ولا يقع اللعان الا عند الحاكم الشرعي وبطلب منه فلو بادرا اليه قبل طلبه لم يصح.

ويلزم ان يكونا قائمين عند التلفظ بصيغة اللعان.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ترتب انفساخ العقد والحرمة المؤبدة على مطلق اللعان‌ فهو مما لا اشكال فيه. ويستفاد ذلك في لعان القذف من صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وغيرها ، وفي لعان نفي الولد من صحيحة الكناني المتقدمة وغيرها.

بل يمكن ان يقال : ان المستفاد من صحيحة عبد الرحمن ان الحرمة المؤبدة هي من شئون اللعان بلا خصوصية لكونه لأجل القذف.

٢ ـ واما سقوط الحدّ عن الرجل والمرأة بلعانهما‌ فيستفاد من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ...) (١) ومن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة فلاحظ.

واما انه اذا لاعن هو دونها حدّت دونه فيستفاد من الآية الكريمة‌

__________________

(١) النور : ٦ ـ ٩.


لأنها ظاهرة في ان لعان كل واحد من الزوجين موجب لدرء الحدّ عن نفسه ، بل قد يستفاد من صحيحة ابن الحجاج أيضا.

واما انه اذا لم يلاعن الرجل أيضا حدّ دونها فباعتبار تحقق القذف منه فيحد ، واما هي فحيث لم يثبت في حقها المقذوف به فلا موجب لحدها.

٣ ـ واما انه اذا تلاعنا لنفي الولد ترتب عليه انتفاؤه عنه دونها‌ فواضح.

اما عدم انتفائه عنها فلعدم الموجب اذ هي لم تنفه عنها.

واما انتفاؤه عنه فلانه لو لا ذلك لم تكن للعانة فائدة.

وتدل على كلا الحكمين صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المرأة يلاعنها زوجها ويفرّق بينهما الى من ينسب ولدها؟ قال : الى امه» (١).

٤ ـ واما عدم التوارث بين الولد والرجل ومن ينتسب بواسطته‌ فلان ذلك لازم انتفائه عنه باللعان.

٥ ـ واما انه اذا لاعن الرجل فقط انتفى الولد عنه أيضا‌ فلانه لازم اللعان وفائدته.

واما عدم ثبوت الحدّ على المرأة فلعدم الموجب لذلك بعد عدم قذفها بالزنا.

واما انها تحدّ لو لم تلاعن فيما اذا كان نفي الولد بنحو موجب لقذفها بالزنا فباعتبار دخول المورد آنذاك تحت عنوان القذف بالزنا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٨ الباب ١٤ من أبواب اللعان الحديث ٢.


٦ ـ واما ان نفي الولد لا يلازم كونه ابن زنا ومن ثمّ لا يجوز رمي المرأة بالزنا الا مع اليقين‌ فواضح.

٧ ـ واما ان الزوج لا يتمكن من اللعان عند القذف الا اذا ادعى المشاهدة‌ فهو مما لا اشكال فيه لصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا قذف الرجل امرأته فانه لا يلاعنها حتى يقول : رأيت بين رجليها رجلا يزني بها» (١) وغيرها.

واما اختصاص اللعان بحالة فقدان البينة فقد تقدم انه يستفاد من الآية الكريمة.

٨ ـ واما عدم ثبوت اللعان في مورد قذف الزوجة الخرساء أو الصماء‌ فلم يظهر فيه خلاف بين الاصحاب. ويدل عليه صحيح الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرّق بينهما» (٢) وغيرها ، فان مقتضى اطلاقها ثبوت التحريم من دون لعان.

وفي موثقة اسماعيل بن ابي زياد (٣) عن جعفر عن ابيه ان عليا قال : «ليس بين خمس من النساء وأزواجهن ملاعنة ... والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان انما اللعان باللسان» (٤).

والحديثان ـ كما ترى ـ ناظران الى الخرساء فالتعميم الى الصماء يحتاج الى التمسك بتسالم الاصحاب ان تمّ.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٩٤ الباب ٤ من أبواب اللعان الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٢ الباب ٨ من أبواب اللعان الحديث ١.

(٣) وهو السكوني.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٩٨ الباب ٥ من أبواب اللعان الحديث ١٢.


٩ ـ واما عدم ثبوت اللعان لنفي الولد مع فرض التمتع بالزوجة أو عدم الدخول‌ فلصحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها» (١) وصحيحة ابي بصير المتقدمة : «لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته ...» (٢).

١٠ ـ واما اعتبار ان يكون اللعان عند الحاكم‌ فقد ذكر في الجواهر : ان ذلك قد صرّح به جماعة من الاصحاب (٣).

ولا يظهر بوضوح من الروايات اعتبار ما ذكر. اجل ورد في صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر : «سألت ابا الحسن الرضا عليه‌السلام كيف الملاعنة؟ فقال : يقعد الامام ويجعل ظهره الى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره» (٤) وغيرها ما يدل على قعود الامام حالة الملاعنة الا ان ذلك لا يدل على شرطية الكون حالة الملاعنة عند الامام.

ولكن مع ذلك يمكن الاستدلال بما يلي :

أ ـ ان اللعان نحو من الشهادة او الحلف ، وهما من وظائف الحاكم ولا يصحّان الا لديه.

ب ـ ان الدليل على شرطية اداء اللعان عند الحاكم وان لم يكن ثابتا الا انه في نفس الوقت لا دليل على صحته وترتب الاثر عليه لدى غير الحاكم فان النصوص لا اطلاق فيها من هذه الناحية. ومعه ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وهو ما اذا كان الاداء لدى الحاكم اذ في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٥ الباب ١٠ من أبواب اللعان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٤ الباب ٩ من أبواب اللعان الحديث ٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٤ : ٥٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٨٨ الباب ١ من أبواب اللعان الحديث ٥.


غير ذلك يشك في ترتب الاثر فيستصحب عدمه.

وبالوجهين المذكورين يمكن التمسك أيضا لإثبات اعتبار طلب الحاكم لأداء اللعان في صحته.

١١ ـ واما انه يعتبر قيام المتلاعنين حالة ادائهما اللعان‌ فهو منقول عن جملة من الاصحاب. ويمكن استفادته من صحيح علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الملاعنة قائما يلاعن أم قاعدا قال : الملاعنة وما أشبهها من قيام» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٨٨ الباب ١ من أبواب اللعان الحديث ٦.


كتاب اليمين والنّذر والعهد‌

١ ـ اليمين المبحوث عنها‌

٢ ـ من أحكام اليمين‌

٣ ـ من أحكام النذر‌

٤ ـ من أحكام العهد‌



١ ـ اليمين المبحوث عنها‌

اليمين التي يجب الوفاء بها وتترتب على مخالفتها الكفارة هي المأتي بها لتأكيد ما التزمه المكلف على نفسه.

واما اذا كانت لتأكيد الاخبار فهي محرمة اذا كانت على خلاف الواقع ويكون الحالف مأثوما ـ الا اذا كانت لدفع ظلم عن الحالف نفسه او سائر المؤمنين ـ ولكن لا كفارة فيها.

واذا كانت للمناشدة فلا كفارة فيها ولا اثم في المخالفة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اليمين لها أقسام ثلاثة :

أ ـ اليمين التي يقصد بها تأكيد الاخبار عن الماضي او المستقبل ، كقول القائل : والله اني جئت امس او اجي‌ء غدا ، او والله اني لم اتلف ملك فلان او والله سأتلفه ، وما شاكل ذلك.

واليمين المتداولة من المدعى عليه ـ او المدعي احيانا ـ في باب الدعوى هي من هذا القبيل.


ب ـ اليمين التي يستعان بها في مقام الطلب والمناشدة ، كقول القائل : اقسم عليك بالله ان تفعل كذا.

ج ـ اليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه الشخص على نفسه ، كما اذا التزم بترك التدخين واكّده بقوله : «والله لا أدخّن» ، فانه لا يقصد بذلك الاخبار عن عدم تدخينه في المستقبل وتأكيده من خلال القسم ، كما هو الحال في القسم الاول بل هناك التزام بترك ذلك وتأكيد ذلك الالتزام بواسطة اليمين.

واليمين التي هي محل البحث ويقال انه يجب الوفاء بها ويوجب حنثها الكفارة هي ما كان من قبيل القسم الاخير ، واما غيرها فلا يجب الوفاء به بل لا معنى لذلك لعدم وجود التزام ليجب الوفاء به او لتحرم مخالفته فالمخالفة غير متصورة ليتحقق الحنث وتجب الكفارة. اجل مخالفة اليمين للواقع المخبر عنه متصورة ولكنها شي‌ء آخر غير مخالفة الحالف نفسه لليمين.

٢ ـ واما انه يجب الوفاء باليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه المكلف على نفسه فهو من واضحات الفقه. قال تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) (١) ، (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٢) ، (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ... وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) (٣).

٣ ـ واما وجوب الكفارة في مخالفة اليمين من القسم الاول‌ فهو‌

__________________

(١) النحل : ٩١.

(٢) البقرة : ٢٢٥.

(٣) المائدة : ٨٩.


من المسلمات. ويدل عليه قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (١) ، اي اذا حلفتم ونكثتم كما هو واضح.

٤ ـ واما ان اليمين لتأكيد الاخبار لا كفارة فيها‌ فهو متسالم عليه ولم ينسب الخلاف في ذلك الا الى الشافعي (٢). وقد تقدم الوجه في ذلك.

واما انها تحرم اذا كانت كاذبة فهو باعتبار حرمة الكذب بل تتضاعف الحرمة لانطباق عنوان آخر وهو الحلف بالله كاذبا. واذا كان ذلك في باب الدعوى وفصل الخصومة تضاعف الاثم والحرمة اكثر. وقد يعبر عنها باليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الاثم.

وفي الحديث عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ان في كتاب علي عليه‌السلام ان اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من اهلها (٣) وتثقل الرحم (٤) ، يعني انقطاع النسل» (٥).

وفي حديث آخر : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : من حلف على يمين وهو يعلم انه كاذب فقد بارز الله» (٦).

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) جواهر الكلام ٣٥ : ٢٦٥.

(٣) أي : خالية من أهلها.

(٤) وفي بعض النسخ : تنغل. يقال نغل الجرح ، أي فسد. والمراد في الحديث : تفسد الرحم بالعقم.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٤ الباب ٤ من أبواب الايمان الحديث ١.

(٦) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٤ الباب ٤ من أبواب الايمان الحديث ٤.


٥ ـ واما استثناء حالة دفع الظلم‌ فلعدة روايات كصحيحة اسماعيل بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «سألته ... عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال : لا جناح عليه. وسألته هل يحلف الرجل على مال اخيه كما يحلف على ماله؟ قال : نعم» (١) وغيرها.

هذا اذا لم يصل الامر الى درجة الاضطرار او الاكراه والا فالامر اوضح لحديث : «رفع عن امتي ما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه» (٢).

وهل يلزم لجواز الحلف كذبا عدم امكان التخلص بالتورية؟ مقتضى اطلاق الصحيحة السابقة عدم اعتبار ذلك.

٦ ـ واما عدم ترتب اثر ـ من الكفارة والاثم ـ على يمين المناشدة‌ فلقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*) (٣) ولموثق حفص وغير واحد من اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن الرجل يقسم على اخيه قال : ليس عليه شي‌ء انما اراد اكرامه» (٤) وغيره.

وفي صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قول الله عز وجل : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*) قال : هو لا والله وبلى والله» (٥).

بل لا نحتاج الى نص خاص ويكفينا مقتضى القاعدة اذ المحلوف عليه لم يحلف ليلزم به والحالف نفسه لم يتحقق منه التزام بفعله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٦٢ الباب ١٢ من أبواب الايمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) البقرة : ٢٢٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٠٩ الباب ٤٢ من ابواب الايمان الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٤ الباب ١٧ من ابواب الايمان الحديث ٣.


لتحرم عليه مخالفته.

اجل يكره هذا النحو من اليمين بل تكره اليمين الصادقة الاخبارية أيضا لقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) (١). ولو بقينا نحن والنهي المذكور فالمناسب هو الحرمة الا ان قوله تعالى بعد ذلك : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٢) يدل على ان اليمين التي يجب الالتزام بها ويحرم حنثها هي اليمين التي معها قصد والتزام قلبيان.

وفي حديث الامام الصادق عليه‌السلام : «اجتمع الحواريون الى عيسى عليه‌السلام فقالوا : يا معلم الخير ارشدنا فقال : ان موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وانا آمركم ان لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين» (٣). وفي حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اجلّ الله ان يحلف به اعطاه الله خيرا مما ذهب منه» (٤).

٢ ـ من أحكام اليمين‌

لا تنعقد اليمين الا اذا كانت بالله سبحانه من دون فرق بين ان يكون بلفظ الجلالة أو بسائر اسمائه بل وبترجمة ذلك أيضا.

ولا تحرم اذا كانت بغيره سبحانه ولكنها لا تنعقد.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٤.

(٢) البقرة : ٢٢٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٠ الباب ١ من ابواب الايمان الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٠ الباب ١ من ابواب الايمان الحديث ٣.


وصيغتها : والله او بالله او تالله ان افعل كذا اما مع التعليق على حصول شي‌ء او بدونه. ومع التعليق لا يجب الوفاء بها الا مع حصول المعلق عليه.

ولا تنعقد بالنية من دون تلفظ بذلك.

ويلزم في متعلق اليمين ان يكون راجحا ولو بحسب المصلحة الشخصية للحالف ، فلو كان مرجوحا من البداية لم تنعقد ، ولو صار كذلك بعد ذلك انحلت.

ولا تنعقد يمين الولد مع نهي والده وتنحل مع نهيه عنها بعد ذلك. وهكذا الحال بالنسبة الى يمين الزوجة مع نهي الزوج.

واذا حلف المكلف على صوم شهر ففي جواز الفصل ولزوم الوصل يتبع قصده.

والحنث الموجب للكفارة هو ما صدر عن عمد دون ما لو صدر عن نسيان او اكراه او اضطرار او جهل.

ومن خالف عمدا يحنث وتجب عليه الكفارة ولا يلزمه الوفاء بعد ذلك.

وكفارة حنث اليمين : عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فان عجز صام ثلاثة ايام متوالية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان اليمين لا تنعقد اذا كانت متعلقة بغير الله سبحانه‌ فقد يستدل له بصحيحة محمد بن مسلم : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عز وجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (٢) وما اشبه ذلك فقال : ان لله عز وجل ان يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه ان يقسموا‌

__________________

(١) الليل : ١.

(٢) النجم : ١.


الا به» (١) وما كان بمضمونها حيث تدل على حرمة القسم بغير الله سبحانه ومن ثمّ على عدم صحته.

الا ان الاستدلال المذكور تام لو لم يكن هناك معارض يدل على جواز الحلف بغيره سبحانه من قبيل صحيحة علي بن مهزيار : «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام الى داود بن القاسم : اني قد جئت وحياتك» (٢) ، فانه عليه‌السلام حلف بحياة داود انه قد جاء فيلزم حمل الاولى على الكراهة.

والانسب الاستدلال على ذلك بالوجهين التاليين :

أ ـ التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في كتاب علي عليه‌السلام ان نبيا من الانبياء شكا الى ربه فقال : يا رب كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال : فأوحى الله اليه احكم بينهم بكتابي واضفهم الى اسمي فحلفهم به. وقال : هذا لمن لم تقم له بينة» (٣) ، فانه بقرينة ورودها في مقام البيان يمكن ان يستفاد منها اختصاص الحلف الذي يترتب عليه اثر بما اذا كان به سبحانه دون ما اذا كان بغيره. ومورده وان كان باب القضاء الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

ب ـ التمسك بالاصل ، فانه اذا شككنا في ترتب الاثر على اليمين المتعلقة بغير الله سبحانه نستصحب عدم وجوب الوفاء والكفارة.

٢ ـ واما انه لا فرق في الحلف بالله سبحانه بين لفظ الجلالة وسائر اسمائه‌ فلإطلاق لفظ «اسمه» في صحيحة سليمان «واضفهم الى اسمي». بل يمكن التمسك باطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٩١ الباب ٣٠ من ابواب الايمان الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٩٥ الباب ٣٠ من ابواب الايمان الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٧ الباب ١ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


مسلم : «وليس لخلقه ان يقسموا الا به».

لا يقال : ان موثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «اذا قال الرجل : اقسمت او حلفت فليس بشي‌ء حتى يقول : اقسمت بالله او حلفت بالله» (١) دلت على عدم انعقاد اليمين الا اذا كانت متعلقة بلفظ الجلالة.

فانه يقال : ان الموثقة في صدد بيان ان كلمة «اقسمت» او «حلفت» لا تجدي وحدها ما لم تنضم اليها ضميمة ، اما ان تلك الضميمة هل هي خصوص لفظ الجلالة او الاعم فليست في مقام البيان من ناحيته.

٣ ـ واما اجزاء الترجمة‌ فوجهه واضح وهو التمسك بالاطلاق أيضا.

٤ ـ واما انه لا تحرم اليمين المتعلقة بغيره سبحانه ـ كالأنبياء والاولياء وغير ذلك‌ ـ فلصحيحة ابن مهزيار المتقدمة. وبقطع النظر عن ذلك تكفينا البراءة بعد قصور مقتضي التحريم.

واما انها لا تنعقد فللأصل بعد القصور في المقتضي.

٥ ـ واما ان صيغة اليمين ما تقدم‌ فلان الحلف بالله سبحانه صادق في كل ذلك.

واما صحتها مع التعليق وبدونه فلإطلاق ادلة وجوب الوفاء باليمين لكلتا الحالتين.

واما ان اليمين المعلقة لا يجب الوفاء بها قبل حصول المعلق عليه فباعتبار ان الالتزام من الحالف يختص بذلك ، ولا التزام قبل حصول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧١ الباب ١٥ من ابواب الايمان الحديث ٣.


المعلق عليه ليجب الوفاء به.

٦ ـ واما عدم انعقاد اليمين بمجرد النية من دون تلفظ بالصيغة‌ فلانه بدون ذلك لا يصدق عنوان اليمين ليجب الوفاء بها.

٧ ـ واما انه يعتبر الرجحان في متعلق اليمين ولو بلحاظ المصلحة الشخصية‌ فلصحيحة سعيد الاعرج : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحلف على اليمين فيرى ان تركها افضل وان لم يتركها خشي ان يأثم أيتركها؟ قال : اما سمعت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها» (١) ، فانها تدل على اعتبار ملاحظة الخير في المتعلق. ومقتضى اطلاقه كفاية كون المتعلق خيرا ولو بلحاظ المصالح الشخصية.

واذا فرض التساوي من جميع الجهات فهل يجب العمل بمقتضى اليمين؟ نعم لان الصحيحة قالت : «اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها» ، ومفهوم ذلك انه اذا لم تر خيرا من يمينك ـ وذلك صادق عند التساوي ـ فلا تدعها.

هذا ولكن رواية حمران : «قلت لأبي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : اليمين التي تلزمني فيها الكفارة؟ فقالا : ما حلفت عليه مما لله فيه طاعة ان تفعله فلم تفعله فعليه الكفارة ، وما حلفت عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه ، وما لم يكن فيه طاعة ولا معصية فليس هو بشي‌ء» (٢) دلت على انه عند التساوي لا تلزم مراعاة اليمين ، بل ودلت على ان المدار هو على ملاحظة المرجحات الدينية دون الدنيوية الا انه مما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٥ الباب ١٨ من ابواب الايمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٨٣ الباب ٢٤ من ابواب الايمان الحديث ٢.


يهوّن الخطب ضعف سندها بحمزة بن حمران فلاحظ.

٨ ـ واما انه اذا صار متعلق اليمين مرجوحا بعد اليمين انحلت‌ فلأن ذلك مورد صحيحة الاعرج وقد دلت على الانحلال.

٩ ـ واما عدم انعقاد يمين الولد والزوجة مع نهي الوالد او الزوج‌ فلصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ...» (١) وغيرها.

وهل تنعقد اليمين مع عدم صدور الاذن من الوالد أو الزوج لأجل عدم اطلاعه على اليمين؟ لا يبعد الانعقاد لان التعبير المذكور في الصحيحة مجمل فيحتمل ان يكون المقصود منه : لا يمين مع الردع ويحتمل أن يكون : لا يمين مع عدم الاذن ولو من دون ردع ، ومع اجمال المخصص ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وفيما زاد يرجع إلى عمومات وجوب الوفاء باليمين.

١٠ ـ واما التعميم لحالة الردع في مرحلة البقاء‌ فلإطلاق الصحيحة المتقدمة.

١١ ـ واما ان من حلف على صوم شهر يتبع في لزوم الوصل وجواز الفصل قصده‌ فباعتبار ان الحنث يتحقق بمخالفة الالتزام التابع لكيفية القصد.

وقد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة سعد بن اسماعيل الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن رجل حلف وضميره على غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٥٥ الباب ١٠ من ابواب الايمان الحديث ٢.


ما حلف ، قال : اليمين على الضمير» (١) وغيرها.

١٢ ـ واما ان الحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عن عمد‌ فباعتبار ان متعلق اليمين للحالف عادة هو التزام الفعل وعدم المخالفة عن عمد واختيار فاذا تحققت المخالفة لا عن عمد فلا يتحقق الحنث لتجب الكفارة.

على ان بالامكان التمسك بحديث رفع النسيان والاكراه والاضطرار (٢) وبصحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في الجاهل : «أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي‌ء عليه» (٣).

هذا والمنسوب الى جماعة من العامة تحقق الحنث وثبوت الكفارة في الجميع (٤) ولكنه مردود بما سبق.

١٣ ـ واما ان من خالف عن عمد لا يجب عليه الوفاء بعد ذلك‌ فلأن متعلق اليمين التزام واحد بترك جميع الحصص فاذا تحققت المخالفة مرة انخرم ذلك الالتزام الواحد ولا يمكن الوفاء بعد ذلك ليجب. اجل اذا كان الالتزام متعددا ـ كمن حلف على ترك التدخين فترة شهر بنحو كان يقصد تعدد الالتزام بالترك بعدد الايام ـ تعدد الوفاء والحنث أيضا.

١٤ ـ واما ان كفارة حنث اليمين ما تقدم‌ فلقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٩ الباب ٢١ من ابواب الايمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ١٢٥ الباب ٤٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٤) جواهر الكلام ٣٥ : ٣٣٩.


كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (١).

واما اعتبار التوالي في الايام الثلاثة بالرغم من اقتضاء الاطلاق جواز التفريق فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «صيام ثلاثة ايام في كفارة اليمين متتابعات» (٢) وغيرها.

٣ ـ من أحكام النذر‌

النذر هو التزام الشخص في ذمته بفعل شي‌ء او تركه لله سبحانه. والوفاء به واجب ، وتترتب على مخالفته الكفارة.

وصيغته : لله عليّ كذا ان حصل كذا.

ولا ينعقد بمجرد النية من دون تلفظ بذلك.

وفي انعقاده من دون تعليقه على شرط كلام.

وفي إجزاء الترجمة خلاف.

ويشترط في انعقاده رجحان متعلقه بنحو يعدّ طاعة لله سبحانه فلا ينعقد لو تعلق بالمباح الذي لا يعدّ فعله طاعة له سبحانه. وإذا زال الرجحان بعد الانعقاد انحل.

ولا يشترط في صحة نذر الولد اذن الوالد مسبقا. اجل مع نهيه المسبق لا ينعقد. واذا نهي عنه بعد ذلك انحل.

ويشترط في صحة نذر الزوجة اذن الزوج اذا كان متعلقه منافيا لحقه في‌

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ٧ : ٢٨٠ الباب ١٠ من ابواب بقية الصوم الواجب الحديث ٤.


الاستمتاع ، بل ذهب المشهور الى اعتبار اذن الزوج حتى اذا لم يكن منافيا لحقه ما دام يستلزم التصرف في مالها.

واذا نذر المكلف صوم يوم معين واراد السفر جاز له ذلك ولو من دون ضرورة ويفطر ثم يقضيه بدون كفارة. وهكذا لو طرأ مرض او غيره من الموانع.

ومن نذر صوم شهر ففي جواز الفصل او لزوم الوصل يتبع قصده. ومع الشك في كيفية قصده يلزم اتباع ظاهر اللفظ.

ومن نذر مالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او أحد الائمة عليهم‌السلام او الاولياء ففي كيفية صرفه يتبع قصده. ومع الشك في كيفية القصد يلاحظ ظاهر لفظ الناذر وهو يقتضي الصرف فيما يرجع الى شئون المنذور له.

وفي تحديد كفارة حنث النذر خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان النذر هو الالتزام المتقدم‌ فهو من واضحات الفقه التي يعرفها كل متشرع.

واما ان الوفاء به واجب فهو من واضحات الفقه أيضا. ويدل عليه قوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (١) ، (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٢) ، (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٣).

ويستفاد ذلك أيضا من روايات ثبوت الكفارة بالحنث وغيرها.

__________________

(١) الحج : ٢٩.

(٢) البقرة : ٢٧٠.

(٣) الإنسان : ٧.


واما انه تترتب على مخالفته الكفارة فهو مما لا اشكال فيه. ويدل عليه صحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولا يسميه قال : ان سميته فهو ما سميت ، وان لم تسم شيئا فليس بشي‌ء. فان قلت : لله عليّ فكفارة يمين» (١) وغيره.

٢ ـ واما ان صيغته ما تقدم‌ فهو مما لا اشكال فيه. ويدل عليه صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا قال الرجل : عليّ المشي الى بيت الله وهو محرم بحجة او عليّ هدي كذا وكذا فليس بشي‌ء حتى يقول : لله عليّ المشي الى بيته او يقول : لله عليّ ان احرم بحجة او يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا ان لم افعل كذا وكذا» (٢) وغيره.

٣ ـ واما عدم انعقاده بمجرد النية‌ فلانه بدون التلفظ بالصيغة لا يصدق عنوان النذر. ومع التنزل وفرض الشك في صدق عنوان النذر يكفينا استصحاب عدم ترتب الاثر. مضافا الى امكان استفادة اعتبار التلفظ من صحيح منصور المتقدم فلاحظ.

٤ ـ واما انعقاد النذر اذا لم يكن معلقا على شرط ـ المعبر عنه بنذر التبرع‌ ـ فهو بالمشهور. وقيل بعدم ذلك.

والمنشأ المهم للخلاف دعوى عدم صدق عنوان النذر مع التبرع وانه لغة الوعد بشرط ، والاصل عدم النقل ، ومعه فلا يمكن التمسك بعمومات وجوب الوفاء بالنذر. بل ان لم يجزم بالدعوى المذكورة فلا أقلّ من احتمالها ، ومعه لا يمكن التمسك بالعمومات أيضا لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٢٢ الباب ٢ من أبواب النذر والعهد الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢١٩ الباب ١ من أبواب النذر والعهد الحديث ١.


وقد يؤيد اعتبار التعليق على الشرط ـ كما صنع في الجواهر (١) ـ بصحيح منصور بن حازم المتقدم فانه ورد في ذيله : «... او يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا ان لم افعل كذا وكذا» ، وهو بالمفهوم يدل على انه اذا لم تذكر الصيغة مع التعليق فلا ينعقد النذر.

٥ ـ واما الخلاف في اجزاء الترجمة‌ فوجهه ان مقتضى صحيح منصور اعتبار التلفظ بالشكل المذكور فيه ، ولازمه عدم اجزاء غير العربية. ولا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك وهو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر.

وفي المقابل يمكن ان يقال : ان تشريع النذر كسائر التشريعات الاسلامية لم يرد خاصا بالعرب ، وهل يحتمل ان غير العربي ليس من حقه النذر؟!

٦ ـ واما اعتبار رجحان متعلق النذر بنحو يعدّ فعله طاعة لله سبحانه‌ فباعتبار ان المكلف من خلال النذر يجعل الفعل لله سبحانه ويقول لله عليّ كذا ، ولا معنى لأن يلتزم بفعل لله سبحانه الا اذا كان مطلوبا وطاعة له ، وحيث ان المباح المتساوي طرفاه ليس مطلوبا وطاعة له سبحانه فلا معنى لجعله لله بمثل صيغة : لله عليّ حتى اذا فرض وجود رجحان دنيوي فيه من بعض الجهات.

٧ ـ واما انه ينحل اذا زال الرجحان‌ فباعتبار انه معه لا يصدق بقاء كون الفعل لله سبحانه فيزول عنوان النذر بقاء وينحل بهذا المعنى.

٨ ـ واما عدم اعتبار اذن الوالد مسبقا في صحة نذر الولد‌ فلعدم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٥ : ٣٦٨.


وجود نص يدل على اعتبار ذلك فيتمسك بعمومات النذر لنفي ذلك. اجل مع النهي يزول الرجحان فلا ينعقد حدوثا وينحل بقاء.

٩ ـ واما عدم انعقاد نذر الزوجة اذا كان منافيا لحق الزوج في الاستمتاع‌ فواضح لكون المتعلق مرجوحا آنذاك.

واما اذا لم يكن منافيا لحقه فالمشهور اختار عدم انعقاده أيضا لصحيح عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ليس للمرأة مع زوجها امر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها الا باذن زوجها الا في حج او زكاة او بر والديها او صلة رحمها» (١). نعم مع عدم كون نذرها مستلزما للتصرف في مالها ولا منافيا لحقه ينعقد ويجب الوفاء به تمسكا بالعمومات.

هذا ويمكن ان يقال : ان صحيح ابن سنان ناظر الى بيان حكم اخلاقي بقرينة اشتماله على ما لا يمكن الالتزام به ، كعدم جواز صدقة الزوجة وهبتها لشي‌ء من مالها من دون اذن الزوج ، وعليه فالمناسب العمل على وفق الاحتياط.

١٠ ـ واما ان من نذر صوم يوم معين واراد السفر جاز له ذلك ولو من دون ضرورة‌ ويقضي يوما بدله فهو حكم مخالف للقاعدة ، فان المناسب عدم جواز السفر مقدمة لامتثال النذر الذي هو واجب الا ان صحيحة علي بن مهزيار : «كتبت اليه ـ يعني الى ابي الحسن عليه‌السلام ـ يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر او اضحى او ايام التشريق او سفر او مرض هل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٣٧ الباب ١٥ من أبواب النذر والعهد الحديث ١.


عليه صوم ذلك اليوم او قضاؤه وكيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه : قد وضع الله عنه الصيام في هذه الايام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله ...» (١) دلت على جواز السفر مع القضاء. كما دلت على عموم الحكم لسائر الاعذار غير السفر.

١١ ـ واما ان من نذر صوم شهر فجواز الفصل او لزوم الوصل يتبع قصده‌ فقد تقدم وجهه في اليمين فلاحظ.

واما انه مع الشك في القصد يلزم متابعة ظاهر اللفظ فباعتبار ان الناذر التزم بما يدل عليه ظاهر اللفظ.

١٢ ـ واما ان من نذر مالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او غيره يتبع في كيفية صرفه قصده‌ فقد اتضح وجهه مما تقدم.

١٣ ـ واما كفارة حنث النذر فقيل : انها ككفارة مخالفة اليمين. وقيل ككفارة من افطر يوما من شهر رمضان.

ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات ، فبعضها دلّ على الاول ، كما في صحيح الحلبي المتقدم في الرقم ١ ، وبعضها دلّ على الثاني ، كما في رواية عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عمن جعل لله عليه ان لا يركب محرما سمّاه فركبه ، قال : لا. ولا اعلمه الا قال : فليعتق رقبة او ليصم شهرين متتابعين او ليطعم ستين مسكينا» (٢).

والتعارض بينهما مستقر. وقد ترجح الثانية لموافقة الاولى لروايات العامة الدالة على ان كفارة حنث النذر كفارة يمين (٣). الا ان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٣٣ الباب ١٠ من أبواب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٧٥ الباب ٢٣ من ابواب الكفارات الحديث ٧.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ٢ : ١٢٩ ، وسنن البيهقي ١٠ : ٦٩ ـ ٧٢.


المناسب ترجيح الاولى لضعف سند الثانية بعبد الملك اذ لم يرد في حقه توثيق سوى ان الكشي نقل رواية ينتهي سندها الى عبد الملك نفسه وان الامام الصادق عليه‌السلام قال له : «اني لأدعو الله لك حتى اسمي دابتك او قال : ادعو لدابتك» (١) ، وهي لو تمت دلالة على التوثيق فليست تامة سندا من جهة ان الراوي عبد الملك نفسه.

٤ ـ من أحكام العهد‌

العهد التزام مع الله سبحانه بفعل شي‌ء او تركه بصيغة عاهدت الله او عليّ عهد الله ان افعل كذا ، مع التعليق على شرط او بدونه. والوفاء به واجب.

وتترتب على مخالفته الكفارة.

والمشهور عدم انعقاده بمجرد النية والقصد القلبي من دون تلفظ بالصيغة.

ولا يعتبر في متعلقه الرجحان الشرعي بنحو يعدّ طاعة له سبحانه.

وكفارة مخالفة العهد : عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان العهد ما ذكر‌ فينبغي ان يكون من واضحات الفقه.

واما ان صيغته «عاهدت الله او عليّ عهد الله ان افعل كذا» فلتحقق العهد بذلك عرفا فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد.

__________________

(١) رجال الكشي الرقم ٢٤٦.


واما صحته مع التعليق على شرط وبدونه فلإطلاق الادلة الآتية الدالة على مشروعية العهد ووجوب الوفاء به.

واما ان الوفاء به واجب فمما لا اشكال فيه لقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١) ، (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٢) ، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٣) ، فان المراد بالعهد في الآيات الكريمة المذكورة اما خصوص العهد الاصطلاحي او ما يعمّ النذر واليمين ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب.

وفي حديث عبد الله بن سنان : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) قال : العهود» (٥).

٢ ـ واما ترتب الكفارة على مخالفة العهد‌ فهو من الامور المسلمة بين الاصحاب وتأتي دلالة بعض الروايات عليه.

٣ ـ واما عدم انعقاده بمجرد القصد القلبي‌ فهو المعروف بين الاصحاب. الا انه قد يقال بعدم تقوّم عنوان العهد عرفا بالابراز بالصيغة اللفظية فبقصد العهد قلبا يتحقق وتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد. وهذا بخلاف النذر فان عنوانه لا يصدق عرفا من دون ابراز لفظي له. مضافا الى دلالة بعض الروايات على اعتبار الابراز اللفظي فيه فراجع.

__________________

(١) الاسراء : ٣٤.

(٢) الانعام : ١٥٢.

(٣) النحل : ٩١.

(٤) المائدة : ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥ الباب ٢٥ من أبواب النذر والعهد الحديث ٣.


وبالجملة : مع الجزم بصدق عنوان العهد على مجرد القصد القلبي فيلزم وجوب الوفاء به تمسكا بالعمومات. واما اذا لم يجزم بذلك فلا يمكن التمسك بها ـ لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ـ ويتعين الرجوع الى الاصل لنفي ترتب الاثر.

٤ ـ واما عدم اعتبار كون متعلق العهد طاعة كما هو معتبر في النذر‌ فلعدم جريان التقريب السابق هناك فيه. ومقتضى اطلاق دليل وجوب الوفاء به الشمول لما يكون متساوي الطرفين شرعا.

٥ ـ واما ان كفارة مخالفة العهد ما تقدم‌ فهو المشهور بين الاصحاب. ويدل عليه ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن ابي جعفر الثاني عليه‌السلام : «رجل عاهد الله عند الحجر ان لا يقرب محرما ابدا فلما رجع عاد الى المحرم فقال ابو جعفر عليه‌السلام : يعتق او يصوم او يتصدق على ستين مسكينا. وما ترك من الامر اعظم ويستغفر الله ويتوب اليه» (١) وغيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٤٨ الباب ٢٥ من أبواب النذر والعهد الحديث ٤.


كتاب الوصيّة‌

١ ـ الوصية بقسميها‌

٢ ـ الوصية ايقاع‌

٣ ـ من أحكام الوصي‌

٤ ـ من أحكام الوصية‌



١ ـ الوصية بقسميها‌

الوصية إنشاء يتضمن تمليكا او عهدا بتصرف معين بعد الوفاة.

وهي على قسمين : تمليكية وعهدية.

والاولى هي ما تضمنت إنشاء ملكية عين او اختصاص حق بعد الوفاة ـ كالوصية بكون قسم من المال لشخص معين او لجهة معينة كالفقراء ـ واركانها ثلاثة : الموصي ، والموصى به ، والموصى له.

والثانية هي ما تضمنت العهد بتولي تصرف معين بعد الوفاة ، كالوصية بتمليك شخص او جهة مقدارا من المال او الوصية بالدفن في مكان معين او بولاية شخص على الاطفال القاصرين او بالتصرف في المال ببناء مسجد به او حسينية وما شاكل ذلك. واركانها ثلاثة أيضا : الموصي ، والوصي ، والموصى به. ومع تعلق الموصى به بالغير ـ كالوصية بتمليك الوصي مقدارا من المال لشخص ـ تكون اطرافها اربعة باضافة الموصى له.

وهي مشروعة بنحو الاستحباب بل بنحو الوجوب احيانا.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوصية ما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه.

واما انقسامها الى ما ذكر فكذلك حيث ان متعلق الوصية تارة يكون هو الملكية او الاختصاص بنحو شرط النتيجة ، واخرى هو التمليك او الاختصاص بنحو شرط الفعل او تصرفا آخر غير التمليك. والوصية في الاول تمليكية وفي الثاني عهدية.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فهو من ضروريات الدين. ويدل على ذلك قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).

وموردها وان كان خاصا بالوصية للوالدين والاقربين الا ان فقرة : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) تدل على امضاء مطلق الوصية للاستشهاد بها في بعض الروايات على نفوذ مطلق الوصية ، ففي صحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن الرجل اوصى بماله في سبيل الله قال : اعطه لمن اوصى له به وان كان يهوديا او نصرانيا ان الله عز وجل يقول : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)» (٢).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ...) (٣) ، (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ

__________________

(١) البقرة : ١٨٠ ـ ١٨١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٤١١ الباب ٣٢ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١.

(٣) المائدة : ١٠٦.


يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (١).

وتدل على المشروعية أيضا السيرة القطعية بين المتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام.

٣ ـ واما انها مشروعة بكلا قسميها‌ فامر متسالم عليه ويقتضيه اطلاق الآية الكريمة الاولى والسيرة القطعية.

٤ ـ واما انها مشروعة بنحو الاستحباب‌ فهو من واضحات الفقه. ويدل على ذلك قوله عليه‌السلام : «ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة الا ووصيته تحت رأسه» (٢) ، «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية» (٣). وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي ... يا علي من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته ولم يملك الشفاعة» (٤).

٥ ـ واما انها قد تجب‌ فيأتي بيانه عند التعرض لأحكام الوصية ان شاء الله تعالى.

٢ ـ الوصية ايقاع‌

صحة الوصية العهدية لا تتوقف على القبول. نعم للوصي الرد ـ ولكن لا‌

__________________

(١) النساء : ١١ ـ ١٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٢ الباب ١ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٢ الباب ١ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٧ الباب ٦ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٢.


يلزم من ذلك بطلان الوصية رأسا بل بطلان وصياته ـ بشرطين : كون ذلك في حياة الموصي ، وبلوغه الرد. بل قد يضاف الى ذلك امكان الايصاء الى شخص آخر. هذا اذا لم يكن العمل بها حرجيا والا جاز ردها حتى مع اختلال ما تقدم.

اجل في خصوص الولد قد يقال بوجوب قبوله الوصية اذا دعاه والده الى ذلك.

واما الوصية التمليكية فالمشهور ذهب الى اعتبار قبول الموصى له في صحتها فتكون على رأيهم عقدا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان صحة الوصية العهدية لا تتوقف على القبول‌ فهو رأي غير واحد من الفقهاء. وتدل عليها الروايات الدالة على وجوب العمل بالوصية على الوصي اذا لم يرد او ردّ ولم يبلغ الموصي ذلك ، كصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا اوصى الرجل الى اخيه وهو غائب فليس له ان يرد عليه وصيته لأنه لو كان شاهدا فأبى ان يقبلها طلب غيره» (١) وغيرها ، فان القبول لو كان معتبرا جاز الرد مطلقا بل لم يتوقف بطلانها على الرد ويكفي عدم القبول.

هذا ويمكن التمسك أيضا باطلاق قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (٢) بعد تفسيره بمطلق الايصاء على ما تقدم.

٢ ـ واما جواز الرد بالشروط الثلاثة المتقدمة‌ فيمكن استفادته من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٩٨ الباب ٢٣ من أحكام الوصايا الحديث ٣.

(٢) البقرة : ١٨١.


صحيح منصور المتقدم وغيره.

واما جواز الرد مع الحرج فلقاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١).

٣ ـ واما انه مع ردّ الوصي في مورد جوازه لا يلزم بطلان الوصية رأسا‌ فلان اقصى ما يستلزمه الرد خلو الوصية من الوصي وهو لا يقتضي بطلانها.

٤ ـ واما وجوب قبول الولد للوصية اذا دعاه والده الى ذلك‌ فلرواية علي بن الريان : «كتبت الى ابي الحسن عليه‌السلام : رجل دعاه والده الى قبول وصيته هل له ان يمتنع من قبول وصيته؟ فوقع عليه‌السلام : ليس له ان يمتنع» (٢) بناء على التسامح في امر سهل الوارد في سندها.

٥ ـ واما اعتبار المشهور للقبول في الوصية التمليكية‌ فقد يستدل له بالوجهين التاليين :

أ ـ ان تحقق الملك بدون قبول الموصى له مخالف لقاعدة سلطنة الانسان على نفسه الثابتة بالسيرة العقلائية ، فان دخول شي‌ء في ملك الغير قهرا مناف لذلك. وثبوت مثله في الارث هو لدليل خاص فلا مجال معه للتعدي عنه.

ب ـ التمسك باستصحاب عدم الانتقال الى الموصى له بدون قبوله.

وكلا الوجهين قابلان للتأمل بعد اطلاق الآية الكريمة (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (٣).

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٠ الباب ٢٤ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١.

(٣) البقرة : ١٨١.


اجل ادعي الاجماع في المسألة على اعتبار القبول. وهو ان تمّ كان هو المدرك الا انه غير تام لكونه محتمل المدرك.

ومما يدعم عدم اعتبار القبول صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في رجل اوصى لآخر والموصى له غائب فتوفي الموصى له الذي اوصي له قبل الموصي قال : الوصية لوارث الذي اوصي له. قال : ومن اوصى لأحد شاهدا كان او غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي اوصي له الا ان يرجع في وصيته قبل موته» (١) وما كان بمضمونها ، فان مقتضى اطلاقها لزوم الدفع الى الوارث حتى مع عدم قبول الموصى له ولا وجه للدفع اليه الا تحقق ملك مورثه والانتقال منه اليه.

نعم قد يلتزم بمانعية الرد عن تحقق الملك بالرغم من اقتضاء اطلاق الآية الكريمة نفيه أيضا ولا وجه له سوى الاجماع المدعى في المسألة.

قال السيد اليزدي : «ويحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها بل يكون الرد مانعا.

ودعوى انه يستلزم الملك القهري وهو باطل في غير مثل الارث مدفوعة بانه لا مانع منه عقلا. ومقتضى عمومات الوصية ذلك. مع ان الملك القهري موجود في مثل الوقف» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٩ الباب ٣٠ من أحكام الوصايا الحديث ١.

(٢) العروة الوثقى كتاب الوصية مسألة ١ من مسائل الفصل ١.


٣ ـ من احكام الوصي‌

اذا عيّن الموصي شخصا للقيام بتنفيذ وصيته تعيّن والا فالنوبة تصل الى الحاكم الشرعي فيتولى تنفيذ الوصية بنفسه او يعيّن شخصا لذلك.

ودور الوصي في الوصية التمليكية بذل المال للموصى له لا اكثر بخلافه في الوصية العهدية فانه يتولى التصرف الموصى به.

واذا ظهرت من الوصي خيانة ضم الحاكم الشرعي اليه من يمنعه منها ، فان لم يمكن عزله ونصب غيره.

واذا مات الوصي قبل تنفيذ الوصية كلا او بعضا نصب الحاكم الشرعي وصيا لتنفيذها.

ويجوز لكل من الاب والجد للأب الوصية بالولاية ـ القيمومة ـ على الطفل بعد موته مع فقد الآخر. ولا تصح من غيرهما ولا مع وجود الآخر.

ووظيفة القيّم مع عدم تحديد جهة معينة له التصدي للشئون المرتبطة بالطفل من تربيته وحفظ امواله والانفاق عليه واستيفاء دينه ووفاء ما عليه من دين وما شاكل ذلك.

ويجوز للموصي نصب ناظر على الوصي وظيفته : اما ابداء النظر بنحو لا يكون تصرف الوصي نافذا الا اذا وافق نظره ، او الاشراف على عمل الوصي بحيث يكون تحت نظره ليعترض عليه ويردعه اذا رأى منه مخالفة لمقررات الوصية من دون ان يلزم الوصي بمتابعة رأيه بل يكفي اطلاعه على عمله الموافق بنظره ـ الوصي ـ لمقررات الوصية. ولعل الغالب تداوله في جعل الناظر هو هذا المعنى.


واذا حدّد الموصي ولاية الوصي بجهة معينة لزم الاقتصار على محل الاذن وكان المرجع بلحاظ الجهات الاخرى هو الحاكم الشرعي.

ويجوز للقيّم على اليتيم اخذ اجرة مثل عمله. والاحتياط يقتضي الاقتصار على ما اذا كان فقيرا ولم يكن مال اليتيم قليلا.

ويجوز ذلك للوصي أيضا ـ غير القيّم على اليتيم ـ فيما اذا كان لعمله اجرة ولم تقم القرينة على ارادة المجانبة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تعيّن من عيّنه الموصي لتنفيذ الوصية‌ فهو مما لا اشكال فيه. وتقتضيه الادلة الدالة على امضاء الوصية من الآيات الكريمة وغيرها. بل صحيح منصور المتقدم صريح في ذلك.

٢ ـ واما ان النوبة تصل الى الحاكم الشرعي مع عدم تعيين احد لذلك‌ فلأنه بعد الحكم شرعا بصحة الوصية ـ تمسكا باطلاقات صحة الوصية ـ يلزم تصدي بعض لتنفيذها ، واذا دار امر ذلك البعض بين كونه مطلق عدول المؤمنين او خصوص الحاكم الشرعي فينبغي الاقتصار على من يتيقن باذن الشارع له في التصدي وهو الحاكم الشرعي ويكون تصدي غيره موردا لاستصحاب عدم ترتب الاثر.

بل قد يتمسك لذلك أيضا بمكاتبة اسحاق بن يعقوب : «سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام : اما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك ... واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة‌


حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله ...» (١).

٣ ـ واما ان الحاكم الشرعي بالخيار بين تصديه بنفسه او تعيين شخص آخر‌ فلعدم اقتضاء ما تقدم للزوم تصدي الحاكم بنفسه بل هو اعم من ذلك.

٤ ـ واما ان دور الوصي في الوصية العهدية هو البذل لا اكثر‌ فباعتبار ان تملك الموصى له او اختصاصه بالحق يتحقق بمجرد موت الموصي بلا حاجة الى تمليك من الوصي فدوره لا يعدو بذل ما تحقق ملكه او اختصاصه بمجرد الموت ، وهذا بخلافه في الوصية العهدية فان التمليك او التصرف الآخر لا بدّ من قيام الوصي به لان الوصية تعلقت به بنحو شرط الفعل.

٥ ـ واما ان الوصي اذا ظهرت منه خيانة ضم الحاكم اليه من يمنعه منها‌ فهو مقتضى وجوب تنفيذ الوصية بعد الالتفات الى عدم لياقة الخائن لذلك.

هذا اذا لم يستظهر من الوصية كون الايصاء مقيدا بعدم الخيانة والا يخرج عن كونه وصيا بمجرد الخيانة.

ومن هذا يتضح الوجه في ثبوت الحق للحاكم في عزل الخائن ونصب غيره اذا لم يمكن منعه من الخيانة المجددة بضم آخر اليه.

٦ ـ واما انه اذا مات الوصي قبل تنفيذ الوصية نصب الحاكم غيره‌ فقد اتضح وجهه من خلال ما اشير اليه في الرقم ٢.

٧ ـ واما انه يجوز لكل من الاب والجد نصب القيم على اطفالهما بعد

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٠١ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٩.


الوفاة‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويمكن استفادة ذلك من موثقة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم واذن له عند الوصية ان يعمل بالمال وان يكون الربح بينه وبينهم فقال : لا بأس به من أجل ان أباه (١) قد اذن له في ذلك وهو حي» (٢).

وهي تشمل الجد أيضا لكونه أبا.

وموردها وان كان خاصا بالمضاربة الا انه يمكن التعدي الى غيره اما تمسكا بعموم التعليل الوارد في ذيلها او بعدم القول بالفصل.

ويمكن التمسك أيضا بالروايات الدالة على جواز جعل قيم على الاطفال في الجملة ، فانها وان لم تحدد من له حق الجعل الا ان القدر المتيقن من ذلك هو الاب والجد خصوصا اذا لا حظنا الروايات الدالة على ان الاب والجد لهما الولاية على تزويج الصغيرين (٣) فانها اذا لم تدل باستقلالها على جواز جعل القيم عليهما من باب الاولوية فلا أقلّ هي تدل على المطلوب بعد ضمّها الى الروايات المتقدمة.

٨ ـ واما ان ولايتهما تختص بحالة فقد الآخر‌ فللأصل بعد عدم الاطلاق في دليل ولاية كل منهما.

واما عدم ثبوت الولاية لغيرهما فللأصل بعد عدم الدليل خلافا لابن‌

__________________

(١) المناسب : اباهم ، كما في طبعة مؤسسة آل البيت عليه‌السلام لوسائل الشيعة.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٤٧٨ الباب ٩٢ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١.

وقد اشتمل سندها على الحسن بن علي بن يوسف ـ وهو ابن البقاح الراوي لكتاب المثنى بن الوليد على ما ذكر النجاشي في ترجمة المثنى ـ الذي وثّقه النجاشي في رجاله : ٢٩ منشورات مكتبة الداوري.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٠٧ الباب ٦ من ابواب عقد النكاح واولياء العقد.


الجنيد حيث جعل للأم الولاية بعد الاب اذا كانت رشيدة (١). ولم يتضح مستنده في ذلك.

٩ ـ واما ان وظيفة القيم ما تقدم‌ فلانصراف جعل الولاية له الى جعلها بلحاظ ذلك.

١٠ ـ واما نصب الناظر بأحد المعنيين المتقدمين‌ فلا اشارة اليه في الروايات بل ولا في كلمات المتقدمين من فقهائنا الا انه مع ذلك يمكن تصحيحه من خلال اطلاقات صحة الوصية وامضائها على ما هي عليه كقوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (٢).

١١ ـ واما لزوم الاقتصار على محل الاذن مع تحديد الولاية بجهة معينة‌ فلأن ذلك مقتضى وجوب العمل بالوصية وعدم تجاوزها.

واما ان المرجع في الجهات الاخرى هو الحاكم الشرعي فلانه بلحاظ تلك تعود الوصية بلا نصب وصي ، وقد تقدم ان المرجع في مثل ذلك هو الحاكم الشرعي.

١٢ ـ واما انه يجوز للقيم على اليتيم اخذ اجرة مثل عمله ان كانت له اجرة‌ فلقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (٣).

وقد تسالم الاصحاب على جواز اخذ الاجرة في الجملة واختلفوا في‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٧٧.

(٢) البقرة : ١٨١.

(٣) النساء : ٦.


مقدارها وانه اجرة المثل او مقدار الكفاية او أقلّ الامرين. والمستفاد من الآية الكريمة استحقاق اجرة المثل فانها المصداق لعنوان المعروف. وتؤكد ذلك صحيحة هشام بن الحكم : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عمن تولى مال اليتيم ما له ان يأكل؟ فقال : ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الاجر لهم فليأكل بقدر ذلك» (١) وغيرها.

واما الفقر فيمكن رفع اليد عن اعتباره لان الآية وان اشتملت على الامر الظاهر في الوجوب الا ان المادة تتناسب مع الندب. ويبقى الاحتياط باعتبار ذلك امرا في محله.

١٣ ـ واما الاحتياط باعتبار ان لا يكون مال اليتيم قليلا‌ فلرواية ابي الصباح الكناني : «عن ابي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فقال : ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس ان يأكل بالمعروف اذا كان يصلح لهم اموالهم ، فان كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا» (٢) ، فان ضعف سندها بمحمد بن الفضيل ـ حيث لم يحرز كونه النهدي الثقة ـ واعراض المشهور عن الفتوى بمضمونها يقتضيان التنزل عن الفتوى باعتبار ذلك الى الاحتياط.

١٤ ـ واما انه يجوز للوصي غير القيم على اليتيم اخذ اجرة المثل‌ فلان ذلك مقتضى الامر بالعمل لا على نحو المجانية المقتضي لضمان اجرة المثل للسيرة العقلائية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ١٨٦ الباب ٧٢ من ابواب ما يكتسب به الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ١٨٥ الباب ٧٢ من ابواب ما يكتسب به الحديث ٣.


٤ ـ من أحكام الوصية‌

ينعقد الايجاب في الوصية بكل ما يدل عليه ولو كتابة.

والواجبات الموسعة ـ كقضاء الصلاة والصوم واداء الكفارات والنذور و... ـ تتضيق لدى المشهور وتجب المبادرة الى ادائها مع الامكان عند ظهور امارات الموت. واذا لم يمكن اداؤها يجب الايصاء بها الا مع العلم بقيام الوارث او غيره بها.

وهكذا اموال الناس ـ من الوديعة ونحوها ـ اذا كانت عند شخص فانه يجب عليه ردها مع الامكان عند ظهور امارات الموت ، ومع عدم الامكان يجب الايصاء بها.

هذا في غير الديون. واما هي فيجب اداؤها أيضا عند ظهور امارات الموت ، ومع عدم الامكان او كونها مؤجلة يجب الايصاء بها اذا خيف ضياعها بدون ذلك.

ولا تصح الوصية الا بمقدار الثلث دون ما زاد عليه الا باجازة الورثة بعد الوفاة.

وفي الاجتزاء بها حال الحياة خلاف. والاجازة لازمة لا يمكن التراجع بعدها. واذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز دون غيره.

والميزان في تحديد مقدار الثلث ملاحظة حال الموت دون الوصية ، فلو اوصى شخص بعين وكانت بمقدار نصف امواله حين الوصية وصارت بمقدار الثلث حين الموت صحت الوصية في تمامها. واذا انعكس الامر‌


فكانت بمقدار الثلث حين الوصية وازيد منه حين الوفاة نفذت بمقدار الثلث وتوقفت فيما زاد على اجازة الورثة.

والواجبات المالية ـ وهي الاموال المشتغلة بها الذمة ، كالمال المقترض وثمن المبيع والخمس والزكاة و... ـ تخرج من الاصل وان لم يوص بها بلا خلاف.

واما الواجبات غير المالية فقد وقعت محلاّ للخلاف.

واذا تعددت الوصايا وكان بعضها يخرج من الاصل ـ كالزكاة ـ وبعضها لا يخرج منه ـ كالصلاة ـ يبدأ باخراج الاول من الاصل ، ومع بقاء شي‌ء منه يصرف ثلثه في الثاني ويتمم من الباقي ان لم يف مع فرض اجازة الورثة.

هذا اذا لم يعيّن الموصي اخراج الوصايا من الثلث والا اخرج الجميع من الثلث ان وسعها ويتمم من الباقي ان لم يسع مع فرض اجازة الورثة.

واذا فرض عدم الامرين بدأ بما يخرج من الاصل فيخرج من الثلث اولا ، فان بقي منه شي‌ء صرف فيما لا يخرج من الاصل ، وان لم يبق منه شي‌ء بطلت الوصية بلحاظه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انعقاد ايجاب الوصية بكل ما يدل عليه‌ فلإطلاق الآية الكريمة : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ ... فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (١) الدال على امضاء عنوان الوصية متى ما صدق.

٢ ـ واما تضيق الواجبات الموسعة عند ظهور امارات الموت‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٠ ـ ١٨١.


فباعتبار ان جواز تأخير الامتثال منوط بسعة الوقت ، اما مع الظن بعدمها ـ بسبب ظهور امارات الموت ـ فلا معنى له.

هذا ما عليه المشهور. وهو وجيه مع فرض قيام اجماع قولي او عملي على اناطة جواز التأخير بعدم ظن الضيق كما ادعاه بعض الاعلام (١) والا فالمناسب جعل المدار في التضيق وعدمه على العلم او الاطمئنان بالتمكن من الامتثال وعدمه ـ وليس على الظن بالتمكن وعدمه ـ فمن لم يطمئن بتمكنه من الامتثال لو اخّر تلزمه المبادرة اليه ولو لم تظهر امارات الموت عليه.

والوجه في ذلك : ان كل تكليف لا بدّ عقلا من المبادرة الى امتثاله الا مع العلم او الاطمئنان بالتمكن لو لم يبادر. وجعل المدار على ظهور امارات الموت وعدمه بلا وجه.

٣ ـ واما وجوب الايصاء بها عند عدم التمكن من مباشرة الامتثال‌ فواضح بعد عدم سقوطها عن الذمة بالموت. ولا محذور في اعتبار اشتغال الذمة بشي‌ء بعد الموت. وثمرته لزوم تفريغها تسبيبا قبل الموت من خلال الوصية بها.

٤ ـ واما وجوب ردّ أموال الناس من الوديعة وغيرها عند ظهور امارات الموت‌ فباعتبار ان ردّ الامانة الى اهلها واجب. هذا ما عليه المشهور.

والمناسب ان يقال : ان ردّها واجب اذا لم يطمئن باداء الوارث لها والا فلا موجب لذلك ، فان اللازم في باب الامانة حفظها ، وهو متحقق مع‌

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ١٤ : ٥٤١.


الاطمئنان باداء الوارث لها ، اما ردّها مع فرض عدم مطالبة صاحبها بها فليس واجبا.

وينبغي الالتفات الى ان اداء الوارث لها اذا كان موقوفا على الايصاء بها والاشهاد عليها وجب ذلك من باب وجوب مقدمة الواجب ولو عقلا.

٥ ـ واما ان الديون يجب اداؤها عند ظهور امارات الموت اذا كانت حالّة‌ فهو مذكور في كلمات غير واحد من الاعلام.

والمناسب ان يقال : انه مع مطالبة المالك بها يجب اداؤها اذا كانت حالة سواء ظهرت امارات الموت أم لا ، ومع عدم مطالبته بها فلا موجب للإلزام بادائها ، فجعل الامر دائرا مدار ظهور امارات الموت وعدمه بلا وجه.

٦ ـ واما انه لا تصح الوصية الا بمقدار الثلث‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وقد دلت عليه روايات متعددة ، كموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الميت احق بماله ما دام فيه الروح يبين فيه (١) فان قال : بعدي فليس له الا الثلث» (٢) وغيرها.

ونسب الخلاف في ذلك الى الشيخ علي بن بابويه وانه اجازها في جميع التركة (٣).

وقد يستدل له بثلاث روايات :

__________________

(١) قال في الوافي ٢٤ : ٦٧ «ابان فيه : اي عزله عن ماله وسلّمه الى المعطى له في مرضه ولم يعلّق اعطاءه على الموت».

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٧ الباب ١١ من أحكام الوصايا الحديث ١٢.

(٣) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٨١.


أ ـ رواية محمد بن عبدوس : «اوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فكتب اليه : رجل اوصى إليّ بجميع ما خلّف لك وخلّف ابنتي اخت له فرأيك في ذلك فكتب إليّ : بع ما خلّف وابعث به إليّ فبعت وبعثت به اليه فكتب إليّ : قد وصل» (١).

ب ـ رواية عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح اذا اوصى به كله فهو جائز» (٢).

ج ـ موثقة علي بن الحسن بن فضال : «مات محمد بن عبد الله بن زرارة وأوصى الى اخي احمد بن الحسن وخلّف دارا وكان اوصى في جميع تركته ان تباع ويحمل ثمنها الى ابي الحسن عليه‌السلام فباعها فاعترض فيها ابن اخت له وابن عم له فاصلحنا امره (٣) بثلاثة دنانير. وكتب اليه احمد بن الحسن ودفع الشي‌ء بحضرتي الى ايوب بن نوح فاخبره انه جميع ما خلف وابن عم له وابن اخته عرض واصلحنا امره بثلاثة دنانير فكتب : قد وصل ذلك وترحّم على الميت وقرأت الجواب» (٤).

ويمكن التأمل في ذلك :

اما الاوليتان فهما ضعيفتا السند ـ الاولى بمحمد بن عبدوس فانه مجهول والثانية بعمر بن شداد والسري فانهما مجهولان أيضا ـ وقد تحملان على صورة اجازة الورثة.

واما الاخيرة فلا يبعد نظرها الى صورة اجازة الورثة وجلب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٩ الباب ١١ من أحكام الوصايا الحديث ١٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٠ الباب ١١ من أحكام الوصايا الحديث ١٩.

(٣) المناسب هنا وفيما يأتي : أمرهما.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٩ الباب ١١ من أحكام الوصايا الحديث ١٧.


رضاهم بثلاثة دنانير.

٧ ـ واما نفوذها مع اجازة الورثة بعد الوفاة‌ فباعتبار ان الحق لا يعدوهم.

٨ ـ واما الاجتزاء باجازة الورثة حال حياة مورثهم‌ فالقاعدة وان اقتضت عدمه لكونهم آنذاك ليسوا اصحاب حق ليتمكنوا من اسقاطه الا ان الروايات قد دلت على النفوذ ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل أوصي بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم ان يردّوا ما اقروا به؟ فقال : ليس لهم ذلك ، والوصية جائزة عليهم اذا اقرّوا بها في حياته» (١) وغيرها.

وبعد الروايات لا يبقى مجال للقول بعدم النفوذ كما هو المنسوب الى الشيخ المفيد وغيره (٢).

٩ ـ واما عدم امكان التراجع عن الاجازة‌ فواضح اذا كانت الاجازة بعد الوفاة لأنها انعقدت صحيحة وانتقل المال الى الموصى له ، وانقلابها الى البطلان بالتراجع يحتاج الى دليل.

١٠ ـ واما انه اذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت في حق المجيز فقط‌ فامر واضح بعد انحلال الحق وبعد كونه واحدا ارتباطيا.

١١ ـ واما ان المدار في الثلث على ملاحظته حين الوفاة‌ فلأنه المنصرف عرفا من فقرة : «فان قال بعدي فليس له الا الثلث» الواردة في موثقة الساباطي المتقدمة ، اي فليس له الا الثلث بعد وفاته.

هذا مضافا الى امكان استفادة ذلك من صحيحة محمد بن قيس :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧١ الباب ١٣ من أحكام الوصايا الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٨٦.


«قلت له : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ يعني الموصي فقال : يجاز لهذا الوصية من ماله ومن ديته» (١) وغيرها.

الا ان هذا كله لو لم يتضح من خلال القرائن ارادة ما هو ثلث حين الوصية كما هو واضح.

١٢ ـ واما ان الواجبات المالية تخرج من الاصل وان لم يوص بها‌ فلا خلاف فيه ، ويدل عليه قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (٢) ، فان عطف الدين على الوصية يدل على لزوم اخراجه من التركة وان لم يوص به.

هذا مضافا الى دلالة الروايات الكثيرة ، كصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب الله» (٣) وغيرها.

١٣ ـ واما الواجبات غير المالية ـ كالصلاة وغيرها‌ ـ فقد وقعت محلا للخلاف فقيل بلزوم اخراجها من الاصل قبل الارث أيضا كالديون المالية. وقيل باخراجها من الثلث.

واستدل على الاول بانها دين ، وكل دين لا بدّ من اخراجه من الاصل.

اما الصغرى فلما رواه الشيخ الصدوق باسناده عن سليمان بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٢ الباب ١٤ من أحكام الوصايا الحديث ١.

(٢) النساء : ١١.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٦ الباب ٢٨ من أحكام الوصايا الحديث ٢.


داود المنقري عن حماد بن عيسى عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال لقمان لابنه : ... يا بني اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‌ء صلها واسترح منها فانها دين ...» (١).

واما الكبرى فللآية الكريمة المتقدمة الدالة على لزوم اخراج الدين من التركة قبل الارث ولقصة الخثعمية التي : «أتت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ان فرض الحج قد ادرك ابي وهو شيخ لا يقدر على ركوب الراحلة أيجوز ان احج عنه؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يجوز. قالت : يا رسول الله ينفعه ذلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت لو كان على ابيك دين فقضيته أما كان يجزئ؟ قالت : نعم. قال : فدين الله أحق» (٢).

هكذا استدل جماعة منهم السيد اليزدي قدس‌سره (٣).

ويمكن التأمل في كلتا المقدمتين.

اما الصغرى فلان استعمال لفظ «الدين» في وصية لقمان في الصلاة مسامحي اريد به بيان اهمية الصلاة وانها كالدين في لزوم المبادرة الى تفريغ الذمة منه. على انه لو تم فهو خاص بالصلاة ولا يعم مطلق الواجبات.

هذا بقطع النظر عن سند الشيخ الصدوق الى المنقري ـ الذي ورد فيه القاسم بن محمد الاصفهاني الذي لم يوثق ـ والا فالامر اوضح.

واما الكبرى فباعتبار ان لفظ «الدين» في الآية الكريمة منصرف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٣٢٣ الباب ٥٢ من أبواب آداب السفر الى الحج الحديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل ٨ : ٢٦ الباب ١٨ من ابواب وجوب الحج وشرائطه الحديث ٣.

(٣) العروة الوثقى المسألة ٣ من فصل صلاة الاستيجار.


الاخراج من الاصل (١).

والنتيجة ان الواجبات المالية تخرج من الاصل اوصي بها او لا ، وغير المالية لا تخرج من الاصل اوصي بها او لا.

١٤ ـ واما انه اذا تعددت الوصايا ويبدأ باخراج ما يخرج من الاصل منه‌ فواضح ، اذ الواجبات المالية تخرج من الاصل اوصي بها او لا.

١٥ ـ واما انه يخرج الجميع من الثلث مع طلبه لذلك‌ فواضح أيضا لأنه مقتضى وجوب العمل بالوصية فيخرج الجميع منه اذا وسع ذلك.

واما انه اذا لم يسع ذلك فيبدأ باخراج ما يخرج من الاصل فباعتبار ان اخراجه من التركة لازم ، وحيث لم يرد اخراجه من الاصل فيخرج من الثلث.

واما انه اذا لم يبق شي‌ء من الثلث ـ بعد اخراج ما يخرج من الاصل ـ تبطل الوصية بلحاظ ما لا يخرج من الاصل فباعتبار ان ذلك لازم تعين الاخراج من الثلث وفرض تقديم الاول.

__________________

(١) على ان القصة المذكورة وردت في صحيحي البخاري ومسلم من دون فقرة الاستشهاد ، فقد روى مسلم في صحيحه الباب ٧١ باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما او للموت من كتاب الحج ٢ : ٩٧٣ عن عبد الله بن عباس : «كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر اليها وتنظر اليه فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الآخر ، قالت : يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج ادركت ابي شيخا كبيرا لا يستطيع ان يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع». وراجع صحيح البخاري ٢ : ٥٧٢ الباب ٢٤ حج المرأة عن الرجل من كتاب جزاء الصيد.



كتاب الوقف‌

١ ـ حقيقة الوقف‌

٢ ـ من شرائط الوقف‌

٣ ـ من أحكام الوقف‌

٤ ـ من أحكام الحبس‌

٥ ـ من أحكام الصدقة بالمعنى الأخص‌



١ ـ حقيقة الوقف‌

الوقف إنشاء يتضمن تحبيس العين وتسبيل الثمرة. وقد يعبر عنه بالصدقة.

وهو مشروع بلا اشكال.

وفي كونه عقدا يعتبر فيه القبول خلاف.

وهو يشتمل تارة على موقوف عليه فيكون متقوما بثلاثة اطراف : الواقف والعين الموقوفة والموقوف عليه واخرى لا يشتمل على ذلك فيكون متقوما بطرفين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوقف ما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه. ويقتضيه ارتكاز المتشرعة الذي لا تأمل فيه. وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبّس الاصل وسبّل الثمرة» (١).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ٤٧.


٢ ـ واما انه قد يعبر عنه بالصدقة‌ فهو واضح لمن راجع النصوص ، فلاحظ صحيحة ربعي بن عبد الله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تصدّق امير المؤمنين عليه‌السلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدّق به علي بن ابي طالب وهو حي سوي تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والارض واسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن ، فاذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين» (١) وغيرها.

قال في الحدائق : «لا يخفى على من له انس بالاخبار ومن جاس خلال تلك الديار ان الوقف في الصدر الاول اعني زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزمن الأئمة عليهم‌السلام انما يعبر عنه بالصدقة» (٢).

ويمكن ان يقال : ان لفظ الصدقة مصطلح مشترك بين الوقف والحبس والصدقة بمعناها الاخص ، الا ان الاول تخرج فيه العين عن ملك الواقف مع حبسها عن التصرف فيها بالنقل بالبيع ونحوه ، والثاني تبقى فيه العين على ملك الحابس ويكون التمليك للمنفعة ، وفي الثالث تنتقل العين الى المتصدق عليه مع جواز تصرفه فيها بأي نحو أحب.

هذه ثلاثة معاني للصدقة. وتطلق على معنى رابع ، وهو فريضة الزكاة ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ...) (٣).

٣ ـ واما ان الوقف مشروع‌ فهو من المسلّمات بين جميع المسلمين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٤ الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٢ : ١٢٨.

(٣) التوبة : ٦٠.


بل يستفاد من النصوص رجحانه فلاحظ صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته ، او ولد صالح يدعو له» (١) وغيرها.

٤ ـ واما ان الوقف يعتبر فيه القبول‌ فهو ظاهر كل من عبّر عنه بالعقد كالمحقق الحلي ، حيث قال : «الوقف عقد ثمرته تحبيس الاصل واطلاق المنفعة» (٢).

وقد يستدل على ذلك :

تارة باستصحاب عدم ترتب الاثر بدونه.

واخرى بان ادخال الشي‌ء في ملك الغير بدون رضاه خلاف قاعدة سلطنة الانسان على نفسه.

والمناسب عدم الاعتبار لوجوه :

أ ـ التمسك باطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن الحسن الصفار : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها اهلها ان شاء الله» (٣) ، حيث يدل على ان الوقف كلما صدق كان ممضى بالكيفية المرسومة فيه ، وواضح ان صدق عنوان الوقف عرفا لا يتوقف على القبول بل يتحقق بمجرد الايجاب فيلزم كونه ممضيا حتى مع عدم القبول.

ب ـ التمسك بصحيحة ربعي السابقة الحاكية لوقف امير المؤمنين عليه‌السلام حيث لم يشر فيها الى القبول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٢ الباب ١ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٤٤٢ انتشارات استقلال.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٥ الباب ٢ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.


ج ـ التمسك بسيرة المتشرعة الجارية على عدم مراعاة القبول حين الوقف. ولو كان ذلك معتبرا لانعكس على النصوص والسيرة بعد شدة الابتلاء بالوقف.

وبهذا يتضح بطلان الوجهين السابقين لإثبات الاعتبار.

ووجه ذلك : ان النوبة تصل اليهما اذا لم يفترض وجود ما يمكن التمسك به لإثبات عدم الاعتبار ، وقد تقدم وجوده.

كما اتضح من خلال هذا ضعف التفصيل باعتبار القبول اذا كان الوقف على جماعة معينين وعدم اعتباره اذا كان على جهة عامة كالفقراء.

ووجه الضعف : ان مقتضى ما تقدم عدم اعتبار القبول في الوقف بشكل مطلق كلما صدق عنوانه.

٥ ـ واما ان الوقف يشتمل تارة على موقوف عليه واخرى لا يشتمل عليه‌ فذلك باعتبار ان الواقف تارة يخرج العين الموقوفة من ملكه من دون ادخالها في ملك الغير ، كما في وقف المساجد ، فان مرجعه الى اخراج المسجد من الملك وتحريره وفكه من دون ادخاله في ملك احد ، وفي مثله لا موقوف عليه ، واخرى يدخلها في ملك الغير ، كما في الوقف على الاولاد او الفقراء او العلماء ، وفي مثله يكون الموقوف عليه ثابتا ، وهو الاولاد ونحوهم.

ثم ان في خروج العين الموقوفة بالوقف من ملك الواقف خلافا بين الاصحاب. والمشهور خروجها. والمنسوب الى ابي الصلاح بقاؤها على‌


ملك الواقف (١). هذا في غير المساجد ، واما هي فلا اشكال في خروجها بالوقف من ملك الواقف لان مرجعه الى التحرير وفك الملك كما تقدم.

٢ ـ من شرائط الوقف‌

يعتبر في تحقق الوقف ابرازه بكل ما يدل عليه ـ ولا تكفي النية ـ مثل وقفت ونحوه بما في ذلك المعاطاة ، كما لو سلّم الواقف الفرش الى متولي شئون المشاهد المشرفة بقصد الوقف. بل ربما يتحقق بغير ذلك أيضا ، كما لو بنى شخص حسينية بقصد كونها وقفا.

وفي اعتبار قصد القربة فيه خلاف.

ويعتبر في لزومه اذا كان خاصا قبض الموقوف عليه بل قيل باعتباره في صحته أيضا. اجل لا يلزم ان يكون ذلك بنحو الفورية. ويكفي في الوقف الذري قبض الطبقة الاولى.

ويعتبر في الوقف أيضا التأبيد ، فلو انشأ الوقف لفترة عشرين سنة مثلا لم يقع وقفا. وفي وقوعه حبسا خلاف. وفي صحة الوقف على من ينقرض عادة ـ كالوقف على ثلاثة بطون من الاولاد ـ خلاف أيضا.

ويعتبر في العين الموقوفة ان تكون قابلة للانتفاع بها مع بقاء عينها فلا يصح وقف الأطعمة والفاكهة وما شاكلها.

ويعتبر في الموقوف عليه وجوده فلا يصح الوقف على المعدوم ، كالوقف على من يوجد بعد ذلك.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٢ : ٢٢٣.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه يعتبر في صحة الوقف ابرازه بما يدل عليه ولا تكفي النية وحدها‌ فباعتبار عدم صدق عنوانه بدون ذلك.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليه فهو مقتضى اطلاق دليل الامضاء ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة الصفار السابقة : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها اهلها» الدال على امضاء الوقف كلما صدق وبكيفيته الخاصة ، فاذا انشأ شخص الوقف بالفارسية او بالجملة الاسمية وصدق انه وقف على هذه الكيفية شمله قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» وثبت امضاء اصل الوقف وكيفيته الخاصة.

ومنه يتضح النظر فيما يظهر من صاحب الحدائق من الميل الى لزوم الاقتصار على لفظ «وقفت ، وتصدقت» باعتبار ورودهما في الاخبار حيث قال قدس‌سره : «لا يبعد الانحصار في هذين اللفظين وقوفا على ما خالف الاصل على مورد النص ، بمعنى ان الاصل بقاء الملك لمالكه ، والذي ورد من الصيغة المخرجة منحصر في هذين اللفظين» (١).

٢ ـ واما تحقق الوقف بالمعاطاة وغيرها‌ فلانه بعد صدق عنوان الوقف عرفا يكون مشمولا لإطلاق دليل الامضاء ، كقوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

وتؤكد ذلك سيرة المتشرعة الجارية على عدم التقيد بالصيغة.

٣ ـ واما اعتبار قصد القربة في صحة الوقف‌ فهو ظاهر كلام بعض الاصحاب. وقد يستدل على ذلك بمقدمتين :

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٢ : ١٢٩.


أ ـ ان الوقف صدقة ، كما يستفاد ذلك من صحيحة ربعي المتقدمة وغيرها.

ب ـ ان كل صدقة يشترط فيها قصد القربة ، كما دلت عليه صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا صدقة ولا عتق الا ما اريد به وجه الله عز وجل» (١) وغيرها.

وفيه : ان المقدمة الاولى لا تدل على ان كل وقف صدقة ويحتمل ان الصدقة حصة خاصة منه وهو ما قصد به التقرب.

والمناسب عدم اعتبار ذلك لإطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» الدال على امضاء كل ما يصدق عليه مفهوم الوقف عرفا ، ومن الواضح ان مفهوم الوقف لا يستبطن عرفا قصد التقرب.

ومن هذا يتضح بطلان التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر من دون قصد التقرب.

ووجه البطلان : ان الاصل لا تصل النوبة اليه مع وجود الدليل الاجتهادي.

ومما يؤكد عدم اعتبار قصد التقرب انعقاد سيرة المتشرعة على الوقف من دون خطور ذلك في اذهانهم بل يوقفون لنفع اولادهم لا غير ولا يحتمل ان مثل الوقوف المذكورة باطلة.

٤ ـ واما القبض‌ فلا اشكال في اعتباره في الجملة ـ وان كانت القاعدة تقتضي عدم ذلك ـ فلو تحقق الوقف من دون قبض جاز للواقف التراجع ولو مات رجع ميراثا ، ان هذا المقدار لا اشكال فيه وانما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣١٩ الباب ١٣ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٢.


الاشكال في ان ذلك شرط للصحة والانتقال او شرط للّزوم.

والثمرة تظهر في النماء في الفترة المتخللة بين الوقف والقبض.

والمشهور كونه شرطا للصحة بينما الروايات لا يظهر منها اكثر من كونه شرطا في اللزوم فلاحظ صحيحة صفوان بن يحيى عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدو له ان يحدث في ذلك شيئا فقال : ان كان وقفها لولده ولغيرهم ثم جعل لها قيّما لم يكن له ان يرجع فيها. وان كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم حتى بلغوا فيحوزها لهم لم يكن له ان يرجع فيها. وان كانوا كبارا ولم يسلّمها اليهم ولم يخاصموا (١) حتى يحوزوها عنه (٢) فله ان يرجع فيها لأنهم لا يحوزونها (٣) عنه وقد بلغوا» (٤) ، فانها دلت على جواز الرجوع قبل التسليم ، وذلك لا يقتضي اكثر من عدم اللزوم.

وورد في مكاتبة محمد بن جعفر الاسدي لمولانا الحجة ارواحنا له الفداء : «واما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج اليه صاحبه فكل ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار ، وكل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج او لم يحتج ...» (٥). وهي صريحة في نفي اللزوم فقط.

ونقل محمد بن مسلم في صحيحه عن ابي جعفر عليه‌السلام انه قال في‌

__________________

(١) قيل بان المقصود لم تقع خصومة بينه وبينهم ليجبروه من خلالها على القبض والتسليم.

(٢) المناسب : منه. وهكذا في كلمة «عنه» الثانية.

(٣) وفي الوافي ١٠ : ٥٥٠ نقل عن نسخة : «لم يحوزوها».

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٨ الباب ٤ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٠ الباب ٤ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٨.


الرجل يتصدق على ولده وقد ادركوا : «اذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لان والده هو الذي يلي امره» (١). وهي لو كانت ناظرة الى الوقف دون الصدقة بمعناها الخاص لا تدل على كون القبض شرطا للصحة ، اذ لعل الوقف يقع صحيحا بنحو الجواز وينفسخ بالموت.

وبالجملة مقتضى اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون على ...» صحة الوقف ولزومه بدون اشتراط القبض. والنصوص المذكورة لا تدل على اكثر من كونه شرطا في اللزوم فيلزم الحكم بالصحة من دون لزوم جمعا بين الاطلاق المتقدم والنصوص المذكورة.

٥ ـ واما تقييد اعتبار القبض بما اذا كان الوقف خاصا‌ فلأن النصوص المتقدمة لا يظهر منها اكثر من ذلك وتبقى الاوقاف العامة مشمولة لمقتضى القاعدة بلا حاجة الى قبض الحاكم الشرعي نيابة عن الجهة العامة.

٦ ـ واما انه لا تلزم الفورية في القبض‌ فهو لإطلاق النصوص المتقدمة. بل حتى لو فرض انها مجملة ولم يكن لها اطلاق كفى اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

٧ ـ واما كفاية قبض الطبقة الاولى في الوقف الذري‌ فلان قبض جميع الطبقات امر غير ممكن ليحتمل اعتباره. على انه مع فرض عدم الدليل على اعتبار قبض جميع الطبقات فبالامكان نفي احتمال ذلك باطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف ...».

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٧ الباب ٤ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.


٨ ـ واما اعتبار التأبيد في تحقق الوقف‌ فقد يستدل عليه :

تارة بتقوّم مفهومه بذلك.

واخرى بان وقوف الائمة عليهم‌السلام التي حكتها الروايات ـ كصحيحة ربعي المتقدمة في بداية الحديث عن الوقف ـ كانت مؤيدة.

وثالثة بالتمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر بعد كون القدر المتيقنة صحته هو المؤبد.

والجميع كما ترى.

اذ الاول غير ثابت.

والثاني لا دلالة له على الانحصار.

والثالث لا مجال له بعد اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ..».

ومن هنا قال السيد اليزدي : «فالعمدة : الاجماع ان تمّ» (١).

٩ ـ واما وجه القول ببطلان الوقف المقيد بمدة وعدم وقوعه حبسا‌ فواضح ، فان الحبس لم يقصد فكيف يقع؟

واما وجه وقوعه حبسا فباعتبار ان قصد الوقف المؤقت قصد لحقيقة الحبس. ولا يضر اعتقاد كونه وقفا بعد إنشاء ما هو حبس حقيقة.

واذا قيل : ان الوقف والحبس متباينان لاقتضاء الاول خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف ودخولها في ملك الموقوف عليه بخلافه في الحبس فان العين باقية على ملك المحبّس.

قلنا : ان خروج العين عن ملك الواقف ليس هو مقتضى الوقف بما‌

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٩٢.


هو وقف بل هو ناشئ من التأبيد ، والمفروض عدم قصده.

١٠ ـ واما الوقف على من ينقرض فقيل بصحته وقفا. وقيل بصحته حبسا. وقيل ببطلانه.

ولعل الاوجه هو الاول ، اذ الاجماع وان انعقد على اعتبار التأبيد ولكنه في مقابل التوقيت بمدة ولا يعلم بشموله لمثل المقام فيقتصر على القدر المتيقن بعد كون الدليل لبيا لا اطلاق فيه ، ويعود التمسك باطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» بلا مانع.

١١ ـ واما اعتبار ان تكون العين الموقوفة قابلة للانتفاع بها مع بقائها‌ فباعتبار تقوّم الوقف عرفا بحبس العين فاذا لم يمكن حبسها عند الانتفاع بها فلا يمكن تحققه.

١٢ ـ واما اعتبار وجود الموقوف عليه‌ فقد يستدل له :

أ ـ تارة بان الوقف تمليك ولا يعقل تمليك المعدوم لان الملكية صفة وجودية تستدعي محلا موجودا.

ب ـ واخرى بان القبض شرط في صحة الوقف ، وهو متعذر مع انعدام الموقوف عليه.

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فلان الملكية وصف اعتباري ، والاعتبار سهل المؤونة فيمكن اعتبار المعدوم مالكا.

واما الثاني فلان الفورية في القبض ليست لازمة. وعلى فرض التسليم بها يكفي قبض المتولي او الحاكم الشرعي.

ولضعف المستندين المذكورين قال السيد اليزدي : «الانصاف انه ان تمّ الاجماع على عدم صحة الوقف على المعدوم الذي سيوجد والا‌


فالاقوى صحته. وتحقق الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام دونه خرط القتاد» (١).

٣ ـ من احكام الوقف‌

اذا تمّ الوقف فلا يجوز للواقف تغيير كيفيته التي انشأ عليها ويكون اجنبيا عنه كسائر الافراد. اجل يجوز له حين إنشائه جعل التولية لنفسه او لغيره او لهما. بل يجوز جعلها بنحو يحق للمتولي تفويض الامر بنصب متول آخر في حياته او بعدها حسب نظره. ومع عدم جعلها لأحد تنتهي النوبة الى الحاكم الشرعي فيما اذا لم يكن الوقف بنحو التمليك.

والمتولي المنصوب يستحق اجرة مثل عمله ان لم تجعل له بنحو المجانية.

والموقوف على مشهد من المشاهد المقدسة يصرف في مصالحه.

والموقوف على المعصومين عليهم‌السلام يصرف في كل ما يوجب احياء ذكرهم.

واذا وقف شي‌ء على مسجد مثلا فخرب او لم يحتج الى الصرف فيه لانقطاع المارة عنه او لغير ذلك يصرف في مسجد آخر ان امكن والا ففي وجوه البر الاقرب فالاقرب.

ولا يجوز بيع العين الموقوفة الا في موارد :

الاول ـ اذا طرأ الخراب عليها بنحو يحذر من عدم امكان الانتفاع بها رأسا او الا بنحو يسير يكاد يلحق بالعدم.

الثاني ـ اذا اشترط الواقف بيعها عند كون البيع اعود او الاحتياج الى ثمنها‌

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١١٠.


او ما شاكل ذلك.

الثالث ـ اذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم الى حدّ لا يؤمن التلف على النفوس والاموال.

الرابع ـ اذا احرز ان الواقف لاحظ حين الوقف عنوانا خاصا في العين ، كعنوان المدرسة او البستان مثلا وفرض زوال ذلك العنوان.

الخامس ـ اذا طرأت على العين طوارئ كان بقاؤها مؤديا الى خرابها المسقط لها عن الانتفاع المعتد به وامكان البيع بعد ذلك.

هذا كله في غير المساجد. واما هي فلا يجوز بيعها مطلقا.

والمتصدي للبيع هو المتولي المنصوب من قبل الواقف لإدارة شئون الوقف ان فرض انه قد نصب شخصا لذلك والا فالحاكم الشرعي.

واذا جاز بيع العين الموقوفة وبيعت بالفعل صرف الثمن في شراء عين اخرى اقرب الى الأولى وتوقف على نهج وقف الأولى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه لا يجوز للواقف تغيير كيفية الوقف بعد تماميته‌ فباعتبار خروج العين عن ملكه فكيف يريد التصرف؟

هذا مضافا الى امكان استفادة ذلك من قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ..» حيث يدل على ان الوقف بعد تماميته يبقى على ما هو عليه من دون امكان التصرف فيه.

واما جواز جعل الواقف التولية حين إنشاء الوقف باحد الاشكال المتقدمة فلدلالة قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» على ذلك.

٢ ـ واما ثبوت التولية للحاكم الشرعي اذا لم تجعل لغيره‌ فباعتبار ان تولي شخص خاص لإدارة شئون الوقف قضية ضرورية ، واذا دار‌


الامر بين كون ذلك الشخص هو خصوص الحاكم الشرعي او مطلق عدول المؤمنين تعيّن كونه الحاكم الشرعي لكونه القدر المتيقن.

واما استثناء حالة الوقف بنحو التمليك ـ كالوقف على الاولاد ـ فباعتبار ان الوقف اذا كان له مالك تعيّن تصديه لأنه الاولى بادارة شئون ملكه ولا معنى لتصدي الغير له.

٣ ـ واما استحقاق المتولي للأجرة‌ فلانعقاد سيرة العقلاء على كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان.

واما التقييد بحالة عدم جعلها بنحو المجانية فلاختصاص السيرة بذلك.

٤ ـ واما ان الموقوف على المشهد او احد المعصومين عليهم‌السلام يصرف فيما ذكر‌ فباعتبار ان الوقف على شي‌ء ينصرف عرفا الى الصرف في مصالحه وشئونه.

٥ ـ واما ان الموقوف على المسجد يصرف في مسجد آخر ان امكن‌ والا ففي وجوه البر متى ما خرب او لم يحتج الى الصرف فلأن ذلك هو المقصود للواقف عند إنشاء الوقف.

٦ ـ واما عدم جواز بيع العين الموقوفة في غير موارد الاستثناء‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويمكن استفادته من عدة روايات كصحيحة ابي علي بن راشد : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام قلت : جعلت فداك اشتريت ارضا الى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفرت المال خبّرت ان الارض وقف فقال : لا يجوز شراء الوقوف ...» (١) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٣ الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.


بل قد يقال : ان عدم البيع مستبطن في مفهوم الوقف ، ولا حاجة معه الى دليل خاص ، حيث تكون ادلة امضاء الوقف دالة بالتضمن على عدم جواز البيع.

٧ ـ واما جواز بيع العين الموقوفة في المورد الاول‌ فقد علّله الشيخ الاعظم قدس‌سره بالقصور في المقتضي لان الدليل على عدم جواز البيع اما الاجماع او صحيحة ابي علي المتقدمة او قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...». والكل كما ترى.

اما الاول فلان القدر المتيقن منه غير المقام.

واما الثاني فلانصرافه عن مثل الفرض.

واما الثالث فلانه ناظر الى امضاء الكيفية المرسومة في الوقف لا اكثر (١).

ومع قصور مقتضي المنع لا يعود مانع يمنع من التمسك باطلاق ادلة مشروعية البيع.

هذا ويمكن ان يقال : ان الواقف قد اراد البيع في مثل هذه الحالة ، وذلك نافذ منه لإطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

٨ ـ واما جواز البيع في المورد الثاني‌ فلإطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» بل تمسك الشيخ الاعظم (٢) لذلك أيضا باطلاق قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٣).

٩ ـ واما الجواز في المورد الثالث‌ فلصحيحة علي بن مهزيار :

__________________

(١) المكاسب للشيخ الاعظم ٢ : ٧٦ انتشارات اسماعيليان.

(٢) المكاسب ٢ : ٨٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من ابواب الخيار الحديث ٢.


«وكتبت اليه : ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا وانه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده (١) ... فكتب اليه بخطه واعلمه ان رأيي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف ان يبيع الوقف امثل (٢) فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال والنفوس» (٣). بل بقطع النظر عن ذلك يمكن ان يقال : ان الواقف يجوّز البيع في مثل هذه الحالة ويريده فيشمله اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

١٠ ـ واما الجواز في المورد الرابع‌ فباعتبار ضيق الجعل من البداية ، فانه قد جعل الوقف ابتداء مقيدا بالعنوان الخاص فاذا فرض ارتفاعه يلزم ارتفاعه أيضا.

١١ ـ واما الجواز في المورد الخامس‌ فلترخيص الواقف ارتكازا في البيع في مثل ذلك فيشمله اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

١٢ ـ واما ان المساجد لا يجوز بيعها مطلقا‌ فباعتبار انها ليست ملكا ليمكن بيعها بل الوقف فيها بنحو فك الملك وتحريره كما تقدم.

١٣ ـ واما لزوم كون المتصدي للبيع في الموارد المتقدمة‌ هو المتولي المنصوب ان كان والا فالحاكم الشرعي فباعتبار ان البيع لا يصح الا من المالك او ممن له الولاية والا كان فضوليا.

١٤ ـ واما لزوم صرف الثمن عند بيع العين في شراء عين اخرى بالنحو المتقدم‌

__________________

(١) كلمة «بعده» لا توجد في الفقيه ٤ : ١٧٨.

(٢) في الفقيه ٤ : ١٧٩ «ان كان قد علم اختلاف ما بين أصحاب الوقف وان بيع الوقف أمثل فليبع فانه ربما ...».

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٥ الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٦.


فلانه هو المطلوب للواقف ارتكازا فتلزم مراعاته لقوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

٤ ـ من أحكام الحبس‌

الحبس إنشاء يتضمن تسليط الغير على شي‌ء لاستيفاء منفعته ـ اما مع الاطلاق او خلال فترة محدودة ـ مع بقائه على ملك مالكه من دون ان يحقّ للمحبّس عليه التصرف فيه بالنقل بالبيع ونحوه.

وهو مشروع بلا اشكال.

ويتحقق بلفظ التحبيس ، كقول الحابس : حبّست ـ لفترة سنة مثلا او مع اطلاق المدة ـ مكتبتي على اهل العلم او سيارتي على المحتاج اليها.

واذا كانت العين المحبّسة ارضا قابلة للسكن اصطلح على الحبس بالسكنى ، فالسكنى ـ التي هي مصداق للحبس ـ إنشاء يتضمن جعل حق السكن للغير مع بقاء العين على ملك مالكها.

والحبس ـ سواء كان في العين القابلة للسكن أم لا ـ متى ما قيّد بفترة محددة كسنة مثلا اصطلح عليه بالرقبى. ومتى ما قيّد بعمر الحابس او المحبّس عليه اصطلح عليه بالعمرى.

والسكنى والعمرى والرقبى هي من العقود التي تحتاج الى القبول بل الحبس كذلك اذا كان على الشخص دون الجهة.

ويشترط في تحقق اللزوم القبض ، ومن دونه يجوز التراجع.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الحبس ما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه. وفرقه عن الوقف‌


ان العين في الوقف تخرج عن ملك مالكها ـ مع دخولها في ملك الموقوف عليه او بدونه ـ بخلافه في الحبس فانها باقية على ملك مالكها وترجع بعد موته الى ورثته. وفي الوقف يعتبر التأبيد بخلافه في الحبس فانه لا يلزم فيه ذلك.

٢ ـ واما انه مشروع‌ فمن المسلمات. وقد دلت عليه روايات كثيرة الا انه لم يرد فيها لفظ الحبس بل لفظ الصدقة الا في الرواية الحاكية لقصة ابن ابي ليلى التي رواها المحمدون الثلاثة بسند صحيح عن عمر بن اذينة : «كنت شاهدا عند ابن ابي ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره ولم يوقّت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن ابي ليلى وحضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار فقال ابن ابي ليلى : ارى ان ادعها على ما تركها صاحبها فقال محمد بن مسلم الثقفي : اما ان علي بن ابي طالب عليه‌السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال : وما علمك؟ قال : سمعت ابا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام يقول : قضى علي عليه‌السلام بردّ الحبيس وانفاذ المواريث فقال له ابن ابي ليلى : هذا عندك في كتابك؟ فقال : نعم قال : فارسل وائتني به فقال له محمد بن مسلم : على ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث قال : لك ذلك قال : فأحضر الكتاب واراه الحديث عن ابي جعفر عليه‌السلام في الكتاب فردّ قضيته» (١). فانها دلت على ان من حبس شيئا من دون تحديد المدة فبموته يرجع الى ورثته ويردّ الحبس ، وهذا يكشف عن صحة الحبس في الجملة.

٣ ـ واما تحقق الحبس بلفظ حبست‌ فمما لا خلاف فيه. وهو القدر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٨ الباب ٥ من أحكام السكنى والحبس الحديث ١.


المتيقن من الانشاء الذي يتحقق به. بل حكم الاصحاب بتحققه بكل ما يدل عليه ولو فعلا.

٤ ـ واما التفرقة بين الحبس واخواته بما تقدم‌ فهو مورد تسالم الفقهاء. وقد دلت على مشروعية تلك روايات متعددة ، كصحيحة حمران : «سألته عن السكنى والعمرى فقال : الناس فيه عند شروطهم ان كان قد شرط حياته فهي حياته وان كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ثم يردّ الى صاحب الدار» (١) ، وصحيحة الحسين بن نعيم عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن رجل جعل سكنى داره لرجل ايام حياته او له ولعقبه من بعده قال : هي له ولعقبه كما شرط» (٢).

٥ ـ واما ان السكنى واخواتها عقود تحتاج الى قبول‌ فقد ادعي عليه الاجماع. ولولاه امكن التمسك باطلاق مثل الصحيحتين المتقدمتين لنفي اعتبار ذلك.

واما التفرقة في الحبس بين كونه على الشخص فيعتبر فيه القبول وبين كونه على غيره فلا يعتبر فيه ذلك فلا مدرك له سوى الاجماع أيضا.

٦ ـ واما اشتراط القبض في تحقق اللزوم‌ فلا وجه له سوى الاجماع المدعى والا فمقتضى اطلاق الروايات نفي اعتبار ذلك. اجل مع عدم تعيين وقت في السكنى فيجوز التراجع حتى مع تحقق القبض للروايات الخاصة ، كموثقة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «وسألته عن الرجل يسكن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٥ الباب ٢ من أحكام السكنى والحبس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٥ الباب ٢ من أحكام السكنى والحبس الحديث ٢.


رجلا ولم يوقّت شيئا قال : يخرجه صاحب الدار اذا شاء» (١).

وهكذا الحال في الحبس غير المؤقت اذا مات الحابس فان العين ترجع الى ورثته لصحيح ابن اذينة المتقدم.

٥ ـ من احكام الصدقة بالمعنى الاخص‌

تستحب الصدقة بمعناها الاخص ، وهي الاحسان للغير بقصد القربة.

والمعروف انها عقد تحتاج الى ايجاب وقبول. ويعتبر فيها قصد القربة.

وتجوز من غير الهاشمي على الهاشمي. وتجوز على الغني أيضا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما استحباب الصدقة بمعناها الاخص‌ فهو من المسلمات. وقد ورد الحث عليها في روايات كثيرة ، من قبيل : «ان الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة» (٢) ، «الصدقة تدفع ميتة السوء» (٣) ، «تصدقوا فان الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم الله» (٤) ، «داووا مرضاكم بالصدقة» (٥) ، «يستحب للمريض ان يعطي السائل بيده ويأمر السائل ان يدعو له» (٦) ، «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الايدي ثلاثة فيد الله العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل السفلى فاعط الفضل ولا تعجز‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٧ الباب ٤ من أحكام السكنى والحبس الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٢٥٥ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٢٢٥ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٦ : ٢٥٧ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ٨.

(٥) وسائل الشيعة ٦ : ٢٥٨ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ١٨.

(٦) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٢ الباب ٥ من أبواب الصدقة الحديث ٢.


نفسك» (١) ، ومن الالفاظ الموجزة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي لم يسبق اليها : «اليد العليا خير من اليد السفلى» (٢) ، «بكّروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها» (٣) ، «من تصدق بصدقة حين يصبح اذهب الله عنه نحس ذلك اليوم» (٤).

بل قد يستدل على ذلك بقوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (٥).

ويلحق بالصدقة كل احسان وان لم يكن بالمال ففي الحديث الصحيح : «كل معروف صدقة» (٦).

٢ ـ واما ان الصدقة عقد تحتاج الى ايجاب وقبول‌ فهو المشهور ، ولا دليل عليه سوى الشهرة والاجماع المدعى. ومن هنا قال السيد اليزدي : «لا اشارة في شي‌ء من الاخبار على اعتبار اللفظ فيها على كثرتها فما ادري من اين اشترطوا فيها الايجاب والقبول وجعلوها من العقود؟» (٧).

والمناسب التفصيل بين مواردها فان كانت بنحو التمليك احتاجت الى ايجاب وقبول وان كانت بنحو البذل والاحسان المجردين كفى الاذن في الصرف.

ويمكن ان نعدّ من جملة مصاديق الصدقة التبرع بمقدار من المال‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٣ الباب ٥ من أبواب الصدقة الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٣ الباب ٥ من أبواب الصدقة الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٦ الباب ٨ من أبواب الصدقة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٦ الباب ٨ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

(٥) التوبة : ١٠٤.

(٦) وسائل الشيعة ٦ : ٣٢١ الباب ٤١ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

(٧) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٢٧٤.


للمناسبات الحسينية ونحوها من المناسبات الدينية او جمع مقدار من المال لبناء حسينية او تزويج مؤمن او علاج مريض وما شاكل ذلك فان الكل يشترك في كونه احسانا بالمال بقصد القربة.

بل قد يعدّ من الصدقة التبرع للصناديق الخيرية المتعارف احداثها في زماننا والتي يقطع فيها المتبرع علاقته بالمال الذي يتبرع به ، اما اذا بذل المال للصندوق لغرض الاقراض به من دون قطع العلاقة به فلا يبعد كون مرجعه الى التوكيل في التصرف دون الصدقة لأنه يعتبر فيها قطع العلاقة بالمتبرع به.

٣ ـ واما اعتبار قصد القربة فيها‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه صحيح حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا صدقة ولا عتق الا ما اريد به وجه الله عز وجل» (١) وغيره.

٤ ـ واما جواز صدقة غير الهاشمي للهاشمي‌ فلإطلاق نصوص الصدقة بعد اختصاص دليل المنع بالصدقة الواجبة التي هي زكاة المال وزكاة الفطرة. ومع التنزل عن ذلك يكفينا الاصل.

٥ ـ واما جواز الصدقة على الغني‌ فهو مقتضى اطلاق اخبار الصدقة ، بل في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل معروف صدقة الى غني او فقير فتصدقوا ولو بشقّ التمرة ...» (٢). وبقطع النظر عن ذلك يكفينا الاصل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٠ الباب ١٣ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٥ الباب ٧ من أبواب الصدقة الحديث ٥.


كتاب الجعالة‌

١ ـ حقيقة الجعالة‌

٢ ـ من أحكام الجعالة‌



١ ـ حقيقة الجعالة‌

الجعالة ـ بكسر الجيم وقد تضم ـ إنشاء يتضمن الالتزام بعوض على عمل.

وترجع في حقيقتها الى كونها ايقاعا عاما يتحقق بمجرد الايجاب ، كقول من يريد بيع داره : من باع داري فله كذا ، او خاصا كقول الشخص السابق موجها الخطاب لشخص آخر معين : ان بعت داري فلك كذا.

وهي مشروعة.

وتفترق عن الاجارة بعدّة فوارق.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الجعالة ما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه.

واما انها ايقاع لا تحتاج الى قبول فهو المعروف. ويدل عليه :

أ ـ ان الجاعل بايجابه للجعالة لا يتصرف في سلطان الغير ليحتاج الى قبوله.

ب ـ السيرة العقلائية التي يأتي التمسك بها ، فانها قاضية بعدم الحاجة الى القبول.


وقد يقال بالحاجة الى القبول ولكن يكفي في تحققه شروع العامل في العمل ، فان سيرة العقلاء لا تأبى الحاجة الى القبول بالمقدار المذكور.

٢ ـ واما شرعية الجعالة‌ فأمر متسالم عليه في الجملة. ويدل على ذلك :

أ ـ قوله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) (١) ، بعد ضم استصحاب حكم الشريعة السابقة عند الشك في نسخه.

ب ـ الروايات الخاصة ، كصحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابي يسأل ابا عبد الله عليه‌السلام وأنا اسمع فقال : ربما امرنا الرجل فيشتري لنا الارض والدار والغلام والجارية ونجعل له جعلا ، قال : لا بأس» (٢) ، فانه ليس المقصود ندفع له بعد ذلك لا بعنوان الجعالة والا لقيل : نعطيه ، بل المقصود نقرر له ذلك من البداية بعنوان الجعالة.

وكصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن جعل الآبق والضالة ، قال : لا بأس به» (٣) ، فان المقصود السؤال عن الجعالة على ردّ الآبق والضالة.

ج ـ السيرة العقلائية ، فانها انعقدت على كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان ، فمن طلب من غيره تعمير داره او حمل متاعه في سيارته كان ذلك سببا للضمان اما باجرة المثل ان لم تقرر اجرة معينة او بما قرر ان فرض ذلك ، وحيث ان السيرة المذكورة لا يحتمل حدوثها‌

__________________

(١) يوسف : ٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٨ الباب ٤ من أبواب الجعالة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٦ الباب ١ من أبواب الجعالة الحديث ١.


بعد عصر المعصومين عليهم‌السلام ولم يصدر ردع عنها فيستكشف امضاؤها.

٣ ـ واما ان الايجاب يجوز ان يكون عاما تارة وخاصا اخرى‌ فيدل عليه اطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة والسيرة العقلائية.

٤ ـ واما الفوارق بين الاجارة والجعالة‌ فهي متعددة من قبيل :

أ ـ ان الاجارة عقد تتوقف على الايجاب والقبول في حين ان الجعالة ايقاع يكفي في تحققها الايجاب.

ب ـ في الاجارة يستحق الاجير الاجرة بمجرد العقد وتنشغل ذمته بالعمل للمستأجر بمجرد ذلك أيضا بخلافه في الجعالة فانه لا تنشغل ذمة الجاعل بالجعل بمجرد الايجاب بل بعد العمل ، كما لا تنشغل ذمة العامل بالعمل للجاعل بمجرد ذلك.

ج ـ لا بدّ من تعيين العوضين في الاجارة بخلافه في الجعالة.

٢ ـ من أحكام الجعالة‌

يجوز الجهل بعوضي الجعالة ، كأن يقول شخص : من اصلح سيارتي فله كذا مقدار مع فرض عدم العلم بما يتطلبه الاصلاح من عمل واجهزة ، او يقول : من باع داري بكذا فله الزائد. اجل يلزم ان لا يكون مجهولا بشكل كامل ، كما لو قال : من باع داري بكذا فله شي‌ء والا بطلت الجعالة واستحق العامل اجرة المثل.

ويجوز للجاعل التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل ولا يجوز ذلك بعد الشروع الا مع التوافق مع العامل.


واذا شرع العامل في العمل فلا يجب عليه اتمامه الا اذا فرض طرو عنوان ثانوي ، كما لو قال الجاعل للطبيب : ان اجريت عملية لعيني فلك كذا فانه لا يحق له التوقف عن اتمام العملية بعد الشروع فيها فيما اذا كان ذلك موجبا للضرر.

ولا يستحق العامل للجعل الا باتمامه للعمل. واذا اتى ببعضه واراد التوقف فلا يستحق بالنسبة الا اذا كان طلب العمل لم يلحظ بنحو الترابط. وقد يكون من هذا القبيل طلب بعض الوزارات في الدولة تعبيد عدّة شوارع او بناء عدّة عمارات وما شاكل ذلك واراد العامل التوقف عن تعبيد او بناء بعضها.

ولا يستحق العامل الجعل الا اذا قصد اداء العمل بقصد تحصيل الجعل ، اما اذا قام به متبرعا او كان جاهلا بالجعالة او غافلا عنها فلا يستحق شيئا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما جواز الجهل بعوضي الجعالة‌ فهو رأي لبعض الاصحاب. ويدل عليه عموم السيرة المتقدمة واطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، فان ما يتطلبه ردّ الآبق والضالة غير محدد ، ومقدار الجعل لم تفترض معلوميته ومع ذلك نفى عليه‌السلام البأس من دون تفصيل.

واما حديث نفي الغرر فهو على تقدير تمامية سنده خاص بالبيع ، كما تقدمت الاشارة اليه عند البحث عن الاجارة.

٢ ـ واما اعتبار ان لا يكون الجهل بالعوضين بشكل كامل‌ فيمكن توجيهه بان التعامل مع الجهل بالعوض بشكل كامل ليس عقلائيا ، وادلة امضاء المعاملات منصرفة عن التعامل غير العقلائي.

ومع التنزل يمكن ان نقول : ان مدرك مشروعية الجعالة منحصر‌


بالوجوه الثلاثة المتقدمة وهي لم يحرز شمولها لحالة الجهل الكامل ، ومعه يلزم التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر عند الشك في ثبوت الامضاء.

٣ ـ واما انه مع بطلان الجعالة يستحق العامل اجرة المثل‌ فباعتبار ان استحقاقه للأجرة المسماة لمّا لم يثبت لفرض بطلان الجعالة فلا بدّ من ضمان اجرة المثل لان الجاعل قد طلب العمل ، وهو سبب للضمان.

٤ ـ واما جواز التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل‌ فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. ويكفي لإثباته عدم الدليل على اللزوم.

واما عدم جوازه بعد شروع العامل فتقتضيه السيرة العقلائية المتقدمة.

٥ ـ واما عدم لزوم اتمام العامل للعمل بعد شروعه فيه‌ فلعدم الدليل على ذلك.

واما لزوم الاستمرار مع العنوان الثانوي فتقتضيه السيرة المتقدمة.

٦ ـ واما عدم استحقاق العامل للجعل الا بعد اتمام العمل‌ فيكفي لإثباته عدم الدليل على الاستحقاق قبل ذلك.

واما انه اذا اتى ببعضه واراد التوقف فلا يستحق شيئا فلان الجعل قد جعل على اتمام العمل حسب الفرض.

واما ثبوت الاستحقاق بالنسبة اذا فرض عدم ملاحظة الترابط فلأن ذلك يعني انحلال الجعالة الى جعالات متعددة بعدد الابعاض المتصورة.


٧ ـ واما عدم استحقاق العامل للجعل اذا اتى بالعمل متبرعا او غافلا او جاهلا‌ فيكفي لإثباته عدم الدليل على الاستحقاق ، فان السيرة دليل لبي يلزم الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، والنصوص منصرفة عن مثل ذلك.


كتاب الشّفعة‌

١ ـ حقيقة الشفعة‌

٢ ـ من أحكام الشفعة‌



١ ـ حقيقة الشفعة‌

الشفعة حق ثابت للشريك في اخذ حصة شريكه ـ اذا باعها لثالث ـ بالثمن المقرر في البيع. ويصطلح على صاحب الحق المذكور بالشفيع.

وهي ايقاع يتوقف تحققه على إنشاء الشريك له بلا حاجة الى القبول.

وشرعيتها امر مسلّم به.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الشفعة هي ما تقدم‌ فمما لا كلام فيه.

واما انها ايقاع يتوقف على إنشاء الايجاب من دون حاجة الى القبول فامر واضح لأنها شرّعت لأخذ الحصة من المشتري حفظا لأولوية الشفيع فلا يحتمل اعتبار قبوله.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فقد دلت عليه جملة من الروايات ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تكون الشفعة الا لشريكين ما لم يقاسما ، فاذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة» (١) ، وموثقة ابي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٠ الباب ٧ من أبواب الشفعة الحديث ١.


العباس البقباق : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : الشفعة لا تكون الا لشريك» (١) ، ورواية عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال : لا ضرر ولا ضرار. وقال : اذا ارّفت الأرف (٢) وحدّت الحدود فلا شفعة» (٣) الى غير ذلك من الروايات.

وينبغي الالتفات الى ان ثبوت حق الشفعة جاء تخصيصا لقاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير من دون طيب نفسه كما هو واضح ، ولا محذور في ذلك ، فان القاعدة المذكورة ليست حكما عقليا كي لا تقبل التخصيص.

٢ ـ من أحكام الشفعة‌

يتحقق اعمال حق الشفعة بكل ما يدل على ذلك من قول ـ كقول الشفيع اخذت الحصة المبيعة بثمنها ـ او فعل ، كما اذا دفع الشفيع الثمن واخذ الحصة.

ويشترط في ثبوتها :

أ ـ عدم تقسيم العين المشتركة بفرز الحصص.

ب ـ ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٥ الباب ١ من أبواب الشفعة الحديث ١.

(٢) اي اذا رسمت الحدود. والعطف تفسيري. والمقصود الردّ على من يقول بأن الشفعة ثابتة بعد تقسيم الارض وتعيين حصة كل شريك.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٩ الباب ٥ من أبواب الشفعة الحديث ١.


ج ـ تسديد الثمن ولا يكفي اعمال حق الشفعة من دون ذلك.

د ـ ان يكون المدفوع بمقدار الثمن بدون زيادة او نقيصة سواء كان مساويا للقيمة السوقية أم لا.

ه ـ ان تكون العين المشتركة من الاشياء غير المنقولة وقابلة للقسمة كالدور والبساتين والاراضي. وفي ثبوتها في غير القابل للقسمة وفي المنقول خلاف.

وفي اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة خلاف.

ولا تثبت الشفعة بالجوار ، فلو اراد شخص بيع داره فلا تحق لجاره المطالبة بها بالشفعة.

وحق الشفعة قابل للإسقاط بدون عوض او معه ، ولكنه لا يقبل الانتقال الى الغير بالنقل اليه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان اعمال حق الشفعة يتحقق بكل ما يدل على ذلك من قول او فعل‌ فيمكن استفادته من الروايات السابقة ، فانها اذا كانت مشتملة على اطلاق لفظي فهو المطلوب والا امكن التمسك بالاطلاق المقامي ، بتقريب ان اثبات حق الشفعة للشريك من دون بيان ما به يتحقق اعماله يدل على ايكال الامر الى العرف وان الشارع ليس له تحديد خاص في هذا المجال بل كل ما يدل على اعمال الحق المذكور في نظر العرف فهو كاف.

٢ ـ واما انه يشترط في ثبوت حق الشفعة عدم فرز الحصص‌ فهو من المسلمات عندنا. وقد دلت عليه روايات كثيرة كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وغيرها.


ويظهر من رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجود رأي مقابل لمدرسة اهل البيت عليهم‌السلام يرى ثبوت حق الشفعة حتى مع فرز الحصص فلاحظ.

٣ ـ واما اعتبار ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر‌ فهو المشهور. وقد دلت عليه عدة روايات كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وغيرها.

الا ان في مقابل ذلك روايتين احداهما للسكوني والاخرى لطلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه‌السلام وكلتاهما بلسان : «الشفعة على عدد الرجال» (١).

وقد حملها الشيخ على التقية (٢) ، فان تمّ ذلك والا تساقط المتعارضان ولزم الرجوع الى الاصل المقتضي لعدم حلّ التصرف من دون طيب نفس المالك فان القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور ما اذا كانت الشركة بين اثنين ، واما اذا كانت بين اكثر فيشك في الخروج عن الاصل فيتمسك به ان فرض عدم وجود اطلاق في الروايات يدل على ثبوت حق الشفعة في حالة اشتراك العين بين اكثر من اثنين.

هذا كله اذا لم نناقش في سند الاولى بالنوفلي الراوي عن السكوني وفي الثانية بطلحة بن زيد والا فلا مشكلة من الاساس.

٤ ـ واما اعتبار تسديد مقدار الثمن عقيب اعمال الحق‌ فينبغي ان يكون من الواضحات ، اذ لا يحتمل ثبوت حق الشفعة وانتقال العين الى الشفيع باعماله الشفعة مع عدم ادائه الثمن ، وهل ذلك الا الضرر المنفي بقاعدة لا ضرر؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٢ الباب ٧ من أبواب الشفعة الحديث ٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ : ١٦٦.


هذا مضافا الى ان روايات الشفعة لا اطلاق لها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار على مورد اليقين ، وهو ما اذا تمّ اداء الثمن.

اجل قد يقال : انه مع طلب الشفيع انظاره لتهيئة الثمن فلا بد من امهاله ثلاثة ايام على ما دلت عليه رواية علي بن مهزيار : «سألت ابا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة ارض فذهب على ان يحضر المال فلم ينض (١) فكيف يصنع صاحب الارض ان اراد بيعها أيبيعها او ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : ان كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة ايام فان اتاه بالمال والا فليبع وبطلت شفعته في الارض. وان طلب الاجل الى ان يحمل المال من بلد الى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة ايام اذا قدم ، فان وافاه والا فلا شفعة له» (٢). ولكنها ضعيفة بالهيثم بن ابي مسروق النهدي فانه لم يوثق ، ولا يمكن العمل بها الا بناء على كبرى الجابرية بعمل المشهور.

٥ ـ واما ان الشفيع لا يمكنه تملك الحصة الا بدفع مقدار الثمن بدون زيادة ولا نقيصة‌ فتدل عليه رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك؟ ويعرض على الجار فهو احق بها من غيره؟ (٣) فقال : الشفعة في البيوع‌

__________________

(١) نض المال ينض اذا تحول الى نقد بعد ان كان متاعا.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٤ الباب ١٠ من أبواب الشفعة الحديث ١.

(٣) لعل المقصود : هل يلزم عرض الدور ـ التي يراد بيعها ـ على الجار ويكون أحق بها من غيره؟ وأجاب عليه‌السلام عن هذه الفقرة من السؤال بالنفي وان الشفعة تختص بالشركاء.


اذا كان شريكا فهو احق بها بالثمن» (١) ، الا ان سندها يشتمل على يزيد بن اسحاق شعر ، وهو لم يوثق. اجل بناء على تمامية كبرى الجابرية بموافقة فتوى المشهور لا اشكال خصوصا اذا لاحظنا كلام صاحب الجواهر الذي يقول فيه : «لا خلاف بين الخاصة والعامة نصا وفتوى في ان الشفيع يأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد» (٢).

ثم انه يمكن ان نسلك طريقا آخر لإثبات فتوى المشهور بان يقال : ان الروايات حيث لا اطلاق فيها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ما اذا كان البذل لما يساوي مقدار الثمن.

٦ ـ واما انه لا يفرّق بين ان يكون مقدار الثمن مساويا للقيمة السوقية او لا‌ فلإطلاق البيانين المتقدمين من هذه الناحية.

٧ ـ واما ثبوت الشفعة في الاعيان غير المنقولة القابلة للقسمة‌ فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب وهو القدر المتيقن من مورد حق الشفعة.

واذا رجعنا الى الروايات وجدنا ان بعضها يدل على ثبوت حق الشفعة في جميع الاشياء كصحيحة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان او ارض او متاع» (٣) لكنها ضعيفة بالارسال.

واذا لاحظنا رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجدناها تدل على ثبوت الشفعة في الدور والاراضي. وهي ضعيفة السند بعقبة نفسه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٦ الباب ٢ من أبواب الشفعة الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٧ : ٣٢٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٩ الباب ٥ من أبواب الشفعة الحديث ١.


وبمحمد بن عبد الله بن هلال الراوي عنه حيث لم يوثقا.

واما بقية الروايات فهي لا اطلاق فيها من هذه الناحية ، كصحيحة عبد الله بن سنان وموثقة البقباق المتقدمتين.

والمناسب بعد هذا ان يقال : ان الروايات المتقدمة وغيرها يستفاد منها ثبوت حق الشفعة في الجملة ، ويدور الامر في مورده بين كونه جميع الاشياء او خصوص بعضها فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو الامور غير المنقولة من دون تفصيل بينها لعدم احتمال ذلك.

اجل قد يقال باعتبار كونها قابلة للقسمة ـ فلا تثبت في مثل الآبار ـ لان التعبير في صحيحة عبد الله بن سنان : «ما لم يقاسما» قد يفهم منه اعتبار قابلية الشي‌ء للقسمة.

واما الاشياء المنقولة فقد دلت صحيحة عبد الله بن سنان : «مملوك بين شركاء اراد احدهم بيع نصيبه قال : يبيعه. قلت : فانهما كانا اثنين فاراد احدهما بيع نصيبه فلما اقدم على البيع قال له شريكه : اعطني قال : هو احق به ثم قال عليه‌السلام : لا شفعة في الحيوان الا ان يكون الشريك فيه واحدا» (١) على ثبوته في الحيوان. والتعدي منه الى مطلق الاشياء غير المنقولة يتوقف على فهم عدم الخصوصية للحيوان.

ان قلت : ان صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ليس في الحيوان شفعة» (٢) دلت على عدم ثبوت الشفعة في الحيوان فتعارض صحيحة ابن سنان.

قلت : يمكن تقييد نفي الشفعة فيها بما اذا كان الشركاء اكثر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٢ الباب ٧ من أبواب الشفعة الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٢ الباب ٧ من أبواب الشفعة الحديث ٦.


من اثنين.

٨ ـ واما اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة‌ فيمكن ان يوجّه بان ثبوت الحق المذكور حكم على خلاف الاصل فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ثبوته في اول زمان امكان اعماله.

وتؤيد ذلك رواية السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام التي ورد فيها : «للغائب شفعة» (١) ، فان الحق اذا كان متراخيا فلا وجه لتخصيص الغائب بالذكر وان له شفعة.

واما ما ورد من ان «الشفعة لمن واثبها» (٢) ، «والشفعة كحلّ العقال» (٣) فلم يرد من طرقنا.

وقد يقال بكونه متراخيا الى الحد الذي يلزم فيه الضرر تمسكا بالاستصحاب ، فانه جار الا بناء على المبنى القائل بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية او في موارد الشك في المقتضي.

الا ان المناسب ان يقال باعتبار الفورية العرفية لان ثبوتها بمقدار ازيد من ذلك امر غير محتمل لاستلزامه ايقاع المشتري في الضرر ، وحق الشفعة شرّع لدفع الضرر ولا يحتمل تشريعه بنحو يستوجب توجيه الضرر على الغير. وبعد هذا لا يبقى مجال لاحتمال جريان الاستصحاب.

٩ ـ واما عدم ثبوت الشفعة بالجوار‌ فيكفي لإثباته القصور في المقتضي. وتؤيد ذلك رواية الغنوي المتقدمة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٠ الباب ٦ من أبواب الشفعة الحديث ٢.

(٢) نيل الاوطار للشوكاني ٦ : ٨٧.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ١٠٨.


١٠ ـ واما قبول حق الشفعة للإسقاط بدون عوض او معه‌ فلانه حق ولا يحتمل كونه حكما شرعيا لكي لا يقبل الاسقاط.

واما عدم قابليته للنقل فيكفي لإثباته عدم الدليل على قبوله لذلك.



الفهرس

كتاب البيع.................................................................... ١١

١ ـ شروط عقد البيع......................................................... ١٣

٢ ـ شروط المتعاقدين......................................................... ٢٤

٣ ـ شرائط العوضين.......................................................... ٣٧

٤ ـ الخيارات................................................................. ٤٣

خيار المجلس.............................................................. ٤٣

خيار المجلس.............................................................. ٤٣

خيار الحيوان.............................................................. ٤٥

خيار الشرط.............................................................. ٤٩

خيار تخلّف الشرط........................................................ ٥٢

خيار الغبن............................................................... ٥٥

خيار العيب.............................................................. ٥٦

خيار التأخير............................................................. ٦٠

خيار الرؤية............................................................... ٦٢


٥ ـ الربا.................................................................... ٦٤

احكام خاصة بالربا........................................................ ٦٨

٦ ـ بيع الصرف............................................................. ٧٦

٧ ـ بيع السلف.............................................................. ٧٩

٨ ـ محرّمات في الشريعة....................................................... ٨٧

الغيبة.................................................................... ٩٤

القصار.................................................................. ٩٩

كتاب الاجارة................................................................ ١٠٧

١ ـ حقيقة الاجارة.......................................................... ١٠٩

٢ ـ من خصوصيات عقد الاجارة............................................. ١١٠

٣ ـ شرائط العوضين........................................................ ١١٣

٤ ـ الضمان في باب الاجارة................................................. ١١٨

٥ ـ أحكام عامة في باب الاجارة............................................. ١٢٢

كتاب المزارعة................................................................ ١٣١

١ ـ حقيقة المزارعة.......................................................... ١٣٣

٢ ـ شرائط المزارعة.......................................................... ١٣٥

أحكام عامة في باب المزارعة............................................... ١٤٠

كتاب المساقاه................................................................ ١٤٧

١ ـ حقيقة المساقاه.......................................................... ١٤٧

٢ ـ شرائط المساقاه......................................................... ١٤٨

٣ ـ أحكام عامة في باب المساقاه............................................. ١٥٢


كتاب الشركة................................................................ ١٥٧

١ ـ حقيقة الشركة.......................................................... ١٥٩

٢ ـ من أحكام الشركة بالمعني الاول........................................... ١٦٢

٣ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الثاني........................................... ١٦٣

كتاب الضمان............................................................... ١٦٩

١ ـ حقيقة الضمان......................................................... ١٧١

٢ ـ شرائط الضمان......................................................... ١٧٣

٣ ـ من أحكام الضمان..................................................... ١٧٦

كتاب الحوالة والكفالة......................................................... ١٧٩

١ ـ حقيقة الحوالة........................................................... ١٨١

٢ ـ شرائط الحوالة.......................................................... ١٨٣

٣ ـ من أحكام الحوالة....................................................... ١٨٥

٤ ـ الكفالة وبعض أحكامها................................................. ١٨٨

كتاب الصلح................................................................ ١٩١

١ ـ حقيقة الصلح.......................................................... ١٩٣

٢ ـ شرائط الصلح.......................................................... ١٩٥

٣ ـ من أحكام الصلح...................................................... ١٩٦

كتاب الوكالة................................................................. ٢٠١

١ ـ حقيقة الوكالة.......................................................... ٢٠٣

٢ ـ من أحكام الوكالة....................................................... ٢٠٦

كتاب المضاربة............................................................... ٢١١

١ ـ حقيقة المضاربة......................................................... ٢١٣


٢ ـ شرائط المضاربة......................................................... ٢١٥

٣ ـ من أحكام المضاربة...................................................... ٢١٩

كتاب القرض................................................................ ٢٢٥

١ ـ حقيقة القرض.......................................................... ٢٢٧

٢ ـ شرائط صحة القرض.................................................... ٢٢٩

٣ ـ ربا القرض............................................................. ٢٣١

٣ ـ من أحكام القرض...................................................... ٢٣٦

كتاب الرهن................................................................. ٢٤٣

١ ـ حقيقة الرهن........................................................... ٢٤٥

٢ ـ شرائط صحّة الرهن..................................................... ٢٤٦

٣ ـ من أحكام الرهن....................................................... ٢٤٩

كتاب الهبة................................................................... ٢٥٥

١ ـ حقيقة الهبة............................................................ ٢٥٧

٢ ـ من أحكام الهبة......................................................... ٢٥٩

كتاب الوديعة................................................................ ٢٦٧

١ ـ حقيقة الوديعة.......................................................... ٢٦٨

من أحكام الوديعة....................................................... ٢٦٨

كتاب العارية................................................................. ٢٧٣

١ ـ حقيقة العارية........................................................... ٢٧٥

٢ ـ من أحكام العارية....................................................... ٢٧٦

كتاب السبق والرماية.......................................................... ٢٨١

١ ـ حقيقة السبق والرماية.................................................... ٢٨٣


٢ ـ من أحكام السبق والرماية................................................ ٢٨٥

كتاب النكاح................................................................ ٢٨٩

١ ـ النكاح وبعض أحكامة.................................................. ٢٩١

٢ ـ ولاية الابوين........................................................... ٢٩٩

٣ ـ أحكام النظر........................................................... ٣٠٣

٤ ـ من يحرم العقد عليها..................................................... ٣١٣

مناشي التحريم بالسبب.................................................. ٣١٥

ا ـ المصاهرة وما يلمق بها.................................................. ٣١٥

ب ـ الرضاع............................................................. ٣٢٨

شروط الرضاع المحرم...................................................... ٣٣٥

ج ـ الاعتداد............................................................ ٣٤٣

د ـ استيفاء العدد........................................................ ٣٥٠

هـ ـ الكفر.............................................................. ٣٥٢

و ـ ز ـ الاحرام واللمان.................................................... ٣٥٦

٥ ـ الزواج الموقت........................................................... ٣٥٨

٦ ـ أحكام النفقة........................................................... ٣٧٣

٧ ـ احكام القسمة......................................................... ٣٧٦

الايقاعات................................................................... ٣٨١

كتاب الطلاق................................................................ ٣٨٣

١ ـ حقيقة الطلاق......................................................... ٣٨٥

٢ ـ شرائط صحة الطلاق.................................................... ٣٨٨

٣ ـ أقسام الطلاق.......................................................... ٤٠٧


٤ ـ أحكام العدة........................................................... ٤١٩

٥ ـ من أحكام الخّلع والمباراة.................................................. ٤٣٣

٦ ـ من أحكام الطلاق...................................................... ٤٤٤

كتاب الظهار................................................................ ٤٥٧

١ ـ الظهار وحكمه......................................................... ٤٥٩

٢ ـ شرائط الظهار.......................................................... ٤٦٤

كتاب الايلاء................................................................ ٤٦٩

١ ـ ما هو الايلاء؟......................................................... ٤٧١

٢ ـ من أحكام الايلاء...................................................... ٤٧٤

كتاب اللعان................................................................. ٤٧٩

١ ـ ما هو اللعان؟.......................................................... ٤٨١

٢ ـ كيفية اللعان............................................................ ٤٨٨

٣ ـ من أحكام اللعان....................................................... ٤٨٩

كتاب اليمين والنذر والعهد.................................................... ٤٩٥

١ ـ اليمين المبحوث عنها.................................................... ٤٩٧

٢ ـ من أحكام اليمين....................................................... ٥٠١

٣ ـ من أحكام النذر........................................................ ٥٠٨

٤ ـ من أحكام العهد....................................................... ٥١٤

كتاب الوصية................................................................ ٥١٧

١ ـ الوصية بقسميها........................................................ ٥١٩

٢ ـ الوصية ايقاع........................................................... ٥٢١

٣ ـ من أحكام الوصي...................................................... ٥٢٥


٤ ـ من أحكام الوصية...................................................... ٥٣١

كتاب الوقف................................................................ ٥٤١

١ ـ حقيقة الوقف.......................................................... ٥٤٣

٢ ـ من شرائط الوقف....................................................... ٥٤٧

٣ ـ من أحكام الوقف...................................................... ٥٥٤

٤ ـ من أحكام الحبس....................................................... ٥٥٩

٥ ـ من أحكام الصدقة بالمعنى الاخص........................................ ٥٦٢

كتاب الجعالة................................................................ ٥٦٥

١ ـ حقيقة الجعالة.......................................................... ٥٦٧

٢ ـ من أحكام الجعالة....................................................... ٥٦٩

كتاب الشفعة................................................................ ٥٧٣

١ ـ حقيقة الشفعة.......................................................... ٥٧٥

٢ ـ من أحكام الشفعة...................................................... ٥٧٦

دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري - ٢

المؤلف:
الصفحات: 591