الفصل الثالث

حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية الإمام الصادق عليه‌السلام



دخول مكة والمسجد الحرام :

ثم نهض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أن نزل بذي طوى ، وهي المعروفة اليوم بآبار الزاهر ، فبات بها ليلة الأحد ، لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا ، التي تشرف على الحجون.

وكان في العمرة يدخل من أسفلها ، وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها.

ثم سار حتى دخل المسجد ضحى.

وعن ابن عمر قال : دخل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ودخلنا معه من باب عبد مناف ، وهو الذي تسميه الناس : «باب بني شيبة» (١).

وخرج من باب بني مخزوم (إلى الصفا).

فلما نظر إلى البيت ، واستقبله ورفع يديه وكبر ، وقال : «اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفا ، وتعظيما ، وتكريما ، ومهابة ، وزد من عظّمه ، ممن حجه أو اعتمره ، تكريما وتشريفا ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦١ و ٤٦٢ عن الطبراني ، وراجع : المعجم الأوسط للطبراني ج ٣ ص ٢٣٨.


وتعظيما وبرا» (١).

ونقول :

إن المروي بسند صحيح عن صادق أهل البيت «عليهم‌السلام» : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة ، وخرج حين خرج من ذي طوى» (٢).

وفي نص آخر : «دخل من أعلى مكة ، من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفل مكة ، من ذي طوى» (٣).

حج النبي برواية أهل البيت عليهم‌السلام :

وحيث إنه قد وردت عن أهل بيت النبي «عليهم‌السلام» روايات صحيحة السند تصف لنا حج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. نرى أن عرضها للقارئ الكريم ضروري جدا ، ليأخذ الحقيقة من أهل الحقيقة ، فإن أهل البيت أدرى بما فيه ..

وقد رأينا تقديم ذكرها على التفاصيل التي يذكرها أتباع غير أهل البيت ، لكي تكون رواياتهم «عليهم‌السلام» هي المعيار والميزان للصحيح

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ وفي هامشه عن : البيهقي ج ٥ ص ٧٣.

(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٥٠ والبحار ج ٢١ ص ٢٩٦ و ٣٩٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٧٩.

(٣) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٥.


من الفاسد ، والحقيقي من المزيف ..

وبما أن هذه الروايات قد تعددت ، فقد رأينا أن نأتي بخلاصة جامعة لما تضمنته من جزئيات وخصوصيات ، مقتصرين منها على ما أورده الكليني «قدس الله نفسه الزكية» في باب «حج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..» وخصوصا الروايات التي جاءت مطولة ومفصلة ، فنقول :

في صحيحة معاوية بن عمار عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» قال : أنزل الله عزوجل عليه : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (١) ، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم : بأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحج في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة ، وأهل العوالي والأعراب ، واجتمعوا لحج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه ، أو يصنع شيئا فيصنعونه (٢).

وفي صحيح عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» قال : ذكر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحج ، فكتب إلي (٣) : من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد الحج ، يؤذنهم

__________________

(١) الآية ٧٧ من سورة الحج.

(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٦ والفصول المهمة ج ١ ص ٦٤٩ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٠ والتفسير الصافي ج ٣ ص ٣٧٤ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ١٤٦ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٣٨٦.

(٣) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح «إلى» بالمقصورة ، وقد وقع فيها تصحيف ، فلاحظ.


بذلك ، ليحج من أطاق الحج (١).

وفي صحيح معاوية بن عمار : فخرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس ، فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة ، فصلى فيه الظهر ، وعزم بالحج مفردا ، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول ، فصف له سماطان ، فلبى بالحج مفردا ، وساق الهدي ستا وستين ، أو أربعا وستين (٢) حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة (٣).

وفي صحيح الحلبي عن علي «عليه‌السلام» : خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة ، فصلى بها ، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء ، فأحرم منها ، وأهل بالحج ، وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة (٤).

__________________

(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ والحدائق الناضرة ج ١٥ ص ٥٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٩ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٨٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٦٣.

(٢) الترديد من الراوي.

(٣) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٤٥٤ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٤٨٧ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٣٨٧.

(٤) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ و ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٥١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ـ


وفي صحيح ابن سنان : فأقبل الناس ، فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط ، وحلق العانة ، والغسل ، والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة ، يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء.

وذكر أنه حيث لبى قال : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك».

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يكثر من ذي المعارج ، وكان يلبى كلما لقي راكبا ، أو علا أكمة ، أو هبط واديا ، وفي آخر الليل ، وفي إدبار الصلوات.

فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة ، وخرج حين خرج من ذي طوى.

فلما انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة.

وذكر ابن سنان : أنه باب شيبة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على أبيه إبراهيم ، ثم أتى الحجر فاستلمه ، فلما طاف بالبيت (وطاف الناس معه) صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم «عليه‌السلام».

ودخل زمزم فشرب منها ، ثم قال : «اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء وسقم» ، فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة.

ثم قال لأصحابه : ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر ، فاستلمه (١).

__________________

ص ١٥٧ ومستدرك الوسائل ج ٨ ص ٧٦ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٥ وج ٩٦ ص ٨٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٦ وج ١٠ ص ٤٥٥ و ٤٩٩.

(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ و ٢٥٠ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٧٩ والحدائق الناضرة ج ١٥ ص ٥٨ ومستند الشيعة ج ١١ ص ١٧٥ وج ١١


وفي صحيح معاوية بن عمار : فطاف بالبيت سبعة أشواط ، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم «عليه‌السلام» ، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، وقد كان استلمه في أول طوافه ، ثم قال : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ،) فابدأ بما بدأ الله تعالى.

وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ..) (١).

ثم أتى الصفا فصعد عليه ، واستقبل الركن اليماني ، فحمد الله وأثنى عليه ، ودعا مقدار ما يقرء سورة البقرة مترسلا.

ثم انحدر إلى المروة ، فوقف عليها كما وقف على الصفا ، ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه (٢).

وفي صحيح الحلبي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : وهو شيء أمر الله عزوجل به ، فأحل الناس ، وقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لو

__________________

ص ٢٩٠ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٢٩٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٩ و ٤٩٩ وج ١١ ص ١٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ١٧ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٦٣.

(١) الآية ١٥٨ من سورة البقرة.

(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٦٣٢ وج ١ ق ٣ ص ٦٤٤ وكشف اللثام (ط. ق) ج ١ ص ٣٤١ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٦ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ١٥٩.


كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم» (١).

ولم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه ، إن الله عزوجل يقول : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (٢).

وفي صحيح معاوية بن عمار ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، وكذا في صحيح الحلبي باختصار : فلما فرغ من سعيه وهو على المروة ، أقبل على الناس بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا جبرئيل ، وأومأ بيده إلى خلفه ، يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله.

قال : فقال له رجل من القوم : لنخرجن حجاجا ورؤوسنا وشعورنا تقطر؟

وفي بعض الروايات : «وذكرنا تقطر»؟ أي من ماء المني (٣).

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا.

فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا رسول الله ، علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٩ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤١٣ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٧ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٥ وج ٩٦ ص ٨٩ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ١٨٥ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٤٦٦.

(٢) الآية ١٩٦ من سورة البقرة.

(٣) راجع المصادر في الهوامش السابقة.


فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : بل هو للأبد ، إلى يوم القيامة ، ثم شبك أصابعه وقال : «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» (١).

قال : وقدم علي «عليه‌السلام» من اليمن على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو بمكة ، فدخل على فاطمة «سلام الله عليها» وهي قد أحلت ، فوجد ريحا طيبة ، ووجد عليها ثيابا مصبوغة ، فقال : ما هذا يا فاطمة؟

فقالت : أمرنا بهذا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فخرج علي «عليه‌السلام» إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مستفتيا ، فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة؟

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أنا أمرت الناس بذلك ، فأنت يا علي بما أهللت»؟

قال : يا رسول الله ، إهلالا كإهلال النبي.

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «قرّ على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي».

قال : ونزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ، ولم ينزل الدور ، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا

__________________

(١) مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٣ وجواهر الكلام ج ١٨ ص ٣ والكافي ج ٤ ص ٢٤٦ وو منتهى المطلب (ط. ق) ج ٢ ص ٨٨٦ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٦ ومستند الشيعة ج ١١ ص ٢١٧ وجامع المدارك ج ٢ ص ٥٦٨ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٥ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٥ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥١ والبحار ج ٢١ ص ٣٩١ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٢ وفقه القرآن للراوندي ج ١ ص ٢٦٦ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٣.


ويهلوا بالحج ، وهو قول الله عزوجل ، الذي أنزل على نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ) (أبيكم) (إِبْراهِيمَ) (١).

فخرج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأصحابه مهلين بالحج حتى أتى منى ، فصلى الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة ، والفجر.

ثم غدا والناس معه ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ، ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأقبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله تعالى عليه : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ..) (٢) ، يعني إبراهيم وإسماعيل ، وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم.

فلما رأت قريش أن قبة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مضت ، كأنه دخل في أنفسهم شيء ، للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم ، حتى انتهى إلى نمرة ، وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبته ، وضرب الناس أخبيتهم عندها.

فلما زالت الشمس خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومعه قريش وقد اغتسل ، وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين.

ثم مضى إلى الموقف فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : «أيها الناس ، ليس

__________________

(١) الآية ٩٥ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ٩٥ من سورة آل عمران.


موضع أخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كله» ، وأومأ بيده إلى الموقف ، فتفرق الناس ، وفعل مثل ذلك بالمزدلفة.

فوقف الناس حتى وقع القرص ـ قرص الشمس ـ ثم أفاض ، وأمر الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة ، وهو المشعر الحرام ، فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين.

ثم أقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بليل ، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس.

فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى ، فرمى جمرة العقبة (١).

وفي صحيح إسماعل بن همام ، عن الإمام الحسن «عليه‌السلام» قال : أخذ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين غدا من منى في طريق ضب (جبل عند مسجد الخيف) ، ورجع ما بين المأزمين. وكان إذا سلك طريقا لم يرجع فيه (٢).

وكان الهدي الذي جاء به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أربعة وستين أو ستة وستين.

وجاء علي «عليه‌السلام» بأربعة وثلاثين أو ستة وثلاثين ، فنحر رسول

__________________

(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٠ ـ ٣٥٤.

(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٣٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٤٥٨ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٣٣٦ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٤٦٣ وسنن النبي «عليه‌السلام» للسيد الطباطبائي ص ٦٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ٣٤٦.


الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ستة وستين ، ونحر علي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أربعة وثلاثين بدنة.

وفي الرواية الأخرى : نحر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثلاثا وستين نحرها بيده ، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر الخ .. (١).

وأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ، ثم تطرح في برمة ، ثم تطبخ ، فأكل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعلي «عليه‌السلام» ، وحسيا من مرقها (٢).

زاد في صحيح الحلبي قوله : «قد أكلنا منها الآن جميعا ، والمتعة خير من القارن السائق ، وخير من الحاج المفرد» (٣).

__________________

(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٥١ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤١٣ والبحار ج ٩٦ ص ٨٩.

(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨ ومجمع الفائدة ج ٧ ص ٢٨٦ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٦٧٠ وج ١ ق ٣ ص ٦٧٠ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٨ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ١٥٩ وجامع المدارك ج ٢ ص ٤٦٢ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٧ وج ١٤ ص ١٦٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٣ وج ١٠ ص ١٤٤ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ و ٣٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٤ وج ١٢ ص ١٠١ وج ١٢ ص ١٠٤ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٥ وج ٣ ص ٣٧٣ وج ٣ ص ٤٠١ وراجع المغني لابن قدامة ج ١١ ص ١٠٩ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٥٧٩ وج ٣ ص ٥٨٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢ ص ١١١ وتفسير البغوي ج ٣ ص ٢٨٤.

(٣) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٥١ ـ


وفي صحيح معاوية بن عمار : ولم يعطيا الجزارين جلودها ، ولا جلالها ، ولا قلائدها ، وتصدق به ، وحلق ، وزار البيت ورجع إلى منى ، وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق.

ثم رمى الجمار ونفر حتى انتهى إلى الأبطح ، فقالت له عايشة : يا رسول الله ، ترجع نساؤك بحجة وعمرة معا ، وأرجع بحجة؟

فأقام بالأبطح ، وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم.

فأهلت بعمرة ، ثم جاءت ، وطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام إبراهيم «عليه‌السلام» ، وسعت بين الصفا والمروة ، ثم أتت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فارتحل من يومه ، ولم يدخل المسجد الحرام ، ولم يطف بالبيت.

ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفل مكة من ذي طوى (١).

وفي صحيح معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال : الذي كان على بدن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ناجية بن جندب الخزاعي

__________________

والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٤٣ و ٣٥٧ وتفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج ٢ ص ٨٤ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٢.

(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٩ وجامع المدارك ج ٢ ص ٤٩١ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٧ والبحار ج ٢١ ص ٣٨٩ و ٣٩٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٥ وج ١١ ص ٢٧١ و ٢٧٢ وج ١٢ ص ٢٠٧ وتفسير مجمع البيان ج ٢ ص ٤٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ٢٥٤.


الأسلمي ، والذي حلق رأس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجته معمر بن عبد الله بن حراثة بن نصر بن عوف بن عويج بن عدي بن كعب.

قال : ولما كان في حجة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو يحلقه ، قالت قريش : أي معمر! أذن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في يدك ، وفي يدك الموسى؟!

فقال معمر : والله ، إني لأعده من الله فضلا عظيما علي.

قال : وكان معمر هو الذي يرحل لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال رسول الله : «يا معمر ، إن الرحل الليلة لمسترخى».

فقال معمر : بأبي أنت وأمي ، لقد شددته كما كنت أشده ، ولكن بعض من حسدني مكاني منك يا رسول الله أراد أن تستبدل بي.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما كنت لأفعل» (١).

ونقول :

إن النصوص المتقدمة وإن كانت مأخوذة من روايات صحيحة السند ، ولكنها تحتاج أيضا إلى بعض التوضيح والبيان ، فنقول :

إضافة فقرة وتصحيف أخرى :

جاء في رواية الصدوق للخبر الأخير عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» فقرة أخرى لم يوردها الكليني ، وهي قوله : «والذي حلق رأسه

__________________

(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٥٠ و ٢٥١ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٣٩ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٤٠٠ وجامع الرواة ج ٢ ص ٢٥٣ ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج ١٩ ص ٢٨٨.


«عليه‌السلام» يوم الحديبية خراش بن امية الخزاعي».

وفيه أيضا : «كان معمر بن عبد الله يرجل شعره «عليه‌السلام» ..».

قال المجلسي «رحمه‌الله» : لعل الأصل يرحل بعيره ، فصحفوه بقولهم : يرجل شعره ، لعله لكونه يناسب الحلق.

لا فضل لقرشي على غيره إلا بالتقوى :

قال البيضاوي ـ على ما نقله عنه المجلسي ـ : «وقوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) (١). أي من عرفة ، لا من المزدلفة ، والخطاب مع قريش لما كانوا يقفون بالجمع ، وساير الناس بعرفه ، ويرون ذلك ترفعا عليهم ، فأمروا بأن يساووهم.

إلى أن قال : والمعنى أن الإضافة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه» (٢).

وبذلك يكون الله تعالى ، ورسوله قد بينا بصورة عملية أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

أحرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد :

تقدم في صحيح الحلبي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قاد راحلته حتى أتى البيداء ، فأحرم منها.

قال العلامة المجلسي : «لعل المراد بالإحرام هنا عقد الإحرام بالتلبية ،

__________________

(١) الآية ٩٥ من سورة آل عمران.

(٢) راجع : مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٤ وتفسير البيضاوي (ط دار الفكر) ج ١ ص ٤٨٧ وتفسير أبي السعود ج ١ ص ٢٠٩.


أو إظهار الإحرام وإعلامه ، لئلا ينافي الأخبار المستفيضة الدالة على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أحرم من مسجد الشجرة» (١).

ساق مائة بدنة :

وذكرت صحيحة الحلبي أيضا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ساق مائة بدنة.

والمراد ـ كما ذكره العلامة المجلسي أيضا ـ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ساق مائة ، لكن ساق بضعا وستين لنفسه ، والباقي لأمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، لعلمه بأنه «عليه‌السلام» يحرم كإحرامه ، ويهل كإهلاله الخ .. (٢).

أو المراد : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو وعلي «عليه‌السلام» قد ساقا مائة بدنة ، فنسب ما جاء به علي «عليه‌السلام» إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأنه أخوه ، ولأنه أهلّ بما أهلّ به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» واشتركا في مجموع المائة.

يتمنى القرشيون قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال الفيض الكاشاني «رحمه‌الله» تعليقا على الرواية الأخيرة : «كأن قريشا كنوا بما قالوا عن قدرة معمر على قتل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتمنوا أن لو كانوا مكانه ، فقتلوه. وربما يوجد في بعض نسخ الكافي :

«أذى» بدل «أذن».

__________________

(١) راجع : مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٦.

(٢) راجع : مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٦.


والمعنى حينئذ : أن ما يوجب الأذى من شعر الرأس وشعثه منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في يدك ، كأنه تعيير منهم إياه بهذا الفعل في حسبه ونسبه ، وهذا أوفق للجواب من الأول» (١).

حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قران!! أم تمتع؟! :

لقد كان حج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع حج قران لا حج تمتع ولا إفراد .. وقد تحير أتباع غير أهل البيت «عليهم‌السلام» في هذا الأمر ، واختلفوا فيه ..

ونحن نذكر ما قالوه مستفيدين من عبارة الصالحي الشامي أكثر من غيره ، ثم نناقش أو نبين بعض ما قالوه وفق ما يتيسر لنا ، فنقول :

قالوا : وساق هديه مع نفسه ، ودعا ببدنته ، وفي رواية : بناقته فأشعرها في صفحة سنامها من الشق الأيمن ، ثم سلت الدم عنها ، وقلدها نعلين ، وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غيره ، وكان معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هدي كثير.

قال ابن سعد : وكان على هديه ناجية بن جندب الأسلمي ، وكان جميع الهدي الذي ساقه من المدينة (٢).

«فلما صلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الصبح أخذ في الإحرام ، فاغتسل غسلا ثانيا ، غير الغسل الأول ، وغسل رأسه بخطمي وأشنان ،

__________________

(١) راجع : مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٩ وهامش كتاب الكافي ج ٤ ص ٢٥١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥١ و ٤٥٢ وراجع : الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٢٤.


ودهن رأسه بشيء من زيت غير كثير» (١).

وعن ابن عمر قال : «كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يدّهن بالزيت ـ وهو محرم ـ غير المقتت» (٢).

وفي حديث أبي أيوب عند الشيخين : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غسله حزك رأسه (أي ضغطه) بيديه جميعا ، فأقبل بهما وأدبر ، وطيبته بذريرة وطيب فيه مسك (٣) ، وبالغالية الجيدة ـ كما رواه الدارقطني ، والبيهقي ـ في بدنه ورأسه حتى كان وبيص المسك يرى من مفارقه ، ولحيته الشريفة «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤). ثم استدامه ، ولم يغسله.

وعن عائشة قالت : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد أيام وهو محرم (٥).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٢ عن أحمد ، والبزار ، والطبراني ، والدراقطني عن عائشة ، وفي هامشه عن : مسند أحمد ج ٦ ص ٧٨ والبزار كما في الكشف ج ٢ ص ١١ (١٠٨٥) والدارقطني ج ٢ ص ٢٢٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٢ عن الترمذي ، وابن ماجة وفي هامشه عن : الترمذي ج ٣ ص ٢٩٤ (٩٦٢) وابن ماجة ج ٢ ص ١٠٣٠ (٣٠٨٣) وضعفه البوصيري في الزوائد ، وراجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٢٥ و ٥٩ وعمدة القاري ج ٩ ص ١٥٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٤ ص ٤٣٩.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٢ عن البخاري ، ومسلم وفي هامشه عن : البخاري ج ١٠ ص ٣٨٤ (٥٩٣٠) ومسلم ج ٢ ص ١٤٧ (٣٥ / ١١٨٩) والدارقطني ج ٢ ص ٢٢٢ والبيهقي ج ٥ ص ٣٥.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٢ وفي هامشه عن : البيهقي ج ٥ ص ٣٤.

(٥) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٢ و ٤٥٣ عن الحميدي ، وأحمد ، وأشار في


وقالوا أيضا :

ولما كان بسرف قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأصحابه : «من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا».

قال ابن القيم : وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات ، فلما كان بمكة ، أمر أمرا حتما من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ، ويحل من إحرامه ، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه ، ولم ينسخ ذلك شيء البتة.

وقد روي عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة ، وأحاديثهم صحاح ، وسرد أسماءهم (١).

ولم يحل هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أجل هديه ، فحل الناس كلهم إلا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومن كان معه هدي ، ومنهم أبو بكر وعمر ،

__________________

هامشه إلى : مسند أحمد ج ٦ ص ١٢٤ (و ١٠٩ و ١٢٨ و ١٣٠ و ١٧٥ و ١٨٦ و ٢١٢ و ٢٤٥ و ٢٥٠ و ٢٥٤ و ٢٥٦ و ٢٨٠) وهو عند البخاري ج ٣ ص ٤٦٣ (١٥٣٨) ومسلم (٣٩ / ١١٩) وراجع : المجموع للنووي وج ٧ ص ٢١٥ وإعانة الطالبين ج ٢ ص ٣٥٠ ومغنى المحتاج ج ١ ص ٤٧٩ والبحر الرائق ج ٢ ص ٥٦٢ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ٨٦ وتلخيص الحبير ج ١ ص ١٩٣ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٣٣ و ٧٦ وفقه السنة ج ١ ص ٦٥٥ وصحيح البخاري ج ١ ص ٧٢ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١١ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٧٧ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٤٠ و ١٤١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٣٤ و ٣٥ وعمدة القاري ج ٣ ص ٢٢١ مسند أبي داود الطيالسي ص ١٩٧ و ١٩٨ و ١٩٩ ومسند ابن الجعد ص ٤٧ وغير ذلك من مصارد فراجع.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦١ وراجع : زاد المعاد ج ١ ص ٢٤٦.


وطلحة والزبير ، وقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة».

وهناك سأله سراقة بن مالك بن جشم ، وهو في أسفل الوادي ، لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة والإحلال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم للأبد؟

فشبك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصابعه واحدة في الأخرى ، فقال : «لا» ، ثلاث مرات.

ثم قال : «دخلت العمرة في الحج ـ مرتين أو ثلاثا ـ إلى الأبد» ، فحل الناس كلهم إلا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومن كان معه هدي (١).

وأمر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة ، رواه عنه خلائق من الصحابة.

وقد اختلفوا في ذلك ، فقال مالك ، والشافعي : كان ذلك من خصائص الصحابة ، ثم نسخ جواز الفسخ كغيرهم ، وتمسكوا بما رواه مسلم ، عن أبي ذر : لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا إلى أصحاب محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وأما أحمد فرد ذلك ، وجوّز الفسخ لغير الصحابة.

وهناك دعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا ، وللمقصرين مرة.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٦ و ٤٦٧.

(٢) البداية والنهاية ج ٥ ص ١٨٤ وج ٥ ص ١٨٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٣١ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٧.


فأما نساؤه فأحللن ، وكن قارنات إلا عائشة ، فإنها لم تحل من أجل تعذر الحل عليها بحيضتها ، وفاطمة حلت ، لأنها لم يكن معها هدي ، وعلي لم يحل من أجل هديه.

وأمر من أهل بإهلال كإهلاله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يقيم على إحرامه ، إن كان معه هدي ، وأن يحل من لم يكن معه هدي (١).

حج تمتع أو قران أو إفراد؟! :

قال الصالحي الشامي :

اختلف في ذلك على أربعة أقوال :

الأول : الإفراد بالحج.

روى الشافعي وأحمد ، والشيخان ، والنسائي عن عائشة.

وأحمد ، ومسلم ، وابن ماجة ، والبيهقي عن جابر بن عبد الله.

وأحمد ، ومسلم ، والبزار ، عن عبد الله بن عمر.

ومسلم ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن ابن عباس : «أنه ـ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهل بالحج مفردا» (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٧ عن الطبراني برجال ثقات ، وراجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٣٤٤ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٧٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٥ وقال في هامشه : حديث عائشة عند الشافعي في المسند ج ٦ ص ١٠٤ والبخاري ج ٣ ص ٤٩٢ (١٥٦٢) ومسلم ج ٢ ص ٨٧٥ (١٢٢ / ١٢١١) ومالك ج ١ ص ٣٣٥ (٣٧) والنسائي ج ٥ ص ١١٢ وأخرجه ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٨ (٢٩٦٦) وحديث جابر أخرجه مسلم (٢ / ٨٨١) ـ


الثاني : القران.

روى أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة والبيهقي عن عمر بن الخطاب.

وأحمد عن عثمان.

وأحمد والبخاري ، وابن حبان ، عن علي.

وأحمد ، والنسائي ، والشيخان ، والبزار ، والبيهقي ، عن أنس.

والترمذي ، وابن ماجة ، والبزار ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن جابر بن عبد الله.

وأحمد ، وابن ماجة ، عن أبي طلحة ، زيد بن سهل الأنصاري.

وأحمد ، عن سراقة بن مالك.

ومالك ، وأحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص.

والطبراني ، عن عبد الله بن أبي أوفى.

وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، عن ابن عباس.

وأحمد ومسلم ، والنسائي ، والدارقطني ، عن الهرماس بن زياد.

وأبو يعلى ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وأحمد ، والشيخان ، عن ابن عمرو.

__________________

حديث (١٣٦ / ١٢١٣). وراجع : المجموع للنووي ج ٧ ص ١٥٣ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٤٤ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٥٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٤ وشرح مسلم للنووي ج ٨ ص ٢١٦ وفتح الباري ج ٣ ص ٣٤٢ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٣٤٥ وتاريخ بغداد ج ١٠ ص ٢٩٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٤٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٤٠.


وأحمد ، عن عمران بن حصين.

والدارقطني ، عن أبي قتادة.

والترمذي ـ وحسنه ـ عن جابر بن عبد الله.

وأحمد ، عن حفصة.

والشيخان ، والبيهقي ، عن عائشة : «أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قارنا» (١).

الثالث : التمتع.

عن ابن عمر قال : تمتع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع بالعمرة ، إلى الحج ، وأهدى ، فساق الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج. الحديث (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٥ و ٤٥٦ وقال في هامشه : من حديث عمر : أحمد في المسند ج ١ ص ١٧٤ والبخاري من حديث عبد الله بن عمر ج ٣ ص ٦٤٠ (١٦٩١). ومن حديث عثمان : أحمد في المسند ج ١ ص ٥٧. ومن حديث علي : أحمد ج ١ ص ٥٧. ومن حديث جابر : الترمذي ج ٣ ص ١٧٠ وابن ماجة ج ٢ ص ٩٩٠. ومن حديث أبي طلحة : أحمد ج ٤ ص ٢٨. ومن حديث سراقة : أخرجه أحمد ج ٤ ص ٧٥. ومن حديث سعد : أحمد ج ١ ص ١٧٤ والسنائي ج ٥ ص ١١٨. ومن حديث ابن أبي أوفى البزار كما في الكشف ج ٢ ص ٢٧. ومن حديث ابن عباس أبو داود ج ٢ ص ١٥٩. ومن حديث الهرماس : أحمد ج ٣ ص ٤٨٥ ومن حديث عمران بن حصين : أحمد ج ٤ ص ٤٢٧. ومن حديث أبي قتادة : الدارقطني ج ٢ ص ٢٦١. ومن حديث حفصة : أحمد ج ٦ ص ٢٨٥. ومن حديث عائشة : البخاري ج ٣ ص ٦٣٠ حديث (١٦٩٢).

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٦ عن والبخارى ، ومسلم ، وأبي داود ،


وعن عائشة عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في تمتعه بالعمرة إلى الحج : وتمتع الناس معه (١).

وعن ابن عباس قال : «قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذه

__________________

والنسائي ، وقال في هامشه : هو عند أبي داود (١٨٠٥) والنسائي ج ٥ ص ١٧٩ وراجع : المجموع للنووي ج ٧ ص ١٥٤ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٥٦٥ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٥٨٠ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٦٢ وتلخيص الحبير ج ٧ ص ١١٣ و ١٦٥ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٤٢ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٣٩ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٨١ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٤٩ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٠٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٧ وشرح مسلم للنووي ج ٨ ص ٢٠٨ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٣١ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٤٨ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ١٤٢ وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج ٢ ص ١٦ ونصب الراية للزيلعي ج ٣ ص ١٩٩ و ٢١٤ و ٢١٨ و ٢١٩ تفسير البغوي ج ١ ص ١٦٧ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٢٤١ والدر المنثور ج ١ ص ٢١٦ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٣٦٥.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٦ عن أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وفي هامشه عن : البخاري ج ٣ ص ٦٣٠ (١٦٩٢) وراجع : المجموع للنووي ج ٧ ص ١٥٥ و ١٥٧ وتلخيص الحبير ج ٧ ص ١٦٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٤٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٨ و ٢٠ وفتح الباري ج ٣ ص ٤٣٣ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٣٤ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ١٤٢ و ١٩٩ ونصب الراية للزيلعي ج ٣ ص ٢١٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٤١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٤٣.


عمرة استمتعنا بها ، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحلّ كلّه ، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» (١).

وعن حفصة أنها قالت : يا رسول الله ، ما شأن الناس حلّوا بعمرة؟ ولم تحلل أنت من عمرتك؟

قال : «إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر» (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٦ عن مسلم ، وفي هامشه قال : أخرجه مسلم في الحج (٣٠٣) وأبو داود (١٧٩٠) وابن أبي شيبة ج ٤ ص ١٠٢ والدارمي ج ٢ ص ٥١ وأحمد ج ١ ص ٢٣٦ وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ١٤٤ و ١٤٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٤٩ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٣٦ و ٣٤١ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٥١ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٠٢ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٨١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٨ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٤٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٤ ص ٥٤٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٦٨ ونصب الراية للزيلعي ج ٣ ص ٢٠٥ والدراية لابن حجر ج ٢ ص ٣٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٦ عن البخاري ، وفي هامشه قال : أخرجه البخاري ج ٣ ص ٦٣٥ (١٦٩٧) وكتاب الأم للإمام الشافعي ج ٧ ص ٢٢٦ والمجموع لمحيي الدين النووي ج ٧ ص ١٨٠ و ٢٢١ وموطأ مالك ج ١ ص ٣٩٤ والجوهر النقي للمارديني ج ٥ ص ١٤ والبحر الرائق ج ٢ ص ٦٣٨ وج ٣ ص ٧ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٢٣٥ و ٣٠٣ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٢٣٥ و ٢٤٨ و ٤١٠ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٥٦٨ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٠٢ ونيل الأوطار للشوكاني ج ٥ ص ١٣٠ واختلاف الحديث للشافعي ص ٥٦٨ والمسند للشافعي ص ١٩٦ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٨٤ و ٢٨٥ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٥٢ و ١٨٢ و ١٨٨ وج ٥


وعن ابن عباس قال : «تمتع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأول من نهى عنه معاوية» (١).

__________________

ص ١٢٥ وج ٧ ص ٥٩ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٥٠ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٠١٣ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٠٦ سنن النسائي ج ٥ ص ١٣٦ و ١٧٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٢ و ١٣ و ١٣٤ وشرح مسلم للنووي ج ٨ ص ٢١١ و ٢١٢ و ٢٣٢ وفتح الباري ج ٣ ص ٤٥١ وج ١٠ ص ٣٠٤ وعمدة القاري ج ٩ ص ٢٠١ وج ١٠ ص ٣٨ و ٦٦ وج ١٨ ص ٣٧ وج ٢٢ ص ٥٥ وعون المعبود للعظيم آبادي ج ٥ ص ١٦٨ السنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٣٧ و ٣٦١ ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ٤٧٧ و ٤٨١ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ١٤٤ و ١٩٦ والمعجم الكبير للطبراني ج ٢٣ ص ١٩٠ و ١٩١ و ٢١١ و ٢١٥ ومسند الشاميين للطبراني ج ١ ص ٤١٣ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٣ ص ٥١٤ و ٥١٧ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٠١ و ٣٠٣ و ٣٦٤ والتمهيد لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٠٨ وج ١٥ ص ٢٩٧ و ٣٠٢ و ٣٠٣ وأحكام القرآن لابن العربي ج ١ ص ١٨١ و ١٨٣ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٢٣٩ وأضواء البيان الشنقيطي ج ٤ ص ٣٦٧ و ٣٦٩ و ٣٧٠ و ٣٧١ وج ٥ ص ١٤٩ و ١٥١ و ١٧١ و ١٧٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٥ وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٣٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٢٧ و ٢٤٣ و ٢٧١ و ٢٧٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٦.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ عن أحمد ، والترمذي ، وفي هامشه عن : أحمد ج ١ ص ٣١٣ والترمذي ج ٣ ص ٨٥ (٨٢٢) ، وراجع : شرح الأخبار ج ٢ ص ٥٣٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٢٢٤ وسنن الترمذي ج ٢ ص ١٦٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٣٣٩ وكنز العمال ج ٥ ص ١٦٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص ١٢٢.


وعن ابن عباس ، عن معاوية قال : «قصرت عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمشقص» ، زاد مسلم ، فقلت : «لا أعلم هذه إلا حجة عليك» (١).

وعن عطاء ، عن معاوية قال : «أخذت من أطراف شعر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمشقص كان معي ، بعد ما طاف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، في أيام العشر» (٢).

قال قيس بن سعد الراوي ، عن عطاء : «والناس ينكرون هذا على معاوية» (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ عن البخاري ، ومسلم ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٣ ص ٦٥٦ (١٧٣٠) ومسلم في الحج باب (٢٠٩) وأبو داود (١٨٠٢) والنسائي ج ٥ ص ٢٤٤ وراجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ١٩٦ ومسند أحمد ج ٤ ص ٩٦ و ٩٨ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٨٩ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٥٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٠٥ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٤٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٠٢ وشرح مسلم للنووي ج ٨ ص ٢٣١ وفتح الباري ج ٣ ص ٤٥٠ و ٤٥٢ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٦٦ و ٦٧ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٢٧٥ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤١٦ والمعجم الكبير ج ١٩ ص ٣٠٩ ونصب الراية ج ٣ ص ٢١٦ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٣٦٩ و ٣٧١ وج ٥ ص ١٨٣ وعلل الدارقطني ج ٧ ص ٥١ و ٥٢ والإصابة ج ٦ ص ١٢٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٢٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٩٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ وفي هامشه عن : النسائي ج ٥ ص ١٩٧ وراجع : سنن النسائي ج ٥ ص ٢٤٥ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤١٦.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ ونيل الأوطار ج ٥ ص ١٣١ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٤٥ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤١٦.


وروى البخاري عن ابن عمر قال : «اعتمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل أن يحج» (١).

الرابع : الإطلاق.

عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا نذكر حجا ولا عمرة ، وفي لفظ : «نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة» ، وفي لفظ : «خرجنا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا نرى إلا الحج. حتى إذا دنونا من مكة ، أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من لم يكن معه هدى إذا طاف بين الصفا والمروة ، أن يحل» (٢).

وفي نص آخر : «خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ، ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء بين الصفا

__________________

(١) كتاب موطأ لمالك ج ١ ص ٣٤٣ ومسند أحمد ج ٢ ص ٤٧ وج ٤ ٢٩٧ وصحيح البخاري ج ٢ ١٩٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٤٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ٣٥٤ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٧٩ وفتح الباري ج ٣ ص ٤٧٧ وعمدة القاري ج ١٠ ص ١١٠ وعون المعبود ج ٥ ص ٣١٩ ومسند الشاميين للطبراني ج ٤ ص ١٣٦ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٩٠ و ٩١ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٠ ص ١٣ وج ٢٤ ص ٤١١ والكافي لابن عبد البر ص ١٣٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ عن البخاري ، ومسلم ، وفي هامشه عن : البخاري ج ٣ ص ٤٩٢ (١٥٦١) وراجع : البحار ج ٣٠ ص ٦١٠ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٤٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٥ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٤٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٢٧ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٠٢ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٥ ص ١٤٩.


والمروة ، فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ..» (١) الحديث.

فهذه أربعة أقوال : الإفراد ، والقران ، والتمتع ، والإطلاق ، ورجحا أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قارنا ، ورجحه المحب الطبري ، والحافظ ، وغيرهم.

قال : أهلّ في مصلاه ، ثم ركب ناقته ، فأهل أيضا ، ثم أهلّ لما استقلت به على البيداء ، وكان يهلّ بالحج والعمرة تارة ، وبالعمرة تارة ، وبالحج تارة ، لأن العمرة جزء منه ، فمن ثم قيل : قرن. وقيل : تمتع ، وقيل : أفرد ، وكل ذلك وقع بعد صلاة الظهر ، خلافا لابن حزم ، وصاحب الاطلاع.

قال النووي ، والحافظ : وطريق الجمع بين الأحاديث ، وهو الصحيح : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان أولا مفردا بالحج ، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك ، وأدخلها على الحج فصار : قارنا ، فمن روى الإفراد هو الأصل ، ومن روى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ عن الشافعي ، وقال في هامشه : عن مسند الشافعي ج ١ ص ٣٧٢ (٩٦٠). وراجع : تذكرة الفقهاء (ط. ج) ج ٧ ص ٢٣٣ ومنتهى المطلب (ط. ق) الحلي ٢ ص ٦٧٥ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٥ ص ٢٥٦ و (ط. ق) ج ١ ص ٣١٣ وجواهر الكلام ج ١٨ ص ٢٠٣ وكتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ١٣٩ والمجموع للنووي ج ٧ ص ١٦٦ وتلخيص الحبير ج ٧ ص ١١١ واختلاف الحديث للشافعي ص ٥٦٧ و ٥٦٨ وكتاب المسند للشافعي ص ١١١ و ١٩٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٣٣٩ وج ٥ ص ٦ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٣ ص ٤٨٨ و ٥١٣ و ٥١٦ و ٥٥٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٦٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٨٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١١.


القران اعتمد آخر الأمر ، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي ، وهو الانتفاع والإرتفاق (١).

ترجيحات لحج القران :

وذكروا ترجيحات لقول من رأى أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قارنا :

وذلك من وجوه ، كما قال في زاد الميعاد.

الأول : أنهم أكثر.

الثاني : أن طريق الإخبار بذلك تنوعت.

الثالث : أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صريحا ، وفيهم من أخبر عن نفسه بأنه فعل ذلك ، ومنهم من أخبر عن أمر ربه بذلك ، ولم يجئ شيء من ذلك في الإفراد.

الرابع : تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربعا ، وأوضح ذلك ابن كثير بأنهم اتفقوا على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اعتمر عام حجة الوداع ، فلم يتحلل بين النسكين ، ولا أنشأ إحراما آخر للحج ، ولا اعتمر بعد الحج ، فلزم القران ، قال : وهذا مما يفسر الجواب عنه انتهى (٢).

الخامس : أنها صريحة لا تحتمل التأويل ، بخلاف روايات الإفراد ، كما سيأتي.

السادس : أنها متضمنة زيادة سكت عنها من روى الإفراد ، أو نفاها ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٧ و ٤٥٨ وتنوير الحوالك ص ٣١٧ وشرح مسلم للنووي ج ٨ ص ١٣٥ والديباج على مسلم ج ٣ ص ٣٠٠.

(٢) البداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٧ و ١٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٧٥.


والذاكر والزائد مقدم على الساكت ، والمثبت مقدم على النافي.

السابع : روى الإفراد أربعة : عائشة ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عباس ، وغيرهم رووا القران ، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض ، وإن صرنا إلى الترجيح وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ولا اختلفت ، كعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأنس ، والبراء ، وعمران بن حصين ، وأبي طلحة ، وسراقة بن مالك ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وهرماس بن زياد.

الثامن : أنه النسك الذي أمر به من ربه ، كما تقدم فلم يكن ليعدل عنه.

التاسع : أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي ، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي ، ثم يسوق هو الهدي ويخالفه.

العاشر : أنه النسك الذي أمر به له ولأهل بيته ، واختاره لهم ، ولم يكن يختار لهم إلا ما اختار لنفسه.

الحادي عشر : قوله : «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» ، يقتضي أنها صارت جزءا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينه وبينه ، وإنما يكون كالداخل في الشيء معه.

الثاني عشر : قول عمر : للصبي بن معبد ـ وقد أهل بحج وعمرة ـ فأنكر عليه زيد بن صوحان ، وسلمان بن ربيعة ، فقال له عمر : هديت لسنة نبيك «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهذا يوافق رواية عمر : أنه الوحي جاء من الله بالإهلال بهما جميعا ، فدلّ على أن القران سنة التي فعلها ، وامتثل أمر الله تعالى بها.

قال ابن كثير : والجمع بين رواية من روى أنه أفرد الحج ، وبين رواية


من روى القران ، أنه أفرد أفعال الحج ، ودخلت فيه العمرة نية وفعلا وقولا ، واكتفى بطواف الحج وسعيه عنه وعنها ، كما في مذهب الجمهور في القارن خلافا لأبي حنيفة.

وأما من روى التمتع وصح عنه أنه روى القران ، فالتمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص ، والأوائل يطلقونه على الإعتمار في أشهر الحج ، وإن لم يكن معه حج.

قال سعد بن أبي وقاص : تمتعنا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإنما يريد بهذا إحدى العمرتين المتقدمتين : إما الحديبية ، وإما القضاء ، فأما عمرة الجعرانة ، فإنها كانت بعد الفتح ، وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر.

وأما حديث ابن عمر وعائشة السابقان ، فقد رويا التمتع ، فهو مشكل على الأقوال ، أما قول الإفراد ففي هذا إثبات عمرة إما قبل الحج أو معه ، وأما على قول التمتع الخاص ، فإنه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعدما طاف بالصفا والمروة ، وليس هذا شأن المتمتع (١).

__________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ١٥٧ و ١٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٧٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٦ و ٤٨٧ عنه.



الفصل الرابع :

قبل أن يسير صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عرفات (بروايتهم)



طواف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستلام الركن والحجر :

وكان طوافه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالبيت في حجة الوداع ماشيا ، فقد روي عن جابر بن عبد الله أنه قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باب المسجد ، فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد ، فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا حتى فرغ ، قبّل الحجر ، ووضع يديه عليه ، ومسح بهما وجهه» (١).

هل طاف ماشيا؟! :

ولكن وفي مقابل ما ذكرناه آنفا هناك نصوص تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طاف راكبا لا ماشيا ، فقد روي عن عائشة أنها قالت : «طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على بعيره ، يستلم الركن ، كراهة أن يضرب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن البيهقي ، وابن كثير ، وفي هامشه عن : البيهقي ج ٥ ص ٧٤ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٢ و ٢٢٩ والدرر لابن عبد البر ص ٢٦١ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٤.


عنه الناس» (١).

وعن ابن عباس قال : «قدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة يشتكي ، فطاف على راحلته ، وكلما أتى الركن استلم بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين (٢).

وعن ابن عباس وأبي الطفيل وجابر وغيرهم : «طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن» (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن مسلم والمجموع للنووي ج ٨ ص ٢٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن أبي داود ، وفي هامشه عن : أبي داود ج ٢ ص ١٧٧ (١٨٨١).

(٣) راجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ٢٦ وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج ٢ ص ١٤٦ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٤١٥ والشرح الكبير لابن قدامة ج ١ ص ٤٢٢ وج ٣ ص ٣٩٤ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٨٠ ونيل الأوطار للشوكاني ج ٥ ص ١١٤ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٦٢ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٦٧ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن البيهقي ج ٥ ص ١٠٠ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤١٩ وسنن النسائي ج ٢ ص ٤٧ وج ٥ ص ٢٣٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٩٩ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٨ وعمدة القاري ج ٩ ص ٢٥٢ وج ٢٠ ص ١٥٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ١ ص ٢٦٢ وج ٢ ص ٤٠١ والمنتقى من السنن المسندة ص ١٢١ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٤ ص ٨٦ ونصب الراية ج ٣ ص ١١٨ و ١١٩ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ١٤ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٧٠ وكنز العمال ج ٥ ص ١٧٩ وأضواء البيان للشنقيطي ٤ ص ٤٠٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٨ ص ٩٧ وج ٣١ ص ٥١ وتهذيب الكمال للمزي ج ١٩ ص ٧٠.


زاد في نص آخر قوله : «ويقبل المحجن» (١).

قال : طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء ، وعبد الله بن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز

وقد أجابوا عن هذه الأحاديث : بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما يقول ابن كثير : كان له في حجة الوداع ثلاثة أطواف ، هذا الأول.

والثاني : طواف الإفاضة ، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر.

والثالث : طواف الوداع.

فلعل ركوبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان في أحد الأخيرين ، أو في كليهما.

فأما الأول : وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه ، وقد نص على هذا الشافعي.

والدليل على ذلك : ما رواه البيهقي بإسناد جيد ، عن جابر قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ ، فلما فرغ قبّل الحجر ، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه (٢).

__________________

(١) التبرك للأحمدي ص ٣٨٤ عن المصادر التالية : صحيح مسلم ج ٢ ص ٨٩٣ و ٩٢٤ و ٩٢٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٤٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٩٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٣ ومسند الإمام الشافعي (هامش كتاب الأم) ج ٦ ص ٢٧٢ / ١٤٩ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٢ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٧٦ والمصنف للصنعاني ج ١٥ ص ٤١ بسندين.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ و ٤٦٣ عن البيهقي ، والمستدرك للحاكم ج ١


قال ابن القيم : وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه : الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم. فلما حاذى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحجر الأول استلمه ، ولم يزاحم عليه قلت : وقال لعمر : «يا عمر ، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر ، تؤذي الضعيف ، إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر (١).

وثبت عنه : أنه استلم الركن اليماني ، ولم يثبت عنه أنه قبّله ، ولا قبل يده حين استلامه.

وقول ابن عباس : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبل الركن

__________________

ص ٤٥٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٥ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٧.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٣ وفي هامشه عن : أحمد ج ١ ص ٢٨ ، وسبل السلام ج ٢ ص ٢٠٦ ونيل الأوطار ج ٥ ص ١١٤ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٨٠ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٣ ص ٢٤١ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ٢٨ وعون المعبود ج ٥ ص ٢٣٤ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ١٧٨ ونصب الراية ج ٣ ص ١١٥ و ١١٧ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ١٣ وكنز العمال ج ٥ ص ٥٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٦.


اليماني ، ويضع خده عليه (١).

قال ابن القيم : «المراد بالركن اليماني هاهنا الحجر الأسود ، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما : اليمانيان.

ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب : العراقيان.

ويقال للركنين اللذين يليان الحجر : الشاميان.

ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة : الغربيان.

ولكن ثبت عنه : أنه قبّل الحجر الأسود ، وثبت عنه أنه استلمه بيده ، فوضع يده عليه ثم قبلها.

وثبت عنه : أنه استلمه بمحجنه ، فهذه ثلاث صفات.

وروي عنه : أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي (٢).

وعن عمر بن الخطاب : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل الركن ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثلاث مرات ، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤ عن الدارقطني ، والوفاء لابن الجوزي ج ٢ ص ٥٢٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٢٦ وراجع : نيل الأوطار ج ٥ ص ١١٥ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٢١٥ وسنن الدارقطني ج ٢ ص ٢٥٤ وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج ٢ ص ٣٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤ عن ابن القيم.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤ عن الطيالسي والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٥٢١ والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٥٢١.


وعن جعفر بن عبد الله قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال : رأيت خالك ابن عباس يقبله ويسجد عليه ، وقال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فعل هكذا ، ففعلت (١).

وعن ابن عباس : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسجد على الحجر (٢).

ونص آخر يقول : استقبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحجر ، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا (٣).

__________________

(١) راجع : التبرك للأحمدي ص ٣٨٣ عن المصادر التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٥٣ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٥ والنسائي ج ٥ ص ٢٢٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٤ ومنحة المعبود ج ١ ص ٢١٥ والبيان لآية الله الخوئي قسم التعليقات ص ٥٥٨ المرقم ١٣ وراجع : المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧ والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٥٢١.

(٢) السنن الكبرى ج ٥ ص ٧٥ وراجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ٣٣.

(٣) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٢ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٤٥٤ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٣٨٤ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٣٨٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٢ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٤ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٢٤ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٢ والعهود المحمدية للشعراني ص ٢٢٤ وفيض القدير ج ٦ ص ٤٥٦ وكشف الخفاء للعجلوني ج ٢ ص ٣٣٤ والدر المنثور ج ١ ص ١٣٥ وكتاب المجروحين لابن حبان ج ٢ ص ٢٧٢ وتهذيب الكمال ج ٢٦ ص ٢٤٢ وميزان الاعتدال للذهبي ج ٣ ص ٦٧٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٧٣ ولسان العرب ج ١٢ ص ٢٩٨.


وعن نافع قال : رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفعله (١).

وكان جابر وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عباس يفعلون ذلك أيضا (٢).

وثمة مصادر أخرى ذكرت استلام أركان البيت ، وتقبيل الحجر عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعن الصحابة ، وعن أئمة أهل البيت «عليهم‌السلام» (٣).

__________________

(١) السنن الكبرى ج ٥ ص ٧٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٠٨ وعن صحيح مسلم ج ٢ ص ٩٢٤ وعن فتح الباري ج ٣ ص ٣٧٨ و ٣٨٠ و ٣٨١.

(٢) راجع : التبرك للأحمدي ص ٣٨٤ عن المصادر التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٥ وكتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ١٤٦ وفتح الباري ج ٣ ص ٣٧٨ والترمذي ج ٣ ص ٢١٥ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٣٨ وفيه : «أنه ـ يعني ابن عباس ـ كان عند الحجر وعنده محجن يضرب به الحجر فيقبله».

(٣) راجع : كتاب التبرك للأحمدي ص ٣٨٥ عن المصادر التالية : البداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٣ ـ ١٥٥ والوفاء لابن الجوزي ج ٢ ص ٥٢٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ١٥٣ والوسائل ج ٩ ص ٤٠٢ ـ ٤١٣ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٨ و ١٤٩ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٤٥٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٦ ومسلم ج ٢ ص ٩٢٤ وما بعدها ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٧ ـ ٩٨٣ والبخاري ج ٢ ص ١٨٣ وما بعدها ، وفتح الباري عن شرحه للأحاديث ، ومسند الشافعي (هامش كتاب الأم) ج ٦ ص ١٤٦ والترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٥٢ وكتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ١٤٥ وما بعدها ، والنسائي ج ٥ ص ٢٦٦ و ٤٣١ و ٢٦٢ و ٢٣٣ و ٢٢٨ والترمذي ج ٣ ص ٢٩٢ و ٢١٤ وما ـ


قالوا : وروى الشيخان ، عن ابن عباس قال : طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه.

قال ابن القيم : وهذا الطواف ليس بطواف الوداع ، فإنه كان ليلا ، وليس بطواف القدوم ، لوجهين :

أحدهما : أنه قد صح عنه : أن الرمل في طواف القدوم. ولم يقل أحد قط رملت به راحلته ، وإنما قالوا رمل نفسه.

والثاني : قول عمرو بن الشريد : أفضت مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعا ، وهذا ظاهره : أنه من حين أفاض معه ، ما مست قدماه الأرض إلى أن رجع (١).

فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام ، فقرأ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (٢). فصلى ركعتين ، والمقام بينه وبين البيت (٣).

ونقول :

إننا نسجل حول النصوص المتقدمة بعض الإيضاحات ، أو التحفظات على النحو التالي :

__________________

بعدها ، وأبي داود ج ٢ ص ١٧٥ و ١٧٦ و ١٨١ والدارمي ج ٢ ص ٤٢ و ٤٦ ومسند أحمد ج ١ ص ٢١٣ و ٢١٧ و ٢٣٧ و ٢٦٧ و ٢٩١ وج ٣ ص ٤٣٠ والبيان للسيد الخوئي ص ٥٥٨ وكنز العمال ج ٥ ص ٩١ و ٩٥ والغدير ج ٦ ص ١٠٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٢٩ و ٤٠ و ٤١ و ٤٣ و ٧١.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٠.

(٢) الآية ٨١ من سورة مريم.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤.


السعي والطواف راكبا :

وقد تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طاف راكبا.

وعن الإمام الصادق «عليه‌السلام» أنه قال : طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان بمحجنه ، ويقبل المحجن (١).

وعن الإمام الباقر ، عن أبيه «عليهما‌السلام» : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طاف على راحلته ، واستلم الحجر بمحجنه ، وسعى عليها بين الصفا والمروة (٢).

وفي نص آخر : أنه كان يقبل الحجر بالمحجن (٣).

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٣٠ وراجع : مجمع الفائدة ج ٧ ص ١٠٠ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٩ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ٨٣ والكافي ج ٤ ص ٤٢٩ والوسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٤٤١ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٩٢ والبحار ج ٢١ ص ٤٠٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٥ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ١٩٧ وج ٦ ص ٥٩٦ وج ٨ ص ٣٩٤ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ٣١٣.

(٢) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٤٤٢ وج ١٣ ص ٤٩٧ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٩٢ و ٥٣٣ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤٠٢ والحدائق الناضرة ١٦ ص ١٢٩ و ٢٧٠ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ٧٠ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٢٨٩ ومستدرك الوسائل ج ٩ ص ٤٢٠ و ٤٥٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٥ والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٧٦.

(٣) وسائل الشيعة ج ٩ ص ٤٩٢ عن من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤٠٢ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣٠٧.


سؤال .. وجوابه :

غير أن من الواضح : أن الأفضل هو الطواف والسعي ماشيا.

فعن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا؟!

قال : لا بأس ، والمشي أفضل (١).

ونحن نعلم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : ابن سمية (أو عمار) ما عرض عليه أمران قط إلا اختار الأرشد منهما (أو أرشدهما) (٢) فإن كان هذا حال عمار فكيف بالنبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

فركوبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الناقة مع كون المشي أفضل لا بد له من سبب موجب.

وقد وجدنا بعض النصوص المتقدمة عن ابن عباس تصرح : بأن السبب في ذلك هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قدم مكة يشتكي.

ورواية عائشة المتقدمة تقول : إنه طاف راكبا كراهة أن يضرب عنه الناس.

غير أننا نعلم : أن المقصود إن كان هو إضرب الناس عن استلام الركن لو لم يستلمه بالمحجن ، فيكفي لتلافي هذه السلبية أن يصدر لهم أمره

__________________

(١) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٤٩٦ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٥٣٢ عن التهذيب ج ٥ ص ١٥٥ والكافي ج ٤ ص ٤٣٧ وراجع : المقنعة ص ٧١ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤١٦ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ١٧١.

(٢) راجع المصادر في الهوامش المتقدمة.


باستلامه ، وأن يبادر هو إلى استلامه حين يطوف ماشيا بعد ذلك ..

وإن كان المقصود هو أن الناس حين يطوفون مشاة يزدحمون على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيضربون ليتفرقوا عنه ، فالجواب هو : أن أحدا لم يكن ليتجرأ على ضرب أحد بمحضر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكان يكفي أن يأمر الناس بأمره ليلتزموا به ، خصوصا إذا كان ذلك بمحضره ..

فقول ابن عباس : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يشتكي هو الأولى والأقرب ، إن لم نقل : إنه الأصح والأصوب.

متى طاف راكبا؟! :

وملاحظة النصوص المختلفة تعطي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يطف راكبا ، بل طاف ماشيا واستلم الحجر ، وسجد عليه ، ومسحه بيده ومسح بها وجهه إلى آخر ما تقدم ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون قد طاف راكبا كما ورد في عمرة القضاء ، وربما تكرر ذلك منه ، في عمرة له في بعض طوافاته الأخرى التي طافها في حجة الوداع ، ومنها : طواف الحج وطواف النساء ، وربما العديد من الطوافات المستحبة .. حيث كان مرضه يمنعه من الطواف ماشيا.

إنك حجر لا تضر ولا تنفع :

وقد رووا : أن عمر بن الخطاب استند في تقبيله الحجر الأسود إلى فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالوا : لما دخل عمر المطاف قام عند الحجر ، فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبلك ما قبلتك.


فقال له علي «عليه‌السلام» : بلى يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع.

قال : ولم؟!

قلت : ذاك بكتاب الله.

قال : وأين من كتاب الله؟!

قلت : قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ..) (١) الآية. وكتب ذلك في رق .. فألقمه ذلك الرق ، وجعله في هذا الموضع.

فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن (٢).

وكلام عمر عن أنه يعلم أنه حجر لا يضر ولا ينفع ، ولو لم ير رسول

__________________

(١) الآية ١٧٢ من سورة الأعراف.

(٢) راجع : الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان ج ٩ ص ١٣٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٠٠ وكنز العمال ج ٥ ص ١٧٧ والتبرك ص ٣٨٢ عن المصادر التالية : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٨٨ والوسائل ج ٩ ص ٤٠٦ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٨ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٧ وتلخيص الذهبي (بهامش المستدرك) ، والبحار ج ٩٩ ص ٢١٦ وما بعدها ، وص ٢٢٨ وفتح الباري ج ٣ ص ٣٧٠ والدر المنثور ج ٣ ص ١٤٤ عن فضائل مكة ، والمطولات ، والحاكم ، والبيهقي ، وشعب الإيمان ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص ١٠٦ والأزرقي في تاريخ مكة ، وإرشاد الساري للقسطلاني ج ٣ ص ١٩٥ وعمدة القاري ج ٤ ص ٦٠٦ والجامع الكبير للسيوطي كما في ترتيبه ج ٣ ص ٣٥ وابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٢٢ والفتوحات الإسلامية لدحلان ج ٢ ص ٤٨٦ وشرح السيوطي للنسائي (في هامشه) ج ٥ ص ٢٢٨ وكنز العمال ج ٥ ص ٩٣ والغدير ج ٦ ص ١٠٣ عن الحاكم ، وعن مصادر جمة.


الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبله لما قبله مذكور في مصادر كثيرة فراجع (١).

ولعل هذا الموقف العمري ، بالإضافة إلى أمره بقطع الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها ، وكان المسلمون يقصدونها للتبرك بها والصلاة عندها ، وتوعد من يعود للصلاة عندها بالقتل (٢) ، هما الأصل في النزعة التي ظهرت في المسلمين ، والتي تقضي بالمنع من التبرك بآثار الأنبياء والصالحين.

لماذا هذا الموقف من عمر؟! :

والذي نظنه : أن عمر بن الخطاب أراد أن يظهر شدة رفضه لعبادة الأصنام بهذه الطريقة وأنه يمتاز عن غيره بهذا التشدد في كل ما يشير إلى

__________________

(١) التبرك للعلامة الأحمدي «رحمه‌الله» ص ٣٨٢ و ٣٨١ عن المصادر التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٩٢٥ و ٩٢٦ والنسائي ج ٥ ص ٢٢٧ والترمذي ج ٣ ص ٢١٤ ومسند أحمد ج ١ ص ١٦ و ٢١ و ٢٦ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ و ٣٩ و ٤٦ و ٥١ و ٥٣ و ٥٤ والبخاري ج ٢ ص ١٨٣ و ١٨٥ و ١٨٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٣ و ١٥٤ بأسانيد متعددة ، وفتح الباري ج ٣ ص ٣٦٩ بأسانيد متعددة عن عابس وغيره ، وكنز العمال ج ٥ ص ٩١ و ٩٢ والموطأ ج ١ ص ٣٣٤ وأبي داود ج ٢ ص ١٧٥ وابن ماجة ج ٢ ص ٩٨١ والدارمي ج ٢ ص ٥٣ ومنحة المعبود ج ١ ص ٢١٥ و ٢١٦.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٠١ وج ١ ص ١٧٨ وراجع : الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٠٠ وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الحوزي ص ١١٥ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٢٢٠ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ وفتح القدير ج ٥ ص ٥٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٤٤٨ وعن إرشاد الساري ج ٩ ص ٢٣١ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٢٦٩.


تقديس الأحجار ، حتى لو كان هو الحجر الأسود. فهو مغرق في التوحيد ، حتى إنه ليتجاوز فيه ويفوق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه.

عمر يخطّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ولكن إغراق عمر في التوحيد والإنقطاع إلى الله ، يتضمن التعريض بغيره ، والإتهام لهم بمن فيهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بأنهم مقصرون في هذا الأمر ، بل إن شائبة عبادة الأحجار والأوثان لا تزال تظهر فيهم ..

نعم .. لقد تضمن كلام عمر عن الحجر الأسود ، وأنه لا يضر ولا ينفع تسفيها لفعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإفراغا له من محتواه ، بل فيه اتهام للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في دينه ، وفي صحة توحيده ، فإنه ومن معه لا يقدسون حجرا هو الحجر الأسود وحسب ، بل يرونه معبودا ولذلك قال له عمر : إني لأعلم أنك حجر ـ المشعر بأن غيره لا يراه حجرا .. لأنه يرى له من القدر ما يرفعه عن مستوى الحجرية ، ويجعله وثنا يعبد.

بل إن قوله : إنه يعلم أنه حجر لا يضر ولا ينفع ، ولو لا التأسي برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما قبله. يثير سؤالا عن حكمة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وسلامة عقله ، وصحة تصرفاته ، إذ لا جدوى من تقبيل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحجر لا يضر ولا ينفع.

على أنه إما قبّله بأمر من الله ، أو من عند نفسه ، فإن كان بأمر من الله ، فهل يأمر الله تعالى بشىء عبثي؟! وإن كان من عند نفسه فذلك يمثل طعنا في رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». كما هو واضح ..


التبرك في أجلى مظاهره :

إن تقبيل المحجن وتقبيل اليد بعد استلام الحجر أو الركن بهما ، وكذلك وضع اليد على الحجر ، ثم مسح الوجه بها ، لهو من أجلى مظاهر التبرك ، وأقواها دلالة ، إذ هو لا يتبرك بملامسة الشيء المبارك ، بل يتبرك بما لامسه أيضا ، ولو كان محجنا.

سجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحجر :

ويذكرنا سجود النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الحجر بما يرمى به الشيعة من قبل أهل السنة ، حين يرونهم يسجدون على التربة الحسينية ويقبلونها ، فيتهمونهم بأنهم يعبدون الحجر.

وليت شعري هل يتهم هؤلاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا بأنه يعبد الحجر ، لأنه يسجد على الحجر الأسود ويقبله؟!.

وهل يمكن أن يقال : إن أهل السنة قد أخذوا هذه التهمة من عمر بن الخطاب حين لّمح في كلامه إلى أن الذين يقبلون الحجر ، ويسجدون عليه إنما يقبلون حجرا لا يضر ولا ينفع ، فهو بمثابة الوثن الذي يعبد؟!

فإن كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والصحابة لا يعبدون الحجر الأسود حين يسجدون عليه ويقبلونه ، فلماذا يعتبرون الشيعة عبّاد أحجار ، ولماذا لا يقلعون عن اتهامهم في دينهم ، وعن مضايقتهم ، وتوجيه أنواع الأذى والتجريح إليهم؟!.


الصلاة خلف مقام إبراهيم :

وقد صلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خلف مقام إبراهيم ، وقد قال تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (١) ، ومقام إبراهيم هو الموضع الذي في الأصل حجر أو صخرة كان يقف عليها إبراهيم وإسماعيل لما بنيا البيت ، وكان ملصقا بالكعبة أعزها الله تعالى ، ولكن العرب بعد إبراهيم وإسماعيل أخرجوه إلى مكانه اليوم.

ولما بعث الله محمدا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفتح الله له ألصقه بالبيت كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل ..

فلما ولي عمر أخره إلى موضعه اليوم ، وكان على عهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأبي بكر ملصقا بالبيت (٢).

فما هذا الولع في العودة إلى رسوم الجاهلية ، كما هي الحال هنا وفي رجوعهم في التاريخ الهجري إلى جعل شهر محرم هو أول السنة ، كما كان في الجاهلية ، بدلا من شهر ربيع الأول ، وكما في المنع من العمرة في أشهر الحج كما كانوا في الجاهلية .. وكما في منعهم من زواج المتعة ، الذي لم يكن في الجاهلية .. و .. و ..

__________________

(١) الآية ١٢٥ من سورة البقرة.

(٢) راجع : النص والإجتهاد ص ٢٧٨ وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٨٤ وتاريخ الخلفاء ص ١٣٧ والوسائل ج ٩ ص ٤٧٩ وعن شرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ١١٣ وعن تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٦٠ وعن حياة الحيوان مادة : الديك. والكافي ج ٨ ص ٥٨ ـ ٦٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٥٥ باب ٩ حديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ ومقدمة مرآة العقول ج ٢ ص ١٢٨.


ثم إنهم يرمون الناس كلهم بالشرك ، ويكفرونهم لمجرد تقبيلهم قبر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو سجودهم على تربة الحسين «عليه‌السلام» مع مبالغتهم في إظهار شدة تعلقهم بالتوحيد ، حتى ليخيل للناظر أنهم يكادون يرمون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالوثنية ، لأنه قبّل الحجر الأسود واستلم الأركان .. فما هذه المفارقات في تصرفاتهم وفي مواقفهم؟!

بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين استلام الحجر :

وعن بكاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين استلام الحجر الأسود نقول :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يبك خوفا من عقوبة على ذنب اقترفه ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نبي معصوم عن الخطأ ، مبرأ من الزلل ..

ولكنه بكاء الشوق إلى الله تعالى ، والفرح بالوفاء بالميثاق ، وبمصافحة أول ملك من الملائكة أقر بالميثاق. فأودعه الله تعالى مواثيق الخلائق (١) ..

بل في بعض الروايات عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : الحجر يمين الله ، فمن شاء صافحه لها (٢).

قال المجلسي : «وهذا القول مجاز ، والمراد : أن الحجر جهة من جهات القرب إلى الله تعالى ، فمن استلمه وباشره قرب من طاعته تعالى ، فكان

__________________

(١) البحار ج ٩٦ صباب فضل الحجر ، وعلة استلامه وراجع : من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ١٩٢ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٣١٨ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٠٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣١ وج ١١ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٢) المجازات النبوية ص ٤٤ والبحار ج ٩٦ ص ٢٢٨.


كاللاصق بها ، والمباشر لها ..» (١).

ابن أم مكتوم آخذ بزمام الناقة :

ولا نستطيع أن نؤيد صحة الخبر الذي يقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طاف على ناقته ، وابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز (٢) .. لأن ابن أم مكتوم كان أعمى ، وقد يرتبك الأعمى في طوافه حول البيت وحده ، ومن دون مرشد ودليل ، فكيف يتولى هداية ناقة غيره أيضا في الطواف؟!.

طواف الوداع :

وقد مرت في النصوص المتقدمة الإشارة إلى طواف الوداع ، الذي يكون بعد طواف الفرض.

ونقول :

إن طواف الوداع فيما يبدو لنا : هو في الأصل طواف النساء ، ولكنهم بدلوا حقيقته ، فلم يعد مجزيا عن طواف النساء الواجب ، لعدم توفر النية الصحيحة فيه ، فيا ليتهم تركوا هذا الحكم ، وأراحوا أنفسهم من السؤال عنه ، أو المحاسبة عليه يوم القيامة ..

__________________

(١) البحار ج ٩٦ ص ٢٢٨.

(٢) البحار ج ٩٦ ص ٢٢٨ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦٣٤ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٤٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢.


إنكار تقبيل الركن اليماني :

وقد أنكر ابن القيم تقبيل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الركن اليماني ، رغم صراحة الروايات في أنه قبّله ووضع خده عليه.

وادّعى : أن المراد بقول ابن عباس : كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه هو ركن الحجر الأسود ، لأنه يماني أيضا ، ولذلك يقال له ، وللركن اليماني : يمانيان.

وهو تأويل بارد ، عار من القرينة والشاهد ..

بل ربما يقال : إنه لا يصح إطلاق كلمة «الركن اليماني» على ركن الحجر الأسود ، إذ لعل إطلاق اليماني على ركن الحجر الأسود قد جاء على سبيل التغليب كقولك : العمرين ، والحسنين ، والقمرين ، ونحو ذلك.

ولكن لا يصح إطلاق هذا الوصف على الطرف الآخر مع إفراده ، فأبو بكر لا يقال له : عمر ، والشمس لا يقال لها : قمر ، والحسين «عليه‌السلام» لا يقال له : حسن هكذا.

ولو سلمنا أنه كان يطلق عليهما ذلك ، فإن إرادة الحجر من كلمة الركن اليماني ، تحتاج إلى قرينة وشاهد ، وأما مع الإطلاق ، فالمتبادر هو خصوص الركن اليماني المقابل للحجر ، دون سواه ..

عمر رجل قوي لا يزاحم :

وعن قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعمر : «إنك رجل قوي لا تزاحم» ، نقول :

إنه لا شك في حرمة أذى الناس ، سواء جاء هذا الأذى من القوي ، أو


من الضعيف ، ولا بد من تجنب أذى الناس وهو أمر ممكن وواقع من القوي ومن الضعيف على حد سواء ..

ولم نسمع أن قويا آذى أحدا في الزحام وعفي من المؤاخذة والعقوبة ، إلا إذا صدر عنه بلا اختيار .. ولم نسمع أحدا اعتذر في مقام الدفاع عن نفسه أمام القاضي في المحاكم بأنه «قوي» ، كما لم نسمع أن القاضي احتمل في حقه ذلك ليجعله سببا في تخفيف العقوبة ، أو شبهة توجب درء الحد عنه ..

وكل ذلك يدلنا على أن عمر بن الخطاب حين كان يؤذي الناس في الزحام ، لم يكن له عذر في ذلك ، بل السبب في صدور هذا الأذى منه أنه لم يكن يهتم لراحة الناس ، بل كان يستفيد من قوته وشدته للحصول على ما يريد .. ومن كان كذلك ، هل يكون للرعية كالوالد الرحيم ، ليصح أن يتولى أمرهم؟!.

الرمل في الطواف :

وعن الرمل في الطواف نقول :

إن ذلك لا يصح ، وإنما كان الرمل في عمرة القضاء ، فقد روي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مر في عمرة القضاء بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال : «هو ذا قومكم على رؤوس الجبال ، لا يرونكم ، فيروا فيكم ضعفا».

قال : فقاموا فشدوا أزرهم ، وشدوا أيديهم على أوساطهم فرملوا (١).

__________________

(١) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٣٥٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٢٨ عن علل الشرائع ص ١٤٣ و (ط أخرى) ج ٢ ص ٤١٢ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٧ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٣٥١ والبحار ج ٩٦ ص ١٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٦.


وفي نص آخر عن أبي جعفر «عليه‌السلام» : «أمر الناس أن يتجلدوا ، وقال : أخرجوا أعضادكم ، وأخرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عضده ، ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد ، فمن أجل ذلك يرمل الناس ، وإني لأمشي مشيا ، وقد كان علي بن الحسين «عليه‌السلام» يمشي مشيا» (١).

زاد في نص آخر عن ابن عباس قوله : «ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ، ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ناقته ، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، والمشركون بحيال الميزاب ، ينظرون إليهم ، ثم خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد ذلك ، فلم يرمل ، ولم يأمرهم بذلك» (٢).

وقد تحدثنا عن هذا الأمر في عمرة القضاء ، في هذا الكتاب ، فراجع ..

سعى راكبا :

عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أن رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٣٥٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٢٨ وعلل الشرايع ج ٢ ص ٤١٢ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٥ ص ٤٦٦ و (ط. ق) ج ١ ص ٣٤٢ ورياض المسائل ج ٧ ص ٤٠ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٣٥١.

(٢) الوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٢٩ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٣٥٣ عن نوادر أحمد ، وراجع فقه الرضا (ط حجرية) ص ٧٣ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٨ ورياض المسائل ج ٧ ص ٤١ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٣٥١ ومستدرك الوسائل ج ٩ ص ٣٩٥ والبحار ج ٩٦ ص ٣٥٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٧.


وآله» طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت ، وبين الصفا والمروة ليراه الناس.

وبكونه سعى راكبا جزم ابن حزم (١).

وظاهر الأحاديث عن جابر وغيره ، يقتضي : أنه مشى ، خصوصا قوله : فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى.

وجزم ابن حزم : بأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب كله ، وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده.

قال ابن كثير : وهذا بعيد جدا (٢).

وفي الجمع بينهما وجه أحسن من هذا ، وهو : أنه سعى ماشيا أولا ، ثم أتم سعيه راكبا ، وقد جاء ذلك مصرحا به ، ففي صحيح مسلم ، عن أبي الطفيل ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا ، أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة.

قال : «صدقوا وكذبوا».

قال : قلت : ما قولك صدقوا وكذبوا؟!

قال : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد ، حتى خرج عليه العواتق من البيوت ، قال : وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يضرب الناس بين يديه ، قال : فلما كثر عليه الناس ركب ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٥ عن أحمد ، ومسلم ، والنسائي ، وابن كثير ، وابن القيم ، وابن حزم وغيرها من المصادر التي مرت.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٥.


والمشي أفضل (١).

وعن قدامة بن عمار قال : «رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو يسعى بين الصفا والمروة على بعير ، لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك إليك» (٢).

قلت : «وفي حديث يعلى بن أمية : أنه رأى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مضطجعا بين الصفا والمروة ببرد له نجراني» (٣).

__________________

(١) سبل الهدى الرشاد ج ٨ ص ٤٦٥ عن ابن كثير ، وابن حزم ، وراجع : بداية المجتهد لابن رشد الحفيد ج ١ ص ٢٧٣ ونيل الأوطار ج ٥ ص ١٢٢ و ١٢٣ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٢٩ و ٢٩٧ و ٣١١ و ٣١٢ و ٣٦٩ و ٣٧٣ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٦٤ و ٦٥ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٢١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٨٢ و ١٠٠ و ١٥٤ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١١ والديباج على مسلم ج ٣ ص ٣٤٨ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٥١ ومسند الحميدي ج ١ ص ٢٣٧ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٥ و ٢٤٠ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ١٨٠ وأمالي المحاملي ص ٨٢ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ١١٩ و ١٥٤ والمعجم الكبير ج ١٠ ص ٢٦٧ و ٢٦٨ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ١٩٣ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢ ص ٧٠ ونصب الراية للزيلعي ج ٣ ص ١١٩ و ١٢٥ وفيض القدير ج ١ ص ٧٤ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٩٥ و ١٢٠ وتهذيب الكمال ج ٣٤ ص ٩ و ١٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٤٦٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٤ وج ٥ ص ١٨٠ و ١٨١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٦ والبيهقي ج ٥ ص ١٠١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٣٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٨٣.

(٣) مسند أحمد ج ٤ ص ٢٢٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٥ عنه ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٩.


يرى بياض فخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وعن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : «رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه وهو وراءهم ، وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي ، يدور به إزاره وهو يقول : «اسمعوا فإن الله عزوجل كتب عليكم السعي».

وفي الكبير قال : «ولقد رأيته من شدة السعي يدور الإزار حول بطنه وفخذيه حتى رأيت بياض فخذيه» (١).

ونقول :

إن لنا مع هذه الأقاويل وقفات عديدة ، هي التالية :

الإضطباع : حكمه ، ومعناه :

إضطبع الرجل : أبدى أحد ضبعيه ، واضطبع المحرم بثوبه ، أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن ، وغطى به الأيسر ..

وروايات أهل البيت «عليهم‌السلام» لم تشر إلى الإضطباع بشيء ، بل تكتفي بالأمر بلبس الإزار والرداء ، ولا تشير إلى لزوم كيفية بعينها ، فلا بد من حملها على لبسهما على النحو المتعارف ، وهو أن يأتزر بأحد الثوبين ، ويرتدي بالآخر بوضعه على الكتفين.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٦ عن أحمد والطبراني ، وفي هامشه عن أحمد ج ٦ ص ٤٢١ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ١٤٧ وراجع : المعجم الكبير للطبراني ج ٢٤ ص ٢٢٧.


وأما حديث علي بن أمية أنه رأى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مضطبعا بأحد ثوبيه ، فإن كان له نصيب من الصحة ، فربما يكون رداء الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اختل بسبب الهواء ، أو الزحام ، فرآه يعلى في تلك الحال ، قبل أن يصلحه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

رأى بياض فخذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله!! :

وإذا كانوا يروون عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن الفخذ من العورة التي لا يجوز إظهارها ، فإن ذلك يقتضي عدم جواز تشريع ما يوجب انكشافها من الأساس ..

واحتمال أن يكون التشريع لا يوجب ذلك ، وإنما اتفق ذلك لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لسبب ما .. لا مجال لقبوله ، لأن ذلك لا بد أن يدخل في سياق التهاون والتقصير في رعاية الأحكام ، وهذا ممنوع على النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وبدون ذلك ، فإن الله تعالى لا بد أن يسدد نبيه ويحفظه من أن يظهر منه ما يخل بمقامه ، ولا سيما العورة التي يأنف كل أحد من أن يراها أي كان من الناس ، حتى ولو بالرغم عنه ..

وقد تقدم لنا كلام حول هذا الموضع حين الحديث عن نقل الحجارة لبناء الكعبة في الجزء الثاني من هذا الكتاب ، فراجع ..

قدوم علي عليه‌السلام من اليمن :

قالوا : وسار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل يوم التروية بيوم ، فقلنا غدا إن شاء الله تعالى بالخيف ، حيث استقسم المشركون ، ثم سار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ والناس معه ـ حتى نزل الأبطح شرقي


مكة ، في قبة حمراء من أدم ، ضربت له هناك.

وهناك ـ كما قال ابن كثير ـ : قدم علي من اليمن ببدن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» محرشا لفاطمة.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «صدقت» ثلاثا ، «أنا أمرتها يا علي بم أهللت»؟

قال : قلت : اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال : ومعي هدي.

قال : «فلا تحل» ، فكان جملة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي ساقه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من المدينة مائة بدنة (١).

ونقول :

لاحظ ما يلي :

تحريش علي لفاطمة عليهما‌السلام :

قد تقدم في روايات أهل البيت «عليهم‌السلام» : أن عليا «عليه‌السلام» قدم من اليمن فوجد فاطمة «عليها‌السلام» قد أحلت ، فذهب إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مستفتيا.

فتغيرت كلمة مستفتيا عند مناوئي أهل البيت «عليهم‌السلام» ، فصارت : «محرشا» لتدل على : أن فاطمة «عليها‌السلام» لم تكن مأمونة في دينها بنظر علي «عليه‌السلام» ، أو أن عليا «عليه‌السلام» نفسه كان ذا طبيعة عدوانية ، واستفزازية ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٧.


الإجمال في النية :

لقد دلت نية علي «عليه‌السلام» وهي : أهللت بما أهل به النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، صحة الإجمال في النية ، حين يكون المنوي محددا في الواقع ، وإن لم يعلم الناوي تفصيله ، وحدوده وخصوصياته حين إنشائه للنية.

فنية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانت محددة واقعا ، فيكفي أن يقصد علي «عليه‌السلام» ما قصده النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، إذ لا ترديد في النية ولا في المنوي بحسب الواقع ..

الكلب والحمار والمرأة :

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يصلي مدة مقامه هنا إلى يوم التروية بمنزله الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة ، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة : الأحد ، والإثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء.

ولم يعد إلى الكعبة ، كما في الصحيح عن ابن عباس.

وفي حديث أبي جحيفة : أنه أتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالأبطح وهو في قبة له حمراء ، فخرج بلال بفضل وضوئه ، فمن ناضح ومن نائل.

قال : فأذن بلال ، فكنت أتتبع فاه هاهنا وها هنا ، يعني يمينا وشمالا ، ثم خرج بلال بالعنزة بين يديه ، فخرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعليه حلة حمراء ، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه ، فصلى بنا الظهر والعصر ، ركعتين ركعتين ، تمرّ المرأة ، والكلب ، والحمار من وراء العنزة.

فقام الناس ، فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم.


قال : فأخذت يديه فوضعتها على وجهي ، فإذا هي أبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك (١).

ونقول :

١ ـ لقد تحدثنا فيما سبق عن عدم صحة قولهم : لا يقطع الصلاة إلا الكلب ، والحمار ، والمرأة .. وأن في هذا الكلام إساءة إلى الدين ، وتكذيب لآياته ، وإبطال لمناهجه ، فإنه لا يصح مساواة المرأة بالكلب والحمار ، وقد قال الله تعالى في كتابه : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢) ، بلا فرق في ذلك بين المرأة والرجل ..

وقد كانت الزهراء «عليها‌السلام» بعد أبيها وبعلها أفضل الخلق. وأكرمهم على الله تبارك وتعالى.

٢ ـ على أننا لا ندري لماذا انحصر قطع الصلاة بالكلب والحمار دون سائر البهائم ، فلم يقطعها مرور الخنزير ، أو الفرس ، أو أي حيوان آخر؟!

٣ ـ وقد تحدثنا عن تبرك الصحابة بآثار نبيهم الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أكثر من مرة فلا نعيد.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٧ و ٤٦٨ عن أحمد ، والبخاري ومسلم ، وراجع : مسند أحمد ج ٤ ص ٣٠٨ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٣٢٦ وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج ١ ص ١١٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٤٥٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٨٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٣٦.

(٢) الآية ٦ من سورة الحجرات.


الفصل الخامس :

حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية أهل السنة



النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في عرفات :

قال ابن سعد : فوقف بالهضبات من عرفات وقال : «كل عرفة موقف إلا بطن عرنة» (١). أي بالنون.

قال ابن تيمية : بطن عرنة واد من حدود عرفة.

فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة.

وهو قائم في الركابين ـ كما عند أبي داود ـ عن العداء بن خالد (٢).

ونص الخطبة بعد الحمد لله ، والثناء عليه :

«أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا. وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليردها لمن ائتمنه عليها.

ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي ، وإن أول دمائكم أضع. وفي رواية : وإن أول دم أضع من دمائنا دم ربيعة.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٨ عن أبي داود ج ٢ ص ١٨٩ (١٩١٧) وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٧٣ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١١٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٨ عن أبي داود ج ٢ ص ١٨٩ (١٩١٧).


(وفي رواية : دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، كان مسترضعا في بني سعد بن بكر ، فقتلته هذيل (١).

وعند ابن إسحاق ، والنسائي ، في بني ليث ، فقتلته هذيل). فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية ، وإن كل ربا موضوع ، (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (٢) ، قضى الله أنه لا ربا ، وإن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله.

أما بعد أيها الناس ، الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه إن يطمع فيما سوى ذلك ، فقد رضي بما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم.

أيها الناس ، إنّ (النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) (٣) ويحرموا ما أحل الله ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، وفي رواية : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) ، (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (٤) ، ثلاثة متوالية : ذي القعدة ، وذي الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٨ و ٤٦٩ وفي هامشه عن : مسلم ج ٢ ص ٨٨٦ ـ ٨٩٢ (١٤٧ / ١٢١٨) وأبي داود ج ٢ ص ١٨٥ (١٩٠٥) وابن ماجة ج ٢ ص ١٠٢٥ (٣٠٧٤).

(٢) الآية ٣٦ من سورة التوبة.

(٣) الآية ٢٧٩ من سورة البقرة.

(٤) الآية ٣٦ من سورة التوبة.


«أما بعد .. أيها الناس ، اتقوا الله ، واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله». وفي رواية : «بكتاب الله».

ولكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع ، وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين فلهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.

فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبدا ـ إن اعتصمتم به ـ أمرين ، (وفي رواية : أمرا بينا) كتاب الله عزوجل ، وسنة نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أيها الناس ، اسمعوا قولي واعقلوه ، تعلمنّ أن كل مسلم أخ لمسلم.

وفي رواية : أخو المسلم ، وأن المسلمين إخوة ، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس ، فلا تظلمن أنفسكم.

واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث : إخلاص العمل لله عزوجل ، ومناصحة أولي الأمر ، وعلى لزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم.

ومن تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه ، ويشتت عليه ضيعته ، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه ، ويكفيه ضيعته ، وتأتيه الدنيا وهي راغمة.

فرحم الله امرأ سمع مقالتي حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه وليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. أرقاءكم ، أرقاءكم ، أطعموهم


مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، فإن جاء بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ، ولا تعذبوهم ، أوصيكم بالجار (حتى أكثر ، فقلنا : إنه سيورثه).

أيها الناس ، إن الله قد أدى لكل ذي حق حقه ، وإنه لا يجوز وصية لوارث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ومن ادّعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.

العارية مؤداة ، والنحلة مردودة ، والدين مقضي ، والزعيم غارم.

أما بعد .. فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس ، حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. هدينا مخالف هديهم ، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. ويقولون : أشرق ثبير ، كيما نغير ، فأخر الله هذه وقدم هذه. (يعني : قدم المزدلفة قبل طلوع الشمس ، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس) ، وإنّا لا ندفع من عرفة حتى تغيب الشمس ، وندفع من المزدلفة حتى تطلع الشمس ، وهدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك» (١).

وفي حديث المسور بن مخرمة قال : خطبنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعرفات ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

«أما بعد .. أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٨ و ٤٦٩ و ٤٧٠ عن ابن إسحاق والنسائي.


كانت الشمس على رؤوس الجبال ، كأنها عمائم الرجال في وجوهها ، وإنّا ندفع بعد أن تغيب ، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة» (١).

«وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون»؟

قالوا : نشهد أنك بلغت ، وأديت ، ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة ، يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس : «اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد». ثلاث مرات.

وعن ابن عباس : «أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خطب بعرفات ، فلما قال : «لبيك اللهم لبيك ، قال : إنما الخير خير الآخرة».

ونقول :

قد تضمنت هذه الخطبة العظيمة أمورا هامة لا مجال للإفاضة في الحديث عنها ، فآثرنا أن نقتصر منها على ثلاثة أمور ، نعرضها للقارئ الكريم باختصار هنا ، وبتفصيل بعد انتهاء الحديث عن حج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وهي التالية :

الأول : قريش في مواجهة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنها تعرضت لموضوع الإمامة بشكل أساسي ، فواجهت قريش وأعوانها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالسوء والأذى والإهانة والغوغائية .. وسنشرح ذلك بالتفصيل إن شاء الله حين نتعرض له ، في باب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٠ عن الطبراني في الكبير ج ٢٠ ص ٢٤.


«الغدير والإمامة».

الثاني : لبيك اللهم لبيك :

قد يقال : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد لبى في آخر الخطبة المذكورة آنفا ، مع أن الحاج يقطع التلبية في عرفة.

ويجاب : بأن قطع الحاج للتلبية في عرفة إنما هو عند زوال الشمس ..

وقد صرح النص المتقدم : بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خطب هذه الخطبة قبل الصلاة ، وهذا معناه : أن تلبيته المشار إليها في آخر الخطبة قد حصلت مع الزوال أو قبله بلحظات ..

الثالث : تحريف خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إن التدقيق في نصوص الخطبة المشار إليها ، وفي النصوص التي وردت في سائر الآثار بالأسانيد الصحيحة والصريحة يفيد أن هذه الخطبة قد تعرضت ـ فيما يظهر ـ للتحريف من ناحيتين :

إحداهما : قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبدا ، إن اعتصمتم به» ، أمرين : كتاب الله عزوجل ، وسنة نبيه.

فإن الرواية الصحيحة في حديث الثقلين هي قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي».

ولكنها بدلت وغيرت من قبل مناوئي العترة ، ظنا منهم أن ذلك يجدي في تقوية موقفهم مقابل أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام.

على أننا نقول :

أولا : قد ذكرنا في بعض فصول هذا الكتاب : أن حديث «وسنتي» لا


يتنافى مع حديث «وعترتي» ، بل منسجم معه تمام الإنسجام حيث يدلان معا على أن السنة التي تركها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا بد أن تؤخذ من العترة دون غيرهم ، لأن العترة هم المأمونون على سنته أكثر من كل أحد سواهم كما أظهرته الوقائع ..

ثانيا : إن نفس هذا الذي اختار إيراد الخطبة المحرفة التي قالت : «وسنتي» بدل وعترتي .. ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الروايات الصحيحة ..

إنه هو نفسه قد عاد فذكر الرواية الصحيحة في موضع آخر من كتابه ، فأوجب هذا الفصل بين الروايتين صعوبة التنبه والجمع بينهما على القارئ العادي ، بل قد لا يخطر في باله : أن ثمة رواية أخرى على الإطلاق ، والرواية الصحيحة أو الأصح هي التالية :

روى الترمذي وحسنه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع يوم عرفة ، وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي (١).

__________________

(١) راجع : ينابيع المودة ج ١ ص ٩٩ و ١٠٩ و ١٢٥ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٦ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٣٢٧ وامتاع الأسماع ج ٦ ص ٤ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ١٢٣ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ٨٩ والمعجم الكبير ج ٣ ص ٦٦ ونظم درر السمطين ص ٢٣٢ والغيبة للنعماني ص ٥٠ والمحتضر ص ١٩٩ والبحار ج ٢٣ ص ١٢٩ وج ٨٩ ص ١٠٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ١٩٦ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٢٣٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص ١٠٥ و ١٢٤ و ١٩٨ و ٢٣٤ و ٢٥١ و ٢٥٥ وكنز العمال ج ١ ص ٤٨ (ط ـ


الثانية : إنه قد حذف من الخطبة حديث : «الأئمة بعدي إثنا عشر ، كلهم من قريش» ، الذي نص البخاري ومسلم ، ومصادر كثيرة أخرى على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قاله في يوم عرفة على رؤوس الأشهاد ، فأقامت قريش ، ومن يدور في فلكها الدنيا عليه ولم تقعدها ..

وأساءت الأدب مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفضحت نفسها ، وضجت وعجت ، ومنعت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إكمال كلامه ، كما سنوضحه في باب : «الغدير .. والإمامة». إن شاء الله تعالى ..

الذين أردفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلفه :

ويلاحظ هنا : أنهم يذكرون : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين أفاض من عرفة أردف أسامة بن زيد خلفه (١) ..

وقالوا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سار بمزدلفة مردفا للفضل بن عباس ، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش (٢).

__________________

أولى) ونوادر الأصول ص ٦٨ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ١٠ ص ٥١ وتحفة الأشراف ج ٢ ص ٢٧٨ وجامع الأصول ج ١ ص ٢٧٧ ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٥٨.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٢ ومسند أحمد ج ١ ص ٧٥ و ١٥٧ و ٢١٣ و ٢١٤ وسنن أبي داود ج ١ ٤٣١ وكنز العمال ج ٥ ص ١٥١ والتاريخ الصغير للبخاري ج ١ ص ٣٣٠ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ١٢٨ وعلل الدارقطني ج ٤ ص ١٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٤٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٣ وراجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٢٠٠ وسنن


وحين أفاض إلى مكة ، زعموا : أنه أردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة (١).

الفضل بن عباس .. والنظر إلى الأجنبية :

وقالوا أيضا : إنه حين كان مردفا الفضل بن عباس في طريقه تلك عرضت له امرأة من خثعم جميلة ، فسألته عن الحج عن أبيها. وكان شيخا كبيرا لا يستمسك على الراحلة ، فأمرها أن تحج عنه ، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فوضع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يده على وجهه ، فصرفه إلى الشق الآخر ، لئلا تنظر إليه ولا ينظر إليها.

وقال جابر : وكان الفضل رجلا حسن الشعر أبيض وسيما ، فقال العباس : لويت عنق ابن عمك.

فقال : «رأيت شابا وشابة ، فلم آمن الشيطان عليهما» (٢).

__________________

الدارمي ج ٢ ص ٥٧ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٧٤ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٣١ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٦١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٢٢ وفتح الباري ج ٣ ص ٤١٧ و ٤٢٥ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٤ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٠١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٤٧.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٩ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١١٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٣ و ٤٧٤ وراجع : كتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ١٢٤ وكتاب الموطأ لمالك ج ١ ص ٣٥٩ والمغني لابن قدامة ج ٧ ص ٤٦٠ وسبل السلام ج ٢ ص ١٨١ وكتاب المسند للشافعي ص ١٠٨ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٩ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٤٠ و ٢١٨ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٠١ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٠٧ وسنن النسائي ج ٥ ص ١١٨ وج ٨


ليس هذا قياسا :

وسأله آخر هناك عن أمه ، وقال : «إنها عجوز كبيرة ، وإن حملتها لم تستمسك ، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها».

قال : «أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيه»؟

قال : نعم.

قال : «فحج عن أمك» (١).

ونقول تعليقا على ما تقدم :

حتى معاوية :

إننا لا ننكر أن يردف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من يحتاج إلى الإرداف ، لأجل حاجته إلى ما يركبه .. أو لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان

__________________

ص ٢٢٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٣٢٨ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ٩٧ وعمدة القاري ج ٩ ص ١٢٣ وج ١٠ ص ٢١٥ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٢٥ وج ٣ ص ٤٧٢ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٣٤٢ و ٣٤٣ و ٣٤٤ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ٣٠١ و ٣٠٩ والمعجم الكبير ج ١٨ ص ٢٨٢ ومعرفة السنن والآثار ج ٣ ص ٤٧٣ والاستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ١٦٣ والتمهيد لابن عبد البر ج ٩ ص ١٢٢ وتفسير البغوي ج ١ ص ٣٣٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢٦.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٤١ وسنن النسائي ج ٥ ص ١١٩ وج ٨ ص ٢٢٩ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٢٥ وج ٣ ص ٤٧٠ والمعجم الكبير ج ١٨ ص ٢٩٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٧٣.


يريد تكريمه وتشريفه.

ولكننا لا يمكن أن نصدق : أن هذا الأمر قد أصبح ظاهرة سلوكية ، وكأنه مهنة له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولا سيما إذا كان يردف أشخاصا ليسوا ممن يحتاج إلى راحلة ، ولا ينقصهم المال الذي يهيئون به ما يحتاجون إليه ، كما أنهم ليسوا أهلا للتكريم ، بل قد يستفيدون من هذا التكريم لخداع الناس ، والمكر بهم.

من أجل هذا وذاك ، فنحن نشك كثيرا في صحة قولهم : إنه أردف معاوية أيضا في مسيره من منى إلى مكة ، أو إلى غيرها .. فإن معاوية لم يكن عاجزا عن تهيئة الراحلة ، كما أنه لم يكن ثمة موجب لتكريمه من قبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

تحويل وجه فضل بن عباس :

وقد رأينا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يزجر فضل بن عباس عن النظر إلى تلك المرأة ، بل هو قد مارس الفعل عوضا عن القول ، فحول وجه فضل بن عباس إلى الجهة الأخرى بصورة عملية ، فنستفيد من ذلك :

أولا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يفسح المجال لممارسة التدليس ، بمسارقة النظر ، مع التظاهر بغض البصر ، مع تعذر مراقبته ومراقبتها في لحظة واحدة ، حسبما تجري به العادة ..

ثانيا : إنه بفعله هذا قد سلب الشابين القدرة على النظر غير البريء إلى بعضهما البعض ..

ثالثا : إن فعله هذا قد لفت نظر الآخرين ودعاهم للتساؤل عن سببه ،


لكي يأتيهم التصريح بعد التلويح .. فيكون أوقع في النفس ، وأكثر تعبيرا عن المطلوب.

رابعا : إن ذلك يعطي درسا مفاده أن الحكمة تقضي بعدم السماح لأسباب الفساد بالوجود ، لا أن يتركها توجد وتتنامى ، ثم يحاول اقتلاعها ، وهيهات أن يوفق لذلك ..

خامسا : إنه لم يتهم فضل بن عباس ، ولا تلك المرأة بشيء ، بل صرح : بأنه أراد أن لا يقعا في خلاف ما يرضي الله تبارك وتعالى ..

سادسا : إن هذا الأمر يعطي : أن على الحاكم أن يقدر الأمور ، وأن يحتاط لأي طارئ قبل حدوثه ، وأنّ للإجراءات الإحتياطية قوتها في مجال التطبيق والعمل ، كغيرها مما يكون لمعالجة واقع راهن ..

تطبيق للقاعدة :

أما بالنسبة لحج الإنسان عن أمه ، واعتبار الحج دينا ، فنقول :

إن هذا ليس من قبيل الإستدلال بالقياسات الظنية ، التي منع عنها الشارع ، وحاشا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يمارس أمرا نهى هو نفسه عنه .. بل هذا من قبيل تطبيق الكبرى على الصغرى ، والقاعدة على موردها.

فإن الحج دين على تلك المرأة ، سوف يطالبها الله تعالى به ، وولدها مطالب بقضاء ديونها ، فلا فرق بين ما كان دينا لله ، وما كان دينا للناس ، إذا كان الذي لله مما يمكن أداؤه وقضاؤه ..

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينشد الشعر :

وفي حديث ابن عمر : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أفاض من


عرفات وهو يقول :

«إليك تغدو قلفا وضينها

مخالفا دين النصارى دينها»

رواه الطبراني وقال : المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر (١).

يضاف إلى ذلك :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٢ عن الطبراني في الكبير والأوسط ، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٥٦ وراجع : كتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ٢٣٤ والمجموع للنووي ج ٨ ص ١٤٤ ومغني المحتاج ج ١ ص ٥٠١ وإعانة الطالبين ج ٢ ص ٣٤٩ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ١٨ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٤٤٤ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٤٤٤ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٥٧٩ وتلخيص الحبير ج ٧ ص ٣٧٠ والبحار ج ٢١ ص ٣٣٦ و ٣٣٩ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٩٤ وكتاب المسند للشافعي ص ٣٧٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٢٦ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٥٦ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٤ ص ٥٢٩ وج ٦ ص ١٧٦ والمعجم الأوسط ج ١ ص ٢٨٢ والمعجم الكبير ج ١٢ ص ٢٣٨ ومعرفة السنن والآثار ج ٤ ص ١٢٠ والإستيعاب لابن عبد البر ج ٣ ص ٨٩٠ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٤ ص ٤٢٣ والفايق في غريب الحديث ج ٣ ص ٣٦٧ وجزء أحاديث الشعر ٨٥ وكنز العمال ج ٥ ص ١٩٥ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٠٧ و ٢١٥ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٣٨٢ وتفسير السمعاني ج ٥ ص ٣٤٥ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٥ ص ٢٤١ وتفسير البحر المحيط ج ٨ ص ٢٠١ والدر المنثور ج ١ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ١٦٥ و ٣٥٧ والكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٧٨ وميزان الإعتدال للذهبي ج ١ ص ٢٦٣ والإصابة ١ ص ٤٤٦ وج ٥ ص ٤٣٨ وغير ذلك من المصادر.


أولا : لماذا خص النصارى بمقالته هنا ، مع أن اليهود كانوا هم الأشر والأضر ، وكان العرب والمشركون مبهورين بهم أكثر من كل أحد سواهم؟.

ثانيا : إنهم يزعمون ، وإن كنا لم نرتض ذلك ـ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يحسن حتى التفوه بالشعر ، ولو على سبيل النقل والحكاية. فكيف استطاع أن يتفوه بهذا الشعر هنا؟!.

ثالثا : إننا لا نظن أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ينشد الشعر في هذا الوقت وفي هذه الأمكنة بالذات ، إذ إن الذي يعهد من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، هو انشغاله بتسبيح الله وتقديسه ، ولا سيما في المشاعر المقدسة ، وحيث يريد لكل حركة من حركاته أن تحمل عبرة ، وكل كلمة من كلماته أن تتضمن درسا وعظة ..

الصلاة قبل الوقت :

قالوا : فلما برق الفجر ، صلاها (يعني صلاة الصبح) في أول الوقت خلافا لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة ، يوم النحر ، وهو يوم العيد ، ويوم الحج الأكبر ، ويوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك (١) ..

ومن الواضح : أن دعوى أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى الصبح قبل وقتها ، افتئات وافتراء على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولا نرى حاجة إلى الإستدلال على كذب هذه الترهات التي ربما يكون وراءها أعداء الله وأعداء رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لإشغال الناس

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٣.


بأباطيل ، وأضاليل وإثارة شبهات من شأنها أن تسقط محل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من نفوسهم ..

الغلو في الدين هو الأخطر :

وأمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات ، ولم يكسرها من الجبل تلك الليلة ، كما يفعل من لا علم عنده ، ولا التقطها بالليل.

فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه ويقول : «أمثال هؤلاء ، فارموا ، وإياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (١).

ويلاحظ هنا :

١ ـ قوله : إنه لم يلتقط حصيات الجمار بالليل ، لا يدل على كراهة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٣ والمجموع للنووي ج ٨ ص ١٧١ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٦٩ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٣٣ وتلخيص الحبير ٧ ص ٣٩٧ وعوالي اللآلي ج ١ ص ١٨٥ ومسند أحمد ج ١ ص ٢١٥ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٦٨ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٦٦ وفتح الباري ج ١٣ ص ٢٣٤ وعمدة القاري ج ٢٥ ص ٣٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤٣٥ ومسند أبي يعلى ج ٤ ص ٣١٦ و ٣٥٧ والمنتقى من السنن المسندة ص ١٢٧ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢٧٤ و ٢٧٦ وأمالي المحاملي ص ٨٤ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ١٨٣ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٥٠ ونصب الراية ج ٣ ص ١٦٥ وموارد الظمآن ٣ ص ٣٣٠ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ٢٥ وفيض القدير ج ١ ص ٦١٣ والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ١٢ والدر المنثور ج ١ ص ٢٣٥.


التقاطها فيه ، ما لم يرد نص صريح في كراهة ذلك ..

٢ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخذ الحصيات وأراهم إياها ، ولاحظوا نوعها ، وألوانها ، وأشكالها ، وأحجامها ، وأمرهم أن يرموا بأمثالها ، فاستغنى بذلك عن وصفها بما ربما يلتبس المراد منه لدى بعض القاصرين لسبب أو لآخر ..

٣ ـ ثم نهاهم عن الغلو في الدين ، وأخبرهم أن سبب هلاك من كان قبلهم ، هو الغلو في الدين ..

والغلو : هو الخروج عن حد الإعتدال فيه ، وهو أخطر بكثير من التفريط في الإلتزام بأحكامه ، لأن الغلو يؤدي إلى الإبتداع وإدخال ما ليس من الدين في الدين ، حيث تتبدل حقائقه ، بسبب تبدل حدوده ، من الأدنى إلى الأعلى ، ومن الأقل إلى الأكثر ، فتدخل مساحات من الإعتقاد والممارسة لم تكن من قبل .. فإذا انتقل إلى الآخرين على هذه الحالة ، فإن الخطر سيتضاعف ويزداد تبعا لسعة انتشاره .. فتصبح الأولوية هي منع هذا الإتساع والإنتشار ، ومحاربة الجهود التي تبذل في ذلك.

أما التفريط في الإلتزام فغاية ما يترتب عليه هو المخالفة العملية لأحكامه وشرائعه مع بقائها على ما هي عليه .. وذلك يبقى أثره محصورا بالشخص ، ولا يتعداه إلى غيره .. فيمكن أن يصل الدين إلى الغير سليما وقويما ، ولا يكون هناك أي ضير من هذا الإنتقال.

خذوا عني مناسككم :

عن جابر قال : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على راحلته يوم


النحر ، يقول لنا : «خذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» (١).

ونقول :

١ ـ إن هناك روايات تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال للناس ذلك حين كان يطوف (٢) ، وحين صلى خلف المقام (٣) ، وحين سعى ، وحين رمى الجمار ، وحين كان بعرفة ، وغير ذلك.

ولا مانع من أن يتكرر هذا القول منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في المواضع المختلفة ، ولا سيما في المناسك ، حين وصوله إلى مكة ، وشروعه بالأعمال ، بل قبل ذلك أيضا ..

٢ ـ وغني عن البيان : أن الرؤية التطبيقية للفعل هي أفضل أنواع التعليم وأدقه ، حيث يبقى ما يراه الإنسان في وعيه وفي ذاكرته ، أكثر من الذي يلقى إليه كأوامر وزواجر يراد لها أن تحفظ في الذاكرة ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٥ عن مسلم ، وابن سعد ، والبيهقي ، وقال في هامشه :

أخرجه مسلم ج ٢ ص ٩٤٣ (٣١٠ / ١٢٩٧) وأبو داود ج ٢ ص ٢٠١ (١٩٧٠) والنسائي ج ٥ ص ٢١٩ والبيهقي ج ٥ ص ١٢٥ وأحمد ج ٣ ص ٣٠١ وراجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ٢١ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٢٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٢٥ وتفسير الرازي ج ٤ ص ٦٩ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٤١٨ والإحكام لابن حزم ج ٣ ص ٣٠٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٠٣.

(٢) راجع : المجموع ج ٨ ص ٣٠ ومغني المحتاج ج ١ ص ٤٨٦ ومواهب الجليل ج ٤ ص ٩٧ و ١٠١.

(٣) مغني المحتاج ج ١ ص ٤٩١.


٣ ـ وحين تهتز مشاعرهم بقوله : «لا أدري ، لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» ، فإن اندفاعهم إلى التأسي بأفعاله في هذه الحالة سيصاحبه شعور بالحنين والإشفاق ، فتتحقق درجة من الإرتباط بين الفعل والفاعل ، لتحتفظ به الذاكرة ، كحدث مميز ، تعرف حدوده ، وتدرك دقة تطابقها مع الرمز الكبير ، ويستمر ذلك إلى ما شاء الله ..

التظليل :

وقالوا : «وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي ، وبلال وأسامة معه ، أحدهما : آخذ بخطام ناقته ، والآخر : يظله بثوب من الحر» (١).

والذي كان يظله بلال كما في حديث أبي أمامة ، عن بعض الصحابة (٢) ..

وحديث أم جندب : أنه كان راكبا يظلله الفضل بن العباس ..

قال بعضهم : وهو غريب مخالف للروايات الصحيحة (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وفتح العزيز ج ٧ ص ٤٣٤ ومواهب الجليل ج ٤ ص ٢٠٦ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٤٩٣ والإحتجاج ج ١ ص ٦٥ ومعرفة السنن والآثار ج ٤ ص ٤٣ وتفسير الإمام العسكري «عليه‌السلام» ص ٣٨٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ عن ابن سعد ، وفي هامشه عن : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٢٧.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وفي هامشه : عن أبي داود ج ٢ ص ٢٠٠ (١٩٦٦) وابن ماجة ج ٢ ص ١٠٠٨ (٣٠٣١) عن أحمد ، والبيهقي.


ونقول :

١ ـ المفروض : أن يقطع التلبية بزوال الشمس من يوم عرفة ، فلا معنى للعودة إليها في مسيره إلى منى ، والإستمرار فيها إلى حين الشروع في الرمي ..

٢ ـ إن اختلافهم في تحديد الشخص الذي كان يظلل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يلقي بظلاله على مستوى الوثوق بصحة هذا النقل.

يضاف إلى ذلك : أنه كيف يصح حديث تظليل بلال ، أو الفضل بن العباس على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين مسيره ، وحين رميه ، مع أنه لا يجوز التظليل؟!

إلا إذا فرض : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان مريضا أو مضطرا ، وليس لدينا ما يثبت ذلك أو يشير إليه ، لا من قريب ولا من بعيد؟!

بطن محسّر :

قالوا : فلما أتى بطن محسّر حرك ناقته ، وأسرع السير ، وهذه كانت عادته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ، فهنالك أصاب الفيل ما قص الله علينا. ولذلك سمي الوادي وادي محسر ، لأن الفيل حسر فيه. أي أعيى وانقطع عن الذهاب (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وراجع : عون المعبود ج ٥ ص ٢٦٦ وتحفة الأحوذي ج ٣ ص ٥٣٤.


خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منى :

وبعد أن رمى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جمرة العقبة .. رجع إلى منى ، فخطب الناس خطبة بليغة.

قال بعض الصحابة : خطب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس بمنى ، وأنزلهم منازلهم ، فقال : «لينزل المهاجرون هاهنا» وأشار إلى يمين القبلة ، «والأنصار هاهنا» وأشار إلى ميسرة القبلة ، «ثم لينزل الناس حولهم» ، وعلمهم مناسكهم ، ففتحت أسماع أهل منى ، حتى سمعوه في منازلهم (١).

وسئل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يبنى له بناء بمنى يظله من الحر ، فقال : «لا ، منى مناخ لمن سبق إليه» (٢).

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو على ناقته العضباء ، بعد أن حمد الله وأثنى عليه :

«ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم. ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٥ وفي هامشه عن أحمد ج ٤ ص ٦١ وراجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٣٧٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٠٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٤٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٧٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٧ وفي هامشه عن أحمد ج ٦ ص ٢٠٧ والحاكم ج ١ ص ٤٦٧ وابن ماجة (٣٠٠٦ ، ٣٠٠٧) وانظر صحيح مسلم (١٢١٨) وأبو داود (١٩٠٧) وراجع : المغني لابن قدامة ج ٤ ص ٣٠٦ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٧٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٠٧ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ١٦ وتهذيب الكمال ج ٣٥ ص ٣٠٨.


الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ، أتدرون أي يوم هذا»؟

قلنا : الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، فقال : «أليس هذا يوم النحر»؟

قلنا : بلى.

قال : «أي شهر هذا»؟

قلنا : الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس ذو الحجة»؟

قلنا : بلى.

قال : «فأي بلد هذا»؟

قلنا : الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس البلدة»؟

قلنا : بلى.

قال : فإن دماءكم وأموالكم ـ قال محمد : وأحسبه قال : وأعراضكم ـ عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، ثم قال : «ألا هل بلغت»؟

قلنا : نعم.


قال : «اللهم فاشهد» (١).

وعن ابن عباس قال : خطب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم النحر ، فقال : «أيها الناس ، أي يوم هذا»؟

قالوا : يوم حرام.

قال : «فأي بلد هذا»؟

قالوا : بلد حرام.

قال : «فأي شهر هذا»؟

قالوا : شهر حرام.

قال : «فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا».

فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه [إلى السماء] فقال : «اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت»؟ (٢).

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع : «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة»؟

قالوا : شهرنا هذا.

قال : «ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة»؟

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٥ لا و ٤٧٦ عن أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وقال في الهامش : أنظر مسند أحمد ج ٥ ص ٣٧ وراجع : المعجم الأوسط ج ١ ص ٢٩٣ وفضائل الأوقات للبيهقي ص ٤٢٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢١٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ عن أحمد والبخاري ، وقال في هامشه : مسند أحمد ج ١ ص ٢٣٠ والبخاري ج ٣ ص ٦٧٠ حديث (١٧٣٩) (٧٠٧٩).


قالوا : بلدنا هذا.

قال : «ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة»؟

قالوا : يومنا هذا.

قال : «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت ثلاثا»؟

كل ذلك يجيبونه : ألا نعم.

قال : «ويحكم ـ أو قال : ويلكم ـ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (١).

النص الكامل لخطبة منى :

قالوا : وخطب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس بمنى خطبة عظيمة.

وكان عم أبي حرّة الرقاشي آخذا بزمام ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يذود عنه الناس.

وسببها أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنزلت عليه سورة النصر في هذا اليوم ، فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحّلت له ، فوقف للناس بالعقبة ، فاجتمع إليه الناس ـ وفي رواية : ما شاء الله من المسلمين ـ فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ عن البخاري ومسلم ، وفي هامشه قال : البخاري ج ٣ ص ٦٧١ (١٧٤٢ و ٤٤٠٣ و ٦٠٤٣ و ٢١٦٦ و ٦٧٨٥ و ٦٨٦٨ و ٧٠٧٧).


«أما بعد أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، ألا وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

ألا هل بلغت»؟

قالوا : بلّغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال : «فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلّغ أوعى من سامع» ، ثم قال : «أي شهر هذا»؟

فسكتوا.

فقال : شهر حرام ، أي بلد هذا؟

فسكتوا ، فقال : بلد حرام ، أي يوم هذا؟

فسكتوا.

قال : «يوم حرام».

ثم قال : «إن الله تعالى قد حرم دماءكم وأموالكم ، وأعراضكم ، كحرمة شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، في يومكم هذا ، إلى أن تلقوا ربكم ، ألا هل بلغت»؟

قالوا : نعم.

قال : «اللهم اشهد».

ثم قال : «إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

قال : «اللهم اشهد ، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع ، وإن كل دم في الجاهلية


موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد بن ليث ، فقتلته هذيل ، ألا هل بلغت»؟

قالوا : نعم.

قال : «اللهم فاشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم». ثم قال : «اسمعوا مني تعيشوا ، ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا. إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه».

فقال عمرو بن يثربي : يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فاحترزتها؟

فقال : «إن لقيتها تحمل شفرة وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها».

ثم قال : «أيها الناس ، (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) (١).

ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» ، ثم قرأ :

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (٢) ثلاث متواليات : ذو القعدة ، ذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي يدعى شهر مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

__________________

(١) الآية ٣٧ من سورة التوبة.

(٢) الآية ٣٦ من سورة التوبة.


فقال : «اللهم اشهد»

ثم قال : «أيها الناس ، إن للنساء عليكم حقا ، وإن لكم عليهن حقا ، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا ، ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم ، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع ، وأن تضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم ، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإنما النساء عندكم عوان ، لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيرا ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

قال : «اللهم اشهد».

ثم قال : «أيها الناس ، إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه ، فقد رضي به ، إن المسلم أخو المسلم ، إنما المسلمون إخوة ، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه ، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله.

لا تظلموا أنفسكم ، لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض.

إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله تعالى ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.


قال : «اللهم اشهد» (١).

ونقول :

نكتفي هنا بالإشارة إلى أمور ، نتوخى منها مجرد الإيضاح والبيان.

فنقول :

تنظيم المنازل في منى :

لقد ذكر النص المتقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي حدد مواضع نزول كل فريق من الحجاج الذين حضروا الموسم ..

وقد لوحظ : أنه فصل بين المهاجرين والأنصار ، وجعل كلا على حدة ، ثم جعلهم في وسط سائر الناس.

ونظن أنه فعل ذلك لكي يعرف الناس من الذي سيثير الشغب ضده ، حين يخطب في منى ، ويذكر أهل البيت ، والأئمة الإثني عشر «عليهم‌السلام» ، وأن المهاجرين القرشيين هم الذين سيتولون ذلك .. دون الأنصار.

وجعل الناس حولهم لكي يمكّن أكبر عدد منهم ـ على اختلاف أقوامهم وانتماءاتهم ـ من الإشراف بأنفسهم على ما يجري ، «فما راء كمن سمعا».

وسيأتي بيان ذلك في باب : «الغدير والإمامة» ، إن شاء الله تعالى ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٢ و ٤٨٣ وراجع : البحار ج ٢١ ص ٣٨٠ و ٣٨١ عن الخصال ج ٢ ص ٨٤ وفيه تقديم وتأخير وزيادة ونقص ، وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٧٥.


ما المراد باستدارة الزمان؟! :

١ ـ وحول المراد من استدارة الزمان ، كهيئة يوم خلق الله تعالى السماوات والأرض نقول :

إن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر ، وهو النسيء ، ليقاتلوا فيه ، وفي السنة الثانية ينقلونه شهرا ، فيصير في ربيع الأول ، وهكذا .. فينتقل المحرم من شهر إلى شهر ، وتنتقل سائر الشهور وراءه تبعا له ، حتى يمر في جميع شهور السنة ..

فلما كانت تلك السنة ، أعني سنة حجة الوداع كان قد عاد إلى زمنه الطبيعي المخصوص به قبل ذلك النقل المتكرر ، ودارت السنة وعادت كهيئتها الأولى ، فجاء في تلك السنة متوافقا مع ذي الحجة الواقعي ..

٢ ـ وأما نسبة رجب إلى مضر ، فلأن مضرا كانت تعظم هذا الشهر ، بخلاف غيرهم ، ثم حدد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للناس الأشهر الحرم ، وذكر لهم : أن شهر رجب بين شعبان وجمادى ، لمزيد التوضيح والبيان ، لأنهم كانوا ينسئونه ، ويحولونه من شهر إلى شهر ، فكانت الأمور تختلط على الناس ، فأحب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التأكيد على موقع الشهر الحرام منذ تلك السنة لكي تستقر الأمور ، ولا يضيع الناس بسبب تأثيرات النسيء على ذهنيتهم ، وليتم ضبط أمور الشهور لديهم ..

ففتحت أسماع أهل منى :

وقد تقدم : أن الله تعالى فتح أسماع جميع أهل منى ، حتى سمعوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منازلهم. وقد حصلت هذه المعجزة له «صلى الله


عليه وآله» بعد جرأتهم عليه ، ومنعهم إياه من بلوغ مراده في عرفات ، كما سيأتي بيانه بالتفصيل في فصل : «الغدير والإمامة» ، ليفهم الناس أن الجرأة على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا تبطل نبوته ، وأن عدم اتخاذ موقف صارم ضد المتجرئين لا يعني ضعف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتخلّي ربه عنه.

ولكنه حلم وتكرم ، وإعطاء مهلة ، وإمداد للمبطلين ، الذين ظهرت حسيكة الطمع والحسد لأهل البيت «عليهم‌السلام» التي كانت تعتمل في نفوسهم ..

وإذا تأكد لدينا أن ما جرى في عرفات قد تكرر أيضا في منى ، فإن جرأتهم هذه المرة قد جاءت في نفس اللحظات التي يعاينون فيها كرامة الله تعالى له ، ولكنهم لا يبالون بها ، ويعودون لارتكاب حماقتهم في نفس هذه الخطبة التي لا تزال المعجزة تتجلى فيها مع كل كلمة ، وكل حرف ..

تحريف حديث الثقلين :

وقد حرفت رواية ابن عمر حديث الثقلين في خطبته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منى أيضا .. كما حرفوا خطبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في عرفات ، كما ألمحنا إليه فيما سبق فليلا حظ ذلك ..

على عليه‌السلام لم يشارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نحر البدن :

قالوا : ثم انصرف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى النحر بمنى ، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده الشريفة بالحربة ، وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى ، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنيّ عمره «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم أمسك ، وأمر عليا «عليه‌السلام» أن ينحر ما بقي من المائة ، ثم أمره


أن يتصدق بجلالها ، وجلودها ، ولحومها ، في المساكين ، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها ، وقال : «نحن نعطيه من عندنا» (١) ، وقال : «من شاء اقتطع» (٢).

وفي حديث ابن جريج ، عن جعفر بن محمد ، عن جابر : ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها.

قال ابن جريج : قلت : من الذي أكل مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وشرب من المرق؟

قال جعفر : علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» أكل مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وشرب من المرق.

وقول أنس : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نحر بيده سبع بدن قياما. حمله أبو محمد : على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس ، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ، ثم زال عن ذلك المكان ، وأمر عليا «عليه‌السلام» فنحر ما بقي ، أو أنه لم يشاهد إلا نحره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سبعا فقط بيده ، وشاهد جابر تمام نحره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للباقي ، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد ، أو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ، ثم أخذ هو وعلي الحربة معا ، فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ و ٤٧٧ والمجموع للنووي ج ٨ ص ٣٦١ وقد تقدمت مصادره فراجع.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ و ٤٧٧ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٥٥٨ وقد تقدمت مصادره فراجع.


وقد قال عروة بن الحارث الكندي : أنه شاهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يومئذ أخذ بأعلى الحربة ، وأمر عليا «عليه‌السلام» فأخذ بأسفلها ، ونحرا بها البدن ، ثم انفرد علي «عليه‌السلام» ينحر الباقي من المائة كما قال جابر (١).

ونقول :

لاحظ ما يلي :

لتخرس الألسنة :

لو أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أشرك أبا بكر في الهدي كما أشرك عليا «عليه‌السلام» ، أو أشركه بما هو أقل من هذا ، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها في التحليلات ، والإستفادات ، والإستدلالات على عظمة ومنزلة أبي بكر ، وعلى إمامته وخلافته ، وربما يترقى بهم الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير و .. و .. الخ ..

بل إن إساءات وضعف وأخطاء أبي بكر وعمر ، تعتبر فضائل وكرامات ، وإشارات ودلالات ، وقد تجلى ذلك في موقفهم من كلمة عمر : إن النبي ليهجر ، فإنهم اعتبروا هذه الكلمة سببا في إنقاذ الإسلام والأمة من أمر عظيم!! كما سنرى ..

ولكن حين يتعلق الأمر بعلي «عليه‌السلام» ، فإن الألسنة تخرس ، والمحابر تجف ، والأقلام تلتوي وتعيا عن أن تسجل عشر معشار ما حصل ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ و ٤٧٧.


فهل يتوقع منها أن تشير إلى شيء من الدلالات واللمحات؟!. بل تلهج ليل نهار بالتأويلات الهادفة إلى إفراغ مواقفه الرائدة والعظيمة من محتواها.

نحرا على عدد سني عمرهما :

إنه إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نحر ثلاثا وستين بدنة على عدد سني عمره ، فإن عليا «عليه‌السلام» أيضا قد نحر الباقي ، وكان على عدد سني عمره أيضا. وليس لنا أن نقطع بأن ذلك قد جاء على سبيل الصدفة ، للإحتمال القوي أن يكون مرادا له ومقصودا ..

المرجع هو أحاديث العترة :

بالنسبة للإختلاف في عدد الإبل التي نحرها الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكيفيته ، وفي استقلاله بذلك أو في مشاركته عليا «عليه‌السلام» لا سبيل إلى الجزم بذلك إلا إذا وجد أهل البيت «عليهم‌السلام» ضرورة للتحديد والبيان ، فيتعين العودة إليهم ، والأخذ منهم ، فإن أهل البيت «عليهم‌السلام» أدرى بما فيه ..

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم شعره للتبرك به :

قالوا : لما أكمل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نحره استدعى بالحلاق ، فحلق رأسه ، فقال للحلاق ـ وهو معمر بن عبد الله بن نضلة ـ وحضر المسلمون يطلبون من شعره ـ وهو قائم على رأسه بالموسى ، ونظر في وجهه وقال : «يا معمر ، أمكنك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من شحمة أذنه ، وفي يدك الموسى»!!.


قال معمر : فقلت : أما والله يا رسول الله ، إن ذلك من نعم الله علي ومنّه.

قال للحلاق : «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه.

ثم أشار إلى الحلاق ، فحلق جانبه الأيسر ، ثم قال : «ها هنا أبو طلحة» ، فدفعه إليه (١).

قال ابن سعد : وحلق رأسه ، وأخذ من شاربه وعارضيه ، وقلم أظفاره ، وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن (٢).

وروى البخاري عن أنس : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره ، قال : وهذا لا يناقض رواية مسلم.

وفي رواية : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعطاه أم سليم ، ولا يعارض هذا أنه دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته.

وفي لفظ : فبدأ بالشق الأيمن ، فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٧ و ٤٧٨ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ١٩ ص ٤١٣ و ٤١٤ ومسند أبي يعلى ج ٥ ص ٢١١ وصحيح ابن حبان ج ٤ ص ٢٠٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٨ وقال في هامشه : البخاري ج ١ ص ٢٧٣ (١٧١) ومسلم ج ٢ ص ٩٤٧ (٣٢٣ / ١٣٠٥) ، (٣٢٦ / ١٣٠٥) ، وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٧٤ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١١٦ وج ١٠ ص ٥٠.


ثم قال : بالأيسر ، فصنع به مثل ذلك ، ثم قال : «هاهنا أبو طلحة» فدفعه إليه.

وفي لفظ ثالث : دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر ، ثم أظفاره وقسمها بين الناس.

وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق ، فدفعها إليه ، فكان يجعلها في مقدم قلنسوته ، فلا يلقى جمعا إلا فضه.

وحلق أكثر أصحابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقصر بعضهم ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم اغفر للمحلقين» ، ثلاثا ، كل ذلك يقال : والمقصرين يا رسول الله ، فقال : «والمقصرين في الرابعة» (١).

ومما يدخل في هذا السياق يعني سياق دعوة الناس للتبرك قولهم : إنه مج في دلو ، فأفرغ على سقايتهم في زمزم (٢) ..

ونقول :

إننا نشير هنا إلى بعض الأمور ، فنقول :

قصة الحلاق :

إن روايتهم لقصة الحلاق هنا قد اختلفت عما روي عن أهل البيت «عليهم‌السلام» ، فقد تقدم عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : أن قريشا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٨ ومستدرك الوسائل ج ١٠ ص ٧ و ١٣٥ والبحار ج ٩٦ ص ٣٠٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٤٠٢ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١١٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧١٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٩.


قالت للحلاق : «أي معمر ، أذن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في يدك ، وفي يدك الموسى»؟.

لكن روايتهم هنا تقول : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي قال لمعمر ذلك ..

وقد قلنا هناك : إن من القريب جدا أن يكون الذين قالوا ذلك لمعمر كانوا يريدون إغراءه بقتل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بصورة مبطنة ..

ولعل الرواية عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» هي الأولى بالإعتبار ، إذ لا يمكن أن يقول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك لمعمر ، لأنه إن كان يقصد إغراءه بالقتل ، فذلك لا يمكن صدوره عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأن الإغراء بالقتل من أعظم الجرائم ، فكيف إذا كان المقصود هو أن يغريه بقتل نفسه ، وكيف إذا كان أكرم الخلق ، وأعظم الأنبياء ، وسيد المرسلين؟!

وإن كان المقصود : هو اتهام معمر بأنه يقصد ذلك ، أو يراد جعله في دائرة الإحتمال بنظر الناس ، فذلك لا يصدر من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا ، إذ لا يحق له اتهام الناس بلا مبرر ودليل ..

وإن كان المقصود هو المزاح والملاطفة ، فالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يمزح بما يثير الشبهة ، ويعطي الإنطباع السلبي عن الأبرياء ..

إصرار عائشة بلا مبرر :

ورغبت إليه عائشة تلك الليلة ـ أعني ليلة النفر من منى ـ : أن يعمرها عمرة منفردة.

فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها.


فأبت إلا أن تعتمر عمرة منفردة.

فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم.

ففرغت من عمرتها ليلا ، ثم وافت المحصب مع أخيها ، فأتيا في جوف الليل ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فرغتما؟

قالت : نعم.

فلما كانت ليلة الحصبة قلت : يا رسول الله ، يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة.

فقال : «أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة»؟

قلت : لا.

قال : «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم ، فأهلي بعمرة ، ثم موعدك مكان كذا وكذا» (١).

قالت عائشة : فلقيني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مصعدا على أهل مكة وأنا منهبطة ، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها.

وظاهر هذا : أنهما تقابلا في الطريق ، وفي الأول : أنه انتظرها في منزله ، فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه.

وقولها : وهو مصعد من مكة ، وأنا منهبطة عليها للعمرة ، ينافي انتظاره

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٤ وراجع : نيل الأوطار ج ٥ ص ٥٩ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٢٢ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٥١ و ١٩٦ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٣٣ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٧٨ وعمدة القاري ج ٩ ص ١٩٥ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٩٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٦٦ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ٢٠٣ وتغليق التعليق ج ٣ ص ١١٤.


لها في المحصب.

قال : فإن كان حديث الأسود محفوظا عنها ، فصوابه : (لقيني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأنا مصعدة من مكة ، وهو منهبط إليها ، فإنها طافت وقضت عمرتها ثم أصعدت لميعاده ، فوافته وهو قد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع ، فارتحل وأذن في الناس بالرحيل).

ولا وجه لحديث الأسود غير هذا (١).

ونقول :

١ ـ إذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخبر عائشة : أنه لا داعي لتلك العمرة التي طلبتها ، فلماذا تصر على فعل شيء يخبرها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه لم يعد له مكان؟ وهل بقي ذلك مستحبا إذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عرّفها أنه لم يعد له مكان بعد حجها؟!

٢ ـ ولو فرضنا : أن ذلك كان منها طمعا في الثواب ، فلماذا تحرج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أمر أظهر أنه يرغب بخلافه؟ أليس ذلك يوجب حبط عملها لو كان عملها مستحبا؟! وألا يسقط استحبابه ، ويحبط أجره ـ لو سلمنا باستحبابه ـ حين تكون قيمته هي أذى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإرباك حركته وتفويت ما يرغب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعدم تفويته؟!.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٤ وراجع : مسند إسحاق بن راهويه ج ٣ ص ٨٦٢ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٣.


عائشة تعتمر رغم نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

عن عائشة قالت : أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت ، فقضيت عمرتي ، وانتظرني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالأبطح حتى فرغت ، وأمر الناس بالرحيل (١) ..

كما أن أم سلمة لم تكن قد طافت ، وأرادت الخروج ـ وكانت قد اشتكت ، فأمرها أن تطوف على بعيرها من وراء الناس ، والناس يصلون ـ أي الصبح ـ فطافت كذلك (٢) ..

ونقول :

إنه لا كلام لنا على حديث طواف أم سلمة. ولكننا نريد أن نشير إلى بعض ما يرتبط بعمرة عائشة ، فنقول :

أولا : يفهم مما ذكرناه آنفا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن راضيا

__________________

(١) السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٠ عن البخاري ومسلم ، وأبي داود ، وراجع : سنن أبي داود ج ١ ص ٤٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١.

(٢) السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١١ عن البخاري ، وراجع : كتاب الموطأ لمالك ج ١ ص ٣٧١ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٣٨٨ و ٤١٥ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٣٩١ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٣٩٤ و ٣٩٥ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٥٥٩ والمحلى لابن حزم ج ٤ ٢٤٢ ونيل الأوطار ج ٥ ص ١٢٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٩٠ وصحيح البخاري ج ١ ص ١١٩ وج ٢ ص ١٦٤ و ١٦٧ وج ٦ ص ٤٩ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٦٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٢٠ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٢٣ وغير ذلك من مصادر فراجع.


باعتمار عائشة ، حتى لقد قالت له : «أترجع نساؤك بحجة وعمرة معا ، وأرجع بحجة»؟ (١).

ثانيا : قال ابن عباس : والله ، ما أعمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك.

وقال : كانوا يرون : أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض (٢) ..

ونلاحظ هنا على رواية ابن عباس : أنه لا شك في أنه قد كان لدى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما يدعوه إلى الإسراع بالخروج ، ولكن إصرار عائشة قد منعه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من المضي لإنجاز ذلك الأمر الهام.

اللهم اغفر للمحلقين :

وقد تقدم في النص السابق : أن بعض أصحابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصر على التقصير ، ولم يرض بالحلق. وقد مر نظير ذلك في الحديبية ..

وهذا يعطي : أن عدم حلق الناس في الحديبية ، لم يكن بسبب حنقهم

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٧ و ٢١٨ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٣ و ١٥٤ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٦٥ و ٢٦٦ ومسند إسحاق بن راهويه ج ٣ ص ٦٤٣ وتفسير مجمع البيان ج ٢ ص ٤٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٥.

(٢) الغدير ج ٦ ص ٢١٧ عن صحيح البخاري ج ٣ ص ٦٩ وعن صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥٥ وسنن البيهقي ج ٤ ص ٣٤٥ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٨٠.


لأجل عدم دخول مكة ، بل كان لأمر آخر. قد يكون له ارتباط بعدم صحة اعتقادهم ، أو بعدم الرغبة في التخلي عن الرسوم التي كانت لدى أهل الجاهلية ، أو بعدم مبالاتهم بمراعات الأحكام الشرعية .. أو بغير ذلك ..

كما أن هذا التصرف الذي ظهر منهم في حجة الوداع يمثل فضيحة أخرى لهم ، ويبين أن ما يدعونه لأنفسهم من الطاعة لله ورسوله ، أو ما يدّعى لهم من العدالة والإستقامة ، هو مجرد ادّعاءات ، أو شعارات ترفع لتلافي الإحراج ، في مواقع الإستدلال والإحتجاج ..

تبرك الصحابة :

ورغم ظهور هذه الهنات في سلوك كثير من صحابة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإن ذلك لم يمنع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أن يوزع شعره وأظفاره على الناس لأجل التبرك ، لأن ذلك يدخل في دائرة التشريع ، والتعليم لهم ، ولا يختص أثره بأهل تلك الحقبة ، بل يمتد إلى كل مسلم يأتي عبر الأجيال والأحقاب ..

هذا بالإضافة إلى أنه يفيد خالصي الإيمان منهم ، وكذلك الحال بالنسبة للتائبين والنادمين.

التبرك ، في معناه ومغزاه :

وإذا أردنا أن نعرف مغزى تشريع التبرك بالأنبياء والأوصياء ، وآثارهم ، حسبما أكده النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للناس في مناسبات كثيرة ، ومنها هذا المورد الذي نحن بصدد الحديث عنه ، فعلينا أن نرجع أولا إلى معنى البركة في اللغة ، لنجد أنها تعني : النماء والزيادة ، فالتبرك : هو طلب ذلك ..


فإذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوجه الناس إلى التبرك ، فهو يوجههم إلى طلب الفاقد للنماء والزيادة من الواجد ، من خلال الإقتراب منه والإتصال به ..

والله هو مصدر الفيض لكل هذا الوجود وما فيه ، فالإتصال به ولو بمستوى الإتصال الشكلي أو الرمزي ، أو الروحي بصفيّه ونبيه ، بإظهار الحب ، وبالتعبير عن القناعة الوجدانية ـ إن هذا الإتصال من موجبات النماء والزيادة ، ويهيء لهذا الفيض ، الذي هو مرهون باستجلاب الرضا والمحبة والفوز بالعناية والرعاية ، والمنح والألطاف ..

وبذلك نعرف : أن التبرك معناه : الشعور بالحاجة والنقص والضعف ، أو بالحاجة إلى الإنتقال من حسن إلى أحسن ، ومن مرحلة إلى مرحلة أسمى منها ..

كما أنه يعني : بلورة إرادة التكامل والتسامي ، والخروج من هذا الواقع إلى ما هو أفضل منه وأمثل.

كما أن التبرك ينتهي بالإنسان إلى الدخول في آفاق الرحمة الإلهية ، والإنطلاق في رحابها ، بعد أن يكون الإنسان قد حرر نفسه من كل قيد يشده إلى الأرض ، ومن كل عبودية وبعد أن يملك قراره ، وحريته ، واختياره ..

ثم هو يعني : الشعور بالقوة ، وبالغنى عن الخلق ، والتخلي عن الأنا ، والإبتعاد عن الغرور والعنجهية.

وهو أخيرا : يدفع الإنسان إلى مراقبة نفسه ، وتهذيبها ، ورسم ملامحها وفق ما يرضي من يسعى لنيل رضاه ، ويرى في ذلك غاية الفوز بمبتغاه ..


النفر من منى :

قالوا : وكان يوم الثلاثاء ، فركب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والمسلمون معه ، فنفر بهم من منى ، فنزل المحصب ـ وهو واد بين مكة ومنى ـ فصلى بهم العصر ، وهو بالأبطح ، وهو خيف بني كنانة ، حيث تقاسم المشركون على الكفر ، ثم هجع هجعة بعد العشاء الآخرة ، ثم دخل مكة فطاف بالبيت (١) ..

وهذا يشير إلى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قصد أن ينزل بالمحصب ، مراغمة لمشركي قريش لما كتبوا الصحيفة التي التزموا فيها بمصارمة بني هاشم وبني المطلب ، حيث حصروهم في شعب أبي طالب «عليه‌السلام».

وهذا هو الموضع الذي نزل فيه عام الفتح أيضا ..

وقد حاول بعضهم أن يدّعي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يتعمد ذلك (٢) ، ولعله لكي يخفف من حدة وقع هذا الإجراء على رؤوس الحاقدين على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعلى دينه ..

لم يدخل صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت ولم يطف :

وقد زعمت الروايات : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد نفره من منى دخل مكة ، وطاف بالبيت ، وبقي إلى صباح اليوم التالي ، فصلى الصبح ، ثم

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٠٥ ـ ٤٠٨ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٨ ونيل الأوطار ج ٥ ص ١٦٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١١٠ و ١٢٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٤.

(٢) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٠٨ و ٤٠٩.


ارتحل (١) ..

ولكننا نقول :

أولا : إن الروايات الصحيحة ، الواردة عن أهل البيت «عليه‌السلام» تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفر حتى انتهى إلى الأبطح ، فطلبت عائشة العمرة ، فأرسلها ، فاعتمرت ، ثم أتت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فارتحل من يومه ، ولم يدخل المسجد الحرام ، ولم يطف بالبيت (٢) ..

ثانيا : عن جابر قال : خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من مكة عند غروب الشمس ، وصلى المغرب في سرف (٣) ، وهذا معناه : أنه لم يصلّ المغرب والعشاء ، ولا الصبح في مكة في اليوم التالي ، كما زعموه ..

فلا يصح قولهم : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لما فرغ من صلاة الصبح ، طاف بالبيت سبعا ، ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود ، وبين باب الكعبة ، فدعا الله عزوجل وألزق جسده بجدار الكعبة.

ولا يصح أيضا ما روي عن بعضهم : أنه رأى رسول الله «صلى الله

__________________

(١) السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٠٦ و ٤٠٧ و ٤١٠ و ٤١١ والمغازي ج ٣ ص ١١١٤ وراجع : مغني المحتاج ج ١ ص ٤٧٢.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٤٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ وراجع : تهذيب الأحكام ج ٥ ص ٢٧٥ و ٤٥٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٧ و ٢١٨ وج ١٤ ص ٢٨٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٣ وج ٨ ص ١٥٤ وج ١٠ ص ٢٢٩ ومستطرفات السرائر لابن إدريس ص ٥٥٣ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ وج ٩٦ ص ٣٢٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٥ وج ١٠ ص ٣٥٥.

(٣) راجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٣٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٢.


عليه وآله» ، يلزق وجهه ، وصدره بالملتزم (١) ..

غير أن ذلك لا يعني أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يفعل ذلك كله ، بل الظاهر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد وقف في الملتزم ، وألزق جسده به ، وغير ذلك ، لكن في الأيام التي سبقت على النفر من منى ..

عمرة في رمضان تعدل حجة معه :

وقالوا : إنه بعد رجوع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من حجة الوداع ، أعلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة معه (٢) ..

لكننا نقول :

قد يقال : إن السبب في ذلك هو : أن مرض الجدري أو الحصبة انتشر في الناس بعد إعلان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن عزمه على المسير إلى الحج ، فمنعت من شاء الله أن تمنع من الحج .. فإن صح ذلك ، فإن إعلان هذا الأمر بعد عودته ، قد يسهم في جبر النفوس الكسيرة ، التي آلمها حرمانها من نيل شرف المسير مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١١ و ٤١٢ وتلخيص الحبير ج ٧ ص ٤٢٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٦٤ وسنن الدارقطني ج ٢ ص ٢٥٤ ونصب الراية للزيلعي ج ٣ ص ١٨٥ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ٣٠ وكنز العمال ج ٧ ص ٩٣ والكامل لابن عدي ج ٦ ص ٤٢٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٢.

(٢) راجع سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٠ عن ابن سعيد.


غير أننا نقول عن الإعتمار في شهر رمضان :

إننا لم نجد فيما روي عن أهل بيت العصمة «عليهم‌السلام» ، ما يدل على فضل العمرة في شهر رمضان على ما سواها ، بل وجدنا ما روي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : «أفضل العمرة ، عمرة رجب» (١) ..

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سئل اي العمرة أفضل؟ عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال : لابل عمرة في شهر رجب أفضل (٢).

وعنه «عليه‌السلام» : «اعتمر في أي شهر شئت ، وأفضل العمرة ، عمرة رجب» (٣) ..

وعنهم «عليهم‌السلام» : «لكل شهر عمرة» (٤) ..

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٨٨ والبحار ج ٩٦ ص ٣٣٢ و ٣٣١ وعن علل الشرائع ص ٤٠٨.

(٢) ذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٦٩٧ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ٣٣٠ ورياض المسائل ج ٧ ص ١٧٦ ومستند الشيعة ج ١٣ ص ١٢١ وراجع جواهر الكلام ج ٢٠ ص ٤٥٨ وجامع المدارك ج ٢ ص ٥٥٨ والإحصار والصد ص ١٧٢ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤٥٤ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٤ ص ٣٠١ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٤ ص ٣٠١.

(٣) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٤ والبحار ج ٩٦ ص ٣٣٣ ومستدرك الوسائل ج ١٠ ص ١٧٦.

(٤) قرب الإسناد ص ١٦٢ والبحار ج ٩٦ ص ٣٣١ ومختلف الشيعة ج ٤ ص ٣٦٠ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ٣٢٠ ورياض المسائل ج ٧ ص ١٧٩ ومستند الشيعة ج ١١ ص ١٦٣ وج ١٣ ص ١٢١ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤٥٨ والإستبصار ـ


ولعل الصحيح هنا ما روي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» عندما سأله الوليد بن صبيح :

«قال : قلت لأبي عبد الله «عليه‌السلام» : بلغنا أن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة.

فقال : إنما كان ذلك في امرأة وعدها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال لها : اعتمري في شهر رمضان فهي لك حجة» (١).

فالظاهر من هذه الرواية اختصاص هذا الفضل بتلك المرأة لوعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وضمانه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها بقرينة «فهي لك حجة».

يويد ذلك ما روي من حديث أم معقل الذي أخرجه أيضا النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت : «أردت الحج فاعتل بعيري ، فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة» (٢).

__________________

ج ٢ ص ١٥٦ و ٣٢٦ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٣٢ و ١٦٤ و ٤٣٥ والبحار ج ٩٦ ص ٣٣١ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٤٠ وغير ذلك من المصادر فراجع.

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٣٦ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٦ ص ٢٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٤٦٢ وجواهر الكلام ج ٢٠ ص ٤٥٩ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٤ ص ٣٠٤ و (ط دار الإسلامية) ج ١٠ ص ٢٤١.

(٢) مسند أحمد ج ٦ ص ٤٠٦ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٣٠ وفتح الباري ج ٣ ص ٤٨٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤٧٢ والمعجم الكبير للطبراني ج ٢٥ ص ١٥٥ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ١٠٦ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ٥٦.


وأما رواية علي بن حديد التي تقول : «كتبت إلى أبي جعفر «عليه‌السلام» أسأله عن الخروج في عمرة شهر رمضان أفضل ، أو أقيم حتى ينقضي الشهر وأتم صومي؟ فكتب إلي كتابا قرأته بخطه :

سألت يرحمك الله عن أي العمرة أفضل ، عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك الله» (١).

فالمراد بها كما قال المحقق النراقي وغيره : أن العمرة في شهر رمضان أفضل من الإقامة والصوم ، كما يدل عليه صدرها (٢).

إعتمار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد حجة الوداع :

وقد زعمت روايات غير أهل البيت «عليهم‌السلام» : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اعتمر في حجة الوداع ، فقد روي عن ابن عباس : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اعتمر أربع عمر ، عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، وعمرة الجعرانة ، والعمرة التي مع حجة الوداع (٣) ..

ولكن المروي عن أئمة أهل البيت «عليهم‌السلام» ـ وهم أدرى بما فيه ـ :

__________________

(١) مستند الشيعة ج ١٣ ص ١٢١ وجواهر الكلام ج ٢٠ ص ٤٥٩ والكافي ج ٤ ص ٥٣٦ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٤ ص ٣٠٤ وخاتمة المستدرك ج ٥ ص ٣٣٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٤٦٣.

(٢) مستند الشيعة ج ١٣ ص ١٢١ وراجع جواهر الكلام ج ٢٠ ص ٤٥٩ والإحصار والصد ص ١٧٣.

(٣) البحار ج ٢١ ص ٣٩٧ و ٣٩٨ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٥٢ وعن الطبري ، وعن الخصال ج ١ ص ٩٣ وتقدم ذكر المصادر فراجع.


أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اعتمر ثلاث عمر متفرقات ، هي : الحديبية ، والقضاء ، والجعرانة ، بعد رجوعه من الطائف من غزوة حنين (١) ..

وعن أبي عبد الله «عليه‌السلام» ، قال : ذكر أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اعتمر في ذي القعدة ثلاث عمر ، كل ذلك يوافق عمرته ذا القعدة (٢) ..

في الطريق إلى المدينة :

وفي العودة إلى المدينة : خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أسفل مكة ، عند غروب الشمس (٣) ، فصلى المغرب في سرف ـ على بعد تسعة أميال من مكة ..

ثم واصل سيره ومعه مئات الألوف من الناس ، حتى بلغ غدير خم ، حيث أخذ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» البيعة لعلي «عليه‌السلام» بالإمامة بعده ، كما سنرى في الأبواب والفصول التالية.

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ٣٩٨ و ٤٠٠ و ٤٠١ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٥٢ وعن الكافي (الفروع) ج ١ ص ٢٣٥ وتقدم ذكر المصادر فراجع.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٥٢.

(٣) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٢ ومسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٣٠٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٦ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ١٣٤ وكنز العمال ج ٨ ص ٢٤٧ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣٠٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٣٥.


الباب الحادي عشر

الغدير في الحديث والتاريخ

الفصل الأول : الغدير والمعارضون

الفصل الثاني : الموقف. الفضيحة

الفصل الثالث : في حدود المكان والزمان

الفصل الرابع : حديث الغدير وأسانيده

الفصل الخامس : في ظلال حديث الغدير

الفصل السادس : في ظلال آيات الغدير

الفصل السابع : سورة المائدة متى نزلت وكيف؟!

الفصل الثامن : شبهات .. وأجوبتها

الفصل التاسع : الغدير في ظل التهديدات الإلهية



الفصل الأول :

الغدير والمعارضون



توطئة وتمهيد :

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١).

نزلت هذه الآية الشريفة في حجة الوداع ، لتؤكد على لزوم تبليغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما أمر به من أمر الإمامة. وولاية علي «عليه الصلاة والسلام» على الناس. كما ذكرته المصادر الكثيرة والروايات الموثوقة .. ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك.

وقد يرى البعض : أن هذه الآية قد تضمنت تهديدا للرسول نفسه ، بالعذاب والعقاب إن لم يبلّغ ما أنزل إليه من ربه ، وفي بعض الروايات الآتية : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذكر ذلك في خطبته للناس يوم الغدير.

ولكننا نقول :

إن التهديد الحقيقي موجه لفئات من الناس كان يخشاها الرسول ، كما صرح به هو نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولم يكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


ممتنعا عن الإبلاغ ، ولكنه كان ممنوعا منه ، فالتهديد له ـ إن كان ـ فإنما هو من باب : «إياك أعني ، واسمعي يا جارة».

وهذا بالذات ، ما نريد توضيحه في هذا البحث ، بالمقدار الذي يسمح لنا به المجال ، والوقت فنقول :

الغدير والإمامة :

إن من يراجع كتب الحديث والتاريخ ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار الثابتة ، والصحيحة ، الدالة على إمامة علي أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» ، ولسوف لا يبقى لديه أدنى شك في أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وسلم لم يأل جهدا ، ولم يدخر وسعا في تأكيد هذا الأمر ، وتثبيته ، وقطع دابر مختلف التعلّلات والمعاذير فيه ، في كل زمان ومكان ، وفي مختلف الظروف والأحوال ، على مر العصور والدهور.

وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية ، وشتى المضامين البيانية : فعلا وقولا ، تصريحا ، وتلويحا ، إثباتا لجانب ونفيا لجانب آخر ، وترغيبا وترهيبا ، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره ، في تنوعه ، وفي مناسباته.

وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية ، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رسميا عليا «عليه‌السلام» بعد انتهائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من حجة الوداع في مكان يقال له : «غدير خم». وأخذ البيعة له فعلا من عشرات الألوف من المسلمين ، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة.


وهدفنا هنا هو الإلماح إلى حدث حصل في نفس حجة الوداع التي هي حجته الوحيدة وذلك في يوم عرفة ومنى.

لأن التعرف على هذا الحدث الذي سبق قضية الغدير لسوف يمكننا من أن نستوضح جانبا من المغزى العميق الذي يمكن في قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١). ولكننا قبل ذلك ، لا بد لنا من إثارة بعض النقاط المفيدة في هذا المجال فنقول :

الحدث الخالد :

إن من طبيعة الزمن في حركته نحو المستقبل ، وابتعاده عن قضايا الماضي ، هو أن يؤثر في التقليل من أهمية الأحداث الكبيرة ، التي يمر بها ، وتمر به ، ويساهم في أفولها شيئا فشيئا ، حتى تصبح على حد الشبح البعيد البعيد ، ثم قد ينتهي بها الأمر إلى أن تختفي عن مسرح الذكر والذاكرة ، حتى كأن شيئا لم يكن.

ولا تحتاج كبريات الحوادث في قطعها لشوط كبير في هذا الاتجاه إلى أكثر من بضعة عقود من الزمن ، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت.

وحتى لو احتفظت بعض معالمها ـ لسبب أو لآخر ـ بشيء من الوضوح ، ونالت قسطا من الاهتمام ، فلا يرجع ذلك إلى أن لها دورا يذكر في حياة الإنسان وفي حركته ، وإنما قد يرجع إلى أنها أصبحت تاريخا مجيدا ، يبعث الزهو والخيلاء لدى بعض الناس ، الذين يرون في ذلك شيئا يشبه

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


القيمة ، أو يعطيهم بعضا من الاعتبار والمجد بنظرهم ، وربما يكون ثمة أسباب أخرى أيضا.

ولكن قضية الغدير ، رغم مرور الدهور والأحقاب ، وبعد ألف وأربع مائة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة ، وبالقضايا الغريبة ، ومشحونة بالحروب والكوارث ، وبالعجيب من القضايا والحوادث.

ورغم المحاولات الجادة ، والمتتابعة للتعتيم عليها ، وإرهاقها بالتعليلات والتعللات غير المعقولة ، باردة كانت أو ساخنة ، بهدف حرفها عن خطها القويم ، وعن الاتجاه الصحيح والسليم.

وكذلك رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهاد وغربة ، وتشريد ومحنة ، وما يصب على رؤوسهم من بلايا ومصائب ، وكوارث ونوائب.

نعم ، رغم ذلك كله وسواه ، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية كبرى للإيمان وللإنسان ، قد بقيت ولسوف تبقى القضية الأكثر حساسية وأهمية ، لأنها الأكثر صلة بالإيمان وبالإنسان ، والأعمق تأثيرا في حياة هذا الكائن ، وفي بنية شخصيته من الداخل ، وعلى علاقاته بكل من وما يحيط به ، أو يمت إليه بأدنى صلة أو رابطة من الخارج.

وهي كذلك القضية الأكثر مساسا وارتباطا بمستقبل هذا الإنسان ، وبمصيره ، إن في الدنيا ، وإن في الآخرة.

وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بكل حيويتها ، وحساسيتها بالنسبة إليه ، على مر الدهور ، وتعاقب العصور ، ولسوف تبقى كذلك كما سيتضح فيما يأتي.


مفتاح الحل :

وإذا كان الأمر كذلك فلا مجال للإصغاء لما قد يثيره البعض ، من أنه : سواء أكان الحق في ذلك لعلي «عليه‌السلام» ، وقد اغتصب منه ، وأقصي عن منصب هو له ، أم لم يكن الأمر كذلك ، فإن هذه القضية قد تجاوزتها الأحداث ، وأصبحت تاريخا يحكيه البعض ، وينساه آخرون ، كأي حدث تاريخي آخر.

فلم يعد الوقوف عندها والاهتمام بها مجديا ، ولا مفيدا ، إن لم نقل : إن فيه ما يوجب الفرقة ، ويرسخ التباعد ، بما يثيره من كوامن وضغائن.

نعم .. لا مجال لهذا القول ؛ فإن قضية الغدير ، لا تزال ولسوف تبقى هي القضية الأساسية والرئيسة بالنسبة للمسلمين بل للناس جميعا ، وهي المفتاح للباب الذي لا بد من الدخول منه لحل المشاكل المستعصية الكبرى ، وبعث الإسلام العزيز من جديد ، وبناء قوته ، وبث الحياة والحيوية في أبنائه.

وبدون ذلك ، فإن على الجميع أن يستعدوا لمواجهة المزيد من المصائب ، وأن يقبلوا ـ شاؤوا أم أبوا ـ باستمرار حالة الضعف والتقهقر ، بل وانهيار بناء الإسلام الشامخ.

خلافة أم إمامة :

وما ذلك إلا لأن القضية لا تقتصر على أن تكون مجرد قضية خلافة وحكم وسلطة في الحياة الدنيا ، ولا هي قضية : أن يحكم هذا ، أو يحكم ذاك ، لسنوات معدودة ، وينتهي الأمر .. وإن كان ربما يقال : إن الذين تصدوا للحكم ، واستأثروا به لأنفسهم قد قصدوا ذلك.


ولكننا نجد شواهد كثيرة قد لا تساعد على هذا الفهم الساذج للأمور.

وإنما هو يتجاوزه لما هو أهم وأخطر ، وأدهى وأعظم ، فقد عمل الحكام الأمويون على تكريس مفهوم الإمامة والخلافة الإلهية في كل شخصية تصدت للحكم. وذلك في نطاق تقديم العديد من الضوابط والمعايير ، المستندة إلى مبررات ذات طابع عقائدي في ظاهر الأمر ، يتم على أساسها اضطهاد الفكر والاعتقاد المخالف ، والتخلص من رجالاته بطريقة أو بأخرى.

وقد سرت تلك المفاهيم المخترعة في الناس ، وأصبحت أمرا واقعا ، لا مفر منه ولا مهرب ، ولا ملجأ منه ولا منجى. وتفرقت الفرق ، وتحزبت الأحزاب ، رغم أن غير الشيعة من أرباب الفرق والمذاهب الإسلامية يدّعون شيئا ، ويمارسون شيئا آخر ، فهم يعتقدون بالخلفاء أكثر مما يعتقده الشيعة في أئمتهم ، ويمارسون ذلك عملا ، ولكنهم ينكرون ذلك ، ولا يعترفون به قولا ، بل هم ينكرون على الشيعة اعتقادهم في أئمتهم ما هو أخف من ذلك وأيسر.

دور الإمامة في بناء الإنسان والحياة :

وليس من الغريب القول بأن معرفة قضية الإمامة وتحديد الموقف منها هو الذي يحدد مسار الإنسان واتجاهه في هذه الحياة. وعلى أساس هذا التحديد ، والمعرفة والاعتراف يتحدد مصيره ، ويرسم مستقبله ، وبذلك تقوم حياته ، فيكون سعيدا أو شقيا ، في خط الإسلام وهداه ، أو في متاهات


الجاهلية وظلماتها ، كما أشير إليه في الحديث الشريف : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» أو ما بمعناه (١).

فعلى أساس الإعتقاد بالإمامة وطريقة التعامل معها يجسد الإنسان على صعيد الواقع ، والعمل ، مفهوم الأسوة والقدوة ، الذي هو حالة طبيعية ، يقوم عليها ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ بناء وجوده وتكوين شخصيته ، منذ طفولته.

كما أن لذلك تأثيره الكبير في تكوينه النفسي ، والروحي ، والتربوي ، وفي حصوله على خصائصه الإنسانية ، وفي حفاظه على ما لديه منها.

وعلى أساس هذا الإعتقاد ، وذلك الموقف ـ أيضا ـ يختار أهدافه ، ويختار السبل التي يرى أنها توصله إليها.

والإمامة هي التي تبين له الحق من الباطل ، والحسن من القبيح ، والضار من النافع.

__________________

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ٣٩٠ عن التفتازاني في شرح المقاصد ج ٢ ص ٢٧٥ وكنز الكراجكي ص ١٥١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٢١٧ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٢٤ و ٢٢٥ و ٢١٩ و ٢١٨ ومسند أحمد ج ٤ ص ٩٦ والبحار ج ٢٣ ص ٩٢ و ٨٨ و ٨٩ وج ٢٩ ص ٣٨ وج ٣٢ ص ٣٣١ وفي هوامشه عن : الإختصاص ص ٢٦٩ وعن إكمال الدين ص ٢٣٠ و ٢٣١ وعن عيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» ص ٢١٩ ومنتخب الأثر ص ١٥ عن الجمع بين الصحيحين والحاكم. وراجع : الرسائل العشر للشيخ الطوسي ص ٣١٧ والصراط المستقيم ج ١ ص ١١١ والثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي ص ٤٩٥.


وعلى أساس الإلتزام بخطها يرتبط بهذا الإنسان أو بذاك ، ويتعاون معه ، ويتكامل ، أو لا يفعل ذلك.

كما أنها هي التي تقدم للإنسان المعايير والنظم ، والمنطلقات التي لا بد أن يلتزم بها ، وينطلق منها ، ويتعامل ويتخذ المواقف ـ إحجاما أو إقداما ـ على أساسها.

أضف إلى ذلك : أنها تتدخل في حياته الخاصة ، وفي ثقافته ، وفي أسلوبه وفي كيفية تفكيره.

ومن الإمام يأخذ معالم الدين ، وتفسير القرآن ، وخصائص العقائد ، ودقائق المعارف. وهذا بالذات هو السر في اختلاف الناس في ذلك كله ، واختلفوا في تحديد من يأخذون عنه دينهم ، وفي من يتخذونه أسوة وقدوة.

إذن .. فموضوع الغدير ، ونصب الإمام للناس ، وتعريفهم به ، لا يمكن أن يكون على حد تنصيب خليفة ، أو حاكم ، أو ما إلى ذلك ، بل الأمر أكبر وأخطر من ذلك .. كما أنه ليس حدثا عابرا فرضته بعض الظروف ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى تبعا لتلاشي وانتهاء الظروف التي فرضته أو أوجدته ، وليصبح في جملة ما يحتضنه التاريخ من أحداث كبيرة ، وصغيرة ، لا يختلف عنها في شيء ، ولا أثر له في الحياة الحاضرة إلا بمقدار ما يبعثه من زهو ، واعتزاز ، أو يتركه من مرارة وألم على مستوى المشاعر والانفعالات لا أكثر.

بل أمر الإمامة ، يمس في الصميم حقيقة هذا الإنسان ، ومصيره ومستقبله ، ودنياه وآخرته ، ويؤثر في مختلف جهات وجوده وحياته.

ومعنى ذلك : هو أنه لا بد من حسم الموقف في هذا الأمر ، ليكون


الإنسان على بصيرة من أمره ، فلا يموت ميتة جاهلية. كما تقدم عن الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

واشتراط الحديث الشريف تحصيل معرفة الإمام في النجاة من الهلكة ، وذلك في صيغة عامة تشمل كل إنسان ، حتى ولو لم يكن يعتنق الإسلام ، حيث قال : «من مات ولم يعرف إمام زمانه ..» ، ولم يقل : إذا مات المسلم ولم يعرف .. الخ ..

إن هذا الإشتراط يوضح لنا : أن تجاهل قضية الإمامة ، وعدم حسم الأمر في موضوع الأسوة والقدوة يساوي رفضها ، وإبعادها عن محيط الحياة والإنسان في كونه يوجب الميتة الجاهلية ، ويترك آثاره السلبية المهلكة والمبيدة ، على مجمل حياة هذا الكائن وعلى مستقبله ومصيره ، في الدنيا والآخرة.

ومما يدل على ذلك ، ويثبته ويؤكده : أنه تعالى قد اعتبر عدم إبلاغ أمر الإمامة إلى الناس ، يساوي عدم إبلاغ الرسالة نفسها من الأساس ، وذلك يعني : أنه لا يمكن التسامح فيها ولا المحاباة ، كما أنه لا مجال لإبعادها وتعطيلها ، لأن ذلك يعني إبعاد الدين وتعطيله ، ومنعه من أن يكون هو سيد الموقف ، وصاحب القرار في حياة الإنسان ، وفي مجمل مواقفه وفي مستقبله.

الإمامة .. تعدل الرسالة كلها :

لا شك في أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بلّغ هذا الدين في عقائده وشرائعه ، ومفاهيمه ، وقيمه ، وسياساته ، وغير ذلك طيلة ثلاث وعشرين


سنة ، لكن ذلك كله لكي يكون مقبولا عند الله سبحانه ، ومحققا للأهداف ، وموصلا للغايات المتوخاة منه ـ يحتاج ـ إلى ولاية أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، ولذلك قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١) فقرر أن تبليغ أي حكم ، أو اعتقاد ، أو مفهوم يبقى ناقصا ، إذا لم يصاحبه الاعتقاد بالولاية والإمامة لأهلها ، فالتوحيد الذي لا ولاية معه ليس هو التوحيد الذي أراد الله تعالى ، والاعتقاد بالمعاد بدون الاعتقاد بالولاية ليس هو المطلوب له تعالى ، والصلاة أيضا ، والحج ، والجهاد ، والتسبيح ، والتوبة ، و .. و .. الخ .. كل ذلك إذا لم تصاحبه ولاية علي «عليه‌السلام» فهو ناقص ، ولا يحقق الأهداف ، ولا يوصل إلى الغايات الإلهية ، وليس هو ما يريده الله عزوجل ..

فإذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بلّغ جميع أحكام الدين ، ولم يبلّغ الولاية ، فإنه يكون قد بلّغ الرسالة ، وإذا أردنا توضيح ذلك بالمثال ، نقول : لو أن جسدا ملقى له عين وقلب ، ويد ، ورجل ، ولسان ، وأذن ، و ..

و .. الخ .. فإذا كان فاقدا للروح ، فوجود اليد والرجل واللسان ، وسائر الأعضاء يكون كعدمه ، فإن العين لا ترى ، واليد لا تتحرك ، والأذن لا تسمع ، واللسان لا يتكلم ، وليس له عقل ، ولا مشاعر ، ولا قوة ، ولا غريزة جنسية ، ولا ، ولا الخ ..

فإذا نفخت فيه الروح ، فإن ذلك كله يبدأ بالعمل ، فالعين تبصر ،

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


والقلب ينبض ، واليد تمتلئ قوة ، ويصير يحب ويبغض ، ويحس ويتألم ، ويلتذ ، وتبدأ سائر قواه بالتنامي الخ ..

وولاية أمير المؤمنين «عليه‌السلام» بالنسبة للأعمال من هذا القبيل ، ولذلك ورد أنها شرط لقبولها ، والمثوبة عليها ، وبدون هذه الولاية لا يكون لكل تلك الأعمال الجوارحية والجوانحية فائدة ولا أثر ، بل يكون وجودها كعدمه ..

سر السعادة ورمز البقاء :

نعود لنقول :

إن تبليغ وحفظ دين الله تعالى هو أهم قضية بالنسبة للبشر ؛ فهو سر سعادتهم ونجاتهم ، وهو رمز بقائهم ، وبه تتبلور حقيقتهم الإنسانية ، وعلى أساسه لا بد أن يكون تعاملهم. ومن خلال تعاليمه ، ومفاهيمه ، لابد أن يتم بناء شخصيتهم الإنسانية.

كما أن كل حكم ، وكل حقيقة في هذا الدين على ارتباط وثيق بأمر الولاية والإمامة ، حتى إنه إذا لم يتم تبليغها فإن الدين نفسه يصبح كأن لم يكن أصلا ..

ونتيجة ذلك كله هو : أن تصبح هذه الولاية ضرورة للبشرية ، وليس فوقها ضرورة على الإطلاق.

فعدم تبليغها يجعل الدين والرسالة بلا مضمون وبلا فائدة ، ويكون وجوده كعدمه تماما كما صرحت به الآية الكريمة : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).


المعارضون :

ثم إننا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم ، فسنجد أنه قد أفصح لنا عن وجود فئات من الناس ، كانت تقف في وجه الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مباشرة ، وتسعى لعرقلة حركته ، وتمنعه من بيان أمر الإمامة ، وإقامة الحجة فيها ، حتى احتاج «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى طلب العصمة من الله سبحانه ، ليتمكن من مواجهة هؤلاء ، وكبح جماحهم.

فمن هم هؤلاء الأشرار الأفّاكون ، والعتاة المجرمون؟!. الذين يجترئون على مقام النبوة الأقدس ، ويقفون في وجه إبلاغ أوامر الله ، وأحكامه؟!.

الجواب :

إن كتب التاريخ والحديث ، والسيرة زاخرة بالشواهد والدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة ، التي تكشف لنا القناع عن وجه هؤلاء ، وتظهر مدى تصميمهم على رفض هذا الأمر ، ومحاربته ، وطمسه ومنابذته ، بكل ما أوتوا من حول وقوة ..

ونحن في مقام التعريف بهم ، والدلالة عليهم نبادر إلى القول : إنهم ـ للأسف ـ قوم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقريش ، بالذات .. قريش ، التي حاربت الإسلام في بدء ظهوره ، وحاربته وهو غضّ طري العود ، ثم حاربته بعد أن ضرب بجرانه ، وعملت على زعزعة أركانه ، حينما أرادت حرمانه من العنصر الضروري والأهم للحياة وللإستمرار ، والبقاء .. وأعني به عنصر الإمامة والقيادة. والنصوص التالية خير شاهد على سياسات قريش هذه. فلنقرأها بتمعن ، وصبر ، وأناة.


النصوص الصريحة :

قال عثمان بن عفان لابن عباس : «لقد علمت : أن الأمر لكم ، ولكن قومكم دفعوكم عنه».

ثم تذكر الرواية له كلاما آخر ، وجواب ابن عباس له ، فكان مما قال :

«فأما صرف قومنا عنا الأمر ، فعن حسد ـ قد والله ـ عرفته ، وبغي ـ والله ـ علمته بيننا وبين قومنا» (١).

وحين ظهرت نتائج الشورى التي عينها عمر بن الخطاب ، قال رجل من بني مخزوم لعمار ـ هشام بن الوليد بن المغيرة ـ : «ما أنت وتأمير قريش لأنفسها»؟! (٢).

ثم تستمر الرواية إلى أن تذكر :

أن المقداد قال : «تالله ، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت. وا عجبا لقريش ، لقد تركت رجلا ، ما أقول ، ولا أعلم أحدا أقضى بالعدل ..

__________________

(١) قاموس الرجال ج ٦ ص ٣٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٩ والبحار ج ٣١ ص ٤٥٥ والموفقيات ص ٦٠٦ والتحفة العسجدية ليحيى بن الحسين بن القاسم ص ١٣١.

(٢) تاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ٩٣٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٩٧ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣ ص ٧١ والبحار ج ٣١ ص ٤٠٢ والغدير ج ٩ ص ١١٥ والدرجات الرفيعة ص ٢٦١ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٨٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٩٤ وج ٩ ص ٥٨ وج ١٢ ص ٢٦٥ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٩٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٢٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٣ ص ١٠٩.


الخ ..» (١).

وخطب أبو الهيثم بن التيهان بين يدي أمير المؤمنين علي «عليه‌السلام» ، فقال :

«إن حسد قريش إياك على وجهين :

أما خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ ، وارتفاع الدرجة.

وأما شرارهم فحسدوك حسدا أنغل القلوب ، وأحبط الأعمال.

وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدّمك إليها الحظ ، وأخّرهم عنها الحرمان ، فلم يرضوا أن يلحقوك حتى طلبوا أن يسبقوك. فبعدت ـ والله ـ عليهم الغاية ، وأسقط المضمار.

فلما تقدمتهم بالسبق ، وعجزوا عن اللحاق بك بلغوا منك ما رأيت ، وكنت والله أحق قريش بشكر قريش» (٢).

__________________

(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣ ص ٧١ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥ والبحار ج ٣١ ص ٤٠٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٣٤٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٣ ص ١١٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٩٤ وج ٩ ص ٥٧ و ٥٨ وج ١٢ ص ٢٦٦ والأمالي للشيخ الطوسي ص ١٩١ وفي كلمات المقداد «رحمه‌الله» عبارات أخرى صريحة في ذلك ، فلتراجع.

(٢) الأمالي للشيخ المفيد ص ١٥٥ وإقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ج ٢ ص ٢٥٣ والبحار ج ٢٩ ص ٤٩٢ و ٥٨٠ والأوائل ج ١ ص ٣١٦ ـ ٣١٧ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٣ ص ٧٤ ج ٥ ص ٣٥ وج ٨ ص ٣٠٠ والشيعة في الميزان للشيخ محمد جواد مغنية ص ٢٣.


وعمرو بن عثمان بن عفان أيضا قال : «ما سمعت كاليوم إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان».

إلى أن قال : «فيا ذلاه ، أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب ـ قتلة عثمان ـ أحياء يمشون على مناكب الأرض ..» (١).

إنهم يقولون هذا مع أنهم يعلمون : أن الحسن «عليه‌السلام» كان يدافع عن عثمان وهو محاصر في داره.

وعن علي بن الحسين «عليه‌السلام» ، أنه قال : «ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا» (٢).

ودخل العباس على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «يا رسول الله. إنا لنخرج فنرى قريشا تحدّث ؛ فإذا رأونا سكتوا».

فغضب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ودرّ عرق بين عينيه (٣).

__________________

(١) الإحتجاج ج ١ ص ٤٠٣ والبحار ج ٤٤ ص ٧١.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٤ والبحار ج ٣٤ ص ٢٩٧ وج ٤٦ ص ١٤٣ و (ط حجرية) ج ٨ ص ٦٧٦ و ٧٣٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٥٧٩ وراجع : الغارات ج ٢ ص ٥٧٣ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٩٨.

(٣) مسند أحمد ج ١ ص ٢٠٧ وج ٤ ص ١٦٥ وراجع ص ٢١٠ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٨٧ و ٤٨٨ و ٤٣١ وج ٣ ص ٣٣٣ والإصابة ج ٢ ص ٢٧١ ونزل الأبرار : ص ٣٤ ـ ٣٥ وراجع : تاريخ المدينة ج ٢ ص ٦٣٩ و ٦٤٠ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣٣ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة ، ومنحة المعبود ج ٢ ص ١٤٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٦٩ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٦٥٢ وصححه ، وأسد الغابة ج ٣ ص ١١٠ و ٣٣١ وكنز ـ


وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي «عليه‌السلام» : «يا على ، إنك ستلقى بعدي من قريش شدة ، من تظاهرهم عليك ، وظلمهم لك» (١).

وسئل الإمام السجاد «عليه‌السلام» ـ وابن عباس أيضا : ما أشد بغض قريش لأبيك؟!.

قال : «لأنه أورد أولهم النار ، وألزم آخرهم العار» (٢).

__________________

العمال ج ١٣ ص ٩٠ و ٨٨ ـ ٨٩ و ٨٣ وج ١٦ ص ٢٥٤ و ١٣٥ و ١٢٨ وج ٤ ص ١٦٥ عن عدد من المصادر ونقله بعض الأعلام عن الكامل لابن عدي ج ٦ ص ١٨٨٥ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ١٢ ص ١٠٨ وعن المعرفة والتاريخ ج ١ ص ٤٩٧ و ٤٩٩. والبحار (ط حجرية) ج ٨ ص ١٥١. وراجع : تفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ١٢٢ والدر المنثور ج ٦ ص ٧ وتفسير الآلوسي ج ٢٥ ص ٣٢ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج ٢ ص ١١٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٦ ص ٣٠٠ وذخائر العقبى للطبري ص ٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٢٤ ص ٣٠٤ وج ٣٣ ص ١١١.

(١) كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص ١٣٤ والبحار ج ٢٨ ص ٥٤ و ٥٥ و ٧١ عن إكمال الدين ، وكتاب سليم ، والغيبة للنعماني. وراجع : موسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ١١ ص ٨٢ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ١٨٠ وج ٢ ص ٧٤ وتفسير كنز الدقائق للمشهدي ج ١ ص ٤٥٨ ونفس الرحمن في فضائل سلمان للميرزا حسين النوري الطبرسي ص ٤٢٨ وإكمال الدين ص ٢٦٤.

(٢) نثر الدر للآبي ج ١ ص ٣٠٤ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٢٢٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٩٠ وكشف الغمة ج ٢ ص ٣١٩ والإحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٢٩ والبحار ج ٢٩ ص ١٤٣ وج ٧٥ ص ١٥٩ و (ط الحجرية) ج ٨


وعن ابن عباس : قال عثمان لعلي «عليه‌السلام» :

«ما ذنبي إذا لم تحبك قريش ، وقد قتلت منهم سبعين رجلا ، كأن وجوههم سيوف الذهب» (١).

وقريب منه ما روي أن ابن عمر ، قد قاله لعلي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» أيضا (٢).

وروي أن العباس قال لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن قريشا ، جلسوا ، فتذاكروا أحسابهم ، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم الخ ..» (٣).

__________________

ص ١٥١ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٤٩٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١١ ص ٢٤٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٢٨ ص ١٢٩ وج ٣٣ ص ٧٨٠.

(١) معرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة طوب قپوسراي) الورق ٢٢ رقم ١ ص ٤٩٧ ـ أ ، والجمل ص ٩٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٢٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١١ ص ٢٤٦.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٢١ والبحار ج ٢٩ ص ٤٨٢ وراجع : المسترشد للطبري ص ٣٨٤.

(٣) مكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٨٢ وقال في هامشه : الترمذي ج ٥ ص ٥٨٤ [و (ط دار الفكر) ج ٥ ص ٢٤٤] ولسان العرب في «كبا» وراجع : مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٦ وراجع النهاية لابن الأثير ، والفائق للزمخشري في «كبا». وراجع : الكامل لابن عدي ج ٢ ص ٦٦٥ وج ٦ ص ٢٢٠٧ ودلائل النبوة ج ١ ص ١٣١ و ١٣٣ وفي الكامل : أن القائل هو أبو سفيان.

وراجع : تحفة الأحوذي ج ١٠ ص ٥٤ والفايق في غريب الحديث ج ٣ ص ١٣٨


وحسب نص آخر : أن ناسا من الأنصار جاؤوا إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقالوا : إنا لنسمع من قومك ، حتى يقول القائل منهم :

«إنما مثل محمد مثل نخلة في كباة» (١).

أي أن النبي فقط هو الإنسان المقبول في بني هاشم ، وهو كنخلة. وهم بمثابة المزبلة التي نبتت تلك النخلة فيها.

وقال أبو سفيان : مثل محمد في بني هاشم مثل ريحانة وسط النتن (٢).

ويقولون أيضا : قد كان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان (٣).

__________________

والبداية والنهاية ج ٢ ص ٣١٥ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٤ ص ١٤٦ ولسان العرب ج ١٥ ص ٢١٣.

(١) راجع مسند أحمد ج ٤ ص ١٦٦ ولسان العرب ج ١٥ ص ٢١٣ والنهاية في اللغة ج ٤ ص ١٤٦ وفي الكامل لابن عدي ج ٢ ص ٦٦٥ وج ٦ ص ٢٢٠٧ وكذا في ذكر أخبار إصبهان ج ٢ ص ١٣٣ : أن القائل هو أبو سفيان ، وفي البحار ج ٣٦ ص ٢٧٨ و ٢٩٤ وج ٣٠ ص ٣١٠ ـ ٣١٤ : أن القائل هو عمر بن الخطاب.

والكبا : الكناسة ، والتراب الذي يكنس ، وراجع : ذخائر العقبى ص ١٤ وينابيع المودة ص ١٨٩ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٦ و ٢١٥ وراجع : دلائل النبوة ج ١ ص ١٣١ و ١٣٣ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٥٨٤. وراجع : كتاب الغيبة للنعماني ص ٨٥.

(٢) الكامل لابن عدي ج ٢ ص ٦٦٥ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٢٤٨ وراجع : البحار ج ٣٦ ص ٩٨ و ٢٧٨ و ٢٩٤ وكنوز الحقائق (مطبوع بهامش الجامع الصغير) ج ٢ ص ٨٨ وراجع : ذكر أخبار إصبهان ج ٢ ص ١٣٤.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٥٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢١٤ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٨٦.


وقال المقداد : واعجبا لقريش ، ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم (١).

وقال الثقفي : كانت قريش كلها على خلافه مع بني أمية (٢).

وبعد بيعة عثمان تلكم عمار ، فذكر : أن قريشا هي التي صرفت هذا الأمر عن أهل البيت «عليهم‌السلام» ، ثم قال المقداد لعبد الرحمن بن عوف :

«يا عبد الرحمن ، اعجب من قريش ، إنما تطوّلهم على الناس بفضل أهل هذا البيت ، قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعده من أيديهم. أما وأيم الله يا عبد الرحمن ، لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي «عليه الصلاة والسلام» يوم بدر» (٣).

«وبعد أن بايع الناس عليا «عليه‌السلام» قام أبو الهيثم ، وعمار ، وأبو أيوب ، وسهل بن حنيف ، وجماعة معهم ، فدخلوا على علي «عليه‌السلام» ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، انظر في أمرك ، وعاتب قومك هذا الحي من قريش ، فإنهم قد نقضوا عهدك ، وأخلفوا وعدك ، ودعونا في السر إلى رفضك» (٤).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦٣ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٢٢٩ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٦٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١٢ ص ٣١٤.

(٢) الغارات ج ٢ ص ٥٦٩ وراجع ٥٥٤.

(٣) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٣ والغدير ج ٩ ص ١١٦ وراجع : إختيار معرفة الرجال ج ١ ص ١٢٧ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٦٨.

(٤) شرح النهج لابن للمعتزلي ج ٧ ص ٣٩ ـ ٤٠ والبحار ج ٣٢ ص ١٩ والمعيار والموازنة ص ١٠٩ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للمير جهاني ج ٢ ص ٢٧٧ والجمل لضامن بن شدقم المدني ص ٦٨ وموسوعة الإمام علي بن


كما أن البراء بن عازب قد ذكر : أنه حين توفي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تخوف أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم (١).

وروي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال لعلي «عليه‌السلام» :

«إن الأمة ستغدر بك بعدي» (٢).

__________________

أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٤ ص ١٠٩.

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢١٩ وج ٢ ص ٥١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٤٦ والبحار ج ٢٨ ص ٢٩٣ والدرجات الرفيعة ص ٨٧ و ٤٥٤ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٤٨.

(٢) نزل الأبرار ص ٢٦١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٤٨ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٤٤ وج ٧ ص ٣٦٠ وتاريخ بغداد ج ١١ ص ٢١٦ وتذكرة الحفاظ للذهبي ج ٣ ص ٩٩٥ والجمل للمفيد ص ٩٢ وإعلام الورى ج ١ ص ٩٢ والدر النظيم ص ٤٤٢ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ١٥٠ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٤٢ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة ، وكنز العمال ج ١٥ ص ٥٦ و (ط مكتبة الرسالة) ج ١١ ص ٢٩٧ و ٦١٧ والبحار ج ١٨ ص ١٢٤ وج ٢٨ ص ٤٥ و ٥٠ و ٦٥ و ٧٦ و ١٩١ و ٢١٠ وج ٢٩ ص ٤٥٣ وج ٣٤ ص ٣٣٨ و (طبعة حجرية) ج ٨ ص ٦٢٩ وفي هوامشه عن : أمالي الطوسي ، وعيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» ، والإرشاد للمفيد ، والإيضاح لابن شاذان ، وعن المعتزلي ، وعن التاريخ الكبير للبخاري ، والطرائف ، والمطالب العالية ج ٤ ص ٥٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٧ وج ٢٠ ص ٣٢٦ وراجع : كشف الغطاء (ط. ق) ج ١ ص ١٠ والإيضاح لابن شاذان ص ٤٥٢ وشرح الأخبار ج ١ ص ٤٣٦ والأمالي للطوسي ص ٤٧٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٦٥ والمراجعات ص ٢٥١ ونهج السعادة للمحمودي ج ٢ ص ٦٠٧ والإكمال في أسماء الرجال للخطيب ـ


كما أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخبر أمير المؤمنين ، بأن في صدور أقوام ضغائن ، لا يبدونها له إلا بعده.

وفي بعض المصادر : أن ذلك كان منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين حضرته الوفاة (١).

__________________

التبريزي ص ٦٨ ومستدركات علم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٠٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٩ ص ٤٠٩ ونهج الحق وكشف الصدق ص ٣٣٠ وإحقاق الحق (الأصل) ص ٢٧٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٧ ص ٣٢٦ و ٣٢٧ وج ١٧ ص ٢٥٧ وج ٢١ ص ٤٣٦ و ٤٣٧ وج ٢٢ ص ٤٥٤ وج ٢٣ ص ٢٩٤ و ٢٩٥ وج ٢٣ ص ٣١٣ و ٣١٩ و ٣٢٠ و ٣٨٨ وج ٣١ ص ٢٤٤ والخصال ص ٤٦٢ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٥٣٣ و ٥٤٥ والإرشاد ج ١ ص ٢٨٥ والإحتجاج ج ١ ص ٩٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ١٧ والطرائف ص ٤٢٧ واليقين ص ٣٣٧ ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص ٦٨ والغدير ج ٧ ص ١٧٣ وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٢٩٦.

(١) راجع المصادر التالية : تذكرة الخواص ص ٤٥ ـ ٤٦ وكفاية الطالب ص ٢٧٢ وفرائد السمطين ج ١ ص ١٥٢ والبحار ج ٢٨ ص ٤٥ و ٥٢ و ٥٣ و ٥٤ و ٦٦ و ٧٥ و ٧٨ و ١٢٩ وج ٢٦ ص ٣٥٠ و ٥٤ و ٥٥ و ٦٦ و ٣٥ وج ٤٤ ص ٧٥ وج ٣٦ ص ٣٣٧ و ٣٢٨ و ٢١٨ وج ٣٧ ص ١٩٢ وج ٢٢ ص ٥٣٦ وج ٥١ ص ١٠٨ وكتاب سليم بن قيس ص ٢٢.

وراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٨ و ٢٦٩ وج ١ ص ٨٨ عن البزار والطبراني وأبي يعلى ، والمناقب للخوارزمي ص ٣٧ وتاريخ بغداد ج ١٢ ص ٣٩٨ ومقتل


__________________

الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٣٦ وترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٥ ونور الأبصار ص ٧٩ وميزان الإعتدال ج ٣ ص ٣٥٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٠ ص ١٠٧ وكنز العمال ج ١٥ ص ١٥٦ عن ابن النجار ، وأبي الشيخ ، والمستدرك ، والبزار ، وابن الجوزي ، والخطيب ، وأبي يعلى ، وكفاية الأثر ص ١٢٤ و ١٥٨ و ١٠٢ ونثر الدر للآبي ج ١ ص ٢٤١ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٣٩ و ٣٣٣ والملاحم والفتن لابن طاووس ص ١١٢ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٣٤٠ و ٣٤١.

وراجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٧٨ وفي هامشه عن : المعجم الكبير للطبراني ج ١٧ ص ١٨٥ والضعفاء الكبير للعقيلي ج ٤ ص ١٤٨ والكامل لابن عدي ج ٥ ص ١٨٨٥ وج ٢ ص ٦٦٥ وتأريخ المدينة لابن شبه ج ٢ ص ٦٣٩ و ٦٤٠ والنهاية لابن الأثير ج ٣ ص ٩١ في «ضغن» وج ٤ ص ٧٥ في «قطب».

وراجع : لسان العرب ، وأسد الغابة ج ٣ ص ١١٠ و ٣٣١ والإصابة ج ٢ ص ٢٧١ وكنز العمال ج ١٣ ص ٨٣ و ٨٨ و ٨٩ وج ٤ ص ١٦٥ وج ١٦ ص ١٢٨ و ١٣٥ و ٢٥٤ ومسند أحمد ج ٤ ص ١٦٥ بسندين ، والمعرفة والتأريخ ج ١ ص ٢٩٥ و ٢٩٧ و ٤٩٩ ومنحة المعبود ج ٤ ص ١٤٧.

وراجع : المصنف لابن أبي شيبة ج ١٢ ص ١٠٨ وفي هامشه عن : الترمذي ج ٢ ص ٢١٧ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٣١ و ٤٣٢ وج ٣ ص ٣٣٣ والعمدة لابن بطريق ص ٥٤ والفردوس للديلمي ج ٤ ص ١١٣ ومسند علي ص ١٠٠٥ والمعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٢٣٩ ومشكل الآثار للطحاوي ج ٢ ص ٢٦ وينابيع المودة ص ١٢ و ١٣٥ و ١٩٠ و ١٩١ و ٢٧١ و ٢٧٢ و ٣٠٣ و ٣٠٩ والصواعق المحرقة ص ١٧٢ و ١٨٧ و ٢٣٠ و ٢٣١ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٣ ص ٤٦٠.


الخليفة الثاني يتحدث أيضا :

قال عمر لابن عباس ، وهو يتحدث عن سبب صرف الأمر عن علي «عليه‌السلام» :

«والله» ، ما فعلنا الذي فعلنا معه عن عداوة ، ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب ، وقريش ؛ لما قد وترها» (١).

وقال لابن عباس أيضا : «كرهت قريش أن تجمع لكم النبوة والخلافة ، فتجفخوا الناس جفخا (٢) ، فنظرت قريش لأنفسها ، فاختارت ، ووفقت ، فأصابت» (٣).

__________________

(١) اليقين لابن طاووس ص ٥٢٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٣ ص ٧٠ والغدير ج ١ ص ٣٨٩ وج ٧ ص ٨٠ عن محاضرات الراغب ، والبحار ج ٣٠ ص ٢١٢ و (ط حجرية) ج ٨ ص ٢٠٩.

(٢) الجفخ : التكبر.

(٣) قاموس الرجال ج ٦ ص ٣٣ و ٤٠٣ وج ٧ ص ١٩٩ وقال : رواه الطبري في أحوال عمر ، والمسترشد في إمامة علي «عليه‌السلام» ص ١٦٧ و (مؤسسة الثقافة الإسلامية) ص ٦٨٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٥٣ وراجع ص ٩ وعبر فيه ب «قومكم» وفيه : «إنهم ينظرون إليه نظر الثور إلى جازره» ، وراجع ج ٢ ص ٥٨ والإيضاح ص ١٩٩ وعن شرح ديوان زهير لثعلب ، والبحار ج ٨ ص ٢٠٩ وج ٣١ ص ٧١ والتحفة العسجدية ليحيى بن الحسين بن القاسم ص ١٤٥ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٥٢ والمراجعات ص ٣٩٤ ومواقف الشيعة مع خصومهم ج ١ ص ١٥١ وج ٢ ص ٢٣٧ عن الأغاني.


وفي موقف آخر قال الخليفة له : «فاستصغرت العرب سنه» (١).

وقال لابن عباس أيضا : ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه (٢).

وفي مناسبة أخرى قال له : «لا ، ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبدا» (٣).

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٩ ص ٦٣٧ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٤٨ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٣٣ عن : شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٠ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٤ و ٣٨٠ وبهج الصباغة ج ٤ ص ٣٦١ وراجع : التحفة العسجدية ليحيى بن الحسين بن القاسم ص ١٤٧ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٢٣.

(٢) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٤٥ وج ١٢ ص ٤٦ وراجع ج ٢ ص ٥٨ و ٨١ وفي هامشه عن الرياض النضرة ج ٢ ص ١٧٣ وراجع : بهج الصباغة ج ٤ ص ٣٦١ وقاموس الرجال ج ٧ ص ٢٠١ وج ٦ ص ٣٥ عن الموفقيات ، والبحار ج ٤٠ ص ١٢٥ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٢٦ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٧٢ والدرجات الرفيعة ص ١٠٥ وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص ١٢٢ وكشف الغمة ج ٢ ص ٤٧ وكشف اليقين للعلامة الحلي ص ١٧٥ و ٤٧٠.

(٣) شرح النهج ج ١٢ ص ٢٠ و ٢١ عن كتاب بغداد لأحمد بن أبي طاهر ، وراجع ج ١٢ ص ٧٩ و ٨٥ و ٨٦ و ٨٤ و ٨٠ و ٨٢ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٩٨ وج ٧ ص ١٨٨ وبهج الصباغة ج ٦ ص ٢٤٤ وج ٤ ص ٣٨١ وعن ناسخ التواريخ (الجزء المتعلق بالخلفاء) ص ٧٢ و ٨٠. وراجع : البحار ج ٣٠ ص ٢٤٤ و ٥٥٦ وج ٣١ ص ٧٥ وج ٣٨ ص ١٥٧ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٥٠ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٠٧ والدرجات الرفيعة ـ


وفي نص آخر : «إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة» (١).

وفي آخر : «لولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه.

قلت : وما هن يا أمير المؤمنين؟

قال : كثرة دعابة ، وبغض قريش له ، وصغر سنه» (٢).

وقال أيضا لابن عباس : «إن عليا لأحق الناس بها ، ولكن قريشا لا تحتمله ..» (٣).

__________________

ص ١٠٦ وكشف الغمة لابن أبي الفتح ج ٢ ص ٤٧ وكشف اليقين ص ٤٧٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٩١ و ٣٩١ والتحفة العسجدية ليحيى بن الحسين بن القاسم ص ١٤٤ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٢٢٦.

(١) البحار ج ٣١ ص ٧٥ ومواقف الشيعة مع خصومهم ج ١ ص ١٤٧ و ١٤٨ ومناقب الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج ١ ص ٦ وشرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٨٩ وج ٢ ص ٥٨ وج ٢٠ ص ١٥٥ والتحفة العسجدية ص ١٤٤ وبناء المقالة الفاطمية للسيد ابن طاووس ص ١٥٧.

(٢) نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ١٣٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٣ ص ٧٣ عن فرائد السمطين ، ومواقف الشيعة مع خصومهم ج ١ ص ٤٠٤ و ٣٩٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٣١ ص ٤٦٧.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٨ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٦ عنه. ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٣٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٣ ص ١٠٢.


قريش في كلمات علي عليه‌السلام :

وإذا رجعنا إلى كلمات أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» نفسه ، فإننا نجده يحمل قريشا مسؤولية كل المصائب والرزايا والبلايا التي واجهها هو وكل المخلصين بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا سيما فيما يرتبط بأمر الخلافة ، وما نشأ عن ذلك من تمزق ، في جسم الأمة ، وتوزع في أهوائها. ثم ما كان من تقاتل وتناحر ، وانحراف عن خط الإسلام وعن مفاهيمه وأحكامه ، وإلى يوم يبعثون.

ونذكر من كلماته «عليه‌السلام» هنا ، ما يلي :

قال «عليه‌السلام» : «اللهم اخز (اجز) قريشا ، فإنها منعتني حقي ، وغصبتني أمري» (١).

وعنه «عليه‌السلام» : «فجزى قريشا عني الجوازي ، فإنهم ظلموني حقي ، واغتصبوني سلطان ابن أمي» (٢).

__________________

(١) الغارات للثقفي ج ٢ ص ٧٦٨ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٩١ والبحار ج ٢٩ ص ٦٢٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٣٠٦ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٤٦ وميزان الحكمة ج ١ ص ١٤٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٩ ص ٤١٨ والتحفة العسجدية ص ١٤٢.

(٢) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٣ ص ٦١ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١١٩ وج ٩ ص ٣٠٦ وج ١٦ ص ١٤٨ و ١٥١ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج ٤ ص ١٢٩ والغارات ج ٢ ص ٤٣١ و ٧٦٨ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٩١ والبحار ج ٢٩ ص ٦٢١ وج ٣٤ ص ٢٣ و ٢٤


وقال «عليه‌السلام» : «اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسول الله ضروبا من الشر والغدر ، ففجروا عنها وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي ، والدائرة علي» (١).

وفي نهج البلاغة وغيره قال «عليه‌السلام» : «اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، ثم قالوا : ألا في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه».

__________________

و ٢٥ ومناقب أهل البيت «عليه‌السلام» للشيرواني ص ٤٤٦ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٥ ص ٣٩٣ والمعيار والموازنة ص ١٨٠ ونهج السعادة ج ٥ ص ٣٠٢ والدرجات الرفيعة ص ١٥٦ والجمل للمفيد ص ٦١ و ٩٢ وميزان الحكمة ج ١ ص ١٤٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٩ ص ٤١٨ وج ١١ ص ٣٣٤ و ٣٣٥ و ٣٣٦ والتحفة العسجدية ص ١٤٢.

(١) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٢ ص ٢٠٢ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للمير جهاني ج ١ ص ١٤٧ وج ٤ ص ٧٩ والإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٢١٠ والجمل للشيخ المفيد ص ٩٢ والغارات ج ١ ص ٣٠٨ وج ٢ ص ٥٧٠ و ٧٦٧ والتعجب للكراجكي ص ٦٩ والبحار ج ٢٩ ص ٦٠٧ و ٦٢٩ وج ٣٠ ص ١٥ وج ٣٣ ص ٥٦٩ والنص والإجتهاد ص ٤٤٤ وكشف المحجة لثمرة المهجة للسيد ابن طاووس ص ١٨٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٤٨ ومسألتان في النص على علي «عليه‌السلام» للشيخ المفيد ج ٢ ص ٢٨ والرسائل العشر للشيخ الطوسي ص ١٢٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٤ وج ٦ ص ٩٦ وج ٩ ص ٣٠٥ وج ١١ ص ١٠٩ وج ٢٠ ص ٢٩٨ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٤١٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٧٩.


وزاد في نص آخر : «فاصبر كمدا ، أو فمت متأسفا حنقا ، وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي ـ كما قطعوا سنتي ـ لفعلوا ، ولكن لم يجدوا إلى ذلك سبيلا» (١).

وفي خطبة له «عليه‌السلام» ، يذكر فيها فتنة بني أمية ، ثم ما يفعله المهدي «عليه‌السلام» بهم ، يقول : «فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها ، لو يرونني مقاما واحدا ، ولو قدر جزر جزور ، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه ، فلا يعطونيه» (٢).

وعنه «عليه‌السلام» : «حتى لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب» (٣).

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٢ ص ٢٢٧ الخطبة ٢١٧ والمسترشد في إمامة علي «عليه‌السلام» ص ٨٠ و (ط مؤسسة الثقافة الإسلامية) ص ٤١٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٤ وج ٦ ص ٩٦ راجع : البحار ج ٢٩ ص ٤٩٧ ج ٣٣ ص ٥٦٩ و (ط الحجرية) ج ٨ ص ٧٣٠ و ٦٧٢ وبهجة المجالس ج ١ ص ٤٠٦ والصراط المستقيم ج ١ ص ٤١ ـ ٤٣ والغارات ج ٢ ص ٣٠٨ و ٥٧٠ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج ١ ص ١٤٨ و ٢٧٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٨٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٧ ص ١٠١.

(٢) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ١ ص ١٨٤ وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص ٢٥٨ والغارات ج ٢ ص ٦٧٧ والبحار ج ٣٤ ص ١١٧ و ٢٦٢ وج ٤١ ص ٣٤٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ٤٥.

(٣) الأغاني ج ١٥ ص ٤٥ ونهج البلاغة (بشرح عبده) ج ١ ص ٧٠ والمهذب لابن البراج ج ١ ص ٣٢٤ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٣٩٠ والغارات ج ٢ ص ٤٧٧


وقال «عليه‌السلام» : «إني لأعلم ما في أنفسهم ، إن الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شأنها ، فتقول : إن وليّ الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا. وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش» (١).

وقال «عليه‌السلام» : «إن العرب كرهت أمر محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ، حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته.

ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلّما إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها بكرا (٢).

ثم فتح الله عليها الفتوح ؛ فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب

__________________

ومقاتل الطالبيين ص ١٥ وشرح الأخبار ج ٢ ص ٧٥ والبحار ج ٣٤ ص ٦٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ١٠ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٥ ص ٢٨٥ ونهج السعادة ج ٢ ص ٥٦٤ وج ٥ ص ٣١٧ والمعيار والموازنة ص ٩٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٧٥ والأخبار الطوال للدينوري ص ٢١٢ والعثمانية للجاحظ ص ٩٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٤ ص ٤٣ ج ٧ ص ١٢٢.

(١) راجع : قاموس الرجال ج ٦ ص ٣٨٤ و ٣٨٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٩٤ وج ١٢ ص ٢٦٦ ج ٩ ص ٥٧ و ٥٨ والبحار ج ٣١ ص ٤٠٣.

(٢) البازل من الإبل : الذي فطر نابه.


كثير منها من الدين ما كان مضطربا ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا.

ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ..» (١).

وفي نص آخر عنه «عليه‌السلام» أنه قال : «فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا» (٢).

وعنه «عليه‌السلام» : «يا بني عبد المطلب ، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي ، كعدواتهم النبي في حياته ، وإن يطع قومكم لا تؤمرّوا أبدا» (٣).

وعنه صلوات الله وسلامه عليه : «ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء ، لقد أخافتني قريش صغيرا ، وأنصبتني كبيرا ، (لقد خفت صغيرا وجاهدت

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٩٨ و ٢٩٩ والإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» للرحماني ص ٧٢٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١١ ص ٢٤٤ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص ٣٧.

(٢) الأمالي للشيخ المفيد ص ٣٢٤ والبحار ج ٢٩ ص ٥٨٢ ونهج السعادة ج ١ ص ٤٨٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٢٢ وج ٣ ص ٦٤ وشرح الأخبار ج ٢ ص ٢٦١ والأمالي للشيخ الطوسي ص ٩ وتقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص ٢٤٢ وكشف الغمة ج ٢ ص ٤.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٥٤ ونقل ذلك أيضا عن مروج الذهب ج ٣ ص ١٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢١٥ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٠٨ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٨٨.


كبيرا) حتى قبض الله رسوله ، فكانت الطامة الكبرى» (١).

وقال له رجل يوم صفين : «لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر ، وكنتم أعلم الناس بالكتاب والسنة»؟!.

فقال «عليه‌السلام» : «فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين» (٢).

وعنه «عليه‌السلام» : «ما لي ولقريش ، ولقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنهم مفتونين» (٣).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٨ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٧٢ والبحار ج ٢٩ ص ٦٢٦ وج ٣٤ ص ٣٣٩ وج ٤١ ص ٥ وراجع : الإرشاد ج ١ ص ٢٨٤ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٣٨٧ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج ١ ص ٣١٤.

(٢) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ١ ص ٨١ الخطبة رقم ٣٢ وراجع ج ٢ ص ٦٤ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٣٧٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٧٧ والبحار ج ٢٩ ص ٤٨٥ وج ٣٨ ص ١٥٩ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٥٦ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٥٤٨ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٣٩١ وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٢٤١ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٧ ص ٨٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٧٩ وج ٣ ص ٧٣٢ وميزان الحكمة ج ٣ ص ٢٣٦٠.

(٣) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ١ ص ٨١ والإرشاد ج ١ ص ٢٤٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١٨٥ و ١٨٧ والجمل لابن شدقم ص ١١٢ والبحار ج ٣٢ ص ٧٦ وج ٣٢ ص ١١٤ ونهج السعادة ج ١ ص ٢٥٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٥ ص ٣٦ و ١٤١ و ١٩٠ وج ١١ ص ٢٤٩.


كما أنه «عليه‌السلام» قد أجاب على رسالة من أخيه عقيل : «فإن قريشا قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على حرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل اليوم ، وجهلوا حقي ، وحجدوا فضلي ، ونصبوا لي الحرب ، وجدّوا في إطفاء نور الله ، اللهم فاجز قريشا عني بفعالها ، فقد قطعت رحمي ، وظاهرت علي ..» (١).

وفي بعض المصادر ذكر (العرب) بدل قريش (٢).

وأما بالنسبة لمعاوية الخليفة الأموي ، فقد أخبر «عليه‌السلام» : أنه لو استطاع لم يترك من بني هاشم نافخ ضرمة (٣).

__________________

(١) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه‌السلام» لابن الدمشقي ج ١ ص ٣٦٥ والإمامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج ١ ص ٥٤ و (بتحقيق الشيري) ج ١ ص ٧٥ وراجع : المعيار والموازنة ص ١٨٠ وراجع : أنساب الأشراف للبلاذري (بتحقيق المحمودي) ص ٧٥.

(٢) راجع : الغارات ج ٢ ص ٤٣١ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١١٩ وراجع ج ١٦ ص ١٤٨ ـ ١٥٢ والأغاني ج ١٥ ص ٤٦ والدرجات الرفيعة ص ١٥٦ والبحار ج ٢٩ ص ٦٢١ ج ٣٤ ص ٢٣ و (ط حجرية) ج ٨ ص ٦٢١ و ٦٧٣ وراجع أيضا : نهج السعادة ج ٥ ص ٣٠٢ وراجع : جمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٥٩٥.

ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج ٤ ص ١٢٩ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٨٠ موسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٥ ص ٤٢ وج ١١ ص ٢٥٠ والعبارات في المصادر متفاوتة فليلاحظ ذلك.

(٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٨١ والبحار ج ٢١ ص ٣٤٩ وج ٣٢ ص ٥٩٢ و ٥٩٤ والغدير ج ١٠ ص ١٧٣ والفايق في غريب الحديث للزمخشري ج ٢ ص ٢٨٢


وبعد .. فإن الامام الحسن «عليه‌السلام» أيضا قد ذكر في خطبة له : أن قريشا هي المسؤولة عن موضوع إبعاد أهل البيت «عليه‌السلام» عن الخلافة ، فراجع (١).

بعض ما قاله المعتزلي هنا :

هذا .. وقد أكد المعتزلي هذه الحقيقة في مواضع من شرحه لنهج البلاغة. ونحن نذكر هنا فقرات من كلامه ، ونحيل من أراد المزيد على ذلك الكتاب ، فنقول :

قال المعتزلي : «إن قريشا اجتمعت على حربه منذ بويع ، بغضا له

__________________

وشرح النهج للمعتزلي ج ٥ ص ٢٢١ وج ١٩ ص ١٢٩ والدرجات الرفيعة ص ١٩١ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ١٤٤ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ١٨١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٥ ص ٣٠١ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٣ ص ٨٦ و ١٢٨ وج ٥ ص ٩٠ و ١٤١ وغريب الحديث لابن قتيبة ج ١ ص ٣٦٧ والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص ١١٢ واللمعة البيضاء للتبريزي ص ٣٤٠ ولسان العرب ج ٣ ص ٦٣ وج ٧ ص ٤٢١ وج ١٢ ص ٣٥٥ وج ١٣ ص ٢٦٧ ومجمع البحرين ج ٤ ص ٣٤٣ و ٣٩٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٨ ص ١٢٠.

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٤ و ٣٣ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٨٠ والبحار ج ٤٤ ص ٥٥ و ٦٤ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ٢٨٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١١ ص ٢٢٨ وج ٣٣ ص ٥٢٦ وكشف الغمة ج ٢ ص ١٩٢ ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي ص ٣٥٦.


وحسدا ، وحقدا عليه ؛ فأصفقوا كلهم يدا واحدة على شقاقه وحربه ، كما كانت في ابتداء الإسلام مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لم تخرم حاله من حاله أبدا» (١).

وقال : «إنه رأى من بغض الناس له ، وانحرافهم عنه ، وميلهم عليه ، وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم ، واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم ، وتذكروا الترات التي وترهم فيما قبل بها ، والدماء التي سفكها منهم ، وأراقها.

إلى أن قال : وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لشدة اختصاصه له ، وتعظيمه إياه ، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة على رفعة شأنه ، وعلو مكانه ، وما اختص به من مصاهرته وأخوّته ، ونحو ذلك من أحواله.

وتنكّر قوم آخرين له ، لنسبتهم إليه العجب والتيه ـ كما زعموا ـ واحتقاره العرب ، واستصغاره الناس ، كما عددوه عليه ، وإن كانوا عندنا كاذبين ، ولكنه قول قيل ، وأمر ذكر ..» (٢).

وقال : «فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها ، حين بويع بالخلافة ، بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بخمس وعشرين سنة ، وفي دون هذه المدة تنسى الأحقاد ، وتموت الترات ، وتبرد الأكباد الحامية ، وتسلو القلوب الواجدة ، ويعدم قرن من الناس ، ويوجد قرن ، ولا يبقى من

__________________

(١) شرح النهج ج ١٦ ص ١٥١.

(٢) شرح النهج ج ١١ ص ١١٢ و ١١٣.


أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل».

«فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إظهار ما في النفوس ، وهيجان ما في القلوب ، حتى إن الأخلاف من قريش ، والأحداث والفتيان ، الذين لم يشهدوا وقائعه وفعتكاته في أسلافهم وآبائهم ، فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله ، وتقاعست من بلوغ شأوه» (١).

وقال : «اجتهدت قريش كلها ، من مبدأ الأمر في إخمال ذكره ، وستر فضائله ، وتغطية خصائصه ، حتى محي فضله ومرتبته من صدور الإسلام» (٢).

وقال : «إن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض ..

إلى أن قال : «ولست ألوم العرب ، ولا سيما قريشا في بغضها له ، وانحرافها عنه ، فإنه وترها ، وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذته. ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم»! (٣).

وقال : «واتفق له من بغض قريش وانحرافها ، ما لم يتفق لأحد» (٤).

هذا وقد أشار إلى بغض قريش ومنابذتها له في مواضع عديدة أخرى من كتابه ، فليراجعها من أراد (٥).

__________________

(١) شرح النهج ج ١١ ص ١١٤.

(٢) شرح النهج ج ١٨ ص ١٨.

(٣) شرح النهج ج ١٤ ص ٢٩٩ وراجع : نثر الآبي ج ١ ص ٣٤٠.

(٤) شرح النهج ج ٩ ص ٢٨ و ٢٩.

(٥) راجع شرح النهج ج ٩ ص ٢٨ و ٢٩ و ٥٢ وج ٤ ص ٧٤ ـ ١٠٤.


واستقصاء النصوص الدالة على هذا الأمر غير متيسر ، بل هو متعذر ، بسبب كثرته وتنوعه ، وتفرقه في المصادر التي تعد بالمئات.

وبعد ما تقدم : فإن الوقت قد حان للوقوف على حقيقة موقف قريش ، ومن تابعها ، مما جرى في قضية «الغدير» ، والظرف الذي كان يواجهه الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع هؤلاء ، في هذه المناسبة بالذات ، فإلى الفصل التالي.


الفصل الثاني :

الموقف ـ الفضيحة



الصخب والغضب :

لقد ذكرت الروايات الصحيحة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قد خطب الناس في حجة الوداع ؛ في عرفة ، فلما أراد أن يتحدث في أمر الإمامة وذكر حديث الثقلين (١) ، ثم ذكر عدد الأئمة ، وأنهم اثنا عشر ، واجهته فئات من الناس بالضجيج والفوضى ، إلى حد أنه لم يتمكن من إيصال كلامه إلى الناس.

وقد صرح بعدم التمكن من سماع كلامه كل من : أنس ، وعبد الملك بن عمير ، وعمر بن الخطاب ، وأبي جحيفة ، وجابر بن سمرة (٢) ، ولكن رواية

__________________

(١) راجع : حديث الثقلين للوشنوي ص ١٣ وما ذكره من مصادر ..

(٢) راجع : كشف الغطاء (ط. ق) ج ١ ص ٧ والسنة في الشريعة الإسلامية لمحمد تقي الحكيم ص ٦٣ والأمالي للصدوق ص ٣٨٧ و ٤٦٩ والخصال ص ٤٧٠ و ٤٧١ و ٤٧٢ وإكمال الدين ص ٦٨ و ٢٧٢ و ٢٧٣ وكفاية الأثر ص ٥١ و ٧٦ و ٧٧ و ٧٨ وشرح أصول الكافي ج ٢ ص ٢٤٠ وج ٥ ص ٢٣٠ وج ٧ ص ٣٧٤ وكتاب الغيبة للنعماني ص ١٠٤ و ١٠٥ و ١٢٠ و ١٢١ و ١٢٢ و ١٢٣ و ١٢٤ والغيبة للطوسي ص ١٢٨ و ١٢٩ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٢٤٨ و ٢٤٩ و ٢٥٤ والعمدة لابن البطريق ص ٤١٦ و ٤١٧ و ٤١٨ و ٤٢٠ و ٤٢١ والطرائف لابن طاووس


__________________

ص ١٧٠ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣١ و ٢٣٤ و ٢٣٥ و ٢٣٦ و ٢٣٧ و ٢٦٦ و ٢٦٧ و ٢٦٩ و ٢٩٨ و ٣٦٢ و ٣٦٣ و ٣٦٤ و ٣٦٥ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ٣٨١ و ٣٨٦ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٣٨٥ والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص ١٩٣ والملاحم والفتن لابن طاووس ص ٣٤٥ والمسلك في أصول الدين للمحقق الحلي ص ٢٧٤ وتقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص ٤١٨ وإعلام الورى ج ٢ ص ١٥٩ و ١٦٢ وكشف الغمة ج ١ ص ٥٧ و ٥٨ ومسند أحمد ج ٥ ص ٨٧ و ٨٨ و ٩٠ و ٩٢ و ٩٣ و ٩٤ و ٩٥ و ٩٦ و ٩٧ و ٩٨ و ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١ و ١٠٦ و ١٠٧ و ١٠٨ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٨ ص ١٢٧ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٦ ص ٣ و ٤ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٣٠٩ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٣٤٠ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦١٧ و ٦١٨ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ٢٠١ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ١٩٠ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٨١ وعمدة القاري ج ٢٤ ص ٢٨١ ومسند أبي داود الطيالسي ص ١٠٥ و ١٨٠ ومسند ابن الجعد ص ٣٩٠ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ١٢٦ و ١٢٧ وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص ٥١٨ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٤٣ و ٤٤ و ٤٦ والمعجم الأوسط ج ٣ ص ٢٠١ وج ٦ ص ٢٠٩ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٩٥ و ١٩٦ و ١٩٧ و ٢١٤ و ٢١٨ و ٢٢٣ و ٢٢٦ و ٢٣٢ و ٢٤١ و ٢٤٩ و ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٥ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ١٢٠ والرواة عن سعيد بن منصور لأبي نعيم الأصبهاني ص ٤٤ والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٩٥ والكامل لابن عدي ج ٢ ص ٣٨٦ وطبقات المحدثين بأصبهان ج ٢ ص ٩٠ وتاريخ بغداد ج ٢ ص ١٢٤ وج ١٤ ص ٣٥٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥ ص ١٩١ وسير أعلام النبلاء ج ٨ ص ١٨٤ وج ١٤ ص ٤٤٤ وذكر أخبار إصبهان ج ٢ ص ١٧٦ والبداية والنهاية ج ١ ص ١٧٧ وج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ١٢ ص ٣٠٢ و ٢٠٣ وينابيع المودة ج ٣ ص ٢٨٩.


هذا الأخير ، كانت أكثر صراحة ووضوحا.

ويبدو أنه قد حدّث بما جرى مرات عديدة ، فرويت عنه بأكثر من طريق. وحيث إننا لسنا بصدد التتبع والإستقصاء ، فإننا نختار بعض نصوصها ـ ولا سيما ما ورد منها في الصحاح والكتب المعتبرة ، فنقول :

١ ـ في مسند أحمد ؛ حدّثنا عبد الله ، حدثني أبو الربيع الزهراني ، سليمان بن داود ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، قالوا :

حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن جابر بن سمرة ، قال : خطبنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعرفات ـ وقال المقدمي في حديثه : سمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يخطب بمنى.

وهذا لفظ حديث أبي الربيع : فسمعته يقول :

«لن يزال هذا الأمر عزيزا ظاهرا ، حتى يملك اثنا عشر كلهم ـ ثم لغط القوم ، وتكلموا ـ فلم أفهم قوله بعد (كلّهم) ؛ فقلت لأبي : يا أبتاه ، ما بعد كلّهم؟.

قال : «كلّهم من قريش» (١).

وحسب نص النعماني : «وتكلم الناس ، فلم أفهم ، فقلت لأبي ..» (٢).

٢ ـ عن الشعبي ، عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا ، ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة.

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٩.

(٢) الغيبة للنعماني ص ١٢١ و ١٢٢.


قال : «فجعل الناس يقومون ويقعدون» (١).

زاد الطوسي : «وتكلم بكلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي ، أو لأخي : ..» (٢).

وفي حديث آخر عن جابر بن سمرة صرّح فيه : «أن ذلك قد كان في حجة الوداع» (٣).

ومن المعلوم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يحج إلا هذه الحجّة .. (٤).

٣ ـ عن جابر بن سمرة ، قال : «خطبنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعرفات ؛ فقال : لا يزال هذا الأمر عزيزا منيعا ، ظاهرا على من ناواه حتى يملك اثنا عشر ، كلهم ـ قال : فلم أفهم ما بعد ـ قال : فقلت لأبي : ما قال

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٩ الغيبة للنعماني ص ١٠٥ والغيبة للطوسي ص ١٢٩ وإعلام الورى ص ٣٨٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ٢ ص ١٦٢ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٧ و ٢٩٩ وتقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص ٤١٨ ومنتخب الأثر ص ٢٠.

(٢) الغيبة للطوسي ص ٨٨ و ٨٩ و (مؤسسة المعارف الإسلامية) ص ١٢٩ وكتاب الغيبة للنعماني ص ١٠٥ وإعلام الورى ص ٣٨٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ٢ ص ١٦٢ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٧ و ٢٩٩ وتقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص ٤١٨ ومنتخب الأثر ص ٢٠.

(٣) مسند أحمد ج ٥ ص ٨٧.

(٤) راجع : السيرة الحلبية (مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ٢٨٩ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية أيضا) ج ٣ ص ٢. وراجع : صحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٣٥٢ ومسند زيد بن علي ص ٢٢٠ وعمدة القاري ج ٤ ص ٢٧١ وج ١٨ ص ٤١ وج ٢٥ ص ٦٢ وشرح مسلم للنووي ج ٨ ص ٢٣٦ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٣٣١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٤٢.


بعد كلّهم؟

قال : «كلّهم من قريش» (١).

وعن أبي داود وغيره : ـ وإن لم يصرّح بأن ذلك كان في عرفات ـ زاد قوله : كلّهم تجتمع عليه الأمة ، فسمعت كلاما من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم أفهمه ، فقلت لأبي .. (٢).

وفي لفظ آخر : «كلهم يعمل بالهدى ودين الحق» (٣).

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ وفي ص ٩٦ في موضعين وص ٩٨ و ١٠١ ، وكتاب الغيبة للنعماني ص ١٢٣ والإكمال في أسماء الرجال ص ٣٤ و ١٨٣.

(٢) سنن أبي داود السجستاني ج ٤ ص ١٠٦ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٣٠٩ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٤٠٠ وتاريخ الخلفاء ص ١٠ و ١١ وراجع : فتح الباري ج ١٣ ص ١٨١ وكرر عبارة «كلهم تجتمع عليه الأمة» في ص ١٨٢ و ١٨٣ و ١٨٤ وذكرها أيضا في الصواعق المحرقة ص ١٨ وفي إرشاد الساري ج ١٠ ص ٢٧٣ وينابيع المودة ص ٤٤٤ و (ط دار الأسوة) ج ٣ ص ٢٨٩ وراجع : الغيبة للطوسي ص ٨٨ والغيبة للنعماني ص ١٢١ و ١٢٢ و ١٢٣ و ١٢٤ والبحار ج ٣٦ ص ٣٦٥ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٣٨٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ١٨ وج ١٩ ص ٦٢٩.

(٣) الخصال ج ٢ ص ٤٧٤ و (ط مركز النشر الإسلامي) ص ٤٧٤ وعيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» للصدوق ج ٢ ص ٥٥ والبحار ٣٦ ص ٢٤٠ عنه وعن عيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» وفتح الباري ج ١٣ ص ١٨٤ وعمدة القاري ج ٢٤ ص ٢٨٢ وتاريخ بغداد ج ٤ ص ٢٥٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ١٨٩ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٨٠ وإمتاع الأسماع ج ١٢ ص ٣٠٦ وشرح إحقاق الحق ج ١٣ ص ٤٧ وج ١٩ ص ٦٢٩.


وفي بعض الروايات : ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي : ما الذي أخفى صوته؟

قال : قال : «كلهم من بني هاشم» (١).

٤ ـ وذكر في نص آخر : أن ذلك كان في حجة الوداع ، وقال :

ثم خفي عليّ قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكان أبي أقرب إلى راحلة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مني ؛ فقلت : يا أبتاه ، ما الذي خفي عليّ من قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

قال : يقول «كلهم من قريش».

قال : فأشهد على إفهام أبي إيّاي : قال : «كلهم من قريش» (٢).

٥ ـ وبعد أن ذكرت رواية أخرى عنه حديث أن الأئمة اثنا عشر قال : ثم تكلم بكلمة لم أفهمها ، وضج الناس ؛ فقلت لأبي : ما قال؟ (٣).

٦ ـ ولفظ مسلم عن جابر بن سمرة ، قال : انطلقت إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومعي أبي ؛ فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة ؛ فقال كلمة صمّنيها الناس.

فقلت لأبي : ما قال؟

__________________

(١) ينابيع المودة ص ٤٤٥ و (ط دار الأسوة) ج ٢ ص ٣١٥ وج ٣ ص ٢٩٠ عن كتاب : مودة القربى للسيد علي الهمداني (المودة العاشرة) وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٣٠ عن مودة القربى (ط لاهور) ص ٤٤٥.

(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٣٢.

(٣) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٣٥.


قال : «كلهم من قريش» (١).

وعند أحمد وغيره : فقلت لأبي ـ أو لابني ـ : ما الكلمة التي أصمّنيها الناس؟!.

قال : «كلهم من قريش» (٢).

٧ ـ وعن جابر بن سمرة قال : كنت عند النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : يلي هذا الأمر اثنا عشر ، فصرخ الناس ؛ فلم أسمع ما قال ، فقلت لأبي ـ وكان أقرب إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مني ـ فقلت : ما قال رسول الله؟

فقال : قال : «كلّهم من قريش ، وكلهم لا يرى مثله» (٣).

٨ ـ ولفظ أبي داود : فكبر الناس ، وضجوا ، ثم قال كلمة خفية .. (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٦ ص ٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ١ عنه ، والعمدة لابن البطريق ص ٤٢١ و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص ٤١٨ الإكمال في أسماء الرجال ص ٣٤.

(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ١٠١ والخصال ج ٢ ص ٤٧٠ و ٤٧٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٣٩ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٥ وراجع : النهاية في اللغة ج ٣ ص ٥٤ ولسان العرب ج ١٢ ص ٣٤٣ ونقل عن كتاب : القرب في محبة العرب ص ١٢٩.

(٣) إكمال الدين ج ١ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣ و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص ٦٨ و ٢٧٣ والخصال ج ٢ ص ٤٧٣ وراجع : البحار ج ٣٦ ص ٢٣٩.

(٤) سنن أبي داود ج ٤ ص ١٠٦ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٣٠٩ ومسند أحمد ج ٥ ص ٩٨ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٨١ والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٩٥ وإرشاد الساري ج ١٠ ص ٢٣٧ والبحار ج ٣٦ ص ٣٦٥ تاريخ بغداد ج ٢ ص ١٢٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٢٩ ص ٩٤.


ولفظ أبي عوانة : فضج الناس.

وقد قال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كلمة خفيت عليّ .. (١).

وعلى كل حال .. فإن حديث الاثني عشر خليفة بعده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والذي قال فيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كلمة لم يسمعها جابر ، وغيره ـ ممن كان حاضرا ، وروى الحديث .. أو لم يفهمها ، أو خفض بها صوته ، أو خفيت عليه ، أو نحو ذلك ـ إن هذا الحديث ـ مذكور في كثير من المصادر والمراجع ، فليراجعها طالبها (٢).

__________________

(١) مسند أبي عوانة ج ٤ ص ٣٩٤ والخصال ج ٢ ص ٤٧١ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٦ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦١٧ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٩٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٢٩ و ٤١.

(٢) راجع المصادر التالية : صحيح مسلم ج ٦ ص ٣ بعدة طرق ، ومسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ و ٩٢ و ٩٤ و ٩٠ و ٩٥ و ٩٦ و ٩٧ و ٩٨ و ٨٩ و ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١ و ١٠٦ و ١٠٧ و ١٠٨ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٣٩٤ وحلية الأولياء ج ٤ ص ٣٣٣ وإعلام الورى ص ٣٨٢ والعمدة لابن البطريق ص ٤١٦ ـ ٤٢٢ وإكمال الدين ج ١ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ والخصال ج ٢ ص ٤٦٩ و ٤٧٥ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٨١ ـ ١٨٥ والغيبة للنعماني ص ١١٩ ـ ١٢٥ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٥٩ وينابيع المودة ص ٤٤٤ ـ ٤٤٦ وتاريخ بغداد ج ٢ ص ١٢٦ وج ١٤ ص ٣٥٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٦١٨ وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) نفس الصفحة ، ومنتخب الأثر ص ١٠ ـ ٢٣ عن مصادر كثيرة ، والجامع الصحيح ج ٤ ص ٥٠١ وسنن أبي داود ج ٤ ص ١١٦ وكفاية الأثر ص ٤٩ إلى آخر الكتاب ، والبحار ج ٣٦ ص ٢٣١ إلى آخر الفصل ، وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ١ ـ ٥٠ عن مصادر كثيرة ..


الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمتآمرون :

قد عرفنا فيما تقدم : أن قريشا قد صدت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن إبلاغ أمر الإمامة في عرفات وفي منى في مسجد الخيف ..

وتقدم في فصول أخرى : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمجرد انتهائه من المناسك ، بادر إلى ترك مكة من دون أن يذهب إلى البيت ، ولو لإلقاء نظرة الوداع عليه من قرب ..

وقد تأكد لنا مما أسلفناه : أن تأخيره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إبلاغ ما أنزل إليه في شأن الإمامة والولاية ، قد كان بسبب المعارضة الكبيرة التي يجدها لدى قريش ، التي كانت لا تتورع عن مواجهة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس فقط بالضجيج والصخب ، وإنما باتهام شخصه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والطعن والتشكيك في نزاهته ، وفي خلوص عمله ونيته. بل سيأتي أنها قد اتهمته حتى في عقله بعد إظهارها الإسلام ، كما اتهمته بالجنون قبل ذلك ، وهذا هو ما عبرت عنه كلمة عمر الشهيرة : إن النبي ليهجر. أو غلبه الوجع. أو كلمة معناها ذلك.

وقد صرحت طائفة من النصوص المتقدمة : بأن قريشا كانت هي التي تتصدى وتتحدى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإليك نموذجا آخر من تصريحات الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مع التذكير بأن الله تعالى لم يكن أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن يبلغ أمر الولاية على كل حال ، بل وفقا لظروف ومقتضيات النجاح. أي أنه أمره بإبلاغ منتج ، لا بإبلاغ عقيم.

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحتاج إلى ما يطمئنه إلى جدوى تبليغ أمر الإمامة ، وعدم إثارة قريش للشبهات التي تضيع جهده «صلى الله عليه


وآله» ، ولو باتهامه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في عقله ، أو في عصمته ..

فحين جاءته العصمة بادر إلى ما أمره الله تعالى به.

أمثلة وشواهد :

فمن الشواهد التي تدل على أن المطلوب هو إسكات قومه وخصوصا عشيرته ، وأن يكون تبليغ أمر الإمامة مجديا ، في إقامة الحجة ، نذكر ما يلي :

١ ـ قال الطبرسي : «قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله «عليهما‌السلام» : أن الله أوحى إلى نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن يستخلف عليا «عليه‌السلام» ؛ فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ؛ فأنزل الله هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بأدائه ..» (١).

والمراد ب «هذه الآية» قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ..) (٢).

٢ ـ عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه لما أمر بإبلاغ أمر الإمامة قال : «إن قومي قريبو عهد بالجاهلية ، وفيهم تنافس وفخر ، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم ، وإني أخاف ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ..)» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ٢٢٣ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٣٨٣ وسعد السعود للسيد ابن طاووس ص ٦٩ والبحار ج ٣٧ ص ٢٥٠ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٥٣ والتبيان ج ٣ ص ٥٨٨ ومجمع البحرين ج ١ ص ٢٤٢.

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) شواهد التنزيل ج ١ ص ١٩١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٢٦١ وشرح إحقاق الحق ج ١٤ ص ٣٩ ـ


٣ ـ عن ابن عباس إنّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال في غدير خم : «إن الله أرسلني إليكم برسالة ، وإني ضقت بها ذرعا ، مخافة أن تتهموني ، وتكذبوني ، حتى عاتبني ربي بوعيد أنزله علي بعد وعيد ..» (١).

٤ ـ عن الحسن قال في غدير خم أيضا : «إن الله بعثني برسالة ؛ فضقت بها ذرعا ، وعرفت : أن الناس مكذبي ، فوعدني لأبلغنّ أو ليعذبني ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ..)» (٢).

__________________

وراجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٩٧ وقال في هامشه : راجع البرهان ج ٢ ص ١٤٦ وكنز الدقائق ج ٣ ص ١٣٧ و ١٤٠ و ١٥٨ ومجمع البيان ج ٣ ص ٢٢٣ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ وج ٣ ص ٢٥٩ و ٢٦٠ ونور الثقلين ج ٢ وراجع إثبات الهداة ج ١.

(١) شواهد التنزيل ج ١ ص ١٩٣ و (مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ ايران) ج ١ ص ٢٥٨ والأمالي للصدوق ص ٤٣٦ والتحصين لابن طاووس ص ٦٣٣ والبحار ج ٣٧ ص ١١١ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٦٥٤ وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج ١ ص ١٥٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٤ ص ٣٤.

(٢) شواهد التنزيل ج ١ ص ١٩٣ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ عن أبن أبي حاتم ، وعبد بن حميد وابن جرير وأبي الشيخ وراجع : إكمال الدين ص ٢٧٦ والإحتجاج ج ١ ص ٢١٣ وفتح القدير ج ٢ ص ٦٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٥١ والتحصين لابن طاووس ص ٦٣٣ والبحار ج ٣٣ ص ١٤٧ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ١٢٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٢٥٥ و ٢٧٠ ولباب النقول (دار إحياء العلوم) للسيوطي ص ٩٤ و (دار الكتب العلمية) ص ٨٢ والغدير ج ١ ص ١٦٥ و ١٩٦ و ٢٢١ ومسند ابن


٥ ـ عن ابن عباس ، وجابر الأنصاري ، قالا : أمر الله تعالى محمدا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن ينصب عليا للناس ، فيخبرهم بولايته ، فتخوف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يقولوا : حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك فأوحى الله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ..)» (١).

٦ ـ عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نزل بخم ، فتنحى الناس عنه ، ونزل معه علي بن أبي طالب ؛ فشقّ على النبي تأخر الناس ؛ فأمر عليا فجمعهم ؛ فلمّا اجتمعوا قام فيهم ، متوسدا (يد) علي بن أبي طالب ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنه قد كرهت تخلفكم عني حتى خيّل إلى : أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني ..» (٢).

__________________

راهويه ج ١ ص ٤٠٢ ومسند الشاميين ج ٣ ص ٣١٤ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٤١٣ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨.

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ١٩٣ وص ٢٩٨ عن أبي الشيخ ، وراجع : البرهان ج ٢ ص ١٤٦ وكنز الدقائق ج ٣ ص ١٣٧ و ١٤٠ و ١٥٨ ومجمع البيان ج ٣ ص ٣٤٤ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٣٨٢ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ١٩٣ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٩٧ وروح المعاني ج ٢ ص ٣٤٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٥٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٢٢٧ ومجمع البيان ج ٣ ص ٣٨٢ والغدير ج ١ ص ٢١٩ و ٢٢٣ و ٣٧٧ والبحار ج ٣٧ ص ٢٥٠ وإثبات الهداة ، ونور الثقلين ج ٢ ص والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ وج ٣ ص ٢٥٩ و ٢٦٠.

(٢) راجع : مجمع البيان ج ٣ ص ٢٢٣ وتفسير العياشي ج ١ ص ٣٣١ وتفسير البرهان ج ١ ص ٤٨٩ وشواهد التنزيل ج ١ ص ١٩٢ وإقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ج ٢ ص ٢٤٨ والغدير ج ١ ص ٢٢ و ٢١٩ و ٢٢٣ و ٣٧٧ عن المجمع ، وعن روح المعاني ج ٢ ص ٣٤٨ وعن الثعلبي في تفسيره ، وعن ابن المغازلي كما في


٧ ـ ويقول نص آخر : إنه لما أمر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنصب علي «عليه‌السلام» : «خشي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من قومه ، وأهل النفاق ، والشقاق : أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية ، لما عرف من عداوتهم ، ولما تنطوي عليه أنفسهم لعلي «عليه‌السلام» من العداوة والبغضاء ، وسأل جبرائيل أن يسأل ربّه العصمة من الناس».

ثم تذكر الرواية :

«أنه انتظر ذلك حتى بلغ مسجد الخيف. فجاءه جبرئيل ، فأمره بذلك مرة أخرى ، ولم يأته بالعصمة ، ثم جاء مرة أخرى في كراع الغميم ـ موضع بين مكة والمدينة ـ وأمره بذلك ، ولكنه لم يأته بالعصمة. ثم لما بلغ غدير خم جاءه بالعصمة».

فخطب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس ، فأخبرهم : «أن جبرئيل هبط إليه ثلاث مرات يأمره عن الله تعالى ، بنصب علي «عليه‌السلام» إماما ووليّا للناس» ..

إلى أن قال :

«وسألت جبرائيل : أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم ـ أيها الناس ـ لعلمي بقلة المتقين ، وكثرة المنافقين ، وإدغال الآثمين ، وختل المستهزئين

__________________

ضياء العالمين ، وراجع : البحار ج ٣٧ ص ١٣٣ والطرائف ص ١٤٥ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٧ ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٢٥ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٥ و ٢٣١ وج ٩ ص ١٦٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٥ ص ٨٩ وج ٦ ص ٢٥٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٣٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤٣.


بالإسلام ، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (١) ، (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (٢) ، وكثرة أذاهم لي في غير مرّة ، حتى سمّوني أذنا ، وزعموا : أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي ، وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله عزوجل في ذلك قرآنا : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) (٣).

إلى أن قال :

ولو شئت أن أسميهم بأسمائهم لسميت ، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت ، وأن أدل عليهم لفعلت. ولكني والله في أمورهم تكرّمت» (٤).

٨ ـ عن مجاهد ، قال : «لما نزلت : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ..). قال : «يا رب ، إنما أنا واحد كيف أصنع ، يجتمع عليّ الناس؟ فنزلت (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)» (٥).

__________________

(١) الآية ١١ من سورة الفتح.

(٢) الآية ١٥ من سورة النور.

(٣) الآية ٦١ من سورة التوبة.

(٤) راجع : مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٢٥ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٧ والإحتجاج ج ١ ص ٧٣ واليقين ص ٣٤٩ والبحار ج ٣٧ ص ٢٠٦ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٣٦ والغدير ج ١ ص ٢٢ عنه وعن الثعلبي في تفسيره ، كما في ضياء العالمين. وراجع : موسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٨ ص ٥٣ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٥٨

(٥) الإحتجاج ج ١ ص ٦٩ و ٧٠ و ٧٣ و ٧٤ وراجع : روضة الواعظين ص ٩٠ و ٩٢ والبرهان ج ١ ص ٤٣٧ ـ ٤٣٨ والغدير ج ١ ص ٢٢١ وفتح القدير ج ٢


٩ ـ قال ابن رستم الطبري : «فلما قضى حجّه ، وصار بغدير خم ، وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، أمره الله عزوجل بإظهار أمر علي ؛ فكأنه أمسك لما عرف من كراهة الناس لذلك ، إشفاقا على الدين ، وخوفا من ارتداد القوم ؛ فأنزل الله (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ..)» (١).

١٠ ـ وفي حديث مناشدة علي «عليه‌السلام» للناس بحديث الغدير ، أيّام عثمان ، شهد ابن أرقم ، والبراء بن عازب ، وأبو ذر ، والمقداد ، أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وسلم قال ، وهو قائم على المنبر ، وعلي «عليه‌السلام» إلى جنبه :

«أيها الناس ، إن الله عزوجل أمرني أن أنصب لكم إمامكم ، والقائم فيكم بعدي ، ووصيي ، وخليفتي ، والذي فرض الله عزوجل على المؤمنين في كتابه طاعته ، فقرب (٢) بطاعته طاعتي ، وأمركم بولايته ، وإني راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق ، وتكذيبهم ، فأوعدني لأبلغها ، أو ليعذبني» (٣).

__________________

ص ٦٠ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ. وراجع : مناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ١٣٠.

(١) المسترشد في إمامة علي «عليه‌السلام» (ط مؤسسة الثقافة الإسلامية) ص ٤٦٥.

(٢) لعل الصحيح : فقرن.

(٣) الإحتجاج ج ١ ص ٢١٤ وإكمال الدين للصدوق ص ٢٧٧ والغدير ج ١ ص ١٦٦ والتحصين للسيد ابن طاووس ص ٦٣٤ والبحار ج ٣١ ص ٤١٢ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ٤٤٢ ومصباح الهداية في إثبات الولاية للسيد علي البهبهاني ص ٣٥٤ والمناشدة والإحتجاج بحديث الغدير للشيخ الأميني ص ١٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤ ص ٧٩ وج ٥ ص ٣٦ وج ١٣ ص ٥٢.


وعند سليم بن قيس :

«إن الله عزوجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري ، وظننت الناس تكذبني ، فأوعدني ..» (١).

١١ ـ وعن ابن عباس : لما أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به ؛ فانطلق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى مكة ، فقال :

«رأيت الناس حديثي عهد بكفر (بجاهلية) ومتى أفعل هذا به ، يقولوا ، صنع هذا بابن عمّه. ثم مضى حتى قضى حجة الوداع» (٢).

وعن زيد بن علي ، قال : لما جاء جبرائيل بأمر الولاية ضاق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك ذرعا ، وقال : «قومي حديثو عهد بجاهليّة ، فنزلت

__________________

(١) فرائد السمطين ج ١ ص ٣١٥ و ٣١٦ والغدير ج ١ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ و ١٩٦ و ٣٧٧ عنه ، وإكمال الدين ج ١ ص ٢٧٧ وراجع البرهان ج ١ ص ٤٤٥ و ٤٤٤ والبحار ج ٣١ ص ٤١١ وج ٣٣ ص ١٤٧ وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص ١٩٨ وينابيع المودة للقندوزي ج ١ ص ٣٤٧ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ٤٤١ وجامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٢٨ وسليم بن قيس ص ١٤٩ و (بتحقيق الأنصاري) ص ١٩٩ والإحتجاج ج ١ ص ٢١٣ وكتاب الغيبة للنعماني ص ٧٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٥ ص ٣٥ وج ٢٠ ص ٩٦ و ٣٦١ وج ٢١ ص ٧٨ وج ٢٢ ص ٢٨٥ وثمة بعض الإختلاف في التعبير.

(٢) كتاب سليم بن قيس ص ١٤٨ والبرهان ج ١ ص ٤٤٤ و ٤٤٥ والغدير ج ١ ص ٥٢ و ٣٧٧ عن سليم بن قيس ، وراجع ص ٢١٧ عن ابن مردويه. وراجع : خلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٩٨ وج ٨ ص ٢٦٢.


الآية» (١).

١٢ ـ وروي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما انتهى إلى غدير خم : «نزل عليه جبرائيل ، وأمره أن يقيم عليا ، وينصبه إماما للناس.

فقال : إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية.

فنزل عليه : إنها عزيمة لا رخصة فيها ، ونزلت الآية : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ..)» (٢).

١٣ ـ وجاء في رواية عن الإمام الباقر «عليه‌السلام» : أنه حين نزلت آية إكمال الدين بولاية علي «عليه‌السلام» :

«قال عند ذلك رسول الله : إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي ، يقول قائل ، ويقول قائل. فقلت في نفسي من غير أن ينطلق لساني ، فأتتني عزيمة من الله بتلة أوعدني : إن لم أبلغّ أن يعذبني.

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٥١ ـ ٥٢ و ٢١٧ و ٣٧٨ عن كنز العمال ج ٦ ص ١٥٣ عن المحاملي في أماليه ، وعن شمس الأخبار ص ٣٨ عن أمالي المرشد بالله ، وراجع : كشف الغمة ج ١ ص ٣١٨ والبحار ج ٣٧ ص ١٧٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٢٦٩ و ٣٠٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٤٩ والغدير ج ١ ص ٢١٧ و ٣٧٨ ومناقب علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» وما نزل من القرآن في علي «عليه‌السلام» لابن مردويه ص ٢٤٠ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٢) إعلام الورى ص ١٣٢ و (نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث) ج ١ ص ٢٦١.


فنزلت : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ)» (١).

وفي بعض الروايات : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما أخر نصبه «عليه‌السلام» فرقّا من الناس ، أو لمكان الناس (٢).

ولما انتهى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من نصب علي «عليه‌السلام» لقي عمر عليا فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (٣).

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن ج ١ ص ٤٨٨ والكافي ج ١ ص ٢٩٠ والتفسير الأصفى ج ١ ص ٢٨٥ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٥٨٨ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٥٢ وشرح أصول الكافي ج ٦ ص ١٢٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٢٨٧.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٣٢ والبرهان (تفسير) ج ١ ص ٤٨٩ والبحار ج ٣٧ ص ١٣٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٢٦٢ وتفسير الميزان ج ٦ ص ٥٣ وغاية المرام ج ٣ ص ٣٢٥.

(٣) مسند أحمد ج ٤ ص ٢٨١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٠٣ وكنز العمال ج ١٣ ص ١٣٤ والتفسير الكبير للرازي (ط الثالثة) ج ١٢ ص ٢ و ٤٩ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ١٩٤ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ٩٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٦٣٢ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٩ وج ٧ ص ٣٨٦ والمناقب للخوارزمي ص ١٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٧ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه‌السلام» لابن الدمشقي ج ١ ص ٨٤ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١١٣ و ١١٦ و ١٢٠ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص ٦٤ و ٦٥ وبشارة المصطفى ص ٢٨٤ وذخائر العقبى للطبري ص ٦٧ ونظم درر السمطين


__________________

للزرندي الحنفي ص ١٠٩ وينابيع المودة للقندوزي ج ١ ص ٩٨ و ١٠١ و ١٥٨ وج ٢ ص ٢٨٥ ومودة القربى (المودة الخامسة) ، وبناء المقالة الفاطمية لابن طاووس ص ٢٩٤ و ٢٩٧ وتفسير غرائب القرآن للنيسابوري ج ٦ ص ١٧٠ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٩٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٣٦ و ٢٣٧ والعمدة لابن البطريق ص ٩٢ و ٩٦ و ١٠٠ والمراجعات ص ٢٦٣ وشرح أصول الكافي ج ٥ ص ١٩٦ وج ٦ ص ١٢٠ والعدد القوية للحلي ص ١٨٥ والطرائف ص ١٤٦ و ١٥٠ والبحار ج ٣٧ ص ١٤٩ و ١٥٩ و ١٧٩ و ١٩٨ و ٢٤٩ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤٤ و ١٤٨ والإكمال في أسماء الرجال ص ٢٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص ٣٠٥ وج ٧ ص ٢٩ و ٥٤ و ٦١ و ٦٩ و ٨٦ و ٩٢ و ١١٥ و ١١٩ و ١٢٢ و ١٢٤ و ١٢٧ و ١٤٦ و ١٤٨ و ١٤٩ و ١٦٧ و ١٧٠ و ١٨٠ و ١٨٢ و ١٩٢ و ١٩٦ و ٢٠٨ و ٢١٨ و ٢٥٣ و ٢٨٥ و ٢٩٥ و ٣٠١ و ٣٢١ و ٣٢٦ وج ٨ ص ٢١٨ و ٢٣٤ و ٢٤١ و ٢٤٧ و ٢٥٩ و ٢٧٢ وج ٩ ص ٩٣ والغدير ج ١ ص ١٩ و ١٤٣ و ١٤٤ و ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٧١ و ٢٧٢ و ٢٧٣ و ٢٧٤ و ٢٧٥ و ٢٧٧ و ٢٧٩ و ٢٨٠ و ٢٨١ و ٣٠٦ و ٣٥٥ وج ٢ ص ٣٧ وج ٦ ص ٥٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٦ و ١١٨ و ١٢٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٢٦٤ و ٢٧٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٢٣١ و ٢٣٥ و ٢٣٦ و ٢٣٨ و ٢٣٩ و ٢٤٠ و ٢٩٠ و ٣٦٢ و ٣٦٣ و ٣٦٤ و ٣٦٦ وج ١٤ ص ٣٤ و ٥٦١ و ٥٦٩ و ٥٨٣ وج ٢٠ ص ١٧٣ و ١٧٤ و ٣٥٨ و ٦٠٣ وج ٢١ ص ٣١ و ٣٢ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٧ و ٣٨ و ٣٩ و ٤٠ و ٦٦ و ٨٦ و ٨٨ وج ٢٢ ص ١١٣ و ١١٥ و ١٢١ وج ٢٣ ص ٤ و ٩ و ٣٢٥ و ٥٥٤ و ٦٣٥ و ٦٣٧ وج ٣٠ ص ٢٣ و ٤١٨ و ٤١٩ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٣٦٨ و ٣٧٠.


أو قال له : بخ بخ يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

__________________

(١) ما نزل من القرآن في علي «عليه‌السلام» لأبي نعيم ص ٨٦ وثمار القلوب للثعالبي ص ٦٣٦ وراجع : تاريخ بغداد ج ٨ ص ٢٩٠ و (ط دار الكتب العلمية) ج ٨ ص ٢٨٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ وسير أعلام النبلاء ج ١٩ ص ٣٢٨ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٨٦ والمناقب للخوارزمي ص ١٥٦ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٤٣٠ و ٥١٦ وينابيع المودة ج ٢ ص ٢٤٩ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٣٨ و ٣٣٥ وكشف اليقين ص ٢٠٨ و ٢٥٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٤٢٧ والإرشاد ج ١ ص ١٧٧ وكنز الفوائد ص ٢٣٢ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٦ و ١٧٠ و ١٩٥ و ٣٤٤ والطرائف ص ١٤٧ والمحتضر للحلي ص ١١٤ وبشارة المصطفى ص ١٥٨ و ٤٠٢ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٦٢ و ٣٢٩ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص ٦٤ والبحار ج ٢١ ص ٣٨٨ وج ٣٧ ص ١٠٨ و ١٤٢ و ٢٥١ وج ٣٨ ص ٣٤٤ وج ٩٤ ص ١١٠ وج ٩٥ ص ٣٢١ ومسار الشيعة للمفيد ص ٣٩ والأمالي للصدوق ص ٥٠ والمحتضر للحلي ص ١١٤ ورسائل المرتضى للشريف المرتضى ج ٤ ص ١٣١ وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص ٣٥٦ وروضة الواعظين للنيسابوري ص ٣٥٠ وشرح أصول الكافي ج ٥ ص ١٩٦ وج ٦ ص ١٢٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٣٤ و ٢٤٦ و ٢٧٧ و ٣٤٤ و ٣٥٤ وج ٨ ص ٢٦١ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٣٠٢ و ٣٠٣ وج ٩ ص ١٨٦ والغدير ج ١ ص ١١ و ٢٢٢ و ٢٣٣ و ٢٧٢ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٣٩٢ و ٤٠٢ والمعيار والموازنة ص ٢١٢ وتفسير الإمام العسكري «عليه‌السلام» ص ١١٢ وتفسير فرات الكوفي ص ٥١٦ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٩٧ و ١٥٣ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ١١٤ وشواهد التنزيل للحسكاني ج ١ ص ٢٠٣ وج ٢ ص ٣٩١.


ممن الخوف يا ترى؟! :

وتقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خاف أن يتهموه ، ويكذبوه ، وأن يقولوا : حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك ، وخشي أهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ، وأن يرجعوا جاهلية ، وأنه أمسك إشفاقا على الدين ، وخوفا من ارتداد القوم.

وعن الحسن : «ضاق بها ذرعا ، وكان يهاب قريشا. فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة» (١).

يريد : أن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ضاق ذرعا وخاف قريشا بالنسبة لبلاغ أمر الإمامة ، فأزال الله خوفه بآية : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

المتآمرون :

هذا غيض من فيض مما يدل على سبب خوف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعلى دور المتآمرين من قريش ، ومن يدور في فلكها في صرف الأمر عن أمير المؤمنين علي «عليه‌السلام» ، وتصميمهم على ذلك ، لأسباب أشير إلى بعضها في ما نقلناه سابقا من كلمات ونصوص.

وفي مقدمة هذه الأسباب حرص قريش على الوصول إلى السلطة ، وحقدها على أمير المؤمنين «عليه‌السلام» لما قد وترها في سبيل الله والدين.

وكل ما تقدم يوضح لنا السر فيما صدر من هؤلاء الحاقدين من صخب وضجيج ، حينما أراد الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منى

__________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ٢٢٣.


وعرفات : أن يبلغ الناس أمر الإمامة ، ودورها ، وأهميتها ، وعدد الأئمة ، وأنهم اثنا عشر إماما ، وغير ذلك.

فإنهم تخوفوا من أن يكون قد أراد تنصيب علي «عليه‌السلام» إماما للناس بعده. فكان التصدي منهم. الذي انتهى بالتهديد الإلهي. فاضطر المتآمرون إلى السكوت في الظاهر على مضض ، ولكنهم ظلوا في الباطن يمكرون ، ويتآمرون ، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (١).

فإلى توضيح ذلك فيما يلي من صفحات ، وما تحويه من مطالب.

ظهور الأحقاد والمصارحة المرة :

وقد تقدمت كلمات أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» التي صرح فيها بأن العرب كرهت أمر محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ، حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته.

ولو لا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة للرياسة ، وسلما إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا.

وعلى هذا ، فإن من الطبيعي جدا : بعد أن جرى ما جرى منهم معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منى وعرفات وبعد أن تأكد لديهم إصرار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على جعل الأمر في أهل بيته ، ولعلي «عليه‌السلام» على وجه الخصوص ، أن يظهر الحقد والبغض على وجوههم ، وفي حركاتهم وتصرفاتهم ، وعلى مجمل مواقفهم. وصاروا يعاملون رسول الله «صلى الله

__________________

(١) الآية ٣٠ من سورة الأنفال.


عليه وآله» معاملة غريبة ، وبصورة بعيدة حتى عن روح المجاملة الظاهرية.

وقد واجههم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهذه الحقيقة ، وصارحهم بها ، في تلك اللحظات بالذات. ويتضح ذلك من النص المتقدم في الفصل السابق والذي يقول :

عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نزل بخم فتنحى الناس عنه ، ونزل معه علي بن أبي طالب ، فشق على النبي تأخر الناس ، فأمر عليا ، فجمعهم ، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسدا (يد) علي بن أبي طالب ، فحمد الله ، وأثنى عليه .. ثم قال :

«أيها الناس ، إنه قد كرهت تخلفكم عني ، حتى خيّل إلي : أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني» (١).

وروى ابن حبان بسند صحيح على شرط البخاري ـ كما رواه آخرون بأسانيد بعضها صحيح أيضا :

أنه حين رجوع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من مكة ، حتى إذا بلغ الكديد أو (قدير) ، جعل ناس من أصحابه يستأذنون ، فجعل «صلى الله

__________________

(١) راجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٢٦ و ٢٢٧ ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٢٥ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٧ وإقبال الأعمال ج ٢ ص ٢٤٨ والطرائف ص ١٤٥ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٥ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٩٧ والبحار ج ٣٧ ص ١٣٤ وشرح إحقاق الحق ج ٥ ص ٨٩ وج ٦ ص ٢٥٣ وج ٣٠ ص ٤٠٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٣٨ و ٢٣١ ج ٩ ص ١٦٩ والغدير ج ١ ص ٢٢ عنه ، وعن الثعلبي في تفسيره ، كما في ضياء العالمين.


عليه وآله» يأذن لهم.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر؟».

قال : فلم نر من القوم إلا باكيا.

قال : يقول أبو بكر : «إن الذي يستأذنك بعد هذا لسفيه في نفسي الخ ..» (١).

__________________

(١) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ١ ص ٤٤٤ ومسند أحمد ج ٤ ص ١٦ ومسند الطيالسي ص ١٨٢ ومجمع الزوائد ج ١ ص ٢٠ وج ١٠ ص ٤٠٨ وقال : رواه الطبراني ، والبزاز بأسانيد رجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح ، وكشف الأستار عن مسند البزار ج ٤ ص ٢٠٦ وقال في هامش (الإحسان) : إنه في الطبراني برقم : ٤٥٥٦ و ٤٥٥٩ و ٤٥٥٧ و ٤٥٥٨ و ٤٥٦٠. وراجع : بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٢١٢ والآحاد والمثاني ج ٥ ص ٢٤ وصحيح ابن حبان ج ١ ص ٤٤٤ والمعجم الكبير للطبراني ج ٥ ص ٥٠ و ٥١ وموارد الظمآن للهيثمي ج ١ ص ١٠٣ وكنز العمال ج ١٠ ص ٤٧٧ وتهذيب الكمال للمزي ج ٩ ص ٢٠٨. وراجع : مسند الحارث ج ٣ ص ١٠٣ والمسند الجامع ج ١٢ ص ٢٢١ وحلية الأولياء ج ٣ ص ٩٣.


الفصل الثالث :

في حدود الزمان والمكان



إلفات النظر إلى أمرين :

وقبل أن نواصل الحديث ، فيما نريد التأكيد عليه ، نلفت النظر إلى أمرين :

الأول : المكان ..

فقد اختلفت الروايات حول المكان الذي أورد فيه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خطبته هذه في حجة الوداع. فذكرت طائفة منها : أن ذلك كان في عرفات.

وفي إحدى الروايات تردد فيها الرواي بين عرفات ومنى.

وهناك طائفة من الروايات عبّرت ب «المسجد» (١).

وسكتت روايات أخرى عن التحديد. مع أنها جميعا قد تحدثت عن حدوث فوضى وضجيج ، لم يستطع معه الراوي أن يسمع بقية كلام الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ؛ وتوجد روايات أشارت إلى عدم فهم الراوي ، ولكنها لم تشر إلى الضجيج.

__________________

(١) راجع بالنسبة لخصوص هذه الطائفة من الروايات الخصال ج ٢ ص ٤٦٩ و ٤٧٢ كفاية الأثر ص ٥٠ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٣٩٨ وإكمال الدين ج ١ ص ٢٧٢ وحلية الأولياء ج ٤ ص ٣٣٣ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٤ ومنتخب الأثر ص ١٩.


فهل كرر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك في عدة خطب ، في المواضع المختلفة؟! فكان يواجه بالضجيج والفوضى!! ويكون المقصود بالمسجد ، هو : المسجد الموجود في منى ، أو عرفة؟! إن لم يكن ذكر منى اشتباها من الراوي. أم أنه موقف واحد ، اشتبه أمره على الرواة والمؤرخين؟!

أم أن ثمة يدا تحاول التلاعب والتشويش بهدف طمس الحقيقة ، وإثارة الشبهات حول هذا الموضوع الهام والحساس جدا. ألا وهو موضوع الإمامة بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

قد يمكن ترجيح احتمال تعدد المواقف ، التي أظهرت إصرار فئات الناس على موقف التحدي ، والخلاف. وذلك بسبب تعدد الناقلين ، وتعدد الخصوصيات والحالات المنقولة.

وقد صرحوا بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خطب في حجته تلك : خمس خطب. واحدة في مكة ، وأخرى في عرفات ، والثالثة يوم النحر بمنى ، ثم يوم النفر بمنى ، ثم يوم النفر الأول.

وحتى إن كان ذلك قد جصل في موقف واحد ، فإن الذي نرجحه هو أن يكون ذلك في عرفات ..

وستأتي بعض الروايات التي صرحت : بأن الله تعالى أمر نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بإبلاغ أمر الإمامة في عرفات ، ولم تنزل العصمة ، ثم في مسجد الخيف ولم تنزل العصمة ، ثم في كراع الغميم ولم تنزل ، ثم نزلت في غدير خم ، ثم نزلت وهو في طريقه إلى المدينة ..

فلعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يبادر إلى خطبة الناس في كل مرة ، فإذا أحس الناس انه يريد أن يصرح بالأمر واجهوه بالضجيج المانع له


من أداء مهمته ، فلما نزلت العصمة : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١) لم يجرؤ أحد على شيء من ذلك.

الثاني : كلهم من قريش ..

قد ذكرت الروايات أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «كلهم من قريش» ..

والسؤال هو :

هل قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك حقا؟!

وإذا كان قد قاله ، فما هو السبب في ذلك؟

ألا يمكن أن يعتبر بعض قاصري النظر أن ذلك نوع من التخفيف من لهجة رفض المنطق القبلي؟

أضف إلى ذلك : أن ما تقدم من حقيقة الموقف الظالم لقريش ، ومن هم على رأيها ، وخططهم التي تستهدف تقويض حاكمية خط الإمامة ، قد يشجع على استبعاد صدور كلمة «كلهم من قريش» منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وترجيح أن تكون العبارة التي لم يسمعها جابر بن سمرة ، وأنس ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الملك بن عمير ، وأبو جحيفة ، بسبب ما أثاره المغرضون من ضجيج ، هي عبارة : «كلهم من بني هاشم». كما ورد في بعض النصوص (٢).

وهي الرواية التي استقر بها القندوزي الحنفي ، على أساس : أنهم «لا

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٢) ينابيع المودة ص ٤٤٥ عن مودة القربى ، وراجع : منتخب الأثر ص ١٤ وهامش ص ١٥ عنه.


يحسّنون خلافة بني هاشم» (١).

غير أننا نقول :

إننا نرجح أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال الكلمتين معا ، أي أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «كلهم من قريش ، كلهم من بني هاشم». ويكون ذكر الفقرة الأولى توطئة وتمهيدا لذكر الثانية.

ولكن قريشا قد عرفت ما يرمي إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، خصوصا بعد أن ذكر لهم حديث الثقلين ، فثارت ثائرتها هي وأنصارها ، وعجوا وضجوا ، وقاموا وقعدوا!!

وإلا .. فإن قريشا ، ومن يدور في فلكها لم يكن يغضبهم قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «كلهم من قريش» بل ذلك يسرهم ، ويفرحهم ، لأنه هو الأمر الذي ما فتئوا يسعون إليه بكل ما أوتوا من قوة وحول ، ويخططون ويتآمرون ، ويعادون ، ويحالفون من أجله ، وعلى أساسه ، فلماذا الهياج والضجيج؟! ولماذا الصخب والعجيج ، لو كان الأمر هو ذلك؟!.

الموقف ، الفضيحة :

ولا نشك في أن طائفة الأخيار ، والمتقين الأبرار من صحابة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانت تلتزم بأوامره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتنتهي بنواهيه ، وتسلم له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في كل ما يحكم ويقضي به.

ولكن هؤلاء كانوا فئة قليلة إذا قيست بالفئة الأخرى ، المتمثلة

__________________

(١) ينابيع المودة ص ٤٤٦.


بأصحاب الأهواء ، وطلاب اللبانات ، وذوي الطموحات ، ممن لم يسلموا ، ولكنهم غلبوا على أمرهم ، فاستسلموا ، وأصبح كثير منهم يتظاهر بالورع ، والدين والتقوى ، والطاعة والتسليم لله ، ولرسوله ، متخذا ذلك ذريعة للوصول إلى مآربه ، وتحقيق أهدافه.

أما هؤلاء ، الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون ، ويسرون غير ما يعلنون ، فقد كان لا بد من كشف زيفهم وإظهار خداعهم بصورة أو بأخرى.

وقد رأينا : كيف أن هؤلاء الذين كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحتى ببصاقه ، ونخامته ، ويدّعون الحرص على امتثال أوامر الله سبحانه بتوقيره ، وبعدم رفع أصواتهم فوق صوته (١) ،

__________________

(١) راجع الآيتان ١ و ٢ من سورة الحجرات.

وقد ورد أنّ هذه الأيات نزلت حينما حصل اختلاف فيما بين أبي بكر وبين عمر حول تأمير بعض الأشخاص من قبل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأصر أحدهما على شخص وأصر الآخر على آخر ، حتى ارتفعت أصواتهما. فقد روي أن عبد الله بن الزبير أخبرهم : أنه قدم ركب من بني تميم على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال أبو بكر : أمر القعقاع معبد بن زرارة.

وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس.

قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي.

قال عمر : ما أردت خلافك.

فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت في ذلك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله تعالى : (.. أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الآيتان ١ و ٢ من سورة الحجرات].

ويلاحظ : أن المراد من الإيمان قوله تعالى في الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هو الإيمان


وبالتأدّب معه ، وبأن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله و .. و ..

لقد رأينا أن هؤلاء بمجرد إحساسهم بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد الحديث عن الأئمة الاثني عشر ، وبيان مواصفاتهم ـ ويتجه نحو تحديدهم

__________________

بمعناه العام ـ أي إعلان الإسلام ـ لا الخاص. ويدل على ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) [الآية ١٣٦ من سورة النساء].

راجع في الحديث الذي ذكرناه : الدر المنثور ج ٦ ص ٨٣ ـ ٨٤ عن البخاري ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وأسباب النزول ص ٢١٨ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٢٢ و (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١١٦ وج ٦ ص ٤٧ والجامع الصحيح ج ٥ ص ٣٨٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٦٤ وفتح القدير ج ٥ ص ٦١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٣٠٠ ـ ٣٠١ وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج ٢٦ ص ٧٢. وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٩ ص ١٩١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٧٨ وسنن النسائي ج ٨ ص ٢٢٦ وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٩ وج ١٩ ص ١٨١ و ١٨٤ وتحفة الأحوذي ج ٩ ص ١٠٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٤٦٥ وج ٦ ص ٤٦٦ ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ١٩٣ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ١٧٢ وزاد المسير ج ٧ ص ١٧٧ وتفسير الثعلبي ج ٩ ص ٧٠ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٢٠٩ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ٢٥٧ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٧ ص ٤٠١ والإحكام لابن حزم ج ٦ ص ٨٠٤ وتفسير الآلوسي ج ٢٦ ص ١٣٣ وفتح القدير ج ٥ ص ٦١ ولباب النقول ص ١٧٨ وتفسير الثعالبي ج ٥ ص ٢٦٧ والبحار ج ٣٠ ص ٢٧٨ والطرائف ص ٤٠٣ وعين العبرة في غبن العترة ص ٤ والغدير ج ٧ ص ٢٢٣.


بصورة أدق ، وأوفى وأتم ـ كيف ثارت ثائرتهم. وأن خشيتهم من إعلان إمامة من لا يرضون إمامته ، وخلافة من يرون أنه قد وترهم ، وأباد خضراءهم في مواقفه المشهورة ، دفاعا عن الحق والدين ـ ألا وهو علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ـ إن ذلك ـ قد أظهر حقدهم ، فعلا ضجيجهم ، وزاد صخبهم ، والتعبيرات التي وردت في الروايات واصفة حالهم ، هي مثل :

«ثم لغط القوم وتكلموا» (١). فلم أفهم قوله بعد «كلهم» ، فقلت لأبي : ماذا قال؟! الخ ..

أو : «وتكلم الناس فلم أفهم» (٢).

أو : «وضج الناس» (٣).

أو : «فقال كلمة أصمّنيها الناس» (٤).

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٩ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٩٦ وكتاب الغيبة للنعماني ص ١٢٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٣٤.

(٢) الغيبة للنعماني ص ١٢١ عن عوالم العلوم : ١٥٣ / ١٠٦ ح ١٦.

(٣) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٣٩٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٣٥.

(٤) راجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٩٨ و ١٠١ وصحيح مسلم ج ٦ ص ٤ والخصال ج ٢ ص ٤٧٠ و ٤٧٢ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٥ و ٢٦٦ و ٣٦٢ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٣ ص ٥٤ ولسان العرب ج ١٢ ص ٣٤٣ وإثبات الهداة ج ١ ص ٥٣٥ وإحقاق الحق (ملحقات) ج ١٣ ص ٣٩ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٣٨٦ والعمدة لابن بطريق ص ٤٢١.


أو : «صمّنيها الناس» (١).

وفي نسخة : «صمّتنيها الناس» (٢).

أو : «فصرخ الناس ، فلم أسمع ما قال» (٣).

أو : «فكبر الناس ، وضجوا» (٤).

أو : «فجعل الناس يقومون ، ويقعدون» (٥).

__________________

(١) راجع : العمدة لابن البطريق ص ٤١٨ و ٤٢١ وصحيح مسلم ج ٦ ص ٤ والديباج على مسلم ج ٤ ص ٤٤٠ والإكمال في أسماء الرجال ص ٣٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ١.

(٢) راجع : شرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ٢٠٣ والديباج على مسلم ج ٤ ص ٤٤٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٢٩ ص ٩٣.

(٣) والخصال ص ٤٧٣ وإكمال الدين ج ١ ص ٢٧٢ و (مؤسسة النشر الإسلامي) ص ٦٨ و ٢٧٣ وإثبات الهداة ج ١ ص ٤٩٤ و ٥٠٧ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٩ عن الخصال.

(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٨ وسنن أبي داود ج ٤ ص ١٠٦ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٣٠٩ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٨١ والبحار ج ٣٦ ص ٣٦٥ وإرشاد الساري ج ١ ص ٢٧٣ والكفاية للخطيب البغدادي ص ٩٥ وتاريخ بغداد ج ٢ ص ١٢٤ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٣ ص ٢٠ وج ٢٩ ص ٩٤.

(٥) مسند أحمد ج ٥ ص ٩٩ وإثبات الهداة ج ١ ص ٥٤٦ والخصال ج ٢ ص ٧٥ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٧ و ٢٩٩ وكتاب الغيبة للنعماني ص ١٠٥ وإعلام الورى ص ٣٨٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ٢ ص ١٦٢ وتقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص ٤١٨ والغيبة للطوسي ص ٨٨ و ٨٩ و (ط مؤسسة المعارف الإسلامية) ص ١٢٩ وغاية المرام ص ١٩٤ ومنتخب الأثر ص ٢٠.


نعم ، لقد كان هذا هو موقفهم من الرسول ، وهم الذين يدعي البعض لهم مقام العصمة عن كل ذنب ، ويمنحهم وسام الاجتهاد في الشريعة والدين (!!).

التدبير النبوي :

وتوضيحا لما جرى نقول :

لقد أعلن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في سنة عشر من الهجرة : أنه يريد الحج ، وأرسل إلى الآفاق يخبرهم ويدعوهم إلى ذلك.

ونفر إليه الناس سراعا من كل حدب وصوب واجتمعت في ذلك الموسم عشرات الألوف من كل بلد وحي وقبيلة ، ليحجوا مع أكرم مخلوق ، وأفضل نبي ، ثم يرجعون إلى بلادهم من سفر محفوف بالأخطار ، وبعد طول انتظار ، ويحدثونهم بما جرى لهم وصار.

وسيصغي الناس إليهم بشغف وبتلذذ ، فإن للحجاج أحاديثهم وذكرياتهم ، التي يرغب الناس في سماعها حتى لو كانت لا تعني لهم شيئا في الظروف العادية ، فكيف إذا كانت هذه الأحاديث لها علاقة بأفضل وأكمل ، وأقدس ، وأعزّ ، وأغلى ، وأشرف إنسان في الوجود؟ وسيحدثونهم عن كل لفتة وبسمة ، وعن كل كلمة وحركة ، وغير ذلك مما لا بد أن يبقى محفورا في قلوبهم .. طيلة حياتهم ..

أما إذا حدث أمام أعينهم ما لم يكن في الحسبان ، وكان الحدث قد صنعه أناس يدّعون القرب منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والإثرة لديه ، فإن ذلك سوف يكون له وقع الصاعقة عليهم ، خصوصا إذا وجدوا فيه مساسا


بقداسته ، وتقويضا لهيبته ، وإبطالا لتدبيره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

نعم .. لقد حج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في تلك السنة ، فاجتمع إليه مائة ألف وأربعة عشر ألفا ، أو مائة وعشرون ألفا ، أو تسعون ألفا ، أو سبعون ألفا .. ليحجوا معه ، وقيل غير ذلك .. (١).

وأما قول بعضهم : «إنهم كانوا أربعون ألفا» (٢) ، فلعله نظر إلى من سار مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من المدينة ، لا من اجتمع معه في مكة وفي المشاعر ممن جاء من مختلف البلاد. كما يشير إليه قولهم : وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين (٣).

وكان معظم الناس بمن فيهم سكان مكة وما والاها قد أسلموا ، أو أرسلوا وفودا إلى المدينة ليعلموه بإسلامهم بعد فتح مكة ، وبالتحديد في سنة تسع ـ سنة الوفود ـ وسنة عشر.

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لأحمد زيني دحلان ، باب حجة الوداع. وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ١٣٠ والمجموع للنووي ج ٧ ص ١٠٤ والبحار ج ٣٧ ص ١٥٠ وج ١٠٩ ص ١٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٥٠ وج ٩ ص ١٩٦ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص ٥٧٧ والغدير ج ١ ص ٢٩٦ و ٣٩٢ والعدد القوية للحلي ص ١٨٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٠٠.

(٢) راجع : تفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٨٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٤ وج ٤ ص ٢٧٠ ومقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص ١٧٧.

(٣) راجع : تفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٨٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٤ السيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٧٠.


وأما المسلمون عدا هؤلاء ، ومنهم أهل المدينة أنفسهم ، وشراذم قليلة موزعة في محيط المدينة ، أو في غيرها فكانوا قلة قليلة جدا ، حتى إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قال لهم في سنة ست : «اكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام» فكتب له حذيفة ألفا وخمس مئة رجل .. (١).

وفي رواية أخري : «ونحن ما بين الست مئة إلى السبع مئة» (٢).

ولا شك أن فيهم من كان صحيح الإيمان ، ومنهم من لا يبالي بأمر

__________________

(١) الإحتجاج ج ١ ص ٢٠٠ والبحار ج ٢٨ ص ٢٠٢ والصراط المستقيم ج ٢ ص ٨٢ عن كتاب إبطال الاختيار ، بسنده عن أبان بن عثمان ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام». وعمدة القاري ج ١٤ ص ٣٠٥ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٤٥٩ وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٣٤٤ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٦٧ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ١١٠ وقال في هامشه : راجع البخاري ج ٥ ص ٤ و [(ط دار الفكر) ج ٤ ص ٣٤] ومسلم ج ٤ ص ٢١٢١ والمعجم الكبير للطبراني ج ١٩ ص ٤٧ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٨ و ٨٧ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٣٧٧ وراجع أيضا : الدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٧ عن عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، والمنار ج ١١ ص ٦٧ والقرطبي ج ٨ ص ٢٨٢.

(٢) راجع : صحيح البخاري (ط سنة ١٣٠٩ ه‍) ج ٢ ص ١١٦ وصحيح مسلم (مشكول) ج ١ ص ٩١ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٨٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٣٣٧ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٥١ و ٢٥٢ وج ١ ص ٢٢٠ ـ ٢٢٣ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٦١٩ وشرح مسلم للنووي ج ٢ ص ١٧٩ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٣٠٦ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ١٧١ وكنز العمال ج ١١ ص ٢٢٨ وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٣٤٦.


الدين ، بل يهتم بمصالحه الشخصية ، وفيهم الهمج الرعاع الذين يميلون مع كل داع ، وينقادون لكل راع ، وفيهم المدخول والمنافق قال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (١).

ومن الواضح : أن الذين تلفظوا بالإسلام آنئذ كانوا منتشرين في المدينة وحولها ، وفي الحبشة أيضا ، وفي غير ذلك من المناطق.

وقد فرض الإسلام وجوده ، وهيبته في تلك السنين التي كانت زاخرة بالتحديات ، وسمع به القاصي والداني ..

وكان المسلمون في المدينة ، فريقين :

أحدهما : الأنصار ، وهم أهل المدينة أنفسهم.

والآخر : القرشيون المهاجرون من مكة ـ بصورة عامة ـ.

ومن البديهي : أن جميع الناس لم يحجوا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، إذ لا يعقل أن يتركوا جميعهم مواشيهم ، وزراعاتهم ، وبيوتهم ، وديارهم خاوية من كل أحد ، فإن ذلك يجعلها عرضة للمتربصين للسلب والغارة في ذلك المجتمع الذي يرى أن ذلك من وسائل عيشه.

المحبون والمناوئون :

كما أن من الواضح : أن الناس كانوا بين محبين عرفوا الحق ، والتزموا به ، وبين مناوئين اختاروا طريق النفاق والتآمر الخفي ، وما أكثر هؤلاء ، أي أن أفاضل الصحابة وأماثلهم من أمثال سلمان ، وعمار ، والمقداد ، وأبي ذر ،

__________________

(١) الآية ١٠١ من سورة التوبة.


وأبي الهيثم بن التيهان ، وبني هاشم ، وسواهم ، كانوا من محبي علي ، ومن أنصاره.

وكان المهاجرون هم الذين يناوئون عليا «عليه‌السلام» ، ويسعون في إبطال أمره ، ويدبرون لإبعاد الخلافة عنه بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد تعاهدوا وتعاقدوا على ذلك ..

وكان المراقب لتصرفاتهم في مختلف الموارد يدرك مدى انحرافهم عن الإمام علي «عليه‌السلام» ، وأنهم تكتل واضح المرامي والأهداف ، ظاهر التباين والاختلاف ، لا مجال لأن يفكر بالإنصياع للتوجيهات النبوية ، ولا حتى للقرارات الإلهية فيما يرتبط بأمر الإمامة والخلافة في أي من الظروف والأحوال ..

وقد حج مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من المهاجرين الذين هم في هذا الإتجاه بضع عشرات ، قد لا يصلون إلى المئات .. ولكن كان فيهم رجال مجربون ، كانوا على درجة كبيرة من الحنكة والدهاء ، وكان ثقلهم الحقيقي في مكة ، التي أظهرت في السنة الثامنة من الهجرة ، الإستسلام للإسلام ، بالإضافة إلى ما حولها من البلاد والعباد ، الذين يخضعون لنفوذها ، ويلتقون في مصالحهم معها ..

ولأجل ذلك وجد المهاجرون الطامحون ، في قريش ، وفي مكة وما والاها ، عضدا قويا ، وسندا لهم ، شجعهم على مواجهة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بهذه الحدة والشدة التي سلفت الإشارة إليها ..

وبعد أن فعلوا فعلتهم الشنيعة تلك ، وظنوا أنهم قد ربحوا معركتهم ضد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بمنعهم إياه من الإعلان على الحجيج


تنصيب علي في مقام الإمامة ، بما أثاروه من صخب وضجيج ، كان لا بد لهم من التوجه نحو محاولة غسل هذا العار عنهم ، ولو بادعاء أنها مجرد غلطة صدرت ، وقد ندم مرتكبوها على ما فرط منهم ، وقد يدّعون : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عفا عنهم وسامحهم. ثم قرّبهم إليه حتى جعلهم موضع سره ، وأوقفهم على ما دبره وقرره ..

وقد يدّعون أيضا : أنه أعلمهم بأن ما أراد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بيانه في عرفات وسواها لم يكن هو ولاية وإمامة علي «عليه‌السلام». إلى غير ذلك مما قد يكون سببا في بلبلة الأفكار ، الذي قد يسهم في تضييع الحق ..

فجاء التخطيط النبوي الحكيم ليقضي ، بأن يخرج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من مكة فور انتهاء مراسم الحج مباشرة ، ومن دون إبطاء أو تفريط ولو بساعة ، بل دقيقة واحدة من الوقت ، فنفر في اليوم الثالث عشر من منى بعد الزوال (١). ولم يطف بالبيت ، ولا زاره كما أسلفناه (٢). وإن كانت بعض

__________________

(١) السيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ٣٠٦ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٣ والمجموع ج ٤ ص ٣٦٣ وج ٨ ص ٢٤٩ وتحفة الأحوذي ج ٣ ص ٩٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ١٤٩.

(٢) راجع : البحار ج ٢١ ص ٣٩٣ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٩ والكافي ج ٤ ص ٢٤٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٧ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٥ و ٤٥٥ وج ١٢ ص ٢٠٧ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٧ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٥.


المصادر قد زعمت خلاف ذلك (١).

وذلك ، لأن أي تأخير ، سوف يكون معناه أن يخرج أشتات من الناس إلى بلادهم ، ولا يتمكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، من إيصال ما يريد إيصاله إليهم ..

وحين يخرج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معهم فمن الطبيعي أن يتقيد الناس في مسيرهم بمسير رسول الله ، والكون في ركبه ، إما حياء ، أو طلبا لليسر والأمن ، والبركة ، والفوز بسماع توجيهاته.

هذا .. وقد قطع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المسافة ما بين مكة والجحفة ، حيث غدير خم ، وهي عشرات الأميال ، في أربعة أيام فقط ، ثم يأتي التهديد الإلهي للمتجرئين بالعودة إلى نقطة الصفر ، وخوض حروب طاحنة معهم تشبه حرب بدر وحنين ، (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢). فجمعهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غدير خم ، ونصب عليا «عليه‌السلام» هناك إماما للأمة ، وبايعه حتى أشد الناس اعتراضا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في عرفات وغيرها. ولم يجرؤا على التفوه ببنت شفة إلا همسا ..

لأنهم وجدوا أنفسهم أفرادا قليلين ، لا يتجاوز عددهم بضع عشرات من الناس بين عشرات الألوف ، فقد خلفوا حماتهم ، وهم أهل مكة وما

__________________

(١) السيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ٣٠٧ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٤ والمجموع ج ٤ ص ٣٦٣ وج ٨ ص ٢٤٩ وتحفة الأحوذي ج ٣ ص ٩٠ ومصادر كثيرة من كتب أهل السنة.

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


والاها ، وراء ظهورهم ، وأما اليمن ، فقد أسلمت طائفة من أهلها قبل أيام يسيرة على يد الإمام علي «عليه‌السلام» ، الذي لحق برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مكة مع بعض من أسلم على يديه ..

سبب جرأتهم :

وربما كان السبب في هذه الجرأة الظاهرة ، والوقاحة السافرة التي تجلت في حجة الوداع ؛ هو شعور هذا الفريق من مهاجري قريش بالقوة وهم في بلدهم ، وبين أنصارهم ومحبيهم ـ أي في محيط مكة وما والاها ـ وقد لاحظنا أن هذا التعاطف معهم كان يظهر منهم بين الفينة والفينة حتى حين كانوا يحاربون الإسلام وأهله وهي حروب لم تخب نارها إلا في فتح مكة قبل مدة يسيرة ، حيث اضطرت قريش إلى الإنكفاء عن الصراع السافر إلى التدبير التآمري الماكر.

لقد أدركت قريش : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بصدد الإعداد لأمر عظيم ، لا تريد أن ترى نفسها راضية به. ألا وهو إبلاغ الأمة بأسرها بإمامة علي «عليه‌السلام» ، وخلافته لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وأن هذا الإبلاغ يتم بصورة لا تترك لها أية فرصة للتخلص والتملص ، والمناورة ، وتصبح مقهورة على تجرع الغصة وتفوت منها الفرصة ..

ولعل قريشا حين تجرأت على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في عرفات ، أو في منى ، أو فيهما معا ظنت أنها قد أفلحت في درء خطر عظيم ، وتلافي خطب جسيم ، كان قد أوشك أن يلم بها ..

ولكن الله خيب فألها ، وأبار كيدها ، وأبطل مكرها .. ويمكرون ويمكر


الله ، والله خير الماكرين ..

ظروف فرضت نفسها :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يعرف : أن معظم الناس قد أعلنوا الإسلام بعد فتح مكة ، أي في السنتين الأخيرتين من حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن إسلام الأكثرين منهم كان سطحيا ، بل صوريا ، فرضته الظروف التي نشأت في المنطقة بعد فتح مكة ، حيث لم يكونوا يعرفون عن هذا الدين الشيء الكثير ، لأنهم كانوا يعيشون في بواديهم ، ووفق مناهجهم الجاهلية ، وعاداتهم القبلية ، ولم يكن زعماؤهم يسمحون للمبلغين المسلمين بأن يصلوا إليهم ، أو أن يحدثوهم بشيء عن هذا الدين وأحكامه ، ومفاهيمه ، وتفاصيله ، و .. و ..

وحتى الذين أسلموا منهم ، فإنهم قد عاشوا حياتهم بمفاهيم الجاهلية أيضا. ولم يفارقوا عاداتها ، ولم يتربّوا بعد على معاني الإيمان والإسلام. بل كان زعماؤهم هم الذين يتحكمون بهم ، ويسيّرون أمورهم ، ويهيمنون على حركتهم ..

ومن جهة أخرى : فقد كان هناك طامعون وطامحون قد أذكى طموحهم هذا التوسع السريع والهائل ، الذي كان من نصيب أهل الإسلام في فترة وجيزة جدا .. وهو توسع قد هيأ لهم المال الوفير والجاه العريض ، والنفوذ ، والقوة .. وما إلى ذلك من أمور لم يكونوا يحلمون بها ..

ومن جهة ثالثة : فقد كان في المدينة وحولها ، من لم يرق لهم الانصهار في المجتمع الإسلامي والذوبان فيه ، والانطلاق به في الحياة .. فكانوا


يكيدون في الخفاء ، ويشاركون في كل ما يلحق بالإسلام ضررا مهما كان حجمه ونوعه .. وقد وجد هؤلاء في كثير من مسلمة الفتح سندا وعضدا في هذا الإتجاه أيضا ..

هذا .. عدا عن غيرهم من الفئات التي ما أسلمت ولكنها استسلمت ، فلما وجدت الفرصة لإظهار أمرها لم تتوان في ذلك ..

وكل هذا الذي ذكرناه من شأنه أن يصعّد من درجة الخطورة التي يواجهها الإسلام ، والمخلصون من أهله بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وكان الهدف الأعظم والأهم هو حفظ تعاليم هذا الدين ، وصيانة عقائده ومفاهيمه ، وتمكينها من اختراق هذه السدود ، واجتياز هذه الجدود ، وتذليل كل العقبات التي تواجهها ، وتمنع من حصول الأجيال الآتية عليها.

وهذا بالذات هو ما فعله رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع ، وفي العديد من المفاصل الحساسة بعدها ..

وهذا ما يفسر لنا جمعه لهذه الجموع العظيمة والهائلة ، التي جاء بها إلى أقدس مكان ، في أقدس زمان ، مع أقدس إنسان خلقه الله تعالى ، لأداء شعيرة عبادية هي من أعظم الشعائر.

وجاء معه أولئك الذين يدبرون في الخفاء ما يدبرون. وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعلم أن مكة وما والاها ؛ من حزبهم ، وإلى جانبهم ، بالإضافة إلى أن طائفة من أهل المدينة وما حولها كانت تتعاطف معهم ، وتميل إليهم .. فكان ما كان مما تقدم بيانه.


دراسة الحدث في حدود الزمان والمكان :

ونحن في نطاق فهمنا لموقف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع في منى وعرفات ، ومنع قريش له من نصب علي «عليه‌السلام» إماما للأمة ، نسجل النقاط التالية :

١ ـ يوم عبادة :

إن يوم عرفة هو يوم عبادة ودعاء وابتهال ، وتوبة وانقطاع إلى الله ، سبحانه ، ويكون فيه كل واحد من الناس منشغلا بنفسه ، وبمناجاة ربه ، لا يتوقع في موقفه ذاك أي نشاط سياسي عام ، ولا يخطر ذلك له على بال.

وهو يوم لا نظير له في تاريخ حياتهم ، لأنهم يحجون مع أكرم وأعظم نبي في فرصة وحيدة ونادرة في تاريخ البشرية.

وهو أفضل الأيام ، وأكثرها انسجاما مع أجواء التقوى والإنضباط مع القرارات الإلهية ، والخضوع لمشيئته ، وتنفيذ أوامره تعالى ، وقد لفت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نظرهم إلى هذا الأمر حين قررهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خطبته ، فأقروا بفضل هذا اليوم عند الله (١).

فإذا رأى الإنسان المؤمن أن النبي الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يبادر إلى عمل من هذا القبيل ، فلا بد وأن يشعر : أن هناك أمرا بالغ الخطورة ، وفائق الأهمية ، فينشدّ لسماع ذلك الأمر ، والتعرف عليه ، ويلاحق جزئياته بدقة ووعي ، وبانتباه فائق. فإذا رأى تمرد أصحابه عليه ، وعاين إساءة الأدب

__________________

(١) راجع : خطبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع.


معه ، من قبل المدّعين للإخلاص في الإيمان ، والمظهرين للإستعداد للجهاد والتضحية ، فإن ذلك سيشكل مفاجأة له إلى حد الصدمة.

وسيتمكن كل من حضر الحج من مشاهدة ومعرفة ما يجري ، فإن الجميع يكونون في هذا اليوم مجتمعين في صعيد واحد.

أما في منى ، أو في سواها ، فالحجاج يكونون منصرفين إلى أعمال ، وموزعين في جهات مختلفة : هذا يرجم الجمرات ، وذلك يحلق أو يقصر ، وآخر يريد أن يذبح أضحيته ، وقد يكون هناك من لا يزال في الطريق ، كما أن هناك من فرغ من ذلك كله ، وذهب إلى خيمته للإستراحة ، أو ذهب إلى الحرم ليطوف ، أو ما إلى ذلك.

٢ ـ الإحرام :

ثم إن جميع الحجاج في موقف عرفة على حالة الإحرام ، الذي بدأوه بتلبية داعي الله تعالى ، وأعلنوا براءتهم من الشرك ورفضهم له ، وأقروا بأن كل شيء مملوك له تبارك وتعالى ، وصادر منه وعنه ، وهو وحده له الحمد ، والنعمة ، والملك ..

وفي الإحرام يمارسون الإمتناع عن الملذات ، وعن كثير مما يحل لهم ، وهم يخوضون تجربة السيطرة على دوافعهم الغريزية ، ومن ذلك امتناعهم عن النساء وما إلى ذلك ، وهم يمتنعون حتى عن إيذاء النملة والقملة ، فهل يمكن أن يؤذوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! أو هل يقدمون على مخالفة أوامره ونواهيه؟!

كما أنهم يشعرون بمساواة غنيهم لفقيرهم ، وعالمهم بجاهلهم ، وكبيرهم


بصغيرهم ، وملكهم وسوقتهم ، وحرهم ومملوكهم أمام المحكمة الإلهية العادلة إلى غير ذلك مما لا يخفى.

٣ ـ لماذا في موسم الحج؟! :

وإذا كان موسم الحج هو المناسبة التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلاد ، على اختلاف طبقاتهم ، وأجناسهم ، وأهوائهم ، فإن أي حدث متميز يرونه ويشاهدونه فيه لسوف تنتشر أخباره بواسطتهم على أوسع نطاق ، فكيف إذا كان هذا الحدث يحمل في طياته الكثير من المفاجآت ، والعديد من عناصر الإثارة ، وفيه من الأهمية ما يرتقي به إلى مستوى الأحداث المصيرية للدعوة الإسلامية بأسرها.

٤ ـ وجود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا :

كما أن نفس وجود الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في موسم الحج ، لا بد أن يضفي على هذه المناسبة المزيد من البهجة ، والارتياح ، ولسوف يعطي لها معنى روحيا أكثر عمقا ، وأكثر شفافية. وسيشعر الحاضرون بحساسية زائدة تجاه أي قول وفعل يصدر من جهته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وسيكون الدافع لديهم قويا لينقلوا للناس مشاهداتهم ، وذكرياتهم في سفرهم الفريد ذاك.

فكيف إذا رافق ذلك إعلام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم أن لقاءهم به سيكون يتيما ، إذ إنه يوشك أن يفارقهم فراقا أبديا ، لا لقاء بعده ، فإن مشاعرهم سوف تتوهج ، وقلوبهم ستمتلئ شغفا بكل حركة ، أو لفتة ، أو كلمة ينطق بها ، وسيعودون إلى بلادهم بأغلى الذكريات واعزها ، وأجملها ، وأفضلها.


كما أن الناس الذين يعيشون في مناطق بعيدة عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويشتاقون إليه ، لسوف يلذ لهم سماع تلك الأخبار ، وسيجهدون في تتبعها بشغف ، وبدقة وبانتباه زائد ؛ ليعرفوا كل ما صدر من نبيهم ، من : قول ، وفعل ، وتوجيه ، وسلوك ، وأمر ، ونهي وتحذير ، وترغيب وما إلى ذلك.

ثم إن الحدث الذي سمعه هؤلاء الناس من نبيهم وسينقلونه إلى من وراءهم ، هو حدث مثير وخطير في حد ذاته ، ويمثل صدمة كبيرة وخطيرة لمشاعرهم ، وخيبة لكل أمل كان يراود خواطرهم.

وحدث كهذا لا بد ان ينتشر في البلاد وبين العباد ، وسينتقل في الأجيال اللاحقة جيلا بعد جيل ، وستتداوله الفرق ، وتهتم له المذاهب ، وسيثور الجدل حوله بين أربابها ، لأنه الحدث الذي تقوم به الحجة على كل عاقل لبيب ، وأريحي أريب ، وألمعي أديب ، فلله الحجة البالغة على البشر كلهم ، والناس هم الذين يختارون مع أي فريق يكونون ، وأي طريق يسلكون.

٥ ـ ظهور المعجزة :

وقد لوحظ هنا أيضا : أن الله تعالى قد أظهر لهم المعجزة في منى ، حيث كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يخطبهم ، ويصل صوته إلى كل من كان في منى كما تقدم.

ولكنه حين خطبهم في عرفات لم يظهر لهم هذه المعجزة ، فقد ذكرت النصوص : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يخطبهم وكان علي «عليه‌السلام» يقف في مكان آخر ، ويوصل كلامه إلى من هم في الجهة الأخرى ، وقد


تحدثنا عن ذلك في ما سبق (١).

ويمكن أن نستفيد من هذا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان في المواضع المشابهة من حيث كثرة الحاضرين ، يمارس هذه الطريقة لإبلاغ كلامه للآخرين ، ولعل هذا هو ما جرى في غدير خم أيضا.

٦ ـ الذكريات الغالية :

وقد قلنا آنفا : إن كل من رافق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هذا السفر العبادي ، لسوف يحتفظ في ذاكرته بأدق الذكريات ، لأنها ستكون ذكريات عزيزة وغالية على قلبه ، تبقى حية غضة في روحه وفي وجدانه ، على مدى الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ، ما دام أن هذه هي آخر مرة يرى فيها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أعظم وأكرم ، وأغلى رجل وجد ويوجد على وجه الأرض.

__________________

(١) راجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٤٧٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢١٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٨ ص ٤ و ٥ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٥٥ وج ٥ ص ١١ وتهذيب الكمال ج ٩ ص ٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٩٦ وأدب الإملاء والإستملاء ص ١٠١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٣٤٣ و (ط دار الفكر) ج ٣ ص ٢٤٧ وج ٥ ص ١٤٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤٤٣ والمعجم الكبير ج ٥ ص ١٩ وإمتاع الأسماع ج ٦ ص ٣٨٩ والمغني لابن قدامة ج ١ ص ٦٢٤ وتحفة الأحوذي ج ٥ ص ٣١٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٣١٢ و ٣١٤ زج ٨ ص ٢١٢ وج ٩ ص ١٣٨ وتلخيص الحبير لابن حجر ج ٤ ص ٦٢١ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٣٧ وج ٢ ص ٢٦٣ ونيل الأوطار ج ٢ ص ٩٠ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٦ ص ٧٨ و (ط. ق) ج ١ ص ٣٥٦ والمجموع للنووي ج ٨ ص ٩٠.


والذي نريد أن نضيفه هنا هو : أن العلاقة بالحدث حين تتخذ بعدا عاطفيا ، يلامس مشاعر الإنسان ، وأحاسسيه ، فإنها تصبح أكثر رسوخا وحيوية ، وأبعد أثرا في مجال الإلتزام والموقف ، ولا شك في أن هذا كان من أهم الأهداف التي كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرمي إلى تحقيقها من خلال اختياره لخصوصية الزمان والمكان .. وغير ذلك من حالات وأوضاع.

٧ ـ الناس أمام مسؤولياتهم :

وقد عرفنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اختار الزمان ـ يوم عرفة ـ لأنه يوم العبادة والإنقطاع إلى الله سبحانه.

واختار المكان ، وهو نفس جبل عرفات ، لأن الكل يجتمعون في صعيد واحد ، وعلى حالة واحدة ، بالإضافة إلى خصوصيات أخرى ذكرناها فيما سبق.

ثم اختار أسلوب الخطاب الجماهيري ، لا خطاب الأفراد والأشخاص كما هو الحال في المناسبات العادية ـ لقد اختار «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك كله ـ لأنه أراد أن يضع الأمة أمام مسؤولياتها ، ليفهمها : أن تنفيذ هذا الأمر يقع على عاتقها ؛ فليس للأفراد أن يعتذروا بأن هذا أمر لا يعنيهم ، ولا يقع في دائرة واجباتهم ، كما أنهم لا يمكنهم دعوى الجهل بأبعاده وملابساته ، أي أن الجميع أصبحوا مطالبين بإنجاز هذا الواجب ، ومسؤولين عنه ، وليس خاصا بفئة من الناس ، لا يتعداها إلى غيرها ، كفئة المهاجرين أو الأنصار ، أو بني هاشم ، أو أهل المدينة ، أو ما إلى ذلك ..

وبذلك تكون الحجة قد قامت على الجميع ، ولم يبق عذر لمعتذر ، ولا


حيلة لمتطلب حيلة.

٨ ـ إحتكار القرار :

وهذه الطريقة في العمل قد أخرجت القضية عن احتكار جماعة بعينها ، قد يروق لها أن تدّعي : أنها وحدها صاحبة الحل والعقد في هذه المسألة ، لتصبح قضية الأمة بأسرها ، من مسؤولياتها التي لا بد وأن تطالب ، وتطالب بها ، فليس لقريش بعد هذا ، ولا لغيرها : أن تحتكر القرار في أمر الإمامة والخلافة ، كما قد حصل ذلك بالفعل.

ولنا أن نعتبر هذا الأمر من أهم إنجازات هذا الموقف ، وهو ضربة موفقة في مجال التخطيط لمستقبل الرسالة ، وتركيز الفهم الصحيح لمفهوم الإمامة لدى جميع الأجيال ، وعلى مر العصور.

حيث كان لا بد لهذه القضية من أن تخرج من يد أناس يريدون أن يمارسوا الإقطاعية السياسية والدينية ، على أسس ومفاهيم جاهلية ، دونما أثارة من علم ، ولا دليل من هدى ، وإنما من منطلق الأهواء الشيطانية ، والأطماع الرخيصة ، والأحقاد المقيتة والبغيضة.

٩ ـ تساقط الأقنعة :

ولعل الإنجاز الأهم هنا ، هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استطاع أن يكشف زيف المزيفين ، وخداع الماكرين ، ويعريهم أمام الناس ، حتى عرفهم كل أحد ، وبأسلوب يستطيع الناس جميعا أن يدركوه ويفهموه على اختلاف مستوياتهم ، وحالاتهم ، ودرجاتهم في الفكر ، وفي الوعي ، وفي السن ، وفي الموقع ، وفي غير ذلك من أمور ..


فقد رأى الجميع : أن هؤلاء الذين يدّعون : أنهم يوقرون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويتبركون بفضل وضوئه ، وببصاقه ، وحتى بنخامته ، وأنهم يعملون بالتوجيهات الإلهية التي تقول :

(لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١).

(لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) (٢).

(ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣).

(أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (٤).

وغير ذلك من آيات تنظم تعاملهم ، وتضع الحدود ، وترسم معالم السلوك معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مما يكون الفسق والخروج عن الدين ، في تجاهله ، وفي تعديه.

هذا إلى جانب اعترافهم بما له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من فضل عليهم ، وأياد لديهم ، فإنه هو الذي أخرجهم ـ بفضل الله ـ من الظلمات إلى النور ، ومن الضلال إلى الهدى ، وأبدلهم الذل بالعز ، والشقاء بالسعادة ، والنار بالجنان.

يضاف إلى ذلك كله : ادّعاء هؤلاء أنهم قد جاؤوا مع هذا الرسول الأكرم والأعظم ، في هذا الزمان الشريف ، إلى هذا المكان المقدس ـ عرفات ـ لعبادة

__________________

(١) الآية ١ من سورة الحجرات.

(٢) الآية ٢ من سورة الحجرات.

(٣) الآية ٧ من سورة الحشر.

(٤) الآية ٥٩ من سورة النساء.


الله سبحانه ، وطلب رضاه ، معلنين بالتوبة ، وبالندم على ما فرطوا به في جنب الله ، منيبين إليه سبحانه ، ليس لهم في حطام الدنيا مطلب ، ولا في زخارفها مأرب.

وهم يظهرون أنفسهم بمظهر من يسعى لإنجاز عمل صالح يوجب غفران ذنوبهم ، ورفعة درجاتهم.

نعم ، رغم ذلك كله : فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استطاع أن يري الجميع بأم أعينهم : كيف أن حركة بسيطة منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أظهرتهم على حقيقتهم ، وكشفت خفيّ مكرهم ، وخادع زيفهم ، وقد رأى كل أحد كيف أنهم : قد تحولوا إلى وحوش كاسرة ، ضد نبيهم بالذات ، وظهر كيف أنهم لا يوقرون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويرفعون أصواتهم فوق صوته ، ويجهرون له بالقول أكثر من جهر بعضهم لبعضهم ، ويعصون أوامره .. و .. و .. كل ذلك رغبة في الدنيا ، وزهدا في الآخرة ، وطلبا لحظ الشيطان ، وعزوفا عن الكرامة الإلهية ، وعن طلب رضى الرحمن.

١٠ ـ وعلى هذه فقس ما سواها :

ولا بد لكل من عاين هذه الأحداث أن يطرح على نفسه السؤال التالي : إذا كان هؤلاء لا يتورعون عن معاملة نبيهم بهذا الأسلوب الوقح والقبيح ، فهل تراهم يوقرون من هو دونه ، في ظروف وحالات هي أقل بكثير من حالاتهم معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

وماذا عسى أن يكون موقفهم ممن طفحت قلوبهم بالحقد عليه ، ولهم قبله ترات وثارات أسلافهم الذين قتلهم على الشرك ، وهو أمير المؤمنين


الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ..

وسيجدون أن الإجابة لن تكون في صالح هؤلاء المتجرئين على نبيهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وهكذا .. فإنه يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أفقدهم ، وأفقد مؤيديهم كل حجة ، وحرمهم من كل عذر ، سوى البغي والإصرار على الباطل ، والجحود للحق ؛ فقد ظهر ما كان خفيا ، وأسفر الصبح لذي عينين ، ولم يعد يمكن الإحالة ، على المجهول ، بدعوى : أنه يمكن أن يكون قد ظهر لهم ما خفي علينا.

أو أنهم ـ وهم الأتقياء الأبرار ـ لا يمكن أن يخالفوا أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا أن يبطلوا تدبيره ، ويخونوا عهده ، وهو لمّا يدفن.

أو أن من غير المعقول : أن تصدر الخيانة من أكثر الصحابة؟! أو أن يسكتوا عنها بأجمعهم.

وما إلى ذلك من أساليب تضليلية ، يمارسها البعض لخداع السذج والبسطاء ، ومن لا علم لهم بواقع أولئك الناس ، ولا بمواقفهم.

فإن كل هذه الدعاوى قد سقطت ، وجميع تلكم الأعذار قد ظهر زيفها وبطلانها ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر.

١١ ـ القرار الإلهي الثابت :

والذي ساهم في قطع كل عذر ، وبوار كل حجة : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قد تابع طريقته الحكيمة في فضح أمر هؤلاء المتجرئين ، بما ستأتي الإشارة إليه ، في أمور فاجأهم بها ، مثل قضية تجهيز جيش أسامة ،


وعزل أبي بكر عن الصلاة ، وطلب كتابة الكتاب ، فيما عرف برزية يوم الخميس.

وكل ذلك قد كان منه في الأيام الأخيرة من حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بحيث لم يبق مجال لدعوى الإنابة والتوبة ، أو الندم على ما صدر منهم ، ولا لدعوى تبدل الأوضاع والأحوال ، والظروف والمقتضيات ، ولا لدعوى تبدل القرار الإلهي النبوي الثابت.

١٢ ـ التهديد والتآمر :

هذا .. وقد تقدم : أن هؤلاء أنفسهم حينما رأوا جدية التهديد الإلهي ، قد سكتوا في غدير خم حين أعلن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إمامة علي «عليه‌السلام» ؛ فلم نجد منهم أية بادرة ، إلا فيما ندر من همسات عابرة ، لا تكاد تسمع.

وقد بادر هؤلاء أنفسهم إلى البيعة له «عليه‌السلام» .. وإن كانوا قد أسروا وبيتوا ما لا يرضاه الله ورسوله ، من القول والفعل ، والنية والتخطيط. الذي ظهرت نتائجه بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما يدفن ، بل وقبل ذلك ، حينما تصدى بعضهم لمنع النبي الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من كتابة الكتاب بالوصية لعلي «عليه‌السلام» ، حينما كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على فراش المرض ، في ما عرف برزية يوم الخميس! وقال قائلهم : إن النبي ليهجر!

أو : غلبه الوجع!

أو فقالوا : هجر رسول الله!


أو : ما شأنه أهجر؟

قال سفيان : يعنى هذى ، استفهموه! (١).

__________________

(١) راجع : مسند أحمد ج ١ ص ٢٢٢ و ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٣٥٥ والإيضاح ص ٣٥٩ وتذكرة الخواص ص ٦٢ وسر العالمين ص ٢١ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٦٠ وج ٤ ص ٥ و ١٧٣ وج ١ ص ٢١ ـ ٢٢ وج ٢ ص ١١٥ و (ط دار الفكر) ج ٤ ص ٣١ و ٦٦ وج ٥ ص ١٣٧ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٢٠٢ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٤٣٤ والمصنف للصنعاني ج ٦ ص ٥٧ وج ١٠ ص ٣٦١ وراجع ج ٥ ص ٤٣٨ والإرشاد للمفيد ص ١٠٧ والبحار ج ٢٢ ص ٤٧٢ و ٤٩٨ وج ٣٠ ص ٥٣٠ و ٥٣٨ وراجع : الغيبة للنعماني ص ٨١ ـ ٨٢ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٩٨ وج ١٥ ص ٩٠ وج ١٨ ص ٦١ و ٦٢ وفتح الباري ج ٨ ص ١٠١ و ١٠٢ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٧ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٥ ص ٢٤٧ والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٥٩ والملل والنحل ج ١ ص ٢٢ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٢٤٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ١٩٢ ـ ١٩٣ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٤٣٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٠ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٥٦٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٥٥ وج ٦ ص ٥١ وج ١٣ ص ٣١ ونصب الراية ج ٤ ص ٣٤٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٦٤ وصحيح مسلم ج ٥ ص ٧٥ و ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٤٤ ونهج الحق ص ٢٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٥٠ والشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ج ٢ ص ١٩٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٤٧ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٦٢. وراجع : حق اليقين ج ١ ص ١٨١ ـ ١٨٢ ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٦٣ ـ ٧٠ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٣ و ٦ والمراجعات ص ٣٢٢ و ٣٥٣ و ٣٥٤ والنص والاجتهاد ص ١٤٩ ـ ١٦٣ ومسند الحميدي ج ١ ص ٢٤٢.


وسيأتي إن شاء الله أنهم أخذوا هذا الأمر من صاحبه الشرعي بقوة السلاح ، بعد أن ارتكبوا جرائم وعظائم ، وانتهكوا لله حرمات .. فإنا لله وإنا إليه راجعون ..

الخير في ما وقع :

وأخيرا .. فإن ما جرى في عرفة ، ومنى ، وإظهار هؤلاء الناس على حقيقتهم ، وما تبع ذلك من فوائد وعوائد أشير إليها ، قد كان ضروريا ولازما ، للحفاظ على مستقبل الدعوة ، وبقائها ، فقد عرفت الأمة الوفي والتقي ، من المتآمر والغادر ، والمؤمن الخالص ، من غير الخالص ، وفي ذلك النفع الكثير والخير العميم. (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (١). وصدق الله ورسوله ، وخاب من افترى .. (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (٢).

__________________

(١) الآية ١٩ من سورة النساء.

(٢) الآية ١٠ من سورة الفتح.



الفصل الرابع :

حديث الغدير وأسانيده



غدير خم لتبرئة علي عليه‌السلام :

قال ابن كثير : «فصل في إيراد الحديث الدال على أنه «عليه‌السلام» خطب بمكان بين مكة والمدينة ، مرجعه من حجة الوداع ، قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبين فيها فضل علي بن أبي طالب ، وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن ، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا ، وتضييقا وبخلا ، والصواب كان معه في ذلك.

ولهذا لما تفرغ «عليه‌السلام» من بيان المناسك ، ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق. فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ ، وكان يوم الأحد بغدير خم ، تحت شجرة هناك ، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه» (١).

إلى أن قال : «قال محمد بن إسحاق ـ في سياق حجة الوداع ـ : حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن يزيد بن طلحة بن يزيد

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٤.


بن ركانة ، قال : لما أقبل علي من اليمن ، ليلقى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمكة ، تعجل إلى رسول الله ، واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل ، فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي.

فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم ، فإذا عليهم الحلل ، قال : ويلك! ما هذا؟

قال : كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.

قال : ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال : فانتزع الحلل من الناس ، فردها في البز.

قال : وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم (١).

ثم روى ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري قال : اشتكى الناس عليا ، فقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فينا خطيبا ، فسمعته يقول : «أيها الناس لا تشكوا عليا ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى» (٢).

__________________

(١) والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٦٠٣ و (ونشر مكتبة محمد علي صبيح) ج ٤ ص ١٠٢١ والبحار ج ٤١ ص ١١٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٠٢ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٣٧٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٩ ص ٣٠٤ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ١٩٤.

(٢) والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٨ وج ٧ ص ٣٨١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٥ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ١٩٤ ومسند أحمد ج ٣ ص ٨٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٦٠٣ و (ونشر مكتبة


ونقول :

إن ما زعمه ابن كثير ، ليس له أية قيمة علمية ، فإنه مجرد اجتهاد منه في مقابل النصوص التي صرحت : بأن ما فعله رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما هو نصب منه ، بل من الله لعلي «عليه‌السلام» لمقام بعينه ، وكلمات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في يوم الغدير صريحة في ذلك ..

ونزول آية كمال الدين في مناسبة الغدير كما ورد في النصوص ، يبطل هذا الإجتهاد الذي أتحفنا به ابن كثير ..

وحتى لو كانت آية الإكمال قد نزلت يوم عرفة ، فإنها قد دلت على أنه لم يكن إكمال الدين بإضافة أمر جديد ، إذ لم نجد في الآية الشريفة المذكورة إلا التأكيد على أحكام سبق تشريعها في آيات أخرى.

فالجديد إذن هو ولاية علي «عليه‌السلام» ، وقد حاول أن يبلغها يوم عرفة ، فمنعته قريش ، والطامعون في الأمر بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فأنزل الله عليه العصمة من الناس ، وأمره بالتبليغ مرة أخرى في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١).

فجمع الناس في غدير خم ، وأبلغهم ولاية علي «عليه‌السلام» ، ثم نزل

__________________

محمد علي صبيح) ج ٤ ص ١٠٢٢ وينابيع المودة ج ٢ ص ٣٩٨ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٤ ص ١٨٥٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ١٩٩ وتهذيب الكمال ج ٣٥ ص ١٨٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤ ص ٢٤٠ و ٢٣٤ و ٤٤٠ و ٤٤١ و ٤٤٢ وج ٢٠ ص ٣٠٠ و ٣٠٢ وج ٢٣ ص ٦٠٦ وج ٣١ ص ٤٨.

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


جبرئيل عليه يأمره بقراءة آية إكمال الدين وإتمام النعمة عليهم ، ففعل «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وإن نفس اعتبار هذا الأمر الذي أمر بإبلاغه موازيا للرسالة كلها ، يكفي لدحض ما زعمه ابن كثير ..

وسيأتي إن شاء الله المزيد مما يدل على سقوط اجتهاد هذا الرجل ..

بل ما رواه ابن إسحاق أخيرا من خطبة للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حق علي «عليه‌السلام» يشير إلى أنها خطبة أخرى لا ربط لها بما جرى في الغدير. ولكن ابن كثير اجتهد في تطبيق هذه على تلك .. ولم يكن موفقا في ذلك أبدا .. كما سنرى.

يوم الغدير يوم الله الأكبر :

إن ما جرى في يوم الغدير قد جعل هذا اليوم من أكثر الأيام حساسية وأهمية للإسلام ولأهله. وقد أصبح هذا اليوم عيدا لدى طائفة كبيرة من المسلمين المؤمنين. واعتبرته طائفة أخرى يوم بلاء وعناء ، تتعامل مع كل ما يجري فيه بالحقد والضغينة ، والشنآن.

بل قد يبلغ الأمر ببعض هؤلاء حد استحلال دماء من يظهر الفرح في هذا اليوم ، فكانوا وما زالوا يرتكبون أعظم المجازر في حقهم. وأحداث التاريخ تشهد على ما نقول كما ربما يمر معنا.

ومن جهة أخرى ، فإن هذا اليوم قد حظي بعناية بالغة ، من حيث البحث والتقصي لما قيل فيه وجرى ، ومن نقل وروى .. فألفت الكتب الكثيرة ، وكتبت البحوث الغزيرة منذ عهود الإسلام الأولى ، وإلى يومنا هذا.


ونحن لا نريد استقصاء ذلك كله ، بل نريد عرض ما جرى ، مع مراعاة الإختصار الشديد ، وتوخي الوضوح الأكيد ، وربما نتناول بعض الجوانب التي نرى أن تناولها راجح ومفيد.

غير أننا نود أن نعلم القارئ بأننا سوف نكثر من الإحالة على كتاب الغدير للعلامة الأميني ، فإنه من أجلّ الكتب وأكثرها استيفاء للنصوص والمصادر.

خلاصة ما جرى يوم الغدير :

ونبدأ بذكر ملخص لما جرى وفق ما أورده صاحب كتاب الغدير في أول كتابه كما يلي :

قال «رحمه‌الله» :

«فلما قضى مناسكه ، وانصرف راجعا إلى المدينة ، ومعه من كان من الجموع المذكورات ، وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة ، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١). وأمره أن يقيم عليا علما للناس ، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية ، وفرض الطاعة على كل أحد.

وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة ، فأمر رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


وآله» أن يرد من تقدم منهم ، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ، ونهى عن سمرات خمس متقاربات ، دوحات عظام ، أن لا ينزل تحتهن أحد ، حتى إذا أخذ القوم منازلهم ، فقمّ ما تحتهن.

حتى إذا نودي بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن ، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداءه على رأسه ، وبعضه تحت قدميه ، من شدة الرمضاء ، وظلّل لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بثوب على شجرة سمرة من الشمس.

فلما انصرف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من صلاته ، قام خطيبا وسط القوم (١)

__________________

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ٢١٠ ـ ٢٢٣ وقد صرح بنزول الآية في هذه المناسبة كثيرون ، فراجع ما عن المصادر التالية : ابن جرير الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير كما في ضياء العالمين ، والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ وفتح القدير ج ٢ ص ٥٧ و ٦٠ عن ابن أبي حاتم ، وكنز العمال ج ١١ ص ٦٠٣ وعن أبي بكر الشيرازي وابن مردويه ، وكشف الغمة للأربلي ص ٣٢٤ و ٣٢٥ وعن تفسير الثعلبي ، والعمدة لابن البطريق ص ١٠٠ والطرائف لابن طاووس ج ١ ص ١٥٢ و ١٢١ ومجمع البيان ج ٣ ص ٣٤٤ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٢٩ وأبي نعيم في كتابه ما نزل من القرآن في علي «عليه‌السلام» ص ٨٦ وخصائص الوحي المبين ص ٥٣ وأسباب النزول ص ١٣٥ وشواهد التنزيل ج ١ ص ٢٥٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ٢٣٧ والتفسير الكبير للرازي ج ١٢ ص ٤٩ ومفتاح النجا في مناقب آل العبا ص ٣٤ ومودة القربى (المودة الخامسة) وفرائد السمطين ج ١ ص ١٥٨ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤٢ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٢٠٦ وغرائب القرآن للنيسابوري ج ٦ ص ١٧٠ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبذي ص ٤٠٦ وعن أبي الشيخ ، وابن أبي حاتم ، وعبد بن


على أقتاب الإبل ، وأسمع الجميع رافعا عقيرته (١) ، فقال :

«الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ، ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد .. أيها الناس ، قد نبأني اللطيف الخبير : أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيرا.

قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق ، وناره حق ، وأن الموت حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور؟

قالوا : بلى نشهد بذلك.

قال : اللهم اشهد.

ثم قال : أيها الناس ألا تسمعون؟

__________________

حميد ، وابن مردويه ، وثمار القلوب للثعالبي ص ٦٣٦ وراجع : روح المعاني ج ٦ ص ١٩٢ وينابيع المودة ج ١ ص ١١٩ وراجع : تفسير المنار ج ٦ ص ٤٦٣ والبحار ج ٣٧ ص ١١٥ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٦٥٧ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٦١ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٥٣ وكشف اليقين ص ٢٤٠ وتفسير القمي ج ١ ص ١٧٣ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٦٩.

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ١٠ وراجع : البحار ج ٣٧ ص ١٦٦ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٥٤٤.


قالوا : نعم.

قال : فإني فرط على الحوض ، وأنتم واردون علي الحوض ، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى (١) ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين (٢).

فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟

قال : الثقل الأكبر كتاب الله ، طرف بيد الله عزوجل ، وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به لا تضلوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا.

ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما ، وعرفه القوم أجمعون ، فقال : أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، يقولها ثلاث مرات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة :

أربع مرات ـ ثم قال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

__________________

(١) صنعاء : عاصمة اليمن اليوم. وبصارى : قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

(٢) الثقل ، بفتح المثلاثة والمثناة : كل شيء خطير نفيس.


دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية (١)» (٢).

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي.

ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وممن هنأه في مقدم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) وقد روي نزول الآية في يوم الغدير في المصادر التالية : الغدير ج ١ ص ١١ و ٢٣٠ ـ ٢٣٧ و ٢٩٦ وروى ذلك الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير ، كما في ضياء العالمين. وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٤ عن ابن مردويه ، والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ٢٣٧ والإتقان ج ١ ص ٣١ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٣٠ وعن مفتاح النجا ، وعن الفرقة الناجية وما نزل من القرآن في علي «عليه‌السلام» لأبي نعيم ص ٥٦ وكتاب سليم بن قيس ج ٢ ص ٨٢٨ وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٢٩٠ ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٨ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٦ وشواهد التنزيل للحسكاني ج ١ ص ٢٠١ والمناقب للخوارزمي ص ١٣٥ و ١٥٦ وفرائد السمطين ج ١ ص ٧٤ و ٧٢ وعن النطنزي في كتابه الخصائص العلوية ، وتوضيح الدلائل للصالحاني ، وتذكرة الخواص ص ٣٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢١٠. وراجع : البحار ج ٢١ ص ٣٩٠ وج ٣٧ ص ١٣٤ و ١٦٦ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٠١ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٥٤٤ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٦١ ـ ٣٦٣ قصص الأنبياء للراوندي ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص ٢٠ وكشف اليقين ص ٢٥٣.


وقال ابن عباس : وجبت والله في أعناق القوم (١).

الخطبة برواية الطبري :

وعن زيد بن أرقم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خطب في يوم الغدير خطبة بالغة ، ثم قال : إن الله تعالى أنزل إلىّ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢) ، وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كل أبيض وأسود : أن علي بن أبي طالب أخي ، ووصيي ، وخليفتي ، والإمام بعدي.

فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي ، لعلمي بقلة المتقين ، وكثرة المؤذين لي ، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي ، وشدة إقبالي عليه ، حتى سموني أذنا ، فقال تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) (٣). ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت ، ولكني بسترهم قد تكرمت.

فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه. فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فإن الله قد نصبه لكم وليا وإماما ، وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ١٠ و ١١. وراجع : العمدة لابن البطريق ص ١٠٤ ـ ١٠٦ والبحار ج ٣٧ ص ١٨٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٣٢ وج ٨ ص ١٢٢ عن المناقب لابن المغازلي ١٦ ـ ١٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٢٥٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٤١ و ٣٤٢ عن ابن المغازلي.

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فإن الله مولاكم ، وعلي إمامكم.

ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة ، لا حلال إلا ما أحله الله ورسوله ، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله وهم.

فما من علم إلا وقد أحصاه الله فيّ ، ونقلته إليه ؛ فلا تضلوا عنه ، ولا تستنكفوا منه ، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به ، لن يتوب الله على أحد أنكره ، ولن يغفر له ، حتما على الله أن يفعل ذلك ، أن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين.

فهو أفضل الناس بعدي ، ما نزل الرزق ، وبقي الخلق ، ملعون من خالفه ، قولي عن جبرئيل عن الله ، فلتنظر نفس ما قدمت لغد.

إفهموا محكم القرآن ، ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسر ذلك لكم إلا من أنا آخذ بيده ، وشائل بعضده ، ومعلمكم : أن من كنت مولاه فهذا (فعلي) مولاه ، وموالاته من الله عزوجل أنزلها عليّ.

ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال :

معاشر الناس! هذا أخي ، ووصيي ، وواعي علمي ، وخليفتي على من آمن بي ، وعلى تفسير كتاب ربي.

وفي رواية : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، والعن من أنكره ، وأغضب على من جحد حقه.

اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ


دِينَكُمْ) (١) بإمامته ، فمن لم يأتم به ، وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة ، فأولئك حبطت أعمالهم ، وفي النار هم خالدون.

إن إبليس أخرج آدم «عليه‌السلام» من الجنة ، مع كونه صفوة الله ، بالحسد (٢) ، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم ، وتزل أقدامكم.

في علي نزلت سورة (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٣).

معاشر الناس! آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) (٤). النور من الله فيّ ، ثم في عليّ ، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي.

معاشر الناس! سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون ، وإن الله وأنا بريئان منهم ، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار. وسيجعلونها ملكا اغتصابا ، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان و (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) (٥)» (٦).

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) لنا كتاب مستقل حول هذا الموضوع أسميناه «براءة آدم» ، فلا بأس بالرجوع إليه في هذا الموضوع.

(٣) الآيتان ١ و ٢ من سورة العصر.

(٤) الآية ٤٧ من سورة النساء.

(٥) الآية ٣٥ من سورة الرحمن.

(٦) الغدير للعلامة الأميني ج ١ ص ٢١٥ و ٢١٦ عن ضياء العالمين للفتوني عن كتاب الولاية للطبري.

وراجع : كتاب الإحتجاج ج ١ ص ١٣٣ ـ ١٦٢ والتحصين لابن طاووس ص ٥٧٩


النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمهم التهنئة والبيعة :

وتذكر الروايات أيضا : أنه قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«معاشر الناس! قولوا أعطيناك على ذلك عهدا من أنفسنا ، وميثاقا بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤديه إلى من رأينا من أولادنا وأهالينا ، لا نبغي بذلك بدلا ، وأنت شهيد علينا ، وكفى بالله شهيدا.

قولوا ما قلت لكم ، وسلموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، وقولوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (١) ، فإن الله يعلم كل صوت ، وخائنة كل عين ، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (٢). قولوا ما يرضي الله عنكم ، ف (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) (٣)» (٤).

__________________

٥٩٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٩١ ـ ١١٢ والعدد القوية للحلي ص ١٦٩ ـ ١٨٣ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٥٦ ـ ٦٧ وفيها زيادات هامة ، والبحار ج ٣٧ ص ٢٠١ ـ ٢١٩ وروضة الواعظين ص ١٠٠ ـ ١١٣ و (ط منشورات الشريف المرتضى) ص ٩١ ـ ٩٩ وغاية المرام ج ١ ص ٤٠٢ ـ ٤١٩ وراجع : الصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠١ ـ ٣٠٤.

(١) الآية ٤٣ من سورة الأعراف.

(٢) الآية ١٠ من سورة الفتح.

(٣) الآية ٧ من سورة الزمر.

(٤) الغدير للعلامة الأميني ج ١ ص ٥٠٨ و ٥٠٩ و (ط دار الكتاب العربي) ص ٢٧٠ عن الطبري في كتاب الولاية ، وعن الخليلي في مناقب علي بن أبي طالب. وعن كتاب النشر والطي. وراجع : الصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠٣ والبحار ج ٣٧ ص ٢١٧.


قال زيد بن أرقم : فعند ذلك بادر الناس بقولهم : نعم ، سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله ، بقلوبنا ، وأنفسنا ، وألسنتنا ، وجميع جوارحنا.

ثم انكبوا على رسول الله ، وعلى عليّ بأيديهم

وكان أول من صافق رسول الله أبو بكر وعمر ، وطلحة والزبير ، ثم باقي المهاجرين [والأنصار وباقي] الناس على طبقاتهم ، ومقدار منازلهم ، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد ، والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد ، ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثا ، ورسول الله كلما بايعه فوج بعد فوج يقول : «الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين».

وصارت المصافقة سنة ورسما ، واستعملها من ليس له حق فيها (١).

ثم جلس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خيمة تختص به ، وأمر أمير المؤمنين عليا «عليه‌السلام» أن يجلس في خيمة أخرى ، وأمر أطباق الناس بأن يهنئوا عليا في خيمته.

ولما فرغ الناس عن التهنئة له أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنئنه ، ففعلن.

وممن هنأه من الصحابة : عمر بن الخطاب ، فقال : هنيئا لك (أو بخ بخ

__________________

(١) الغدير للعلامة الأميني ج ١ ص ٥٠٨ و ٥٠٩ و (ط دار الكتاب العربي) ص ٢٧٠ وعن الطبري في كتاب الولاية ، وعن الخليلي في مناقب علي بن أبي طالب. وعن كتاب النشر والطي. وراجع : الصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠٣ والإحتجاج ج ١ ص ٨٤ واليقين لابن طاووس ص ٣٦٠ والبحار ج ٣٧ ص ٢١٧ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٦٧ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١١٢ والعدد القوية للحلي ص ١١٨٣.


لك) يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات (١).

وفي نص آخر : قال أبو بكر وعمر : أمسيت يابن أبي طالب مولى كل

__________________

(١) راجع : تاريخ روضة الصفا لابن خاوند شاه ج ٢ ص ٥٤١ وحبيب السير ج ١ ص ٤١١. وحول تهنئة عمر له راجع : المصنف لابن أبي شيبة ج ١٢ ص ٧٨ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٨١ وجامع البيان ج ٣ ص ٤٢٨ والغدير ج ١ ص ٢٧٣ و ٢٧٤ عن الحسن بن سفيان الشيباني النسوي وعن شرف المصطفى للخركوشي ، وابن مردويه ، وعن الكشف والبيان ، وعن العاصمي في زين الفتى ، وعن فضائل الصحابة للسمعاني ، والمناقب لابن الجوزي والخصائص العلوية للنطنزي ، وعن مودة القربى ، وعن الصراط السوي للقادري ، وعن السهارنپوري ، وعن ولي الله الدلهوي ، وعن مفتاح النجا ومعارج العلى ، وعن تفسير شاهي والرياض النضرة ج ٣ ص ١١٣ وعن حياة علي بن أبي طالب للشنقيطي ص ٢٨ ونظم درر السمطين ص ١٠٩ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤٠ ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٨ وسر العالمين ص ٢١ والملل والنحل ج ١ ص ١٤٥ والمناقب للخوارزمي ص ٩٤ والتفسير الكبير ج ١٢ ص ٤٩ والنهاية في اللغة ج ٥ ص ٢٢٨ وعن أسد الغابة ج ٤ ص ١٠٨ وتذكرة الخواص ص ٢٩ ووسيلة المتعبدين ج ٥ ق ٢ ص ١٦٢ وفرائد السمطين ج ١ ص ٧٧ ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ٣٦٠ وبديع المعاني ص ٧٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٠٩ و ٢١٠ والخطط للمقريزي ج ١ ص ٣٨٨ وكنز العمال ج ١٣ ص ١٣٣ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبذي ص ٤٠٦ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ١٠١٨ والمواهب اللدنية ج ٣ ص ٣٦٥ ووسيلة المآل ص ١١٧ ونزل الأبرار ص ٥٢ والروضة الندية ص ١٥٥ ووسيلة النجاة ص ١٠٢ ومرآة المؤمنين ص ٤١ وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٢٩٠ ومصادر أخرى تقدمت.


مؤمن ومؤمنة (١).

فقال حسان : إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتا تسمعهن.

فقال : قل على بركة الله.

فقام حسان ، فقال : يا معشر مشيخة قريش ، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ، ثم قال (٢) :

__________________

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ٢٧٣ عن كتاب الولاية لابن عقدة ، وعن المرزباني في كتابه سرقات الشعر ، وعن الدارقطني ، وعن الإبانة لابن بطة ، وعن التمهيد للباقلاني ، وعن العاصمي في زين الفتى ، والصواعق المحرقة ص ٤٤ وكفاية الطالب ص ٦٢ ـ ٦٤ وفيض القدير للمناوي ج ٦ ص ٢١٨ و (دار الكتب العلمية) ج ٦ ص ٢٩٢ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٧ ص ١٣ والفتوحات الإسلامية ج ٢ ص ٣٠٦. والفضائل لابن شاذان ص ١٣٣ وكتاب الولاية لابن عقدة ص ١٥٥ والبحار ج ١٠٤ ص ١١٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢١١ و ٢٦٣ و ٣٦٤ و ٤٠٥ و ٤١٢ وج ٨ ص ٨٢ وج ٩ ص ٩٧ و ١٤٣ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٢٨٢ والغدير ج ١ ص ١١ و ٢٧٣ و ٢٨١ و ٢٨٢ و ٣٠٣ و ٣٠٩ و ٣٥٤ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٣٦٦ وج ٢٠ ص ٥٨١ و ٥٩٩ وج ٢١ ص ٥٠ و ٥٢ و ٥٦ وج ٣١ ص ٥٠٠ وراجع : نهج الإيمان لابن جبر ص ١٢٧.

(٢) الغدير للعلامة الأميني ج ١ ص ١١ و ٢٣٢ ورسائل المرتضى ج ٤ ص ١٣١ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ١١٩ و ٣٦٣ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٤٦٩ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٩٤ والطرائف ص ١٤٦ وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص ٦٤ والجمل للمفيد ص ١١٧ ومناقب علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» وما نزل من القرآن في علي


يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم فاسمع بالرسول مناديا

يقول : فمن مولاكم ووليكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا : اللهم وال وليه

وكن للذي عادا عليا معاديا

وحسب رواية سليم بن قيس :

ألم تعلموا أن النبي محمدا

لدى دوح خم حين قام مناديا

وقد جاءه جبريل من عند ربه

بأنك معصوم فلا تك وانيا

__________________

«عليه‌السلام» لابن مردويه ص ٢٣٣ والمناقب للخوارزمي ص ١٣٦ والبحار ج ٢١ ص ٣٨٨ وج ٣٧ ص ١١٢ و ١٦٦ و ١٧٨ و ١٧٩ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٠٩ و ٣١٠ و ٣١٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٥٦ وج ٢٠ ص ١٩٩ والأمالي للصدوق ص ٦٧٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١١٦ وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص ٤٢ وروضة الواعظين ص ١٠٣ وشرح أصول الكافي ج ٦ ص ١٢٠ ونظم درر السمطين ص ١١٢ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص ٢٩٠ والإرشاد ج ١ ص ١٧٧ وأقسام المولى للشيخ المفيد ص ٣٥ والصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠٥ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٣٠ وكنز الفوائد ص ١٢٣ ومسار الشيعة للشيخ المفيد ص ٣٩ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٦٢ والدر النظيم ص ٢٥٣ و ٣٩٦ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٢٥.


وبلغهم ما أنزل الله ربهم

وإن أنت لم تفعل وحاذرت باغيا

عليك فما بلغتهم عن إلههم

رسالته إن كنت تخشى الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه

بيمنى يديه معلن الصوت عاليا

فقال لهم : من كنت مولاه منكم

وكان لقولي حافظا ليس ناسيا

فمولاه من بعدي علي وإنني

به لكم دون البرية راضيا

فيا رب من والى عليا فواله

وكن للذي عادى عليا معاديا

ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم

إمام الهدى كالبدر يجلو الدياجيا

ويا رب فاخذل خاذليه وكن لهم

إذا وقفوا يوم الحساب مكافيا (١)

وعن عمر بن الخطاب قال :

نصب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا علما ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره ، اللهم أنت شهيدي عليهم.

قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله! وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح ، قال لي : يا عمر لقد عقد رسول الله عقدا لا يحله إلا منافق.

فأخذ رسول الله بيدي فقال : يا عمر ، إنه ليس من ولد آدم ، لكنه جبرائيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي (٢).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ج ٢ ص ٨٢٨ و ٨٢٩ و (بتحقيق الأنصاري) ص ٣٥٦ والبحار الأنوار ج ٣٧ ص ١٩٥.

(٢) الغدير للعلامة الأميني ج ١ ص ٥٧ عن مودة القربى لشهاب الدين الهمداني ، المودة الخامسة ، وينابيع المودة ج ٢ ص ٧٣ و (ط دار الأسوة) ص ٢٨٤ عنه.


قضية الغدير ليست واقعة حرب معروفة :

كانت تلك خلاصة لواقعة الغدير. وقد ظهر أنها ليست واقعة حرب معروفة ، كما زعمه الدكتور ملحم إبراهيم الأسود في تعليقته على ديوان أبي تمام (١) ، إذ ليس في غزوات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا في سراياه أية واقعة حرب أخرى معروفة بهذا الاسم.

وما عرف في الجاهلية بهذا الاسم (٢) لم يكن للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا لعلي «عليه‌السلام» أي ارتباط به ..

كما أنها لم تكن لأجل تبرئة علي «عليه‌السلام» مما نسب إليه من الجور على من كان معه في اليمن ، كما زعمه ابن كثير ، ومن هم على شاكلته ..

عيد الغدير عبر القرون والأحقاب :

هذا .. ولا حاجة بنا إلى إثبات أن عيد الغدير عيد إسلامي أصيل ، وأنه لم يزل معروفا بهذه الصفة منذ القرون الثلاثة الأولى.

وبذلك يظهر عدم صحة قول المقريزي عن عيد الغدير : «أول ما عرف في الإسلام بالعراق ، أيام معز الدولة علي بن بويه ، فإنه أحدثه في سنة اثنتين

__________________

وراجع : خلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٨٧ وج ٩ ص ٢٧٣ والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص ١٧٨ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٢٥٢ عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص ٥٦٥ ، وج ٢١ ص ٦٥ عن آل محمد (نسخة مكتبة السيد الأشكوري) ص ٤٥٣ وراجع : الدر النظيم ص ٢٥٣.

(١) الغدير للعلامة الأميني ج ٢ ص ٣٣١ عن شرح ديوان أبي تمام ص ٣٨١.

(٢) راجع : الأغاني ج ١٠ ص ١٤ و ١٥ والعقد الفريد لابن عبد ربه ج ٥ ص ٩٩.


وخمسين وثلاث مائة ، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدا» (١).

فإن هذا القول لا يصح ، ولا مجال لقبوله ، فقد قال المسعودي : «وولد علي رضي‌الله‌عنه ، وشيعته يعظمون هذا اليوم» (٢).

والمسعودي قد توفي قبل التاريخ المذكور ، أي في سنة ٣٤٦ ه‍.

وروى فرات بن إبراهيم ، وهو من علماء القرن الثالث عن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائهم «عليهم‌السلام» ، قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي الخ ..» (٣).

وقد اعتبره أمير المؤمنين علي «عليه‌السلام» عيدا أيضا ، حيث إنه «عليه‌السلام» خطب في سنة اتفق فيها الجمعة والغدير ، فقال : «إن الله عزوجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ..».

والخطبة طويلة يأمرهم فيها تفصيلا بفعل ما ينبغي فعله في الأعياد ، وبإظهار البشر والسرور ، فمن أراد فليراجع (٤).

__________________

(١) الخطط للمقريزي ج ١ ص ٢٨٨.

(٢) التنبيه والإشراف ص ٢٢١ و ٢٢٢.

(٣) راجع : الغدير ج ١ ص ٢٨٣ والأمالي للصدوق ص ١٨٨ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ٢ ص ٢٦٤ والبحار ج ٣٧ ص ١٠٩ وج ٩٤ ص ١١٠ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٥٨٩ وبشارة المصطفى للطبري ص ٤٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٣٩ وروضة الواعظين ص ١٠٢.

(٤) مصباح المتهجد ص ٦٩٨ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص ٧٥٤ والغدير ج ١ ص ٢٨٤ عنه ، والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٥ و (ط دار ـ


وقد روى فرات بسنده عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : قلت : جعلت فداك ، للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم الجمعة ، ويوم عرفة؟!

قال : فقال لي : «نعم ، أفضلها ، وأعظمها ، وأشرفها عند الله منزلة ، هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأنزل على نبيه محمد : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية (١)» (٢).

وفي الكافي : عن الحسن بن راشد ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» أيضا : أنه اعتبر يوم الغدير عيدا.

وفي آخره قوله : «فإن الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا».

قال : قلت : فما لمن صامه؟

__________________

الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٧ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ٢ ص ٢٥٦ والمصباح للكفعمي ص ٦٩٧ والبحار ج ٩٤ ص ١١٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤٢١ والغدير ج ١ ص ٢٨٤ ومسند الإمام الرضا «عليه‌السلام» للعطاردي ج ٢ ص ٢٣ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٨ ص ٧٢.

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) الغدير ج ١ ص ٢٨٤ و ٢٨٥ وتفسير فرات ص ١١٧ حديث ١٢٣ ومستدرك الوسائل ج ٦ ص ٢٧٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٤٧٣ والبحار ج ٣٧ ص ١٦٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ٦ ص ١٨٠ و ٣١٣ و ٤١٣.


قال : «صيام ستين شهرا» (١).

ويؤيده : ما رواه الخطيب البغدادي ، بسند رجاله كلهم ثقات ، عن أبي هريرة : من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا ، وهو يوم غدير خم الخ ..» (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ١٤٨ و ١٤٩ والغدير ج ١ ص ٢٨٥ عنه ، ومصباح المتهجد ص ٦٨٠ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص ٧٣٧ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥١٩ ومشارق الشموس (ط. ق) ج ٢ ص ٤٥١ والحدائق الناضرة ج ١٣ ص ٣٦١ وجامع المدارك ج ٢ ص ٢٢٤ وثواب الأعمال للصدوق ص ٧٤ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٩٠ وتهذيب الأحكام ج ٤ ص ٣٠٥ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤١ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٤ والبحار ج ٣٧ ص ١٧٢ وج ٩٤ ص ١١١ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤٢٠ وبشارة المصطفى للطبري ص ٣٦٤.

(٢) تاريخ بغداد ج ٨ ص ٢٩٠ و (ط دار الكتب العلمية) ج ٨ ص ٢٨٤ وأشير إليه في تذكرة الخواص ص ٣٠ والمناقب للخوارزمي ص ٩٤ و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص ١٥٦ وفيه ستين سنة بدل ستين شهرا ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ١٩ وفي فرائد السمطين الباب ١٣ ج ١ ص ٧٧ كما في مناقب الخوارزمي ، والغدير ج ١ ص ٢٣٢ و ٤٠١ و ٤٠٢ عنهم ، وعن زين الفتى للعاصمي. وراجع : كتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٢٥ والأمالي للصدوق ص ٥٠ وشرح أصول الكافي ج ٥ ص ١٩٦ وج ٦ ص ١٢٠ وينابيع المودة ج ٢ ص ٢٨٣ والطرائف ص ١٤٧ وروضة الواعظين ص ٣٥٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٣٤ و ١٨٧ و ٢٤٦ و ٢٧٧ و ٣٤٤ و ٣٤٨ و ٣٥٤ وج ٨ ص ٢٧٧ و ٢٨١ و ٢٩٢ و ٢٩٣


وفي رواية أخرى : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أوصى عليا «عليه‌السلام» أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا (١).

وليراجع ما رواه المفضل بن عمر ، عن الصادق «عليه‌السلام» (٢).

وما روي عن عمار بن حريز العبدي عنه «عليه‌السلام» (٣).

__________________

و ٣٠١ و ٣٠٢ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٦ والبحار ج ٣٧ ص ١٠٨ وج ٩٤ ص ١١٠ وج ٩٥ ص ٣٢١ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ١٩٤ وشواهد التنزيل ج ١ ص ٢٠٠ و ٢٠٣ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤٨ وراجع :

تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ وبشارة المصطفى للطبري ص ١٥٨ و ٤٠٢ وكشف الخفاء للعجلوني ج ٢ ص ٢٥٨ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٢٣٤ و ٢٥٥ و ٣٥٣ وج ١٤ ص ٢٨٩ و ٢٩٠ و ٢٩١ وج ٢٠ ص ١٩٧ وج ٢١ ص ٦١ و ٦٤ وج ٣٠ ص ٧٧ و ٧٨ و ٧٩ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٣ و ٣٨٦.

(١) الكافي ج ٤ ص ١٤٩ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٠ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٣ والبحار ج ٣٧ ص ١٧٢ والغدير ج ١ ص ٢٨٥ و ٢٨٦ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥١٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤١٩ والحدائق الناضرة ج ١٣ ص ٣٦٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٤٢.

(٢) الخصال ج ١ ص ٢٦٤ والغدير ج ١ ص ٢٨٦ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٥ والبحار ج ٩٤ ص ١١ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤٢١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٤٢.

(٣) مصباح المتهجد ص ٦٨٠ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص ٧٣٧ والغدير ج ١ ـ


وعن أبي الحسن الليثي عنه «عليه‌السلام» (١).

وعن زياد بن محمد عن الصادق «عليه‌السلام» (٢).

وعن سالم عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» (٣).

__________________

ص ٢٨٦ والبحار ج ٩٥ ص ٢٩٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٦ وراجع : مستدركات علم رجال الحديث ج ٨ ص ٤٧٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٤٤ والحدائق الناضرة ج ١٠ ص ٥٣٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ٧ ص ٤١١ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٨ ص ٣٣.

(١) الغدير ج ١ ص ٢٨٧ عن الحميري ، ومستدرك الوسائل ج ٦ ص ٢٧٦ وإقبال الأعمال ج ٢ ص ٢٧٩ والبحار ج ٩٥ ص ٣٠٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ٧ ص ٤١١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٤٣.

(٢) مصباح المتهجد ص ٦٧٩ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص ٧٣٦ والمصباح للكفعمي ص ٦٨٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤١٩ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٦ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٨ ص ٣٨.

(٣) الكافي ج ٤ ص ١٤٩ والغدير ج ١ ص ٢٨٥ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥١٩ والحدائق الناضرة ج ١٣ ص ٣٦٢ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٠ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٣ وإقبال الأعمال ج ٢ ص ٢٦٣ والبحار ج ٣٧ ص ١٧٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤١٩ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٦ ص ١٩٢ وج ٧ ص ٣٩٢ وج ٨ ص ٣٦.


وقال الفياض بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين ، وقد بلغ التسعين : إنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا «عليه‌السلام» في يوم الغدير ، وبحضرته جماعة من خاصته ، قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدم إلى منازلهم الطعام ، والبر والصلات ، والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غير من أحوالهم ، وأحوال حاشيته ، وجددت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه (١).

وفي المحتضر ، بالإسناد ، عن محمد بن علاء الهمداني الواسطي ، ويحيى بن جريح البغدادي ، قالا في حديث : قصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي ، صاحب الإمام أبي محمد العسكري «عليه‌السلام» ، بمدينة قم ، وقرعنا عليه الباب ، فخرجت إلينا من داره صبية عراقية ، فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول بعيده ، فإنه يوم عيد.

فقلنا : سبحان الله ، أعياد الشيعة أربعة : الأضحى ، والفطر ، والغدير ، والجمعة الخ ..» (٢).

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٨٧ ومصباح المتهجد ص ٦٩٦ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص ٧٥٢ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٠ ص ٤٤٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٧ ص ٣٢٦ والبحار ج ٩٤ ص ١١٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٤٢١ ومسند الإمام الرضا «عليه‌السلام» عطاردي ج ٢ ص ٢١ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليه‌السلام» ج ٨ ص ٧٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٤٦.

(٢) الغدير ج ١ ص ٢٨٧ والبحار ج ٣١ ص ١٢٠ وج ٩٥ ص ٣٥١ والمحتضر ص ٩٣.


وبعد .. فقد حشد العلامة الأميني ، في كتابه القيم : «الغدير» عشرات النصوص عن عشرات المصادر الموثوقة عند أهل السنة ، والتي تؤكد على عيدية يوم الغدير في القرون الأولى ، وأنه قد كان شائعا ومعروفا في العصور الإسلامية الأولى ..

وتكفي مراجعة الفصل الذي يذكر فيه تهنئة الشيخين أبي بكر وعمر لأمير المؤمنين «عليه‌السلام» بهذه المناسبة ، فقد ذكر ذلك عن ستين مصدرا ..

هذا .. عدا المصادر الكثيرة التي ذكرت تهنئة الصحابة له «عليه‌السلام» بهذه المناسبة ، وعدا المصادر التي نصت على عيدية يوم الغدير ، فإنها كثيرة أيضا (١).

ومن ذلك كله يعلم : عدم صحة ما ذكره ابن تيمية عن عيد الغدير : «إن اتخاذ هذا اليوم عيدا لا أصل له ، فلم يكن في السلف ، لا من أهل البيت ، ولا من غيرهم ، من اتخذ ذلك عيدا» (٢).

فإنه كلام ساقط عن الإعتبار ، لأنه لا يستند إلى دليل علمي ، ولا تاريخي على الإطلاق .. وإنما الأدلة كلها على خلافه.

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٦٧ ـ ٢٨٩ و ٥٠٨ و ٥٠٩ و (ط دار الكتاب العربي) ص ٢٧٠ عن الطبري في كتاب الولاية ، وعن الخليلي في مناقب علي بن أبي طالب. وعن كتاب النشر والطي. وراجع : الصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠٣ والبحار ج ٣٧ ص ٢١٧. وراجع : التنبيه والإشراف للمسعودي ص ٢٢٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٣٦٧.

(٢) إقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٩٤ و (ط سنة ١٤١٩ ه‍ ـ ١٩٩٩ م) ج ٢ ص ٨٣.


ماذا يقول شانئو علي عليه‌السلام؟! :

ذكرت بعض النصوص المتقدمة : أن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة يعدل صيام ستين شهرا ، ولكن نفوس شانئي علي «عليه‌السلام» ، والمتحاملين عليه لم تحتمل سماع هذه الفضيلة له ، فبادرت إلى تكذيبها بصورة قاطعة معززة بالأيمان المغلظة ، وكان مستندهم في ذلك غريبا وعجيبا ، فاستمع إلى ابن كثير وهو ينقل لنا ذلك عن الذهبي ، فيقول عن هذا الحديث :

«إنه حديث منكر جدا ، بل كذب ، لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة ، يوم عرفة. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقف بها كما قدمنا.

وكذا قوله : إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو يوم غدير خم ، يعدل صيام ستين شهرا ، لا يصح ، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح : أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر ، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا ـ هذا باطل.

وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث : هذا حديث منكر جدا. ورواه حبشون الخلال ، وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري ، وهما صدوقان ، عن علي بن سعيد الرملي ، عن ضمرة.

قال : ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ، ومالك بن الحويرث ، وأنس بن مالك ، وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية.

قال : وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قاله ، وأما : اللهم وال من والاه ، فزيادة قوية الإسناد. وأما هذا الصوم


فليس بصحيح ، ولا والله ، ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة ، قبل غدير خم بأيام ، والله تعالى أعلم» (١).

ونقول :

إن كلام الذهبي مرفوض جملة وتفصيلا ، وذلك لما يلي :

١ ـ قد ذكرنا : أن نزول الآية في يوم عرفة في ضمن سورة المائدة لا يعني عدم نزولها مرة أخرى بعد ثمانية أيام في غدير خم ..

بل قد ذكرنا : أن ثمة آيات وسورا قد نزلت أكثر من مرة لمناسبات اقتضت نزولها ..

٢ ـ إن هؤلاء قد رووا أيضا : أن من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر (٢).

٣ ـ عن يزيد بن هارون ، عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، عن عبد الملك بن المنهال ، عن أبيه ، عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أنه كان

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٢٥.

(٢) سنن أبي داود للسجستاني ج ١ ص ٥٤٤ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ١٨٣ وفتح الباري ج ٤ ص ١٩٤ ومسند الحميدي ج ١ ص ١٨٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ١٦٣ وصحيح ابن خزيمة ج ٣ ص ٢٩٨ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ١٧١ والمعجم الكبير ج ٤ ص ١٣٦ وأمالي الحافظ الأصبهاني ص ٢١ و ٣٤ ومعرفة السنن والآثار ج ٣ ص ٤٥٠ والإستذكار ج ٣ ص ٣٧٩ والإنصاف للمرداوي ج ٣ ص ٣٤٣ وأحكام القرآن لابن العربي ج ١ ص ١٠٩ وج ٣٢١ والبرهان للزركشي ج ٢ ص ١٣٦ الدر المنثور ج ٣ ص ٦٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٦ ص ٣٥.


يأمر بصيام البيض. ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة. ويقول : «هو كصوم الدهر ، أو كهيئة صوم الدهر» (١).

٤ ـ وعن علي «عليه‌السلام» : «في رجب يوم وليلة ، من صام ذلك اليوم ، وقام تلك الليلة ، كان له من الأجر كمن صام مائة سنة ، وقام مائة سنة ، وهي لثلاث ليال بقين من رجب ، في ذلك اليوم بعث الله محمدا نبيا» (٢).

٥ ـ وروي : من صام يوما من رجب كان كصيام سنة (٣).

٦ ـ عن ابن عمر عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : صوم يوم عرفة صوم سنة (٤).

وفي نص آخر : يعدله بصوم سنتين (٥).

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٧ و ٢٨ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٤٤ وعمدة القاري ج ١١ ص ٩٦ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ٢٦٨ وج ٤ ص ٢٨٩ والمعجم الكبير ج ١٠ ص ١٣٧ وج ١٩ ص ١٧ وراجع : مسند أبي داود الطيالسي ص ١٧٠ وأسد الغابة ج ٤ ص ١٩٥ و ٤١٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٢٩٤ وفتح الباري ج ٤ ص ١٩٧ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ٨١.

(٢) تذكرة الموضوعات للفتني ص ١١٦ وفضائل الأوقات للبيهقي ص ٩٦ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٥.

(٣) فضائل الأوقات للبيهقي ص ٩٣ وكنز العمال ج ٨ ص ٥٧٨ وج ١٢ ص ٣١١ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٥.

(٤) مسند أبي يعلى ج ١٠ ص ١٧ وكنز العمال ج ٥ ص ٧٥ و ١٩٣ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ٧٢.

(٥) مسند أحمد ج ٥ ص ٣٠٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ١٥٢.


٧ ـ عن أبي قتادة قال : صيام يوم عرفة يعدل السنة والتي تليها ، وصيام عاشوراء يعدل سنة (١).

٨ ـ وروي مرسلا : صيام كل يوم من أيام العشر كصيام شهر ، وصيام عرفة كصيام أربعة عشر شهرا (٢).

٩ ـ وعن ابن عباس ، عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين ، ومن صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما (٣).

١٠ ـ وروى البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، وابن ماجة وغيرهم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لعبد الله بن عمرو : صم ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر كله (٤).

فهل يستطيع العجلوني والذهبي ، ومن ينسج على منوالهما أن يحكم بكذب هذه الروايات كلها وسواها مما يدخل في هذا السياق ، مع أن بعضها وارد في صحاحهم ، ولا يكاد يخلو منه كتاب حديث لهم يتعرض لثواب صيام الأيام ..

أم أن وراء الأكمة ما وراءها من التحامل على علي «عليه‌السلام» ،

__________________

(١) كنز العمال ج ٥ ص ٧٥ و ٧٦.

(٢) كنز العمال ج ٥ ص ٧٦.

(٣) مجمع الزوائد ج ٣ ص ١٩٠ والمعجم الصغير ج ٢ ص ٧١ والجامع الصغير ج ٢ ص ٦١٤ والعهود المحمدية ص ١٩١ وكنز العمال ج ٨ ص ٥٧٢ وفيض القدير ج ٦ ص ٢١٠.

(٤) مسند أحمد ج ٢ ص ١٨٩ وسنن النسائي ج ٤ ص ٢١٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٢٩٩ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ١٣١.


والتشكيك في كل ما يؤيد إمامته ، ويدين ما جرى عليه وعلى زوجته فاطمة الزهراء «عليهما‌السلام» بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

الإبتداع الغبي :

وقالوا عن سنة ٣٨٩ ه‍ : «وفيها أرادت الشيعة أن يصنعوا ما كانوا يصنعونه من الزينة يوم غدير خم ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، فيما يزعمونه ، فقاتلهم جهلة آخرون من المنتسبين إلى السنّة ؛ فادعوا : أنّ في مثل هذا اليوم حصر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأبو بكر في الغار ، فامتنعوا من ذلك» (١).

واستمر أهل السنّة يعملون هذا العيد المزعوم دهرا طويلا. وقد أظهروا فيه الزينة ، ونصب القباب ، وإيقاد النيران الخ .. (٢).

ونقول :

لا ندري لماذا قاتل جهلة السنّة الشيعة الذين يريدون إقامة شعائرهم؟

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ١١ ص ٣٢٥ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١١ ص ٣٧٣ وراجع : المنتظم ج ٧ ص ٢٠٦ ، وشذرات الذهب ج ٣ ص ١٣٠ ، والخطط المقريزية ج ١ ص ٣٨٩ ، والكامل في التاريخ ج ٩ ص ١٥٥ ، وذيل تجارب الأمم لأبي شجاع ج ٣ ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، ونهاية الإرب ج ١ ص ١٨٥.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ١١ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، وشذرات الذهب ج ٣ ص ١٣٠ ، والمنتظم ج ٧ ص ٢٠٦ ، والكامل في التاريخ ج ٩ ص ١٥٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٨٠ ـ ٤٠٠ ه‍) ص ٢٥ ، وعن تاريخ كزيده ص ١٤٨ ، وذيل تجارب الأمم للوزير أبي شجاع ج ٣ ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠.


ولماذا لا يردعهم عقلاؤهم عن أعمال كهذه ، فيها تعدّ وظلم وبغي على الآخرين؟.

والأغرب من ذلك أن يبتدعوا عيدا جديدا لا يعترف لهم به علماؤهم ، وهم من الحنابلة المتشدّدين في أمور كهذه ، ويرونها بدعة ، وخروجا على حدود الشرع والدين!!.

ثمّ نجد هذا العيد يستمر إلى عشرات السنين ، دونما مانع أو رادع!!.

والذي يلفت النظر هو : أنّ المؤرّخين الذين هم على مذهب هؤلاء ، ينسبون ذلك إلى العوام ، ويتحاشون التعبير بكلمة (عيد) قدر الإمكان ؛ فيقولون مثلا : عمل عوام السنّة يوم سرور ، وكأنّ الأسماء تغيّر الواقع وتلغيه!!

ولكن الذي يضحك الثكلى هو : أن التاريخ الذي ألزم هؤلاء أنفسهم به ، وهو أن تكون هجرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وحصره بالغار ، قد حصل في الثامن عشر من ذي الحجّة!!

فإن الأمة بأسرها مجمعة على أنّ الهجرة قد كانت في شهر ربيع الأوّل ، بلا شك ولا ريب في ذلك.

فكيف استمروا على ذلك عشرات السنين ، ولم يتنبّه علماؤهم إلى خطأ ذلك وفساده؟!.

وإن كانوا قد تنّبهوا إليه ، فلماذا سكتوا على ذلك ، ولم يردعوهم عنه؟ أخوف الفضيحة والعار؟!.

مصادر حديث الغدير :

أما مصادر هذا الحديث الشريف ، وهو نصب علي «عليه‌السلام»


إماما ، وأخذ البيعة له من الناس في يوم الغدير ، فقد كفانا العلامة الأميني في كتابه «الغدير» مؤونة جمع مصادره ، فإنه قد أورد في كتابه هذا طائفة كبيرة من ذلك ، ولكنه لم يستطيع أن يستوعب أكثرها ، ويمكن الإستدراك عليه بأكثر مما جمعه ، خصوصا إذا استفيد من الأجهزة الآلية الحديثة التي جمعت قسما كبيرا من المؤلفات ، وستبقى مصادر هذا الحديث تتنامى وتزداد تبعا لتنامي رصيدا هذا الجهاز ، بما يضاف إليه من الكتب على امتداد الأيام ..

ولذلك فنحن نكتفي بإرجاع القارئ إلى كتاب الغدير ، ومن أراد المزيد فليراجع ما عداه من المصادر التي تعد بالمئات والآلاف بما في ذلك كتب الحديث ، واللغة ، والتاريخ ، والأدب وما إلى ذلك ..

حديث الغدير متواتر :

ولا شك في أن هذا الحديث متواتر أيضا عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير. والروايات الصحاح والحسان كثيرة فيه ، رغم أن تواتر الحديث يغني عن النظر في الأسانيد ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطّلاع ولا بصيرة له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعا ـ كما قالوا ـ عن أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والعباس بن عبد المطلب ، وزيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ، وبريدة بن الحصيب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، وحبشي بن جنادة ، وعبد الله بن مسعود ، وعمران بن حصين ، وعبد الله بن عمر ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وأسعد بن زرارة ، وخزيمة بن


ثابت ، وأبي أيوب الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وحذيفة بن اليمان ، وسمرة بن جندب ، وزيد بن ثابت ، وأنس بن مالك وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم. وصحح عن جماعة منهم ممن يحصل القطع بخبرهم (١).

وقد أحصى العلامة الأميني رواية مائة وعشرة من الصحابة لهذا الحديث ، وربما يمكن إضافة عدد وافر منهم بالإستفادة من الجهاز الآلي (الكمبيوتر) ، تبعا لازدياد المصادر التي تضاف إلى ذاكرته.

وقال جمال الدين الحسيني الشيرازي : أصل هذا الحديث ـ سوى قصة الحارث (٢) ـ تواتر عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وهو متواتر عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا ، ورواه جمع كثير ، وجم غفير من الصحابة (٣).

وعن السيوطي أيضا : إنه حديث متواتر (٤).

وعده المقبلي أيضا في جملة الأحاديث المتواترة والمفيدة للعلم (٥).

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٩٨ و ٢٩٩ وأسنى المطالب ص ٤٧ و ٤٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٩٠ وشرح إحقاق الحق ج ٢١ ص ١٠٣.

(٢) أي التي نزلت آيات سورة المعارج بسببها.

(٣) الغدير ج ١ ص ٣٠١ و ٣٠٢ عن الأربعين للشيرازي ، وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٩٨ وج ٨ ص ٢٦١ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٢٩٤.

(٤) فيض القدير ج ٦ ص ٢١٨ وقطف الزهار ص ٢٧٧ والبيان والتعريف ج ٣ ص ٧٥ و ٢٣٣ والغدير ج ١ ص ٣٠٠ و ٣٠٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٢٩١.

(٥) الغدير ج ١ ص ٣٠٦ عن كتاب الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة ، وعن هداية العقول إلى غاية السؤول ج ٢ ص ٣٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢١٣.


وقال محمد الصنعاني : حديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث (١).

وعده العمادي الحنفي من المتواترات (٢).

وراجع كتاب تشنيف الآذان ص ٧٧ ، فإنه حكم بتواتره وذكر طائفة من طرقه أيضا.

وقد أشار العلامة الأميني إلى طائفة من المؤلفات في حديث الغدير بلغت ستة وعشرين مؤلفا.

كما أن للعلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي «رحمه‌الله» كتابا بعنوان : «الغدير في التراث الإسلامي» صدر عن دار المؤرخ العربي في بيروت سنة ١٤١٤ ه‍. أشار فيه إلى ما لم يذكره العلامة الأميني «رحمه‌الله».

وقد حكي عن الجويني الملقب بإمام الحرمين ، أستاذ الغزالي : أنه كان يتعجب ويقول : «رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم ، مكتوبا عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون» (٣).

وقال الذهبي : رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير ، فاندهشت

__________________

(١) الروضة الندية ص ١٥٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢١٨ والغدير ج ١ ص ٣٠٧ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٢٩٦.

(٢) الصلات الفاخرة ص ٤٩ والغدير ج ١ ص ٣١٠.

(٣) البحار ج ٣٧ ص ٢٣٦ والغدير ج ١ ص ١٥٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٥٤٥ وقاموس الرجال ج ١١ ص ٥١٧ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١٣٤ وينابيع المودة ج ١ ص ١١٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٢٩٢.


له ، ولكثرة تلك الطرق (١).

أغرب وأعجب ما قرأت!! :

ومن غرائب الأمور ما نقرأه عن الفخر الرازي ، الذي يعترف له كل أحد بالفضل ينساق وراء أهوائه ، وينقاد لعصبيته وأحقاده ، فيقول : «ظفرت بأربعمائة طريق إلى حديث الغدير ، ومع ذلك لم يؤثر صحته في قلبي» (٢).

ونحن لا نريد التعليق على هذا الإعتراف البالغ الخطورة ، بل نكل ذلك إلى ضمير القارئ ووجدانه الحي ، ليعرف مع من نتعامل ، وبمن ابتلي علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وإذا كان هذا حال الخلف ، فليت شعري كيف كان حال السلف معه صلوات الله وسلامه عليه. علما بأن الرازي يتهم بالتشيع أيضا!!!

المنكرون والمشككون :

ولأجل ما قدمناه فلا يلتفت إلى من حاول الطعن العشوائي ، والأهوائي

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٧١٣ ومشكل الآثار ج ٢ ص ٣٠٨ والصواعق المحرقة ص ٤٢ و ٤٣ والمعتصر من المختصر ج ٢ ص ٣٠١ والمرقاة في شرح المشكاة ج ١٠ ص ٤٧٦ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٤٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢١٩ والغدير ج ١ ص ١٥٢ و ٣٠٧ والإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» لأحمد الرحماني ص ٨٠٨ وفتح الملك العلي لابن الصديق المغربي ص ١٥.

(٢) رسالة في الإمامة للشيخ عباس ـ نجل الشيخ حسن صاحب كتاب أنوار الفقاهة ـ ص ٩٨.


في حديث الغدير ، حتى لقد زعم التفتازاني : أن أكثر الذين تنسب إليهم رواية حديث الغدير لم يرووه على الحقيقة (١).

وهو كلام تحكمي ليس له ما يبرره من الناحية العلمية.

وزعم ابن تيمية (٢) : أنه لا ريب في كذب هذا الحديث.

وآخر طعن في حديث الغدير واعترف بصحة الدعاء ، وقال : لم يخرّج غير أحمد إلا الجزء الأخير من قوله : «اللهم وال من والاه الخ ..» (٣).

مع أن أدنى مراجعة للمصادر تظهر زيف هذا الإدعاء ..

وثمة من يقول : «لم يروه علماؤنا» (٤).

أو : لا يصح من طريق الثقات (٥).

أو قال : لم يذكره الثقات من المحدثين (٦).

وآخر يزعم : أنه لم يخرجه إلا أحمد في مسنده (٧).

وكل ذلك تحكم جائر ، وتمحل غبي ، يظهر عواره للعيان ، حتى للعيان من الصبيان ، فضلا عن العوران والحولان ..

__________________

(١) شرح المقاصد ج ٥ ص ٢٧٤.

(٢) منهاج السنة ج ٤ ص ٨٥.

(٣) الغدير ج ١ ص ٣١٥ عن نجاة المؤمنين لمحمد محسن الكشميري.

(٤) الغدير ج ١ ص ٣١٥ عن ابن حزم في المفاضلة بين الصحابة.

(٥) الغدير ج ١ ص ٣١٥ والفصل في الملل والهواء والنحل ج ٤ ص ١٤٨ وعنه في منهاج السنة ج ٤ ص ٨٦.

(٦) الغدير ج ١ ص ٣١٦ عن السهام الثاقبة لسبط ميرزا مخدوم بن عبد الباقي.

(٧) الغدير ج ١ ص ٣١٥ عن نجاة المؤمنين لمحمد محسن الكشميري.


وقد شحن العلامة الأميني «رحمه‌الله» كتابه الغدير بالنصوص المتضمنة لكثير من تأكيدات كبار علماء أهل السنة على صحة أو تواتر حديث الغدير بجميع فصوله ونصوصه. فراجع الجزء الأول منه ..

نظرة في تواتر حديث الغدير :

نعود إلى التذكير والتأكيد على أن العلامة الأميني «رحمه‌الله» قد أحصى في كتابه النفيس «الغدير» مائة وعشرة من الصحابة رووا حديث الغدير ، ورواه من التابعين أكثر من هذا العدد ،

كما أن السيد عبد العزيز الطباطبائي قد أضاف بعضا آخر إلى من روى حديث الغدير من الصحابة. فراجع كتابه : «على ضفاف الغدير».

ورواية هذا الجم الغفير قد جاءت على الرغم من محاربة الحكام الشرسة لكل من يتفوه بكلمة حول هذا الموضوع ، الذي يرون أن روايته من أخطر الأمور عليهم وعلى مستقبلهم ، وكل وجودهم.

ولذلك فهم لا يتورعون عن إلحاق أي من أنواع الأذى إلى من يرويه ، وبتشويه سمعته ، واضطهاده وملاحقته بشراسة وقسوة للتخلص منه ، بأي نحو كان.

على أن هناك طائفة كبيرة من الناس قد صدتها الأحقاد والضغائن عن رواية هذا الحديث.

قال ابن قتيبة الدينوري عن تعصب أهل السنة على علي «عليه‌السلام» :

«وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله «كرم الله وجهه» ، أو يظهروا ما يجب له .. وأهملوا من ذكره ، أو روى حديثا من فضائله ، حتى


تحامى كثير من المحدثين ثوابها ، وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ، ومعاوية!! كأنهم لا يريدونهما بذلك. بل يريدونه.

فإن قال قائل : أخو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» علي ، وأبو سبطيه الحسن والحسين ، وأصحاب الكساء : علي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، تمعّرت الوجوه ، وتنكرت العيون ، وطرّت حسائك الصدور.

وإن ذكر ذاكر قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، و «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» واشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج ليتنقصوه ويبخسوه حقه». انتهى (١).

ثم إن أكثر من حضر يوم الغدير كان من أعراب البوادي ، الذين ذهبوا وذهب ما عندهم ، ولم ينقل شيء عنهم إلى غيرهم إلا ما شذ.

ولنا أن نقول :

إن تواتر هذا الأمر الذي يحاربه الأكثرون ، ويعاقب من يرويه بأشد ما يكون. لا يحتاج إلى كل هذا العدد الهائل ، بل يكفي لإثباته ، وظهور تواتره خمس هذا العدد ، أو أقل من ذلك ، ما دام أن الراوي له إنما يحمل دمه على كفه ، ويخاطر بروحه ونفسه ، ويسير إلى حتفه بظلفه ..

طرق حديث الغدير :

قال العلامة الأميني «رحمه‌الله» : «رواه أحمد بن حنبل من أربعين

__________________

(١) الإختلاف في اللفظ (ط دار القدسي بمصر سنة ١٣٤٩ ه‍) ص ٤٧ وفتح الملك العلي لأحمد بن الصديق المغربي ص ١٥٤ ودفع الإرتياب عن حديث الباب لعلي بن محمد العلوي ص ٣٣.


طريقا ، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا ، والجزري المقري من ثمانين طريقا ، وابن عقدة من مائة وخمس طرق ، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقا ، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا ، وفي تعليق هداية العقول ج ٢ ص ٣٠ عن الأمير محمد اليمني (أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر) : إن له مائة وخمسين طريقا» (١). وكذا في طبق الحلوى ، عن السيد محمد إبراهيم.

وأنهاها أبو العلاء العطار إلى مائتين وخمسين طريقا (٢).

وجمع الدارقطني الحافظ طرقه في جزء (٣).

وجمع الحافظ ابن عقدة الكوفي كتابا مفردا فيه الخ .. (٤). عن سبعين صحابيا وأكثر (٥).

__________________

(١) الغدير ج ١ هامش ص ١٤ وذكر تفاصيل ذلك ص ١٥٢ ـ ١٥٨.

(٢) الغدير ج ١ هامش ص ٣٠٢ و ١٥٨ عن القول الفصل ج ١ ص ٤٤٥ للعلوي الهدار الحداد ، ونهج الإيمان لابن جبر ص ١٣٣ وشرح إحقاق الحق ج ٩ ص ٦٧٨.

(٣) الغدير ج ١ ص ١٥٤ و ٢٩٧ والفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ ج ١ ص ٥٠ عن كفاية الطالب ص ٦٠.

(٤) كفاية الطالب ص ٥٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٠٢ والغدير ج ١ ص ٢٩٧ وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص ١٣٩.

(٥) تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ و (ط دار الفكر للطباعة) ج ٧ ص ٢٩٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٩٣ والغدير ج ١ ص ١٥٣ و ٢٩٩ وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص ١٤٠ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٢٨٩.


وقال العسقلاني في فتح الباري : «وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جدا ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان» (١).

وقال العاصمي : «هذا حديث تلقته الأمة بالقبول ، وهو موافق بالأصول» (٢).

وقال ابن عبد البر عن حديث المؤاخاة ، وحديثي الراية والغدير : «وهذه كلها آثار ثابتة» (٣).

وقال ابن المغازلي عن هذا الحديث : «وقد رواه نحو مائة نفس ، منهم العشرة المبشرة ، وهو حديث ثابت ، لا أعرف له علة» (٤).

وفي سر العالمين : «أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ١٥٣ و ٣٩٩ و ٣٠٤ و ٣١٠ وفتح الباري ج ٧ ص ٦١ والمواهب اللدنية ج ٣ ص ٣٦٥ والصواعق المحرقة ص ٤٢ و ٤٣ ووسيلة المآل ص ١١٧ و ١١٨ ونزل الأبرار ص ٥٤ والبحار ج ٣٧ ص ١٩٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢١١ و ٢١٦ وينابيع المودة ج ٢ ص ٣٦٩ وراجع : شرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٢٩١ و ٢٩٢ و ٢٩٥.

(٢) الغدير ج ١ ص ٢٩٥ عن زين الفتى.

(٣) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٧٣ و (ط دار الجيل) ج ٣ ص ١٠٩٩ والغدير ج ١ ص ٢٩٥ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» ص ٤٤.

(٤) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٢٧ والعمدة لابن البطريق ص ١٠٨ والطرائف ص ١٤٢ والصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠٠ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٢١ والبحار ج ٣٧ ص ١٨٣ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٣٩ وج ٩ ص ١٦ والغدير ج ١ ص ٢٩٥ و ٣١٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١٢٢.


غدير خم ، باتفاق الجميع» (١).

وفي المناقب لابن الجوزي : «اتفق علماء السير» (٢).

وقال السمناني : «هذا حديث متفق على صحته» (٣).

وقال الذهبي : «صدر الحديث متواتر ، أتيقن أن رسول الله قاله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأما «اللهم وال من والاه ..» فزيادة قوية الإسناد» (٤).

كما أن شمس الدين الجزري روى حديث الغدير من ثمانين طريقا ، وأفرد في إثبات تواتره رسالته أسنى المطالب. وقال بعد ذكر مناشدة أمير المؤمنين «عليه‌السلام» يوم الرحبة : «هذا حديث حسن من هذا الوجه ، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي «عليه‌السلام» ..» (٥).

__________________

(١) سر العالمين ص ٢١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٨٤ والبحار ج ٣٧ ص ٢٥١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٩ ص ١٨٦ والغدير ج ١ ص ٢٧٦ و ٢٩٦ و ٣٩٢.

(٢) البحار ج ٣٧ ص ١٥٠ وج ١٠٩ ص ١٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٥٠ وج ٩ ص ١٩٥ والغدير ج ١ ص ٢٩٦ و ٣٩٢ والعدد القوية ص ١٨٣.

(٣) العروة لأهل الخلوة ص ٤٢٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٩ ص ٣١٤ و ٣١٥ والغدير ج ١ ص ٢٩٧ و ٣٩٦.

(٤) البداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٨ و (دار إحياء التراث العربي) ج ٥ ص ٣٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٢٦ وراجع : الغدير ج ١ ص ٢٩٧ و ٢٩٨ و (ط مركز الغدير للدراسات) ج ١ ص ١٣٢ و ١٣٣ وراجع : روح المعاني ج ٦ ص ١٩٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٢٨٢.

(٥) الغدير ج ١ ص ٢٩٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٨٦ و ١٩٠ وشرح إحقاق الحق ج ٢١ ص ١٠٢.


لماذا ينكرون التواتر؟! :

والذين حاولوا أن ينكروا تواتر حديث الغدير إنما أرادوا أن يعتبروه من أخبار الآحاد ، ربما لكي يلزموا الشيعة بذلك ، وليسقطوا احتجاجهم به ، لأن الشيعة متفقون على لزوم التواتر فيما يستدل به على الإمامة (١).

وقد غفلوا عن أن المتواتر عند بعض طائفة من علماء أهل نحلتهم هو : ما يرويه ثمانية من الصحابة (٢) ، أو أربعة منهم (٣) ، أو خمسة (٤) ، بل إن هذا المدعي نفسه يجزم بتواتر حديث الأئمة من قريش ، وقد رواه عندهم ثلاثة أشخاص هم : أنس ، وابن عمر ، ومعاوية ، وروى معناه ثلاثة آخرون هم : جابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله ، وعبادة بن الصامت (٥).

ومنهم من يحكم بتواتر حديث روي باثنتي عشرة طريقا (٦) ، وجوّد السيوطي قول من حدد التواتر بعشرة (٧).

__________________

(١) شرح المقاصد للتفتازاني ج ٥ ص ٢٧٢ والصواعق المحرقة ص ٤٢.

(٢) الصواعق المحرقة ص ٢٣ والغدير ج ١ ص ٣٢١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص دراسات ٣٥.

(٣) المحلى لابن حزم ج ٢ ص ١٣٥ وج ٧ ص ٥١٢ وج ٨ ص ٤٥٣ وج ٩ ص ٧ والغدير ج ١ ص ٣٢١ والفصول في الأصول للجصاص ج ٣ ص ٥١ وفيض القدير ج ١ ص ٦٤٩.

(٤) المنخول للغزالي ص ٣٢٩.

(٥) الفصل لابن حزم ج ٤ ص ٨٩.

(٦) البداية والنهاية ج ٧ ص ٢٨٩ ونظم المتناثر من الخديث المتواتر ص ١٦.

(٧) ألفية السيوطي في علم الحديث ص ٤٤ والمجموع للنووي ج ١٩ ص ٢٣٢ ـ


فكيف إذا كان الحديث مرويا بمئات الطرق ذكر منها بعضهم مائة وخمسين ، وبعضهم الآخر مائتين وخمسين طريقا عن أكثر من مائة وعشرة من الصحابة؟!

أما أحمد أمين ، فقد فضح نفسه ، حين اكتفى بالقول : إن الشيعة يروون حديث الغدير عن البراء بن عازب .. فاقرأ واعجب ، فما عشت أراك الدهر عجبا!!

الغدير لم يخرّجه الشيخان :

وطعن بعضهم في حديث الغدير : بأن البخاري ومسلم لم يخرجاه (١) ، بل قال بعضهم : إن أحدا من أصحاب الصحاح لم يخرجه (٢). مع أن الترمذي قد أخرجه في صحيحه ، وكذلك ابن ماجة في سننه ، فضلا عمن عداهم ، مثل الضياء في المختارة وغيره.

وعدم إخراج الشيخين له إنما يوجب الطعن بهما ، من حيث إنه يشير إلى تعصبهما ، ومجانبتهما سبيل الإنصاف ، واتباعهما طريق الإعتساف ..

على أن هناك آلافا من الأحاديث التي لم يخرجها الشيخان ، فراجع المستدرك للحاكم ، وتلخيصه للذهبي ، فضلا عن مستدركات أخرى ذكرها آخرون ، فهل يرضى هؤلاء بإهمالهما ، أو بطمسهما؟!

__________________

ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص ٨.

(١) شرح المقاصد للتفتازاني ج ٥ ص ٢٧٤ والمواقف لعضد الدين الأيجي ص ٤٠٥ والغدير ج ١ ص ٣١٦.

(٢) الغدير ج ١ ص ٣١٧ عن مرافض الروافض للسهارنپوري.


الفصل الخامس :

في ظلال حديث الغدير



بداية :

كان حديثنا في الفصل يهدف إلى إعطاء لمحة عن الحدث الخالد الذي جرى في غدير خم ، ولمحة أخرى عن تواتر أسانيده ، وثبوته بصورة قاطعة لكل عذر ، بعيدة عن أي ريب.

ونريد هنا أن نعمق فهمنا لمرامي الأقوال والتوجيهات ، والتحركات ، والإجراءات في المواقف المختلفة ، لنستفيد الفكرة الهادية ، والعبرة الصادقة ، والوعي الصحيح ، والعميق لسياسة الإسلام ، القائمة على الحق والعدل ، والهدى الإلهي ، فنقول :

الخروج السريع من مكة :

إن من جملة ما لا بد أن يثير انتباه الناس ، ليتبلور لديهم أكثر من سؤال هو إسراعه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الخروج من مكة ، حتى إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يطف بالبيت ، بل هو لم يدخل إلى المسجد الحرام أصلا ، ولو لإلقاء نظرة الوداع على بيت الله تبارك وتعالى ..

ولا أحد من الناس يجهل مدى علاقة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ببيت الله ، وحبه له ، فلا بد أن يتساءلوا عن أسباب هذه السرعة في المغادرة ، وأن يربطوا بين الخروج على هذا النحو وبين ما جرى في مكة وفي منى ، حيث


واجهته قريش ، ومن يدور في فلكها بالأذى والخذلان .. وبين ما يجري في غدير خم.

إرجاع المتقدم وحبس المتأخر :

وإذا اتصل بهذا الإجراء إجراء آخر يتمثل في أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حين وصل إلى غدير خم ، وقف حتى لحقه من تأخر بعده ، وأمر برد من كان تقدم ، فإنهم سيعرفون أن ثمة أمرا سيحدث ، وأنه سيكون بالغ الأهمية أيضا ، وسيتوقعون أن يكون اتصاله بما جرى في منى وعرفات قويا ، وسيفتحون آذانهم ، وتتعلق قلوبهم بكل حركة تصدر عنه ، أو كلمة يتفوه بها ..

الدوحات الخمس منطقة محظورة :

ويتأكد هذا الأمر لديهم حين منعهم من النزول تحت الشجرات ، الخمس دوحات المتقاربات العظام ، اللواتي أمر بإزالة الشوك ، وتمهيد المكان عندها ، حتى إذا نودي بالصلاة عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن ، ثم نصّب لهم عليا «عليه‌السلام» (١).

__________________

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢٤١ والغدير ج ١ ص ١٠ و ٢٦ و ٢٧ عن مصادر كثيرة أخرى ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٠٩ وج ٧ ص ٣٤٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ٢٢٦ والصواعق المحرقة ص ٤٣. وراجع : كتاب الأربعين للماحوزي ص ١٣٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٥٥ و ١٥٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٤٢.


دقة وبلاغة في أسلوب الإبلاغ :

ثم إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اتبع أساليب بالغة الدقة في واقعة الغدير ، بهدف رفع مستوى الإطمينان إلى دقة وشمولية المعرفة بما يجري ، واتساع نطاقها إلى أبعد مدى ، حتى ليكاد الباحث يجزم بأن كل فرد فرد من المسلمين قد وقف على ما يراد إيقافه عليه ، وعرف حدوده وتفاصيله ، ودقائقه ، وحقائقه ، بل لقد صرحت بعض الروايات بهذه الشمولية ، بالقول :

«وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون ، ثم قال : اللهم وال من والاه الخ ..» (١).

وفي نص آخر عن زيد بن أرقم : فقلت لزيد : سمعته من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

فقال : وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه ، وسمعه بأذنيه (٢).

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٣٣ وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص ٢٣٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٤٤ وج ٢١ ص ٧٩ والغدير ج ١ ص ٢٥ و ٤٧ عن جواهر العقدين للسمهودي ، وينابيع المودة ص ٣٨ و ٣٩ و (دار الأسوة للطباعة) ج ١ ص ١٢٠.

(٢) الخصائص للنسائي ص ٢١ والغدير ج ١ ص ٣٠ و ٣٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٣٠ وإكمال الدين ص ٢٣٥ و ٢٣٨ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٤٣٥ والبحار ج ٣٧ ص ١٣٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٣٠ و (مكتبة نينوى الحديثة) ص ٩٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١٦ والمناقب للخوارزمي ص ١٥٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٨ وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١١١ وتفسير


ويؤكد ذلك سائر الإجراءات التي اتخذت ، والبيانات التي قيلت ، كما ربما يتضح جانب منه إن شاء الله تعالى.

رفع مستوى اليقظة والتنبه :

إن حبس المتقدمين وإرجاعهم ، وانتظار وصول واجتماع المتأخرين منهم ، سيثير لدى أولئك الناس أكثر من سؤال ، وسيجعلهم أشد انتباها ويقظة ، وسعيا لفهم مغزى هذا الإجراء النبوي ، ولن تؤثر سائر الصوارف على تشويش الفكرة التي يراد إيصالها إليهم ..

حر الرمضاء :

وزاد من شعورهم بخطورة ما يريد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن ينتهي بهم إليه أن هذه الإجراءات كلها إنما تتم في حر الهاجرة الذي يصرح بعض هؤلاء بأنه كان بالغ الشدة إلى حد أن زيد بن أرقم يقول : ما أتى علينا يوم كان أشد حرا منه (١). فخطب خطبته هناك ، وبدأت إجراءات البيعة والتهنئة

__________________

الآلوسي ج ٦ ص ١٩٤ وكنز العمال ج ١٣ ص ١٠٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص ١٣٤ و ١٣٨ و ١٤٥ و ١٧٤ و ١٩٣ و ٢٣١ وج ٧ ص ١١ و ٢٥٦ و ٢٩٢ وج ٨ ص ١١٦ و ١١٨ و ١٢٠ و ١٢٦ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٢٦٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤ ص ٤٤٠ وج ٦ ص ٣٧٤ وج ١٥ ص ٦٤٨ وج ١٦ ص ٥٦٦ وج ٢٠ ص ٣٥٤ وج ٢١ ص ٤٦ وج ٢٢ ص ١١٩ و ١٢٧ و ١٢٩ وج ٢٤ ص ٢١٧ وج ٣٠ ص ٤٠٣.

(١) المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٥٣٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢٤٨ وج ٩ ص ٨٣ والغدير ج ١ ص ٣٢ والمعجم الكبير ج ٥ ص ١٧١ وشرح إحقاق الحق


لعلي «عليه‌السلام».

أكثر من خطبة :

ويبدو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خطب في ذلك المكان أكثر من مرة ، فإن النصوص تشير تارة إلى أن ذلك قد كان ظهرا في حر الهاجرة ، وبعضها قال : إنه فعل ذلك عشية بعد الصلاة (١).

فإذا لاحظنا اختلاف نص الخطب المنقولة ، فسوف يترجح لدينا احتمال تعدد الخطبة في أيام الثلاثة ..

وبعض نصوص الغدير تقول : «ينادي رسول الله بأعلى صوته» (٢).

الحديث عن الضلال والهدى :

وقد استهل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خطبته يوم الغدير بالحديث عن الضلال والهدى ، وكل الناس يحبون ويعتزّون بأن يعدوا أو أن يوصفوا بالهداية ، ويربأون بأنفسهم عن الاتصاف بالضلال والغواية.

__________________

ج ٤ ص ٤٣٨ وج ١٨ ص ٢٧١ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٤٤٠.

(١) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٠٩ وشرح إحقاق الحق ج ٤ ص ٤٣٧ وج ٩ ص ٣٢١ وج ١٨ ص ٢٧٢ وج ٢١ ص ٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص ١٥٣ وج ٧ ص ١٠٥ و ٢٦١ و ٣٣٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٢٤ والغدير ج ١ ص ٣١ والإكمال في أسماء الرجال ص ١١٩.

(٢) المناقب للخوارزمي ص ٩٤ والغدير ج ١ ص ٢٧٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٢٣٥.


وهذا مغروس في طبائعهم ، ومستقر في نفوسهم ، وكل منهم يحب أن يعرف موقعه بالنسبة لطريقي الهدى والضلال .. ولا سيما إذا جاء هذا من قبل نبي يبلغهم عن الله ، ومتصل بالغيب ، ومطّلع عليه.

وقد أظهرت بداية كلامه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه يريد أن يبين لهم أمرا يرتبط بهذا الأمر بالذات ، الذي يعني كل شخص مباشرة ، ولا يستطيع أن يتجاهله ، ويمضي عنه.

يوشك أن أدعى فأجيب :

ثم ساق «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الكلام في اتجاه مثير لمشاعر الخوف من المجهول ، والرهبة من فقدان ما يرون فيه الضمان ، ويشعرون معه بالسكينة والأمان ، حين قال : يوشك أن أدعى فأجيب ، موضحا لهم : أن هذا الأمر الذي يريد بيانه ، يفيد في هدايتهم وحفظهم في خصوص تلك المرحلة المخيفة ، وهي مرحلة ما بعد موته «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

إني مسؤول ، وأنتم مسؤولون :

ثم قد أكد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حساسية هذا الأمر الذي يريد أن يثيره أمامهم حين قال لهم : إني مسؤول ، وأنتم مسؤولون .. فما أنتم قائلون؟!

مما يعني : أن تملصهم من المسؤولية في الدنيا لا يجديهم ، لأن الحساب سيكون أمامهم في الآخرة ، فلا منجا ولا مهرب منه ، ولا مفر ولا محيص عنه.

بل قرر أنه هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا مسؤول ومحاسب. وسيرى الخلائق في الآخرة كما هو الحال في الدنيا أنه قد أبلغهم ما أمره الله بإبلاغه إياهم على أتم وجه.


ولذلك قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، ونصحت ، وجهدت ..

التذكير بالركائز العقائدية :

ثم ذكرهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالركائز العقائدية الصحيحة ، التي تضع كل إنسان أمام مسؤولياته .. كما أنها تمثل الحافز القوي للالتزام بأوامر الله الواحد الأحد ، والإنتهاء بنواهيه المتمثلة بالشريعة والأحكام ، والإلتزام بالحقائق الإيمانية ، وكل ما جاءهم به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن الله تبارك وتعالى ..

ثم بين لهم سبل الرشاد والهداية إلى ذلك كله وهو الالتزام بالثقلين ، وهما كتاب الله والعترة.

الأسئلة التقريرية هي الأهم :

ثم تأتي بعد ذلك الأسئلة التقريرية ، التي واجههم بها التي فرضت عليهم التنبه التام ، وأن تنشد القلوب والعقول إلى النتيجة التي يريد أن ينتهي إليها. وليكون الجميع قد استنفروا كل قواهم لتلقي كل كلمة ، واستنطاق كل حرف يتفوه به ، لتقوم بذلك الحجة عليهم ، وليأخذوا الأمر بجدية تامة ، من دون أن يفسح المجال لأي تأويل أو اجتهاد يرمي إلى تمييع القضية ، والإنتقاص من حيويتها ، ومن الشعور بخطورتها وأهميتها.

أما مضمون الأسئلة فكان هو الأهم ، والأجدر بالتأثير ، حيث إنه بعد سؤاله عن أولويته بالمؤمنين ـ بما هم جماعة (١) ـ من أنفسهم ، سألهم عن

__________________

(١) وقد قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الآية ٦ من سورة الأحزاب.


أولويته بكل فرد فرد من نفسه .. فأعطاهم الإنطباع بأن الأمر يعني كل فرد فرد منهم ، بشخصه ، وبلحمه ودمه ، وكل وجوده.

ثم هو يسألهم عن حدود سلطتهم على أنفسهم ، ويريد أن يسمع إقرارهم له بأن سلطته وولايته عليهم ، وموقعه منهم فوق سلطة وموقعية وولاية أمهاتهم وآبائهم ، وحتى أنفسهم على أنفسهم.

وهذا يؤكد لهم : أن القرار الذي يريد أن يتخذه يعنيهم في صميم وجودهم ، وينالهم في أخص شؤونهم وحالاتهم ، ولا بد أن يزيد هذا الأمر من اهتمامهم بمعرفة هذا الأمر الخطير ، والتعامل معه بإيجابية متناهية.

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكتف بسؤالهم عن ذلك لمرة واحدة ، بل كرر السؤال عن نفس الأمور الأساسية والحساسة عليهم ثلاث مرات على سبيل التعميم أولا ، ثم على سبيل التحديد والتشخيص بفرد بعينه أخرى ، فقد روي أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : أيها الناس ، من أولى الناس بالمؤمنين.

قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي. يقول ذلك ثلاث مرات.

ثم قال في الرابعة ، وأخذ بيد علي : اللهم من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ـ يقولها ثلاث مرات ـ ألا فليبلغ الشاهد الغائب (١).

__________________

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ ج ١ ص ٢٣٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤٤ وكشف الغمة ج ١ ص ٤٩ ـ ٥٠ عن الزهري ، وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص ٢٥٨ وج ٧ ص ٢٢٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٢٣٤ و ٣٠١ وج ٢١ ص ٩٣ والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص ١١٨ وسعد السعود لابن ـ


وفي نص آخر : كرر ذلك أربع مرات (١).

وعن البراء بن عازب : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نزل بعد حجته في بعض الطريق ، وأمر بالصلاة جامعه ، فأخذ بيد علي ، فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟!

قالوا : بلى.

قال : ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟!

قالوا : بلى.

قال : فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢).

__________________

طاووس ص ٧١ والبحار ج ٤٢ ص ١٥٦ والغدير ج ١ ص ١١ و ٣٣ و ١٧٦ وراجع : الإصابة لابن حجر (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٣٤

(١) مشكاة المصابيح ج ٣ ص ٣٦٠ وتذكرة الخواص ص ٢٩ وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ ص ٥٨٦ وعن مسند أحمد ج ٥ ص ٤٩٤ وكفاية الطالب ص ٢٨٥ وعن ابن عقدة ، والغدير ج ١ ص ١١.

(٢) الطرائف ص ١٤٩ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٦ والعمدة لابن البطريق ص ٩٦ و ١٠٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٣٦ والبحار ج ٣٧ ص ١٥٩ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٨١ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٣ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ٤٤٢ وج ٢ ص ٣٧٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٨٠ و ٨٦ و ١١٥ و ١٢٢ و ١٤٧ و ٢٩٤ و ٣٠١ و ٣٣٥ وج ٨ ص ١١٧ و ٢١٨ و ٢٤٧ وج ٩ ص ٢٦١ والغدير ج ١ ص ٢٢٠ و ٢٧٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧ و ٢٧٩ ونظم درر السمطين ص ١٠٩ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٨٩ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ٩٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٢١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٦٣٢ وبشارة المصطفى لطبري ص ٢٨٤ والمناقب للخوارزمي ـ


وفي نص آخر عن البراء : خرجنا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى نزلنا غدير خم ، بعث مناديا ينادي. فلما اجتمعنا قال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : ألست أولى بكم من أمهاتكم؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : ألست أولى بكم من آبائكم؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : ألست؟ ألست؟ ألست؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه».

فقال عمر بن الخطاب : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن (١).

__________________

ص ١٥٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١٢٠ وينابيع المودة ج ١ ص ١٠٢ وج ٢ ص ٢٨٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٢٣٥ و ٢٣٨ وج ١٤ ص ٣٤ وج ٢٠ ص ١٧٣ و ٣٥٧ وج ٢١ ص ٣٤ و ٣٨ و ٣٩ وج ٢٣ ص ٣٢٥ و ٥٥٤ وج ٣٠ ص ٤١٨ و ٤١٩.

(١) مناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٣٦٨ و ٤٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٢٩ و ١٤٦ وج ٩ ص ٩٣ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٨٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٢٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦


فليبلغ الشاهد الغائب :

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يتكل على ما يعرفه من رغبة الناس بنقل ما يصادفونه في أسفارهم ، إلى زوارهم بعد عودتهم ، فلعل أحدا يكتفي بذكر ذلك فور عودته ، ثم لا يعود لديه دافع إلى ذكره في الفترات اللاحقة ، فجاء أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم ليلزمهم بإبلاغ كل من غاب عن هذا المشهد ، مهما تطاول الزمن ، وجعل ذلك مسؤولية شرعية في أعناقهم.

وبذلك يكون قد سد باب التعلل من أي كان من الناس بادعاء أن أحدا لم يبلغه هذا الأمر ، وأنه إنما كان قضية في واقعة ، وقد لا ينشط الكثيرون لذكرها ، إن لم يكن ثمة ما يلزمهم بذلك .. ولعلهم قد كانت لديهم اهتمامات أخرى شغلتهم عنها ..

العمائم تيجان العرب :

قال الزبيدي : «ومن المجاز : عمّم ـ بالضم ـ أي سوّد ، لأن تيجان العرب العمائم ، فكلما قيل في العجم : توج ، من التاج قيل في العرب : عمم .. وكانوا إذا سودوا رجلا عمموه عمامة حمراء ، وكانت الفرس تتوج ملوكها ، فيقال له : المتوج ..» (١).

__________________

ص ٣٦١ و ٣٧٦ والغدير (ط مركز الغدير للدراسات الإسلامية) ج ١ ص ٥٠ ـ ٥٣ و (ط دار الكتاب العربي) ج ١ ص ١٩ و ٢٠ متنا وهامشا عن مصادر كثيرة جدا.

(١) تاج العروس ج ٨ ص ٤١٠ و (ط دار الكفر) ج ١٧ ص ٥٠٦ والغدير ج ١ ص ٢٩٠ وراجع : لسان العرب ج ١٧ ص ٥٠٦.


وقال : «والعرب تسمي العمائم التاج ، وفي الحديث : «العمائم تيجان العرب» جمع تاج ، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر ، أراد أن العمائم للعرب بمنزلة التيجان للملوك ؛ لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤوس أو بالقلانس ، والعمائم فيهم قليلة .. والأكاليل : تيجان ملوك العجم. وتوّجه : أي سوّده ، وعممه» (١).

وعن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «العمائم تيجان العرب» (٢).

وعن علي «عليه‌السلام» قوله : عممني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم غدير خم بعمامة ، فسدلها خلفي (أو فسدل طرفها على منكبي) ، ثم قال : «إن الله أمدّني (أيدني) يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمة».

وقال : «إن العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان» (٣).

__________________

(١) تاج العروس ج ٢ ص ١٢ و (ط دار الفكر) ج ٣ ص ٣٠٥ والغدير ج ١ ص ٢٩٠ ولسان العرب ج ٢ ص ٢١٩.

(٢) راجع بالإضافة إلى تاج العروس ج ٢ ص ١٢ : الجامع الصغير ج ٢ ص ١٩٣ والنهاية في غريب الحديث ج ١ ص ١٩٩ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٥ ص ٥٦ و ٥٧ و (ط دار الإسلامية) ج ٣ ص ٣٧٨ ومكارم الأخلاق للطبرسي ص ١١٩ وأدب الإملاء والإستملاء للسمعاني ص ٣٩ ومسند الشهاب لابن سلامة ج ١ ص ٧٥ والغدير ج ١ ص ٢٩٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٦ ص ٧٤٦ ونور الأبصار ص ٥٨ والفردوس للديلمي ج ٣ ص ٨٧ حديث رقم ٤٢٤٦.

(٣) مسند أبي داود الطيالسي ص ٢٣ وكنز العمال ج ١٥ ص ٣٠٦ و ٤٨٢ و ٤٨٣ والسمط المجيد ص ٩٩ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ٢ ص ٤٢ وفرائد السمطين ج ١ ص ٧٥ و ٧٦ وعن ابن أبي شيبة ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ج ١ ص ٣٠١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٠ ص ١٤ ـ


وعن ابن شاذان في مشيخته عن علي «عليه‌السلام» : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عممه بيده ، فذنب العمامة من ورائه ومن بين يديه ، ثم قال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أدبر.

فأدبر.

ثم قال له : أقبل.

فأقبل.

وأقبل على أصحابه ، فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : هكذا تكون تيجان الملائكة (١).

والعمامة التي عممه بها تسمى السحاب (٢).

وقد قال ابن الأثير : «كان اسم عمامة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

والرياض النضرة ج ٣ ص ١٧٠ والغدير ج ١ ص ٢٩١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٩ ص ٢٣٤ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٠ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤١ وعن الصراط السوي.

(١) الغدير ج ١ ص ٢٩١ وفرائد السمطين ج ١ ص ٧٦ ونظم درر السمطين ص ١١٢ وكنز العمال ج ١٥ ص ٤٨٤ وراجع : الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٥ ص ٥٦ و (ط دار الإسلامية) ج ٣ ص ٣٧٧ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٣ ص ٢٦٣ والحدائق الناضرة ج ٧ ص ١٢٧ والكافي ج ٦ ص ٤٦١ وجواهر الكلام ج ٨ ص ٢٤٧ وغنائم الأيام ج ٢ ص ٣٥٣ والبحار ج ٤٢ ص ٦٩ وج ٨٠ ص ١٩٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٦ ص ٧٤٧ ومكارم الأخلاق للطبرسي ص ١٢٠ ورياض المسائل ج ٣ ص ٢١٣.

(٢) الفردوس ج ٣ ص ٨٧ وفرائد السمطين ج ١ ص ٧٦ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٩ ص ٢٣٦ والغدير ج ١ ص ٢٩٠ و ٢٩١.


السحاب» (١).

قال الملطي : «قولهم ـ يعني الروافض ـ : علي في السحاب. فإنما ذلك قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي : أقبل ، وهو معتم بعمامة للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانت تدعى «السحاب» ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : قد أقبل علي في السحاب ، يعني في تلك العمامة التي تسمى «السحاب» ، فتأولوه هؤلاء على غير تأويله» (٢).

وقال الغزالي والحلبي والشعراني : «وكانت له عمامة تسمى السحاب ، فوهبها من علي ، فربما طلع علي فيها ، فيقول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : طلع علي في السحاب» (٣).

ونقول :

إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات هي التالية :

__________________

(١) النهاية في اللغة ج ٢ ص ٣٤٥ وراجع : البحار ج ١٠ ص ٥ وج ١٦ ص ٩٧ و ١٢١ و ١٢٦ وج ٣٠ ص ٩٤ وشرح السير الكبير للسرخسي ج ١ ص ٧١ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٤٩٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٢٧١ ولسان العرب ج ١ ص ٤٦١ وتاج العروس ج ٢ ص ٦٨.

(٢) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص ١٩ والغدير ج ١ ص ٢٩٢.

(٣) إحياء علوم الدين ج ٢ ص ٣٤٥ والبحر الزخار ج ١ ص ٢١٥ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٤١ والغدير ج ١ ص ٢٩٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٥٦٣ والإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» ص ٢٨٣.


الرمز والشعار :

إننا نلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مازج بين واقع ما يجري ، وبين الرمز المشير ، الذي يجعل الإنسان يعيش الشعور التمثلي الرابط بين الرمز وبين حركة الواقع.

١ ـ فيرى كيف يسبغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على علي «عليه‌السلام» مقام الرئاسة والسيادة ، وذلك حين يعممه بيده. ولا يأمره بلبس العمامة ، وكأنه يريد أن يحسس الناس بأنه يريد أن يجعل من هذه الحركة الرمزية وسيلة لإنشاء مقام الحاكمية له ..

٢ ـ ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يختار أن تكون العمامة التي يتوّجه بها هي نفس العمامة التي عرف الناس أنها له ، حتى بما لها من اسم ومن خصوصية مميزة .. ليشير بذلك إلى أنه إنما يعطيه الموقع الذي هو له ، أو انه يريده أن يكون امتدادا له فيما يمثله ، وفيما يوكل إليه من مهام ..

٣ ـ ثم هو يتجاوز الفعل إلى القول ، فيعلن : أنه يقصد بفعله هذا تكريس معنى السيادة والحاكمية فيه من خلال هذا التتويج ، ما دام أن العمائم تيجان العرب.

٤ ـ ثم تجاوز ذلك إلى إعطاء هذا التصرف المقصود مضمونا دينيا عميقا ، ومثيرا ، حين أعلن أن ما فعله بعلي «عليه‌السلام» لا يشبه لبس الآخرين من الأسياد والحاكمين لعمائم سيادتهم ، بل هي سيادة خاصة تمتد قداستها ، بعمقها الروحي ، وبمضمونها الإيماني المرتبط بالسماء ، ما دام أن الملائكة فقط هم الذين يعتمون هذه العمة.

٥ ـ ولم يكن فعل الملائكة هذا مجرد ممارسة لأمر يخصهم ، ولا كان يريد


لعلي «عليه‌السلام» أن يتشبه بهم فيه ، أو أن يكون له شبه بهم .. بل هو فعل له ارتباطاته الواقعية والعملية ، بنفس حركة علي «عليه‌السلام» الجهادية والإيمانية ، حيث قرر : أن الملائكة إنما تعتم بهذه العمامة في خصوص بدر وحنين .. وهما الواقعتان المتشابهتان جدا في كثير من خصوصياتهما ، والمتميزتان بأن عليا «عليه‌السلام» جاء بالنصر فيهما ، ولم يكن لأي من مناوئي علي «عليه‌السلام» أي دور أو أثر إلا الفرار من الزحف ، وربما الممالأة لأهل الشرك على أهل الإيمان ..

في حين أن الإسلام كله كان رهن النصر الذي أحرزه سيف علي «عليه‌السلام» دون سواه.

٦ ـ ثم جاء التصريح بعد التلميح ليؤكد على أن هذه العمامة بما لها من دلالات وخصوصيات ترمز إلى أمر أهم من ذلك كله ، وهو : أنها الحد الفاصل بين الإيمان الخالص وبين دنس الشرك ، بمختلف مظاهره وحالاته وحتى لو بمستوى أن يراود خاطر أي من الطامحين والطامعين ، أو تلوث وجدانه استجابة لأي طمع بالحياة الدنيا.

٧ ـ أما ما نسبه الملطي للروافض ، من أنهم قد تأولوا قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «طلع علي في السحاب» ، فلعله لا يقصد بالروافض الإمامية الاثني عشرية أعزهم الله تعالى .. فإننا لا نشعر أن لديهم أي تأويل يعاني من أية شائبة تذكر ..

أما غيرهم ، فإن كان الملطي صادقا فيما يقول ، فلسنا مسؤولين عن أفعال وأقوال أهل الزيغ ، بل سنكون مع من يناوئهم ، ويدفع كيدهم ، ويسقط أباطيلهم.


نعوذ بالله من شرور أنفسنا :

ثم إن الإنسان قد لا يجد في نفسه دافعا نحو ارتكاب بعض الأمور إلا إذا كان هناك تزيين شيطاني ، ووسوسة ، وسعي لقلب الحقائق ، وجعل القبيح حسنا ، والحسن قبيحا ، ولو بربطه بأمور أخرى تكون ظاهرة الحسن أو القبح ، أو الإيهام بأن هذا مصداق لها ، وفي جملة منطبقاتها ، ولو عن طريق الإدعاء والتخييل.

وهذا ما يعبر عنه بالتزيين الشيطاني الذي يظهر القبح بصورة الحسن ، قال تعالى : (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) (١). (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (٢). (زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) (٣). (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) (٤). (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (٥) وآيات كثيرة أخرى.

وهناك أمور لا يحتاج الإنسان للاندفاع إليها إلى تزيين شيطاني ، بل تكون هي بنفسها تملك زينة ظاهرة ، تلائم نوازع النفس الأمارة ، فيتلهى الإنسان بزينتها تلك عن التدبر في واقعها السيء ، الذي قد يكون بمثابة السم المهلك.

__________________

(١) الآية ٣٧ من سورة التوبة.

(٢) الآية ١٤ من سورة محمد.

(٣) الآية ٨ من سورة فاطر.

(٤) الآية ٣٧ من سورة غافر.

(٥) الآية ١٣٧ من سورة الأنعام.


وربما يكون الأمر من قبيل الدواء الذي يشفي المريض ، لكن النفس الأمارة حين تتلاءم مع بعض حالات ذلك الدواء ، كما لو كان له طعم العسل مثلا ، تخرج فيه عن المقدار المفيد ، وتتناوله على غير الوصف الذي حدّد له ، فيفقد تأثيره من أجل ذلك ، أو يصبح مضرا ، وربما يؤدي إلى الهلاك في بعض الأحيان ..

والإمارة والسلطان هي من الأمور التي تتلاءم في بعض جوانبها مع نوازع النفس الأمارة ، فتندفع إليها ، ولا تهتم بواقعها السيء ، المتمثل في كونها ظلما وعدوانا على الناس ، واغتصابا لحق الغير .. بل هي حين تفقد شرعيتها تمرد على الله ، وتعد على حاكميته المطلقة ، وتجاوز لحدوده ..

ولأجل ذلك نلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بدأ خطبته بالإستعاذة بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، التي هي الأكثر فعالية ، والأشد تأثيرا في الإندفاع إلى التعدي على حدود الله ، وغصب الحاكمية من صاحبها الشرعي ، والتعدي على حقوق الناس وظلمهم.

لا هادي لمن أضل الله :

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد أن استعاذ بالله من شرور الأنفس ، وسيئات الأعمال ، لكي لا يستسلم الناس لدواعي الغفلة ، عرفهم أن الله الذي يعيذهم هو المالك الحقيقي للتصرف ، وأن لجوءهم إليه ، إذا كانوا صادقين فيه ، سوف يجعلهم في حصن حصين ، وسيعني هذا اللجوء أنهم يستحقون أن يعود عليهم بالفضل ، ويفتح أمامهم أبواب الرحمة.

ولن تستطيع أية قوة أن توصد تلك الأبواب ، بل لا بد أن يبقوا في ذلك


الحصن الحصين ، والمكان الأمين ما شاؤوا .. وما استقاموا على طريق الحق.

وحين يتسبب العبد بأن توصد أمامه أبواب الرحمة والهداية ، فلن يستطيع أحد أن يفتح تلك الأبواب أمامه ، إلا إذا أصلح ذلك العبد ما أفسده ، واستحق أن يعود الله عليه بالرحمة ، فإن الله تعالى وحده دون سواه هو الذي يفتح أمامه تلك الأبواب من جديد ، على قاعدة : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١). وهذا البيان يفسر لنا قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لا هادي لمن أضل الخ ..

الإقرار بالإعتقادات :

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بادر إلى الشهادة لله بالوحدانية ، والإقرار على نفسه بالعبودية لله ، ولها بالرسولية ، توطئة لتقرير ذلك الحشد بمثل ذلك ، وتسهيلا للإقرار به عليهم ، ورفعا لاستهجانهم ، وإبعادا لأي ظن أو احتمال قد يراود أذهانهم فيما يرتبط بمستوى الثقة ، واليقين بصدق إيمانهم. فإن ذلك أدعى لإلزامهم فيما يلزمون به أنفسهم ، وأقوى في تعظيم أمر النكث وتهجينه ، واستقباح صدوره منهم ، إن لم يكن تدينا وخوفا من العقوبة في الآخرة ، فالتزاما بالإعتبارات التي ألزموا بها أنفسهم في الحياة الدنيا.

فهو يستعين بكل ما لا مانع شرعا من الإستعانة به لدفع الفساد ، والإفساد ، وتضييق الخناق على الباطل ، وتأكيد وضوح الحق ، فهو نظير

__________________

(١) الآية ٢ من سورة فاطر.


قول أمير المؤمنين «عليه‌السلام» لأصحابه : أما تستحيون؟! أما تغارون؟! نساؤكم يزاحمن العلوج في الأسواق؟! (١).

فإنه «عليه‌السلام» يريد أن يحرك فيهم معنى الحياء والغيرة ، لكي يبادروا إلى منع ما قد ينشأ عنه الفساد ، ولو في أدنى مستوياته.

وهكذا فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإنه ذكرهم بأصل التوحيد ، فشهدوا لله تعالى بالوحدانية ، وبأصل النبوة ، فشهدوا له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه رسول من الله إليهم ، مما يعني أن ما يأتيهم به هو من عند الله.

وذكّرهم بالنار التي يعاقب بها المتمردون على الله ، المخالفون لرسوله ، وبالجنة التي يثاب بها المطيعون لهما ، وبأن الموت حق ، والبعث والحساب حق ، فلماذا يتعلقون بالدنيا ، ويفسدون آخرتهم من أجلها ..

ثم ذكّرهم بالإمامة ، وبما يحفظ من الهداية والضلال ، وبميزان الأعمال من خلال التأكيد على حديث الثقلين.

كل ذلك توطئة لنصب أمير المؤمنين «عليه الصلاة السلام» وليا وهاديا ، ومرجعا وإماما.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٣٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٢٠ ص ٢٣٦ و (ط دار الإسلامية) ج ١٤ ص ١٧٤ والشرح الكبير لابن قدامه ج ٨ ص ١٤٤ وكنز العمال ج ٣ ص ٧٨٠ ومسند أحمد ج ١ ص ١٣٣ ومشكاة الأنوار ص ٤١٧ وراجع : البحار ج ٧٦ ص ١١٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٠ ص ٢٧١ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٩٦ موسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ٨ ص ٢٤٣ والمغني لابن قدامه ج ٨ ص ١٣٧ والحدائق الناضرة ج ٢٣ ص ١٥٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٠ ص ٢٧١ وجامع السعادات ج ١ ص ٢٣٩.


الحساب على الحب والبغض :

وربما يسعى بعض الناس إلى إشاعة المفهوم القائل : إن أمر الحب والبغض ليس اختياريا ، وذلك ليتسنى لهم التملص من تبعات حبهم لمن يبغضهم الله ، وبغضهم لمن يحبهم الله تبارك وتعالى.

باعتبار أن الإنسان لا يحاسب على الحب والبغض إلا إذا ظهرت آثارهما في مقام العمل ، فالحساب إنما يكون عليه ، لا عليهما.

ولكن ما ورد في كلام الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم غدير خم يدل على خلاف ذلك ، حيث دعى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمحب علي «عليه‌السلام» ، ودعا على مبغضه ، فقال : «اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وابغض من أبغضه».

ولأجل ذلك ، أوجب تعالى حب أهل الإيمان وبغض أهل الضلال والكفر والطغيان. وعاتب وعاقب من يخالف ذلك .. وتجد في الآيات والروايات ما يؤكد هذا الأمر ، فراجع.

وأدر الحق معه حيث دار :

وقد ضمّن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دعاءه لعلي «عليه‌السلام» يوم الغدير قوله : «وأدر الحق معه حيث دار» ، فدل ذلك على أن المولوية التي جعلها له «عليه‌السلام» تختزن معنى الحق والمسؤولية عنه ، علما أو عملا ، أو كلاهما. إذ لولا ذلك لم يحتج إلى هذا الدعاء.


حديث الثقلين :

وهذه المسؤولية عن الحق هي التي فرضت أن يقرن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بين القرآن والعترة لحفظ الأمة من الضلال ، وجعل استمرار هذا الاقتران بينهما من مسؤولية الأمة أيضا.

ولا بد أن يكون اقترانا متناسبا مع شمولية القرآن ، ومع ما تضمنه من حقائق ، وما يتوخى من موقف للأمة تجاهه .. ومع مسؤولية العترة تجاه القرآن في مجال العلم والعمل ، والتربية ، وما يترتب على ذلك من لزوم الطاعة والنصرة ، وما إلى ذلك .. ولا يكون ذلك إلا بالتمسك به ، وبالعترة في العلم وفي العمل والممارسة .. سواء في الأحكام أو في القضاء بين الناس ، أو في السياسات ، أو في الإعتقادات ، أو في الأخلاق ، وفي كل ما عدا ذلك من حقائق ، لهج وصرح بها القرآن الكريم ، وهذا يختزن معنى الإمامة بكل أبعادها وشؤونها ..

وانصر من نصره :

ويؤكد هذا المعنى ، ويزيده رسوخا قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «وانصر من نصره ، واخذل من خذله ..» ، فإن إيجاب النصر له على الناس ، وتحريم الخذلان إنما هو في صورة التعرض للتحدي ، والمواجهة بالمكروه ، من أي نوع كان ، ومن أي جهة صدرت.

وذلك يشير إلى : أنه «عليه‌السلام» هو المحق في كل نزاع يحاول الآخرون أن يفرضوه عليه ، وأن على الأمة نصره ، بردع المعتدي ، فإن لم تستطع ، فلا أقل من أن لا تنصر أعداءه ، وأن تعتقد بأن غيره ظالم له ، معتد


عليه ، مبطل في ما يدّعيه.

وقد جاءت هذه الإشارات اللائحة ، والدلالات الواضحة قبل وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بيسير ، وقد واجه علي «عليه‌السلام» المحنة التي فرضها عليه نفس هؤلاء الذين خاطبهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهذا الخطاب!! واستنطقهم ، وقررهم ، وردوا عليه الجواب. وهم الذين هنأوا عليا «عليه‌السلام» ، وبخبخوا له ، وبايعوه ، حتى قال ابن عباس : وجبت ـ والله ـ في أعناق القوم.

أمهات المؤمنين يهنئن عليا عليه‌السلام :

وقد تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أمر أمهات المؤمنين بأن يسرن إلى علي «عليه‌السلام» ويهنئنه ، ففعلن ، وما ذلك إلا لأنه يريد أن يقطع العذر لمن تريد منهن أن تشن عليه حربا ضروسا ، يقتل فيها المئات والألوف ، فلا تدّعي أنها لم تعرف شيئا مما جرى في يوم الغدير ، لأنها كانت معزولة في خدرها عن الحدث ، رهينة الحجاب المفروض عليها.

أو أن تدّعي : أن ما عرفته من أفواه الناس من أقاربها كان لا يقيم حجة ، ولا يقطع عذرا ، أما النساء فإنهن وإن أبلغنها بشيء مما كان يجري ، لكن حالهن حالها ، وربما يبلغها ما لا يبلغهن ، أو أن ما يبلغها قد يكون أكثر دقة مما يتناهى إلى مسامعهن ، بعد أن تعبث به الأهواء ، ويختلط مع التفسيرات والتأويلات ، والإجتهادات وما إلى ذلك ..

وإن نفس الطلب إلى نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن يقمن بهذا الأمر ، لا بد أن يفسح المجال لسؤالهن عن سبب هذه التهنئة ، وعن حقيقة


ما جرى. لا سيما إذا كانت هذه أول مرة يطلب فيها من أمهات المؤمنين أن يشاركن في تهنئة أحد ، فإن هذا أمر له ارتباط بالرجال غير رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وقد جاء الأمر بذلك عاما وشاملا لهن من دون استثناء ، فلا مجال للتأويل والتحليل ، أو لاحتمال أن ذلك كان لخصوصية اقتضت طلب ذلك من امرأة بعينها ..

معنى الولاية في حديث الغدير :

قال السيد المرتضى «رحمه‌الله» : إن أولى بمعنى مولى ، كما قاله أئمة اللغة في تفسير الآية (١).

أما سائر معاني كلمة مولى فهي إما بديهية الثبوت لعلي ، فيكون ذكرها في يوم الغدير عبثا .. مثل : «ابن العم ، والناصر» التي ذكر أنها من معاني «المولي».

وإما واضحة الإنتفاء ، ولا يصح إرادتها. مثل : «معنى المعتق والمعتق ، فلا يصح إرادتهما في مناسبة الغدير ، لأن ذلك يستلزم الكذب فيهما .. وذلك لا يصدر من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..».

فأجاب الرازي بما ملخصه : إنه لو كان مولى وأولى بمعنى واحد لصح

__________________

(١) راجع : رسائل المرتضى ج ٣ ص ٢٥٣ وج ٤ ص ١٣١ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج ٢ ص ٢٦١ وراجع : العمدة لابن البطريق ص ١١٦ والبحار ج ٣٧ ص ٢٣٨ وج ٣٧ ص ٢٤٠ وتفسير مجمع البيان ج ٨ ص ١٢٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١٢٤ والصراط المستقيم ج ١ ص ٣٠٨ والرسائل العشر للشيخ الطوسي ص ١٣٥ وراجع : كنز الفوائد ص ٢٢٩ وقد ذكر العلامة الأميني طائفة كبيرة من أقوال العرب وأهل اللغة ، فراجع كتاب الغدير ج ١ ص ٣٤٥ ـ ٣٤٨.


استعمال كل منهما مكان الآخر ، فكان يجب أن يصح أن يقال : هذا مولى من فلان .. ويصح أن يقال : هذا أولى من فلان (١).

وقد أجاب علماؤنا على كلام الرازي بما يلي :

أولا : إن الترادف إنما يكون في حاصل المعنى ، دون الخصوصيات التي تنشأ من اختلاف الصيغ ، والإشتقاقات ، أو أنحاء الإستعمال .. فكلمة «أفضل» تضاف إلى صيغة التثنيه بدون كلمة «من» ، فيقال : زيد أفضل الرجلين ، لكن حين تضاف إلى المفرد ، فلا بد من كلمة من ، فلا يقال : زيد أفضل عمرو ، بل يقال : زيد أفضل من عمرو.

ثانيا : لنأخذ معنى الناصر في كلمة «مولى» .. فإنه يصح أن يقال : فلان ناصر دين الله ، ولكن لا يصح أن يقال : فلان مولى دين الله.

وقال عيسى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٢). ولا يقال : من مواليّ إلى الله ..

ويقال : الله ولي المؤمنين ومولاهم .. ويقال : فلان ولي الله ، ولا يقال : مولى الله ، كما ذكره الراغب (٣).

ويقال : إنك عالم. ولا يقال : إنّ أنت عالم.

فالمولى اسم للمتولي ، والمالك للأمر ، والأولى بالتصرف. وليس صفة ولا هو من صيغ أفعل التفضيل بمنزلة الأولى ، لكي يقال : إنه لا يأخذ أحكام كلمة «أولى» التي هي صفة ..

__________________

(١) راجع : التفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٢٧ والغدير ج ١ ص ٣٥٠ و ٣٥١ عنه ، وعن نهاية العقول ، تفسير الآلوسي ج ٢٧ ص ١٧٨.

(٢) الآية ٥٢ من سورة آل عمران.

(٣) مفردات الراغب ص ٥٣٣.


ثالثا : لو كان المراد بالمولى المحب والناصر ، فقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من كنت مولاه فعلي مولاه». إن كان المراد به : الإخبار بوجوب حبه «عليه‌السلام» على المؤمنين ، أو إنشاء وجوب حبه عليهم ، فذلك يكون من باب تحصيل الحاصل ، لأن كل مؤمن يجب حبه على أخيه المؤمن ، فما معنى أن يجمع عشرات الألوف في ذلك المكان؟! ليقول لهم : يجب أن تحبوا أخاكم عليا؟!

ولماذا يكون ذلك موازيا لتبليغ الرسالة (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)؟! (١). ولماذا يكمل به الدين ، وتتم به النعمة؟!.

ولماذا يهنئه عمر وأبو بكر بهذا الأمر ، ويقولان له : أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وكأنه لم يكن كذلك. قبل هذا الوقت باعتقادهما.

ألم يكن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يحب بعضهم بعضا؟!

ألم يكن الله قد اعتبر المؤمنين بمثابة الإخوة؟!

يضاف إلى ما تقدم : أن وجوب النصرة والمحبة لا يختص بعلي «عليه‌السلام» ، بل يشمل جميع المؤمنين.

وإن كان المقصود هو إيجاب نصرة مخصوصة تزيد على ما أوجبه الله على المؤمنين تجاه بعضهم ، فهو المطلوب ، لأن هذا هو معنى الإمامة ، ولا سيما مع الإستدلال على هذه النصرة الخاصة بمولوية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم ..

وإن كان المراد الإخبار بأنه يجب على علي «عليه‌السلام» أن يحبهم وأن

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


ينصرهم .. فلا يحتاج هذا إلى جمع الناس يوم الغدير ، ولا إلى نزول الآيات ، وما إلى ذلك .. إذ كان يكفي أن يخبر عليا بأنه يجب عليه ذلك ..

وعلى كل حال ، فإن قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ألست أولى بكم من أنفسكم» يفيد أنها ولاية نصرة ومحبة ناشئة عن هذه الأولوية منهم بأنفسهم .. كما أن جعل وجوب نصرة علي «عليه‌السلام» كوجوب نصرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم يؤكد ذلك ..

فإن نصرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم إنما هي من حيث نبوته ، وملكه لأمورهم ، وزعامته عليهم .. وليست كوجوب نصرتهم أو محبتهم لبعضهم بعضا.

وأما القول بأن المراد بالمولى المالك والمعتق ، فيرد عليه : أنه لم يكن هناك مالكية حقيقية ، ولا عتق ، ولا انعتاق.

وإن كان المراد بكلمة مولى : السيد ، فهو يقترب من معنى الأولى ، لأن السيد هو المتقدم على غيره. وهذا التقدم ليس بالقهر والظلم ، لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قرن سيادة علي «عليه‌السلام» بسيادة نفسه ، فلا بد أن يكون التقدم بالإستحقاق ، من خلال ما يملك من مزايا ترجحه عليهم ، وبديهي : أن أية مزية شخصية لا توجب تقدما ، ولا تجعل له حقا عليهم ، يجعله أولى بهم من أنفسهم ، إلا إذا كانت هذه المزية قد أوجبت أن يجعل من بيده منح الحق ومنعه لصاحب هذه المزية مقام الأولوية بهذا المستوى الذي هو من شؤون النبوة والإمامة. وليس لأحد الحق في منح هذا المقام إلا لله تبارك وتعالى ..

وكذلك الحال لو كان المراد بكلمة المولى ، المتصرف والمتولي للأمر ، فإن


حق التصرف إنما يثبت له بجعل من له الحق في الجعل ، وهو الله سبحانه وفق ما ذكرنا آنفا ..

الجمع بين المعاني :

وقد ذكر العلامة الأميني وغيره : أن الذي يجمع تلك المعاني كلها هو الأولى بالشيء ، فإنه مأخوذ من جميع تلك المعاني بنوع من العناية ، ف «المعتق» أولى. لأن له حقا على «المعتق» ، وهو أولى به لتفضله عليه.

والمالك أولى بالمملوك ، والسيد أولى بمن هم تحت سيادته ، والابن أولى بالأب ، والأخ أولى بأخيه ، والتابع أولى بمتبوعه ، والصاحب أولى بصاحبه الخ ..

فالمعاني التي تذكر لكلمة مولى ليست معاني لها على سبيل الإشتراك اللفظي ، بل هي خصوصيات في موارد استعمال كلمة مولى ، وليس لها دخل في معناها وهو «الأولى». وقد اشتبه عندهم المفهوم بخصوصية المصداق.

وقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ألست أولى بكم من أنفسكم» يدل على ما نقول ..

ويدل عليه أيضا : ما ورد في بعض نصوص الحديث ، من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سأل الناس ، فقال : فمن وليكم؟!

قالوا : الله ورسوله مولانا.

وقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في نص آخر : «تمام نبوتي ، وتمام دين الله في ولاية علي بعدي ..» فإن ما يتم به الدين هو الولاية بمعنى الإمامة.

وفي بعض النصوص أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال في تلك المناسبة : هنئوني ،


هنئوني ، إن الله تعالى خصني بالنبوة ، وخص أهل بيتي بالإمامة ..

يضاف إلى ذلك قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي.

ويؤيد ذلك أيضا ، بل يدل عليه : بيعتهم لعلي «عليه‌السلام» في تلك المناسبة ، وقد استمرت ثلاثة أيام.

وكذلك قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ومكذبيهم ، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني» أو ما هو قريب من هذه المعاني ، فإن طعن أهل النفاق ، وخوف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الإبلاغ إنما هو لأمر جليل كأمر الإمامة ، ولا ينسجم ذلك مع إرادة المحب أو الناصر من كلمة المولى.

يضاف إلى ذلك ، التعبير بكلمة : «نصب عليا» ، أو «أمر الله تعالى نبيه أن ينصبني» ، أو «نصبني» أو نحو ذلك.

وعبارة ابن عباس : وجبت والله في رقاب (أو في أعناق) القوم.

ونزول قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١).

وثمة مؤيدات وقرائن أخرى ذكرها كلها العلامة الأميني في كتابه الغدير ، فراجع الجزء الأول منه ، فصل «القرائن المعيّنة لمعنى الحديث». وراجع الأحاديث الأخرى المفسرة لمعناه أيضا في كتاب الغدير ج ١ ص ٣٨٥ ـ ٣٩٠.

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.



الفصل السادس :

في ظلال آيات الغدير



بداية :

قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

إننا من أجل توضيح المراد نحتاج إلى البحث في جهات عدة ، نجعلها ضمن العناوين التالية :

قد عرفنا : أن هناك آيتين قد نزلتا في مناسبة الغدير ، وهما قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٢).

والأخرى قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) الآية ٦٧ سورة المائدة.


الْإِسْلامَ دِيناً) (١).

وثمة أمور تحتاج إلى توضيح وبيان ، نذكر منها هنا ما يلي :

تأكيد التحريم لا تأسيس! :

بالنسبة لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) نقول :

قد ذكرت الآية المباركة بعض ما حرمه الله تعالى من الأطعمة ، فيما يرتبط باللحوم. فذكرت حرمة أربعة منها ، هي : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به. وهي أمور قد ورد تحريمها في آيات أخرى ، في سور أخرى نزلت قبل سورة المائدة ، وهي : سورة الأنعام الآية ١٤٥ ، وسورة النحل الآية ١١٤ و ١١٥ وهما مكيتان ، وسورة البقرة الآية ١٧٣ وهي مدينة قد نزلت في أوائل الهجرة.

فتكون آية سورة المائدة قد جاءت لتأكيد التحريم لا للتأسيس.

ثم أضاف تعالى بعض مصاديق الميتة إما واقعا ، أو ما اعتبره الشارع بحكم الميتة ، من حيث كونه من مصاديق الفسق المشار إليه بقوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) (٢) ، الذي حرمته الآية ١٤٥ من سورة الأنعام المكية.

فذكر من مصاديق الميتة الواقعية : المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، فإن موتها قد استند لغير التذكية.

وذكر أيضا من مصاديق ما هو بحكم الميتة لكونه من الفسق : ما ذبح على النصب ، وهي الأحجار التي كانت تنصب حول الكعبة للذبح عليها ،

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) الآية ٣ من سورة المائدة.


وتقديسها. وكذلك ما أخذ على سبيل المقامرة والإستقسام بالأزلام ، حيث كانوا يقسمون السهام إلى عشرة ، فيكون لسبعة منها حظوظ ، وثلاثة لا حظوظ لها ، فمن أصابتهم هذه الثلاثة يغرمون قيمة الجزور ، الذي يقسم على خصوص أصحاب السهام السبعة الأخرى.

وما أهل لغير الله به ، وهو الذبح باسم أحد المعبودات.

وقد حكم تعالى بأن هذا العمل يوجب حرمة تلك الذبيحة ، ويجعلها من مصاديق الفسق ، وبحكم الميتة ..

ثم ذكر سبحانه : أن من اضطر في مخمصة ـ وهي شدة الجوع ـ للتناول من هذه المحرمات ، لأجل حفظ نفسه ، ولم يتجاوز الحد ، فإن الله غفور رحيم ..

وبملاحظة هذا الإستدراك في الآية : رجحنا تخصيص الإستقسام بالأزلام ، والإهلال لغير الله به بخصوص الذبائح. ولم نحكم بشموله لكل استقسام بالأزلام ، ولو في غير هذا المورد ..

الجملة اعتراضية :

ثم إنه لا ريب في أن قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١). جملة اعتراضية وردت في ضمن بيان حرمة الميتة ومحرمات أخرى من اللحوم والذبائح على المختار أولا .. ثم جواز ذلك للمضطر ثانيا ..

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.


وقلنا : إن جميع هذه الأحكام قد سبق أن بينها الله تعالى في آيات نزلت قبل سنوات من نزول سورة المائدة. إما بنحو التنصيص والصراحة ، أو ببيان حكم العنوان العام الشامل لها. كعنوان الميتة ، وعنوان الفسق.

لماذا الجملة الإعتراضية؟! :

ويلاحظ : أن الإتيان بالجملة الإعتراضية بين أمرين ظاهري التلازم ، يشير بوضوح إلى أهمية الأمر الذي يراد بيانه في الجملة الإعتراضية ، لدلالته على أن هذا الأمر لا مجال لتأجيله ، بل هو من الأهمية بحيث جعل المتكلم يبادر إلى قطع كلامه المترابط ، ليشير إليه ، ثم يعود لإكمال كلامه من حيث قطعه.

فإن أحدا لا يقطع كلامه لأجل بيان أمر تافه ، أو عادي ، كأن يقول لأحدهم مثلا : يا فلان ، انفض الغبار عن كم قميصك. ثم يعود لمتابعة كلامه الأول. بل هو يقطع كلامه ليقول : احذر من أن يقع ولدك عن السطح ، أو في البئر ، أو إحذر من الأفعى لا تلدغك ، أو نحو ذلك.

لماذا جعلت بين أحكام سبق بيانها؟! :

وإنما أورد تبارك وتعالى هذا الأمر الخطير في ضمن جملة إعتراضية ، بين أحكام سبق بيانها أكثر من مرة ، وليس فيها ولو حكم تأسيسي واحد ، لكي لا يتوهم أحد أن الدين قد كمل بإبلاغ هذا الحكم أو هذه الأحكام الواردة في هذه الآية في هذا اليوم.

كما أنه قد اختار أن يجعل الحديث عن إكمال الدين في سياق التأكيد على أحكام سبق بيانها لأنه يريد أن يقول : إن التأكيد على الأحكام إنما هو بهدف حفظ الأحكام ، والإهتمام بإلزام الناس ، والتزامهم بها ..


كما أن من جملة وظائف الإمام ، ومن دواعي نصبه للناس علما ، هو أيضا الحفاظ على أحكام الدين ، وسلامتها من الإهمال ، ومن التحريف ، وضمان وصحة تطبيقها في حياة الأمة.

فالجملة الإعتراضية جاءت لتأكيد المضمون العام للبيان التأكيدي للأحكام.

لماذا الأحكام الإلزامية تحريمية؟! :

ويلاحظ هنا أيضا : أن هذا الإعتراض إنما جاء في سياق التأكيد على أحكام إلزامية ، تحريمية ، لا وجوبية ، فهي إلزامية بحيث يكون أي إخلال بها من موجبات الوقوع في الهلكة ، والابتلاء بالمأزق الذي يلامس مصير الإنسان نفسه.

وهي تحريمية إذ لو كانت إلزاميّة وجوبية ، فقد يتوهم أن المقصود هو جلب المصلحة ، وهي قد يتخلى الإنسان عنها لسبب أو لآخر ، أما الأحكام التحريمية ، فإن مخالفتها تعني الوقوع في الهلكة مباشرة ، ولا مجال للتخلي عنها لأي سبب .. إلا إذا كان ذلك رافعا لحكم التحريم ..

وكذا الحال لو جاء بها في سياق بيان بعض المستحبات ، أو بعض الضوابط الأخلاقية ، أو في سياق بعض السياسات التدبيرية ، فسوف لن يكون لها هذا الأثر ، ولأمكن التأويل والتهرب من مضمونها الإلزامي.

بل قد نجد من يدّعي : أن الأمر لا ينحصر بعلي «عليه‌السلام» ولا بغيره ، بل قد يكون غيره قادرا على القيام بنفس الدور ، ولا خصوصية لعلي ولا للأئمة من أهل البيت «عليهم‌السلام» ، بل ولا حتى للنبي الأعظم


«صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذلك.

متى يئس الذين كفروا .. وكمل الدين؟! :

وقد اقترن قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ). بقوله :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) ، فدل على : أن اليوم الذي يئس فيه الذين كفروا من الدين هو نفس اليوم الذي أكمل الله تعالى فيه دينه ، لكنهم اختلفوا في تحديد هذا اليوم .. فقيل : المراد به : فتح مكة (٢).

ويرد عليه : أنه إذا كان كمال الدين لبيان تمام الأحكام ، فذلك يعني : أن الدين لم يكمل آنئذ ، ولم تتم النعمة .. إذ قد استمر تشريع الأحكام بعد يوم الفتح أيضا ، وسورة المائدة نفسها ، قد تضمنت شيئا من ذلك.

وقيل : المراد به : ما بعد تبوك ، حيث نزلت سورة براءة ، وقد انبسط الإسلام على جزيرة العرب كلها ، وعفيت آثار الشرك ، وذهبت سنن الجاهلية وزالت (٣).

ويرد عليه : نفس ما قلناه آنفا ، فإنه قد نزلت فرائض وأحكام ، وأبلغت تشريعات كثيرة بعدئذ ، كما أن في نفس سورة المائدة أحكاما كثيرة ، وهي قد نزلت بعد سورة براءة.

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) تفسير السمرقندي ج ١ ص ٣٩٣ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٦ ص ٦٠ وفتح القدير ج ٢ ص ١٠ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١٠ وراجع : تفسير الجلالين ص ١٣٥.

(٣) تفسير الميزان ج ٥ ص ١٦٩.


وقيل : المراد به : يوم عرفة ، حيث رووا : أن آية إكمال الدين قد نزلت في يوم عرفة ، فراجع البخاري ومسلم وسواهما (١).

ويرد عليه : أن يأس الذين كفروا يوم عرفة لا بد له من مبرر ، فإن كان المبرر هو : فتح مكة ، أو غزوة تبوك ، أو نزول سورة براءة ، فقد حدث ذلك قبل يوم عرفة في السنة العاشرة بزمان طويل.

وإن كان المبرر هو تمام نزول الأحكام ، فيرد عليه : أن بعض الأحكام قد نزل بعد يوم عرفة ، مثل آية الكلالة التي في آخر سورة النساء ، وآيات الربا ، كما قاله عمر بن الخطاب في خطبة له (٢).

__________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان ج ١ ص ٢٨٠ وجامع البيان للطبري ج ٦ ص ١٠٥ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٣٩٢ و ٤٠٥ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ١٦ وتفسير ابن زمنين ج ٢ ص ٨ وتفسير الواحدي ج ١ ص ٣٠٨ وزاد المسير لابن الجوزي ج ٢ ص ٢٣٨ عن مجاهد وابن زيد ، والتفسير الكبير تفسير للرازي ج ٥ ص ١٩١ وتفسير العز بن عبد السلام ج ١ ص ٣٧٠ والتسهيل لعلوم التنزيل ج ١ ص ١٦٨ وتيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ص ٢٢٠ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص ٥٨.

(٢) صحيح مسلم ج ٢ ص ٨١ وج ٥ ص ٨ والغدير ج ٦ ص ١٢٧ ونهج السعادة ج ٨ ص ٤٢٢ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٦ و ٢٨ و ٤٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ١٥٠ وشرح مسلم للنووي ج ٥ ص ٥٣ وج ١١ ص ٥٧ ومسند أبي يعلى ج ١ ص ١٦٦ وجامع البيان للطبري ج ٦ ص ٥٩ وتفسير البغوي ج ١ ص ٤٠٤ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٦٠٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ٦٩ و ١٦٨ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٤٩ وفتح القدير ج ١ ص ٥٤٤ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ٤٤ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ١٩٥ وراجع : مسند أبي يعلى ج ٥ ص ٧٥.


وروي أيضا ذلك عن ابن عباس (١).

وإن كان الموجب ليأس الذين كفروا ، ولإكمال الدين هو نزول أحكام : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير في آية سورة المائدة ، فهي لا توجب هذا اليأس أيضا ، إذ لا خصوصية لها على ما عداها ..

وقد ذكرنا : أن ذكر هذه الأحكام لم يكن للتأسيس ، بل هي للتأكيد ، لأنها كانت قد نزلت قبل عدة سنوات ، حسبما أو ضحناه ..

وإن كان المبرر هو حضور النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في موسم الحج ، وتشريع بعض أحكامه ، فيرد عليه : أن ذلك لا يوجب يأس الكفار من الدين أيضا .. إذ لا فرق في التشريع بين ما يرتبط بالحج ، وبين غيره ..

وبعد ظهور عدم صحة ذلك كله ، نقول :

العلة المحدثة والمبقية :

إن إكمال الدين إنما هو بإيجاد علته المبقية ، بنصب الحافظ له ، والمبين لحقائقه ، والعالم بمعاني قرآنه ، والعارف بناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وبذلك ييأس الذين كفروا من تحريف الدين ، والتلاعب بشريعة رب العالمين ، فإن الإمام هو الذي يصونه من عبث أهل النفاق ، ويحفظ الناس من الوقوع فريسة للشكوك والشبهات ..

فإذا كان الذين كفروا يفكرون في أن بإمكانهم النيل من دين الله بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإن نصب الولي ، والإمام الحافظ

__________________

(١) راجع : أسباب نزول الآيات ص ٩ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٥٦٣ وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٩٥ والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٠٩.


سوف يبعث اليأس في نفوسهم من أن يتمكنوا من تحريفه ، ومن التلاعب بمفاهيمه ، وقيمه ، والعبث بتعاليمه ، وأحكامه ..

فظهر أن الدين قد كمل بنصب الإمام ، وتكريس مفهوم الإمامة في الإسلام ، وسدت بهذا التشريع الرباني الثغرة التي قد يحاول المبطلون النفوذ منها ، وأنيط حفظ الدين بهذا القرار الديني والشرعي الملزم للناس ، وأصبح هو المعيار الذي يرجعون إليه ، بعد أن ثبت وتعزز في وجدان الأمة على النحو الذي سعى إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طيلة ثلاث وعشرين سنة ، توجتها مناسبة يوم الغدير.

وكما أن الكافرين سوف ييأسون ، فإن المؤمنين سوف يشعرون بكمال دينهم ، وبتمام النعمة عليهم ، بعد أن وضعت الضمانات المؤثرة في رد كيد الأعداء ، ووضح السبيل لفضح خدعهم ، وبوار أباطيلهم.

وبذلك رضي الله تعالى الإسلام دينا باقيا ، وأبديا للبشرية كلها ..

فلا تخشوهم واخشوني :

وقد زالت بذلك موجبات خشية المؤمنين من كيد الذين كفروا ، وأصبح الأمر مرهونا بالمسلمين أنفسهم ، بمدى التزامهم بما أخذ عليهم من عهد وميثاق منه تعالى ، وخضوعهم للتدبير الرباني ، واستجابتهم لما يحييهم ، وطاعتهم لمن نصبه الله ورسوله وليا وحافظا لهم ، ولدينهم .. ولذلك قال تعالى : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) (١).

__________________

(١) الآية ١٥٠ من سورة البقرة.


فالآية تريد أن تحدد المسؤوليات ، وتسد أبواب التملصات المقيتة ، من قبل من يظهرون الطاعة والإنقياد ، ويبطنون الصدود والعناد ، ويدبرون في الخفاء للإستئثار بالأمر ، وإقصاء صاحبه الشرعي عنه ، ولا شيء يدفعهم إلى ذلك سوى حب الدنيا وزينتها ، وعدم الإعتداد بشيء آخر سواها ..

فعلى الناس أن يحفظوا نعمة الله عليهم ، وأن لا يفرطوا فيما حباهم الله به ، ولا يخضعوا لأهواء أهل الكفر ، ولا يخشوا كيدهم ومؤامراتهم ، وإلا فإنهم سيذوقون وبال أمرهم ، وستكون أعمالهم هي السبب في سلب هذه النعمة منهم وعنهم.

أكملت .. أتممت :

ويلاحظ : أن الآية قد عبرت بالإكمال بالنسبة للدين ، وبالإتمام بالنسبة للنعمة ، وربما يكون الفرق بينهما : أن الإكمال هو تتميم خاص ، فإنه يستعمل حيث يكون للشيء أجزاء لها أغراض وآثار مستقلة ، فكلما حصل جزء ، تحقق معه أثره وغرضه ، فهو من قبيل العموم الأفرادي ، ويمكن أن يمثل له بصيام شهر رمضان ، فإن صيام أي يوم منه يوجب تحقيق أثره ، ويسقط وجوبه ، وتبقى سائر الأيام على حالها ..

أما الإتمام ، فيستعمل فيما يكون له أجزاء لا يتحقق لها أثر حتى تكتمل ، فيكون الأثر لمجموعها ، فلو فقد واحد منها لا نتفى الأثر المترتب على المجموع. فهو نظير ساعات اليوم الذي يصام فيه ، فإنها لا يترتب الأثر على صيامها إلا بعد انضمام أجزائها إلى بعضها ، بحيث لا يتخلف جزء منها ، فإنه


يوصف بالتمام في هذه الحال ، ولذلك قال : (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) ، وكذلك الحال في الصلاة بالنسبة لأجزائها ، فإن بطلان أو إسقاط أي جزء منها يوجب سقوط الصلاة نفسها ، وبطلانها.

والدين هو مجموعة قضايا ومفاهيم وأحكام ، لها آثارها الخاصة بها ، ولكل واحد منها طاعته ومعصيته على حدة .. فيصح التعبير عنه بالإكمال.

أما النعمة التي أتمها الله فهي هنا تشريع ما يكون موجبا لحفظ الدين ، وهو ولاية أولياء الله تبارك وتعالى ، لتقام بهم أركان الدين ، وتنشر بهم أعلامه. وبذلك يأمن المؤمنون من أي فتنة أو افتتان.

ويتحقق بذلك شرط قبول أعمال العباد ، فإذا نقض المسلمون عهدهم ، ولم يلتزموا بطاعة الإمام ، حرموا من بركات وجوده ، وعاشوا في المصائب والبلايا في حياتهم الدنيا ، ويكونون عرضة للفتن والمحن بما كسبت أيديهم.

الإسلام مرضي لله دائما :

وقد يتوهم : أن قوله : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢) ، يدل على أن الإسلام لم يكن مرضيا قبل ذلك اليوم أيضا.

وهو توهم باطل ، فإن الإسلام مرضي لله دائما. والمراد بهذه الكلمة هنا : أن الله تعالى قد رضي لهم الإسلام دينا مطلقا وفي كل حين ، فلكونه رضيه لهم ، قد شرعه ، وبلّغه على لسان أنبيائه ورسله ، ووضع الضمانات لبيان حدوده وقواعده ، وهيأ الظروف لبقائه واستمراره ، من خلال تشريع الولاية ، وحمايته

__________________

(١) الآية ١٨٧ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٣ من سورة المائدة.


بها. ووضع أركانها ، وتعريف الناس بالأئمة الذين اختارهم الله لحمل هذه الأمانة.

فالآية ليس لها مفهوم. أي أنها لا تريد أن تقول : إنني في هذا اليوم فقط رضيت لكم الإسلام دينا ، بل تريد أن تقول : إن يأس الكفار ، وإكمال الدين وإتمام النعمة كان في هذا اليوم ، وأن الله سبحانه كان دائما راضيا بالإسلام التام والشامل دينا للبشرية ..

آية الإكمال نزلت مرتين :

وبعد .. فإنه يبدولنا أن سورة المائدة قد نزلت يوم عرفة دفعة واحدة ، فقرأها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الناس ، وسمعوا آية الإكمال ، وحاول أن يبلغ أمر الإمامة في عرفة ، فمنعته قريش وأعوانها ، ثم بدأت الأحداث تتوالى ، وتنزل الآيات المرتبطة بكل حدث على حدة. فنزلت بعد ذلك آية : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١). وجاءته بالعصمة من ربه ، فبادر إلى إعلان إمامة علي «عليه‌السلام» يوم الغدير ، ثم تلا عليهم ، أو نزلت عليه آية الإكمال بعد نصبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا «عليه‌السلام» في ذلك اليوم الأغر ، وقبل أن يشرع الناس بالتفرق.

فيكون الحديثان في نزول هذه الآية صحيحين معا ، لكن نزولها يوم عرفة كان في ضمن السورة ، التي نزلت دفعة واحدة ، ونزولها يوم الغدير كان بصورة منفردة عن بقية آيات السورة ، بل ومنفردة عن سائر فقرات

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


الآية التي هي في ضمنها أيضا ، حسبما بيناه ..

وقد نقل الرواية بذلك الطبرسي في الإحتجاج ونقله به غيره أيضا (١) ، وفيها : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قرأ عليهم آية إكمال الدين يوم عرفة ، حيث أمره الله تعالى بتبليغ ولاية علي «عليه‌السلام» ، ولم تنزل العصمة.

وقد قلنا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حاول تنفيذ ما طلب منه ، فمنع ، فنزل قوله تعالى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، ففعل ذلك في يوم الغدير ، ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة بصورة علنية.

ويؤيد هذ المعنى : ما ذكر في بعض الروايات ، من أن يوم الغدير كان يوم الخميس (٢).

__________________

(١) راجع : الإحتجاج (ط النعمان ـ النجف الأشرف) ج ١ ص ٦٧ فما بعدها ، واليقين لابن طاووس ص ٣٤٣ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٥٣.

(٢) المناقب للخوارزمي ص ١٣٥ وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص ٣٥٥ والمناقب لابن شهرآشوب ـ ج ٢ ص ٢٢٧ والبحار ج ٣٧ ص ١٥٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣١٠ وشرح أصول الكافي ج ٥ ص ١٩٥ وشرح أصول الكافي ج ٦ ص ١٢٠ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ١١٨ و ١٣٧ و ٣٦٢ و ٤٣٤ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٤٦٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٤٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٣٠٣ وج ٨ ص ٢٧٨ و ٢٨٠ و ٣١٠ و ٣١١ و ٣١٤ و ٣١٥ والغدير ج ١ ص ٤٢ و ٤٣ و ٢٣٢ و ٢٣٣ و ٢٣٤ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١١٥ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٩٣ وبشارة المصطفى للطبري ص ٣٢٨ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ٣٥٥ وج ٢٠ ص ١٩٨.


وقد روي عن عمر (١) ، ومعاوية ، وسمرة بن جندب ، ونسب إلى علي «عليه‌السلام» أيضا أن آية الإكمال نزلت في يوم عرفة (٢) ، وإنما كان يوم عرفة يوم الإثنين ، ويؤيد ذلك أن نزول آية الإكمال يوم الإثنين.

ويدل على ذلك : ما روي عن ابن عباس ، من أنه قال : «ولد نبيكم يوم

__________________

(١) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٨ عن الحميدي ، وعبد بن حميد ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن حبان ، والبيهقي في سننه ، وراجع : صحيح البخاري ج ٥ ص ١٨٦ وج ٨ ص ١٣٧ و (ط دار المعرفة) ج ١ ص ١٦ وصحيح مسلم ج ٨ ص ٢٣٨ و ٢٣٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ١٨١ وج ٥ ص ١١٨ وسنن النسائي ج ٨ ص ١١٤ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٨ وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣١٦ وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٩٩ وج ٢٥ ص ٢٣ ومسند الحميدي ج ١ ص ١٩ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤٢٠ والمعجم الأوسط للطبراني ج ١ ص ٢٥٣ وج ٤ ص ١٧٤ ومسند الشاميين ج ٢ ص ٦٠ وفضائل الأوقات للبيهقي ص ٣٥١ وكنز العمال ج ٢ ص ٣٩٩ وجامع البيان ج ٦ ص ١٠٩ و ١١١ ومعاني القرآن للنحاس ج ٢ ص ٢٦١ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١٠ وشرح أصول الكافي ج ٦ ص ١٢١ وج ١١ ص ٢٧٨ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ٢٧٢.

(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٣ والمعجم الكبير ج ٧ ص ٢٢٠ وج ١٢ ص ١٩٨ وج ١٩ ص ٣٩٢ ومسند الشاميين ج ٣ ص ٣٩٦ والجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ١٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٦ ص ٣١٨ وسير أعلام النبلاء ج ٥ ص ٣٢٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٨ ص ٥٠٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٥ والكامل لابن عدي ج ٥ ص ١١ وكنز العمال ج ٢ ص ٤٠٠ وجامع البيان ج ٦ ص ١٠٦.


الإثنين ، ونبئ يوم الإثنين ، ونزلت سورة المائدة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) يوم الإثنين ، وتوفي يوم الإثنين» (٢).

فظهر أن نزول سورة المائدة يوم الإثنين بما فيها آية الإكمال ـ كما قاله ابن عباس ـ يؤيد ما قلناه. وذلك كان يوم عرفة.

أما ما زعموه : من أن يوم عرفة كان الخميس أو الجمعة ، فلا يتلائم مع قولهم : إن يوم الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجة في يوم الخميس أيضا ، حسبما نبه إليه العلامة الأميني في كتابه «الغدير» كما تقدم ..

وإلا .. فلو أردنا الحكم بأن الآية لم تنزل يوم الغدير ، بل نزلت يوم عرفة فقط ، لم يمكن أن تجد لمضمون الآية موردا ، ومنطبقا حسبما أو ضحناه.

متى نزلت آية الإكمال :

وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما : أن آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) قد نزلت يوم عرفة (٣).

ولكن العلامة الأميني ردّ ذلك استنادا إلى ما يلي :

أولا : إنهم يقولون : إن وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانت في الثاني من شهر ربيع الأول (٤).

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ عن ابن جرير وجامع البيان ج ٦ ص ٥٤ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢١٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٢٣٢.

(٣) الغدير ج ١ ص ٢٣٠ وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

(٤) أشار في هامش كتاب الغدير ج ١ ص ٢٣٠ إلى المصادر التالية : الكامل لابن ـ


ثم يقولون : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يعمّر بعد نزول هذه الآية إلا أحدا وثمانين يوما ، أو اثنين وثمانين يوما (١).

قال العلامة الأميني : وكأن فيه تسامحا بزيادة يوم واحد على الإثنين وثمانين يوما ، بعد إخراج يومي الغدير والوفاة (٢).

ثانيا : إنه لا مجال لتجاهل النصوص التي رويت عن أبي سعيد الخدري ، وغيره ، كأبي هريرة ، وابن عباس ، وجابر ، وعن الإمامين الباقر والصادق

__________________

الأثير ج ٢ ص ٩ وإمتاع الأسماع ص ٥٤٨ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٣٢ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨٢. وراجع : تلخيص الحبير لابن حجر ج ٧ ص ٣ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١١.

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٧ والتفسير الكبير ج ٧ ص ١١٢ وج ١١ ص ١٣٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٤ و ٤١٦ وتفسير الثعالبي ج ١ ص ٥١ وتفسير البحر المحيط ج ٢ ص ٣٥٦ وفتح القدير ج ٢ ص ١٢ وتفسير البيضاوي ج ١ ص ٥٧٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١١٧ وج ٦ ص ٢٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٩٤ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص ٥٨ وإرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود ج ٣ ص ٧ والغدير ج ١ ص ٢٣٠ و ٢٣٧ وتفسير الرازي ج ١١ ص ١٣٩ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٢٠١ وج ٢ ص ٢٢٦ والبحار ج ٢٢ ص ٤٧١ وج ٣٧ ص ١٥٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٥٦٤ وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٣٢ و ١٩٩ وتفسير مجمع البيان ج ٢ ص ٢١٤ وتفسير الثعلبي ج ٢ ص ٢٩٠ وتفسير البغوي ج ١ ص ٥٠٤ وج ٢ ص ١٠ وتفسير الآلوسي ج ٣ ص ٥٥ وج ٦ ص ٦٠ وزاد المسير ج ١ ص ٢٨٩ وج ٢ ص ٢٣٩.

(٢) الغدير ج ١ ص ٢٣٠.


«عليهما‌السلام» ، وعن مجاهد ، الدالة على أن هذه الآية نزلت في غدير خم ، ورواية أبي هريرة صحيحة الإسناد عند هؤلاء.

ثالثا : إننا حتى لو سلمنا بصحة روايتي البخاري ومسلم فمن الممكن أن تكون هذه الآية قد نزلت مرتين ..

رابعا : إن آية (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إن كانت نزلت في غدير خم لم يجز أن تكون آية الإكمال قد نزلت قبلها في عرفة ، لأن مفاد آية التبليغ أنه قد بقي شيء من الدين يوازي الدين كله ، وبذلك تنضم الروايات التي صرحت بنزول آية البلاغ في مناسبة الغدير إلى روايات نزول آية الإكمال فيها أيضا ، وتصبح أقوى في معارضة رواية البخاري ومسلم.

خامسا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يبلّغ شيئا من الدين في يوم عرفة ، لكي تنزل آية الإكمال ، وإنما بلّغ يوم الغدير أمرا عظيما وهاما ، فنزول آية الإكمال في يوم الغدير يصير هو المتعين ، لكي يتوافق مع الوقائع ..

أبو طالب عليه‌السلام وحراسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد رووا عن ابن عباس : أن أبا طالب «عليه‌السلام» كان يرسل كل يوم رجالا من بني هاشم ، يحرسون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى نزلت هذه الآية (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، فأراد أن يرسل معه من يحرسه ، فقال : يا عم : إن الله عصمني من الجن والإنس (١).

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١٥٨ ولباب النقول في أسباب النزول ص ٨٣ عن ابن مردويه ، والطبراني ، وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٨١ والغدير ج ١ ص ٢٢٨ ولباب النقول للسيوطي (ط دار إحياء العلوم) ص ٩٥ و (ط دار


ونقول :

أولا : إن ما ذكرناه آنفا من الإجماع على نزول سورة المائدة في المدينة ، وأنها آخر ما نزل ، أو من آخر ما نزل .. ومن الصحابة من يقول : إنها نزلت في حجة الوداع ـ إن ذلك ـ يكفي للرد على هذه المزعمة. فإن أبا طالب قد توفي قبل الهجرة إجماعا ..

ثانيا : لقد كانت هناك حراسات للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تجري في المدينة ، وفي المسجد أسطوانة يقال لها : أسطوانة المحرس .. وكان علي «عليه‌السلام» يبيت عندها يحرس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فإذا كانت الآية المشار إليها قد نزلت في مكة ، فترك الحرس منذئذ ، فلا معنى لتجديد الحراسات عليه في المدينة.

ثالثا : قد تقدم في هذا الكتاب : أن أبا طالب «عليه‌السلام» كان في الشعب إذا حلّ الظلام ، وهدأت الأصوات يقيم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من موضعه ، وينيم عليا «عليه‌السلام» مكانه. حتى إذا حدث أمر ، فإن عليا يكون هو الفداء للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فلو صح : أن أبا طالب كان يرسل رجالا لحراسته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كل يوم ، فلا تبقى حاجة لهذا الإجراء ، فإن الحرس موجودون ، وأي أمر يحدث ، فإنهم هم الذين يتصدون له ..

__________________

الكتب العلمية) ص ٨٣ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧ وأسباب نزول الآيات ص ١٣٥ والمعجم الكبير ج ١١ ص ٢٠٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨.


آية البلاغ في اليهود :

لقد حاولوا : أن يكثروا من الأقاويل حول آية (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، حتى زعموا : أن الأقوال فيها قد بلغت العشرة .. وقد ذكرها العلامة الأميني فراجع (١).

وذكر : أن الرازي رجّح أنها تريد أن تؤمّن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتعصمه من مكر اليهود والنصارى ، فأمره الله تعالى بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم ، لأن ما قبل الآية وما بعدها كان كلاما مع اليهود والنصارى (٢).

ونقول :

أولا : إن السياق ليس بحجة ، ولا سيما بعد ورود الروايات الموضحة للمقصود عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثانيا : إن أمر اليهود كان قد حسم قبل ذلك بعدة سنوات ، ولم يعد النبي يخشاهم. ولم يكن للنصارى نفوذ يذكر في الجزيرة العربية ، وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين نزول سورة المائدة قد بلغ جميع الأحكام ، فلم يبق أي شيء يتوهم أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يكتمه مما كان لدى اليهود والنصارى حساسية تجاهه ..

ولم يبق مما يخشى أهل النفاق فيه سوى أخذ البيعة للإمام علي «عليه‌السلام» بالخلافة بعده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا سيما إذا كانت سورة المائدة قد

__________________

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ٢٢٥ و ٢٢٦.

(٢) التفسير الكبير ج ١٢ ص ٥٠.


نزلت ـ كما يقول محمد بن كعب ـ في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة (١). وقد كانت سائر الأمور الحساسة قد حسم الأمر فيها في ذلك الوقت.

وروي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قوله في حجة الوداع : «إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا» (٢).

وصرحت عدة روايات بنزولها في حجة الوداع. فراجع ما روي عن محمد بن كعب القرظي ، والربيع بن أنس (٣).

وعن عائشة : إن المائدة آخر سورة نزلت (٤).

__________________

(١) الإتقان في تفسير القرآن ج ١ ص ٢٠ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أبي عبيد.

(٢) الغدير ج ١ ص ٢٢٧ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ٥ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ٤٧ وتفسير أبي السعود ج ٣ ص ٤ وتفسير الخازن ج ١ ص ٤٢٩ والجامع لأحكام القرآن ، والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أبي عبيد ، عن ضمرة بن حبيب ، وعطية بن قيس.

(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أبي عبيد وابن جرير ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٩٥ و ١٩٦ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ٤٧ والغدير ج ٦ ص ٢٥٦ وراجع : جامع البيان للطبري ج ٦ ص ١١٢.

(٤) الغدير ج ١ ص ٤٢٩ عن تفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣ عن أحمد ، والحاكم ، والنسائي ، والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أحمد ، وأبي عبيد في فضائله ، والنحاس في ناسخه ، والنسائي ، وابن المنذر ، والحاكم وصحح ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ٣٩٠ وج ٩ ص ٤٠٧ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ٨٤ ونيل الأوطار ج ٩ ص ٢٠٤ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٨٨ ومسند الشاميين ج ٣ ص ١٤٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٣١ وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٣٨٨ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٦١٥ والفتح


وعن عبد الله بن عمر : إن آخر سورة أنزلت ، سورة المائدة ، والفتح (١) ، يعني سورة النصر ، كما يقول الأميني.

وعن أبي ميسرة : آخر سورة أنزلت سورة المائدة ، وإن فيها لسبع عشرة فريضة (٢).

ثالثا : إن الآية قد صرحت : بأن هذا الذي أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بإبلاغه يعدل الدين كله ، حيث قالت : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) .. مع أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أبلغ الرسالة كلها ، فهذا التعبير يشير إلى أن هذا الأمر له مساس بجميع أحكام الدين وشرائعه وحقائقه ..

ولو كان المقصود : أنه لم يبلغ حكما ما ، فقد كان الأولى أن يقول : وإن لم تفعل فالدين يبقى ناقصا .. لا أن يقول : إنك لم تبلغ شيئا من الرسالة أصلا ..

__________________

السماوي ج ٢ ص ٥٥٢ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ٤٧ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٣٧٧ وفتح القدير ج ٢ ص ٣ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٥ ص ٣٠٢ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٣٣٣ ومسند ابن راهويه ج ٣ ص ٩٥٦ وعون المعبود ج ١٠ ص ١٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ١٧٢ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٣١١.

(١) الغدير ج ٢ ص ٢٢٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٥٧ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٣٧٧ وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٢٦ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ٤٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣ عن الترمذي ، والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أحمد ، والترمذي وحسّنه ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وراجع : الجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٣٠.


موقع آية البلاغ بين الآيات :

وقد حاول البعض أن يقول : إن الآيات التي سبقت آية الإبلاغ ولحقتها تتحدث عن أهل الكتاب. فينبغي أن تكون آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١). ناظرة إلى تبليغ ما أنزله الله تبارك وتعالى في أهل الكتاب ، مثل قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢)» (٣).

وأجيب أولا : بأن قوله تعالى في الآية : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٤) يدل على أن ثمة خطرا يتهدد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أو الدين نتيجة لإبلاغ هذا الحكم .. ولم يكن اليهود والنصارى يشكلون أي خطر على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» آنئذ ، بل كان خطرهم قد انحسر بدرجة كبيرة جدا ، ولم يعد هناك ما يبرر إحجامه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن تبليغ أمر يرتبط بهم ، بانتظار أن يمنحه الله العصمة منهم.

ثانيا : ليس في الآية حدة توجب خوفه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أهل الكتاب ، وقد أبلغ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اليهود ما هو أشد منها .. علما بأن شوكة اليهود وكذلك النصارى كانت قد كسرت حين نزول سورة المائدة ،

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٢) الآية ٦٨ من سورة المائدة.

(٣) تفسير الميزان ج ٦ ص ٤٢ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٥١ و ٥٢ عن الرازي.

(٤) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


وقبلوا هم والنصارى بإعطاء الجزية (١).

ثالثا : إن هذا مجرد اجتهاد من الرازي في مقابل النص الذي يقول : إنها نزلت في مناسبة الغدير.

رابعا : لو كانت الآية ناظرة لأهل الكتاب ، فالمناسب هو أن يقول : «والله يعصمك منهم» ، فالتصريح بكلمة «الناس» إنما يشير إلى الناس الذين لم يسبق الحديث عنهم ، وهم الذين معه ، حيث كان كثير منهم من أهل النفاق. وقد ذكرت هذه الآية بين الآيات التي تتحدث عن أهل الكتاب ربما لتشير إلى أن المنافقين مثلهم في الكفر.

على أي شيء يخاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنه لا شك في أن خوف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن على نفسه ، لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يضنّ بنفسه ولا بأي شيء يعود إليه ، عن أن يبذله في سبيل الله سبحانه وتعالى ..

فالأقرب إلى الإعتبار هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يخاف من الناس أن يتهموه فيما يبلّغه بما يبطل أثر تبليغه ، ويوجب فساد دعوته ، أي أنه يخاف على الرسالة ، فهو بصدد تحصينها من أن ينالها المبطلون بسوء.

وبذلك تبطل الروايات التي تدّعي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يحرس فلما نزل قوله تعالى (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢) أوقف الحرس (٣) ،

__________________

(١) الميزان (تفسير) ج ٦ ص ٤٢.

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) الميزان ج ٦ ص ٦١ عن تفسير المنار عن أهل التفسير المأثور ، وعن الترمذي ، ـ


أو أن الله أرسله برسالته فضاق بها ذرعا ، وعرف أن الناس سيكذبونه ، وإن كان يخشى من العذاب ، لو لم يفعل ، فنزلت الآية (١). فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يفعل فعلا يخاف معه من عذاب الله. إلا إن كان المقصود بهذه الكلمات وأشباهها ما ينسجم مع المعنى الذي أشرنا إليه.

أما ما ورد في رواية أخرى : «أنه لما أمر بتبليغ ما أمر به قال : يا رب إنما أنا واحد ، كيف أصنع؟ يجتمع عليّ الناس ، فنزلت : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢)» (٣) فهو مما لا مجال لقبوله بما له من معنى ظاهر ..

أهمية الحكم المعني بالآية :

وقد أظهر قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) أن الحكم الذي يراد تبليغه للناس ، لم يكن كسائر الأحكام ، بل هو يوازي في خطورته وأهميتة الرسالة كلها ، بحيث لولاه فإن الشريعة كلها تصبح كالجسد بلا

__________________

وابي الشيخ والحاكم ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، والطبراني ، وفتح القدير ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه. وراجع المصادر في الهوامش السابقة.

(١) الميزان ج ٦ ص ٦١ عن الدر المنثور وفتح القدير ..

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) الميزان ج ٦ ص ٦١ عن الدر المنثور وفتح القدير ، عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ. وراجع : مناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ١٣٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٢٥٥ و ٢٧٠ وج ٩ ص ٢٢٦ والغدير ج ١ ص ٢٢١ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ وفتح القدير ج ٢ ص ٦٠.


روح ، وسيترتب على إهماله أثر حقيقي يطال جميع الأحكام ، وليس هو إلا أمر الولاية الذي به يكون قبول الأعمال كلها ، وبه يكون قوامها ..

وقد كان هذا الحكم بالغ الحساسية ، شديد الخطورة ، عظيم الأثر ، لا يتورعون عن فعل أي شيء من أجل إبطاله واستبداله ، حتى لو كلفهم ذلك قتل علي والزهراء «عليهما‌السلام» ، وإسقاط جنينها ، وإبادة بني هاشم ..

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يترقب الفرصة المناسبة لإبلاغ هذا الحكم الخطير .. فوعده الله بالإمداد الغيبي ، وبالعصمة من كيد أهل الباطل.

الله يبرئ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد عبرت الآية المباركة عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكلمة «الرسول» لا بكلمة «النبي» ، ربما لتشير إلى أن ما يأتيهم به ليس من الأمور التدبيرية التي يكون للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أي دور فيها ، كما قد يتوهمون أو قد يشيعون ، وإنما هو مجرد رسول ، يأتيهم بالقرار الرباني المحض ، الذي لا خيار له ولهم فيه.

كما أنه لم يطلب منه أن يبين لهم أمر الولاية مثلا ، بل هو قد أمره بمجرد التبليغ فقال (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١).

ثم بين لهم الأمر الصادر بصورة صريحة وواضحة ، فقال لهم : إنه قد أنزل إليه من ربه ..

ثم بين : أن عدم إبلاغ ذلك يساوق عدم تبليغ الرسالة من أساسها ،

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


وهذا ليس له فيه أي دور.

العصمة من الناس :

ثم يأتي قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١) ليكون تأكيدا على صحة فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وسلامة وصدق توقعاته ، وأن ما فعله قد كان في محله .. ولا لوم عليه فيه ، إذ لولا العصمة الإلهية لم يصح التبليغ ، لأنه سيكون بمثابة التفريط بالمهمة ، والتقصير في اتخاذ الإحتياطات اللازمة ، وعدم توخي الظرف الملائم. والإستعجال وعدم انتظار توفر الشرائط.

فما بلغت رسالته :

وبعد أن عرفنا : أن القضية ليست قضية شخص ، وإنما هي قضية الرسالة ، أن تكون ، أو لا تكون ، وهو يساوق القول : بأنها قضية أن يكون هناك إنسان وحياة أو لا يكون. فقد أصبح واضحا أن المنع من إبلاغ الرسالة والإمامة معناه حرمان الإنسان من الهداية الإلهية ، ومن الرعاية الربانية ، وليس هناك جريمة أعظم ولا أخطر من ذلك.

ومن هنا ، كان لا بد من إلقاء نظرة على ما كانت عليه الحال في زمن الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيما يرتبط بهذه النقطة بالذات ، لنتعرف على أولئك الناس الذين حاولوا منع الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إبلاغ أمر الإمامة إلى الناس ، وسعوا لزعزعة أركان هذا

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.


الأمر الخطير ، والعبث بمستقبل الإنسان ، وبكل حياته ، ووجوده .. وتلك هي الجريمة الأكبر والأضر ، والأخطر والأشر .. فكان أن عقدنا فصلا لنتعرف فيه على بعض ما جرى في هذا الإتجاه .. وهو الذي سيأتي إن شاء الله بعد تمام حديثنا عن الآيات الشريفة ، فانتظر ..

سورة المعارج مكية :

ثم إنهم قد زعموا : أن سورة المعارج مكية ، وهو ما ذكرته الرواية عن ابن عباس (١) ، وابن الزبير (٢) ، فتكون قد نزلت قبل بيعة الغدير بسنوات.

والصحيح : أنها نزلت في المدينة ، بعد حادثة الغدير ، حيث طار خبر ما جرى في غدير خم في البلاد ، فأتى الحارث بن النعمان الفهري أو (جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري).

«قال الأميني : لا يبعد صحة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر ، حيث إن جابرا قتل أمير المؤمنين «عليه‌السلام» والده النضر صبرا ، بأمر من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما أسر يوم بدر» (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٦٣ عن ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي ، وسعد السعود لابن طاووس ص ٢٩١ وراجع : فتح القدير ج ٥ ص ٢٨٧ وتفسير الميزان ج ٦ ص ٥٦ وج ٢٠ ص ١١ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) و (ط دار الكتب العلمية) ص ٢٠٢ وتفسير ابن أبي حاتم ج ١٠ ص ٣٣٧٢ عن السدي.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٦٣ عن ابن مردويه ، وتفسير الميزان ج ٦ ص ٥٦.

(٣) الغدير ج ١ ص ٢٣٩ هامش.


فقال : يا محمد ، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ، ففضلته علينا ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله؟!

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : والذي لا إله إلا هو ، إن هذا من الله.

فولى جابر ، يريد راحلته ، وهو يقول : اللهم ، إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته ، وخرج من دبره ، وقتله. وأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) الآية» (١).

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٣٩ عن غريب القرآن لأبي عبيد ونقله أيضا عن كثير من المصادر التالية : شفاء الصدور لأبي بكر النقاش ، والكشف والبيان للثعلبي ، وتفسير فرات ص ١٩٠ و (١٤١٠ ه‍ ـ ١٩٩٠ م) ص ٥٠٥ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٨٨ وكنز الفوائد للكراجكي ، وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٣٨٣ و ٣٨١ ودعاة الهداة للحاكم الحسكاني. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٨ ص ٢٧٨ وتذكرة الخواص ص ٣٠ والإكتفاء للوصابي الشافعي ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٨٢ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ٢ ص ٢٥١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٤٠ والبحار ج ٣٧ ص ١٣٦ و ١٦٢ و ١٧٦ وكتاب الأربعين لماحوزي ص ١٥٤ و ١٦١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٥ ومعارج الوصول للزرندي الحنفي ، ونظم درر السمطين ص ٩٣ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤١ وجواهر العقدين للسمهودي الشافعي ، وتفسير أبي السعود العمادي ج ٩ ص ٢٩ والسراج المنير (تفسير) ج ٤ ص ٣٦٤ ـ


وقد رد ابن تيمية هذا الحديث ، لعدة أدلة أوردها ، وتبعه فيها غيره (١).

وأدلته هي التالية :

١ ـ إن قصة الغدير إنما كانت بعد حجة الوداع بالإجماع ـ والروايات تقول : إنه لما شاعت قصة الغدير جاء الحارث وهو بالأبطح ، والأبطح بمكة. مع أن اللازم أن يكون مجيئه إلى رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المدينة.

٢ ـ إن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم ..

__________________

للشربيني الشافعي ، والأربعين في مناقب أمير المؤمنين لجمال الدين الشيرازي ص ٤٠ وينابيع المودة ج ٢ ص ٣٧٠ وفيض القدير ج ٦ ص ٢١٨ ومنهاج الكرامة للعلامة الحلي ص ١١٧ والعقد النبوي والسر المصطفوي لابن العيدروس ، ووسيلة المآل لأحمد بن باكثير الشافعي ص ١١٩ و ١٢٠ ونزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٩ للصفوري الشافعي ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٠٢ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٧ والصراط السوي في مناقب النبي للقادري المدني ، وشرح الجامع الصغير ج ٢ ص ٣٨٧ للحفني الشافعي ، ومعارج العلى في مناقب المرتضى لمحمد صدر العالم ، وتفسير شاهي لمحمد محبوب العالم ، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٧ ص ١٣ وذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآلي لعبد القادر الحفظي الشافعي ، والروضة الندية لمحمد بن إسماعيل اليماني ص ١٥٦ ونور الأبصار ص ١٥٩ للشبلنجي الشافعي والمنار (تفسير) لرشيد رضا ج ٦ ص ٤٦٤ والأربعون حديثا لابن بابويه ص ٨٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٤٢ و ٣٥٧ و ٣٦٢ و ٣٦٨ و ٣٧٠ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٢٧٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٥٢.

(١) راجع : منهاج السنة ج ٤ ص ١٣ وتفسير المنار لرشيد رضا ج ٦ ص ٤٦٤ فما بعدها.


٣ ـ إن قوله : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، نزلت عقيب بدر بالاتفاق. وقصة الغدير كانت بعد ذلك بسنين.

٤ ـ إن هذه الآية ـ أعني آية : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (١) ـ نزلت

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٣٩ عن غريب القرآن لأبي عبيد ونقله أيضا عن كثير من المصادر التالية : شفاء الصدور لأبي بكر النقاش ، والكشف والبيان للثعلبي ، وتفسير فرات ص ١٩٠ وكنز الفوائد للكراجكي وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٣٨٣ و ٣٨١ ودعاة الهداة للحاكم الحسكاني. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٨ ص ٢٧٨ وتذكرة الخواص ص ٣٠ والإكتفاء للوصابي الشافعي وفرائد السمطين ج ١ ص ٨٢ ومعارج الوصول للزرندي الحنفي ، ونظم درر السمطين ص ٩٣ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤١ وجواهر العقدين للسمهودي الشافعي وتفسير أبي السعود العمادي ج ٩ ص ٢٩ والسراج المنير (تفسير) ج ٤ ص ٣٦٤ للشربيني الشافعي ، والأربعين في مناقب أمير المؤمنين لجمال الدين الشيرازي ص ٤٠ وفيض القدير ج ٦ ص ٢١٨ والعقد النبوي والسر المصطفوي لابن العيدروس ووسيلة المآل لأحمد بن باكثير الشافعي ص ١١٩ و ١٢٠ ونزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٩ للصفوري الشافعي وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٠٢ والصراط السوي في مناقب النبي للقادري المدني وشرح الجامع الصغير ج ٢ ص ٣٨٧ للحفني الشافعي ومعارج العلى في مناقب المرتضى لمحمد صدر العالم وتفسير شاهي لمحمد محبوب العالم ، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٧ ص ١٣ وذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآلي لعبد القادر الحفظي الشافعي والروضة الندية لمحمد بن إسماعيل اليماني ص ١٥٦ ونور الأبصار ص ١٥٩ للشبلنجي الشافعي والمنار (تفسير) لرشيد رضا ج ٦ ص ٤٦٤.


بسبب ما قاله المشركون بمكة ، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).

٥ ـ لو صح ذلك لكانت آية كآية أصحاب الفيل ، ومثلها تتوفر الدواعي على نقله ، مع أن أكثر المصنفين في العلم وأرباب المسانيد والصحاح ، والفضايل والتفسير والسير قد أهملوا هذه القضية ، فلا تروى إلا بهذا الإسناد المنكر.

٦ ـ إن الحارث المذكور في الرواية كان مسلما حسبما ظهر في خطابه المذكور مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا لم يصبه عذاب على عهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٧ ـ إن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة ، ولم يذكر في الإستيعاب ، ولا ذكره ابن منده ، وأبو نعيم وأبو موسي في تآليفهم في أسماء الصحابة.

ونقول :

إن جميع ذلك لا يمكن قبوله .. وسوف نكتفي هنا بتلخيص ما ذكره العلامة الأميني «رحمه‌الله» ، فنقول :

بالنسبة للدليل الأول نقول :

ألف : إن كلمة الأبطح إنما وردت في بعض الروايات دون بعض ، فإطلاق الكلام بحيث يظهر منه أن الإشكال يرد على جميعها في غير محله ..

وورد في بعض نصوص الرواية : أن مجيء السائل كان إلى المسجد (١).

__________________

(١) تذكرة الخواص ص ٣٠ والغدير ج ١ ص ٢٤٨ عنه ، وعن معارج العلى للشيخ ـ


وقد نص في السيرة الحلبية : على أن ذلك كان في مسجد المدينة (١).

ب ـ إن كلمة الأبطح لا تختص ببطحاء مكة ، بل هي تطلق على كل مسيل فيه دقائق الحصى (٢).

وقد ورد في البخاري في صحيحه (٣) ، أحاديث ترتبط بالبطحاء بذي الحليفة.

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا رجع إلى المدينة دخل من معرس الأبطح ،

__________________

محمد صدر والعالم ، العدد القوية للحلي ص ١٨٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٦٨.

(١) الغدير ج ١ ص ٢٤٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٤ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٧ وشرح إحقاق الحق ج ٤ ص ٤٤٢.

(٢) راجع : معجم البلدان ج ٢ ص ٢١٣ و ٢١٥ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١ ص ٤٤٦ والغدير ج ١ ص ٢٥٠ وراجع : عمدة القاري ج ١٠ ص ١٠١.

(٣) عن صحيح البخاري ج ٢ ص ٥٥٦ حديث ١٤٥٩ وج ١ ص ١٨٣ حديث ٤٧٠ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ١٤٣ و ١٩٧ وراجع : صحيح مسلم (كتاب الحج) ج ٣ ص ١٥٤ و ١٥٥ و (ط دار الفكر) ج ٤ ص ١٠٦ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٥ ص ٢٤٣ وج ٢٤ ص ٤٢٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٢٢٦ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٢٧ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٥٣ وعمدة القاري ج ٩ ص ١٤٦ وج ١٠ ص ١٠٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٢٤٤ و ٢٤٥ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٤ ص ٤٢٩ و ٤٧٧ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٣٩ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٣ ص ٥٤٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٣٠ وكتاب الموطأ لمالك ج ١ ص ٤٠٥ والغدير ج ١ ص ٢٤٨ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٨ و ٨٧ و ١١٢ و ١١٩ و ١٣٨.


فكان في معرسه ببطن الوادي ، فقيل له : إنك ببطحاء مباركة (١).

وورد التعبير بذلك أيضا في كلام عائشة عن موضع قبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وثمة أحاديث عن حذيفة بن أسيد ، وعامر بن ليلى ، تذكر في أحاديث الغدير : أنه حين رجوع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من حجة الوداع ، لما كان

__________________

(١) إمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ١٢٢ والغدير ج ١ ص ٢٤٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٥ وراجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٩٠ و ١٣٦ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٤٤ وج ٣ ص ٧١ وج ٨ ص ١٥٥ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٠٦ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٢٧ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١١٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٢٤٥

(٢) كما في مصابيح السنة للبغوي ج ١ ص ٨٣ وإعانة الطالبين للدمياطي ج ٢ ص ١٣٥ والمحلى لابن حزم ج ٥ ص ١٣٤ والجوهر النقي ج ٤ ص ٣ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ٥٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٦١٤ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ٩٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٩٣ والتنبيه والإشراف ص ٢٥١ وتهذيب الكمال ج ٢٢ ص ١٥٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٠٩ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ١ ص ٢٤٢ ونصب الراية ج ٢ ص ٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٥٤١ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٣٠ وعمدة القاري ج ٨ ص ٢٢٤ وفتح الباري ج ٣ ص ٢٠٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٣ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٣٦٩ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٨٤ ونيل الأوطار ج ٤ ص ١٢٩ وسبل السلام ج ٢ ص ١١٠ وتلخيص الحبير ج ٥ ص ٢٢٥ وفيض القدير ج ٤ ص ١٥٣.


بالجحفة نهى عن سمرات متقاربات بالبطحاء أن لا ينزل تحتهن أحد (١).

وثمة حديث عن بطحاء واسط ، وبطحاء ذي الحليفة ، وبطحاء ابن ازهر ، وبطحاء المدينة ، وهو أجل من بطحاء مكة (٢) ، وقد نسب البطحاوي العلوي إلى جده قوله :

وبطحا المدينة لي منزل

فيا حبذا ذاك من منزل ..

وفي قول حيص بيص المتوفي سنة ٥٧٤ ه‍.

ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم أبطح (٣)

ويوم البطحاء (منسوب إلى بطحاء ذي قار) من أيام العرب المعروفة.

ومن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» :

أنا ابن المبجل بالأبطحين

وبالبيت من سلفي غالب

قال الميبذي في شرحه : يريد أبطح مكة والمدينة (٤).

وأما الجواب عن الدليل الثاني ، وهو أن سورة المعارج مكية بالإجماع لا

__________________

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ١٠ و ٢٦ و ٢٤٩ وفي معجم البلدان ص ٢١٣ ـ ٢٢٢ والبلدان لليعقوبي ص ٨٤ والفصول المهمة لابن الصباغ ج ١ ص ٢٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٥٥ و ٢٤٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٤٢ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٣٩.

(٢) معجم البلدان ج ١ ص ٤٤٤.

(٣) راجع : ديوان حيص بيص ج ٣ ص ٤٠٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٩١ والغدير ج ١ ص ٢٥٥.

(٤) راجع : شرح ديوان أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ص ١٩٧ والبحار ج ٣٤ ص ٣٩٧ والغدير ج ١ ص ٢٥٢.


مدنية ، فنقول :

أولا : إن الإجماع إنما هو على أن مجموع السورة كان مكيا ، لا جميع آياتها. فلعل هذه الآية بالخصوص كانت مدينة ..

وقد يعترض على ذلك : بأن المتيقن في اعتبار السورة مكية أو مدنية هو تلك التي تكون بداياتها كذلك ، أو تكون تلك الآيات التي انتزع اسم السورة منها كذلك ..

والجواب عن ذلك ..

ألف : إن هناك سورا كثيرة يقال عنها إنها مكية مثلا مع أن أوائلها تكون مدنية ، وكذلك العكس ، وذلك مثل :

سورة العنكبوت .. فإنها مكية إلا عشر آيات من أولها (١).

سورة الكهف .. مكية إلا سبع آيات من أولها (٢).

__________________

(١) راجع : جامع البيان ج ٢٠ ص ٨٦ والجامع لأحكام القرآن ج ١٣ ص ٣٢٣ والسراج المنير للشربيني ج ٣ ص ١٢٣ وسعد السعود لابن طاووس ص ٢٨٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٥ والبيان في عد آي القرآن للداني ص ٢٠٣ وزاد المسير ج ٦ ص ١١٩ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للأندلسي ج ٤ ص ٣٠٥ وتفسير السمعاني ج ٤ ص ١٦٥ وتفسير ابن زمنين ج ٣ ص ٣٣٩ والتفسير الكبير للرازي ج ٢٥ ص ٢٥ وفتح القدير ج ٤ ص ١٩١ وتفسير الثعالبي ج ٤ ص ٢٨٨ والجامع لأحكام القرآن ج ١٣ ص ٣٢٣ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٥٠٤ والتفسير الصافي ج ٤ ص ١١٠ والتبيان ج ٨ ص ١٨٥ وعمدة القاري ج ١٩ ص ١٠٨.

(٢) راجع : الجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣٤٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ١٦ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ١٨٥ والغدير ج ١ ص ٢٥٦ وتفسير


سورة المطففين ، مكية إلا الآية الأولى ، (وفيها اسم السورة) (١).

سورة الليل ، مكية إلا أولها ، (وفيها اسم السورة أيضا) (٢).

وهناك سور أخرى كثيرة مكية ، وفيها آيات مدنية .. مثل سورة هود ، ومريم ، والرعد ، وإبراهيم ، والإسراء ، والحج ، والفرقان ، والنحل ، والقصص ، والمدثر ، والقمر ، والواقعة ، والليل ، ويونس (٣).

ب ـ وهناك سور مدنية ، وفيها آيات مكية ، مثل :

سورة المجادلة ، فإنها مدنية إلا العشر الأول ، (وفيها تسمية السورة) (٤).

__________________

الثعالبي ج ٣ ص ٥٠٥ وراجع : عمدة القاري ج ١٩ ص ٣٦ والتبيان ج ٧ ص ٣ وتفسير شبر ص ٢٨٩ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٢٧٨ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٢٣٧ وتفسير أبي السعود ج ٥ ص ٢٠٢ وفتح القدير ج ٣ ص ٢٦٨ وج ٩ ص ٣٧ وتفسير الآلوسي ج ١٥ ص ١٩٩.

(١) راجع : جامع البيان ج ٣٠ ص ٥٨ والغدير ج ١ ص ٢٥٧ وراجع : التفسير الصافي ج ٥ ص ٢٩٨ وج ٧ ص ٤٢١ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٣ ص ٤٢٩ والإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ١٧ و (ط دار الفكر) ص ٥٥ وفتح القدير ج ٥ ص ٣٩٧ وتفسير مجمع البيان ج ١٠ ص ٢٨٩ والبحار ج ٦٦ ص ١١٦.

(٢) راجع : الإتقان في علوم القرآن (ط دار الفكر) ص ٥٤ والغدير ج ١ ص ٢٥٧.

(٣) راجع في ذلك كله : الغدير ج ١ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٤) راجع : إرشاد العقل السليم لأبي السعود ج ٨ ص ٢١٥ والسراج المنير ج ٤ ص ٢١٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٧ وراجع : تفسير مجمع البيان ج ٩ ص ٤٠٧ والتفسير الصافي ج ٥ ص ١٤٢ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٥ ص ٢٧٢ وتفسير الآلوسي ج ٢٨ ص ٢ والجامع لأحكام القرآن ج ١٧ ص ٢٦٩ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٣ ص ٢٩١.


سورة البلد ، وهي مدنية إلا الآية الأولى ، (وفيها اسم السورة). وحتى الرابعة (١) ، وغير ذلك.

ثانيا : لو سلمنا أن هذه السورة مكية ، فإن ذلك لا يبطل الرواية التي تنص على نزولها في مناسبة الغدير ، لإمكان أن تكون قد نزلت مرتين ، فهناك آيات كثيرة نص العلماء على نزولها مرة بعد أخرى ، عظة وتذكيرا ، أو اهتماما بشأنها ، أو اقتضاء موردين لنزولها ، نظير : البسملة ، وأول سورة الروم ، وآية الروح.

وقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ..).

وقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ).

وقوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ).

وسورة الفاتحة ، فإنها نزلت مرة بمكة حين فرضت الصلاة ، ومرة بالمدينة حين حولت القبلة ، ولتثنية نزولها سميت بالمثاني (٢).

وعن الدليل الثالث أجاب :

أن نزول آية سورة الأنفال قبل سنوات ، لا يمنع من أن يتفوه بها هذا

__________________

(١) راجع : الإتقان ج ١ ص ١٧ و (ط دار الفكر) ص ٥٥ وتفسير الآلوسي ج ٣٠ ص ١٣٣ والغدير ج ١ ص ٢٥٧.

(٢) راجع : الغدير ج ١ ص ٢٥٧ وتفسير مجمع البيان ج ١ ص ٤٧ والتفسير الصافي ج ١ ص ٨٠ والبحار ج ٨٤ ص ٧٩ والتفسير الكبير للرازي ج ١٩ ص ٢٠٧ والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٩ وتفسير الآلوسي ج ١٤ ص ٧٩ وتفسير الميزان ج ١٢ ص ١٩١ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٩٦ والإتقان ج ١ ص ٦٠ و (ط دار الفكر) ص ١٠٥ وفيه موارد أخرى أيضا.


المعترض على الله ورسوله ، ويظهر كفره بها. ولعله قد سمعها من قبل ، فآثر أن يستخدمها في دعائه ، لإظهار شدة عناده وجحوده أخزاه الله.

وعن الدليل الرابع أجاب :

ألف : إنه قد لا ينزل العذاب على المشركين لبعض الأسباب المانعة من نزوله ، مثل إسلام جماعة منهم ، أو ممن هم في أصلابهم ، ولكنه ينزل على هذا الرجل الواحد المعاند في المدينة لارتفاع المانع من نزوله .. ولا سيما مع طلبه من الله أن ينزل عليه العذاب.

ب : قد يقال : إن المنفي في آية (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) هو عذاب الاستئصال للجميع ، ولا يريد أن ينفي نزول العذاب على بعض الأفراد ..

ج : قد دلت الروايات على نزول العذاب على قريش ، وذلك حين دعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليهم بأن يجعل سنيهم كسني يوسف «عليه‌السلام» فارتفع المطر ، وأجدبت الأرض ، وأصابتهم المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف (١) ..

__________________

(١) راجع : صحيح مسلم ج ٥ ص ٣٤٢ ح ٣٩ (كتاب صفة القيامة والجنة والنار) و (ط دار الفكر) ج ٨ ص ١٣١ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٥٦ والبخاري ج ٢ ص ١٢٥ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ١٥ وج ٥ ص ٢١٧ وج ٦ ص ١٩ و ٣٢ و ٤٠ و ٤١ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٣١ و ٤٤١ والتفسير الكبير للرازي ج ٢٧ ص ٢٤٢ والنهاية في اللغة ج ٣ ص ٢٩٣ وج ٥ ص ٢٠٠ والخصائص الكبرى للسيوطي ج ١ ص ٢٤٦ وعمدة القاري ج ٧ ص ٢٧ و ٢٨ وج ١٩ ص ١٤٠ ودلائل النبوة ج ٢ ص ٣٢٤ والسنن الكبرى لبيهقي ج ٣ ص ٣٥٣ ودلائل


د ـ إنه قد نزل العذاب أيضا على بعض الأفراد بدعاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، كما جرى لأبي زمعة ، الأسود بن المطلب ، حيث كان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فدعا عليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعمى ، ويثكل ولده ، فأصابه ذلك (١).

ودعا على مالك بن الطلاطله ، فأشار جبريل إلى رأسه ، فامتلأ قيحا فمات (٢).

ثم ما جرى للحكم بن أبي العاص حيث كان يحكي مشية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فرآه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : كن كذلك ، فكان الحكم مختلجا يرتعش منذئذ (٣).

__________________

النبوة لأبي نعيم ص ٥٧٥ ح ٣٦٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ والبحار ج ١٦ ص ٤١١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ١٨٩ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٠١ وراجع : تفسير السمعاني ج ٢ ص ٣٥٩.

(١) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٧ و (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٣٣٢ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٢٢٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٤٦١ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٥١٣ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٦٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٨٠.

(٢) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٧ و (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٥ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ وراجع : البحار ج ١٨ ص ٤٩ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٢٢٠ وتفسير مجمع البيان ج ٦ ص ١٣٣ وجامع البيان ج ١٤ ص ٩٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٨٠ وسيرة ابن إسحاق ج ٥ ص ٢٥٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٧٨.

(٣) راجع الاستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٢١٨ و (ط دار الجيل) ج ١ ص ٣٥٩ والنهاية في اللغة ج ٢ ص ٦٠ وإمتاع الأسماع ج ١٢ ص ١٠١ وشرح


وما جرى لجمرة بنت الحارث ، فقد خطبها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال أبوها : إن بها سوءا ، ولم تكن كذلك ، فرجع إليها ، فوجدها قد برصت (١).

وما جرى لذلك الرجل الذي كذب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وما جرى لابن بن أبي لهب ، فإنه سب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فدعا الله أن يسلط عليه كلبه ، فافترسه الأسد (٣).

__________________

النهج للمعتزلي ج ٦ ص ١٥٠ والإصابة ج ١ ص ٣٤٥ و ٣٤٦ والبحار ج ٣١ ص ١٧٣ والخصائص الكبرى ج ٢ ص ١٣٢ والمعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ٢١٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٦ ص ٢٣٩ و ٢٤٠ والغدير ج ١ ص ٢٦٠ وج ٨ ص ٢٤٤.

(١) راجع الإصابة ج ١ ص ٢٧٦ و (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٦٦٣ والخصائص الكبرى ج ١ ص ١٣٣ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣٩٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣١٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤١٨ والغدير ج ١ ص ٢٦٠ الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٦٩.

(٢) راجع : الخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٦ ص ٢٤٥ والغدير ج ١ ص ٢٦٠ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ٨٤.

(٣) الغدير ج ١ ص ٢٦١ وجامع البيان للطبري ج ٢٧ ص ٥٥ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٣ ص ٢٥٠ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٩٤ والدر المنثور ج ٦ ص ١٢١ والخصائص الكبرى ج ١ ص ١٤٧ و ٢٤٤ والنهاية في اللغة ج ٣ ص ٩١. ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٣٣٨ و ٣٣٩ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٥٨٨ و ٥٨٥ و ٥٨٦ حديث رقم ٣٨٣ و ٣٨١ و ٣٨٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٦٥.


ه ـ قد هدد الله قريشا بقوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (١) .. فإن كان مناط الحكم في هذه الآية هو إعراض الجميع ، فإن الصاعقة لم تأتهم لأن بعضهم قد آمن. ولو أنهم استمروا جميعا على الضلال لأتاهم ما هددهم به. ولو كان وجود النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مانعا من جميع أقسام العذاب ، لم يصح هذا التهديد .. ولم يصح أن يصيب الحكم بن أبي العاص ، وغيره ممن تقدمت أسماؤهم شيء من الأذى ..

وعن الدليل الخامس أجاب «رحمه‌الله» :

إن حادثة الفيل استهدفت تدمير أعظم رمز مقدس لأمة بأسرها ، فالدواعي متوفرة على نقلها .. أما قصة هذا الرجل الذي واجه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في قضية الغدير ، فالدواعي لنقلها أقل بكثير ، وهي ككثير من معجزات الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التي نقلت عن طريق الآحاد ، وبعضها قد قبله المسلمون من دون نظر في سنده ..

بل الدواعي متوفرة على طمس هذه القضية ، وذلك إمعانا في إضعاف واقعة الغدير ، وإبعادها عن أذهان الناس ، وإنساء الناس لها ، لأنها تمثل إدانة خطيرة لفريق تقدسه طائفة كبيرة من الناس ..

وأما دعواهم : أن المصنفين قد أهملوا هذه القضية ، فهي مجازفة ظاهرة ، إذ قد تقدم أن كثيرين منهم قد رووها ..

وعن الدليل السادس أجاب «رحمه‌الله» :

بأن الحديث كما أثبت إسلام الحارث ، فإنه قد أثبت ردته .. والعذاب

__________________

(١) الآية ١٣ من سورة فصلت.


نزل عليه ، بعد ردته لا حين إسلامه ، فلا يصح قوله : إنه لم يصب العذاب أحدا من المسلمين في عهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم ذكر شواهد عن عذاب لحق بعض المسلمين في عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كقصة جمرة بنت الحارث ، وغيرها.

وقصة ذلك الذى أكل عند النبى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشماله ، فقال له النبى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : كل بيمينك.

فقال : لا أستطيع.

قال : لا استطعت. فما رفعها إلى فيه بعد (١). وقد رواها مسلم في صحيحه.

وقصة الأعرابي الذي عاده رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وأنه حين قال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لا بأس ، طهور إن شاء الله.

قال : قلت طهور؟ كلا بل حمى تفور (أو تثور) ، على شيخ كبير ، تزيره القبور.

قال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فنعم إذا.

فما أمسى من الغد إلا ميتا (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٢٥٩ ح ١٠٧ والغدير ج ١ ص ٢٦٤ وفتح الباري ج ٩ ص ٤٥٦ وعمدة القاري ج ٢١ ص ٢٩ وتحفة الأحوذي ج ٥ ص ٤٢٢ وعون المعبود ج ١٠ ص ١٧٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢١٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٦٧.

(٢) راجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٢٤ ح ٣٤٢٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٣٨٣ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ١٩٧ وكنز العمال ج ٩ ص ٢١١ وصحيح ابن حبان ج ٧ ص ٢٢٥ وراجع : الجوهر النقي للمارديني ج ٣ ص ٣٨٢.


وكذا بالنسبة لمن نقى شعره في الصلاة ، فقال له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : قبح الله شعرك ، فصلع مكانه (١).

وأجاب عن الوجه السابع :

بأن معاجم الصحابة لم تستوف ذكر جميعهم ، وقد استدرك المؤلفون على من سبقهم أسماء لم يذكروها.

وقد أوضح العسقلاني ذلك في مستهل كتابه «الإصابة» فراجع ..

وقد ذكروا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» توفي وكان عدد من رآه وسمع منه زيادة على مئة ألف إنسان ..

أضف إلى ذلك : أنه قد يكون إهمال ذكر هذا الرجل في معاجم الصحابة لأجل ردته ..

سورة والعصر نزلت في علي عليه‌السلام :

وقد يتساءل البعض عن المقصود بقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خطبة يوم الغدير : «فى علي نزلت سورة (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ).

ويمكن أن يجاب : بأن الأحاديث الشريفة قد صرحت : بأن المراد بالإنسان الذي في خسر ، هم أعداؤهم «عليهم‌السلام» ، ثم استثنى أهل صفوته من خلقه ، حيث قال : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٢) يقول : آمنوا بولاية أمير المؤمنين (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ)

__________________

(١) راجع : أعلام النبوة للماوردي ص ١٣٤ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٧٢ والغدير ج ١ ص ٢٦٤.

(٢) الآيتان ٢ و ٣ من سورة العصر.


ذرياتهم ومن خلقوا بالولاية وتواصوا بها ، وصبروا بها ، وصبروا عليها» (١).

وفي نص : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعني الإمامة و (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) يعني بالعترة (٢).

__________________

(١) البرهان (تفسير) ج ٤ ص ٥٠٤ و ٥٠٥ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٦٦ و ٦٦٧ والبحار ج ٢٤ ص ٢١٥ وج ٣٦ ص ١٨٣ وج ٦٤ ص ٥٩ وتفسير القمي ج ٢ ص ٤٤١ والتفسير الصافي ج ٥ ص ٣٧٢.

(٢) البرهان (تفسير) ج ٤ ص ٥٠٤ و ٥٠٥ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٦٦ و ٦٦٧ إكمال الدين ص ٦٥٦ والبحار ج ٦٤ ص ٥٩ وج ٦٦ ص ٢٧٠ والتفسير الأصفى ج ٢ ص ١٤٧٤.


الفهارس

١ ـ الفهرس الإجمالي

٢ ـ الفهرس التفصيلي



١ ـ الفهرس الإجمالي

الفصل الثالث : حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية الإمام الصادق عليه‌السلام................... ٥ ـ ٣٨

الفصل الرابع : قبل أن يسير صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عرفات (بروايتهم).................... ٣٩ ـ ٦٨

الفصل الخامس : حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية أهل السنة........................ ٦٩ ـ ١١٨

الباب الحادي عشر : الغدير في الحديث والتاريخ

الفصل الأول : الغدير والمعارضون..................................... ١٢١ ـ ١٥٨

الفصل الثاني : الموقف ـ الفضيحة..................................... ١٥٩ ـ ١٨٤

الفصل الثالث : في حدود الزمان والمكان............................... ١٨٥ ـ ٢١٨

الفصل الرابع : حديث الغدير وأسانيده................................ ٢١٩ ـ ٢٦٤

الفصل الخامس : في ظلال حديث الغدير.............................. ٢٦٥ ـ ٢٩٦

الفصل السادس : في ظلال آيات الغدير............................... ٢٩٧ ـ ٣٤٢

الفهارس :.......................................................... ٣٤٣ ـ ٣٥٦



٢ ـ الفهرس التفصيلي

الفصل الثالث : حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية الإمام الصادق عليه‌السلام

دخول مكة والمسجد الحرام :.................................................... ٧

حج النبي برواية أهل البيت عليهم‌السلام :.............................................. ٨

إضافة فقرة وتصحيف أخرى :................................................ ١٩

لا فضل لقرشي على غيره إلا بالتقوى :........................................ ٢٠

أحرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد :..................................................... ٢٠

ساق مائة بدنة :............................................................ ٢١

يتمنى القرشيون قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :.......................................... ٢١

حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قران!! أم تمتع؟! :............................................. ٢٢

وقالوا أيضا :................................................................ ٢٤

حج تمتع أو قران أو إفراد؟! :................................................. ٢٦

ترجيحات لحج القران :....................................................... ٣٥

الفصل الرابع : قبل أن يسير صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عرفات (بروايتهم)

طواف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستلام الركن والحجر :...................................... ٤١

هل طاف ماشيا؟! :......................................................... ٤١

السعي والطواف راكبا :...................................................... ٤٩

سؤال .. وجوابه :............................................................ ٥٠


متى طاف راكبا؟! :.......................................................... ٥١

إنك حجر لا تضر ولا تنفع :................................................. ٥١

لماذا هذا الموقف من عمر؟! :................................................. ٥٣

عمر يخطّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :................................................. ٥٤

التبرك في أجلى مظاهره :..................................................... ٥٥

سجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحجر :............................................... ٥٥

الصلاة خلف مقام إبراهيم :.................................................. ٥٦

بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين استلام الحجر :.......................................... ٥٧

ابن أم مكتوم آخذ بزمام الناقة :............................................... ٥٨

طواف الوداع :.............................................................. ٥٨

إنكار تقبيل الركن اليماني :................................................... ٥٩

عمر رجل قوي لا يزاحم :.................................................... ٥٩

الرمل في الطواف :........................................................... ٦٠

سعى راكبا :................................................................ ٦١

يرى بياض فخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :............................................. ٦٤

الإضطباع : حكمه ، ومعناه :................................................. ٦٤

رأى بياض فخذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله!! :......................................... ٦٥

قدوم علي عليه‌السلام من اليمن :................................................... ٦٥

تحريش علي لفاطمة عليهما‌السلام :.................................................. ٦٦

الإجمال في النية :............................................................ ٦٧

الكلب والحمار والمرأة :....................................................... ٦٧


الفصل الخامس : حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية أهل السنة

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في عرفات :....................................................... ٧١

الأول : قريش في مواجهة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :..................................... ٧٥

الثاني : لبيك اللهم لبيك :................................................. ٧٦

الثالث : تحريف خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :..................................... ٧٦

الذين أردفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلفه :............................................... ٧٨

الفضل بن عباس .. والنظر إلى الأجنبية :....................................... ٧٩

ليس هذا قياسا :............................................................ ٨٠

حتى معاوية :................................................................ ٨٠

تحويل وجه فضل بن عباس :.................................................. ٨١

تطبيق للقاعدة :............................................................. ٨٢

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينشد الشعر :..................................................... ٨٢

الصلاة قبل الوقت :......................................................... ٨٤

الغلو في الدين هو الأخطر :.................................................. ٨٥

خذوا عني مناسككم :....................................................... ٨٦

التظليل :................................................................... ٨٨

بطن محسّر :................................................................ ٨٩

خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منى :.................................................... ٩٠

النص الكامل لخطبة منى :.................................................... ٩٣

تنظيم المنازل في منى :........................................................ ٩٧

ما المراد باستدارة الزمان؟! :................................................... ٩٨


ففتحت أسماع أهل منى :..................................................... ٩٨

تحريف حديث الثقلين :...................................................... ٩٩

علي عليه‌السلام لم يشارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نحر البدن :.................................. ٩٩

لتخرس الألسنة :.......................................................... ١٠١

نحرا على عدد سني عمرهما :................................................. ١٠٢

المرجع هو أحاديث العترة :.................................................. ١٠٢

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم شعره للتبرك به :............................... ١٠٢

قصة الحلاق :............................................................. ١٠٤

إصرار عائشة بلا مبرر :.................................................... ١٠٥

عائشة تعتمر رغم نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :.......................................... ١٠٨

اللهم اغفر للمحلقين :..................................................... ١٠٩

تبرك الصحابة :............................................................ ١١٠

التبرك ، في معناه ومغزاه :................................................... ١١٠

النفر من منى :............................................................. ١١٢

لم يدخل صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت ولم يطف :......................................... ١١٢

عمرة في رمضان تعدل حجة معه :........................................... ١١٤

إعتمار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد حجة الوداع :......................................... ١١٧

في الطريق إلى المدينة :...................................................... ١١٨

الباب الحادي عشر : الغدير في الحديث والتاريخ

الفصل الأول : الغدير والمعارضون

توطئة وتمهيد :............................................................. ١٢٣


الغدير والإمامة :........................................................... ١٢٤

الحدث الخالد :............................................................ ١٢٥

مفتاح الحل :.............................................................. ١٢٧

خلافة أم إمامة :........................................................... ١٢٧

دور الإمامة في بناء الإنسان والحياة :.......................................... ١٢٨

الإمامة .. تعدل الرسالة كلها :.............................................. ١٣١

سر السعادة ورمز البقاء :................................................... ١٣٣

المعارضون :............................................................... ١٣٤

النصوص الصريحة :........................................................ ١٣٥

الخليفة الثاني يتحدث أيضا :................................................ ١٤٥

قريش في كلمات علي عليه‌السلام :................................................ ١٤٨

بعض ما قاله المعتزلي هنا :.................................................. ١٥٥

الفصل الثاني : الموقف ـ الفضيحة

الصخب والغضب :....................................................... ١٦١

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمتآمرون :................................................... ١٦٩

أمثلة وشواهد :............................................................ ١٧٠

ممن الخوف يا ترى؟! :...................................................... ١٨١

المتآمرون :................................................................ ١٨١

ظهور الأحقاد والمصارحة المرة :............................................... ١٨٢

الفصل الثالث : في حدود الزمان والمكان

إلفات النظر إلى أمرين :.................................................... ١٨٧


الأول : المكان.......................................................... ١٨٧

الثاني : كلهم من قريش................................................... ١٨٩

الموقف ، الفضيحة :....................................................... ١٩٠

التدبير النبوي :............................................................ ١٩٥

المحبون والمناوئون :.......................................................... ١٩٨

سبب جرأتهم :............................................................ ٢٠٢

ظروف فرضت نفسها :..................................................... ٢٠٣

دراسة الحدث في حدود الزمان والمكان :....................................... ٢٠٥

١ ـ يوم عبادة :......................................................... ٢٠٥

٢ ـ الإحرام :........................................................... ٢٠٦

٣ ـ لماذا في موسم الحج؟! :............................................... ٢٠٧

٤ ـ وجود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا :............................................ ٢٠٧

٥ ـ ظهور المعجزة :...................................................... ٢٠٨

٦ ـ الذكريات الغالية :................................................... ٢٠٩

٧ ـ الناس أمام مسؤولياتهم :.............................................. ٢١٠

٨ ـ إحتكار القرار :...................................................... ٢١١

٩ ـ تساقط الأقنعة :..................................................... ٢١١

١٠ ـ وعلى هذه فقس ما سواها :......................................... ٢١٣

١١ ـ القرار الإلهي الثابت :............................................... ٢١٤

١٢ ـ التهديد والتآمر :................................................... ٢١٥

الخير في ما وقع :........................................................... ٢١٧


الفصل الرابع : حديث الغدير وأسانيده

غدير خم لتبرئة علي عليه‌السلام :................................................ ٢٢١

يوم الغدير يوم الله الأكبر :.................................................. ٢٢٤

خلاصة ما جرى يوم الغدير :................................................ ٢٢٥

الخطبة برواية الطبري :...................................................... ٢٣٠

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمهم التهنئة والبيعة :.............................. ٢٣٣

قضية الغدير ليست واقعة حرب معروفة :..................................... ٢٣٩

عيد الغدير عبر القرون والأحقاب :.......................................... ٢٣٩

ماذا يقول شانئو علي عليه‌السلام؟! :.............................................. ٢٤٧

الإبتداع الغبي :............................................................ ٢٥١

مصادر حديث الغدير :.................................................... ٢٥٢

حديث الغدير متواتر :...................................................... ٢٥٣

أغرب وأعجب ما قرأت!! :................................................. ٢٥٦

المنكرون والمشككون :...................................................... ٢٥٦

نظرة في تواتر حديث الغدير :............................................... ٢٥٨

طرق حديث الغدير :...................................................... ٢٥٩

لماذا ينكرون التواتر؟! :..................................................... ٢٦٣

الغدير لم يخرّجه الشيخان :.................................................. ٢٦٤

الفصل الخامس : في ظلال حديث الغدير

بداية :................................................................... ٢٦٧

الخروج السريع من مكة :.................................................... ٢٦٧


إرجاع المتقدم وحبس المتأخر :................................................ ٢٦٨

الدوحات الخمس منطقة محظورة :............................................. ٢٦٨

دقة وبلاغة في أسلوب الإبلاغ :............................................. ٢٦٩

رفع مستوى اليقظة والتنبه :.................................................. ٢٧٠

حر الرمضاء :............................................................. ٢٧٠

أكثر من خطبة :.......................................................... ٢٧١

الحديث عن الضلال والهدى :............................................... ٢٧١

يوشك أن أدعى فأجيب :.................................................. ٢٧٢

إني مسؤول ، وأنتم مسؤولون :............................................... ٢٧٢

التذكير بالركائز العقائدية :.................................................. ٢٧٣

الأسئلة التقريرية هي الأهم :................................................. ٢٧٣

فليبلغ الشاهد الغائب :..................................................... ٢٧٧

العمائم تيجان العرب :..................................................... ٢٧٧

الرمز والشعار :............................................................ ٢٨١

نعوذ بالله من شرور أنفسنا :................................................. ٢٨٣

لا هادي لمن أضل الله :..................................................... ٢٨٤

الإقرار بالإعتقادات :....................................................... ٢٨٥

الحساب على الحب والبغض :............................................... ٢٨٧

وأدر الحق معه حيث دار :.................................................. ٢٨٧

حديث الثقلين :........................................................... ٢٨٨

وانصر من نصره :.......................................................... ٢٨٨


أمهات المؤمنين يهنئن عليا عليه‌السلام :............................................ ٢٨٩

معنى الولاية في حديث الغدير :.............................................. ٢٩٠

الجمع بين المعاني :......................................................... ٢٩٤

الفصل السادس : في ظلال آيات الغدير

بداية :................................................................... ٢٩٩

تأكيد التحريم لا تأسيس! :................................................. ٣٠٠

الجملة اعتراضية :.......................................................... ٣٠١

لماذا الجملة الإعتراضية؟! :.................................................. ٣٠٢

لماذا جعلت بين أحكام سبق بيانها؟! :........................................ ٣٠٢

لماذا الأحكام الإلزامية تحريمية؟! :............................................. ٣٠٣

متى يئس الذين كفروا .. وكمل الدين؟! :..................................... ٣٠٤

العلة المحدثة والمبقية :....................................................... ٣٠٦

فلا تخشوهم واخشوني :..................................................... ٣٠٧

أكملت .. أتممت :....................................................... ٣٠٨

الإسلام مرضي لله دائما :................................................... ٣٠٩

آية الإكمال نزلت مرتين :.................................................. ٣١٠

متى نزلت آية الإكمال :.................................................... ٣١٣

أبو طالب عليه‌السلام وحراسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :......................................... ٣١٥

آية البلاغ في اليهود :...................................................... ٣١٧

موقع آية البلاغ بين الآيات :............................................... ٣٢٠

على أي شيء يخاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :........................................... ٣٢١


أهمية الحكم المعني بالآية :................................................... ٣٢٢

الله يبرئ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله :..................................................... ٣٢٣

العصمة من الناس :........................................................ ٣٢٤

فما بلغت رسالته :......................................................... ٣٢٤

سورة المعارج مكية :........................................................ ٣٢٥

سورة والعصر نزلت في علي عليه‌السلام :........................................... ٣٤١

الفهارس :

١ ـ الفهرس الإجمالي..................................................... ٣٤٥

٢ ـ الفهرس التفصيلي.................................................... ٣٤٧

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ٣١

المؤلف:
الصفحات: 356