
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين ،
محمداً وآله الطيبين الطاهرين.
واللعنة على اعدائهم اجمعين. من الاولين
والاخرين ، الى قيام يوم الدين.
وبعد ...
فقد مست الحاجة في بعض المجالات في
الجمهورية الاسلامية الى الكتابة حول موضوع الاداب الطبية في الاسلام ، مع اعطاء
لمحة عن تاريخ الطب ، وعن النهضة العلمية الاسلامية في هذا المجال ، وغير ذلك.
فطلب مني اخي الاعز الاكرم ، سماحة
العلامة آية الله الشيخ علي الاحمدي الميانجي حفظه الله تعالى ان اكتب حول هذا
الموضوع.
ورغم انني لست مؤهلا للقيام بمهمة كهذه
ـ لا سيما وان الاداب الطبية وسواها مما لا بد من التعرض له هنا ، موضوعات جديدة
لم يتطرق اليها
الباحثون فيما اعلم
ـ فقد امتثلت امره ، شاكراً له ثقته بي ، وارجو من الله تعالى ان ينفع بما كتبت ،
ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.
١٨ جمادى الاولى سنة ١٤٠٢ هـ.
|
جعفر مرتضى الحسيني
العاملي
|
القسم الاول
تاريخ الطب
الفصل
الاول :
الطب ...
قبل الاسلام
تذكير :
اننا نرى : انه لابد من اعتماد التاريخ
الهجري اساسا لضبط الوقائع والاحداث لان النبي (ص) هو الذي وضع هذا التاريخ ، وبه ضبطت
وقائع التاريخ الاسلامي ، وقد تحدثنا عن ذلك بالادلة القطعية في محله في غير هذا
الكتاب ...
ولكننا ربما ننقل هنا بعض المطالب عن
الاخرين ، الذين يعتمدون التاريخ المسيحي الميلادي ... فنضطر الى ذكر التاريخ
الميلادي متابعة لهم ؛ لاننا لا نعطي لانفسنا حق تغيير النص الذي ننقله عنهم ، ولو
بهذا المقدار ... فليلاحظ ذلك ...
وشكرا ...
مبدأ ظهور الطب :
اما متى وكيف كان ظهور علم الطب؟ ففيه
اختلاف بين المؤرخين ...
فيرى البعض : ان سحرة اليمن هم الذين
وضعوا اساس علم الطب. ويرى آخرون : انهم السحرة من فارس. وفرقة ثالثة : انهم
المصريون : ورابعة : الهنود ، او الصقالبة ، او قدماء اليونانيين ، او الكلدان ،
الذين نسب اليهم : انهم كانوا يضعون مرضاهم في الازقة ، ومعابر الطرق ، حتى اذا مر
بهم احد قد اصيب بذلك الداء وشفى اعلمهم بسبب شفائه ؛ فيكتبون ذلك على الواح ،
يعلقونها في الهياكل ، فلذلك كان التطبيب عندهم من جملة اعمال الكهنة وخصائصهم . وقيل غير ذلك ...
ولكن ابن ابي اصيبعة يرى : ان اختراع
هذا الفن لا يجوز نسبته الى بلد خاص ، او مملكة معينة ، او قوم مخصوصين ، اذ من
الممكن وجوده عند امة قد انقرضت ، ولم يبق من آثارها شيء ، ثم ظهر عند قوم آخرين ،
ثم انحط عندهم حتى
نسي ، ثم ظهر على
اساس هؤلاء لدى غيرهم ؛ فنسب اليهم اختراعه ، او اكتشافه .
هذا ... وثمة رأي آخر يقول : ان صناعة
الطب مبدؤها الوحي والالهام ، وقد قال الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية :
« الطب صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه
الوحي ، وانما أخذه العلماء به عن الانبياء ، وذلك انه لا طريق الى علم حقيقة
الداء الا بالسمع ، ولا سبيل الى معرفة الدواء الا بالتوفيق ... الخ » ... هذا ... وقد ذكروا لهذا القول
دلائل وشواهد ، لا مجال لايرادها هنا ؛ فمن ارادها فليراجعها في مظانها .
اما نحن ... فنرى : ان الطب قد وجد منذ
وجد الانسان على وجه هذه الارض ، فمنذ ذلك الحين عانى من الداء ، فوفق بالهام من
الله الى كثير من الامور التي يمكن ان تعتبر دواء ...
كما اننا نرى : ان كثيرا من المعالجات.
وان كانت قد جاءت عن طريق ارشادات الانبياء :
للناس اليها ، كما قاله الشيخ المفيد ... الا انه ليس كله كذلك ، بل فيه ما جاء عن
طريق التجربة ايضا ،. او الصدفة ، او الفكر والملاحظة ، بعد الاطلاع على طبائع بعض
الاشياء ، كما هو مشاهد وملموس ... ولعلنا يمكن ان نجد لدى ابن ابي اصيبعة بعض
الميل الى هذا الرأي
، وان كان قد عبر في اول كلامه عن صعوبة الجزم برأي ما ، في هذا المجال ...
الصلة بين الطب ، والسحر ، والكهانة :
ان الذي يراجع تاريخ الشعوب والامم
الخالية يجد : انه قد كان ثمة صلة
وثيقة جدا بين السحر
والطب ، فقد كانوا يداوون مرضاهم بالسحر ، وكان الساحر طبيبا يداوي المريض بسحره :
وكذلك كان الكهان يداوون المرضى ايضا.
نعم ... لقد كانوا يداوون مرضاهم بالرقى
والتضرعات والتوسلات للالهة. ولاجل ذلك كان الطب من جملة اختصاصات الكهان عموماً
في تلك الازمنة .
وقد تقدمت الاشارة الى ان الكثيرين
ينسبون هذا العلم الى كهنة بابل ، او كهنة الفرس ، او كهنة اليمن الى آخر ما تقدم
... الامر الذي يوضح الدور الهام لهذا الصنف من الناس ... ولسوف نجد فيما يأتي
ايضا بعض ما يشير الى هذا :
الطب عند الامم السالفة :
هذا ... ولا بأس بأن نذكر لمحة عن حالة
الطب لدى الامم السالفة ، وان كنا لا نرى تفاوتا كبيرا في نوعية المعالجات
والتوجهات الطبية بين تلك الامم ، بحيث يجعل في الحديث عن كل واحدة على حده كبير
فائدة او جليل اثر.
ولكننا مع ذلك ... سنحاول ان نظهر بعض
التوجهات الخاصة التي نلمحها لدى كل امة بقدر الامكان ، وذلك على النحو التالي :
١ ـ الطب عند المصريين :
لقد كانت الرقى والعزائم اساس الطب
المصري القديم ، لاعتقادهم ان الامراض من الالهة ، فلا تشفيها الا التوسلات لها ،
فكانوا يلجأون الى الكهنة لقربهم منها .
واول طبيب عرف باسمه من المصريين هو (
ايمتحب ) الذي عاش حوالي
القرن الثلاثين قبل
الميلاد .
وتوجد اوراق من البردي ـ وهي سبع ـ وقد
كتب بعضها في القرن السادس او السابع عشر ، وبعضها قبل الفي سنة للميلاد ، وفيها
ما يرتبط بالطب .
ويذكر وجدي انه من المعروف : ان احد
فراعنة مصر ، وهو نيتى بن فينيس ، قد الف كتابا في علم التشريح. واشتهر الملك (
نيخور دفس ) وهو من الاسرة الثالثة من الفراعنة بوضعه رسالة في الطب ، كما ان
قيروش ودار ملكي الفرس قد عينا في قصورهما اطباء من المصريين.
ويقول وجدي : « كان للاطباء المصريين
امتيازات ، مثل اعفائهم من الضرائب وكان الناس يحملون اليهم هدايا بدل الاجور ،
وكان منهم من هو موظف عند الحكومة تنقده اجره في كل شهر ، وكان الناس يستشيرونه
بدون اجر » .
٢ ـ الطب عند الكلدان ، والبابليين ، والاشوريين ،
والاسرائيليين:
اما الكلدان فكان اطباؤهم من السحرة ،
وكان جل اهتمامهم موجها الى معالجة المريض بالرقى ، مع السماح له بتعاطي بعض
الاعشاب ، وكانت جميع الامراض عندهم تعزى الى الارواح الشريرة.
كما ان الاشوريين والبابليين كانوا
يعتمدون في معالجاتهم على الرقى والعزائم بصورة عامة ... ويعتمدون فيما عن
البابليين على الوثائق التي وجدت في خزانة كتب الملك آشور بانيبال ، وهي الان في
المتحف البريطاني ، ويرجع حكم ذلك الملك الى القرن السابع قبل الميلاد .
وقد تقدم : ان كهنة بابل كانوا يضعون
مرضاهم في الازقة ، ومعابر الطرق حتى اذا مر احد كان قد اصيب بهذا المرض وشفى ،
اعلمهم بسبب شفائه فيكتبون ذلك ... الخ.
ويوجد في قانون حمورابي الاشوري ، الذي
حكم حوالي القرن العشرين قبل الميلاد مواد قانونية خاصة بالطب الجراحي .
اما الاسرئيليون ، فقد كان الطب عندهم
بيد رجال الدين ، وقد وجد في التلمود بعض ما يرتبط بالطب .
ولكن ليعلم : ان التلمود ليس له من
القدم بحيث يعبر وجود ذلك فيه عن نبوغ خاص للاسرائيليين في علم الطب ، بل هو قد
وضع بعد ان قطع الطب شوطا كبيرا في كثير من مجالاته ،
٣ ـ الطب عند الهنود :
وهو عندهم ايضا يعتمد على السحر والرقى
، وفي كتابهم المسمى ( ريجفيدا ) الذي يتحدث عن خصائص اعشاب كثيرة تجد دعوات تتلى
لكثير من الامراض.
و « كان الطب عندهم بيد البراهمة ، وقد
عرف اليونانيون ايام مدنيتهم بأن الطب الهندي ارقى من طبهم ، ولكنهم لم يفصلوا وجه
هذا الرقى ، فقد تكلم ابقراط كثيرا عن علاجاتهم ، وكان تيوفراست يذكر اعشابا طبية
اخذها عنهم » .
٤ ـ الطب عند الصينيين :
ويذكر وجدي ان الصينيين يزعمون : انه
كان لديهم حدائق لتربية النباتات
الطبية قبل المسيح
بثلاثة آلاف عام ، وينسبون الى الملك ( هوانج تي ) كتابا في الطب الفه ـ حوالي سنة
٢٦٠٠ قبل الميلاد ، وهو باق عندهم الى اليوم.
وقد استفاد منهم الاوربيون في معارفهم
الطبية ، ويقال : ان العالم « بوردو » قد اخذ مباحثه في النبض عن الكتب الصينية ،
والمادة الطبية كانت اهم ما شغلهم ويعتبر كتابهم المسمى ( بنتاو ) كنز المادة
الطبية ، وفيه (١١٠٠) مادة يسرد خصائصها العلاجية.
وصناعة الطب عندهم حرة يتعاطاها من شاء
، وكانت مدارسهم الطبية في المدن الى القرن العاشر كثيرة ، ثم اختفت الا مدرسة في
العاصمة .
٥ ـ الطب عند اليونان ، والرومان :
لقد رأينا في الالياذة لهوميروس اشارات
الى كثير من المعلومات الطبية ولا سيما الجراحية .
وكان الطب موجودا لدى اليونان قبل
ابقراط ، لانه هو نفسه ينقل عن مؤلفات سابقة ، ولكن ابقراط قد خلص هذا العلم مما
علق به من الشعوذة والعقائد بالارواح ، ولم يقم ابقراط بما قام به الا اعتمادا على
الثروة الطبية الجيدة التي ورثها عن اسلافه .
ويذكر وجدي ايضا : ان الكتب التي سبقت
ابقراط مفقودة ، وليس لدينا اقدم من كتبه الان ، وكان الطب عندهم سحريا يعتمد على
الرقى والعزائم. ثم لما نبغ الفلاسفة امثال انكزيماندوا ، وبارفيد ، وهيراقليت
وغيرهم تكلموا في الاهوية ، والاغذية ، والامراض ، وغير ذلك. ثم جاء فيثاغورس
فاشتغل بالطب وكتب امبيدو كل في الجنين والحواس ، والوراثة والتوالد.
ثم ترقى الطب عندهم حتى أسس بطليموس
الاول والثاني ملكا مصر مدرسة الاسكندرية ، التي نبغ منها جالينوس ، الذي عاش في
القرن السادس قبل الهجرة.
وكان الطب الروماني مبنيا على الخرافات
والاوهام ، واليونان هم الذين ادخلوا العلم الطبي اليهم من مدرسة الاسكندرية ـ
التي استمرت ـ كما يقول البعض
الى اواخر القرن الاول الهجري ـ ولعل اول طبيب يوناني دخل رومية هو اركاجانوس بن
ليزانياس سنة ١٩٢ قبل المسيح ، ثم سقط الى الحضيض على اثر بعض اعماله الجراحية ،
ثم عاد فدخلها من العلماء اليونانيين من كان له اثر كبير في نشر هذا العلم هناك .
٦ ـ الطب عند الفرس :
قد تقدم ان البعض يقول : ان كهنة الفرس
هم واضعوا علم الطب.
ويذكر وجدي : ان الطب كان عندهم مخلوطا
من الرقى والتعزيم ، وشيء من المبادىء الطبية العلمية. وان تاريخ الطب عندهم يصعد
الى نحو القرن الرابع قبل المسيح 7
، واصوله الاولية مذكورة في كتابهم المقدس زندافستا في الفصل المعنون به « فنديد »
وخصوصا تحت عنوان « فارجاد » ، وهو احدث تاريخا من كتب « الفيدا » الهندية المقدسة
.
وكحصيلة لما تقدم ، فان جورج سارتون
يقول : ان في وسعنا ان نقرر : ان القسم الاكبر من المعارف الطبية يرجع الى الالف
الثالث قبل الميلاد .
هذا ... ولاهمية جامعة جنديشابور في
النهضة الاسلامية ، نرى انه لابد من اعطاء لمحة عن هذه الجامعة الشهيرة ، فنقول :
جامعة جندي شابور :
تقع مدينة جنديشابور بين شوشتر وخرابات
شوش في خوزستان .
ويظهر من كلام القفطي : انها كانت مركزا
طبيا شهيرا من عهد شابور الاول ، وان الطب قد انتقل اليها من الروم .
ويحتمل البعض ان مدرسة الطب فيها كانت
قبل القرن الرابع او الخامس الميلادي .
يقول القفطي : انه بعد ان انتقل اليها
بعض الاطباء الروم مع ابنة ملكهم « ولما اقاموا بها بدؤا يعلمون احداثا من اهلها ،
ولم يزل امرهم يقوى في العلم ، ويتزايدون فيه ، ويرتبون قوانين العلاج على مقتضى
امزجة بلدانهم حتى برزوا في الفضائل. وجماعة يفضلون علاجهم وطريقتهم على
اليونانيين والهند ؛ لانهم اخذوا فضائل كل فرقة ؛ فزادوا عليها بما استخرجوه من
قبل نفوسهم! فرتبوا لهم دساتير وقوانين ، وكتبا جمعوا فيها كل حسنة ، حتى ان في
سنة عشرين من ملك كسرى اجتمع اطباء من جند يشابور بأمر الملك ، وجرى بينهم مسائل
واجوبتها. واثبتت عنهم. وكان امرا مشهورا. وكان واسطة المجلس : جبرئيل درستباذ ؛
لانه كان طبيب كسرى. والثاني : السوفسطائي واصحابه. ويوحنا ، وجماعة من الاطباء ...
وجرى لهم من المسائل والتعريفات ما اذا
تأملها القارىء لها استدل على فضلهم وغزارة علمهم ... » .
ويقال : ان خسرو انوشروان قد ارسل
برزويه الطبيب ، والمشرف على امور الطب في جنديشابور ـ ارسله ـ مع هيئة خاصة الى
مختلف البلدان لجلب الكتب الطبية .
ويرى البعض : ان الطب في جند يشابور
مزيج من طب اليونان ، والهند ، وايران ، ومدرسة مرو .
٧ ـ الطب عند العرب قبل الاسلام :
وقبل البدء في الحديث عن طب العرب في
الجاهلية ... نشير الى اننا قد تعمدنا بعض التفصيل في هذا المجال ، من اجل اظهار
حقيقة الوضع الذي كان سائدا في المنطقة التي ظهر فيها الاسلام ، الذي بعث اعظم
ثورة ثقافية وانسانية عرفها التاريخ ... والذي شهد عالم الطب في ظله تطورا هائلا
واسطوريا ، كما سنرى ، ولاجل ذلك نقول :
اما الطب عند العرب ، فيقول وجدي يقصد
بذلك : الطب في فترة ما قبل الاسلام ؛ فيمكن ان يكون له وجه ... وان كنا نرجح :
انه ليس الا نتيجة لتجارب شخصية محدودة ، او مأخوذة من اطباء جند يشابور ، او من
اي من البلاد التي تحيط بهم.
فإذا كان وجدي يقصد بذلك : الطب في فترة
ما قبل الاسلام ؛ فيمكن أن يكون له وجه ... وان كنا نرجح : انه ليس الانتيجة
لتجارب شخصية محدودة ، أو مأخوذة من أطباء جنديشابور ، أو من أي من البلاد التي
تحيط بهم.
واما اذا كان يقصد طب ما بعد ظهور
الاسلام ؛ فلا ريب في عدم صحة هذا الكلام ، كما سنرى فيما يأتي ... ويؤيد انه يقصد
هذا الثاني : قوله : انه كان قبل الاسلام منقولا اليهم من السوريين .
فالظاهر : انه قد تأثر بمزخرفات
المستشرقين الذي يحاولون تعظيم وتضخيم دور اي من الامم التي سبقت الاسلام بهدف
التخفيف من عظمة البعث الاسلامي ، في مختلف المجالات ، وذلك لاهداف حقيرة لاتخفى
...
وعلى كل حال ... فان مطالعة معالم
النهضة الاسلامية الطبية لخير دليل على كذب هذا الادعاء ، ولسوف يأتي بعض ما يشير
الى ذلك كما قلنا.
اما الدكتور فيليب حتى يقول : « انشأ
الطب العربي العلمي عن الطب السوري الفارسي ، الذي كان يقوم بدوره على اسس من الطب
الاغريقي. وقد اشرنا سابقا الى ان الطب الاغريقي ذاته قد استقى كثيرا من الطب
الشعبي القديم الذي كان معروفا في الشرق الادنى ، ولا سيما الطب المصري » .
ولكن ما ذكرناه نحن آنفا هو الاكثر دقة
في هذا المجال ... فان الطب قد كان عند جميع الامم ولكن بمستويات مختلفة ومتفاوتة
، وقد استطاعت جنديشابور ان تحتوي معظم نتاج الامم السابقة ، ثم تصدر ما حصلت عليه
الى سائر الشعوب التي كانت بحاجة الى مادة كهذه ومنها العرب ، وان كان العرب قد
اقتبسوا ايضا من آخرين ممن حولهم ، كالسوريين ، او غيرهم ... واضافوه الى ما كان
عندهم عن الكلدان غيرهم ، ومما حصلوا عليه من تجاربهم ، وان كانت محدودة جداً.
اما جامعة جنديشابور نفسها ؛ فقد انتقل
الطب اليها على يد الرومان ، الذين تلقوا معارفهم عن اليونانيين ، الذين قدموا
اليهم من مدرسة الاسكندرية.
الطب الجاهلي :
ويقولون : ان المعالجات في الجاهلية
كانت تعتمد على بعض النباتات ، وبالعسل وحده ، او مع مواد اخرى : شرباً تارة ،
وعجائن ولصقات اخرى. وبالحجامة ، والفصد ، والكي ، وبتر الاعضاء بالشفرة المحماة
بالنار ... هذا بالاضافة الى معالجاتهم
بالرقى والعزائم ،
والاذكار التي تطرد الجن والارواح الشريرة.
ويقول البعض : انهم كانوا يعالجون
الجراح المتعفنة والدماميل بمواد ضد العفونة ، ويعالجون الامراض المسرية بالحجر
الصحي ، ويعالجون الجراح بالفتائل والتضميد .
ويقول الدكتور جواد علي : « وقد عرف الجاهليون ايضا طريقة تغطية
بعض العيوب ، او الاصابات التي تلحق بأعضاء الجسم بالوسائل الصناعية ، فشدوا
الاسنان ، وقووها بالذهب ، وذلك بصنع اسلاك منه تربط الاسنان ، او بوضع لوح منه في
محل الاسنان الساقطة
واتخذوا انوفا من ذهب لتغطية الانف المقطوع ، كالذي روى عن عرفجة بن اسعد من انه اتخذ انفا من ذهب . وكان قد اصيب انفه يوم الطلاب في
الجاهلية » انتهى. ولعل هذه القضية من الامور المسلمة تاريخيا كما يعلم من مراجعة
كتب الحديث والتاريخ
.. وان كان البعض يرى : ان ذلك لا يرتبط بالطب ، وانما بفن الصياغة ... ولكنه على
اي حال يعبر عن تطور ما في توجهات الناس آنئذ حتى ليفكرون بتغطية بعض العيوب بطرق
، ووسائل كهذه ...
وقد عرف الجاهليون الطب البيطري ايضا ،
فكانوا يعالجون الحيوان بالكي
__________________
بالنار ، وجب سنام
الابل ، اذا اصيب بالدبرة. وقد كان العاص بن وائل بيطاراً كما يقولون .
وكانوا ينقون رحم الفرس او الناقة من
النطف ، ويخرجون الولد من بطن الفرس ، أو الناقة ، ويعبر عن ذلك بلفظ ( مسى ) .
واما عن الامراض التي كانوا يعرفونها ،
والنباتات التي كانوا يستعملونها ، فهي كثيرة ، ولسنا في صدد استقصائها. وقد ذكر
اسعد علي في كتابه : « المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام » نبذة عن تلك الامراض
ومعالجاتها ، فليراجعها من اراد ...
ثم ان هذا الذي ذكرناه انما هو بالنسبة
للطب عند الحضريين ، أما طب البادية فقد كان تقليديا موروثا عن مشايخ الحي وعجائزه
...
منزلة الطب في الجاهلية :
وقد ذكر ابو حاتم : انه قد كان في زهير
بن جناب عشر خصال لم يجتمعن في غيره ، من اهل زمانه : كان سيد قومه ، وشريفهم ،
وخطيبهم ، وشاعرهم ، ووافدهم الى الملوك ، وطبيبهم ـ والطب عندهم شرف ـ وحازى قومه
ـ والحزاة الكهان ـ وكان فارس قومه ، وله البيت فيهم ، والعدد منهم ... .
اطباء العرب في الجاهلية :
لم يكن في العرب قبل ظهور الاسلام توجه
او اندفاع نحو الطب ، ولذلك ، فانهم لم
__________________
يكن لهم حضارة طبية
ذات قيمة تذكر ، نعم قد ظهر فيهم عدد محصور من الاطباء لم يكن لهم نبوغ مميز ، ولا
اشتهر عنهم ابداعات او منجزات تذكر في هذا المجال ...
وقد عرف من هؤلاء الاطباء ، الذين عاش
بعضهم الى ما بعد ظهور الاسلام.
١ ـ ابن حذيم : من تيم الرباب ، وقد
زعموا : انه اطب العرب ، حتى قيل : اطب في الكي من ابن حذيم ... .
وهذه الكلمة كما ترى تدل على انه انما
اشتهر بالكي اكثر من غيره من سائر المعالجات التي كانت معروفة آنذاك ... وليس
لدينا ما يدل على براعة ما ، له في سائر فروع الطب وفنونه ...
٢ ـ الحارث بن كلدة ، بن عمرو ، بن علاج
: قال ابو عمر : توفي في اول الاسلام : ولم يصح اسلامه. وتعلم الطب من رجل
جنديشابوري : ويقال : انه عالج سعد بن ابي وقاص بأمر من النبي 6 ، او بمراجعة سعد له ، بعد ان امره (ص)
بمراجعته
ويقول البعض : كان النبي (ص) يأمر من
كانت به علة ان يأتيه ، فيسأله عن علته .
ونسب اليه كتاب المحاورة في الطب بينه
وبين كسرى ، ولعله هو الذي ذكره ابن ابي اصيبعة ، وابن عبد ربه ، وغيرهما .
٣ ـ النضر بن الحارث ، بن كلدة ، بن عبد
مناف ، بن عبد الدار ، يقال : انه سافر الى البلاد ، ورأى العلماء. ويذكر : انه
كان له معرفة بالطب .
٤ ـ ابن ابي رمثة : كان طبيبا على عهد
الرسول ، يزاول اعمال اليد ، وصناعة الجراح .
٥ ـ الشمردل بن قباب ، من نجران ، وقد
اسلم على يد النبي (ص) وله كلام معه حول ممارسته لهذه الصناعة .
__________________
٦ ـ ضماد بن ثعلبة : كان صديقا للنبي (ص)
في الجاهلية ـ كما يقال ـ وكان يتطبب ، ويرقى : ويطلب العلم ، ويداوي من الريح .
٧ ـ زهير بن جناب. الذي كان طبيب قومه ،
وقد تقدم ذكره.
٨ ـ وثمة نفر من قبيلة انمار ، كانوا
يزاولون الطب في زمن النبي 9
.
٩ ـ وكان العباديون ايضا معروفين بالطب ، ولعله بعامل تنصرهم ، كما قيل .
النساء والطب :
ويذكر هنا : ان بعض النساء اللواتي
ادركن الاسلام ، كن يزاولن مداواة الجرحى ، وتمريض المرضى. ونعتقد : ان مهمتهن هذه
كانت الى التمريض اقرب ، ولسوف يأتي ذكر اسماء طائفة منهن ممن عاش في زمن النبي (ص)
في القسم الثاني من هذا الكتاب ، في الفصل الخامس ، حين الكلام على تمريض المرأة
للرجل ... فالى هناك.
__________________
الفصل
الثاني :
الطب في العهد الاسلامي
في
القرنين : الاول والثاني الهجريين
العرب في اول الاسلام ... والطب
اننا نلاحظ ، ان الاسلام قد ظهر في حين
كان الطب لا يزال يقطع مراحل طفولته. وكان العرب في علم الطب خاصة اضعف من سائر
الامم ، لانهم لم يكن لديهم حكومة مركزية يتوفر في ظلها عنصر الامن والاستقرار ،
ليكون ثمة مجال للتنافس والسعي لتحقيق الطموحات التي يمكن ان تعتلج في نفوس
الكثيرين لاسباب مختلفة.
وباستثناء الحارث بن كلدة الذي استأثر
بشيء من الشهرة الواسعة ، والتي لم تكن له لولا انه تعلم الطب على ايدي
الجنديشابوريين ، وباستثناء ابن حذيم.
فاننا لانجد في العرب ما يشجعنا على ان
نعتبرهم قد اسهموا في تقدم هذا العلم ، بل ليس ما يشجعنا لان نعتبر انه قد كان
عندهم اطباء بالمعنى الحقيقي للكلمة ، وحتى ابن كلدة ، وابن حذيم فاننا لانعرف
مقدار ما كانا يتمتعان به من براعة وحذق في هذا المجال. وليس لهم آثار علمية ، ولا
في التاريخ ما يمكن ان نستدل به على شيء من هذا. وقد تقدم بعض ما يشير الى ذلك في
الفصل السابق.
الطب في الصدر الاول الاسلامي :
لقد اشرنا فيما سبق الى : ان الاسلام
يعتبر الطب وظيفة شرعية ، واحد الواجبات التي لا مجال للتساهل فيها.
كما ان من يراجع كلام النبي 6 ، والائمة : ، وما وصل الينا من كلام لهم في الطب
والعلاج ، وهو ثروة كبيرة جدا ، لا تتناسب مع ما لاحظناه من سير هذا العلم في
القرن الاول الهجري ونصف الثاني ـ نعم ان المراجع لذلك ـ يخرج بحقيقية هامة ،
تتلخص في انهم :
كانوا يحاولون بعث نهضة شاملة في هذا المجال ، تتسم بالشمولية والعمق والدقة ،
مستمدة ذلك من الواقعية الرائدة التي تعتمد عليها ، وعلى هدى من المعاني الانسانية
النبيلة التي تتجه اليها.
ولكن الذي يظهر : هو ان العرب لم
يستطيعوا ان يكونوا في مستوى هذا الحدث الجديد ، الذي هو ظهور الاسلام ... وانما
كانت طموحاتهم وتوجهاتهم منصبة على مجالات اخرى ، تتناسب مع ما كانوا يعانونه من
تأثرات وتغيرات نفسية وفكرية ، وغيرهما ، مما طرأ عليهم بعد ظهور الاسلام فيهم.
ولا نبعد كثيراً اذا قررنا هنا حقيقة :
انه قد كان ثمة اثر كبير للتوجهات التي كانت تفرضها عليهم طموحاتهم ، التي ولدت في
ظل ظروف موضوعية معينة متعددة بعد ظهور الاسلام ... والتي كانت تتجه اكثر الى نزعة
التسلط والقهر للامم الاخرى ، وبسط النفوذ على اكبر قدر ممكن من البلاد ...
وقد ساعد على ذلك بشكل فعال ... بعض
سياسات الحكام الذين جاؤا بعد الرسول 9
ـ باستثناء علي 7
ـ الذين كانوا غير مستعدين للاستعانة بغير العرب الا بالمقدار الذي يرفع ضرورتهم ،
من دون اي توجه الى حاجات ابناء شعبهم ، او حتى التفكير فيها ... هذا عدا عن انهم
شعوبا وحكاما لم تسطع
نفوسهم وعقلياتهم ان
ترقى الى مستوى الحدث الذي كان بمثابة القفزة الواسعة التي عرضت على مجمل حياتهم
وواقعهم بظهور الاسلام فيهم.
كل ذلك مع عدم توجههم لاهداف وتعاليم
نبيهم ودينهم ، وعدم اهتمامهم بالعمل على تطبيقها وتحقيقها.
نعم ... فبقيت علوم كثيرة ، ومنها علم
الطب مهملة عندهم ، ان لم تكن معدومة الى مطلع الدولة العباسية ، التي جاءت بعد
انتهاء الحكم الاموي ، الذي ساهم في اشباع الرغبة في الحكم والتسلط ، وبدأ الاتجاه
الى حياة الاستقرار والرخاء ومواجهة متطلبات الحضارة ، الامر الذي كان يفرض عليها
الاستجابة لهذه المتطلبات والحاجات ، التي يصعب اهمالها او تجاهلها.
فكان عصر النهضة العلمية ، وبدأ العصر
الذهبي ... واستطاع المسلمون في فترة وجيزة جدا ان يحققوا على صعيد العلم والمعرفة
اعظم المنجزات التي يمكن ان تحققها امة في فترة زمنية كهذه.
دور غير المسلمين في النهضة العلمية :
وكان طبيعيا ان يكون ظهور علم الطب بقوة
عند المسلمين في اجواء كهذه في مطلع الدولة العباسية ، بمساعدة متخصصين من الامم
الاخرى ، ولا سيما اولئك الذين انتهت اليهم المعارف الطبية الى تلك الفترة من
الزمن ، وهم اهل جند يشابور.
وترجم هؤلاء وغيره الكثير من الكتب
الطبية ، ومارسوا الطب في بلاط الخلفاء وغيرهم من الاعيان ، وحصلوا على الاموال
بأرقامها الخيالية.
ولا غرو ان نجد الحكام والخلفاء يهتمون
في ان يكون اطباؤهم من هؤلاء الذين هم من غير المسلمين ، بل من اليهود ، والنصارى
، والمجوس ، حتى لقد كان للمتوكل (٥٦) طبيبا كلهم من النصارى ... فانهم ما كانوا يطمئنون الا
اليهم ، ولا يعتمدون
في تنفيذ مآربهم السياسية ـ كتصفية خصومهم
ـ الا عليهم.
رغم وجود النطاسيين في هذا الفن من
المسلمين ، والذي كان لهم فيه اليد الطولى ، ابداعاً واختراعاً ، وشموليةً وعمقاً
، مثل : احمد بن ابي الاشعث ، وعلي بن عيسى الكحال ، واحمد بن محمد الطبري ، وابن
الصوري ، وغيرهم ممن يعد بالعشرات ، والمئات.
وقد كان علماء المسلمين يلومون الخلفاء
والوزراء في تعظيمهم النصارى للتطبب .
نعم ... لقد استعان المسلمون بغيرهم في
عالم الطب ... ولكنهم لم تمض عليهم مدة وجيزة حتى حققوا فيه اعظم المنجزات ، التي
يمكن ان يحققها انسان في فترة وظروف كتلك التي مرت على المسلمين آنذاك ... حتى لقد
ارسوا القواعد والاسس الصحيحة والسليمة لقيام النهضة الطبية في هذا القرن الرابع
عشر الهجري ... وعلى تلك القواع ، وهاتيك الاسس والمنجزات العظيمة اعتمدت اوربا
وغيرها في نهضتها الطبية الحاضرة ، كما هو معلوم.
هذا ... ونحن نشير هنا الى مجمل بسيط عن
الحركة العلمية الطبية الاسلامية ، وما يرتبط بذلك ، مع مراعاة الاختصار الشديد ،
حسبما يقتضيه المقام ... فنقول :
الطب في القرن الاول الهجري :
قد اشرنا فيما سبق الى انه قد كان في
زمن النبي 9 بعض
المعاريف من الاطباء آنئذ ، والى بعض معارفهم ، ونزيد هنا :
ان قوماً من الانصار قالوا : يا رسول
الله. ان لنا جاراً يشتكي بطنه ، افتأذن لنا ان نداويه؟ قال (ص) : بماذا تداوونه؟
قالوا : يهودي هاهنا يعالج من هذه العلة ، قال : بماذا؟ قالوا : بشق بطنه ،
فيستخرج منه شيئاً ، فكره ذلك رسول الله (ص) ولم يجبهم ، فعاودوه. مرتين او ثلاثا
، فقال : افعلوا ماشئتم ، فدعوا اليهودي فشق بطنه ، ونزع منه رجراجا كثيرا ، ثم
غسل بطنه ، ثم خاطه وداواه ، فصح ... واخبروا النبي بذلك ، فقال : ان الذي خلق
الادواء جعل لها الدواء ... الخ .
وعن ابن سنان عن ابي عبد الله (ع) قال :
سألته عن الرجل ينفصم سنه : ايصلح له ان يشدها بذهب؟ وان سقطت ، ايصلح ان يجعل
مكانها سن شاة؟ قال : نعم ، ان شاء ، ليشدها بعد ان تكون ذكية ... وعن الحلبي ،
عنه 7 مثله . وعن زرارة ، عن ابي عبد الله 7 ، قال : سأله ابي وانا حاضر ، عن الرجل
يسقط سنه ، فيأخذ من اسنان ميت ، فيجعله مكانه ، قال : لا بأس .
وقد تقدم : انه (ص) قد امر الضحاك بأن
يتخذ انفا من ذهب ... وتقدم : ان الحارث بن كلدة ـ وقد اختلف في اسلامه ـ قد الف
كتابا في الطب.
وفيما عدا ذلك ، فاننا لا نجد في القرن
الاول الهجري ، بل ... وحتى مطلع
الدولة العباسية اي
نشاط طبي عند المسلمين ـ الا ما يذكر عن النبي (ص) ، والائمة المعصومين : ـ ولا اسماء بعض اطباء عاشوا في
الجاهلية ، وصدر الاسلام مثل : ابن ابي رمثة ، والحارث بن كلدة ، والنضر بن الحارث
، وغيرهم ممن قدمنا ويذكر ايضا : انه لما ضرب امير المؤمنين علي 7 جمع له الاطباء ، وكان ابصرهم بالطب
ابن عمريا ، اثير بن عمرو السكوني. وكان صاحب كرسي يتطبب كما ان الذي جيء به لعلاج عمر حينما
طعن كان من الانصار من بني معاوية .
اما في عهد بني امية ، فنجد ان الحكام
كانوا يعتمدون على بعض الاطباء من اهل الملل الاخرى ، كابن اثال النصراني ، وابي
الحكم النصراني ، وثياذوق ، وابن ابجر المسيحي
طبيب عمر بن عبد العزيز ، وان كان البعض يحاول أن يدعي : أن خالد بن يزيد كان
ماهرا في الطب أيضا
، ولكن ذلك لايمكن الاعتماد عليه ، نعم يمكن ان يكون قد شجع على ترجمة بعض الكتب
الطبية كما سيأتي واذا كان حقا له بصر بهذا العلم فانه ولا شك لم يتعد المجال
النظري ، فلم يمارسه في يوم من الايام. والمشتهر عنه هو ميله الى صناعة الكيمياء ،
اما اتقانه لعلم الطب فلم نجده الا عند ابن خلكان.
ونجد ايضا في جملة من يعد ممن له معرفة
بالطب ، بعض النساء اللواتي عشن في زمنه 9
، مثل : رفيدة ، التي كان لها خيمة في مسجد الرسول لمداواة المرضى والجرحى ،
وامرأة من عذرة ، وليلى الغفارية ، وام سليم وام عطية ، وربيع بنت معوذ ، وغيرهن
... ممن سنذكرهن مع المصادر في
الفصل الخامس من
القسم الثاني من هذا الكتاب ، حين الكلام على معالجة وتمريض المرأة للرجل ... فالى
هناك.
وكانت ام جميلة تعالج من الكلف ، وقد
سألت عائشة عن ذلك ، فأمرتها بالاستمرار على ذلك .
وفي عهد بني امية ، كانت زينب الاودية
تتطبب ، وتعالج العين والجراح
واخيرا ... فاننا لا نجد في تتبع الحركة الطبية في هذه الفترة كبير فائدة ، لانها
كانت ضعيفة جدا ، بل تكاد تكون معدومة.
استدراك : ويذكر في الاطباء في القرن
الاول : مرة بن شراحيل الطبيب كما عند البلاذري في انساب الاشراف ج ٢ ص ٣٥٧ ، كما
ان رواية ابن سنان الانفة تدخل في نشاط القرن الثاني ، اما رواية زرارة فيحتمل
فيها ذلك.
الطب في كلمات المعصومين :
نعم ... لابد من التوفر الكامل على
دراسة الثروة الطبية الهائلة ، التي اتحفنا بها النبي 9 ، واهل بيته الكرام عليهم الصلاة
والسلام حيث انهم قد تكلموا في مختلف الشؤون الطبية بشكل واسع وشامل ، حتى في فترة
الركود الفكري والعلمي في زمن الامويين وغيرهم ، حسبما تقدمت الاشارة اليه.
وهذا ما يحتم التوفر التام على دراسة
تلك الثروة ، لاستخلاص الكنوز الرائعة ، والحقائق الجليلة ، التي تضمنتها كلماتهم
، وحوتها تعاليمهم الفذة.
واننا لعلى يقين من انه لو اوليت هذه
النصوص ما تستحقه من عناية واهتمام لامكن الخروج بنتائج يمكن ان تكون على درجة
كبيرة من الاهمية
حتى بالنسبة للحياة
الطبية الحاضرة.
هذا ... ولا يسعنا هنا الا ان نعبر عن
اسفنا العميق ، لاننا رأينا : ان المسلمين الذين عاصروا النبي 9 ، والائمة : ... لا يهتمون ـ حتى شيعتهم ـ الا ببعض
العلوم الطبية ، التي كرسوا لها كل اوقاتهم وجهودهم واهتماماتهم ، واهملوا ما
عداها ... حتى اننا لنجد الائمة :
يحاولون توجيههم نحو البحث عن العلل والاسباب ، فنجد الامام الباقر (ع) يأمر
اصحابه اذا افتاهم بفتوى : ان يسألوه عن مخرج الفتوى ومأخذها من القرآن الكريم ...
ولكن الملاحظ : هو ان ذلك التوجيه والتحريض لم يكن له الاثر المرجو والمطلوب ، حيث
نجد : انهم ـ مع ذلك ـ كانوا يكتفون منه بالجواب عن المسألة فقط!!.
ولعل عدم اهتمامهم هذا يفسر لنا ما
نلاحظه من عدم وجود سند صحيح ـ غالبا ـ للروايات الواردة في الطب ، والمأكولات ،
والادوية ونحوها ، ولا اهتم ارباب الجرح والتعديل بنقد اسانيدها وتصحيحها.
وعلى كل حال ... فأما بالنسبة الى الطب
فيما بعد القرن الاول الهجري فلا بد من ايجاز القول فيه على النحو التالي :
المسلمون ... والطب :
ويحاول كثيرون ، ولاهداف لاتخفى!! ان
يعطوا المنجزات الطبية ، وكل تقدم علمي صفة قومية بالدرجة الاولى ، فهذا يركز :
اليونان ...
وهذا على المصريين ...
وذاك على الفرس ...
وذاك على العرب ...
وهكذا ...
ونقول لكل هؤلاء : لماذا لم تستطع تلك
الامم في كل تاريخها الطويل
الذي يعد بألوف
السنين ، الذي عاشته قبل ظهور الاسلام ان تحقق تقدما يوازي او حتى يداني التقدم
الذي حققته في هذه الفترة الوجيزة التي عاشتها في ظل الاسلام؟!
بل ان كل منجزاتها بدون الاسلام ليست
شيئا يستحق الذكر اذا ما قورنت بمنجزاتها في هذه الفترة المحدودة.
مع ان تلك الامم قد كانت تمتلك ـ قبل
الاسلام ـ الدولة القوية ، والموارد المادية الضخمة ، والمعنويات العالية ،
والطموحات البعيدة ، حسبما يدعون ، او حسبما يريدون الايحاء به للبسطاء والسذج من
الناس.
وهكذا ... فانه يجب ان يعزى ما حققه
المسلمون على اختلاف اجناسهم الى الاسلام نفسه ، واعتباره العامل الرئيس في تفجير
الطاقات ، وتحقيق الطموحات.
بل اننا نجد الاخرين الذين لم يعتنقوا
الاسلام ، رغم انهم كانوا المعلمين الاول للمسلمين في علم الطب ، وهم اهل
جنديشابور وغيرهم من اتباع الاديان المختلفة ، قد بدأ يتقلص ظلهم ، ويأفل نجمهم ،
كلما زاد شمس المعارف الطبيبة في العالم الاسلامي والذي كان يتم بسرعة مذهلة.
نعم ... لقد تقلص ظلهم ، وافل نجمهم ،
مع انه قد كان لخلفاء المسلمين وحكامهم عناية فائقة بهم ، واهتماما لا نظير له
بشؤونهم.
وحسبنا ما ذكرناه هنا ، ولننقل الكلام
الى عصر النهضة العلمية لدى المسلمين ... والذي يستدعي منا الحديث في نقاط عديدة ،
منها :
١ ـ حركة الترجمة في العلوم الطبية
وغيرها.
٢ ـ حركة التأليف ، وازدهار الطب عند
المسلمين.
٣ ـ بعض المنجزات العلمية للمسلمين ،
واثر المسلمين في النهضة الطبية الحديثة.
٤ ـ اثر المسلمين في الصيدلة.
٥ ـ اشارة الى بعض الخدمات الطبية ،
كبناء المستشفيات ونحوها.
الى غير ذلك من الامور التي يقتضيها
البحث : والتي ربما لايمكن تجاهلها فالى المطالب التالية :
حركة الترجمة :
لقد بدأت الترجمة في الحقيقة في القرن
الاول الهجري ، ولكن بشكل محدود جدا ، ونشطت في مطلع الدولة العباسية ( التي اسست
سنة ١٣٢ هـ ) وانتعشت اكثر في زمن هارون ، الذي توفي سنة ١٩٣ هـ. وبلغت ذروتها في
زمن المأمون المتوفى سنة ٢١٨ هـ.
وبنشاط حركة التأليف والابداع لدى
المسلمين ... بدأت حركة الترجمة بالتراجع ، فلم يعد لها في اواسط القرن الثالث فما
بعده رونق يميزها عن غيرها من النشاطات ، ان لم نقل : انها لم يعد لها رونق اصلا
... بل يرى البعض : ان اكثر الترجمات قد كانت ما بين اواسط النصف الاول من القرن
الثاني ، وحتى النصف الاول من القرن الثالث .
وعلى كل حال ... فقد كان غير المسلمين
هم الذين يقومون بأمر الترجمة بصورة عامة ، سواء في ذلك النصارى ، او اليهود ، او
غيرهم ... فهم رواد هذه الحركة ، وعليهم كان الاعتماد فيها ... ولكننا لايجب ان
ننسى هنا دور النوبختيين في الترجمة ، وهم من الفرس ، المسلمين ، الشيعة ، فانهم
قد اسدوا خدمات جلى في هذا السبيل ،
ويقول كوستاف لوبون : ان اول كتاب طبي
ترجم الى العربية قد ترجمه هارون سنة ٦٨٥ ميلادية ... ونحن نعتقد : انه قد غلط في ذلك ،
فـ :
اولاً : ان الكتاب هو كناش « اي مجموعة
فيها قواعد وفوائد طبية » من مؤلفات ( اهرن ) ، وقد ترجمه ماسرجويه ، اما في زمن
عمر بن عبد العزيز ،
او انه ترجمه في زمن
مروان بن الحكم ، وبقى في خزائن الكتب حتى اخرجه ابن عبد العزيز الى الناس .
وثانيا : اننا نجدهم يقولون : ان ابن
اثال طبيب معاوية ـ الذي قتل في زمنه ـ قد سبق الى ترجمة كتاب في الادوية المفردة
من اليونانية الى العربية
... وبمثل ذلك يرد على من زعم ان خالد بن يزيد كان اول من ترجم كتب النجوم والطب
... الخ
، ويقول وجدي : ان ابن وحشية قد ترجم عن الكلدان كتابا في السموم وذلك في سنة ١٧٠
ميلادية .
وهو غلط ايضا ، فان ابن وحشية قد عاش في
اواخر القرن الثالث ، وفي مطلع القرن الرابع الهجري ، ومما ذكرنا نعرف عدم صحة قولهم : ان
جورجس هو اول من ابتدأ في نقل الكتب الطبية الى العربية عندما استدعاه المنصور .
وعلى كل حال ... فانهم يقولون : ان
الخليفة العباسي هارون قد ارسل الى روما من جلب له الكتب الخطية الطبية ... كما
انه هو نفسه قد جلب معه مخطوطات من انقرة ، وعمورية وغيرها من بلاد الروم ، وطلب
من يوحنا
بن ماسويه ، ان
يترجمها من اليونانية الى العربية .
اما في زمن المأمون فقد بلغ هذا الامر
ذروته ، حتى ليذكرون ، انه كان يعطى وزن ما يترجم له ذهبا ، بل لقد ذكر وجدي : ان المأمون قد جعل
بعض شروط الصلح مع اليونانيين اعطاءه نسخة من كتاب نادر الوجود .
كما انه قد ارسل جماعة الى بلاد الروم
ليأتوه بالمخطوطات.
واسس دار الحكمة المشهورة ، وكان فيها قسم للترجمة .. وبعضهم ينسب دار الحكمة
للرشيد ، لكن من المؤكد انها قد بلغت اوج عظمتها في عهد المأمون ...
كما ان الاهتمام بجمع المخطوطات لم يكن
مقصورا على الخلفاء ، بل كان غيرهم من الاعيان يهتم بذلك ايضا ...
وقد نقلوا الى العربية كتاب جالينوس
وابقراط وغيرهما ... ومن المعروفين بالنقل : حنين بن اسحاق ، وحبيش الاعسم واصطفان بن بسيل ، وثابت بن قرة ،
واسحاق بن سليمان ، وابن البطريق ، ومنكه الهندي ، وقسطا بن لوقا البعلبكي ،
وابن دهن ، وغيرهم
كثير ، فراجع الباب التاسع من عيون الانباء للاطلاع على اسماء الكثيرين منهم ...
المشتغلون بالطب في عصر الترجمة :
اما الذين كانوا يمارسون الطب في عصر
الترجمة ، فقد كان اكثرهم من غير المسلمين ... واكثرهم من نفس اولئك الذين كانوا
يهتمون بالترجمة الى اللغة العربية ...
وقد اشتهر في ذلك العصر من هؤلاء آل
بختيشوع ، ابتداء من جرجيس الذي استقدمه المنصور من جنديشابور ، ثم ولده بختيشوع ،
الذي استقدمه الرشيد ،
وجعله كبير ورئيس الاطباء ، ثم ابنه جبرئيل ، ثم ابنه بختيشوع ، الذي غضب عليه
الواثق فاعاده الى جنديشابور وصادر كل مايملك ، ثم عاد فطلبه منها ، فوصلها بعد
موت الواثق ... فاحتفى به المتوكل ، ثم يأتي عبيد الله بن بختيشوع.
وهناك من مشاهير اطبائهم : يوحنا بن
ماسويه ، الذي عينه المأمون رئيساً لبيت الحكمة سنة ٢١٥ ، وقسطا بن لوقا البعلبكي
، وثابت بن قرة ، وسعيد بن يعقوب ، وغيرهم كثيرون ...
بين الشهرة ... والواقع :
لقد اشتهر الجنديشابوريون في بادىء
الامر بصناعة الطب ، بشكل ليس له مثيل ، وكان لتأييد الحكام لهم نصيب وافر من هذه
الشهرة التي حصلت لهم ، وفي مقام التدليل على مدى همينة غير المسلمين في مجال الطب
، وانبهار الناس بهم
__________________
وتبيعتهم لهم ، ولا
سيما الجنديشابوريين منهم نذكر القصة التي رواها او صنعها الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥
هـ.
وهي على النحو التالي :
يقول الجاحظ :
كان أسد بن جاني رجلا طبيباً ، وفي فترة ما توقف عمله ،
وكسدت سوقه ، فقال له احد الاشخاص : الاوبئة كثيرة في هذه السنة ، وقد انتشرت
الامراض كثيرا بين الناس ، وانت رجل عالم ، ولك صبر واناة ، كما وانك خدوم للناس ،
صاحب لسان ، وعارف بأحوال الناس ... ومع كل هذا فما هو السر في كساد سوقك؟!
فأجاب : اولا : انني مسلم ، والناس قبل
ان اكون طبيبا ، بل وقبل ان اخلق ، يعتقدون : ان المسلم لا يكون طبيبا ناجحا ...
وثانيا : ان اسمى ( اسد ) في حين يجب ان
يكون اسمى صليبا ، او مرابل ، او يوحنا ، او بيرا ... وكنيتي : ابو الحارث. في حين
انها يجب ان تكون : ابا ـ عيسى ، او ابو زكريا ، او ابو ابراهيم ... وارتدى عباءة
من الكتان الابيض .
في حين انه كان يجب ان البس عباءة من الحرير الاسود نعم .. هكذا اصبح الناس
يعتقدون في غير
المسلمين ، وبالاخص الجنديشابوريين منهم ، كما ارادوا هم لانفسهم واراد لهم الحكام
المتسلطون.
وقد كان العلماء يلومون الخلفاء
والوزراء في تعظيمهم النصارى للتطبب ، كما قدمنا ...
ولكننا لو راجعنا الوقائع التاريخية ،
واردنا ان نحكم عليها حكم المنصف والمتجرد عن كل هوى وتعصب ، فاننا نجد :
انه لم يكن لدى الاطباء غير المسلمين
تلك البراعة الخارقة للعادة في صناعة الطب ، وان كان لهم الفضل في نقل تراث الامم
الاخرى الى لغة الاسلام ..
وكمثال على ذلك نذكر : ان سلمويه يعتبر
يوحنا بن ماسويه مثلا وهو اشهر طبيب في عهد المأمون من اجهل خلق الله بمقدار الداء
والدواء .
كما ان ابا قريش قد كان عند المهدي : « نظير جرجس بن
جبرائيل في المرتبة ، بل اكبر منه حتى تقدمه في المرتبة ، وتوفى المهدي واستخلف
هارون الرشيد ، وتوفى جرجس ، وسار ابنه ( اي بختيشوع ) تبع ابي قريش في خدمة
الرشيد.
»
ولكن التجليل والتعظيم ، والصيت الواسع
كان لبختيشوع ، دون ابي قريش .. كما اننا نجد ان هذا الصيت العظيم للاطباء من غير
المسلمين ، قد اثر على التاريخ كما يظهر ذلك من ملاحظة الموسوعات ، وكتب التراجم.
فانهم يهتمون جدا في ترجمة الاطباء غير المسلمين ويطنبون فيها كثيرا .. اما الطبيب
المسلم الحاذق
العظيم فان ترجمته
لاتتجاوز الاسطر القليلة ، الا اذا كان مثل الرازي ، وابن سينا اللذين لايمكن
تجاهلهما ...
يكفى ان نذكر : اننا نلاحظ : انهم
يترجمون الزهراوي الذي اعتمد عليه الاوروبيون في الطب الجراحي وغيره لم يترجم الا
بثلاثة اسطر ، وكذا بالنسبة لعلي بن العباس وقد اشرنا الى ذلك فيما تقدم.
وقد بدا ان اهل جنديشابور كانوا مغرورين
بأنفسهم جدا ، وقد تجاوزوا الواقع في تصوراتهم لقدراتهم الحقيقية ، حتى ليقول
القفطي :
« ان الجنديشابوريين كانوا يعتقدون انهم
اهل هذا العلم ، ولا يخرجونه عنهم وعن اولادهم وجنسهم » :
نعم ... ولكن نجم جنديشابور قد افل ،
واشعاعها قد خبا ، بنبوغ مهرة الاطباء ، افذاذ الفن واساطينه من المسلمين ـ وما اكثرهم
... وآخر من ورد اسمه كرئيس لمستشفى جنديشابور هو سابور بن سهل المتوفى سنة ٢٥٥ .
وأخر وقعة ورد فيها اسم جنديسابور هي ما
بين سنة ٢٦٢ ـ ٢٦٥ حيث يذكرون ان يعقوب بن ليث الصفار قد جعل جنديشابور مقرا له ،
حينما تأهب لفتح خوزستان
حركة التأليف ، وازدهار الطب عند المسلمين :
وكانت العلوم في فترة حركة الترجمة تنضج
شيئا فشيئا لدى المسلمين ، وبدأت منذ عصر الترجمة حركة التأليف شيئا فشيئا ، ونشطت
كثيرا في النصف الثاني من القرن الثالث ، وبدأ دور الترجمة بالتراجع والتقلص بنسبة
ازدياد النشاط العلمي والتأليفي في البلاد.
ويظهر : ان التأليف الاسلامي قد بدأ من
النصف الاول من القرن الثالث ، حيث نجدهم يذكرون بعض المؤلفات لعلي بن ربن الطبري
وغيره من الاطباء المسلمين ، الذين عاشوا في القرن الثاني ومطلع القرن الثالث ،
هذا ... ان لم نقل : ان الحارث بن كلدة ـ اول مسلم الف في الطب ... على فرض ثبوت
ذلك ... كما اشرنا اليه فيما تقدم ... .
والمهم هنا هو اننا نلاحظ : ان المسلمين
قد عنوا بالطب عناية فائقة ، ونبغ منهم علماء كبار ، وجهابذة افذاذ انسوا من كان
قبلهم ، ومهدوا السبيل لمن جاء بعدهم ، وعلى اساس نظرياتهم ، وابتكاراتهم ،
ومنجزاتهم كانت النهضة الكبرى في القرن العشرين ، اي الرابع عشر الهجري .. فهم
وحدهم آباء هذا العلم ـ كما كانوا آباء غيره من العلوم ـ في العصر الحديث.
كما اننا نجد : ان بغداد مقر الخلافة
العباسية لم تعد هي المركز الطبي الوحيد ، فان انقسام الدولة الاسلامية الى ممالك
صغيرة مستقلة قد حمل معه ظاهرة تكون مراكز كثيرة للعلوم الطبية في مختلف انحاء
العالم الاسلامي ، كغزنة ، والقيروان ، ومصر وغيرها ؛ الامر الذي هيأ الجو لظهور
نوابغ في هذا العلم في مختلف ارجاء الدولة الاسلامية ... ومهد السبيل لتخرج اعداد
هائلة من الاطباء
من مختلف
الاختصاصات. ومن ثم انتاج اعداد ضخمة جدا من المؤلفات في هذا العلم ، لم يستطع
المؤلفون في التراجم والموسوعات حتى احصاء اسمائها ، مع شدة عنايتهم بذلك ،
واصرارهم عليه .. وعلى مؤلفات المسلمين ، ومنجزاتهم العلمية كانت النهضة الطبية
المعاصرة ، كما سنشير اليه ... ونستطيع ان نجمل مظاهر الحضارة الاسلامية في المجال
الطبي واثر المسلمين في النهضة الطبية الكبرى في العناوين والبحوث التالية :
المؤلفات الطبية ، واثرها في النهضة الاخيرة :
يقول الدكتور فيليب حتى : « في القرن
العاشر للميلاد ظهر اطباء مسلمون من المرتبة العالية اغنوا بمؤلفاتهم التراث الطبي
في الشرق وفي الغرب. ، وكان معظم اولئك الاطباء من الفرس انما كانوا يؤلفون كتبهم
باللغة العربية » .
وعن كتاب القانون لابن سينا يقول : «
وقد ترجمه الى اللاتينية جرارد الكرموني في طليطلة في القرن الثاني عشر ، فاحتل
بذلك محل الكتب المدرسية الطبية السابقة ، وظل كتابا مدرسيا قرونا عديدة.
اما في الشرق فقد ظل كتاب القانون في
الطب المرجع الاوحد في الطب ، الى ان حل محله الكتب الطبية العصرية التي ظهرت في
القرن التاسع عشر » .
اما محمد الخليلي ، فيقول : انه قد نشر
من كتاب القانون طبعة عربية في روما سنة ١٥٩٣ م وفي بولاق مصر سنة ١٨٧٧ م وفي
الهند سنة ١٣٢٣ م.
وظهرت له في اوربا عدة شروح ، وترجمت
اجزاء اخرى منه الى اللغة الافرنسية ، والالمانية ، والانجليزية ، وغيرها من لغات
اوربا ، كما ترجمت الى التركية ، والفارسية.
وبالجملة : فقد كان القانون من اجل
الكتب التي تدرس في جامعتي ( مونبليه )
و ( لوفان ) الى
اواسط القرن السابع عشر ، كما كان البرنامج الطبي في قينا سنة ١٥٢٠ م وفي فرنكفورت
سنة ١٥٥٨ م اكثره على القانون ، وعلى المنصوري.
قال العلامة ساربوري في كتابه : تاريخ
العلم : كان كتاب القانون ذلك المعلم الطبي العظيم توراة الطب ، اي دستوره المقدس.
وقال الدكتور ( ماكس ما يرهوف ) في
كتابه : تراث الاسلام : ان ابن سينا قد جمع في قانونه تراث اليونان الى اختبار العرب
، فكان اسمى ما بلغه من التنظيم العلمي العربي. ثم قال في موضع آخر : والمرجح انه
لم يوضع في تاريخ الطب كتاب عنى العلماء بدراسته كهذا الكتاب ، اي القانون.
ولكن منذ القرن السابع عشر الى التاسع
عشر وضعت كتب افرنجية زاحمت القانون في نفوذه ، وان كان تأثيره لم ينقطع تماما ...
انتهى.
والخلاصة : ان اوربا قد ظلت قرونا عديدة
وكتب الشيخ الرئيس مرجعها الوحيد في الدراسة الطبية والفلسفية . وكان ابن سينا يلقب في اوربا بملك
الاطباء ، وظل كتابه يدرس الى سنة ١٦٥٠ م في جامعة لوون في بلجيكا ، ومنبلييه في
فرنسا ..
ويقول فيليب حتى عن كتاب « الملكي »
لعلي بن العباس : انه الكتاب الوحيد الذي نقله الصليبيون الى اللغة اللاتينية. وقد
ظل كتابا مدرسيا في الشرق والغرب الى ان حل محله الكتاب الذي وضعه ابن سينا ، وهذا
اشبه بموسوعة طبية » .
ويذكر كوستاف لوبون : ان كتاب الملكي قد
ترجم سنة ١١٢٧ وطبع في سنة ١٥٢٣ م .
كما ان كتاب الحاوي للرازي قد ترجم الى
اللاتينية ، وطبع مرارا « يستعمل ككتاب مدرسي في المعاهد الطبية الاوربية ، ان علم
الرازي وفضله على العلوم الطبية يرفعان من قدره ، ويجعلانه يحتل مرتبة بين عظماء
المفكرين الخلاقين في اوربا الوسيطة .. » .
وعلى كل حال .. فان كتب الرازي قد بقيت
مدة طويلة جزءاً من الكتب الدراسية حتى القرن السابع عشر. وكذلك كتب ابن سينا ،
ويوجد بها فرمان لمدرسة دار الفنون مؤرخ في سنة ١٦١٧ ميلادية .
ولم يقتصر الامر على كتاب الحاوي من
مصنفات الرازي ؛ بل ان اكثر مصنفاته قد ترجمت الى اللاتينية وطبعت مرارا ابتداء من
سنة ١٥٠٩ ميلادية .
اما كوستاف لوبون فقد اجمل ما تقدم
بقوله : « لقد ترجمت كتب ابن سينا الى مختلف لغات الدنيا ، وبقيت حوالي ستة قرون
تعتبر اصول ومباني الطب ، كما ان مدارس الطب ، وخصوصا دار الفنون في فرنسا
وايطاليا كانت تقتصر على تدريس كتبه ، ولم يمض خمسون سنة ، على خروج كتبه من
الدراسة في فرنسا ..
ولايقصر عن ذلك اهتمام الاروبيين بكتب
الرازي ترجمة وتدريسا. وهناك كتب ابن رشد الطبية التي طبعت مرارا في اوربا ، كذلك
كتاب علي بن عباس ...
واكثر من ذلك ، فان كل الجراحين الذين
جاؤا بعد القرن الرابع عشر للميلاد قد اعتمدوا ـ كما يقول هالر ـ على كتب الزهراوي
الاندلسي ( المعروف
بالبقاسس ) المتوفى
سنة ١١٠٧ ميلادية ، صاحب كتاب : التصريف لمن عجز عن التأليف ، وقد اخترع هذا
العالم بنفسه كثيرا من آلات الجراحة ، وبحث عن تفتيت الحصاة بشكل كامل ، مع ان هذا
يعد « غلطا » من الاعمال الجديدة ، واول طبعة لكتابه باللاتينية كانت سنة ١٤٩٧
وآخرها سنة ١٨٦١ ميلادية الخ كلامه .
وهناك ايضا كتاب التيسير لابن زهر
الاندلسي ، الذي عاش في القرن السادس للهجرة ، وقد استفاد منه الافرنج في نهضتهم
الحديثة
ويقول بروكلمان عن كتاب الزهراوي المنسوب الى الزهراء ضاحية في قرطبة ، والمتوفى
سنة ١٠٢٣ : « والحق ان الاجيال التالية احتفلت احتفالا خاصا بالجزء المفرد للجراحة
في هذا الكتاب بما يشتمل عليه من وصف مفصل للالات الجراحية ، فنقل الى اللاتينية
في القرن الخامس عشر ، ونشر في طبعات عدة » .
هذا ... وبمراجعة بسيطة الى لوائح
مؤلفات الاطباء المسلمين والفروع التي تطرقوا اليها يعرف الى اي حد بلغ الطب عندهم
في تشعباته وفروعه المختلفة ... ويكفى ان نذكر ان البعض يعتبر انه بعد ان شرع
المسلمون يعملون مستقلين ، برز عطاؤهم المبتكر بصورة خاصة في حقل التطبيب ، وفي
الرياضيات والجغرافيا .
وقد فاته انهم قد برز عطاؤهم المبتكر في
غير ذلك من العلوم ايضا كالكيمياء وغيرها ، وقد يكون من بينها ما ابدعوا فيه اكثر
من ابداعهم في هذه العلوم التي اشار اليها.
واخيرا ... فان كوستاف لوبون يقول : بما
ان الكتب الطبية العربية قد
ترجمت عموما الى
اللغات الاوربية ، فانها لم تتعرض للضياع كثيرا ، كما كان الحال بالنسبة لسائر
الكتب .
ولكن الحقيقة هي : ان من يراجع كتب
الموسوعات والتراجم يجد اسماء آلاف من الكتب الطبية فيها ـ وهم لم يذكروا الا قسما
محدودا منها ـ ولم يوجد لها في هذه الايام عين ولا اثر ، فليراجع على سبيل المثال
: كتاب : كشف الظنون ، وعيون الانباء ، وتاريخ الحكماء ، والفهرست لابن النديم
وغيرها ليجد ان معظم الكتب الطبية الاسلامية ولا تعرف الا اسماء عدد محدود منها.
بعض منجزات المسلمين الطبية :
انه لا ريب في ان الطب كان يعتبر في شرق
البلاد الاسلامية وغربها من ارفع العلوم شأنا ، واسماها مقاما ، كما اشار اليه
البعض .
كما انه لا ريب في ان للمسلمين بحوثا
عميقة في الطب ، وحصلوا على نتائج كبيرة فيه
وقد طوروا علم الطب ، وفن الجراحة الى اعلى الدرجات .
وبقيت اوربا تعتمد على تصانيفهم في
الجراحة حتى الازمنة المتأخرة ، وكذا استعمالهم البنج في الجراحة ، وغير ذلك كثير
... وقد اكتشفوا الكثير من المعالجات التي لا تزال متداولة الى اليوم .
كما ان الرازي هو اول من استعمل
السبيرتو ، والفتيلة ذات الطرفين في معالجة الجراح ، كما انه اول من استعمل الماء
البارد في الحمى الدائمة .
قال محمد الخليلي عن الرازي : « هو اول
من اكتشف زيت الزاج المسمى اليوم حامض الكبريتيك ، ويدعى في اللغة العربية الزاج
الاخضر ، وكان قبلا يسمى زيت الرازي ، وقد استخرجه من كبريتات الحديد ، وطريقة
استعماله لا تزال مستعملة كما هي ، وهو اول من استخرج الكحول « اي السبيرتو » ،
واستحضرها من المواد النشوية والسكرية المختمرة : وهو اول من عرف الجدري وعزل
المصابين به في مستشفاه ، وامر بعزلهم في البيوت. وهو اول من عرف الامراض السارية
، وهو اول من اخترع الخلال المعروف عند اطباء العرب ، وهو ان يثقب الجلد ، ويمرر
فيه غليظ ليسيل الصديد من الدنبلة ، او اي ورم اخر ... انتهى » .
وعلى كل حال فان في اكتشاف الرازي
للسبيرتو ، واسيد السولفوريك يكون قد اسدى خدمة جلى للطب .
اما الفتائل ذات الطرفين ، والمشار
اليها آنفاً ، فانها كانت لا تزال مستعملة الى اواسط النصف الاول من القرن الرابع
عشر الهجري.
كما ان الرزاي هو اول من شرح تشعبات
الاعصاب في الرأس والرقبة بشكل واف وواضح ، وهو اول من اجرى عملية خياطة جرح
المعدة بواسطة المصران المعوج في الغنم ، كما انه اول من اكتشف الطب المفصلي ،
واستعمل القطن .
ويقول فيليب حتى : « ... وقد الف الرازي
اقدم كتاب طبي يميز فيه سريريا بين الحصبة والجدري ، ولسنا نعلم : ان الاغريق او
غيرهم من الشعوب توصل الى هذه المعرفة قبل عهد الرازي » .
ويضيف : « ان علم الرازي وفضله على
العلوم الطبية يرفعان من قدره ويجعلانه يحتل مرتبة بين عظماء المفكرين الخلاقين في
اوربا الوسيطة. »
ولست ادري اين هؤلاء العظماء الخلاقون
في اوربا الوسيطة؟! وهل كان في اوربا آنذاك عظيم؟! او ليست اوربا لا تزال تعتمد
على علم الرازي وامثاله من علماء المسلمين حتى الامس القريب؟! ..
او ليس يقولون؟ ان محمد بن احمد الحتاتي
الذي نشأ في القاهرة ، والمتوفى سنة ١٠٥٢ هـ قد : « رحل الى الروم ، ومكث بها مدة
طويلة ، ولم يسعفه الدهر بما يروم ، فتنقل في المدارس حتى صار رئيس الاطباء في
اسكى سرايا ثم رجع الى القاهرة؟
».
ويدعى فيليب حتى : ان من مبتكرات كتاب
الملكي لعلي بن العباس « اشارة الى وجود الحركة الدموية الشعرية ، والى ان الطفل
عند الولادة لا يخرج من تلقاء نفسه ، بل بفضل تقلصات عضلية الرحم ».
وقد فاته ان الحقيقة هي : ان الامام الصادق
7 هو اول من
نبه الى حقيقة الدورة الدموية وشرحها واوضحها بشكل واف وكامل ، كما اثبته محمد
الخليلي في كتابه : « طب الامام الصادق 7
» وقرر انه قد
سبق هارفي ، الذي لايزال الكثيرون يهللون ويكبرون ويهتفون باسمه على انه هو مكتشف
الدورة الدموية ، وقد سبق بها غيره ...
المنجرات الطبية لابن سينا :
وعن ابن سينا وقانونه في الطب ، نجدهم
يقولون : ان من حسنات
هذا الكتاب : انه
يميز بين التهاب المنصف الصدري ( الحيزوم ) وبين ذات الجنب ، وينص كذلك على ان
السحاق ينتقل بالعدوى ، وان عدوى الامراض تسرى بواسطة الماء والتراب » .
قال الاستاذ محمد الخليلي : « لقد امتاز
الرئيس ابن سينا على ابقراط وارسطو وجالينوس بدقته في مناقشة الحالات المرضية ،
ومهارته في فن التشخيص ، ومبحث اسباب الامراض.
فهو اول من وصف الالتهاب السحائي ، اي
البرسام الحاد ، وميزه عن سائر الامراض الحادة المصحوبة بالهذيان. وقد كان ذلك
يشتبه على اليونانيين ، وهو اول من اوضح ان التهاب البلورا « ذات الجنب » ،
والتهاب الرئة « ذات الرئة » قد تنتج عنهما اعراض سر سامية ، وان التهاب السحايا
في تلك الحالات يعتبر نذيرا بالموت.
وهو اول من اجاد في شرح امراض الجهاز
التنفسي ، واتقن وصف الامراض العصبية. وله الفضل في ابتكار كثير من طرق العلاج
النفساني.
وهو اول من اختص بالقول : بأن الحصبة
اكثر ما تكون عدواها في الربيع والخريف ، وانها اكثر وقوعا في هذين الفصلين ، وان
الاطفال اكثر اصابة بهما. وهو اول من وصف علاج البواسير بالشق.
وهو اول من اكتشف اندعام عضلات العين ،
وادخل من انواع العقاقير الطبية في العلاج كثيرا لم يكن مستعملا من ذي قبل.
وهو او من اكتشف الطفيلية اي الدودة
الموجودة في الانسان المسماة اليوم في اصطلاح الطب الحديث « انكلستوما » وقد ذكرها
في فصل ديدان المعدة ، من كتاب القانون. وقد اعاد اكتشافها « زوييني » الايطالي في
القرن التاسع عشر ( اي القرن الثالث عشر الهجري ) ، اي بعد اكتشاف ابن سينا بتسع
قرون ، وقد اخذ جميع
مؤلفي الغرب بهذا الرأي في مؤلفاتهم الحديثة سيما في مؤسسة ( روكفلر ) معترفين
لابن سينا بالفضل في سبقه.
وهو اول من اكتشف الالة المسماة اليوم (
الوارنية ) وهي الالة المستعملة لقياس الاطوال بالدقة المتناهية.
وهو اول من شرح قلب الجنين ، وقسمه الى
الاقسام المعروفة عندنا اليوم ، ووصف الثقب الموجود في الجدار الفاصل بين الاذنين
، وقال : ان هذا الثقب يسد حالا عندما يتنفس المولود لاول مرة ، وبذلك تبتدىء
الدورة الدموية الرئوية ... »
وما قاله ابن سينا في تشريح العين ،
ووصف عضلات الحدقة مطابق تماما لما توصل اليه الطب في هذه الايام ، كما انه قد
ادرك اهمية عصب العين ، وهو اول من تنبه لذلك فيما نعلم ..
كما ان ما ذكره ابن سينا عن مرض السل ،
ومرض آسم ( وهو الربو ) هو نفس ما توصل اليه اطباء اليوم .
ويقول جرجي زيدان وكذلك هم يقولون : «
اما ما احدثوه من عند انفسهم رأساً ؛ فالاحاطة به من الامور الشاقة التي يعسر
تحقيقها ، فنذكر ما ثبت عندنا حدوثه على سبيل المثال :
من ذلك : انهم احدثوا في الطب آراء
جديدة ، تخالف آراء القدماء في تدبير الامراض ، وان لم يصلنا الا خبر القليل منها
، مثل نقلهم تدبير اكثر الامراض التي كانت تعالج قديما بالادوية الحارة على
اصطلاحهم الى
التدبير البارد ،
كالفالج ، واللقوة ، والاسترخاء ، وغيرها ... والعرب اول من استخدم المرقد ( البنج ) في
الطب ... وهم اول من استخدم الخلال ... وقد وجد محققوا الافرنج ان العرب اول من استخدم الكاويات على نحو
استخدامها اليوم ، وانهم اول من وجه الفكر الى شكل الاظافر في المصدرووين ، ووصفوا
علاج اليرقان ، والهواء الاصفر. واستعملوا الافيون بمقادير كبيرة لمعالجة الجنون.
ووصفوا صب الماء البارد لقطع النزف. وعالجوا خلع الكتف بالطريقة المعروفة في
الجراحة برد المقاومة الفجائي. ووصفوا ابرة الماء الازرق ، وهو قدح العين. واشاروا
الى عملية تفتيت الحصاة » .
ويضيف كوستاف لوبون : ان المسلمين كانوا
يقومون بعلميات جراحية لاخراج الماء من العين ، ويقومون باخراج « جليدية » منها ..
كما ان الزهراوي قد قدم شرحا وافيا عن عملية تفتيت الحصاة ، واستعمال الماء البارد
لقطع نزف الدم ، واستعمال المكويات والفتائل للجراح ، والكي بالنار.
وكان المسلمون يعتمدون على قوانين
الوقاية الصحية كثيرا ومعرفتهم بها كانت كاملة ، ويستفيدون من الطبيعة اكثر ،
ومسألة الحمية التي هي من التعاليم الاكيدة في الطب الحديث كانت اصلا عندهم ،
وكانوا موفقين جدا في ممارساتهم الطبية بالقياس الى هذا العصر ، بل لم يكن الاطباء
المسلمون في القرن العاشر الميلادي يقدمون من الضحايا بقدر ما يقدمه اطباء اليوم ،
والاحكام القرآنية ، كالوضوء ، والغسل ، والتيمم ، وتحريم المسكرات ، وترجيح
الاغذية النباتية على اللحوم في المناطق الحارة كانت حكيمة ونافعة جدا في الوقاية.
كما ان
التعاليم الصحية
التي جاءت عن نفس النبي (ص) قد كانت في غاية الدقة والمتانة ، ولا يمكن الاعتراض
عليها ، وقد وردت على شكل كلمات قصار يسهل حفظها على كل احد .
الصيدلة :
لقد نبغ المسلمون في الصيدلة ، واهتموا
بالنباتات ، ومعرفة خواصها ، وممن نبغ منهم في علم النبات ، ابن الصوري ، وابن
البيطار ، وابن ابي اصيبعة ، وغيرهم ، ويقولون ايضا : انهم هم الذين اخترعوا فن
الصيدلة ، وانشأوا حدائق نظامية لدراسة علم النبات والاعشاب في بغداد ، وغيرها من
المدن . وقد ادخل
المسلمون في المادة الطبية كثيرا من انواع الاعشاب والمعادن ، مما لو يكن معروفا
لغيرهم .
وكان رشيد الدين ابن الصوري ، المتوفى
سنة ٦٣٩ ، صاحب كتاب الادوية المفردة الذي استقصى فيه ذكر الادوية المفردة ، وذكر
فيه ادوية اطلع على معرفتها ، ومنافعها لم يذكرها المتقدمون ـ كان رشيد هذا ـ يخرج لدرس الحشائش في
منابتها ، ويستصحب مصورا معه الاصباغ والليق على اختلافها ، وتنوعها ، ويتوجه الى
المواضع التي بها النبات في جبل لبنان وغيره من المواضع ؛ فيشاهد النبات ويحققه ،
ويريه المصور ؛ فيعتبر لونه ، ومقدار ورقه ، واغصانه واصوله ، ويصور بحسبها
بالدقة.
ثم انه سلك في تصوير النبات مسلكا مفيدا
، وذلك انه كان يرى النبات للمصور في ابان نباته وطراوته فيصوره. ثم يريه اياه
ايضا ، وقت كماله وظهور
بزره ، فيصوره تلو
ذلك. ثم يريه اياه ايضا في وقت ذواه ويبسه ، فيصوره ، فيكون الدواء الواحد شاهده
الناظر اليه في الكتاب وهو على انحاء ما يمكن ان يراه في الارض ، فيكون تحقيقه له
اتم ، ومعرفته له ابين
، قال زيدان : وذلك غاية ما يفعله الباحثون في هذا العلم اليوم .
ويقول ابن ابي اصيبعة : « واطلع رشيد
الدين ابن الصوري ايضا على كثير من خواص الادوية المفردة ، حتى تميز على كثير من
اربابها ، واربى على سائر من حاولها ، واشتغل بها » .
والظاهر ان ابن الصوري كان من الشيعة ،
لانه من اهل صور في جبل عامل ، الذي كان شيعيا من قديم الايام.
وعلى كل حال : .. فقد كان للمسلمين :
فضل كبير في الصيدلة ، وقد بذلوا الجهد في استجلاب العقاقير من الهند وغيرها ، منذ
ايام يحيى بن خالد البرمكي. وهم واضعوا اسس فن الصيدلة ، وهم اول من اشتغل في
تحضير الادوية والعقاقير ، فضلا عما استنبطوه من الادوية الجديدة ، وهم اول من الف
الاقرباذين .
وكانوا يعتمدون اولا على اقرباذين سابور
بن سهل المتوفى سنة ٢٥٥ هـ حتى ظهر اقرباذين امين الدولة ابن التلميذ ، المتوفى
ببغداد سنة ٥٦٠ هـ .
وفي حقل النبات لابد وان نذكر هنا ابن
البيطار الذي راح يقوم هو
بذاته بدراسة النبات
في اسبانيا ، وشمال افريقيا ، ومصر ، وسورية ، وآسيا الصغرى ، وقد ذكر في كتابه
١٤٠٠ نبتة ، منها مئتان جديدة ، لا عهد للناس بها من قبل .
وعلى كتاب ابن البيطار المالقي في النبات
، والفريد في بابه كان معول اهل اوربا في نهضتهم الحديثة ، كما يقوله جرجي زيدان.
كما انه يقول : ان اسماء العقاقير التي
اخذها الافرنج عن العرب لا تزال عندهم باسمائها العربية ، او الفارسية ، او
الهندية ، كما اخذوها عن العربية .
بل : « ان اعظم العلماء والنباتيين في
بولندا يعتمدون في مؤلفاتهم بشكل كامل على مؤلفات ابن سينا ، مثل : شيمون لونج ،
عالم النبات البولندي الكبير .. كما ان البروفسور آنانباچ زايا چوفسكي استاذ جامعة
وارشو ، ورئيس اتحاد الشرق الاوسط في بولندا له تحقيقات قيمة حول كتب ابن سينا
وخصوصا النباتات الطبية في كتاب القانون
».
كما ان كوستاف لوبون يقول : « الرقى
الطبي عند العرب كان في فن الجراحة ، وعلائم الامراض ، واقرباذين الادوية اكثر منه
في غيره ، وقد اكتشفوا الكثير من المعالجات التي لا تزال متداولة الى اليوم ، كما
ان اكثر الادوية التي ركبوها لا تزال مستعملة حتى اليوم ، وكذا فان لهم اكتشافات
في كيفية استعمال الادوية ، وبعضها يعد ـ غلطا ـ من المكتشفات الحديثة ... الخ ».
واخيرا ... فانهم يقولون : ان المسلمين
هم اول من انشأ حوانيت
الصيدلة على هذه
الصورة
، كما ان الشيخ الرئيس ابن سينا قد ذكر الكثير من المواد الطبية ، التي لم تكن
معروفة للقدماء ، وهي من مكتشفات ابن سينا نفسه ، والقسم المربوط بالنباتات الطبية
المستعملة في امراض الكبد ممتاز جدا ، وهو مطابق تماما مع الطب اليوم ، كما ان
آثار الادوية في الطب من حيث وظائف الاعضاء وقراباذين الادوية صحيحة جدا .
كما ان الصيدلة تعتمد كثيرا على صناعة
الكيمياء ، وقد قطع المسلمون شوطا كبيرا في هذا المجال ، الامر الذي مكنهم من
اختراع الكثير من الادوية التي لا تزال مستعملة حتى اليوم.
امتحان الصيادلة :
ولقد كان الصيادلة كثارا ، وشاع الغش
منهم في الادوية ، فدعت الضرورة الى امتحانهم ، واعطاء الاجازات او المنشورات الى
من تثبت اهليته وامانته وحرمان الاخرين ، ومنعهم من مزاولة هذه الصنعة.
ولقد التفتوا الى هذا الامر في وقت مبكر
، اي من زمن المأمون ، الذي كتب اسما لا يعرف ولا واقع له ، وارسله الى الصيادلة
ليبتاع منهم ، فكلهم ذكر : ان هذا الدواء عنده ، واخذ الدواء واعطاه شيئا من
حانوته ، فصاروا الى المأمون باشياء مختلفة ، فمنهم من اتى ببعض البزور ، ومنهم من
اتى بقطعة من حجر ، ومنهم من اتى بوبر.
وفي زمن المعتصم قال الافشين لزكريا
الطيفوري : « يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي اولى ما تقدم فيه ، فامتحنهم ، حتى
نعرف الناصح منهم من غيره ، ومن له دين ، ومن لا دين له ».
فامتحنهم الافشين بمحنة المأمون ،
فوقعوا فيما وقعوا فيه اولا ، فكانت
النتيجة ان نفي
الافشين من وقع في الفخ عن العسكر ، ونادى المنادي بنفيهم وباباحة دم من وجد منهم
في عسكره .
الفصل
الثالث :
الطب كمظهر
حضاري
دراسة الطب عند المسلمين
لقد كان الاطباء يلقون محاضراتهم الطبية
على طلابهم في المستشفيات
بالاضافة الى مرافقتهم لهم في زياراتهم للمرضى ، حين ممارستهم الطب عمليا ...
وقال ابن ابي اصيبعة : كان ابو الفرج
ابن الطيب « يقرىء صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه ، ووجدت
شرحه لكتاب جالينوس على اغلوتن ، وقد قرىء عليه وعليه الخط بالقراءة في
البيمارستان العضدي ، في يوم الخميس الحادي عشر من شهر رمضان سنة ست واربعمئة » .
وكان ابراهيم بن بكس « يدرس صناعة الطب
في المستشفى العضدي لما بناه عضد الدولة » .
وكان ابن ابي الحكم يقعد في الايوان
الكبير في البيمارستان ، فكان جماعة من الاطباء والمشتغلين يأتون اليه ، ويقعدون
بين يديه ، ثم تجرى مباحث طبية ، ويقرىء التلاميذ ، ولا يزال معهم في اشتغال
ومباحثة ونظر في الكتب مقدار
ثلاث ساعات .
ومجلس الرازي لتعليم الطب معروف ومشهور
، فقد كان يجلس في مجلسه ، ودونه التلاميذ ، ودونهم تلاميذهم ، ودونهم تلاميذ
آخرون ، وكان يجيء الرجل ، فيصف ما يجد لاول من يلقاه منهم ، فان كان عنده علم ،
والا تعداه الى غيره ، فان اصابوا ، والا تكلم الرازي في ذلك .
واول مدرسة طبية منفصلة عن المستشفى
كانت ـ فيما اعتقد ـ في سنة ٦٢٢ هجرية قال ابن ابي اصيبعة : « ولما كان في سنة
اثنتين وعشرين وست مئة.
وذلك قبل سفر الشيخ مهذب الدين عبد
الرحيم بن علي عند الملك الاشرف وخدمته له ، وقف داره وهي بدمشق عند الصاغة
العتيقة ، شرقي سوق المناخلين ، وجعلها مدرسة يدرس فيها من بعده الطب ، ووقف لها
ضياعا وعدة اماكن ، يستغل ما ينصرف في مصالحها وفي جامكية المدرس ، وجامكية
المشتغلين بها » .
امتحان الاطباء :
لقد رأينا : ان المسلمين كانوا يمتحنون
الاطباء ، ويعطونهم اجازة لممارسة التطبيب ، وممن كان يمتحن الاطباء في سنة ٣٠٩ هـ
، سنان بن ثابت في بغداد
ومهذب الدين الدخوار في مصر
، وابن التلميذ ، المتوفى سنة ٥٦٠ ببغداد
ويضيف البعض الى
هؤلاء : ابراهيم بن سنان ، وابا سعيد اليماني .
وذكر في كتاب : تاريخ البيمارستانات في
الاسلام اجازتين قد بقيتا من القرن الحادي عشر الهجري، احداهما ترتبط بالفصد ،
والاخرى ترتبط بالجراحة .
الاختصاص في الطب :
لقد كان الاختصاص في فروع الطب ظاهرة
شائعة بين الاطباء المسلمين ؛ فهناك الطبيب المختص بالجراحة ، وآخر بامراض العين ،
وثالث بأمراض النساء ، ورابع بالامراض العقلية ، وخامس في الاسنان ، وهكذا ...
النساء والطب :
ولم يكن الطب مقصورا على الرجال بل لقد
كان في النساء ايضا عالمات في الطب ، وقد تقدمت الاشارة الى هنيدة ، وزينب الاودية
وغيرهما ... ونزيد هنا : انهم يقولون : ان اخت الحفيد بن زهر الاندلسي وابنتها
كانتا عالمتين بصناعة الطب ، ولهما خبرة جيدة بمداواة النساء ، وكانتا تدخلان على
نساء المنصور الاندلسي ، ولا يقبل سواهما .
كثرة الاطباء المسلمين :
ان عدد الاطياء طيلة فترة الحكم
الاسلامي كثير جدا لا يمكن حصره ،
ولا استطاع مؤلفوا
الموسوعات والتراجم ، حتى ذكر اسماء اقل القليل منهم ...
ويكفى ان نذكر : انهم قد احصوا اطباء
بغداد وحدها في زمن المقتدر بالله سنة ٣٠٩ وامتحنوهم ؛ فأجيز منهم (٨٦٠) طبيبا ،
فأعطوهم الاذن في التطبيب ، سوى من استغنى عن الامتحان لشهرته ، وسوى من كان في
خدمة السلطان .
وكان سيف الدولة اذا جلس على المائدة
حضر معه اربعة وعشرون طبيبا. وكان فيهم من يأخذ رزقين لاجل تعاطيه علمين . وكان في خدمة المتوكل ٥٦ طبيباً .
وكان يخدم في المستشفى العضدي ٢٤ طبيباً
من مختلف الاختصاصات
وحين بنى المعتضد المستشفى ، اراد ان يكون فيه جماعة من افاضل الاطباء واعيانهم ،
فأمر ان يحضر له لائحة باسماء الاطباء المشهورين حينئذ ببغداد واعمالها ؛ فكانوا
متوافرين على الماءة فاختار منهم نحو خمسين الخ .
الخدمات الطبية عند المسلمين :
وكان للمسلمين ايضا عناية خاصة بالايتام
، والعميان ، والقواعد من النساء فكان لهم رعاية ودواوين خاصة ، تحت اشراف مسؤولين
عن امورهم واحوالهم
« وكان من الاطباء او الصيادلة من هو
خاص بالجند ، يرافقه في اسفاره ومنهم من هو خاص بالخلفاء والامراء ، ولهؤلاء رواتب
خاصة ، ويعرفون بالمرتزقين ، ومنهم من يطببون العامة ، وهم غير مرتزقين ».
وكان لدى المسلمين دار للمجانين ،
وصيدليات تعطي الدواء مجانا في ايام معينة ، وكان الاطباء يذهبون مع ادويتهم الى
الاماكن التي لا يمكن بناء مستشفى فيها .
وقد ذكر القفطي وغيره في ترجمة سنان بن
ثابت : ان الوزير علي بن عيسى الجراح ـ في سنة كثرت فيها الامراض والاوباء ـ قد
وقع الى سنان بن ثابت يأمره : بأن يفرد لمن في الحبوس كلها اطباء يدخلون اليهم في
كل يوم ، ويحملون معهم الادوية والاشربة ، وما يحتاجون اليه من المزورات ويعالجوا
من فيها من المرضى.
ووقع اليه توقيعا آخر ، يأمره بانفاذ
متطببين ، وخزانة من الادوية والاشربة يطوفون في السواد ، ويقيمون في كل صقع منه
مدة ما تدعو الحاجة الى مقامهم ويعالجون من فيه ، ثم ينتقلون الى غيره ، ففعل سنان
ذلك .
كما ان المسلمين قد أنشأوا ما نسميه
اليوم بالعيادات الخارجية .
هذا ... ولم يكن كل هؤلاء الاطباء
يتقاضى اجره ، بل كان من بينهم من يعمل مجانا ، فمثلا لقد « كان ابو بكر بن القاضي
ابي الحسن الزهري يطبب الناس من دون اجرة ، ويكتب النسخ لهم ».
ويلاحظ : انهم كانوا في اوائل امرهم
يهتمون بفحص البول ، وبالفصد ، والاستفراغ ، ونحو ذلك ... ولكن هذه المعالجات قد
بدأت تتطور نحو الافضل باستمرار ، تبعا للتقدم والنبوغ الطبي ، الذي كان يتجلى
يوما بعد يوم ، حتى بعث المسلمون في الطب روحا جديدة ، كما هو المعلوم ومعروف لكل
احد.
المستشفيات :
الرازي ... وبناء مستشفى :
يقول كوستاف لوبون : لقد بنيت
المستشفيات الاسلامية موافقة لاصول حفظ الصحة ، وكانت احسن من المستشفيات الموجودة
في هذه الايام. وقضية الرازي حينما اراد ان يختار موقعا للمستشفى معروفة ومشهورة ،
فان الطريقة التي استعملها ، يؤيدها اليوم المحققون في الامراض المعدية ، فان
الرازي امر بعض الغلمان : ان يعلق في نواح مختلفة من بغداد قطع لحم ، ليرى في ايها
لا يتفسخ اللحم وينتن في وقت اقصر ، ليكون الموقع الملائم لبناء المستشفى ويقال : ان هذا المستشفى هو المستشفى
العضدي.
ولكن ذكر ابن ابي اصيبعة : ان الرازي
كان اقدم من عضد الدولة
، وعليه فلا بد وان يكون الرازي قد اراد بناء مستشفى غير مستشفى عضد الدولة وذلك
لان الرازي توفى سنة ٣٢٠ هـ ، وقال الحسن بن سوار بن بابا ، وكان قريب العهد منه :
انه توفي في سنة نيف وتسعين وماءتين ، او ثلاثمائة وكسر وعضد الدولة انما توفى سنة ٣٧٢ هـ ،
كما هو معلوم.
ولكن قد ذكر القفطي ان الرازي قد توفي
سنة ٣٦٤ وعاش في زمن المكتفي ، وبعض زمن المقتدر ، وعليه فلا مانع من ان يكون قد شارك
في اختيار موضع المستشفى العضدي ، كما ذكروا.
بعض احوال المستشفيات :
اما احوال المستشفيات في العهد الاسلامي
، فقد تقدم : ان كوستاف لوبون يقل : انها كانت موافقة لاصول الصحة ، واحسن من
المستشفيات الموجودة في هذه الايام ، كما انهم قد شيدوا في كل مدينة مستشفيات عامة
، كما سنرى .
وكان لكل مرض قاعة او قاعات خاصة ،
يطوفها الطبيب المختص بها ، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى ، فيتفقد
المرضى ، ويصف لهم الادوية ، ويكتب لكل مريض داوءه .
وكانوا يعالجون جميع المواطنين في
مستشفياتهم ، سواء اكانوا من المسلمين او من غيرهم ، وكانوا يقومون بعمليات
التدفئة للمرضى على اكمل وجه ، ويقدمون لهم المؤمن ، والدثار ، وغير ذلك .
وقال المقريزي عن مستشفى ابن طولون الذي
اسسه سنة ٢٥٩ هـ في القاهرة : « وشرط في المارستان ان لا يعالج فيه جندي ، ولا
مملوك ، وعمل حمامين للمارستان ، احدهما للرجال ، والاخرى للنساء ، حبسهما على
المارستان وغيره ، وشرط : انه اذا جيىء بالعليل تنزع ثيابه ، ونفقته ، وتحفظ عند
امين المارستان ، ثم يلبس ثيابا ، ويفرش له ، ويغدى عليه ، ويراح بالادوية
والاغذية والاطباء حتى يبرأ ، فاذا اكل فروجا ورغيفا امر بالانصراف ، واعطى ماله
وثيابه
».
وقال عن المستشفى المنصوري ، الذي بنى
في القاهرة سنة ٦٨٣ هـ :
« ... ورتب فيه العقاقير والاطباء ،
وسائر ما يحتاج اليه من به مرض من الامراض ، وجعل السلطان فيه فراشين من الرجال
والنساء لخدمة المرضى وقرر لهم المعاليم ، ونصب الأسرّة للمرضى ، وفرشها بجميع
الفرش المحتاج اليها في المرض.
وافرد لكل طائفة من المرضى موضعا ، فجعل
اواوين المارستان الاربعة للمرضى بالحميات ونحوها ، وافرد قاعة للرمدي ، وقاعة
للجرحى ، وقاعة لمن به اسهال ، وقاعة للنساء ، ومكانا للمبرودين ، وينقسم قسمين :
قسم للرجال ، وقسم للنساء ، وجعل الماء يجري في جميع هذه الاماكن.
وافرد مكانا لطبخ الطعام ، والادوية ،
والاشربة ، ومكانا لتركيب المعاجين والاكحال ، والشيافات ونحوها ، ومواضع يخرن
فيها الحواصل.
وجعل مكانا يفرق فيه الاشربة والادوية ،
ومكانا يجلس فيه رئيس الاطباء لالقاء درس طب ... الخ. » وكان وقفه عاماً لكل احد .
المستشفيات الميدانية
لقد كان لدى المسلمين مستشفيات تستصحبها
الجيوش معها ، فقد قال ابن خلكان ، والقفطي عن ابي الحكم عبيد الله بن المظفر
المغربي ، المتوفى سنة ٥٤٩ هـ : « وذكر العماد الاصفهاني في الخريدة : ان ابا
الحكم المذكور كان طبيب البيمارستان الذي كان يحمله اربعون جملا ، والمستصحب في
معسكر السلطان محمود السلجوقي حيث خيم ». ثم ذكر خدمة ابن المرخم فيه ايضا طبيبا
وفصادا .
ويقول سيد أمير علي. « ... وكان يرافق
الجيش في ابان المعارك فريق من الاطباء ، ومستشفى حسن التجهيز ، الحقت به نقالات
لنقل الجرحى بشكل محفات تنقلها الجمال. وقد استلزم مستشفى الميدان الخاص بكل من
الرشيد. والمأمون عدداً كبيراً من الجمال والبغال لنقل الخيام ، والمؤن ،
والادوية.
وحتى في العهود التالية ايام الملوك
الضعفاء امثال السلطان محمود السلجوقي كانت لوازم مستشفى الجيش تنقل على اربعين
جملا » .
مستشفيات الطواري :
ولم تقتصر الخدمات الطبية عند المسلمين
على ما ذكر ، بل لقد تعدت ذلك الى ايجاد مراكز للطوارىء في الاجتماعات العامة ..
فقد :
« قال جامع السيرة الطولونية ، وقد ذكر
بناء جامع ابن طولون : وعمل في مؤخرة ميضأة : او خزانة شراب ، جعل فيها الشرابات
الادوية ، وعليها خدم ، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة ».
اول مستشفى في الاسلام :
اننا نستطيع ان نقول : ان اول مكان خصص
لنزول المرضى ، ومعالجتهم بعد ظهور الاسلام ، كان مسجد الرسول الاعظم 6 في المدينة منذ عهد الرسول عليه وآله
الصلاة والسلام.
يقول الدكتور جواد علي وغيره : « وقد
كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى ، وكان الرسول والصحابة يتفقدون
المرضى النازلين به.
» وسيأتي ان شاء الله في بحث مداواة المرأة للرجل الاشارة
الى خيمة رفيدة ، او
كعيبة بنت سعيد : التي كانت في مسجد النبي (ص) تداوى فيها الجرحى.
وما ذكر يدل على ان ما ذكره البعض من ان
اول مستشفى في الاسلام هو مستشفى الوليد بن عبد الملك .
لا يصح ... وانما هو غفلة عن حقيقة
الحال ، ولعل الوليد : اول من اهتم بتوسعته لاتساع الحالة المادية في زمنه.
جريمة اموية نكراء! :
قال ابن قتيبة : « ابو الحسن ، قال : مر
سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة ، فأمر باحراقهم ، وقال : لو كان الله
يريد بهؤلاء خيرا ما ابتلاهم بهذا الإبتلاء .
» وانها حقا لجريمة نكراء يندى له جبين الانسان الحر الما وخجلا.
هذا ... ولا بأس بالمقارنة بين افاعيل
فراعنة وجبابرة هذه الامة ، والشجرة الملعونة في القرآن ، وبين امر الرسول (ص)
والائمة (ع) الناس بأن لا يديموا النظر الى اهل البلاء ، فان ذلك يحزنهم ... وبين
ما كتبه علي في عهده للاشتر من الحث على القيام بامور ذوي البؤس والزمني واجراء
الارزاق عليهم ، للاقصى وللادنى على حد سواء ، فراجع .
__________________
المستشفيات في القرنين الاولين للهجرة :
١ ـ ثم انشأ الوليد بن عبد الملك في سنة
٨٨ هـ مستشفى في دمشق ، وجعل فيه الاطباء ، واجرى لهم الارزاق ، وامر بحبس
المجذومين لئلا يخرجوا ، واجرى عليهم وعلى العميان الارزاق .
٢ ـ وكان في زمن الرشيد دار للمجانين . ولا ندري! ان كانت قد اوجدت قبله ، او
انه هو الذي اوجدها ، فما جزم به جرجي زيدان ، من ان المنصور هو الذي بناها ، او
الذي خلفه
في غير محله.
٣ ـ ثم انشأ الرشيد مستشفى في بغداد ،
وعندما اراد البدء به احضر له بختيشوع ( دهشتك ) من جنديشابور ، الذي كان رئيس
المستشفى هناك ، وعرض عليه ان يتولى هذه المهمة ، لكن دهشتك رفض العرض ، واشار
عليه : ان يقلد هذا الامر لماسويه ، ففعل .
ويميل البعض الى اعتباره اول مستشفى ،
ان لم نعد ما صنعه عبد الملك هو المستشفى الاول .
__________________
٤ ـ وأنشأ البرامكة مستشفى باسمهم ، كان
يتولى امره ابن دهن الهندي .
٥ ـ وكتب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله
: « وانصب لمرضى المسلمين دوراً توقيهم ، وقواما يرفقون بهم ، واطباء يعالجون
اسقامهم .
»
٦ ـ وكان في بغداد مستشفى للمجانين هو
دير هرقل القديم .
المستشفيات في القرن الثالث فما بعده :
ويقول البعض : « ثم مضى قرن بأكمله قبل
ان يسمع المرء بانشاء مثل هذه المؤسسة في العاصمة بغداد من جديد ... وهو القرن
الذي دعى فيه اطباء البيمارستانات المشهورين في جنديشابور الى قصر الخليفة.
ولعل السبب في ذلك راجع الى سر من رأى ،
التي اصبحت المقام الثاني للخلفاء .
»
وعلى كل حال .. فاننا نجد المسلمين قد
اهتموا في القرن الثالث بانشاء المستشفيات الكثيرة في مختلف الاقطار ، وكمثال على
ذلك نذكر :
١ ـ المستشفى الذي انشأه احمد بن طولون
في مصر سنة ٢٥٩ او ٢٦١ حسبما تقدم.
٢ ـ وقبل انقضاء القرن الثالث بنيت
المستشفيات في مكة والمدينة .
__________________
٣ ـ ثم انشأ بدر ، مولى المعتضد مستشفى
في بغداد .
٤ ـ وفي سنة ٣٠٢ هـ انشأ الوزير علي بن
عيسى مستشفى آخر ، وقلده سعيد ابن يعقوب الدمشقي ، مع غيره من مستشفيات بغداد ،
ومكة ، والمدينة .
٥ ـ وفي ٣٠٦ هـ انشأ سنان بن ثابت
مستشفى السيدة ، وانشأ المقتدر بيمارستانا آخر باسمه .. ويقال : ان سنان هذا قد تقلد خمس
مستشفيات في سنة ٣٠٤ هـ .
٦ ـ وفي سنة ٣١٣ هـ. انشأ ابن الفرات ،
خصم علي بن عيسى السياسي مستشفى اسندت رئاسته الى ثابت بن سنان .
٧ ـ ثم اسس امير الامراء التركي ابو
الحسين قبل موته في سنة ٣٢٩ هـ. مستشفى ، اسندت رئاسته الى سنان بن ثابت .
٨ ـ وفي سنة ٣٥٥ اسس معز الدولة مستشفى
في بغداد ايضا .
٩ ـ وفي سنة ٣٦٨ اسس عضد الدولة
المستشفى المشهور في بغداد. وكان يخدم فيه ٢٤ طبيباً ، من مختلف الاختصاصات ، وقد
اسندت رئاسته الى اكثر من ٢٤
__________________
طبيباً على التوالي .
وقد زار الرحالة الاندلسي ابن جبير هذا
المستشفى في بغداد سنة ٥٨٠ هـ. وكان لا يزال يعمل بنشاط ويظهر : انه لم يتعرض
للخراب حين غزا المغول بغداد في سنة ٦٥٦ هجرية .
ثم تتابعت المستشفيات في مختلف البلاد
والاصقاع ، بشكل مكثف ، كما يعلم من المراجعة الى المؤلفات والموسوعات ، فراجع على
سبيل المثال : تاريخ البيمارستانات في الاسلام ، وتاريخ طب در ايران ج ٢ ، والخطط
للمقريزي والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ، وغير ذلك ...
كما ان صاحب كتاب تاريخ طب در ايران ج ٢
ص ٧٨٧ فصاعدا قد اجمل وصف المستشفيات في البلاد الاسلامية ، فمن اراد فليراجعه ..
__________________
القسم الثاني
من :
الاخلاق الطبية ... في
الاسلام
الفصل
الاول :
الطب ... كمسؤلية
احكام الاسلام
انه لا شك في ان الله الذي هو خالق كل
شيء .. كما انه عليم وبصير بكل ما في هذا الكون ... وعليم بعباده ، وبصير بهم ..
كما قال تعالى : « له ملك
السماوات والارض ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. هو الاول والاخر ، والظاهر
والباطن ، وهو بكل شيء عليم. هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ، ثم استوى
على العرش ، يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها ، وهو معكم اينما كنتم ، والله عليم بصير ».
والايات في
ذلك كثيرة ..
كذلك .. فانه تعالى رحيم بعباده رؤوف
بهم ، لا يريد لهم الا الخير والسعادة ، والصلاح ، كما قال تعالى : « هو الذي ينزل على
عبده آيات بينات ؛ ليخرجكم من الظلمات الى النور ، وان الله بكم لرؤوف رحيم »
.
وقال تعالى : « بسم الله الرحمن
الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمان الرحيم.
»
__________________
والايات في ذلك كثيرة ..
وهكذا .. فانه تعالى اذا شرع لهم احكاما
تنظم امور معاشهم ومعادهم ـ بما في ذلك احكام القصاص ـ فانما يهدف من ذلك الى
تحقيق السعادة والكمال لهم ، وحفظهم من الانزلاق في مهاوي الشقاء والضلال والضياع
، كما اشارت اليه الاية المتقدمة من سورة الحديد ...
وحينما سئل الامام الباقر عليه عن سبب
تحريم الميتة ، والخمر ، ولحم الخنزير ، والدم ، قال : « ان الله تعالى لم يحرم
ذلك على عباده ، واحل لهم ما وراء ذلك من رغبة فيما احل لهم ، ولا زهد فيما حرمه
عليهم ، ولكنه خلق الخلق ، فعلم ما تقوم به ابدانهم وما يصلحهم ، فأحله لهم ،
واباحه لهم : وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه ، ثم احله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم
بدنه الا به » .
وروى بأسانيد عن الرضا 7 ، انه قال : « وجدنا : ان ما احل الله
ففيه صلاح العباد ، وبقاءهم ، ولهم اليه حاجة ، ووجدنا المحرم من الاشياء ولا حاجة
ولا حاجة
بالعباد اليه ، ووجدناه مفيدا ».
قال الحر العاملي : والاحاديث في ذلك
كثيرة .
ويكفي ان نذكر : ان الله تعالى قد اعتبر
الاسلام نعمة انعم الله بها على العباد ، وقد اتم نعمته هذه بتنصيب علي 7 اماما وقائدا في يوم الغدير ، قال
تعالى :« اليوم
اكملت لكم دينكم ، واتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الاسلام دينا »
.
__________________
حق التشريع ... لمن؟! :
واذا كان الله تعالى هو الخالق والمالك
لهذا الكون والانسان ، والخبير به والمطلع على كل ما فيه من علاقات وروابط ،
والعارف بما يصلحه مما يفسده ، فانه سيكون هو فقط الذي يملك حق وضع قانون وتشريع
يؤمن لهذا الانسان سعادته وكماله ، ويهيمن على كل حالاته وسلوكه.
وكل من يتصدى لهذا الامر سوى المولى
سبحانه وتعالى ، ممن لا يعرف عن هذا الكون والانسان شيئا يذكر ، فانه يكون خارجا
عن جادة الانصاف ، وعن مقتضيات العقل ، والفطرة ... بل وظالما متعديا ايضا ... ولن
يستطيع ان يضع النظام الكامل والشامل ، والمطابق لكل مقتضيات واحوال هذا الانسان
ان لمن لم نقل : انه سيضع في كثير من الاحيان ما يؤدي الى شقائه وبلائه ، ان لم
يكن الى دماره وهلاكه.
وكمثال على ذلك نقول : لو ان شخصا اخترع
آلة في غاية الدقة والتعقيد وتتأثر بما حولها تأثرات مختلفة ، فهل يحق لمن لا يعرف
حقيقة تركيبها ، وخصائصها : ان يمنع مخترعها عن التصرف فيها ، وعن ان يضع لها
نظاما يحفظ لها سلامتها واستمرارها ، ويحافظ على كل دقائقها وخصائصها؟ ثم يتصدى هو
ـ ذلك الجاهل بها وبكل شيء عنها ، او بأكثر ـ لوضع ذلك النظام والقانون؟! وهل يمكن
ان يمدحه احد على ذلك؟! وهل ثمة من يتوقف في توجيه اللوم والتقريع له؟! وهل يمكن
ان لا يطالب كل عاقل منصف بايقافه عند حده ، ثم بتغريمه لكل النقائص والخسائر التي
نجمت عن طغيانه ذاك ، بالاضافة الى العقاب الرادع والجزاء العادل ، ليكون ذلك موعظة له في نفسه ، وعبرة
لغيره.
فالمتحصل من كل ذلك اختصاص حق التشريع
بالباري سبحانه وتعالى ، العالم بكل شيء ، والمهيمن على جميع المخلوقات.
شمولية قوانين الاسلام :
وبعد ... فلا ريب في ان التشريعات
الالهية والتعاليم القرآنية ، انما تهدف الى تحقيق الكمال والسلامة والهناء
والسعادة ـ كل السعادة والهناء ـ لهذا الانسان ، بالاضافة الى تكامل الانسان في
انسانيته ، وفي قربه من الله تعالى ، والفوز برضاه.
وبديهي : انه كلما كانت النظم ادق واشمل
كلما كانت السعادة والسلامة لهذا الانسان اتم واكمل ، ووصوله الى ذلك الهدف الاسمى
اسرع وايسر.
ومن هنا ... فقد كانت تعاليم الاسلام
وقوانينه دقيقة وشاملة لجميع شؤون الانسان ، ومختلف احواله واوضاعه : سياسية كانت
، او اقتصادية ، او سلوكية ، او نفسية ، او غيرها .. مما يرتبط بالفرد او بالمجتمع
... فكل شيء محكوم لقانون ، ويهيمن عليه نظام ، يوجهه لخير الانسان ، ويجعله في
خدمته.
نعم كل شيء ... فبالنسبة لشخص الانسان ،
نجده لم يغفل حتى عن اكله وشربه ، وقيامه ، وجلوسه ، ومشيه ، ونبرات صوته ، بل لقد
تدخل حتى في اختيار ، ومواصفات البيت الذي يعيش فيه. والثياب التي يلبسها ، وفي
كيفية تصرفه بها ... بل وحتى في خلجات الانسان القلبية ، وافعاله الجوانحية.
كما اننا نجد : ان الاسلام لم يشرع اي
قانون يضر بمكانة الانسان الاجتماعية ، او بذوقه ، وسجيته ، او بروحه وحالته
النفسية ، او بصحته البدنية.
وكمثال على ذلك : نشير الى تعاليم
الاسلام المتعلقة بتقليم اظفاره ، وترجيل شعره ، واوامره له بالتنظيف والتطهر ،
حتى لقد ورد : ان الله يبغض الرجل القاذورة
، وورد : ان النظافة من الايمان
، وعنه (ص) : بئس العبد القاذورة
... بل لقد حرم عليه بعض الالبسة التي تضر بمكانته الاجتماعية وتوجب استهانة الناس
به.
الى غير ذلك من الشؤون والاحوال التي
يمر بها الانسان او تمر به ، والتي غفل عنها اي تشريع آخر سوى التشريع الالهي الحق
، لانه صادر عن ساحة الحق سبحانه وتعالى ... حتى ليقول الامام الصادق 7 : « ان عندنا الجامعة ، قلت : ( اي
الراوي ) وما الجامعة؟ قال : صحيفة فيها كل حلال وحرام ، وكل شيء يحتاج اليه الناس
حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده الي فقال : اتأذن يا ابا محمد؟ قلت : جعلت فداك ،
انما انا لك ، فاصنع ما شئت ، فغمزني بيده ، وقال : حتى ارش هذا . »
طبيعية قوانين الاسلام :
ونحن لا نريد ان ندعي هنا : ان شمولية
الاسلام هذه قائمة على اساس النص الصريح على كل كلية وجزئية ، فان ذلك امر متعسر
بل متعذر ... وانما تكمن شموليته في كونه قد نظر الى الانسان ، واحواله ، واوضاعه
نظرة واعية تتسم بالشمول والدقة ، فقد لاحظ :
__________________
اولا : شؤونه الثابتة التي لايطرأ عليها
تغيير ولا تبديل في اي من الظروف والاحوال ، فوضع لها قوانين ثابتة ، وانظمة محددة
... وذلك من قبيل قوانين الارث ، والزواج ، والطلاق ، ونحوها ... ويمكن ان يدخل في
ذلك جميع الاحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الاولية ، حسب الاصطلاح الاصولي.
ثم لاحظ :
ثانياً : الشؤون التي يطرأ عليها
التغيير والتبديل ، ولا يمكن ان تكون في اطار ضابطة معينة وثابتة ، فجعل اصولا
وقواعد عامة ، يجري التغيير والتبديل في نطاقها.
فهذه القوانين والضوابط ثابتة ،
والمتغير هو ما تنطبق عليه تلك القواعد والاصول.
ويمكن ان يدخل في هذا الاطار ايضا سائر
الموضوعات التي تعرض لها العناوين الثانوية ، حسب الاصطلاح الاصولي.
ومن هنا ... فقد كان للاسلام مرونة خاصة
بالنسبة لموقفه من الثقافات ، والعلوم التي تفيد المجتمع الاسلامي ، وبالنسبة
لشؤون الادارة الداخلية ، وشؤون الامن في البلاد الاسلامية ، تبعا للضرورات التي
تفرضها الظروف والاحوال الطارئة والمتغيرة.
وقد اعطى ذلك للاسلام قدرة خاصة على
استيعاب كل جديد ، وعلى ان يساير التطورات الحضارية المختلفة على مر العصور ، وعلى
اتخاذ الموقف المناسب في الظروف والاحوال والمتغيرات باستمرار ، ولسوف يبقى محتفظا
بهذه القدرة مستقبليا ايضا ... فهو القانون الوحيد ، الذي يستطيع ان يكون انسانيا
، وحضاريا ، وعالميا ، وابديا.
الفقيه ... وغير الفقيه :
١ ـ اما وظيفة الفقيه فليست الا الكشف
عن الاحكام الالهية الثابتة لموضوعاتها ، وتطبيق القواعد والكليات الثابتة على
مصاديقها المتحولة المتغيرة فالفقيه لا يجعل الاحكام الشرعية ، وانما هو يكشف عنها
، او يطبق القاعدة على موردها.
٢ ـ هذا ... ولا شك في ان الفطرة والعقل
والعقلاء يحكمون على من ليس له قدرة الكشف والتطبيق هذه ـ حيث لا يمكن الاحتياط ولا يمكن العمل به ـ بالرجوع الى الذي
يملك هذه القدرة ، ويمارسها فعلا ... لانه هو المتخصص في هذه الجهة ، وله خبرات
تؤهله لان يكون مرجعا لمن يفقد هذه الخبرات تماما ... كذلك الذي يراجع الطبيب او
المهندس في ما يرتبط بهما من امور الطب والهندسة ، لانه هو لا يملك خبرات في هذين
المجالين.
٣ ـ كما ان الانسان يفضل بحسب فطرته
وسجيته وعقله : الامهر من الاطباء واصحاب الاختصاصات ؛ ولا يراجع غيره الا اذا لم
يقدر على الاستفادة منه.
وقد امر الله تعالى ارشادا الى ذلك ،
فقال : فاسألوا
اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ... وقال تعالى ايضا مشيرا الى ان ذلك
مرتكز في فطرة الانسان وسجيته : هل
يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
.
٤ ـ ومن الجهة الثالثة : فان فطرة
الانسان وسجيته ، تدفعه الى ان يهتم بمراجعة من يثق بصدقه واخلاصه من اهل
الاختصاصات ... وكلما كان الامر اهم ،
__________________
كلما زاد اهتمام
الشخص في ان يجد من يجمع اقصى الشروط الملائمة لانجاح وسلامة العمل الذي يرمى اليه
على النحو الاكمل والافضل ..
٥ ـ واذا كان الشرع والدين هو اعظم قضية
يمكن ان تواجه هذا الانسان ؛ لانها تمس كل شؤون حياته الفردية والاجتماعية ،
ويتوقف عليها مصيره ومستقبله ، ان دنيا ، وان آخرة. وكل خلل يطرأ ، او تجاوز يحصل
، فسيؤثر مباشرة على حياة الانسان ومصيره ..
ـ اذا كان كذلك ـ فانه لابد وان يسعى
هذا الانسان الى ان يوفر كل الشروط والضمانات التي تجعله يحصل على اعلى درجات الاطمينان
والثقة في من يفترض فيه ان يكون قائداً ومعلما ومرشدا له في هذا السبيل ... سواء
من الناحية العلمية ، اوالسلوكية ، او غيرها من النواحي ، التي لها مساس بالمهمة
التي يريده لاجلها ...
وليس ذلك الا الرجل المجتهد العادل ،
الذي بنى نفسه من الداخل قبل الظاهر ، والذي يكون ظاهره انعاكسا لباطنه .. الرجل
الذي يملك اعظم المهارات والكفاءات العلمية في هذا المجال ... الى غير ذلك من
مواصفات نص عليها الفقهاء في كتبهم المعدة لذلك ..
الطب ... والفقيه :
وهكذا .. واذا كان الطب هو احدى تلك
المجالات الواسعة التي تخضع للاحكام والتشريعات الاسلامية بشكل مباشر احيانا ، او
غير مباشر احيانا اخرى .. فان من الطبيعي ان يرجع الطبيب والمريض ، وغيرهما ممن له
علاقة في هذا المجال ـ الى الكتب التي الفها الرجل الاعلم في التشريع الاسلامي
للتعرف على
لاحكام الشرعية
باستمرار ، لان ذلك يؤثر في احيان كثيرة على مواقفهم وتصرفاتهم بشكل عام ...
الطب في الاعتبار الشرعي :
لاشك في ان الطب يعتبر وظيفة شرعية ،
وواجبا كفائيا ، يعاقب الكل على تركه ، ويسقط عنهم بقيام بعضهم به ، ويمكن ان يؤيد
ذلك بـ :
١ ـ ما روى عن الصادق 7. قال : لا يستغنى اهل كل بلد عن ثلاثة
يفزع اليه في امر دنياهم ، وآخرتهم؟ فان عدموا ذلك كانوا همجا : فقيه عالم ورع ،
وامير خير مطاع ، وطبيب بصير ثقة .
٢ ـ وما روى عن ابي عبد الله 7 ، قال : كان المسيح 7 يقول : ان التارك شفاء المجروح من جرحه
شريك جارحه لا محالة ، وذلك ان الجارح اراد فساد المجروح ، والتارك لاشفائه لم يشأ
صلاحه ؛ فاذا لم يشأ صلاحه ؛ فقد شاء فساده اضطرارا الخ .
هذا كله ... عدا عن ان الاسلام يعتبر
المؤمنين اخوة ، يجب الاهتمام بأمورهم ، وقضاء حاجاتهم ، ومعونتهم ، وان يعضد
بعضهم بعضا ، في مواقع الابتلاء ، وان يفيد المؤمن اخاه ، وان ينفس كربته الى غير
ذلك مما لا يمكن حصره ... ولا يمكن ان تكون الناحية الطبية مستثناة من ذلك في اي
من الظروف والاحوال ، ان لم تكن من اجلى مصاديق الكثير من تلك الاوامر المتضافرة
والمتواترة ..
اهمية الطب اسلاميا :
وعدا عن كون الطب مسؤولية دينية تصل الى
حد الوجوب الكفائي ...
__________________
فانه يكفى للتدليل على الاهمية الخاصة
لهذا العلم بنظر الاسلام ، انه قد اعتبره هو وعلم الاديان ـ ومعهما غيرهما ، كما
في بعض النصوص ـ هما العلمان اللذان ينبغي التوجه اليهما ، والعمل في سبيل الحصول
عليهما ؛ فعن امير المؤمنين 7
:
العلم علمان : علم الاديان ، وعلم
الابدان .
وعنه (ع) : العلم ثلاثة : الفقه للاديان
، والطب للابدان ، والنحو للسان
..
وبلفظ الكراجكي في جواهره : العلوم
اربعة : الفقه للاديان : والطب للابدان ، والنحو للسان ، والنجوم لمعرفة الازمان ...
رسالية الطب :
وعدا عن كون الطب مسؤولية دينية ؛ فانه
ايضا ضرورة اجتماعية انسانية ، ورسالة اخلاقية ، ومسؤولية عقلية .. فـ :
١ ـ هو ضرورة انسانية اجتماعية ؛ حيث
يفترض في الانسان ان يساهم في دفع المسيرة الانسانية نحو تحقيق اهدافها وتطلعاتها
، وآمالها بالسعادة والهناء ، وبالوصول الى اعلى مراتب الكمال الانساني المنشود ،
حيث تختفى كل عوامل ومظاهر الشقاء ، والتعب والعناء ...
__________________
٢ ـ وهو مسؤولية عقلية ؛ حيث لابد منه
لاجل بقاء النوع الانساني ، وللتخفيف من شقاء وبلاء وآلام هذا الانسان ...
٣ ـ وهو بالتالي رسالة اخلاقية ..
لامجال للمراء او التشكيك فيها ، حيث تعبر عن سمو وكمال نفسي يرضى النفوس ويطمئنها
ويريحها .. ولاجل ذلك لا نجد احدا يعذر الطبيب الذي يمتنع عن معالجة مريضه ـ اذا
كان يقدر على ذلك اذا تعلل بعدم او بقلة ما يبذل له من مال ، ونجد الناس كلهم
يعتبرون ذلك الطبيب فاقدا للاخلاق النبيلة والفاضلة ...
الطب والتجارة
وهكذا يتضح : ان الطب بنظر الاسلام ليس
حرفة يهدف منها الى جمع المال ، والحصول على حطام الدنيا وانما هو رسالة انسانية
ومسؤولية شرعية بالدرجة الاولى ...
لان الحرفة التي يهدف صاحبها الى ان
يستخدمها في الحصول على المال ... تجعل لصاحبها الخيار في ان يتعامل مع هذا او مع
ذاك ، اذا وجد ان تعامله هذا يدر عليه نفعا يرضيه ... وان لا يتعامل معه اذا شاء ،
حينما لا يجد في تعامله ذلك ما يرضى جشعه ، ويشبع جوعه ونهمه ...
وليس ذلك للطبيب قطعا ؛ فان التارك
لشفاء المجروح من جرحه شريك جارحه لامحالة كما تقدم ..
ولا يملك ان يتساهل او ان يتعلل ،
انتظارا للاجرة او لزيادتها ، او لاي سبب آخر .. كما انه لايجوز له ان يتساهل او
ان يتوانى في معالجته له .. كما سنرى ان شاء الله تعالى ...
الاجرة للطبيب :
ولكن ما قدمناه لا يعنى : ان لايأخذ
الطبيب اجرا اصلا ، فان ذلك معناه ان يكون كثير من الاطباء عالة على الاخرين ، كما
ان ذلك يستدعى عدم اقبال الناس على تعلم هذا العلم ، واتقانه ، فضلا عن النبوغ
والابداع فيه ، وهو بالتالي يحرم الانسانية من عنصر هام ، بل هو من اهم عناصر
راحتها وسعادتها ، بل وتقدمها في مختلف مدارج الكمال ، والعظمة والمجد.
ولاجل ذلك نجد : ان الامام العسكري 7 يعطى الطبيب الذي فصده تخت ثياب ،
وخمسين دينارا .
واعطاه ايضا في مرة اخرى ـ على الظاهر ـ
ثلاثة دنانير ، وكان الطبيب نصرانيا .
وفي رواية عن علي 7 : ما دون السمحاق اجر الطبيب .
وعن ابن عباس : ان النبي (ص) احتجم
واعطى الحجام اجره .
والروايات الدالة على جواز اخذ الحجام للاجرة كثيرة جدا ، وهي موجودة في كثير من
المصادر.
__________________
الا ان ثمة رواية عن سماعة تخالف ذلك ،
وقد حملها الشيخ على الكراهة .
وقال العلامة 1 في المنتهى : « .. يجوز الاستيجار
للختان ، وخفض الجواري ، والمداواة ، وقطع السلع ، واخذ الاجرة عليه. لانعلم فيه
خلافا ؛ لانه فعل مأذون فيه شرعا ، يحتاج اليه ، ويضطر الى فعله ؛ فجاز الاستيجار عليه
كسائر الافعال المباحة. وكذا عقد الاستيجار للكحل ، سواء كان الكحل من العليل او
الطبيب. وقال بعض الجمهور : ان شرط على الطبيب لم يجز » .
واما بالنسبة للدواء ، فقد روى محمد بن
مسلم ، عن ابي جعفر 7
، قال : سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس ؛ فيأخذ عليه جعلا؟ فقال : لا بأس به .
التجارة : .. السطحية :
وواضح : انه اذا اصبح الهدف من تعلم
الطب هو الحصول على المال والنوال ، وخلا من الاحساس الانساني ، والدفع العاطفي ،
ومن المسؤولية الشرعية والاخلاقية ... فانه عدا عن ان ذلك يمكن ان يجعل من هذا
العلم ـ كما جعل من كثير غيره ـ وبالا على الانسان وعلى الانسانية ... لابد وان
تقل فيه نسبة الابداع والعمق ، بحيث لاينسجم ذلك مع حجم العمل والعاملين فيه ...
ولايبقى ثمة ما يؤهله لان يقدم للامة وللاجيال المزيد من المعارف الدقيقة والهامة
، ويفتح امامها آفاقا جديدة
__________________
في مجالاته المختلفة
... كما .. وتصبح المؤسسات الطبية مجرد حرف جافة لاتهتم باسعاد هذا الانسان بقدر
ما تهتم بسلبه ونهب ثرواته ، ومن ثم بزيادة شقائه وبلائه ..
نعم .. وحينئذ تبدأ عملية العد العكسي
لازدهار العلوم ، ويتجه المتعلمون ـ في الاكثر ـ الى السطحية ، ثم الى الجهل الذي
يستتبع الكثير من التدليس والتزيف ... ثم ان يفقد الانسان اخلاقياته وانسانيته ،
وليتحول الى موجود خسيس ورذل ، ويكون كالبهيمة المربوطة ، همها علفها ، على حد
تعبير امير المؤمنين 7.
حبس الجهال من الاطباء :
ولاجل ما تقدم ... نجد ان الاسلام قد
وقف في وجه هذه الظاهرة بقوة وحزم ، حتى لقد روى عن امير المؤمنين 7 قوله :
« يجب على الامام ان يحبس الفساق من
العلماء ، والجهال من الاطباء الخ ... » .
نعم ... يجب ذلك ؛ لان ممارسة الجاهل
لاعمال الطب ، كثيرا ما تزيد من آلام ومتاعب المريض ، وتعرض راحته ، ومستقبله ـ ان
لم نقل تعرض حياة الكثيرين ـ للاخطار الجسام ... وكما ان فساق العلماء يفسدون
الدين ، فان جهال الاطباء يفسدون الابدان ، ويسلبون الانسان الراحة والسعادة في
الدنيا ، فيجب ردعهم ، والوقوف في وجههم ، بكل قوة وشدة ...
ضمان الجاهل لما يفسده :
وانطلاقا مما تقدم ... فان الجهال اذا
مارسوا الطب ، وافسدوا ما يفترض
__________________
فيهم ان يصلحوه ؛
فانهم يكونون مسؤولين عن افسادهم ذاك عقلا ، وعرفا ، وشرعا ، لقاعدة : الضمان على
كل متلف ... فاذا ادى ذلك الى الموت : فانه يضمن دية الخطاء كما هو معلوم.
وذلك امر مفروغ عنه بين الفقهاء « بلا
خلاف في ذلك » بل في التنقيح : « الطبيب القاصر المعرفة ضامن لما يتلفه بعلاجه
اجماعا » .
كما ان هذا الامر مجمع عليه لدى اهل
العلم من غير شيعة اهل البيت :
.
كما انهم قد رووا عنه (ص) قوله : « من
تطبب ولم يعلم منه الطب ( قبل ذلك ) فهو ضامن ». وبمعناه غيره .
وفي نص آخر : « من تطبب ولم يكن بالطب
معروفا ، فاذا اصاب نفسا فما دونها ؛ فهو ضامن » ... والتعبير بتطبب ظاهر بأنه يريد :
انه قد دخل فيما فيه عسر وكلفة ، من قبيل تشجع ، وتصبر ، ونحو ذلك ...
__________________
ضمان العارف بالطب :
هذا .. ولاريب في ضمان العارف بالطب ،
اذا قصر في اداء مهمته ، سواء اخذ البراءة من المريض ، او من وليه ، ام لا ، وسواء
عالجه باذن منه ، ام لا. والظاهر عدم الخلاف في ذلك. هذا ... عدا عما يترتب على
ذلك من مسؤولية شرعية.
والظاهر : ان ما ورد : من ان عليا 7 قد ضمن ختاناً قطع حشفة غلام . قد كان من اجل تقصيره في اداء وظيفته
...
قال ابن ادريس ، « والرواية هذه صحيحة
لا خلاف فيها »
، وقد حمل الرواية على صورة التفريط ؛ فراجع.
واما اذا لم يقصر في اداء مهمته ، وكان
حاذقا ماهرا ، وتلف المريض ، او تعطل بعض اعضائه بسببه ، فان كان المريض صغيرا ،
او مجنونا ، وكان الطبيب قد اخذ البراءة من وليه ، او كان المريض بالغا عاقلا وقد
اخذ البراءة منه .. فانه لا يضمن.
وقد روى عن ابي عبد الله 7 ، انه قال : قال امير المؤمنين 7 : « من تطبب او تبيطر ، فليأخذ البراءة
من وليه ، والا فهو له ضامن » .
وضعف سندها منجبر بعمل المشهور. بل ادعى
عليه الاجماع .
وليس هذا
__________________
من الابراء قبل ثبوت
الحق ، وانما هو من قبيل الاذن في الشيء ، المقتضى لعدم ثبوت الحق ، مضافا الى انه
لو لم يجز التبري لم يقدم طبيب على علاج .
وهل يكفي اذن المريض او وليه للطبيب
بالعلاج من دون ابراء في عدم ضمانه؟ ربما يقال : انه لا يضمن حينئذ ، وذلك « لان
الضمان يسقط بالاذن ، ولأنه فعل سائغ شرعا » فلا يستعقب ضمانا .
ولكن هذه الحجة غير كافية ، فان كونه
سائغا شرعا لايوجب سقوط الضمان
، والسائغ هو المعالجة لا الاتلاف ، وهو لم يؤذن به .. ، واما قوله : ان الضمان
يسقط بالاذن ... فيمكن ان يكون له وجه ، اذا قلنا : انه من قبيل اقدام المريض ، او
وليه على تحمل نتائج عمل الطبيب ، ورضاهم بها ، لو اتفق وقوعها ... فهو من قبيل
الابراء ... ولكن الظاهر : هو ان اذنهم لا يدل على عدم مطالبتهم بالدية والضمان في
صورة التلف ، فهم يأذنون بالعلاج استنادا الى ان الشارع قد ضمن لهم حقهم في صورة
اتلاف الطبيب لمريضه ، او لعضو منه ، فتبقى قاعدة : الضمان على من اتلف على حالها
.. ولاجل كون ذلك مرتكزاً لدى العرف نجد : انه لو اخذ البعض ولده الى الطبيب ،
فعالجه ، فمات بسبب ذلك العلاج ؛ فانه يشتكي عليه ، ويعتبر مسؤولا عن اتلاف ولده .
واما الاستدلال على الضمان هنا بالاجماع
، فهو في غير محله ، لان الظاهر ، او على الاقل يحتمل : انه اجماع على القاعدة ،
التي هي : الضمان على من اتلف ؛ فلا يكون حجة ..
وكذا لايصح الاستدلال باطلاق رواية
تضمين علي 7 للختان ...
على الضمان هنا ، لانها قضية في واقعة لا اطلاق فيها ، فيحتمل قويا ان يكون تضمينه
__________________
له بسبب تفريطه
وتقصيره في اداء مهمته ، كما اشرنا اليه سابقا. وقد اشار الى ما ذكرناه ايضا في
الجواهر ، فراجع.
ولو اقدم الطبيب الحاذق على العلاج من
دون اذن احد ، استناداً الى وجوب ذلك عليه ، لرواية : التارك شفاء المجروح من جرحه
شريك جارحه لا محالة ، وذلك مقدمة لحفظ النفس المحترمة ، فتلف المريض بسببه ، فانه
يضمن ايضا ، لان التلف سبب للضمان ، فهو من قبيل تأديب الصبي ، ونحوه .
روايتان لا ربط لهما بالضمان :
وفي رواية « قلت ( اي للامام الصادق 7 ) : انا نبط الجرح ، ونكوى بالنار؟ قال
: لابأس ، قلت : نسقى هذه السموم : الاسمحيقون ، والغاريقون؟ قال : لا بأس : قلت :
انه ربما مات ، قال : وان مات
».
وعن حمدان بن اسحاق ، قال : كان لي ابن
، وكانت تصيبه الحصاة ، فقيل لي : ليس له علاج الا ان تبطه ، فبططته ، فمات ،
فقالت الشيعة : شركت في دم ابنك قال : فكتبت الى ابي الحسن ، صاحب العسكر ، فوقع ـ
صلوات الله عليه ـ يا احمد ليس عليك فيما فعلت شيء ، انما التمست الدواء ، وكان
اجله فيما فعلت .
فالرواية الاولى ليست ناظرة للضمان ولا
لعدمه ... وانما هي ناظرة الى جواز الاقدام على ذلك وعدمه ... وان ادى الى موت
المريض.
وفي الثانية كان الممارس لبط الجرح هو
الولي نفسه ، وتعليله 7
بقوله : انما التمست الدواء وكان اجله فيما فعلت ، ليس تعليلا لعدم الضمان ، ليؤخذ
بعموم التعليل ، بل هو ناظر لنفي العقاب الاخروي ، حيث اعتبر الشيعة :
__________________
أنه قد شرك في دم
ابنه ... هذا بالاضافة الى عدم وضوح سند الرواية.
والخلاصة : انه لابأس بأن يأخذ الطبيب
الحاذق البراءة من ولي المريض ، اذا كان المريض صبيا او مجنونا ، او من المريض
نفسه ، اذا اراد ان يقدم على العلاج الذي يحتمل فيه الخطر على المريض ، حتى لا
يتعرض للضمان الذي ينشأ عن التلف المحتمل.
الفصل
الثاني :
التلميذ ...
قبل ان يصير طبيباً ...
مواصفات طالب العلم الطبي :
أما عن مواصفات طالب العلم الطبي ،
فلعلها لا تحتاج الى بيان ، اذا اتضح لدينا حقيقة نظرة الاسلام الى المريض ،
ومكانته عند الله ، وما اعد الله له ، كما يتضح ذلك بالمراجعة الى الروايات
الكثيرة جداً ، ولا مجال لعدها وحصرها ... اذا اتضح لدينا ايضا حقيقة المسؤولية
الملقاة على عاتق الطبيب تجاه المريض ، وواجباته تجاهه ، والتي سنتحدث عنها في
الفصل التالي ان شاء الله تعالى.
ونستطيع ان نجمل هنا مواصفات طالب العلم
الطبي بكلمة واحدة ، وهي ان يتحلى بجميع مواصفات الانسان المسلم ، الذي يمثل
الاسلام وعيا وعمقا ، وخلقا ، وسلوكا ، ويعيش اهداف الاسلام ، وتعاليمه ، وقيمه ،
بكل جهات وجوده ، ومختلف شؤون حياته.
وقد ذكر القدماء بعض المواصفات لطالب
العلم الطبي ، لا نرى بأسا بالاشارة اليها هنا ، ما دامت توافق مقتضيات الفطرة
السليمة ، والاسلام دين الفطرة وان كان في بعضها بعض الهنات.
فقد نسبوا الى ابقراط الوصية المعروفة
بترتيب الطب ، ويقول فيها :
« ينبغي ان يكون المتعلم للطب في جنسه
حراً وفي طبعه
جيدا ،
__________________
حديث السن ، معتدل
القامة ، متناسب الاعضاء ، جيد الفهم ، حسن الحديث ، صحيح الرأي عند المشورة ،
عفيفاً ، شجاعا ، غير محب للفضة ، مالكا لنفسه عند الغضب ، ولا يكون تاركا له في
الغاية ، ولا يكون بليداً.
وينبغي ان يكون مشاركا للعليل ، مشفقا
عليه ، حافظا للاسرار ، لان كثيرا من المرضى يوقفونا على امراض بهم لا يحبون ان
يقف عليها غيرهم.
وينبغي ان يكون محتملا للشتيمة ، لان
قوما من المبرسمين
، واصحاب الوسواس السوداوي يقابلونا بذلك ، وينبغي لنا ان نحتملهم عليه ، ونعلم :
انه ليس منهم ، وان السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة.
وينبغي ان يكون حلق رأسه معتدلا مستويا
، لا يحلقه ، ولا يدعه كالجمة ، ولا يستقصى قص اظافير يديه ، ولا يتركها تعلو على اطراف اصابعه.
وينبغي ان تكون ثيابه بيضاء نقية ، ولا
يكون في مشيه مستعجلا ، لان ذلك دليل على الطيش ، ولا متباطئا ، لانه يدل على فتور
النفس.
واذا دعى الى المريض ، فليقعد متربعا ،
وليختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب ... الخ . »
وفي كتاب : « كامل الصناعة الطبية
الملكي » لعلي بن العباس في الباب الثاني ، المقالة الاولى ، مجموعة وصايا جيدة في
هذا المجال ، وبعضها منسوب الى ابقراط ايضا ، كما يظهر لمن راجع كتاب ابن ابي
اصيبعة ، ويمكن ان يفهم منها اضافة لما سبق :
ان على طالب العلم الطبي : ان يطيع
اوامر الله تعالى ، ويحترم اساتذته
__________________
ويكون في خدمتهم ،
ويعتبرهم بمنزلة والديه ، ويحسن اليهم ، ويشركهم في امواله.
كما ان عليه ان يعتبر ابن معلمه اخا له
، ويعلمه هذه الصناعة بلا اجرة ، ولا شرط ، ويشرك اولاده واولاد معلمه في العلوم
والوصايا ، وكذلك سائر التلاميذ الذين يستحقون تعلم هذه الصناعة ، دون غيرهم ممن
لا يستحق ذلك.
وبعد ان ذكر امورا اخرى ، من جملتها
لزوم حفظ المطالب ، وعدم الاعتماد على الكتاب ، ذكر : ان عليه ان يتعلم مطالب هذا
العلم في ايام صباه ، لان ذلك اسهل عليه من ايام الشيخوخة ... وعلى طالب هذا العلم
ان يبقى في المستشفيات في خدمة اساتذته العلماء ، والحذاق في هذه الصناعة ، فيمارس
العمل في هذا المجال ، ويشرف على المرضى وعلى احوالهم ، ويستفيد من صحبة الاساتذة
، وخدمة المرضى ما يرتبط بأحوال وعوارض الامراض ، حسناً وسوءاً ، ويطبق ما قرأه
عملياً ... الخ .
الطالب ... والتجارب الطبية :
وعدا عما تقدم ... فاننا نجد : ان
الشارع لم يقبل من طالب العلم الطبي : ان يجعل نفسه حقل تجارب ، ولا سيما في
الموارد التي يحتمل فيها الضرر احتمالا معتدا به ، فعن الصادق 7 : « ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم ان
يقدم عليها : شرب السم للتجربة ، وان نجا منه ، وافشاء السر الخ ... » .
وفي حديث آخر عن الامام الباقر 7 : « لا تذوقن بقلة ، ولا تشمها حتى
تعلم ما هي ، ولا تشرب من سقاء حتى تعلم ما فيه » .
__________________
الاستفادة من خبرات غير المسلمين ؛
وبعد ... فان الحكمة ضالة المؤمن ،
اينما وجدها اخذها ... فلماذا اذن يمنع من الاستفادة والتعلم من غير المسلمين : من
اليهود والنصارى ، وغيرهم؟ ... اذا كانت لديهم خبرات يمكن الاستفادة منها ، واذا
اقتصروا على ذلك ، ولم يتعدوه الى محاولة الدعوة الى عقائدهم ومذاهبهم ، واذا لم
يستلزم ذلك اي نحو من انحاء النفوذ او التدخل في الشؤون الخاصة بالمسلمين؟ ... وقد
جاء عنهم : بالنسبة
لبني فضال : خذوا مارووا ، ودعوا مارأوا ... وورد : ان « الحكمة ضالة المؤمن ؛
فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا احق بها واهلها » وفي معناه غيره .
بل لقد رأينا الرسول الاكرم 6 : قد امر اسرى المشركين في بدر ، الذين
لايجدون ما يفدون به انفسهم : ان يعلم الواحد منهم عشرة من اطفال المسلمين القراءة
والكتابة ، ويطلق (ص) سراحهم في مقابل ذلك ...
ولسنا بحاجة الى التعليق على هذه القضية ، فانها بنفسها تعبر عن نفسها ، ومن اراد
الاطلاع على بعض ما يمكن ان يقال في ذلك ، فليراجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي (ص)
ج ٢ ص ٢٥٧ / ٢٥٨.
__________________
القسم الاسلامي للطبيب :
وبعد ان يتخرج ذلك التلميذ ، ويصير
طبيباً حاذقاً ، فاننا نتصور شخصا : ان من الراجح ان يقسم اليمين التالي ، قبل ان
يعطى اجازة للعمل في هذا المجال :
بسم الله الرحمن الرحيم :
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على اعدائهم اجمعين ، الى قيام يوم
الدين ..
اقسم بالله العلي العظيم ، وبكل مقدساتي
، وبكل الكتب السماوية : ان ابذل جهدي وطاقتي في معالجة المرضى ، ولا افرق بين
غنيهم وفقيرهم ، ولا اغش ، ولا اتساهل في ذلك ، وان اعاملهم بالاخلاق الاسلامية
والانسانية الفاضلة ، وان التزم بالاحكام الشرعية في عملي هذا. وان اعتبر ذلك
امانة في عنقي ، يسألني الله عنها يوم القاه ، وان اعمل على اداء هذه الامانة على
اكمل وجه.
واشهد الله تعالى على ذلك ، والله خير
الشاهدين ..
الفصل
الثالث :
ماذا عن :
الطبيب ... والعلاج
الطبيب امام الواجب
ان من الواضح. ان المريض لا يستطيع ان
يعلق آماله فيما هو فيه على احد ، حتى على اقرب الناس اليه ؛ حتى ولده ، وابويه ؛
لانه يعرف : انهم لايملكون لانقاذه حيلة ، ولايجدون للتخفيف من آلامه سبيلا ..
وانما هو يتجه باماله وتوقعاته الى ذلك
الذي امره الله بمراجعته في حالات كهذه ، الا وهو الطبيب العارف ... فالطبيب هو
الذي يستطيع ان يقدم له معونة من نوع ما ، وهو الذي يمكنه ان يخفف من آلامه ،
وينقذه مما هو فيه ...
ومن البديهي : ان التداوي والرجوع الى
الطبيب لا ينافى التوكل ، كما لا ينافيه الاكل والشرب لدفع الجوع ، كما ذكروه .
واذن ... فالطبيب يتحمل اعظم المسؤولية
في هذا المجال ... سواء على صعيد تقديم العون المادي بالدواء والعلاج النافع ...
او على صعيد المعونة الروحية والنفسية ، فهو الذي يستطيع ان يبعث البهجة في نفس
المريض ، وينعش فيه املا ، ويعيد اليه الثقة بالحياة وبالمستقبل.
__________________
وعلى هذا ... فقد كانت مسؤوليات
ومواصفات الطبيب في نفسه ، وبالنسبة لعلاقته بمن يفترض فيه ان يعالجه كثيرة
ومتنوعة من وجهة نظر اسلامية ... ونحن نجمل بعضها في هذا الفصل على النحو التالي :
المبادرة الى العلاج :
فلا يجوز للطبيب التعلل بعدم الاجرة ،
او بقلتها ، فان التارك شفاء المجروح من جرحه شريك جارحه لا محالة ، لان جارحه
اراد فساده ، وهذا لم يرد صلاحه كما تقدم.
فالسلبية هنا لا تعنى الا اتخاذ الموقف
المضاد ، لانها تعنى فسح المجال لفتك المرض بصاحبه ، والتغلب على سائر ما يملكه من
قدرات ومناعات ، وبالتالي الحاق افدح الخسائر فيه.
وبعد ... فان المبادرة الى العلاج هو ما
تفرضه الاخلاق الفاضلة ، والانسانية الرفيعة ، والفطرة السليمة والمستقيمة. وتنسجم
مع اريحية الانسان ، ومع عواطفه النبيلة ، وسجاياه الرضية الكريمة.
مداواة حكام الجور :
وبالنسبة لمداواة حكام الجور ، فعدا عن
ان ذلك يكون من قبيل تهيئة الفرصة لهم للاستمرار في بغيهم وظلمهم ، وان لم يكن
مساعدة مباشرة لهم على ذلك ـ عدا عن ذلك ـ فاننا نجد الامام الحسين صلوات الله
وسلامه عليه يقول :
« لا تصفن لملك دواء ، فان نفعه لم
يحمدك ، وان ضره اتهمك
».
وواضح : ان مراده 7 هنا : هو ملوك الجور ، لانهم هم الذين
يمتازون بهذه الصفة غير الحسنة ... كما هو معلوم.
__________________
عدم التمييز بين الغني والفقير
اما لزوم عدم التمييز بين الغني والفقير
، فنحسب انه لا يحتاج الى بيان ولا الى اقامة برهان ، فان الوجوب الشرعي الكفائي ،
او العيني احيانا ، لم يلاحظ فيه الغنى دون الفقير ، ولا الابيض دون الاسود.
بل يمكن ان يقال : ان اهتمام الاسلام
بالفقير يفوق كثيرا اهتمامه بالغنى اضف الى ذلك : ان الغنى يقدر على الوصول الى ما
يريد ، عن طريق بذل ماله دون الفقير.
وبعد ... فان الاوامر القاضية برجحان
قضاء حاجة المريض ، والاهتمام بأمره ، وترتيب الثواب على ذلك ـ وهي متواترة ـ لم
تخصص غنياً ، ولا فقيراً ولا غيرهما بذلك.
وكذلك الحال بالنسبة للروايات القاضية
بلزوم المبادرة الى شفاء المجروح من جرحه ... بل جميع الروايات التي تتعلق بالطب ،
وهي تعد بالمئات ، لا يمكن ان تلمح فيها اثرا لظاهرة التمييز هذه ، مهما كان حجمه
، ونوعه.
هذا ... ولا يجب ان ننسى تلك الروايات
التي تذم من يحترم الغني ، ويجعل له امتيازا من اجل غناه ... ويكفى ان نذكر هنا
ماروى عن الامام الرضا 7
: « من لقى فقيرا مسلما ، فسلم عليه خلاف سلامه على الغنى لقى الله عز وجل يوم
القيامة وهو عليه غضبان
».
ثم هناك حكاية الرجل الذي بنى قصراً ،
ثم صنع طعاما ، فدعا اليه الاغنياء ، وترك الفقراء ، فاذا جاء الفقير قيل له : ان
هذا الطعام لم يصنع لك ، ولا لاشباهك ... فجاء ملكان في زي الفقراء فمنعا ، ثم
جاءا في زي الاغنياء
__________________
فسمح لهما بالدخول ،
فأمرهما الله بخسف المدينة بمن فيها .
والروايات في مدح الفقراء ، ومحبة الله
لهم ، وانه ينبغي الاهتمام بشأنهم وملاحظة احوالهم كثيرة.
واخيراً ... فان حكم العقل ، والفطرة ،
والاخلاق الفاضلة ، لا يفرق بين غني ، وفقير ، ولا بين كبير وصغير ... هذا ... ان
لم نقل ان اكرام الغني لغناه ليس فيه اكرام للانسان والانسانية ، بل هو يعبر عن
رذالة في الطبع ، وخسة في النفس ، وانحطاط اخلاقي مرعب وخطير.
واذا كان الفقير يعاني في احيان كثيرة
من الالام النفسية اكثر من الجسدية حيث انه يشعر بعقدة الفقر الذي ربما يتحول الى
حقد ، ثم من عقدة الخوف من عدم تمكنه من الحصول على ادنى ما يجب الحصول عليه ـ اذا
كان كذلك ـ فان القربة الى الله تعالى تكون في مساعدته اكثر ، والنتيجة التي تترتب
على هذه المساعدة اعظم واكبر.
وقال علي بن العباس : ان على الطبيب : «
ان يجد في معالجة المرضى ، ولا سيما الفقراء منهم ، ولا يفكر في الانتفاع المادي ،
واخذ الاجرة من هذه الفئة ، بل اذا استطاع ان يقدم لهم الدواء من كيسه هو فليفعل ،
واذا لم يفعل فليجد في معالجتهم ليلاً ونهاراً ، ويحضر الى معالجتهم في كل وقت ...
الخ . »
نعم ... وهذا هو ما يجعل الفقير يثق
بنفسه وبمجتمعه ، ويطمئن الى مستقبله ، ويجعله اكثر حيوية ، ونشاطا ، وتفاعلاً مع
سائر الفئات الفاعلة في المجتمع.
كما انه يزرع الحب والوفاء والرجاء في
نفسه ، ويبعد الحقد ، والحسد
__________________
وسائر الصفات
الذميمة عن روحه ونفسه ، ولا يعود يعاني من عقدة الاحتقار والمهانة ، والخوف ،
وذلك واضح لا يحتاج الى مزيد بيان.
اقدام الطبيب على ما يعرف :
واذا كان الطبيب متخصصا في امراض العين
مثلا ، فليس له ان يتصدى للنظر في امراض القلب ، وكذا العكس ، لانه جاهل في حقيقة
الامراض التي تعرض من هذه الجهة ، فيلحق بالجهال من الاطباء ، الذين على الامام ان
يحبسهم اذا ارادوا التصدي للتطبيب في مجال يجهلونه.
وكذلك فانه يكون من القول بغير علم ،
الذي جاءت الايات الكثيرة ، والاقوال المتواترة عن المعصومين في المنع والردع عنه ، وذلك واضح للعيان فلا يحتاج الى مزيد
بيان ، ولا الى اقامة برهان.
وقد جاء في القسم المنسوب الى ابقراط :
« واحفظ نفسي في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة ، ولا اشق ايضا عما في مثانته
حجارة ، ولكن اترك ذلك الى من كانت حرفته هذا العمل ».
١ ـ الحذق ٢ ـ الامانة ٣ ـ استجلاب الثقة :
١ ـ و ٢ ـ فالطبيب الحاذق هو الذي
يستطيع ان يؤدي واجبه على النحو الاكمل والافضل ، وهو بالتالي الذي يكون خطؤه اقل
، واستفادة المريض من خبراته اتم ، ومنفعته اعم .. وهو اقدر على الحصول على ثقة
المريض ، واعتماده عليه ، وتسليمه له ... الامر الذي يسهل عليه علاجه ، كما انه
يسهل على المريض الالتزام بنصائحه ، والعمل يتوجيهاته.
بل ان على الطبيب نفسه ان يسعى للحصول
على هذه الثقة ، كما يشير اليه ما روى
__________________
عن الصادق 7 : « كل ذي صناعة مضطر الى ثلاث خصال
يجتلب بها المكسب ، وهو ان يكون حاذقا بعمله ، مؤديا للامانة فيه ، مستميلا لمن
استعمله
».
وقد لوحظ : ان النبي (ص) يتحرى لمعالجة
بعض من جرح من اصحابه اطب الرجلين ، اللذين دعيا لهذا الغرض .
نعم ... وهذا هو المنسجم مع الفطرة ،
ومع حكم العقل السليم ، والنصيحة للمسلمين ... ومن اولى منه (ص) بذلك ، وبغيره من
مكارم الاخلاق ومعاليها؟
وبعد ... فقد قيل : ان الطب معناه الحذق
بالاشياء ، وان كان في غير علاج المريض ، ورجل طبيب اي حاذق ، سمي بذلك لحذقه .
٣ ـ واما الامانة واداؤها في المجال
الطبي ، فهي من اوجب الامور ، لان الطب ـ كما قدمنا ـ مسؤولية شرعية ، عرفية ،
اخلاقية ، انسانية ، وحتى عقلية ايضا ، هذا بالاضافة الى ما اشار اليه الامام 7 من ان اداء الامانة في الصنعة يوجب
اجتلاب المكسب بها ... حيث يطمئن الناس اليه ، ويعتمدون عليه ، ويقبلون اليه بكل
رضا واطمئنان ، كما هو واضح من ان يحتاج الى بيان.
١ ـ النصح ٢ ـ الاجتهاد ٣ ـ التقوى :
وعدا عن ان النصح ، والاجتهاد ، وتقوى
الله وظائف انسانية واخلاقية ، فانها وظيفة شرعية ايضا ـ وخصوصا في الطب ـ فعن علي
7 انه قال :
__________________
« من تطبب فليتق
الله ، ولينصح ، وليجتهد
».
وقال ابن ادريس : « ويجب على الطبيب ان
يتقي الله سبحانه فيما يفعله بالمريض ، وينصح فيه ».
١ ـ نعم ... لابد من الاجتهاد في معالجة
المريض ، ولا يجوز التعلل ولا التساهل في ذلك على الاطلاق ، ولابد ايضا من النصح
في ذلك ، لان الغش فيه معناه الجناية على نفس محترمة ، وتعريضها للخطر الجسيم ،
الامر الذي يكشف عن نفس مريضة وحاقدة ، لا تملك شيئا من الخلق الانساني الرفيع ،
بل هي اقرب الى النفس السبعية ، التي لا تعرف الا الاعتداء ، والظلم والشر ، بل هي
اكثر بشاعة وخطرا منها ، حينما يمتزج الظلم بالخداع ، والاعتداء بالتدليس وتزييف
البغيض المقيت.
٢ ـ ولا بد كذلك من تقوى الله في المريض
، لان بتقوى الله لايبقى غش ، ولا اعتداء ، ولا تزيف ، ولا يبقى ايضا تساهل ، او
تعلل ، ولا يبقى كذلك اي لون من الوان الرذيلة في داخل الانسان ، وبتقوى الله
يندفع الانسان الى القيام بواجباته الشرعية والانسانية على النحو الاكمل والافضل
... ولاجل ذلك نلاحظ انه 7
قد قدم الامر بتقوى الله على الامر بالنصح ، وبذل الجهد وليس ذلك عفويا ، بل هو
متعمد ومقصود ، ولا سيما في توجيه الطبيب الذي بيده راحة المرضى ، فهو اذن بأمس
الحاجة الى هذه التقوى : حتى لا يفرط فيما جعله الله مسؤولا عنه.
٣ ـ وبعد ... فان « الله يحب عبداً اذا عمل
عملا احكمه » كما روى عنه (ص) حينما لحد سعد بن معاذ ، كما اننا نجد في نصائح علي بن العباس
: ان « على
__________________
الطبيب ان يجد في
معالجة المرضى ، وحسن تدبيرهم ، ومعالجتهم ، سواء بالغذاء او بالدواء ».
النصح : حدوده وابعاده :
ومن الواضح : ان على الطبيب ان يمتنع هو
اولا عما يطلب من غيره الامتناع عنه عند الحاجة ، وان يلتزم هو بالتوصيات قبل ان
يطلب من غيره الالتزام بها.
والا ... فانه اذا لم يستطع ان يعالج
نفسه قبل ان يعالج غيره ، فانه يكون ولا شك غير ناصح لذلك الغير ، بل هو اما يجري
عليه بعض تجاربه التي لم تصل بعد لديه الى درجة النجاح ، واما انه يعطيه دواءا
يعلم هو انه لا ينفعه ، ان لم يكن فيه الكثير من الضرر له ... ام لاجل ان يحصل منه
ومن امثاله على المال ، او من اجل الحفاظ على الشهرة الفارغة والصيت الاجوف ، او
لغير ذلك من امور.
ولا اقل من ان يفكر المريض والمراجع له
هذا التفكير ، الذي يملك كل المبررات الموضوعية والاخلاقية ، يقول ابو الاسود
الدؤلي :
يا أيها الرجل المعلم غيره
|
|
هلا لنفسك كان ذا التعليم
|
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
|
|
كيما يصح به وانت سقيم
|
واما اذا كان الطبيب يجر الداء الى نفسه
، فان من الواضح انه سوف لن يكون ناصحا لغيره ، لانه لن يحب غيره اكثر من محبته
لنفسه ، ولن يستطيع ان يضر نفسه وينفع غيره ، ومن هنا فان من حق كل احد ان يشير
اليه بأصابع الاتهام والشك ، وقد روى عن عيسى 7
هذا المعنى ، قال (ع) في حديث : « فاذا رأيتم الطبيب يجر الداء الى نفسه فاتهموه ،
واعلموا : انه غير ناصح لغيره
».
__________________
١ ـ الرفق بالمريض ٢ ـ حسن القيام عليه :
ولا نرى ان ذلك يحتاج الى بيان ، ويكفي
ان نذكر : انه قد ورد في بعض النصوص التعبير عن الطبيب بـ « الرفيق » من الرفق ،
فعن علي 7 : « كن كالطبيب
الرفيق ، الذي يدع الدواء بحيث ينفع
».
وفي رواية عن الرضا 7 قال : « سمعت موسى بن جعفر (ع) ، وقد
اشتكى فجاء المترفقون بالادوية ، يعني الاطباء
».
وفي بعض : النصوص : « ان الله عز وجل
الطبيب ، ولكنك رجل رفيق » وفي نص آخر : « انت الرفيق والله الطبيب ».
ومن اولى من المريض بان يكون موضعا
للعناية ، والرفق ، والمداراة ، ومراعاة الجانب.
وقد روى : ان امير المؤمنين 7 قد قطع ايدي سراق ، ثم قال : « يا قنبر
، ضمهم اليك فداو كلومهم ، واحسن القيام عليهم » ، وبعد ان برئت كلومهم كساهم
ثوبين ثوبين ، وخلى سبيلهم ، واعطى كل واحد منهم ما يكفيه الى بلده ، وزاد في نص
آخر : انه امرهم ان يدخلوا دار الضيافة ، وامر بأيديهم ان تعالج فأطعمهم السمن ،
والعسل ، واللحم حتى برئوا .
وعن علي 7
: من كنت سببا في بلائه وجب عليك التلطف في
__________________
علاج دائه فعبر بالتلطف لم ذكرناه.
رفع معنويات المريض :
واذا كان ضعف الانسان وانهزامه نفسيا
امام المرض في بادىء الامر يكون امرا طبيعيا ، بسبب شعوره بآلام ومتاعب يجد نفسه
عاجزا عن دفعها ، ومواجهتها ـ اذا كان كذلك ـ فان من الطبيعي ، ان يكون لرفع
معنويات المريض ، وبعث الثقة في نفسه بالشفاء اكبر الاثر في تقويه وسيطرته على
المرض ، وبالتالي في شفائه منه ، والتخلص من آثاره.
واما الانهزام النفسي امام المرض ، فانه
يعود بأسوأ الاثار عليه ، ويجعل من الصعب عليه التغلب على المرض ، ومواجهة عوارضه
، لان الانهيار النفسي يتبعه الانهيار الجسدي المريع والخطير دون شك.
ولذلك نلاحظ : ان الاسلام يهتم في تطييب
نفس المريض بل يكون دور العلاج الجسدي بالنسبة للعلاج النفسي ثانويا للغاية ، ومما
يوضح لنا هذه الحقيقة الهامة : اننا نجد في بعض النصوص بعد محاولة ربط المريض
بالله تعالى ، وافهامه انه هو الشافي له وليس سواه يشير الى ان دور الطبيب هو ان
يطيب نفس المريض ، ويبعث الامل في نفسه ، فقد ورد : ان المعالج يسمى بالطبيب لانه
يطيب بذلك انفسهم .
بل لقد جاء انه حتى الذين يقومون بعيادة
المريض ينبغي لهم : ان يفسحوا له في الاجل ، كما سيأتي.
يتقي الله ، ويغض بصره عن المحارم :
ولعل اكثر الناس ابتلاءً بالنظر الى ما
يحرم في الاحوال العادية النظر
__________________
اليه ، هم الاطباء
... وواضح : ان الامر بغض البصر عما يحرم النظر اليه يبقى واجب الامتثال حتى تحكم
الضرورة ، فيجوز حينئذ النظر بمقدار ما ترتفع به الضرورة.
فلو استطاع ان يعالج المريض علاجا صحيحا
، استنادا الى وصف المريض له ما يعانيه من اعراض ، فانه يجب الاقتصار على ذلك ،
ولا يجوز النظر ... واذا استطاع ان يعالج بالنظر الى دائرة اضيق لم يجز له التعدي
الى ما زاد.
بل انه اذا تمكن من المعالجة بواسطة
النظر في المرآة لم يجز التعدي الى النظر المباشر ، وقد امرهم امير المؤمنين بذلك
بالنسبة للنظر الى الخنثى كما سيأتي في الفصل التالي.
وبعد ... فانه اذا استطاع ان يعالجه
استنادا الى النظر لم يجز له التعدي الى اللمس ... وهكذا يقال بالنسبة الى التعدي
من اللمس القليل الى الكثير هذا ان لم يمكن اللمس بواسطة.
ومن هنا نجده 7 يأمر الطبيب اول ما يأمره بتقوى الله ،
ثم بان ينصح ويجتهد ، فعن علي 7
: « من تطبب فليتق الله ، ولينصح ، وليجتهد »
ولسوف نتحدث عن هذا الامر ايضا في الفصل
التالي ان شاء الله تعالى.
واخيراً ... فقد جاء في نصائح علي بن
العباس : « وان لا ينظر الى النساء بريبة ، سواء كان النظر للسيدة ، ام للخادمة ،
ولا يدخل الى منازلهن الا للمداواة » وقال : « وعليه ان يكون رحيماً ، برىء النظرة
».
وجاء في قسم ابقراط : « واحفظ نفسي في
تدبيري على الزكاة والطهارة » الى ان قال : « وكل المنازل التي ادخلها ، انما ادخل
اليها لمنفعة المرضى ، وانا بحال خارجة عن كل جور وظلم ، وفساد ارادي مقصود اليه
في سائر الاشياء ، وفي الجماع للنساء والرجال ، الاحرار منهم والعبيد ».
__________________
تجويز الافطار للصائم ونحو ذلك :
ونجد بعض الاطباء ، اذا جاءهم المريض في
شهر رمضان مثلا ، وكان صائما فانهم يبادرون الى تجويز الافطار له ، بل انهم يوجبون
عليه ذلك في كثير من الاحيان ، ومثل ذلك امرهم له بالصلاة من جلوس مع قدرته على
القيام ، وعدم الضرر فيه عليه ، وما اشبه ذلك.
ونحن لا بد وان نشير هنا : الى ان
الطبيب يتحمل مسؤولية في ذلك امام الله تعالى ولاجل ذلك ، فان عليه ان يتروى فيه ،
ويحققه قبل ان يقدم عليه فلا يجوّز له الافطار او الصلاة من جلوس مثلا لاسباب
تافهة لا تقتضي ذلك الا اذا احتمل الحاجة الى ذلك احتمالا قويا ، لان المريض انما
يجوز له ان يأخذ بقوله ويستند اليه على اعتبار انه من اهل الخبرة ، فلا بد وان
يستعمل خبرته في اكتشاف السبب الذي يحتم عليه ذلك ، والذي يعتمد عليه المكلف في
عملية اكتشافه ، وتشخيصه.
من وصايا الاهوازي :
وقال علي بن العباس الاهوازي : « على
الطبيب ان يكون نظيفاً ، يخاف الله ، عذب اللسان ، حسن السلوك ، وان يبعد عن كل
سوء ، وكل مشين ، وان لا ينظر الى النساء ... الخ ».
وقد تقدمت مواصفات طالب العلم الطبي في
الفصل السابق ، فلا نعيد.
الدواء ... والعلاج :
واما بالنسبة للدواء والعلاج ، فيمكن ان
يستفاد من النصوص : انه كلما
__________________
أمكن ان لا يتداوى
الانسان كلما كان ذلك اصلح له ... وذلك مثل ماروى عن ابي عبد الله 7 : من ظهرت صحته على سقمه ، فيعالج نفسه
فمات ، فأنا الى الله منه بريء .
وكتلك الروايات التي تؤكد على عدم تناول
الدواء ما احتمل البدن الداء او مع عدم الحاجة الى الدواء .
وكذلك الروايات التي تنهى عن الاضطجاع
مع وجود القدرة على القيام .
والتي تقول : امش بدائك ما مشى بك .
والتي تقول : انه ما من دواء الا ويهيج
داء .
وعن الكاظم 7 : ادفعوا معالجة الاطباء ما اندفع
الداء عنكم فانه بمنزلة البناء قليله يجر الى كثيره .
والتي تقول : لا يتداوى المسلم حتى يغلب
مرضه على صحته .
والتي تقول : شرب الدواء للجسد كالصابون
للثوب ، ينقيه ، ولكن يخلقه .
واما شرب الدواء من غير علة ، فلا ريب
في انه غير صالح ، وانه يعقب مكروها كما ورد في بعض النصوص ، فعن الصادق 7 : « ثلاثة تعقب مكروها : حملة البطل في
الحرب في غير فرصة ، وان رزق الظفر ، وشرب الدواء من غير علة ، وان سلم منه ...
الخ » ، كما انه
قد ورد عنه 7 قوله : «
ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم ان يقدم عليها : شرب السم للتجربة ، وان نجا منه
وافشاء السر الى القرابة ... الخ
».
لا اسراف في الدواء :
ومن الجهة الاخرى ، فان على الطبيب : ان
لا يحاذر في اعطاء الدواء للمريض من ان ذلك قد يعد اسرافا ، اذا وجد للدواء موضعا
، كما ورد في بعض النصوص
مهما كان ذلك الدواء كثيرا ، او ثمنه غاليا ، فان صحة الانسان وسلامته اغلى من ذلك
مهما بلغ ... اما اذا لم يجد للدواء موضعا فان عليه ان يمسك ، ليس لاجل ان ذلك
يخلق البدن ، ولانه يهيج داء فقط ... وانما
__________________
لاجل ان ذلك يعد
اسرافا ايضا ... وقد جاء في بعض النصوص :
« ليس فيما اصلح البدن اسراف ، انما
الاسراف فيما اتلف المال واضر البدن
».
وذلك واضح ولا يحتاج الى مزيد بيان.
عدم اطالة فترة العلاج :
واما بالنسبة لاطالة فترة العلاج وعدمها
، فيمكن ان يستفاد من النصوص المتقدمة الامرة بعدم العلاج لمن ظهرت صحته على سقمه
، ومن قوله (ع) : ما من دواء الا ويهيج داء ، ومن قوله : ان الدواء يخلق الجسم ،
وغير ذلك مما تقدم تحت عنوان : « الدواء ... والعلاج » ، يمكن ان يستفاد منه : ان
الشارع يرغب في الاسراع بالتخلص من هذا الوضع الاستثنائي وفي عدم الاستسلام له.
كما ويستفاد ذلك بوضوح من قول امير
المؤمنين 7 المتقدم ،
الامر للطبيب بالاجتهاد في العلاج.
ومما تقدم من ان التارك شفاء المجروح من
جرحه شريك جارحه لا محالة وذلك ان الجارح اراد فساد المجروح ، والتارك لاشفائه لم
يشأ صلاحه ... الخ.
وواضح : ان اطالة فترة المعالجة من قبل
الطبيب تنافي الاجتهاد فيه ، كما انها نوع من ترك شفاء المريض ، ومن عدم النصح له.
وبعد ... فقد تقدم في نصائح الاهوازي
قوله : « على الطبيب ان يجد في معالجة المرضى ، وحسن تدبيرهم ، ومعالجتهم ... الخ
».
ومن ذلك الذي لا يجب ان يتخلص من الالم
والمرض بسرعة ، لينصرف
__________________
الى تدبير اموره ،
والنظر في شؤون معاشه ومعاده؟!
ولماذا لا يحاول الطبيب مساعدته في هذا
الامر الذي يرغب فيه ، ويخلصه من الالام التي يعاني منها؟! ، وهل اطالة فترة
المعالجة الا منافية لما يحكم به العقل ، والشرع والوجدان؟!
فلسفة الدواء للمريض :
وان مما يزيد في ثقة المريض بالطبيب ، وبمعرفته
بالعلاج الذي يقدم على تجويزه له ، وبالدواء الذي يفترض في المريض ان يتجرعه ،
ويساعد بالتالي على نجاح العلاج له ... هو ان يفلسف الطبيب له ـ بنحو ما ـ سر
تجويزه هذا الدواء له ، ويبين له بعض منافعه ليطمئن الى ان هذا الدواء ان لم ينفع
في دفع المرض عنه ، فانه لن يضره جزما ، مع قوة احتمال نفعه من الجهة او الجهات
الاخرى ... ولقد رأينا النبي (ص) والائمة المعصومين :
من بعده يذكرون منافع الادوية التي يوصون مراجعيهم بتناولها في موارد كثيرة جدا ،
لا تكاد تحصر .
وقد قال علي (ع) : من لم يعرف مضرة
الشيء لم يقدر على الامتناع منه .
كما ان للاعتقاد دور هام في تأثير
الدواء ، ودفعه للمرض ... ولاجل ذلك نجد الامام الصادق 7 حينما يروي عن النبي 6 دواء لوجع الجوف ، ويعترض عليه البعض :
بأنهم قد بلغهم ذلك ففعلوه ، فلم ينفع ـ نجده 7
ـ يغضب ويقول :
« انما ينفع الله بهذا اهل الايمان به ،
والتصديق لرسوله ، ولا ينفع به اهل النفاق ، ومن اخذه على غير تصديق منه للرسول ».
__________________
اطعام المريض عند اشتهائه :
وبعد ... فقد جاء في فقه الرضا (ع)
وغيره ، في حديث قوله :
« ... فاذا اشتهى الطعام ، فأطعموه ،
فلربما فيه الشفاء
».
ولعل مرد ذلك الى ان الجسد ربما يكون قد
بدأ يشعر بما يحتاج اليه ويحاول التعويض عن النقص الذي يعاني منه ، ومعنى ذلك هو :
ان مقتضيات الصحة والعافية قد بدأت تتغلب على عوامل المرض فيه ... واذن ... فلا بد
من تلبية حاجة الجسد هذه ، وعدم منعه عما يتطلبه.
ولعل الى هذا يشير ما روى عنهم : : اذا جعت فكل ، واذا عطشت فاشرب ،
واذا هاج بك البول فبل ، ولا تجامع الا من حاجة ، واذا نعست فنم .
فاذا لم يكن لدى المريض اشتهاء الى
الطعام ، فان اكراهه عليه لن يكون مفيدا كثيرا ، ان لم نقل : انه لربما يؤدي الى
مضاعفات غير حميدة : نفسيا ، وجسديا. ولاجل ذلك نجد بعض النصوص تقول :
عنه (ص) : « لا تكرهوا مرضاكم على
الطعام ، فان الله يطعمهم ويسقيهم
».
__________________
ولعل المراد بأن الله يطعمهم ويسقيهم :
انه تعالى يلطف بهم ، ويكيف اجسادهم بحيث تقل حاجتها الى الطعام والشراب ، الذي
ربما لا يستطيع الجسد ان يتكيف معه ، بملاحظة مضاعفات المرض التي تلم به ... وليس
ذلك على الله تعالى ببعيد.
لا يكلف المريض المشي :
وقد روى عن ابي عبد الله 7 : ان « المشي للمريض نكس » .
ولعل ذلك بملاحظة : ان الطاقة التي
يفترض ان يصرفها البدن في التغلب على المرض ... يصرفها في تكلف المشي ، ان لم يصرف
تكلفه هذا ازيد من المعتاد ، بملاحظة الحالة الخاصة التي يعاني منها ... ومعنى ذلك
: ان ينتكس المريض ، ويعطى الفرصة للمرض ليتغلب عليه ، ويفتك فيه من جديد.
حمل الادوية في السفر :
والذي يلاحظ الروايات الواردة في مجال
الطب العام يجد انها لم تهمل ايا من الحالات التي يتعرض لها الانسان عادة ، ومن
جملتها حالة السفر ، حيث امرت الرواية باستصحاب الادوية التي ربما يحتاج اليه
للعوارض التي تترافق مع السفر عادة ، والتي تنتج عن المتغيرات التي يتعرض لها
الانسان في مواجهة المناخات والاجواء المختلفة ، او عن استخدامه لوسائل النقل المختلفة
، هذا عدا عن ان بعض الامراض لربما تظهر في بعض البلاد دون بعض.
نعم ... ولاجل هذا نجد لقمان ينصح ولده
ـ اذا اراد السفر ـ فيقول : « تزود معك الادوية فتنتفع بها انت ومن معك ».
__________________
العلاج بما يخاف ضرره :
وبعد كل ما تقدم ... فانه اذا كان
الطبيب يرى ان الدواء الفلاني يفيد في دفع المرض واستئصاله لكنه يعلم ان له
مضاعفات سيئة على المريض فان كانت هذه المضاعفات مما لا يتسامح العرف ولا الشرع
بالاقدام عليها لم يجز له ذلك ، والاّ جاز. وكذا الحال بالنسبة للمريض نفسه ، فانه
يجوز له تناول الدواء وان كان يحتمل ضرره احتمالا لا يعتد به العرف والعقلاء ...
ويشير الى هذا ما عن الدعائم ، عن جعفر بن محمد 7
: انه رخص في الكي فيما لا يتخوف فيه الهلاك ولا يكون فيه تشويه ».
وعن يونس بن يعقوب قال : سألت ابا عبد
الله 7 عن الرجل
يشرب الدوء وربما قتل ، وربما سلم ، وما يسلم منه اكثر ، قال : فقال : انزل الله
الدواء ، وانزل الشفاء ، وما خلق الله داء الا وجعل له دواء ، فاشرب وسم الله
تعالى .
وعن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لابي عبد
الله 7 : الرجل
يشرب الدواء ، ويقطع العرق ، وربما انتفع به ، وربما قتله ، قال يقطع ويشرب .
وفي هذا المعنى روايات اخرى ايضا .
حفظ الاسرار الطبية :
سيأتي في بحث عيادة المريض : البحث في
انه هل ينبغي للمريض كتمان مرضه ام لا؟ والذي نريد : ان نشير اليه هنا هو كتمان
الطبيب للاسرار الطبية ، ولابد
__________________
من التكلم في ذلك من
ناحيتين :
الاولى
: انه لابد وان يحفظ الطبيب سر المريض فلا يبوح به لاحد .. وقد ورد في الشريعة
المطهرة الحث على كتمان سر المؤمن. ووعد الله ان يجعل من يكتم سر اخيه المؤمن
يستظل بظل عرش الله يوم القيامة ، يوم لاظل الا ظله .
وعن عبدالله بن سنان قال : قلت له :
عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال نعم ، قلت : سفلته؟ قال : ليس حيث يذهب ، انما
هو اذاعة سره .
كما انه اذا اطمأن المريض الى ان سره
محفوظ ؛ فان يصير اكثر شجاعة على البوح للطبيب بكثير من الامور التي قد يكون لها
اكبر الاثر ، او الاثر الكبير في معرفة حقيقة الداء ، الامر الذي يسهل على الطبيب
وصف المناسب والناجع من الدواء .. كما انه يمكن ان تصدر من المريض الكثير من
الامور التي يحب ان لا يعلمها منه احد. وهذا امر طبيعي وواضح ..
نعم .. وقد امر الشارع المريض بان لا
يكتم الطبيب مرضه ، لان كتمانه اياه يجعل الطبيب غير قادر على فهم حقيقة ما يعاني
منه مريضه من جهة ..
هذا ان لم يكن ذلك سببا في ان يفهم غير
ما هو الواقع ؛ فيصف له ليس فقط ما لا يجدي ، بل وما قد يضر بحالته ويكون له
مضاعفات خطيرة جداً عليه من جهة اخرى .. وورد ان عليا (ع) اشار الى الجهة الاولى
بقوله : من كتم مكنون دائه عجز طبيبه عن شفائه .
وعنه (ع) : لاشفاء لمن كتم طبيبه داءه .
واشار الى الجهة الثانية فقال (ع) فيما
روى عنه : من كتم الاطباء مرضه
__________________
خان بدنه .
ولقد جاء في القسم المنسوب الى ابقراط :
« ... واما الاشياء التي اعانيها في اوقات علاج المرضى ، واسمعها في غير أوقات
علاجهم في تصرف الناس في الاشياء ، التي لا ينطق بها خارجا ، فامسك عنها ، وارى ان
امثالها لاينطق به .. » .
وجاء في الوصية المنسوبة لابقراط ايضا
ان الطبيب : « ينبغي ان يكون مشاركا للعليل مشفقا عليه ، حافظا للاسرار ، لان
كثيرا من المرضى يوقفونا على امراض بهم لا يحبون ان يقف عليها غيرهم » .
وقال علي بن العباس : « يجب على الطبيب
ان يحفظ اسرار المريض ، ولا يفشيها ، لا لاقاربه ولا لغيرهم ممن يتصل به ، لان
كثيرا من المرضى يكتمون ما بهم عن اقرب الناس اليهم ، حتى والديهم ، ويبوحون به
للطبيب كاوجاع الرحم والبواسير ... فعلى الطبيب ان يحافظ على سر المريض اكثر من
المريض نفسه
» ..
الثانية
: كتمان اسرار الطب عمن يمكن ان يسيء استعمالها .. وقد روى عن الصادق 7 أن : « لكل شيء زكاة ، وزكاة العلم ان
يعلمه اهله »
وفي معناه غيره.
وعن علي (ع) : « شكر العالم على علمه ان
يبذله لمن يستحقه » .
__________________
وفي البحار ج ٢ روايات متعددة يستفاد
منها هذا المعنى.
وواضح ان من يسيىء استعمال العلم ليس
ممن يستحق العلم ، ولا هو من اهله ولعل من اظهر مصاديق هؤلاء العدو الغاشم ، فلا
بد من الاحتياط منه وعدم اطلاعه لا على الادوية ولا على اسرارها ؛ فعن علي (ع) :
ثلاثة لا يستحى من الختم عليها : المال لنفي التهمة ، والجوهر لنفاسته ، والدواء
للاحتياط من العدو .
واما بالنسبة لغير العدو فقد قال علي بن
العباس : ان على الطبيب ان « لا يجوز لهم الدواء الخطر ، ولا يصفه لهم ، ولايدل
المريض على ادوية كهذه ، ولا يتكلم عنها امامه ، ولا يجوز لهم الادوية المسقطة
للجنين ، ولا يدل عليها احدا
».
وما ذلك الا لان الطب لم يكن الا لخدمة
الانسانية ، والتخفيف من آلامها ، فاذا اسيىء استعماله ، وكان مضرا بالانسان
وبالانسانية ، فان الانسانية تكون في غنى عنه ، وليست بحاجة اليه.
وقد جاء في القسم المنسوب الى ابقراط :
« واما الاشياء التي تضر بهم ، وتدنى منهم بالجور عليهم فأمنع منها بحسب رأيي ،
ولا اعطى اذا طلب مني دواء قتالا ، ولا اشير ايضا بمثل هذه المشورة. وكذلك ايضا لا
ارى ان ادنى من النسوة فرزجة تسقط الجنين
».
تحري الدقة في اجراء الفحوصات :
وبعد .. فان على الطبيب ان يتحرى الدقة
التامة في مجال اجرائه الفحوصات للمريض ، فان ذلك بالاضافة الى انه من مقتضيات
الامانة ؛ فانه مما تفرضه المشاعر الانسانية النبيلة بالنسبة لهذا الانسان الذي
سلم امره اليه ، وعلق الكثير من آماله عليه .. وقد اشار امير المؤمنين علي (ع) الى
ذلك حينما قال ـ فيما روى عنه ـ : « لاتقاس عين في يوم غيم » . وقد تقدم ما فيه اشارة الى ذلك ايضا.
من مواصفات الطبيب الحاذق :
واخيرا ... فقد ذكر البعض بعض المواصفات
التي يفترض بالطبيب الحاذق ان يراعيها ويهتم بها ... وقد تقدم بعض ما يشير الى
نقاط منها ... وبقى ان نشير منها الى ما يلي :
١ ـ ان يعرف نوع المرض.
٢ ـ ان يعرف سببه.
٣ ـ معرفة المزاج الطبيعي للبدن.
٤ ـ معرفة المزاج الحادث على غير المجرى
الطبيعي.
٥ ـ سن المريض.
٦ ـ عادات المريض.
٧ ـ ملاحظة حالة الجو الحاضرة وما ينسجم
معها.
٨ ـ ملاحظة كونه في اي فصل من فصول
السنة.
٩ ـ النظر في امكان المعالجة لتلك العلة
، او تخفيفها ، ام لا يمكن.
١٠ ـ ملاحظة بلد المريض وتربته.
١١ ـ النظر في امكان المعالجة بغير
الدواء ، كالحمية والغذاء والهواء ، ثم بالادوية البسيطة ، ثم المركب ... وهكذا ...
١٢ ـ النظر في الدواء المضاد لتلك العلة
، ثم الموازنة بين قوته وقوة ذلك المرض ، بالاضافة الى قوة المريض نفسه.
١٣ ـ ان يربط المريض بالله ، واعتباره
القادر على شفائه ، وتوجيهه نحو تصفية النفس ، والاخلاص له تعالى ... .
انتهى ما اردناه من كلامه ، مع تصرف ،
وزيادة ، وحذف ... وبعضه يمكن استخلاصه مما تقدم ومن غيره من روايات اهل البيت : ، او يدخل في قواعد عامة صدرت عنهم
صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ...
__________________
معالجة غير المسلم للمسلمين :
ولم يمنع الاسلام من مداواة اليهودي
والنصراني للمسلم ، فقد روى عن ابي جعفر 7
، قال : سألته عن الرجل يداويه النصراني واليهودي ، ويتخذ له الادوية ، فقال : لا
بأس بذلك ، انما الشفاء بيد الله .
وعن عبد الرحمان بن الحجاج قال : قلت
لموسى بن جعفر (ع) : اني احتجت الى طبيب نصراني ، اسلم عليه ، وادعو له ، قال :
نعم ، انه لا ينفعه دعاؤك .
وقد داوى رجل يهودي بعض الناس على عهد
النبي (ص) ، واخرج من بطنه رجراجاً ، كما تقدم
كما ان الحارث بن كلدة قد عالج بعض الصحابة بأمر من النبي ـ كما يقولون ـ مع انهم
يقولون : انه لا يصح ان الحارث قد اسلم ، فراجع كتب تراجم الصحابة ، والمصادر
المتقدمة في الفصل الاول من الكتاب.
وقال الشهيد في الدروس : يجوز المعالجة
بالطبيب الكتابي ، وقدح العين عند نزول الماء .
وذلك يدل بوضوح على ان الاسلام يهتم
بالكفاءات اينما وجدت ، ولان ذلك لا يؤثر على عقيدة الانسان المسلم ، ولا في سلوكه
، بل هو يساهم في اعادة السلامة والمعافاة له ... الامر الذي يمكنه من العودة الى
مجال الحياة والنشاط فيها ، وخدمة نفسه ومجتمعه على مختلف الاصعدة.
الا اذا كان ذلك يوجب مودة لليهود
والنصارى ، ومحبة لهم ، تكون سببا في الانحراف عن الجادة المستقيمة ، والوقوع في
مهاوي الجهل والحيرة والضياع ..
__________________
الفصل
الرابع :
التمريض
و
المستشفى
بداية :
وبعد .. فقد حان الوقت لاعطاء لمحة
سريعة عن المواصفات التي ينبغي توفرها في المستشفى من وجهة نظر اسلامية.
ثم الاشارة الى علاقة الممرض بالطبيب
وبالمريض ..
وبعد ذلك محاولة التعرف على رأي الاسلام
الصريح في تمريض وتطبيب الرجل للمرأة وعكسه ، وكذلك في تشريح الموتى ، مع مراعاة
الاختصار مهما امكن .. فان كل ذلك مما تمس اليه الحاجة بالفعل .. فـ :
الى ما يلي من صفحات ...
المستشفيات النموذجية :
وبعد .. فانه اذا كانت خدمة المريض ،
والقيام بشؤونه يوجبان الاجر الجميل ، والثواب الجزيل ، حيث كان قريبا من الله ،
مستجاب الدعاء ؛ فلا بد وان يكون في محيط يتناسب مع حالته المتميزة هذه ..
ومن الجهة الاخرى .. فانه اذا كان المرض
يجعل لدى المريض قابلية التفاعل ببعض التلوثات ، والاجواء الموبوءة ، الامر الذي
يحمل معه احتمالات مضاعفات غير مرغوب فيها في هذا المجال .. فان من المحتم ـ
والحالة هذه ـ ان يكون المريض في محيط يتوفر فيه عنصر الوقاية الصحية ؛ والابتعاد
عن كل مامن شأنه ان يؤثر عكسيا ، بشكل مباشر ، او غير مباشر على المستوى الصحي له
..
واذا كان بحث الوقاية الصحية يعتبر من
الموضوعات الاسلامية المتنوعة ، والمتعددة الابعاد ، وليست الاحاطة بها بالامر
السهل اليسير ، وتحتاج الى دراسة معمقة ، وشاملة .. فاننا لا يسعنا في هذه العجالة
الا ان نكتفي هنا بالاشارة الى بعض النقاط التي ترتبط بالحالة العامة في
المستشفيات ، وشؤونها واوضاعها المختلفة ، وبعض مواصفاتها ، بشكل موجز ومحدود ؛
فنقول : ...
مواصفات المستشفى الاسلامي :
لقد ورد عن النبي الاعظم 6 ذكر لكثير من المواصفات
المطلوب توفرها في
محل السكنى والمنازل .. ونستطيع ان نفهم من التأمل في الحكمة في اعتبارها
ومطلوبيتها : ان توفرها في المستشفى الذي يعالج فيه المرضى اكثر ضرورة والحاحا ..
كما سنرى ..
ويمكن ان نجمل هذه المواصفات التي يمكن
استخلاصها من الروايات على النحو التالي :
الف : ما يرتبط بموقع المستشفى ..
١ ـ ان تكون بقعته حسنة اللون جيدة
الموضع
..
٢ ـ ان يكون الهواء طبيا ..
٣ ـ ان يكون ثمة ماء غزير عذب ، بحيث
يقع النظر عليه
..
٤ ـ ان يكون في بقعة ، تربتها لينة رخوة
في مقابل
الصلبة.
__________________
٥ ـ ان يكون كثير العشب والاشجار ، بحيث
لا يقع النظر فيه الا على الخضرة
..
٦ ـ ان لا يكون في منخفض من الارض ،
كواد ، ونحوه .
٧ ـ ان يكون في المدينة .
٨ ـ ان يكون بعيدا عن اماكن الضوضاء
والضجة ، كالشوارع المزدحمة ونحوها .
٩ ـ جودة المنظر الطبيعي العام الذي
يشرف عليه .
١٠ ـ هذا ... بالاضافة الى لزوم كون
المحيط نقيا وسالما ، فلا يكون في مرعى وبي ، ولا في مشرب دوي ، اي فيه داء ، كما
عن امير المؤمنين 7
.
__________________
باء : ما يرتبط بهندسة البناء بصورة
عامة ؛ ونشير الى :
١ ـ ان يكون البناء حسنا .
٢ ـ ان تكون الهندسة جيدة ، بحيث تقل
العيوب فيه بصورة عامة .
٣ ـ ان تكون الغرف واسعة ، وكذلك الدار
ـ الساحة ـ .
٤ ـ ان لا يكون ثمة تماثيل وصور لذوات
الارواح ، حتى ولو في السقوف .
٥ ـ ان يكون مريحا وهنيئا .
٦ ـ ان يكون منظر كل شيء فيه مريح
ومقبول
، لان ذلك
__________________
يبعث البهجة
والارتياح في النفس.
٧ ـ ان يكون فيه مسجد ، وان تكون بقعة المسجد سهلة الموطىء ،
طيبة الموقع .
٨ ـ ان يكون فيه حمام ـ شرط ان يكون في
اكناف الدار .
٩ ـ ان يكون فيه بيت خلاء بشرط :
الف : ان يكون في استر موضع من البناء .
باء : ان لا يكون في مقابل الشمس والقمر
، بحيث يستقبلهما المتخلى بفرجه .
جيم : ان لا يكون الى جهة القبلة .
١٠ ـ ان تتسع الغرف لأكثر من سرير واحد .
__________________
١١ ـ ان لا يتم الاستعمال للمبنى ولغرفه
، الا بعد تجصيصه ، وبعد وضع الابواب والستائر للغرف . ولا يكون فيه آثار الخراب. راجع :
اولين دانشكاه ج ٢ ص ١٨٦.
١٢ ـ ان لا يزيد ارتفاع سقف الغرف ـ بل
البناء مطلقا ـ على ثمانية اذرع
، ولا يكون عدة طبقات ايضا.
١٣ ـ ان لا تكون الشرف والميازيب ظاهرة
الى الطريق ، فقد ورد انه : « اذا قام القائم 7
: ... ووسع الطريق الاعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وابطل الكنف والميازيب
الى الطرقات » .
كما ان عليا 7 ـ كما روى ـ
كان يأمر بالمثاعب والكنف تقطع عن طريق المسلمين .
والمثعب : الميزاب ، او مسيل الحوض.
والكنف. جمع الكنيف ، وهو السقيفة او الظلة تكون فوق باب الدار.
جيم : ما يرتبط بأوضاع المستشفى
الداخلية ، ونشير الى :
١ ـ ان تكون الغرف حسنة الترتيب ، من
حيث وضع الوسائل المحتاج اليها فيها .
٢ ـ نظافة كل ما يستعمله المريض من فراش
، ولحاف وثياب يلبسها
ونحو ذلك .
٣ ـ كنس الغرف وتنظيفها ، سواء من الوسخ
، او من حوك العنكبوت .
٤ ـ ان لا تبيت القمامة والتراب في
الغرف خلف الباب مثلا ، بل لا بد ان تخرج نهارا .
٥ ـ تنظيف افنية المستشفى ، وكل ما يتصل
به من ساحات ومرافق ، بل لقد اعتبر عدم نظافة الافنية من التشبه باليهود .
٦ ـ ان لا يكون في السقوف صور ، ولا
يوضع في الغرف اي نوع من انواع التماثيل لذوات الارواح ، وقد تقدم ...
__________________
٧ ـ ان تكون الثياب المستعملة في
المستشفى لينة ، لانها تسمن البدن ، ويفرح بها الجسم .
٨ ـ ان لا يكون في المستشفى روائح كريهة
.
٩ ـ ان تكون الاسرة بحيث يكون المريض
مستقبل القبلة ، نائما كان او مستيقظا .
١٠ ـ ان يكون لكل مريض منديل يختص به .
١١ ـ ان لا يكون في الغرفة نار مشبوبة؟
حين نوم المريض .
اضواء على بعض ما تقدم :
ان المحافظة على المريض ، وضمان عدم
تعرضه لاية نكسة من اي نوع
__________________
كانت ، ثم تهيئة
الاجواء الملائمة والمناسبة للاتجاه بالمريض نحو الصحة والسلامة .. لايمكن ان يكون
سهلا وميسورا كما ربما يبدو لاول وهلة ، بل هو امر صعب يحتاج الى معاناة ، والى جد
وعمل ومثابرة ... ونحن في مجال اعطاء لمحة عامة عن بعض المواصفات التي تقدمت ،
والتي ينبغي توفرها في المستشفيات من وجهة نظر اسلامية .. نشير الى النقاط التالية
:
١ ـ انه لابد وان يكون المستشفى في
الموضع الذي تشتد فيه حاجة الناس اليه ، ويمكن ان نفهم هذا ورجحان تكثير
المستشفيات او الاستعاضة عنها بالمستوصفات العامة في الاماكن المختلفة ، من
الرواية المتقدمة في آخر الفصل السابق ، والتي يأمر فيها لقمان ابنه ، بحمل
الادوية معه في السفر ، حتى اذا احتاج احد المسافرين اليها ؛ فانها تكون في متناول
يده ، الامر الذي يعكس مدى اهتمام الاسلام بصحة الناس وسلامتهم البدنية ...
كما اننا يمكن ان نستفيد من ذلك : ان
الاسلام يريد تعميم الطب ، وتيسير الوصول اليه والحصول عليه لكل احد ، في كل وقت ،
ودون مشقة ..
ولا بد وان نفهم من ذلك ايضا : ان
الشارع يهتم في ان لا يكون في المستشفيات اية تعقيدات ادارية تعيق المراجعين عن
الوصول الى الطبيب والى الدواء بالسرعة الممكنة ..
٢ ـ كما ان بعض ما تقدم وما سيأتي
يجعلنا نبادر الى القول : بأن المستشفيات لابد وان تخلو من كل ما يوجب سخط الله
سبحانه وتعالى ، والحرمان من رحمته وغفرانه ، لان المريض يعيش الحالة التي هي رحمة
الهية ، وكرامة ربانية ، ومن موجبات زكاة النفس ، والطهارة من الذنوب ، كما صرحت
به الروايات الكثيرة التي لا مجال لنقلها هنا ... هذا من الناحية السلبية.
ومن الناحية الايجابية فانه لا بد وان
تتوفر في هذه المستشفيات حالة روحية
تنسجم مع ما اخبر
عنه المعصومون بالنسبة لدرجات القرب ، والرحمة والغفران للمريض ، ولكل من يقوم
بخدمته ، او يسعى لعيادته. كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى ...
٣ ـ وبعد هذا ... فلا بد من توفير عنصر
الهدوء في المستشفيات ، فلا ضجة ، ولا ضوضاء فيها ... الامر الذي يستدعي اضجار
المريض ، وازعاجه وتبرمه ، وهو من احوج الناس الى الراحة والطمأنينة ، هذا
بالاضافة الى وجوب توفر عنصر الرحمة له ، واللطف به ، فلا يصح اثارة عواطفه ولا
اغضابه ...
وقد ورد عن ابي عبد الله الصادق 7 قوله : « ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج
، والغازي ، والمريض ؛ فلا تغيظوه ، ولا تضجروه ». او « ولا تزجروه » وقد ورد في القرآن الكريم الامر بغض
الصوت على لسان لقمان في نصائحه لابنه :.
« واغضض من صوتك
، ان انكر
الاصوات لصوت الحمير » .
وقد نعى القرآن ايضا على الذين يرفعون
اصواتهم فوق صوت النبي (ص) .. ويستفاد هذا المعنى ـ اي حسن غض الصوت ـ من آيات
اخرى كذلك ...
يقول الدكتور باك نجاد رحمه الله تعالى
: « لقد اثبتت التجارب على الحيوان ان الضجيج يزيد من حساسيتها تجاه الميكروب ،
ويوجب مرض الكلى ، وقرحة المعدة ، بل يوجب الموت العاجل سواء بالنسبة للانسان ، او
بالنسبة لغيره » .
ويقول : « قد ثبت لدى العلماء : ان
السبب في ازدياد تناول الاقراص المهدئة للاعصاب هو الضجيج الناشىء عن الكثافة
السكانية ، وبالخصوص ؛ فان وجود العمارات
__________________
الشاهقة ، وناطحات
السحاب له اثر حتمي في تحطيم الاعصاب »
.. ويقول الدكتور هال : « يبدو ان السكنى في الطبقات العليا من البنايات لها
مدخلية فيما يعانيه الساكن من غم ويأس. اما الذين يعيشون في غرف لا منافذ لها ،
ولا يتصلون بالفضاء الخارجي الا قليلا ، فانهم يرتكبون خطأ اكبر ».
وذلك يوضح عدم صحة كون المستشفى مؤلفا
من طبقات عديدة ؛ فان ذلك يضر بحالة المريض ، كما يضر من نواح اخرى لا مجال لها ...
وقد نهى الائمة :
عن رفع البناء .. فعن الصادق (ع) انه قال : اذا بنى الرجل فوق ثمانية اذرع نودى :
يا افسق الفاسقين اين تريد؟. وبمعناه غيره .
كما ان ذلك يوضح ضرورة بعد المستشفى عن
الاماكن ، والشوارع المزدحمة بالناس وبالسيارات ، حيث العجيج والضجيج ، ويؤكد على
لزوم كونه في مكان مطمئن وهادىء .. كما انه لايمكن السماح بأي نوع من انواع الضجيج
في داخل المستشفى ، ولا سيما في اوقات نوم المرضى ، فان النوم راحة الجسد ؛ فلا بد من تمكين الجسد من التمتع
بهذا القسط من الراحة.
٤ ـ لا بد وان تكون غرف المستشفى بحيث
تتسع لاكثر من سرير واحد ، وذلك لورود النهي الاكيد عن نوم الانسان منفردا ... ولا
بد وان يتأكد ذلك النهي بالنسبة الى المريض الذي يتعرض لحالات طارئة ، بسبب
مضاعفات المرض غير المتوقعة في احيان كثيرة .. الامر الذي يحتم وجود آخرين معه من
المرضى انفسهم ، حيث لا يمكن السماح للاصحاء بالتواجد معه في كثير من الاحيان ...
__________________
كما ان الراحة النفسية للمريض تحتم سعة
غرفته ، وسعة الساحة التي يشرف عليها ، هذا عدا عن ان الحث على عيادة المريض يفرض
ان تكون الغرف بحيث تتسع لاستقبال زائريه ، من دون ان يضر ذلك بحالته ، او يؤدي
الى اضجاره وازعاجه بأي نحو كان .. كما لابد للمريض من ان يشرف على فضاء ارحب ،
وتكون الساحة الخارجية للمستشفى قادرة على تأمين ذلك بالاضافة الى قدرتها على
تأمين الاحتياجات الطبيعية لمؤسسة كهذه ... والروايات تهتم كثيرا بالتأكيد على
لزوم السعة في المنزل ، وفي الساحة ...
٥ ـ لا بد من رسم اوقات للعيادة ، بحيث
تكون في كل ثلاثة ايام مرة ، مع مراعاة عدم اطالة فترتها ـ وسنشير الى الروايات
المرتبطة بذلك في الفصل الاتي ان شاء الله.
٦ ـ وبعد .. فقد ورد في الروايات
التأكيد الشديد على النظافة ، واعتبرت من الايمان. ،. وان الله يكره من عباده
القاذورة .. وقد ورد : ان غسل الثياب يذهب بالهم والحزن وعن علي 7
: من نظف ثوبه قل همه .
ومعلوم : ان هذا الامر ـ يعني الهم ـ
سيىء الاثر والعاقبة على المريض ؛ اذ ان الهم نصف الهرم ، كما عن علي 7
.. وعن النبي (ص) : من كثر همه سقم بدنه
.. وعن الكاظم (ع) : كثرة الهم يورث الهرم .
نعم .. وقد اثبتت البحوث العلمية صحة
هذا الامر ، فان الهم يرهق الاعصاب
__________________
ويترك اثرا كبيرا
على نشاط الجسم وحيويته ، واستمرار ذلك يؤدي الى السقم والمرض ... وتفصيل ذلك
موكول الى اهل الاختصاص في محله.
واما بالنسبة لنظافة الغرفة ، وجميع ما
فيها من وسائل ، وعدم ابقاء القمامة فيها ليلا .. وكذلك نظافة الساحات والافنية
والمرافق ، فقد ورد التأكيد عليها كثيرا في كلامهم عليهم الصلاة والسلام بالنسبة
الى بيت السكنى ، وواضح ان تأكد ذلك بالنسبة للمستشفيات والمستوصفات اكثر وضوحا ،
مادام ان ذلك يمس سلامة المريض النفسية ، هذا عدا عما له من آثار جسدية ايضا
بملاحظة : ان التساهل والاهمال في هذا الامر لربما يكون له مضاعفات لا تحمد عقباها
بالنسبة للمرضى الذين يفترض الاهتمام بمعالجتهم ، وبابعاد كل ما يمكن ان يحمل
ميكروباً عنهم ، لا بزيادة مشاكلهم ، ومتاعبهم وآلامهم ..
٧ ـ وبعد هذا .. فانه اذا كانت النار
المتوقدة في الغرفة تساهم في تقليل كمية الاوكسجين فيها ، فان من الطبيعي ان يترك
ذلك اثرا على تنفس المريض ، حيث تقل كمية الاوكسجين التي تصل الى الجسم. ويمكن ان
يترك ذلك اثرا سيئا على الحالة الصحية العامة للمريض ، ويحدث له مشاكل ومضاعفات
جديدة ، كان في غنى عنها ، ولعل هذا هو بعض السر في نهيهم : عن النوم في الغرفة التي فيها نار
مشبوبة.
٨ ـ واما بالنسبة لكون المكان كثير
العشب والشجر
.. فان الامر فيه
__________________
واضح ؛ فعدا عن ان
النظر الى الخضرة من شأنه ان يبعث البهجة والارتياح في النفس ، ويجلو البصر .. فان
هذه الاشجار والاعشاب بالذات هي التي تجعل الهواء طريا وصافيا ، بالاضافة الى انها
تغنيه بمادة الاوكسجين التي تفرزها ، والتي هي بمثابة الغذاء للجسم ، وتصل اليه عن
طريق التنفس وعن طريق خلايا الجسم الظاهرة ، التي اهتم الاسلام بالمحافظة على
قدرتها على القيام بوظيفتها عن طريق الامر بالنظافة والغسل ، وغير ذلك من امور
ضرورية لذلك ..
٩ ـ اما وضع الاسرة في المستشفى ، بحيث
يكون المريض مستقبلا للقبلة في مجلسه وفي حال نومه .. فانه هام ايضا ؛ حيث ان ذلك
يمكن الجسم ـ بسبب ملاحظة بعض التوازنات بالنسبة للدورة الدموية وللجاذبية وغيرها
ـ من ان يحتفظ بذرات الحديد المتواجدة فيه في حالة متوازنة. وقد شرح ذلك المرحوم
الشهيد الدكتور باك نجاد في كتابه اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ، فراجع ..
وحسبنا ما ذكرناه هنا .. فان استقصاء
الكلام في تلك الخصوصيات يحتاج الى وقت طويل وتأليف مستقل ، وغرضنا هنا هو الاشارة
الى بعض ذلك ، لا كله .. وللتوسع مجال آخر ..
علاقة الطبيب بالممرض :
واما عن العلاقة بين الممرض والطبيب ،
فيجب ان تحكمها الروح الاسلامية والانسانية ..
__________________
وعلى الطبيب ان لا يرهق الممرض ، ويجعله
يتضايق نفسيا ، لان ذلك يمكن ان يؤثر على معاملته واخلاقياته مع المريض ، وبالتالي
على مستوى خدمته له ونوعيتها.
كما ان على الممرض ان يحترم الطبيب ،
ويسارع الى تلبية طلباته ؛ لانها انما تكون من اجل المريض وفي سبيله ، وليست طلبات
شخصية له ..
واذا كان كل من الطبيب والممرض يسعيان
الى هدف واحد ، وهو انقاذ المريض ، والتخفيف من آلامه ، ثم الحصول عن طريق ذلك على
رضا الله سبحانه ؛ فلماذا لا يتعاونان على الوصول الى ذلك الهدف ، الذي يرضى الله
، والضمير ، والوجدان الانساني؟!.
الممرض في المستشفى :
وبعد كل ما تقدم .. فان العلاقة بين
الممرض والمريض تصبح واضحة ، وكذا السلوك العام للممرض في مختلف احواله ومواقفه ؛
فان كل ذلك يجب ان يكون اسلاميا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ؛ وما ذلك الا لان
المريض ـ كما قدمنا ـ قريب من الله ، ومن رحمته وغفرانه ، وهو مستجاب الدعوة ،
وليس مرضه الا كرامة ربانية ، ورحمة الهية.
واننا بملاحظة ما تقدم وغيره نستطيع ان
نشير الى النقاط التالية :
١ ـ ان على الممرض ان لا يزعج المريض
ولا يغيظه ، بل يحافظ على مشاعره ، ويهتم براحته النفسية بكل ما اوتي من قوة وحول
.. ولا يحق له ان يزجره او ينتهزه بأي وجه ..
كما ان عليه ان لا يضجره كذلك .. وذلك
عملا بقول الصادق 7
: « فلا تزعجوه ولا تضجروه » ، او « ولا تزجروه » .. وعنه 7 : « اسماع الاصم
من غير تضجر صدقة
هنيئة » .
وهذا يتأكد بالنسبة الى الممرض الذي ربما ينفد صبره احيانا ، بسبب المتاعب التي
يتعرض لها في عمله.
نعم .. وهذا هو ما تفرضه الاخلاق
الانسانية الفاضلة ، والتعاليم الالهية الكريمة السامية ، وتضافرت عليه النصوص
والاثار بالنسبة لغير المريض ايضا ، فكيف بالنسبة اليه :
نعم .. وهكذا الحال بالنسبة الى غير ذلك
من اخلاق اسلامية وانسانية ، يفترض في كل مسلم ان يتحلى بها ، ويعامل اخوانه
المؤمنين على اساسها ..
٢ ـ ان لا يكون ثمة تمييز بين الغني
والفقير ـ سواء في قبول المستشفى لهما ، ام في العناية والخدمات التي يفترض
بالمستشفى والممرض ان يقدمها لكل منهما ، وقد تقدم ما يشير الى ذلك في الفصل
السابق.
٣ ـ ان يكون الممرض نظيفا حسن المظهر ،
بالاضافة الى الاهتمام البالغ بالنظافة سواء بالنسبة للمريض ، او المستشفى بصورة
عامة ، ثم تصريفه لجميع الشؤون المطلوبة منه ، والتي يحتاج المستشفى الى تصريفها
بالسرعة الممكنة ، والاتقان والجد اللازمين.
٤ ـ انه لابد للذين يشرفون على المريض
من ان لا يديموا النظر اليه ، وان لا يسمعوه الاستعاذة من البلاء فان ذلك يجعله
يلتفت الى نفسه ، وما حاق بها من بلاء ـ ولا سيما اذا كان مبتلى بعاهة ظاهرة ـ
ويعتبر ان هذا النظر اليه انما هو ليتجلى للناظر ذلك النقص الذي يحب هو اخفاءه.
ولا بد وان يقايس هذا المبتلى بين النقص الذي يحيق به ، وبين كمال ذلك الناظر اليه
، وهنا لابد وان يتملكه حزن عميق ، وشعور قوي بالمرارة والكآبة ..
وقد « كان محمد بن علي لا يسمع المبتلى
الاستعاذة من البلاء »
والمراد
__________________
بمحمد بن علي الإمام
الباقر 7.
وروى عن ابي عبد الله الصادق 7 : لاتنظروا الى اهل البلاء ؛ فان ذلك
يحزنهم .
وفي نص آخر عن النبي (ص) : اقلوا النظر
الى اهل البلاء .. او : لا تديموا النظر الخ ... .
وفي حديث آخر عنه (ص) : لا تديموا النظر
الى المجذومين .
وواضح : ان هذا لا يختص بالمشرفين على
شؤون المريض ، بل يعم كل ناظر اليه من غيرهم ايضا .. وان كان هؤلاء يتعرضون لهذا
الامر اكثر من غيرهم ..
٥ ـ هذا ،. ولابد من توفر عنصر حسن
القيام على المرضى ، وحسن معاملتهم ، كما امر به علي 7
مولاه قنبرا ، ثم الاهتمام بقضاء حوائجهم ، فلا يكلفون القيام اليها بأنفسهم ..
وقد كان الامام الباقر 7
اذا اعتل جعل في ثوب ، وحمل لحاجته ـ يعني الوضوء ـ وذلك انه كان يقول : ان المشي
للمريض نكس ، كما تقدم.
وبعد .. فان المبادرة الى قضاء حاجات
المريض تستدعي حصول الرضا منه ، والدعاء له منه ، وسيأتي : ان دعاء المريض مستجاب
، كدعاء الملائكة .. هذا كله عدا عن ان ذلك يوفر له الراحة والطمأنينة النفسية ،
الامر الذي يجعله اقوى على مواجهة المرض الذي يلم به .. كما هو معلوم ..
واذا كان المريض من اهل بيته ؛ فانه
يكون اعظم قربة واجرا عند الله تعالى ؛ فعن النبي (ص) : « من قام على مريض يوما
وليلة بعثه الله مع ابراهيم خليل الرحمان ،
__________________
فجاز على الصراط
كالبرق اللامع ».
وروى علي بن ابراهيم في تفسيره ، في
قوله تعالى : انا نراك من المحسنين ، قال : كان يقوم على المريض .
وعن الصادق 7 ، عن آبائه ، عن النبي (ص) : من سعى
لمريض في حاجة ، قضاها ، او لم يقضها ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه. فقال رجل من
الانصار ، بأبي انت وامي يارسول الله ، فان كان المريض من اهل بيته ، او ليس ذلك
اعظم اجرا اذا سعى في حاجة اهل بيته؟ قال : نعم .
ومن الطبيعي : ان المريض يصير حساسا جدا
، نتيجة لاحساسه بالضعف ، وبحاجته الى الاخرين ؛ فيتأثر ، ويشعر بالمرارة لاقل شيء
.. كما ان الناس الذي يقومون عليه ، انما يخدمونه وهم يرون فيه عبئا ثقيلا على
كواهلهم ..
واما اولئك الذين يكلفون بنظافته ،
وابعاد القذارات عنه ، فان احساسهم بالتبرم والتضجر منه يزيد ، وشعورهم بالقرف
والاشمئزاز من حالاته ينمو ويتعاظم .. هذا بالاضافة الى انفعالاتهم النفسية ، تجاه
معاناته للالام والمصائب التي يرونها ؛ فمن يقوم على المريض يوما وليلة ؛ فانه لا
بد وان يتحمل ويصبر ، ويكبت عواطفه ، ويتحمل المشقات الروحية والجسدية ، فيكون
كابراهيم الخليل ، الذي كبت عواطفه وتحمل المحنة في ولده الذبيح.
هذا .. وقد ورد نص بالخصوص بالنسبة
للسعي في قضاء حاجة الضرير ؛ فعن النبي (ص) : من كفى ضريرا حاجة من حوائج الدنيا ،
ومشى فيها حتى يقضى
__________________
الله له حاجته ،
اعطاه الله براءة من النفاق ، وبراءة من النار ، وقضى له سبعين حاجة من حوائج
الدنيا ، ولا يزال يخوض في رحمة الله حتى يرجع .
هذا كله .. عدا عن الروايات الكثيرة ،
التي تحث على قضاء حاجات المؤمنين ومعونتهم ، وتعد بالاجر الجزيل ، والثواب الجميل
على ذلك ..
وبعد .. فان ذلك هو ما تقتضيه الرحمة
الانسانية ، التي تنشأ عن رؤية عجز وضعف الاخرين. وقد اشار الصادق 7 الى ذلك ـ كما روى عنه ـ فقال : لا
تنظروا في عيوب الناس كالارباب ، وانظروا في عيوبهم ، كهيئة العبيد ، انما الناس
رجلان ، مبتلى ، ومعافى ، فارحموا المبتلى ؛ واحمدوا الله على العافية . كما ورد ان الله انما يقبل الصلاة ممن
يتواضع لعظمته ... الى ان قال : ويكسو العاري ، ويرحم المصاب ..
بقي ان نشير اخيرا الى انه لا مانع من
ان تمرض الحائض ، المريض
... والذي ورد النهي عنه هو ان تحضره حال احتضاره لا اكثر.
٦ ـ وبكلمة جامعة ،. لابد ان يكون
المحيط في المستشفيات والمستوصفات انسانيا ، واسلاميا اليها بكل ما لهذه الكلمة من
معنى .. وعلى ذلك .. فلا بد من الاهتمام بالمحافظة على قواعد الشرع ، والتوجيهات
الواردة عن المعصومين
__________________
ـ وقد تقدم بعضها ـ
بدقة وامانة في مختلف المظاهر والمجالات.
تمريض ومعالجة الرجل للمرأة والعكس :
ويواجهنا هنا سؤال ، وهو : هل للرجل ان
يتولى علاج ، وتمريض المرأة؟ وهل للمرأة ذلك بالنسبة للرجل ام لا ، واذا كان ذلك
جائزاً ، فالى اي مدى؟
وفي مقام الاجابة على هذا السؤال نقول :
اننا اذا راجعنا احاديث جواز النظر لكل
من الرجل والمرأة الى الاخر ، مع الاية الكريمة الامرة بغض البصر من قبل كل منهما
عن الاخر. فاننا نخرج بنتيجة : ان اختلاط الرجال بالنساء وعكسه ، فضلا عن المعالجة
والتمريض بالنظر او باللمس امر مرجوح ومرغوب عنه شرعا ، ولكن لابد لنا هنا من
التكلم في ناحيتين :
الاولى : في مداواة المرأة للرجل. ونشير الى :
١ ـ اننا نجد في التاريخ : انهم يذكرون
: ان عددا النساء كن يداوين المرضى والجرحى ، كما سنرى ان شاء الله.
٢ ـ عن علي بن جعفر ، عن اخيه 7 قال : سألته عن الرجل يكون بأصل فخذه ،
او اليته الجرح ، هل يصلح للمرأة ان تنظر اليه ، او تداويه؟ قال : اذا لم يكن عورة
فلا بأس .
والمراد هنا : العورة بالمعنى الاخص ،
لا ما كان عورة بالنسبة الى الجنس الاخر ، كما هو ظاهر.
__________________
٣ ـ قد تقدمت الرواية عن علي ابن ابي
حمزة ، قال : قلت لابي الحسن 7
: المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حد الموت؟ قال : لا بأس ان تمرضه ؛
فاذا خافوا عليه ، وقرب ذلك ؛ فلتنح عنه وعن قربه ؛ فان الملائكة تتأذى بذلك .
وهذه الرواية هي العمدة. ولا يضر وجود
علي ابن ابي حمزة في سندها ؛ لاننا نطمئن الى ان الشيعة ما كانوا يروون عنه الا
ايام استقامته ، اما بعد انحرافه ووقفه ؛ فقد كان الواقفة عند الشيعة منبوذين
مبعدين كالكلاب الممطورة على حد بعض التعابير. وقد بحثنا هذا الموضوع في كتاب
ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة ، فليراجع.
واحتمال .. انصراف هاتين الروايتين الى
تمريض ومداواة النساء والمحارم للرجل .. لايمكن قبوله ، لعدم الشاهد على انصراف
كهذا .. ولا سيما في رواية علي بن جعفر.
نعم يمكن ان يقال : انه لابد من حملها
على صورة الضرورة ، وانه هو المنصرف منها ، كما سيأتي في روايات معالجة الرجل
للمرأة ، على اعتبار : ان الحكم الاولى المشترك بين الرجل والمرأة ، والثابت
بالايات والروايات ، مطلق ، ولم يفرق بين تطبيب الرجل للمرأة وعكسه ..
ويمكن ان يؤيد هذا الانصراف بأنه لو كان
هناك طبيبان احدهما امرأة وامامهما رجل مريض ، فلو تولت المرأة معالجته فان الناس
ينتقدون ذلك ، ويستنكرونه ويستغربونه.
ويمكن ان يؤيد ذلك ايضا بالرواية الاتية
في النظر الى الخنثى ، حيث وافق الامام 7
فيها على عدم جواز نظر المرأة للرجل وعكسه ، وحكم بلزوم النظر في المرآة ..
__________________
الا ان الانصراف المذكور غير سليم عن
المناقشة ، فان التمثيل بالطبيبين الذين احدهما امرأة لايدل على ذلك ، اذ من
القريب جداً : ان يكون ذلك قد انغرس في اذهان الناس بسبب فتاوى العلماء على مر
العصور ، من دون ان يتصل بزمان المعصوم ، فلا يكون ذلك كاشفا عن رأي الشارع ..
واما بالنسبة الى الخنثى ، فان الرواية
المذكورة ناظرة الى صورة النظر الى العورة منها ، وكلامنا انما هو في النظر الى ما
سوى العورة .. كما ان تلك الرواية لم ترد في بيان التكليف في مقام المعالجة او التمريض
، وانما في مقام بيان الطريقة التي يتم بها التعرف على حقيقة الخنثى لاجل الارث ..
وعدا عن ذلك .. فاننا يمكن ان ندعي أن
السيرة كانت قائمة في زمن النبي (ص) وبعده على تولي النساء معالجة وتمريض الرجال
..
فقد كان لرفيدة خيمة في المسجد تعالج
فيها المرضى ، وتداوى الجرحى ، ولما جرح سعد بن معاذ امر النبي 9 ان يجعل في خيمتها حتى يعوده ، وكان (ص)
يعوده في الصباح والمساء
.. كما انها كانت تداوى جرحى المسلمين يوم بني قريظة .
وقيل : ان كعيبة بنت سعيد الاسلمية كانت
تكون لها خيمة في المسجد لمداواة المرضى والجرحى ، وكان سعد بن معاذ عندها تداوى
جرحه حتى مات. وهي
__________________
اخت رفيدة ولعل خيمتهما واحدة.
وكانت كل من : ليلى الغفارية ، وام كبشة
القضاعية ، وأم سلمة ، ومعاذة الغفارية ، وام سليم ، وربيع بنت معوذ ، وام زياد
الاشجعية في ست نسوة ، وام ايمن ، وام سنان الاسلمية ، وام عطية الانصارية كن كلهن يخرجن معه (ص) في الغزوات
لمداواة الجرحى ، ومعالجة المرضى .. بل ان ام عطية قد خرجت معه (ص) في سبع غزوات
من اجل ذلك
وامرأة اخرى خرجت معه في ست غزوات من اجل ذلك ايضا .
وعن انس ، قال : كان رسول الله 6 يغز وبأم سليم ونسوة معها من الانصار ،
يسقين الماء ، ويداوين الجرحى .
وعن ربيع بنت معوذ : كنا مع النبي (ص)
نسقى ونداوى الجرحى ، ونرد القتلى .
وعن حشرج ابن زياد الاشجعي ، عن جدته ام ابيه ، انها قالت : انها خرجت في
__________________
خيبر مع خمس نسوة
اخريات لاجل مداواة الجرحى وغير ذلك ، فاسهم لهن (ص) تمرا .
وعن ام سلمة ، قالت : كان رسول الله (ص)
يغزو بنا نسوة من الانصار نسقى ونداوى الجرحى .
وعن الزهري : كانت النساء تشهدن مع
النبي (ص) المشاهد ، ويسقين الماء ويداوين الجرحى . ومثل ذلك عن مالك في العتيبة .
وسئل ابراهيم عن جهاد المرأة ، فقال :
كن يشهدن مع رسول الله (ص) ، فيداوين الجرحى ، ويسقين المقاتلة .
وكتب ابن عباس في جواب نجدة الحروري :
كتبت اليّ تسألني : هل كان رسول الله (ص) يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن ،
فيداوين الجرحى .
وعن يوم عماس يقول المسعودي وغيره : «
واقبل المسلمون على قتلاهم ، فأحرزوهم ، وجعلوهم وراء ظهورهم ، وكان النساء
والصبيان يدفنون الشهيد ،
__________________
ويحلمون الرثيث الى
النساء ، ويعالجونهم من كلومهم الخ .. »
فكل ذلك يكون مؤيدا لجريان السيرة على
تمريض النساء للرجال ، كما دل عليه خبر علي ابن ابي حمزة ، وعلي بن جعفر .. هذا ..
ولكننا نجد في مقابل ذلك :
١ ـ ما رواه الطبراني من ان امرأة من
عذرة استأذنت النبي (ص) ، ان تخرج في جيش كذا وكذا ، فلم يأذن لها ، فقالت : يا
رسول الله ، انه ليس اريد ان اقاتل ، وانما اريد ان اداوي الجرحى والمرضى ، او
اسقى المرضى؟!
قال : لولا ان تكون سنة ، ويقال : فلانة
خرجت لاذنت لك ، ولكن اجلسي .
وروى بهذا المضمون له (ص) مع ام كبشة
القضاعية
..
٢ ـ كما انه (ص) لم يأذن لام ورقة
الانصارية بالغزو معه ، لمداواة الجرحى ، وتمريض المرضى .
ولكن الحقيقة هي : ان هذا لا يضر في
دلالة كل ما سبق ، بل هو مؤيد له ، لانه قد علل منعه لها في الاولى بأنه : لايحب
ان يكون ذلك سنة ، فهو لا يحب ان تجرى العادة على اخراجهن في الغزو كذلك ، ولولا
ذلك لاذن لهن.
__________________
وأما بالنسبة لأم ورقة ، فانه لم يظهر
لنا الوجه في منعها ، ولعله لخصوصية ترتبط بها ، لا لأجل ان ذلك غير جائز للنساء
مطلقاً.
وهكذا .. يتضح : انه يمكن دعوى : ان
السيرة كانت جارية في زمن الرسول على تمريض النساء للرجال ..
الا ان يقال : ان السيرة هذه لم تثبت
الا من طرق غير الشيعة ، فلا حجية فيها وهو كما ترى.
او يدعى اعراسض المشهور عن خبري ابن أبي
حمزة ، وعلي بن جعفر ، وهو موجب ـ عند البعض ـ لضعف سندهما ، ومن ثم عدم الاقدام
علىالإفتاء بمضمونهما .. او حملهما على صورة الضرورة ، وحمل ما تقدم نقله كله على
هذه الصورة ايضا .
ولعل لأجل هذا نجد : اهل الفتوى لا يفرّقون ـ عموما ـ بين الرجل والمرأة في هذه
المسألة كما سيأتي .. كما ان الحمل على صورة الضرورة او غيرها وملاحظة ما يرمي
اليه الشارع في تحديداته للعلاقات بين الرجل والمرأة يستدعي الاقتصار على العجائز
منهن ، كما هو واضح.
الثانية : مداواة وتمريض الرجل للمرأة :
وقد تقدم : ان جسد المرأة كله عورة
بالنسبة الى الرجل ، وان كان النظر الى بعض المواضع ـ كالعورة ـ اشد قبحا ومفسدة
من النظر الى البعض الاخر ، كالذراع مثلا ...
ومن هنا. ، فان معالجة المرأة تنحصر في
النساء امثالها ، فيجوز للمرأة ان تعالج المرأة ، لكن يحرم عليها النظر الى الفرج
، الا في مقام الضرورة ، فيقتصر
منها على ما تندفع
به ، فان امكن الاكتفاء بالنظر في المرآة ، لم يجز التعدي الى النظر المباشر ـ كما
سيأتي في رواية النظر الى الخنثى ـ وان لم يكن الا بالنظر المباشر جاز بمقدار
الضرورة ، زمانا ، وكيفية ، ولايجوز الرجوع الى الرجال مع وجود المماثل .. ولاجل
هذه الضرورة طلب امير المؤمنين 7
من داية الكوفة ان تنظر الى الجارية : أبكر هي ، أم ثيب ، وروى مثله عن النبي (ص) الاّ ان يقال : ان ذلك انما يتم باللمس
وهو لا يلازم النظر.
ثم هناك ما يدل على قبول شهادة النساء
فيما لا يحل للرجال النظر اليه ، كالولادة والنكاح ، فراجع ابواب الشهادات في كتب الحديث
والرواية ..
كما انه اذا امكن الاكتفاء بالنظر لم
يجز التعدي الى اللمس المباشر ، مع عدم امكان كونه من وراء ثوب ونحوه .. الى غير
ذلك مما تقدمت الاشارة اليه ..
ويدل على عدم جواز مداواة الرجل للمرأة
مع امكان معالجة النساء لها ..
١ ـ ما عن علي بن جعفر ، انه سأل اخاه
عن المرأة : يكون بها الجرح ، في فخذها ، او عضدها ، هل يصلح للرجل ان ينظر اليه ،
ويعالجه؟ قال لا .
٢ ـ وعن علي بن جعفر عن اخيه 7 ، قال : سألته عن المرأة : لها ان
يحجمها رجل؟ قال : لا
..
٣ ـ بل لقد روى ان امير المؤمنين 7 سئل عن الصبي : يحجم المرأة؟ قال : اذا
كان يحسن يصف ، فلا .
ولعل نظره 7
الى كراهة ان يرى الصبي من المرأة المواضع الخفية
__________________
اذا كان قد قارب
البلوغ ، وصار يحسن يصف .. او انه ناظر الى الحجامة في موضع يمنع عنه حتى الصبي ..
٤ ـ ويدل على ذلك الاخبار الدالة على
الجواز في حال الاضطرار كما سنرى.
نعم لو اضطرت المرأة الى ان يتولى الرجل
معالجتها جاز ذلك ، ولكن بمقدار ما ترتفع به الضرورة ، فقد روى :
١ ـ عن علي (ع) في المرأة يموت في بطنها
الولد ، فيتخوف عليها؟ قال : لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ، ويخرجه ، اذا لم
ترفق بها النساء
..
٢ ـ عن الباقر 7 : انه سئل عن المرأة تصيبها العلل في
جسدها ، ايصلح ان يعالجها الرجل؟ قال : اذا اضطرت الى ذلك فلا بأس .
وفي نص آخر : سألته عن المرأة المسلمة ،
يصيبها البلاء في جسدها : اما كسر او جرح ، في مكان لا يصلح النظر اليه ، فيكون
الرجل ارفق بعلاجه من النساء ، ايصلح له النظر اليها؟ قال : اذا اضطرت اليه
فليعالجها ان شاءت .
٣ ـ ويقال : ان الشمردل قال للنبي (ص) :
اني كنت اتطبب فما يحل لي ، فانني تأتيني الشابة؟ قال : فصد العرق ، وتحسيم الطعنة
، ان اضطررت الخ
».
واخيرا .. فقد قال ابن ادريس في السرائر
: « اذا اصاب المرأة علة في جسدها ، واضطرت الى مداواة الرجال لها ، كان جائزا ..
وقال العلامة 1
في المنتهى : يجوز الاستيجار للختان ، وخفض الجواري الخ ».
هذا .. ولكن قال في العروة الوثقى : « يستثنى
من عدم جواز النظر من الاجنبي
__________________
والاجنبية مواضع : «
منها » مقام المعالجة ، وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق ، والكسر ، والجرح ،
والفصد ، والحجامة ، ونحو ذلك ، اذا لم يمكن بالمماثل ، بل يجوز المس واللمس حينئذ
».
وقال : « اذا توقف العلاج على النظر دون
اللمس ، او اللمس دون النظر ، يجب الاقتصار على ما اضطر اليه ، فلا يجوز الاخر
بجوازه
».
وقال نائب الإمام السيد الخميني ، دام
عزه وبقاه : « يستثنى من حرمة النظر واللمس في الاجنبي والاجنبية مقام المعالجة ،
اذ لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض ، اذ لم تمكن بآلة ، نحو الدرجة ، وغيرها.
والفصد ، والحجامة ، وجبر الكسر ، ونحو ذلك. ومقام الضرورة ، كما اذا توقف
استنقاذه من الغرق على النظر واللمس. واذا اقتضت الضرورة ، او توقف العلاج على
النظر دون اللمس ، او العكس اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الاخر ، ولا
التعدي » .
واما النظر الى عورة غير المسلم وهم
الذين لا يهتمون عادة بالتستر ، فيدخلون الحمامات بلا ازر ـ كما يفهم اجمالا او ان
ذلك هو القدر المتيقن ـ فليس فيه اشكال شرعي ، كما نصت عليه الرواية المعتبرة .
النظر الى الخنثى :
وأما بالنسبة للنظر الى الخنثى فانه
ينبغي الاجتناب عن النظر المباشر اليها لكل من الرجل والمرأة احتياطا للدين .. فلو
امكن معالجتها بواسطة المرآة تعين ذلك. واما بالنسبة الى النظر الى العورة ؛ مع
عدم معرفة مماثلها ، ليصار اليه ،
__________________
لاخفية المفسدة
بالنسبة الى نظر غير المماثل .. فقد سأل يحيى بن اكثم الإمام الهادي 7 ، عن قول علي (ع) : « ان الخنثى يورث
من المبال » ، وقال : فمن ينظر ـ اذا بال ـ اليه؟ ، مع انه عسى ان تكون امرأة وقد
نظر اليها الرجال ، او عسى ان يكون رجلا وقد نظر اليه النساء ، وهذا لا يحل.
فأجاب 7
: ان قول علي حق ، وينظر قوم عدول ؛ يأخذ كل واحد منهم مرآة ، وتقوم الخنثى خلفهم
عريانة ، فينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه .
تشريح الموتى :
لقد منع الاسلام من الاعتداء على جسد
الميت المسلم ، بقطع رأسه ؛ او كسر عظمه ، او شق بطنه الى غير ذلك من انحاء
الاعتداء ، وقرر الدية والارش في ذلك ، واعتبر ، ان حرمته ميتاً كحرمته حيا ، بل
اعظم. كما في بعض الروايات .
وهذا يعنى : انه لايجوز ممارسة ما يسمى
اليوم بالتشريح للميت ، سواء اكان لاجل التعلم ، او لاي سبب آخر ، الا اذا دعت
الضرورة الى ذلك ؛ فانها حينئذ تقدر بقدرها ..
__________________
ويمكن ان يقال :
ان الروايات يمكن ان تكون ناظرة الى
التشريح ، او قطع العضو عدوانا وتشفيا ، فلا تشمل التشريح لغرض عقلائي ، كالتعلم
مثلا ..
ولكنه كلام لايمكن قبوله : وذلك لامرين
: احدهما : ان بعض النصوص قد قررت الكفارة على من جرح ميتا خطأ ، مع انه لاعدوان
فيه ( فتأمل )
.. الثاني : ان التعليل بأن حرمته ميتاً كحرمته حياً ، لم يفصل فيه بين صورة
التعليم وبين غيرها .. فكما لايجوز ذلك لاجل التعليم في حياته ، فكذا لايجوز ذلك
في حال موته ..
وأما الاستدلال على حرمة التشريح
بأحاديث النهي عن المثلة ، فهو لا يصح ، وذلك لان النهي عنها يمكن ان يكون من اجل
ان الغرض منها هو التشفي ، وليس هذا امرأً عقلائياً. بخلاف التشريح ، فانه يتعلق
به غرض عقلائي مطلوب ومرغوب فيه كالتعلم ونحوه .. هذا بالاضافة الى ان تجويز
المثلة يستتبع ان يقدم العدو على مثل ذلك بالنسبة الى الشهداء من المسلمين ، فيكون
سببا لهتك حرمتهم ، وهو امر مرغوب عنه شرعا ، مع عدم ترتب فائدة معقولة على ما كان
سبباً او داعياً له كما قلنا ..
بقى ان نشير الى انه قد ورد في بعض
النصوص : ان حرمة « المؤمن » او « المسلم » ميتاً كحرمته حياً ، اما باقيها ، فعبرت بـ « الميت » و «
رجل ميت » ونحو
__________________
ذلك .. ولم تذكر :
انه مؤمن او مسلم .. فيحمل المطلق منها على المقيد .. كما انه يمكن دعوى انصراف
سائر الروايات الى خصوص الميت من المسلمين ، لانه هو محل ابتلائهم ، وهو الذي
يعنيهم السؤال عنه ..
وعليه فلا يشمل جثة من لم يكن مسلما حتى
ولو كان ذميا .. وما ورد من وجوب الدية في الذمي ، او الارش في اعضائه .. فانما هو
حق جعل له من اجل حفظ حياته ، وعدم حصول فوضى في المجتمع ، نتيجة للاعتداء عليهم ،
كما تشير اليه موثقة سماعة ، التي تثبت الدية في قتل الذمي .
أما بعد موته ، فلا فرق بين جثته وبن
غيرها من غير المسلمين ..
الاّ ان يتمسك بعموم التعليل ، ليشمل كل
من كان له حرمة في حالة الحياة ، حتى الذمي مع عدم التفات الى ما ذكرناه ، من ان
ذلك حق له ، لا اكثر ، ولا اقل ، ولعل ذلك هو الداعي لصاحب القواعد لان يعتبر ان «
فيه عشر دية الحر الذمي »
..
ولكن ما ذكرناه هو الاظهر والاقرب ..
أما بالنسبة للكافر المحارب للاسلام
وللمسلمين ، والمعاهد ، فلا حرمة له حياً ، فلا تكون له حرمة بعد موته ، فلا مانع
من تشريحه لاي غرض كان ، ولا دية ، ولا اثم فيه ..
__________________
الفصل
الخامس :
المريض وعواده
في اجواء عيادة المريض :
وبعد .. فاننا لانرى حاجة الى التذكير
بما لعيادة المريض من فضل عند الله تعالى .. وبما لها من آثار نفسية على المريض ،
وعلى كل من يلوذ به ، بل وعلى العائد نفسه ..
وبديهي : ان هذه الآثار ستنعكس ـ
ايجابيا ـ في المستقبل على واقع التعامل فيما بينهم ، وعلى صميمية العلاقات
وصفائها ..
ويمكن استجلاء بعض هذه الاثار من دراسة
الواقع الذي يعاني منه المريض ، وذووه معه ، وانعكاسات ذلك الواقع عليهم ايجابا او
سلبا.
وبملاحظة هذه المعاناة وانعكاساتها نعرف
: انه لابد وان يكون الانفعال والتأثير في اجواء العيادة متناسيا ومنسجما معها الى
حد بعيد ..
ونحن لانريد ان نفيض في الحديث في هذا
المجال ، وانما نكتفي بهذه الاشارة ، ونترك المجال للقارىء الكريم فيما لو احب
التعمق والاستقصاء ..
اما نحن فنسارع الى الدخول في التحديد
للمواصفات التي لابد وان يلاحظها كل من المريض ، وزائريه .. ونلاحظ مدى الدقة في
تنظيم العلاقة بين المريض وبينهم. حيث تعرضت الروايات لمختلف الخصوصيات في هذا
المجال ، وقد
تقدم ان من اطعم
المريض شهوته اطعمه الله من ثمار الجنة وتقدم النهي عن ازعاجه ، والنهي عن اضجاره
، وغير ذلك مما لا مجال لإعادته .. والذي نريد ان ننبه عليه هنا نستطيع ان نجمله
في ضمن النقاط التالية ..
اعلام المريض اخوانه بمرضه :
لقد ورد في بعض الروايات المعتبرة عن
ابي عبد الله 7
: انه ينبغي للمريض ان يؤذن اخوانه بمرضه ، فيعودونه ، فيؤجر فيهم ، ويؤجرون فيه
..
قال : فقيل له : نعم ، فهم يؤجرون فيه
بممشاهم اليه ، فكيف يؤجر هو فيهم ، فقال : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم ،
فيكتب له بذلك عشر حسنات ، ويرفع له عشر درجات ، ويمحى بها عنه عشر سيئات .
اذنه لعواده بالدخول عليه :
كما وانه ينبغي ان يأذن للناس بالدخول
عليه ، من اجل ان يروا ما هو فيه فيخصّونه بدعواتهم ، فانه ليس من احد الا وله
دعوة مستجابة .. والمراد بالناس على ماجاء في بعض النصوص هم الشيعة ..
هذا .. ولابد من الاشارة الى ان الدعوات
الخالصة لاتكون الا عن رضا ومحبة ، وذلك يستدعى ان تكون السمعة والروابط فيما
بينهم على درجة من الحسن ، والصفاء ، والسلامة .. كما ان ربط الاخرين بالمريض ،
وتحسيسهم بمشاكله ، واحساسهم بضعفه يجعلهم اكثر ارتباطا به ، ويجعل احساسهم بالضعف
امام الله اعظم .. ثم يكون الاعتبار بما يرون غيرهم قد ابتلى به ، مع عدم ضمانة
__________________
واقعية لهم تكفل عدم
تعرضهم لابتلاء مشابه ـ يكون هذا الاعتبار ـ اكثر عمقا ، وابعد اثرا ..
استحباب عيادة المريض :
لاريب في ان عيادة المريض محبوبة
ومطلوبة لله تعالى ، ومستحبة شرعا ، وقد ورد : ان من عاد مريضا شيعه سبعون الف ملك
؛ يستغفرون له حتى يرجع الى منزله .
والاخبار في هذا المجال كثيرة ، لامجال
لاستقصائها ، فمن ارادها فليراجعها في مظانها من كتب الحديث ، كالوسائل ج ٢ ،
والبحار ، وغير ذلك.
حد القصد الى عيادة المريض :
ولربما يمكن ان يقال : ان قول النبي 9 لعلي 7
: « سر ميلا عد مريضا »
يستفاد منه عدم مطلوبية ذلك فيما فوق ميل ..
ولكننا بدورنا لا نوافق على هذه
الاستفادة ؛ ونرى : ان من القريب جداً ، ان يكون المراد السير على الاقدام ونحوه ،
فهو كناية عن مطلوبية تحمل المشقة في هذا السبيل ، ولو بأن يسير الانسان ميلا ،
وليس في مقام تحديد المسافة التي تستحب منها العيادة .. واذن .. فحيث تتوفر
الوسائل لعيادة المريض ولو بأن يسير اميالا بالسيارة مثلا ، فان ذلك يكون مطلوبا
ومحبوبا ، بل يزيد محبوبية كلما زادت المشقة في ذلك ..
__________________
لا عيادة على النساء :
وأما بالنسبة لخروج النساء الى عيادة
المريض ، فانه غير مطلوب منهن ، ولا امرن به ، فقد ورد انه : ليس على النساء عيادة
.. ولعل ذلك
يرجع الى ان الشارع يرغب في تقليل اختلاط الرجال بالنساء ، حفظا للمجتمع من كثير
من المتاعب ، التي ربما تنشأ عن أمر كهذا .. ومن اجل ذلك نجد الزهراء 3 ترجح للمرأة : ان لا ترى الرجل ، ولا
الرجل يراها ، كأسلوب انجح في مقاومة كل مظاهر الانحراف ، ولو بعدم المساهمة في
ايجاد محيط يساعد عليه .. فهو لا يريد ان يقطع اليد التي تسرق ، وانما يريد ان
يهيىء الظروف التي تمنع حتى من التفكير بالسرقة ، التي تؤدي الى قطعها ..
العيادة كل ثلاثة ايام :
وقد لا حظنا : ان الروايات الواردة عن
المعصومين : لم تصر على
تكثير العيادة للمريض ، فلم تجعل العيادة له في كل يوم ، بل هي توصي بأن تكون في
كل ثلاثة ايام مرة : بل عن الصادق 7
: لا تكون العيادة في اقل من ثلاثة ايام ، فاذا وجبت فيوم ، ويوم لا ، فاذا طالت
العلة ترك المريض وعياله
__________________
وفي نص آخر عن النبي (ص) : اغبوا في
العيادة واربعوا الا ان يكون مغلوبا .
فالمراد من هذه الرواية هو : انه اذا
كان المريض غير مغلوب ، فتأخروا في عيادته ... أما اذا كان مغلوبا فانه يعاد يوما
، ويوما لا ، حسبما ورد في الرواية الاولى .. ويؤيده ما ورد في ذيلها ايضا.
لكن العلامة المجلسي ; يرى : ان المراد : انه اذا كان مغلوبا
فينبغي ان يترك المريض وعياله ، كما في الرواية الاولى. والمراد بأغبوا : العيادة
له يوما وتركه يوما .
ونحن نستبعد ما ذكره ، فانه اذا كان
مغلوبا ، فان العيادة تتأكد ، كما هو مقتضى الطبع والذوق والسليقة .. وأما اذا
طالت العلة ، فانه امرا آخر : ويناسب ان يترك المريض وعياله ، ليمكن لهم مباشرة
خدمته ، وتحمل مشقاتها ، فلا يزيد في احراجهم ، كما ان المريض نفسه لا يرى نفسه
عبئا على غيره ، ولا يضطر لان يتطلب من عياله ما ربما لا يكون لديهم ميل الى تحمله
وانجازه له .. والعيادة تكون كل ثلاثة ايام مرة ، وهو ما يظهر من الرواية الاولى
بقرينة ذيلها وبقرينة الرواية الثانية ايضا ، والتي تفيد : ان الاحسن ان لا تكون
متوالية ، بل الارجح ان يغب ( اي يباعد ) في العيادة ، فتكون في اليوم الرابع بعد
الثلاثة ايام ..
هذا .. ولكن المجلسي ; قد فهم من الرواية الاولى : « ان
المراد به : انه لا ينبغي ان يعاد المريض في اول ما يمرض الى ثلاثة ايام ، فان
برىء قبل مضيها ، والاّ فيوما تعود ، ويوما لا تعود. ويحتمل ان يكون ان اقل
العيادة : ان يراه ثلاثة ايام متواليات ، وبعد ذلك غبا. او ان اقل العيادة ان يراه
في كل
__________________
ثلاثة ايام ، فلما
ظهر منه ان عيادته في كل يوم افضل استثنى من ذلك حالة وجوب المرض ، ولا يخفى بعد
الوجهين الاخيرين وظهور الاول » انتهى .
ولكننا نرى ـ كما تقدم ـ ان الوجه
الاخير هو الاظهر ؛ والاولان بعيدان .. وذلك بقرينة رواية اغبوا في العيادة
واربعوا ، الا ان يكون مغلوبا. ولكن بمعنى ان العيادة في الحالة الطبيعية هي بعد
مضي ثلاثة ايام فيعوده في اليوم الرابع ، فاذا ثقل المريض ، ووجبت ، فانه يعوده
ويوما لا .. فاذا طالت العلة ترك المريض وعياله ..
العيادة بعد ثلاثة ايام :
وعن علي 7
: العيادة بعد ثلاثة ايام الخ
.. فاذا شفى المريض قبلها فلا عيادة له .. وقد تقدم احتمال المجلسي ارادة هذا
المعنى من الرواية الاولى المتقدمة تحت العنوان المتقدم ، وقد تقدم : انه ليس
ظاهرا منها ، والا لوجب طرح الرواية الاخرى .. وما ذكرناه نحن هناك هو الاوجه في
الجمع بين الاخبار ..
العيادة ثلاث مرات :
وعلى المؤمن ان يعود اخاه في مرضه ثلاث
مرات فاذا زاد عن ذلك فقد طالت العلة .. فليتركه وعياله ، فقد روى عنه (ص) :
العيادة ثلاثة ، والتعزية مرة .
__________________
اوقات العيادة :
انه يفهم من النصوص : انه لا يفرق في
العيادة بين ان تكون صباحا او مساء ، وقد روى عن ابي عبد الله 7 ، انه قال : ايما مؤمن عاد مريضا حين
يصبح شيعه سبعون الف ملك فاذا قعد معه غمرته الرحمة ، واستغفروا الله عز وجل له
حتى يمسي ، وان عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح . قال المجلسي : « ربما يستفاد منه : ان
ما شاع من انه لا ينبغي ان يعاد المريض في المساء لا عبرة به » .
وبهذا المعنى روايات كثيرة لا مجال
لاستقصائها وتتبعها ..
بل اننا نستطيع ان نقول : بما ان المريض في المساء يأخذه الملل ، ويتوقع قدوم
الليل الذي يراه طويلا عليه .. فزيارته في هذا الوقت لها فائدة ايضا ، لانها تخفف
عنه وحشته ، وترفع عنه حالة الملل ، والانتظار التي يعيشها ، ولعله لاجل هذا نجد
الإمام الحسن (ع) يقتصر على ذكر العيادة في المساء ، فيقول لابي موسى حينما جاءه
عائدا : « ما من رجل يعود مريضا ممسيا الا خرج معه سبعون الف ملك يستغفرون له حتى
يصبح ، وكان له خريف في الجنة »
.. او لعله لاجل ان ابا موسى قد زاره مميسا فكان
__________________
من المناسب ذكر هذا
القسم من الحديث له ، فلا يدل على الاختصاص : هذا ولكن الرواية قد رويت ايضا بين
علي وابي موسى حينما جاء عائدا للحسن 7.
وروى ما يشبه ذلك بين علي 7
؛ وبين عمرو بن حريث ، وفي كليهما ذكر العيادة في الصباح والمساء معاً .. ولا مانع من تكرر الحادثة في الجميع
..
العيادة لمن؟!
وقد ورد انه لا عيادة لـ :
١ ـ شارب الخمر ، فعن الرضا 7 ، عن آبائه : : ان رسول الله (ص) قال : شارب الخمر
ان مرض فلا تعودوه ... الخبر .
٢ ـ اهل الذمة ، فقد روى عنه (ص) : لا
تعودوا مريضهم ، ولا تشيعوا جنائزهم
ولكن قد روى في الجعفريات بسنده : ان
النبي (ص) عاد يهوديا في مرضه
،
__________________
والذي يبدو لنا هو : انه اذا كان ثمة
مصلحة في عيادتهم ، فلا مانع منها ، كما فعله النبي 9
، اذ الظاهر : ان مرادهم بذلك اليهودي هو ذلك الغلام الذي مرض ، فعاده (ص) ، فكانت
النتيجة هي انه قد اسلم نتيجة لذلك .. كما روى
..
اما حيث لا مصلحة ، فلا يعادون ، كما هو
ظاهر الرواية الاولى ..
واما بالنسبة لعيادة غير الشيعي ، فقد
ورد الامر بها ، لان ذلك يوجب توثيق عرى المودة بين المسلمين وشد ازرهم على عدوهم
، وتقريب القلوب فيما بينهم ، كما انه يعكس الاخلاق الرفيعة ، والانسانية الفاضلة.
فعن الصادق 7 : اياكم ان تعملوا عملا نعيّر به ...
الى ان قال : صلوا في عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، ولا يسبقونكم
الى شيء من الخير الخ
..
٣ ـ و ٤ ـ و ٥ ـ عن النبي (ص) : ثلاثة
لا يعادون : صاحب الدمل ، والضرس ، والرمد .
__________________
٦ ـ وجع العين .. فقد ورد عن الصادق (ع)
: لا عيادة في وجع العين .
ولكن قد ورد : ان رسول الله (ص) قد عاد
علياً 7 في وجع عينه
الا ان يقال
: ان قول الصادق المتقدم يحمل على نفي تأكد الاستحباب ، وما فعله (ص) يحمل على
الرجحان في الجملة .. او على خصوصية لامير المؤمينن 7
في ذلك ..
عيادة الرجل للمرأة :
وقد ورد : انه 6 قد عاد بعض النساء ، كأم العلاء ، وعاد
ايضا امرأة من الانصار في مرض الم بها
..
عيادة بني هاشم :
وان اكرام من ينتسب الى رسول الله 6 يكون اكراما للرسول نفسه ، اذا كان
المكرم قاصدا لذلك .. ومن اولى من الرسول بالتعظيم والتكريم؟! ..
__________________
كما ان اكرام بني هاشم ، الذين يتعرضون
الى مختلف انواع الاضطهاد والتنكيل ، ويتحملون المصاعب والمصائب بسبب ارتباطهم
بالرسول (ص) ، وانتسابهم اليه ، هذا الاكرام يكون من اقرب القربات ، ولعل هذا يفسر
لنا ماروي عن الإمام الكاظم عن آبائه :
، عنه 6 :
« عيادة بني هاشم فريضة ، وزيارتهم سنة
» .
عيادة الأقارب :
وقد ورد في وصية امير المؤمنين 7 لولده : « واكرم عشيرتك فانهم جناحك ..
الى ان قال : واكرم كريمهم ، وعد سقيمهم » .
استحباب الهدية للمريض :
ولان المريض يحتاج الى اظهار المحبة
والعطف ، ولان ذلك يربط على قلبه ، ويجعله يطمئن الى محبة الاخرين له ، فان الهدية
له تكون تعبيرا عن هذا الحب ، وهذا العطف.
وقد روى بعض موالي الإمام الصادق 7 قال : مرض بعض مواليه ، فخرجنا اليه
نعوده ، ونحن عدة من موالي جعفر ، فاستقبلنا جعفر في بعض الطريق ، فقال لنا : اين
تريدون؟ فقلنا : نريد فلانا نعوده ، فقال قفوا ، فوقفنا ..
فقال : مع احدكم تفاحة ، او سفرجلة ، او
اترجة ، او لعقة من طيب ، او قطعة من عود بخور؟
فقلنا ، ما معنا شيء من هذا.
فقال : اما تعلمون ان المريض يستريح الى
كل ما ادخل به عليه؟
عدم شكوى المريض الى عواده :
لقد ورد في كثير من النصوص الدعوة الى
كتمان المرض ، واعتبار ذلك من كنوز البر
، وان من كتم وجعا اصابه ثلاثة ايام من الناس ، وشكا الى الله عز وجل كان حقا على
الله ان يعافيه منه
، وان من مرض ليلة ولم يشك ما اصابه فيها الى احد كتب الله له عبادة ستين سنة ، وان المريض في سجن الله ما لم يشك
الى عواده .
وقد مدح امير المؤمنين 7 رجلا ، فكان مما قال : « وكان لا يشكو
وجعا الا عند برئه » .
وهناك مضامين اخرى في هذا المجال ، لا
مجال لتتبعها ، فلتراجع في
__________________
مظانها .
ونريد ان نشير هنا : الى ان هذه النصوص
ناظرة الى الكتمان الذي يكون من اجل الاعتماد على كرم الله سبحانه ، والطافه ،
ويعطى المريض دفعة روحية قوية ، تكون ثمرتها القرب من درجة المتوكلين ، التي هي من
اعظم الدرجات. والتي يفوز من وصل اليها ، ويرتاح ويسعد من حصل عليها ..
واكثر من ذلك ، فان الانسان يصير مقتنعا
تماما بأن الله وحده هو الذي يملك النفع والضرر. وهو الشافي ، ومنه الشفاء ، وبه
الشفاء. وان كل من سواه لا يستطيعون بدونه حيلة ، ولا يهتدون سبيلا.
نعم .. يمكن ان يكونوا واستطة لافاضة
الخير من قبل الله تعالى ، مالك كل شيء وخالقه ..
ولعل الى هذا يشير ما ورد في النصوص
المتقدمة من التأكيد على لزوم كون الشكوى الى الله سبحانه لا الى غيره ..
فان ذلك ليس الا من اجل ان يمر هذا
الانسان بالتجربة الروحية التي تصهره في بوتقتها ، وتنفى كل خبث عنه ، وليخرج بعد
ذلك طاهرا مطهرا نقيا ..
وما احلى التجربة ، وما انجحها وانجعها
في هذا الوقت الذي يشعر فيه الانسان بالضعف وبالحاجة ، ويبقى ثلاثة ايام يعيش في
الاجواء الالهية ؛ مع الله الغني والقوي
__________________
والمالك لكل شيىء ..
وتكون ظروفه الخاصة هذه ، وهذه الاجواء التي يعيشها سببا في ان يخرج من مرضه هذا
بروحية جديدة ، تؤثر على كل حالاته ، ومجمل سلوكه تأثيرا قويا وبعيدا وشاملا في
احيان كثيرة. ولربما يعادل الرقي الروحي والانساني الذي يحصل عليه خلال ليلة واحدة
فقط ما يحصل عليه من عيادة ستين سنة ، كما جاء في الرواية ..
وبملاحظة النصوص التي وردت في هذا
المجال نعرف : ان الشكوى التي ورد الترغيب في الابتعاد عنها هي الشكوى التي تستبطن
استدرار عطف المشكو اليه ، نتيجة لشعوره بضعف الشاكي وعجزه ، والله لا يريد لعبده
ان يكون ضعيفا وعاجزا الاّ امام الله عز وجل ...
ومن الجهة الاخرى ، فان الله تعالى لا
يريد لعبده ان يعتقد بأن غير الله تعالى يملك له شيئا من النفع او الضر ، فان هذا
امر مرغوب عنه ومرفوض ، لان الله وحده هو مالك كل شيء ، وبيده النفع والضرر ؛ وهو
الكبير المتعال ..
وكذلك .. فان الشكوى التي تستبطن
استعظام الامر الذي نزل بالشاكي واعتباره ان ذلك ينافي عدل الله سبحانه وتعالى
ولطفه ورحمته .. ان هذه الشكوى مرغوب عنها شرعا ، ومرفوضة جملة وتفصيلا ، بل لابد
من الصبر والتسليم ؛ فعن الصادق 7
: من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها ، وادى الى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة ،
قال : قلت : وما قبلها بقبولها؟ قال صبر على ما كان فيها .. وعنه 7
، ايما رجل اشتكى ، فصبر واحتسب ، كتب الله له من الاجر اجر الف شهيد .. وعن النبي (ص) ، انه قال : يكتب
انين المريض
__________________
حسنات ما صبر ، فان
جزع كتب هلوعاً .
وورد : ان الصادق 7 سئل عن حد الشكاية للمريض ، فقال : ان
الرجل يقول : حممت اليوم ، وسهرت البارحة ، وقد صدق ، وليس هذا شكاية ، وانما
الشكوى ان يقول : قد ابتليت بما لم يبتل به احد ، ويقول : لقد اصابني ما لم يصب
احدا ..
قال المجلسي رحمه الله تعالى : « هذا
تفسير للشكاية التي تحبط الثواب ، والاّ فالافضل : ان لا يخبر به احدا ، كما يظهر
من الاخبار السابقة. ويمكن حمله على الاخبار لغرض كاخبار الطبيب مثلا » .
فالإخبار بالمرض لايلازم الشكوى ، كما
دل عليه الخبر الانف .. وقد تقدم ايضا : ان المريض في سجن الله ما لم يشك على
عواده. وان من مرض يوما وليلة فلم يشك الى عواده ، بعثه الله يوم القيامة مع خليله
ابراهيم. وانه ما من عبد ابتليته ببلاء فلم يشك الى عواده الا ابدلته لحماً خيراً
من لحمه
الخ .. وكل ذلك يدل على ان الإخبار بالمرض شيء ، والشكوى المرغوب عنها شيء آخر ..
وأما اختلاف الروايات في الترغيب بعدم الشكوى ليلة ، او ثلاثة ايام ، او مطلقا ،
فيحمل على اختلاف درجات الفضل فيها ..
واما رواية من كتم وجعا اصابه ثلاثة
ايام الخ .. فيمكن ان يقال ؛ ان المراد فيها ، ان اخباره لاخوانه بعد الثلاثة يصير
له فضل. او ان المراد بالكتمان
__________________
عدم الشكوى ، لاعدم
الإخبار بالمرض مطلقا ؛ بقرينة قوله فيها ، « وشكا الى الله عز وجل » فتكون كغيرها
من الروايات.
وأما الرواية التي تجعل كتمان المرض من
كنوز البر ، فلابد وان تحمل على ما ذكر ايضا. او على صورة الشفاء السريع ، حيث لا
يطول المرض ، او على ما ذكره المجلسي آنفا ..
ويبقى ان نشير الى ان ما ورد من قول
الإمام الصادق 7
للحسن بن راشد : يا حسن اذا نزلت بك نازلة ، فلا تشكها الى احد من اهل الخلاف ،
ولكن اذكرها لبعض اخوانك ، فانك لن تعدم من خصال اربع : اما كفاية ، واما معونة
بجاه ، او دعوة تستجاب ، او مشورة برأي .
وكذا ما عن الصادق (ع) ، من شكا الى
مؤمن فقد شكا الى الله عز وجل ، ومن شكا الى مخالف فقد شكا الله عز وجل .
فان الظاهر هو انها ناظرة الى شكوى غير
المرض ، وحيث لا تستبطن الشكوى ايا من المعاني المرغوب عنها شرعا ..
ويشير الى ذلك قوله : « اما كفاية »
وذلك لان المرض لاتتأتى فيه الكفاية ، وأما ما بعد هذه الفقرة كالمعونة بالجاه
مثلا فيمكن ان تتأتى فيه ، بأن يستعمل نفوذه لايصاله الى الطبيب الفلاني ، او
ادخاله المستشفى الفلاني ، وما اشبه ذلك وبالنسبة للمشورة بالرأي واستجابة الدعاء
، فالامر فيهما واضح ...
__________________
وأما الحديث الثاني ، فهو مطلق ، ولعله
يشير الى ما تضمنه حديث الحسن بن راشد ، لان السياق منسجم معه اكثر من غيره ، حيث
ان المريض قد منع من الشكوى حتى الى عواده ، وان كانوا من اخوانه ، كما اشرنا اليه
..
عدم اسماع المريض التعوذ من البلاء :
وقد تقدم : ان محمد بن علي (ع) كان
لايسمع المبتلى التعوذ من البلاء ، وتقدم ما يشير الى الحكمة في ذلك حين الكلام
على موضوع « الممرض في المستشفى ».
عدم اطالة الجلوس عند المريض :
وان عوارض المرض ، والحالات المتغيرة ،
التي تطرأ على المريض ، لربما تفرض عليه احيانا : ان يكون في وضع لايرغب ان يراه
عليه احد ..
كما ان نفس الحالة العلاجية له لربما
يكون اطلاع الغير عليها موجبا لتألم المريض نفسيا .. واذا كانت العيادة ضرورية
ايضا ، فوجه الجمع هو عدم اطالة مكث العائد عند المريض حتى لايزيد في احراجه ، او
في المه النفسي.
ومن هنا .. فقد ورد عنهم : استحباب عدم اطالة الجلوس عند المريض ،
حتى عبر عنها الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه ـ كما روى ـ بقوله :
« العيادة قدر فواق ناقة » .
وعن امير المؤمنين 7 ، قوله : ان من اعظم العواد اجراً لمن
اذا عاد اخاه خفف الجلوس الا اذا كان المريض يحب ذلك ويريده ، ويسأله ذلك الخ
__________________
وفي معناه غيره .
فانه اذا كان المريض يريد ذلك ، فان
الاستجابة له يكون فيها تقرب الى الله تعالى من جهة ، كما ان طلبه هذا .. يكشف عن
عدم وجود ما يحتمل ان يكون موجبا للحرج بالنسبة اليه .. من جهة اخرى ..
وضع اليد على المريض ، والجلوس عند رأسه :
ولعل لاجل ان يطمئن المريض الى انه
لايزال مقبولا لدى الاخرين ، ولاتنفر النفوس منه ، وكذلك الحال بالنسبة للعائدة
نفسه ... نلاحظ : ان ثمة اوامر بوضع العائد يده على المريض ، واعتبر ان الذي يخالف
ذلك يكون من الحمقى ، وعيادة الحمقى اشد على المريض من وجعه ، حيث يتسبب الاحمق
بكثير من الآلام النفسية للمريض ، بسبب تصرفاته غير اللائقة ، والمشعرة للمريض
بضعفه ونقصه ..
وقد ذكر البعض : ان النبي (ص) كان اذا
عاد مريضا وضع يده على جبتهه ، وربما وضعها بين ثدييه ، ويدعو له .
وقد روي عن ابي عبد الله 7 : تمام العيادة للمريض : ان تضع يدك
على ذراعه وتعجل القيام من عنده ، فان عيادة النوكي اشد على المريض من وجعه ..
__________________
وفهم الشهيد ; : ان وضع اليد على ذراعه هو حال الدعاء
له .
ولكن قد ورد عن أمير المؤمنين 7 : قوله : من تمام العيادة للمريض ان
يضع العائد احدى يديه على الاخرى ، او على جبهته . وفهم المجلسي ; : ان المقصود هو ان يضع العائد يده على
جبهة نفسه ، واحتمل ان يكون ذلك لاجل اظهار الحزن والتأسف على مرضه ، كما هو
الشايع ، فلا يبعد ان يكون ذكرهما على سبيل المثال ..
ولكن الاظهر هو ما تقدم من انه يضع يده
على المريض نفسه ، او على ذراعه ... ( وذكر الذراع للمثال على الظاهر ) .. ويمكن
حمل هذه الرواية على ذلك ، لانها ليست نصا فيما ذكره المجلسي ، فيمكن ارجاع الضمير
على المريض فيها ، ويشير الى ذلك بالاضافة الى النصوص المتقدمة ما عن النبي (ص) :
ان من تمام عيادة المريض : ان يدع احدكم يده على جبهته او يده فيسأله كيف هو ، وتحياتكم
بينكم بالمصافحة
.. وكذا قوله : (ص) من تمام عيادة المريض اذا دخلت عليه ان تضع يدك على رأسه ،
وتقول : كيف اصبحت .
فانها ظاهرة في ان يضع يده على المريض ـ
كما اعترف به المجلسي 1
، ولكنه اورد عليه : بأنه وان كان اظهر معنى ، ولكنه ـ بمعنى هذا الاخير
__________________
والذي قبله ـ عاميان
..
ولكننا نقول : ان الرواية الاخرى التي
تقول : تمام العيادة ان تضع يدك على المريض اذا دخلت عليه ، ورواية وضع اليد على الذراع ليستا
بعاميتين ، وهما تؤيدان ارادة هذا المعنى ، وهو وضع العائد يده على يد المريض ، او
على جبهته.
وثمة احاديث اخرى في وضع العائد يده على
المريض ، او على جبهته ، فمن ارادها فليراجعها .
واخيرا .. فقد روى عن ابن عباس : ان النبي (ص) كان اذا عاد المريض جلس عند رأسه .
دعاء المريض للعائد والعكس :
وحيث ان المريض يكون في هذه الحالة اقرب
الى الله تعالى منه في غيرها ، فان دعاءه يكون اقرب الى الاستجابة ، ولاجل ذلك ..
ولاجل ان يشعر انه ايضا يملك في مرضه هذا امتياز يفقده الاخرون ، فلا يجب ان يشعر
بالذل والضعف ، فانه كما هو محتاج الى غيره ، كذلك ، فان غيره محتاج اليه .. من
اجل ذلك ، نجد : انه قد روي عن ابي عبد الله 7
قوله : اذا دخل على اخيه عائدا له فليسأله يدعو له ، فان دعاءه مثل دعاء الملائكة
..
__________________
وثمة احاديث اخرى بهذا المعنى ،
فليراجعها من اراد .
كما انه يستحب ان يدعو العائد للمريض
ايضا ، فعن زرارة ، عن احدهما : اذا دخلت على مريض ، فقل : اعيذك بالله العظيم الخ
.. وقد تقدم :
انه يستحب للمريض ان يأذن لاخوانه بالدخول عليه ، فانه ما من احد الا وله دعوة
مستجابة ..
دعاء المساكين للمريض :
وعن الصادق 7 لاتستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم
، فانه يستجاب لهم فيكم ، ولا يستجاب لهم في انفسهم .. وعن الصادق 7 : يستحب للمريض : ان يعطسي السائل بيده
، ويأمر السائل ان يدعو له .
سؤال المريض عن حاله ، وعما يشتهي :
ويذكر البعض : انه (ص) كان يسأل المريض
عن شكواه ، وكيف يجده ،
__________________
ويسأله عما يشتهي وهذا يعبر للمريض عن الاهتمام بأمره ،
وبما يعاني فيسر لذلك ، ويرتاح له ، ويطمئن به ..
التأميل بالصحة والسلامة :
والمريض يحتاج الى بعث الثقة في نفسه
ليقوى على المرض ، ولا ينهار امام عوارضه وعواديه التي لا يجد فيها حيلة ، ولا
لدفعها عن نفسه سبيلا .. ولعل هذه يفسر لنا ماروي عنه (ص) : اذا دخلتم على المريض
فنفّسوا له في الاجل ، فان ذلك لا يرد شيئا ، ولكنه يطيب النفس .
والمراد بالتنفيس : التوسعة ، اي وسعوا
له في الاجل ، واملوه بالصحة والسلامة ، كأن يقول له : لابأس عليك ، وستشفى ان شاء
الله قريبا .
وقد ذكر البعض : ان النبي (ص) كان ربما
قال للمريض : « لابأس عليك طهور ان شاء الله » .
الاكل عند المريض :
عن أمير المؤمنين 7 ، انه قال : نهى رسول الله 6 : ان يأكل العائد عند المريض ، فيحبط
الله اجر عيادته
.. ولماذا لا ..
__________________
مادام انه لربما
يكون المريض ممنوعا عن طعام كهذا ، فاذا أكل عنه ، فانه يجعله يشتيهيه ، ويتحسر
على قدرته على تناول مثله .. فيكون قد زاده بعيادته له الماً ، بدل ان يخفف عنه.
ما يقال للمريض بعد شفائه :
ولقد كان امير المؤمنين 7 ، اذا رأى المريض قد برىء قال : يهنك
الطهر من الذنوب
..
وعن الحسن بن علي 7 : انه قال لرجل ابلّ من علته : ان الله
قد ذكرك فاذكره ، واقالك فاشكره .. وروى ذلك عن علي امير المؤمنين ايضا .
وعن السجاد 7 ما جمع فيه بين ما تقدم عن عمه الحسن ،
وما تقدم عن جده أمير المؤمنين 7
.
نعم .. وما احسنها من كلمة! .. منسجمة
كل الانسجام مع الروحية التي يهتم الاسلام بتقويتها ، ومع الاهداف التي يحاول ان
يوجه اليها الانسان الذي يتعرض الى الابتلاء بالمرض ، ومتاعبه ، ومضاعفاته .. تلك
الروحية ، وهاتيكم الاهداف التي نطقت بها الروايات ، ودلت عليها التوجيهات التي
صدرت عنهم : للمريض ،
ولعواده ، كما قدمنا بعضا من الاشارة اليها فلا نعيد ..
__________________
وحسبنا ما ذكرناه هنا فان فيما ذكرناه
كفاية لمن اراد الرشد والهداية ..
والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده
الذين اصطفى ، محمد وآله الطاهرين.
القسم الثالث
:
الوقاية
الصحية :
|
الفات نظر :
|
|
كانت النية متجهة الى الكتابة في
موضوع الوقاية الصحية .. ولكننا .. وبعد كتابة الفصل الاول منه وجدنا انه يمكن
الاكتفاء بما كتبه الشهيد السعيد الدكتور باك نجاد ، فآثرنا الانصراف الى ما هو
اهم ، وبذل الجهد في معالجته اولى ..
ولكننا احببنا ان نورد هنا ما كنا قد
كتبناه في هذا المجال ـ وان كان ناقصا ـ كما هو ، ومن دون اي تصرف فيه ، على امل
ان ينفع الله به .. وهو الموفق والمسدد ..
|
الفصل الاول :
المقدمات
الوقاية الصحية في مجالها الاوسع :
لقد اهتم الاسلام بصحة الانسان اهتماما
بالغا ، حتى لقد روي ان النبي (ص) قال : ان في صحة البدن فرح الملائكة ، ومرضاة
الرب ؛ وتثبيت السنة .
وعنه 9 : لا خير في
الحياة الا مع الصحة ..
وقد تقدم : ان الاسلام قد اعتبر العلم
علمين : علم الاديان ، وعلم الابدان. والروايات في هذا المجال كثيرة ، لا مجال
لتتبعها ..
كما ان الاسلام قد اهتم بأن يوجه
الانسان نحو الوقاية الصحية ، حتى لا يقع في براثن المرض اصلا ، وقد ورد عن الإمام
الصادق 7 : « ان عامة
هذه الارواح من المرة الغالبة ، او دم محترق ، او بلغم غالب ، فليشتغل الرجل
بمراعاة نفسه قبل ان تغلب عليه شيء من هذه الطبايع ، فيهلكه .. ».
وفسر المجلسي كلمة الارواح بقوله : «
وكأن المراد هنا : الجنون ، والخيل ، والفالج ، واللقوة ، بل الجذام والبرص ،
واشباهها
».
__________________
وروى : لاتأكل ما قد عرفت مضرته ،
ولاتؤثر هواك على راحة بدنك
وعن الرضا 7 : « ان
الجسد بمنزلة الارض الطيبة الخراب ، ان تعوهدت بالعمارة والسقي ، من حيث لا تزداد
الخ ».
وان القاء نظرة اجمالية على شمولية وسعة
موضوع الوقاية الصحية في الاسلام ليعطينا :
ان الحديث عن هذا الموضوع بشكل علمي
دقيق ومستوعب ليس سهلا وميسوراً وانما هو امر بالغ الصعوبة .. وذلك لانه يدخل فيه
العديد من الموضوعات الواسعة والمتشعبة جدا .. وقد يضطر الباحث فيما لو اراد
استيفاء الحديث في هذا الاتجاه الى الاستشهاد بأحاديث ربما تتجاوز المئات الى
الآلاف ، فضلا عن العشرات من المصادر الاسلامية الموثوقة ، ان لم نقل عن المئات
ايضا .. كما ان ذلك يحتاج الى كتابة مجلدات كثيرة ، ووقت طويل يبذله القارىء
والباحث على حد سواء ..
كما اننا لا يجب ان ننسى : ان استيعاب
هذا الموضوع ، واستيفاء البحث فيه من جميع جوانبه ، يحتاج الى الكفاءات
والاختصاصات المتنوعة ، التي تمتلك خبرات كبيرة في مجالات اختصاصها من جهة ، ثم في
مجال الاطلاع على النصوص الاسلامية في القرآن والسنة النبوية واهل البيت ، وفهم
تلك النصوص ، والاستفادة منها في الموقع المناسب ، من الجهة الاخرى ..
البحث في خصائص الاشياء :
وعلى ضوء ما تقدم ؛ فاننا نجد انفسنا
مضطرين الى حصر البحث في الموضوعات الاكثر الحاحاً في هذا المجال ..
__________________
فلن نتعرض للبحث في الاحاديث الكثيرة
جداً ، والتي تعد بالمئات ان لم يكن بالآلاف والتي تتعرض لكثير من الخصائص
والمزايا لقسم وافر من البقول والفواكه ، والخضار ، والحبوب ، واللحوم ، والاطعمة
، والالبان .. مثل :
التفاح ، والرمان ، والعنب ، والتمر ،
والتين ، والهندباء ، والجزر ، والفجل ، والثوم ، والبصل ، والسعتر ، والحنطة ،
والزيتون ، والشعير ، ولحم الضأن ، ولحم البقر ، والسمك ، والبان الضأن والبقر ،
البطيخ ، والاجاص ، والمشمش ، والحمص ، والعدس ، وقصب السكر .. الىعشرات من
الانواع الاخرى ، التي ورد في كل منها روايات كثيرة ، لو اردنا جمعها ، وذكر
مصادرها لاحجتنا الى العشرات ، بل المئات من الصفحات فكيف اذا اردنا استقصاء البحث
فيها ، ولا سيما وانه قد ذكر في كثير منها خصائص وقائية لكثير من الامراض ، وقد
كتب الشهيد السعيد الدكتور باك نجاد في كتابه القيم : « اولين دانشكاه وآخرين
بيامبر » عن عدد وافر منها ، وقد احسن واجاد فيها افاد ، نسأل الله ان يوفيه اجر
ذلك من جنانه افسحها منزلا ، وافضلها غرفا ، ويحشره مع الأئمة الطاهرين ، بحق محمد
وآله صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ..
اتجاهات البحث :
وعلى هذا .. فان بحثنا في هذا المجال
سوف يتقصر على اعطاء نظرة سريعة وواضحة بقدر الامكان عن الوقاية الصحية في
المجالات التي وجه فيها المعصومون الى مواقف وافعال معينة من شأنها ان تقي الانسان
من كثير من المخاطر ، من دون ان يكون لخصائص الاشياء مدخلية كبيرة فيها ، بل الفعل
والمواقف منها هو الذي يعطي القسط الاكبر من الفائدة في مجال الوقاية الصحية ..
ولاجل ذلك فلسوف يكون بحثنا على النحو
التالي :
نستعرض اولا قسما وافراً مما يرتبط
بالنظافة الجسدية كالسواك والخلال ، والوضوء والغسل ، وغير ذلك ..
ثم نتعرض لنظافة الثياب والاواني والبيت
، وكثير من اوضاعه المطلوبة شرعا ، والتي تؤثر في حفظ الصحة والوقاية من كثير من
الاخطار المحتملة في هذا المجال ..
وبعد ذلك نستعرض بعض ما يرتبط بالمحيط
والبيئة والمجتمع بشكل عام ..
ولسوف نشير ايضا : الى طائفة مما يرتبط
بأحوال الانسان في طعامه وشرابه ويقظته ، ونومه ، وسفره ، وكذلك ما يرتبط بالوقاية
الصحية فيما يتعلق بموضوع الجنس.
الى غير ذلك مما تقتضيه ضرورة البحث ،
مع مراعاة جانب الاختصار والوضوح مهما امكن ..
فالى البحوث التالية ، مع جزيل شكري
وعميق تقديري للقارىء الكريم.
النظافة في مجالها العام :
لقد اهتم الاسلام بالنظافة الجسدية
اهتماما بالغا ، يفوق حد التصور ، ولا يستطيع اي دين ان يدعي : انه اهتم بذلك ولو
بمقدار معشار اهتمام الاسلام هذا ..
ويكفي ان نذكر : انه قد جعل الوضوء ،
والغسل في احيان كثيرة من الواجبات التي يعاقب تاركها ؛ بل ولا تتم كثير من اعماله
العبادية الهامة جدا بدونها .. كما هو الحال في الصلاة التي هي عمود الدين ،
ومعراج المؤمن ، وغيرها ..
بل لقد جعل ذلك من العبادات التي تقرب
الى الله ، ويستحق فاعلها الثواب الجزيل ، والاجر الجميل ..
وعدا عن ذلك كله ، فقد اعتبر الايمان
شطر الوضوء ؛ واعتبرت النظافة من الايمان ، والايمان مع صاحبه في الجنة ..
الى غير ذلك مما يعبر عن مدى اهتمام
الاسلام البالغ في هذا المجال .. سواء في ذلك ما ورد ليؤكد على النظافة ، او
الوضوء اوالغسل في مورده الجزئي الخاص ، او ما ورد في مقام الحث على ذلك بصورة
عامة ..
أمثلة على ما تقدم :
وكأمثلة على ما تقدم نشير الى رشحة هي
غيض من فيض مما ورد عن المعصومين :
من الامر بالنظافة بصورة عامة ..
فقد تقدم في اوائل القسم الثاني الاشارة
الى قوله : ان الله ليبغض من عباده القاذروة : وان النظافة من الايمان والايمان مع
صاحبه في الجنة.
وقال الكراجكي : « وفيما صح عندنا من
اجتهاد رسول الله (ص) في النظافة ، وكثرة استعماله للطيب على ما اتت به الرواية » .
وعن الرضا 7
: « من اخلاق الانبياء التنظيف » .
وعن أمير المؤمنين 7 : تنظفوا بالماء من الريح المنتن ،
الذي يتأذى به ، وتعهدوا انفسكم ، فأن الله ليبغض من عباده القاذورة ، الذي يتأنف
به من جلس اليه .
وجاء في رواية عن الباقر والصادق يذكر
فيها : ان دواء العرب في خمسة وعّد منها الحمام . وعن النبي (ص) : أتاني جبرئيل 7 ، فقال : يا محمد ، كيف ننزل عليكم؟! ،
لا تستاكون ، ولا تستنجون بالماء ، ولا تغسلون براجمكم .
__________________
قال ابن الاثير : « فيه : من الفطرة غسل
البراجم ، وهي العقد التي في ظهور الاصابع ، يجتمع فيها الوسخ الواحدة : برجمة » .
وقد نص القرآن على ان الله تعالى : « يحب التوابين ، ويحب
المتطهرين
». وقال تعالى مخاطبا المسلمين في مناسبة بدر : « وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، ويذهب
عنكم رجز الشيطان » . وقال تعالى : « فيه رجال يحبون ان
يتطهروا والله يحب المتطهرين »
.
قال المجلسي : قيل : ربما دلت هذه الآية
على استحباب المبالغة في الاجتناب عن النجاسات ، ولايبعد فهم استحباب النورة
وامثالها ، بل استحباب الكون على طهارة وتأييد له ، لا بل الاغسال المستحبة » .
وقال تعالى : « انه لقرآن كريم. في
كتاب مكنون. لا يمسه الا المطهرين »
.
الى غير ذلك من الآيات التي تمدح التطهر
، وتحث عليه تصريحا ، او تلويحا. وقد ورد عنهم :
: ان « الطهر نصف الايمان » .
وعن النبي (ص) وعلي (ع) : « الوضوء شطر الايمان » .
__________________
وعن أمير المؤمنين 7 : « من احسن الطهور ثم مشى الى المسجد
فهو في صلاة ما لم يحدث » .
وعن النبي (ص) : يا علي ، على الناس في
كل سبعة ايام الغسل ، فاغتسل في كل جمعة ، ولو انك تشتري الماء بقوت يومك وتطويه ،
فانه ليس شيء من التطوع اعظم .
وعن الصادق 7 : ليتزين احدكم يوم الجمعة ، يغتسل ،
ويتطيب
.. الخبر.
وعن امير المؤمنين 7 : غسل الاعياد طهور لمن اراد طلب
الحوائج واتباع للسنة .
بل يكفي ان نذكر : ان الاغسال المستحبة
، قد انهاها بعضهم الى اربعين غسلاً تقريبا ، كما ان بعض الروايات قد عدت منها ومن
الواجبات ثلاثة وعشرين غسلا في مناسبات مختلفة .. ومن يراجع الروايات في باب علل
الاغسال وثوابها في البحار ج ٨١ ص ٣ و ٢٢ و ٢٣ و ٢٤ يخرج بحقيقة : ان الغسل مستحب
او واجب في اكثر من تلك الموارد التي ذكرها ذلك البعض.
نعم .. وهذا غيض من فيض مما ورد عنهم : في هذا المجال .. وأما ما ورد عنهم : في الموارد الخاصة والعامة مما يدل على
مطلوبية النظافة ، فانه لا يكاد يحصر لكثرته ، ولا نرى اننا بحاجة الى التعرض له
.. ولربما
__________________
نشير في المواضع
المختلفة الى رشحات منه ان شاء الله تعالى ..
ولنبدأ الان في البحث حول السواك
والخلال ، وبعض ما يرتبط بنظافة الفم .. فـ :
الى الفصل التالي ...
الفصل
الثاني :
السواك ..
والخلال ..
بداية :
لم يكن يخطر في بالي قبل ان اراجع كتب
ومجاميع الحديث ان تزيد الروايات الواردة في موضوع السواك ، عن أهل بيت العصمة (ع)
على عشرة ، ان خمسة عشر ، او عشرين حديثا ، على ابعد التقادير.
ولكن كم كانت المفاجأة والدهشة كبيرة
لدى ، وانا اجد من الاحاديث اضعاف ذلك مرارا كثيرة .. الامر الذي جعلني ادرك الى
حد ما مدى اهمية هذا الامر وخطورته اسلاميا ، وهو من الموضوعات التي لا داعي للكذب
، ولا رغبة للوضاعين الذين حذر النبي (ص) منهم .. فيها.
هذا كله عدا عن كثير من الاحاديث التي
تؤكد على لزوم نظافة الفم ، وطيب رائحته ، مما لا مجال لتتبعه ..
سؤال وجوابه :
والسؤال الذي يطرح نفسه بادىء ذي بدء ،
هو.
لماذا يهتم الشارع بنظافة الاسنان الى
هذا الحد؟! .. وكيف لم نجده يهتم بكثير من الواجبات بهذا المقدار الذي يهتم فيه
بالسواك ، ونظافة الفم وهو مستحب؟! ..
والجواب عن ذلك واضح جدا ..
فأن ضرورة الاسنان للانسان لايمكن
تجاهلها ولا انكارها من احد. وهي نعمة لا يشعر الانسان عادة بها او باهميتها الا
اذا فقدها .. مع انه يستفيد منها كل يوم اكثر من مرة ، وان اي ضرر يلحق بها يوقعه
ولا شك في الضيق والحرج ، ويوجب اختلال احواله جزئيا ، ويؤثر عليه تأثيرا لا يكاد
يخفى ..
ولعل من الامور الواضحة : ان الاسنان
الصناعية لا تستطيع حتى في افضل حالاتها ان تقوم بوظيفة الاسنان الاصلية ، ولا هي
من الكفاءة بحيث تؤمن لصاحبها راحته التي يتواخاها منها ، كما لو لم يكن قد فقد
مثيلاتها الطبيعية ..
كما ان من البديهي : ان الاسنان كما
تساعد المعدة ، بتهئية الطعام لها ، وجعله في وضع يكون قابلا للهضم ، او على الاقل
تجعل هضمه ايسر مما لو بقى على حالته الاولى .. كذلك هي تساعد الانسان في المنطق ،
ويؤثر فقدانها عليه بشكل ملحوظ ..
وما علينا من اجل اثبات ذلك الا ان
نتذكر حالة من فقدوا اسنانهم ، ومدى ما يبذلونه من جهد من اجل جعل الطعام في وضع
تتمكن معه المعدة من هضمه والاستفادة منه .. وكذلك مدى ما يبذلونه من جهد من اجل
اخراج الكلمات بنحو تكون واضحة ومفهومة ..
وعدا عن ذلك .. فان اختلال الوضع
الطبيعي للاسنان ، ومرضها وموبوئيتها ، يؤدي في كثير من الاحيان الى امراض
ومضاعفات سيئة في كثير من اجهزة الجسم .. ولسوف يتضح ذلك بعض الشيء في ما يأتي ان
شاء الله تعالى ..
ومن هنا .. ومن اجل امور هامة اخرى
سنشير اليها ان شاء الله كان اهتمام الاسلام بالاسنان ، وكانت دعوته الملحة
للعناية بها ، والحفاظ على سلامتها ، فأمر بكل ما من شأنه ان يحفظها ويصونها ،
ونهى وحذر من كل ما يضر بها وبسلامتها ،
ايمانا منه بأن
سلامة الاسنان الطبيعية تؤثر في سلامة الانسان ، وسقمها يؤثر في سقمه .. ولذا ..
فان من المهم ان يحافظ الانسان عليها ليستفيد منها اكبر قدر ممكن في حياته ، وان
يحتفظ بها سليمة ومعافاة ، لان معنى ذلك هو احتفاظه وكثير من اجهزة جسمه بسلامة
والمعافاة ايضا ..
السواك :
وكان من جملة ما امر به الاسلام في نطاق
اهتمامه بالاسنان ، مما له اثر كبير على صحتها وسلامتها هو :
« السواك ». اي غسل الاسنان وتنظيفها ..
الذي اجمع الفقهاء على استحبابه ..
وخصوصا للوضوء والصلاة .. والذي قدمنا : ان الروايات الواردة في فضله ، وفي احواله
وكيفياته ، وسائر ما يتعلق به تفوق المئة بكثير جدا .. ولابد من اجل استيفاء
الاشارة الى اكثر ما تضمنته الروايات من تقسيم البحث على النحو الذي ينسجم مع ما
تضمنته ، فنقول :
موقف المعصومين : من السواك :
لقد اتبع النبي الاكرم 6 ، والائمة من ولده اساليب متنوعة في
الدعوة الى الالتزام بالسواك .. ونشير هنا الى : ان النبي (ص) واهل بيته المعصومين
قد التزموا بالسواك عملا ـ وعملهم سنة لنا ، وما علينا الا ان نقتدي بهم ، ونهتدي
بهديهم ، سواء في افعالهم ، او في اقوالهم ..
واذا كان من الممكن ان لا يلتفت كثير من
الناس الى ذلك ، او لا يتيسر لهم الاطلاع عليه لبعد شقتهم ، فقد حاولوا : توجيه الانظار الى هذا الامر ، وحدثوا
الناس عنه ، وسجلوه على انه حقيقة جديرة بأن يتناقلها الناس ، وان يأخذوها بعين
الاعتبار.
فعن الصادق 7 ، وهو يتحدث عن النبي (ص) : انه كان
يستاك في كل مرة قام من نومه
.. وكان (ص) يستاك اذا اراد ان ينام ويأخذ مضجعه . وكان (ص) يستاك لكل صلاة . وروى : ان السنة السواك في وقت السحر .
وعن الباقر : ان رسول الله (ص) كان يكثر
السواك وليس بواجب .
وكان (ص) يستاك كل ليلة ثلاث مرات ، مرة
قبل نومه ، ومرة اذا قام من نومه الى ورده ، ومرة قبل خروجه الى صلاة الصبح .
وعن ابي عبد الله 7 : اني لاحب للرجل اذا قام بالليل ان
يستاك .
بل لقد كان (ص) اذا سافر يحمل مع نفسه
المشط والمسواك و .. الخ ..
__________________
بل لقد بلغ التزامهم : بذلك حدا : انه لو ترك احدهم السواك
كان ذلك ملفتا للنظر ، ومدعاة للتساؤل ، فقد روى : ان الصادق 7 ترك السواك قبل ان يقبض بسنتين ، وذلك
لان اسنانه ضعفت .
وأما امرهم : بالسواك ، وحثهم عليه بالقول .. فكثير
جدا ايضا ويمكن تقسيم النصوص التي وردت في ذلك الى عدة طوائف :
الاولى
: ما دلت على لزوم الالتزام بالسواك وتحذر من تركه من جهة عامة. اي من دون تعرض
لبيان اية خصوصية فيه .. حتى لقد اعتبر الامام 7.
ان التارك للسواك ليس من الناس .. فلقد قيل للصادق 7
:
اترى هذا الخلق ، كلهم من الناس؟.
فقال ، الق التارك منهم للسواك .
وعن النبي (ص) ، انه قال : نظفوا طريق
القرآن. قيل : يارسول الله ، وما طريق القرآن؟ قال : افواهكم. قيل : بماذا؟ قال :
بالسواك .. وفي معناه غيره
..
وقد جعل في بعض الروايات عنه (ص) من
اسباب عدم نزول الملائكة عليهم : انهم لا يستاكون ، بالاضافة الى انهم لا يستنجون
بالماء ، ولايغسلون براجمهم .
وعن الصادق 7 : من سنن المرسلين السواك. وبمعناه
نصوص
__________________
اخرى .
وعن رسول الله 6 : ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى
خفت ان احفى وادرد. وفي بعضها : حتى خفت ان يجعله فريضة. وفي معناه غيره .
وعن الصادق 7 : نزل جبرئيل بالسواك ، والخلال ،
والحجامة .
فاذا كان السواك من سنن المرسلين ، فهو
اذن ليس امرا عاديا يمكن التغاضي عنه بسهولة .. خصوصا .. وان جبرئيل ما زال يوصى
به النبي (ص) حتى خاف ان يجعله فريضة. فما احرانا اذن ان نقتدي بالمرسلين من اجل
هدايتنا ، ونهتدي بهديهم ، حيث انهم لم يرسلهم الله الا من اجلنا ، وبما فيه
مصلحتنا والخير لنا .. ولعل هذا هو السر في التعبير بكلمة : « المرسلين » ، بدل
كلمة : « الانبياء »!!.
نعم .. وقد سمح الشارع حتى للصائم بأن
يستاك ، رغم قيام احتمال سبق شيء الى جوفه .. كما وسمح للمحرم بان يستاك ، وان
ادمى.
فعن الحسين بن ابي العلاء قال : سألنا
ابا عبد الله 7
عن السواك؟ فقال : نعم ، اي النهار شاء.
وعن النبي (ص) اذا صمتم فاستاكوا بالغداة ،
__________________
ولاتستاكوا بالعشي ،
فانه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي ، الا كان نوراً بين عينيه يوم القيامة . وثمة روايات اخرى. وعن ابي عبد الله 7 ، قال : قلت : المحرم يستاك؟ قال : نعم
، قلت : فان ادمى؟ قال : نعم ، هو من السنة .
وعن الباقر 7 : ولابأس ان يستاك الصائم في شهر رمضان
اي النهار شاء ، ولابأس بالسواك للمحرم .
وثمة روايات كثيرة تأمر بالسواك وتحث
عليه ، لامجال لاستقصائها في هذه العجالة .. فمن اراد المزيد ، فليراجع مجاميع
الحديث والرواية ، كالبحار ، والوسائل ، ومستدركاتها ، وغير ذلك.
الثانية : السواك للوضوء
والصلاة :
ثم هناك ما دل على استحباب السواك
ولاسيما عند الوضوء
والصلاة
، وانه لولا ان اشق على امتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة .. او عند كل
__________________
صلاة .
والظاهر : ان المراد : الامر الوجوبي ،
والا : فان الامر الاستحبابي ثابت .. كما ان الظاهر هو انه لامنافاة بينهما ، فان
السواك للوضوء معناه ان تكون الصلاة بسواك ايضا .. فعبر باحدهما عن هذا وعن الاخر
بذاك ، لعدم الفرق في النتيجة بينهما.
وورد ايضا : ان ركعتين بسواك افضل من
اربع ركعات
، او سبعين
، او خمس وسبعين ركعة بدونه .
او ان صلاة بسواك افضل من التي يصليها بدونه اربعين يوما ، بعد ان قال : عليك
بالسواك ، وان استطعت ان لا تقل منه ، فافعل
..
وان السواك يضاعف الحسنات سبعين ضعفا .. وانه من السنن الخمس
__________________
التي في الرأس .. ويرضى الرحمان .. ومن سنن المرسلين ، وقد تقدم ..
وقال ابو عبد الله اذا قمت بالليل فاستك
، فان الملك يأتيك فيضع فاه على فيك ، فليس من حرف تتلوه ، وتنطق به الا صعد به
الى السماء ، فليكن فوك طيب الريح .. وفي معناه غيره .
والروايات في هذا المجال كثيرة لا مجال
لاستقصائها ..
اشارة : هذا ..
ولا بد من الاشارة هنا الى ان ما تقدم من الاختلاف بين اربع ركعات ، او سبعين ، او
خمس وسبعين ركعة ، او اربعين يوماً ، في مقام اثبات الاجر وافضلية الصلاة بسواك
على غيرها .. لا يستدعي التشكيك في هذه الروايات .. اذ لعل السواك الذي تكون
المنافع الدنيوية هي المقصودة منه هو الذي يفضل الركعتان معه الاربع ركعات ؛ اما الذي
يقصد منه الثواب الاخروي ... فان ركعتين معه تعدل سبعين ركعة .. او خمس وسبعين ،
او اربعين يوما ، على اختلاف درجات الاخلاص في النية في هذا المجال ..
منافع السواك .. واوقاته .. وكيفياته.
ولم يكتف النبي (ص) والائمة (ع)
بالمداومة على السواك عملا ، ولا بما تقدم من الاوامر المطلقة به .. او بالاشارة
لما يثبت استحبابه وعباديته ، وان الانسان ينال عليه الثواب الجزيل ، والاجر
الجميل .. الامر الذي من شأنه ان يعطى الانسان المؤمن قوة دافعة على ممارسته ،
والالتزام به ، والمداومة عليه.
__________________
نعم .. لم يكتفوا (ع) بذلك .. وانما
زادوا عليه اهتمامهم الظاهر ببيان ما يترتب على السواك من المنافع ، وما في تركه
من المضار ..
وبديهي ان الشارع المقدس يهتم بالمحافظة
على سلامة الانسان ، وحفظه في افضل الحالات ، واذا كان للسواك اثر كبير في ذلك ،
فانه يكون مرغوبا ومطلوبا له تعالى بذاته ، حتى ولو لم يقصد به القربة ، ولا اتى
به لاجل ماله من الاجر والثواب. واذا عرف الناس منافعه .. واذا كان هناك من لايريد
الاقتداء بالمرسلين ، او لا رغبة لديه فيما فيه من الثواب .. فانه قد يفعله رجاء
الحصول على مافيه من فوائد ومنافع ، وما يدفعه من مضار .. فان الانسان ـ بطبعه ـ
محب لنفسه ، يهمه جدا دفع كل بلاء محتمل عنها ، وجلب كل نفع يقدر عليه لها .. وفي
السواك الكثير الكثير مما يرغب فيه الراغبون ، ويتطلع اليه المتطلعون ، سواء بالنسبة
لشخص الانسان وذاته ، او بالنسبة لعلاقاته بالاخرين من بني جنسه ..
لو علم الناس ما في السواك :
وفي مقام الاشارة الى ما للسواك من
المنافع الجليلة نجد الامام الباقر 7
يقول : « لو يعلم الناس ما في السواك لأباتوه معهم في لحاف » .. وتقدم قوله (ص) لعلي : عليك بالسواك
، وان استطعت ان لا تقل منه فافعل .. فان ذلك. يعطينا : ان فوائد السواك تفوق حد
التصور ، وان مضار تركه لاتقل اهمية في نظر الاسلام عن فوائد الاستمرار عليه ..
انه لمن المدهش حقا ان تؤدي بنا معرفة
السواك الى ان نبيته معنا في لحاف!! .. مع ان احدنا حتى لو كان مصابا فعلا بمرض ،
فانه لا يبيت الدواء معه
__________________
في لحاف ؛ فكيف
بالسواك الذي لايعدو عن ان يكون عملية تطهر وتنظف ، تستبطن معها الوقاية من امراض
محتملة؟!! ..
فلولا ان ترك السواك يستتبع امراضا
خطيرة ، تهدد حتى حياة الانسان ووجوده لم يكن معنى لقوله 7 : لأباتوه معهم في لحاف .. ومن يدري
فلعله يشير 7 بذلك الى ان
موبوئية الاسنان من اسباب مرض السل ، او الى ان غازات الفم الكريهة قد تنفذ الى
مجرى الدم ، وتفتك ـ من ثم ـ بالجسم كله .. او الى غير ذلك مما ستأتي الاشارة
اليه.
فوائد السواك .. في روايات اهل البيت (ع) :
لقد تقدم في الروايات السابقة ما يدل
على ان السواك يطيب ريح الفم ، حيث قال ابو عبد الله 7
: فليكن فوك طيب الريح .. وتقدم انه ينظف الفم ، لقوله (ص) : نظفوا طريق القرآن ..
ونزيد هنا : قول أمير المؤمنين 7 : ان افواهكم طرق القرآن ؛ فطيبوها (
او فطهروها ) بالسواك .. وبمعناه غيره .
وورد : نظفوا الماضغين .
وعن الباقر 7 : لكل شيء طهور ، وطهور الفم السواك ونحوه غيره. وورد ان السواك « مطيبة
للفم » .
وعن أبي عبد الله 7 ، أنه قال : لما دخل الناس في الدين
أفواجا أتتهم الازد ، أرقها قلوبا ، واعذبها أفواها .. فقيل : يارسول الله ؛ هذا
أرقها قلوبا عرفناه ، فلم صارت أعذبها أفواها؟. فقال : لاناها كانت تستاك في
الجاهلية وفي معناه غير.
وعن أمير المؤمنين 7 : السواك مرضاة الله ، وسنة النبي ،
ومطهرة للفم .. وبمعناه غيره
..
وعن الصادق 7 : في السواك اثنتا عشرة خصلة : هو من
السنة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرب ، ويبيض الاسنان ، ويذهب بالحفر
، ويشد اللثة ويشهي الطعام ، ويذهب البلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات
سبعين ضعفا ، وتفرح به الملائكة .. وفي نص آخر للحديث « يذهب بالغم » .. وزاد في رواية ذكرها الشهيد پاك
نجاد : « ويصح المعدة »
وعن الباقر 7 : السواك يذهب البلغم ، ويزيد في العقر
( وفي نص
__________________
آخر : في الحفظ ) .
وعن الصادق 7 : السواك يذهب بالدمعة ، ويجلو البصر .. وفي نص آخر عن الرضا 7 : السواك يجلو البصر ، وينبت الشعر ..
وعنهم (ع) : يذهب بغشاوة البصر ، وفي آخر : مجلاة للعين .. والروايات بهذا المعنى
كثيرة .
وعن النبي 6
أنه قال : السواك يزيد الرجل فصاحة .
وعن الصادق 7 : السواك وقراءة القرآن مقطعة للبلغم
.. وفي نص آخر : ثلاثة يذهبن النسيان ، ويحدثن الذكر : قراءة القرآن ، والسواك
والصيام ، « أو اللبان ». وفي نص آخر : يزدن في الحفظ ، ويذهبن السقم .. وفي غيره
: يذهبن بالبلغم ، ويزدن في الحفظ .
وعن الصادق 7 : أن النشرة في عشرة أشياء ، وعدّ منها
السواك .
__________________
وعنه 7
: عليكم بالسواك ، فانه يذهب وسوسة الصدر .
وفي حديث عن أمير المؤمنين 7 : ان السواك يوجب شدة الفهم ، ويمرىء
الطعام ، ويذهب اوجاع الاضراس ، ويدفع عن الانسان السقم ، ويستغنى عن الفقر ..
والحديث طويل ، وما ذكرناه منه منقول بالمعنى .
ونصوص الاحاديث في هذا المجال كثيرة ،
ومتنوعة ، وما ذكرناه يشير الى اكثر ما تضمنته ان شاء الله تعالى ..
مجمل ما تقدم :
وقبل ان نتكلم بالتفصيل عما ورد في
الروايات المتقدمة ، فاننا نجمل ما جاء فيها على النحو التالي :
١ ـ ان السواك طهور ، ومعقم للفم.
٢ ـ انه منظف للفم.
٣ ـ يجعل الفم عذباً.
٤ ـ يذهب برائحة الفم الكريهة ، ويطيب
رائحته.
٥ ـ يذهب بالغم.
٦ ـ يزيد في العقل.
٧ ـ يذهب بالدمعة.
٨ ـ يذهب بالبلغم.
٩ ـ يزيد في الحفظ.
__________________
١٠ ـ يجلو العين ، ويجلو البصر ، ويذهب
بغشاوته.
١١ ـ يبيض الاسنان.
١٢ ـ يذهب بالحفر.
١٣ ـ يشد اللثة.
١٤ ـ يشهي الطعام.
١٥ ـ واذا كان بعود الاراك ، فانه يسمن
اللثة ايضا.
١٦ ـ ينبت الشعر.
١٧ ـ يوجب النشرة ، او النشوة ، حسب بعض
النسخ.
١٨ ـ يزيد الرجل فصاحة.
١٩ ـ يذهب بالنسيان ، ويحدث الذكر.
٢٠ ـ يذهب بوسوسة الصدر.
٢١ ـ يوجب شدة الفهم.
٢٢ ـ يمرىء الطعام.
٢٣ ـ يذهب بأوجاع الاضراس.
٢٤ ـ يدفع عن الانسان السقم ، ويذهب به.
٢٥ ـ يغنى من الفقر.
٢٦ ـ يصح المعدة.
كان ذلك هو ما استخلصناه من الروايات
بالنسبة لفوائد السواك ، ويمكن ان يأتي كثير مما ذكر هنا في الخلال ايضا ...
ولا يجب ان يتخيل : ان فيما ذكر تكرار ،
فان انعام النظر فيه يظهر خلاف ذلك للمتأمل ... بل قد يظهر : اننا قد تكلفنا ادخال
بعضها تحت البعض الاخر ..
وبعد .. فان من المناسب : ان نقف وقفة
قصيرة للتأمل فيما ذكر من الفوائد ، بقدر ما يسمح لنا به المجال ، وتسمح لنا به
المعلومات الطبية المحدودة المتوفرة لدينا .. في استكناه الاسرار التي اومأت اليها
هذه الرشحة المباركة من رشحات اهل بيت العصمة :.
وتضمنتها تلك الخريدة الفريدة ، لنستوحي منها ، ونستهدي طريق الخير ، والرشاد ،
والسداد .. فنقول .. والله المستعان ، ومنه نستمد الحول والقوة ..
السواك .. يبيض الاسنان :
ان كثيرا مما تقدم قد يكون مما لا يزال
العلم عاجزا عن كشف مدى ارتباطه بالسواك ، وارتباط السواك به بشكل دقيق وشامل ..
الا ان مما لا شك فيه هو اننا نستطيع ان نتلمس من ذلك كله مدى اهتمام الاسلام
بمختلف شؤون هذه الانسان واحواله ، ومدى احاطته وشموليته لهذه الاحوال ، وتلكم
الشؤون ..
حتى انه لم يغفل حتى ان اثر السواك في
المظهر الخارجي للانسان ، انطلاقا من حرصه الشديد على ان يبدو الانسان في ابهى
منظر ، وازهى حلة .. لان جمال المظهر يؤثر في اجتذاب الاخرين اليه ، ومحبتهم له ،
بل ويؤثر حتى في روحه هو ونفسه ، فضلا عن غيره.
ومن هنا .. فقد ورد : ان السواك يبيض
الاسنان
.. وورد ايضا قوله (ص) : « مالي اراكم قلحا؟ مالكم لاتستاكون؟! » .
__________________
والقلح : صفرة في الاسنان .. ولاشك في
ان بياضها افضل من صفرتها او خضرتها ؛ واكثر قبولا لدى الاخرين ، لانه هو اللون
الطبيعي لها ..
السواك .. يطيب رائحة الفم :
ولاشك ان ذا الفم الكريه الرائحة ينفر
الناس ، بل وحتى الملائكة منه ، والانسان يريد لنفسه ، والله ايضا يريد له : ان
يكون محببا لدى الناس ، قريبا الى قلوبهم ونفوسهم ..
ومن هنا فقد ورد : ان السواك يطيب رائحة
الفم.
يذهب بالحفر :
والسواك ايضا يذهب بالحفر. اي انه يقلع
الحبيبات المتكلّسة على جدار السن ، والتي تؤدي الى جرح اللثة وتقيحها ، وجعلها في
معرض الالتهابات والامراض. بالاضافة الى انه يمنع من وجود غيرها من جديد ..
يقوي اللثة :
وهو الى جانب ذلك عامل مهم من عوامل
تقوية اللثة وسمنها ، حيث انه رياضة مستمرة لها ، وينبه عضلاتها ويحركها ، كما
ويحرك الدورة الدموية فيها ..
يجلو البصر :
وكذلك فان للسواك علاقة بالعين ، فمرض
الاسنان يؤثر في مرضها ، وسلامتها تؤثر في سلامتها .. وقد شوهدت حالات كثيرة من
العمى المؤقت الناجم عن بعض امراض الاسنان .. حتى اذا ما عولجت وشفيت عادت الرؤية
الى العين من جديد ، ولعل ذلك اصبح من الامور المتسالم عليها طبيا .. ولذا نرى في
كلماتهم :
التأكيد على هذه
العلاقة ، وان السواك يجلو البصر ، ويذهب بالدمعة ، ويذهب بغشاوة العين .. وغير
ذلك مما تقدم ..
ينبت الشعر :
وللاسنان علاقة وثيقة ايضا بشعر الانسان
.. وقد لوحظ كثيرا : ان بعض المبتلين ببعض أمراض الاسنان يتساقط الشعر المسامت
للاسنان المريضة عندهم .. حتى اذا ما عولجت اسنانهم وشفيت ، فان ذلك الشعر يعود
الى النمو من جديد .. وهذا ما يجعلنا ندرك بسهولة : ان السواك الذي يؤثر في سلامة
الاسنان ، فانه يؤثر ايضا في انبات الشعر ، حسبما ورد في الرواية ..
علاقة السواك بالحالة النفسية والعقلية وغيرها ..
وكذلك .. فانه مما لاشك فيه : ان تنظيف
اي عضو من اعضاء الانسان ، وخصوصا الفم .. يكون من اسباب بعث الحيوية والنشاط في
مختلف اجهزة الجسم الاخرى ، حتى الجهاز التناسلي منها ـ ومن اسباب بعث السرور
والابتهاج في نفسه .. واذا كان الانسان مرتاحا نفسيا ، ويتمتع بالحيوية والنشاط
الجسدي ، فان ذلك ينعكس بطبيعة الحال على نشاطه الفكري والعقلي .. حتى لقد قيل :
العقل السليم في الجسم السليم ..
بل اننا نستطيع : ان نؤكد على علاقة
الاسنان بسلامة الانسان النفسية. ومن هنا .. فاننا نلاحظ : ان ظهور ما يسمى بـ «
ضرس العقل » يصحبه في احيان كثيرة بعض الاختلالات النفسية لدى الانسان ، كما
يقولون .. وذلك يؤكد على انه ليس من المجازفة في القول : التأكيد على ان السواك له
تأثير مباشر في الصفاء النفسي للانسان ، ويذهب بكثير من الوساوس والهواجس التي قد
تنتابه ..
بل هو يؤثر في اذهاب حالات الغم والهم
التي قد تنتاب الانسان ايضا ، ولايعرف
لها سبباً قريبا
معقولا .. مع انها قد تكون ناشئة عن موبوئية الفم والاسنان احياناً كثيرة .. حتى
اذا ما نظفت ذهبت هذه الحالة عنه ، ليحل محلها حالة من الفرح والحيوية والنشاط ..
واذا ما عرفنا : ان الهم والغم من الاسباب
الرئيسة للنسيان ؛ وعدم التمكن من الحفظ بسبب اختلال الحال ، واشتغال البال ، وعدم
القدرة على التركيز على نقطة معينة ..
وعرفنا : ان النشوة وصفاء الفكر من
اسباب سرعة الحفظ ، وزيادة قوة الحافظة .. اننا اذا عرفنا ذلك .. فاننا ندرك مدى
علاقة السواك بحافظة الانسان ، ومدى تأثيره في اذهاب حالة النسيان من الانسان ..
ومما ذكرنا نعرف : كيف ان السواك ـ على
حد قولهم : يذهب بالغم
والنسيان ، ويزيد في الحفظ والعقل. ويشهى الطعام ، ومن اسباب النشاط والنشوة او
النشرة
ويزيد الرجل فصاحة ، ويذهب بوسوسة الصدر ، ويوجب شدة الفهم الى غير ذلك مما ورد في
الروايات عن اهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
آثار موبوئية الفم ..
وبما ان للاسنان علاقة بجميع اجهزة
الجسم الاخرى .. ويؤثر صحتها ومرضها وقوتها في مرض وصحة وقوة تلك الاجهزة .. فان
من الطبيعي ان يكون ذلك حافزا ودافعا للانسان ليحافظ على اسنانه ، ويهتم بصحتها ،
لانه يكون قد حافظ على سائر اجهزة جسمه تقريباً ..
ويقول علماء الطب :
__________________
ان الجراثيم والميكروبات المتكونة في
تجاويف الاسنان من فضلات الطعام المتخلفة فيها ، والوافدة من الفم الى المعدة ، هي
السبب في عسر الهضم ، وحزة المعدة ، او حموضتها. وهي السبب ايضا في بعض امراض
الكلى والرئتين ..
وقد تصل هذا الجراثيم الى اللوزتين ،
وتؤثر ايضا على الانف ، بحيث توجب التهابات في الجيوب الانفية ..
بل ان امراض الاسنان الناشئة من عدم
تنظيفها وتعقيمها قد توجب التهابات في الاذنين ، وتكون هي السبب في بعض امراض
العينين ـ وذلك لاتصال كل من العين والاذن بالاسنان عن طريق الاعصاب.
كما ان بعض امراض الفم قد تؤثر في
روماتيزم المفاصل ، وتزيد من اعباء الكبد. بل ان اسنان المريض هي اول ما يلفت نظر
الطبيب في معالجته المريض بالسل ، واسقام عديدة اخرى ..
هذا .. ويتكون من تخمر فضلات الطعام في
الفم حامض : « الكتيك » الذي يؤثر في الطبقة الخارجية لتاج السن فيذيبها ويفقدها
نعومتها ، ويجعلها خشنة الملمس .. الامر الذي يساعد على تخلف مزيد من الفضلات ،
وليتكون من ثم المزيد من الجراثيم .. ومن ثم الى مواجهة كثير من المتاعب.
كما ان هذه الاحماض المشار اليها .. هي
في الحقيقة من اسباب تسوس الاسنان ، ومن ثم فقدانها لصلاحيتها ، حيث يكون لا بد من
التخلص منها ..
كما ان غازات الفم الكريهة قد تنفذ الى
مجرى الدم ، وتفتك ـ من ثم ـ بالجسم كله ..
وهذه الغازات التي تنشأ في الغالب من
تخمر فضلات الطعام المتبقية في تجاويف الاسنان ، التي لا تلبث ان تتعفن ، وتصبح
ذات رائحة كريهة جدا ، يشعر بها كل من يحاول تنظيف اسنانه بعد اهماله لها مدة من
الزمن .. ثم تتحول شيئاً فشيئاً الى ميكروبات وجراثيم تعد بالملايين ، ويتسبب عنها
الكثير من امراض الفم ،
وتفد ـ كما قلنا ـ
مع الطعام الى المعدة ، ولتسبب للانسان من ثم ـ الكثير من المتاعب والاخطار ..
يضاف الى ذلك كله : ان تلك الفضلات قد
تسبب قروحا في اللثة ، ومع كون الجراثيم حاضرة وجاهزة ، فانها تعمد الى الفتك
باللثة عن طريق تلك القروح ، واذا ما ادت تلك القروح الى كشف عنق السن ، فلسوف
ينتج عن ذلك ضعف ذلك السن وخلخلته. وليصبح من ثم عديم الفائدة ومستحقا للقلع .
السواك .. هو المنقذ :
وهكذا .. فان النتيجة بعد ذلك تكون : هي
، انه لا بد للفم من منظف اولا ، ومعقم ومطهر له ثانيا ، يقتل هذه الجراثيم التي
فيه ، ويزيلها ، ويمنع من حدوث اخرى مكانها ..
وقد قرر الشارع : ان هذا المنظف والمطهر
والمعقم هو السواك ، الذي يكون في نفس الوقت علاجا ، كما هو عملية وقائية من كثير
من الامراض ، التي يمكن ان يتعرض لها الانسان نتيجة لموبوئية الاسنان ، ومنها
امراض المعدة ، حيث ان السواك « يصح المعدة » كما تقدم ، هذا عدا عن الاثار
الكثيرة التي اشرنا وسنشير اليها ان شاء الله تعالى .. كما ويلاحظ : انه قد اعتبره
مطهراً ومعقما للفم كله ، لا لخصوص الاسنان وحسب .. ولكن شرط ان يستعمل على النحو
الذي يريده الشارع ، وفي الاوقات والوسائل التي قررها ..
ومن هنا ، فاننا نعرف الحكمة في قولهم : عن السواك : انه طهور للفم ، ومنظف له
، وانه يدفع عن الانسان السقم ، ويذهب اوجاع الاضراس .. الى غير ذلك مما تقدم ،
وسيأتي ان شاء الله تعالى ..
__________________
السواك يشهي الطعام :
كما ان من الواضح : ان موبوئية الفم ،
وكثرة الجراثيم فيه تقلل من اشتهاء الانسان للطعام ، وميله اليه ، ولاسيما اذا كان
ثمة عسر هضم ، او حزة او حموضة في المعدة ..
بل ان من الامور الثابتة علميا : ان
تنظيف الاسنان يدفع الانسان الى الطعام ، ويزيد من الكميات التي يتناولها منه الى
حد ملفت للنظر .. وهذا بالذات ما يفسر لنا ماورد عنهم : ، من ان السواك يشهي الطعام ويمريه ..
عذوبة الفم .. والفصاحة ..
واذا كان الاستياك يوجب عذوبة الفم ،
ونقاوة اللعاب ، ويشد اللثة ويقويها ويحافظ على الاسنان ، ويوجب تقوية عضلات الفم
، الى آخر ما تقدم .. فان من الطبيعي ان يكون من اسباب زيادة الرجل فصاحة ، حيث
تصير عضلات الفم اكثر قدرة على الحركة ، واكثر تحكما بالنبرات الصوتية ، واكثر
نشاطا ، ودقة في ادائها لوظيفتها ..
السواك بالقصب والريحان وغيرهما :
ومع اننا قد اطلنا الكلام نسبيا في
موضوع السواك .. الا ان تشعب هذا الموضوع ، واختلاف مناحيه واطرافه هو الذي فرض
علينا ذلك ، مع اعترافنا بالعجز والقصور عن ادراك الكثير مما يرمي اليه النبي
والائمة صلوات الله وسلامه عليهم ، او يشيرون اليه ..
ولذا .. فاننا لانجد محيصا عن الالمامة
السريعة فيما يتعلق بأحوال وكيفيات السواك واوقاته كذلك .. فنقول :
ان من الواضح : ان مجرد اخراج الفضلات
من تجاويف الاسنان ، وان كان في حد ذاته مفيداً .. الا انه اذا كان بطريقة غير
صالحة ، فلربما تنشأ عنه اضرار تفوق ما يمكن ان يجلبه من منافع ..
وهذا .. ما يبرز الحاجة الملحة لتوخى
الطريقة الاصلح والفضلى التي تؤدى المهمة المنشودة على اكمل وجه ، وتتلافى معها
جميع المضاعفات والاضرار المحتملة ..
وبديهي ان اخراج الفضلات من تجاويف
الاسنان بواسطة آلة صلبة ، كدبوس او ابرة ، او اي آلة معدنية اخرى .. لما يتسبب
منه جرح الجدار الصلب الذي يغلف تاج السن .. كما انه قد يؤدي الى جرح النسيج
اللثوي ، الامر الذي ينتج عنه تعرض الاسنان للنخر ، واللثة للالتهابات ، بفعل تلك
الجراثيم التي تتواجد في الفم ، والتي ربما تعد بالملايين.
واذن .. فلا بد وان يكون السواك والخلال
بوسيلة لا صلابة فيها ، يؤمن معها من جرح الجدار الصلب لتاج السن ، وجرح النسيج
اللثوي ايضا ..
ولاجل ذلك .. فقد منع الاسلام عن السواك
والخلال بالقصب وعود الرمان لان ذلك قد يجرح النسيج اللثوي ، ويؤثر في تاج السن
ايضا ..
كما انه قد منع عن عود الريحان .. ولعل
ذلك يرجع الى انه يحتوي على بعض المواد المضرة بالاسنان وفي اللثة على حد سواء ..
ومما يدل على المنع عن السواك بغير
الاراك والزيتون.
ما روى عن النبي (ص) من انه نهى ان
يتخلل بالقصب ، وان يستاك به
..
وعنه (ص) : انه نهى عن السواك بالقصب ،
والريحان ، والرمان
السواك بالاراك ، ونحوه :
وقد أمر الاسلام بالسواك بعود الاراك
وحث عليه ، وما ذلك الا لان النسيج
__________________
الداخلي لعود الاراك
بعد ملاقاته للماء او اللعاب يتخذ حالة ملائمة جدا لعملية السواك ، حيث انه يصير
مرنا ، وناعما وطريا ، يشبه الفرشاة المستعملة في هذا الايام الى حد بعيد ، فلا
يتعرض معه جدار السن ، ولا النسيج اللثوي الى اية حالة يمكن ان ينتج عنه ضرر مهما
كان .. كما ان عود الزيتون يؤدي نفس هذه المهمة ايضا على ما يبدو ..
نعم .. لم يأمر الاسلام باتخاذ فرشاة ،
ولا ارشد الى صنع معاجين من مواد معينة ، ومعقمة ومطهرة للفم ، ومضادة الى حد ما
للجراثيم .. على النحو الشائع في هذه الايام .. اذ لم يكن في ذلك الزمان معاجين ،
ولا كان يخطر في بالهم ، او يمر في مخيلتهم ان يحتاج تنظيف الاسنان الى مواد
كيمياوية من نوع معين .. ولو انه (ص) اراد ان يرشدهم الى صنع فرشاة او تركيب
معاجين كيمياوية لهذا الغرض لوجد انه سيتعرض لنسب واباطيل لايرضى احد ان يتعرض لها
..
ولكنه (ص) امرهم باتخاذ عود الاراك ، او
عود الزيتون مسواكا ، وذكر له في الروايات منافع هامة ، ثم اكد الائمة بعده على
ذلك ..
فقد روى : عن الباقر 7 : ان الكعبة شكت الى الله عز وجل ما تلقى
من انفاس المشركين ، فأوحى الله تعالى اليها : قرى كعبة ، فاني مبدلك بهم قوما
يتنظفون بقضبان الشجر ، فلما بعث الله محمداً ، اوحى الله اليه مع جبرئيل بالسواك
والخلال .. وهو مروى بعدة طرق ..
وعن النبي (ص) : أنه كان يستاك بالاراك
، أمره بذلك جبرئيل
وفي ما كتبه الرضا 7 للمأمون : « واعلم يا امير المؤمنين :
ان اجود ما استكت به ليف الاراك ؛ فانه يجلوا الاسنان ، ويطيب النكهة ، ويشد اللثة
،
__________________
ويسمنها. وهو نافع
من الحفر ، اذا كان باعتدال. والاكثار منه يرق الاسنان ، ويزعزعها ، ويضعف اصولها ».
وبالنسبة للسواك بالزيتون فقد روى عن
النبي (ص) : انه قال : نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة ، يطيب الفم ، ويذهب
بالحفر ، وهي سواكي ، وسواك الانبياء قبلي .
اما بالنسبة لعود الزيتون الذي لم نجده
الا في هذا النص الاخير ، فلا نملك معلومات يقينية عنه يمكن الاعتماد عليها ..
وما يهمنا هنا هو الكلام عن عود الاراك
.. فاننا اذا لاحظنا ما في عود الاراك من المنافع فلسوف ندرك : انه ليس من اللازم
، بل ولا من الراجح العدول عنه الى الفرشاة ، ولا الى المعاجين التي يدعى انها
تساعد على التنظيف ، والتعقيم والتطهير ، بل لا بد من الاقتصار على عود الاراك ،
حيث قد اثبتت المختبرات الحديثة افضليته على الفرشاة. حيث ان « للادراك رائحة طيبة
، لعابية ، وفيه مواد تبيض الاسنان
» وقال وجدي : « وله فائدة بالنسبة الى الاسنان وهي صلاحية اغصانه للاستياك بها.
وفيها من حسن النكهة ، وتمام الاستعداد لاستخراج فضلات الاغذية من بين الاسنان ما
يجعل استعماله افضل من الفرشة
».
نعم .. و « قد وجد احد معامل الادوية في
المانيا مادة خاصة في المسواك المأخوذ من شجر الاراك ، تكسب الاسنان مناعة على
النخر ، شبيهة بمادة « الفلور » ، وقاتلة للجراثيم.
ولوحظ : ان نسبة نخر الاسنان لدى الذين
يستعملون المسواك اقل بكثير
__________________
من الذين يستعملون
فرشاة الاسنان. وما زال هذا المعمل يواصل بحوثه وتحرياته ، ويحاول الاستفادة من
هذه المادة ، واضافتها الى معاجين الاسنان » .
أما الفرشاة ، فليس فيها هذه المادة
القاتلة للجراثيم ، ولهذا ينصح الاطباء بوضعها في الماء والملح بعد تنظيف الاسنان
بها ، ليقضى بواسطة ذلك على الجراثيم العالقة ، او التي ربما سوف تعلق بها ، وحتى
لا تعود تلك الميكروبات للفم مرة ثانية ..
أما عود الاراك ، فان كل ما علق او يعلق
به ، فانه يقضى عليه تلقائيا بواسطة تلك المادة الموجودة فيه من دون حاجة الى جعله
في الماء والملح ، او غير ذلك .. هذا .. اذا استطاع الماء والملح ان يقضى على جميع
انواع المكروبات ، ومن اين له ذلك وانى ، فان ذلك مما لم يثبت حتى الان ..
السواك عرضا .. لا طولا :
ثم ان لكيفية السواك مدخل في التنظيف
الكامل وعدمه ، اذا انه مرة يمر المسواك على الاسنان امرارا ظاهريا .. وهذا لا
يكفي ـ بطبيعة الحال ـ في الوصول الى الغاية التي شرع من اجلها السواك.
ومرة يصل المسواك الى جميع تجاويف
الاسنان ، ويخرج الفضلات منها .. وهذا هو المطلوب .. لانك اذا دعكت الاسنان بالمسواك
صعودا ونزولا ، فلسوف تدخل شعب المسواك الى جميع التجاويف ، والفجوات ، والخلايا
.. حتى لا يبقى اي شيء من الفضلات يمكن ان يسبب ضررا على الاسنان ، او على اي من
اجهزة الجسم الاخرى .. وقد ورد الامر من الائمة :
بهذه الطريقة قبل اربعة عشر قرنا ، ولم يتنبه لها علماء الطب الا في هذه السنوات
المتأخرة ، وبدؤا ينصحون باتباعها ..
وعلى كل حال .. فقد ورد عن النبي (ص)
قوله : استاكوا عرضا ، ولاتستاكوا طولا
..
__________________
وعن النبي (ص) : اكتحلوا وتراً ،
واستاكوا عرضاً
.. وكان (ص) اذا اذا استاك استاك عرضا .
وكان امير المؤمنين 7
« يستاك عرضا ، ويأكل هرثا » .
المضمضة بعد السواك :
الا ان من الواضح : ان مجرد اجراء عملية
السواك هذه ، لا يكفى في اخراج الفضلات من الفم ، وتنظيفه وتطهيره .. مع ان هذه هو
احد الاهداف الهامة من عملية السواك ، كما صرحت به الروايات الكثيرة ..
بل لا بد من القيام بعملية اخرى لاخراج
هذه الفضلات من الفم ؛ وليكون الفم من ثم نظيفا ، طاهرا ، طيب الرائحة الخ ..
وقد بين لنا ائمة اهل البيت : هذه الطريقة ، فحكموا بلزوم المضمضة
بعد السواك ، واذا كان ذلك الغرض لا يحصل من المضمضة مرة واحدة ، فقد ورد الامر
بالمضمضة ثلاث مرات بعده.
فعن الصادق 7 : من استاك فليتمضمض ..
وجاء في رواية اخرى لمعلى بن خنيس عن
السواك بعد الوضوء ، قال 7
: « يستاك ، ثم يتمضمض ثلاث مرات
».
__________________
ادنى السواك :
ونلاحظ : ان اهتمام الاسلام بالسواك قد
بلغ حدا لربما يصعب تفسيره على الكثيرين ، او ادراك معطياته بشكل كاف .. حتى لنجده
يكتفى من السواك بالدلك بالاصبع ، فعن النبي (ص) : التسوّك او التشويص بالابهام
والمسبحة عند الوضوء سواك
.. وعنهم : : ادنى
السواك ان تدلكه باصبعك
.. بل لقد اكتفى فيه بالمرة الواحدة كل ثلاث ، فعن الباقر 7 : لا تدعه في كل ثلاث ، ولو ان تمره
مرة واحدة .
وهذا تعبير صادق عن مدى اهتمامهم : بالسواك ، كما انه يوحى بما للسواك من
عظيم الفائدة ، وجليل الاثر. ، فان الدلك بالاصبع ، وان لم يكن محققا للغاية
المرجوة بتمامها ، الا ان الميسور لا يترك بالمعسور ، اذ ان الدلك بالاصبع مفيد
على الاقل في تقوية اللثة ، وتحريك عضلاتها .. كما انه يتهك الاغشية التي ربما
تغلف الاسنان واللثة ، وتستبطن معها الكثير من الفضلات التي يمكن ان تكون مسرحا
لكثير من الجراثيم والميكروبات ، التي تنشأ عن تخمر الفضلات ـ الامر الذي يؤثر ولو
جزئيا في محدودية فعالية تلك الجراثيم على الاقل .. وهذا بالذات ما يفسر لنا قولهم
: : لا تدعه
في كل ثلاث ، ولو ان تمره مرة واحدة ، كما هو ظاهر لا يخفى.
__________________
السواك بماء الورد :
نعم .. ومن اجل ان تطيب رائحة الفم اكثر
، لان السواك مطيبة للفم ايضا ، نجد : ان الحسن 7
كان يستاك بماء الورد .
السواك في الحمام :
هذا .. ولعل من الامور الذي لا تحتاج
الى بيان : ان السواك في الحمام غير صحي ، لان السواك عبارة عن تنظيف الخلايا
والفجوات من الفضلات ، فاذا تعرضت تلك الخلايا والفجوات لجو الحمام المزدحم
بالميكروبات ، فلسوف تتعرض لغزو عنيف منها. ولن يمكن التخلص منها بعد بسهولة ويسر
، لا سيما وانه وهو في ذلك الجو كلما اخرج منها فوجا استقر في مكانه فوج آخر ،
واتخذ مواقعه ..
نعم .. ولايوجد ثمة اي شيء يحجزها عن
الوصول الا الامكنة الحساسة ، لمباشرة اعمالها التخريبية رأسا ..
اما في غير جو الحمام ، فان اللعاب
يمنعها الى حد ما من الوصول بهذه السرعة الى الامكنة الحساسة ، وذلك بسبب تغطيته
لها ولزوجته ، التي يحتاج اختراقها من قبل الجراثيم الى بعض الوقت ، مضافا الى
تبدل اللعاب وتغيره باستمرار ، ولو بقى منها شيء مع هذا التبدل ، فان النوبة
الثانية لاستعمال السواك تكون قد ازفت .. وأما اثناء السواك في الحمام ، فان
اللعاب لا يصل الى المناطق التي عليها المسواك ، بل تبقى مكشوفة معرضة للعطب بأسرع
ما يكون .. هذا .. مع ملاحظة ان جو الحمام يكون اغنى بهذه الميكروبات ، وتكون اكثر
حيوية فيه ..
وهذا .. ما يفسر لنا ما ورد عن ابي عبد
الله 7 في حديث :
واياك والسواك
__________________
في الحمام ، فانه
يورث وباء الاسنان .. وفي معناه عدة روايات اخر .
السواك على الخلاء :
ونفس ما تقدم ـ تقريبا ـ يأتي بالنسبة
الى السواك على الخلاء ، فان نفس تلك الرائحة الكريهة عبارة عن جراثيم وميكروبات
.. فاذا ما وصلت الى الفم ، واستقرت فيه ، ولا سيما في المناطق الحساسة والمكشوفة
نسبيا ، وتناسلت وتكاثرت ، فان النّفس يبدأ بقذف الزائد منها الى الخارج ، فتلتقطه
حواس الشم لدى الآخرين .. الامر الذي ينشأ عنه شدة تنفرهم وانزعاجهم منه .. ومن
هنا .. نجدهم 7
ينهون عن السواك على الخلاء.
فعن الصادق 7 في حديث. والسواك في الخلا يورث البخر .
وعنه 7
: السواك على المقعد يورث البخر .
اوقات السواك ، والسواك للصائم :
قد تقدم ما يدل على استحباب السواك عند
كل وضوء ، وعند كل صلاة .. واذا اراد ان ينام ويأخذ مضجعه ، ووقت السحر ، وفي كل
مرة قام من نومه ، وحين طلوع الشمس ووالخ ..
__________________
أما الصائم فانه يستاك اي النهار شاء. وكان علي يستاك في اول النهار وفي آخره
، في شهر رمضان .
ولكن لم يرجع له الاستياك بسواك رطب ايضا
.. ولعل ذلك من اجل ان لا يجعل الصائم في حرج من جهة صومه ، مع الحرص على القيام
بعملية السواك حتى في حال الصوم ..
ونحن نشير هنا الى :
ان وفود الجراثيم الى الفم لا ينحصر في
تخمر فضلات الطعام فيه ، لان من الممكن ان تصل الى الفم عن طريق ملامسة بعض
الاجسام الاخرى غير الطعام .. بل ومن الطعام نفسه اذا كان ملوثا بما هو خارج عنه
.. كما ان من الممكن ان تتوافد الى الفم عن طريق الهواء غير النقي ، الذي يصل الى
الفم ، والى غيره من اجهزة الجسم عن طريق التنفس.
ولاجل هذا .. فقد اختلفت الميكروبات
التي يعاني منها الفم وتنوعت ، ولا يضاهيه في اختلافها وتنوعها اي عضو آخر في
الانسان على الاطلاق .. وهو اكثر الاعضاء قابلية لاسقبالها ، وهو المكان الامثل
لنموها وتكاثرها .. لان اللعاب الذي يتدفق باستمرار ـ وان كان في حالة سلامة الجسم
ـ يمكنه ان يقضى على
كثير من انواع
الميكروبات ـ
الا انه في غير هذه الحالة يمثل الدرع الواقي والغطاء الطبيعي لها ، الذي يمكنه ان
يحميها من كثير من العوارض .. بل انه يمثل الغذاء لها لو حرمت الغذاء .. واذا
لاحظنا مدى حساسية هذا العضو ـ الفم ـ بالنسبة لسائر اجهزة الجسم الاخرى .. فاننا
نعرف السر في تجويز الاستياك للصائم .. وفي دعوة الاسلام للاستياك في الاوقات
المختلفة المتقدم ذكرها ..
اضف الى ذلك : ان بقاء محيط الفم لعدة
ساعات في حالة هدوء معناه : انه اذا كان فيه شيء من الفضلات المتبقية فان التخمير
يتم فيه بيسر وسهولة حينئذ ، كما انه لو كانت بعض الجراثيم متخلفة في الفم فانها
تستطيع مهما كانت ضئيلة ومحدودة ان تقوم بنشاط واسع من دون وجود اي وازع او رادع.
فاذا استاك قبل النوم فانه يقضى بذلك
على كل ذلك ، ولا يبقى ثمة فرصة لنشاط الجراثيم ، ولا لتخمر الفضلات ..
كما ان السواك بعد النوم يقضى على
الجراثيم الوافدة الى الفم عن طريق التنفس وغيره. ويقول البعض : « ان تدفق اللعاب
باستمرار في الفم عامل مهم في منع اصابة الاسنان بالتسوس والخراب ، لان اللعاب
يؤثر في تنظيفها ميكانيكيا ، وحيث انه يقل تدفق اللعاب ليلا ، فان قابلية الاسنان
للتعرض للخراب تزيد طبعا ، وهذا ما يؤكد الحاجة للسواك بعد النوم كما قلنا » .. كما ان السواك يقضى على الميكروبات
التي يمكن ان تكون قد نشطت اثناء النوم ، وعلى بعض الفضلات لو فرض تخلفها في
تجاويف الفم ، فيما لو كان السواك قبل النوم غير فعال ، بسبب التقصير في الاستقصاء
فيه .. نعم .. ولعل ما ذكرناه يلقى بعض الضوء على ما تقدم من قولهم 7 :
__________________
لو علم الناس ما في
السواك لاباتوه معهم في لحاف .. وهذا ما يؤكد لنا عظمة الاسلام ، وانسجامه مع
الحاجات الطبيعية ، التي تكتنف وجود هذا الكائن ، وتهيمن عليه ..
جرح اللثة ..
ويلاحظ هنا : ان جرح اللثة بالسواك ثم
تعفنها غير وارد هنا بالنسبة للانسان السليم .. وذلك لان الفم يتمتع بمناعة خاصة
ضد تعفن جراحة الفم ، ولعل هذا هو السر في اعتبار الاسلام الفم طاهرا ، مطهرا ،
بحيث لو ظهر فيه دم فانه يطهر بنفسه بمجرد ذهاب آثاره .. كما ان اللعاب نفسه قاتل
للميكروب لدى الرجال الاصحاء ، كما قدمنا .
ولكن ذلك لايعنى عدم تولد ملايين
الجراثيم في الفم بفعل التخمر الذي تغلفه اغشية تمنع من تأثير اللعاب في مكافحتها
عادة .. كما اشرنا اليه من قبل ..
المساويك المختلفة :
هذا .. ونجد : ان الرضا 7 يستاك في كل مرة بأكثر من مسواك واحد ،
ولعله لاجل ان يتلافي ما يمكن ان يعلق بكل واحد منها اثناء عملية السواك هذه ، ثم
يمضغ الكندر بعد سواكه ..
فقد ورد : ان الرضا 7 كان اذا صلى الفجر جلس في مصلاه الى ان
تطلع الشمس. ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحدا بعد واحد ، ثم يؤتى
بكندر فيمضغه الخ.
ولعل مضغه للكندر بهدف تطييب رائحة فمه ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه
اجمعين ..
__________________
السواك : والتلوثات الخارجية :
لقد ورد عن الصادق 7 : ان رسول الله (ص) كان اذا صلى العشاء
الآخرة امر بوضوئه وسواكه ، فيوضع عند رأسه مخمرا ، فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم ،
فيستاك الخ .
كما .. وتقدم : ان الرضا 7 كان وهو بخراسان اذا صلى الفجر جلس في
مصلاه الى ان تطلع الشمس ، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحدا بعد
واحد ، ثم يؤتى بكندر الخ ..
وهذا يعكس رغبة النبي (ص) والامام 7 بالمحافطة على المساويك ، ولو بجعلها
في خريطة ، او الاحتفاظ بها مغطاة الى وقت الحاجة .. حتى لا يصل اليها اي من انواع
الجراثيم من اي سبب كان ، حتى من الهواء ، فضلا عن ملامسة اي شيء آخر لها .. وهذا
هو منتهى المداقة في المحافظة على سلامة البدن .. ولا سيما اذا لاحظنا : ان الرضا 7 نفسه يجعل لكل صلاة مسواكا خاصا بها ،
من اجل ان لا يبقى في المسواك حين استعماله للمرة الثانية اي اثر للرطوبة من
العملية السابقة ، لان الرطوبة يمكن ان تنسجم مع حياة بعض الجراثيم التي ربما تعلق
بها ، ويكون
اللعاب حاجزاً من تأثير المواد التي في المسواك في اهلاكها وابادتها ..
استحباب الوضوء للطعام :
هذا .. وقد ورد في الاحاديث ما يفيد
استحباب الوضوء قبل الطعام ، وقد تقدم : ان السواك مستحب عند كل وضوء ، وهذا يعني
ان السواك سيسبق الطعام ووضوءه ،
__________________
واذن فلا مجال بعد
لتلوث الطعام ، ثم وروده الى المعدة مصاحبا للجراثيم ، فيضر بها كما تقدم. اما
السواك بعد الطعام ، فقد استغنى الاسلام عن النص عليه بسبب تشريعه السواك في فترات
كثيرة ، طيلة اليوم والليل ، بحيث يصير تخمر الفضلات امرا غير معقول ولا ممكن ..
الخلال بعد الطعام :
وكثيرا ما لا تخرج بعض الفضلات المتخلفة
في تجاويف الاسنان بالمضمضة بل ربما يعسر اخراجها بواسطة السواك ايضا .. فتمس
الحاجة الى استعمال وسيلة اخرى لاستكراه تلك الفضلات على الخروج ، حتى لا تتحول
بفعل التخمير الى مناطق موبوءة ، تضج بالجراثيم ، وتؤثر في التهابات اللثة ، وخراب
الاسنان وغير ذلك من اعراض تقدمت الاشارة اليها في بحث السواك .. وقد ورد الامر
بالخلال في الاسلام بانحاء مختلفة .. كما وبين النبي (ص) والائمة : ما يترتب عليه من الفوائد ، بالاضافة
الى ذكر الوسائل التي لا يصح استعمالها في هذا المجال .. الى غير ذلك مما سيتضح من
النصوص التالية.
ولسوف لن نصغى الى اولئك الذي يقولون :
ان الخلال يهيىء الفرصة للابتلاء بالتهابات اللثة وتقيحها ، وخراج السن الموجب
لقلعه .. فان
الخلال الموجب لذلك هو خصوص الخلال العنيف الذي تستعمل فيه الوسائل الحادة التي
تجرح اللثة وجدار السن ، الامر الذي ينشأ عنه ما ذكر .. وقد نبه النبي (ص) والائمة
: لهذه الجهة
، وارشدوا الى ما يمنع من ظهورها ، وسنرى .. حين الكلام على وسائل الخلال بعض ما
ورد عنهم في ذلك ..
كما انه مع تعدد عملية الخلال والسواك
والمضمضة يوميا ، فانه لاتبقى فرصة لظهور مرض كهذا على الاطلاق .
__________________
الخلال في الاعتبار الشرعي :
عن النبي (ص) : رحم الله المتخللين من
امتي في الوضوء والطعام
وعنه (ص) : حبذا المتخلل من امتي .
عن ابي الحسن 7 عنه (ص) : رحم الله المتخللين. قيل :
يا رسول الله ، وما المتخللون؟ قال : يتخللون من الطعام ، فانه اذا بقى في الفم
شيء تغير فآذى الملك ريحه .
وليراجع ما عن سعد بن معاذ عنه (ص) .
وبمعناه عن الباقر 7 عنه (ص) ، وفيه ، فليس اثقل على ملكى
المؤمن من ان يريا شيئا من الطعام في فيه وهو قائم يصلي .
وعنه (ص) : والخلال يحببك الى الملائكة
، فان الملائكة تتأذى بريح من لا يتخلل بعد الطعام .
__________________
وعنه (ص) : نزل علي جبرئيل بالخلال .
وعن الصادق 7 : نزل جبرئيل بالسواك والخلال والحجامة
.
وقد تقدم نفس هذا المعنى حين الكلام على
السواك في حديث شكوى الكعبة الى الله ما تلقاه من انفاس المشركين فراجع ..
وعن الامام الكاظم 7 : ينادى مناد من السماء : اللهم بارك
في الخلالين والمتخللين .. الى ان قال : والذين يتخللون ، فان الخلال نزل به
جبرئيل مع اليمين والشهادة من السماء .
وقد جعل الخلال من العشرة اشياء التي هي
من الحنيفية ، التي انزلها الله على ابراهيم .
الى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه ..
التأسي برسول الله (ص) :
ونلاحظ هنا : ان الائمة : لم يكتفوا باثبات اهمية الخلال
بالاخبارات عن اهميته لدى الشارع ، حتى ان جبرئيل هو الذي نزل به .. بل تعدوا ذلك
، فوجهوا الناس نحو التأسي ، والاقتداء برسول الله (ص) ، فعن وهب بن عبد ربه ،
__________________
قال : رأيت ابا عبد
الله يتخلل ، فنظرت اليه : فقال : ان رسول الله (ص) كان يتخلل .
الحرج في ترك الخلال :
وبعد هذا .. فقد تعدى الامر ذلك الى
التلويح بما يترتب على ترك الخلال من عواقب سيئة ، فقد روى عن ابي عبد الله 7 ، انه قال : من اكل طعاما فليتخلل ،
ومن لم يفعل فعليه حرج .
الخلال للمحرم :
هذا .. وقد وردت الرخصة بالخلال للمحرم
، مع انه يحتمل ادماء اللثة فعن عمار بن موس ى ، عن ابي عبد الله 7 قال : سألته عن المحرم يتخلل؟ قال :
لابأس .
فوائد الخلال :
واما عن فوائد الخلال ، ومضار تركه ،
فيمكن ان نستخلصها من الروايات على النحو التالي :
١ ـ يطيب الفم.
٢ ـ مصحة ( او مصلحة ) للفم ، والنواجذ.
٣ ـ ينقى الفم.
٤ ـ مصحة ( او مصلحة ) للثة والنواجذ.
__________________
٥ ـ يجلب الرزق على العبد.
٦ ـ هو نظافة.
٧ ـ يذهب بالبادجنام ، وهو حمرة منكرة
على الوجه والاطراف ، كما سيأتي ..
٨ ـ يمنع من حدوث الروائح الكريهة في
الفم.
وقد وردت هذه الفوائد في العديد من
النصوص ، مثل ما روى عن الصادق 7
: من ان الخلال يطيب الفم .
وعن النبي (ص) : تخللو على اثر الطعام فانه مصحة للفم والنواجذ ، ويجلب الرزق على
العبد. وفي نص آخر : انه (ص) ناول جعفراً خلالا وامره بالتخلل ، معللا له ذلك بما
ذكر .
وعنه (ص) : تخللوا ، فانه من النظافة ،
والنظافة من الايمان ، والايمان مع صاحبه في الجنة . وقد تقدم : ان الكعبة شكت الى الله ما
تلقاه من انفاس المشركين ، فأوحى الله لها : انه مبدلها بهم قوما يتنظفون بقضبان
الشجر الخ ..
قال الشهيد ; : « والتخلل يصلح اللثة ، ويطيب الفم »
.
وروى ان النبي (ص) قال لعلي 7 : عليك بالخلال ، فانه يذهب بالبادجنام
الخ. قال المجلسي
: البادجنام : كانه معرب بادشنام. وهو على ما ذكره الحكماء
__________________
حمرة منكرة شبه حمرة
من يبتدىء به الجذام ، ويظهر على الوجه والاطراف ؛ خصوصا في الشتاء والبرد ، وربما
كان معه قروح ..
وفي رواية عنه (ص) : من استعمل الخشبتين
امن من عذاب الكلبتين .
ولسنا بحاجة الى التعليق على ما ذكر
للخلال من فوائد ، فقد تقدم في بحث السواك ما يوضح كثيرا مما ذكر هنا ، فلا حاجة
لاعادته ..
الا انه ما ذكر من انه يجلب الرزق ..
لعله ناظر الى انه إذا كان يوفر على العبد الكثير من المتاعب الجسدية ، بالاضافة
الى انه يفسح المجال امام الملائكة لان تقترب من العبد ، فانه ـ ولا شك ـ سيوفر
على العبد الكثير من النفقات ، كما انه يعطيه نشاطا ، بل وروحية جديدة يستحق معها
الالطاف الالهية ، والعنايات الربانية ، ومنها تهيئة موارد الرزق له ايضا.
وأما بالنسبة للحمرة المشار اليها فلم
نستطيع حتى الان ان نعرف السر في ذلك .. ولعل تقدم العلم الطبي في المستقبل يفسح
المجال للتعرف على الكثير من القضايا التي لا تزال رهن الابهام والغموض ان شاء
الله تعالى ..
لزوم لفظ ما يخرج بالخلال
هذا .. وقد ورد في الاحاديث الكثيرة
لزوم لفظ ما يخرج بواسطة الخلال من بين اضعاف الاسنان ، أما ما كان على اللثة ، او
في اللهوات والاشداق ، مما يتبع اللسان ، فقد رخص في اكله .
__________________
وما ورد : من انه لاحرج من بلع ما يخرج
بواسطة الخلال
فهو ناظر الى الحرج من حيث العقاب في الاخرة. أما الحرج والضرر الدنيوي فهو موجود
، ولهذا .. فقد امر بلفظ ما يخرج بالخلال في هذه الرواية بالذات ، فضلا عن غيرها
..
والسر في ذلك واضح ، فان ما يستكره
بالخلال مما يكون عالقا في تجاويف الاسنان يكون عرضة للتلوث بالجراثيم المتواجدة
في تلك الامكنة ، التي يصعب الوصول اليها على وسائل التنظيف ، ولربما لا تصل اليها
اطلاقا ..
اما ما كان في مقدم الفم ، او في
اللهوات والاشداق ، او حيث يمكن للسان ان يستخرجه حين يدار في جنبات الفم .. فانه
يكون في مواضع لا يمكن لشيء ان يستقر فيها ، وحيث يتدفق اللعاب باستمرار .. فلا
يكون ثمة اية فرصة لتخمرها وتكاثر اي نوع من انواع الجراثيم فيها.
هذا .. وقد ذكر الدكتور باك نجاد : ان
من يداوم على اكل ما يخرج بالخلال ، فانه يخشى عليه من قرحة الاثنى عشري والمعدة
.. ولذا فلا
يجب ان نعجب اذا رأينا رواية عن الامام الصادق 7
تقول : لا يزدردن احدكم ما يتخلل به ، فانه يكون منه الدبيلة .
والدبيلة : خراج ودمل كبير يظهر في
الجوف ، فتقتل صاحبها غالبا
وهو ما يعبر عنه الان بقرحة الاثنى عشري او المعدة ، كما هو معلوم ..
__________________
المضمضة بعد الخلال :
لقد روى المستغفري في طب النبي : تخللوا
على الطعام وتمضمضوا ، فانها مضجعة ( الصحيح : مصحة ) الناب والنواجذ . وعن الحسين 7 : كان امير المؤمنين يأمرنا : اذا
تخللنا ان لا نشرب الماء حتى نمضض ثلاثا .
وما ذلك الا لان التخلل وحده لا يكفي
لاخراج الفضلات من الفم .. وقد لا تخرج بتمامها في المرتين الاولى والثانية ،
فيحتاج الى الثالثة ، وذلك من اجل تفادي وفود الجراثيم الى المعدة ، الامر الذي
يتسبب بالكثير من المضاعفات السيئة حسبما قدمناه في بحث السواك ، فلا نعيد ..
وسائل لا يصح استعمالها في الخلال :
ونجد في الروايات المنع عن استعمال بعض
الوسائل في عملية الخلال ، وواضح ان المنع عن استعمال بعضها انما من اجل انها يمكن
ان تجرح اللثة ، واما البعض الآخر ، فيمكن ان يكون من اجل وجود مواد كيميائية
معينة يمكن ان تضر بصحة الانسان عموما .. ونشير في هذا المجال الى النصوص التالية
:
عن الرضا 7
: لا تخللوا بعود الرمان ، ولا بقضيب الريحان ، فانهما يحركان عرق الجذام. وفي نص
آخر : « الاكلة » .
وعن الدعائم وغيره : « ونهى (ص) عن
التخلل بالقصب ، والرمان ، والريحان
__________________
وقال : ان ذلك يحرك
عرق الجذام » ، او الاكلة .
وعن علي 7
: التخلل بالطرفاء يورث الفقر .
وقال الشهيد ; : يكره التخلل بقصب ، او عود ريحان ،
او آس ، او خوص ، او رمان .
وكان رسول الله (ص) يتخلل بكل ما اصاب
ما خلا الخوص والقصب .
وفي رواية : من تخلل بالقصب لم تقض له
حاجة سبعة ( او ستة ) ايام .
وعن الصادق 7 : لا تخللوا بالقصب ، فان كان ولا
محالة فلتنزع الليطة .
الليطة : قشر القصبة .
وعن الصادق 7 : نهى رسول الله ان يتخلل بالقصب
والريحان ( او : والرمان ) ، وزاد في اخرى : ( الاس ) ، وقال : « وهن يحركن عرق
الاكلة
».
المحافظة على اللثة :
لقد رأينا آنفاً : النهى عن التخلل
بالقصب ، فان كان ولا محالة ، فلتنزع الليطة. يعنى قشر القصبة ..
__________________
كما وروى عن الامام الكاظم 7 في حديث ـ : ثم اتى بالخلال فقلت : ما
حدّ هذا؟. قال : ان تكسر رأسه ، لانه يدمى اللثة .
الخلال للضيف :
واخيراً .. فقد لا يتمكن الضيف من تهيئة
الخلال المناسب ، ومن هنا .. فقد روى عن النبي (ص) : ان من حق الضيف ان يعد له
الخلال .
وقد حكم بعض الفقهاء باستحباب اعداده له
ايضا .
كلمة اخيرة هنا :
وهكذا .. يتضح اخيرا : ان السواك
والخلال يؤثران في مظهر الانسان ، وفي سلامته البدنية ، بل وحتى النفسية ،
والعقلية والروحية الى آخر ما تقدم .. فما احرانا : ان نلتزم به ، ونستفيد منه
الكثير مما عرفنا ، ومما لم نعرف بعد .. حيث ان ما ذكرناه وعرفناه يمكن ان يكون
بالنسبة لما لم نذكره ولم نعرفه بمثابة غيض من فيض .. كما انه ليس الا بمثابة خطوة
اولى على طريق التعرف على كافة الحقائق التي تربط بهذا الموضوع ، الذي هو واحد من
تلك التعاليم الاسلامية السامية الى اهملناها ، ولم نعد نلتفت اليها ، واصبحنا
نستوردها ـ فيما نستورد مهما كانت هزيلة وممسوخة ـ من اوربا وغيرها من مناطق
العالم ..
ولا يسعنا هنا الا ان نذكر بقوله تعالى
: ولو ان
اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ..
صدق الله العلي العظيم ..
کلمة
ختامينة
وأخيراً ... فانني أرجو أن اكون قد وفقت
لانجاز هذا العمل على النحو المرضى والمقبول .. وأن يجد القارىء فيه الملامح
الكافية لاظهار الصورة الحقيقية لهذا الموضوع ، من دون أي نقص أو تشويه ..
واذا ما وجد القارىء الكريم في ثنايا
هذا البحث بعض الهنات أو القصور ، فان رجائي الاكيد منه هو : أن يلتمس لي العذر ن
وأن ينبهني الى ذلك ، وله منى جزيل الشكر والتقدير ، وخالص المحبة والعرفان ..
وفي الختام .. فانني أسأل الله أن ينفع
بهذا الجهد المتواضع ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم .. ويجعل ثوابه لشهاداء الاسلام
الابرار ، لا سيما في ايران الاسلام والثورة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفهارس
١ ـ المصادر والمراجع.
٢ ـ فهرست اجمالي للكتاب.
٣ ـ محتويات الكتاب
بالتفضيل.
المصادر .. والمراجع
لقد اعتمدنا في هذا الكتاب
على المصادر الثالية :
القرآن الكريم
الف
١ ـ آداب
المتعلمين
|
|
للمحقق الطوسي
|
٢ ـ الارشاد
|
|
للمفيد
|
٣ ـ ارشاد الساري
|
|
للقسطلاني
|
٤ ـ الاستبصار
|
|
للطوسي
|
٥ ـ الاستيعاب
|
|
لابي عمر
|
٦ ـ أسد الغابة
|
|
لابن الاثير
|
٧ ـ الاشتقاق
|
|
لابن دريد
|
٨ ـ الاصابة
|
|
للعقسلاني
|
٩ ـ الاغاني
|
|
لابي الفرج
|
١٠ ـ الام
|
|
للشافعي
|
١١ ـ الامالي
|
|
للصدوق
|
١٢ ـ الامالي
|
|
للطوسي
|
١٣ ـ الامالي
|
|
للمرتضى
|
١٤ ـ الامالي
|
|
للمفيد
|
١٥ ـ الانوار النعمانية
|
|
للجزائري
|
١٦ ـ الاوائل
|
|
للعسكري
|
١٧ ـ اولين دانگاه وآخرين پيامبر
|
|
لپاد نجاد
|
باء
١٨ ـ البحار
|
|
للمجلسي
|
١٩ ـ البحر الزخار
|
|
لابن المرتضى
|
٢٠ ـ البخلاء
|
|
للجاحظ
|
٢١ ـ البيان والتبيين
|
|
للجاحظ
|
تاء
٢٢ ـ تاريخ الامم
والملوك
|
|
للطبري
|
٢٣ ـ تاريخ التمدن الاسلامي
|
|
لزيدان
|
٢٤ ـ تاريخ الحكماء
|
|
للقفطي
|
٢٥ ـ تارخ الخميس
|
|
للدياربكري
|
٢٦ ـ تاريخ الشعوب الاسلامية
|
|
لبرو كلمان
|
٢٧ ـ تاريخ طب در ايران
|
|
لنجم آبادي
|
٢٨ ـ تاريخ العلم
|
|
لسارتون
|
٢٩ ـ تاريخ مختصر الدول
|
|
لابن العبري
|
٣٠ ـ تاريخ
اليعقوبي
|
|
لابن واضح
|
٣١ ـ تحرير الوسيلة
|
|
للامام الخميني
|
٣٢ ـ تحف العقول
|
|
للحراني
|
٣٣ ـ التراتيب الادارية
|
|
للكتاني
|
٣٤ ـ التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية
|
|
لبدوي
|
٣٥ ـ الترغيب والترهيب
|
|
للمنذري
|
٣٦ ـ تلخيص المستدرك
|
|
للذهبي
|
٣٧ ـ تمدن اسلام وعرب
|
|
للوبون
|
٣٨ ـ التهذيب
|
|
للطوسي
|
٤٠ ـ التوحيد
|
|
للمفضل
|
٤١ ـ تيسير المطالب في امالي الامام ابي طالب
|
|
لابي طالب الزيدي
|
ثاء
٤٢ ـ ثواب الأعمال
وعقاب الأعمال
|
|
للصدوق
|
جيم
٤٣ ـ جامع الاخبار
|
|
لمحمد السبزواري
|
٤٤ ـ الجواهر
|
|
للنجفي
|
٤٥ ـ جواهر الاخبار والآثار
|
|
للصعدي
|
٤٦ ـ الجوهرة في تسب على وآله
|
|
للتلمساني البري
|
حاء
٤٧ ـ الحضارة
الاسلامية في القرن الرابع الهجري
|
|
لآدم متز
|
٤٨ ـ حياة الصحابة
|
|
للكاندهلوي
|
خاء
٤٩ ـ الخصال
|
|
للصدوق
|
٥٠ ـ الخطط
|
|
للمقريزي
|
دال
٥١ ـ دائرة معارف
القرن العشرين
|
|
لوجدي
|
راء
٥٢ ـ الرسالة
الذهبية
|
|
(المنسوبة ) للرضا
7
|
٥٣ ـ الروض الانف
|
|
للسهيلي
|
٥٤ ـ روضة الواعظين
|
|
للفتال النيسابوري
|
٥٥ ـ الرياض
|
|
للسيد علي
الطباطبائي
|
زاي
٥٦ ـ زاد المعاد
|
|
لابن قيم الجوزية
|
س
٥٧ ـ السرائر
|
|
لابن إدريس
|
٥٨ ـ سفينة البحار
|
|
للقمي
|
٥٩ ـ السنن
|
|
لابن ماجة
|
٦٠ ـ السنن
|
|
لابي داود
|
٦١ ـ السنن
|
|
للبيهقي
|
٦٢ ـ السنن
|
|
للترمذي
|
٦٣ ـ السنن
|
|
للدارمي
|
٦٤ ـ السنن
|
|
للنسائي
|
٦٥ ـ السيرة الحلبية
|
|
للحلبي
|
٦٦ ـ السيرة النبوية
|
|
لابن هشام
|
ش
٦٧ ـ شرايع
الاسلام
|
|
للمحقق الحلي
|
٦٨ ـ شرح النهج
|
|
للمعتزلي
|
صاد
٦٩ ـ الصحة
والحياة
|
|
للسمون
|
٧٠ ـ الصحيح
|
|
للبخاري
|
٧١ ـ الصحيح
|
|
لمسلم
|
٧٢ ـ الصحيح من سيرة النبي (ص)
|
|
للمؤلف
|
طاء
٧٣ ـ طب الائمة
|
|
لابني بسطام
|
٧٤ ـ طب الامام الصادق 7
|
|
للخليلي
|
٧٥ ـ الطب النبوي
|
|
لابن قيم الجوزية
|
٧٦ ـ طبقات الاطباء والحكماء ( فارسي )
|
|
لابن جلجل
|
٧٧ ـ الطبقات الكبرى
|
|
لابن سعد
|
(ع)
٧٨ ـ العبر وديوان
المتدا والخبر
|
|
لابن خلدون
|
٧٩ ـ العرة الوثقى
|
|
لليزدي
|
٨٠ ـ علل الشرايع
|
|
للصدوق
|
٨١ ـ العقد الفريد
|
|
لابن عبدربه
|
٨٢ ـ عيون أخبار الرضا
|
|
للصدوق
|
٨٣ ـ عيون الانباء في طبقات الاطباء
|
|
لابن أبي أصيبعة
|
( غ )
٨٤ ـ غرر الحكم
|
|
للامدي
|
٨٥ ـ الغيبة
|
|
للشيخ الطوسي
|
فاء
٨٦ ـ فتح الباري
|
|
للعسقلاني
|
٨٧ ـ الفتوحات الاسلامية
|
|
لدحلان
|
٨٨ ـ الفصول المهمة
|
|
للحر العاملي
|
٨٩ ـ فقه الرضا
|
|
للشلمغاني
|
٩٠ ـ الفهرست
|
|
لابن النديم
|
قاف
٩١ ـ قاموس الرجال
|
|
لللتستري
|
٩٢ ـ قرب الاسناد
|
|
للحميري
|
٩٣ ـ قصار الجمل
|
|
للمشكيني
|
٩٤ ـ قضاء امير المؤمنين 7
|
|
للتستري
|
كاف
٩٥ ـ الكافي
|
|
للكليني
|
٩٦ ـ الكامل
|
|
لابن الاثير
|
٩٧ ـ كتاب أبي الجعد
|
|
لابي الجعد
|
٩٨ ـ كشف الاستار
عن زوائد البزار
|
|
للهيثمي
|
٩٩ ـ كشف المحجة
|
|
لابن طاووس
|
١٠٠ ـ الكشكول
|
|
للشيخ البهائي
|
١٠١ ـ كمز العمال
|
|
للهندي
|
١٠٢ ـ كنز الفوائد
|
|
للكراجكي
|
لام
١٠٣ ـ لسان العرب
|
|
لابن منظور
|
١٠٤ ـ لسان الميزان
|
|
للعسقلاني
|
ميم
١٠٥ ـ مباني تكملة
المنهاج
|
|
للخوئي
|
١٠٦ ـ مجمع البيان
|
|
للطبري
|
١٠٧ ـ مجمع الزوائد
|
|
للهيثمي
|
١٠٨ ـ المحاسن
|
|
للبرقي
|
١٠٩ ـ محاضرة الاوائل
|
|
للبسنوي
|
١١٠ ـ محيط المحيط
|
|
للبستاني
|
١١١ ـ مختصر تاريخ العرب
|
|
لاميرعلي
|
١١٢ ـ مرآة الكمال
|
|
للمامقاني
|
١١٣ ـ مروج الذهب
|
|
للمسعودي
|
١١٤ ـ المسالك
|
|
للشهيد الثاني
|
١١٥ ـ المستدرك على الصحيحين
|
|
للحاكم
|
١١٦ ـ مستدرك الوسائل
|
|
للنورى
|
١١٧ ـ المسند
|
|
للحميدي
|
١١٨ ـ مسند أحمد
|
|
لابن حنبل
|
١١٩ ـ مشكاة الأنوار
|
|
للطبرسي
|
١٢٠ ـ مصابيح السنة
|
|
المبغوي
|
١٢١ ـ مصباح الشريعة
|
|
ينسب للصادق 7
|
١٢٢ ـ المصنف
|
|
لعبد الرزاق
|
١٢٣ ـ المعارف
|
|
لابن قتيبة
|
١٢٤ ـ معاني الاخبار
|
|
للصدوق
|
١٢٥ ـ معجم أدباء الاطباء
|
|
للخليلي
|
١٢٦ ـ معجم البلدان
|
|
للحموي
|
١٢٧ ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام
|
|
لاسعد علي
|
١٢٨ ـ مكارم الاخلاق
|
|
للطبرسي
|
١٢٩ ـ مناقب آل أبي طالب
|
|
لابن شهر آشوب
|
١٣٠ ـ من أمالي الامام الصادق
|
|
للخليلي
|
١٣١ ـ المنتظم
|
|
لابن الجوزي
|
١٣٢ ـ المنتقي
|
|
لابن تيمية
|
١٣٣ ـ من لا يحضره الفقيه
|
|
للصدوق
|
١٣٤ ـ المواعظ العددية
|
|
للمشكيني
|
١٣٥ ـ موجز تاريخ الشرق الادنى
|
|
لحتى
|
١٣٦ ـ الموطأ
|
|
لمالك
|
نون
١٣٧ ـ نسب قريش
|
|
لمصعب الزبيري
|
١٣٨ ـ النهاية
|
|
لابن الأثير
|
١٣٩ ـ النهاية
|
|
للشيخ الطوسي
|
١٤٠ ـ نهج البلاغة
|
|
جمع الرضى
|
١٤١ ـ نوادر الاصول
|
|
للحكيم الترمذي
|
هاء
واو
١٤٣ ـ الوسائل
|
|
للحر العاملي
|
١٤٤ ـ وفيات الاعيان
|
|
لابن خلكان
|
١٤٥ ـ الولاة والقضاء
|
|
للكندي
|
١٤٦ ـ ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة
|
|
للمؤلف
|
فهرست اجمالي للكتاب :
تقديم
|
|
٣
|
القسم الأول : تاريخ الطب
|
|
٥ ـ ٧٥
|
القسم الاول :
الطب قبل الاسلام
|
|
٨ ـ ٢٣
|
الفصل الثاني : الطب
في العهد الاسلامي
|
|
٢٧ ـ ٥٨
|
الفصل الثالث :
الطب كمظهر حضاري
|
|
٦١ ـ ٧٤
|
القسم الثاني : من
الأخلاق الطبية في السلام
|
|
٧٥ ـ ١٩٥
|
الفصل الاول :
الطب كمسؤولية
|
|
٧٩ ـ ٩٧
|
الفصل الثاني :
التلميذ قبل أن يصير طبيباً
|
|
١٠١ ـ ١٠٥
|
الفصل الثالث :
ماذا عن الطبيب والعلاج
|
|
١٠٩ ـ ١٣٢
|
الفصل الرابع :
التمريض .. والمستشفى
|
|
١٣٥ ـ ١٦٧
|
الفصل الخامس :
المريض .. وعواده
|
|
١٧١ ـ ١٩٤
|
القسم الثالث :
الوقاية الصحية
|
|
١٩٥ ـ ٢٥٠
|
الفصل الأول :
مقدمات
|
|
١٩٩ ـ ٢٠٧
|
الفصل الثاني :
السواك .. والخلال
|
|
٢١١ ـ ٢٥٤
|
الفهارس
المصادر والمراجع
|
|
٢٥٩
|
فهرس اجمالي
للكتاب
|
|
٢٦٩
|
محتويات الكتاب
بالتفصيل
|
|
٢٧١
|
محتويات الكتاب بالتفصيل
تقديم........................................................................ ٣
القسم الاول : تاريخ
الطب .................................................... ٥
الفصل الاول : الطب
قبل الاسلام ............................................. ٧
تذكير ....................................................................... ٨
مبدأ ظهور الطب ............................................................ ٩
الصلة بين الطب ، والسحر ، والكهانة........................................ ١٠
الطب عند الامم السالفة .................................................... ١١
١ ـ الطب عند المصريين ................................................... ١١
٢ ـ الطب عند الكلدان ، والبابليين ، والاشوريين ،
والاسرائيليين............... ١٢
٣ ـ الطب عند الهنود ...................................................... ١٣
٤ ـ الطب عند الصينيين ................................................... ١٣
٥ ـ الطب عند اليونان ، والرومان .......................................... ١٤
٦ ـ الطب عند الفرس ..................................................... ١٥
جامعة جنديشابور .......................................................... ١٦
٧ ـ الطب عند العرب قبل الاسلام .......................................... ١٧
الطب الجاهلي .............................................................. ١٨
منزلة الطب في الجاهلية ...................................................... ٢٠
اطباء العرب في الجاهلية ..................................................... ٢٠
النساء والطب .............................................................. ٢٣
الفصل الثاني : الطب
في العهد الاسلامي ...................................... ٢٥
العرب في اول الاسلام ... والطب............................................ ٢٧
الطب في الصدر الاسلامي الاول.............................................. ٢٨
دور غير المسلمين في النهضة العلمية .......................................... ٢٩
الطب في القرن الاول الهجري :............................................... ٣١
الطب في كلمات المعصومين 7............................................. ٣٣
المسلمون ... والطب ....................................................... ٣٤
حركة الترجمة .............................................................. ٣٦
المشتغلون بالطب في عصر الترجمة ............................................ ٣٩
بين الشهرة ... والواقع ...................................................... ٣٩
حركة التأليف ، وازدهار الطب عند المسلمين ................................. ٤٣
المؤلفات الطبية ، واثرها في النهضة الاخيرة .................................... ٤٤
بعض منجزات المسلمين الطبية ............................................... ٤٨
المنجرات الطبية لابن سينا ................................................... ٥٠
الصيدلة ................................................................... ٥٤
امتحان الصيادلة ............................................................ ٥٧
الفصل الثالث : الطب
كمظهر حضاري ....................................... ٥٩
دراسة الطب عند المسلمين................................................... ٦١
امتحان الاطباء ............................................................. ٦٢
الاختصاص في الطب ....................................................... ٦٣
النساء والطب .............................................................. ٦٣
كثرة الاطباء المسلمين ....................................................... ٦٣
الخدمات الطبية عند المسلمين ................................................ ٦٤
المستشفيات : الرازي وبناء مستشفى.......................................... ٦٦
بعض احوال المستشفيات .................................................... ٦٧
المستشفيات الميدانية.......................................................... ٦٨
مستشفيات الطواري ........................................................ ٦٩
اول مستشفى في الاسلام .................................................... ٦٩
جريمة اموية نكراء .......................................................... ٧٠
المستشفيات في القرنين الاولين للهجرة ........................................ ٧١
المستشفيات في القرن الثالث فما بعده ......................................... ٧٢
القسم الثاني : من
الاخلاق الطبية في الاسلام .................................. ٧٥
الفصل الاول : الطب ..
كمسؤلية ........................................... ٧٧
احكام الاسلام.............................................................. ٧٩
حق التشريع لمن؟............................................................ ٨١
شمولية قوانين الاسلام ....................................................... ٨٢
طبيعية قوانين الاسلام ....................................................... ٨٣
الفقيه ... وغير الفقيه ....................................................... ٨٥
الطب ... والفقيه .......................................................... ٨٦
الطب في الاعتبار الشرعي ................................................... ٨٧
اهمية الطب اسلاميا ......................................................... ٨٧
رسالية الطب .............................................................. ٨٨
الطب والتجارة ............................................................. ٨٩
الاجرة للطبيب ............................................................. ٩٠
التجارة .. السطحية ........................................................ ٩١
حبس الجهال من الاطباء ..................................................... ٩٢
ضمان الجاهل لما يفسده ..................................................... ٩٢
ضمان العارف بالطب ....................................................... ٩٤
روايتان لا ربط لهما بالضمان ................................................ ٩٦
الفصل الثاني : التلميذ
... قبل أن يصير طبيباً .................................. ٩٩
مواصفات طالب العلم الطبي ............................................... ١٠١
الطالب ... والتجارب الطبية ............................................... ١٠٣
الاستفادة من خبرات غير المسلمين ؛......................................... ١٠٤
القسم الاسلامي للطبيب ................................................... ١٠٥
الفصل الثالث : ماذا
عن : الطبيب .. والعلاج ............................... ١٠٧
الطبيب امام الواجب....................................................... ١٠٩
المبادرة الى العلاج ......................................................... ١١٠
مداواة حكام الجور ........................................................ ١١٠
عدم التمييز بين الغني والفقير................................................ ١١١
اقدام الطبيب على ما يعرف ................................................ ١١٣
١ ـ الحذق ٢ ـ الامانة ٣ ـ استجلاب الثقة .............................. ١١٣
١ ـ النصح ٢ ـ الاجتهاد ٣ ـ التقوى ................................... ١١٤
النصح : حدوده وابعاده ................................................... ١١٦
١ ـ الرفق بالمريض ٢ ـ حسن القيام عليه ................................. ١١٧
رفع معنويات المريض ...................................................... ١١٨
يتقي الله ، ويغض بصره عن المحارم .......................................... ١١٨
تجويز الافطار للصائم ونحو ذلك ............................................ ١٢٠
من وصايا الاهوازي ....................................................... ١٢٠
الدواء ... والعلاج ........................................................ ١٢٠
لا اسراف في الدواء ....................................................... ١٢٢
عدم اطالة فترة العلاج ..................................................... ١٢٣
فلسفة الدواء للمريض ..................................................... ١٢٤
اطعام المريض عند اشتهائه .................................................. ١٢٥
لا يكلف المريض المشي .................................................... ١٢٦
حمل الادوية في السفر ..................................................... ١٢٦
العلاج بما يخاف ضرره .................................................... ١٢٧
حفظ الاسرار الطبية ....................................................... ١٢٧
تحري الدقة في اجراء الفحوصات ........................................... ١٣٠
من مواصفات الطبيب الحاذق .............................................. ١٣١
معالجة غير المسلم للمسلمين ................................................ ١٣٢
الفصل الرابع : التمرض
.. والمستشفى ...................................... ١٣٣
بداية .................................................................... ١٣٥
المستشفيات النموذجية ..................................................... ١٣٦
مواصفات المستشفى الاسلامي .............................................. ١٣٦
اضواء على بعض ما تقدم .................................................. ١٤٣
علاقة الطبيب بالممرض .................................................... ١٤٩
الممرض في المستشفى ...................................................... ١٥٠
تمريض ومعالجة الرجل للمرأة والعكس ...................................... ١٥٥
الاولى : في مداواة المرأة للرجل. ونشير الى ................................... ١٥٥
الثانية : مداواة وتمريض الرجل للمرأة ....................................... ١٦١
النظر الى الخنثى ........................................................... ١٦٤
تشريح الموتى ............................................................. ١٦٥
الفصل الخامس : المريض
.. وعواده ......................................... ١٦٩
في اجواء عيادة المريض ..................................................... ١٧١
اعلام المريض اخوانه بمرضه ................................................ ١٧٢
اذنه لعواده بالدخول عليه .................................................. ١٧٢
استحباب عيادة المريض .................................................... ١٧٣
حد القصد الى عيادة المريض ............................................... ١٧٣
لا عيادة على النساء ....................................................... ١٧٤
العيادة كل ثلاثة ايام ...................................................... ١٧٤
العيادة بعد ثلاثة ايام ....................................................... ١٧٦
العيادة ثلاث مرات ........................................................ ١٧٦
اوقات العيادة ............................................................. ١٧٧
العيادة لمن؟ ............................................................... ١٧٨
عيادة الرجل للمرأة ....................................................... ١٨٠
عيادة بني هاشم ........................................................... ١٨٠
عيادة الأقارب ............................................................ ١٨١
استحباب الهدية للمريض .................................................. ١٨١
عدم شكوى المريض الى عواده .............................................. ١٨٢
عدم اسماع المريض التعوذ من البلاء ......................................... ١٨٧
عدم اطالة الجلوس عند المريض ............................................. ١٨٧
وضع اليد على المريض ، والجلوس عند رأسه ................................. ١٨٨
دعاء المريض للعائد ، والعكس ............................................. ١٩٠
دعاء المساكين للمريض .................................................... ١٩١
سؤال المريض عن حاله ، وعما يشتهي ...................................... ١٩١
التأميل بالصحة والسلامة .................................................. ١٩٢
الاكل عند المريض ........................................................ ١٩٢
ما يقال للمريض بعد شفائه ................................................ ١٩٣
القسم الثالث : الوقاية
الصحية ............................................. ١٩٥
الفات نظر ............................................................... ١٩٥
الفصل الاول :
المقدمات ................................................... ١٩٧
الوقاية الصحية في مجالها الاوسع ............................................. ١٩٩
البحث في خصائص الاشياء ................................................ ٢٠٠
اتجاهات البحث .......................................................... ٢٠١
النظافة في مجالها العام ...................................................... ٢٠٣
أمثلة على ما تقدم ......................................................... ٢٠٤
الفصل الثاني : السواك
.. والخلال .......................................... ٢٠٩
بداية .................................................................... ٢١١
سؤال وجوابه ............................................................. ٢١١
السواك .................................................................. ٢١٣
موقف المعصومين 7 من السواك .......................................... ٢١٣
اشارة..................................................................... ٢١٩
منافع السواك .. واوقاته .. وكيفياته......................................... ٢١٩
لو علم الناس ما في السواك ................................................. ٢٢٠
فوائد السواك .. في روايات اهل البيت : ................................ ٢٢١
مجمل ما تقدم ............................................................. ٢٢٤
السواك يبيض الاسنان ..................................................... ٢٢٦
السواك يطيب رائحة الفم .................................................. ٢٢٧
يذهب بالحفر ............................................................. ٢٢٧
يقوي اللثة ............................................................... ٢٢٧
يجلو البصر ............................................................... ٢٢٧
ينبت الشعر .............................................................. ٢٢٨
علاقة السواك بالحالة النفسية والعقلية وغيرها ................................ ٢٢٨
آثار موبوئية الفم .......................................................... ٢٢٩
السواك هو المنقذ .......................................................... ٢٣١
السواك يشهي الطعام ...................................................... ٢٣٢
عذوبة الفم والفصاحة ..................................................... ٢٣٢
السواك بالقصب والريحان وغيرهما .......................................... ٢٣٢
السواك بالاراك ونحوه ..................................................... ٢٣٣
السواك عرضا .. لا طولا .................................................. ٢٣٦
المضمضة بعد السواك ...................................................... ٢٣٧
ادنى السواك .............................................................. ٢٣٨
السواك بماء الورد ......................................................... ٢٣٩
السواك في الحمام ......................................................... ٢٣٩
السواك على الخلاء ........................................................ ٢٤٠
اوقات السواك ، والسواك للصائم ........................................... ٢٤٠
جرح اللثة................................................................ ٢٤٣
المساويك المختلفة ......................................................... ٢٤٣
السواك .. والتلوثات الخارجية .............................................. ٢٤٤
استحباب الوضوء للطعام ................................................... ٢٤٤
الخلال بعد الطعام.......................................................... ٢٤٥
الخلال في الاعتبار الشرعي.................................................. ٢٤٦
التأسي برسول الله (ص) ................................................... ٢٤٧
الحرج في ترك الخلال....................................................... ٢٤٨
الخلال للمحرم............................................................ ٢٤٨
فوائد الخلال .............................................................. ٢٤٨
لزوم لفظ ما يخرج بالخلال.................................................. ٢٥٠
المضمضة بعد الخلال....................................................... ٢٥٢
وسائل لا يصح استعمالها في الخلال.......................................... ٢٥٢
المحافظة على اللثة.......................................................... ٢٥٣
الخلال للضيف............................................................ ٢٥٤
كلمة اخيرة هنا ........................................................... ٢٥٤
کلمة ختامينة .............................................................. ٢٥٥
الفهارس .................................................................. ٢٥٧
المصادر والمراجع........................................................... ٢٥٩
فهرست اجمالي للكتاب..................................................... ٢٦٩
محتويات الكتاب بالتفصيل.................................................. ٢٧١
|