

بين يدي الكتاب
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسّلام على سيد المرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله
وأصحابه أجمعين وبعد ...
فقد بدأ تعليل
الحكم النحوي منذ عصر الخليل وسيبويه ، ومن قبلهما ولكن كلامهم كان كلاما خافتا ،
يظهر ويختفي ؛ لم يكونوا يعللون أحكامهم ، بل كانوا ينثرون العلل في ثنايا كتبهم
على تفاوت بينهم ، كما هو الشأن عند نحاة القرن الرابع الذين امتاز منهم في هذا
الباب الفارسي وابن جنّي ، ولم نعرف قبل كتاب (العلل) للوراق كتابا جامعا لعلل
النحو مرتبا على موضوعاته ، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو يتصف بما يلي :
١ ـ أنه أكبر
مصدر وصل إلينا يتناول العلة النحوية ، ولا يخفى علينا ما للعلة النحوية من أهمية
في الدرس النحوي.
٢ ـ أنه يقوم
على كتاب سيبويه تفصيلا وتعليلا ، وكأن سيبويه إمام للوراق من خلال كتابه.
٣ ـ أنه يشكل
حلقة مغمورة في تاريخ التعليل النحوي ، ويلقي الضوء على مبلغ الرقي الفكري عامة
والنحوي خاصة ، الذي بلغه العقل العربي في القرن الرابع الهجري.
٤ ـ أنه يكشف
اعتماد النحويين الذين جاؤوا من بعده على أقواله واقتباسهم منه ، كابن الأنباري
والعكبري وغيرهما.
٥ ـ أنه نص
نفيس ينشر لأول مرة ، لنحوي لم تكن له الشهرة اللائقة به وبمؤلّفه.
ولم أجد لكتاب
الوراق هذا إلا نسخة واحدة ، ومع ذلك لم أحجم عن العمل فيها دراسة وتحقيقا ، فهي
نسخة يغلب عليها الوضوح وسهولة الأسلوب ، فالوراق ـ على كونه من نحاة القرن الرابع
ـ سلس الأسلوب ، بعيد عن التعقيد ، سهل الفهم على قارئ عصرنا هذا. غير أن هذا لا
ينفي وجود صعوبات اعترضتني في طريق تحقيقي ؛ وأهمها أن صاحب النص نحوي لم يكتب عنه
أحد ، وقصّر في ترجمته أصحاب التراجم ، فلم يفصّلوا الحديث عن حياته ، مع أنه صاحب
هذا الأثر الجليل في الحديث عن العلل.
فمن الجدير
بالذكر أن الوراق كان معاصرا للزجاجي صاحب (الإيضاح في علل النحو).
وكان اعتمادي ـ
إضافة إلى كتاب الوراق نفسه ـ على كتب النحاة ، الذين تناولوا العلل النحوية ، أو
بثوها في مؤلفاتهم ، وأبرزها كتاب سيبويه ، والمقتضب للمبرد ، وكتب الفارسي وابن
جني والزجاجي ، ممن جاء قبل الوراق أو عاصره ، وكتب ابن الأنباري والعكبري ممن جاء
بعده.
ولعلنا نستطيع
القول ، إذا أردنا أن نقوم كتب العلل : إن كتاب (الإيضاح في علل النحو) للزجاجي
كتاب موجز في العلل من الناحية النظرية ، أما العلل التطبيقية فقليلة جدا إذا ما
قيست بما أورده في كتابه من علل لمعظم موضوعات النحو وأحكامه. وكتاب (اللباب في
علل البناء والإعراب) للعكبري أكثر الكتب النحوية تعليلا لما يورد من أحكام نحوية
، حتى يظن بأنه كتاب في العلل. وأما كتاب (العلل في النحو) للوراق ، فهو في حقيقة
أمره ـ كما رأيت ـ كتاب يعلل النحو الذي ضمه كتاب سيبويه ، فكأنه جعل تعليل
الأحكام التي أطلقها سيبويه غاية له ، وهدفا يسعى إليه. وحسب كتاب الوراق اتصاله
الشديد بكتاب سيبويه وتعليله لأحكامه ، وكأنه شرح من شروحه ، ولكنه مختص بميزة لم
يشركه فيها شرح آخر وهي انصرافه إلى تعليل الأحكام التي أطلقها سيبويه. وبذلك تكون
لهذا الكتاب منزلة بين كتب النحو ، وهي منزلة مزدوجة لأنه ذو قيمة في نفسه أولا ،
وذو قيمة ثانية يستمدها من كتاب سيبويه الذي يتابع أحكامه ويعللها.
وفي الختام
أقدم الشكر الخالص للأستاذ الدكتور عبد الحفيظ السطلي ، الذي أشرف على هذا العمل ،
وأسهم في إخراج هذا الكتاب ، بما قدمه لي من عون ونصح وتوجيهات.
والشكر الجزيل
لمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ـ بدبي ـ لما قدمه لي من تسهيلات في سبيل
الحصول على نسخة مصورة للمخطوط.
وكذلك الشكر كل
الشكر للوالد الدكتور مازن المبارك ، الذي كنت ألجأ إليه بين الحين والحين ، سائلة
مستفسرة ، فكان المرجع والمآل فيما يعترضني من صعوبات.
وبعد ، فهذا ما
وسعه الجهد والوقت ، فإن أكن قصرت أو سهوت فمني ، وإن أكن أصبت فبفضل ربي ، له
الحمد في الأولى والآخرة.
|
مها مازن المبارك
دمشق في ٢٠ جمادى الآخرة ١٤٢١
ه ١٩ / ٩ / ٢٠٠٠ م
|
المقدمة
الورّاق حياته وثقافته
ـ
تمهيد
ـ
عصر الورّاق
ـ
نسبه
ـ
ثقافته
ـ
شيوخه وتلامذته
ـ
آثاره
ـ
وفاته
ـ تمهيد :
لا بد قبل
حديثنا عن أي كتاب من أن نعرّف بكاتبه ، ومن أن نعطي لمحة ولو يسيرة عن عصره
وبيئته وثقافته وما إلى هنالك من أمور تعارف الدارسون عليها ، ونهجوا طريقها في
بحوثهم ودراساتهم ؛ فكيف بنا إذا كنا أمام نحوي لم يلق من الشهرة حظا كافيا ، بل
إن كل ما عرف عنه وما ترجم له لا يتجاوز الأسطر القليلة والمعلومات المتكررة عند
المترجمين.
ومن هنا كان
علينا أن نعتمد إضافة إلى ما وجد في كتب الأعلام كتابه" العلل" في بعض
ما نذهب إليه في حديثنا عن ثقافته وشيوخه ، دون حياته أو نسبه ، فالكتاب خلو منهما
ذلك أن الناسخ لم يذكر شيئا عنهما.
وإن ما نضيفه
في حديثنا عن ثقافته وشيوخه لا يعدو كونه استنتاجا ، فهو قراءة لما وراء الأسطر ،
ربما نصل من خلالها إلى ما لم يصل إليه المترجمون للورّاق.
لذلك سوف أدرس
في هذا الفصل حياة الورّاق بحسب ما توافر لديّ من معلومات مجموعة إمّا مما كتب عنه
أو مما استنتجته أثناء تحقيقي لكتابه كما ذكرت سابقا.
ولا بد قبل
الحديث عن الورّاق من نظرة سريعة إلى عصره تلقي الضوء عليه من الناحية السياسية
والفكرية.
ـ عصر الورّاق :
عاش الورّاق في
القرن الرابع الهجري في بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، ولا يخفى علينا تاريخ
بغداد في هذا القرن ؛ فمن الناحية الدينية اشتد ساعد الفرق
المختلفة كالمعتزلة والقدرية والجبرية ، وهبّ أصحاب كل فرقة للدفاع عنها
وتنافسوا في التأليف في ذلك.
أما سياسيا فقد
كانت بغداد في طريقها إلى الضعف والانحلال. وذلك أن العباسيين اعتمدوا الفرس
والأتراك ، كما ظهرت بعض الدويلات المنافسة كالسامانية والبويهية والحمدانية
والغزنوية والسلجوقية .
وفكريا عاشت
بغداد عصرا ذهبيا في الحركة العلمية ، تطورت فيها جميع العلوم من منطق وفلسفة ولغة
وأدب وعلوم دينية ، يكفي أن نعرف من عاش في هذا القرن من الأدباء والحكماء وعلماء
النحو ، ويكفي أن نذكر ما تركوه من آثار لنبيّن مدى ازدهار النشاط الفكري
وإن نظرة سريعة
إلى أي من كتب التراجم تبيّن لنا هذا الكم الهائل من أعلام النحاة الذين عاشوا في
القرن الرابع وبرز منهم : إبراهيم بن السّري الزجّاج (٣١١ ه) ، والزجّاجي (٣٣٧ ه)
، والسيرافي (٣٦٨ ه) ، والفارسي (٣٧٧ ه) ، والرمّاني (٣٨٤ ه) ، وابن جنّي (٣٩٢
ه).
وبالرغم من ذلك
نجد إغفالا لذكر الورّاق في بعض كتب التراجم ، فهو لم يلق حظا من الشهرة ، بل إنّ
كثيرا من النحاة لم ينقل عنه ، رغم تأليفه لأكبر كتاب وصل إلينا في العلل من ذلك
العصر.
وما يواجهنا في
بحث حياة الورّاق وترجمته هو موضوع الخلط بين الورّاقين ، فلقد شاعت شهرة عدد من
الأشخاص بهذا الاسم ، وذلك لمن يتقن مهنة الوراقة ، بل ربما وجدنا صلة قرابة بين
من أطلق عليهم هذا الاسم ، وهذا ما يزيد الأمر لبسا وإيهاما (كما في الورّاق صاحب
الكتاب الذي بين أيدينا فهو أبو الحسن
__________________
محمد بن عبد الله المعروف بابن الورّاق ، وسبطه أبي الحسن محمد بن هبة الله
المعروف أيضا بابن الورّاق).
ومن الذين
سمّوا بالورّاقين :
الورّاق العنزي
عمرو بن المبارك ٢٠٠ ه.
الورّاق محمود
بن حسن ٢٢٥ ه ، والورّاق أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن موسى الكرماني
٣٢٩ ه ، والورّاق أبو عبد الله محمد بن يوسف ٣٦٢ ه ، وابن الورّاق أبو الحسن
محمد بن هبة الله بن محمد ٣٩٨ ه ، وابن الورّاق محمد بن عبد العزيز ٧٥٧ ه ،
والوراق محمد بن أحمد بن محمد ١٣١٧ ه.
وإذا انتقلنا
إلى الورّاق محمد بن عبد الله صاحب كتاب (العلل في النحو) وهو من نريد أن نترجم له
، وجدناه لم يلق حظا وافيا من الشهرة ، ولم يذكره النحاة ، ولم يترجم له في بعض
كتب التراجم مثل : شذرات الذهب ، تاريخ بغداد ، وغيرهما.
وقد اقتصر من
ترجم له على معلومات قليلة ومتكررة ، فنحن لا نعثر على حديث مفصل عن نشأته وحياته
وأسرته وثقافته ، بل توقف المترجمون عند ذكر اسمه وتصانيفه ، وقليل منهم ذكر بعضا
من شيوخه. وهذا قصارى ما نجد في كتب الأعلام.
ـ نسبه :
هو محمد بن عبد
الله بن العباس البغدادي أبو الحسن المعروف بابن الورّاق أو
__________________
بالورّاق ، كان ختن أبي سعيد السيرافي على ابنته. ولم يذكر المترجمون
تاريخا لولادته.
ـ ثقافته :
لم يفصّل من
ترجم له الحديث عن ثقافته ، بل اكتفوا بإطلاق جمل عامة تدل على نبوغه في علم النحو
وعلله ، وقد وصفه بذلك القدماء والمحدثون فمثلا قال عنه القفطي : " كان عالما
بالنّحو وعلله" ثمّ بيّن مذهبه فقال : " وكان بغداديا ، وصنف في النحو
كتبا حسانا" .
وقال عنه ابن
الأنباري : " وكان جيد التعليل في النحو" .
وقال عنه
الفيروز آبادي في بلغته واليماني في إشارته : " كان إماما في العربية" .
ومن المحدثين
وصفه صاحب معجم المؤلفين ب : الفقيه ، والأصولي ، والنحوي.
وهذا يدلنا على
معرفته لعلم الفقه والأصول إضافة إلى علم النحو ، حتى لقب بهذين اللقبين ووصف
بهما.
وضعه ابن
الأنباري والصفدي في طبقة أبي طالب العبدي ، وكان أبو طالب هذا نحويا ، لغويا ،
قيما بالقياس ، وقد قرأ على السيرافي والرمّاني والفارسي كما جاء في النزهة ومن هنا نقول : يحتمل أن يكون الورّاق أيضا قد قرأ على
هؤلاء ، ولا سيما السيرافي ، فقد كان الورّاق زوج ابنته كما علمنا.
__________________
وإن ذكر
السّيوطي شيوخا قرأ عليهم الورّاق القرآن بالروايات ليفيدنا معرفة الورّاق علم
القراءات والأحرف العشرة وإتقانه ذلك حتى إنه أجيز وأجاز في ذلك ، وقد بدا هذا
الأمر واضحا في كتابه ؛ فقد ذكر بعض الآيات واختلاف القراءات فيها وكذلك قول السّيوطي" وروى عنه" سواء عند ذكر
شيوخه أو تلامذته ليدلنا على أن الورّاق قد أخذ علم هؤلاء الشيوخ ورواه عنهم ، ثم
أتى بعده من تلامذته من روى عنه هذا العلم.
وهذا ما تفيدنا
به كتب التراجم عن ثقافته ، غير أن كتابه الذي بين أيدينا يشير إلى ثقافة واسعة
شاملة في علم النحّو تجلّت من خلال مناقشاته وعرضه آراء النحاة منسوبة وغير منسوبة
، لقد ساير الورّاق عصره وأئمة عصره في علم النحو.
أما ثقافته في
العلوم الأخرى فمن المؤكد أنه اطلع على علوم الفلسفة والكلام وأصول الفقه ، ولا
سيما أنه قد ألّف في موضوع لا يمكن أن ننكر الصلة بينه وبين هذه العلوم وإن كان
أثرها ضئيلا في أسلوبه ، وإنّ الناظر إلى مؤلفاته يجد أن أغلبها قد ألّف في النحو
، عدا كتاب منهاج الفكر ... فلا ندري في أي موضوع هو. مما يجعلنا نجزم أن ثقافته
نحوية وأن شهرته نحويا ، وأنه ألّم بباقي العلوم كباقي علماء عصره ، لما لهذه
العلوم من صلة بعلوم العربية ونحوها.
ـ شيوخه وتلامذته :
لا نجد ذكرا
لشيوخه وتلامذته عند معظم من ترجم له. غير أن السيوطي في البغية ذكر له شيخا ، قرأ
عليه القرآن بالروايات وروى عنه ، هو : أبو بكر محمد
__________________
بن الحسن بن مقسم وهو من قرأ عليه ابن جنّي أيضا ، ولعل هذا الخبر يفيدنا بكون الورّاق من القراء كما
سبق أن ذكرت إلى جانب كونه من النحاة.
وإذا ما عرفنا
أن هناك أيضا من تتلمذ على يديه في القراءة كأبي علي الأهوازي الذي قرأ عليه وروى
عنه ، زدنا يقينا بما ذكر سابقا من كونه عالما بالقراءات متعلما ومعلما.
وهؤلاء الشيوخ
ممن صرح المترجمون بهم ، إلا أنه يمكن أن نصل إلى شيوخ غير مباشرين للورّاق من
خلال كتابه (العلل) فنقول : إنه لم يلتق سيبويه مثلا إلا أنه تتلمذ على كتبه ،
فتكرار ذكره وذكر كتابه ومقارنة جميع الآراء برأيه ، وكذلك التأييد المستمر لما
يذهب إليه يعد دليلا كافيا لذلك ، وقد علمنا أيضا أن للوراق شرحا لكتاب سيبويه
يتكرر ذكره مرارا في كتابه.
كما أنه ذكر
غير مرة الخليل ، والمبرد ، وابن السراج ، وأغلب الظن أنه اطّلع على كتبهم وأخذ
منها ، وقد ذكر نحاة آخرين كالفراء والكسائي وغيرهم ، إلا أن هؤلاء كانوا كوفيين ،
وقد ذكر آراءهم على سبيل المقارنة وإبراز الخلاف بين المذهبين لا على سبيل التتلمذ
على أيديهم ، فالورّاق بصري المذهب كما سنرى في فصل قادم.
ـ آثاره :
ذكر الذين
ترجموا له عددا من الآثار منها شروح ومنها مؤلفات.
__________________
فمن شروحه :
شرح مختصر الجرمي الأكبر وسمّاه : (الفصول في نكت الأصول) ، والشرح الأصغر وسمّاه (الهداية).
ومن مؤلفاته :
كتاب (العلل في النّحو) وهو الذي بين أيدينا.
وكتاب (منهاج
الفكر في الخيل) ، كما ذكر في معظم الكتب ، وهو في الكشف : (منهاج الفكر في الحيل).
وقد ذكر
الورّاق غير مرة في كتابه العلل أن له شرحا لكتاب سيبويه.
أمّا شرحه
الأكبر لمختصر الجرمي فقد قال الصفدي فيه : " قال ياقوت : بلغني أن كتاب الفصول
أملاه عليه السيرافي فنسبه هو إلى نفسه ..."
ـ وفاته :
قال هلال بن
المحسّن في تاريخه : " في سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة مات أبو الحسن محمد بن
عبد الله الورّاق النحوي"
وقيل : يوم
الأحد رابع جمادى الأولى سنة (٣٨١ ه). وقد أجمع كل من ترجم له على وفاته في تلك
السنة.
بعد حديثنا
المفصل هذا عن الورّاق ثقافته وشيوخه ومؤلفاته لا بد لنا أن ننتقل إلى الحديث عن
كتابه (العلل).
__________________
المخطوط ومنهج العمل
ـ وصف النسخة المخطوطة :
لم أجد من كتاب
الورّاق سوى نسخة واحدة هي نسخة دار الكتب الوطنية بتونس (الصادقية) برقم (٩٣١٨) ،
ومنها صورة في معهد المخطوطات العربية بالكويت برقم (٢٥٥٣) ، وقد حصلت على صورة من
هذه النسخة التونسية من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي ، وهي محفوظة فيه
برقم (٤٢١ ف) ، والنسخة كاملة تامة مما جعلني لا أحجم عن العمل فيها.
عدد الأوراق في
هذه النسخة تسع وثمانون ورقة ، تبدأ النسخة من الصفحة اليسرى في الورقة الأولى
وتنتهي في الصفحة اليمنى من الورقة الأخيرة وبذلك يكون عدد صفحاته إحدى وتسعين
صفحة ، وفي كل صفحة خمسة وعشرون سطرا ، وفي السطر من أربع عشرة كلمة إلى ثماني
عشرة كلمة ، بدأ الكتاب من الورقة الثانية بالحديث عن أقسام الكلام ، إذ إن الورقة
الأولى كتبت عليها التملكات (انظر الصورتين في ص ٢١ و ٢٢).
والكتاب مكتوب
بخط مغربي خال من الشكل ، طمس المداد ألفاظا قليلة في مواضع متفرقة ، وقد ميز
الناسخ عنوانات الأبواب بكتابتها بخط ثخين كبير الحجم ، واتّبع في كتابته ما تعارف
عليه النسّاخ من وضع إشارة عند السقط واستدراك ما سقط في الهامش مع تذييله بكلمة (صح)
، غير أنه كان يمزج الشواهد من شعر وآيات بكلام المؤلف في كثير من المواضع.
وأما الناسخ
فهو كما جاء في آخر النسخة ، بلقاسم بن أحمد بن سليمان ، وقد نسخها سنة (٩٠٨ ه)
وذكر ما يدل على تمامها بقوله : (تمّ الكتاب بحمد الله وحسن عونه والصلاة على سيدنا
ومولانا محمد خير النبين وسيد المرسلين ، وكان الفراغ منه يوم الثلاثاء من شهر
رمضان المبارك جعلنا الله في بركته سنة ثمان وتسع مئة ، كتبه العبد الفقير الراجي
رحمة مولاه الغني بفضله عما سواه : بلقاسم ابن أحمد بن سليمان ، كتبه لنفسه غفر
الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ونسأل الله أن يجعلنا من أهل العلم والعاملين به نحن وجميع المسلمين آمين ...).
وفي الصفحة
الأولى من النسخة المخطوطة كلام لم أتبين كل ألفاظه لكثرة ما فيه من شطب وتعديل ولكن فيه أن النسخة وقف في جامع الزيتونة ، وأن مالكها
هو الوزير الأكبر خير الدين ، وهو من قام بجعل النسخة وقفا في جامع الزيتونة
وسأذكر هنا بعض الجمل التي استطعت أن أقرأها ، يقول بعد الثناء على صدر الوزارة ...
(... دخل في نوبة الفقير إلى ربه ابن ... أمير الأمراء جناب الوزير الأكبر سيدي خير
الدين حمد الله تعالى مساعيه ووفر في سبل الخيرات دواعيه أنه حين جمع هذا الكتاب
المسمى (بالوراق في تعليل النحو) على من له أهلية الانتفاع به بشرط ألا يخرجه من
مكتبة الجامع الأعظم جامع الزيتونه عمره الله تعالى بدوام ذكره شارطا في حبسه هذا
أن يجري فيه ... على مقتضى الترتيب الممضى من الحضرة العلية الملكية أيدها الله
تعالى في إدارة المكتبة المذكورة المؤرخ ... سنة (١٢٩٢ ه) ... بحيث يكون العمل
بهذا التحبيس على منواله وأن لا يعدل به عن يمينه إلى شماله قاصدا بذلك دوام النفع
للعباد وأن ينادى باسمه في المحسنين يوم التناد ويشهر.
__________________
انتقل إلى نوبة
الهمام الأفخم جناب سيدي خير الدين أمير الأمراء بالشراء الصحيح وكتب في شوال سنة (١٢٨٥
ه) وهو على أكمل حال ... ومثله لا يحوم الجدل حول ... في رجب سنة اثنتين وتسعين
ومئتين وألف) .
هذا ولم أذكر
الكثير من الكلمات التي وجدت بين السطور ، فاقتصرت على ما استطعت قراءته بحيث يكون
جملا منتظمة.
وقد كتب الناسخ
كثيرا من الألفاظ بطريقة الرسم التي كانت شائعة في عصره من مثل : عدم إثبات الهمزة
نحو (اليا مسالة) أو كتابتها على غير قواعدنا نحو (فجاءوا) ، ومثل قلب الألف
المقصورة إلى ألف ممدودة نحو (ترا) ، ومثل إضافة ألف في آخر بعض الكلمات نحو (يسموا
يخلوا) ، وكتابة كلمة (لكنها) على هذا النحو (لاكنها) ، بل ربما خرج عن بعض قواعد
النحو ، فنجد أخطاء في الشكل وعدم مراعاة العوامل الجازمة والناصبة كقوله مثلا (لم
يحتاجون) و (خواصا) ... إلى غير ذلك من الأغلاط النحوية التي أشرت إليها في حاشية
التحقيق ، كما أنه أسقط بعض حروف الجر من جمل يحتاج إليها السياق وذلك نحو قوله :
" وإنما وجب زيادة هذين الحرفين لما ذكرناه [من] أن حروف المد أولى بالزيادة
..." وقوله : " كما جعلوها عوضا من إحدى ياءي النسب [في]
يمان ..." ، ومن ذلك أيضا استخدامه الفعل (يدل) في بعض الأحيان
دون أن يعديه بحرف الجر (على).
وقد كتب في رأس
بعض الصفحات (عوفك يا كريم) أي عفوك يا كريم.
__________________
ـ منهج التحقيق :
لقد قمت بتحقيق
النص محاولة تقديمه بالصورة التي وضعها عليه مؤلفه ، فلم أتدخل إلا فيما كان من
رسم الناسخ وبينه وبين مؤلفه فرق بعيد في الزمن وفي العلم ، وأما ما كان من اقتراح
يتصل بنقص أو زيادة أو تعديل فقد أشرت إليه في المتن وفصلته في الحواشي ، مراعية
بذلك الأمانة والحذر في تقديم النص كما هو أصلا ، ولعل ذلك أشد صعوبة من بناء نص
جديد.
والتزمت في
عملي القواعد المتبعة والأمور المراعاة في تحقيق النصوص التراثية فقمت :
١ ـ بكتابة
النص كما ورد في الأصل دون أي تغيير ؛ إلا ما جاء مخالفا لقواعدنا الإملائية أو
مخالفا لقواعدنا النحوية في الشكل ، لأن هذا من عمل الناسخ ولا يعبر عن علم
المؤلف. وقد أشرت إلى الأصل في الحاشية.
٢ ـ ترجمت
للأعلام الذين وردت أسماؤهم ودللت على أماكنها في كتب التراجم ، واقتصرت على ترجمة
العلم مرة واحدة لدى أول ورود له ، ورددت سائر المرات عليه.
٣ ـ خرّجت
الآيات القرآنية والقراءات ، كما خرجت الأشعار وعزوتها إلى قائليها ما أمكنني ذلك
ورددتها إلى دواوينهم وأماكن وجودها ، كما أتممت في الحاشية الأبيات التي وردت
أنصافا.
٤ ـ شرحت ما
يحتاج إلى شرح من ألفاظ النص شرحا لغويا ، وكذلك شرحت بعض الأبيات الشعرية الغامضة
المعنى.
٥ ـ دللت على
أماكن المسائل النحوية التي وردت في المخطوط في أمهات كتب النحو ولا سيما كتاب
سيبويه.
٦ ـ أشرت إلى
نهاية صفحة وبداية أخرى بخط مائل (/) مقرون بالحرف (أ) إن كانت الصفحة يمنى ، وبالحرف
(ب) إن كانت يسرى.
٧ ـ حاولت
تقويم بعض جمل النص لما وجدتها ناقصة غير تامة ، وذلك بأن وضعت الزيادة بين
معقوفين [] وأشرت إلى ذلك في الحاشية.
٨ ـ وتقويما
للنص ، وحرصا على الفائدة ، فقد أدخلت ما كان على هامش المخطوط في صلب الكتاب ،
وذلك بأن وضعت الزيادة بين معقوفين [] أيضا ، وأشرت إلى ذلك في الحاشية ، فالذي
يغلب على الظن أن معظمها سقط من الناسخ ثم استدركه ، وبعضها لتمام الفائدة.
٩ ـ لم أثقل
الحواشي بالتعليقات لأنني آثرت أن يكون ذلك في موضعه من الدراسة لا من التحقيق.
١٠ ـ صنعت للنص
فهارس لآيات القرآن الكريم وشواهد الشعر والأمثال واللغة والأعلام والأماكن.
كتاب
العلل في النحو
لأبي الحسن محمد بن
عبد الله الوراق
المتوفى سنة (٣٨١ ه)
بسم الله الرحمن
الرحيم
صلّى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
قال أبو الحسن
محمد بن عبد الله الورّاق رحمهالله وغفر له :
[باب علم ما الكلم؟]
إن قال قائل :
من أين علمتم أن الكلام ينقسم ثلاثة أقسام ؟ قيل : لأن المعاني التي يحتاج إليها الكلام ثلاثة ؛
وذلك أن من الكلام ما يكون خبرا ويخبر عنه فسمى النحويون هذا النوع اسما ، ومن
الكلام ما يكون خبرا ولا يخبر عنه فسمى النحويون هذا النوع فعلا ، ومن الكلام ما
لا يكون خبرا ولا يخبر عنه فسمى النحويون هذا النوع حرفا ، وليس ههنا معنى يتوهم سوى هذه الأقسام الثلاثة فلهذا لا نشك فيما
عدا هذه الأقسام ؛ إذ لا معنى يتوهم سواها .
__________________
ووجه آخر : أن
المعاني قد أحطنا بعلم جميعها والألفاظ يحتاج إليها من أجل المعاني فإذا كان كل معنى لا يمكن أن يعبر عنه إلا بأحد هذه
الأقسام الثلاثة دلّ ذلك على أن جميع الأقسام ثلاثة.
فإن قال قائل :
فلم خصصتم القسم الأول بتلقيبه بالاسم ، والثاني بالفعل ، والثالث بالحرف؟ فالجواب في
ذلك من وجهين :
أحدهما : أن
غرض النحويين بهذا التلقيب الفصل بين هذه الأقسام ؛ إذ كانت معانيها مختلفة ، فإذا
كان القصد باللقب إلى الفصل فليس لأحد أن يقول لم لقبتم هذا القسم بهذا اللقب دون
غيره؟ إذ لا لقب يلقب به إلا ويمكن أن يعترض بهذا السؤال ، وقد وجب بحالة أن يخص
بلقب ، فإذا وجب الشيء لم يجب الاعتراض عليه.
والوجه الثاني
: أنه يمكن أن يجعل لكل لقب معنى من أجله لقب به ، والوجه في تلقيب ما صح أن يكون
خبرا ويخبر عنه بالاسم ، لأن الاسم مشتق من سما يسمو أي ارتفع فلما كان هذا له مزيّة على النوعين الآخرين من أجل أنه
شارك النوع الذي يكون خبرا في هذا المعنى ويفضله في أن الخبر يصح عنه ؛ وجب أن
يلقب بما ينبئ عن هذه المزية فلقب بالاسم ليدل بذلك على علوه وارتفاعه على النوعين الآخرين.
__________________
وأما النوع
الثاني فلقب بالفعل ؛ وذلك أن قولك (ضرب) يدل على الضرب والزمان ، والضرب هو فعل
في الحقيقة ، فلما كان ضرب يدل عليه لقّب بما دل عليه .
فإن قيل : فلم
صار تلقيبه بالفعل الدال عليه دون الزمان وهو أيضا دال عليه؟ قيل : لأنه مشتق من
لفظ المصدر ، وليس مشتقا من لفظ الزمان ، فلما اجتمع فيه الدلالة على المصدر
واشتقاق اللفظ كان أخص به من الزمان لوجود لفظه فيه.
فإن قيل : فلم
اشتق الفعل من المصدر دون الزمان؟ قيل : لأن الزمان دائم الوجود والمصادر أفعال
تنقضي ، وإنما الغرض في اشتقاق الفعل من أحدهما ليدل عليهما ، فلما كانت الأفعال
منقضية والزمان موجودا ، وجب أن يقع الاشتقاق من المصادر ليدل لفظ / الفعل عليهما
من غير تذكار ، ولم يجتمع في الزمان إلى ذلك لوجوده ؛ فلهذا وجب الاشتقاق من
المصدر دون الزمان.
ووجه آخر أن
أسماء الأزمنة قليلة وأسماء الأنفس كثيرة ، فلو اشتق من الزمان لفظ الفعل ضاق
الكلام ، ولم يكن فيه مع ذلك دلالة على المصدر ، فاشتق لفظ الأفعال من المصدر
لأنها لا تفارقه وإن لم يكن لها اسم يحصرها.
وأما تسمية
النوع الثالث بالحرف فالحرف في اللغة موضوع لطرف الشيء ، و [لمّا] كان هذا النوع إنما يقع طرفا للاسم والفعل معا خصّ بهذا
اللقب كقولك : أزيد في الدار؟ والألف إنما أدخلت للاستفهام عن كون زيد ولم تدخل هي لمعنى يختصها ، وهي في اللفظ حرف مع ذلك ، فاعرفه.
__________________
باب حد الأسماء والأفعال والحروف
واعلم أن للاسم
حدا وخواص ، فحده كل ما دلّ على معنى مفرد تحته غير مقترن بزمان محصّل فهو
اسم ، كقوله : رجل وفرس وما أشبه ذلك ، ألا ترى أن هذه اللفظة دالة على شخص مجرد من شيء
سواه.
وأما الخواص
فجواز دخول الألف واللام عليه ، والتنوين ، وحرف من حروف الجر ، ووقوعه فاعلا
ومفعولا والإضافة والإضمار وما أشبه ذلك ، وأن يحسن معه ضرّ أو نفع . وبعض النحويين لا يجعل علامة الاسم دخول هذه الأشياء ،
فرارا من أن تلزمهم معارضة لقولهم : أتت الناقة على مضربها ، أي على الزمان الذي يضربها فيه الفحل ، وذلك أنه يقول
إن المضرب قد دل على زمان وضرب ، وهو مع ذلك اسم ، وهذا ينقض حدّ الاسم!؟ فالجواب
عن هذا السؤال أن يقال : إن المضرب وضع للدلالة على زمان فقط وإن كنا نفهم مع ذلك الضرب ، لاشتقاق
اللفظ من الضرب ، وإذا كان المفهوم من دلالة وضع الاسم معنى واحدا
__________________
فقد سلم لفظ الحد ، ونظير ما ذكرنا أن الأفعال إنما وضعت للدلالة على
الزمان ، وإن كنا نفهم أن الفاعل منها يحتاج إلى مكان إلا أن ذلك نفهمه بالتأمل
دون اللفظ ، فكذلك المضرب يجري في هذا المجرى ، يدل على صحة ذلك أن العرب إذا
أرادت الدلالة على المصدر فقط قالت : المضرب ففتحوا الراء ، فلو كان المضرب يدل
على المصدر لم يحتاجوا إلى بناء آخر.
فإن قيل : فما
قولكم في ضارب وما أشبهه من أسماء الفاعلين؟
قيل : دالة على
الفاعل للضرب من جهة اللفظ ، وإنما يفهم معنى الزمان فيها بالنيّة ، وجاز ذلك لأن
اسم الفاعل مشتق عن الفعل فجاز أن ينوى به الزمان لاشتقاقه من لفظ يدل على الزمان.
فإن قيل : أليس
كان وأخواتها تدل على الزمان فقط ، فهلا جعلت اسما لدلالتها على معنى مفرد كدلالة (يوم)
و (ليلة) وما أشبههما؟!
قيل : إنها وإن
كانت تدل على الزمان فقط فقد صرفت تصريف الأفعال ومع ذلك فالغرض من ذكرها العبارة
عن المعاني التي تقع في خبر المبتدأ فصارت كأنها دالة على ذلك المعنى والزمان
جميعا ، ألا ترى أنك إذا قلت : كان زيد قائما ، دللت ب (كان) على قيام زيد في زمان
واحد فلذلك وجب أن تجعل أفعالا.
وأما الفعل
فحدّه أن يقال : / كل كلمة تدل على معنى وزمان محصل فهي فعل ، كقولك : ضرب وانطلق ، يدل على ضرب وانطلاق في
زمان.
وله أيضا خواص
فمن خواصه التصرف نحو : ضرب يضرب ، وذهب يذهب وما أشبهه : ومنه صحة الأمر نحو :
اضرب واقتل وما أشبهه .
__________________
وأما الحرف فحده ما دلّ على معنى في غيره نحو قولك : أخذت درهما من
مال زيد ، ف (من) تدخل للتبعيض للمال ، والبعض هو الدرهم من المال. وإن شئت
اعتبرته بامتناع حد الاسم والفعل منه أو بامتناع خواصهما منه .
وأما إدخال
الهاء في (العربية) ، فلأن المراد بالعربية اللغة العربية ، و (اللغة)
مؤنثة فدخلت الهاء على المراد.
[باب مجاري أواخر الكلم]
وإنما قسمت
العربية على أربعة أضرب ، لأن أصل الإعراب هو إلابانة ، والإعراب إنما يدخل في
الكلام للإبانة عن المعاني وكأنا أردنا أن تنقسم العربية من حيث كانت مبنية عليه
لا من حيث تصاريفها ، وإذا كان كذلك فالإعراب إنما هو بحركة أو سكون ، والحركة
إنما تكون ضمة أو فتحة أو كسرة ، لا يمكن أن توجد حركة مخالفة لهذه الثلاثة ،
والسكون الرابع فلهذا انقسمت أربعة أقسام.
فإن قال قائل :
فلم صار الرفع والنصب يدخلان على الأسماء والأفعال ، واختص الجر بالأسماء والجزم
بالأفعال ؟ قيل : لأن أصل الإعراب إنما هو في
__________________
الأسماء دون الأفعال ، والدلالة على ذلك أن الأسماء لو لم تعرب لأشكل
معناها ، ألا ترى أنك لو قلت : ما أحسن زيد ، لكنت ذاما له ، ولو قلت : ما أحسن
زيد؟ لكنت مستفهما عن أبعاضه أيها أحسن ، ولو قلت : ما أحسن زيدا! لكنت متعجبا ،
فلو أسقط الإعراب في هذه الوجوه لاختلطت هذه المعاني ، فوجب أن تعرب الأسماء ليزول
الإشكال .
وأما الأفعال
فإنها لو لم تعرب لم يشكل معناها لأنها بنيت لأزمنة مخصوصة ، فإعرابها وتركها لا
يخلّ بمعناها ، والإعراب زيادة ، ومن شرط الحكيم ألا يزيد لغير فائدة ، فكان حق
الأفعال كلها أن تكون سواكن ، إلا أن الفعل الذي في أوله الزوائد الأربع أشبه الاسم من أربع جهات :
أحدها : أن
يكون صفة ، كما يكون الاسم كقوله : مررت برجل يضرب ، كما نقول : مررت برجل ضارب.
والثاني : أنه
يصلح لزمانين أحدهما الحال والآخر الاستقبال ، ثمّ تدخل السين وسوف فتهيئه إلى
الاستقبال ، كما أن قولك : ضارب لا يدل على شخص بعينه كما اختص الفعل بزمان بعينه.
والثالث : أن
اللام التي تدخل في خبر إنّ ، تدخل على الاسم وعلى هذا الفعل كقولك : إن زيدا
لقائم ، وإن زيدا ليقوم ، ويقبح دخولها على الماضي نحو : إن
__________________
زيدا لقام ، فلما شارك الفعل المضارع الاسم في حسن دخول اللام عليه علمنا
أن بينهما مشابهة ، وإنما قبح دخول اللام على الماضي لأن هذه اللام أصل دخولها على
المبتدأ ونقلت عن موضعها لدخول إنّ عليها ، وحق خبر المبتدأ أن يكون هو المبتدأ في المعنى ، فلما كان الفعل المضارع مشبها للاسم حسن دخول اللام
عليه ولما بعد الماضي من شبه الاسم قبح دخولها عليه.
والرابع : أن
قولك ضارب يصلح لزمنين ، وكذلك يضرب يصلح لزمانين ، وإنما صارت هذه / المشابهة لها
تأثير لأن الاسم الواحد قد يقع لمسمّيات كثيرة ، فلما وقع المضارع لزمانين صار كالاسم الواقع
لمسمّيين. بذلك صار هذا الوجه معتدا به في شبهه للاسم ، ولم يجز أن يعتد بكون ضرب
دالا على الزمان الماضي ، فيجعل الماضي مشبها له في هذه الوجوه ، لأن دلالة الفعل
على معنى واحد لا يوجب شبها بالأسماء ؛ لأن الاتساع إنما وقع في الأسماء لكون
الاسم الواحد لمسميات لضيق الأسماء وكثرة المسمّين بها ، فما أشبهها من هذه الوجوه
يجري مجراها وما دلّ على معنى واحد فهو على أصله ، فلما أشبه الفعل المضارع الاسم
من هذه الجهات وجب أن يحمل على الاسم فيما يستحقه الاسم وهو الإعراب ، وإنما حمل
على الاسم في الإعراب دون ما يستحقه الاسم من الجمع والتصغير وغير ذلك مما يخص
الأسماء دون الأفعال لأن الإعراب لا يغير معنى الفعل بدخوله عليه ، وصار ما ذكرته
يوجب معنى تغير الفعل وإخراجه إلى أن يكون اسما إذ كانت المعاني التي اختص بها
الاسم مما لا يصح دخولها على الفعل ، اختص بها من حيث كان اسما ؛ فلذلك وجب أن
يحمل الاسم على الفعل من
__________________
أجل ما أشبهه في حكم لا يغير معناه ويلحقه بمعنى الأسماء وهو الإعراب ، إلا أن الجزم لم يجز دخوله
على الاسم لأنه لو دخل عليه لأوجب حذف شيئين : التنوين والحركة ،
والاسم في نهاية الخفة فكان ذلك يؤدي إلى الإجحاف به ، فسقط الجزم من الأسماء
وأدخل في الأفعال إذ كان الفعل ثقيلا يحتمل الحذف والتخفيف ، فاستقر الجزم للفعل
كما ذكرنا وبقي من الإعراب ثلاثة أضرب وهي : الرفع والنصب والجر ، فالجر امتنع من الفعل لأن الجر إنما يكون بالإضافة ، والقصد بالإضافة تخصيص
المضاف ، والفعل لو أضفت إليه لم تخص ما قبله ، ألا ترى أنك لو قلت : هذا غلام ،
لكان مبهما ، فإذا قلت : هذا غلام زيد اختص على زيد ، فلو قلت : جاءني غلام يقوم
لم يختص الغلام بإضافته إلى يقوم ، لأن القيام يكون من زيد ومن عمرو وسائر الناس ،
فلهذا سقط الجر من الفعل. ووجه آخر وهو أن المجرور يقوم مقام التنوين ، والفعل لا
يخلو من فاعل فكان يؤدي إلى أن يقوم مقام التنوين وهو وجه واحد ضعيف ، شيئان
قويان وهما الفعل والفاعل ، فسقط الجر من الفعل وحصل في الاسم إذ كان محلا
للإعراب.
وبقي من
الإعراب الرفع والنصب ولم يعرض فيهما ما يوجب اختصاصهما أو أحدهما بالفعل والاسم
فوجب أن يدخلا عليهما وحازت إضافة أسماء الزمان إلى الأفعال لأنها تضاف إلى المصادر والفعل يدل على مصدره كقولك :
من كذب كان شرا له ، أي كان الكذب شرا له ، فلما جاز أن تقول : أعجبني يوم
خروجك ، جاز أن تقول : أعجبي يوم تخرج.
__________________
ووجه آخر : أن
الفعل يدل على مصدر وزمان ، والزمان جزء من الفعل ، فلما جازت إضافة البعض إلى
الكل / جازت إضافة الزمان إلى الفعل كما يجوز أن تقول : ثوب خزّ. وقال الأخفش في ذلك إن جميع ظروف الزمان يتعدى الفعل إليها بغير
توسط حرف الجر ، وظروف المكان إنما يتعدى الفعل إلى المبهم منها بغير توسط حرف
الجر فجعلت إضافة ظروف الزمان إلى الفعل عوضا من ذلك .
فأما (حيث) من
ظروف المكان فيجوز إضافتها إلى الفعل تشبيها ب (حين) لأنها مبهمة في المكان كإبهام
حين في الزمان ، فلذلك جاز إضافتها إلى الفعل ، فاستقر بما ذكرنا أن الجر للأسماء
والجزم للأفعال ، وبقي الرفع والنصب مشتركين للأسماء والأفعال.
فإن قال قائل :
قد قلتم إن أصل الأفعال السكون ثم بينتم وجوب الإعراب للمضارع ، فمن أين اختلف فعل
الأمر ، والفعل الماضي فبنيتم الماضي على الفتح ، والأمر على السكون؟ فالجواب في ذلك أن الفعل الماضي قد حصلت له مشابهة بالاسم من
وجه ، وذلك في الصفة نحو قولك : مررت برجل قام ، كما تقول : مررت برجل قائم ، ويقع
موقع المضارع في الشرط كقولك : إن ضربت ضربت ، فهو بمنزلة : إن تضرب أضرب ، وفعل
الأمر لا يقع هذا الموقع فجعل للماضي مزية على فعل الأمر ، ولم تبلغ هذه المزية أن
توجب له الإعراب ، فوجب أن يجعل الماضي حكمه بين حكم المضارع وبين فعل الأمر فمنع
الإعراب لنقصه عن المضارع ، وفضل بحركة لمزيته على فعل الأمر.
__________________
فإن قال قائل :
فلم جعلت تلك الحركة الفتحة؟ قيل : لأن الغرض بتحريكه أن تحصل له مزية على فعل
الأمر ، وبالفتح نصل إلى غرضنا كما نصل بالضم والكسر. إلا أن الفتح أخف الحركات
فوجب استعماله لخفته. ووجه آخر : وهو أن الجر لما منع الفعل ، وهو كسر عارض ،
والكسر اللازم أولى أن يمنع الفعل ، فلهذا لم يجز أن يبنى على الكسر ولم يجز أن
يبنى على الضم لأن بعض العرب تجتزئ بالضمة عن الواو فتقول في قاموا : قام ، قال
الشاعر :
فلو أن
الأطبا كان حولي
|
|
وكان مع
الأطباء الأساة
|
فلو بنى على
الضم لالتبس بالجمع في بعض اللغات فأسقط للالتباس ، وأسقط الكسر لما ذكرناه ، فلم يبق إلا الفتح فبني
عليه.
فإن قال قائل :
ما تنكرون أن يكون فعل الأمر مجزوما بلام محذوفة ، لأن الأصل في قم : لتقم والدلالة في ذلك قراءة النبي صلىاللهعليهوآله : (فَبِذلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ١٠ / ٥٨] فحذفت اللام والتاء ، وبقي الفعل مجزوما كما كان.
قيل له هذا
يفسر من وجوه :
__________________
أحدها : أن
حروف الجزم أضعف من حروف الجر لأن الفعل أضعف من الاسم ، والجر على هذا يجب أن
يكون أقوى من الجزم ، وعوامل الجر لا يجوز حذفها ، وما هو أضعف منها أولى أن يحذف .
ووجه آخر : وهو
أن هذه الزوائد أوجبت للفعل المضارعة للاسم ، فوجب أن يزول الإعراب الذي وجب من
أجلها.
ووجه آخر : وهو
أن شرط المعرب أن تعتقب في آخره الحركات باختلاف العوامل ، وشرط المبني أن يلزم طريقة واحدة ،
فلما وجدنا فعل الأمر لا يزول عن السكون / وجب أن يلحق بحكم المبنيات دون المعرب .
والأسماء لا
يصح دخول الجزم عليها نحو : صه ومه : وما أشبه ذلك ، فقد بان بما ذكرنا أن فعل
الأمر يجب أن يكون مبنيا على السكون .
فإن قال قائل :
لم صارت هذه الأسماء الستة تختلف أواخرها ، نحو : جاءني أخوك ، ورأيت أخاك ، ومررت
بأخيك ، وغيرها من الأسماء إنما تختلف أواخرها بالحركات؟ فالجواب في ذلك من وجهين :
أحدهما : أن
يكونوا جعلوا هذه الأسماء مختلفة الآواخر توطئة لما يأتي من التثنية والجمع ،
وصارت هذه الأسماء أولى بالتوطئة من غيرها لأنها أسماء لا تنفك من إضافة المعنى ،
والإضافة فرع على الأصل ، كما أن التثنية والجمع فرع على
__________________
الواحد ، فلما شابهت هذه الأسماء التثنية والجمع في هذا الحكم كانت أولى من
غيرها التي لا مشاركة بينها وبين التثنية والجمع في هذا الحكم.
والوجه الثاني
: أن هذه الأسماء تفرد في اللفظ فيصير إعرابها بالحركات نحو قولك : هذا أب ، ورأيت
أبا ، ومررت بأب ، فقد لزمت أوساطها الحركات فلما ، ردّوها إلى أصلها في الإضافة
وقد كانت أوساطها تدخلها حركة الإعراب أرادوا أن يبقوا هذا الحكم فيها ليدل بذلك
على أنها مما يصح أن يعرب بالحركات في حال الانفراد فوجب أن يضموا أوساطها في
الرفع فلما ضموا أوسطها انقلب آخرها واوا لأن أصلها فعل فحق أواخرها أن تقلب ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها ، والألف متى انضم ما قبلها صارت واوا وكذلك إذا انكسر
ما قبلها صارت ياء ، فلهذا وجب أن تختلف أواخر هذه الأسماء بالحروف. واعلم أن
الإعراب في الحقيقة مقدر في هذه الحروف إذ شرط الإعراب أن يكون زيادة على بناء
الاسم ، ولا يجوز أن يكون ما تفتقر إليه الكلمة من بنائها إعرابا ، وإذا كان كذلك
فالإعراب مقدر كما في الأسماء المقصورة ، وسنبين لم وجب تقديره ولم يستحق اللفظ به
في موضعه.
فإن قال قائل :
فلم وجب أن يكون الإعراب في آخر الكلمة دون أولها ووسطها ؟ فالجواب في ذلك أن الأوائل لا يصح أن تكون مواضع
الإعراب لوجهين :
أحدهما : أن
بعض الإعراب سكون ، فلو أعربت الأوائل لأدّى ذلك أن يبتدأ بالساكن ، وهذا محال ؛
لأن المبتدأ مهيج للنطق فلا يجوز أن يثير تهيجه حركة مع
__________________
الحرف ، ولو جاز الابتداء بالساكن لكان ذلك شائعا في أكثر الحروف ، لأن
الحركة غير الحروف ، فإذا جاز أن نجرد بعض الحروف من الحركة جاز ذلك في سائر
الحروف ، فلما امتنع هذا الحكم عند من يخالف في هذا الموضع إلا في حرف أو حرفين يقدر أنها ساكنة ، وإنما هو اختلاس الحركة مع ما ذكرناه
لأن الابتداء بالساكن ممتنع.
والوجه الثاني
: أن الابتداء لا بد له من حركة تختصه لما ذكرناه فلو أعرب الأول لم تعرف حركة
الإعراب من حركة البناء فلهذا لم يجز أن تدخل في الأول.
ولم يجز أن
تدخل في الأوسط لوجهين : أحدهما أن الوسط به / يعرف وزن الكلمة هل هو : فعل أو فعل
أو فعل ، فلو أعرب الوسط اختلطت أيضا حركة الإعراب بحركة البناء.
والوجه الثاني
: أن من الأشياء ما لا وسط له ، وهو ما كان عدده زوجا نحو ما كان على حرفين ك (يد
ودم) وما كان على أربعة أحرف نحو (جعفر) وما كان على ستة أحرف نحو (عضرفوط) ، فلو أعرب الوسط لأدى ذلك إلى أن يختلف موضع الإعراب
إذ كان ما ذكرناه من الأسماء لا وسط له ، فسقط أن تعرب الأوساط ، فلم يبق إلا
الأواخر ، فلهذا صارت محلا للإعراب .
ووجه آخر في
العلل ، وهو أن الإعراب قد بينا أنه دخل لإفادة المعنى ، وهو زيادة على الاسم ،
وإنما يعرف الشخص عند الفراغ من ذكر اسمه ، فيجب أن
__________________
يكون إذا فهم معنى الشخص أن يزاد عليه معنى الإعراب ، فإذا كانت معرفته
إنما تقع عند الفراغ من الاسم فلا سبيل أن يكون الإعراب [إلا بعد] فهم الشخص ومعناه ولو كان على غير هذا لأشكل معناه.
فإن قال قائل :
لم خصّوا التنوين من بين سائر الحروف فجعلوه علامة للانصراف؟ فالجواب في ذلك أن أولى ما يزاد من الحروف للعلامة حروف
المد واللين ، وإنما صارت أولى لكثرة دورها في الكلام إذ لا كلمة تخلو منها أو من
بعضها فكرهوا أن يزيدوا حرفا منها علامة للانصراف ، إذ كانت هذه الحروف تدل على
التثنية والجمع فكان يؤدي زيادتها إلى أحد أمرين : إما اللبس بالتثنية والجمع ، أو
يؤدي ذلك إلى ثقل اللفظ ؛ فسقطت زيادتها ولم يكن للحروف شيء أقرب إليها من التنوين
لأن التنوين نون خفيفة.
وإنما لقب بهذا
اللقب ليفصل بين النون التي يوقف عليها : وبين النون أعني التنوين الذي لا يوقف
عليه.
وشبهت بحروف
المد واللين أنها غنة في الخيشوم ، فليس على المتكلم فيه كلفة إذ لا يعتمد له في
الفم ، فجرى مجرى الألف في الخفة ، إذ كانت هواء في الحلق فلهذا وجب أن يزاد
التنوين علامة للانصراف.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج إلى إدخال التنوين إلى الفصل الذي ذكرتموه؟ قيل له : لأن الأسماء
كلها نوع واحد ثمّ دخل على بعضها ما أوجب له الشبه
__________________
بالحروف ، فهذا القسم يبنى على حركة أو سكون لأنه أشبه المبني وهو الحرف
وذلك نحو : أي ، وكيف وما أشبه ذلك ، ووجه شبهه بالحروف أنه ناب عنها ، وذلك قول
القائل : أين زيد؟ ينوب عن قوله : أفي الدار زيد؟ وما أشبه ذلك من الأماكن نحو
السوق وغيره فلما ناب عن حرف الاستفهام وجب أن يبنى كبنائه ، ومن الأسماء ما دخلت
عليه علّة أوجبت له الشبه بالفعل ، فهذا القسم يعرب إلا أنه لا يدخله الجر
والتنوين ، كما لا يدخل الفعل الذي أشبهه . وقسم من الأسماء لم تعرض له علّة تخرجه عن أصله وهو
الإعراب ، فلو لم يدخل التنوين عليه التبس بالمعرب الذي يشبه الفعل ، فلم يكن بد
من علامة تفصل بينهما ، فهذا الذي أوجب أن يفصل بالتنوين بين المنصرف وغيره /.
فإن قال قائل :
فلم أسقطتم التنوين في الوقف؟ قيل له : لأن التنوين تابع للإعراب ألا ترى أنه يدخل
في المرفوع والمنصوب والمجرور ، فلما كان تابعا له والإعراب لا يوقف عليه وجب أن
يسقط في اللفظ إذ كان تبعه من جهة اللفظ ، ألا ترى أن التنوين لا يوجد إلا بعد
حركة ، فإذا وجب إسقاط حركة ما قبله تبعها في السقوط.
ووجه آخر قد
ذكرناه وهو أي التنوين قد بينا أنه زيادة على الكلمة ، وحكم الزائد أنقص من حكم
الأصلي فأسقطوه في الوقف ليدلوا بذلك على نقصه.
فإن قيل لك :
هلا أسقط في الدرج وأثبت في الوقف؟
فالجواب في ذلك
من وجهين أحدهما : أن السؤال يرجع على السائل ، لو صرنا إلى ما قال. فلما لم يفدنا
إلا ما نحن عليه من الفرق لم يكن لأحد أن يعترض بهذا الاعتراض ، إذ لو فعلوا ما
سامنا السائل لكان جائزا.
__________________
والوجه الثاني
: أن ما فعلوه أولى مما سامنا وذلك أن الإعراب قد استقر أن يثبت حكمه في درج
الكلام وهو زيادة على الاسم ويسقط في الوقف فحمل التنوين عليه لاشتراكهما في أنهما
علامتان زائدتان على الاسم ، فلما وجب في الإعراب كان ما ذكرناه لأنه عند الفراغ
من الكلمة يجب أن تقع راحة المتكلم ، إذ كان آخر نشاطه آخر كلامه فأرادوا أن يكون لفظه في هذه الحال أخف من لفظه في حال النشاط ،
فجعل حال الدرج والتنوين لأنه موضع لاستراحته.
فإن قيل لك :
فلم أبدلتم من التنوين ألفا في الوقف ، وهذا قد أدى إلى التسوية بين الزائد والأصلي على ما
علمتم لأنه قد ثبت في الوقف والأصل ، لأن القصد من الفصل بين الزائد والأصلي أن
يحصل للزيادة حال نقص في حال الوقف والدرج ، ولا يثبت في حال واحدة كثبات الأصلي ،
والألف التي هي بدل من التنوين تسقط في الدرج كما يسقط التنوين في الوقف ، فقد
فارق حكم الحرف الأصلي؟ وإنما أبدلوا من التنوين ألفا لأن الألف خفيفة ، وإن
الإشارة إلى الفتح متعذرة لخفائه فكان البدل من التنوين ألفا يجتمع فيه أمران :
أحدهما : بيان الإعراب فيما قبله ، والآخر : أن تكون هذه العلامة بها حال تثبت في
الوصل والوقف حتى لا يسقط حكمها في الوقف بحال.
وإنما احتيج
إلى ذلك لأن شرط العلامة أن تثبت في كل حال ، فلما عرض في ثباتها في جميع الأصول
اللبس بالحرف الأصلي والتسوية بينها وبينه أسقط التنوين ، فيما ذكرناه وأثبت هاهنا
لئلا يخل بحكمه.
__________________
فإن قال قائل :
لم يجب الوقف على السكون وعلى الإشارة إلى الضم والكسر ؟
قيل له : قد
بينا أن الأصل إنما يجب أن يكون بالسكون ، والذي يشير إلى الضم والكسر ، فإنما
غرضه أن يبين أن لهذا الحرف حال حركة في الدرج ، وبعضهم يروم الحركة.
والفصل بين
الروم والإشمام أن الإشمام إنما يفهمه البصير دون الضرير لأنه عمل
بالشفة بعد الفراغ من الحرف ، فأما الروم فهو الاختلاس للحركة وهو / مما يدركه
البصير والضرير ، وهذه الثلاثة الوجوه يجوز في كل اسم قبل آخره ساكن ، فإن كان قبل
آخره متحرك جازت الوجوه الثلاثة فيه وجاز وجه رابع وهو تشديد آخره كقولهم في عمر :
عمرّ ، وفي خالد : خالدّ ، وإنما شددوا لأن الحرف المدغم لا يكون إلا ساكنا ، وقد
علموا أن الجمع بين ساكنين لا يجوز في درج الكلام ، فإذا شددوا علم بالتشديد أن
الحرف الآخر لا بد أن يتحرك في الوصل لسكون ما قبله وهو التشديد ، والتشديد أبين من روم الحركة ، فإذا وصلت
سقط التشديد ، وهو إنما يجوز في المرفوع ويجوز أيضا في المجرور ، إلا الإشمام فإنه
__________________
لا يستعمل في المجرور لأن ذلك لا يؤدي إلى التسوية في الصورة فلهذا رفض ،
فأما المنصوب فإنه لا يستعمل في شيء من هذا لأنه يبدل فيه من التنوين ألف فتظهر
حركة الإعراب في الوقف ويصير هذا المعنى عوضا مما تدخله الألف من التنوين ، وذلك
إذا كان في المنصوب ألف ولام أو كان لا ينصرف.
فإن قال قائل :
فلم وقع الجزم في الأفعال على ضربين مرة بحذف حرف ومرة بحذف حركة ؟ قيل له : أصل الجزم القطع ولا بد للمجزوم أن يحذف من
آخره علامة الرفع ، وإذا كان الفعل معتلا سكن آخره علامة للرفع ، ولا بد أن يكون
للجزم علامة وتأثير ، فلما لم يصادف في آخر الفعل إلا حرفا ساكنا حذفه ليكون بينه
وبين المرفوع فصل ، وجاز حذف الحرف لضعفه إذا كان ساكنا ، فجرى مجرى الحركة في
جواز الحذف عليه.
فإن قال قائل :
فلم وجب حذف الواو من قولك : لم يقم دون حذف الميم؟ ولم وجب الحذف في الجملة؟
فالجواب في ذلك
أنه ليس من كلام العرب الجمع بين ساكنين في الوصل لأن الجمع بينهما في الوصل محال
، ولكنه ليس بموجود فلم يكن بد من حذف أحد الساكنين أو تحريكه ليخرج إلى كلامهم.
وقد يمكن تعليل
امتناع الجمع بين ساكنين بأن يقال : إن الحرف الساكن إذا تكلم به [ف] إن المتكلم في حكم الواقف عليه والمبتدي بما بعده ، وقد
بينا أن الابتداء بالساكن محال ، فكان الجمع بينهما يشبه الابتداء بالساكن فلهذا
امتنعوا.
__________________
وإنما وجب
الحذف في الواو دون الميم لوجهين :
أحدهما : أن
الميم لو حذفت وبقيت الواو لجاز أن يلقاها ساكن ، ولا بد من حذف الواو أو تحريكها ، فلو حذفت أدى ذلك إلى الإجحاف بالفعل ، ولو
حركتها لأدى إلى الاستثقال إذ كانت الحركات في حروف مستثقلة ، فوجب أن تحذف الواو
وتبقى الميم التي لا يستثقل عليها الحركة ، ولا يجب حذفها.
والوجه الثاني
: أن حروف المد أضعف من غيرها ، فلما وجب حذف أحد الحرفين وجب حذف الأضعف وهو
الواو.
فإن قال قائل :
فلم لم تحركوا أحدهما؟
قيل : لو حركنا
الآخر وجب تحريكه بالفتح أو الضم إذ الكسر ممنوع من الفعل. وإن الأصل في التحريك
لالتقاء الساكنين الكسر ، ولو حركنا الآخر بالضم أو بالفتح لم تعلم علامة الجزم
لأنه أدى اللفظ إلى لفظ النصب أو الرفع ، ولو حركنا الأول لأدى / إلى الاستثقال إذ
الحركات في هذه الحروف مستثقلة.
فإن قال : أليس
قد حركتم إذا لقيها ساكن من كلمة أخرى بالكسر لسكونها وسكون الواو؟
فالجواب في ذلك
أنها لو حركت بالسكون من أجل الواو التي قبلها لصار الكسر لازما لها إذ كانت الواو
لازمة ، فلما صار الكسر لازما والجر عارضا لا يدخل الفعل ، كان الكسر اللازم أولى
بالمنع.
وأما الكسر
لأجل الساكن من كلمة أخرى فجاز لأجل أن الكسر لا يلزم الحرف لأن الكلمة الثانية لا
تلزم الفعل فلما كان الكسر عارضا استعملوه لأنه الأصل وليس مما يلزم ، وأما اللازم
فتجنبوه فهذا الفصل بينهما.
__________________
ووجه آخر في
أصل المسألة وهو أن تقول : إن أصل الساكنين إذا التقيا أن يحذف أحدهما إلا أن يكون
الحذف يوجب لبسا أو إجحافا بالكلمة فحينئذ تحركه ، فأما إذا خلا من هذين الوجهين
فالحذف أولى به ؛ لأنه إذا كان الجمع بينهما ممتنعا ، وليس في حذف أحدهما ضرر ،
كان الحذف أولى من زيادة حركة مستغنى عنها.
فإن قال قائل :
قد قلت إن الواو لا ترجع عند تحريك الميم إذا قلت : لم يقم القائم ، لأن حركة
الميم عارضة ، فلم رجعت في قولك : لم يقوما والتثنية عارضة؟
فالجواب في ذلك
أن الجزم إنما هو داخل على الرفع ، وإذا كان كذلك فالتثنية إنما يجب أن تعتبر
حالها في الرفع قبل الجزم ، فلما وجب أن تقول : هما يقومان فتظهر الواو
لأنه لا شيء يوجب إسقاطها ، ودخل الجزم حذفت النون وبقي الفعل على صورته في حال
الرفع.
وأما قولهم :
لم يقم القائم ، فالواو قد وجب إسقاطها قبل مجيء ما يوجب تحرك الميم ، لأن ما يدخل
على أول الكلمة أسبق مما يجيء بعد الفراغ منها ، وإذا كان كذلك صارت حركة الميم
عارضة إذ دخلت على ما استقر له السكون والحذف ، وليس حكم التثنية كذلك لما ذكرناه.
__________________
باب التثنية والجمع
فإن قال قائل :
لم اختلفت التثنية والجمع هذا الاختلاف ؟
فالجواب في ذلك
أنه لضرورة أدت إليه ، وذلك أن الاسم المرفوع كان حقه أن يثنى بالواو ، لأن الضمير
بالواو فيقال : جاءني الزيدون ، بفتح ما قبل الواو ، وفي الجمع الزيدون بضم ما قبل
الواو ، وكان يجب في الجر أن يقال : مررت بالزيدين ، بفتح ما قبل الياء في التثنية
وبكسره في الجمع ، فيقع الفصل بين تثنية المرفوع وجمعه وبين تثنية المجرور وجمعه
باختلاف الحركات ، فإذا بنينا المنصوب على هذا القياس لزم أن تقول : رأيت الزيدان
، لأن الفتحة من الألف ، ولو فعلنا هذا وأردنا الجمع لزم أن ترجع الألف في الجمع
كما رجعت الواو والياء في جمع المرفوع والمجرور ، ولو فعلنا هذا لم يقع فصل بين
تثنية المنصوب وجمعه لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فلما كان هذا يؤدي
إلى اللبس بين التثنية والجمع أسقطت علامة المنصوب ، ولم يكن بد من حمله إذا ثني
أو جمع على المرفوع أو المجرور فكان حمله على المجرور أولى من أربع جهات : أحدها
أنّ / المنصوب والمجرور قد يشتركان في المعنى كقولك : مررت بزيد ، معناه : جزت
زيدا فلاشتراكهما في المعنى حمل النصب على الجر.
والجهة الثانية
أنهما يشتركان في الكناية نحو قولك : مررت بك ورأيتك.
والجهة الثالثة
: أن الجر ألزم للأسماء من الرفع ، لأن الرفع ينتقل إلى الفعل فكان حمل النصب على
الإلزام أولى من حمله على المنتقل.
__________________
والجهة الرابعة
: أن الجر أخف من الرفع ، فلما أردنا حمل المنصوب وهو خفيف ، كان حمله على المخفوض
أولى.
فإن قال قائل :
فلم أدخلتم في تثنية المرفوع الألف ولم تبقوه على أصله؟
قيل له : لأنهم
أرادوا أن يستعملوا الحروف الثلاثة في التثنية والجمع كما استعملوا حركاتها في
الواحد ، فلما وجب إسقاط الألف من المنصوب لما ذكرناه ، لم يبق موضع يدخل عليه سوى
المرفوع أو المجرور فأدخلوها في تثنية المرفوع لما ذكرناه.
فإن قال قائل :
فهلّا أدخلوها في تثنية المجرور؟
قيل له :
إدخالها في تثنية المرفوع أولى لأن الواو أثقل من الياء ، فلما كان لا بد من إسقاط
الواو والياء وجب إسقاط الأثقل.
فإن قال قائل :
لم وجب فتح واو التثنية وياء التثنية في الأصل؟
قيل له : لأن
الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، والتثنية قبل الجمع ، فقد استحقت التثنية
الفتح في النصب لأصل الألف ، وحملت الياء والواو على الألف ، وضم ما قبل الواو في
الجمع ، وكسر ما قبل الياء لوجهين :
أحدهما : أن
الكسر من الياء ، والضم من الواو ، فكان أولى ما يجربه ما هو من جنسها.
والوجه الثاني
: أن الفتح قد فات باستحقاق التثنية له ، فلم يبق إلا الضم ، وكذلك لو ضم ما قبل
ياء الجمع انقلبت واوا فكان يختلط الجر بالرفع ، ولم يبق إلا الكسر.
باب [في إعراب التثنية والجمع]
واعلم أن الألف
في التثنية ، والواو في الجمع ، والياء في الجمع من حروف الإعراب عند سيبويه ، بمنزلة الدال في زيد ، والإعراب فيها مقدر كما يقدر
في أواخر المقصور نحو : عصا ، ورحى ، وإنما وجب أن تكون هذه الحروف حروف إعراب لأن
معنى الكلمة إنما يكمل بها ، وصارت آخر حرف في الاسم ، وقد بيّنا أن حكم الإعراب
إنما يكون زيادة على بناء الاسم ، فلهذا وجب أن تكون حروف الإعراب.
وإنما امتنع من
الإعراب استثقالا للحركات فيها فحذف استخفافا وقدر في التثنية.
فإن قال قائل :
فهلّا لزمت التثنية والجمع لفظا واحدا ولم تتغير هذا التغير ، كما أن المقصور لما
قدر في آخره لزم وجها واحدا فلم يتغير؟
__________________
فالجواب في ذلك
أن التغيير إنما لزم في التثنية والجمع ولم يلزم في المقصور وإن استويا فيما ذكره
السائل ؛ لأن المقصور يستدل على إعرابه بنظيره من الصحيح ، وبنعته فصار ما في
النعت والنظير من علامة الإعراب يغني عن تغير آخر المقصور. ألا ترى أنك إذا قلت :
هذه عصا معوجة ، بان الرفع في معوجة ، وكذلك لو صغت في مكانها اسما غير معتل لبان
الإعراب فيه نحو : هذا جمل /.
وأما التثنية
والجمع فلا نعت لهما إلا بتثنية أو جمع ولا نظير لهما إلا كذلك ، فلو لزمت وجها واحدا لم يكن على إعرابها دليل فجعل
تغيرها عوضا من عدم النظير.
فإن قال قائل :
فلم دخلت النون في التثنية والجمع؟
قيل له : عوضا
من الحركة والتنوين .
فإن قال قائل :
فلم وجب أن يعوض من الحركة والتنوين؟
قل له : لأن من
شرط التثنية وهذا الجمع أن يكون له علامة مزيدة على لفظ الواحد فكان يجب أن تلحقه
الحركة والتنوين فلما وجب أن يدخل التنوين والحركة التثنية والجمع وعوض ما يمتنع
من دخولهما وجب أن يعوض منهما ؛ لئلا يخل بما يوجبه ترتيب اللفظ. وقد بينا أن
الحركة إنما سقطت استثقالا ، وأما التنوين فوجب إسقاطه لأنه ساكن وهذه الحروف
سواكن فلم يكن يخلو من أحد أمرين :
__________________
إما إسقاط هذه
الحروف لسكونها وسكون التنوين فتزول علامة التثنية والجمع والحركة فيؤول إلى
الاستقبال.
أو تحرك
التنوين فيصير نونا لازمة وتخرج عن حكم العلامة التي وضع لها ، فلم يبق غير حذفها
فلهذا وجب إسقاط التنوين فلما دخلت النون عوضا لما ذكرناه دخلت ساكنة لأن الحرف
إنما تحرك لزيادة الحركة عليه وهي غيره ، فإذا زدناه مجردا من الحركة بقي ساكنا
وقبله علامة التثنية والجمع وهي ساكنة فالتقى ساكنان فحركت النون لالتقاء
الساكنين.
فإن قال قائل :
فلم كسرت في التثنية وفتحت في الجمع ؟ ففي ذلك وجوه : أحدها : أن التثنية قبل الجمع وحتى
الساكن إذا حرك بالكسر فقد استحقت نون التثنية الكسر على الأصل ؛ لأنها سابقة
للجمع ، وجازت نون الجمع وقد فات كسرها ففتحت لئلا يلتبس بنون التثنية ، فلم يبق
لها من الحركات إلا الضم والفتح ، فالضم مستثقل فيسقط وبقي الفتح.
ووجه ثان وهو
أن الجمع يقع قبل النون فيه واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة فكرهوا كسرة النون
لئلا يثقل بتوالي الكسرات أو يخرجوا من ضم إلى كسر فسقط الكسر وهو بالإسقاط أولى ،
فلم يبق إلا الفتح فجعل الكسر للأخف والفتح للأثقل ليعتدلا.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج إلى الفصل بين نون التثنية ونون الجمع وصيغة التثنية مباينة لصيغة
الجمع وإن سقطت النون فما الحاجة إلى الفصل؟
قيل : قد يشكل
جمع المقصور في النصب والجر بتثنية الصحيح كقولك : رأيت المصطفين ، فيقع ما قبل
ياء الجمع مفتوحا كما تقول في تثنية زيد : رأيت الزيدين ،
__________________
ومررت بالزيدين ، فلو لم يكسروا نون التثنية ويفتحوا نون الجمع لالتبس جمع
المقصور بتثنية الصحيح فلما وجب الفصل بين هذين أجروا كل تثنية وكل جمع على هذا
لئلا تختلف طريقتهما.
فإن قال قائل :
لم كانت النون بالزيادة أولى من سائر الحروف؟
قيل له : لم
يمكن زيادة بعض حروف المد في التثنية والجمع استثقالا / لاجتماعهما ومع هذا فكان
يجب إذا وقع حرف المد بعد ألف التثنية أن يهمز لأن كل حرف مد وقع طرفا قبله ألف
زائدة فلا بد من همزه فكان ذلك يؤدي إلى تغيير الحرف عن أصله فوجب أن تزاد النون
من بين سائر الحروف لما ذكرناه في الجمع من مذهب سيبويه وهو الصحيح عندنا.
وأما أبو الحسن
الأخفش وأبو العباس المبرّد ومن تابعهما فيقولون هذه الحروف دلائل على الإعراب
وليست بإعراب ولا حروف إعراب وهذا قول فاسد ؛ لأنه يقال لقائله : خبرنا عن قولك إن هذه الحروف دلائل
إعراب وليست بإعراب ولا حروف إعراب هل يدل على إعراب في الكلمة أو في غيرها؟
فإن قال قائل :
تدل على إعراب في الكلمة ، (فلا بد له من أن يقدر الإعراب فيها ، إذ كانت هي أواخر
الكلم فيرجع قوله إلى قول سيبويه وتسقط هذه العبارة ، أو يقول : تدل على إعراب في
غير الكلمة) . فيقال له : فإذا [كان] الإعراب لا في الكلمة ، وما عدم إعرابه فهو مبني ، ومن
مذهبه أن التثنية والجمع
__________________
معربان فيناقض قوله ولو لم يعترف بإعراب التثنية والجمع لكان لقوله مساغ
وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج وأما الجرمي فجعل انقلاب هذه الحروف هو الإعراب وقوله أيضا مختل ؛ لأن أول أحوال الاسم الرفع فإذا هو
في حال الرفع غير منقلب ، وإذا لم يكن منقلبا وجب أن يكون الاسم غير معرب فيؤدي
إلى أن يكون بعض التثنية والجمع معربا وبعضه مبنيا قد روي عن غير هؤلاء أنهم جعلوا هذه الحروف هي الإعراب كالضمة والفتحة
والكسرة وهذا القول هو أضعف الأقاويل ؛ لأن شرط الإعراب ألّا يخل سقوطه بمعنى
الكلمة إذ كان زائدا على بنائها ونحن لو أسقطنا هذه الحروف التي تدخل على التثنية
والجمع لزال معنى الكلمة فلهذا لم يجز أن يكون إعرابا.
واعلم أن
المذكر والمؤنث يستويان في التثنية لأن طريقة التثنية واحدة إذا كان معناها لا يختلف ، وإذ كان الاثنان لا يكونان
أكثر من اثنين فجعل لفظهما أيضا غير مختلف.
وأما الجمع وإن
كان فرعا على الواحد كالتثنية فإنه غير محصور ، فلم يجب أن
__________________
يكون لفظه محصورا فلهذا جاء مختلفا وفارق التثنية وإن استويا في أنهما
فرعان على الواحد.
وأما الواحد
فلم يجب أن يلزم لفظا واحدا لأنه أصل مبتدأ به موضوع على أشخاص يفصل بينهما بحدود
وخواص فلا بد أن تكون ألفاظه مختلفة والتثنية والجمع يراد بهما الشيئان يضم بهما الشيء إلى مثله ، فلهذا كان يجب أن تكون
ألفاظهما متفقة ولكن وجب الفصل بين التثنية والجمع لما ذكرنا. فإذا أردت جمع
المؤنث جمع السلامة زدت في آخره ألفا وتاء.
وإنما وجب
زيادة هذين الحرفين لما ذكرناه [من] أن حروف المد أولى بالزيادة وكانت الألف أولى في هذه المواضع لأنها أخف
حروف المد والمؤنث ثقيل والجمع أيضا ثقيل فوجب أن يدخل أخف الحروف فكانت الألف أحق
بذلك لخفتها ولم يجز أن تزاد معها من حروف المد واللين لما ذكرناه من وجوه قلبه إلى غير جنسه ، ولم يجز الاقتصار على الألف وحدها لئلا
يلتبس بالتثنية ، فطلبوا حرفا يكون بدلا من الواو التي هي حرف مد فجاؤوا بالتاء / ألا ترى أنها تبدل من الواو في تخمة وتجاه والأصل
وخمة ووجاه.
وكان أيضا
إدخال التاء أولى لأنها مع مقاربتها للواو توجب حذف التاء التي في الواحدة فنقول في
مسلمة : مسلمات ، والأصل مسلمتات ، فأسقطوا التاء
__________________
الأولى اكتفاء بالثانية وكانت أولى بالإسقاط لأن الثانية تفيد معنى التأنيث
ومعنى الجمع فلهذا كانت أولى بالإسقاط من الثانية وإنما أسقطوها لئلا يجتمع
تأنيثان
فإن قال قائل :
ألست تقول في حبلى : حبليات والألف في حبلى للتأنيث فقد أثبتها في الجمع وجمعت بين
تأنيثين فهلا فعلت ذلك في التاءين؟
فالجواب في ذلك
من وجهين :
أحدهما : أن
علامة التأنيث في حبلى الألف فإذا جمعت انقلبت الألف فزالت علامة التأنيث ، فعلى
هذا الوجه لم يجمع بين تأنيثين.
والوجه الثاني
: أن علامة التأنيث في حبلى مخالفة لعلامة التأنيث في الجمع ، ونحن في مسلمات لو
أقررنا اللفظ على هذا لكنّا قد جمعنا بين تأنيثين صورتهما واحدة ، فلهذا حذفنا
إحداهما ، فإذا أقررنا علامة التأنيث في حبلى مع علامة الجمع لم نكن قد جمعنا بين
صورتي تأنيث فيجوز الجمع بينهما لاختلافهما وهذا الوجه أيضا ذكرناه لنبين أن بين
ما يجتمع فيه صورتا تأنيث وبين ما تختلف فيه الصورتان فرقا ، والعلّة الأولى
كافية.
فإن قال قائل :
قد ادّعيت أن التاء علامة التأنيث ونحن نراها في الواحد هاء في الوقف؟ قيل له :
أصله التاء وإنما وقف عليها بالهاء ليفصل بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل ، فإن قيل
فما الدلالة على ذلك؟ قيل من وجوه :
أحدها : أنا
نصل بالتاء كقولك : مسلمة يا هذا ، فأصل الكلام الدرج فوجب أن تكون التاء الأصل
لثباتها ألا ترى أنك تقول : رأيت زيدا يا هذا ، فيثبت التنوين في الدرج وتبدل منه
في الوقف ألفا ، وكذلك فعلت بالتاء أبدلت منها هاء في الوقف.
__________________
ووجه ثان :
وذلك أن بعض العرب يقف على التاء فيقول في مسلمة : مسلمت وفي صالحة : صالحت.
قال الراجز :
الله نجاك
بكفّي مسلمت
|
|
من بعد ما
وبعد ما وبعدمت
|
صارت بنات
النّفس عند الغلصمت
|
|
وكادت الحرّة
أن تدعى أمت
|
فلما ثبتت
التاء في الوصل والوقف ولم نجد أحدا يصلها بالهاء إلا في موضع لا يعتد به إذ كانت
فيه علّة توجب ذلك ، علمنا بذلك أن التاء هي الأصل.
ووجه ثالث :
وهو أنّا وجدنا التاء في الفعل قد أدخلت علامة للتأنيث ، ووجدنا الاسم يدخله الهاء
والتاء للتأنيث في الوصل والوقف فوجب أن يحكم على التاء أنها الأصل في التأنيث إذ
لم نجد الهاء للتأنيث.
فإن قال قائل :
قد وجدنا الهاء تستعمل للتأنيث في قوله هذه أنثى؟
قيل له : ليست
الهاء علامة للتأنيث وإنما هي بدل من يا لأنهم يقولون : هذي أمة الله ، فالهاء بدل
من الياء التي في هذي ، فدل أن الهاء ليست علامة / للتأنيث.
فإن قيل : فما
الدليل على أنها بدل من الياء؟
قيل له :
الدليل على ذلك أنك تقول في تثنية هذه تان فلو كانت الهاء أصلا في نفسها لم يجز
حذفها في التثنية ولوجب أن تقول : هان ، فلما وجدناهم قد أسقطوا الهاء في التثنية
ورجعوا إلى أن قالوا تان ، كما قالوا في الذي : اللذان ، وفي ذا : ذان ، علمنا أن
الياء هي الأصل.
__________________
ووجه آخر وهو
أن الكلمة لما استعمل فيها الهاء والتاء ووجدنا التاء أثقل من الهاء ولم نجد الهاء
في غير هذا الموضع تحتمل أن تكون للتأنيث ، وجب أن تقدر الهاء بدلا من التاء وذلك
جائز لأنه عدول من الأثقل إلى الأخف ، فإذا كان ذلك محتملا وجب حمله على ما ذكرنا
لئلا يخرج عما في كلامهم.
فإن قيل : فما
الحاجة في الفصل بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل؟
قيل : لأن
الفعل قد يسمى به فإن سمي بفعل فيه علامة تأنيث لزم أن يوقف عليه بالهاء كرجل سمي
بقامت فيقال : جاءني قامة فيوقف بالهاء ، فصار من الفصل بينهما بيان ودلالة على
الاسم والفعل. فإذا قال : فلم كان الاسم بالتغيير أولى من الفعل؟ قيل له : لأن
التاء إنما تلحق من الأفعال الفعل الماضي ، والفعل الماضي مبني على الفتح فلزم طريقة
واحدة ، والاسم يلحقه الإعراب فيتغير آخره فلما احتجنا إلى تغيير أحدهما غيرنا ما
يلحقه التغيير وهو الاسم.
فإن قال قائل :
فلم كانت هذه الهاء أولى بالبدل من سائر الحروف؟
قيل : لأن
الهاء حرف خفي وهو من مخرج الألف ، فكرهوا أن يبدلوا التاء ألفا فيلتبس بالألف التي هي
بدل من التنوين فكانت الهاء أولى لذلك.
واعلم أن التاء
في جمع المؤنث حرف الإعراب فتضم في حال الرفع وتكسر في حال النصب والجر ، وقد بينا
أن الكسر إنما دخلها في حال النصب حملا على المذكر وقد اشتركا في جمع السلامة فلما
سوّي بين النصب والجر في الأسماء المذكورة سوّي أيضا بينهما في جمع المؤنث.
فإن قال قائل :
قد قلتم إن الجمع السالم ما سلم فيه بناء الواحد وإن المكسر ما
__________________
تغير فيه بناء الواحد ، ثم قلتم في بنت وأخت في حال الجمع بنات وأخوات
ففتحتم أولهما وكان مكسورا ومضموما وجعلتم هذا الجمع جمع السلامة؟
قيل : لأن
الأصل في بنت وأخت : بنوة ، وأخوة ، ولكنهما غيّرا في الواحد. ووجه التغيير أنهم
حذفوا من أخوة وبنوة الواو استثقالا ثم ألحقوا بنتا بجذع ، وأختا بقفل ، وإنما دعاهم إلى هذا الإلحاق لتحصل
التاء على لفظ الحروف الأصلية فيصير هذا الحكم لها كالعوض من حذف الواو.
فإن قال قائل :
فما الدليل على [أنّ] أصل بنت وأخت ما ادّعيته؟
قيل له : إن
الدليل على ذلك أن المؤنث إذا كان على لفظ المذكر وجب أن تكون علامة التأنيث لاحقة
لفظ المذكر كما تقول قائم وقائمة ، فلما كان لفظ بنت وأخت على طريق لفظ الأخ
والابن وجب أن تكون علامة التأنيث لا حقة على لفظ المذكر فلما كان الأخ يقال في
تثنيته : أخوان علمنا أن أصله أخو ، وأن حق التأنيث أن يدخل على هذا اللفظ فلهذا /
وجب أن يكون أصل أخت أخوة. وأما بنت فكما أنّا نقول في المذكر بنون علمنا أن الأصل
الفتح وأن بنتا كان حقها أن تجيء مفتوحة الباء على حد الفتح في بنين ، ولكنها غيرت لما ذكرناه من
الإلحاق ، فإذا جمعت لم يكن بد من حذف التاء في الواحد لأنها لم تخرج بالكلمة عن
حكم علامة التأنيث ، بل فيها حكم العلامة وإن كانت قد أجريت مجرى الحذف الأصلي
وليست بتاء مجردة زيدت للإلحاق المجرد ، لأن ما زيد للإلحاق المجرد لم يتغير فلما
كانت تاء بنت وأخت ليست خالصة للإلحاق ثم جمعوا الاسم بالألف والتاء لم يكن بد من
حذف التاء في الواحد إذ فيها حكم التأنيث فلم يجز الجمع بين
تأنيثين ، فلما وجب حذفها
__________________
بطل حكم الإلحاق فوجب أن ترد الكلمة إلى أصلها فلهذا وجب أن يكون الجمع
فيها جمع سلامة وأن تغير الأول منه.
فإن قال قائل :
فلم وجب في الجمع المكسر أن يجري بوجوه الإعراب؟
قيل له : لأن
هذا الجمع استؤنف له البناء كما استؤنف للواحد فلما أشبه الواحد في هذا الحكم وجب
أن يجري حكمه في الإعراب بحكم الواحد.
وأما ما يمتحنه
بعض النحويين بتصغير الواحد فإن ثبتت التاء أجروا الاسم بجميع الإعراب فليس بشيء ؛
لأنك تقول هذه بيوتات العرب ، ومررت ببيوتات العرب ، ورأيت بيوتات العرب فتكسر
التاء ، ولو صغرت لثبتت التاء فعلمت أن هذه العلامة ليست بأصل وأن الموجب لكسر التاء
في النصب جمع السلامة.
قال أبو الحسن : قد بيّنا أن من الأسماء ما أشبه الفعل فمنع التنوين
والجر ومنها ما أشبه الحرف فاستحق البناء ومنها ما لم يعرض له علّة فجرى بوجوه
الإعراب ونوّن.
فإن قال قائل :
فلم كان ما أشبه الفعل يمنع من التنوين والجر؟
قيل له : لأن
الفعل لا يدخله تنوين ولا جر فوجب أن يكون ما أشبهه حكمه كحكمه. وقد بينا لم امتنع
الفعل من الجر. فأما التنوين فإنما امتنع من الفعل لأنه زيادة ، والفعل ثقيل فلم
يحتمل الزيادة ومع هذا فالمعنى الذي من أجله دخل التنوين في الاسم ليس بموجود في
الفعل فلم يجز أن يدخل الفعل التنوين. وإنما حمل النصب على الجر في تثنية الأسماء
وجمعها لما بينهما من المشابهة ، [و] حمل
__________________
الجر فيما لا ينصرف على النصب ، وأما من أي وجه أشبه بعض الأسماء الأفعال
حتى منع الصرف؟ فله باب يبيّن فيه إن شاء الله .
وإنما وجب فيما
لا ينصرف الانصراف إذا دخلت الألف واللام ، أو أضيف لوجهين:
أحدهما : أن
الألف واللام والإضافة تقوم مقام التنوين وقد بينا أن وجود التنوين يوجب للاسم
الانصراف ، فما قام مقامه أيضا يوجب أن يوجب الانصراف فلهذا انصرف كل ما تدخله
الألف واللام وأضيف.
والوجه الثاني
: أن الذي منع الاسم من الانصراف شبهه بالفعل ، والفعل لا يدخله الألف واللام ولا
يضاف ، وأصل الأسماء الصرف فلما دخلها / ما يخرجها من شبه الفعل ردت إلى أصلها من
الانصراف.
فإن قال قائل :
حروف الجر تمنع من الدخول على الفعل ومع هذا إذا دخلت على ما لا ينصرف بقي على
حاله من الامتناع من الصرف فهلّا صرفته في هذه الحال إذ قد خرج من شبه الفعل كما
خرج بدخول الألف واللام عليه والإضافة؟
قيل له : هذا
يفسد من وجهين :
أحدهما : أن حروف الجر هي أحد عوامل الأسماء كالناصب والرافع ،
فلو صرفنا الاسم بدخول حروف الجر عليه لوجب أيضا أن تصرفه بدخول النواصب والروافع
عليه إذ كانت هذه العوامل لا يجوز دخولها على الفعل ، ولو فعل هذا لم يحصل فصل بين
المنصرف وغيره فسقط الاعتراض بهذا السؤال.
__________________
والوجه الثاني
: أن حروف الجر تجري فيما بعدها مجرى الأسماء التي تخفض ما بعدها ، والأفعال قد
تقع في مواضع الجر بإضافة ظروف الزمان إليها كقولك : هذا يوم يقوم زيد ، فصار وقوع
الاسم بعد حرف الجر لا يخلص للاسم إذا كان مثل هذا الموضع قد تقع فيه الأفعال.
فأما الألف
واللام والإضافة فلا يجوز بحال أن تدخل على الأفعال فلما صار هذا الموضع يخلص
للاسم دون الفعل وجب أن ينصرف.
فإن قال قائل :
فلم صار التنوين يعاقب الألف واللام والإضافة؟
قيل له : لأن
التنوين إنما يدخل على الاسم ليعلم أنه منصرف وقد بينا أن جميع ما تدخله الألف
واللام والإضافة ينصرف فلما كان جميع الأسماء إذا دخلها ما ذكرنا انصرف لم يحتج
إلى فرق فسقط التنوين للاستغناء عنه.
واعلم أنك إذا
قلت : جاءني قاض ، فالأصل أن تضم الياء في الرفع وتجرها في الجر ولكن الضمة تستثقل في هذه الياء والكسرة فحذفنا فسكنت الياء
فالتقى ساكنان الرفع والتنوين فتسقط الياء لالتقاء الساكنين ، وكانت أولى من التنوين لأن التنوين علامة
والياء ليست بعلامة فكان تبقية العلامة أولى فإذا وقعت على الاسم فقلت : هذا قاض فالاختيار حذف
الياء أيضا في الوقف.
فإن قيل :
فهلّا زدت الياء قبل التنوين؟
قيل له :
التنوين وإن سقط في الوقف فهو مراعى الحكم في الدرج وكرهوا رد الياء في الوقف لما
يلزمهم من حذفها في الدرج فكان ذلك يؤدي إلى تعب
__________________
ألسنتهم وهم يقدرون على إزالة التعب بهذا التأويل. ومن أثبت الياء اعتل
بالسؤال الذي ذكرناه ، فإذا جررت الاسم فقلت : مررت بقاض ، فحكمه حكم المرفوع
والعلّة واحدة فإذا نصبت فقلت : رأيت قاضيا ، أثبت الياء لتحركها بالفتح فأبدلت من
التنوين ألفا كما تعمل في سائر الأسماء المنصرفة.
فإذا أدخلت
الألف واللام على هذه الأسماء فالاختيار إثبات الياء لأن التنوين قد سقطت مراعاته
لأنه لا يجوز إثباته مع الألف واللام بحال. فلما سقط حكمه ردت الياء ، وبعض العرب
يحذفها ، ووجه ذلك أنه قدر إدخال الألف واللام على الاسم في حال الوقف وقد حذف منه
فبقي الحذف على حاله / كحكم الألف كقولك : هذا قاضي البلد ، وحذف الياء مع الألف
واللام والإضافة ضعيف وإنما يحسن مثله في الشعر.
فإن قال قائل :
فلم صارت الواو لا تقع في أواخر الأسماء إلا وقبلها ساكن ولم تجر مجرى الياء؟ قيل
له : لأنه لا يخلو أن يقع قبلها ضمة أو كسرة أو فتحة فلم يجز أن تثبت وقبلها فتحة
؛ لأن كل واو تحركت وقبلها فتحة يجب أن تقلب ألفا ، ولم يجز أن يقع قبلها كسرة
لأن ذلك أيضا يوجب قلبها ياء ، ولم يجز أن تقع قبلها ضمة لأنهم أرادوا الفصل بين
الاسم والفعل في هذا الحكم فقلبوا كل واو تقع طرفا وقبلها ضمة إلى الياء ليفصلوا
بين الاسم والفعل نحو : يغزو ويدعو .
والدليل على
ذلك أنهم يقولون في جمع دلو : أدل ، فهكذا والأصل : أدلو ، كما يقال في جمع فلس :
أفلس ، فبان بما ذكرناه أنهم يقلبون كل واو تقع طرفا في الاسم وقبلها ضمة إلى
الياء لما ذكرنا ، ولا بد من كسر ما قبلها لتسلم لأنه لو
__________________
بقي ما قبل الياء مضموما عادت واوا فبان أنهم قصدوا الفصل بين الاسم والفعل
بهذا التغيير
فإن قال قائل :
فلم صار التغيير بالاسم أولى من الفعل؟
قيل له : إن
الاسم يلحقه في آخره علامة الإضافة ، والنسبة ، ويدخله التصغير والجمع
المكسر ، والترخيم مع الإعراب فصارت تغييرات تلحق الاسم دون الفعل فلما احتاجوا
إلى تغيير أحدهما كان التغيير لما يلزمه التغيير في كثير من أحواله ألزم وأولى مما
لا يلزمه التغيير.
قال أبو الحسن
الأخفش : اعلم أن الأسماء المقصورة إنما ألزمت وجها واحدا لأن أواخرها لا تخلو من
أحد أمرين : إما أن تكون منقلبة من واو أو ياء ، أو تكون للتأنيث غير منقلبة والذي
أوجب قلبها ألفات ؛ تحركها وانفتاح ما قبلها فلو حركتها رجعت همزات فلما كان
الإعراب لا يسلم منها كراهية إدخاله مع ما يوجب إسقاطه فيؤدي ذلك إلى التعب ، فلم
يجز تحرك المقصور وقدر فيه الإعراب.
فأما ألف
التأنيث فلو حركت لم تخل من أحد أمرين : إما أن تقلب إلى الياء أو إلى الواو أو
إلى الهمزة فلم يجز قلبها همزة لأن ذلك يلتبس بما أصله الهمزة ، ولو قلبت واوا أو
ياء لوجب أن يرجع إلى الألف لما ذكرنا من أن الواو والياء متى تحركتا وانفتح ما
قبلها وجب أن تقلبا ألفا فلا يسلم الإعراب ، فلهذا وجب أن تقر على حالها
ومع هذا فقلبها يبطل علامة التأنيث فكان بقاء العلامة أولى من إدخال الإعراب ، لأن
الإعراب قد يسقط من جميع الأسماء في الوقف فكان أولى
__________________
هنا بالإسقاط. واعلم أن ما ينصرف من الأسماء المقصورة فعلامة انصرافه ثبات
التنوين فيه في الوصل ، فإذا أثبت التنوين وهو ساكن والألف في آخر المقصور ساكنة
التقى ساكنان فلم يكن بد من حذف أحدهما وكان حذف الأول أولى لأن التنوين علامة
والألف ليست بعلامة فكان تبقية العلامة أولى فإن وقعت سقط التنوين ورجعت الألف
المحذوفة ، وإنما قلنا إن هذه الألف الثانية في الوقف هي الألف الأصلية وليست بدلا
من التنوين لوجوه ، أحدها : جواز الإمالة فيها وحسنها ، ولو كانت بدلا من التنوين
لقبح إمالتها.
ووجه آخر : أن
التنوين أصله أن يسقط / في الوقف على ما ذكرناه فإذا سقط ردت الألف الذاهبة.
فإن قيل : كيف
خالف المقصور باب قاض ، وقد زعمت أن التنوين إذا سقط في الوقف لم ترجع الياء فهلّا
وجب ذلك في المقصور ، متى سقط التنوين ألا ترجع الألف؟
قيل له : الفرق
بينهما من وجهين أحدهما : أن باب قاض قد ثبتت الياء في حال النصب فلم يكن إسقاطها
في حال الرفع والجر إخلالا بها شديدا ، ولو أسقطنا الألف من المقصور في الوقف لم
يكن لها حال رجوع ، فكان ذلك يؤدي إلى الإخلال بها فوجب أن يردّوها [و] إذا وجب ، ردّها في موضع من الإعراب وجب أن يرجع في
جميع الأحوال لأن لفظها واحد وحكم إعراب المقصور واحد.
والوجه الثاني
: أن الألف خفيفة والياء ثقيلة فمن حيث جاز أن يبدل من
__________________
التنوين ألفا في حال النصب ، وقبح البدل من التنوين ياء في حال الجر ، لثقل
الياء وخفّة الألف ، فكذلك ها هنا قبح رد الياء في قاض لثقلها ، وحسن ردّ الألف في
المقصور لخفتها.
فإن قال قائل :
ما الدليل على أن الأزمان ثلاثة حتى رتبتم الأفعال؟
قيل له :
الدليل على ذلك أن الشيء قد تقع العدة به فيكون متوقعا وهذا لزمان الاستقبال ،
فإذا وجد فهذا الزمان هو زمان الحال ، فإذا مضى عليه وقتان أو أكثر صار ماضيا ، فقد حصلت لنا بما ذكرناه أزمان ثلاثة
فإن قال قائل :
فأي هذه الأزمنة أسبق
ففيه جوابات :
أحدها : أن يكون زمان الحال هو السابق ، لأن الشيء أقوى أحواله حال وجوده ، فيجب
أن يكون وجوده أولى ، ثم تقع العدة به فيكون متوقعا ، ثم يوجد الموعود ويقضى فيصير
ماضيا. وذلك أن الأزمنة إنما احتجنا إليها لأمر الموجودات ، والأمر فيما بيناه ،
فلهذا وجب ترتيبها على ما ذكرناه.
والجواب الثاني
: أن المستقبل قبل الحال والماضي ، لأنه بعد أن يقع بما ليس بموجود ثم يصير موجودا ثم يمضي ، فقد بان بما ذكرناه أن الماضي
من الزمان بعد المستقبل والحال ، والمستقبل يجوز أن يكون بعد الحال ويجوز أن يكون
الحال بعد المستقبل.
والوجه الثالث
: وهو أقوى عندنا ، فإنما من جهة اللفظ فالماضي قبل المستقبل
__________________
لأن قولك : ضرب ثلاثة أحرف ، فإذا قلت : يضرب فقد زدت عليه حرفا ، فما لا
زيادة فيه قبل ما فيه الزيادة.
فإن قال قائل :
فلم جعلتم للمستقبل والحال عبارة واحدة تدل عليهما ولم تشركوا بين الماضي والحال
بعبارة واحدة ؟
ففي ذلك جوابان
:
أحدهما : أن
المستقبل قد حصل مضارعا للأسماء دون الماضي ، ووجدنا الأسماء قد تستعمل اللفظة
الواحدة منها لأشياء مختلفة ، ألا ترى أنهم قالوا : العين ، لعين الإنسان ، ولعين
الماء ، ولعين الميزان ، ولحقيقة الشيء ، وللطليعة ، وغير ذلك ، فكذلك أيضا جعلوا
عبارة واحدة تدل على معنيين في الأفعال المضارعة كما جعلوا ذلك في الأسماء. وأما
الماضي فإنه لم يجب له هذا الحكم.
والوجه الثاني
: أن الحال لما كان وقته قصيرا لم يستحق لفظا يخص به لقصر مدته فجعل تبعا في
العبارة للزمان المستقبل لاشتراكهما في تقدمهما للماضي ، فلهذا وجب أن ترتب
الأفعال على الأزمنة / الثلاثة وقد بيّنا حكم الأفعال في الإعراب والبناء فلهذا لم
نعده
فإن قال قائل :
فلم خص الفعل المضارع بهذه الزوائد من بين سائر الحروف؟
فالجواب في ذلك
أنّا قد بينا أن أول ما تزاد حروف المد ، إلا أن الواو لم يجز
__________________
أن تزاد لأنها تستثقل وتبدل إذا كانت أصلية نحو قوله تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ
أُقِّتَتْ) [المرسلات : ٧٧ / ١١] وأرخ الكتاب والأصل : وقتت وورخ الكتاب ، فإذا كانوا
يفرون منها إذا كانت أصلية وجب ألا يزيدوا ما يفرون منه ، فلما بطل أن تزاد الواو
في أول المضارع جعلوا في موضعها حرفا تبدل منه وهي التاء لأنها قد تبدل من الواو في مواضع منها :
تجاه وتخمة ، ولم تجعل الهمزة بدلا من الواو وإن كانت تبدل منها
لأنا نحتاج إلى أن نبدلها مكان الألف ، وهي أقرب إلى الألف منها إلى الواو ،
والألف لا يجوز أن تزاد أولا لأنها ساكنة ، والابتداء بالساكن لا يجوز ، فجعلت
الهمزة بدلا من الألف لقربها منها ، وبقيت الياء على أصلها واحتجنا إلى حرف رابع فكانت النون أولى من سائر الحروف
لما ذكرناه من شبهها بحروف المد.
فإن قال قائل :
فلم سكنتم الحرف الذي يلي حرف المضارعة في الأفعال الثلاثية وحركتموه في الرباعية؟
قلتم : هو يضرب فسكّنتم الضاد وكانت متحركة في ضرب ، وقلتم : يدحرج فجئتم بالدال
على أصلها؟
فالجواب في ذلك
أنهم لو أبقوا الضاد على حركتها لتوالى أربع حركات لوازم وهذا ليس في كلامهم ، إلا
أن تكون الكلمة محذوفة نحو : عليبط وهدبد
__________________
والأصل : علابط وهدابد ، لأنهم يستعملون الوجهين جميعا بمعنى واحد فعلم أنهم خففوا
اللفظة لطولها حتى صارت : علبط ، وهدبد ، وكذلك ضربني جاز أن يجتمع فيه أربع حركات متواليات لأن
المفعول لا يلزم الفعل فلم يعتبروا بتوالي الحركات إذ كانت غير لوازم ، فإذا صح
أنه ليس في كلامهم ما ذكرنا لم يجز تبقية الضاد في تضرب على حركتها. فإن قال قائل
: لم صارت أولى بالإسكان؟
قيل : لأن
الأول لا يجوز إسكانه لأنه ابتداء بساكن ، ولا يجوز إسكان آخر الفعل لأن ذلك يوجب
بناءه وقد حصل مستحقا للإعراب بالمضارعة للاسم ، فلم يبق إلا الضاد ، والراء عين
الفعل وبها يعرف اختلاط الأفعال مما هو على : فعل ، أو فعل ، أو فعل فلما كان
الإسكان في الراء يوجب لبسا لم تسكن ، ولم يبق إلا الضاد ، فلهذا صارت بالإسكان
أولى ، فأما يدحرج فلم يعرض فيه توالي أربع حركات وجاء على الأصل.
فإن قال قائل :
أليس أكرم على وزن دحرج ، والمضارع بإسكان الثاني من أكرم خلافا لدحرج فما وجه ذلك؟
قيل له : الأصل
في يكرم : يؤكرم كما تقول : يدحرج ولكن الهمزة حذفت ، والسبب في حذفها أن المتكلم
لو أخبر عن نفسه لزمه أن يقول : أنا أأكرم ، فتلتقي همزتان زائدتان ، وذلك مستثقل
، وقد وجدناهم يحذفون الهمزة الأصلية استثقالا لها كقولك : خذ وكل ، والأصل أخذ
وأكل ، لأنه من أخذ وأكل ، فكان حذف الزائد أولى مع ما فيه من الاستثقال فوجب أن
تحذف الهمزة.
__________________
/ ثم أتبعوا
سائر حروف المضارعة الحذف لئلا يختلف طريق الفعل ، والهمزة المحذوفة هي الثابتة
لأن الأولى دخلت لمعنى فكان حذف التي لا معنى لها أولى ، وأيضا فإن الثانية هي
الموجبة لثقل الكلمة إذ كانت الأولى لا تثقل بها الكلمة فكان الموجب للثقل أولى بالحذف.
فإن قال قائل :
فلم اختلف أول أفعال المضارعة ، وكان الرباعي منها مضموم الأول وما عداه مفتوح
الأول؟
فالجواب في ذلك
أن الأصل الفتح في جميع ذلك ، وإنما وجب الفتح لأنه أخف الحركات ، ونحن نتوصل به
إلى الابتداء كما نتوصل بالضم والكسر فكان استعمال (الفتح أخف) وأولى إلا أن المضارع من الفعل الرباعي إذا كان أول الماضي
همزة وقد بيّنا أنه يجب إسقاطها فيصير لفظ المضارع على أربعة أحرف في الرباعي
فيصير كمضارع الفعل الثلاثي ، فلو بقيناه مفتوحا التبس بالثلاثي فضم أول مضارع
الرباعي ليفصل بينه وبين مضارع الثلاثي ثم أتبع سائر مضارع الرباعي لهذا القسم لئلا يختلف طريقه ويجري الفعل على طريق واحد.
فإن قيل : فلم
كان الفصل بالضم أولى؟
قيل له : لأن
الضم هو الأصل والكسر مستثقل ، إذ كان الجر قد منع من الفعل فلم يبق إلا الضم.
__________________
ووجه آخر : أن
الضم أقوى الحركات فأدخل على أول مضارع الرباعي ليكون عوضا من الحرف المحذوف.
فإن قيل : فلم
صار الرباعي أولى من ضم الثلاثي؟
قيل : لأن
الرباعي أقل في الكلام من الثلاثي وكرهوا ضم الثلاثي لئلا يكثر في كلامهم ما
يستثقلون ، ووجه آخر : وهو أن الضم أقوى من الفتح ، وكان الرباعي قد حذف منه حرف ،
فوجب أن يعطى الرباعي الحركة القوية ليكون فيه مع الفصل عوضا من المحذوف.
فإن سئل : لم
ضممتم أول يدحرج وهو خمسة أحرف وليس يلتبس بالثلاثي؟
قيل : لئلا
يختلف طريق الفعل الرباعي ، فلما لزم الضم في بعضه لعلّة أجري سائر تصاريفها عليها
لئلا يختلف.
فإن قال قائل :
فلم استوى لفظ المتكلم مؤنثا كان أو مذكرا وفصل ما بين المخاطب والغائب .
قيل : لأن
المتكلم لا يختلط بغيره ، فلما لم يقع فيه التباس لم يحتج إلى فصل ، فتقول : أنا
أقوم وإن كان مؤنثا ، وكذلك : نحن نقوم للمذكر والمؤنث ، وسنبين لم استوى لفظ
التثنية والجمع للمتكلم في باب الضمير إن شاء الله.
فأما المخاطب
فيفصل بينه وبين المذكر والمؤنث فقيل : أنت تقوم للمذكر ، وأنت تقومين للمؤنث ،
لأن المخاطب قد يشترك فيه المذكر والمؤنث فلا يعلم المراد منهما إلا بالفصل
والتمييز فاحتيج إلى الفصل والتبيين ، فزيد على لفظه المؤنث ياء ونون فأما الياء
فهي إظهار الفاعل وفيها علامة التأنيث ، وإنما اختص المؤنث بالعلامة لأنه فرع على
المذكر فاحتاج إلى زيادة لفظ على لفظ المذكر
__________________
كما تقول : قائم وقائمة ، ولم يجعل العلامة بالنقص في اللفظ الذي هو الأصل
لئلا يزول معناه ، وإنما خص المؤنث بالياء علامة ، لأن علامة التأنيث قد تكون
بالكسر وبالياء في نحو : هذي أمة الله ، ورأيتك ذاهبة.
فإن قال قائل /
من أين زعمتم أن الياء في تضربين ضمير الفاعل دون أن تكون علامة محضة؟.
قيل إذا ثنّينا أسقطنا الياء فقلنا : أنتما تضربان ، فلو كانت
الياء علامة محضة لم يجز إسقاطها ، ألا ترى أنك تقول : قامتا ، وذهبتا ، فثبتت
التاء مع إدخال الضمير ، فلما سقطت الياء علمنا أنها ضمير الفاعل لأن الألف تكفي منها وليست بعلامة محضة ولكنها علامة وضمير ، وإنما
زيدت عليها النون لأن الفعل لما ظهر فاعله ، والفعل والفاعل بمنزلة شيء واحد ، لم
يخرج الفعل بإظهار الفاعل عما يوجب له الإعراب ، إذ كانت المضارعة ثانية له وقد بطل أن يكون
آخر الفعل حرف الإعراب لأنه قد لزمه اللين من أجل الياء ، فوجب أن تجعل فيه علامة
الإعراب ، وقد بينا أن النون تشبه حروف المد وهي أولى بالزيادة بعدها فزيدت النون
، وجعلت علامة للرفع بمنزلة الضمة فلهذا زيدت النون.
وأما الغائب
فجعل لفظ المذكر المخاطب للمؤنث الغائب كقولهم : هي تقوم ، وإنما وجب ذلك لأن صيغة
الفعل يكتفى بها في العلامة من غير زيادة لفظ آخر وجعلوا للمذكر الغائب الياء فوقع
الفصل بينهما بالياء والنون كقولك : يضربن لجماعة المؤنث ، وهم يضربون لجماعة
المذكر.
__________________
باب ارتفاع الفعل المضارع
واعلم أن الفعل
المضارع إنما يرتفع عند أهل البصرة بوقوعه موقع الاسم ، وسواء كان الاسم مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا كقولك في
المرفوع : زيد يقوم ، وهو في موضع زيد قائم ، فأما المنصوب فنحو قولك : كان زيد
يقوم في موضع : كان زيد قائما ، وأما المجرور فنحو قولك : مررت برجل يقوم ، فهو في
موضع مررت برجل قائم.
وإنما استحق
الرفع لوقوعه موقع الاسم لوجهين :
أحدهما : بأن
وقوعه موقع الاسم معنى وليس بلفظ ، وهو مع ذلك متجرد من العوامل اللفظية فمن حيث استحق
المبتدأ الرفع أعطي الفعل في هذا الموضع الرفع.
والوجه الثاني
: هو أن الفعل له ثلاثة أحوال :
أحدها : أنه
يقع موقع الاسم وحده كقولك : زيد يقوم ، وهو في موضع قائم.
والثاني : أنه
يقع موقع الاسم مع غيره كقولك : أريد أن تذهب ، فهو بمنزلة أريد ذهابك.
والحالة
الثالثة : ألا يقع موقع الاسم بنفسه ولا مع غيره كقولك : إن تأتني
__________________
آتك ، وكذلك : لم يقم زيد ، لا يصح أن يقع الاسم موقع ما ذكرناه ويكون
بمعناه ، فلما كان الفعل قد حصل على هذه الأشياء الثلاثة ، وكان الاسم هو الأصل في
الإعراب ، كان وقوع الفعل في موضعه أقوى أحواله ، فوجب أن يعطى أقوى الحركات وهو
الرفع ، ولما كان وقوعه مع غيره موقع الاسم دون ذلك في الرتبة جعل له النصب ، ولما
كان وقوعه في موضع لا يصح وقوع الاسم فيه فبعد بذلك من شبه الاسم بعدا شديدا أعطي
من الإعراب ما لا يصح دخوله على الاسم لبعد شبهه منه وهو الجزم.
والفراء يقول : إن الفعل المضارع يرتفع بسلامته من النواصب
والجوازم ، وعند الكسائي / أنه يرتفع بما في أوله من الزوائد ، فأما قول الكسائي
فظاهر الفساد ؛ لأن هذه الزوائد لو كانت عاملة رفعا لم يجز أن يقع الفعل
منصوبا ولا مجزوما وهي موجودة فيه لأن عوامل النصب لا يجوز أن تدخل على عوامل
الرفع لأنه لو دخل عليه لكان يجب أن تبقى في حكمها فيؤدي ذلك إلى أن
__________________
يكون الشيء مرفوعا منصوبا في حال وهذا محال ، فلما وجدنا هذا الفعل ينصب
ويجزم والحروف في أوله موجودة علمنا أنها ليست علّة في رفعه.
وأما الفراء
فقوله أقرب إلى الصواب وفساده مع ذلك هو أنه جعل النصب والجزم قبل الرفع لأنه يرتفع بسلامته من
النواصب والجوازم ، وأول أحوال الإعراب الرفع ، وقوله : فوجب أن يكون الرفع بعد
النصب والجزم ، فلهذا فسد فاعلمه.
باب حروف النصب
واعلم أن حروف
النصب على ما ذكرنا تنقسم قسمين : قسم بنفسه ، وقسم يعمل بإضمار (أن).
وإنما وجب
النصب ب (أن) وأخواتها لأن (أن) الخفيفة مشابهة ل (أنّ) الثقيلة في الصورة والمعنى
فمن حيث وجب أن تنصب تلك الاسم نصبت هذه الفعل ، وما ذكرناه من أخواتها محمول
عليها ، ووجه هذا الحمل أن هذه الحروف أعني : لن ، وكي ، وإذن ، تقع للمستقبل
كوقوع (أن) له فلما كانت مشابهة ل (أن) في إيجابها لكون الفعل للمستقبل نصبت لا
غير كنصب (أن) وقد ذكرنا في الفصل المتقدم علّة أخرى في نصب (أن) فأغنى عن إعادته .
واعلم أن ل (إذن)
ثلاثة أحوال :
أحدها أن تنصب
لا غير.
والثانية : أن
يجوز إلغاؤها وإعمالها.
__________________
والثالثة أن لا
يجوز إعمالها.
الحال الأولى :
أن تقع مبتدأة كقولك : إذن أكرمك.
والحال الثانية
: أن تقع وقبلها الواو أو الفاء ، كقولك : أنا أحبك وإذن أكرمك ، وإن شئت رفعت وإن شئت
نصبت ، فمن نصب قدر الواو عاطفة جملة على جملة فصارت (إذن) في الحكم كالمبتدأ فلهذا نصب ، ومن رفع جعل الواو عاطفة
على الفعل الذي قبله وألغى (إذن) وإنما ساغ إلغاؤها لشبهها بظننت إذ توسطت بين
الاسم والخبر ، وهذا التشبيه إنما ساغ لأن العرب قد ألغت (إذن) في
العمل كقوله تعالى : (وَإِذاً لا
يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء : ١٧ / ٧٦] ويجوز إنما حملهم على إلغائها ليكون في الحروف التي هي أضعف من الأفعال
ما يجوز فيه الإعمال والإلغاء ، كما جاز في الأفعال التي هي أقوى ، فلهذا جاز
إلغاؤها وإعمالها.
والحال الثالثة
: لا يجوز أن تعمل فيها وهي أن تقع بين كلامين لا بد لأحدهما
__________________
من الآخر كالمبتدأ والخبر والشرط والجزاء كقولك : زيد إذن يكرمك ، وإن
تأتني إذن آتك وأكرمك ، وكذلك إن وقعت بين القسم والمقسم به كقولك : [والله] إذن لأقوم ، وإنما ألغيت في هذه المواضع لاحتياج ما
قبلها إلى ما بعدها فجاز أن يطرح حكمها لاعتماد ما قبلها على ما بعدها.
وأما (كي)
فللعرب فيها مذهبان :
أحدهما : أن
يعملوها في الفعل كعمل (أن) لما ذكرناه من التشبيه.
والمذهب الثاني
: أن يجروها مجرى لام الجر فيكون النصب بعدها بإضمار (أن) ، وذلك / أن بعض العرب يقولون : كيمه ، كما يقولون : لمه ،
فلما أجريت مجرى لام الجر لم يجز أن تعمل في الفعل فوجب أن تضمر (أن) بعدها .
واعلم أنه قد
حكى الخليل رحمهالله أن أصل (لن) لا أن ولكنها حذفت فبقيت لن تخفيفا فردوا ذلك عليه بأن قالوا : إن ما بعد (لن) لا يعمل فيما
قبلها ، ولو كانت (لن) على ما زعم الخليل لم يجز زيدا لن أضرب ، فتقدم ما بعد (لن)
عليها وللخليل أن ينفصل من هذا بأن يقول : وجدت الحروف متى ركبت خرجت عما كانت
عليه ، فمن ذلك (هل) أصلها الاستفهام ولا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها لو قلت
: زيدا هل ضربت؟ لم يجز ، فإذا زيد على هل (لا) ودخلها معنى التحضيض جاز أن يتقدم
ما بعدها عليها قولك : زيدا هلّا ضربت ،
__________________
فإذا كان تركيب الحروف يخرجها عن حكم ما كانت عليه قبل التركيب لم يلزم
الخليل في لا أن الذي ذكرناه ، إلا أن قول الخليل في الجملة ضعيف من وجه آخر وهو
أن اللفظ متى جاءنا على صفة ما وأمكن استعمال معناه لم يجز أن يعدل عن ظاهره إلى
غيره من غير ضرورة تدعو إلى ذلك ، فلما وجدنا أن معناها مفهوم بنفس لفظها لم
يجز أن ندعي أن أصلها شيء آخر من غير حجة قاطعة ولا ضرورة ، ويدل أيضا على ضعف قول
الخليل أنه يجوز أن يليها الماضي و (أن) لا يليها إلا المستقبل ، فعلمنا أن حكم (أن) ساقط وأن (لن)
حرف قائم بنفسه وضع للفعل المستقبل.
فإن قال قائل :
من أين زعمتم أنّ (أن) تضمر بعد (حتى) واللام و (الفاء) و (الواو) ، ولم تجعلها
مقدرة بعد (إذن) و (كي) و (إن)؟
فالجواب في ذلك
أن (لن) و (إذن) و (كي) تلزم الأفعال وتحدث فيها معنى وإن كان بعض العوامل قد يوقع
عمله بالتشبيه باللفظ دون المعنى فإذا كان كذلك وجب أن يكون حكم هذه الحروف في
أنها عاملة فيما بعدها كحكم (أن) و (لن) لاشتراكهما في لزوم الفعل ، وأما (حتى) و
(الفاء) و (الواو) فالدلالة قد دلت على أنّ (أن) مضمرة بعدها وذلك أنّ (حتى) قد
ثبت حكمها أن تخفض الأسماء ولا يجوز لعامل الاسم أن يعمل في الفعل ، فلما وجدنا
الفعل بعد (حتى) منصوبا وقد استقر لها الخفض وأمكن أن تجعل في هذا الموضع على
بابها بأن تقدر بعدها (أن) لأنّ (أن) والفعل بمنزلة المصدر فتصير (حتى) في المعنى
خافضة ل (أن) وما تعلق بها ، وجب أن تقدر (أن) بعدها لئلا يخرجها عن أصلها وعن
أحكام العوامل.
__________________
فإن قال قائل :
فهلا جعلتم أصلها النصب للفعل إذا كان إظهار (أن) لا يجوز إذ صار أصلها النصب
للفعل احتجتم إلى إضمار حرف يخفض الاسم إذا وليها كما فعلتم في إضمار ما ينصب
الفعل؟
فالجواب في ذلك
أن حروف الجر من شأنها أن تقوم بنفسها ومن شرط المحذوف ألا يحذف حتى تقوم دلالة
على حذفه ، فلما وجدناهم يقولون : ضربت القوم حتى زيد ، ويخفضون علمنا أنها خافض.
فإن قال : أليس
/ يحسن أن تقول : ضربت القوم حتى انتهيت إلى زيد؟
قيل له هذا لا
يجوز لأنا نكون قد أضمرنا فعلا وحرفا ، والأفعال التي تصل بحرف الجر لا يجوز
إضمارها ، فلهذا سقط أن تقدر الخفض بعد (حتى) بحرف سواها.
وأما إضمار (أن)
فله نظير لأنه تخفيف بعض الاسم ، وبعض الاسم موجود في كلامهم فلهذا كان جعل (حتى)
خافضة للاسم أولى من جعلها ناصبة للفعل.
ووجه آخر أن (حتى)
معناها ومعنى (إلى) متقارب ، وقد ثبت أن (إلى) خافضة فيجب أن تكون [حتى] خافضة لقربها من (إلى) في المعنى.
وأما اللام
فوجب إضمار (أن) بعدها لأنها خافضة ، وقد بينا أن عوامل الأسماء لا تعمل في
الأفعال ويمنع هذا أنّ إضمار (أن) بعدها حسن كقولك : جئت لأن تقوم ، يدل على أنّ
النصب بإضمار (أن) لا باللام.
واعلم أن هذه
اللام إذا كان قبلها نفي لا يحسن إظهار (أن) بعدها كقولك : ما كان زيد ليقوم ، ولا يحسن ما كان زيد لأن
يقوم ، وإنما لم يحسن
__________________
ذلك لأنه جواب لقولك ، كان زيد سيقوم فتقول : ما كان زيد ليقوم ، فلما كانت
جوابا لشيئين و (ما) حرف لا يعمل أرادوا أن يكون الجواب أيضا بحرف لا يعمل في
الفعل ليشاكل الجواب ما هو جواب له ، فلهذا لم يحسن إظهار (أن).
فأما (الفاء) و
(الواو) و (أو) فحروف عطف ، وحروف العطف لا تعمل شيئا لأنها لا تختص بالدخول على
الفعل دون الاسم ولا بالدخول على الاسم دون الفعل ، وكل حرف كان على هذا السبيل لم
يعمل شيئا ، فلما وجدنا الفعل بعد هذه الحروف منصوبا علمنا أنه انتصب بغيرها وهو (أن).
فإن قال قائل :
فلم صارت (أن) بالإضمار أولى من أخواتها؟
ففي ذلك وجهان
:
أحدهما : أنّ (أن)
هي الأصل لهذه الحروف في العمل لما ذكرناه فوجب أن يكون المضمر (أن) لقوتها في
بابها ، وأن يكون ما حمل عليها يلزم موضعا ولا يتصرف.
والوجه الثاني
: أنّ (أن) يليها الماضي والمستقبل فصارت أشد تصرفا من أخواتها لأنه لا يليها إلا
المستقبل فلما حصلت لها مزية على أخواتها في الإظهار كانت أولى بالإضمار ، وأيضا
فإنّ (أن) ليس لها معنى في نفسها كمعنى : (لن) و (إذن) و (كي) ، ولأجل نقصها في
معناها جاز أن تحذف ولم يجز إضمار أخواتها لكثرة فائدتها.
فإن قال قائل :
فهلّا يجوز القياس على هذا حتى يجوز إضمار (أن) في كل موضع؟
قيل له : لا ،
فإن قال : فلم خصت هذه المواضع بهذا؟
قيل له : إنما
لم يجز إضمار (أن) في كل موضع لأنه عامل ضعيف ، وليس من شرط العامل الضعيف أن يعمل
مضمرا ، وإنما جاز إضماره في هذه المواضع لأن
هذه الحروف العوامل أعني (اللام) و (حتى) وأخواتها صارت عوضا منها ، فجرت
في العوض مجرى (الواو) التي تقع عوضا من (رب) كقوله :
وبلد عامية
أعماؤه
|
|
وبلدة ليس
بها أنيس
|
إلا
اليعافير وإلا العيس
|
وكقوله : وبلدة قطعت أي رب بلدة قطعت ، فلما صارت عوضا من أن حسن حذفها.
باب حروف الجزم
فإن قال قائل :
لم / صارت (لم) وأخواتها وحروف الشرط تختص بالجزم دون غيره من الإعراب؟
قيل له : قد
بيّنا أن الجزم لا بد من دخوله على الفعل ليكون بإزاء الجر في الأسماء ، ووجب أن
تكون هذه العوامل عاملة لأنها قد لزمت الفعل وأحدثت فيه معنى وإنما خصت بالجزم لأن
الشرط والجزاء يقتضي جملتين كقولك : إن تضرب أضرب ، فلطول ما يقتضيه الشرط والجزاء
اختير له الجزم لأنه حذف وتخفيف.
__________________
وأما لم اختير
الجزم لها [ف] لأنها ضارعت حروف الجزاء من أجل أن الفعل المضارع يقع
بعدها بمعنى الماضي كما يقع الماضي بعد حروف الجزاء بمعنى الاستقبال فلما تشابها
من هذا الوجه جعل عملهما الجزم ، وأما (لا) في النهي فإنما اختصت بالجزم لأن النهي
نقيض الأمر والأمر مبني على السكون إذ لم يكن في أوله اللام فجعل النهي نظيرا له
في اللفظ ، فلهذا خص بالجزم ، وأما (لام) الأمر فجعلت لازمة للجزم لاشتراك الأمر
باللام وغير اللام في المعنى ، وخصت اللام بذلك لأنها تدخل على الغائب فشابهتلام
التعريف لأنها تستعمل للعهد ولمن هو غائب ؛ فأدخلت اللام من بين سائر الحروف
لهذا المعنى. وأما قولنا في الكتاب : أفلم ، وأفلما ، فالأصل : لم ، وتدخل عليها فاء العطف
وواو العطف وألف الاستفهام ، والجزم : إنما هو بلم إذ كان ما دخل عليها لا تأثير
له.
وأما (لمّا)
فالجزم يقع بها ، وبينها وبين (لم) فروق ذلك أن (لم) نفي لقولك : قام زيد ثم تقول : لم يقم زيد
فإذا قلت : قد قام ، فنفيه : لما يقم ، وذلك أن (قد) فيها معنى التوقع فزيدت (ما)
على (لم) بإزاء قد الداخلة على الفعل في أول الكلام ، والدليل على أن (لمّا)
مخالفة في الحكم ل (لم) أنه يجوز السكوت عليها فيقال في الجواب : لما ولا يذكر
بعدها شيء ، ولا يجوز ذلك في لم فعلم الفرق بينهما.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج إلى إبانة لفظ الماضي بعد (لم) إلى لفظ المستقبل؟
__________________
قيل له : لما
وجب ل (لم) عمل للفعل بما ذكرناه ، فلو ألزموه الماضي لما بان عمله ، فوجب أن ينقل لفظ الماضي إلى لفظ المستقبل حتى يتبين
الجزم.
فإن قيل : أليس
أصل حروف الشرط أن يليها المستقبل كقولك : إن تضرب أضرب ، ثم جوزوا أن يليها
الماضي فهلّا استقام مثل هذا في (لم) وأوقعتم من بعدها الماضي والمستقبل جميعا؟.
قيل له : الفصل
بينهما أن أصل حروف الجزاء أن يليها المستقبل لأن الجزاء إنما يكون في المستقبل ،
والفعل المضارع أثقل من الماضي إذ كان [الماضي] أخف منه.
وأما (لم)
فالأصل أن يليها الماضي ، وقد أوجبت العلّة إسقاط الأصل واستعمال الثقيل أعني
المضارع فلم يجز أن يرجع إليه ؛ لأنهم لو استعملوا الأصل الذي هو الخفيف وقع
الجازم على غير ما بني له ، والمعنى لا يشاكل المضارع فوجب إسقاط الأصل وأساؤوا استعمال المضارع في موضعه فلذلك افترقا فاعرفه.
واعلم أن
الأمثلة التي تعلم نحو : يفعلان ، وتفعلان ، ويفعلون ، وتفعلون ، وأنت
تفعلين ، فإنما وجب أن يكون إعرابها بالنون ، لأن هذه الأفعال لما لحقتها ضمائر الفاعلين / وكان
الفعل والفاعل كالشيء الواحد وجب أن يظهر الضمير معها كبعض حروفها.
__________________
وهذه الضمائر
أعني الألف ، والواو ، والياء ، في تضربين إنها لا يكون ما قبلها من حروف الإعراب
لأنه لو جعل ما قبلها من حروف الإعراب لجاز أن يسكن في الجزم فيلتقي ساكنان فكان
يؤدي ذلك إلى حذف الضمير لالتقاء الساكنين ، وكان أيضا يجب أن تنقلب الألف واوا
إذا انضم ما قبلها وكذلك الياء فتختلط العلامات ، فلما كان يؤدي إعراب ما قبل هذه
المضمرات إلى ما ذكرنا بطل أن يكون ما قبلها حرف الإعراب ، ولم يكن لحاق هذه
الضمائر بمزيل للفعل عن استحقاق الإعراب لأن مضارعته لم تزل ولا بد من إعراب ، وقد
فات حرف إعرابه أن يعرب فجعلوا النون بمنزلة الضمة ، وجعلت بعد هذه الضمائر ، ولم
يجز أن تجعل هذه الضمائر حروف الإعراب كما جعلت (الألف) و (الواو) و (الياء) في
تثنية الأسماء وجمعها ، لأن هذه الضمائر ليست بجزء من الفعل في الحقيقة وإنما هي
أسماء في أنفسها ، ولم يجز أن يكون إعراب الفعل في غيره لأنها من جهة اللفظ قد
جعلت كجزء من الفعل فوجب أن يكون الإعراب بعدها ، وكانت النون من سائر الحروف لما ذكرناه من شبهها بحرف المد ، وجعل تثبيتها علامة
للرفع بمنزلة الضمة وأسقط في الجزم كما تسقط الضمة ، وحمل النصب على الجزم إذ كان
لفظ هذه الأفعال قد صار كلغة تثنية الأسماء وجمعها ، وحمل النصب على الجزم في هذه
الأفعال لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء.
فإن قال قائل :
أنت تذهبين إنما هو خطاب للواحدة فلم استوى نصبه وجزمه وليس في الأسماء المفردة ما
حمل نصبه على جزمه؟
قيل له : إن
قلنا : أنت تضربين ، وإن كان خطابا للواحدة فهو مشبه للفظ الجمع ، ألا ترى أن
الجمع في حال النصب والجر يكون آخره ياء قبلها كسرة كما أن في
__________________
الزيدين قبل الياء كسرة ، والنون بعدها كما هي بعد الياء في الجمع ، فلما
شابه لفظ الجمع أجري بمجراه لهذه العلّة ، وفتحت النون تشبيها بنون الجمع في اللفظ
، فأما كسر النون في تضربان وفتحها في تضربين فالعلّة فيها كالعلّة في تثنية
الأسماء وجمعها.
واعلم أن
الأفعال لا تثنى ولا تجمع وإنما يلحقها علامة التثنية والجمع على وجهين:
أحدهما : أن
تكون الألف والواو ضمير الأسماء إذا تقدمت نحو قوله : الزيدان يقومان ، والزيدون
يقومون.
والوجه الثاني
: أن تكون الأسماء الظاهرة بعد الفعل فتصير الألف والياء لاحقتين للفعل علامة
للتثنية والجمع وليست بضمير ، وإنما زادوها ليدلوا [على] أن الفعل لاثنين وجماعة كما يلحقون الفعل علامة التأنيث
كقولك قامت هند ليدلوا [على] أن الفعل لمؤنث فتقول على هذا : قاما الزيدان وقاموا
الزيدون وليس ذلك بالكثير في كلام العرب .
__________________
فإن قال قائل :
فلم لم يلزموا الفعل علامة للتثنية والجمع كما ألزموا الفاعل علامة التأنيث؟.
قيل له : الفصل
بينهما أن التثنية ليست بلازمة في جميع الأحوال فلم تلزم /
علامتها كما تلزم هي في نفسها.
فأما التأنيث
فلازم في الاسم لا يفارقه فلهذا ألزمت علامة التأنيث الفعل.
فإن قال قائل :
فلم زعمتم أن الفعل لا يثنى ولا يجمع؟.
قيل له : في
ذلك وجوه : أحدها : أن لو جازت تثنيته مع الاسمين لجاز تثينته مع الواحد ، لأن
الواحد يفعل من الجنس الواحد من الأفعال ما يفعله الاثنان والثلاثة ، ولو كان ذلك
شائعا لوجد في كلامهم جمع الفعل مع الاسم الواحد فكان يقال : زيد قاموا ، فلما خلا
ذلك من كلامهم علمنا [أنه] لا يثنى ولا يجمع وما لحقه من علامة التثنية والجمع
إنما هو على ما شرحناه.
ووجه آخر : أن
الفعل يدل على مصدر وليس هو في نفسه بذات يقصد إليها حتى يضم إليها مثلها ، كما
يجب ذلك في الأسماء ، فلذلك لم يثن ولا يجمع.
ووجه ثالث وهو
أن الفعل [يدل] على مصدره ، والمصدر لا يثنى ولا يجمع ؛ لأنه اسم للجنس
يقع على الواحد فما فوقه كقولك : ضرب ، وأكل ، وشرب.
إلا أن يختلف
فحينئذ يجوز جمعه كقولك : ضربت ضروبا ، إذا كان ضربا مختلفا ، فلما كان الفعل إنما
دلّ على مصدر واحد ، والواحد من المصادر جنس واحد بينا أنه لا يثنى على هذا الوجه
فكذلك لا يثنى ما يدل عليه.
__________________
ووجه آخر : وهو
أن الفعل لما كان دالا على الزمان والمصدر علم في المعنى أنه اثنان فاستغني عن
تثنيته.
واعلم أن الفعل
لجماعة المؤنث تلحقه النون على وجهين كما لحقت الواو في المذكر على وجهين :
أحدهما : أن
يكون اسما مضمرا يرجع إلى ما قبله كقولك : الهندات يضربن.
والثاني : أن
يكون علامة الجمع فيكون على هذا الوجه حرفا كقولك : يضربن الهندات.
واعلم أن هذه
النون إذا دخلت على الفعل أوجبت بناءه على السكون ، وإنما وجب ذلك لأنه اسم ، ومن
شرط الأسماء المضمرات أن تبنى على حركة لأنها على حرف واحد ، وكرهوا أن يبنوها على
السكون فيكون إجحافا بها فإذا أدخلناها على الفعل الماضي نحو قولك : الهندات ضربن
، وجب إسكان حرف من الفعل كراهية أن يجتمع في كلمة واحدة أربع متحركات متواليات
لوازم ، لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد ، إذ كان لا يستغني أحدهما عن الآخر ،
وليس في كلامهم نظير هذا ، وقد بيناه قبل هذا ، فلم يكن بد من إسقاط حرف من جملة
هذه الكلمة ، وإنما كانت الباء بالسكون أولى من وجهين :
أحدهما : أن
الأول لا يجوز إسكانه لأنه لا يبتدأ بساكن ، ولا يجوز إسكان الثاني لأنه به يعرف
اختلاف الأبنية ، ولا يجوز إسكان النون لما ذكرناه من الإجحاف ، فلم يبق غير الباء
فوجب إسكانها.
والوجه الثاني
: أن أصل الفعل السكون ، فلما احتجنا إلى تسكين حرف كان ما أصله السكون أولى ؛ لأن
ذلك ردّ إلى أصله ، فلهذا وجب إسكان الباء.
وأما تضربن
فحمل على ضربن وإن لم تكن فيه علّة ضربن إلا من وجه النسبة
أن يضربن من جنس ضربن ، والباء التي سكنت في يضربن هي الباء التي سكنت في
ضربن فحملوا المستقبل على الماضي من الوجه الذي ذكرناه لئلا يختلف طريق الفعل فإذا
ثبت أن الفعل / المضارع إذا لحقته نون جماعة النساء بني على السكون ، وجب أن يلزم
طريقة واحدة في حال الرفع والنصب والجزم لأن ذلك شرط المبنيات ، وما ذكرناه في
الشرح من أن النون لو حذفت لالتبس بفعل المذكر ، وأيضا فإن حذف النون لا يجوز بحال
فإنها اسم مضمر ولا يجوز حذف الاسم للجزم كما لا يجوز الياء من قولك : لم تضربي ،
إذا خاطبت مؤنثا لأنها اسم وعلامة تأنيث.
واعلم أن الفعل
المعتل إنما خالف ما آخره واو أو ياء لما آخره الألف لأن الألف قد بينا في علّة
المقصور أنها لا تحرك في حال الإعراب فذاك يغني عن الاعتلال هاهنا لأن حكمها سواء.
فإن قال قائل :
للاسم أن يخفض اسما مثله ومن شرط العامل ألّا يكون من نوع المعمول فيه لأنه لو كان
من نوعه لم [يكن] أحدهما بأن يعمل في الآخر أولى من الآخر أن يعمل فيه؟.
قيل له أصل
الجر إنما هو بالحروف دون الأسماء ، والإضافة في الأسماء على معنيين ؛ أحدهما :
بمعنى اللام ، والآخر بمعنى من ، فإذا قال القائل : جاءني غلام زيد فالأصل غلام
لزيد ، فزيد جر باللام ، وإذا حذفت اللام قام الغلام مقامها فيبقى جر زيد على ما
كان عليه ، إذ قد قام مقام ما يخفضه شيء وهو الغلام ، وكذلك إذا قلت : ثوب خزّ
فالأصل : ثوب من خز ، فلما حذفت (من) قام الثوب مقامها.
فإن قال قائل :
ما الفائدة في حذف اللام ومن؟.
__________________
قيل له :
الفائدة في ذلك أنك إذا قلت جاءني غلام لزيد ، فإنما تخبر أن واحدا من غلمان زيد
جاءك ، وليس بمعروف بعينه ، فإذا أرادوا غلاما بعينه حذفوا اللام ، ووصلوا بين
الغلام وزيد ، وجعلوا هذا الاتصال من جهة اللفظ دلالة على اختصاصه من سائر غلمانه
، فإذا قلت : جاءني غلام زيد ، فمعناه : جاءني الغلام المعروف لزيد.
وأما قولهم :
ثوب خز ، فإنما حذفت (من) تخفيفا.
باب حروف الخفض
فإن قال قائل :
لم صارت هذه (اللام) و (من) وسائر ما يجر من الحروف يعمل الجر دون النصب والرفع؟.
فالجواب في ذلك
أن حروف الجر تكون موصلة للأفعال إلى ما بعدها فتدخل مرة على الفاعل ومرة على
المفعول به كقولك في الفاعل : ما جاءني من أحد ، والأصل : ما جاءني أحد ، وتدخل
على المفعول كقولك : ما رأيت من أحد ، ومعناه ما رأيت أحدا ، فلما كانت هذه الحروف
تدخل على الفاعل والمفعول جعل حركتها بين حركة الفاعل والمفعول متوسطا وهو الكسر
لأنه وسط اللسان ، والضم من الشفة ، والفتح من أقصى الحلق ، فلهذا خص بالجر.
واعلم أن (عن)
تكون اسما وحرفا ، إذا كانت اسما دخل عليها حرف الجر وصارت بمنزلة الناحية كقولك :
زيد من عن يمين عمرو. قال الشاعر :
فقلت اجعلي
ضوء الفراقد كلها
|
|
يمينا ومهوى
النجم من عن شمالك
|
__________________
وإذا كانت حرفا
لم يحسن دخول حرف الجر عليها كقولك : رميت عن القوس وما أشبه ذلك.
وأما (على)
فتكون / اسما وحرفا وفعلا ، فالفعل نحو قولك : علا ، يعلو ، والاسم نحو قولك : جاء النظر من عليه كما قال الشاعر :
أتت من عليه
تنفض الطلّ بعد ما
|
|
رأت حاجب
الشمس استوى وترفعا
|
من عليه : أي
من فوقه ، وإذا كانت حرفا لم يحسن شيء مما ذكرناه فيها نحو قولك : على زيد مال.
وأما حاشا فلا تكون إلا حرفا عند سيبويه وتكون حرفا وفعلا عند المبرد ، وسنستقصي الحجج في ذلك إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
وأما خلا فتكون
حرفا وفعلا بلا اختلاف ، وإذا قدرتها حرفا خفضت ما بعدها ، وإذا قدرتها فعلا
نصبت ما بعدها.
__________________
وأما الكاف
التي للتشبيه فتكون حرفا واسما ، فإذا كانت اسما قدرتها تقدير (مثل) وجاز أن يدخل
عليها حرف الجر كقول الشاعر :
فالكاف الأولى
حرف الجر ، والثانية اسم.
واعلم أن كل
حرف من حروف الجر له معنى.
فأما (من) فتقع
في أربعة مواضع : أحدها : أن تكون لابتداء الغاية كقولك : مررت من
الكوفة إلى البصرة ، أي ابتداء سيري كان من الكوفة.
والثاني : أن
تكون للتبيين كقوله عزوجل : (فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٢٢ / ٣٠] ، لأن سائر الأرجاس يجب أن يجتنب فدخلت من لتبيين المقصود
بالاجتناب من الأرجاس.
والثالث : أن
تدخل مع النكرات لنفي الجنس كقولك : ما جاءني من رجل ، وفائدة دخولها أنك إذا قلت
: ما جاءني رجل ، احتمل أن يكون معناه رجل
__________________
واحد ، ويجوز أن يكون قد أتاك أكثر منه ، فإذا قلت : ما جاءني من رجل ،
نفيت جميع جنسه ، وإذا قلت : ما جاءني من أحد ، ف (من) أيضا مفيدة وإن كان (أحد)
لا يستعمل إلا في النفي ، فإنه قد استعمل في بعض المواضع بمنزلة الواحد ، فلو قلت
: ما جاءني أحد ، جاز أن يتوهم : ما جاءني واحد ، فإذا قلت من أحد زال هذا التوهم.
والوجه الرابع
من وجوه (من) أن تكون للتبعيض كقولك : أخذت درهما من مال زيد ، وبعض الناس يعتقد
في الوجه الثالث : أن (من) فيه زائدة في نحو قولك : ما جاءني من أحد ، وقد بينا أن
له فائدة
واعلم أن (من)
مع هذه الأوجه الأربعة يجوز أن تجعل كلها للتبعيض وإن شئت جعلتها لابتداء الغاية
إلا الموضع الذي تدخل فيه على الأجناس ، ولأجل تقديرها زائدة لم يثبت
حكمها كالأوجه الثلاثة فاعرفه.
وأما (إلى)
فمعناها الغاية كقولك : سرت إلى البصرة ، أي انتهيت إليها.
وأما (اللام)
فمعناها الملك والاستحقاق كقولك : المال لزيد ، أي هو يملكه ويستحقه
وأما (الباء)
فمعناها الإلصاق ، وقد تكون باستعانة وغير استعانة كقولك : مررت بزيد أي ألصقت
مروري به ، والاستعانة : كتبت بالقلم ، أي ألصقت كتابي به وفيه استعانة مع ذلك.
__________________
وأما (الكاف)
فتكون للتشبيه نحو قولك : زيد كعمرو ، أي شبهه.
وأما (عن) فلما
عدا الشيء كقولك : أخذت عنه حديثا ، أي عدا إليّ منه حديث.
وأما (على)
فمعناها الاستعلاء كقولك : زيد على الجبل ، أي قد علا ، وكذلك على زيد دين ، أي قد
علاه.
/ وهذا التمثيل
بالأول .
وأما (حاشا
وخلا) فنفسرهما في باب الاستثناء إن شاء الله.
باب حروف القسم
إن سأل سائل
فقال : لم زعمتم أن أصل حروف القسم الباء ؟
قيل له : في
ذلك جوابان :
أحدهما : أن
المقسم به معلق بفعل محذوف وذلك أن قولك : بالله لأفعلن ، معناه أحلف بالله ، وهذا
الفعل إذا ظهر لا يجوز أن يستعمل معه إلا الباء ، فدلّ ذلك على أن الأصل الباء.
فإن قال قائل :
لم لا يجوز أحلف والله؟. قيل له لأنه يلتبس أنك قد حلفت يمينين وذلك أن القائل قد
يكتفي بقوله : أحلف ، وتجري مجرى القسم فيقول : أحلف لأفعلن ، فلو قال : أحلف
والله ، لجاز أن يتوهم أنه يمينان ، فلذلك لم يستعمل.
__________________
وأما إذا قلت :
أحلف بالله لم يتوهم في ذلك إلا يمين واحدة لأن من شأن الباء أن يلصق ما بعدها بحكم ما قبلها ولا
يصح الابتداء بها.
فإن قيل : أيضا
: فالواو لا يبتدأ بها؟
قيل له : لو
كانت الواو غير مبدلة من الباء لصارت في القسم قائمة بنفسها لأنها ليست من الحروف
التي تكون موصلة الأفعال إلى ما بعدها كحروف الجر ، فلهذا وجب أن يقع اللبس بالواو
ولا يقع مثله في الباء ، وهذا الفصل الذي ذكرناه يجوز أن يجعل دلالة على أن الباء
هي الأصل للواو.
فإن قال قائل :
فلم لا يجوز أحلف والله ، وإذا ثبت أن الواو بدل من الباء ، وقد علم أنها إذا
اتصلت بالفعل الذي قبلها أنها ليست بمبتدأة؟.
قيل إنما ذكرنا
ذلك على الوجه الذي قدرناها فيه أنها أصل في نفسها ، فأما الذي منع من استعمالها
مع الفعل على هذا الوجه أيضا فلأجل أنها فرع فكرهوا أن يستعملوها مع إظهار الفعل ،
فيصير بمنزلة الأصل ولا يكون على إبدالها دليل فأسقطوها مع إظهار الفعل ليدلوا على
أنها فرع.
فإن قيل : فلم
صار إبدالها مع حذف الفعل أولى من إبدالها مع إظهاره؟.
قيل له : يجوز
أن يكونوا خصوا البدل عند إضمار الفعل ، لأن حروف الجر لا يبدأ بها وقد تقع الواو
في الابتداء في بعض المواضع كقولك : ضربت زيدا وأبوه قائم ، فهذه الواو تسمى واو
الحال وما بعدها مبتدأ ، فلما كانت الواو تقع للمبتدأ حسن إبدالها عند حذف
الفعل لما ذكرناه ، دلالة أخرى في أصل المسألة وهو مأخوذ من استقراء كلام العرب ،
وهو أنّا وجدنا العرب تستعمل الاسم
__________________
المضمر والمظهر بعد الباء كقولك : بالله وبه ، ولا يستعمل المضمر بعد الواو ، فلو لا أن الواو فرع لما منعت ما يستعمل في غيرها ،
فلمّا منعت ذلك دلّ على أنها فرع.
فإن قال قائل :
فمن أي وجه جاز أن تبدل الواو من الباء دون غيرها؟.
فالجواب في ذلك
أن الواو من مخرج الباء وهي مع ذلك كثيرة الدور في الكلام وتزاد في مواضع كثيرة
فلقربها من الباء وما فيها مما ذكرناه كانت أولى من غيرها.
فإن قال : أليس
عندكم أنه لا يجوز حذف الفعل / إذا كان يتعدى بحرف جر فكيف جاز في القسم أن تقول :
بالله ، وأنت تقدر فعلا يتعدى بالباء ولا يجوز أن تقول : بزيد ، وأنت تريد مررت
بزيد؟.
قيل له : إنما
ساغ ذلك في القسم لأنه كثير الدور في كلامهم ، ومع هذا فإنه يحتاج إلى جواب فصار افتقاره
إلى الجواب كالعوض من حذف الفعل مع كثرة الاستعمال.
فإن قال قائل :
فهل (الواو) التي هي بدل من الباء في القسم تجري مجرى [الواو التي] هي عوض من (رب) هي واو العطف ، فالخفض بعدها [بإضمار] رب؟.
قيل له : أما
الواو في القسم فهي بدل من الباء ، والخفض يقع بالواو دون الباء والدليل على ذلك
أنه يحسن أن تدخل على واو القسم واو العطف كما تدخل على الباء فتقول : وو الله
لأفعلن ، كما تقول وبالله ، فدل على أنها بمنزلة الباء :
__________________
فأمّا الواو التي هي عوض من رب فلا يصح دخول واو العطف عليها فدلّ ذلك على
أنها واو العطف ، وأنها عوض وليست ببدل ، وأما التاء فهي بدل من الواو ، والدليل
على ذلك أن الحرف لا يجوز أن يبدل من الحرف إلا أن تكون بينهما مناسبة ، ولا
مناسبة بينها وبين الباء ، لأنها ليست من مخرجها ولا قريبة منها فلا يشتركان في شيء
فلم تجعل بدلا منها ، وأما الواو فهي تشابه التاء لأنها من حروف الزوائد ، والباء والتاء أقرب حروف البدل إلى الواو ، فلهذا كانت بدلا من
الواو دون الباء : وكانت أولى من سائر الحروف أيضا ، والذي يدل على أنها ليست بأصل
، ما ذكرناه في الواو وإنما خصت باسم واحد [لأنها لو استعملت في اسمين لم يكن
بينهما وبين ما سواهما حرف فوجب أن يلزم اسما واحدا] ليدل بذلك على أنها بدل من بدل ، وأنها أضعف حكما من
الواو ومع هذا فالتاء أنقص حكما منها ؛ لأنها تدخل على اسم الله تعالى فقط ، فدل
على أنها ليست بأصل وقد بينا في الشرح لم صار اختصاصها باسم الله تعالى أولى من
سائر الأسماء ، ولم منعت الدخول على غيره بما يغني عن إعادته.
وأما (أيمن
الله) فاشتقاقها من أحد أمرين : إمّا أن يكون من اليمين ، لأن العرب قد تحلف بلفظ
اليمين فتقول : يمين الله لأفعلن ، ثمّ غيّر إلى لفظ أيمن وقد بينا حكمه.
فإن قيل : كيف
جاز أن يقال أم الله لأفعلن فتدخل ألف الوصل على الميم وهي متحركة؟.
__________________
قيل في ذلك
جوابان :
أحدهما : أن
الأصل في الكلمة : أيمن الله ، فالألف داخلة على الياء وهي ساكنة فلما حذفت ولم
يكن حذفها لازما بقي حكمها ، ولم تحذف ألف الوصل لتحرك ما بعدها إذ لم يكن لازما.
والوجه الثاني
: أن حركة الميم حركة العرض تسقط في الوقف فلم تصر الحركة لازمة فلذلك بقيت ألف الوصل ، والدليل
على ذلك أن العرب تقول في الأحمر إذا حذفوا همزة أحمر : (لاحمر) فلا يحذفون الألف
لأن حركة اللام ليست بلازمة وبعضهم يقول : (لحمر) فيحذف ألف الوصل لتحرك ما قبلها
ولم يجر ذلك في أيمن الله كراهية الإجحاف ، وصار ثبات ألف الوصل في أيمن الله عوضا
مما حذف ، وأما قولهم (ها) في قولك : لاها الله ، فهي بدل من الباء وليس طريق
بدلها من الباء كطريق بدل الواو منها ولكنها (ها) التي للتنبيه تضارع الباء. /
من جهة أنها
يتوصل بها في التثنية إلى المنبّه ، والباء موصلة أيضا بالإلصاق فلما تضارعا من
هذا الوجه أبدلت منه فاعرفه.
باب الحروف التي ترفع الأسماء والنعوت والأخبار
اعلم أنّا
ذكرنا تفسير هذا الباب في الشرح وتسامح الجرمي فيه ولكنّا نذكر ههنا ما فات منها وعذر
أبي عمر الجرمي ، فأما جواز إطلاقه على ما ذكر في الباب من تسمية ذلك بالحروف فلأن
الأسماء المذكورة في هذا الباب مبنيّة لمضارعتها الحروف فجاز أن يسميها باسم ما
ضارعته. وأما جواز قوله لأنها ترفع فإنه لما رأى أن الأسماء أكثر ما تستعمل مبتدأة
بعد هذه الحروف نسب الرفع إليها للمجاورة ، فهذا تخريج قوله فاعرفه.
__________________
واعلم أن
الحروف تنقسم ثلاثة أقسام : قسم يختص بالاسم ، وقسم يختص بالفعل ، وقسم يدخل
عليهما : فأما ما يختص بالاسم ولا يكون كجزء منه ولا بد أن
يعمل فيه ، فنحو : إنّ وأخواتها ، وحروف الجر وما أشبه ذلك.
وأما ما يختص
بالفعل ولا يكون كجزء منه ولا بد أيضا من عمله فيه فنحو : أن ولن وما أشبه ذلك.
وأما ما يدخل
عليهما ولا يعمل شيئا فنحو حروف الاستفهام وحروف العطف وما أشبهها.
فإن قال قائل :
فالألف واللام يختص بالاسم ولا يعمل فيه وكذلك (السين وسوف) قد يختص بالفعل ولا
يعمل فيه ؟.
قيل له : قد
أخبرنا في الأصل بأن قلنا : إن العامل من الحروف ما لزم الاسم ، والفعل ولم يكن
كجزء منه ألا ترى أنها تحدث في الاسم النكرة تعريفا ، والتعريف قد يصح في النكرات
لمواطأة المخاطبين ، فدلّ أن ليس لها زيادة حكم الاسم لأنها إنما تدخل لتعيينه ،
وكذلك (السين وسوف) تعيّن الأفعال التي كان منها [ما] يحتمل الحال والاستقبال ، وإنما عينت بهما ذات الفعل
الذي كان يصح أن يفهم تخصيصه بغيرهما ، وكذلك (قد) إنما هي لتوقع ذات الفعل ، فلم
تدل على أكثر ما تحتمله نفس الفعل فجرت مجرى بعض حروفه ، فلهذا لم تعمل شيئا
وفارقت سائر العوامل ، وإنما وجب أن يكون ما دخل على الاسم مرة وعلى الفعل مرة لا
يعمل شيئا لأن الأفعال نوع مخالف لنوع الأسماء فيجب أن يكون عاملها مختلفا ، فإذا
اتفق دخول الحرف عليها ولم يختص أحدهما دون الآخر لم يجز أن يعمل فيها ، لأن ذلك
يؤدي أن يصير
__________________
ما يعمل فيها شيئا واحدا ، وقد بينا أن اختلاف نوعيهما يوجب اختلاف
عواملهما فلهذا لم يعمل هذا النوع من الحروف.
فإذا قال قائل
: لم شرط في (هل) أن يكون بعدها اسمان؟
قيل له : لأن
أصل حروف الاستفهام أن يليها الفعل وقبيح أن تليها الأسماء إذا كان بعدها سوى ألف
الاستفهام نحو قولك : هل زيد قائم؟ ، فلهذا شرطنا ما ذكرناه وسنفسر أحكام
الاستفهام في بابه إن شاء الله ...
فإذا قال قائل
: لم صارت (ليت) إذا دخلتها (ما) أكثر في العمل من أخواتها؟.
قيل له : إن (ليت)
استعملتها بعض العرب بمنزلة وجدت فعدّاها إلى مفعولين وأجراها مجرى الأفعال كقولك
: ليتما زيدا شاخصا ، فلدخول هذا المعنى فيها صارت أقوى من أخواتها / واعلم أن سيبويه لم يجز في (أن) و (لكن) العمل إذا دخلتها (ما) ، وأجاز
ذلك أبو بكر السراج في كتاب الأصول وأظن ذلك سهوا منه على مذهب أصحابنا.
والوجه في
إبطالها ومخالفتها لأخواتها أن (أن ولكن) بهما معان في أنفسهما
__________________
أكثر من الإيجاب الذي يستحقه المبتدأ وإنما يدخلان لتوكيد
الإيجاب وكان حقهما ألا يعملا شيئا ولكن شبّها بالفعل من جهة لفظهما دون معناهما
فصار عملهما ضعيفا ، فإذا أدخلت عليهما (ما) حالت بينهما وبين ما يعملان فيه فضعفا
عن العمل ، وأما أخواتها ففيها معاني الأفعال نحو التشبيه ، والترجي ، والتمني ،
وتزيل أيضا معنى الابتداء فقويت فجاز أن تعمل مع وجود الحائل بينها وبين ما تعمل
فيه.
فإن قال قائل :
فلم صار عمل هذه الحروف إذا دخلت (ما) بينها وبين ما تعمل فيه أضعف من حروف الجر
إذا دخلت بينها وبين ما تعمل فيه؟.
قيل له : إن
حروف الجر تعمل على أنها أصل في العمل وليست مشبهة بغيرها ، فأما هذه الحروف فإنها
تعمل تشبيها بالفعل ، فما هو أصل في نفسه أقوى مما هو مشبه بغيره.
فإن قال قائل :
فلم صارت (ما) بالزيادة أولى من سائر الحروف؟.
قيل له : لأنها
تصرف على جهات كثيرة ، وليس مع هذا لها معنى في نفسها إذا كانت زائدة فحسن إلغاؤها
من بين سائر الحروف لكثرة تصرفها وزوال معناها ، وقد يمكن أن تجعل (ما) في قوله
تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ) [النساء : ٤ / ١٥٥] غير زائدة وتكون اسما بنفسها مبهما و (نقضهم) بدل منها
، فعلى هذا الوجه لا تكون قد فصلت بين الباء وما تعمل فيه ، فإذا صح هذا الوجه لم
يلزم الانفصال الأول بين (ليت) وأخواتها وبين حروف الجر وإن كانت أصلا في العمل ،
فهي وما تعمل فيه كالشيء الواحد ولا يجوز تقديم ما تعمل فيه ولا تأخيره ، فضعف
الفصل بينها وبين ما تعمل فيه كما ضعف التقديم والتأخير.
__________________
وأما حروف
النصب وإن كانت مشبهة بالأفعال فيجوز أن يتأخر ما تعمل فيه عنها كقولك : ليت في
الدار زيدا ، فلهذا لم يقبح ولم يضر الفصل فيها كما لم يقبح التأخير فيها.
واعلم أن بعض
النحويين يعتقد أن (ما) في قولك : إنما زيد قائم ، وما أشبهها من أخواتها اسم وموضعها نصب ، والجملة التي بعدها في موضع الخبر ، وشبه
ذلك بالهاء التي هي ضمير الأمر والشأن نحو قولك : إنه زيد قائم ، وقول هذا الرجل
باطل من جهات أنه لو كانت في هذا الموضع اسما وما بعدها خبر لوجب أن يرجع من
الجملة ذكر إلى (ما) فلما لم يرجع إليها ضمير علمنا أنها زائدة وليست باسم.
وجه آخر أن
ضمير الأمر والشأن لا يضمر إلا بعد تقدم الذكر وتصير الجملة التي بعدها مفسرة له ،
إن هذا الضمير إنما يعتمد على الذكر الذي قد جرى فلهذا احتاجوا إلى تفسير وليس
كضمير يختص اسما بعينه. وقولك : إنما زيد قائم ، لا يصح الكلام به من غير تقدمة
خبر بوجه من الوجوه على أن (ما) نصب ب (أن) فعلم بذلك أن (ما) لا تشبه ضمير الأمر
والشأن لأنه لا يضمر إلا بعد تقدمة الذكر ، وتصير الجملة التي بعده مفسرة له.
/ ووجه ثالث أن
(ما) إذا أدخلت على (أن) غيّرت معناها ويدخلها معنى التقليل كقولك : إنما زيد قائم ، وهذا [يدل على] أن (ما) تستعمل إذا
__________________
ذكرت لزيد أحوال فتخص أنت بعضها وتقصد بذلك إلى بعض أحواله. فلما كانت (ما)
إذا دخلت على (إن) تزيل معناها علمنا أنها ليست باسم لأن شرط الاسم أن تغير معنى
عمله عن معناه ، فهذا الوجه يقوي ما ذكرناه عن سيبويه في إبطال عمل (ما)
ويضعف قول ابن السرّاج.
فإن قال قائل :
قد حصل في هذا الباب أسماء مبنية نحو (متى) و (كيف) و (حيث) وما أشبهها وهي أبنية
مختلفة البناء فما الوجه في بنائها واختلافها؟
فالوجه في ذلك
أنّا قد بينا أن أصل الأسماء الإعراب وإنما البناء منها فيما أشبه الحرف.
فأما (متى)
فالذي أوجب لها البناء أنها نائبة عن حرف الاستفهام في الاستفهام ، وعن حرف الجزاء
في الجزاء ، وذلك قول القائل : متى تخرج؟ هو نائب عن قولك : أتخرج يوم الخميس أو
يوم السبت؟ ونحو ذلك ، فلما تضمنت حرف الاستفهام والجزاء ، والحروف مبينة وجب أن
يبنى ما قام مقامه وناب منابه.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج إلى إقامة (متى) مقام حرف الاستفهام وهلّا استغني بحرف عنها؟
قيل له : في
استعمال ذلك حكمة ، عظيمة واختصار ، وذلك أن القائل لو قال : أتخرج يوم السبت؟
لجاز ألا يريد المخاطب الخروج إلا في اليوم الثاني فتقول : لا ، فيلزم السائل
تكرير السؤال مرارا كثيرة ، ووجدوا (متى) تشتمل على الأوقات فأقاموها مقامها
ليلزموا المسؤول الإجابة بوقت خروجه ، وينحذف هذا التطويل فلهذا أدخلت (متى) في
الاستفهام وكذلك حكمها في الجزاء إذا قلت : متى
__________________
تخرج أخرج ، فهذا اللفظ يوجب التعيين عن خروجك للذي تخاطبه. فإن قلت إن
تخرج يوم السبت أخرج معك ، فقد يجوز أن يخرج في غيره من الأيام ، ولا يجب عليك
الخروج ، فلما صارت (متى) فيها عموم للأوقات استعملت في الجزاء وتضمنت معنى حروف
الشرط ، فلهذا بنيت ، والله أعلم.
واعلم أن
المبنيات على قسمين أحدهما أن يبنى الاسم على حركة والآخر أن يبنى على السكون ،
فالذي يستحق أن يبنى على حركة كل اسم كان معربا قبل استحقاق البناء نحو : قبل وبعد
ألا ترى أنهما كانا ينصبان ويخفضان قبل حال البناء نحو جئت قبلك وبعدك.
والذي يستحق أن
يبنى على السكون كل اسم لم تكن له حال إعراب ولم يقع إلا مستحقا للبناء.
وإنما وجب ذلك
لأن ما كان له حال تمكن أقوى في اللفظ مما لا تمكن له ، والتمكين يستحق الإعراب
فيجب أن يكون ما قرب منه وشابهه أقوى في اللفظ مما بعد منه ، والحركة أقوى من
السكون فلهذا وجب ما ذكرناه.
وأما (ما)
فبنيت على السكون لأنها لم تقع متضمنة للحرف الذي يوجب له البناء فلهذا لم يزد على
السكون.
وأما (أين)
فسؤال عن المكان بمنزلة (متى) في السؤال عن الزمان ، وهي متضمنة لحرف الاستفهام
والجزاء على ما شرحنا في متى ، فاستحقت البناء لأنها لم تقع إلا متضمنة للحرف [و] وجب أن تبنى على السكون إلا أنه التقى في آخرها ساكنان
وهما الياء / والنون ولا يجوز الجمع بينهما فحركت النون بالفتح ، فكان الفتح أولى
وإن كان الكسر الأصل ، لأن الكسر بعد الياء مستثقل فسقط
__________________
لاستثقاله ، والضم أثقل منه ، فلم يبق إلا الفتح وهو مع ذلك أخف الحركات ،
ولم يجر تحريك الياء لأنها لو حركت انقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وذلك
يؤدي إلى الجمع بين ساكنين لأن الألف لا تكون إلا ساكنة ، فلما كان تحريك الياء لا يسلم لها ، سقط حكمه ووجب تحريك ما
ذكرناه.
وأما (كيف)
فسؤال عن حال ، وهو ينوب عن حرف الاستفهام ، ويتضمن معنى حرف الشرط ، وإن لم تجزم
ك (متى) و (أين) لعلّة سنذكرها ، فلما تضمن معنى الحرف وجب أن يبنى على السكون (كأين)
وعلّة تحريكه كعلّة (أين).
فإن قال قائل :
فلم صارت (متى وأين) تدخل عليهما حروف الجر ولا تدخل على (كيف) ، وقد تشاركت فيما
ذكرتم ؟
فالجواب في ذلك
أن (كيف) هي الاسم الذي بعدها وذلك أن قول القائل : كيف زيد؟ معناه أصحيح زيد أم
سقيم ، والصحيح والسقيم هو زيد ، فلما كان دخول حرف الجر على ما نابت عنه (كيف)
لا يجوز فكذلك لا يجوز دخول حرف الجر على (يف) ، ألا ترى أنك لا تقول أمن صحيح زيد
، وكذلك لا تقول : من كيف زيد.
فأما (أين ومتى)
فإنهما نائبان عن قولك : أفي الدار زيد؟ وفي أي وقت يخرج زيد؟ فلما نابتا عما يدخل
عليه [حرف] الجر دخل عليهما.
__________________
فإن قال قائل :
فلم صار قولك : من صحيح زيد ، لا يجوز وجاز فيما نابت عنه أين ومتى؟
قيل له : لأن (كيف)
هي الاسم الذي بعدها على ما ذكرناه ، وكان خبر المبتدأ الذي هو المبتدأ لا يحتاج إلى واصل يصل بينه وبين المبتدأ لم
يحتج إلى حرف.
وأما (أين ومتى)
فهما غير الاسم الذي بعدهما ولا بد لخبر المبتدأ ، إذا كان غير المبتدأ ، من واصلة
توصل بينه وبين المبتدأ ألا ترى أنك لو قلت : زيد عمرو قائم ، فعمرو قائم غير زيد
، وليس بينه وبين الجملة علاقة فلم يحسن الكلام حتى تقول من أجله أو في داره ، فتعلق
الجملة التي هي غير زيد بما ذكرناه من الضمير لأنها غير الأول وكذلك لما كانت (متى وأين) غير الاسم بعدهما احتاجا إلى حرف فاعلمه.
فإن قال قائل :
كيف جاز الجزم (بمتى وأين) ولم يجر الجزم ب (كيف) كقولك : أين تكن أكن ، ومتى تقم
أقم ، ولم يجر كيف تكن أكن ؟
فالجواب في ذلك
من وجوه : أحدها أن قول القائل : أين تكن أكن ، إنما شرط له متى كان في بعض البقاع
أن يكون هو
أيضا في تلك البقعة ، وكذلك شرط في متى في أي زمان قام أن يقوم هو فيه وهذا غير
متعذّر .
__________________
فأما (كيف) فهي
سؤال عن حال فظاهر الشرط لو شرط بها يقتضي في أي حال كان المخاطب أن يكون السائل
هو المستفهم فيها ، وهذا لا يجوز لأنه قد يكون المخاطب المسؤول عن أحوال كثيرة
يتعذر أن يتفق للمجازى أن يكون عليها ، فلما كان متعذرا ذلك عليه سقط الجزاء ب (كيف)
وجاز في (متى وأين).
فإن قال قائل :
أليس قد أجزتم : كيف تكون أكون ، فظاهر هذا يقتضي ما منعتموه ، إذ جزمتموه ؟
قيل : الفرق
بينهما أنا إذا رفعنا / الفعل بعد (كيف) فإنا نقدر أن هذا الكلام قد خرج عن حال
عرفها المجازي فانصرف اللفظ إليها فلهذا صح الكلام.
فإن قيل : فهلا
كان أيضا التقدير في الجزم هذا التقدير حتى يخرج عن حاله؟
قيل له : الأصل
في الجزاء ب (إن) وأنت إذا قلت : إن تأتني آتك ، فوقت الإتيان غير معلوم ، فلما
كان أصل الجزاء أن يقع مبهما وكذلك (متى وأين) قدرنا (كيف) أنها واقعة على حال
معلومة عند المجازي خرجت من الإبهام وباينت حروف الجزاء فلهذا لم يجز الجزم بها
على تقدير حال معلومة.
ووجه ثان في
أصل المسألة أن الجزاء أصله يقع بالحروف إلا أن يضطر إلى الأسماء لما ذكرناه من
الفائدة ، فإذا لم يضطر إلى استعمال الأسماء لم يجز أن يجازى بالأسماء ، ووجدنا (أيا)
تنوب عن معنى (كيف) فاستغني بها عن (كيف). ألا ترى أن القائل إذا قال : في أي حال
تكن أكن ، فهو في معنى : كيف تكن أكن ، فلما كانت (أي) تتضمن الأحوال وغيرها
استغني بها عن (كيف).
وجه ثالث : أن
الجزاء إنما هو ب (إن) وسنبين ذلك في بابه وإن لم يختص بالمعرفة دون النكرة ألا
ترى أنك تقول : إن يقم زيد أقم ، وإن يقم رجل من
__________________
الناس أقم ، وكانت (متى وأين) يصح أن يقع جوابهما معرفة ونكرة كقولك : أين زيد؟
فيقول : في
الدار ، وإن شئت قلت : في دار في موضع كذا وكذا ، وكذلك حكم (متى) في الأوقات ،
وأما (كيف) فلا يقع جوابها إلا نكرة فخالفت حروف الجزاء.
وأما (حيث)
فالذي أوجب لها البناء أنها مبهمة لا تختص بمكان دون مكان فوجب أن تحتاج إلى ما
يوضحها كما أن (الذي) اسم مبهم يحتاج إلى ما يوضحه فمن حيث وجب أن يبنى (الذي) وجب
أن تبنى (حيث) ، والذي أوجب (الذي) أن يبنى أنه اسم لا يتم إلا بما يوضحه فجرى ما
بعده مجرى بعض اسم مبني ، فوجب أن يبنى (الذي وحيث) لما فيهما من الشبه لبعض الأسماء وكذلك حكم [(إذ) لأنها للزمان
كله بوقت دون وقت فاحتاج إلى إيضاح.
فأما (إذا)
ففيها من الإبهام ما في (إذ)] لأنها للزمان المستقبل كله ، وفيها مع ذلك شبه ب (إن)
التي للجزاء من جهة المعنى ألا ترى أن (إذا) تحتاج إلى الجواب كاحتياج (إن) إلى
ذلك فوجب لما ذكرناه أن يبنى.
فإن قال قائل :
فهلّا أضفتم (حيث) إلى اسم مفرد نحو زيد وعمرو فقلتم : زيد حيث عمرو كما تضيفون
أسماء الأماكن إلى اسم مفرد نحو خلف عمرو؟
قيل : قد بيّنا
أنّ (حيث) مبهمة لا تختص بجهة دون جهة كاختصاص غير مبهم من أسماء الأماكن ، والأسماء الدالة على الشخص لاتخص
الجهات وإنما
__________________
يعرف بما يضاف إليها ، فإذا قلتم : زيد خلف عمرو ، وعرفت هذه الجهة
المخصوصة بعمرو فاختصت به من بين سائر الأشخاص ، فإذا قلت : زيد حيث عمرو ، تخبر
عنه أنه في مكان عمرو ومكان عمرو مبهم يجوز أن يكون خلفه وقدامه وفي جميع أقطاره ، فلم يخرج بهذه الإضافة إلى أن
يختص جهة دون جهة ، فوجب بهذا المعنى أن يضاف إلى جملة ؛ لأن الجمل تتضمن معنى
الفعل فتصير (حيث) مختصة فتتعين. ألا ترى أنك لو قلت : رأيتك حيث قام زيد ، اختصت
حيث موضع القيام ، فلما صارت الجملة تفيد فيها تخصيصا أضيف / إليها ولم تضف إلى اسم مفرد إذ كان لا يختص. وإن شئت قلت إن (حيث) لما
كانت مبهمة في المكان كإبهام (إذ) في الزمان ، فمن حيث جاز إضافة (إذ) إلى الجملة
جاز إضافة (حيث) إليها لاشتراكهما في الإبهام . فإن قال قائل : فلم جاز الضم في (حيث) وخالفت (أين
وكيف) ، وقبل آخر كل حرف منهما ياء؟
قيل له : إن (حيث)
قد أشبهت (قبل وبعد) من جهة وهو ما بيناه ، وهو أن أصل (حيث) أن تضاف إلى اسم مفرد
كإضافة أخواتها من الظروف فلما منعت ما تستحقه من الإضافة وأضيفت إلى الجمل أشبهت (قبل
وبعد) من حيث حذف منهما المضاف إليه ، فمن هذا الوجه حرك آخر (حيث) بالضم ، وإن
كان الضم في (حيث) لالتقاء الساكنين وفي (قبل وبعد) لاستحقاق ذلك ومن كسر في (حيث)
فعلى [أصل] ما يجب من التقاء الساكنين ولم يحفل بالياء .
__________________
فإن قال قائل :
فمن [أين] استحقت (قبل وبعد) البناء؟ فالجواب في ذلك أن قبل وبعد
يضافان إلى الأسماء والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فلما حذف ما أضيفا إليه
ودلّا عليه جرى مجرى بعض الاسم ، وبعض الاسم مبني فلهذا وجب أن يبنى.
فإن قال قائل :
فلم استحقا أن يبنيا على حركة ولم يبنيا على السكون (كأين وكيف) ؟ [فالجواب : أن ذلك] لما بينا أن ما بني من الأسماء وله حال تمكن توجب أن ينبى على حركة وجب أن يبنى على حركة.
فإن قيل : لم
كانت الحركة الضم دون الفتح والكسر؟ ففي ذلك جوابان :
أحدهما : أن (قبل
وبعد) يدخلهما في حال النصب الإعراب والجر فلو بنيا على الفتح والكسر لجاز أن
يتوهم أن حركتهما حركة إعراب ، فعدلا إلى الضم بهما ليزول هذا اللبس.
والجواب الثاني
: أن الضم أقوى الحركات فلما كانت (قبل وبعد) قد حذف منهما المضاف حركا بأقوى
الحركات ليكون ذلك عوضا من المحذوف.
فأما (من وما
والذي) فإنما وجب بناؤها لأن (الذي) لا يتم إلا بصلة فصارت كبعض اسم ، (ومن وما)
إذا كانا استفهاما أو جزاء فبناؤها أيضا واجب لتضمنهما معنى حرف الاستفهام ومعنى
حرف الجزاء ، وبنيا على السكون لأنهما لم يكن لهما ولا ل (الذي) حال تمكن ، فأما (أي)
فهي معربة في جميع الوجوه إلا في موضع
__________________
سنبيّنه ، وإنما استحقت الإعراب لأنها متضمنة للإضافة وهي مع هذا متمكنة
مستعملة في موضع الرفع والنصب والجر فلتمكنها في الإخبار عنها وتضمنها للإضافة
استحقت الإعراب ؛ لأن الإضافة تقوم مقام التنوين وما تلحقه على هذا السبيل الإضافة
فلا بد من أن يكون معربا فلهذا خالفت (من وما والذي).
وأما الموضع
الذي تبنى فيه (أي) فهو أن تجريها مجرى (الذي) وتصلها باسم مفرد كقولك : لأضربن
أيّهم قائم ، وكان الأصل : لأضربن أيّهم هو قائم ، فيكون هو المبتدأ وقائم الخبر والجملة صلة ، (أي) ،
كما تكون صلة (الذي) وحذف (هو) ، وهو قبيح وإنما قبح لأنه يجوز أن يقع موقعه أخوه وأبوه
وما أشبه ذلك فيقع لبس في الكلام ، ومع هذا فإن المبتدأ لا بد له منه ، وإنما يجب
الحذف للفضلات لما لا بد منه ، إلا أن العرب قلّ ما تستعمل حذف المبتدأ مع الذي ،
وقد استعملوا حذفه مع أي . /
قال سيبويه لما
جاءت (أي) في هذا الموضع الذي ذكرناه مخالفة لما تجيء عليه أخواتها بنيت على الضم
لمخالفتها أخواتها أعني (الذي ومن وما).
وقال الخليل رحمهالله هي معربة في هذا الموضع وإنما رفعت على المعنى للحكاية
، والتقدير عنده : لأضربن الذي يقال له أيهم قائم.
وقال يونس :
الفعل ملغى وشبهه بأفعال القلوب التي يجوز إلغاؤها وقول يونس ضعيف جدا لأن ضربت فعل مؤثر ومحال أن يلغى
ماله تأثير ، وقول الخليل
__________________
أقرب وإن كان فيه بعض البعد لأن تقدير الحكاية إنما يسوغ فيما جرى له ذكر ،
ونحن نبتدئ الكلام بالمسألة التي ذكرناها ولم يبق ما يعمل عليه إلا قول يونس وقد
طعن عليه أبو بكر ابن السراج .
فإن قال وجدت
المفرد مما يستحق البناء ؛ فإذا أضيف أعرب نحو (قبل وبعد) فصارت الإضافة توجب
إعراب الاسم ووجدنا (أيا) إذا أفردت أعربت وهذا نقض الأصول ، وهذا الذي حكيناه
معنى قوله.
قال أبو الحسن
: والذي قرره أبو بكر ليس بصحيح وذلك أن الإضافة تردّ الاسم إلى حال الإعراب إذا
استحق البناء في حال الإفراد. فإذا كان الموجب للبناء في حال الإضافة ذلك الشيء
كان حال الاسم مفردا أشد افتقارا إلى البناء ألا ترى أن (لدن) مبنية وهي مع هذا
مضافة لأنها استحقت البناء في حال إضافتها ، وإذا كان ذلك على ما ذكرناه سقط ما
اعتمد عليه أبو بكر وصح ما قال سيبويه ، وإنما وجب أن تعرب (أي) في حال
الإفراد لأن الإضافة تعاقب التنوين وهي متضمنة للإضافة فلما زال لفظ الإضافة رجع
التنوين ومتى حصل التنوين الذي هو علامة الانصراف في الاسم وجب أن يعرب.
فإن قال قائل :
أليس الإضافة تقوم مقام التنوين ، فقد استويا فلم صار في حال الإضافة أولى من حال
الإفراد؟
قيل له : لأنها
إذا بنيت في حال الإضافة فإنما دخلها نقص واحد بالبناء ، فيحمل بناؤها في هذه
الحال لخفة حكمه ، فإذا أفردت كرهوا أن يجمعوا عليها
__________________
حذف المضاف والبناء ، فإذا تمت بصلتها فلا بد من إعرابها وهذا يقوي ما قال
سيبويه لأن معنى الحكاية لا يتغير بإظهار المبتدأ بعد (أيا). فلما وجدنا العرب
تنصب (أيا) إذا تمت بصلتها وتضمها إذا حذفت منها المبتدأ علمنا أن الضم بناؤها دون
ما سواه ، وتمامها أن تقول : لأضربن أيهم هو قائم ، وبعض العرب يعربها وإن حذفت منها المبتدأ وهي لغة جيدة ووجهها أن (أيا)
قد بينا تمكنها واستحقاقها الإعراب وسبب الحذف بعدها للاستخفاف ولا ينبغي أن يكون
ما حذف للاستخفاف يؤثر في إزالة تمكن الاسم.
فإن قيل : فلم
قبح استعمال الذي إذا حذف من صلته المبتدأ ولم يقبح ذلك مع (أي)؟
قيل : يجوز أن
يكون ذلك لأن (أيا) لا تنفك من الإضافة فيصير المضاف إليه كالعوض من حذف المبتدأ
فلهذا كثر في (أي) الحذف من بين سائر أخواتها.
فإن قال قائل :
قد ذكرت في الباب أن (إذا) لا بد أن يذكر بعدها فعل وقد وجدنا العرب تقول : خرجت
فإذا زيد قائم وقائما؟
قيل له : إن (إذا)
تستعمل على / ضربين أحدهما : أن تكون للزمان المستقبل ويدخل فيها معنى الشرط
والجزاء فهذه التي لا بد أن يذكر بعدها الفعل.
والضرب الثاني
أن تكون (إذا) بمعنى المفاجأة وظاهرها أن تكون ظرفا من المكان فهذه لا تحتاج إلى
الفعل إذ ليس فيها معنى الشرط والجزاء فإذا قلت :
__________________
خرجت فإذا زيد قائما فزيد رفع بالابتداء و (إذا) في موضع خبره ، ونصبت قائما
على الحال ، والعامل في الحال فعل تقديره : خرجت فحضرني زيد في حال قيامه ، أو
فاجأني زيد فتكون (إذا) في موضع نصب بهذا الفعل فإن قال قائل : فلم لا تكون ظروف
الزمان خبرا عن الجثث؟
قيل له : لأن
المراد بالخبر فائدة المخاطب وإعلامه ما يجوز أن يجهله فإذا قيل : القتال اليوم ، فقد يجوز أن يخلو اليوم من القتال ، فإذا أخبرت
المخاطب بوقوعه في اليوم فقد أخبرته ما كان يجوز أن يجهله ، وإذا قلت : زيد اليوم
، فالمعنى أن زيدا في اليوم ، ونحن نعلم والمخاطب أن زيدا لا يخلو من اليوم حيا
كان أو ميتا وكذلك سائر الناس ، فلم يصر في الخبر فائدة وما لا فائدة فيه لا يجوز
استعمال الكلام به ، فلهذا لم يجز أن تكون ظروف الزمان خبرا للجثث.
فإن قال قائل :
فقد يقال : الهلال الليلة ، والهلال جثة ، والليلة ظرف من ظروف الزمان فقد جاز ذلك؟
قيل : إنما يقع
هذا الكلام عند توقع حدوث الهلال ، فالتقدير : الليلة حدوث الهلال ، والحدوث مصدر
حذف ، وأقيم الهلال مقامه توسعا واختصارا ، وكذلك يجوز أن تقول : اليوم زيد ،
إذا كنت تتوقع قدومه ، أي : اليوم قدوم زيد ، والدليل على أن المراد ما ذكرناه أنه
لا يجوز أن تقول : الليلة القمر ولا اليوم الشمس لأنهما لا يتوقعان ولا بد من
طلوعهما.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج أن تجعل العرب في الأسماء أسماء نواقص؟
__________________
قيل له : يجوز
أن يكون الذي أحوج إلى ذلك [أن] الأسماء النكرات تنعت بالجمل ، فجاؤوا باسم يحتاج أن يوصل بالجمل وهو في نفسه معرفة بالألف
واللام أي (الذي) والجملة توضحه فتوصلها ب (الذي) إلى أن صارت الجملة في المعنى
كالنعت للمعرفة فهذا الذي أحوج إلى ما ذكرناه ، وحملت (من وما وأي) على (الذي) ولم
يصح الوصف بها ؛ لأنها لا معنى لها في نفسها ولا فيها ما يدل على العهد كالألف
واللام في (الذي) فجرت مجرى الأسماء الأعلام وسنبين أحكام النعوت في
بابها وأنه لا ينبغي أن ينعت إلا بفعل أو باسم فيه معنى الفعل والأسماء الأعلام
خالية من ذلك فلهذا لم ينعت بها ولا بما جرى مجراها.
باب الحروف التي تنصب الأسماء والنعوت وترفع الأخبار
فإن قال قائل :
لم وجب أن تنصب هذه الحروف الاسم وترفع الخبر ، هلّا رفعت الاسم ونصبت الخبر؟
وبالجملة لم وجب أن تعمل؟
فالجواب في
وجوب عملها : أنها حروف تختص بالاسم ولا تدخل على الفعل وبعضها يحدث معنى في الاسم
، وأواخرها كأواخر الفعل الماضي ، فلما شاركت الفعل في لفظها ولزومها / الاسم وجب أن تعمل عمله ، والذي أوجب لها أن تعمل
عملين الرفع والنصب أنها عبارة عن الجمل وليس لها معنى في العبارة
__________________
عن الاسم المفرد فلما اقتضت اسمين وجب أن تعمل لما ذكرناه فيها ، ولا يخلو
عملها فيها من أحد ثلاثة أشياء ، إمّا أن ترفعهما جميعا [أو تنصبهما جميعا أو ترفع أحدهما وتنصب الآخر ، فلم يجز رفعهما جميعا
لأنها] قد جرت مجرى الفعل في العمل والفعل لا يجوز أن يرفع فاعلين بغير اشتراك
ولا تثنية ، فلو رفعت الاسمين لخالفت ما شبّهت به وهو الفعل ، ولم يجز أن تنصبهما جميعا لأن الفعل
الذي شبهت به لا يجوز أن ينصب بغير فاعل يكون معه ، فلو نصبنا بها الاسمين لصارت
بمنزلة فعل نصب مفعوله بغير فاعل وهذا لا يوجد في الأصل والفرع ، وأولى ألا يوجد
فيه ، فلم يبق من الأقسام إلا أن تعمل في أحدهما رفعا وفي الآخر نصبا ليكون
المرفوع كالفاعل ويكون المنصوب كالمفعول ، وإنما وجب أن يكون المرفوع مؤخرا والمنصوب مقدما وإن كان الأصل في الفعل أن يكون
فاعله قبل مفعوله لوجهين أحدهما : أن لو رفعنا الأول ونصبنا الخبر لجرى
المفعول مجرى الفاعل ، فكان يجوز إضماره ولو أضمرناه لم يخل من أن يكون المضمر
غائبا أو متكلما أو مخاطبا وإضمار الغائب مستتر فيما عمل فيه كقولك : قام زيد ،
فلو قيل لك : أضمر زيدا لقلت : قام ، فلو جاز أن ترفع (إن) وأخواتها الاسم الذي
يليها لوجب أن يستتر ضميره فيها إذا كان غائبا ويظهر تاء المتكلم نحو قولك : أنت ،
لو تكلم به ، فكان ذلك يؤدي إلى اللبس بأنت ، وإلى إضمار في
__________________
..." المغني ١ / ٣٦.
الحروف ، والحروف لا يجوز الإضمار فيها لأنها جوامد لا تتصرف ، وإنما جاز
الإضمار في الأفعال لأن في أوائلها حروفا تدل على الضمير ، وحمل ما لا دلالة فيه
على ما فيه الدلالة لاشتراكها في الفعلية فهذا الذي يجوز في الأفعال دون الحروف
والأسماء .
فإن قال قائل :
أليست قد شبهت بالفعل وهي حرف ومع هذا فقد رفعت الاسم ونصبت الخبر فلم يجب من حيث
رفعت أن تضمر فيها مرفوعا فهلا عملت (إن) الرفع فيما يليها .
قيل لم يكن على
كونها حرفا دلالة إذ كان لفظها لفظ الفعل وعملها عمله ، وترك التصرف في الشيء لا
يدل [على] أنه حرف ، لأن من الأفعال ما لا تتصرف نحو : نعم وبئس ،
فلو رفعت (إن) الاسم لم يعلم أنها حرف فجعل عملها فيما بعدها مخالفا لعمل الفعل
ليدل بذلك على أنها حرف لو لا ما ذكرناه لكان حقها أن ترفع الاسم وتنصب الخبر
لتجري مجرى الفعل الذي شبهت به.
وأما (ما) فلم
تشبه الفعل من جهة اللفظ وإنما أشبهته من جهة المعنى فأعطيت عمله لأن اللبس يرتفع.
فأما ما ذكرناه
في (إن) من الإضمار فليس يعرض في ما [لأن الضمير إذا اتصل به لا يوجب لبسا في اللفظ كما
يوجبه في أن ، وإنما لم يلزم في ما]
__________________
ولزم في (أن) من الإضمار فيها لأن (أن) تعمل في جميع اللغات عمل الفعل فكان
يجب أن يقع الإضمار فيها كوقوعه في الفعل ولم يجز أن يستتر الضمير في (ما) ولا
يتصل بها وإن عملت الرفع لأنه قد يبطل عملها في جميع اللغات إذا تقدم خبرها فلم
يعتد بها وجرت مجرى ما لا يعمل / من الحروف فلهذا لم يجب فيها من الحكم ما وجب في (أن)
وأخواتها ، وقد دخل في هذا الفعل من علّة مخالفة عملها لعمل الفعل في نصبها لما
يليها ورفعها للخبر.
فإن قال قائل :
أليس إذا نصبت الاسم ورفعت الخبر فقد عملت في الخبر وقد قلت إن (ما) تعمل في الاسم
رفعا يجب أن يستتر فيها ضميره وهذا الشرط غير موجود فيها ، وإن رفعت؟
فالجواب في ذلك
أن الذي منع من استتار ضمير ما رفعته إذ كان مؤخرا أنه لا يجوز تقديمه إذا كان
مظهرا فلما كان الظاهر لم يجز تقديمه إذا كان مظهرا لم يجز أيضا تقديم ضميره ،
فلهذا لم يجز أن يستتر ضمير ما رفعته إذا كان مؤخرا ، ويجب استتاره لو وقع مقدما
إذ لا مانع يمنع من ذلك.
فإن قيل :
فهلّا كان المانع مما رفعته (أن) لو وقع متقدما هو أنها حروف لا يصح الإضمار فيها؟
قيل له : إنما
يجب ما ذكرته لو كان لا طريق إلى إعمالها إلا على هذا الوجه ، فأما إذا جاز أن
تعمل عمل الفعل على طريق يشبه عمل الفعل كان أولى من أن تعمل عمله ولا تجري مجراه.
فإن قيل : فما
الذي منع من التقديم والتأخير؟
قيل له : ضعفها
في أنفسها إذ كانت حروفا لا تصرف في أنفسها فإنما عملت بالتشبيه به فألزمت وجها
واحدا.
فإن قال : فلم
خصت الظروف وحروف الجر بالفصل بينها وبين ما تعمل فيه؟
فالجواب في ذلك
: أن الظروف وحروف الجر ليس مما تعمل فيها (إن) وذلك أنك إذا قلت : إن زيدا عندك ،
فعندك منصوب بإضمار فعل تقديره استقر عندك ، فاستقر في التحقيق هو موضع الخبر
والظروف مفعولة فيها ، فإذا قدمت فلم تقدم شيئا قد عملت فيه (إن) ، وإنما لم يجز
تقديم ما عملت فيه (إن) لضعفها ، فأما تقديم ما عمل فيه غيرها فليس بمنكر إذا كان
ذلك العامل فعلا ، والفعل يعمل في مفعوله مقدما ومؤخرا.
فإن قال قائل :
أليس عندكم أنه لا يجوز كانت زيدا الحمى تأخذ ، لأن زيدا منصوب بتأخذ وتأخذ الخبر كما أن الظرف منصوب باستقر ، واستقر
هو الخبر ، فمنعتم من وقوع زيد بين كان واسمها لأنه بمنزلة الأجنبي فلم تجز الفصل
بين كان واسمها إذا كان الفعل والفاعل كالشيء الواحد فهلّا منعتم من جواز الفصل
بين إن واسمها بالظرف إذ قد صار كالأجنبي وحكم اسم إن كحكم اسم كان ، وإن كان
أحدهما منصوبا والآخر مرفوعا لاشتراكهما في أنهما كانا مبتدأين دخلت عليهما إن
وكان؟
فالجواب في ذلك
: أن كان وإن حكمهما واحد فيما سألت عنه ونظير مسألتنا أنه يفصل بين كان واسمها
بظرف قد عمل فيه الخبر كما جوزنا الفصل بين إن واسمها بظرف قد عمل فيه خبرها ، فلو
قلت : كان خلفك زيد قائما ، لجاز ، ولو قلت : إن زيدا عمرا ضارب ، لم يجز في كان.
فإن قال قائل :
من أين خالفت الظروف لسائر الأسماء حتى جاز الفصل بها؟
فالجواب في ذلك
من وجهين :
__________________
أحدهما : أن
الظروف قد تقوم مقام الأخبار نحو قولك : إن زيدا خلفك ، فلما / كفت عن الخبر ،
وقامت مقامه لم يضر كالأجنبي من الاسم ؛ وإن كانت في تقدير مفعول الخبر ، فجاز
الفصل بها لأنها قد صارت كالخبر ، فأما غيرها من الأسماء فلا تقوم مقام الخبر فصار
أجنبيا محضا فلم يجز أن تتخلل بين شيئين أحدهما مع الآخر كالشيء الواحد.
والوجه الثاني
: أن الظروف فيها اشتمال على الجملة التي تتعلق بها فقدمت الظروف وأخرت فقد صارت
بهذا الاشتمال على الجملة والتعلق بها والاحتواء عليها بمنزلة بعض الجملة وما ليس
بأجنبي من الاسم والخبر فجاز ذلك أن تفصل به ، فجاز الفصل بها ، ولم يجز بغيرها
تقدير هذا المعنى والفصل به لأنه ليس له هذا المعنى الذي في الظروف.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج إلى تقدير فعل مع الظروف غير الاسم المتقدم نحو قولك : إن زيدا خلفك
، والخلف غير زيد وهو في موضع خبره؟
قيل له : لا
يجوز أن يكون ضمير فاعله وذلك الضمير يرجع إلى المخبر عنه ، فبان بما ذكرنا أن
الخبر في الحقيقة استقر وأنه لا بد من تقديره لما ذكرناه. فأما الفعل الماضي والمستقبل
إذا وقعا في خبر (إن) لم يتغيرا عن حالهما ؛ لأن (أن) قد بينا أنها من عوامل
الأسماء ، وعوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال فسلمت الأفعال من عامل فيها ، فبقي
الماضي على فتحه وارتفع المستقبل لوقوعه موقع الاسم.
فإن قال قائل :
إذا كانت (إن) لا يجوز أن تعمل في الماضي والمستقبل كما لم تعمل في الظروف وقد
جوزتم تقديم الظروف فهلا جوزتم تقديم الفعل؟
فالجواب في ذلك
: أن الفعل وإن لم تعمل فيه (إن) فقد عملت في موضعه
__________________
رفعا ويصير في المعنى كأنّا قدمنا ما عملت فيه ، وأما الظروف فقد بينا أن
العامل فيها استقر ، وليس ل (إن) عمل فيها ولا في موضعها فلذلك جاز تقديمها وكذلك
حكم الجملة إذا حلت محل الخبر لا يجوز تقديمها فهذه هي العلّة [في المنع] من تقديم الفعل.
ووجه آخر وهو
أن (أنّ) مشبهة بالفعل فكما لا يجوز أن يلي فعل فعلا فكذلك لا يجوز أن يلي ما شبّه
به.
فإن قال قائل :
فلم جاز العطف على موضع (أنّ ولكن) ولم يجز العطف على موضع باقي الحروف أعني أخواتها؟
فالجواب في ذلك
أن (أنّ ولكنّ) لا يغيران معنى الابتداء ، و (كأن وليت ولعل) تحدث معاني من
التشبيه والتمني والترجي فيزول معنى الابتداء ، فجاز العطف على موضع (أنّ ولكنّ)
لبقاء المعنى مع دخولهما ولم يجز في (كأنّ) وأختيها لزوال المعنى معها واستيلاء
المعاني المذكورة قبل هذا مع دخولها.
فإن قال قائل :
هل العطف يقع علّى موضع (إن) وحدها أو على موضع زيد أو على موضعهما جميعا؟
قيل له : بل
على موضعهما جميعا والدليل على ذلك أن (إن) عاملة فيما بعدها غير منفصلة منه وليس
لها في نفسها حكم فيجوز العطف عليها ، فأما زيد في نفسه فلا يصح أن يقال موضعه رفع
لأنا إنما نقول موضع الشيء رفع أو نصب إذا لم يبن فيه أثر العامل نحو قولك : إن
هذا زيد ، ف (هذا) تقول : إن موضعه نصب ، لأن (إن) لم تؤثر في لفظ هذا ولو جاز أن
تقول : إن موضع زيد رفع / لأدى ذلك إلى تناقض ، وذلك أنه لو جاز أن تقول : موضع
زيد رفع لكنا إذا
__________________
قلنا : إن هذا زيد ، يجب أن تقول : إن هذا موضعه نصب ورفع لحلوله محل زيد
في اللفظ والمعنى فقد بان بما ذكرناه أنه لا يصلح أن يكون موضع (إن) رفعا وحدها
ولا موضع زيد ، وإنما استحقا هذا الحكم باجتماعهما.
وقد امتنع بعض
النحويين من جواز العطف على موضع (لكن) لدخول معنى الاستدراك في إبطال حكم
الابتداء كدخول معنى التشبيه في (كأن) والتمني في (ليت) وهذا الذي قاله
ليس بشيء وذلك أن (لكن) يستدرك بها بعد النفي فتصير الجملة المستدركة بمنزلة الابتداء والخبر ألا ترى
أن القائل إذا قال : ما زيد ذاهبا لكن عمرو شاخص ، فأدى ما يستفيد لو قال : عمرو
شاخص فصار حكم الاستدراك لا تأثير له في رفع حكم المبتدأ وإذا خففنا (لكن) كان رفع
ما بعدها بالابتداء والخبر وحكم الاستدراك باق فثبت بما ذكرناه أن دخول
هذا المعنى في (لكن) لا يؤثر في حكم المبتدأ.
فإن قال قائل :
لم صار العطف على موضع (أن) أجود من العطف على الضمير المرفوع من غير توكيد؟
قيل : هو ضعيف
في كل موضع وإنما ضعف لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد ، وربما يستتر الضمير
الفاعل في الفعل فلو عطفنا على الضمير من غير توكيد لصرنا قد عطفنا على بعض الفعل
أو على نفس الفعل فقبح العطف لهذا المعنى فإذا أكد الضمير صار التوكيد عوضا من
اتصال الضمير بالفعل واختلاطه به فكأنا قد عطفنا على ظاهر.
وأما العطف على
موضع (أن ولكن) فحسن في نفسه ، لأنه لا مانع يمنع منه ، فلما
__________________
كان العطف على الموضع يعرض فيه ما ذكرنا من القبح وكان العطف على موضع
الضمير المرفوع في كل موضع قبيحا من غير توكيد فاجتمع مع شيء غير مستقبح وجب أن
يكون العطف على الموضع أقوى من العطف على الضمير لسلامته من القبح ، وحصول القبح
في العطف على الضمير ، يدل على صحة ما ذكرناه أنه لا فرق بين أن تقول : جاءني هذا
وعمرو ، وبين قولنا : جاءني زيد وعمرو وإن كان زيد يتبين فيه الإعراب وهذا لا
يتبين فيه الإعراب ، فكذلك حكم (إن) وما بعدها لا فرق بين العطف على الموضع وبين
العطف على المبتدأ لو تجرد من (إن).
فإن قال قائل :
فهل يجوز أن تعطف على الموضع قبل تمام الخبر نحو قولك : إن زيدا وعمرو قائمان؟
قيل له : لا.
فإن قال : فما
الفصل بين جوازه بعد تمام الخبر وامتناعه قبل الخبر؟
فالجواب في ذلك
أن الذي منع من المسألة الأولى أن شرط ما يعمل في الاسم أن يعمل في الخبر ، فإذا
قلنا : إن زيدا قائم ، فزيد نصب بإن وقائم رفع بإن ، وإذا قلنا : إن زيدا وعمرو
قائمان ، وجب أن يرفع عمرو بالابتداء لأنه عطف على موضع الابتداء ووجب أن يعمل في
خبر عمرو الابتداء وفي خبر زيد أن وقد اجتمعا في لفظة واحدة وهو قوله : قائمان
فكان يؤدي إلى أن يعمل في اسم واحد عاملان وهذا فساد ، فلهذا صحت المسألة والفراء
/ يجيز مثل المسألة الأولى إذا كان اسمان أحدهما مكنى أو مبهم لا يتبين فيهما
الإعراب نحو :
__________________
إنك وزيد ذاهبان ، وإن هذا وعمرو منطلقان وما ذكرناه من الحجة فيما يتبين
فيه الإعراب لا يغير حكم العامل عن عمله ، بل حكمه فيها وفيما يتبين فيه الإعراب
سواء ، فإن قلت : إن زيدا وعمرو قائم ، فأردت الخبر جازت المسألة ، والأجود في
تقديرها أن يكون المحذوف خبر الاسم الثاني ، وإنما أخبرنا الوجه الأول لأن الخبر
يلي الاسم الثاني فلا يبقى علينا من التوسع في المسألة إلا حذف خبر الأول ولو
قدرنا حذف الثاني لأوجب ذلك اتساعين في المسألة وهما حذف الأول والتقدير في الخبر
المذكور والمتقدم ، وقد جاء في الشعر كقول الشاعر :
فمن يك أمسى
بالمدينة رحله
|
|
فإني وقيار
بها لغريب
|
فأتى بخبر واحد
اكتفاء بما ظهر ، وإنما جوزنا الوجه الثاني لأنه صحيح المعنى ، وهذا التقدير الذي
جوزناه ليس بممتنع مثله في الكلام إن شاء الله ، ويدل على حسن الوجه الثاني إدخال
اللام في قوله : لغريب وإنما يحسن دخول هذه اللام في خبر (إن) فأما دخولها في خبر
المبتدأ فضعيف ، وإنما يجوز ذلك على تقدير مبتدأ محذوف كأنك وقيار لهو غريب ، لأن
حق هذه اللام ألا تدخل على المبتدأ فلما رأيناها في هذا البيت داخلة على الخبر دلّ
ذلك على أن الخبر للأول.
__________________
باب الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار
إن قال قائل :
لم وجب لهذه الأفعال أن ترفع الأسماء وتنصب الأخبار وليست بأفعال مؤثرة ، وإنما
يخبر بها عما مضى ، ويخبر عما يستقبل ، ولا تخبر أنه قد وقع فعل
على مفعول نحو قولك : كان زيد قائما؟
فالجواب في ذلك
: أن هذه الأفعال لما كانت عبارة عن الجمل وجب من حيث كانت أفعالا أن تجري حكم ما
بعدها كحكمه بعد الأفعال ، ولو أبطلنا عملها لحصل بعدها اسمان مرفوعان من غير عطف
ولا تثنية وهذا لا يوجد له نظير في الأفعال الخفيفة فوجب أن يرفع أحد الاسمين
ليكون المرفوع كالفاعل ، وتنصب الثاني ليكون كالمفعول فلهذا وجب أن ترفع الأسماء
وتنصب الأخبار.
والدليل على
أنها أفعال وجود التصرف فيها ، واتصال الضمير بها الذي لا يتصل إلا بالأفعال كقولك
: كان يكون فهو كائن ومكون ، كما تقول : ضرب يضرب فهو ضارب ، وتقول : كنت ، كما
تقول : ضربت ، فهذا دليل قاطع على أنها أفعال وكذلك أيضا (ليس) فعل لأنه تقول لست
كما تقول ضربت.
فإن قال قائل :
فما الذي منع ليس من التصرف ؟.
فالجواب في ذلك
أنه لما دخلها معنى النفي ضارعت (ما) التي للنفي ، حتى إن بعض العرب يجري (ليس) مجرى (ما) ، فلما دخلها شبه الحروف والحروف
لا تتصرف ، لم تتصرف هي أيضا وألزمت وجها واحدا.
__________________
فإن قال قائل :
فلأي زمان تستعمل؟
قيل له : لنفي
الحال والاستقبال / كقولك : ليس زيد قائما أمس.
فإن قيل : فلم
خصت بنفي الحال دون الماضي؟
قيل : لما كان
الأصل فيها أن تتصرف في جميع الأزمنة الثلاثة ومنعت ما تستحقه من التصرف لشبه
الحرف ، وجب أن يبقى لها أكثر حكمها ولا يزيلها الشبه من أكثر حكمها ؛ فجعلت لنفي
زمانين ومنعت زمانا واحدا وهو الماضي ، لأن لفظ زمان الحال والاستقبال واحد لما تضمن من كثرة
الفائدة ، ويجوز أن تكون لما تعينت لنفي الحال والاستقبال اللذين يدل عليهما لفظ
الماضي استغنى عن أن يستعمل منها لفظ المضارع.
فإن قال قائل :
فهلا استعمل لفظ المضارع ، وأسقط لفظ الماضي؟
ففي ذلك ثلاثة
أجوبة :
أحدها أن
الحروف أشبه بالفعل الماضي من المضارع ، لأن الماضي مبني كبنائها ، وقد بينا أن
بدخول النفي أشبهت الحروف فوجب أن يستعمل اللفظ الذي أشبه الحروف دون ما لا يشبهها
فلهذا خصت بالماضي.
والوجه الثاني
: أن الماضي أخف في اللفظ من المستقبل فوجب أن يستعمل الأخف لأنّا نصل به إلى ما
لا نصل بالأثقل.
والوجه الثالث
: أن المضارع فرع على الماضي من جهة اللفظ ، ألا ترى أن لفظ الماضي ليس فيه زائد
ولفظ المضارع يتضمن لفظ الماضي وزيادة حرف ، فكان استعمال لفظ الأصل أولى من
استعمال لفظ الفرع.
__________________
ويحتمل وجها
رابعا : وهو أن هذا الفعل لما خولف به عن طريق أخواته من الأفعال جعل لفظه مخالفا
لحكم ما ينفيه ؛ ليدل بهذا الخلاف في اللفظ على أنه قد ألزم وجها واحدا ، ولو
استعملوا من (ليس) المضارع لم يكن في المستعمل على خروجه من الأصل وجاز أن يشك في
استعمال لفظ الماضي ، فعدل به إلى جهة ترفع الشك من هنا.
فإن قال قائل :
فلم لزمت بعض هذه الأفعال (ما) نحو : ما زال ، وما انفك ، وما برح ، وما فتئ ، وما
دام ، وهل ل (ما) فيها حكم واحد؟
فالجواب في ذلك
أن (ما) في دام وحدها مخالفة ل (ما) في باقي الأفعال ، وذلك أن (ما) في ما زال
تبقى من سائر الأفعال للنفي وهي في (مادام) لغير النفي وإن (ما) مع ذلك بمنزلة المصدر والنائب عن الفعل ،
والدليل على ذلك أنه لا يصح الابتداء بها وإنما تستعمل متعلقة بفعل كقولك : إني
أنتظرك ما دمت قائما ، والمعنى : وقت دوام قيامك ، فموضع الوقت نصب بانتظارك ،
فلما حذفت الوقت صار موضع (ما دام) نصبا لقيامه مقام الوقت كما تقول : انتظرك خفوق
النجم ، ولو كانت في مادام للنفي لوجب أن يبتدأ بها كما يبتدأ بأخواتها من الأفعال
التي معها كقولك ما زال زيد قائما ، وما انفك عمرو ذاهبا فبان بذلك اختلاف حكم ما
ذكرناه.
وإنما لزمت هذه
الأفعال (ما) سوى دام لأن فيها معنى النفي ، وذلك أن قول القائل : زال زيد وبرح ،
أي : انتفى من هذه المواضع ، وفتئ بمنزلة زال في المعنى ، وانفك معناه : افترق ،
والافتراق / بمعنى الانتفاء لأنه زوال عن حال الاجتماع ،
__________________
فلما كانت هذه الأفعال متضمنة لمعنى النفي ومن شرط النفي إذا دخل عليه نفي
صار إيجابا ألا ترى أن قول القائل : ما زال زيد ذاهبا معناه أنه ذاهب فلهذا خصت
بالنفي ، وغيرها من الأفعال لا تتضمن النفي وإنما هي للإيجاب المحض نحو : كان ،
وأصبح وما أشبههما ، فإن أردت الإيجاب جردتهما من حروف النفي ، فإن أردت النفي
أدخلت (ما) فاعلمه.
واعلم أن كان
تستعمل على ثلاثة أوجه : أحدها : أن ترفع الاسم وتنصب الخبر ، كما ذكرناه ، فهذه إنما هي عبارة عن الزمان فقط.
والوجه الثاني
: أن تقع ملغاة من العمل والمعنى ، وقد تكون ملغاة من العمل دون المعنى ، وأحسن
ذلك فيها إذا أردت الإلغاء أن تؤخرها أو توسطها ، فمما جاءت فيه ملغاة في المعنى
واللفظ الإلغاء بعد التوكيد وتحسين اللفظ قوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : ١٩ / ٢٩] ، والمعنى كيف نكلم من صار في المهد صبيا ، فصبيا نصب
على الحال والعامل فيه نكلم والتقدير : كيف نكلم من هو في المهد في حال الصبا ، ولو
جعلت كان معنى الماضي يخرج عيسى عليهالسلام من أن يكون له اختصاص بهذا الحكم من بين سائر الناس ،
ألا ترى أن جميع الناس قد كانوا صبيانا في المهود فدل بعجب القوم من قول مريم أن
عيسى عليهالسلام يتكلم في حال الصبا فأما ما تدخل فيه ملغاة في العمل دون المعنى فنحو قولك
: زيد كان قائم ، والمعنى زيد قائم كان ، فقد أفادت (كان) معنى المضي وإن لم تعمل.
واعلم أن (كان) متى ألغيت فلا بد لها من فاعل في
__________________
المعنى لأن الفعل لا يخلو من الفاعل فإذا قلت : زيد قائم كان ، فالمعنى كان
الكون ، فالكون هو الفاعل لكان ، وهو بمعنى الجملة المتقدمة ومثله قول الشاعر :
سراة بني أبي
بكر تساموا
|
|
على كان
المسوّمة العراب
|
أي على المسومة
العراب كان تساميهم.
والوجه الثالث
من أحكام كان أن تكون بمعنى وقع وحدث فتكون فعلا حقيقيا ، فيرتفع الاسم بعد كان
كارتفاعه بعد قام بقام ، ولا تحتاج إلى خبر ومتى ذكرت بعدها اسما صفة نكرة كانت
منصوبة على الحال كقولك : كان الأمر ، أي حدث ووقع ، فإن قلت : كان الأمر معجبا ،
نصبت معجبا على الحال ، ومثله قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) [النساء : ٤ / ٢٩] في قراءة من رفع التجارة ، أي إلا أن تقع التجارة ،
ومثله قول الشاعر :
فدى لبني ذهل
بن شيبان ناقتي
|
|
إذا كان يوم
ذو كواكب أشهب
|
أي إذا وقع
يوم.
واعلم أن (زال)
التي تحتاج إلى اسم وخبر أصلها : فعل ، يفعل ، كعلم يعلم تقول
__________________
من ذلك : زال يزال ، كما تقول : خاف يخاف ، فأما التي تقول فيها زال يزول ،
فليست من هذا الباب في شيء ولكنها تستعمل كغيرها من الأفعال كقولك : زال زيد عن المكان يزول عنه ، وأما
الأولى فلا تستعمل إلا / بحرف النفي لما ذكرناه.
وأما ما دام
فقد تستعمل بغير (ما) إذا لم ترد المصدر والدلالة على الوقت كقولك : دام زيد على
الشرب يدوم.
واعلم أن دام
التي تستعمل مع (ما) لا يستعمل منها المستقبل ، لا يجوز أن تقول : ما يدوم زيد
قائما ، وإنما ألزموه الماضي لأن القائل إذا قال : أنا أنتظرك ما دمت قائما ،
فإنما يخبر عن حال وقت دوامه فلما كان هذا المعنى المقصود لا يحتمل إلا معنى واحدا
لزم لفظا واحدا.
فإن قال قائل :
فلم اخترتم أن يكون الاسم في هذه الأفعال معرفة؟
قيل له : لأن
هذه الأفعال ، وباب (إنّ) إنما تدخل على المبتدأ والخبر ومن شرط الخطاب أن يكون
مبنيا على المعادلة بين المتخاطبين فإذا أردت أن تخبر غيرك عن اسم بخبر لا يعرفه ، جاز أن ينصرف عن استماع خبره لأن الإنسان لا يهتم بخبر من لا يعرفه ، مع هذا فيكون المتكلم لم يعدل في
المخاطبة إذ لم يستو علم من يخاطبه في معرفة المخبر عنه مع علمه ، فإذا كان المخبر
عنه معرفة اهتم المخاطب بخبره وتساويا في المخاطبة ، فلهذا اختير أن يكون المبتدأ
معرفة ، وإنما جوزوا في الشعر أن يكون الاسم نكرة لإن الاسم والخبر يرجعان إلى شخص
واحد ؛ ولا تشبه هذه الأفعال الأفعال المؤثرة نحو قولك : ضرب زيد عمرا ، وإنما
افترقت لدخول هذه الأفعال على المبتدأ والخبر ، فوجب أن يكون ترتيب ما تعمل فيه
كترتيب المبتدأ والخبر.
__________________
وأما ضرب
وأخواته من الأفعال فليست داخلة على شيء مستغن قبل دخولها عليه ، وإنما يخبر بها
عن سبب ما يقع عليه وليس ذلك أبدا يوجب أن يكون الفاعل أبدا معرفة للمتكلم ولا
للمخاطب ؛ لأنه لا تحتاج أن يكون الفاعل معرفة لأنه لا يهتم بالفاعل أصلا ويكون اهتمامه وعنايته بالمفعول ، فإذا [كان] كل واحد من الفعل والمفعول له حكم وفائدة تختص دون
صاحبه لم يجب اعتبار معادلة الفاعل مع المفعول ، بل يجب أن يختبر اهتمام المخبر
بالفاعل والمفعول فيقدم له ما يعلم أنه أهم عنده فاعلا كان أو مفعولا ، فلهذا
اختلف حكم باب كان وحكم ما ذكرناه من الأفعال المؤثرة ، ومما جاء في الشعر في جعل
الاسم نكرة والخبر معرفة قول الشاعر
كأن سلافة من
بيت رأس
|
|
يكون مزاجها
عسل وماء
|
العسل نكرة وهي
اسم كان ، والمزاج معرفة وهو الخبر ، وإنما حسن مثل هذا لأن العسل اسم جنس فتعريفه
كتنكيره في المعنى ، وقل ما يوجد في أشعارهم أن يكون الخبر معرفة محضة والاسم نكرة
محضة لما ذكرناه من قبح ذلك.
فإن قال قائل :
فلم يحسن في النفي أن تخبر بالنكرة نحو قولك : ما كان أحد مثلك ، وأحد نكرة ومن أي
وجه كان في النفي ولم يجر في الإيجاب؟
__________________
فالجواب في ذلك
: أن موضع كان موضع الإخبار للفائدة ، فمتى حصل فيها فائدة للمخاطب جاز استعمالها
ومتى بعدت / من الفائدة لم يجز استعمالها ، فلو قال قائل : كان رجل قائما ، لم يكن
في هذا الكلام فائدة للمخاطب لأن المخاطب يعلم أن الدنيا لم تخل من رجل قائم ، ولو
قال له : كان رجل في الدار قائما ، لكانت له في ذلك فائدة لأن المخاطب قد يجهل أن
يكون في الدار رجل قائم إذا كانت الدار معينة ، فقد بان بما ذكرناه أنه لا تختلف
المعرفة والنكرة في الإخبار عنها إذا كان في الخبر فائدة إلا من جهة الحسن والقبح
، وجاز أن يخبر عن النكرة لأن المخاطب مستفيد ما قد كان يجوز أن يجهله. ألا ترى
أنك إذا تقول : ما كان أحد مثلك ، فقد يجوز أن يكون يعتقد أن له مثلا ثم يستفيد
بخبرك عنه خلاف ما كان يعتقده ، فقد بان أن في هذا الخبر وإن كان نكرة فائدة ، وإن
لم يجز استعمال عكس هذا في الواجب نحو : كان أحد مثلك ، لأن أحدا اسم عام والنفي
يصح أن يقع على عموم الأشياء ولا يصح إيجابها ، ألا ترى أنك لو قلت : ما جاءني أحد
، لصح الكلام ، ولو قلت : جاءني أحد ، كان محالا إذا أردت بأحد الناس أجمعين وإنما
اختص النفي بهذا لأنه قد يصح نفي الضدين ولا يصح إثباتهما نحو قولك : زيد ليس
بالأبيض ولا الأسود ، ولا يجوز أن تقول : زيد أبيض أسود ، فجاز أن يختص النفي ببعض
العبارات التي للعموم لأن في العموم اجتماع الأضداد ، كما جاز أن يختص بجواز نفي
الضدين ، ولم يجز وقوع العموم المختص بالنفي في الإيجاب كما لا يجوز اجتماع الضدين
في جوهر واحد .
فإن قال قائل :
فلم جاز تقديم الخبر على هذه الأفعال ولم يجز تقديم الاسم؟
قيل له : إن
الاسم المرفوع في هذه الأفعال مشبه بالفاعل والخبر مشبه بالمفعول ، ومن شرط
المفعول أنه يجوز أن يتقدم على الفاعل والفعل ولا يجوز تقديم الفاعل
__________________
على الفعل لما سنبيّنه في باب الفاعل والمفعول به ، فجوزنا تقديم الخبر على
الفعل تشبيها بالمفعولات ، وامتنعنا من تقديم الاسم كما امتنعنا من تقديم الفاعل
فاعلمه ، واعلم أن سيبويه قد نص على جواز تقديم خبر ليس عليها
في مسألة ، وإن كان فيها معنى النفي ، ووجه جوازه أنّ (ليس) فعل
في نفسها وإنما منعت من التصرف للاستغناء عن نفي الزمان الماضي بغيرها ولما ذكرناه
من العلل ، وهذا المعنى ليس ينقص به في ذاتها وهي مع ذلك تعمل في جميع الأسماء
المعرفة والنكرة والمضمرة والظاهرة ، فوجب أن يجوز تقديم خبرها عليها كما يجوز في
غيرها من الأفعال . ولا يلزم جواز ما تعمل فيه نعم وبئس ، وفعل التعجب ،
لأن نعم وبئس لا يعملان في المعارف غير الأجناس فقد نقصتا من درجة ليس فجاز أن
يمتنع تقديم المفعول عليها. وأما فعل التعجب فقد أجروه وإن كان فعلا مجرى الأسماء
فصغروه كما يصغرون الأسماء ، فبعد عن حكم الأفعال الحقيقية ، ومع هذا فلا يتصل
بضمير الفاعل وإنما يضمر فيه الفاعل فقد نقص بما ذكرناه عن رتبة ليس ، ومع هذا لا
يؤنث وهذا مما يوجب نقص فعل التعجب عن حكم ليس فقد افترقا في / جواز تقديم
المفعول.
فإن قال قائل :
فعسى يتصل به ضمير الفاعلين ويؤنث ومع هذا فلا يجوز
__________________
تقديم مفعوله عليه نحو قولك : عسى زيد أن يقوم ، فإن (يقوم) في موضع نصب
بعسى ولا يجوز أن يتقدم المفعول نحو : أن يقوم عسى زيد؟
فالجواب في ذلك
أن عسى ـ وإن كانت على ما ذكره السائل ـ فليست مما تعمل في جميع الأسماء ؛ لأنه لا
يجوز أن يكون مفعولها إلا (أن) مع الفعل ولو قلت : عسى زيد القيام أو قياما ، لم
يجز لأنها جعلت لتقريب الفعل ، وإذا دخلت على الفعل المضارع كان مستقبلا محضا ،
فوجب أن يؤتى بلفظ الاستقبال المحض ليصح تقريبه ، ولم يجز اللفظ بنفس المصدر لأنه
لا يدل على زمان بعينه ، فلما صارت عسى تختص بالعمل في بعض الأسماء دون بعض نقصت
عن رتبة (ليس) فمنعت من تقديم مفعولها.
فإن قال قائل :
فهل يجوز تقديم الخبر على ما دام وما زال ؟
قيل له : لا
يجوز ذلك عندي فأما امتناعه في مادام فلأنه بمنزلة المصدر وما تعلق بالمصدر فمن
صلته وما في الصلة لا تتقدم على الموصول لأنه يجري منه مجرى بعض الاسم ، وبعض
الاسم لا يتقدم على بعض ، فلم يجز تقديم خبر ما دام وما زال ، ف (ما) الداخلة على
زال للنفي وما دخل في حكم النفي لا يتقدم عليه ، لأن الموجب للنفي حرف ، والحروف
ضعاف وليست لها قوة الفعل ، فلم يجز تقديم ما أوجبه حكمها عليها لضعفها ، فلهذا لم
يتقدم الخبر على ما زال ولا على ما في أوله (ما) للنفي من سائر الأفعال.
فإن قال قائل :
فلو كانت (ما) في ما زال للنفي لجاز أن تقول : ما [زال] زيد إلا قائما ، فلما امتنعت هذه المسألة في ذلك علمنا
أنها مخالفة لحكم (ما) الداخلة على كان في قولك : ما كان زيد إلا قائما؟
__________________
فالجواب في ذلك
إن هذه المسألة إنما امتنعت من مازال لآن حكم الاستثناء أن يبطل حكم النفي إلا أنك
إذا قلت : ما كان زيد قائما ، نفيت القيام ، وإذا قلت : ما كان زيد إلا قائما أثبت
القيام ، فصار بمنزلة قولك : كان زيد قائما ، وكذلك لو جوزنا الاستثناء بعد (ما
زال) لصار التقدير : زال زيد قائما ، وقد بيّنا أن ذلك لا يستعمل إلا بحرف النفي ،
وإدخال حروف الاستثناء يبطل ما وضعت عليه ، فلهذا منعناها الاستثناء وليس امتناعها
من جواز الاستثناء لما ذكرناه يخرج عن أن تكون للنفي لأن (ليس) لا تخلو إذا أدخلت
على (زال) من أن تكون للنفي أو لغيره ، فلو كانت لغير النفي لم يجز أن تخرج (زال)
عن موضعها في المعنى ، فلما وجدنا معناها ينقلب بدخول (ما) عليها ، علمنا أنها
للنفي فوجب أن يجري عليها حكم النفي وإن كانت جملة الكلام في معنى الإيجاب ، وقد
أجاز بعض النحويين تقديم خبر ما زال عليها لما ذكرناه من الشبه وشبهها
بالإيجاب.
واعلم أن أمسى
وأصبح وصار وأضحى قد تستعمل على وجه آخر فيقال : صار زيد إلى عمرو ، فليست هاهنا
الداخلة على المبتدأ أو الخبر لأنك لو أسقطتها من الكلام لم يجز أن تقول : عمرو
إلى زيد دون صار / فعلمنا بهذا التقدير أنها ليست الداخلة على الابتداء والخبر
ولكنها داخلة لمعنى الانتقال والصيرورة ، ولذلك جاز فيها هذا الاستعمال ، وصار زيد
إلى عمرو ، انتقل زيد إلى عمرو ، وكذلك قد تقول : أمسى زيد ، وأصبح عمرو ، وأضحى
عبد الله ، وتسكت ويكون المعنى دخل زيد في وقت المساء ودخل عمرو في وقت الصباح
ودخل عبد الله في وقت الضحى ، كما تقول : أظهر الرجل ، إذا دخل في وقت الظهيرة ،
وبات تستعمل للّيل ، وأضحى للنهار ، وظلّ تستعمل فيهما جميعا ، وإن كان الأشهر أن
تستعمل في النهار.
__________________
باب ما
إن قال قائل :
ما الذي منع من تقديم خبر (ما) عليها ؟
قيل له : لأنها
حرف مشبه بالفعل ، فلم تبلغ قوتها أن تتصرف في معمولها إذ كانت هي في
نفسها لا تتصرف .
فإن قال قائل :
فما الذي أوجب إبطال عملها إذا فصلت بين الاسم والخبر بإلا ؟
قيل له : لأن
إلا توجب الخبر فبطل معنى (ما) فإنما هي مشبهة بليس من جهة المعنى لا اللفظ ، فإذا
زال المعنى بطل عملها ؛ لأن الشبه قد زال فرجعت إلى أصلها.
واعلم أن
الأقيس في (ما) ألا تعمل شيئا وإنما كان الأقيس فيها هذا لأنها تدخل على الاسم
والفعل كما تدخل حروف الاستفهام عليهما ، وإنما يعمل العامل في الجنس إذا استبدّ به دون غيره ،
وهذا أصل في العوامل ، و (ما) في هذا ليست بالأسماء أولى منها بالأفعال ، ولكن أهل
الحجاز لما رأوها بمعنى (ليس) تنفي ما في الحال والمستقبل أجروها مجراها في العمل
، وأصل موضع عمل الأفعال
__________________
أن يكون فاعلها قبل مفعولها ، فرفع ما عملت فيه فقدم على منصوبها تشبيها ب (ليس)
على أصل موضع عمل الأفعال ، فإذا زالت (ما) عن ترتيب الأصل زال عملها ورجعت إلى ما
تستحقه من القياس ، وهذه العلّة كافية في (ما) وانصرافها عن العمل.
واعلم أن (إن)
الخفيفة المكسورة الألف قد تدخل على (ما) زائدة ، إلا أنها متى دخلت عليها بطل
عملها للفصل بينها وبين ما تعمل فيه ، إذ كانت حرفا ضعيفا ، وجرت في بطلان عملها
إذا دخلت (إن) عليها مجرى (إنّ) إذا دخلت (ما) عليها نحو : إنما زيد قائم ، فصارت (إن)
مع (ما) ك (ما) مع (إن) في قولك : إنما زيد قائم.
فإن قال قائل :
أيجوز إدخال الباء على خبر (ما) إذا تقدم؟ وما الفائدة من إدخالها؟
فالجواب في ذلك
أنه غير ممتنع إذا أدخل الباء على خبر (ما) إذا تقدم كقولك : ما بقائم زيد ،
والأحسن تأخيرها ، وأما فائدة دخول الباء فلوجهين أحدهما : التوكيد للنفي.
والثاني : أن
تقرر أنها جواب لمن قال : إن زيدا لقائم ، فالباء أدخلت بإزاء اللام في خبر (إن).
فإن قال قائل :
فلم كانت الباء أولى بالزيادة من بين سائر الحروف؟ فالجواب في ذلك أنها حرف واحد
لا تفيد إلا الإلصاق. فلما أرادوا نفي الخبر أدخلوا الباء على الخبر لإلصاق المعنى بالباء فلهذا كانت أولى من سائر الحروف بالزيادة
في هذا الموضع على ما بيّناه ، وإنما قبح أن تلي الباء (ما) لما كان قبح أن تلي
لام التوكيد ل (إن) ، وأما السبب في قبح الموضعين أن اللام للتوكيد و (إن) للتوكيد
فاستقبح الجمع بين توكيدين.
__________________
والباء / قد
بينا أنها لتوكيد النفي فقبح أيضا أن يجمع بينهما لاشتراكهما في المعنى.
فإن قال قائل :
فقد جوزت أن تلي (الباء) (ما) في قولك : ما بقائم زيد ، (واللام) لا يجوز أن تدخل
على (أن) بحال فما الفصل بينهما؟
فالجواب في ذلك
أن (اللام) مجردها يفيد التوكيد للجملة التي تدخل عليها كما تفيد (أن) ، وهما
جوابان للقسم فقبح الجمع بينهما لاشتراكهما في معنى واحد ، وأما (الباء) فليست في
نفسها للنفي وإنما هي مؤكدة لمعناها ، ولأجل مخالفتها في المعنى لحكم النفي جاز أن
يليه ، فلهذا خالفت اللام (الباء) لما ذكرناه.
فإن قال قائل :
أليس تقول : جاءني القوم كلهم أجمعون ، فتجمع بين توكيدين ، فهلّا جاز الجمع بين اللام و (إن)؟
فالجواب في ذلك
أن أجمعين يفيد ما لا يفيده كلهم ، وذلك أن قول القائل : جاءني القوم كلهم ، يفيد
مجيئهم ، والدليل على أنه لم يبق بعضهم ، وأجمعون يفيد ما أفاد كلهم ويزيد
اجتماعهم في حال المجيء ، فلما اختلف معنيا التوكيدين جاز الجمع بينهما ، وقبح الجمع بين (اللام)
و (إن) لا تفاقهما في المعنى.
فإن قال قائل :
أليس قد تقول جاءني القوم أجمعون أكتعون أبصعون ، فكل هذه الألفاظ التي بعد أجمعين
لا تفيد إلا ما تفيد أجمعون وقد جمعت بين توكيدين بمعنى واحد؟
فالجواب في ذلك
: أن الأسماء التي بعد أجمعين لا معنى لها في نفسها ولا تستعمل بحال مفردة ، وإنما
أتبع أجمعين بها لتحسين المعنى وتوكيده ، فلهذا جاز
__________________
الجمع بينهما ، وتقول : ما زيد قائما ولا قاعدا أبوه ، فلك في قاعد الرفع
والنصب ، فالنصب على أن تعطف قاعدا على قائم ، وترفع الأب بقاعد ، فعلى هذا الوجه
إذا ثبتت المسألة قلت : ما الزيدان قائمين ولا قاعدا أبواهما ، أفردت الفعل ؛ لأنه
فعل الأبوين ، ومن شرط الفعل إذا ظهر فاعله بعده ألا يثنى ولا يجمع ، وإن كان اسما
أجروه مجرى الفعل في هذا الموضع فلهذا أفردته ، وأما قائم فإنما تثنية في المسألة
؛ لأن فيه فاعلا ومضمرا يرجع إلى زيد. وأما الرفع في قاعد فعلى أن تجعل الأب مبتدأ
وقاعدا خبره ، فإذا قدرته هذا التقدير صار ابتداء وخبرا ، لأنك إذا أفردت ما بعد
حرف العطف فالخبر مقدم قبح الرفع ، وإن لم تقدر ما بعد حرف العطف فالرفع واجب ؛
لأنه ابتداء وخبر ، وعلى هذا الوجه ثنى قاعدا فتقول : ما الزيدان قائمان ولا
قاعدان أبواهما ، لأن النية في قاعدين التأخير ففيها ضمير فاعل في النية فلهذا
وجب. وتقول ما كل إبراهيم أبو إسحاق ، تنون إبراهيم ولا تنون إسحاق وإن كانا معرفتين أعجميين ، والفصل بينهما أن كل اسم مفرد فلا بد
من أن يكون نكرة يدل على جنسه ؛ أعني المسمى باسمه إذا نحي به هذا النحو ، و (كل)
إحاطة ، فإذا وقعت على علم نكرته ودلت بالواحد الذي تقع عليه على جنسه ، فلما جاء
إبراهيم بعد كل صار نكرة أي أحد أمة كل واحد [منها] يقال له إبراهيم انصرف ولحقه التنوين ، وأما إسحاق فلم
يدخل عليه ما يزيله عن تعريفه فبقي على امتناعه / من الصرف ولو قلت : ما كل أبي
إسحاق إبراهيم ، لصرفت إسحاق لوقوعه بعد كل ولم تصرف إبراهيم لبقاء تعريفه ، [ولم
تصرف] سوداء ولا بيضاء في الكتاب وإن وقعت
__________________
بعد كل ، لأن كل اسم علم ممتنع من الصرف في المعرفة ، ينصرف في النكرة لخفة
النكرة ، وكل صفة على فعلاء لا تنصرف في معرفة ولا نكرة ، فلهذا امتنع سوداء
وبيضاء من الصرف ولم تؤثر فيه كل فاعرفه ، وتقول : ما زيد قائما بل قاعد ، ترفع
قاعدا ؛ لأنه وقع بعد (بل) ، و (بل) فيها معنى الإضراب عن الأول والإثبات لما
بعدها ، فصارت بمنزلة (إلا) فلهذا وجب الرفع في قاعد ، وتقول : ما زيد قائما ولا
أبوه ، فترفع الأب بقيامه ، وأبو العباس يقدر هذه المسألة على تقدير : ما زيد آكلا
شيئا إلا الخبز ، وكذلك ما زيد قائما أحدا إلا أبوه والذي دعاه إلى هذا
التقدير أن الاستثناء يجب أن يكون من الجملة و (إلا) بابها الاستثناء فيجب أن تقدر
فيها ما يصح أن يكون الذي بعدها مستثنى منه وليس أحد وشيء وإن كانا مقدمين في المعنى من جهة
اللفظ بل الأب مرتفع بقائم ، والخبر منتصب بالأكل لا على طريق البدل ، وإنما قال
أبو العباس : ذلك من جهة المعنى ، يدلك على صحة ذلك أن أحدا لم يجر له ذكر فيجوز
إضماره ، وكذلك الشيء يقبح إضماره ؛ لأنه مفعول لا يستتر في الفعل فعلم أن التقدير
إنما هو من جهة المعنى لا اللفظ.
باب الابتداء وخبره
فإن قال قائل :
لم استحق المبتدأ الرفع وبأي شيء يرتفع؟
فالجواب في ذلك
: أن الرافع له التعرية من العوامل وليست بلفظ ، فالجواب في ذلك أن العوامل
اللفظية إنما جعلت علامات للعمل لا أنها تعمل شيئا ، فإذا كان معنى العامل اللفظي
إنما هو علامة فالعلامة قد تكون حدوث الشيء وعدمه ، ألا ترى أن ثوبين أبيضين
متساويين لو أردنا أن نفصل بينهما فسودنا أحدهما لكان
__________________
المسود منفصلا من الآخر والآخر منفصلا منه ، وإن لم تكن فيه علامة ، فكذلك
عدم العامل علامة أيضا ، فإذا قد ثبت أن التعرية من العوامل عامل فالذي يجب أن
يبين لم خص بعمل الرفع دون غيره؟ وإنما خص بالرفع ؛ لأن المبتدأ أول الكلام ، فوجب
لما استحق الإعراب أن يعطى أول حركة الحروف مخرجا وهو الضم.
ووجه آخر هو أن
المبتدأ محدّث عنه كما أن الفاعل محدّث عنه ، فلما استحق الفاعل الرفع لعلّة
سنذكرها في بابه حمل المبتدأ عليه.
وأما أبو إسحاق
الزجاج فكان يجعل العامل في المبتدأ ما في نفس المتكلم من معنى الإخبار ، قال ؛ لأن الاسم لما كان لا بدّ له من حديث يحدث به
عنه صار هذا المعنى هو الرافع للمبتدأ. والصحيح ما بدأنا به ؛ لأنه لو كان الأمر
كما رتبه أبو إسحاق لما جاز أن ينتصب الاسم بدخول عامل عليه ؛ لأن دخول العامل لا
يغير معنى الحديث عن الاسم ، فلو كان ذلك المعنى عاملا لما جاز أن يدخل عامل وهو
باق ، وأما العلّة الأولى فلا يلزم عليها هذا السؤال ؛ لأن العامل في / المبتدأ
على ما رأيناه تعريته من العوامل اللفظية ، فمتى دخل عامل لفظي على المبتدأ زال
العامل الذي هو التعرية فلم يدخل عامل على عامل.
فإن قال قائل :
من أين وجب الرفع لخبر المبتدأ؟
فالجواب في ذلك
أن المبتدأ لما كان لا بد له من خبر كما أن الفعل لا بد له من فاعل ، صار الخبر مع
المبتدأ كالفاعل مع الفعل ، فكما وجب رفع الفاعل وجب رفع الخبر.
ووجه آخر أن
المبتدأ لما كان العامل فيه التعرية من العوامل وليست بلفظ ،
__________________
وكان الخبر هو المبتدأ وجب أن يحمل عليه في الإعراب كما يحمل النعت على
المنعوت .
فإن قال قائل :
قد رأينا المبتدأ ينصب والخبر مرفوع كقولك : إن زيدا أخوك ، فلو كانت علّة رفعه
أنه هو المبتدأ في المعنى ، وقد جرى كالنعت لوجب أن ينتصب كما ينصب المبتدأ؟!.
فالجواب في ذلك
أنا قد احترزنا من هذا السؤال ، وذلك أنا جعلنا العلّة في جواز عمل الخبر على
المبتدأ أن العامل في المبتدأ غير لفظي وإذا كان العامل لفظيا في هذا أعني : إن
زيدا أخوك ، لم يلزم هذا السؤال وإنما انفصل العامل اللفظي في هذا الحكم ؛ لأن
العامل مشبه بالفعل ، والفعل يقتضي فاعلا ومفعولا فلم يجز أن يتبع في مثل هذا
الخبر المبتدأ إذا كان منصوبا ، لأنه لا يجوز أن يخلو الفعل من فاعل أو ما يقوم
مقامه ، ولا يجوز أن يتجه بعامل لفظي نحو إن زيدا أخاك ، لأنه لا يكون للفعل
فاعلان ، فلهذا لم يلزم السؤال عن العلّة الأولى ، وجاز أن يجعل الخبر كالمبتدأ في
الإعراب ويشبه بالنعت من حيث كان العامل غير لفظي.
فإن قيل : قد
علمنا بما ذكرت العامل في المبتدأ فما العامل في الخبر؟
ففي ذلك جوابان
:
أحدهما أن
الابتداء وحده عامل في الخبر كما كان في المبتدأ ، وإنما وجب أن يعمل في الخبر
قياسا على العوامل اللفظية نحو : إنّ ، وكان ، وظننت ، فكل هذه عاملة في المبتدأ
والخبر ، لأن نظير الابتداء ظننت ، لأن ظننت قد عملت في المبتدأ والخبر عملا واحدا
وهو النصب .
__________________
والوجه الثاني
أن يكون العامل في الخبر المبتدأ أو الابتداء جميعا ، وإنما وجب ذلك ؛ لأن المبتدأ
لا ينفك من الابتداء فلا يصح للخبر معنى إلا بتقدمهما جميعا فوجب أن يكونا جميعا
العاملين وكلا القولين جيد.
واعلم أن
المبتدأ إذا كان خبره ظرفا أو اسما متعلقا بحرف جر فتقديمه وتأخيره سواء ، كقولك :
زيد عندك ، وعندك زيد ، فزيد مرتفع بالابتداء في الوجهين جميعا ، وكذلك : المال
لزيد ولزيد المال.
فإن قال قائل :
أليس إذا قلنا زيد عندك ، فعندك منصوب بإضمار فعل تقديره زيد استقر عندك ، فإذا
قدمت عندك على زيد فكيف يصلح أن ترفع زيدا بالابتداء وقد تقدمه استقر وهو فعل؟
فالجواب في ذلك أن استقر لو كان تقديره على ما سألت عنه لم يجز أن ترفع زيدا
بالابتداء وإنما استقر مؤخر بعد ذكر الابتداء وخبره.
فإن قيل : /
فمن أين لك أن التقدير يجب على ما ذكرت دون أن يكون على ما سألنا عنه؟
قيل له الدليل
على ذلك أنّا نقول : إن عندك زيدا ، فتنصب زيدا بإن ، ولو كان استقر مقدرا بين
عندك وزيد لم يجز أن تتخطاه (إن) فتعمل في زيد ، فقد بان بما
ذكرنا أن الظرف تقدم أو تأخر فلا يمنع الاسم من الابتداء ، وأما أبو الحسن الأخفش
فكان يجيز أن يرفع زيدا بتقدير استقر إذا تقدمت الظروف ويجيز ما ذكرناه سيبويه فإذا لزم الأخفش ما ذكرناه من
قولك : إن عندك زيدا ، لم يلزمه
__________________
على هذا المذهب الذي يرفع زيدا باستقر وتبطل المسألة ، وهذا القول ضعيف ،
لأنه ليس أحد من العرب حكى عنه الامتناع من قولك : إن عندك زيدا ، وما أشبه هذا من
المسائل ، فلو كان ما ذهب إليه الأخفش من أحد الوجهين صحيحا لوجب أن يحكى ذلك عن
العرب ، ولو أسقطت عنه الإلزام من جهة العرب لكان القياس يؤيد قول سيبويه ويضعف
قول الأخفش فيما يقرره به وذلك أنه لا خلاف في جواز تقديم خبر المبتدأ على المبتدأ
نحو قولك : عمرا زيد ضارب فإذا ثبت جواز هذا فنرجع إلى قولنا : زيد عندك ، زيد
مبتدأ بلا خلاف وعندك نائب عن الخبر وهو استقر والظرف مفعول فيه فإذا قدمنا الظرف
فيجب أن يبقى المبتدأ على ما كان عليه ؛ لأن تقديم مفعول الخبر لا يوجب تقديم
الخبر ألا ترى أنك تقول : زيد ضارب عمرا فإذا قدمت عمرا على زيد لم تخرج زيدا من
أن يكون مبتدأ ولم يجب تقديم ضارب مع تقديم زيد ، وكذلك إذا قدمنا الذي يعمل فيه
الخبر لم يجب تقديم الخبر فاعلمه.
واعلم أن
المبتدأ إذا كان جثة لم يجز أن يكون خبره ظرفا لزمان كقولك : زيد يوم الجمعة ،
وإنما امتنع عن ذلك ؛ لأن الغرض في الخبر إفادة المخاطب فلا يجوز أن يجهله ، قد
علمنا أن زيدا وغيره من الأشخاص لا يخلو من الزمان حيا كان أو ميتا ، فلما كان هذا
الخبر يعلمه المخاطب لم يستفد به شيئا ، فوجب أن يسقط التكلم به إذ لا فائدة فيه ،
وأمّا إذا كان المبتدأ غير جثة فظرف الزمان يكون خبرا كقولك : القتال يوم الجمعة ، وإنما صح ظرف الزمان أن
يكون خبرا لّما
__________________
ليس بجثة أعني المصادر للفائدة الواقعة في الخبر إذا كان القتال قد يخلو من
يوم الجمعة ، فصار المخاطب مستقبلا للخبر فلهذا صح الكلام.
فإن قال قائل :
أليس قد قالوا الهلال الليلة ، والهلال جثة ، فما وجه ذلك؟
قيل له : إنما
استعمل هذا الكلام عند توقع رؤية الهلال ، فإن كان جائزا أن يحدث وجائزا أن يظهر
ضمن الكلام معنى الحدوث فصار التقدير : الليلة حدوث الهلال ، ثم حذفت الحدوث وأقمت
الهلال مقامه ، فلم يخرج ظرف الزمان في هذه المسألة من أن يكون خبرا لمصدر دون جثة
، وعلى هذا الوجه يجوز أن تقول : اليوم زيد ، إذا كنت متوقعا لقدومه [فيصير
التقدير : اليوم قدوم زيد ، والدليل على أن المراد عند العرب ما ذكرناه] أنهم لا يقولون : القمر الليلة ، ولا الشمس اليوم
لأنهما كائنان لا محالة.
باب الفاعل والمفعول به
إن قال قائل :
لم وجب / أن يرفع الفاعل وينصب المفعول به؟
ففي ذلك أوجه :
أحدها : أنهم
فعلوا هذا الفعل بين الفاعل والمفعول به ؛ لأن الفاعل أقل من المفعول في الكلام ، وذلك أن الفعل
الذي يتعدى يجوز أن تعديه إلى أربعة أشياء ، فلما كان الفاعل أقل في الكلام من
المفعول جعلت له الحركة الثقيلة وجعل لما تقدم في كلامهم الحركة الخفيفة ليعتدلا.
__________________
ووجه آخر : وهو
أن الفاعل قد بينا أنه مشبه للمبتدأ إذ كان هو والفعل جملة فحسن عليها السكوت ،
كما أن [المبتدأ] والخبر جملة يحسن عليها السكوت فلما وجب للمبتدأ أن
يكون مرفوعا حمل الفاعل عليه.
ووجه آخر : وهو
أن الفاعل لما كان في الترتيب أسبق من المفعول وجب أن يعطى حركة أول الحرف مخرجا
كما أنه قبل المفعول ، وإنما وجب الابتداء بالفاعل على المفعول لأن الفعل منه يحدث فصار أحق بالتقديم من المفعول فوجب لهذه
العلّة أن يرتب قبله ، وأيضا فإن الفعل يستغني بالفاعل عن المفعول ، نحو : قام زيد
، فصار المفعول فضلة يذكر بعد الفاعل فلهذا وجب تقديم الفاعل عليه.
ووجه آخر في
استحقاق الفاعل الرفع أن الفاعل أقوى من المفعول ؛ لأنه يحدث الفعل فوجب أن يعطى
أقوى الحركات وهو الضم والمفعول لما كان أنقص أعطي أضعف الحركات وهو الفتح.
فإن قال قائل :
بأي شيء يرتفع الاسم وينتصب؟
فالجواب في ذلك
أن الاسم إنما يرتفع بالإخبار عنه ، فلهذا لم يختلف حاله في النفي والإثبات ؛ لأنه
في كلا الحالين مخبر عنه ، والفعل هو العامل فيه وفي المفعول ،
وبعض النحويين يجعل العامل في المفعول الفعل والفاعل معا ، وهذا خطأ ؛ لأن الفعل قد استقر أنه عامل في الفاعل
فيجب أيضا أن يكون هو عاملا في المفعول ، لأن الفعل بمجرده لا يصح أن يعمل في
المفعول ، فإذا استقر للفعل العمل لم يجز أن يضيف إليه في العمل ما لا تأثير له في
هذا الباب ، إذ كان زيد
__________________
وعمرو وما أشبهها لا يصح أن يعملا في غيرهما من الأسماء ؛ لأنه لو جاز
للاسم أن يعمل في الاسم لم يكن المفعول فيه أولى بالعمل من العامل فيه إذ هما
مشتركان في الاسمية. فإن قال قائل : فهلّا اقتصروا على أن يكون الفاعل مقدما عن
المفعول واستغنوا عن الإعراب؟
قيل له : لو
فعلوا هذا لضاق الكلام عليهم ، وفي كلامهم الشعر الموزون ولا بد أن يقع فيه تقديم
وتأخير لينتظم وزنه ، فجعلوا للفاعل علامة يعرف بها أين وقع وكذلك المفعول.
فأما إذا كانت
الأسماء لا يتبين فيها الإعراب فالواجب أن يكون الفاعل المقدم والمفعول المؤخر ،
كقولك : ضرب موسى عيسى ، فإن نعت أحدهما بما يتبين فيه الإعراب جاز التقديم
والتأخير لزوال اللبس ، نحو : ضرب عيسى الظريف موسى ، وكذلك إن كان أحد الاسمين لا
يصح أن يكون إلا فاعلا أو مفعولا جاء التقديم والتأخير ؛ لأن هذا المعنى بين في
الإعراب نحو : كسرت الحبلى العصا ، فالكسر إنما يقع على العصا / دون المرأة فيجوز
التقديم والتأخير.
فإن قال قائل :
المفعول إذا تقدم على الفعل بقي مفعولا ، والفاعل إذا تقدم على الفعل خرج من أن
يكون فاعلا وارتفع بالابتداء؟
فالجواب في ذلك
: أن المفعول إذا تقدم على الفعل فليس ثم عامل آخر يوجب نصب المفعول ، فيجب ألا
يخرج عما كان عليه في حال التأخير ، وأما الفاعل فإنه إذا تقدم على الفعل أمكن أن
يقدر له عامل غير الفعل وهو الابتداء ، وعمله رفع كعمل الفعل في الفاعل فلما كان
الابتداء سابقا لذكر الفعل وجب أن يعمل فيه.
وأما المفعول
إذا تقدم على الفعل فليس ثم قبله عامل لفظي ولا وهمي غير الفعل الذي قدم قبله إذا
خلا ذلك الفعل من ضمير ، ولا سبيل إلى ضمير حتى
يرجع إلى مذكور قبله فرتبة المفعول باقية مع التقديم لما ذكرناه ، ورتبة
الفاعل ذاهبة مع التقديم من أجل الابتداء الذي لا يظهر له عامل لفظي.
فإن قال قائل :
فهلا نوي بالفاعل التأخير ، وإذا نوي به التأخير لم يجز كونه مبتدأ؟
فالجواب في ذلك
: أن هذا لا يصح وذلك أن شرط الفاعل إذا كان بعد الفعل أن يقوم مقامه غيره وهو
موجود نحو : قام زيد ، فمحال أن تذكر فاعلا للقيام من غير عطف ولا تثنية مع وجود
زيد ، فلما كان زيد إذا تقدم على الفعل بهذه المنزلة استحال وجود فاعل سواه فإذا
جاز أن يكون لهذا الفعل فاعل سوى زيد علمنا بهذه الدلالة أن زيدا قد خرج من أن
يكون فاعلا نحو قولك : زيد قام أبوه ، فالقيام للأب لا محالة ، فوجب أن يكون زيد
مرتفعا بغير هذا الفعل وهو الابتداء.
ووجه آخر : وهو
أن الفاعل لو كان مرتفعا بفعله إذا تقدم لم يختلف حال الفعل ، فلما وجدناه مختلفا
علمنا أنه ليس مرتفعا بفعله إذا تقدم على الفعل وذلك ظهور علامة التثنية والجمع
كقولك : الزيدان قاما ، والزيدون قاموا.
فإن قال قائل :
قد قالت العرب : أكلوني البراغيث ، فأظهروا علامة الجمع في الفعل وإن كان الفاعل ،
كما يظهرونها إذا تقدم على الفعل؟ قيل له : إنما يحكى مثل هذا على طريق الشذوذ
وليس بمستقيم في كلامهم ، ولو كان لا فرق بين تقديم الفاعل وتأخيره لوجب أن يستوي
استعمال الفعل في كلامهم ، فلما اختلف على ما ذكرناه حال الفعل لم يصح الاعتراض
بما يجري مجرى الشذوذ.
فإن قال قائل :
فما السبب في إظهار علامة التثنية والجمع في الفعل إذا تقدمه الفاعل ولم يحسن إذا
تأخر الفاعل؟
فالجواب في ذلك
أن الفاعل إذا تقدم الفعل ارتفع بالابتداء ، ولا بد للفاعل من فعل ، فإذا لم يظهر
الفاعل بعده استتر فيه ضمير الفاعل كقولك : زيد قام ،
والتقدير : زيد قام هو ، وإذا ثنيت زيدا ثنيت ضميره فقلت : الزيدان قاما ،
وإذا جمعت زيدا جمعت الضمير فقلت : الزيدون قاموا ، وإذا تقدم الفعل لم يجعل فيه
ضمير ، والأفعال لا تثنى في أنفسها ولا تجمع فلهذا أفردت لفظها فقلت : قام الزيدان
/ وقام الزيدون.
فإن قال قائل :
فلم استتر ضمير الواحد إذا كان لواحد ولم يستتر إذا كان لاثنين فصاعدا؟ فالجواب في
ذلك أن الفعل لا يخلو من أن يكون له فاعل واحد وقد يخلو من اثنين فصاعدا ، فإذا
قدمنا اسما مفردا قبل المفعول لم نحتج إلى إظهار الفاعل لدلالة تقدم الأسماء عليه
وإحاطة العلم به ، فإنه لا بد للفعل من هذا الفاعل ، وأما إذا ثنيت الاسم ، فلو
أفردت فعلهما لم يعلم أن الفعل للاثنين إذ قد يخلو من ذلك فوجب أن تظهر علامة
التثنية لئلا يدخل الكلام لبس ، ولئلا يعتقد المخاطب انقطاع الفعل عن الاسمين
المتقدمين وأنه خبر مبتدأ.
فإن قال قائل :
فما وجه قول العرب : (أكلوني البراغيث)؟
قيل له : في
ذلك وجوه :
أحدها : أن
يكون الكلام على التقديم والتأخير أي : البراغيث أكلوني ، وهذا الأشبه به ، ووجه
آخر : أنه يجوز أن يكون الإضمار على شريطة التفسير ، فيكون البراغيث بدلا من الواو
، ووجه ثالث : وهو الذي قصده سيبويه أن تكون الواو علامة للجمع كما التاء في الفعل
علامة للتأنيث ويراد بها أن الفعل لمؤنث فكذلك يراد بالواو أن الفعل لجماعة.
فإن قال قائل :
إذا كان الفعل ، قد يكون لواحد ، وقد يكون لجماعة ، كما يكون للمذكر والمؤنث فهلّا
لزمت علامة التثنية والجمع في الفعل كما لزمت
__________________
علامة التأنيث؟ فالفصل بينهما أن التأنيث لازم للاسم ؛ لأنه معنى لا ينفك
منه المؤنث فوجب أن تلزم علامته ، وأما التثنية والجمع فليست بلازمة ؛ لأن ما يثنى
ويجمع يجوز عليه الإفراد فلهذا لم تلزم علامتهما كما تلزم في الاسم فاعرفه.
واعلم أن الواو
التي تكون علامة للجمع هي حرف وليست باسم ، والتي هي ضمير أسماء الفاعلين هي اسم
لا حرف ، وإنما وجب أن تكون الأولى حرفا لأنها دخلت علامة كما تدخل تاء التأنيث
علامة ، والعلامة حقها أن تكون بالحروف لا بالأسماء فلهذا افترقا.
فإن قال قائل :
ما الدليل على أن لفظ التثنية والجمع اللاحقين للفعل هما علامة على ما ذكرتم
وليستا بتثنية الفعل ولا جمعه؟
فالجواب في ذلك
أن الأفعال لا تصح تثنيتها ولا جمعها من وجوه :
أحدها أن الفعل
لو ثني وجمع من أجل أنه من اثنين أو جماعة لجاز أيضا أن يثنى ويجمع مع فاعل واحد ؛
إذ كان الفعل قد يتكرر من الفاعل الواحد كما يتكرر من الفاعلين ، فكان أولى
بتثنيته وجمعه مع الواحد ؛ لأن الفاعل إذا كان أكثر من واحد جاز أن يقتصر بما ظهر
من تثنية الفاعل وجمعه عن تثنية الفعل وجمعه ، فلما كان هكذا أسقط تثنية الفعل
وجمعه من كلامهم علمنا أن الفعل في نفسه لا يثنى ولا يجمع.
ووجه آخر أن
الفعل يدل على معنى وزمان وليس أحدهما دون الآخر وصار في المعنى كأنه اثنان ، ومحال أن تدخل
تثنية على تثنية فلهذا لم يثن.
ووجه آخر وهو
ثالث : أن الفعل يدل على مصدر مبهم ، والمصدر المبهم لا يثنى ولا يجمع فكذلك ما
يدل عليه ، وإنما سقطت / تثنية المصدر ؛ لأنه اسم لجنس
__________________
الضرب والأكل وما أشبههما ، والجنس يدل على الواحد فما فوقه فلا معنى
للتثنية والجمع إلا أن تختلف أنواعه كقولك : ضربت زيدا ضربتين ، إذا كان أحدهما
شديدا والآخر خفيفا ، وعلى هذا قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ
الظُّنُونَا) [الأحزاب : ٣٣ / ١٠] أي ظنونا مختلفة.
فإن قال قائل :
هلّا غيرت أوائل الأفعال المستعارة نحو : مات زيد ، ورخص السعر ، لأن فاعلها لم يذكر
؛ كما يغير أول الفعل إذا لم يسم فاعله نحو : ضرب زيد.؟
فالجواب في ذلك
: أن أفعال الاستعارة ينبغي أن يكون ما ارتفع بها فاعلا ؛ لأن المعنى قد علم وذلك
أن الموت والرخص لا يصح أن يفعلهما غير الله تعالى عزوجل ، وكذلك إذا قلت : سقط الحائط ، لم يكن للحائط فعل في
الحقيقة ، وإنما الفعل في ذلك لله تبارك وتعالى ، وعلم هذا غير خفي على أحد من الأمم ، فلما أمن اللبس
في هذه الأفعال لم يحتج إلى فاعل وأما قولك : ضرب زيد عمرا ، فزيد فاعل للضرب
وعمرو مفعول ، وقد يتأتى من عمرو الضرب ، فإن حذفت زيدا أقمت عمرا مقامه ، فلو لم
تغير الفعل لم يعلم أعمرو فاعل أم مفعول؟ ، فلهذا وجب تغيير الفعل.
باب ما لم يسمّ فاعله
إن قال قائل :
لم وجب إذا حذف الفاعل أن يقام مقامه اسم مرفوع.؟
فالجواب في ذلك
أن الفعل لا يخلو من فاعل ، فلما حذف فاعله على الحقيقة استقبح أن يخلو من لفظ
الفاعل فلهذا وجب أن يقيم مقام اسم الفاعل اسما مرفوعا ، ألا ترى أنهم قالوا : مات
زيد ، وسقط الحائط فرفعوا هذه الأسماء وإن لم
__________________
تكن فاعله في الحقيقة ، وإن شئنا جعلنا الرفع في المفعول الذي قام مقام
الفاعل بعلّة أخرى وهي حمله على الفاعل من جهة اشتراكهما في [أن] الفعل صار خبرا عن المفعول الذي يتعدى الفعل إليه
مفعولا آخر كما أقيم مقام الفاعل ، قيل : لا يجب ذلك ؛ لأن الفعل ليس يفتقر إلى
المفعول كافتقاره إلى الفاعل ألا ترى أنك قد تقتصر على الفاعل وحده في الفعل
المتعدي فلا تذكر المفعول كقولك : ضربت وأكرمت ، فإذا جاز إسقاطه في هذا الموضع من
غير إقامة شيء مقامه ، فكذلك أيضا إذا أقيم مقام الفاعل لم يجب أن تقيم غيره
مقامه.
فإن قال قائل :
لم وجب ضم أول الفعل وكسر ثانيه إذا لم يسم فاعله وهلّا ترك الفعل على حاله؟ قيل
له : إنما يجب تغيير الفعل إذا حذفت الفاعل ؛ لأن المفعول يصح أن يكون فاعلا للفعل
، [و] هل المفعول فاعل في الحقيقة وقد قام مقام الفاعل ، فلهذا وجب تغيير الفعل
، وإنما خص أوله بالضم ؛ لأن الضم من علامات الفاعل ، وكان هذا الفعل دالا على
فاعله فوجب أن يحرك بحركة ما يدل عليه.
وقد بيّنا في
شرح كتاب سيبويه الكلام في هذا والخلاف فيه ، وإنما نذكر هنا النكت التي لا بد
منها ولا يلزم عليها سؤال.
فإن قال قائل :
فلم كسر ثانيه؟
قيل : لما حذف
فاعله الذي لا يخلو منه جعل لفظ الفعل على بناء لا يشركه فيه بناء من أبنية
الأسماء ولا من أبنية الفعل الذي / قد سمي فاعله فبني على هذه الصيغة لهذه العلّة
، ولو فتح ثانيه أو حرك بالضم لم تخرج عن الأمثلة التي في الأسماء.
__________________
فإن قال قائل :
فلم كانت الأفعال المعتلّة مكسورة الأوائل نحو : سير وقيل.؟
فالجواب في ذلك
أن أصل أوائلها الضم وفيها ثلاث لغات للعرب أجودها : كسر أوائلها ، والثانية بالإشارة إلى الضم من
غير تحقيق ، والثالثة وهي أضعفها ضمها على الأصل ، وقلب ما يليها واوا نحو قولك :
سور وقول وبوع وصوغ الخاتم إلا أن الكسر يستثقل في الواو والياء فقلبت إلى أول
الكلمة وسكنت الواو والياء فتسلم لانكسار ما قبلها ، وأما الواو فتقلب لسكونها
وانكسار ما قبلها ياء ، وأما من أشار إلى الضم فأرادوا الدلالة على أن أصل أوائل
هذه الأفعال الضم ، وأما الذي يضم فيحذف الحركة من الواو والياء ولا ينقلها إلى ما
قبلها فتسكن الواو والياء. وقيل : كل واحدة منهما ضمة فأما الواو فتسلم لانضمام ما
قبلها ، وأما الياء فتنقلب واوا لانضمام ما قبلها ، وكذلك تنقلب إذا كان ما قبلها
مضموما في سائر الكلام نحو قولك : موقن وأصله الياء ؛ لأنه من أيقنت ، وكذلك حكم
الواو إذا سكنت وانكسر ما قبلها أن تنقلب ياء في جميع الكلام كقولك : ميزان وميعاد
، فأصل الياء الواو لأنها من الوعد والوزن ، وإنما اخترنا الوجه الأول وهو نقل
الحركة إلى أول الكلمة ؛ لأنه أخف في اللفظ إذ كان ذوات الواو
__________________
كذوات الياء ، ويكون بعض الحروف المنقلبة حاصلا في الكلمة ، فلهذا كان الوجه الأول مختارا ،
والوجه الثاني يقرب من الأول ولفظ الوجه الأول موجود فيه ، وإنما فيه زيادة في
الدلالة على أصل الكلمة ، وإنما لم تكن هذه الزيادة أقوى من الوجه الأول ؛ لأن على
المتكلم مشقة في الإشارة إلى الضم مع حصول الكسر في الحرف فيصير كأنه جامع بين
كسرة وضمة في حال واحدة ، وهذا محال ، فلما قارب في هذا الحكم لهذه الزيادة المحال
وهو مع هذا فيه تكلف كان الأول السالم مما ذكرنا أجود إن شاء الله.
فإن قال قائل :
كيف ساغت العبارة في قولكم : إن الأفعال تنقسم قسمين : أحدهما غير متعد ثم قلتم مع
هذا ما لا يتعدى يتعدى إلى أربعة أشياء ، وهذا في الظاهر متناقض؟
فالجواب في ذلك
أن هذه الأربعة الأشياء لا يقصر فعل من الأفعال أن يتعدى إليها فلما كانت هذه
الأفعال كلها متساوية في التعدي إليها ، وكان بعضها يتعدى إلى زيادة عليها ،
وبعضها لا يتعدى إلى هذه الزيادة صار ما جاز تعديته إلى زيادة عليها متعديا إذ زاد
حكمه على الفعل الذي لا يجاوز هذه الأشياء الأربعة فلهذا ساغت العبارة بما سألت
عنه.
فإن قال قائل :
فمن أين وجب أن يكون كل فعل لا يقصر عن التعدي إلى هذه الأشياء الأربعة؟ قيل له :
لأن كل فعل إنما يتعدى على حسب دلالته على ما يتعدى إليه ومتى لم يدل الفعل على /
ما يتعدى إليه لم يصح تعديته إليه ، فإذا كان الأمر على ما ذكرنا وقد علمنا أن
المصدر يدل على المصدر وعلى الزمان ، فقد
__________________
حصل فيه دلالة على المصدر فيتعدى إليه وهو المفعول المطلق ، وتعدى أيضا إلى
الزمان وهو مفعول فيه ، لدلالته عليه وقد أحاط العلم أن الفعل لا بد له من مكان
يعمل فيه ، فصار في الفعل أيضا دلالة على المكان إلا أن للفعل دلالته على الزمان
وعلى المصدر من جهة لفظه ودلالته على المكان من جهة المعنى ولأن الفعل لا يخلو من
فاعل ولا بد للفاعل من هيئة يكون عليها وهو الحال نحو قولك : قام زيد ضاحكا ، فصار
في الفعل أيضا دلالة عليه ، فلهذا نعدي كل فعل إلى هذه الأشياء الأربعة لاشتراك
الفعل في الحكم الذي ذكرناه.
فإن قال قائل :
فلم منعتم أن تقوم الحال مقام الفاعل؟
قيل : لأن كل
فاعل يجوز أن يضمر ، فلو أقمت الحال مقام الفاعل لجاز إضمارها ، وكل مضمر بعد ذكره
يجب أن يكون معرفة ، وهي لا تكون إلا نكرة ؛ فلهذا لم يجز أن تقوم مقام الفاعل.
وأما الظروف
والمصادر فتكون معرفة ونكرة فلهذا جاز أن نقيمها مقام الفاعل ، وإذا لم تسم الفاعل
في الأفعال غير المتعدية أقمت [المصدر] والظرف من الزمان أو المكان مقام الفاعل ، والأحسن إذا
أقمت هذه الأشياء مقام الفاعل أن تكون معرفة أو منعوتة كقولك : ذهب ذهاب حسن ،
وذهب يوم الجمعة ، ولو قلت ذهب ذهاب أو ذهب ، ووقفت لم يحسن ؛ لأنه [لا] فائدة في ذلك إذ كان الفعل يدل على وقوع ذهاب في وقت.
واعلم أن الظروف متى أردت أن تقيمها مقام الفاعل فلا بد من أن تخرجها من حكم الظرف
وتجعلها مفعولات كزيد وعمرو على سعة الكلام.
__________________
فإن قال قائل :
فما الفصل بين جعلها منصوبة على الظرف وبين أن تجعل مفعولات كزيد؟ قيل له : الفصل
بينهما أنه إذا كانت منصوبة على الظرف تضمنت (في) وإنما تحذف (في) استغناء بدلالة
الظرف عليه ألا ترى أن قولك : ئقمت اليوم ، إنما معناه : قمت في اليوم ، فحذف (في) فوصل الفعل إلى اليوم ،
وإنما ينفصل حكم الظرف وغيره من المفعولين في الإضمار إذا قيل لك أضمر اليوم ، قلت
: قمت فيه ، فأظهرت حرف الجر ، وإذا قيل لك أضمر زيدا في قولك : ضربت زيدا ، قلت :
ضربته ، فانفصل الإضمار في اللفظ ، وإنما أظهرت المضمر ؛ لأن لفظ المضمر يدل على
اللفظ دون غيره فأظهرت (في) لتدل بها على أن المضمر ظرف فلما كان الظرف يتضمن في
وهو مفعول شبه بالمفعول الذي لا يتضمن حرف الجر لاشتراكهما في كونهما مفعولين ،
فصار حمل الظرف على المفعول يفيدنا تخفيف اللفظ وإسقاط حرف الجر من تقديرنا ، ولم
يجز حمل المفعول على الظرف ؛ لأن تلك توجب فعلا في النية ، واللفظ إنما حمل
المفعول على الظرف لما ذكرناه من الخفة فإذا جعلت الظرف مفعولا على سعة الكلام
أضمرته كما تضمر المفعول / فقلت اليوم قمته ، كما تقول : زيد ضربته ، قال الشاعر :
ويوم شهدناه
سليما وعامرا
|
|
قليل سوى
الطعن النهال نوافله
|
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج إلى نقل هذه الظروف إذا أقيمت مقام الفاعل؟
قيل له : لأن
الفعل لا يتعلق به الفاعل بواسطة بينه وبين الفعل ، فلو لم تنقل هذه الظروف إلى
باب المفعول كما قد أقمناها مقام الفاعل وهي مع ذلك
__________________
متضمنة لحرف الجر وليس ذلك حد الفاعل ، وكذلك ينبغي أن يكون ما قام مقامه
لا يحتاج إلى حرف الجر فهذا سبب نقل هذه الظروف.
فإن قال قائل :
فالمصدر لا يتضمن حرف الجر فهل يحتاج إلى نقل؟
قيل له : نعم
وإنما وجب نقله ؛ لأن الفعل يدل عليه ، وإنما نذكره بعد الفعل توكيدا كقولك : ضربت
ضربا ، والذي أوجب لها النقل شيئان أحدهما : أن الفعل لا بد له من فاعل فصار
اعتماد الكلام على الفاعل والمصدر لو لم يذكر لدل عليه الفعل ، فلم يجز أن تقيمه
مقام الفاعل على أصله ؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير الفاعل لا يحتاج إليه ، فوجب أن
تنقله إلى حكم المفعول الذي يدل الفعل عليه لتحصل الفائدة ، ولا يجوز إسقاطه.
والوجه الثاني
: أن المصدر لما كان يذكر لتوكيد الفعل جرى مجرى الفعل فصار قولك : قمت قياما ،
فلما كان الفعل لا يقوم مقام الفاعل ، وكذلك ما يقوم مقامه وهو المصدر لا يجوز أن
تقيمه مقام الفاعل حتى تغيره وتنقله إلى حكم المفعول به.
واعلم أن الفعل
الذي لا يتعدى يجوز أن تعديه بإدخال الهمزة على أوله كقولك : ذهب زيد ، ثم تقول :
أذهب زيد ، ويجوز أن تعديه بحرف الجر فتقول : ذهب زيد بعمرو ، وهذان القسمان
يطّردان ، ويجوز أن تعديه بتشديد عين الفعل كقولك : عرّف زيد عمرا ، وتقول : عرّفت
زيدا عمرا ، فإذا عديت الفعل بحرف جر فلك أن تقيم الاسم المجرور مع الحرف مقام
الفاعل كقولك : ذهب بزيد ، فإن ذكرت بعده ظرفا أو مصدرا فأنت بالخيار إن
شئت أقمت الظرف والمصدر مقام الفاعل ، فصار موضع حرف الجر مع المجرور نصبا ، وإن
شئت أقمت حرف الجر مع الاسم مقام الفاعل ونصبت الظرف والمصدر ، وإنما كنت بالخيار
؛ لأن
__________________
الاسم المجرور إنما يحسن أن تقيمه مقام الفاعل بأن تقدره تقدير اسم غير
مجرور ، كأنك قلت : أذهب زيد ، إذا كانت الباء والهمزة تقومان مقاما واحدا ، فلما
كان المجرور يحتاج إلى تقدير فعل كما تحتاج الظروف والمصادر استوى حكمها ، فلهذا
صارت بالخيار. وإن كان مع المجرور اسم ليس بظرف ولا مصدر لم يجز أن تقيم المجرور
مع حرف الجر مقام الفاعل كقولك : أعطي بزيد درهم ، فإنما لم يجز ذلك ؛ لأن الدرهم
مفعول يحتاج إلى ضرب من النقل فوجب إذا ذكر الفاعل أن يستعمل ما لا يحتاج إلى نقل
إذ كان أسبق في الحكم مما يحتاج إلى نقل فلهذه العلّة لم يجز أن تقيم الظروف
والمصادر مقام الفاعل إذ كان معها مفعول غير مستعمل بحرف جر إذ كانت المصادر والظروف / تحتاج
إلى نقل ، والمفعول به لا يحتاج إلى نقل.
واعلم أن
المتعدي إلى مفعولين ينقسم قسمين أحدهما : أن تدخل على المبتدأ والخبر نحو ظننت
وأخواتها ، والآخر : ألا يدخل على المبتدأ والخبر نحو أعطيت وكسوت ، وامتحانها بأن تسقط الفعل وإن كان ما بقي من
المفعولين يصح منه كلام فهو القسم الأول ألا ترى أنك إذا تقول : ظننت زيدا أخاك ،
فحذفت ظننت جاز أن تقول : زيد أخوك ، فإذا قلت : أعطيت زيدا درهما ، ثم
حذفت أعطيت ، فالوجه أن تقيم مقام الفاعل المفعول الأول كقولك : أعطي زيد درهما ،
وإنما كان الاختيار هذا ؛ لأن المفعول الأول فاعل في المعنى لأجل المفعول الثاني ؛
لأنه أخذه فوجب أن تقيم مقام الفاعل من هو فاعل في الحقيقة ، إلا أنه يجوز أن تقيم
الثاني مقام الفاعل إذا لم يشكل أنه مأخوذ كقولك : أعطي درهم زيدا ، وإنما جاز ذلك
لاشتراكهما في الفائدة وإن الفعل تعدى إليهما على طريقة
__________________
واحدة ، ألا ترى أنك إذا قلت : أعطيت ، فليس في الكلام دلالة أن المعطى زيد
وعمرو حتى تقول : زيدا وعمرا ، فتبينه وكذلك ليس في اللفظ دلالة على ما أعطي زيد
حتى تبيّنه فتقول : درهما ، أو دينارا ، فلهذا جاز إقامة الثاني مقام الفاعل.
فأمّا إذا كان الثاني مما يصح أن يكون آخذا للأول فلا يجوز أن تقيم مقام الفاعل
إلا الأول لئلا ينقلب المعنى. ألا ترى أنك إذا قلت : أعطيت زيدا عمرا ، فإنما يعلم
أن زيدا أخذ عمرا بترتيب اللفظ لأنك لو قدمت عمرا وأخرت زيدا لصار عمرو هو الآخذ
لزيد فقد بان لك أن الفاعل منهما يعلم بترتيب اللفظ دون الإعراب فلهذا وجب أن تقيم
الأول مقام الفاعل ، وأما قولك : أعطيت زيدا درهما فقد علم أن الدرهم مأخوذ ، ولا
يجوز أن يكون آخذا لزيد فلم يشكل رفعه إذ كان معناه يدل على المراد.
وأما ظننت
فالوجه أن تقيم المفعول الأول أيضا مقام الفاعل كقولك : ظننت زيدا أخاك ، فإذا لم
تسم الفاعل قلت : ظنّ زيد أخاك ، وإنما اختير هذا الوجه ؛ لأن قولك ظننت أخاك يدل
على أن زيدا معروف ، والأخوة مشكوك فيها ، لأن الشك إنما يقع في الخبر ، فلو قدمت
الأخ وأخرت زيدا لصار ترتيب اللفظ يدل على هذا المعنى ، فلو جوزت التقديم والتأخير
انقلب المعنى ، فلهذا لم يجز إلا أن تقول : ظننت زيدا أخاك ، فيكون الأول معرفة
والثاني نكرة ، فيجوز على هذا الوجه أن تقيم [المفعول] الثاني مقام الفاعل إلا أن المبتدأ حقه أن يكون معرفة
والخبر نكرة فصار من أجل هذه الدلالة ظاهر الكلام يدل على أن الشك وقع في خبر زيد
لا في زيد.
وأما [ما] يتعدى إلى ثلاثة مفعولين فإنه وجب أن يقوم الأول منهم مقام الفاعل ؛ لأنه الفاعل
في المعنى ألا ترى أنك إذا قلت : علم زيد عمرا خير الناس ،
__________________
وجب أن يكون زيد فاعلا ، فإن قلت : أعلم الله زيدا عمرا خير الناس ، صار
زيد مفعولا فإذا لم تسم الفاعل وجب أن تقيم مقام الفاعل من كان فاعلا في الأصل.
واعلم أن الاسم
إذا قام مقام الفاعل جرى / مجرى الفاعل في الإضمار والإظهار فنقول على هذا إذا
أقمت نفسك مقام الفاعل ضربت ، كما تقول قمت إذا كانت فاعلا على الحقيقة وكذلك تقول
: زيد ضرب ، فترفع زيدا بالابتداء أو يستتر ضميره في الفعل كما تقول : زيد قام ،
وإنما وجب ذلك ؛ لأنه قام مقام الفاعل في اللفظ في حال الإضمار كما وجب أن يساويه
في حال الإظهار.
باب ظننت وحسبت وعلمت وخلت وأخواتها
إن قال قائل :
لم وجب أن تتعدى هذه الأفعال إلى مفعولين؟
قيل له : لأن
أصلها أن تدخل على المبتدأ والخبر ، والمبتدأ لا بد له من خبر فوجب لدخولها عليهما أن ينتصبا.
فإن قال قائل :
أنت إذا قلت : ظننت زيدا خارجا ، فالشك إنما وقع في خروجه لا في زيد ، فلم وجب أن
ينتصب زيد؟ .
وأما الفائدة
في ذكره فليعلم من الذي وقع الشك في خروجه ، فلو لم [يذكر] زيد لم يعلم صاحب الخروج فلهذا وجب ذكر زيد وإنما عمل
فيه
__________________
الفعل نصبا إذ كان هو والخبر شيئا واحدا ، والفعل قد استغنى بفاعله فوجب
نصبه إذ قد جرى مجرى المفعول المحض.
فإن قال قائل :
فلم جاز التعدي في هذه الأفعال في الجملة وليست بمؤثرة في المفعول إذ كان الفاعل
يخبر عما استقر في قلبه من علم أو شك؟
قيل له : هي
وإن لم تكن مؤثرة فقد تعلق الظن بمظنون ، وليس كل فعل يعمل يكون مؤثرا ، ألا ترى
أنك تقول : ذكرت زيدا ، وإن كان ميتا فإذا حصل الفعل تعلق بمفعول تعدى إليه ،
فلهذا جاز أن تتعدى هذه الأفعال.
فإن قال قائل :
فلم جاز إلغاؤها إذا توسطت بين المفعولين أو تأخرت ؟
قيل له : لأنك إذا
ابتدأت بالاسم فقد حصل على لفظ اليقين [فلما] كانت هذه الأفعال ضعيفة في العمل ووجب أن يحمل الخبر
على ما اعتقد عليه الكلام وهو اليقين وجعل الفعل في هذا الموضع في تقدير الظرف وإن
أوجب شكا في الجملة كقولك : زيد منطلق في ظني ، فلما كان قولك : في ظني لا يعمل
فيما قبله ، جعلوا أيضا : زيد منطلق ظننت ، كأنك قلت : في ظني ، وأما من أعمل
الفعل إذا توسط أو تأخر فلأنه حمل الكلام على ما في نيته من الشك ، فصار الفعل وإن
تأخر مقدما في المعنى فلهذا جاز إعماله.
فإن قال قائل :
فقد وجدنا العرب تقول : حسبت ذاك ، فتكتفي باسم واحد ، وكذلك تقول : حسبت أن زيدا
منطلق ، ف (أنّ) وما بعدها في تقدير اسم لأنها بمنزلة المصدر كأنك قلت :
حسبت انطلاق زيد [مؤكدا] ، ولو لم تتكلم بهذا التقدير لم يصح؟
__________________
قيل : أما
قولهم حسبت ذاك ففيه وجهان :
أحدهما : أن
يكون ذاك إشارة إلى المصدر كأنك قلت : حسبت ذاك الحسبان ، وكل فعل يجوز أن يقتصر
على فاعله إن شئت عديته إلى المصدر أو الظرف أو الحال ، فلما كان ليس يراد به
المبتدأ حتى تحتاج إلى خبر جاز قولك : حسبت ذاك فجرى مجرى حسبت فقط.
والوجه الثاني
: أن ذاك يعبر عن الجملة ، فلما صار عبارة عن الجملة جاز أن يكتفي به عن المفعولين
، ألا ترى أن القائل يقول : زيد منطلق / فتقول له : قد بلغني ذاك ، تريد به ما
تقدم من الجملة ، وأما اقتصارهم ب (إن) وما بعدها عن المفعولين فلأن (إن) تدخل
على المبتدأ والخبر كدخول ظننت عليهما فلما حصل بعد (إن) ما تقتضيه هذه الأفعال
استغنى الكلام بذلك ؛ لأن الفائدة قد حصلت ، وصار دخول (إن) لتوكيد الظن ، وأما
إذا أسقطت لفظ الجملة بعد (إن) وجئت بلفظ المصدر لم يجز الاقتصار على ذلك ؛ إذ
كانت ليست في لفظ الجملة وإنما هو اسم مفرد ، وقد بينا أن هذه الأفعال لدخولها على
المبتدأ والخبر لا يقتصر بها على مفعول واحد ، وفي إيجاب المفعولين بعد هذه الأفعال
علّة أخرى ، وهو أن قولك : حسبت زيدا منطلقا قد بينا أن الحسبان قد وقع في
الانطلاق ، فلو اقتصرت على ذكر الانطلاق لم يعلم لمن هو ، ولو ذكرت زيدا وحده كنت
قد أتيت باسم لم يقع فيه شك فاقتصرت عليه ، ولا يجوز أن تأتي بلفظ لا فائدة له
فصار كل واحد من المفعولين لا بد له من الآخر فاعرفه.
فإن قال قائل :
فلم صار بعض هذه الأفعال قد يجوز أن تتعدى إلى واحد مرة وإلى اثنين وهو ظننت ،
ورأيت ، وعلمت ، ووجدت ، والقسم الثاني ليس له إلا طريقة واحدة؟
__________________
قيل له : لأن
حسبت ، خلت ، قد علمت أن بابها الشك ، وهو التعدي إلى مفعولين ، وحوّلت ظننت من
باب الشك إلى باب التهمة إذ كان ذلك إخراجا لها عن أصلها ، وجواز هذا المعنى في
واحدها يغني عن سائرها ، فلهذا خالفت ظننت أخواتها ، فأما علمت ، ورأيت ، ووجدت ،
فاستعملت على المعنيين اللذين ذكرناهما في الشرح فجاز أن يختلف عملهما لاختلاف
معناهما .
وأما الأفعال
التي تتعدى إلى مفعولين إذا لم يسم فاعلها نحو : أعلمت ، وأريت ، وأنبئت ، ونبّئت
، فالأصل : علم ورأى ونبأ ونبّأ فلما دخلت عليها الهمزة وشددوا عين الفعل صارت
متعدية إلى ثلاثة مفعولين ، وقد بينا أن المفعول كان في الأصل فلم يجز إلا تعديتها
، كان أبو عثمان المازني يجيز الاقتصار على المفعول الأول كقولك : أعلمت زيدا [وتنبأت
وعلى هذا القياس يجوز ذلك في ثاني الأفعال ليجري الأمر فيها مجرى واحدا . واعلم أن أعلمت] إذ لم تسم الفاعل فيها ثم وسطتها بين المفعولين فالقياس
فيها ألا تلغى كإلغاء ظننت لأنها قد صارت بالنقل الذي دخل فيها بمنزلة
الفعل المتعدي في الحقيقة ، ألا ترى أنك إذا قلت : أعلمت زيدا عمرا خير الناس ،
فقد أوصلت إلى زيد علما ، كما أنك إذا قلت : أعطيت زيدا درهما ، فقد أوصلت إلى زيد
درهما فلهذا خالفت باب ظننت وأخواته فاعلمه.
__________________
باب نعم وبئس
إن قال قائل :
لم وجب أن يلي نعم وبئس الجنس؟
ففي ذلك وجهان
:
أحدهما : يحكى
عن الزجاج أنهما لما وضعا للمدح والذم العام خصا بأن يليهما لفظ عام.
والوجه الآخر :
أن لفظ الجنس إنما وجب تقديمه إلى جنب نعم وبئس ليدل بذلك على أن الممدوح قد حصل
له من الفضل ما في الجنس فإذا قلت : نعم الرجل زيد ، دللت بلفظ الرجل أنه فاضل في
الرجال وكذلك إذا قلت : نعم الظريف زيد ، دللت بذلك أن زيدا / ممدوح في الظرّاف ،
فلهذا وجب تقدير الجنس.
فإن قال قائل :
من أين جاز في نعم وبئس أربع لغات وكذلك جميع ما ثانيه حرف حلقي مما هو على ثلاثة أحرف
اسما كان أو فعلا نحو : فخذ ، وحروف الحلق ستة وهي الهمزة والهاء والحاء والخاء
والعين والغين ؟
فالجواب في ذلك
أن حروف الحلق لما كان بعضها مستعليا وبعضها قريب من الألف ، فالهمزة مقاربة الألف
والفتح قريب من الكسرة اتبع الفتح الكسر ليكون الكلام على طريقة واحدة كما يتبع
الفتح الألف الممالة ، فلما جاز إتباع الكسرة تتابع في الفعل كسرتان فيسكن الثاني
للاستثقال.
__________________
فإن قال قائل :
إذا كان الإسكان جائزا في أصل الفعل قبل إتباعه ففيم الإسكان بعد ذلك؟ قيل له :
لأن الإسكان بعد الإتباع أقوى ؛ لأن إسكان فتحة بعدها كسرة أقوى من إسكان كسرة
قبلها فتحة لثقل الكسرتين ، فيجوز أن يكون اتبعوا ليكون أعدل في الإسكان.
فإن قال قائل :
فمن أين زعمتم أن أصل هذين الفعلين : فعل ، وهلا كان على فعل أو فعل ؟ قيل له : الدليل على أن فعل لا يجوز إسكانه خفة الفتح فسقط أن يكون على فعل وجواز كسر أولهما دلالة فعل دون فعل ؛ لأن الثاني لو
كان مضموما فيهما لم يجز كسر الأول ؛ لأنه لا كسر بعده فتكسر الأول للكسرة التي بعده ، ولا يجوز أن يكون الأصل فيهما كسر الأول
وضم الثاني ؛ لأنه ليس في أبنيتهم ولا يوجد في كلامهم كسرة بعدها ضمة لازمة فوجب
أن يكونا فعل لما ذكرناه. فإن قال قائل : فلم زعمتم أنهما فعلان ، وقد وجدنا العرب
تدخل عليهما حرف الجر كقول الشاعر :
ألست بنعم
الجار يؤلف بيته
|
|
...
|
وروي أن
أعرابيا بشر بمولودة فقيل له : نعم المولودة مولودتك ، فقال : والله ما هي بنعم
المولودة نصرتها بكاء وبرّها سرقة ؟
__________________
قيل له : أما
الدليل على أنهما فعلان ثبات علامة التأنيث فيهما على حد ثباتها في الفعل نحو :
نعمت وبئست ، كما تقول : قامت وقعدت ، فلو كانا اسمين لكان الوقف عليهما بالهاء ،
فلما وقف عليهما بالتاء علم أنهما فعلان وليسا باسمين وأما كونهما حرفين فلا شبهة
في بطلانه لاستتار الضمير فيهما ولا يستتر ضمير الفاعل إلا في الأفعال ، وأما جواز
دخول الباء عليهما فإن ذلك عندنا على معنى الحكاية ، كأنه حكى ما قال له ، وحروف
الجر تدخل على الفعل الذي لا شبهة فيه على هذا الوجه كما قال : [والله ما زيد بقام
صاحبه] فإذا جاز دخول الياء على طريق الحكاية فليس بمنكور دخول الباء على نعم
التي فيها بعض الإشكال ، فقد ثبت بما أوردناه انها فعل لا اسم والله أعلم.
فإن قال قائل :
إذا نصبتم النكرة بعد نعم وبئس على التشبيه بالمفعول به لأنهما فيهما إضمار الفاعل
، فهل يجوز إظهار ذلك الفاعل مع بقاء المنصوب؟
فالجواب في ذلك
أن سيبويه يمنع منه ، وأما أبو العباس المبرد فقد اختاره وهو قولك نعم الرجل رجلا زيد ، فأما امتناع جوازه فلأن
أحد الرجلين يكفي
__________________
عن الآخر ؛ لأن كل واحد منهما اسم للجنس فلا وجه للجمع بينهما / وأبو
العباس أجازه على طريق التوكيد.
فإن قال قائل :
فلم خصت بجواز الإضمار قبل الذكر؟
قيل له : لأن
المضمر قبل الذكر على شريط التفسير فيه شبهة من النكرة إذ كان لا يفهم إلى من يرجع
حتى تفسره ، وقد بينا أن نعم وبئس لا يجوز أن يليهما معرفة محضة ، فصار الضمير على
شريطة التفسير لما فيه الألف واللام من أسماء الجنس.
فإن قال قائل :
فما الفائدة في هذا الإضمار وهلا اقتصروا على قولهم : نعم الرجل زيد؟ قيل له :
الفائدة تخفيف اللفظ وذلك أنهم إذا أضمروا فيها احتاجوا إلى مفسر نكرة منصوبة وهي
أخف من معرفة فيها الألف واللام ، فلما كان المضمر لا يظهر وكان ما يفسره خفيفا
أضمروا فيها ليخف اللفظ عليهم ، ولو اقتصروا على إظهار الفاعل لكان ذلك شائعا.
فإن قال قائل :
فهلا ثنوا الضمير وجمعوه كما يثنون الاسم الظاهر نحو : نعم الرجلان الزيدان؟
فالجواب في ذلك : أنهم إنما أضمروا على شريطة التفسير ليخف اللفظ ، فلما كان
المفسر يثنى ويجمع وفيه دلالة على أن المضمر يجري مجراه استغنوا عن تثنية الضمير
بما أظهروا من تثنية المفسر وجمعه فلو ثنوا الضمير
__________________
وجمعوه لولي نعم وبئس اسمان ليس في لفظهما دلالة على الجنس فلهذا لم يثن
ويجمع المضمر فيهما.
فإن قال قائل :
إذا قلت : نعم الرجل زيد ، فزيد رفع بالابتداء ونعم الرجل خبره ، وليس في الجملة
ضمير يرجع إلى المبتدأ ، ومثل هذا لا يجوز في غير هذين الفعلين؟
قيل له : لم
يجز في غيرهما من الأفعال لوجهين :
أحدهما أن قولك
: زيد قام الرجل ، لو جوزناه لالتبس الكلام ؛ لأن قولك : قام الرجل ، يجوز أن يكون
كلاما تاما قائما بنفسه فلا يعلم هل هو خبر الابتداء أو هو استئناف جملة أخرى
منقطعة مما قبلها ، وأما نعم الرجل ، فلا يتوهم فيه ؛ لأنه لا يقتصر عليه فصار
تعلقه بما قبله كتعلق الضمير بما قبله كقولك : زيد قام فجرى المظهر بعد نعم وبئس
مجرى المضمر في غيرهما من الأفعال.
والوجه الثاني
: أن قولك : زيد نعم الرجل ، محمول على معناه إذ كان قولك : نعم الرجل ، يقوم مقام
زيد الممدوح في الرجال ، فلما قام مقامه في المعنى اكتفي به ، ولم يكن في غيره من
الأفعال هذا المعنى فلهذا اختلفا.
فإن قال قائل :
من أين حسن إسقاط علامة التأنيث من نعم وبئس إذا وليهما مؤنث ولم يجز في غيرهما من
الأفعال ؟
قيل له : قد
ذكرنا في الشرح وجها آخر أجود منه وهو أن المؤنث الذي يلي نعم وبئس يجب أن يكون
اسم جنس يجري مجرى الجمع ، والفعل إذا كان للجماعة وإن كانوا مؤنثين ذكّر فعلهم
كقولك : قام النسوة ، فلهذا حسن التذكير في هذين الفعلين.
__________________
باب حبذا
إن قال قائل :
ما الأصل في حبّ؟
قيل له : الأصل
فيه فعل على وزن كرم فحذفت الضمة من الباء الأولى وأدغمت في الباء الثانية ، وإنما
حكمنا عليها بفعل من وجهين :
أحدهما : أن
اسم الفاعل منها حبيب وفعيل أكثر ما يكون / لما ماضيه على فعل نحو كرم فهو كريم.
ولأن الأفعال
إذا أريد منها ما يراد في نعم وبئس فأكثر ما يستعمل على فعل كقولك : حسن رجلا زيد
، فلما استعملت حبذا استعمال نعم وإن كانت نعم على وزن فعل وجب أن يحمل حبذا على
فعل لكثرة فعل في هذا الباب.
فإن قال قائل :
فما الذي أحوج أن يجعل حب مع ذا اسما واحدا ؟
قيل : يجوز أن
يكون الغرض تخفيف اللفظ ؛ لأنهم إذا قدروها بمنزلة شيء استغنوا عن تثنية (ذا)
وتأنيثه ، فلهذا جعلا شيئا واحدا.
فإن قال قائل :
فلم صار لفظ التذكير أولى من لفظ التأنيث؟
قيل له : لأن
المذكر قبل المؤنث ، وهو كالأصل له فلما أرادوا تركيب [فعل مع] اسم كان تركيبه مع المذكر السابق للمؤنث أولى من
المؤنث.
فإن قال قائل :
فلم خص بالتركيب مع (ذا) من بين سائر الأسماء؟
__________________
قيل له : لأن
ذا اسم مبهم ينعت بأسماء الأجناس ، وقد بينا أن لفظ الجنس يستحق أن يقع بعد نعم
وبئس ؛ فوجب أن يجري مجراها فركبوها مع اسم يقتضي النعت بالجنس.
فإن قال قائل :
فلم غلّبتم على حبذا الاسمية وقلتم إنهما صارا بمنزلة اسم واحد؟
قيل : وجدنا في
الأسماء اسمين جعلا بمنزلة اسم واحد فوجب أن يحمل حبذا على حكم الاسمية لوجود
النظير في الأسماء ولم يجز حملها على الفعل لعدم التنظير.
والوجه الثاني
: أن الاسم أقوى من الفعل فلو جعلا شيئا واحدا وجب أن يغلب عليهما حكم الاسمية
لقوة الاسم وضعف الفعل فإذا وجب هذا جاز أن تقول : حبذا زيد ، فتجعلوا حبذا اسما
مبتدأ ، وزيد خبر فاعرفه ...
باب الضمير
إن قال قائل :
ما وجه تكرير العرب الأسد الأسد والطريق الطريق إذا أرادوا التحذير؟
قيل له : وجه
ذلك أنهم جعلوا أحد الاسمين عوضا عن الفعل المحذوف ، والدليل على ذلك أنهم إذا
أسقطوا أحد الاسمين جوزوا إظهار الفعل كقولك :
__________________
احذر الأسد ، فإذا كرروا لم يظهروا الفعل ، فدل ذلك على أنهم جعلوا الاسمين
عوضا عن الفعل ، والوجه أن يكون العوض هو الأول كما أن الفعل يجب أن يكون مقدما
على المفعول.
فإن قال قائل :
فلم قدرتم الفعل في إياك بغير تكرير كقولك : إياك تريدون ، إياك احذر؟
قيل له : لأن
إياك لا يجوز أن يقع فعل قبلها لأنك لا تقدر الكاف ولا يجوز أن تقول : ضربت إياك ،
لأنك تقدر أن تقول ضربتك ، فلهذا وجب تقدير الفعل بعد إياك.
فإن قال قائل :
فلم لا تضمر الفعل إذا كان يتعدى بحرف جر؟
قيل له : لو
أضمرنا لوجب أن يبقى الاسم مجرورا لتقدير حرف الجر ولو فعلنا هذا لكنا قد أضمرنا
حرف الجر وهذا لا يجوز ؛ لأن حرف الجر يجري في الضعف مجرى حروف الجزم وحروف الجزم
لا تضمر وكذلك حروف الجر وجملة الأمر أن جميع الحروف لا يجوز إضمارها لضعفها وإنما
جاز إضمار الفعل لقوته إذ كان متصرفا ويعمل في التقديم والتأخير ، فلما كانت هذه
الحروف ناقصة عن حكم الفعل لم يجز أن تعمل مضمرة ، وأيضا فإن / المصدر إذا كان
يمكن أن يقدر فعلا ينصب بنفسه وأمكن أن يقدر فعلا يصل بحرف جر وجب تقدير شيء واحد
إذ كان تقديره ينوب عن شيئين وصار بذلك أولى لخفة حكمه.
واعلم أن إضمار
الفعل يقع في كلام العرب على ثلاثة أوجه :
أحدها : لا
يجوز إظهاره.
والآخر : يجوز
أن يضمر ويظهر.
__________________
والثالث لا
يجوز إضماره.
فأما ما لا
يجوز إظهاره فنحو ما ذكرناه من إياك وزيدا ، وكذلك ما تكرر من الأسماء نحو :
الطريق الطريق وكذلك [إن كان] أحد الاسمين معطوفا على الآخر لم يجز إظهار الفعل ،
كقولك : رأسك والجدار.
وأما ما يجوز
إظهاره وإضماره فإنه يجري ذكر الفعل أو يكون الاسمان في حال الفعل كقولك : زيدا
إذا سمعت ذكر ضرب أو رأيت إنسانا يريد أن يضرب ، فأنت بالخيار إن شئت قلت : اضرب
زيدا وإن شئت حذفت الفعل لدلالة الحال عليه.
فأما الوجه
الثالث فأن تقول : زيدا فتضمر الفعل ، وهو لم يجر له ذكر ، فهذا لا يجوز ؛ لأنه لا
يدرى أنك تريد اضرب زيدا أو أكرمه ، فلما لم يكن على الضمير دليل لم يجز.
فإن قال قائل :
فلم خصت العرب إياك وحدها من بين سائر أخواتها فلم يستعملوا معها الفعل وإن أفردت
كقولك : إياك إذا أردت احذر؟
فالجواب : في
ذلك أن إياك أقاموها مقام فعل الأمر ، فلم يجز إظهار الفعل معها ، أما غيرها من
الأسماء فلم يقم مقام الفعل معه ، فجاز إظهار الفعل معه ، وإنما خصّ إياك بهذا
لأنها اسم لا يقع إلا علامة للمنصوب ، فصار لفظه يدل على كونه مفعولا ، وأما غيره
من الأسماء فيصح أن يقع منصوبا أو مرفوعا أو مجرورا ، فلما لم يختص من الأسماء
اختصاص النصب الذي يقتضيه الفعل الناصب لم يقم مقامه ، ولما اختصت إياك بهذا
المعنى جاز أن تقوم مقام الفاعل فاعرفه.
__________________
باب اسم الفاعل
إن قال قائل :
لم وجب لاسم الفاعل أن يجري مجرى الفعل إذا أريد به الحال والاستقبال ، ولم يجز
هذا المعنى فيه إذا أريد به المضي ولزم وجها واحدا وهو الجر؟ قيل له ؛ لأن أصل الأسماء ألا تعمل إلا
الجر وأصل الأفعال أن تعمل في المفعول إلا أن الفعل المضارع قد أشبه الاسم من وجوه
قد ذكرناها في صدر هذا الكتاب أوجبت له الإعراب بعد أن كان مستحقا للبناء على السكون
فكذلك الاسم أيضا حمل على الفعل المضارع فعمل عمله ، وأما الفعل الماضي فلم يشابه
الاسم مشابهة قوية فلهذا لم يزد على البناء على الفتح وكذلك يجب في الاسم الذي
بمعناه ألّا يزال عن أصله ، والأصل في الأسماء ألا تعمل إلا الجر لما ذكرناه أيضا
في باب الجر فبقي اسم الفاعل إذا أريد به الماضي على أصله ، وجاز في اسم الفاعل أن
ينصب إذا أريد به الحال والاستقبال حملا على المضارع لما بينهما من الشبه.
فإن قال قائل :
فلم جاز في اسم الفاعل إذ أريد به الحال والاستقبال الجر وقد استقرت مشابهته للفعل
، وهلّا امتنع من الجر كما امتنع / الفعل المضارع من البناء إذ كان بحصول شبهة
بالأسماء يستحق الإعراب؟
__________________
قيل له : لأن
اسم الفاعل وإن أجري مجرى الفعل لم يخرج عن حكم الاسمية ، ولأجل كونه اسما جاز أن
يجر ما بعده ، ولأجل ما بينه وبين المضارع من الشبه جاز أن ينصب ، وأما الفعل
المضارع فقد جاز فيه أيضا الرد إلى أصله وهو السكون ، وذلك إذا لحقته علامة جماعة
النساء ، كقولك : الهندات يضربن ، فقد استوى حكم نون الفاعل والفعل المضارع فيما
سألت عنه ، وأيضا فإن بين حمل اسم الفاعل على الفعل المضارع وبين حمل الفعل على
الاسم فرقا ، وذلك أن الفعل حمل في التثنية بما يختص الاسم ، من حمل على الفعل
بهذا المعنى أيضا ، فصار حمل الاسم على الفعل أنقص حكما من حمل الفعل على الاسم ،
فإذا كان كذلك وجب ألا يزول عن الاسم ما كان يستحقه من جواز الجرّ به ، ولم يجز في
الفعل السكون ، لأنه قد انتقل عن أصله لحصول الشبه فيه.
فإن قال قائل :
فلم جاز في اسم الفاعل إذا أريد به المضي أن يتعدى إلى المفعول الثاني نحو قوله :
زيد معطي عمرو درهما أمس؟ ، قيل له في ذلك وجهان :
أحدهما : أن
يكون الاسم منصوبا بفعل مقدر تقديره : أخذ درهما أمس.
والوجه الثاني
: وهو أجودهما أن الفعل الماضي لما كان قد بني على حركة لما بينه وبين الاسم من
الشبه وجب أن يكون لهذا الشبه تأثير في الاسم فجعل هذا في المعنى يجوز أن يتعدى
إلى المفعول الثاني .
فإن قال قائل :
فلم جاز أن تقول هذان الضاربان زيدا ، وأنت تريد الماضي بهذا القول؟
فالجواب في ذلك
أن أصل الكلام هذان اللذان ضربا زيدا ، فانتصب زيد بالفعل ؛ لأن العرب تختص بعض
كلامها فتنقل لفظ (الذي) إلى الألف واللام ؛
__________________
لأن الفعل لا يصح دخول الألف واللام عليه فلا بد أن ينقل إلى لفظ الاسم وهو
ضارب ليصح دخول الألف واللام عليه وصار لفظ الضاربان زيدا منصوبا بمعنى الفعل
المقدر فلهذا جازت المسألة فاعلمه.
واعلم أن
المفعول لا يتقدم على اسم الفاعل إذا كانت فيه الألف واللام نحو قولك : هذا الضارب
زيدا ، فلو قلت : زيدا هذا الضارب ، لم يجز وإنما لم يجز ، لأن الألف واللام بمعنى
(الذي) فما بعدها في صلة (الذي) وما في الصلة لا يتقدم على الموصول فلهذا لم يجز.
فإن قال قائل :
فمن أين جازت الإضافة مع الألف واللام مع التثنية والجمع في هذا الباب كقولك :
هذان الضاربان زيد والضاربو عمرو ولم يجز ذلك في المفرد نحو قولك الضارب زيد؟
قيل : أما جواز
الإضافة في التثنية والجمع فلأن النون إذا ثبتت وجب نصب الاسم بعدها كما يجب نصبه إذا
نونت الاسم في قولك : ضارب عمرا ، فكما أنه إذا حذفت النون خفضت الاسم وجب أيضا
إذا حذفت النون من التثنية والجمع أن تخفض الاسم. وأما قولك : هذا الضارب زيدا
فالألف واللام قد قامت مقام التنوين فلم يكن في الاسم شيء يحذف منه لأجل الإضافة ،
فلهذا لم يجز الجر فيه.
فإن قال قائل :
فقد قالوا : زيد الضارب / الرجل فأضافوا إلى ما فيه الألف واللام وإن لم يكن فيه
تنوين؟
قيل له : جازت
الإضافة تشبيها من جهة اللفظ ، كقولك : زيد الحسن الوجه ، وكما قالوا : الحسن
الوجه ، تشبيها بقولك : الضارب الرجل ، وسنبين وجه الشبه
__________________
بينهما في باب الصفة فصار جواز إضافة الضارب إلى ما فيه الألف واللام بالشبه
الذي ذكرناه.
فإن قال قائل :
فهلّا جازت الإضافة في التثنية والجمع في الأسماء غير المشتقة من الأفعال نحو قولك
: هذان الغلاما زيد كما قلت الضاربا زيد؟
قيل له : الفصل
بينهما أن جواز الإضافة فيما بعد الضارب لما ذكرناه من جواز وقوعه منصوبا بعدها
بحال ، فلهذا لم تجز إضافتها ، ألا ترى أنك لو قلت : هذان الغلامان زيدا. لم يجز ،
فلهذا لم تجز الإضافة؟
فإن قال قائل :
فهلّا جوزت الإضافة في هذا من غير هذا التقدير؟
قيل له : إنها
لم تجز ؛ لأن القصد في الإضافة تخصيص المضاف وتعريفه فإذا كانت في المضاف
الألف واللام تعرّف بهما ، ولم يحتج إلى تعريف آخر من جهة الإضافة فلهذا لم يجز
فاعرفه.
باب ما يعمل من المصادر
إن قال قائل :
من أين جاز أن يعمل المصدر وهو أصل الفعل عمل الفعل؟
قيل له : من
وجهين :
أحدهما : أن
الفعل لما كان مشتقا منه ، وكان في المصدر لفظ الفعل جاز أن يعمل عمله ؛ إذ كل
واحد منهما يدل على الآخر.
والوجه الثاني
: أنك إذا قلت : أعجبني ضرب زيد عمرا ، فالمعنى : أن ضرب زيد عمرا ، فلما كان
المصدر مقدّرا بأن والفعل صار العمل في المعنى للفعل ، فلما
__________________
حذف لفظ الفعل بقي حكمه فلهذا جاز أن يقع بعد الاسم مرفوعا ومنصوبا إذا نونته
أو أدخلت فيه ألفا ولا ما ، وإذا أسقطت الألف واللام أو التنوين وجبت الإضافة ؛
لأن المصدر اسم ما لم يحل بينه وبين ما يعمل فيه الحائل أعني التنوين [ف] وجب خفض ما بعده.
فإن قال قائل :
قد ادّعيت أن المصدر اسم للفعل فمن أين وجب له ذلك؟
قيل له في ذلك
وجوه :
أحدها اجتماع
النحويين على تسميته مصدرا ، والمصدر في اللغة هو الموضع الذي تصدر منه الإبل
وترده ، فلما استحق هذا الاسم وجب أن يكون الفعل هو الصادر عنه.
ووجه آخر وهو
أن الفعل يدل على مصدر وزمان ، والمصدر يدل على نفسه فقط ، فلما كان المصدر أحد
الشيئين اللذين دلّ عليهما الفعل بالواحد من الاثنين فلهذا وجب أن يكون المصدر أصلا
للفعل.
ووجه ثالث :
وهو أن المصدر اسم ، والاسم يقوم بنفسه كقولك : ضربك وجيع كما تقول : والدك عالم ، فقد لحق المصدر بالأسماء
بالقيام بنفسه ، والفعل لا يستغني عن الاسم ، فإذا كان كذلك وجب أن ما لا يحتاج
إلى غيره أصلا في نفسه هو الاسم وما افتقر إلى غيره فرعا هو الفعل ، وهذا الدليل على أن الفعل مأخوذ من المصدر ؛ لا
أن المصدر مأخوذ من الفعل .
__________________
فإن قال قائل :
فقد وجدنا المصدر يؤكد به الفعل كقولك : ضربت ضربا والتأكيد بعد المؤكد؟
قيل : هذا غلط
/ وذلك أن المصدر وإن أطلقنا عليه أنه توكيد فإنما يقتضي أنه بعد المؤكد في اللفظ
، كما أنك لو قلت : ضربت ضربت ، وجاءني زيد زيد ، وكررت الاسم والفعل لكان المكرر
توكيدا للأول ، وليس الأول أصلا له من سبب أنه جاء قبله ، وأيضا فإن قولك : ضربت
ضربا ، معناه أنك أوقعت فعلا ، فالمصدر مفعول كقولك : ضربت زيدا ، فلو اعتبرنا
ترتيب اللفظ وكون الفعل عاملا فيما بعده وجعلناه أصلا لهذه العلّة لوجب أن يكون
الفعل قبل الاسم ، أعني قبل زيد في قولك : ضربت زيدا ، وكذلك سائر الأسماء ووجب ما
هو أقبح من هذا ، وهو أن تكون الحروف أصلا للفعل والاسم ، إذ كانت عوامل فيهما فلما بطل هذا سقط الإلزام.
فإن قال قائل :
قد وجدنا المصدر يعتل باعتلال الفعل ويصح بصحته كقولك : قام قياما ، والأصل قواما
، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وجرى المصدر على فعل ، وقد اعتل ، فإذا قلت
: قاوم فصححت الواو وقلت في المصدر : قواما فلم تقلب الواو لصحة الفعل ، فلما كان
المصدر يتبع الفعل في اعتلاله وصحته وجب أن يكون الفعل أصلا له؟
قيل له : هذا
غلط بيّن ، وذلك أن الشيء يحمل على الشيء ؛ لأنهما من نوع واحد ، لأن أحدهما أصل
للآخر يحمل عليه لئلا يختلف طريق تصاريف الكلمة ، ألا ترى أنك تقول وعد يعد فتحذف
الواو لوقوعها بعد ياء وكسرة حملا على يعد وليس يعد أصلا في (عد) ولكنه من نوعه ؛ فحمل عليه لئلا
يختلف
__________________
تصريف الفعل ، وكذلك المصدر لما كان مشتقا من لفظه صار بينهما مناسبة من
جهة اللفظ فحمل عليه ، ومما يدل أيضا على فساد ما ألزمنا المخالف أن من مذهبه في
الفعل الماضي في القبح على أن التثنية فرع على الواحد ، فإذا جاز للفراء أن يحمل
الأصل على الفرع ، وهو المخالف لنا في هذه المسألة ، جاز لنا أن نحمل المصدر وإن
كان أصلا للفعل في باب الإعلال وقد استقصينا هذه المسألة بأكثر من هذا الشرح في
شرح كتاب سيبويه.
واعلم أن
المصدر يقدر بأن والفعل متى لم يعمل فيه فعله المشتق منه ، فإن عمل فيه فعله لم
يقدر بأن ، مثال قولك : أعجبني ضرب زيد عمرا ، فالتقدير : أعجبني أن ضرب زيد عمرا
، فلو قلت : ضربت زيدا ضربا لم يجز أن تقدره ب (أن) فتقول : ضربت زيدا ، وإنما وجب
ما ذكرناه ؛ لأن لفظ المصدر لا يدل على معنى معين. فإذا قلت : أعجبني ضرب زيد ، لم
يعلم أنه ضرب ماض أو مستقبل أو حال فتفصل بأن والفعل ، لأن لفظ الفعل يدل على زمان
مخصوص فلهذا قدر ب (أن) إذا عمل فيه غير فعله ، وأما إذا عمل فيه فعله فلا حاجة
بنا إلى تقديره ؛ لأن الفعل المتقدم قد دلّ على الزمان الذي وقع الضرب فيه ، وأمّا
قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي
يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [البلد : ٩٠ / ١٤ ـ ١٥] ، إن قيل : أين فاعل الإطعام؟
قيل : هو محذوف
من الكلام للدلالة عليه. فإن قيل : فما الذي يدل عليه؟ قيل قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) [البلد : ٩٠ / ١٢]. / هذا خطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم ، دلّ ذلك على أن الفاعل هو المخاطب ، والتقدير أو
إطعام أنت يتيما.
فإن قيل :
فهلّا كان الفاعل مضمرا في الإطعام كما يضمر في اسم الفاعل كقولنا : أنت مطعم ،
ففي مطعم ضمير مستتر كما استتر في الفعل إذا قلت تطعم؟ فالجواب في ذلك : أن
المصادر لا تقبل الضمير وإن عملت عمل الفعل ،
وإنما لم يصح فيها هذا لأنها أصل الأفعال ، فجرت مجرى أسماء الأجناس نحو : رجل
وفرس ، فلما كانت هذه الأسماء لا تقبل الضمير وجب أن يكون المصدر كذلك ، فإذا لم
يظهر الفاعل بعدها فإنما ذلك لأجل حذفه للدلالة عليه لا لاستتاره.
فإن قيل : ألستم
تزعمون أن الفعل لا يخلو من فاعل مظهر أو مضمر ، فالمصادر أجريتموها في العمل مجرى
الفعل فكيف جاز أن يخلو من لفظ الفاعل؟.
قيل له : إن
المصدر وإن عمل عمل الفعل فيظهر في نفسه اسم وهو متعلق بالفاعل والمفعول ، فهو في
نفسه اسم وهو متعلق بالفاعل والمفعول كما قلت إذا كان الفاعل أحدثه والمفعول به
وقع به ، فصار ما تعلق به كالشيء الواحد ، وكما يجوز أن يحذف في بعض الكلام
للدلالة عليه جاز أيضا حذف الفاعل.
فإن قيل :
فهلّا أجري اسم الفاعل مجرى المصدر ؛ لأنه اسم من المصدر ، وكيف جاز أن يقبل
الضمير ولم يقبله المصدر؟
قيل له : لأن
اسم الفاعل والفعل جميعا فرعان للمصدر ، فلما جاز استتار الفاعل في الفعل جاز
استتاره أيضا في اسم الفاعل لاشتراكهما في الفرعية ، إلا أن بين استتار الفاعل في
الفعل وبين استتاره في اسم الفاعل فرقا ، وهو أن ضمير الفاعل المستتر في الفعل
يظهر في التثنية والجمع كقولك : الزيدان يضربان ، والزيدون يضربون ، وفي اسم
الفاعل يستتر في النية ولا يظهر في اللفظ ، فإنما وجب ذلك في اسم الفاعل ؛ لأنه
اسم في نفسه فلا بد أن تلحقه تثنية تخصّه لنفسه ، فلم تجز إظهار تثنية الضمير مع
تثنية الاسم ؛ لأن ذلك يوجب الجمع بين تثنيتين ، وهذا محال.
فإن قال قائل :
كيف تقدّرون قولهم : أعجبني أكل الخبز والخبز مفعول؟
قيل في ذلك
تقديران :
أحدهما أن يكون
المصدر مقدرا بأن وفعل لم يسم فاعله ، فالتقدير : أعجبني أن أكل الخبز.
والثاني أن
المصدر اسم متعلق بالفاعل والمفعول ، وقد بينّا أنه يجوز أن يكتفي بالفاعل مع
المصدر وحده ، وكذلك يكتفي بالمفعول مع المصدر ، فجاز إضافة المصدر إلى المفعول إذ
ليس مفتقرا إليه من جهة اللفظ فاعرفه.
باب ما يشتغل عنه الفعل
اعلم أنك إذا
قلت : زيد ضربته ، فالاختيار الرفع في زيد ، والنصب جائز ، وإنما اختير الرفع ؛
لأن الرفع بغير إضمار ، والنّصب بإضمار ، فكان ترك الإضمار أولى ؛ لأنه أخف مؤنة
من النصب وليس أيضا في الكلام ما يقتضي إضمار فعل ، فلهذا كان الرفع أولى ، وأما
إذا قلت : ضربت زيدا وعمرا كلمته ، فالاختيار نصب عمرو / والرفع جائز وإنما اختير
النصب في عمرو ؛ لأن واو العطف حقها أن يكون ما بعدها مشاكلا لما قبلها ، فلما
بدأت بالفعل كان إضمار الفعل بعد الواو أولى لتكون قد عطفت فعلا على فعل فلهذا اختير
النصب ، والرفع جائز على أن يجعل ما بعد الواو النصب متى كان الفعل الذي بعد الواو
ابتداء وخبرا فتصير عاطفا جملة على جملة.
واعلم أنه متى
كان المبتدأ به الفعل فالاختيار فيما بعد الواو النصب متى كان الفعل الذي بعد
الواو ناصبا لضمير الاسم الذي يلي الواو عاملا في سببه ، وسواء كان الفعل المبتدأ
به مما ينصب أو يرفع أو يتعدى بحرف جر ، كقولك : فيما يرفع : جاء زيد وعمرا كلمته
، وكذلك لو قلت : جاءني زيد وعمرا
__________________
كلمت أباه ، لأنك بدأت في جميع هذه المسائل بالفعل ، فإن قلت : إنّ زيدا
قائما وعمرا كلمته ، فالاختيار في عمرو الرفع لأنك لم تبتدئ بفعل إذ كانت (إنّ)
حرفا ، وهي وإن غيرت اللفظ فما بعدها في حكم المبتدأ ، فلهذا اختير الرفع في عمرو
، ويجوز النصب كما جاز في الابتداء بإضمار فعل مثل الفعل الذي قد عمل في الضمير ،
فإن قلت : ضربت زيدا وعمرو قائم أو يقوم ، لم يجز في عمرو إلا الرفع ، لأنك لم
تذكر بعد الواو فعلا يجوز أن يعمل في عمرو ، وليس بمعطوف على الاسم الأول ، فيدخل
في حكمه ، ولكنه عطف جملة قائمة بنفسها على جملة مثلها ، فلهذا لم يجز نصب ما بعد
الواو ؛ لأنك لو نصبته بقي الفعل أو الاسم الذي بعده متعلقا ، إذ لا يتعلق بما
قبله من الكلام ، فإن قلت : زيد ضربته وعمرو كلمته ، كنت في عمرو بالخيار إن شئت
نصبته وإن شئت رفعته ، وإنما اعتدل النصب والرفع هاهنا لأنك بدأت بالاسم في أول
الكلام وشغلت الفعل بالضم ، وإن قدرت ما بعد الواو كأنه معطوف على الهاء اختير
النصب في عمرو ؛ ليكون ما بعد الواو الفعل كما أن المضمر محمول على الفعل ، فإن
قدرت ما بعد الواو اسما مبتدأ بمنزلة المعطوف عليه رفعت ، واختير الرفع ، فإن دخلت
ألف الاستفهام على الاسم وقد اشتغل الفعل اختير النصب كقولك : أزيدا ضربته ، وإنما
اختير النصب ؛ لأن الاستفهام وقع على الفعل فصار حرف الاستفهام يطلب الفعل فيجب أن
يضمر الفعل ، ويكون الموضع الذي يقتفي الفعل أولى بالإضمار ، فإذا وجب إضمار الفعل
قبل الاسم وجب النصب. والرفع جائز على المبتدأ أو الخبر ، وإنما جاز الرفع ؛ لأن
الاستفهام قد يقع بعده المبتدأ والخبر كقولك : أزيد قائم؟ فكما جاز الابتداء بعد
حرف الاستفهام وإن كان خبره لمبتدأ اسما ، فكذلك يجوز الرفع في الاسم وإن كان خيرا
لمبتدأ فعلا ، إذ الفعل المشتغل بالضمير لا تسلط له على المبتدأ فجرى مجرى الاسم ،
فلهذا جاز فاعرفه ، وكذلك إذا أدخلت عليه / حرف النفي كقولك : ما
زيد ضربته وعمرا كلمته ، وإنما اختير النصب ؛ لأن النفي لمّا كان غير واجب
ضارع الاستفهام فاختير فيه النصب كما يختار في الاستفهام ، والرفع أحسن في
الاستفهام ؛ لأن النفي تقديره أن يدخل على الموجب كأنك أدخلت (ما) على قولك : زيد
ضربته ، فلما دخل النفي على شيء قد استقر فيه الرفع كان بقاؤه على ما كان عليه
حسنا.
فإن قيل :
فهلّا كان الرفع المختار لأجل هذه العلّة؟
قيل له : إنما
ذكرنا أن النفي يدخل على لفظ الإيجاب على طريق التقدير وليس ذلك بواجب ، ألا ترى
أنك تقول : ما جاءني أحد ، ولو قدرت الكلام موجبا لم يجز ، فبان أن النفي قائم
بنفسه وإن دخل على الكلام الموجب ، فإذا كان كذلك يدخل النفي بطل
الإيجاب ، وصار الحكم للنفي ، وحصل مضارعا للاستفهام ، واختير النصب بحصول مضارعته
للاستفهام في اللفظ وحسن الرفع لما ذكرناه من التقدير.
واعلم أنك إذا
جئت فيه بالأمر والنهي والمجازات فالرفع فيها بعيد كقولك : زيد اضربه ، وزيد لا
تضربه ، وإن زيد تكرمه يأتك ، والنصب هو المختار والرفع قبيح ، وإنما قبح الرفع ؛
لأنها أشياء لا تكون إلا بالفعل ، فبعدت من الرفع ، وإنما جاز الرفع لأنك بدأت
بزيد ، وشغلت الفعل عنه بضميره فامتنع عن العمل في زيد ، فشبه بقولك : زيد ضربته ،
إذا كان الرفع لا يضير المعنى ، واستخف إذا كان فيه إسقاط تقدير فعل مضمر وهذا
الذي ذكرناه يجوز في الأمر والنهي.
فإن قال قائل :
من شرط خبر المبتدأ أن يجوز فيه الصدق والكذب والأمر والنهي لا يجوز أن يكون فيهما
، فكيف جاز أن يقعا خبرا للمبتدأ؟
قيل : جاز ذلك
بحمل الكلام على معناه ، وذلك أن الأصل اضرب زيدا ، فإذا
__________________
قدمت زيدا مرفوعا وشغلت الكلام بضميره فمعنى الكلام باق ، وإنما رفع بشبه
لفظه بالمبتدأ أو الخبر ، فلما وجدنا مساغ جواز رفعه ؛ لأن فيه تقدير إسقاط تقدير
الفعل جوزنا رفعه وحمل في الحكم على معناه ، وأما إذا رفعت الاسم بعد حرف الجزاء
فلا يجوز أن ترفعه بالابتداء ، لأن حروف الشرط ألفاظ تقتضي الفعل فلا يجوز أن يخلو
منه ، ومع ذلك فلو رفعت الاسم بالابتداء لم يجز جزم الفعل بعده لفصلك بين حرف
الشرط وما قد عمل فيه الاسم ، لأن الجازم مع المجزوم كالجار مع المجرور أضعف حالا
، فلهذا لم يجز رفع الاسم بالابتداء ، وأما الأمر والنهي فليس قبل الاسم حرف يقتضي
الفعل حتى يحتاج إلى إضمار فعل ، فلهذا فارق الجزاء الأمر والنهي وإن اشتركا في
قبح الرفع فيهما.
فإن قال قائل :
فبأي شيء يرفع الاسم بعد حرف الجزاء وقد شغلت الفعل بضمير ، وهو مفعول في المعنى؟
قيل له : يرفع
على إضمار فعل ما لم يسمّ فاعله ، كأنك قلت : إن يكرم زيد تكرمه يأتك ، وإنما جاز
ذلك ؛ لأن الفعل إذا لم يسم فاعله لا يتغير معنى ، ولو سميت فاعلا لم يكن ينقص
عمله فجريا مجرى واحدا ؛ فوجب إضمار فعل ما لم يسم فاعله ليصح رفع زيد. فإن قال
قائل : أليس / إذا رفعت زيدا بالفعل المضمر فقد جزمت الفعل الظاهر ب (إن) وقد فصلت
بينهما فكيف جاز ذلك وقد امتنعت منه إذا لم يظهر الفعل؟
فالجواب في ذلك
أن (إن) عملت في الفعل المضمر والفعل الظاهر تبيين له وتوكيد ، والفصل بين التوكيد
والمؤكد والبيان والمبين بشيء يتعلق بالأول جاز ، فلهذا حسن جزم الثاني إذا أضمرت
الفعل.
واعلم أن حكم (هلّا)
و (إلّا) و (لو لا) و (لو ما) في اختيار النصب بينهما كحكم حروف الجزاء كقولك : هلّا
زيدا ضربته ، فإن رفعت فعلى إضمار فعل ما لم يسم فاعله ، ولا يجوز رفعه بالابتداء
؛ لأنها حروف تقتضي الفعل إذ كان فيها معنى الأمر والتحضيض فجرت مجرى الجزاء.
واعلم أن الفعل
إذا كان لا يصل إلا بحرف جر لم يضمر ، ولكن يضمر فعل في معناه ؛ لأن حرف الجر لا
يجوز إضماره ، وحرف الجر مع المجرور كالشيء الواحد ، وعمل حروف الجر كعمل حروف
الجزم ، فكما لا يجوز إضمار الجازم ، فكذلك لا يجوز إضمار الجار ، وعلّة ذلك أجمع
أنها عوامل ضعاف إذا كانت حروفا وإنما يحذف العامل لقوته كالفعل لجواز عمله مقدما
ومؤخرا فلمّا كانت هذه الحروف لا يعمل فيها ما قبلها وهي جوامد في
أنفسها لم يجز إضمارها ، إذ كان عملها مؤخرة أضعف من عملها فيما قبلها فاعرفه.
فإن قال قائل :
فقد أجزتم إضمار رب في قوله :
قيل له : إنما
جاز ذلك ؛ لأن الواو صارت عوضا.
فإن قال قائل :
فلم جوزتم إضمار من باتفاق النحويين في قولهم : بكم درهم اشتريت ثوبك؟ قيل له إنما
جاز إضمار من هنا لدخول الباء في كم ؛ لأنهم استثقلوا إحاطة حرفين خافضين باسم ، والمعنى لا يشكل وقوّى من في هذا الكلام فكان
قوة معناها في قولهم : بكم درهم ، عوضا منها.
__________________
باب حتى
إن قال قائل :
ما الأصل في حتى ؛ أن تكون عاطفة أم جارة؟
قيل له : الأصل
فيها أن تكون جارة . ودخولها في باب العطف حملا على الواو. والدليل على أن
أصلها الجر أنها إذا جعلت عاطفة لم تخرج من معنى الغاية ، ألا ترى أنك إذا قلت :
جاءني القوم حتى زيد ، ومررت بالقوم حتى زيد ، فزيد بعض القوم ، وإذا رجعت أيضا
على العطف فهو بعض القوم ، ولو كان أصلها العطف لوجب أن يكون ما بعدها من غير جنس
ما قبلها ، إذ كانت حروف العطف هكذا حكمها نحو قولك : جاءني زيد وعمرو
، ولا يجوز جاءني زيد حتى عمرو ، وكذلك لا يجوز الخفض على الغاية ، فهذا دليل على أنها أصل الغاية.
فإن قال قائل :
فمن أين أشبهت الواو؟ قيل ؛ لأن أصل الغاية أن تدخل ما بعدها في حكم ما قبلها ،
ألا ترى أن قولك : ضربت القوم حتى زيد ، معناه أن الضرب وقع على زيد كما أنك لو
قلت : ضربت القوم وزيدا ، لكان زيد مضروبا ، فلما اشتركا في المعنى حملت حتى على
الواو.
فإن قال قائل :
فلم وجب أن يكون ما بعد حتى جزءا مما قبلها؟
__________________
قيل له : لأن
معناها أن تأتي لاختصاص ما يقع عليه ، إما لرفعته أو لدناءته ، وذلك أنك إذا قلت :
ضربت القوم ، فلا بد أن يكون القوم عند المخاطب / مخصوصين معروفين وفيهم دنيء
ورفيع ، فإذا قلت ضربت القوم حتى زيد ، فلا بد أن يكون زيد إما أرفعهم أو دونهم ،
ليدل بذكره أن الضرب قد انتهى إلى الرفعاء أو إلى الأدنياء ، ولم يكن زيد بهذه
الصفة لم يكن لذكرك إياه فائدة ، إذ كان قولك : ضربت القوم ، يشتمل على زيد
، فلما كان لا بد من ذكر زيد على الوجه الذي ذكرناه وجب أن يكون بعضا مما قبله
ليدل على هذا المعنى ، ولهذه العلّة لا يجوز أن تقول : ضربت الرجال حتى النساء ،
لأن النساء لسن من نوع الرجال ، ولا يتوهم دخولهن مع الرجال ، فلهذا لم
يجز ، وإذا قلت ضربت القوم حتى زيدا ضربته فذكرت بعد حتى اسما وفعلا من جنس الفعل
المتقدم وكان ناصبا لضمير الاسم ، فلك فيه ثلاثة أوجه : الخفض على الغاية وإذا
خفضت الاسم صار الفعل الذي بعد الاسم مؤكدا للفعل المتقدم ولا موضع له من الإعراب
، كما أن الفعل الأول لا موضع له ، وإن نصبته أضمرت فعلا ينصبه وصار الفعل الظاهر
تفسيرا للفعل المضمر ، ولا موضع لهما من الإعراب ، لأن الفعل المضمر معطوف على
المبتدأ به ، فلما كان الفعل المبتدأ به لا موضع له من الإعراب فكذلك حكم ما عطف
عليه ، والمفسر له يجري مجراه ، فإذا رفعت الاسم صار مبتدأ والفعل الذي بعده في
موضع خبره ، وعلى هذا الوجه يصير موضع الفعل رفعا ؛ لأنه في موضع خبر المبتدأ ،
وأما إذا كان بعد حتى اسمان فلا يجوز الرفع على الابتداء والخبر وذلك أن حرف الجر
لا يجوز أن يخفض أكثر من اسم واحد إلا على طريق الاشتراك أو النعت ، فلو خفضت
الاسم الأول في قولك : ضربت القوم حتى زيد غضبان ، بقي غضبان بلا شيء يخفضه ولا
يرفعه
__________________
ولا ينصبه وهذا يستحيل أن يكون مفرد معرب بغير شيء نعربه ، فلهذا يبطل الجر
وصار حتى ها هنا بمنزلة الواو ، وأما بيت الفرزدق :
فوا عجبا حتى
كليب تسبني
|
|
كأن أباها
نهشل أو مجاشع
|
فلو ذكرنا قبل
حتى لفظ السب كقولك : يا عجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني ، لجاز في كليب الرفع
والجر ، فالرفع على الابتداء والخبر والجر على الغاية ويكون يسبني توكيدا للسب المتقدم ، وإذا رفعت فعلى
الابتداء والخبر ، إلا أن البيت لمّا لم يذكر في أوله السب لم يجز أن يخفض كليبا ؛
لأنه يبقى يسبني معلقا بغير شيء ، فلهذا لم يجز عندنا إلا الرفع ، وقد أجاز الخفض
فيه أهل الكوفة وحملو الكلام على المعنى ، والأجود قولنا ؛ لأن اللفظ
له حكم وليس كل ما جاز على المعنى يجوز على اللفظ فاعرفه.
__________________
باب ما تنصبه العرب وترفعه
إن قال قائل
بأي شيء تنصب وراءك في قولك وراءك أوسع لك؟
[قيل] : المعنى المقدر هو تأخر وراءك.
فإن قال قائل :
فلم حسن النصب في قولك : ما صنعت وأباك؟
قيل له : لأن
ضمير المرفوع لا يحسن العطف عليه إلا أن يؤكد فعدل به إلى النصب لقبح العطف على
الضمير المرفوع ، فإن أكدت الضمير قلت : ما صنعت أنت وأبوك؟ حسن الرفع ، والنصب /
جائز فاعرفه.
واعلم أنه ليس
كل فعل يحسن فيه هذا لو قلت : قمت وعمرا ، لم يحسن ويجوز مع ذلك ، والأحسن أن
يستعمل هذا الباب في كل فعل تعلق بمعنى (مع) ، ألا ترى أن قولك : ما صنعت يقتضي (مع)
إذ كان قولك ما صنعت يقتضي مصنوعا معه ، فلهذا حسن تقدير (مع) في هذه الأفعال.
فإن قال قائل :
فمن أين جاز أن تنوب الواو عن معنى (مع)؟
قيل له : لأن (مع)
تقتضي مشاركة ما بعدها مع ما قبلها كقولك : جاءني زيد مع عمرو ، فعمرو قد شارك
زيدا في المجيء كما شاركه لو قلت : جاءني زيد وعمرو ، فلهذا قامت مقامه.
واعلم أن
المفعولات التي ذكرناها إنما نسبت إلى ما ذكرناه من أجل المعنى فسمي المصدر مفعولا
مطلقا ؛ لأن العامل أحدثه.
وسمي زيد وما
جرى مجراه من المفعولات مفعولا به ؛ لأن الفاعل لم يفعل زيدا وإنما هي أفعال تحل
بزيد ، فلأجل تقديرنا أن الفعل حلّ به سمي مفعولا به.
__________________
وكذلك سمي
الظرف مفعولا فيه ؛ لأن معنى الفعل أنه حلّ فيه ، وكذلك الحال إذ كان معنى قولنا :
أقمت ضاحكا أي إقامتي في هذه الحال ، وكذلك قولنا : جئتك مخافة الشرّ. فسمي أيضا
من أجله ؛ لأن اللام مقدرة .
باب ... (وهو ما كان من الأفعال يتعدى بحرف جر)
اعلم أن الأصل
في هذا الباب أن يتعدى بحرف الجر ، وإنما حذف حرف الجر استخفافا ولا يقاس عليه ،
وأكثر ما يحذف منه حرف الجر إذا كان في الفعل دليل عليه ، ألا ترى أن قولك : اخترت
الرجال زيدا ، أن لفظ الاختيار يقتضي تبعيضا ، فلهذا جاز حذف (من) لدلالة الفعل
عليها.
ومنه ما يحذف
استخفافا لكثرته في كلامهم كقولهم : نصحت زيدا ، وسميتك زيدا وكنيتك أبا عبد الله ، لأن هذه الأشياء قد كثرت في كلامهم فاستخفوها فحذفوا
حرف الجر. وكلتك ، ووعدتك حذفوا حرف الجر إذ لا يشكل معناها ، فأما الباء في قولك
: لست بمنطلق ، فليست ما تقتضيه منها ليس اقتضاء الأفعال لحرف الجر ، إذ كانت (ليس)
تعمل في الخبر كعمل كان في خبرها ، وإنما تدخل في خبر (ليس) على طريق التوكيد
للنفي لما ذكرناه في باب (ما) فاعرفه ، وقد تحتمل أن تجعل من [في] قولك (من رجل) مفيدة ذلك ؛ لأن أحدا تستعمل بمعنى
العموم ، فإذا قلت ما جاءني أحد ، جاز أن يتوهم ما جاءني واحد فإذا دخلت (من) بطل
هذا المعنى ، وصار اللفظ مختصا لنفي الجنس.
__________________
باب التعجب
إن قال قائل :
لم خصت (ما) من بين سائر الأسماء بالتعجب؟
قيل له : لأنها
مبهمة ، والشيء إذا أبهم كانت النفس مشوقة إليه ، والدليل على أن (ما) أشد إبهاما من (من) و (أي) أنها تقع على ما لا يعقل وعلى صفة من يعقل ، و (من)
تختص بمن يعقل فصارت (ما) أعم ومع ذلك فإن (ما) واقعة على الشيء الذي يتعجب منه ،
وذلك أن الشيء ليس مما يعقل فلم يجز إدخال (من) هنا.
وأما (أي) فهي
متضمنة للإضافة ، والإضافة توضحها فلذلك لم تقع هذا الموقع.
فإن قال قائل :
فهلا استعملوا الشيء إذ كان أبهم الأشياء ؟ قيل له : إن الشيء ربما يستعمل للتقليل / ولو قلت :
شيء أحسن زيدا ، لجاز أن يعتقد أنك تقلل المعنى الذي حسّن زيدا فتجنبوه لهذا الوجه
، وأيضا فإن الغالب على قولك : شيء حسّن زيدا أنه إخبار عن معنى مستقر ، وما يتعجب
منه ينبغي أن يسرك في الحال ، فأما ما قد استقر وعرف فلا يجوز التعجب منه ، فلهذا
خصت من بين سائر الأسماء بالتعجب.
__________________
فإن قال قائل :
فلم خص فعل التعجب بأن يكون منقولا من الثلاثي ؟
قيل له : لأن
النقل لا يكون إلا بالأفعال الثلاثية كقولك : قام زيد ، ثم تقول : أقمته ، وكذلك
نقول حسن زيد فتخبر عنه ثم تقول : أحسنته ، إذا أردت أنك حسّنته ، نقلت هذه
الأفعال إلى لفظ الرباعي ، فصار ما أحسن زيدا بمنزلة شيء أحسن هو زيدا فصار زيد
مفعولا يجعل الفعل لغيره .
فإن قال قائل :
فلم لا يجوز في الأفعال الرباعية في غير التعجب؟
قيل له في ذلك
وجوه :
أحدها : أنه لو
جاز النقل في الرباعي لجاز في الخماسي والسداسي ، ولو جاز ذلك أيضا لصار السداسي
سباعيا وليس في الأفعال ما هو على سبعة أحرف ، فلما كان نقل الرباعي يؤدي إلى
الخروج عن الكلام لم يجز.
ووجه آخر أن
الأفعال الأصول تقع على ضربين ثلاثي ورباعي في نقل الثلاثي ليحمل على الرباعي الذي
هو الأصل ، فلو نقل الرباعي لم يكن لنا أصل يرد إليه فلهذا لم يجز.
ووجه ثالث :
وهو أن الثلاثي أخف الأبنية فلخفته جاز أن تزاد عليه الهمزة للنقل ، وما زاد على
الثلاثي فهو ثقيل ، فلم تجز الزيادة فيه.
فإن قال قائل :
فلم خصت الهمزة من بين سائر الحروف؟
قيل له : لأنها
أقرب إلى حروف المد إذ كانت من مخرج الألف ، والألف لا
__________________
يكون الابتداء بها ، فكان أولى من الهاء لأنها قد كثرت زيادتها في هذا الموضع نحو أصفر ، وأحمر ، وما أشبه ذلك
، فلما كثرت زيادتها أولا كانت أولى من سائر الحروف.
فإن قال قائل :
فمن أين زعمتم أن (أحسن) في التعجب فعل ، وما تنكرون أن يكون اسما لوجهين أحدهما أن التصغير
يدخله كقوله : ما أحيسن زيدا ، والثاني أنه يصح كما تصح الأسماء ، كقولك : ما أقوم
زيدا ، والفعل يعتل فيقال : أقام زيد عمرا ، ولا يقال : أقوم زيد عمرا؟
قيل له :
الدليل على أنه فعل لزوم الفتح لآخره ، ولو كان اسما لوجب أن يرفع إذا كان المبتدأ
ألا ترى أنك تقول : زيد أحسن من عمرو ، ترفع وإن كان تعجبا قلت ما أحسن زيدا تنصب
، ولو كان الذي بعدها اسما لارتفع فلما لزمه الفتح دلّ على أنه فعل ماض .
فإن قال قائل :
فمن يذهب إلى قول الفراء إنما يفتح آخره ليفرق بينه وبين الاستفهام والأصل فيه
الاستفهام ؟
قيل له : هذا
لا يجوز وذلك أن الاستفهام معنى مباين لمعنى التعجب ، وإذا
__________________
تباينت المعاني لم يجز أن يجعل أحدهما أصلا للآخر ، فإذا كان
قد فسد أن يجعل الاستفهام أصلا للتعجب ثبت ما ذكرناه ، وأما احتجاجهم بالتصغير
فساقط ، وذلك أن فعل التعجب قد لزم طريقة واحدة فجرى في اللفظ مجرى الأسماء ،
فأدخلوا عليه التصغير تشبيها بالاسم ، وليس يجب أن يكون الشيء إذا حمل على غيره
لشبه بينهما أن / يخرج من جنسه ، إلا أنّ اسم الفاعل قد عمل عمل الفعل ، ولم يخرجه
ذلك عن أن يكون اسما ، وكذلك فعل التعجب وإن صغّر تشبيها بالاسم فلا يجب أن
يكون اسما.
ووجه آخر وهو
أن الفعل يدل على مصدره وإذا زادوا ياء التصغير أرادوا تحقير الجنس الذي وقع فيه
التعجب ، وهو المصدر بعينه فلم يمكنهم لعدم لفظ المصدر فأدخلوا التصغير على الفعل
وهم يريدون به المصدر ؛ لأنه مشبه به ودال عليه ، فإذا كان التصغير دخل على الفعل على
طريق العارية لا على طريق التحقيق لم يكن تصغيره دلالة على أنه اسم ، وأما تصحيحه
فلما ذكرناه من تشبيهه بالاسم إذ قد لزم طريقة واحدة ، كما يصح الاسم.
فإن قال قائل :
فما أوجه تصحيح الاسم؟
قيل له : ليفصل
بينه وبين الفعل ، وذلك أن ما كان على أفعل وهو صفة لا ينصرف ، فإذا لم ينصرف لم
يدخله الجر ولا التنوين ، كما أن الفعل لا يدخله جر ولا تنوين ، فلو أعللنا الاسم
كما يعل الفعل لم يقع بينهما فصل فجعل التصحيح فصلا بينه وبين الاسم. وإنما كان
الاسم بالتصحيح أولى من الفعل ، لأن الفعل يتصرف فتدخل الحركات على حروف المد في
تصاريف الفعل وذلك مستثقل ، والاسم يلزم طريقة واحدة والحركة إنما تدخل على حرف
المد في الاسم في موضع واحد فكان أولى بالتصحيح من الفعل لما ذكرناه.
__________________
وأما (دار) و (باب)
فإنما أعلّا ؛ لأن الجر والتنوين يدخلهما فيقع لهما الفصل بين الاسم والفعل ، فلم
يجب تصحيحهما فحملا على الفعل في الإعلال ؛ لأنه أخف.
واعلم أنك إذا
قلت ما أحسن ما قام زيد ف (ما) الثانية مع الفعل مصدر وزيد فاعل للقيام ولا تحتاج (ما)
إلى ضمير يرجع إليها عند سيبويه ، لأنها بمنزلة (أن) في هذا الموضع وإن كانت
بمنزلة (الذي) لم تجز المسألة لأنها في صلتها ضمير يرجع إليها ، فإن أردت أن
تجعلها بمنزلة (الذي) قبح وكان لفظه : ما أحسن ما قام زيد إليه ، وكذلك تقول : ما
أحسن ما كان زيد إذا جعلت (كان) بمنزلة وضع وجعلت (ما والفعل) مصدرا فإن نصبت زيدا
بكان جعلتها بمنزلة (الذي) وجعلت في كان ضميرا يرجع إليها ونصبت زيدا على خبر كان
، وإنما قبح أن تجعل (ما) بمنزلة (الذي) في هذا الموضع ؛ لأن (ما) إنما تقع لذات
ما لا يعقل ولصفات ما يعقل ، ولا يحسن أن تقع على ذات ما يعقل ، ألا ترى أنك لو
قلت : ما كان في الدار؟ لكان الجواب : حمار أو ثور ، ولا يجوز أن يكون الجواب :
زيد ولا عمرو ، إلا أنه جاز ما ذكرناه ؛ لأن الصفة هي الموصوف ، فإن قلت : ما أظرف ما كان زيد ، و [ما أعلم
ما كان زيد] ، كان محالا ؛ لأن كان مع الفعل بمنزلة المصدر فيصير
التقدير : ما أظرف كون زيد ، وما أعلم كون زيد ، والكون لا يوصف بالظرف ، والعلم ،
فإن نصبت زيدا على أن تجعل (ما) بمنزلة (الذي) أجز ذلك ، فاعرفه.
واعلم أن
الألوان والخلق إنما لم يشتق منها فعل للتعجب لوجهين :
أحدهما : أن
أصل أفعالها أن يستعمل على أكثر من ثلاثة أحرف ، وذلك أن
__________________
عور أصله في الاستعمال : اعورّ ، وكذلك حول / أصله : احولّ ، وما زاد على الثلاثي
من الأفعال في باب الاستعمال لم يجز أن يبنى منها فعل التعجب ؛ لأن ذلك يؤدي إلى
إسقاط الزوائد منه حتى يرجع إلى ثلاثة أحرف ، ثم تدخل عليه همزة التعدي وإسقاط
الزوائد منه يبطل معناه ، فلهذا لم يجز أن يبنى من الألوان فعل التعجب ولا مما زاد على ثلاثة أحرف من الأفعال ،
وإن كان زائدا إلا أن تكون الزوائد لو حذفت لم يخل بالمعنى فقولك : ما
أفقر زيدا ، وإن كان المستعمل افتقر زيد ، لأنك رددت افتقر إلى فقر ، فكان اللفظ
لا يغير من معنى الكلمة فلهذا جاز ، وكذلك تقول : ما أعطاه للدرهم وأولاه بالجميل
، لأنك رددت أولى وأعطى إلى أصلهما ثم نقلتهما بالهمزة فأصلهما واحد ، فلهذا جاز
نقل أعطى وأولى .
فإن قال قائل :
فمن أين زعمتم أن الأصل في عور اعورّ وما تنكرون أن أصله عور لا اعورّ؟
قيل الدليل على
ما ذكرناه من وجهين :
أحدهما : أنه
قد اطرد في هذه الألوان والخلق أن يجيء على أفعل كقولك :أصفر وأخضر ولا يجيء على
فعل نحوه . فدل امتناع فعل التعجب من جميعها أنه مرفوع في
الاستعمال فإن الأصل في الاستعمال الفعل المطرد في جميع الباب.
__________________
والوجه الثاني
: أن أفعل أثقل من فعل ، ومن كلامهم جواز التخفيف من الثقيل ، أعني أنهم ينتقلون
من الثقيل إلى الخفيف ، وإنما نقل عور من اعورّ وحول من احولّ ، وليس من كلامهم أن
ينقلوا الخفيف إلى الثقيل إذا اتفقا في المعنى أعني الخفيف والثقيل ؛ لأن ثقل
الخفيف يوجب تكلّفا لا فائدة فيه إذا كانا في هذا الموضع قد اتفقا في المعنى ،
ومثل هذا لا يقع من حكيم ، فدل استعمالهم عور واعورّ بمعنى واحد أن عور مخفف من اعورّ
، ويجوز أن يعتل في امتناع اشتقاق الفعل من الألوان والخلق بما يحكى عن الخليل أن هذه الأشياء لما كانت مستقرة في الشخص ، ولا تكاد
تتغير جرت مجرى أعضائه الثلاثة التي لا معنى للفعل فيها كاليد والرجل ، فكما لا
تقول : ما أيداه ، ولا ما أرجله ، إذ كانا اسمين ليس بجاريين على فعل ، فكذلك لا
يجوز في الألوان والخلق اشتقاق فعل للتعجب حملا على اليد والرجل.
واعلم أنك إذا
قلت : أحسن بزيد ، وأظرف بعمرو ، فالباء يجوز أن يكون موضعها رفعا ونصبا ، والأظهر
أن يكون موضع الباء وما بعدها رفعا ؛ لأن (أحسن) فعل ولا بد للفعل من فاعل ، ووجب
أن تكون [الباء مع] الاسم في موضع الفاعل فهذا هو الظاهر ، وأما من جوز أن
يكون موضعها رفعا ونصبا فإنه يقول : في الفعل الفاعل وهو الحسن كما أضمر فيه إذا
كان بعد ما ، فإذا قدر الثاني مضمرا صار حرف الجر مع ما تعلق به في موضع المفعول ،
وهذا القول ضعيف ، وإنما ضعف وفارق ما أحسن زيدا ، وإنما جاز الإضمار في ما أحسن
لتقدم (ما) عليه ، و (ما) اسم مبتدأ ، وأحسن في موضع خبره ، فلم يكن بد من
__________________
تقدير ضمير يرجع إلى المبتدأ ، وأما قوله : أحسن بزيد فلم يتقدم قبله ما
يدل على الإضمار / فإذا أمكننا أن نحمل الكلام على ظاهره كان ذلك أولى من التأويل
البعيد.
فإن قال قائل :
فما وجه استعمال فعل التعجب على لفظ الأمر وإدخال الباء معه؟
قيل له : يجوز
أن يكون أرادوا بذلك المبالغة في المدح فأدخلو الباء لأنهم قدروه بأحسن أثبت بزيد
، فلما أرادوا هذا المعنى أدخلوا الباء إذ كان أثبت يتعدى بحرف الجر ودخله معنى
حسن جدا ؛ لأن لفظ الأمر فيه طرف من المبالغة ، فلهذا أجازوه ، ويجوز في إدخال
الباء وجه آخر ، وهو أنهم أرادوا أن يفصلوا بين لفظ الأمر الذي هو يراد به التعجب
وبينه إذ كان أمرا في الحقيقة. واعلم أن لفظ (أحسن بزيد) ، لا يتغير لواحد خاطبت أو لاثنين أو لجماعة أو لمؤنث أو لمذكر
كقولك : يا زيد أحسن بعمرو ، يا هند أحسن بعمرو ، وإنما لم يختلف لفظه لأنك لست
تأمره أن يفعل شيئا ، وإنما هذا اللفظ بمنزلة قولك : ما أحسن عمرا فبما أن (ما
أحسن عمرا) لا يتغير فكذلك ما قام مقامه.
واعلم أن الفصل
بين فعل التعجب وما عمل فيه لا يجوز هكذا ذكر سيبويه . وقد أجاز بعضهم الفصل بينهما بالظروف وحروف الجر ،
فأما امتناع الفصل ؛ لأن أحسن قد لزم طريقة واحدة فقد شابه من هذا الوجه الحروف في
العمل ،
__________________
وكان المنصوب بعده وإن كان معرفة يشبه التمييز وإن كان ليس بتمييز في الحقيقة
، ووجه شبهه بالتمييز أنك إذا قلت ما أحسن ، فقد أبهمت فإذا ذكرت زيدا أو عمرا
بينت من الذي قصد بالإخبار عنه بهذا المعنى ، وإن لم تجعل نصبه على هذا المعنى ؛
لأن فعله مقول عنه ، فجرى مجرى المفعول الذي يتعدى إليه الفعل ، وخرج عن حكم التمييز ، وهو مع ذلك يجري
مجرى المثل لا يفارقه لفظه في المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، والأمثال حقها ألا
تغير عما سمعت ، فلما اجتمع في فعل التعجب هذه الجهات التي ذكرناها منع الفصل بينه
وبين مفعوله إذ كانت الأشياء حقها ألا يفصل بينها وبين ما تعمل فيه ، فأما من أجاز
الفصل بينه وبين معموله بالظرف وحروف الجر فقال إن فعل التعجب وإن لم يتصرف فليس يكون أضعف من
الحروف ؛ لأنه لم يخرج من الفعل إذ لم يتصرف ، وقد وجدنا الحروف الناصبة يفصل
بينها وبين ما تعمل فيه بالظرف ، فكان [فعل التعجب] أولى بجواز الفصل ، وهذا لا يدخل على ما ذكرناه ؛ لأن اجتماع
الأمور التي ذكرناها مجموعها منع الفصل ، وأما إذا انفرد بعض أوصافه فليس يجب أن
يجري حكمه مجرى مجموع الأوصاف.
فإن قال قائل :
قد قالت العرب ما أحسن بالرجل أن يفعل الجميل [وقد فصل بين] التعجب وما عمل فيه بحرف الجر؟
قيل له : لا
يلزم ، وذلك إن كان أوقع التعجب بأن ، وقع بها فهي وما بعدها مصدر والمصدر إنما
يقع من الرجل المخصوص ؛ لأن معنى الكلام : ما أحسن فعل
__________________
الأجمل بالرجل ، فالمدح والذم إنما يقعان بأصحاب الأفعال ، فصار بالرجل وإن
كان مخصوصا يرجع التعجب إليه فلم يقع الفصل ؛ لأنه في المعنى هو المتعجب منه ،
فأما ما / كان من حروف الجر والظروف التي لا تجري هذا المجرى فيما تعلقت به فلا
يجوز الفصل بينها لما ذكرناه من الفصل بينهما.
واعلم أنك إذا
رددت فعل التعجب إلى نفسك قلت : ما أحسنني ، زدت نونا قبل ياء المتكلم ليسلم الفعل
، وأنت بالخيار إن شئت سكنت النون الأولى وأدغمتها في النون الثانية وإن
شئت أظهرت النونين ، وهذا أجود ؛ لأن المفعول منفصل مما قبله ، وكذلك إذا جمعت ،
فأما إذا رددت إلى نفسك في حال الاستفهام زدت ياء مجردة عن النون وكسرتها ؛ لأن ياء المتكلم لا يكون ما
قبلها إلا مكسورا ، فإن ثنيت أو جمعت قلت : ما أحسننا ، فرجعت الضمة إلى النون
لزوال الياء ويجوز أيضا الإدغام ، فأما إذا رددت الفعل في النفي إلى نفسك قلت : ما
أحسنت سكنت النون لمجيء تاء المتكلم ، وقد بينا ذلك فيما مضى ، فإن جمعت قلت : ما أحسنّا
بالإدغام لا غير ؛ لأن النون في أحسن تسكن ، ولا يجوز تحريكها فلما لقيتها النون
الثانية وهي متحركة التقى حرفان من جنس واحد ، وهما في تقدير كلمة واحدة ، وإذا
كان الفعل والفاعل كالشيء الواحد فلهذا وجب الإدغام.
باب النداء
إن قال قائل :
ما بال الاسم المفرد مبنيا والمضاف معربا ، وإذا مثلت ما انتصب عليه المضاف كان هو والمفرد في ذلك سواء
كقولك : دعوت زيدا ، ودعوت عبد الله فإذا جئت ب (يا) اختلفا؟
__________________
قيل : هذا الذي
ذكرت إنما هو عبارة الكلمة وأنت إذا قلت : يا زيد ، فلست مقبلا على مخاطب بهذا
الحديث عن زيد ، إنما خطابك فيه لزيد ، وإذا قلت : دعوت زيدا ، فأنت مخاطب غير زيد
بهذا ، ولو خاطبت بهذا زيدا لقلت : دعوتك ، ولم تقل دعوت زيدا ، والتأويل تأويل
فعل ، والمعنى معنى خطاب ، فوقع زيد بين حالتين ، بين المخبر عنه وهو غائب ؛ لأنه
معرض عنك ، وبين المخاطب ؛ لأنك تريد غيره فضارع المكني ؛ لأنك إذا خاطبت فإنما
تقول أنت فعلت ، وإياك أردت ، وهما اسمان مبنيان ، فلما خوطب المنادى باسمه الذي
يقع فيه الحديث عنه عند من يخاطب صار غير متمكن في هذا الموضع فعدل عن الإعراب إلى
البناء ؛ لأنه وقع موقع اسم مبني.
فإن قال قائل :
ما بال هذا المفرد كان بناؤه على حركة؟
قيل له : لأن
المنادى من قبل كان مستحقا للإعراب ، وكل اسم كان معربا ثم أزيل عنه الإعراب لعلّة
عرضت فيه وجب أن يبنى على حركة ، ليكون بينه وبين غيره من الأسماء التي لم تقع قط
معربة فرق نحو : من ، وكم ، وما ، فلهذا وجب أن يبنى المنادى على حركة.
فإن قيل : فلم
صار الضم أولى من سائر الحركات؟
قيل له : لأن
الفتح مبني على أصل لو بني عليه لم يعلم أمعرب هذا أم مبني ، إذ كان في الأسماء ما
لا ينصرف ، فلو ناديته وفتحته لم يعلم أنه منصوب على أصل ما يستحقه المنادى أو
مبني فسقط الفتح لما ذكرناه ، ولم يجز الكسر / لأن المضاف إلى المتكلم الاختيار
فيه حذف الياء والاجتزاء بالكسرة عنها نحو : يا غلام أقبل ، فلو كسرت المنادى لم
يعلم أنه مفرد أو مضاف فسقط الكسر أيضا فلم يبق إلا الضم ، فلهذا خصّ بالضم.
فإن قال قائل :
أليس النكرة [و] المضاف مخاطبين كالمفرد ، فهلا بنيا لوقوعهما موقع المكني كما يبنى المفرد؟
قيل له : الفصل
بينهما من وجهين :
أحدهما : أن
المفرد وقع بنفسه موقع المكني ، ألا ترى أنه يتعرف بنفسه كما يتعرف المكني ، وأما
المضاف فيتعرف بالمضاف إليه ، فلم يقم مقام المكني في جميع أحكامه كما وقع المفرد
، وأما النكرة فبعيدة الشبه بالمكني لم يجز بناؤها ، والوجه أنّا لو سلمنا أن
المضاف والنكرة وقعا موقع المكني كوقوع المفرد لم يلزم بناؤهما ؛ لأنه عرض في
المضاف ما يمنع البناء وكذلك ما يقوم مقامه ، وأما النكرة فنصبت للفصل بينها وبين
النكرة المقصود قصدها فبنيت النكرة المحضة على أصل البناء وبنيت النكرة المقصود
قصدها إذ كانت هي المخرجة عن بابها ، وكانت أولى بالتغيير.
فإن قال قائل :
فقد وجدنا مضافا مبنيا كقوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
عَلِيمٍ) [النمل : ٢٧ / ٦].
قيل له : إنما
تردّ الإضافة الاسم إلى الإعراب إذا لم يكن المضاف مستحقا للبناء في حال الإضافة ،
وهو متضمن للإضافة كالمنادى. ألا ترى أنه لا تلزمه الإضافة في جميع أحواله وأما
لدن [ف] ليس لها حال تنفك بها من الإضافة ، فلما كان البناء
يلزمه في حال إضافته لم يجز إعرابه.
فإن قال قائل :
أليس إذا خاطبت إنسانا فقلت له : أنت تفعل ، فقد يجوز أن
__________________
يشكل عليه خطابك له إذ كان هذا اللفظ يصح أن يكون له ولغيره ، فهلّا جعل
المنادى كالمضمر إذ كان مخاطبا وإن وقع فيه اللبس الذي ذكرته.
قيل : الفصل
بينهما أن المنادى معرض عمن يناديه ، وليس يعلم أنه المقصود إلا بنفس اللفظ فقط ،
واللفظ لا يدل عليه دون غيره فاحتجنا إلى ذكر اسمه ليعرفه ، وأما المخاطب غير المنادى فثم إشارة بيد أو عين مع
اللفظ ، فصار هذا المعنى يضطر المخاطب إلى العلم بأنه مقصود بالخطاب ، فلهذا
استغني بالمضمرات عن الأسماء الظاهرة.
واعلم أن
المنادى المعرفة فيه اختلاف فمن النحويين من يقول : إن تعريفه الذي كان فيه قبل
النداء قد بطل وحدث فيه تعريف آخر بالنداء . وأما ابن السراج فيقول تعريفه باق فيه ، والأجود القول الأول وإنما كان أجود ؛ لأن الاسم
العلم تعريفه من جهة القصد ، وإذا اجتمع معنى القصد إلى النداء تعرف المنادى. ألا
ترى أن قولك : يا رجل ، معرفة بالقصد و (يا) ، فوجب إذا نادينا زيدا وما أشبهه أن
يبطل تعريفه من جهة النية ، ويصير ما حصل له من التعريف بالقصد
__________________
و (يا) إذ كان هذا التأويل معنى في زيد وما أشبهه فحمل الشيء على معناه ،
وما هو حاصل له في الحال أولى. وأما ما ذهب إليه ابن السراج فإنه رأى أن بعض
الأسماء لا يقع فيها اشتراك نحو : الفرزدق / قال : والتنكير إنما هو باشتراك
الأسماء وهذه شبهة ضعيفة ؛ لأنه لا يمتنع أن يسمى بالفرزدق أشخاص كثيرة إذ كانت
التسمية ليست بمحظورة ، وإذا كان كذلك صار حكم جميع الأسماء واحدا في جواز
الاشتراك فيها فوجب أن يكون الأمر على ما ذكرنا أولا ، ولا يجوز وجه آخر في إيجاب
تنكير الأسماء أن يقال لما كان المكنى لا يختص بشخص دون شخص في حال النداء ثم
ذكرنا أنّ الاسم العلم وقع في موضعه وجب أن يحصل في موضعه جهالة حتى يتبين بالقصد
إليه كما حصل ذلك في المضمر الذي قام مقامه.
واعلم أن
المفرد المعرفة إذا نعته بمفرد معرفة فلك في النعت وجهان الرفع ، والنصب ، فأما
الرفع فبالحمل على اللفظ ، وأما النصب فبالحمل على الموضع .
فإن قال قائل :
أما الحمل على الموضع فمسلم ؛ لأن الموضع نصب ، فمن أين حمل النعت على اللفظ ،
وهذه الحركة ليست بحركة إعراب ، فإذا جاز الحمل على اللفظ فهلّا جاز أيضا النعت
على لفظ ما لا ينصرف كقولك : مررت بعثمان الظريف؟
قيل له : إنما
جاز حمل النعت على اللفظ في المنادى ؛ لأن الضم قد اطرد في كل مفرد ، فصار اطراده
يجري مجرى عامل أوجب له ذلك ، فشبهت الضمة في المنادى بحركة الفاعل لما ذكرناه من
الاطراد وإنما يجب ذلك في عامل الرفع ، وإنما قبح فيما لا ينصرف في حال الجر فليس
ذلك بمطرد في كل اسم فصارت الفتحة عارضة ، فلم تبلغ من قوتها أن تشبه بالحركة التي
تجب من أجل عامل فإذا كان
__________________
كذلك ، جاز حمل النعت على الموضع الذي قد عمل فيه عامل واحد ولم
يجز حمل النعت على حركة عارضة لما ذكرناه.
فإن قال قائل :
كيف جاز أن يكون النعت معربا والمنعوت مبنيا؟
قيل له : لأن
المنعوت استحق البناء لعلّة فيه وهو كونه منادى ، وأما النعت فليس بمنادى فلم تعرض
له علّة البناء فوجب أن يكون معربا رفعته أو نصبته ، ألا يرى أن ما لا ينصرف ينعت
بالمنصرف إذا لم تعرض فيه علّة تمنع الصرف ، وقد بان ذلك أن المنادى وإن كان مبنيا
فنعته معرب.
فإن قال قائل :
فلم لا يجوز الرفع في نعت المضاف حملا على لفظ المنادى كما يجوز الرفع فيه إذا كان
مفردا؟
قيل له : لأن
نعت المفرد كان حقه أن يحمل على الموضع لأنه الأصل ، وإنما تحمله على اللفظ
لاجتماع علّتين إحداهما ما ذكرناه من اطراد الضم في كل مفرد ، والثانية أن يجوز
حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، فلما كانت الصفة المفردة لو حلت محل المنادى ضمت
جاز فيها الرفع كما يجوز فيها الضم ، وأما الصفة المضافة فليس لها هذا الحكم ، ألا
ترى أنها لو قامت مقام الموصوف لم تكن إلا منصوبة ، فلم يكن لدخول الضم وجه فلزمت
وجها واحدا وهو النصب ، فأما ما لزمه النصب إذا كان منادى فليس له إلا طريقة واحدة
ونعته أيضا لا يجوز فيه إلا وجه واحد وهو النصب كقولك : يا عبد الله الظريف ، ويا
رجلا صالحا ، ويا خيرا من زيد.
واعلم أن حكم
المعطوف أن يجري حكمه / على ما يستحقه لو وليه عامل المعطوف عليه إذ كان شريكا له
، فإذا عطفت على المنادى فاعتبره في نفسك فإن كان مفردا وجب له الضم ، وكان
المعطوف مثله أيضا مضموما ، وإن كان مضافا أو نكرة أو مضارعا للمضاف نصب كقولك :
يا زيد ، ويا عبد الله ، ويا زيد ورجلا
__________________
صالحا ، ويا زيد وخيرا من عمرو ، وكذلك لو قدمت هذه الأسماء التي تستحق
النعت ثم عطفت عليها بمفرد معرفة ضممته إذ كان حكم كل واحد منهما كأنه منادى في
نفسه إلا أن يكون المنادى معرفة منفردة فعطفت عليها باسم فيه ألف ولام فإنه يجوز
ذلك فيما فيه الألف واللام الرفع ، والنصب كقولك : يا زيد والحارث ، وإن شئت نصبت الحارث وقد قرئ بالوجهين جميعا ، (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ٣٤ / ١٠] ، وقرأ الأعرج بالرفع ، فأما الرفع فعلى العطف على اللفظ ، وأما النصب
فبالعطف على الموضع ، وإنما جاز فيه الوجهان لأن (يا) لا يصح أن يدخل [على] ما فيه الألف واللام ، أن يلي حرف النداء لم يكن له حكم يختص به كما كان ذلك لما
ذكرناه من الأسماء المضافة والمفردة ، فلما لم يكن له حكم يختص به وكان الاسم الذي
قبله له لفظ ومعنى حمل ما فيه الألف واللام على اللفظ مرة إذ كان اللفظ قد يجري
مجرى لفظ المرفوع ، وحمل مرة على الموضع إذ كان نصبا.
واعلم أن الرفع
عند سيبويه ومن تابعه الوجه ، وأما أبو عمر الجرمي وأبو عثمان ومن تابعهما فإنهم يختارون النصب والحجة لمن اختار الرفع قوية
__________________
وذلك أن ما فيه الألف واللام لفظه لفظ المفرد ، وهو معرفة فصار التعريف فيه
بالألف واللام كالتعريف بالقصد مع (يا) ، ألا ترى أن قولك : يا رجل ، إذا قصدت
قصده فجرى في التعريف مجرى ما فيه الألف واللام بمنزلة المفرد المعرفة العلم ، ولو
عطفت على الأول أعني الذي فيه الألف واللام لم يجز فيه إلا الضم ، ووجب أن يختار
ما يشاكله وهو الرفع ، وأما من اختار النصب [فقد] جعل الألف واللام مقام التنوين والإضافة ، فلو كان
الاسم مضافا أتوا بالنصب فكذلك ما قام مقامهما فوجب لهما النصب وهذه العلّة فيها إدخال ، وذلك
أن التقدير لو كان صحيحا لوجب النصب في النعت إذ كانت فيه الألف واللام ولم يجز
رفعه كما يجوز رفع المضاف ، فلما كانت الألف واللام في النعت لم توجب نصبه علمنا
أنهما لا يجعلان الاسم كالمضاف ، وإذا كان كذلك جرى ما فيه الألف واللام مجرى
المفرد العلم المعرفة ، فكان الأولى فيه أن يكون مرفوعا ليشاكل لفظ ما قبله.
واعلم أن ما
فيه الألف واللام لا يجوز أن تدخل [يا] عليه ؛ إلا اسم الله تعالى ، وإنما لم يجز ذلك ؛ لأن الألف واللام تعريفهما من جنس
تعريف (يا)
__________________
مع القصد وهما لفظ ممكن إسقاطه من الكلمة ، فلما نابت (يا) مع القصد عنهما
لم يحتج إليها والدليل / على أن تعريف الألف واللام من جنس تعريف (يا) مع القصد
لأنك لو قلت في ضرورة الشعر : يا الرجل ، لكان كمعنى يا رجلا ، لأن الألف واللام
تبطل مع العهد ويصير تعريفها للجنس فقط ، والدليل على أن العهد ساقط أعني مع العهد
أنه يجوز للشاعر أن يقول : يا الرجل من غير تقدمه ذكر فإذا كانت يا تنوب عنها لم يحتج إليها فهذا هو
الأصل وإن اضطر شاعر فأدخل يا على الألف واللام جاز كما قال :
فيا الغلامان
اللذان فرا
|
|
إياكما أن
تكسبانا شرا
|
فوجد ذلك أنه
أراد : يا أيها الغلامان ، فحذف (المنادى) وهو (أي) وأقام الصفة مقامه ، واما اختصاص (يا) باسم
الله تعالى فجواز دخول يا عليها فلاجتماع أشياء فيه ليست موجودة في غيره أحدها :
كثرة الاستعمال ، ومنها أنه جرى مجرى الأسماء الأعلام ، ومنها أن الألف واللام لا
يفارقانه ، ومنها أن الأصل فيه إله ، فلما أدخلت فيه الألف واللام أسقطت همزة إله فأدغمت
لام التعريف في اللام التي بعدها فصارت الألف واللام عوضا من الهمزة الساقطة
__________________
فجرت الألف واللام فيه مجرى بعض حروفه فلاجتماع هذه الجهات جاز دخول (يا)
عليه.
فأما (الذي) و
(التي) فلا يجوز دخول (يا) عليهما وإن كانت الألف واللام لا يفارقانهما لأنهما
صفتان ولم يكثر استعمالهما ففارقتا اسم الله تعالى ، وكذلك لو سميت رجلا بالحارث ،
وأبو العباس لم يجز إدخال (يا) عليهما لما ذكرناه في قلة استعمالهما ، ولأن الألف
واللام ليستا فيه بعوض من حرف ، فقد بان لك اسم الله تعالى لم اختص بما لا يشاركه
فيه اسم فلهذا جاز أن يختص بدخول (يا) عليه.
واعلم أنك إذا
ناديته تعالى قطعت ألفه يا ألله اغفر لي ، وإنما قطعت الألف لتدل بقطعها أنها في هذا
الموضع قد خالفت سائر ما فيه الألف واللام ، لأن هذا اسم قد نودي نداء ما فيه
الألف واللام أصلية فوجب أن يؤتى بلفظها على لفظ الألف واللام الأصلية ليطابق
لفظها الحكم الذي قد اختصت به إن شاء الله.
واعلم أنه يجوز
أن تدخل (ما) مشددة آخر هذا الاسم بدلا من (يا) فلهذه العلّة شددت
ليكون التشديد بمنزلة يا إذ كانت حرفين فتقول : اللهمّ اغفر لي ، فتجري مجرى يا
ألله اغفر لي ، ولا يحسن الجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر ، وإنما فتحت الميم ؛
لأن الحروف أصلها السكون فإذا زدت الميمين وهما ساكنان لم يجز الجمع بين ساكنين ،
فحركتا الميم الثانية بالفتح لالتقاء الساكنين ، وصار الفتح أولى لخفته وثقل
التشديد ، وقد حكي عن الفراء أن الميم عوض من قولك : يا الله أمّنّا [منك] بخير ، فحذفت الياء وبقيت الميم التي في أمّنا مشددة مفتوحة وهذا القول ليس بشيء من
وجهين :
__________________
أحدهما : أنه
يستحسن أن يقال : يا الله أمّنا منك بخير ، فيأتي ب (يا) في أول الكلام ، وأمّنا
في آخره ، ولو كان على ما قال لحسن : يا اللهم اغفر لنا ، فلما قبح الجمع بين
الميم و (يا) علمنا أن الأمر فيها على ما ذكرناه دون ما ذكره.
والوجه الثاني
: أنه مستحسن / اللهم أمّنا منك بخير ، فلو كانت الميم المراد بها ما ذكر لحصل في
الكلام الذي ذكرناه تكرار والتكرار مستقبح ، وحسن استعماله دليل على فساد ما قال
إن شاء الله.
فقد ثبت بما
ذكرناه أن يا لا تدخل على ما فيه الألف واللام ، فإن أردت أن تذكر اسما فيه الألف
واللام جئت ب (أي) ، وأوقعت حرف النداء عليها كقولك : يا أيها الرجل أقبل ، ف (أي)
هنا مبنية على الضم ك (زيد) وموضعها نصب ؛ لأن لفظ النداء وقع عليها ، والرجل
مرفوع وهو نعت ل (أي) بمنزلة قولك : يا زيد الظريف ، إلا أن الرجل لا يجوز فيها
النصب كما يجوز في الظريف ، والفصل بينهما أن (أيا) إنما تدخل وصلة إلى نداء ما
فيه الألف واللام فصارت معه كالشيء الواحد فجرى مجرى المفرد ، فأرادوا أن يكون
لفظه كلفظ المفرد ، فلهذا لم يجز النصب في نعت (أي) ، وقد أجاز المازني النصب فيه
تشبيها بنعت زيد
__________________
والوجه ما بدأنا به لما ذكرنا من العلّة ، وأيضا فإن حق اللفظ أن يكون
اللفظ آخذا من المعنى ، والضم في المنادى قد اطرد حتى جرى مجرى المفعول ، فلما كان
المنادى في المفرد له لفظ ومعنى حمل [النعت على] اللفظ أكثر ، وقد يجوز أن يحمل على المعنى إذ كان
المنادى يصح السكوت عليه فيقع التصرف في النعت ، فإذا كان المنادى لا يصح السكوت عليه لم يجز التصرف في نعته
وحمل على لفظه.
فإن قال قائل :
فمن أين خصت (أي) من بين سائر الأسماء المبهمة بأن جعلت وصلة إلى نداء ما فيه
الألف واللام؟
قيل له : لأن (أيا)
لا معنى لها في نفسها ، وإنما يحسن معناها بما يضاف إليها وأما هذا ، وذاك ، وما
أشبههما فلها معان في أنفسها ، فلما أرادوا إدخال اسم لغير فائدة في نفسه ، بل للوصلة إلى غيره كان (أيا) إذ لا
معنى له في نفسه ، فكان أولى بالزيادة مما له معنى في نفسه.
فإن قيل : فلم
زيدت (ها) على أصلها؟
قيل : في ذلك
أقوال أحدها : أن (أيا) تستعمل مضافة ولا ينفصل من الإضافة إلا في النداء فلما حذف
منها المضاف عوضت (أي) (ها).
وقول آخر :
أنهم أدخلوها توكيدا للنداء.
ووجه ثالث : أن
ما فيه الألف واللام هو المنادى في المعنى ، فلما لم يصح دخول (يا) عليه لما
ذكرناه أدخلوا على (أي) (ها) للتنبيه ، فليكن قائما مقام حرف النداء الذي يستحقه
الألف واللام.
واعلم أنك إذا
قلت : يا هذا الرجل ، فلك فيه وجهان :
__________________
أحدهما : أن
تقدره تقدير (أي) ، أعني وصلة إلى ما فيه الألف واللام ، فإذا قدرت هذا التقدير لم
يجز في الرجل إلا الرفع. والوجه الثاني : أن تجعل هذا بمنزلة زيد ؛ لأن في السكوت
عليه فائدة ، فإذا قدرت هذا التقدير صار الرجل بعده بمنزلة الظريف بعد زيد فيجوز
ذلك حينئذ الرفع والنصب ، فإن قلت يا أيها الرجل ذو المال ، فلك في (ذي المال) الرفع والنصب ،
فالرفع بالنعت للجر والنصب على البدل من أي ولا يجوز أن تقول أنه نعت ؛ لأن المبهمة لا تنعت بالمضاف وإنما لم يجز أن
يكون المضاف نعتا ل (أي) في النداء ؛ لأن المضاف يمكن أن / تدخل عليه (يا) وقد بينا
أن (أيا) إنما احتيج إليها وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام لامتناع دخول (يا)
عليه ، فإذا كان المضاف يصح دخول (يا) عليه لم يحتج إلى (أي) فلهذا لم يجز أن تنعت
(أيا) بالمضاف وأما إذا قلت : يا زيد الطويل ذو الجمة ، فلك في (ذي الجمة) الرفع
والنصب ، فالرفع على النعت لزيد ، والنصب على وجهين أحدهما أن تجعله بدلا من زيد
كأنك قلت : يا ذا الجمة ، والوجه الثاني : أن يكون نعتا لزيد.
واعلم أن
الحروف التي ينادى بها خمسة وهي : يا ، وأيا ، وهيا ، وأي ، والألف.
فأما الألف فلا
تستعمل إلا للقريب منك كقولك : أزيد أقبل ، فإن كان بعيدا استعملت له (يا) وسائر
الحروف ، وإنما وجب ذلك ؛ لأن البعيد منك يحتاج إلى مد الصوت وسائر الحروف سوى
الألف فيها حرف مد يمكنك مد الصوت به ؛ فلهذا وجب استعمالها للبعيد ، وأما القريب
منك فلا يحتاج إلى مد الصوت فاختيرت له الهمزة ؛ لأنه لا مد فيها وهي همزة
الاستفهام ، وإنما كانت الهمزة أولى لكثرة زيادتها أولا ، وأما (يا)
فقد تستعمل للقريب والبعيد ، وإنما جاز ذلك
__________________
فيها خاصة لكثرة استعمالهم للبعيد بحصول مد الصوت فيها واستعمالهم إياها
للقريب على طريق التوكيد والحرص على البيان.
واعلم أن حروف
النداء قد تحذف إذا كان المنادى منك قريبا كقولك : زيد أقبل ، وغلام عمرو تعال ،
فهذا مطرد في جميع الأسماء إلا النكرة والمبهم فإنه لا يجوز إسقاط حرف النداء
منهما ؛ لأن المبهم هو من نعت (أي) لأنك تقول : يا هذا أقبل ، الأصل فيه : أي هذا
، فيصير هذا نعتا ل (أي) كالألف واللام ، فلو قلت : هذا أقبل لأجحفت بالاسم إذا
حذفت الموصوف وحذفت النداء لا يجوز أن تقول : رجل أقبل ، مما يكون نعتا لأي والأصل
: يا أيها الرجل فلو أسقطت (يا) منه لكنت قد أجحفت به لحذف الموصوف وحرف النداء
وقد كثر حذف حرف النداء في القرآن كقوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ
عَنْ هذا ...) [يوسف : ١٢ / ٢٩] و (رَبَّنا لا تُزِغْ
قُلُوبَنا ...) [آل عمران : ٣ / ٨] ويجوز أن يكون الحذف كثيرا في القرآن ؛ لأن الله تعالى
قريب ممن يدعوه فلهذا حذف حرف النداء.
فأما :
__________________
ففيه وجهان :
أحدهما :
يختاره المبرد ، وهو أن يكون الأول مضافا إلى عدي كإضافة الثاني إليه ثم حذفه فبقي
منصوبا على نيّة الإضافة .
وأما سيبيويه
فيجعل الاسم الأول هو المضاف إلى عدي لاعتماد الكلام عليه ، ويصير تيم الثاني حشو
الكلام ، فكأنه مع الأول مضاف إلى الثاني ، وانتصب الثاني بوجود لفظ الإضافة فيه
والأول مضاف في الحقيقة ، وأما ابن أم وابن عم فمن فتحهما بناهما ، والذي أوجب
لهما البناء تضمنهما لحرف الجر وكثرة استعمالهما ، ووقوعهما موقع ما يجب له البناء
نحو : يا زيد ، ويا عمرو ، فلاجتماع هذه المعاني يبنى [واكتفى بالمعنى على إضافة
اللفظ وذلك أن اللام تقتضي ذلك لا محاله فأغنى هذا المعنى عن إضافتها في اللفظ] ، وأما من كسر فالوجه فيه ما ذكرناه من جعل الاسمين اسما واحدا ، فلما
صار بهذه المنزلة جريا مجرى غلام ، وصاحب ، وتجتزيء بالكسرة ، وكذلك تحذف يا ابن
أم ويا ابن عم.
باب الترخيم
اعلم أن
الترخيم لا يستعمل إلا في النداء ؛ لأنه باب حذف ، / ألا ترى أن المنادى المفرد قد
حذف منه التنوين والإعراب ، فلما جاز حذف التنوين منه والإعراب جاز أيضا حذف بعض
حروفه استخفافا لدلالة ما بقي عليه.
__________________
ولا يرخم من
الأسماء إلا ما يستحق البناء ، فأما ما جرى في النداء على أصله في النصب فلا يجوز
ترخيمه ؛ لأنه في النداء بمنزلته في غير النداء فإن اضطر شاعر جاز أن يرخم الاسم في غير النداء ، ويحمل
ذلك في غير النداء على طريق التشبيه ، وإنما صار في الترخيم المختار أن يحذف آخره
ويبقى ما قبله على حركته أو سكونه ؛ لأن الاسم في الحقيقة موضع الحذف ، وإنما يحذف هذا الموضع فقط ، فوجب أن يبقى ما قبله
على أصله ليدل ذلك على المحذوف ، وإنما لم يجز ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف مما
ليس في آخره الهاء ، لأن الغرض في الترخيم تخفيف ، وفي الأسماء ما هو على سبعة
أحرف وهو نهاية بنائها ، وأقلها ما كان على ثلاثة أحرف ، وإنما نحط السبعة حتى
نبلغ بها إلى الثلاثة ، فلما كانت الثلاثة نهاية في الحقيقة لم ترخم ، وأما ما كان
ثالثه الهاء فإنما جاز ترخيمها ؛ لأن الهاء ليست من بناء الاسم ، وإنما هي بمنزلة
اسم ضم إلى اسم ، فلما كانت في المعنى منفصلة جاز حذفها ، وأما المبهم فلا يجوز
ترخيمه ، لأنه وإن كان معرفة فهو في الأصل من نعت ، أي : فلما كان في المعنى نعتا
صار غير منادى ، فلهذا لم يرخم ، وإن شئت قلت : إنه لما كان نعتا للاسم ثم حذفت
المنعوت قبح ترخيمه ، لأن ذلك يكون إجحافا به ، وأما الجمل فلا يجوز ترخيمها لأنها
تحكى ، وذلك أنك لو رخمتها بطلت حكايتها ، وأما ما كان في آخره ألف ونون زائدتان فإنما حذفا معا
في الترخيم لأنهما زيدا معا فجريا مجرى زيادة واحدة ، وأما ما كان في
__________________
آخره حرف مد زائد فإنما حذف مع حذف الآخر تشبيها بألف عثمان ، وذلك أن الألف في
عثمان ساكنة وهي قبل آخره وهي حرف مد بمنزلة الألف واللام فحذفت مع النون من عثمان
وحكم ألفي التأنيث كحكم الألف والنون لأنهما زيدتا أيضا معا ، فأما إذا حذفت الزائدتان وهي من الأسماء أقل من ثلاثة
أحرف لم يجز إلا حذف الآخر لما ذكرناه من الإجحاف بالاسم ، وكرهوا أن يبقى الاسم
على حرفين ، وأما الهاء فإنما وجب حذفها وحدها طال الاسم أو قصر لأنها ليست من
بناء الاسم الأول ، وهي كالمنفصل منه ، وإذا حذفت لم يجز أن تحذف معها غيرها إذ
كانت غير متعلقة بالاسم تعلقا شديدا ، فلهذا حذفت وحدها.
فإن قال قائل :
لم لم يعمل ما قبل الاستفهام فيه وفيما بعده ؟
قيل له : لأن
الاستفهام إذا دخل على الجمل كان استفهاما عن جميعها مثل قولك : أضربت زيدا؟ فلو
قدمت على الألف لم يبق معنى الاستفهام فيه وهو مقدم ، والمعاني ليس لها قوة
تصرف فيما قبلها وفيما بعدها ؛ فلذلك لم يجز أن يعمل ضربت زيدا ، وبينهما ألف الاستفهام ، وأما الأسماء نحو : أي ، ومن ، وما ،
فلا يجوز أيضا أن يعمل فيها ما قبلها لهذا لو قلت : علمت أيّهم في الدار ، بنصب
أيهم لم يجز ، وإنما لم يجز ذلك ؛ لأن الأصل أن يدخل ألف الاستفهام على هذه
الأسماء ، وإنما حذفت ألف الاستفهام / استغناء لأن هذا الكلام لا يكون إلا
__________________
استفهاما فصارت الألف محذوفة وحكمها باق فلهذا منعت الفعل من العمل في هذه
الأسماء.
فإن قال قائل :
فكيف جاز أن تعمل فيها حروف الجر كقولك : بأيّهم مررت؟
قيل له :
الضرورة دعت إلى ذلك ، وذلك أن حروف الجر لا يجوز أن تقوم بأنفسها ولا بد أن تتعلق
بما تدخل عليه ، وقد بينا [أن] الأسماء التي يستفهم بها تنوب عن شيئين عن ألف
الاستفهام ، وعن الاسم ، فيصير قولنا : أيّهم في الدار؟ بمنزلة : أزيد في الدار؟
فإذا قلت : بأيهم مررت ، صار التقدير : أبزيد مررت ، لأن الباء موصلة للفعل الذي
بعد الاستفهام ليعمل فيه لأنهما مقدران بعد ألف الاستفهام ، فلهذا خصت
حروف الجر بجواز العمل من بين سائر العوامل ، ولهذه العلّة أيضا جاز لما بعد
الاستفهام أن يعمل فيه.
واعلم أن
الأفعال التي تدخل على الاستفهام لو قلت : ضربت أيهم عندك ، وأنت تريد الاستفهام
كان محالا ، وإنما فسد ذلك ؛ لأن ضربت وما جرى مجراها لا يصح إلغاؤها ؛ لأنه فعل
مؤثر فإذا تقدم قبل الاستفهام لم يخل من أحد أمرين : إما أن يعمل وإما أن يلغى ،
وقد بيّنا أن عمل ما قبل الاستفهام باطل وأن إلغاء هذا الفعل أيضا محال ، فلذلك لم
يجز هذا الكلام.
فأما أفعال
القلوب فهي إذا توسطت بين مفعولين تلغى ، وقد بينّا فيما مضى لم جاز إلغاؤها ،
وتقول : قد علمت زيدا أبو من هو ف (هو) خبر الأب ، والراجع إلى زيد (هو) ولما كان (هو)
الأب لم يحتج الأب إلى راجع إليه ، وإنما صار النصب في زيد أقوى من الرفع ؛ لأن
زيدا ليس بمستفهم عنه في اللفظ ، وإنما هو مستفهم عنه في المعنى ، واللفظ أقوى من
المعنى ؛ لأن الحاسة تقع عليه من العقل ، والمعنى
__________________
إنما يقع عليه العقل فقط ، فلذلك كان النصب أقوى ، وأما قولهم : كلّ رجل
وقرينه فهو إضمار ليكن كل رجل مع قرينه ، والأحسن إظهار الفعل
إلا أن العطف جعل كالعوض منه ، وكذلك ما ينصب في هذا الباب فهو معطوف أو مكرر ،
ولا يجوز إظهار الفعل نحو قولك : رأسك والحائط ، والأسد الأسد ، وما أشبه ذلك لما
ذكرناه من التكرار والعطف عوض عن الفعل ، فلم يجز إظهاره مع وجود العوض منه ، وأما
قولهم : المرء مجزى بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فإنما اختير النصب في الأول بإضمار (كان) لكثرة دورها
في الكلام ، لأنها عبارة عن جميع الأفعال ، ألا ترى أنك تقول : قام زيد ، فيقول
القائل : قد كان ذلك ، فلهذا وجب أن تضمر كان ، وإنما كان إضمارها مع اسمها أولى
من إضمارها مع خبرها ، لأن الخبر منفصل من الاسم والاسم متمكن في الفعل فهو معه
كالشيء الواحد ، فصار إضمارها مع اسمها أولى من إضمارها مع خبرها ، وكلما خف
الإضمار كان أولى من كثرته ، وإنما لم تقدر (كان) بمعنى وقع وحدث وإن كان جائزا ؛
لأن كان التي بمعنى وقع وحدث فعل حقيقي بمنزلة ذهب وضرب ، وليس ككثرة (كان) التي
للعبارة عن الجمل ، فلهذا كان الاختيار في الأول النصب ، فأما الذي هو [مرتبط ب] الفاء فإنما اختير فيه الرفع ؛ لأن الفاء / التي تقع
جوابا للجزاء إنما تدخل ليليها المبتدأ والخبر ، وإنما وجب ذلك ؛ لأن جواب الخبر
إذا كان فعلا لم يحتج إلى الفاء ؛ لأن (أن) تعمل فيه ، فإذا كان خبرا ومبتدأ لم
يجز ل (إن) أن تعمل في الأسماء ، فلو جئنا بالمبتدأ والخبر فجعلنا جوابا للشرط لم
يعلم تعلقه به ؛ لأن الجمل قائمة بأنفسها فاحتاجوا إلى حرف يعلق الجملة بالشرط
__________________
فأتوا بالفاء ، فقد بان بما ذكرناه أن الفاء تطلب الاسم فوجب أن يضمر بعدها
المبتدأ فيصير خبرا له ، فلهذا اختير الرفع في الثاني.
وأما الوجه
الثاني فإنه صار أقرب إلى الأول ، لأنك تضمر أيضا بعد (إن) فعلا فأنت مخير إن شئت
كانت (كان) التي بمعنى وقع ، وإن شئت أضمرت (كان) التي هي عبارة في خبرها.
والوجه الثالث
أضعف من هذا ، لأنك تضمر بعد الفاء شيئين ، وهو الفعل والمبتدأ ، وذلك أنك إذا
قدرت الكلام على شيء يجيء مؤخرا لم يكن بد للفاء من مبتدأ لما ذكرناه من أنها تطلب
المبتدأ فضعف لكثرة الإضمار من غير ضرورة تدعو إليه.
وأما الوجه
الرابع فأضعفها ؛ لأنه عكس المختار ، لأنك ترفع الأول وتنصب الثاني فلهذا ضعف جدا
، وأما قولهم : قد كان ذلك إن صالحا وإن فاسدا ، فإنما وجب نصبه ؛ لأن قولك قد كان
ذلك إشارة إلى أمر ما ، فالصالح والفاسد هو ذلك الأمر بعينه ، فإنما يرتفع مثل هذا
على أنك تقدره اسم (كان) ، وتجعل الخبر في تقدير الظرف له ، ومحال أن تكون جملة
الشرط ظرفا لجميعه فلهذا استحال أن تقدره بقولك : إن كان فيه صالح ، فأما إذا قلت
: إن كان فيه صلاح أو فساد فجائز ؛ لأن الصلاح والفساد غير الشيء المذكور ، فجاز
أن تقدر في تقديره الظرف للصلاح والفساد فلهذا حسن رفعه ، وأما قول الشاعر :
لا تقربنّ
الدهر آل مطرّف
|
|
إن ظالما
فيهم وإن مظلوما
|
__________________
فإنما وجب نصبه ؛ لأن المخاطب مضمر في الفعل فانتصب ظالما على
الخبر ولا يمكن غير ذلك لما يقتضيه معنى البيت.
باب الإغراء
إن قال قائل :
لم خصت العرب (عندك وعليك ودونك) بإقامتها مقام الأفعال من بين سائر الظروف؟
قيل له : لأن
الفعل لا يجوز أن يضمر [إلا] أن يكون عليه دليل من مشاهدة حال أو غير ذلك ، فلما كان
(على) للاستعلاء والمستعلي يرى ما تحته ، وكذلك (عندك) للحضرة ومن بحضرتك تراه.
وكذلك (دون) للقرب ، فلما كانت هذه الظروف أخص من غيرها جاز فيها ذلك.
فإن قال قائل :
لم خص المخاطب بهذا دون غيره؟ قيل : لأن المخاطب لا يحتاج إلى حرف سوى الفعل ،
والغائب والمتكلم الأمر لهما باللام كقولك : ليقم زيد ، ولأقم معه ، فلما أقيمت
هذه الظروف مقام الفعل كرهوا أن يستعملوها للغائب والمتكلم فتصير نائبة عن شيئين
وهما الفعل واللام ، فوجب أن تختص بالمخاطب لتقوم مقام شيء واحد ، وقد سمع من
العرب عليه رجلا ليسني ، فأمر بعلى وحدها للغائب ، ولا يقام عليه ، وقد تستعمل
(على) بمنزلة فعل يتعدى إلى مفعولين إذا أمرت بنفسها / ولا يقاس عليه كقولك : عليّ
زيدا ، معناه أعطني زيدا ، ولا تقول : عندي زيدا ولا دوني عمرا ، لما بيناه [من] أن
__________________
هذه الظروف أقيمت مقام الفعل والفاعل اتساعا فليس يجب أن تتصرف تصرفه ،
أعني تصرف الفعل فما اشتقته العرب قلناه وما تركته على أصله لم نجاوزه إلى غير
ذلك.
واعلم أنك إذا
قلت : عليك زيدا ، فللمخاطب ضميران مجرور ومرفوع ، فالمجرور الكاف الظاهرة
والمرفوع مستتر في النية ، فإذا أردت أن تؤكد المرفوع أو تعطف عليه جاز ذلك كقولك
: عليك أنت نفسك زيدا ، وعليك أنت وعمرو زيدا ، ولا يحسن إذا أردت العطف على
المضمر المرفوع أن تسقط توكيده ، وقد بينا ذلك ، فإن أردت أن تعطف على الكاف لم
يجز ؛ لأن المضمر المجرور لا يعطف عليه الظاهر إلا بإعادة حرف الجر ، ومع هذا إنك
لو أردت أن تعيد حرف الجر لم يجز ؛ لأنه يصير اللفظ عليك وعلى زيد عمرا ، فيصير
أمر الغائب المخاطب ، وقد بينا أن هذا لا يجوز في هذه الحروف ، فإن أردت أن تؤكد
الكاف جاز ذلك نحو : عليك نفسك زيدا ، وقد يجوز أن تجعل النفس مفعولة كما قال الله
عزوجل : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [المائدة : ٥ / ١٠٥] أي : اتقوا أنفسكم ، وما أشبه ذلك على ما ذكرناه أو
تقول : عليك نفسك نفسك نفسك ، فترفع الأول على التوكيد للضمير المرفوع المتوهم
الفاعل ، وتجر الثانية على التوكيد للكاف ، وتنصب الثالثة على الإغراء ، إلا أن
الأحسن إذا أردت التوكيد بالنفس للمرفوع أن تقدم (أنت) لما بيناه من اختلاط الفعل
للفاعل ، وإن النفس قد تستعمل غير مؤكدة كقولك : خرجت نفسه ، فلما جرى مجرى ما لا
يكون تابعا استقبحوا أن يتبعوها ما قد جرى مجرى بعض الفعل حتى يؤكدوا ذلك فيقوى
بالتوكيد كما ذكرنا في العطف.
__________________
باب المصدر
اعلم أن المصدر
إنما ينصب ؛ لأنه مفعول ، ألا ترى أنك إذا قلت : ضربت ضربا فقيل له : ما
فعلت؟ فقلت : أحدثت ضربا ، فقد بان لك أن المصدر مفعول فلهذا انتصب.
فإن قال قائل :
فهل المصدر أصل للفعل أو الفعل أصل للمصدر ؟
قيل له : بل
المصدر أصل للفعل ، والدليل على ذلك من وجوه :
أحدها : أن
المصدر يدل على نفسه فقط ، ألا ترى أنك إذا قلت : ضربت ، دل على الضرب وهو الألم
الذي يوجد منه ، فصار ضرب يدل على جوهر الضرب ، كأنه مصوغ من جوهر ما يدل ، إذا
أضفته إلى ما صيغ منه دل أنه منه ، وإن كانت صورته مخالفة لصيغة آخر صيغ من ذلك
الجوهر ، وآخر كذلك وكلها تدل على ذلك الجوهر فقد صار الجوهر أصلا لها ، وكذلك كل
فعل يدل على مصدره الذي أخذ منه ، لأن المصدر جوهره الذي يوجد فيه ذلك الفعل.
ووجه آخر :
وذلك أن الفعل يدل على شيئين ، وهما الزمان والمصدر ، والمصدر يدل على نفسه فقط
فصار الفعل بمنزلة المركب إذ كان يدل على المصدر وعلى الزمان ، فلما صار في تقدير
اثنين وأحد الاثنين المصدر ، والواحد قبل الاثنين وجب أن يكون قبل الفعل.
ووجه ثالث : أن
المصدر يقوم بنفسه ألا ترى أنك [تقول] / ضربك حسن ،
__________________
ولا تحتاج إلى ذكر الفاعل ، والفعل لا يجوز أن تذكره خاليا من الاسم ، فوجب
أن يكون المصدر لاستغنائه عن الفاعل أصلا للفعل لافتقار الفعل إليه.
ووجه رابع :
وهو أن المصدر في اللغة هو الموضع الذي تصدر عنه الإبل وترده ، فلما استحق هذا الاسم وجب أن
يكون الفعل صادرا عنه وإذا كان صادرا وجب أن يكون فرعا.
فإن قال قائل :
ما تنكرون أن يكون المصدر لا يراد به الموضع وإنما يراد به المفعول أي المصدور به
عن الفعل كما تقول : مركب فاره ، وكما يقال : مشرب عذب أي شرب عذب؟
قيل له : هذا
يفسد من وجهين :
أحدهما : أن
الألفاظ إذا أمكن تأويلها على ظاهرها فليس ينبغي أن يعدل عن الظاهر إلا بدلالة ،
فإذا كان ظاهر المصدر يوجب أن يكون اسما للموقع ها هنا ما يمنع من ذلك وجب أن يحمل
على ظاهره وإذا كان كذلك فيجب أن يكون اسما للموضع على ما ذكرناه.
والوجه الثاني
أن قولهم : مركب فاره ، ومشرب عذب يجوز أن يكون موضع المركوب والمشروب ، وإنما
ينسب إلى الفراهة والعذوبة للمجاوره كما يقال : جرى النهر ، وإنما يجري الماء
في النهر.
فإن قال قائل :
قد رأينا المصدر يصح بصحة الفعل ويعتل باعتلاله ، فيجب أن يكون فرعا له إذ تبعه في
الاعتلال والصحة كقولك : قمت قياما ، فاعتل قيام لعلّة قام ، ولو صح الفعل لصح
المصدر كقولك : قاومته قواما ؟
__________________
قيل له : هذا
لا يدل على ما ذكرت ، وذلك أن الفراء الذي يخالفنا في هذه العلّة قد حمل الأصل على
الفرع وذلك أنه قال : بني قام لدخول التثنية عليه ، والتثنية فرع على الواحد ،
وقوله يمتنع أن يبني المصدر على الفعل وإن كان أصلا للفعل ، وأيضا فإن الشيء قد
يحمل على الشيء في الاعتلال للمشاركة بينهما ولئلا يختلف طريق الكلمة وليس [أحدهما] أصلا للآخر ، ألا ترى أنهم يقولون : وعد يعد فيحذفون
الواو من (يعد) لوقوعها بين ياء وكسرة ويحذفونها أيضا من (نعد) و (أعد) وإن لم تكن
قد وقعت بين ياء وكسرة فحملا على (يعد) لئلا يختلف طريق الفعل ، فإذا ثبت أن الحمل
في باب الاعتلال لا يدل أن المحمول على غيره فرع على المحمول عليه لم يجب أن يكون
المصدر فرعا للفعل وإن حمل عليه في باب الاعتلال.
فإن قال قائل :
أليس الفعل يعمل في المصدر ومن شرط العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، فإذا كان
كذلك يجب أن يكون الفعل قبل المصدر؟
قيل له : هذا
ساقط ؛ لأن الحرف يعمل في الأسماء والأفعال فلو وجب ما قلت لصارت الحروف أصلا
للأسماء والأفعال وهذا بين الفساد.
فإن قال قائل :
أليس قلتم إن المصدر مؤكد والتأكيد بعد المؤكّد فيجب أن يكون الفعل أصلا للمصدر ؛
لأنه المؤكد؟
قيل هذا يفسد
من وجهين : أحدهما : أن المصدر في المعنى مفعول ، وقد بينا أنه من هذا الوجه لا
يجب أن يكون فرعا وليس ذكر المصدر بأكثر من كونه مفعولا.
والوجه الثاني
: أن المصدر إنما أقيم / مقام تكرير الفعل ، فكما أن الشيء لا يجوز أن يكون أصلا
لنفسه فكذلك لا يجوز أن يكون ما قام [مقامه] فرعا عليه.
__________________
واعلم أن إقامة
الآلة مقام المصدر جائز ، وإنما الغرض فيه الاختصار فإذا قلت [ضربت] زيدا سوطا واحدا ، دل ذكر السوط على أن الضرب به وقع ،
ويثنى ويجمع فتكون تثنيته وجمعه دلالة على الضرب فإذا قلت : ضربت زيدا مئة سوط
فالمعنى مئة ضربة بسوط واحد.
واعلم أنك إذا
قلت : أنت سيرا سيرا ، فإنما المعنى أنت تسير سيرا فحذفت الفعل لدلالة المصدر عليه
إذ كان مشتقا من لفظ المصدر ، ومع هذا فإنهم جعلوا أحد المصدرين بدلا من الفعل ،
ويجوز أن يكون حذفوا الفعل ههنا ؛ لأن المبتدأ يجب أن يكون خبره هو والسير غير أنت
فدلّ ذلك على المحذوف وهو يسير ، وقد يجوز الرفع فتقول : أنت سير سير ، فالرفع على
وجهين : أحدهما أن يكون التقدير : أنت صاحب سير فحذف الصاحب وأقيم السير مقامه ،
ومثل هذا قول الخنساء :
ترتع ما علقت
حتى إذا ادّكرت
|
|
فإنما هي
إقبال وإدبار
|
أي صاحبة إقبال
وإدبار.
والوجه الثاني
أن تجعل المبتدأ هو على سعة الكلام ويكون المعنى فيه أن السير كثر منه فجرى مجراه.
وأما مرحبا
وأهلا فإنما حذف الفعل منه على وجهين :
__________________
أحدهما : أن
يكون مصدرا للفعل من لفظه ، فكأنه بدل من رحبت مرحبا ، وأهلت أهلا ، وإن لم
يستعمل.
والوجه الثاني
أن يكون مفعولا لفعل من غير لفظه كأنه قال : أصبت أهلا وأصبت مرحبا.
وأما لقيته
فجاءة وما أشبهه فنصبه على وجهين :
أحدهما : أن
تضمر فعلا بعد لقيته من لفظ فجاءة ينصبها ؛ لأن اللقاء قد يكون على ضروب ففيه
دلالة مجيء فلهذا جاز إضماره.
والوجه الثاني
: أن تجعل نفس لقيته عاملا فيه ؛ لأن اللقاء لما كان قد يقع على هذه الصفة صار
لقيته بمنزلة فاجأته ، وكذلك أخذته عنه سماعا ، وأما قولهم : مررت بهم الجماء
الغفير فإنما قدر في موضع الحال كقولهم :
أرسلها العراك
ولم تجىء
الأسماء غير المصادر في موضع الحال بالألف واللام وإنما قدرناه حالا ؛ لأن الفعل
الذي قبله ليس من لفظه ، ولا يرجع إلى معناه إذ كان الغفير في المعنى إنما يراد
بهم القوم ، والحال هو الاسم الذي قبلها فلهذا قدر في موضع الحال.
فإن قال قائل :
فلم جاز في المصادر أن تقع موقع الحال وفيها الألف واللام؟
ففي ذلك جوابان
: أحدهما : بأن يكون المصدر منصوبا بفعل من لفظه وذلك الفعل في موضع الحال فلما
حذف الفعل قام المصدر مقامه فجاز أن يقال إنه في
__________________
موضع الحال كقولهم : أرسلها العراك ، فالتقدير : أرسلها تعترك العراك ، فالعراك نصب على المصدر ، والمصادر تكون معرفة
ونكرة ، وتعترك هو الحال فأقيم العراك مقامه .
والوجه الثاني
: أن المصادر التي فيها الألف واللام قد تقوم مقام فعل الأمر كقولهم : الحذر الحذر
، والأفعال مع فاعلها جمل ، والجمل نكرات ، فلما جاز أن يقوم المصدر الذي فيه
الألف واللام مقام الفعل في الأمر / جاز أن يقوم مقام الحال لما ذكرناه ، واشتقاق
الجمّاء من الجمّة وهو الشعر المجتمع على الرأس فمثّل كثرة الناس بالشعر وإنما أنث فقيل الجماء : لأن
المصادر قد تؤنث كقولهم ضربته ضربة.
وإنما قيل
الغفير بغير لفظ التأنيث ؛ لأنه فعيل في معنى مفعول ، كأنه غفر بعضهم بعضا أي غطى
، فلهذا لم يؤنث الغفير كما يقال : كف خضيب.
وأما قولهم :
هذا زيد حقا ، والحق كالباطل فالنصب على المصدر كأنك قلت : أحقّ الحقّ ، وأحقّ حقا
لا أتوهّم الباطل ، وإنما تذكر هذه المصادر بعد الجمل توكيدا ؛ لأن الخبر قد يكون
حقا وباطلا فصار في الجملة دليل على أحق.
واعلم أنك إذا
قدمت هذه المصادر بين المبتدأ وخبره جاز كقولك : زيد حقا أخوك ، فإن قلت : حقا :
زيد أخوك لم يجز وإنما جاز توسيطها ولم يجز تقديمها ، لأنّا قد بينا أن هذه
المصادر توكيد للجمل فلما قدمناها قبل الجمل بدأنا
__________________
بالتوكيد قبل المؤكد فهذا فاسد ؛ لأن التوكيد تابع ، والتابع حقه أن يكون
بعد المتبوع ، فأما إذا توسطت فقد تقدم قبلها ما تكون توكيدا له ، فلهذا افترق حال
التقديم والتوسيط إن شاء الله.
فأما قوله
تعالى : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) [مريم : ١٩ / ٣٤].
فالرفع من
وجهين :
أحدهما : أن
يكون على خبر ابتداء محذوف.
والثاني : أن
يكون قول الحق نعتا لعيسى ، وإنما جاز أن ينعت بالقول ؛ لأن الله تعالى قد
سماه كلمته ، فجانس معنى القول فلذلك جاز أن ينعت به ، وأما قول رؤبة بن العجاج :
إن نزارا
أصبحت نزارا
|
|
دعوة أبرار دعوا
أبرارا
|
ففي قوله إن
نزارا أصبحت نزارا دلالة على أنهم قد كانوا مختلفين ، ثم اجتمعوا وصاروا على دعوة
واحدة فدلّ على قوله دعوا دعوة أبرار.
باب الظروف
إن قال قائل :
لم تعدى الفعل إلى ظروف الزمان خاصا وعاما من غير توسط حرف الجر نحو قولك : قمت وقتا ، وقمت يوم
الجمعة؟
__________________
فالجواب في ذلك
أن الفعل يدل بصيغته على الزمان وهو مضارع للزمان بنفسه ، فلما صار الزمان مشاركا
للفعل هذه المشاركة استحق طرح حرف الجر منه إذ كان حذفه لا يشكل وهو أخف في اللفظ.
وأما ظروف
المكان فالفعل لا يدل عليها من لفظه ، وإنما يدل عليها بالمعنى كما يدل على الفعل
والمفعول ، إذا تعدى الفعل إليه بحرف جر لا يجوز حذف [حرف] الجر منه إلا أن يسمع ذلك من العرب ، ألا ترى أنك تقول
: مررت بزيد ، ولا يجوز أن تقول : مررت زيدا ، وكذلك كان القياس في جميع ظروف
المكان أن يتعدى الفعل إليها بحرف الجر كقولك : قمت في الدار ، وقمت في خلفك ، إلا
أن الظروف المبهمة يجوز حذف حرف الجر منها ؛ لأنها قد أشبهت ظروف الزمان ، وذلك
أنه ليس لها خلق كما أن الزمان لا خلقة له فباين بعضها بعضا ، وكذلك الخلف والقدام
وما أشبه ذلك من هذه الظروف المبهمة يجوز أن تنقلب كلها فيصير الخلف قداما ،
والقدام خلفا ، ألا ترى أن الجهة التي هي خلف ، إن تقدمها الشخص صارت قداما له ،
وكذلك / حكم القدام له فلما كانت هذه الظروف شبيهة بظروف الزمان عدوّا الفعل إليها
من غير توسط حرف الجر. ومع ذلك فإن هذه الظروف ليس يتعلق الفعل بها إلا على طريق
الاستقرار ، ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول : هدمت خلفك ولا قدامك ، كما تقول : هدمت
الدار ، ولهذه العلّة جاز حذف حرف الجر منها.
فأما ما كان من
ظروف المكان مخصوصا نحو : الدار والمسجد وما أشبه ذلك فلهذه خلق كزيد وعمرو ، ألا ترى أنه لا تسمى كل بقعة بمسجد ولا
دار ، فلما جرت هذه الظروف مجرى زيد وعمرو وجب ألا يتعدى الفعل إليها إلا بحرف
الجر .
__________________
فإن قال قائل :
من أين زعمتم أن الأصل في جميع هذه الظروف أن يكون الفعل متعديا إليها بتوسط حرف
الجر؟
قيل له : لأن
الأفعال التي تتعلق بها وتنصبها غير متعدية ، كقولك : قمت يوم الجمعة ، وقمت لا
يتعدى ، ولما كانت الأفعال لا تتعدى تعدت بحرف الجر ، فكانت هذه الظروف مفعولا
فيها في الحقيقة وجب أن يكون الأصل قمت في يوم الجمعة ، فحذف حرف الجر لما ذكرناه
، ووصل الفعل.
فإن قال قائل :
أليس الحال مفعولا فيها ، فهل تقدر تقدير حرف الجر فيها كتقديره في الظروف؟
قيل له : الحال
وإن كانت في معنى المفعول فليس حرف الجر مقدرا فيها كتقديره في الظرف فتحل الأفعال
فيه فتنصبه ، والحال هي الاسم التي هي منه فاعلا كان أو مفعولا أو مجرورا كقولك :
جاء زيد مسرعا ، فالمسرع هو زيد ، وليس بظرف ، فوجب أن يكون (مسرع) ليس بظرف له
ولكنه مشبه بالظروف ، إذ كانت الحال تذكر على طريق توقيف الفعل وتبينه ، وكيف وقع
، كما يبين الظرف إن وقع مشابهة الحال للظروف ، فقيل مفعولا فيها على التشبيه بالظروف ،
لأن حروف الجر مقدرة فيها ، ألا ترى أنه لا يجوز إظهاره بحال ، والظروف إذا كني
عنها ظهر حرف الجر مع المضمر كقولك : قمت يوم الجمعة ، فإذا أضمرت قلت : قمت فيه ،
والحال لا يصح فيها هذا فجرت مجرى قولنا : إن زيدا مفعول به ، ليس قولنا :
ضربت زيدا مقدرا معه حرف الجر ولكنه محمول على هذا المعنى ، وكذلك الحال لما شبهت
بالظروف قيل مفعول فيها ؛ لأن حرف
__________________
الجر مقدر فيها ، وإذا قلت : زيد خلفك ، فإنما وجب تقدير الاستقرار ، لأن
زيدا مبتدأ فلا بد له من خبر ، والخبر يحتاج أن يتعلق بالمخبر عنه ، فلو لم تقدر
الاستقرار لم يتعلق الخبر بزيد ، وأما القتال اليوم فلا يجوز أن يكون اليوم منصوبا
بالقتال ؛ لأنه لو انتصب به لصار من صلته فبقي المبتدأ بلا خبر ، وإذا كان
كذلك وجب أن تقدر بعد القتال فعلا ينتصب اليوم به.
فإن قال قائل :
فمن أين جاز أن تقوم المصادر مقام الظروف في قولهم : زيد مني مزجر الكلب ، وأتيتك مقام الحاج؟
قيل له : لأن
الفعل لما كان دالا على المصدر والزمان دلالة واحدة اشتركا من هذا الوجه وإن
الأفعال تقتضي الزمان فجرت المصادر مجرى الزمان فجاز أن تخلفها. /
فإن قال قائل :
فهل يجوز القياس على ما سمع من العرب ، فيقال مكان السارية؟ قيل له : لا يجوز ذلك
والسبب فيه أن هذه المصادر لما كانت معلومة المواضع في القرب والبعد جعلت تمثيلا
للقرب والبعد ، فإذا قلت : زيد مني مقعد القابلة ، دل ذلك على قربه مني إذ كانت القابلة قد استقر قربها
ممن تقبله في النفوس ، فإذا قلت : هو مني مزجر الكلب ، دل على إبعاده وإهانته ،
فأما مكان السارية ومربط الفرس فليس لها مواضع مخصوصة ، وقد تكون قريبة وبعيدة ، فلما
لم يستقر حكمها على قرب مخصوص ولا على بعد مخصوص ولم يجز أن تجعل تمثيلا لأحدهما
لاحتمال أمرين فاعرفه ...
__________________
باب الحال
إنما وجب أن
تكون الحال نكرة لأمرين :
أحدهما : أنها
زائدة لا فائدة فيها للمخاطب ، فلو كانت معرفة لم يستفدها المخاطب ، ومع ذلك فلو
جعلت معرفة لجرت مجرى النعت لما قبلها من المعرفة ، والنكرة أعم من المعرفة.
والوجه الثاني
: وهو أجود الوجهين ، أن الحال هي مضارعة للتمييز لأنك تبين بها كما يتبين
بالتمييز نوع المميز ، فلما اشتركا فيما ذكرناه وكان التمييز نكرة ، وجب أن تكون
الحال نكرة ، وإنما قبح الحال من النكرة إذا قلت : جاءني رجل ضاحكا ، (فأجريت
ضاحكا نعتا للرجل ، ثم لو قلت : جاءني رجل ضاحكا فنصبت ضاحكا) على الحال كان معنى الحال ومعنى الصفة واحدا لأنك إذا قلت : جاءني رجل ضاحك
، فليس يجب أن يكون في حال الخبر ضاحكا ، وكذلك إذا نصبته على الحال ، فلما استوى
معناهما كان النعت أولى من الحال ؛ لاتفاق اللفظ ، وليس كذلك حكم نعت المعرفة ؛
لأنك إذا قلت : جاءني زيد الظريف ، وجب ألا يكون الظريف حالا له وقت الخبر ؛ لأنك
ذكرته لتبين به زيدا ، وزيد معرفة قد كان مستغنيا بنفسه فلما خفت اختلاطه بغيره من
الزيدين بيّنته بالنعت ، وأما النكرة فليس عينا بائنا فالصفة إنما تفيد فيها
تخصيصا ، وليس يجب بقاء ذلك التخصيص في حال الخبر ، فلهذا حسن الحال من المعرفة
وقبح من النكرة ، ووجب جوازه فيها على التشبيه بالمعرفة ، وإنما وجب أن
تقدم الحال
__________________
على العامل فيها إذا كان فعلا متصرفا ؛ لأن الحال مفعولة فإذا كان العامل فيها فعلا متصرفا
جاز تقديمها عليه ، كما يجوز تقديم المفعول على الفعل لقوة الفعل سواء كانت من اسم
مضمر أو مظهر ، والفراء يمنع من تقديم الحال إذا كانت من اسم ظاهر نحو : ضاحكا جاء زيد ، قال ؛ لأن في ضاحك ضميرا يرجع
إلى زيد لا يجوز تقديمه عليه ، وهذا ليس بشيء عندنا ؛ لأن الضمير إذا تعلق باسم
وكان ذلك الاسم مقدما على شريطة التأخير جاز تقديمه كقولك : ضرب غلامه زيد ، لأن
المفعول شرطه أن يقع بعد الفاعل فكذلك حكم الحال.
وأما إذا كان
العامل معنى فعل لم يجز تقديم الحال عليه كقولك : المال لك خالصا ، فلو قلت خالصا
المال لك ، لم يجز ؛ لأن الفعل ليس بملفوظ به / وإنما اللام بتأويل الفعل لأنها
تفيد الملك ، فلما كان العامل ضعيفا لم يجز تصريفه ألا ترى أن (إنّ) وأخواتها لا
تعمل فيما قبلها لضعفها.
فإن قيل : أليس
إذا قلت زيد خلفك ضاحكا ، فالعامل في خلف فعل مقدر وهو استقر والمضمر من الأفعال
يجري مجرى المظهر في عمله فهلّا جاز تقديم الحال على الظرف ؛ لأن العامل في
الحقيقة ليس هو الظرف؟
قيل له : لأن
هذا الفعل لا يجوز أن يجري مجرى غيره من الأفعال في جواز التصرف ؛ لأنه قد خلفه
الظرف ، ومع هذا إن هذا الفعل حكمه مسقط بأن لا يجوز إظهاره فلما صار في حكم المسقط وأقيم مقامه
ما ليس بفعل فضعف عمله .
__________________
فإن قال قائل :
فكيف جاز أن نقول : يوم الجمعة المال لك ، فتنصب يوم الجمعة بمعنى اللام والظرف
مفعول فيه كما أن الحال مفعول فيها ، فمن أين اختلفا؟
قيل له : إنما
جاز ذلك في الظرف لاحتوائه على الجملة المتعلق بها فصار في هذا المعنى تقديمه
وتأخيره سواء ، وأما الحال فهي بمنزلة المفعول ، وليس فيها معنى الاحتواء فوجب أن
يراعى فيها قوة العامل وضعفه.
واعلم أنما قبح
من النكرة ؛ لأن معناها ومعنى الصفة سواء ، وذلك إذا قلت : جاءني رجل ضاحك ، فإنما
أخبرنا عن مجيء رجل ضاحك ، ولم يجب أن يكون ضاحكا في حال خبرك ، فلما اتفق معنى
الحال والصفة كان إجراء الصفة على ما قبلها أولى ؛ لأن اختلاف اللفظ لا يوجب
اختلاف المعنى ، فإذا وجب أن يوفق بين اللفظين ، ويكون المعنى كمعنى المختلف كان
أولى.
فأما المعرفة
فالحال فيها مختلف كحكم الصفة وذلك أنك إذا قلت : جاءني زيد الظريف ، وجب أن يكون
الظريف حالا له في حال خبرك ، ولو لا ذلك لم يحتج إليها ، لأن زيدا معروف ، وأما
الحال فلا يجب أن تكون في الخبر فاصلة ، ولهذا حسنت الحال من المعرفة ، وقبحت من
النكرة ، وقوله : أحسن ما يكون زيد قائما ، فأحسن رفع بالابتداء و (ما) مع (يكون)
في موضع خبره لأنها مع الفعل مصدر ، ولا تحتاج إلى عائد يعود عليها إذا كانت مصدرا
لأنها قد جرت في هذا الموضع مجرى (أن) كما لا تحتاج (أن) إلى عائد في قولك : أن
يكون قائما أحسن ، فكذلك (ما) في هذا الموضع ، وعند الأخفش لا بد لها من عائد
لأنها أبدا عنده اسم ، وإذا كانت اسما فلا بد لها من عائد إليها ففي هذه المسألة
لا عائد عليها ، إذ هي بمعنى (أن) وهذا يدل على صحة قول سيبويه ، ونصب قائم على
الحال والعامل فيها فعل تقديره إذا كان قائما أو إذ كان قائما ، وإنما وجب إضمار
(إذ) و (إذا) لأنهما يدلان على الزمان
__________________
الماضي والمستقبل ، وليس تخلو حال الإنسان من أن تكون ماضية أو مستقبلة ،
فلهذا وجب إضمار (إذ) و (إذا) لدلالة الكلام عليها.
واعلم أن (أفعل)
إذا أضيف إلى جنس كان من جنس ما أضيف إليه ، فلما أضيف أحسن إلى المصدر وجب أن
يكون مصدرا والمصادر يكون خبرها ظروف الزمان فلهذا / احتجنا إلى إضمار (إذ وإذا) ،
إذ كانا ظرفين من الزمان وموضعهما نصب بإضمار استقر كما تقول : القتال اليوم ، ولا
يجوز أن تنصبهما بكان لأنها في موضع جر ب (إذ) و (إذا) والمجرور لا يجوز أن يعمل
في الجار.
فإن قال قائل :
فهلّا جعلت قائما نصبا على خبر (كان) أو (يكون) التي تلي (ما)؟
قيل له : لا
يجوز ذلك لأنّا لو نصبنا قائما على خبر (يكون) لكان مع (يكون) من صلة (ما) وبقي
أحسن بغير خبر ، فلهذا بطل أن يكون خبر يكون.
ووجه آخر أنه
لو كان خبرا لجاز أن يقع معرفة ، والعرب لا تستعمل هذا إلا نكرة فدل ذلك على أنه
حال ، وليس بخبر ، ولهذه العلّة لم يجز أن يكون خبرا لكان المضمرة.
واعلم أن الحال
إنما يجوز في هذا الجنس من المسائل متى كانت راجعة إلى غير المصدر كقولك : ضربك
زيدا قائما إنما هو راجع إلى زيد وإلى المتكلم ، وإذا كانت الحال راجعة إلى نفس
المصدر لم يكن فيها إلا الرفع كقولك : ضربي زيدا شديد ، وإنما وجب الرفع ؛ لأن
الأول هو الثاني فصار كقولك : زيد قائم.
واعلم أنه إذا
جاز أن تقول : أرخص ما يكون السمن منوان ، فتحذف خبر المنوين الراجع إلى المبتدأ الأول ؛ لأن
السعر في نفوس الناس مستقر معلوم بدلالة
__________________
الكلام عليه ، وأما الراجع إلى المبتدأ فإنما حسن حذفه ها هنا ؛ لأن في
الكلام أيضا دليلا أنه قد أحاط العلم أن المنوين ليسا جميع السمن إذ كان السمن اسم
الجنس فصار ذكره بعد السمن يدل على أنهما بعض له ، والمحذوف منه (من) التي للتبعيض
، فلما كان في الكلام ما يدل عليه حسن حذفه.
وأما قوله :
أخذته بدرهم فصاعدا ، فمعنى هذا الكلام أنك أشرت إلى عدل متاع وقع سعر ثوب منه
بدرهم ثم غلا السعر فزاد على الدرهم فيكون التقدير أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعدا.
ونصب الثمن على الحال والعامل فيه زاد ، ولا يجوز أن يجعل بدل الفاء الواو كما
تقول : أخذته وزيادة ؛ لأن قولهم : أخذته بدرهم وزيادة ، إنها إخبار عن شيء واحد
وقع ثمنه الدرهم مع زيادة ، وأما أخذته بدرهم فصاعدا ، فلست تريد أن تجعل صاعدا مع الدرهم ثمنا لشيء واحد ،
وإنما الدرهم كان ثمنا لبعض الجملة ثم زاد السعر ، وإذا كان كذلك صار إدخال الواو
يبطل هذا المعنى ، ولو جئت ب (ثمّ) في موضع الحال لجاز ذلك ، إلا أن الفاء أحسن
وإنما كانت الفاء أحسن للاستئناف الذي في معنى دخولها هنا.
باب حروف العطف
اعلم أن (الواو)
أصل حروف العطف ، والدليل على ذلك أنها لا توجب إلا الاشتراك بين الشيئين فقط في
حكم واحد ، وسائر حروف العطف توجب زيادة حكم على هذا ، ألا ترى أن (الفاء) توجب
الترتيب ، و (أو) للشك ، و (بل) للإضراب ، فلما كانت في هذه الحروف زيادة معنى على
حكم العطف صارت في المعنى كالمركبة ، والواو مفردة فصارت كالبسيط ، والمركب بعد
المفرد البسيط ، فلهذا صارت الواو أصلا.
__________________
واعلم أن (إمّا)
/ في العطف أصلها (إن ما) فأدغمت النون في الميم ، والدليل على أن الأصل ما ذكرناه
قول الشاعر :
لقد كذبتك
نفسك فاصرفنها
|
|
فإن جزعا وإن
إجمال صبر
|
أراد (إما)
والدليل على ذلك أنه لم يأت ل (إن) بجواب بعد البيت ولا قبله ، وذلك أن الفاء إذا دخلت على حرف
الشرط لم يجز أن يكون ما قبلها جوابا لها كقولك : أنا أحبك فإن أتيتني ، ولو أسقطت
الفاء صار ما قبلها جوابا فدلّ على ما ذكرناه أن البيت لا يحتمل إلا معنى (إما)
وإذا كان كذلك صح أن أصلها من (إن) و (ما).
فإن قال قائل :
(إما) هذه التي تكون للشك هي التي تكون للجزاء أو غيرها؟
قيل له : هي هي
إلا أنها في الشك يلزم تكريرها ، وإنما انتقلت للجزاء ؛ لأن الشرط يجوز أن يكون
ويجوز ألّا يكون ، ومعنى (إمّا) في العطف إيجاب أحد الشيئين ، لما تضارعا من هذا
الوجه أدخلت في العطف ، أعني التي للجزاء مع (ما).
واعلم أن (إما)
في العطف إذا تكررت فإن العاطفة منها الثانية لا الأولى ، وإنما أدخلت الأولى
لوجهين :
__________________
أحدهما : أن
يكون الابتداء بالشك أو التخيير ، وإنما احتاجوا إلى ذلك لئلا يتوهم أن ما قبل (إما)
منقطع مما بعدها ؛ لأنه قد يستأنف بعدها الكلام ، فأدخلوا (ما) في الكلام ليعادلوا
بين الاسمين إن شاء الله .
وأما (بل)
فتستعمل على ضربين :
أحدهما : بعد
النفي ، والآخر : بعد الإيجاب.
وإذا استعملت
بعد النفي كان خبرا بعد خبر والثاني موجب والأول منفي ، كقولك : ما جاء زيد بل
عمرو.
وإن استعملت
بعد الواجب فما قبلها يذكر على وجهين :
إما على طريق
الغلط ، وإما على طريق النسيان ، كقولك : جاء زيد بل عمرو ، وإنما صار الأول غلطا
أو نسيانا ؛ لأنك أثبت للذي أتيت به بعد الأول المجيء ، وأضربت به عن الأول فعلم
أنه مرجوع فيه ، وما جاء في القرآن من كلام الله تعالى و (بل) مستعملة فيه بعد
إيجاب ، فهو على تقدير خبر واجب ؛ لأن الله عزوجل لا يجوز عليه الغلط والنسيان ، فلهذا قدرناها على ما ذكرناه.
وأما (لكن)
فإنها إذا استعملت بعد النفي جرت مجرى (بل) بعد النفي ، وإذا استعملت بعد الإيجاب
لم يجز أن يقع بعدها إلا جملة مضادة للجملة التي قبلها كقولك : جاءني زيد لكن عمرو
لم يجئ ، وإنما لم يجز أن تقول : جاءني زيد لكن عمرو ، وتسكت ؛ لأن ذلك يوجب الغلط
لما ذكرناه فقد استغني في ذلك ب (بل) إذ لا تحتاج العرب أن تكثر الحروف الموجبة
للغلط ، فإذا كان كذلك وجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها ليكونا خبرين
مختلفين.
__________________
باب الصفة
اعلم أن الأصل
ألا توصف المعارف لأنها وضعت في أول أحوالها تدل على شخص بعينه لا يشاركه فيه غيره
وذلك أنهم سموا الشخص زيدا ، على تقدير أنه ليس في العالم بمسمى زيد سواه ثم
التسمية للآخر على هذه النية ، فلما كانت الأشخاص أكثر من الأسماء اشترك في الاسم
الواحد جماعة ، فإذا قال القائل : جاءني زيد ، فخاف ألا يعرف المخاطب زيدا الذي
يعنيه لاشتراك جماعة فيه بيّنه بالنعت فصارت / نعوت المعارف دواخل عليها إذ أشبهت
النكرة من هذا الوجه.
وأما النكرة
فالأصل فيها أن تنعت ؛ لأن الغرض في النعت تخصيص المنعوت ، فلما كانت النكرات
مجهولة احتاجت إلى التخصص ، وإنما صار الاسم العلم معرفة ؛ لأنه وضع دلالة على شخص
واحد بعينه من بين سائر أمته فلهذا صار معرفة.
وأما ما فيه
الألف واللام فإنّما يذكر لمعهود قد عرفه المخاطب فيذكره بدخولهما هذا الشخص
الذي قد عهده ، فلما كانت تدل على شخص بعينه صار الاسم بها معرفة.
وأما المضمر
فإنما صار معرفة لأنك لا تضمر الاسم حتى تعرفه فصار المضمر يدل على شخص بعينه
وأما المبهم
فإنما صار معرفة بالإشارة التي فيه فصارت الإشارة إذ كان يقصد بها شخص بعينه تجري
مجرى ما فيه الألف واللام ، وأما النكرة فحدها أن يكون الاسم واقعا على اثنين
فصاعدا يشتركان في التسمية ، ألا ترى أن قولهم : رجل ، يدل على من كان له بنية
مخصوصة بهذا الاسم ، وليس كذلك الأسماء الأعلام
__________________
لأنها وضعت للدلالة على معنى يخص الاسم ، ألا ترى أن أنقص البرية قد يجوز
أن يسمى بزيد ، وزيد مأخوذ من الزيادة ، فعلمت لما ذكرنا.
واعلم أن حق
النعت أن يكون تعريفه أنقص تعريفا من المنعوت ، ولا يجوز أن تنعت الاسم بالأخص ،
وإنما وجب ما ذكرنا لأن المخاطب إذا كان قصده تعريف مخاطبه وجب أن يذكر له أخص
الأسماء التي يعرفها المخاطب في الشخص حتى يستغني بها عن التطويل بالنعت ، وإذا
ذكر أخصها لم يخل المخاطب من أن يعرفه أولا يعرفه ، فإن عرفه لم يحتج إلى زيادة بيان ، وإن أشكل
عليه بيّن بأخص صفة فيه ، حتى يعرفه المخاطب إذ كان اجتماع الأوصاف في شخص واحد لا
يكاد يشاركه فيها إلا اليسير ، فلهذا تعرف لكثرة الوصف ، فإذا ثبت ما ذكرناه جاز
أن ينعت الاسم العلم بثلاثة أشياء : أحدها : ما فيه الألف واللام ، والثاني المبهم
، والثالث المضاف إلى المعرفة ، وإنما صار الاسم العلم أخص من هذه الأشياء ؛ لأنه
وضع في أول أحواله عليه وصفا واحدا من بين سائر الأشخاص ، وليس كذلك ما فيه الألف
واللام ، لأن الألف واللام توجب على المخاطب تذكر العهود ، والاسم العلم تذكره إذ
كان موضوعا لا يشاركه في هذا الاسم غيره ، والعهد قد يقع في أشياء مختلفة ، فلما
كانت الألف واللام توجب ما ذكرنا من التذكر حتى يعرف الشخص بعينه صار أنقص رتبة
مما لا يحتاج إلى تذكرة.
وأما المبهم
فليس موضوعا لشيء بعينه ، ألا ترى أن الإشارة لا تختص بزيد دون عمرو ، فلما احتاج
المشير إلى الشخص أن يميز بين الشخصين حتى يعرف المشار إليه بعينه صار هذا الحكم
أنقص رتبة من الأعلام ؛ لأنه يعرف بغيره فصار تعريفه فرعا ، فلذلك صار أنقص من
الأعلام مرتبة. وأما المضمر فإنه لا يجوز نعته لأنك لا تضمر حتى يعرفه المخاطب.
__________________
وأما ما فيه
الألف واللام فلا يجوز أن ينعت بالأسماء المبهمة ، لو قلت : مررت بالرجل هذا ،
وأنت تجعل / (هذا) نعتا للرجل لم يجز ؛ لأن المبهم أخص مما فيه الألف واللام ،
والدليل على ذلك أن تعريف ما فيه الألف واللام يتعلق بالقلب والعين جميعا ، فصار
ما فيه تعريفان أقوى مما فيه تعريف واحد ، ولذلك جاز أن تنعت المبهم بما فيه الألف
واللام ولم [يجز] أن ينعت ما فيه الألف واللام بالمضاف إلى الأعلام
والمضمرات ، لأن العلم المضاف أكثر تعريفا مما فيه الألف واللام لما بيناه ،
والمضاف يكتسب تعريفا من المضاف إليه فيصير المضاف إلى العلم والمضمر كأن فيه
تعريفهما ، فلذلك لم يجز أن يكون نعتا لما فيه الألف واللام.
وأما المبهمات
فإنما أصلها أن تنعت بأسماء الأجناس ؛ لأن الإشارة تقع أولا إلى ذات الشخص فينبغي
إذا أشكل أمر الإشارة أن يبين بما تقتضيه الإشارة وهو اسم ، وإذا ذكرت الجنس فما
أشكل بعد ذلك ذكرت الصفة المشتقة من الأفعال كقولك : يا هذا الرجل الظريف ، وقد
يجوز أن تقول : مررت بهذا الظريف على وجهين : أحدهما : أن تجعل الظريف عطف بيان
بهذا ، والثاني : أن تقيم الصفة مقام الموصوف ، ولا يجوز أن تنعت المبهمات بالمضاف
الذي فيه الألف واللام ؛ لأن الإشارة تطلب العهد من الألف واللام ، ولذلك صارت
المبهمات مع نعوتها كالشيء الواحد ، ولا يجوز الفصل بينها لما أحدثت في نعتها من
المعنى وهو إبطال العهد ، والدليل على ذلك أنك تقول : جاءني هذا الرجل ، من غير
تقدمة ذكر ، ولو قلت : جاءني الرجل ولم يتقدم عهد بينك وبين المخاطب فيه لم يجز
فبان أن الألف واللام تسقط منها حكم العهد بالإشارة ، ولو جاز أن تنعت المبهمات
بالمضاف إلى الألف واللام لصار المضاف معرفة بهما وصار في حكم المعهود ،
__________________
ولأجل تقدم الإشارة يجب أن يكون المشار إليه غير معهود ، لأنه لا يجوز اسم
في حال واحدة معهودا وهو غير معهود .
واعلم أنه في
الأسماء أسماء تضاف إلى المعرفة ولا تكون معرفة لمعان تدخل فيها فمن ذلك : شبهك
ومثلك ، لم يتعرفا بالإضافة ؛ لأن المماثلة تكون من جهات وإنما تقيد المخاطب أنه
مثله ، وليس يعلم من أي وجه يماثله ، فلذلك لم يتعرف إلا [أن] يكون شخصان ، وقد اشتهرا في الشبه بين الناس ، فيكون
على هذا الوجه معرفة ، فنقول : مررت برجل مثلك وشبهك ، المعروف بشبهك ، فلذلك تعرف
على هذا الوجه.
وأما حسبك
بمعنى حسب الاكتفاء وهو مبهم ، فلذلك لم يتعرف.
وأما شبيهك فلا
يكون إلا معرفة ، لأنه من أبنية المبالغة ؛ فصارت المبالغة فيه تؤدي عن شبه
المعروف فلذلك تعرف.
وأما غيرك فلا
يكون إلا نكرة ؛ لأن معناه عند المخاطب مجهول فلذلك لم يقع معرفة.
وأما باب حسن
الوجه ، فالأصل فيه أن يستعمل في غير المتعدية نحو : ظريف وحسن وكريم وما أشبه ذلك
فتقول : مررت برجل حسن وجهه ، فحسن نعت للرجل ، والهاء في وجهه ترجع إلى الرجل ،
والوجه فاعل للحسن فإن ثنيت الأول / أو جمعته أو أنثته لم تغير لفظ حسن ؛ لأن
الوجه مذكر ، والفعل إنما يؤنث إذا
__________________
كان فاعله مؤنثا ، فلما كان فاعل الحسن مذكرا ليست فيه علامة التأنيث ولم
يثن ولم يجمع لظهور فاعله ، فإن نقلت الضمير من الوجه إلى حسن صار الفعل للضمير
ووجب أن تعتبر حال الضمير ، فإن كان مذكرا ذكرت فعله ، وإن كان مؤنثا لحقته علامة
التأنيث ولم يعتد بالوجه ، وتثنيته وجمعه بحصول الضمير فيه ، فإذا استقر ما ذكرناه
فبقي الوجه يحتاج إلى إعراب. وليس يجوز أن يبقى مرفوعا ؛ لأنه لا يكون لفعل واحد
فاعلان فسقط رفعه ولم يبق له من الإعراب إلا النصب ، والجر أولى به ؛ لأن هذه
الصفة ليست بمعنى فعل متعد فيستحق ما بعدها النصب فوجب أن يجري مجرى غلام زيد ،
إلا أنك لما نقلت الضمير من الوجه اختارت العرب أن تعوض منهما الألف واللام ؛ لأن
الألف واللام هما بمعنى الضمير لأنهما يعرفان ما دخلا عليه كما يعرف الضمير ، ومع
ذلك فإن الألف واللام لما كانت للعهد والمعهود غائب جرتا مجرى الضمير ، إذ كان
للغائب أعني الضمير فلذلك كانتا بالعوض أولى من سائر الحروف فتقول على هذا : مررت
برجل حسن الوجه ، وبامرأة حسنة الوجه ، وقد يجوز أن تنون الصفة وتنصب الوجه تشبيها
بضارب ، وإنما جاز أن يحمل عليه لاشتراكهما في الصفة وأنهما اسما فاعلين ،
والتثنية والتأنيث يلحقهما فجريا مجرى شيء واحد ، فجاز أن يحمل أحدهما على الآخر ،
فتقول : مررت برجل حسن الوجه ، ويجوز ألّا تعوض من الضمير ؛ لأنه قد علم أن الوجه
للأول إذ كانت هذه الصفة ليست متعدية وكان إسقاطها أخف عليهم ، فإذا أسقطت الألف
واللام جاز لك وجهان : الجر والنصب ، فالجر على الأصل ، والنصب على التشبيه
بالمفعول.
ويجوز أن تدخل
الألف واللام على الصفة لأنها لم تتعرف بما أضيف إليها وإن كان معرفة ، وإنما لم
تتعرف به ؛ لأن المجرور فاعل في المعنى ، والفاعل لا يعرفه فعله ، فلما كانت
إضافته لا يتعرف بها ، وكان حقه من جهة اللفظ أن يعرف
لعلّة ، فلما منع ما يكون في نظيره جوّزوا فيه جمع الألف واللام والإضافة ،
فتقول مررت بزيد الحسن الوجه ، ويجوز أن تنصب الوجه على التشبيه بالمفعول ، وإن أسقطت
من الوجه الألف واللام لم يكن إلا منصوبا ؛ لأن إضافته كانت على أصلها إذ كان شرط
النكرة إذا أضيفت إلى معرفة أن تتعرف ، فلما جرى في بابه مجرى إضافة النكرة إلى
المعرفة التي تعرف المضاف ، وكانت الألف مع هذه الإضافة لا يجتمعان أيضا [لم يجز] أن يجتمع الألف واللام مع الإضافة إلى النكرة.
واعلم أن
الفاعل في هذا الباب إذا كان مضافا إلى سبب الموصوف جاز فيه هذه الثمانية الأوجه كقولك : زيد حسن وجه أخيه ، وزيد حسن وجه الأخ ، وزيد
حسن وجه الأخ ، وزيد حسن وجه أخ ، وزيد الحسن الوجه الأخ / وزيد الحسن وجه الأخ . واعلم أن الفائدة في هذا النقل اختصار الكلام
والمبالغة في مدح الأول ، وذلك أنك إذا نقلت الضمير خف اللفظ بالنقل لاستتار
الضمير في الفعل ، وصارت الصفة في اللفظ الأول ولذلك صار مدحها.
__________________
باب التوكيد
اعلم أن الغرض
في البدل خلاف الغرض في النعت ، وذلك أن النعت إنما يؤثر به بيانا للمنعوت فيصير
في التقدير كجزء من المنعوت ، وأما البدل فالغرض فيه أن يجمع المخاطب البدل والمبدل
منه على أنه قد يجوز أن يفهم بالمبدل منه وحده ، وقد يجوز أن يفهم بهما جميعا
كقولك : مررت بأخيك زيد ، فالمخاطب يجوز أن يعرف زيدا باسمه أو بأنه أخ للمخاطب أو
بمجموعهما ، فهذا الفصل بين البدل والنعت ، وأما التوكيد فالغرض إثبات
الخبر عن المخبر عنه وذلك أنك إذا قلت : جاءني زيد نفسه ، أخبرت أن الذي تولى
المجيء هو بعينه ، فلذلك دخل التوكيد في الكلام ولهذه العلّة لم يجز أن تؤكد
النكرة ؛ لأنه ليس لها عين ثابتة كالمعارف ، فلم يحتج إلى إثباتها إذ كانت لا تثبت
بالتوكيد فلهذا أسقط التوكيد عنها.
ولما كانت
المضمرات معارف جاز توكيدها ؛ لأن أعيانها ثابتة إلا أن يكون المضمر مجهولا فلا
يجوز توكيده كالمضمر بعد رب نحو قولك : ربه رجلا ، وكالمضمر بعد نعم وبئس ، وما
أشبه ذلك.
واعلم أن
الأسماء التي يؤكد بها لها مراتب ، فالنفس والعين يجب تقديمهما على كل حال ، وإنما كانا بالتقديم أولى لأنهما قد يستعملان غير
مؤكّدين كقولك : نزلت بنفس الجبل ، ورأيت عين زيد ، فلما كانا يستعملان مفردين
لغير معنى التوكيد ، وكان (كلا) و (أجمعون) لا يجوز أن يستعملا إلا تابعين أو في
تقدير التابع وجب أن يقدم ما يقوم بنفسه على التابع ، وأما تقديم (كل) على أجمعين
فإنما ذلك ؛ لأن (كلا) قد تستعمل مبتدأة كقولهم : كلهم منطلقون ، ولا يجوز أن تقول
: أجمعون منطلقون ، فلما كانت كل قد تستعمل مبتدأة ، وليس قبلها ما
__________________
يتبعها وكانت أجمعون لا تستعمل إلا تابعة فوجب أن يتقدم الأقوى
أعني (كلا) وأما أجمعون فيتقدم على أكتعين ، وأفصعين ، وإنما وجب تقديمها عليها
لأنها ليست بمشتقة اشتقاقا بيّنا وأجمعون مأخوذة من الاجتماع المعروف فلما قوي
معنى أجمعين لأنها مشتقة تقدمت أكتعين وإن كان يجوز في أكتعين أن يشتق عن قولهم
مرّ عليه حول كتيع ، أي تامّ ، فإن تركت أجمعين فقلت : مررت بالقوم أكتعين ، أو أتبعين
، أو أفصعين ، أو جمعت بينهما من غير أن تذكر أجمعين لم يجز فزاد هذا الإتباعات من
غير أن يتقدمها أجمعون ، فإن قدمتها جاز أن تذكر ما شئت بعدها من التوابع ، وإن
شئت قدمت بعضها على بعض لأنها متساوية في هذا الحكم فلذلك اتفقت أحكامها في ما
ذكرناه / وحكم المؤنث في هذا كحكم المذكر.
فإن قال قائل :
قد علمنا أن كلهم وأنفسهم يتعرفان بالإضافة ، فمن أين زعمت أن أجمعين معرفة؟
قيل له : لأن
جمعه أقيم مقام الإضافة أي مقام إضافته إلى ما يعرّفه إذ كان الأصل أن تقول : مررت
بالقوم أجمعهم فحذف لفظ الضمير وأقيم الجمع بالواو والنون مقامه.
فإن قال قائل :
فلم كرهوا مررت بالقوم أجمعهم؟
قيل له : لأن
أجمع على وزن أفعل ومن شرط أفعل إذا أضيف إلى الشيء أن يكون بعضه.
فلو قالوا :
مررت بالقوم أجمعهم ، لتوهموا أن القوم بعض الهاء والميم ، وإنما
__________________
غرضهم أن يخبروا عن جميع القوم ، فلذلك عدلوا عن إضافته في اللفظ وأتوا
بالواو والنون ليدلو بذلك على استغراق المذكورين.
فأما (كلا) فهي
عند البصريين اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما ، وأما الفراء فيقول هو مثنى وهو مأخوذ من كل فخففت اللام
وزيدت الألف للتثنية ويحتج بقول الشاعر :
في كلت
رجليها سلامى واحده
|
|
كلتاهما
مقرونة بزائده
|
فأفرد (كلا)
وهذا القول ليس بشيء وذلك أنه لو كان مثنى لوجب أن تنقلب ألفه في الجر والنصب ياء
مع الاسم المظهر ، فلما وجدناه بالألف في جميع الإعراب علمنا أن ألفه ليست للتثنية
ومن جهة المعنى فإن معنى (كلا) مخالفة المعنى (كل) ؛ لأن (كلا) للإحاطة و (كلا) تدل على شيء مخصوص فعلمنا أيضا في المعنى أنه ليس
أحدهما مأخوذا من الآخر وإنما حذف الشاعر الألف من كلتا للضرورة وقدر أنها زائدة وما يكون ضرورة لا يجوز أن
يجعل حجة.
__________________
فإن قال قائل :
فلم صار (كلا) بالياء في النصب والجر مع المضمر ، ولزمت الألف مع المظهر وكذلك هي
في الرفع مع المضمر بالألف؟
قيل له : إن
حقها أن تكون بالألف في جميع الجهات كما أن (عصا) لا تختلف ألفه إذا اتصلت بمضمر
أو مظهر إلا أن (كلا) لما كانت لا تنفك عن الإضافة شبهت ب (على) و (إلى) فجعلت مع
المضمر في النصب والجر بالياء لأن (على) لا تقع إلا منصوبة أو مجرورة ولا تستعمل
مرفوعة فبقيت (كلا) في الرفع على أصلها مع المضمر لأنها لم تشبه (على) في هذه
الحال.
فأما (كلتا)
التي للمؤنث فبين أصحابنا فيها اختلاف.
أما سيبويه
فيقول : ألفها للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهي واو ، الأصل (كلوا) ، وإنما أبدلت تاء ؛ لأن في
التاء علم التأنيث والألف في كلتا نظير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث فصار
إبدال الواو تاء تأكيدا للتأنيث فلهذا أبدلوها ، وأما الجرمي فكان يقول وزنها فعيل
والتاء ملحقة والألف لام الفعل ، وقول سيبويه أقوى ؛ لأن التاء في
كلتا لو كانت للإلحاق المحض وليس فيها من حكم التأنيث ما ذكرناه لوجب أن تثبت في
النسبة فيقال : كلتوي ، فلما أجمعوا على إسقاطها في النسبة دل ذلك على أنهم قد
أجروها مجرى التاء في أخت.
باب التمييز
اعلم أن
التمييز إنما وجب أن ينصب على التشبيه بالمفعول ؛ لأن ما قبله تقدير الفاعل على
طريق / التشبيه ، وذلك أنك إذا قلت عندي عشرون درهما ، فالنون
__________________
منعت الدرهم من الجر كما منع الفاعل رفع المفعول فصارت النون كالفاعل وصار
التمييز كالمفعول ، وكذلك قولهم : خمسة عشر درهما ، وإنما انتصب الدرهم ؛ لأن
التنوين فيه مقدر ، وإنما حذف لأجل البناء كما يحذف لمنع الصرف ، وكل تنوين حذف
للإضافة وللألف واللام فحكمه مراد ؛ لأنه لم يدخل على الكلمة ما يعاقبه ، فلذلك
وجب النصب ، وكذلك إذا قلت لي مثله وزنا ، فالهاء منعت الوزن من الجر فصارت الهاء
كالفاعل فلذلك انتصب الوزن.
واعلم أنه لا
يجوز أن تقدم شيئا من التمييز على ما قبله ؛ لأن العامل فيه ضعيف ؛ لأنه ليس بفعل
متصرف والمنصوب به مفعول في الحقيقة ، فلذلك ضعف تقديمه.
وأما قولهم :
هو يتصبب عرقا ويتفقّأ شحما ، ففيه خلاف ، أما سيبويه فكان لا يرى التقديم في هذا الباب وإن كان العامل فيه فعلا ، وأما المازني
فكان يجيز تقديم التمييز إذا كان العامل فيه فعلا ويشبهه بالحال.
فأما حجة
سيبويه في امتناعه من ذلك ؛ فإن التمييز في هذه الأفعال فاعل في الحقيقة ، وذلك أنك إذا قلت : تصببت عرقا ، فالفاعل للعرق في
المعنى ، ولكنه نقل عنه إلى الشخص فلما كان فاعلا في المعنى وكان الفاعل في الأصل
لا يجوز تقديمه إلا على نية التأخير كذلك أيضا لا يجوز أن يقدم هذا إذ كان فاعلا.
__________________
فإن قال قائل :
قد جاء في الشعر قوله :
أتهجر ليلى
للفراق حبيبها
|
|
وما كان نفسا
بالفراق تطيب؟
|
فالجواب في ذلك
أن النفس منصوبة بإضمار فعل على طريق التبيين كأنه قال : وما كان يطيب بالفراق ،
ثم قال : نفسا ، فإذا أمكن أن يكون منصوبا بأعني لا بيطيب لم يكن لمن احتج به حجة
على سيبويه.
فإن قال قائل :
فلم نقلت هذه الأسماء عن كونها فاعلة ولم تستعمل على أصلها؟
قيل له :
الفائدة في ذلك أنهم أرادوا أن يجعلوا الفعل للجثة ويجعلوا هذه الأسماء تبيينا ،
لأن الجثة توصف بذلك فقد يمكن أن يكون المتصبب منها العرق وغيره ، فإذا جعلوا
الفعل للجثة جاز أن يتصل بها جميع ما يتعلق بها ، ولو جعل الفعل للعرق فقالوا :
تصبب عرق زيد ، ويتصبب ماء زيد لم يكن فيه دلالة على ذلك متصلة فلذلك تغير الفعل على فاعله لهذا المعنى فاعرفه.
باب الاستثناء
إن قال قائل :
لم وجب أن ينصب المستثنى من الموجب نحو : جاءني القوم إلا زيدا ، ولم يجز البدل
منه كما جاز في النفي نحو ما جاءني أحد إلا زيد؟
فالجواب في ذلك
أن البدل مستحيل وذلك أن المبدل منه يجوز أن يقدر كأنه
__________________
ليس في الكلام ، وإذا قدرنا الكلام على هذا صار اللفظ : جاءني إلا زيد ،
لأنه لا يوجب مجيء العالم بأجمعهم إليه سوى زيد ، وليس يستحيل هذا في النفي لأنك
إذا قلت : ما جاءني أحد إلا زيد ، فالكلام صحيح ؛ لأنه يجوز أن ينفي مجيء العالم
سوى مجيء زيد ، فلذلك لم يجز البدل في الإيجاب.
فإن قال قائل :
/ فلم صار البدل في النفي أجود من النصب على الاستثناء؟
ففي ذلك جوابان
:
أحدهما : أن
البدل مطابق للفظ ما قبله ومعناه ، ومعنى الاستثناء سواء ، فلما كان المعنى واحدا
كانت مطابقة اللفظ أولى من اختلاف يوجب تغيير حكم ، فلذلك كان البدل أجود.
والوجه الثاني
: أن البدل يجري في تعلق العامل به كمجراه في سائر الكلام ، ويحمل فيه من غير
تشبيه بغيره ، والمنصوب على الاستثناء يشبه بالمفعول به فكان ما يجري على الأصل أقوى من المشبه.
فإن قال قائل :
فهلا جعلتم (إلا) هي العاملة في الاستثناء دون التشبيه بالمفعول؟
فالجواب في ذلك
أن (إلا) لو كانت عاملة ما جاز أن يقع بعدها مختلفا ، فلما وجدنا ما بعدها مختلفا
منصوبا ومخفوضا ومرفوعا ومعناها قائم علمنا أنها ليست بعاملة ويدل ذلك أيضا أنّا
لو وضعنا في موضعها (غير) لا تنصب (غير) كقولك :
__________________
جاءني القوم غير زيد ، فلما انتصب غير زيد وناب عن إلا علمنا أن الناصب هو الفعل المتقدم إذ كان الشيء لا يعمل
في نفسه فصح أن المنصوب في الاستثناء إنما عمل فيه فعل متقدم لا (إلا) وإنما كان
النصب الوجه فيما ليس من جنس الأول ؛ لأنه متى حمل عليه في البدل وجب أن يحمل
الكلام على المجاز ، ويقدر الاسم الأول كأنه من جنس الثاني إذ شرط البدل أن يكون
هو المبدل أو بعضه ، فلما كان حمل ما ليس من جنس الأول على الثاني يحتاج إلى تأويل
كان النصب الوجه ؛ لأنه لا يحتاج إلى تأويل.
الحروف التي يجر بها في حروف الاستثناء
اعلم أن حاشا
عند سيبويه حرف وعند أبي العباس المبرد فعل ، ويجوز أن يكون حرفا وفعلا.
فأما حجة
سيبويه أنها لا تكون إلا حرفا فإجماع النحويين على أنها لا تكون صلة ل (ما) مع كونها متصرفة
عندهم دلّ ذلك على أنها ليست بفعل ، واحتج أبو العباس في كونها فعلا بأشياء أحدها
قول النابغة :
...
|
|
ولا أحاشي من
الأقوام من أحد
|
__________________
فلما تصرفت على
أنها فعل ، ومنها أنه قال : وجدنا الحذف يدخلها كقولك : حاشا لزيد ، والحذف إنما
يقع في الأفعال والأسماء دون الحروف.
ومنها أنه قال
: لو كانت حرفا لما جاز أن يتصل بها لام الجر إذ كان حرف الجر لا يدخل على حرف جر ، وجميع ما ذكره أبو العباس يمكن تأويله ، فإذا أمكن تأويله كان
ما حكى سيبويه أولى ، لأن ذلك متعلق بالحكاية عن العرب ، فلذلك صار قول سيبويه
أقوى.
وأما قول
النابغة وإنما اشتق من حاشا كما يقول القائل : قد حوقل الرجل وبسمل إذا قال لا
حول ولا قوة إلا بالله ، وبسم الله ، فكذلك تقدير قول النابغة ، أي هذا المعنى الذي في (حاشا) لا يمتنع قوله
لجميع الناس فإذا أعمل ذلك لم يكن في البيت حجة ، فأما الحذف الذي ذكره فقد يوجد
في الحرف مثله نحو (رب) و (من) فيجوز أيضا أن يحذف من (حاشا) لكثرة استعمالهم
إياها ولاتصال الكلام بها ، وأما الجمع بينها وبين اللام فتقدير ذلك / أن تكون اللام
التي للجر متعلقة بفعل آخر أو تكون زائدة فإذا كانت زائدة فلا شبهة في الكلام ،
وإذا كانت متعلقة بفعل فالتقدير في قولك : ضربت القوم حاشا لزيد ، لأنك لما قلت
حاشا أردت أن تبين من المميز فقلت لزيد أي أعني.
فإن قال قائل :
كيف يتبين كلام غير تام ، وإنما يتبين الكلام إذا تممه المتكلم ولم يفهمه المخاطب
فحينئذ يجب البيان؟
قيل : قد حكى
سيبويه مثل هذه المسألة فقال : إنه المسكين أحمق وقال هذا
__________________
على طريق التبين يعني هو المسكين فإذا كان قد بين بهو وخبر إن لم يحصل ؛ لأنه قوله أحمق
فجاز مثل هذا على هذا إن شاء الله.
فلا خلاف في
كونها فعلا وحرفا وإذا كانت فعلا نصبت ما بعدها ؛ لأن فيها ضمير الفاعل ، لأن
الفعل لا يخلو من فاعل ، فلما استغنى الفعل بفاعله صار المستثنى فضلة كالمفعول
فلذلك انتصب. فإذا قدرت (خلا) حرفا خافضا خفضت ما بعدها ونظير (خلا) (عدا) لأنها
قد تكون حرفا وفعلا فإذا أدخلت (ما) على (خلا) لم يجز أن تكون إلا فعلا ؛ لأن (ما) إنما توصل بالفعل إذا كانت مصدرا لأنها تصير
مع الفعل مصدرا ولا يجوز أن توصل بالحروف فلذلك وجب أن تكون (خلا) مع (ما) فعلا
غير حرف ، فإذا كانت فعلا وجب النصب فيما بعدها.
فإن قال قائل :
فما وضع (ما) مع (خلا)؟
فالجواب في ذلك
أن يكون نصبا ؛ لأنه اسم جاء بعد استغناء الفعل بفاعله ، فلذلك وجب أن يكون موضعه نصبا ، وأما (غير) فهي اسم وتقع في الاستثناء موقع (إلا)
فإن كان الاسم الذي قبلها مرفوعا منفيا رفعتها وكذلك إن كان مخفوضا خفضتها ، وإنما
وجب ما ذكرنا ؛ لأن (غير) عاملة فإذا حلت محل إلا وجب أن يخفض المستثنى على جميع
الوجوه ولا بد ل (غير) من إعراب فنقل إعراب المستثنى إليه ليدل ذلك على أنها قامت
مقام حرف الاستثناء. وأما (سواء) الممدودة فيجب أن تكون منصوبة بالفعل الذي قبلها
على جميع الجهات
__________________
لأنها ظرف غير متمكن فلم يجز أن ينقل إليها الإعراب مما بعدها فترفع وتخفض
؛ لأن ذلك يؤدي إلى تمكنها وهي غير متمكنة فلذلك لزمت وجها واحدا وحكم المقصورة
كحكم الممدودة وإن لم يظهر فيها الإعراب.
واعلم أن
الجرمي ترجم باب الاستثناء بالحروف على طريق المسامحة إذ كان أصل الباب (إلا)
فلذلك غلب حكم الترجمة للحروف.
فإن قال قائل :
لأي شيء كان أصل الاستثناء بإلا؟
قيل له : لأنه
لا يخرج عن معناه ولا يفيد غيره وأما سواها مما يستثنى به فتخرج عن الاستثناء
لمعان تدخله ، فصار في الحكم زائدا على حكم (إلا) ، فوجب أن يكون فرعا في الباب إذ
زاد حكمه على ما يقتضيه حكم الباب ، وكانت إلا مختصة بما يقتضيه الباب فلذلك وجب
أن تكون أصلا في الباب ، وإنما استثني بجميع ما ذكرنا على طريق التشبيه ب (إلا) ،
فأما (غير) فإنما دخلت في الاستثناء لأنها توجب إخراج المضاف / إليها من الحكم المتقدم قبلها كقولك : مررت
برجل غيرك ، فمعناه أي اقتطعت بمروري آخر من الناس كلهم والاستثناء إنما هو اقتطاع
شيء من شيء ، فلما ضارعت غير معنى الاستثناء أدخلت فيه.
حكم (سوى) و (سوى)
كحكم (غير) لتقارب ما بينهما من المعنى.
فأما (حاشا)
فمعناها تنزيه المذكور بعدها عما حصل لغيره فصارت منقطعة له من غيره فلذلك دخلت في
الاستثناء.
فأما (خلا) و (عدا)
فمعناهما المجاوزة ، والمجاوزة للشيء فيها معنى الانقطاع لمن جاوزته دون غيره ،
فلذلك أدخلها في الاستثناء.
فأما (ليس) و (لا
يكون) فاستعملتا أيضا في الاستثناء ، لأن النفي يوجب
__________________
إخراج المنفي من حكم غير النفي فإن ثبت له معنى آخر فصار فيها معنى
الانقطاع فدخلا في حكم الاستثناء فإنما خصا بهذا من بين سائر الأفعال ؛ لأن (ليس) تضمنت معنى النفي فلو
استعمل غيرها احتيج إلى حرف آخر معها ، فلما تضمنت معنى حرف النفي كانت أولى
بالاستعمال لنيابتها عن فعل وحرف ، إذ هي بتضمنها معنى الحرف تشبه ب (إلا) وأما (إلا
أن يكون) فاستعملت لكثرة دوران (أن) و (يكون) في الكلام.
واعلم أن (ليس)
و (لا يكون) معناهما في الاستثناء معنى الإيجاب لأنهما أقيما مقام (إلا) للإيجاب
فلذلك لم يكونا للنفي فإذا قلت : أتاني القوم ليس زيدا ، فهو بمعنى قولك : أتاني
القوم إلا زيدا ، وإنما استويا في هذا الحكم ؛ لأن (إلا) تخرج ما بعدها من حكم ما
قبلها كما أن النفي له هذا الحكم فلهذا استويا.
واعلم أن (ليس)
و (لا يكون) إذا أريد بهما الاستثناء يقدر فيهما ضمير اسمهما ولا يثنى ذلك الضمير
ولا يجمع ولا يؤنث وإن كان ما قبله مؤنثا كقولك : جاءني النسوة ليس فلانة ، وتقدير
المضمر : ليس بعضهم فلانة ، وكذلك : لا يكون بعضهم فلانة ، وإنما قدر الضمير
بتقدير البعض ؛ لأن البعض ينتظم الواحد فما فوقه وهو مذكر في اللفظ وإن كان مضافا
إلى مؤنث فلذلك لزما وجها واحدا ، وإنما وجب ذلك لأنهما قاما مقام الحرف أعني (إلا)
وكانت (إلا) لا يختلف لفظها في جميع الوجوه وجب أيضا أن يكون ما قام مقامها على
لفظ واحد فيجري مجراها ، ويدل استعماله على هذا الوجه أنه خارج عن أصله وملحق بحكم
غيره.
أما إذا جعلت (ليس)
و (لا يكون) صفات لما قبلها ولم تجعلها استثناء ثنيت وجمعت وأنثت فقلت : أتتني
امرأة ليست فلانة ، وعلى هذا فقس ، وهذا الذي ذكرناه ينتظم في جميع هذا الباب إن
شاء الله.
__________________
باب كم
إن قال قائل :
لم وجب أن تبنى كم ؟
قيل له : إنما
وجب بناؤها على الخبر لأنها نقيضة (ربّ) و (ربّ) معرب فوجب أن تجري نقيضتها مجراها
إذ كان قد دخلها معنى الحرف ، ووجب بناؤها في الاستفهام لتضمنها معنى حرف
الاستفهام ، فقد استحق البناء لما ذكرناه في الوجهين.
وإنما وجب أن
تبنى على السكون ليكون بينه وبين حاله حال تمكن فصل ، وإنما وجب / أن يخفض بها في
الخبر وينصب بها في الاستفهام لوجهين :
أحدهما : أنها
في الخبر نقيضة (ربّ) ، فكما وجب الخفض (بربّ) وجب الخفض بنقيضتها.
والوجه الثاني
: أن (كم) في الخبر للكثرة وفي الاستفهام يقع الجواب عنها بالقليل والكثير من
الأعداد ؛ لأن المستفهم لا يدري قدر ما يستفهم عنه ألا ترى أنك إذا قلت : كم رجلا
أتاك؟ جاز أن يقول : ثلاثة ، أو مئة ، لاحتمال الأمرين جميعا ، فلما كانت (كم) تقع
في الاستفهام للتكثير والتقليل صار متوسط الحكم بين القليل والكثير فجعل لها حكم
الأعداد المتوسطة بين الكثيرة والقليلة وما بين المئة إلى العشرة فما دونها ،
فالعشرة فما دون للقلة ، والمئة فما فوقها للكثرة ، وبينهما هو المتوسط فلذلك جاز
أن ينصب بها في الاستفهام ، وجعلت في الخبر خافضة حملا على لفظ العدد الكثير أعني المئة فما فوقها ،
وإنما خصت بأن جعلت صدر الكلام لدخول معنى الاستفهام فيها [وجعلت في الخبر كذلك
لأنها
__________________
نقيضة (ربّ) و (ربّ) تقع صدر الكلام لأن فيها معنى النفي] إذ كانت القلة نفي الكثرة ، فلما دخلها معنى النفي
والنفي له صدر الكلام حملت عليها لما ذكرناه.
فإن قال قائل :
فلم جاز أن يعمل فيها ما يجر من بين سائر العوامل؟
فالجواب في ذلك
: أن الجار والمجرور كالشيء الواحد ، فلا يجوز انفصال الجار من المجرور وقيامه
بنفسه كما يجوز انفصال الرافع من المرفوع والناصب من المنصوب ، فصار تقديم الجار
عليه ضرورة ، ولم يجز تقديم ذلك في الرافع والناصب إذ ليس مضطرا فيه إلى ذلك.
واعلم أنك إذا
قدرت دخول الجار عليها بحال الاستفهام قدرت الأول الاستفهام على حرف الجر كقولك : على كم جذعا بيتك مبني ؟ وإنما وجب التقدير على ما ذكرنا لئلا يتقدم العامل على
حرف الاستفهام ، وأما ما في الخبر فالعلّة فيها ما ذكرنا والجار داخل عليها من غير
توسط إن شاء الله.
واعلم أن النصب
فيها على تقدير تنوين فيها كما أن النصب بخمسة عشر وأخواتها على تقدير التنوين بها
فمن خفض بها في الاستفهام فعلى وجهين :
أحدهما : أن
يكون قدر حذف التنوين ، ولم يجعلها كخمسة عشر بل جعلها بمنزلة العدد الذي لا ينون.
والوجه الآخر :
أن يكون الخبر بتقدير (من) لكثرة استعمالهم إياها في هذا الموضع وإنما نصب بها في
الخبر وقدر التنوين فيها وجعلها بمنزلة المستفهم بها.
__________________
واعلم أنك إذا
نصبت بها في حال استفهام لم يجز أن يكون بعدها الاسم إلا مفردا نكرة كما لا يجوز
أن يذكر بعد العشرين إلا اسما مفردا نكرة. فأما في الخبر فيجوز أن يذكر بعدها
الفعل خفضت أو نصبت ، لأنها تجري مجرى ثلاثة أثواب ، وثلاثة أثوابا ، إذا نون كما
نون في العشرين ، وربما جاز الفصل بينها وبين ما تنصبه ، نحو قولك : كم عندك غلاما؟.
وإن كان مثل هذا لا يجوز في العشرين لا تقول : هؤلاء عشرون عندك غلاما ، وربما سهل
ذا في (كم) لأنه جعل الفصل فيها عوضا مما منعته من التمكّن ، ولزومها طريقة واحدة.
ولم يجز ذلك في / العشرين لأنها متمكنة ، فمنعت تأخر معمولها على العامل فلذلك ضعف
الفصل بينها وبين معمولها.
باب لا
اعلم أن (لا)
تنصب الاسم تشبيها ب (إنّ) ، لأنها نقيضتها وهي تدخل على الأسماء كدخول (إنّ)
عليها فوجب أن تنصب الأسماء كما تنصب (إنّ).
وإنما بنيت
الأسماء مع (لا) لوجوه :
أحدها : لأنه
جواب لقولك : هل من رجل في الدار ، والجار والمجرور بمنزلة الشيء [الواحد] جوابه إذا كان الناصب مع المنصوب لا يكون كالشيء
الواحد.
ووجه آخر وهو
أن تكون (من) مقدرة بين (لا) وما تعمل فيه فيكون الأصل : لا من رجل في الدار ،
فلما حذفت (من) تضمن الكلام معنى الحرف ، والحروف مبنية فوجب أن تبنى (لا) مع ما
بعدها لتضمها الحروف.
__________________
ووجه ثالث :
أنها لما كانت مشبهة بالحروف في العمل وكانت الحروف مشبهة بالفعل صارت فرعا للفرع
فضعفت فجعل البناء فيها دليلا على ضعفها.
واعلم أن
النكرة التي تبنى مع (لا) في المفردة ، وإن كانت موصولة أو مضافة لم يجز البناء
فيها ؛ لأن التنوين يصير في وسط الكلمة فيجري مجرى سائر الحروف ، والمضاف إليه
يقوم مقام التنوين فيمنع أيضا من البناء ، وذلك نحو قوله : لا غلام رجل عندك ، ولا
خيرا من زيد عندك ، فصار ما عوض فيها يمنع من البناء كما منع ذلك في المنادى.
واعلم أن
النكرة التي تنصبها بالتبرئة أعني (لا) يراد بها الجنس ، ولا يراد بها نفي شخص
واحد ؛ لأنها جواب تقتضي الجنس وليس يراد بها نفي شخص واحد ، فإذا قلت : لا رجل
عندك ، فالمعنى لا واحد من هذا الجنس عندك ولا أكثر منه.
واعلم أن (لا) [و] ما تعمل فيه في موضع رفع بالابتداء ولا بد له من خبر
وحكم خبره إن كان اسما أن يكون مرفوعا كخبر المبتدأ إذ كان هو الأول كقولك : لا
رجل أفضل منك ، فأفضل منك خبر الابتداء ، وإن فصلت بين (لا) وما تعمل
فيه بطل عملها ؛ لأنها مشبهة بالحروف فلم تقو على العمل مع الفصل ، ومع ذلك فإنها
مع النكرة المفردة كاسمين جعلا اسما واحدا قام مقامهما ، فكما أن الفصل بين
الشيئين اللذين هما كالشيء الواحد لا يجوز فكذلك أيضا لم يجز الفصل بين (لا) وما
تعمل فيه إذ قد جريا مجرى شيء واحد.
واعلم أنك إذا
رفعت ما بعد (لا) فعلى وجهين :
__________________
أحدهما :
بالابتداء ، فإذا قدرت هذا التقدير استوت المعرفة والنكرة بعدها إلا أن الأحسن إذا
أردت هذا الوجه أن تكرر فتقول : لا زيد عندي ولا عمرو. ليكون الجواب عن المعرفة
خلاف الجواب عن النكرة التي تؤدي معنى الجنس ، ولا يكون مفردا ؛ لأنه جواب : أزيد
عندك أم عمرو؟ ولم يحسن الإفراد ؛ لأن هذا الموضع من مواضع (ما) ، فاستغنوا بها عن
أن يستعملوا ذلك (لا) فلذلك لم يجز إفراد ما بعد (لا) في هذا الموضع ، وكذلك حكم
النكرة بعدها.
والوجه الثاني
: أن تشبهها بليس فترفع / الاسم بها ، فإذا قدرتها هذا التقدير لم تعمل أيضا
إلا في النكرة وإن كانت قد شبهت ب (ليس) فقد حصل لها الضعف بشبهها ب (ليس) ، ولم
يختلف معناها ، فلذلك وجب في العمل أن تلزم طريقة واحدة ، أعني أن تختص بالعمل في
النكرة دون المعارف ، ومتى فصل بينها وبين ما تعمل فيه وهي رافعة فالأحسن أن يبطل
عملها لما ذكرناه من ضعفها. واعلم أنك إذا قلت : لا مسلمين لك ، فثبتت النون فعند
سيبويه أن (لا) مبنية مع التثنية والجمع كبنائها مع الواحد ، ولم يجز حذف النون
وإن حذفت التنوين من الواحد ؛ لأن النون أقوى من التنوين ، ألا ترى أنها تثبت مع
الألف واللام والتنوين يسقط معهما؟ فقد بان أنه ليس يجب حذف التنوين ، وإنما جرت
التثنية والجمع مجرى الواحد في البناء ؛ لأن إعرابها الواحد فصار بمنزلته .
وأما أبو
العباس المبرّد فيمنع من ذلك ويجعل التثنية والجمع منصوبين كنصب المضاف ، وإنما
امتنع من ذلك ؛ لأنه لم يوجد في كلام العرب اسمان جعلا اسما واحدا والثاني مثنى أو
مجموع فلهذا امتنع منهما. وقول سيبويه أولى
__________________
بالصواب ؛ لأنّا قد نثني حضرموت ونجمع فنقول : جاءني حضرموتان ، ونجمعه
فنقول : حضرموتون ، إذ كان اسم رجل فقد لحقت التثنية والجمع الاسم الثاني وإن كان
قد جعل اسما واحدا فكذلك يجب أيضا أن تلحق علامة التثنية والجمع فيها بعد لا ولا
يتغير من حكم البناء شيء كما يتغير ذلك في حضرموت.
فأما الذي لم
يوجد في كلام العرب فأن يكون الاسمان جعلا اسما واحدا ، والثاني مثنى أو مجموع في
أول أحوالهما ، فأما ما تلحقه علامة التثنية والجمع ويزولان عنه فليس حكمه هذا
الحكم فمن أجل هذا أدخلت الشبهة على أبي العباس والصحيح ما ذكرنا عن سيبويه.
واعلم أن لام
الجر تزاد في النفي فيكون دخولها كخروجها فيصير الاسم الذي قبلها في تقدير المضاف
إلى ما بعدها كقولك : لا مسلمي لك ، إذا قدرت اللام زائدة لأنك في المعنى قد أضفت مسلمين إلى الكاف ولم
يعتد باللام فلذلك حذفت النون وإنما فعلوا كراهة أن يضيفوا الاسم من غير توسط
اللام فيصير في اللفظ معرفة و (لا) لا تعمل في المعارف ، فلما كان اللفظ يصير
معرفة استقبحوا ذلك ففصلوا بينهما باللام ، وإنما كانت اللام أولى من سائر الحروف
؛ لأن الإضافة تضمنتها وإن كانت محذوفة ألا ترى أن معنى قولك : جاءني غلام زيد ،
كمعنى جاءني غلام لزيد ، وإن كان الأصل معرفة يتعرف بالإضافة ، فلما كانت الإضافة
تتضمن اللام أظهروها دليلا على أن الاسم نكرة ، وساغ أيضا ذلك من أجل حذف التنوين
لأجل البناء فيصير دخول اللام عوضا من بناء الاسم ، فإن لم ترد باللام الزيادة
أثبت النون وجعلت اللام وما بعدها خبر الابتداء إن شئت ، وإن شئت / جعلتها صلة
للكاف ، وأضمرت الخبر كأنك قلت : لا مسلمين مملوكان لك مما يعرفه المخاطب من حكم
الخبر.
__________________
باب الضمير
إن قال قائل :
لم جاز أن يقع الاسم المرفوع والمنصوب ضميرا منفصلا ولم يكن في المجرور إلا ضميرا
متصلا؟ فالجواب في ذلك : أن المرفوع والمنصوب يجوز أن يفصل بينهما وبين ما عمل
فيهما ، والمجرور مع الجار كالشيء الواحد ولا يجوز الفصل فيهما ، فلما جاز الفصل
في المرفوع والمنصوب وجب أن يكون لهما ضمير منفصل ـ وأعني بالمنفصل الذي يقوم
بنفسه ولا يتصل بعامل ـ ولما كان المجرور لا يجوز انفصاله من عامله لم يكن له إلا
ضمير واحد.
فإن قال قائل :
هل الاسم أنا جملته أو بعضه؟
قيل له : الاسم
(أن) والألف زيدت لبيان حركة النون والدليل على ذلك أنك إذا وصلت الكلام قلت : أن
، فسقطت الألف كقولك : أنا قمت ، ولو كانت الألف من نفس الكلمة لم تسقط ، وإنما
كانت الألف أولى بالزيادة لأنها أخف الحروف ، وبعض العرب يجعل في موضع الألف الهاء
إذا وقف فيقول : أنه ، وهذا يدلك على أن الألف ليست من بناء الاسم ، وإنما زيدت
لما ذكرنا وإنما كانت الألف أكثر من الهاء لأنها قد تتصل بالضمير
إذ كانت أنّ العاملة قد يتصل بها ضمير الغائب كثيرا فلذلك كانت الألف أكثر
استعمالا في هذا الموضع من الهاء.
وأما أنت
فالاسم أيضا منه (أن) والتاء زيدت للمخاطب وليس لها موضع من الإعراب لأنها لو كانت
لها موضع من الإعراب لم تخل من أن تكون رفعا ، أو نصبا ، أو جرا ، والتاء ليست من
علامات المجرور ولا المنصوب فسقط أن يكون موضعها نصبا أو جرا ، ولم يجز أن يكون
رفعا لأن العامل هو أن في قولك : ما قام إلا أنت ، فلو كانت التاء في موضع رفع
لكنت قد جعلت للفعل فاعلين من
__________________
غير اشتراك بينهما في تثنية أو عطف ، ويتبين لك أنها لا موضع لها إذا
دخلتها علامة كالهاء والتي تدخل علامة للتأنيث والعلامات لا تكون لها مواضع لأنها
ليست أسماء وأما قولنا (هو) فالاسم الهاء والواو جميعا ، وأهل
الكوفة يجعلون الاسم الهاء وحدها ويستدلون على ذلك بإسقاط الواو في التثنية نحو قولك : هما
، وكذلك نسقط في الجمع نحو : هم ذاهبون.
فالجواب في هذا
أن الحرف يسقط في التثنية والجمع إذا عرضت فيه علّة توجب إسقاطه وإن كان الحرف من
أصل الكلمة ألا ترى إذا جمعنا قاضيا قلنا في جمعه : قاضون ، فأسقطنا الياء وهي لام
الفعل ولم يدل إسقاطها على أنها زائدة وكذلك إسقاط الواو من التثنية والجمع من هما
وهم لا يدل على زيادتها.
فإن قال قائل :
فما العلّة التي من أجلها سقطت الواو؟
قيل : لأنها لو
لم تسقط لوجب ضمها فكان إثباتها يوجب أن تكون مضمومة وقبلها ضمة وذلك مستثقل
فحذفوها للاستثقال فكانت العلّة في / حذف الواو استثقال الضمة فيها فلهذا حذفت.
فإن قال قائل :
فلم وجب أن تضم وهي مفتوحة في الإفراد؟
قيل : لأنها لو
بقيت مفتوحة وقد زيدت عليها الميم والألف لتوهّم أنهما حرفان منفصلان في أمرين
متصلين ، فوجب أن تغير الحركة التي كانت مستعملة في آخره كما غيرت في قولك : أنتما
، فدلت الضمة على أنهما شيء واحد ، فلذلك وجب ضم الواو فاعلمه.
__________________
فإن قال قائل :
فلم زيدت الميم في التثنية؟
ففي ذلك جوابان
:
أحدهما : أن
التثنية لما كانت توجب تغيير الواحد كثروا اللفظ أيضا بزيادة الميم إذ كانت هذه
المكنيات قد تبنى على حرف واحد وأقل الأسماء أصولا يجب أن يكون على ثلاثة أحرف
فلذلك زادوا الميم.
والوجه الثاني
: أن القافية إذا كانت مطلقة تبعتها الألف ، فلما زادوا على [أنت] و [هو] ألف
التثنية جاز أن يتوهم في بعض الأحوال أنها ألف الإطلاق.
وكما قال
الشاعر :
يا مرّة بن
رافع يا أنتا
|
|
أنت الذي
طلقت عام جعتا
|
فزادوا الميم
ليزول اللبس ، وإنما كانت الميم أولى بالزيادة من بين سائر الحروف لأنها من زوائد
الأسماء ، والمضمر اسم ، فلذلك وجب أن يزاد عليه الميم ، فإذا جمعت زدت واوا مع
الميم لتكون الواو تحل محل ألف التثنية فتقول : أنتمو وهمو ، إلا أن هذه الواو تحذف استخفافا لأنه لا يشكل حذفه
ويجوز أن يتكلم بها على الأصل ، فأما المؤنث فإنه في التثنية لا يختلف طريقها
فلذلك استويا فإذا
__________________
جمعت زدت نونا مشددة فقلت : هنّ وأنتنّ ، وإنما شددت النون لأنك
زدت للمذكر حرفين وهما الميم والواو ، فجعلت النون مشددة لتكون بمنزلة ما زدت للمذكر ولم
تثقل كثقل الواو فتخفف ولو خففت أيضا لزالت المشاركة التي قصدت بتشديد النون .
فأما المتكلم
إذا انضم إليه غيره واحدا كان أو جمعا مؤنثا كان أو جمعا مذكرا ، فلفظه نحن ،
وإنما لم يثن على لفظه لأن شرط التثنية إذا اتصلت أن تكون على لفظ الواحد والمتكلم
لا يقترن إليه متكلم وإنما يقترن إليه غائب أو مخاطب ألا ترى أنك إذا قلت : نحن
فعلنا ، وفعلت ذلك ، كان تقديره : أنا وزيد وأنت فعلنا ذلك ، ولم يكن تقديره : أنا
وأنا ، فإذا كان المنضم إليه من غير جنس المتكلم لم يجز أن يثنى على لفظه وإذا كان الأمر على ما ذكرنا وجب أن يبطل لفظ الواحد ويستأنف
للتثنية اسما لأن التثنية أول الجموع لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء فلما فات لفظ
التثنية المحققة وجب أن يستأنف لفظ يدل على الاثنين فما فوقه ، فلذلك قالوا نحن.
فإن قال قائل :
فلم جعل ضمير المرفوع الغائب المنفصل مستترا وظهرت علامة المتكلم والمخاطب نحو :
قمت؟
فالجواب في ذلك
أن الغائب لما كان لا يذكر إلا بعد تقدمة ذكر صار ذكره قبل الفعل كعلامة فأغنى عن
ذكر علامة أخرى في الفعل ، وأما المخاطب والمتكلم فليس / يتقدم لهما ذكر ، فلو
استترت علامتهما لم يكن عليهما دليل فلذلك ظهرت علامة الغائب في التثنية والجمع
نحو قولك : الزيدان قاما ، والزيدون قاموا.
__________________
فإن قال قائل :
لم لم تكتف بتقدم الأسماء عن إظهار العلامة كما اكتفيت بالواحد؟
قيل له : إنما
جاز استتار ضمير الواحد لإحاطة العلم أن الفعل لا يخلو من فاعل واحد وقد يخلو من
اثنين وأكثر من ذلك فلو سترنا ضمير الاثنين والجمع لجاز أن يتوهم أن الفعل لواحد
فلذلك وجب إظهار علامة التثنية والجمع.
وأما الضمير
المنفصل المنصوب فإياك ، وإياي ، وإياه وقد اختلف في هذا الاسم على وجوه فكان
الخليل رحمهالله يقول : هو اسم مظهر مضاف ناب عن الضمير فاستدل على
إضافته بقول العرب : إذا بلغ المرء الستّين فإياه وإيّا الشوابّ .
فلو كان مضمرا
لم تجز إضافته لأن المضاف يقدر قبل الإضافة نكرة ثم يضاف لأن الغرض في الإضافة
تعريفه ، فلذلك وجب أن يقدر نكرة ، فلو كان الضمير لا يجوز أن يكون نكرة لم يجز أن
يكون مضافا.
وأما الأخفش
فكان يقول : إنه اسم بكماله وذلك أن (إيّا) لما نابت عن الكاف في قولك : ضربتك ،
كانت اسما بكمالها وإن ما بعد (إيّا) من الكاف والياء والهاء لا موضع لها من
الإعراب وإنها متعلقة ب (إيا) كما تتعلق التاء من أنت ب [أن] فالزم على هذا القول .
__________________
إن قيل له : لم
كانت اسما للمضمر والمظهر بتغير آخره بانتقال الحروف ، وإنما تنتقل الأواخر
بالحركات؟
فالجواب له من
هذا الإلزام : أنه قد خص بما ذكره وله نظير مع ذلك ألا ترى أنهم يقولون : جاءني
أخوك ، ومررت بأخيك ، ورأيت أخاك ، فيغيرون هذه الأسماء بالحروف علامة للإعراب
فبتغير هذه الحروف جاز أن يتغير أواخرها علامة للأشخاص إلا أن ما ذكرناه عن الخليل
من إضافة هذه الأسماء يدل على ضعف قول الأخفش ، والوجه عند الأخفش أن (إيّا) الاسم
وما اتصل بها لا موضع له كالتاء وغيره إنه بكماله اسم ليعلم أنه ليس بمضاف ، ولم
يعبأ بالذي ذكره الخليل إذ كان عنده شاذا ويجوز أن تدخل الشبهة على من أضافه لما
رأى آخره يتغير كتغير المضاف والمضاف إليه إن شاء الله.
وقال أهل
الكوفة : إن الكاف والهاء والياء هي الأسماء وإن (إيّا) عمدتها واستدلوا على ذلك
بلحاق التثنية والجمع لما بعد (إيّا) ولزوم (إيّا) لفظا واحدا وهذا القول ظاهر السقوط وذلك أنه لا يجوز أن يبنى الاسم
منفصلا على حرف واحد فلذلك لم يجز أن يقدر هذا التقدير ، ويدل على فساد قولهم أيضا
أنه لا يجوز أن تكون أكثر الكلمة تبعا لأقلها لأن ذلك نقص ما يبنى عليه الكلام ،
وليس احتجاجهم بلحاق التثنية والجمع لما بعد (إيا) مما يدل على أنها هي الأسماء
فأما على مذهب الخليل فلا شبهة في تثنيتها وجمعها إذ كانت اسما مضافا إليها. وأما على قول الأخفش فلا يلزم أيضا لأن الحروف لما زيدت /
للدلالة على الأشخاص جاز أن يلحقها التثنية والجمع كالكاف التي هي حرف ، ومع ذلك
تثنى وتجمع فبان بما ذكرناه فساد ما اعتمدوا عليه ، لأن ما بعدها علامة
__________________
للمخاطب والغائب والمتكلم ، فلم يكن بد من لحاق علامة التثنية والجمع ،
ومما يقوي قول الخليل أن بعض النحويين ذكر أن (إيّا) على وزن فعلى وأنه مشتق من
الآية ، والآية العلامة ، يقال : رأيت آية فلان ، أي شخصه ، فأصل (إيّا) على هذا
القول أن تكون الهمزة فاء الفعل والياء عينه والألف الآخرة زائدة ، لأن آية اصل : أييه
، وغيره يقول أصلها : أية فلما اشتق لفظ (إيّا) منها والاشتقاق إنما هو للأسماء
الظاهرة دل أن (إيّا) مظهرة وقد ذكره سيبويه في كتابه فيجوز أن يكون موافقا لقول الأخفش فوجه قوله الموافق
لقول الخليل أن العرب لما أضافت (إيّا) في المثال الذي ذكرناه وجب أن تكون مضافة ،
وجاز قول الأخفش أن يكون إضمارا ، لأنها ما استعملت استعمال المضمر كانت كعلامة
المرفوع ، ألا ترى أنك متى قدرت على التاء لم تأت بأنت ، فكما اتفقوا على أن أنت
مضمر وجب أن يكون (إيّا) مضمرا ومع هذا فإن (إيّا) لو كانت اسما مظهرا لحسن أن
تقول : ضربت إياك.
فإن قيل فقد
قال الشاعر :
كأنا يوم
قرّا
|
|
إنما نقتل
إيانا
|
قيل له : إن
الشاعر إنما أراد نقتل أنفسنا فلما رأى (إيانا) تقوم مقام النفس في المعنى فعلى
ذلك جاز على طريق الاستعارة.
__________________
فإن قيل : كيف
جاز إضافة المضمر؟
قيل له : إن (إيّا)
لما كانت لا تنتقل من الإضافة ولا يحصل لها معنى بانفرادها ولم تقع قط إلا معرفة
فتحتاج إلى التنكير وخالفت في موضعها سائر المضمرات جاز أن تخص بالإضافة عوضا مما
منعته ، وإنما جاز كسرها في هذين الموضعين كراهة لخروجهم من الكسر إلى الضم إذ كان
ذلك لا يوجد في أبنيتهم لازما ولأن الكسر من الياء فاختاروا في الياء أيضا ما
اختاروا مع الكسر ، وجاز الضم على الأصل إذ ليس بلازم للهاء لأنه قد يكون ما قبلها
مضموما ومفتوحا ، وأما ضمير الغائب المنفصل المنصوب والمرفوع فأصله الضم كقولك :
رأيته ، وجاءني غلامه ، وإنما وجب أن يبنى على الضم لأن الهاء حرف خفي ، وقد بينا
أن المضمر يجب أن يبنى على حركة فاختاروا الضم لأنه أقوى الحركات فصار تقوية للهاء
وبيانا لها ، ولذلك اتبعوا الهاء واوا على طريق التبيين لها وليست الواو من بناء الاسم
والدليل على ذلك أنها تسقط في الوقف كقولك : رأيته ، ولو كانت من الأصل لم تسقط.
واعلم أن
الاختيار إذا وصلت الضمير أن تلحقه الواو إذا تحرك ما قبله ويجوز حذف هذه الواو في
الشعر لأن الضمة تسقط في الوقف. قال الشاعر في حذف الواو :
__________________
وماله من مجد
تليد وماله
|
|
من الريح حظ
لا الجنوب ولا الصبا
|
فإن انكسر ما
قبل الواو وكان ما قبلها ياء كسرتها وانقلبت الواو ياء للكسرة ، والاختيار إثبات /
الياء إذا تحرك ما قبل الياء ويجوز حذف الياء والاجتزاء بالكسرة كما جاز حذف الواو
، ويجوز الضم فيها على الأصل ، لأن الهاء إذا كان قبلها حرف مد فالاختيار ألا
تلحقها واو كقوله تعالى : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) [الحاقة : ٦٩ / ٣٠] و (فَأَلْقى مُوسى
عَصاهُ) [الشعراء : ٢٦ / ٤٥] و (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) [النور : ٢٤ / ٥٤] وإنما حذفوا الواو لأن قبل المضمر حرف مد والهاء تشبه
بحرف المد لأنها خفيفة فاجتمعت ثلاثة أحرف متجانسة وليس بين الساكنين حرف حصين
فصار كاجتماع ساكنين ، ولذلك اختاروا حذف الواو ، ويجوز إثباتها على الأصل.
وأما المؤنث
فأثبتوا الألف بعد الهاء نحو : ضربتها ، وأكرمتها ، وإنما ألحقوا الألف للفصل بين
ضمير المذكر وضمير المؤنث وكانت الألف أولى بالمؤنث لأنها أخف الحروف ، والمؤنث
أثقل من المذكر لأن التنوين يبدل منه ألف في الوقف فيجب ألا يختلف ، ولأن الزوائد
التي لحقت الهاء يجب إسقاطها لمجيء علامة التثنية إذ الهاء تقوى بما زيد عليها
للتثنية فلم تحتج إلى الزيادة التي في الواحد ، فإذا وجب إسقاطها رجعت الهاء إلى
الأصل واستوى لفظ المؤنث والمذكر ، فإذا جمعت فالأصل أن تلحق واو بعد الميم كما
ذكرنا فيما تقدم والأحسن حذفها كقولك : ضربتهم ، والأصل : ضربتهمو ، فحذفت الواو لما ذكرنا ، وأما المؤنث فدليله
__________________
نون مشددة نحو : ضربتهنّ ، وإنما شددت النون لأنك لما زدت للمذكر حرفين
وهما الميم والواو اختاروا أيضا أن يزاد للمؤنث حرفان لاشتراكهما في الجمع ، ولا
يجوز تخفيف النون لوجهين :
أحدهما : زوال
المعادلة بين المذكر والمؤنث فيما ذكرناه.
والثاني : أن
الاستثقال الذي كان في الواو والخروج عن نظير الأسماء ليس بموجود في النون فلذلك
لم يخفف.
فأما الكاف
التي للمخاطب فتفتح للمذكر وتكسر للمؤنث ، وإنما اختير الكسر للمؤنث لأن الياء قد
ثبتت في بعض المواضع فيها علم التأنيث نحو : أنت تضربين ، والكسر من الياء فلذلك
اختير للمؤنث ، ولم يكن للضم مدخل ها هنا لأن الفتح يغني عنه ، وهو أخف منه في ذلك
سقط حكمه ها هنا فإذا ثنيت ضممت الكاف والعلّة في ضمها في التثنية والجمع كالعلّة
في ضمّ التاء في أنتنّ وأنتما ، وحكم المؤنث في تشديد النون كحكمه في أنتما
فالعلّة واحدة.
واعلم أن الفصل
إنما دخل في الكلام ليبين أن ما بعده خبر وذلك أنك إذا قلت : زيد هو العاقل ، علم
بهذا الضمير أن ما بعده خبر وليس بنعت ، فلما كانت صلة لم يجز أن يقع إلا بين
كلامين أحدهما محتاج إلى الآخر لأنه إذا كان ما قبله تاما لم يحتج إليه ، إذ كان
إنما دخل ليبين عن تمام ما بعده ، وإنما جعل ضمير المرفوع مختصا بهذا المعنى الأول
إذ كان الرفع أول أحوال الاسم ، فلما كان سابقا للضمير المنصوب وهو مع ذلك أخف في
اللفظ منه كان أقوى في الاتساع والتصرف / من ضمير المنصوب ، وإنما وجب أن يقع
الفصل في كل موضع لا يخل سقوطه بمعنى الكلام لأنه لو أخلّ لم يكن فصلا وكان داخلا
لمعناه ولافتقار الكلام إليه فلذلك وجب أن يجعل فصلا في كل موضع لا يخل سقوطه
بالكلام ، فلما كان الفصل يقع بالضمير ، والضمير معرفة لم يجز أن يقع إلا بين
معرفتين أو ما قاربهما ، إذ كان قد دخل ليبين ما قبله وما بعده فوجب أن
يكون ما قبله وما بعده مجانسا له فلذلك لم يجز أن يكون ما قبله وما بعده نكرة محضة
ولا أحدهما.
باب أيّ
اعلم أن (أيا)
موضوعها أن تكون جزءا مما تضاف إليه ، وهو على كل حال مما يتجزأ كقولك : أيّ
الرجال عندك؟ فهي في هذه الحال من الرجال جزء ، وإذا قلت : أي الثياب عندك؟ فهي في
هذه الحال من الثياب ، وعلى هذا يجري حكمها في جميع ما يتجزأ ، وقد بينا أن
الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، وإنما لم يحتج في الاستفهام إلى صلة لأن الصلة
توضح الموصول والمستفهم لا يعلم ما يستفهم عنه ، فلذلك لم يجز أن توصل في
الاستفهام ، وكذلك الشرط والجزاء لا يجوز أن يكون معلوما لأنه مما يجوز أن يكون
ويجوز ألا يكون فلم يحتج أيضا في الجزاء إلى صلة.
واعلم أنه لا
يجوز أن يلي (أيا) إذا كانت استفهاما من الأفعال إلا أفعال القلوب لأنك تحتاج أن
تلغيها لأنه لا يجوز أن يعمل في الاستفهام ما قبله ، وخصت أفعال القلوب بذلك لأنها
قد تلغى في الخبر إذا توسطت بين المفعولين ، ويكون معناها باقيا فلذلك جاز أن تدخل
على الاستفهام ولا تعمل فيه ويكون معناها باقيا ، وأما الأفعال المؤثرة فإنه لا
يجوز أن تدخل على الاستفهام لأنك إن أدخلتها على الاستفهام وجب أن تعملها ، ولا
يجوز أن تعمل ما قبل الاستفهام فيه فلا يجوز لذلك دخولها عليه.
فإن قال قائل :
أليس من شرط العامل أن يكون قبل المعمول فيه إذا قلت : أيهم تضرب؟ فنصبت (أيا)
بتضرب ، وتقدير أيهم تضرب : أن تكون تضرب قبل أي فقد جاز أن يعمل ما قبل الاستفهام
فيه وتعمل فيه الأفعال المؤثرة؟
فالجواب في ذلك
أن (أيا) نائبة عن شيئين أولهما الاسم ، والثاني حرف الاستفهام ، فإذا قلت : أيّهم
تضرب؟ فالتقدير : أزيدا تضرب ، فصار الفعل حكمه بعد الاستفهام فلم يجز تقديمه لما
ذكرنا على (أي).
واعلم أن (أيا)
إذا كانت بمعنى الذي فصلتها تجري مجرى [صلة] الذي إلا أن بعض العرب قد استعمل حذف المبتدأ مع (أي)
أكثر من استعمالهم حذفه مع الذي كقولك : لأضربن أيهم قائم ، والأصل : لأضربن أيّهم
هو قائم ، فإذا حذفوا المبتدأ ألزموا (أيا) الضم ، فعند سيبويه أن الضم في (أيّ)
ضم بناء وأنها تجري في هذا الموضع مجرى (قبل وبعد) ، وأما الخليل فيقول (أي) مرفوعة ، وإنما رفعت في هذا
الموضع على الحكاية ، كأنه قال : لأضربنّ الذي يقال له أيّهم قائم ، فالضرب واقع على الذي / دون (أي) ، وأما يونس فيقول : ألغوا الفعل كما ألغوا
أفعال القلوب والأقوى عندي من هذه الأقوال قول سيبويه ، وإنما وجب
بناء (أي) في هذه الحال لمخالفتها أخواتها ، فلما خرجت عن حكم نظائرها نقصت رتبة
فألزمت البناء للنقص الذي دخلها من حذف المبتدأ.
فإن قال قائل :
قد وجدنا المفرد إذا بني في حال إفراده ، أعرب في حال إضافته و (أي) إذا حذفت
المضاف منها أعربتها كقولك : لأضربن أيا أبوه قائم ، وهذا قلب حكم المبنيات؟
__________________
فالجواب في ذلك
أن الإضافة إنما تردّ المبني في حال الإفراد إلى الإعراب وإذا استحق البناء لم يجز
أن يكون للإضافة تأثير في حال الإعراب ونظير ذلك (لدن) هي مبنية في حال الإضافة
لأنها استحقت ذلك في هذه الحال كقوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
عَلِيمٍ) [النمل : ٢٧ / ٦] ، وكذلك حكم (أي) خصت بالبناء على الضم لأنه أقوى
الحركات فتصير قوته كالعوض من المحذوف وبعض العرب يعربها على الأصل لأن المحذوف
مراد في النية فكأنه موجود.
فأما قول يونس
فضعيف جدا لما ذكرناه من ضعف إلغاء الأفعال المؤثرة ، وأما قول الخليل فبعيد أيضا
لأنه قدر الحركة وليس الكلام بمنقاد إليها ، وإذا ساغ حمل الكلام على ظاهره كان
أولى من عدوله إلى خلاف ظاهره من غير ضرورة تدعو إلى ذلك .
باب من
اعلم أن (من)
مبنية لأنها في الاستفهام نائبة عن حرف الاستفهام ، وفي الشرط نائبة عن حرف الشرط
، وفي الخبر بمنزلة (الذي) ، فقد صارت كبعض اسم فوجب بناؤها في جميع المواضع ،
وخصت بالسكون لأنها لم تقع متمكنة.
وهي تقع على من
يعقل كقولك : من في الدار؟ فالجواب في ذلك أن يقال : زيد أو عمرو ، ولا يقال حمار
ولا ثوب.
وحكمها فيما
يعمل فيها ويمتنع من العمل فيها كحكم (أي) فإذا قال الرجل : رأيت رجلا فقلت : منا
في الجواب. وإنما ألحقت (من) ألفا لتبين أنك تسأل عن الرجل المذكور إذ كان منصوبا
وكذلك تزيد واوا في الرفع وياء في الجر وإنما زادوا
__________________
هذه الحروف بدل الإعراب وذلك أنهم يطلبون هذه العلامة في الدرج فلو أعربوا (من)
لسقط إعرابها في الوقف إذ كان الإعراب لا يوقف عليه فعوضوا منه هذه الحروف إذ كانت
تقع دلالة على الإعراب في نحو قولك : أخوك وأخاك وأخيك.
فإن قال قائل :
فلم جعلوا العلامة في (من) ولم يأتوا بلفظ الرجل منصوبا فيقولوا : من رجلا ، كما يقولون
ذلك في المعارف الأعلام؟
فالجواب عن ذلك
أن النكرة لا تدل على شخص بعينه ، وتكررها يدل على أشخاص مختلفة لما ذكرناه أنها
غير دالة على شخص بعينه ، ألا ترى أنك لو قلت : رأيت رجلا وجاءني رجل ، لكان
الظاهر أن يكون الذي جاءك غير الذي رأيته ، فلو قالوا : من رجلا؟ لجاز أن يتوهم أن
المسؤول عنه رجل غير المذكور ، فلذلك لم يأتوا بلفظ النكرة / وجعلوا
العلامة في (من).
فأما المعارف
الأعلام فجاز حكايتها لأن الاسم العلم يدل على شخص بعينه ولو كرر فلذلك جاز
حكايتها.
واعلم أن هذه
العلامات إذا لحقت (من) في حال الإفراد والتثنية والجمع والتأنيث فإنما تثبت في الوقف ، فإذا وصلت سقطت ، وذلك أنهم
جعلوا ما اتصل بالكلام عوضا من هذه الزيادة لأن هذه العلامات جعلت بدل الإعراب في
الاستفهام ، وما كان من الإعراب إنما يثبت في الوصل دون الوقف وكانت هذه العلامات
قد أقيمت مقام الإعراب ، فوجب أيضا أن تثبت في أحد الموضعين فلذلك وجب إثباتها في
الوقف إذ كان في الوصل قد وقع منها عوض.
__________________
وأما إذا قلت
في المؤنث (منه) فحركت النون ولم تحركها في التثنية إذا قلت (منتين) ، لأن هاء
التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فلذلك حركت النون في قولك (منه) وإنما
سكنتها في (منتين) لأن علامة التأنيث قد صارت في وسط الكلمة فجاز أن يتوهم فيها
غير التأنيث ويجعل بمنزلة أخت ، وإنما دعاهم إلى ذلك تحريك نون (من) وقد وجدنا
مساعدا إلى تسكينها إذ كانت مبنية ولا يجوز أن تحرك نون التثنية والجمع وتاء
المؤنث في قولك : شاءت ، لأن تحريكها إنما يجب في الدرج إذا أدرجت ، فلما ثبت لما
ذكرناه أنه لا يجوز تحريك العلامات في الوصل ، وكانت الحركات لا يوقف عليها وجب
إسكانها على ما ذكرناه ، وأما (أي) إذا استفهمت بها عن نكرة فإنك تعربها لأنها
متمكنة يدخلها الإعراب فوجب أن يلحقها الإعراب علامة للحكاية إذ كانت متمكنة فتقول
إذ قال الرجل : رأيت رجلا ، أيا يا هذا؟ وأيّين في التثنية ، وأيين في الجمع ،
وكذلك أيان وأيون في الرفع. واعلم أن بعض العرب يصل ويبقي العلامة وذلك قليل من
ذلك قول الشاعر :
أتوا ناري
فقلت : منون أنتم؟
|
|
فقالوا :
الجن ، قلت : عموا ظلاما
|
وإنما جاز ذلك
على التشبيه ب (أي) لاشتراكهما في الاستفهام والجزاء والخبر وبعض العرب يوحد من في
جميع الجهات فيأتي بالواو والألف والياء فيقول : منا للواحد المنصوب والمثنى
والمجموع ، وكذلك منو ، ومني في الرفع والجر وإن ثني وجمع وإنما جاز ذلك لأن (من)
فيها معنى العموم ، فلما كانت تقع على الجماعة ولفظها واحد جاز أيضا أن يقع هاهنا
هذا الموقع.
__________________
وأما المعارف
الأعلام فقد بينا جواز الحكاية فيها وبعض العرب لا يحكي اكتفاء بوقوع السؤال عقب
الكلام للمخاطب ومن يحكي فغرضه البيان عن المخبر عنه بعينه لئلا يتوهم سواه ، فأما
إذا عطفت بالفاء والواو فقلت : ومن زيد ، أو فمن زيد فكلهم يبطل الحكاية لأن حروف
العطف لا يبتدأ بها ، وفيها دليل على أن هذا السؤال معطوف به على كلام المخاطب
فاستغنوا عن الحكاية.
واعلم أنك إذا
قلت : رأيت زيدا ، فقلت : من زيدا ، فمن في موضع رفع بالابتداء ، وزيد موضعه أيضا
رفع لأنه خبر / الابتداء وإنما نصبته بالحكاية ، فأما ما لم يكن اسما علما فأكثر
العرب لا تحكيه وإن كان معرفة لأنه لم يكثر الكلام به كثرة الأسماء الأعلام فجاز
في الأسماء الأعلام الحكاية وتعتبر ما يستحقه من الإعراب لكثرتها في كلامهم ، فأما
ما سواه فلم يكثر ، فبقي على الأصل ؛ لأن ما بعد (من) يجب أن يكون مرفوعا على خبر (من)
وبعض العرب يحكي ما لم يكن سماعا حملا على الأسماء الأعلام.
واعلم أنك إذا
عطفت فقلت : رأيت زيدا وعمرا ونعت الاسم فقلت : رأيت زيدا الظريف ، لم يجز في
الكلام الحكاية لأن طول الكلام قد دل على أن المسؤول عنه هو الذي يقوم بنفس المخبر
يبعد وقع سؤال آخر عن غير المذكور.
فأما الاسم
العلم إذا نعتّه بابن وأضفت إلى الاسم أبا الأول أو كنيته نحو : رأيت زيدا بن عمرو
فالحكاية جائزة فيه لأنه قد صار مع ابن كالشيء الواحد ، ففارق سائر النعوت لأنها
لم تكثر في الاستعمال مع الموصوف بها ككثرة ابن إذا كان مضافا إلى ما ذكرناه.
باب الجواب بالفاء
اعلم أن الفاء
أصلها العطف ، وحروف العطف لا يجوز أن تعمل ؛ لأنها من
الحروف التي يليها الاسم مرة والفعل مرة ، وقد بيّنا أن من الحروف ما كان
على هذا السبيل لم يعمل شيئا ، فإذا كان الأمر على ما ذكرناه ، ووجدنا العرب تنصب
الفعل بعد الفاء في جواب ما ذكرناه علمنا أن النصب إنما وجب بغيرها ، وإنما هو
بإضمار (أن) ووجه تقدير (أن) بعد الفاء أن تقدر ما قبلها تقدير المصدر المقدم
قبلها كقولك : ما تأتيني فتحدثني ، والتقدير ما يكون منك إتيان فحديث ، وإنما وجب
أن تقدر ما قبل الفاء بتقدير المصدر ، لأنه لا يخلو أن يكون ما قبلها فعلا وفاعلا
أو مبتدأ وخبرا ، والفعل يدل على المصدر والجملة أيضا يجوز أن تجعل في تقدير فعل
وفاعل كقولك : ليت زيدا عندنا فنكرمه ، أي ليت كونا من زيد فإكراما ، وعلى هذا
يجري جميع ما يقع قبل الفاء إذا نصبت ما بعدها ، وإنما كانت (أن) بالإضمار أولى
لأن الأصل في حروف النصب أن يليها الماضي والمضارع ، فلقوتها كانت أولى بالإضمار
من أخواتها ، وجاز أن تضمر وتعمل وإن كانت حرفا ، لأن الفاء قد صارت عوضا منها ،
ولم يجز إظهارها لأن ما قبلها في تقدير المصدر من غير إظهار اللفظ ، فلما كان
المعطوف عليه مصدرا غير مظهر اختاروا أن تكون (أن) مضمرة بعد الفاء ليشاكل ما
قبلها.
واعلم أنك إذا
قلت : ما تأتيني فتحدثني ، فلك فيه وجهان : النصب والرفع ، فالنصب على ما قدرناه ،
ومعنى الكلام إذا نصبت على وجهين :
أحدهما : أن
يكون معناه ما تأتيني فكيف تحدثني ، أي الذي يمنع من الحديث ترك الإتيان ، وإنما دخل هذان المعنيان في معنى حكم المنصوب لأن الفاء
قد بينا أنها للعطف ويجب أن يكون الثاني بعد الأول ، فلما كان / معنى قولك : ما
يكون منك إتيان فحديث منقطعا من الأول متصلا من أصل اللفظ ، جاز أن ينفي الإتيان
ويتعلق الحديث به وينتفي معه لدخول معنى الاتصال في الفاء.
__________________
وأما الرفع
فعلى وجهين :
أحدهما : أن
يكون الفعل معطوفا على ما قبله ويكون النفي قد تناول الإتيان على حدة والحديث على
حدة ، أي : ما تأتيني وما تحدثني.
والوجه الثاني
: أن يكون الإتيان منفيا ويكون ما بعد الفاء مبتدأ وخبرا على طريق الاستئناف كأنك
قلت : ما تأتينا فأنت تحدثنا ، فيكون الحديث كائنا والإتيان منفيا ، وأما قوله
تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٧٧ / ٣٦] وقوله : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ
فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٥ / ٣٦]. فإنما رفع يعتذرون بالعطف على يؤذن أي ليس يؤذن لهم
ولا يعتذرون ، وقد قرئ بالنصب على تقدير لا يكون إذن فعذر ومعناه أنه لو أذن
لهم اعتذروا ولكن سبب العذر ارتفاع الإذن ففي نصب الثاني يجب الأول في الرفع ليس
لأحدهما تعلق بالآخر ، وأما قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ
فَيَمُوتُوا) فإنما جاء منصوبا لأن الموت ليس بفعلهم ولا يقع مبتدأ
منه كما يصح وقوع الاعتذار منه من المعتذر ، فصار القضاء سببا للموت ، فلذلك وجب
النصب ، ولا يحسن رفعه لأنه وجب أن يكون الموت وقع مبتدأ الحكم فيه من الميتين ،
ويجوز الرفع فيه بالعطف على يقضي ، ويستدل بالمعنى إذ كان قد ينسب فعل الموت إلى
الإنسان وأن الله تعالى هو الفاعل فيصير التقدير لا يقضى عليهم ولا يموتون لأن
الله عزوجل لا يريد موتهم. وأما قوله تعالى :
__________________
(مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) [البقرة : ٢ / ٢٤٥] فوجه الرفع فيه من وجهين :
أحدهما : أن
يكون خبر ابتداء محذوف فهو يضاعفه ، ويكون معناه و (أن مبتدأ) أنه يضاعفه إذا قرض
، وأما وجه النصب فتقديره : من يكون منه قرض فمضاعف له ، فيكون سبب المضاعفة هو
القرض من جهة اللفظ وفي الرفع يكون من جهة المعنى إذا حملته على الابتداء. وإن
حملته على العطف أردت معنى النصب ، وأما قول الشاعر :
فلا زال قبر
بين بصرى وجاسم
|
|
عليه من
الوسمي خود ووابل
|
فينبت حوذانا
وعوفا منورا
|
|
سأتبعه من
خير ما قال قائل
|
فإنما اختير
الرفع في ينبت وإن كان النصب جائزا لأن النصب إخبار عن
__________________
حصول الإنبات وفي النصب يصير وعاء وسببا للإنبات ، فلما كان الرفع أبلغ
لثبات النبات بالضم اختير الرفع ، والنصب جائز.
واعلم أن
الجواب بالواو يوجب (أن) لأن الواو للعطف وقد بينا أن حروف العطف لا تعمل شيئا ،
وإذا وجدنا الفعل منصوبا بعدها وجب أن يكون منصوبا بغيرها وهو (أن) كما قلنا في
الفاء ، وأنك تقدر ما قبلها تقدير المصدر كقولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي :
لا يكن منك أكل وشرب ، ومعناه لا يجمع بينهما ؛ لأن الواو معناها الجمع بين
الشيئين ، فعلى هذا يجري حكمها. /
وأما قول طفيل
الغنوي :
وما أنا
للشيء الذي ليس نافعي
|
|
ويغضب منه
صاحبي بقؤول
|
فعند سيبويه أن
الاختيار نصب يغضب والرفع جائز ، وعند أبي العباس المبرد أن الرفع هو المختار
والنصب جائز ، فحجة سيبويه أن الواو متعلقة بالنفي الذي في صدر الكلام ، والتقدير
: ما أنا بقؤول للشيء الذي ليس نافعي ، واللام التي في قوله للشيء في موضع نصب
بقؤول ، فلما كان استقرار الكلام على هذا المعنى صار تقديره أنه مما يقع من الشيء
الذي هذه حاله ، وأما الرفع فبالعطف على نافعي ، وإنما ضعف النصب عند أبي العباس
لأن الغضب ليس مما يقال ، وإذا جعل يغضب عطفا على أنا صار الخبر بقؤول وليس الغضب
مما يقال : وإنما يقال الشيء الذي يقع منه الغضب ، وأما الرفع فلا يحتاج
إلى تأويل فلذلك اختار أبو العباس الرفع وعدل عن النصب.
__________________
باب المجازاة
اعلم أن أصل
حروف المجازاة (إن) وإنما وجب أن تكون الأصل لأنها لا تخرج عن الجزاء ، ولا تختص
بالاستعمال في بعض الأشياء دون بعض ، وسائر ما يجازى به سواها قد يخرج من باب
الجزاء إلى غيره ، ومن الجزاء (من وما وأي ومتى وأين وأنّى) وكل هذه تستعمل
استفهاما وتخرج من باب الجزاء.
وأما (مهما)
ففيها وجهان :
أحدهما : أن
يكون الأصل فيها (ما) فزيدت عليها (ما) كما تزاد على (إن) فصار اللفظ (ما ما)
فأبدلوا من الألف الأولى (هاء) لأنها من مخرجها كراهة لتكرار اللفظ فصار اللفظ (مهما)
وقد بينا أن (ما) تستعمل في غير المجازاة.
والثاني : أن
يكون الأصل فيها (مه) مثل (صه) بمعنى اسكت ، ثم زيد عليها (ما) وهذه أيضا لا تختص
بالجزاء وإنما ساغ دخولها في الجزاء لأن الجزاء قد يجاب بجواب الشرط ، وهو
غير واجب ، فجاز أن يستعمل بعد ألفاظه .
فأما (حيث)
فظرف من المكان ولا تستعمل في باب الجزاء إلا بزيادة (ما) عليها ، وكذلك (إذ) هي
ظرف من الزمان ولا تستعمل في الجزاء إلا بدخول (ما) عليها فقد بان بما ذكرناه أن
جميع ما يستعمل في باب الجزاء مدخل فيها وغير مختص به فلذلك وجب أن تكون (إن)
الأصل وما سواها محمول عليها.
__________________
واعلم أن
الأسماء كان حقها ألا تستعمل في باب الجزاء إلا أن هذه المعاني حقها أن تختص
بالحروف وتكون الأسماء دالة على المسميات فقط وإنما أدخلوها في الجزاء لفوائد ،
وأما (من) فجاز استعمالها في الجزاء لأن (من) فيها معنى العموم لجميع من يعقل ،
فلو استعملت (إن) وحدها وغرضك العموم لم يمكنك أن تقدر جميع الأسماء التي للأشخاص
، ألا ترى أنك إذا قلت : من يأتني أكرمه ، أن هذا اللفظ انتظم الجميع أعني جميع من
يعقل ، وإذا قلت : إن يأتني زيد أكرمه ، وعددت أشخاصا كثيرة على التفصيل لم يستغرق
جميع من يعقل / وإن توسع في ذكر أقوام ، و (من) تقتضي العموم من غير تكرير فلذلك
استعملت في باب الجزاء.
فإن قال قائل :
فما الفائدة في استعمال (أي) في باب الجزاء وهي لا تختص لشيء فهلا اكتفي بإضافتها؟
فالجواب في ذلك
أنها استعملت لمعنى الاختصار ، وذلك أنك إذا قلت : أي يأتني أكرمه ، ناب (أي) عن قولك : إن يأتني بعض القوم أكرمه ،
فلما كان اختصار لفظ من (أن) تضمنها معنى الإضافة ولم يكن بدّ إلى القوم
من ذكر المضاف والمضاف إليه استعملت في باب الجزاء لما ذكرناه من الاختصار.
وأما (متى)
فاستعملت في الجزاء لاختصاصها بالزمان ، وفيها معنى العموم لجميع الأوقات فجرى
مجرى (من) في جميع من يعقل ، ألا ترى أنك إذا قلت : متى تقم أقم ، جمع هذا اللفظ
جميع الأوقات ولن تحتاج أن تخص وقتا بعينه ، ولا يمكنك أن تقدر جميع الأوقات ،
وحكم (أين) في المكان كحكم (متى) في الزمان.
وأما (أنّى)
فمستعمل بمعنى (كيف) وفيها معنى الحال ، وهي تقتضي العموم ويدخلها أيضا مع ذلك
معنى التعجب كقولك في الاستفهام : (أَنَّى يَكُونُ لِي
__________________
غُلامٌ؟) [آل عمران : ٣ / ٤ ، ومريم : ١٩ / ٧ و ١٩] كيف يكون لي غلام ، وفيها معنى
التعجب ، فلما كانت قد تستعمل في الاستفهام على ما ذكرناه [و] كان الاستفهام يضارع الجزاء استعملت فيه أيضا.
وأما (حيث) فهي
مبهمة في المكان واستعملت في باب الجزاء لإحاطتها بالأمكنة.
وأما (إذ)
فاستعملت في الجزاء بإضمام (ما) إليها وخرجت من حكم الظرف ، وإنما حكمنا عليها
بالحروف لأن معناها قد زال فاستعملت استعمال (إن) ألا ترى أنها تستعمل في المجازاة
للمستقبل كقولك : إذ ما تقل أقل ، أي كما تقول أقول ، فلما زال عن حكم الوقت أجريت
مجرى (إن) فهذه فائدة دخولها ليكثر باب الجزاء بها وتقوى (إن) بانضمام حروف إليها
، ولذلك أضافوا (إذ) وغيرها ، وإنما لزمت (إذ) (ما) و (حيث) (ما) في باب المجازاة
لأنهما ظرفان يضافان إلى الجمل فجعلت (ما) لازمة لهما لتمنعهما من حكم الإضافة
وتخلصهما من باب الجزاء.
واعلم أن هذه
الأسماء التي استعملت في باب الجزاء إنما يجزم ما بعدها بتقدير (إن) ولكن حذف لفظ (إن)
اختصارا واستدلالا بالمعنى ، لأن الأصل أن تعمل الأفعال والحروف فأما الأسماء فليس
أصلها أن تعمل ولذلك وجب تقدير (إن) والله أعلم.
واعلم أن
الجازم للشرط (إن) فأما الجواب فقد اختلف فيه ، فمن النحويين من يجعل العامل فيه (إن)
أيضا ؛ لأنه قد استقر عملها في الشرط والشرط مفتقر للجواب ، فلما كانت (إن) عاقدة
للجملتين وجب أن تعمل فيهما ، ومن النحويين من يجعل العامل في الجواب (إن) والشرط
معا إذ كان الجواب لا يصح
__________________
معناه إلا بتقدمهما جميعا وليس أحدهما بمنفك من الآخر ، فصار حكمها كالنار
والحطب في باب تأثير الماء بهما وهذا المذهب مذهب أبي العباس .
واعلم أن الأصل
في باب الشرط والجزاء أن يكونا مضارعين كقولك : إن تضرب أضرب لأن / حقيقة الشرط
بالاستقبال فوجب أن يكون اللفظ على ذلك ، ويجوز أن يقعا ماضيين لأن الماضي أخف من
المضارع فاستعملوه لخفته وأمنوا اللبس إذ كانت حروف الشرط تدل على الاستقبال ،
ويجوز أن يكون الأول ماضيا والجواب مضارعا وليس كحسن الأولين ، لأنك خالفت بين
الشرط والجواب وهما مستويان في الحكم ، وأما إن جعلت الشرط مضارعا والجواب ماضيا
فهو قبيح ، والفصل بينهما أن الشرط إذا كان مضارعا وقد عملت فيه أن فقبيح أن يأتي
لفظ الجواب مخالفا (ما) أوجبته الحرف العامل ، وأما إذا كان الأول ماضيا فقد حصل
لفظ الأول غير معمول فيه والأصل أن يعمل فيه فإذا جاء الجواب مخالفا له في اللفظ
فقد جاء مستعملا على الأصل استعمال المضارع ، فصار استعمال الأصل معلوما للخلاف
فلذلك افترقا.
واعلم أن جواب
الشرط قد يقع مبتدأ وخبرا إلا أنه متى وقع على هذا الوجه فلا بد من إلغاء قولك :
إن يأتني زيد فأنا أكرمه ، فإن حذفت المبتدأ بقي الفعل مرفوعا لأنه في موضع خبر
المبتدأ كقولك : إن يأتني زيد فأكرمه والمعنى فأنا أكرمه ، وإنما وجب إدخال الفاء
لأن المبتدأ والخبر جملة تقوم بنفسها وليس ل (إن) فيها تأثير ، لأنها ليست من
عوامل الأسماء فلو جاز أن يلي المبتدأ والخبر الشرط لم يعلم أنه متعلق به وجاز أن
يعتقد انقطاعه مما قبله ، فأدخلوا الفاء ليتصل ما بعدها بما قبلها ، وإنما كانت
أولى من سائر حروف العطف لأنها توجب أن
__________________
يكون ما بعدها عقيب ما قبلها وليس (الواو) ، كذلك لأنها توجب الجمع بين
شيئين ولا يكون لفظها دلالة على أن الجواب يستحق وقوع الشرط ، ولم يجز استعمال (ثم)
لأنها للتراخي فإذا اعتقد المشروط له تراخي الجزاء عن وقوع فعله لم يحرص على الفعل
، فلذلك لم يجز استعمال (ثم) ، واستعملت (الفاء) لما ذكرناه ، وقد يجوز حذفها في
الشعر. قال الشاعر :
من يفعل
الحسنات الله يشكرها
|
|
والشر بالشر
عند الله مثلان
|
أراد (فالله
يشكرها).
واعلم أن جواب
الشرط فعلا كان أو مبتدأ وخبرا [لا يجوز أن يتقدم عليه ، وما يتقدم على الشرط لا
يجوز أن يكون جوابا له فعلا كان أو مبتدأ وخبرا] لأن الغرض في الجواب استغناء الكلام فاستغنى الكلام به
إلا أنه لا يجوز أن تعمل فيه (إن) لأنها حرف والحروف ضعيفة العمل فلا يجوز أن تعمل
فيما قبلها كقولك :
__________________
أكرمك إن تأتني ، والأحسن إذا قدمت الجواب أن يكون ما بعد (إن) فعلا ماضيا ليكون ما بعدها غير
معمول فيه كجوابها ، ويحسن أن يكون مضارعا لأن الجواب قد تقدم وجاءت على أصلها ،
وليس ذلك كتأخير الجواب لما ذكرناه من مخالفة الأصل.
واعلم أن الفعل
ليس له من الأحكام في باب التبعيض ما للأسماء فلذلك لم يدخل فيه بدل التبعيض من
الكل ولم يجز أن تبدل الفعل من الفعل إلا أن يكون في معناه لأن البدل تبيين فلا
يجوز أن يبين الشيء بما لا تعلق بينه وبين المبين له ، ولا يجوز أن تبدل الفعل من
الفعل إذا لم يكن في معناه إلا على طريق الغلط / كما يقع ذلك في الأسماء.
واعلم أن الفعل
المضارع إنما يرتفع إذا وقع موقع الحال لأنه قد وقع موقع الاسم ، ومع ذلك فعوامل
الأسماء لا تعمل في الأفعال ولذلك استحقت الرفع وقد بينا هذا فيما مضى.
واعلم أن جواب
الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض إنما [هو] الجزم ؛ لأن ما تقدمه يتضمن معنى الشرط ألا ترى أن قولك
: أين بيتك أزرك؟ معناه : إن تعلمني بيتك أزرك ، وكذلك إذا قلت : ايتني أكرمك ،
وكذلك : لا تأتني أضربك ، معناه : إن تأتني أضربك ، وليت زيدا عندنا نكرمه معناه :
لو كان زيد عندنا أكرمناه و (لو) تضارع (إن) لأنها تقتضي جوابا كقولك : لو تكون
عندنا لأكرمناك ، فصار بمنزلة : إن تكن عندنا أكرمناك ، وكذلك حكم العرض فلما
تضمنت هذه الأسماء معنى الشرط قدر معها (إن) فانجزم الجواب بتقدير حرف الشرط ، فإن
رفعت الفعل في جوابها فعلى وجهين:
__________________
أحدهما : أن
يكون الفعل في موضع الحال كقولك : ائتني أكرمك.
وأما الوجه
الثاني : فعلى تقدير خبر ابتداء كأنك قلت : ائتني فأنا أكرمك.
وأما جواز حذف (أن)
ونصب الفعل بإضمارها فهو قبيح عند البصريين وذلك مثل قول طرفة :
ألا أيها ذا
الزاجري أحضر الوغى
|
|
وأن أشهد
اللّذات هل أنت مخلدي؟
|
فالوجه الرفع
في أحضر لأن (أن) موصولة بالفعل ولا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة ومع ذلك فهي
عامل ضعيف ، لأنه حرف من الحروف ، ولا يجوز أن تعمل الحروف مضمرة ، وقد أجازوا
النصب فيه ووجه جوازه إظهار (أن) في آخر البيت وهو قوله : وأن أشهد اللّذات ،
فصارت (أن) في هذا الموضع كالعوض من المحذوف.
وأما إذا لم
يكن في الكلام (أن) تنعطف على المضمرة فهو غير جائز ، والكوفيون يجيزون مثل هذا
ويجعلون هذا مثل (أن) بعد الفاء في الجواب إن شاء الله.
باب إضافة أسماء الزمان إلى الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر
اعلم أنه لا
يضاف من الأسماء إلى الجمل إلا ظروف الزمان ، و (حيث) من ظروف المكان ، وإنما خصت
ظروف الزمان بذلك لوجوه :
__________________
أحدها : أن
الفعل يدل على مصدر وزمان ، والزمان أحد الشيئين اللذين يدل عليهما الفعل ، فإذا
أضيفت الظروف من الزمان إلى الأفعال صارت بمنزلة إضافة البعض إلى الكل مثل : خاتم
حديد.
وآخر : يحكى عن
الأخفش أنه قال : لما كانت ظروف الزمان بأجمعها خاصها وعامها
لا يمتنع أن يكون ظرفا يتعدى الفعل إليها بغير واسطة وظروف المكان ما كان منها
خاصا لا يتعدى الفعل إليه نحو قمت في الدار ، ولا يجوز : قمت الدار ، كما تقول :
يوم الجمعة ، أضيف ظروف الزمان إلى الجمل عوضا من اختصاص ظروف المكان بما ذكرناه ،
ولما جاز أن تضاف ظروف الزمان إلى الفعل والفاعل جاز أن تضاف إلى المبتدأ والخبر ؛
لأن الفعل والفاعل جملة كالمبتدأ والخبر وظروف الزمان تقضى كتقضي الفعل فصارت كشيء واحد من هذا الوجه وكان الفعل
أيضا يدل على مصدره فقولنا / هذا يوم قيام زيد كقولنا : هذا يوم يقوم زيد ، فقد
تضمن يوم القيام فاعرفه.
وأما (حيث)
فجاز إضافتها إلى الجمل لأنها ضارعت (إذ) بسبب أنها مبهمة في المكان كإبهام (إذ)
في الزمان الماضي فكما وجب أن تضاف (إذ) إلى الجمل أوجبوا إضافة (حيث) إليها للشبه
الذي بينهما والمضارعة.
واعلم أن ظرف
الزمان إذا أضفته إلى الفعل الماضي جاز لك فيه وجهان : الإعراب ، والبناء كقولك :
أعجبني يوم قمت ، فترفع اليوم بفعله ويجوز أن تفتحه ويكون موضعه رفعا ، وإنما جاز
بناؤه لأنه أضيف إلى فعل مبني فأجري مجراه ، واختير فتحه لأن الكسر والضم بعد
الواو مستثقلان فعدلوا بهما إلى الفتح ومن
__________________
ذلك قول الشاعر :
على حين
عاتبت المشيب على الصبا
|
|
وقلت ألّما
تصح والشيب وازع
|
وأما من أعرب
فلأن الظرف متمكن في نفسه وهذه الإضافة استحقها لما ذكرناه فوجب أن يبقى على حال
تمكنه لأن ما استحقه من الإضافة لعلّة أوجبت له ذلك ، وقد يجوز أن يبنى مع المضارع
ايضا كقولك : أعجبني يوم تقوم ، إلا أن الإعراب مع المضارع أحسن لما ذكرناه ، وأما
جواز البناء ، فلأن ظروف الزمان قد خالفت جميع الأسماء بإضافتها إلى الجمل ، وخروج
الشيء عن نظائره نقص له فوجب لهذا النقص أن يبنى والله أعلم.
باب إنّ وأنّ
إن قال قائل :
لم وجب أن تكسر إن في الابتداء؟
قيل : للفصل
بينهما أعني بين إن وأن.
فإن قال قائل :
فما الحاجة إلى الفصل بينهما؟
قيل له : لأن
أن المفتوحة وما بعدها في تقدير اسم والمكسورة لا تكون مع ما بعدها اسما فلما اختلف حكمها وجب الفصل بينهما.
فإن قيل : فلم
خصت بالكسر وخصت الأخرى بالفتح؟
قيل له : لأن
الكسر أثقل من الفتح وأن المفتوحة قد قلنا إنها وما بعدها اسم ،
__________________
فقد طالت بصلتها ، والمكسورة مفردة الحكم ، فهي أخف منها فوجب أن يفتح
الأثقل ويكسر الأخف ليعتدلا.
فإن قيل : فلم
كسرت بعد القول وإذا كان في خبرها اللام؟
قيل : لأنها في
هذين الموضعين مبتدأة في الحكم ، وإنما وجب ذلك لأن القول إنما وضع في الكلام
ليحكى به ، والحكاية من شأنها ألا تغير لفظ المحكي.
فإذا قال
القائل : إن زيدا منطلق ، فأردت أن تحكي كلامه وجب أن نقول : قال عمرو : إن زيدا
منطلق ، كما تقول : قال عمرو زيد منطلق ، فصار ما بعد القول يجري مجراه في حال
الابتداء ، فلذلك كسرت بعد القول ، وأما كسرها إذا كانت اللام في خبرها فإن هذه
اللام هي لام الابتداء كقولك : لزيد أفضل من عمرو ، فإذا أدخلت وجب أن تكسر (إن)
قبلها ، لأن (إن) من عوامل الأسماء فلا يجوز أن تدخل على اللام وإنما تدخل على
الاسم ، فإذا كان الأمر على ما ذكرناه صار الأصل : إن زيدا منطلق ، فإذا أدخلت
اللام لم يجز أن تغير (إن) عن حاله كما لا تغير اللام المبتدأة عن حاله فيصير
اللفظ لان زيدا منطلق إلا أن اللام / وإنّ معناهما واحد لأنهما للتوكيد ويقعان
جوابا للقسم فلما اتفق معناهما كرهوا الجمع بينهما فأخروا اللام ، وإنما كانت أولى
بالتأخير لأن (إن) عاملة ، والعامل أقوى مما ليس بعامل ، فوجب تأخير الأضعف وهو
اللام ، فإذا أخرتها جاز أن تدخلها على الاسم إذا فصلت بينه وبين (أن) بظرف أو حرف
جر كقولك : إن في الدار لزيدا ، وإن شئت أدخلتها على الخبر إذا كان متأخرا كقولك :
إن زيدا لفي الدار.
واعلم أنك إذا
خففت هذه المكسورة جاز أن تعملها وتنوي التشديد ، لأنك لم تحذف التشديد حذفا لازما
، فصار حكمها مراعى فلذلك جاز أن تحذفها
__________________
ويبقى حكم (إن) على العمل كقولك : لم يكن زيد منطلقا ، ومن أبطل عملها فإنه شبهها بالفعل من جهة اللفظ دون المعنى ، فلما زال
لفظها سقط شبهها بالفعل فوجب أن يبطل عملها ، وحكم المفتوحة المشددة في التخفيف
والتثقيل وجواز العمل إلا في خصلة واحدة وهي أن (إن) المكسورة إذا خففت ارتفع ما بعدها بالابتداء
والخبر ، و (أنّ) المفتوحة المشددة إذا خففت أضمر فيها اسمها كقولك : قد علمت أن
زيد قائم ، تقديره : أنه زيد قائم ، فالهاء المضمرة اسم (أن) ، وإنما وجب ذلك في (أن)
المفتوحة ولم يجب ذلك في المكسورة ؛ لأن المفتوحة قد قلنا : إنها وما بعدها اسم
فلا تخلو من عامل يعمل فيها فلم يجز إلغاء حكمها ، فلذلك وجب أن يضمر اسمها لثبات
حكمها في الكلام ، وأما المكسورة فهي تقع في صدر الكلام فإذا ارتفع ما بعدها لم
يكن بنا ضرورة إلى تقدير اسم فيها ؛ لأنه يمكن أن تقدرها حرفا غير عامل من الحروف
غير العوامل نحو (هل) و (بل) وما أشبهه.
واعلم أن أفعال
القلوب تنقسم ثلاثة أقسام أحدها : يقين ، نحو : عرفت وعلمت ، والثاني : شك ورجاء
نحو : رجوت وخفت ، والثالث متوسط بين اليقين والشك وهو الظن والحسبان.
وأما علمت
ونحوها فلا يجوز أن تقع بعدها (إن) المخففة من الثقلية ويجوز أن تقع بعدها (أن)
المفتوحة الخفيفة من الثقيلة مشددة وغير مشددة نحو : قد علمت أنك تقوم فإذا خففتها
وبعدها الفعل أضمرت الاسم على ما ذكرنا وعوضت من التخفيف إذا كان بعدها الفعل أحد
أربعة أشياء : أحدها السين ،
__________________
والآخر سوف ، والثالث قد ، والرابع لا ، كقولك : قد علمت أن ستقوم كما قال
الله عزوجل : (عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٧٣ / ٢٠] ، وكذلك علمت أن سوف تقوم ، وعلمت أن قد قمت ، وهذه
الأعراض الثلاثة متى دخلت بعد (أن) لم تكن إلا مخففة من الثقيلة وأما (لا) فقد تقع
عوضا وغير عوض ، فإذا كانت عوضا ارتفع الفعل بعدها لأنها في موضع خبر (أن) وإذا لم
تكن عوضا وكانت (ان) خفيفة انتصب الفعل بعدها كقوله عزوجل : (وَحَسِبُوا أَلَّا
تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة : ٥ / ٧١] ، وقرئ بالرفع ، فمن رفع جعل (أن) مخففة من الثقيلة
وأضمر اسمها وجعل لا عوضا فارتفع الفعل لأنه في موضع خبر (أن). ومن نصب جعل (ان)
خفيفة نفسها ولم يجعل لا عوضا فعملت (أن) في الفعل فنصب بها.
وهذا القسم
الثاني / من الأفعال يجوز أن يقع بعده المشددة والمخففة ، وإنما جاز فيه وجهان
لأنه متوسط بين العلم والخوف ، فإذا غلب أحد طرفيه وهو العلم صار بمنزلة لو شددت (أن)
بعده وإذا غلب الطرف الثاني وهو الرجاء أو الخوف لم يجز أن يقع بعده إلا (أن)
الخفيفة نفسها الناصبة للأفعال لأن باب الرجاء والخوف ليس بأمر مستو ، والمشددة
إنما تدخل لتحقيق الكلام فجاز أن تدخل بعد العلم وما جرى مجراه لأنه شيء ثابت
فتحققه ب (أن) وأما الرجاء والخوف ، فلما لم يكن شيئا ثابتا استحال تحقيقه ، فلذلك
لم يجز أن تدخل بعده المشددة إلا على ضرب من التأويل وحمله على باب الظن إذ كان قد
أجري مجرى العلم لما ذكرناه وكذلك يجوز أن نجري الحروف مجرى الظن لما بينهما من
المشابهة.
__________________
فإن قال قائل :
فلم زعمتم أن (أن) ليست باسم وأنها مع ما بعدها اسم وخالفت حكم (الذي) بالفصل بينهما؟
قيل له : إن (أن)
لو كانت في نفسها اسما لم يجز أن تخلو صلتها من ضمير يرجع إليها كما أن الذي لما
كان اسما في نفسه لم يجز أن يوصل بجملة إلا وفيها ذكر يرجع إليه ألا ترى أنك تقول
: قد علمت أنك تقوم ، ولا يجوز علمت الذي أنت تقوم ، حتى تقول إليه فلذلك افترقا.
واعلم أن (إن)
التي تزاد بعد (ما) إنما زيدت بعد (ما) لتلغي معها (ما) فلا تعمل أعني (ما) في لغة
أهل الحجاز وإنما وجب إبطال عملها عند دخول (إن) عليها كما وجب إبطال عمل (إن) إذا
دخلت (ما) عليها وقد بينا ذلك فيما مضى ويجوز أن يكون زادوها بعد (ما) لتوكيد معنى النفي إذ
كانت (إن) قد تستعمل للنفي.
واعلم أن (إن)
التي بمعنى (ما) مختلف فيها فبعض النحويين يعملها عمل (ما) في لغة أهل الحجاز
كقوله : إن زيد قائما ، وبعضهم لا يعملها فمن أعملها فلمشاركتها (ما) في المعنى ،
وإنما عملت عمل (ليس) من جهة النفي لا من جهة اللفظ فلما شاركت (إن) ل (ما) في
المعنى وجب أن يستوي حكمها ولم يجز ذلك فحجته أن القياس في (ما) لا تعمل شيئا فإذا
خالفت العرب جهة القياس فليس لنا أن نتعدى ذلك لأن القياس لا يوجبه الأصل ، والأصل
أن يكون ما بعدها مبتدأ وخبرا ، فلذلك لم تعمل.
واعلم أن (أن)
المفتوحة تقع بمنزلة (أي) التي تستعمل على طريق العبارة والحكاية ، ويجب أن يكون
ما بعدها كلاما تاما والذي بعدها عبارة عنه ، فإن لم
__________________
يكن في معناه لم يجز ، وجعلوا (أي) لهذا المعنى ليكون لهم حرف يعبر عن
المعنى ويكون باب القول يحكي به اللفظ بعينه ، فلذلك وضعت (أن) بمنزلة (أي)
للعبارة.
وأما (أن) التي
بمعنى (نعم) فإما استعملت على هذا الوجه لأن (نعم) إيجاب واعتراف و (إن) تحقيق
وإثبات فلتضارعهما في المعنى حملت (إنّ) على (نعم).
فإن قال قائل :
فلم زيدت أن المفتوحة بعد (لمّا) ولم تزد المكسورة وزيدت المكسورة بعد (ما) ولم /
تزد المفتوحة؟
فالجواب في ذلك
أن (ما) لما زيدت على المكسورة وجب أن تزاد هي على (ما) لتشاكلها لفظ المكسورة وفي
ذلك أيضا تحقيق للنفي إذا كان أصل النفي (ما وإن) قد استعملت للنفي فصار إدخالها
عليها مؤكدا لمعناها فأما (لما) ففيها معنى الشرط كقولك : لما جاء زيد جئت ، و (إن)
هي أصل الجزاء فلم تزد (أن) على (لما) لئلا يكون الأصل تابعا للفرع أعني بالفرع (لما)
المشبهة لبعض حروف الجزاء لما فيها من معنى الجزاء ، وخصوا لمّا بالمفتوحة أعني (أن)
لأن لما كان فيها معنى التوقع أعني في أن وكانت غير محققة للشيء وتدخل بعد أفعال
الرجاء والخوف خصت بالزيادة بعد (لما) لتوكيد معناها والله أعلم.
باب أم وأو
إن قال قائل :
لم وجب أن يكون الجواب في (أم) بأحد الاسمين ويقع الجواب في (أو) بلا أو نعم ؟
قيل له : لأن
ترتيب (أم) أن تقع سؤالا بعد سؤال ب (أو) وذلك أن (أو) معناها
__________________
أحد الشيئين ولا تنقل عن هذا المعنى استفهاما كانت أو خبرا كقولك : جاءني
زيد أو عمرو ، فمعنى هذا الكلام جاءني أحدهما ، وإنما تخبر أن أحد الشخصين جاءك ،
فإذا استفهمت عن هذا فقلت : أجاءك زيد أو عمرو؟ فإنما تسأل عن أحدهما لأن المعنى أحدهما جاءك ، فلما كانت في
الاستفهام سؤالا عن واحد غير معين جرت مجرى السؤال عن واحد معين كقولك : هل زيد
عندك؟ فلما كان الجواب ب (لا) إن لم يكن عنده زيد أو ب (نعم) إن كان عنده زيد ،
وجب أيضا أن يكون الجواب على هذا السبيل لحصول أحد الشيئين عنه بغير عينه فبيّنا
له [بعد] ذلك ب (أم) لتعيين الشخص فيقول أزيد أم عمرو؟ فلما كانت
(أم) ترتيبها على ما ذكرناه لم يجز أن يقع الجواب ب (لا) لأن المستفهم قد استقر
عنده حصول شخص من الشخصين ولا يبقى هذا الاعتقاد الذي أوجبه حكم اللفظ إلا [أن] يكون عند المسؤول أحدهما ، فلذلك لم يجز أن يقع الجواب
في (أم) إلا بأحد الشخصين ، فإن كان المسؤول يعتقد أن السائل قد أخطأ في هذا
الاعتقاد أنه ليس عنده واحد من الشخصين أجابه بأن يقول ليس عندي واحد منهما ليبين
له فساد اعتقاده.
واعلم أن (أم)
التي تكون مع ألف الاستفهام بمنزلة (أي) امتحانها أن يحذف لفظ الألف و (أم) ويجمع
ما يلي [الألف] إلى جانب [أي] (٥) ويصح الكلام ، فمتى كانت (أم) مع ألف
الاستفهام على هذا السبيل فهي بمنزلة (أي) والجواب يقع فيها بأحد الاسمين كقولك : أزيد
عندك أم عمرو؟ ألا ترى أنه يصح أن تقول : أيهما عندك؟. فلو قلت : أزيد عندك أم
عمرو؟ ألا ترى أنه يصح أن
__________________
تقول : أيهما عندك؟ فلو قلت : أزيد عندك أم عمرو عندك؟ لكان هذا الكلام
سؤالين ، ولم تكن (أم) مع الألف بمنزلة (أي) ، ألا ترى أنك لو جمعت الاسمين إلى
جنب (أي) لصار اللفظ : أيهما عندك؟ فيكون الظرفان من غير فائدة وتكريرهما على هذا
السبيل فاسد ، فلا يصير بمنزلة (أي) وصار السؤالان مفردين وكذلك / إذا كان قبل الاستفهام ألف فهو سؤال
مبتدأ فيها إضراب عما قبلها خبرا كان أو استفهاما فلهذا شبهوها ب (بل) فيها إضرابا
عما قبلها ، وأما (أم) فهي وإن دخلها معنى الإضراب عما قبلها فمعنى
الاستفهام حاصل ، وتخالف الألف من جهة أن الألف مبتدأ بها في الاستفهام ، كقولك :
أزيد عندك؟ و (أم) لا يبتدأ بها ؛ لأنها قد أدخلت بعد الألف عاطفة ما
بعدها على ما يلي الألف ، فلما أدخل (أم) في حروف العطف وحروف العطف لا يبتدأ بها
لم يجز الابتداء بها لما ذكرناه.
واعلم أن (أم)
دخلها معنى التسوية بين الشيئين في الجهالة ، نحو قولك : زيد عندك أم عمرو ، فلما
ساغ فيها هذا المعنى جاز أن يستعار في كل موضع أردنا فيه التسوية بين الشيئين
كقولك : قد علمت أزيد عندك أم عمرو ، فمعنى هذا الكلام خبر ولفظه استفهام ، وإنما
دخل الاستفهام هاهنا لما أردنا من معنى التسوية بين الاسمين في العلم والفائدة في
ذلك.
إن المتكلم
أراد أن يعلم المسؤول أنه قد علم ما كان يسأل عنه ، ولم يخرج في اللفظ معينا على
الشخص بعينه ليخرج المسؤول أن يسأله عن ذلك ولضرب من العوض ، فلذلك دخلت (أم)
والألف في هذا الموضع إن شاء الله.
__________________
باب ما ينصرف وما لا ينصرف
إن قال قائل :
من أين زعمتم أن أصل الأسماء الصرف؟
فالجواب في ذلك
أن الأسماء كلها نوع واحد ، وإنما منع الصرف بعضها بشببها في الفعل ، والفعل حادث
لأنه مشتق من الاسم ، فإذا استقر التنوين لبعض الأسماء وجب أن يكون لجميعها
لاشتراكها في الاسمية ، وصار ما منع التنوين إنما هو من أجل شبهة بالفعل الحادث.
فإن قيل : فما
الذي أحوج إلى دخول التنوين؟
قيل له : لأن
واضع اللغة لما علم أن بعض الأسماء مشبهة بالفعل وبعضها لا يشبه الفعل ألحق
التنوين ما لم يشبه الفعل ليكون لحاق التنوين فصلا بين ما ينصرف وما لا ينصرف ، فصار للاسم أصلان ؛ أحدهما أن الأسماء تستحق التنوين لو لم تشبه الفعل
لأنه زيادة لا يحتاج إليها ، فلما قدر حدوث الفعل ألحق التنوين لبعض الأسماء فصار
هذا الأصل الثاني وهو لحاق التنوين في الاستعمال لأن الأصل المستحق لما قبل حدوث
الفعل.
فإن قال قائل :
من أين صارت العلل التسع توجب منع الصرف؟
فالجواب في ذلك
: أن الفعل لما ثبت أنه فرع على الاسم وكانت هذه العلل فروعا إذ التنكير داخل على التعريف وذلك أصل في الأسماء وتلك
الأسماء الأجناس وهي نكرات حتى يدخل عليها ما يعرف العين الواحد من الجنس فثبت
__________________
أن التعريف فرع على التنكير وكذلك التأنيث فرع على التذكير لأن كل اسم شيء
يقع عليه اسم ، والشيء مذكر فوجب لهذا / أن يكون الأصل التذكير ، ومع ذلك فإن لفظ
التأنيث زائد على لفظ التذكير كقولك : قائم وقائمة ، وما كان زائدا فهو متفرع عن الأصل لزيادته عليه ، والعجمة فرع لأنها دخيلة في
كلام العرب ، والجمع فرع على الواحد ؛ لأنه يركب منه ، ومثال الفعل فرع وما أشبه
الفرع فحكمه حكم الفرع إذ كان أصل البناء الذي منع الصرف هو الأفعال دون الأسماء ،
ألا ترى أن المثال الذي يشترك فيه الفعل حكمه حكم الفرع والاسم لا يمتنع الصرف
كرجل سميته ب (ضرب) لأن نظيره من الأسماء جمل فصار المثل الذي يختص [يوجب] منع الصرف مختصا بالفعل ، فلذلك كان فرعا في الاسم ،
والصفة فرع لأنها تابعة للموصوف ومن أجله دخلت فلما استقرت هذه الأشياء فروعا
شابهت الفعل لما ذكرناه.
فإن قال قائل :
فلم يمتنع الاسم من الصرف بوجود هذه الفروع فيه؟
قيل له : لأن
الشبه من وجه واحد ليس يقوى وذلك أن شيئين متشابهين يتشابهان من وجه واحد فصاعدا ،
فلما كان الشبه من وجه واحد لا تأثير له لم ينقل الاسم بهذا الشبه فيزول عن أصله
وهو الصرف ، فإذا اجتمع في الاسم فرعان مما ذكرنا أو فروع مما تقوم مقام فرعين ثقل
الاسم والتنوين زيادة عليه فمنعوه وشبهوه بالفعل وجعلوا جره كنصبه إذ كان الجر لا
يدخل الأفعال فلهذا أشبه هذا النوع الأفعال [ف] منعوه ما لا يدخلها وهو الجر وجعلوا لفظه كلفظ المنصوب
، كما جعلوا النصب في التثنية والجمع كالجر لما بينهما من المشابهة.
__________________
واعلم أن أفعل
إذا كان صفة مثل : أصفر وأحمر ، وسميت به لم ينصرف عند سيبويه وانصرف في النكرة عند الأخفش فحجة سيبويه أن أفعل قبل أن يسمى به اسم وإن كان صفة
وقد كان في حال التذكير غير منصرف فإذا سميت به فحكم الصفة لم يرتفع عنه وتصير
التسمية به كالعارية ، فإذا نكر عاد إلى موضع قد كان لا ينصرف فيه ، والدليل على
صحة ذلك إجماع النحويين على قولهم : مررت بنسوة أربع ، فيصرفون أربعا لأنه اسم
استعمل وصفا ولو راعوا فيه حكم الوصف لم ينصرف في هذه الحال لأنه على وزن الفعل
وهو صفة فلما تقوى حكم الاسم بأن استعملوه صفة ، وكذلك أنه وإن استعمل اسما فحكم
الصفة باق فلذلك انصرف ، وأما الأخفش فذهب إلى أن أحمر إنما امتنع من الصرف في
النكرة لأنه على وزن الفعل وهو صفة فإذا سمي به زال عنه حكم الصفة فامتنع من الصرف
؛ لأنه معرفة ولأنه على وزن الفعل ، فإذا نكرته بقيت علّة واحدة وهي وزن الفعل
فلذلك انصرف ، وقد بينا فساد هذا القول وأما إن سميت رجلا (يشكر) أو
(يزيد) وما أشبه ذلك فإنه ينصرف في النكرة لأن (يزيد ويشكر) وأشباههما قبل التسمية
أفعال ، فلو سميت بها انتقلت عن أصلها بالكلية وصارت الأسماء لا يتعلق الفعل بها
وامتنعت من الصرف بوجود التعريف ، ومثال الفعل فإذا / نكرتها انصرفت لبقاء علّة
واحدة فيها.
وأما أحمر وما كان على وزن أفعل من فلان مما يستعمل في
التفضيل نحو قول : زيد أفضل من عمرو ، وأحسن من فلان ، فإنك إن سميت بها أعني
بواحد
__________________
من هذه الصفات فحكمه كحكم أحمر ، والخلاف كالخلاف في أحمر ، أعني إن سميت
بهذه الصفات مع من فإن سميت بإحداها دون من انصرف في النكرة بلا خلاف ، وإنما
انصرف في النكرة ؛ لأنه قد زال عن حكم الصفة ؛ لأنه إنما استعمل صفة بمن فلما
سميته بأفعل دون من كان كأن لم تسمه بالصفة وكان الذي منعه من الصرف في حال
التسمية التعريف ووزن الفعل فإذا نكرته زالت عنه إحدى العلتين فانصرف في النكرة.
واعلم أن ما
كان على ثلاثة أحرف من أسماء المؤنث أوسطه ساكن فبعض العرب يصرفه وبعض العرب لا
يصرفه . والفرق بينهما أن العجمة في الاسم ليست كحكم الزائد عليه لأن لغة العجم
مشتركة بسائر اللغات فلهذا لم يثقل حكمها وانصرف الاسم إذ كان على ثلاثة أحرف
متحركا أوسطها أو ساكنا ، وأما التأنيث فحكمه زائد على حكم المذكر ، وإن لم يكن
لفظ التأنيث موجودا فيه ، إلا أنه مراعى من جهة الحكم ، والدليل على ذلك أنك لو
صغرت هندا اسم امرأة لقلت : هنيدة ، فعلمت أن علامة التأنيث مراعاة فصار
التأنيث أثقل لفظا ومعنى ، فلذلك صار حكم التأنيث أقوى من حكم العجمة ، وأما إذا
سميت امرأة ب (زيد) فكثير من النحويين لا يصرفون ويفرقون بينه وبين هند ، والفرق
بينهما أن زيدا من أسماء المذكر وخفيف في الاسم فتسميتك المؤنث به إخراج له من حكم
الأخف فصارت علتان التعريف والتأنيث فلذلك لم ينصرف في المعرفة وليس كذلك حكم هند
لأنه من أسماء المؤنث لم يحصل فيه حكم يوجب ثقله فلذلك جاز أن تجعل خفته مقاومة لأحد الثقيلين.
__________________
فإن قال قائل :
فما الفرق بين تسمية المذكر بمؤنث على ثلاثة أحرف وبين تسميته بما زاد على الثلاثة؟
فالجواب في ذلك
: أن ما كان على ثلاثة أحرف ينصرف متحرك الأوسط كان أو ساكنا ، ولا ينصرف ما زاد
على الثلاثة أحرف كرجل سميته بقدم ، فإنه ينصرف ولو سميته بعقرب لم ينصرف ، والفصل
بينهما أن المؤنث إذ كان على ثلاثة أحرف فسمي مذكرا فإنه ينتقل عن حكم التأنيث
بالكلية ويصير إلى المذكر ، والدليل على ذلك أنك لو صغرته بعد التسمية لم ترد
الهاء فيه ولو كان حكم التأنيث فيه باقيا لظهرت هاء التأنيث في التصغير ، فهذه
الدلالة علمتنا أنه قد انتقل عن حكم التأنيث وصار مذكرا ، وأما ما زاد على ثلاثة
أحرف وهو مؤنث فإن الحرف الرابع جعل مثل هاء التأنيث ، والدليل على ذلك أنك لو
صغرت عقربا قبل التسمية وبعدها لم [يثبت] فيهما هاء فعلمنا أن الحرف الرابع قد أجري مجرى حرف
التأنيث ، فإذا سميت به مذكرا فإنك سميته بما فيه علامة التأنيث فلذلك لم ينصرف
وفارق حكم الثلاثة /.
واعلم أن ما
عدل عن العدد نحو : أحاد ومثنى إلى معشر وعشار ففي منع صرفه وجوه :
أحدها : قد
ذكرناه في الشرح.
والثاني : أنه
عدل عن اللفظ والمعنى فقام هذا العدل مقام علتين ، والدليل على أنه عدل عن معناه
أنه لا يستعمل في موضع ما يستعمل فيه الأعداد غير المعدولة
__________________
ألا ترى أنك تقول : جاءني اثنان وثلاثة ولا يجوز أن تقول جاءني مثنى وثلاث
حتى تقدم قبله جمعا لأنه جعل بيانا لترتيب الفعل.
فإذا قال
القائل : جاءني القوم مثنى أفادنا أن ترتيب مجيئهم قد وقع اثنين اثنين ، وأما
الأعداد نفسها فإنما الغرض فيها الإخبار عن مقدار المعدود دون غيره فقد بان بما
ذكرناه اختلافهما في المعنى فلذلك جاز أن تقوم العلّة مقام علتين لإيجابها حكمين
مختلفين.
ووجه ثالث : أن
الظاهر في هذه الأعداد المعدولة أن تكون معدولة من المؤنث ، فإذا كان المعدول من
المؤنث الذي لا هاء فيه كان أخف ، فصار معنى التأنيث الذي فيها مع الصفة علتين ،
فلذلك لم ينصرف ، فأما (آخر) فالذي أوجب أن يكون معدولا عن الألف واللام أن
الواحدة منه أخرى مثل الفعلى وباب الفعلى والأفعل تستعمل بالألف واللام أو بمن
كقولك : زيد أفضل من عمرو ، وإن شئت قلت : زيد الأفضل ، فكان القياس أن يقال : زيد
آخر من عمرو كما يقال : أقدم من عمرو ، إلا أنهم حذفوا (من) والسبب في ذلك أن معنى
الآخر بعد أول فلما صار لفظها مقتضيا لمعنى (من) أسقطوا (من) اكتفاء بدلالة اللفظ
عليها ، والألف واللام تعاقب (من) فلما جاز استعمالها بغير (من) جاز استعمالها
أيضا بغير ألف ولام فصار الآخر والأخرى معدولين عن حكم نظائرهما ؛ لأن الألف
واللام استعملا فيها ثم حذفا ، والدليل أن العدل إنما كان على طريق الذي ذكرناه
دون الآخر والأخرى أنه لو كان الآخر والأخرى قد استعملا بالألف واللام ثم عدلا عن
الاستعمال لوجب أن يبقى حكم التعريف بالألف واللام فيهما كما أن (سحر) لما عدل عن
استعمال الألف واللام بقي معرفة فدل تنكير آخر وأخرى أنهما لم يعدلا ما استعمل فيه
، وإنما عدلا عن نظائرهما.
فإن قال قائل :
فالخروج عن الأصل يوجب للاسم البناء فهلا بنيتم آخر وأخرى لخروجهما عن نظائرهما؟
قيل له : إن
آخر وأخرى وإن خرجا عن حكم نظائرهما فليس هو خروجا مباينا لما عليه الأسماء ،
وإنما خروج عن حكم تعريف إلى حكم تنكير ، وأكثر الأسماء يلحقها التعريف والتنكير ،
فلم يكن لهذه المخالفة قوة توجب في آخر وأخرى [البناء] وما خرج من الأسماء عن نظائره وصار بهذا الخروج مشبها
للحروف فهذا المستحق للبناء فلذلك لم يستحق آخر وأخرى البناء لأنه قد نقص بهذا
العدل درجة وعن حكم في أخواته ، فجعل هذا من أقسام العلل المانعة للصرف فاجتمع في
آخر وأخرى في حال التنكير العدل على ما ذكرناه ، والصفة فلذلك لم ينصرفا.
فإن قال قائل :
/ فكيف جاز أن تقول جاءتني امرأة أخرى ، ولم يجز أن تقول جاءتني امرأة فضلى ؟
قيل له لما كان
أخرى قد أجري مجرى ما فيه الألف واللام اللتين تعاقبان (من) وجاز أن تقول : جاءتني
المرأة الفضلى صار أخرى ، وإن لم تكن فيه الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام
من أخواته ، وإنما لم يجز أن تقول : جاءتني امرأة فضلى ، لأنه يجب أن تستعمله
بالألف واللام فتقول : جاءتني المرأة الفضلى ، فأما إذا استعملتها بمن لم يجز فيه
لفظ التأنيث ، وكان على لفظ التذكير في المذكر والمؤنث كقولهم : مررت برجل أفضل
منك وبامرأة أفضل منك وكذلك حكمه في التثنية والجمع إذا استعمل (بمن) وافترقا إذا استعمل
بالألف واللام فثني وجمع وأنث.
__________________
قيل له : الفصل
بينهما أنك إذا قلت : زيد أفضل من عمرو ، فإنما نقصد إلى فضل زيد على عمرو ، فصار
الفضل بمعنى المصدر ، والمصدر قد بينا أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فلذلك لزم
طريقة واحدة ، وأما ما دخلته الألف واللام فيصير وصفا للذات كقولك : زيد أفضل ،
فلما صار صفة للذات جرى مجرى أصفر وأحمر فكما أن أصفر وأحمر يثنى ويجمع وكذلك
الأفعال والفعلى.
فإن قال قائل :
فلم صار ما في آخره ألف ونون نحو عثمان وبابه يمتنع من الصرف؟
قيل له : لأن
الألف والنون في آخره زائدتان كالألف والنون في سكران ، وهاء التأنيث لا تدخل على
ما كان مثل عثمان من الأسماء كما لا تدخل هاء التأنيث على سكران فجرى مجراه ،
فلذلك لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة ؛ لأنه لم يبلغ بالشبه مبلغ سكران ،
وذلك أن سكران مشابه لباب حمراء من أكثر الوجوه ، وعثمان أشبه ما أشبه المؤنث فلذلك
صارت علّة الشبه في عثمان أقل حكما منها في سكران. فأما عريان فمنصرف وإن كان صفة
وفيه ألف ونون لأن الألف والنون في عريان ليسا بمنزلتهما في سكران وذلك أن هاء
التانيث تدخل فيه كقولك : امرأة عريانة ، وإنما ساغ ذلك لأنه صفة ، وعثمان وبابه أسماء لا تغير عن موضعها ،
فلما خالفت الألف والنون في عريان الألف والنون في سكران لم تشبها التأنيث فلذلك
انصرف.
واعلم أن ما
جعل من الأسماء اسما واحدا نحو : حضرموت ، ومعدي كرب ، وقالي قلا ، وبعلبك ، وما أشبه ذلك فلك فيه وجهان : إن شئت جعلت
__________________
الإعراب في آخر الاسم الثاني فبنيت الاسم الأول على الفتح إلا أن يكون في
آخره ياء فتبنيه على السكون نحو : معدي كرب ، والوجه الثاني : أن تضيف وتجعل
الإعراب في آخر الاسم الأول ، وإنما جاز الوجهان جميعا لأن أحد الاسمين غير الآخر
فجاز أن تشبهه بالمضاف والمضاف إليه ، ولأن الاسمين جميعا هما لشخص واحد فيجوز أن
تقدر الاسم الأول في حشو الكلمة الثانية ، فإذا صار الاسم الأول في تقدير بعض اسم
وجب أن يبنى إذ كان بعض الاسم مبنيا. /
وإنما بني على
الفتح لأن تركيب الاسمين اسما واحدا مستثقل فوجب أن يختار له أخف الحركات لثقله ،
وإنما وجب أن يبنى الاسم الأول على حركة لأنه كان آخر الحروف حرف إعراب وحرف
الإعراب يستحق الحركات [و] لما أزيل الإعراب لما دخله من البناء لم يخل من الحركة
؛ ليدل بحركته أنه مما استحق الإعراب إذ كان ياء قبلها كسرة لم يدخلها من الحركات
إلا الفتح ، فلما كان حكم هذه الياء في حال الإعراب انقص رتبة من غيرها وكانت
الحروف التي تستثقل فيها الحركات يبنى على الفتح وجب أن تنقص الياء رتبة من الفتح
في هذه الحال ، وليس بعد الفتح انقص رتبة من السكون ؛ فلذلك ثبتت على السكون ،
وبعض العرب يسكنها أيضا في حال الإضافة لتدلّ بإسكانها أنها مما يستحق السكون في
حال البناء ومساغ الإضافة ، وهذه الأسماء غير واجب فجاز أن تعطى البناء لجواز
الأمرين فيها.
واعلم أن الاسم
الثاني إذا كان مما يعلم تنكيره انصرف في حال الإضافة نحو : بعلبك وحضرموت وأما
معدي كرب فبعض العرب يصرف كربا وبعضهم لا يصرفه ، فمن صرف فلأن لفظه لفظ مذكر فحمله على أصل الأسماء من الصرف ، ومنهم من
لا يصرف لأنه اعتقد في كرب أنه مؤنث.
__________________
واعلم أنك إذا
سميت رجلا بفعل لا نظير له في الأسماء لم ينصرف نحو : دحرج ، وضرب ، إذا لم تسم
فاعله ، فإذا سميته بفعل على لفظ ما سمي فاعله وله نظير في الأسماء انصرف ، وإنما
وجب ذلك لأن أصل الأسماء الصرف ، وإنما تثقل الأسماء إذا كانت على وزن يختص بالفعل فتثقل لثقل الفعل ، فإذا كان المثل
مشتركا للاسم والفعل كان حمل الاسم على أصله أولى من نقله عنه إذ لم يغلب
عليه ما يوجب الثقل ، وقد حكي عن عيسى بن عمر أنه لا يصرف رجلا سمي بضرب ويحتج بقول الشاعر :
أنا ابن جلا
وطلّاع الثّنايا
|
|
متى أضع
العمامة تعرفوني
|
فحكى أن الشاعر
لم ينون [جلا] وهو على وزن ضرب فدل على أن ضرب لا ينصرف وفي هذا البيت وجهان غير ما ذهب
إليه عيسى بن عمر :
أحدهما : أن
يكون أراد الشاعر الحكاية لأنك إذا سميت رجلا بضرب جاز أن تحكي حال التثنية والجمع
، وإنما جاز ذلك لأنه قد كان قبل التثنية له حال
__________________
مستقرة في الاستعمال فصارت في التسمية كالمستعارة فلذلك جاز أن يحكى حاله
فكان التقدير : أنا ابن الذي يقال له جلا الأمور وكشفها.
والوجه الثاني
: أن تقدر في (جلا) ضميرا ، وإذا قدر فيه ضمير لم تجز فيه إلا الحكاية لأنه جملة ،
والتسمية بالجمل لا تجوز فيها إلا الحكاية ، فإن سميت رجلا ب (قيل) و (رد) صرفته ؛
لأنه وإن كان في الأصل وزنه فعل فالكسرة في وسطه قد زالت ، وخرج إلى نظير الأسماء
نحو : ديك ، وبر ، والاعتبار في منع الصرف ثقل الفعل فلما زال اللفظ الذي يختص
باللفظ زال حكم الفعل ، والدليل على ذلك أنك لو سميت رجلا مساجد لم تصرف لثقل
اللفظ فلو صغرته انصرف لأنه يصير إلى لفظ مسجد / فيزول عنه الثقل الذي أوجب منع
الصرف ، وهو الشبه بالجمع وليس كذلك ثقل التأنيث ، لأنه لا يعتبر في التأنيث ثقل
لفظ المعنى فلذلك افترق حكم التأنيث وحكم الشبه بالفعل إذ كان الفعل ليس له إلا
حكم واحد وهو ثقل اللفظ.
واعلم أن تقدير
المعدول من باب (فعل) أن يكون المعدول عنه معرفة نحو : عمر من عامر ، وزفر من زافر
، عدل إلى هذا اللفظ للتخفيف فبقي حكم التعريف الذي كان في الأصل ولذلك لم ينصرف.
باب أسماء الأرضين
اعلم أن الأصل
في أسماء البلدان التأنيث لغلبته عليها في كلامهم وإنما يذكّر بعضها وقد ذكرنا ما
يذكرونها ، وإنما ساغ فيها هذا لأن تأنيثها ليس بحقيقي وإنما تؤنث إذا ذهب بها
مذهب البقعة والبلدة ، فلما كانت البلدان كلها يسوغ فيها هذان التقديران جاز أن
يذكر ويؤنث.
واعلم أن ما
غلب في كلامهم تذكيره يجوز تأنيثه على ما ذكرنا [و] إذا
__________________
قدرنا مؤنثا لم ينصرف ، وكذلك ما غلب عليه في كلامهم التأنيث جاز أن يذكر
على أنه يراد بذلك الاسم المكان والبلد فيصرف وإنما ساغ تذكير ما ذكرنا منها لأنها
كثيرة في كلامهم إذ كانت أماكن قريبة من العرب نحو : حراء وقباء وما أشبه ذلك ، فأما واسط فإنما غلب عليه التذكير لهذا المعنى.
فإن قال قائل :
لم صار الغالب على البلدان التأنيث؟
قيل له : قد
لحقها نقص من جهة المعنى وذلك أن الأرض بأسرها تسمى أرضا ومكانا وليس كذلك حكم
الجمل ألا ترى أن بعض الأسماء لا تسمى باسم جملة فلما نقصت الأماكن عن حكم الأسماء صارت
مضارعة للتأنيث إذ كان التأنيث أنقص حكما من حكم التذكير.
ووجه آخر : أن
البلد لما كان اسما لأماكن كثيرة فشابه الجمع إذ كان مشتملا أشخاصا كثيرة ، فمن حيث أنث الجمع أنث أسماء البلدان.
ووجه ثالث : أن
البلد لما خص بنية مخصوصة تخالف بها غيره من البلدان جرى مجرى الدار إذ كانت الدار
والبلد إنما يحتاج إليها للإقامة فيهما والسكنى ،
__________________
فمن حيث كان الغالب على الدار التأنيث وجب أيضا أن يغلب على البلدان
التأنيث والله أعلم.
باب ما كان من أسماء النساء معدولا
اعلم أن ما كان
على (فعال) تريد به الأمر فإنما استحق البناء لأنه قام مقام فعل الأمر كقولهم :
تراك زيدا ، تريد : اترك زيدا ، وكذلك مناع زيدا ، أي امنع زيدا ، فلما قام مقام فعل وجب أن يبنى على السكون ، فالتقى
في آخره ساكنان فكسر الآخر لالتقاء الساكنين على أصل ما يجب فيهما إذا التقيا.
واعلم أن
سيبويه يجيز القياس على ما سمع من كلام العرب في هذا الباب ، فيجيز ضراب زيدا ، أي اضرب زيدا ، وإنما جاز القياس على دراك وبابه
لكثرة العدل في باب الأفعال الثلاثية ، فلما كثر واطرد أجاز القياس عليه ، وأما ما
كان معدولا من الفعل الرباعي فالقياس لا يجوز عليه ؛ لأنه لم يسمع إلا في حرفين
أحدهما عرعار وهي / لعبة يلعبون بها وقرقار من السحاب المقرقر بالرعد
كما قال الشاعر :
قالت له ريح
الصّبا قرقار
|
|
فاختلط المعروف
بالإنكار
|
__________________
فلما لم يكثر
لم يجز القياس عليه وأما ما ذكرنا عن الصفة الغالبة وما كان في معنى المصدر وما
كان اسما غالبا فعلّة بنائه حمله على فعل الأمر ، وإنما حملت لأنها مشاركة له في
اللفظ والمعنى ، وأما من جهة اللفظ فلاشتراكهما في العدل وأنهما مؤنثان. فلما
شاركت هذه الأشياء الثلاثة فعال التي للأمر من جميع وجوهها حملت عليها ، والدليل
أن فعال التي للأمر [للمؤنث] قول الشاعر :
ولأنت أشجع من
أسامة إذ
|
|
دعيت نزال
ولجّ في الذّعر
|
فقال دعيت ،
وإنما ساغ التأنيث ها هنا لأنهم يريدون النزلة ، والمصادر قد تكون مؤنثة فلذلك ساغ
التأنيث في (فعال) كأنه مصدر مؤنث أقيم مقام الفعل ، وأما بنو تميم فيخالفون فيما
كان من فعال اسما غالبا فيجرونه مجرى ما لا ينصرف ، وإنما وافقوا أهل الحجاز في الصفة والمصدر ، لأن
الصفة مضارعة للفعل ، والمصدر مشتق منه الفعل فيعمل عمله ، فصار بهذا أيضا مضارعا
للفعل ، وكأنهم لما بنوا فعال التي قامت مقام فعل بنوا أيضا فعال التي يراد بها
الصفة والمصدر لمضارعتها الفعل ، وأما فعال المعدولة عن اسم علم فليس بمضارع للفعل
، وقد كان قبل العدل لا ينصرف لأنه معرفة مؤنث ، والعدل لا يخرجه عن حكمه
__________________
من مع الصرف ، لأن كثرة العلل الموجبة لمنع الصرف لا تخرج الاسم عن هذا
الحكم ، فلذلك أجروه مجرى ما لا ينصرف.
وقد احتج أبو
العباس لأهل الحجاز بأن قال : إن هذه الأسماء قبل العدل كانت لا تنصرف والعدل
يزيدها نقصا وليس بعد النقص لما لا ينصرف إلا البناء فلذلك بنيت ، وقد بينا أن هذه العلّة ليست بشيء ، والدليل على ذلك
أن كثرة العلل الموجبة لمنع الصرف لا توجب للأسماء البناء ، ألا ترى أنك لو سميت
رجلا بحبلى ، لم ينصرف وألف التأنيث وحدها (تمنع من الصرف) في حال التنكير فانضمام
علّة التعريف إليها لم تخرج الاسم إلى البناء ، فكذلك العدل أيضا لا يوجب البناء وإنما استحقت البناء لما ذكرناه من الشبه بفعال التي
للأمر.
واعلم أن بني
تميم يوافقون أهل الحجاز فيما كان آخره راء نحو قولهم : للكوكب حضار ، وسفار لماء معروف ، وإنما اختار بعض بني تميم الكسر لأن
الإمالة فاشية في لغة تميم ليوافقوا لغتهم ويسهل اللفظ عليهم به ، ويكونوا قد
ذهبوا في علّة البناء إلى ما ذهب إليه أهل الحجاز ، وبعض بني تميم [يعاملون] ما آخره راء بمنزلة ما ليس في آخره راء ويصير على
قياسه.
__________________
باب التصغير
اعلم أنه وجب
ضم أول المصغر لوجهين :
أحدهما : أن
أصغر الحركات الضم لأنها تخرج من بين الشفتين وتضم عليه الشفتان ، وليس الفتح كذلك
ولا الكسر ؛ لأن الفتح يخرج من الحلق ، وما خرج من الحلق لا يوجب انضمام / الشفتين
والكسر يخرج من وسط اللسان ولا يوجب ذلك انضمام الشتفتين فجعلوا الحركة الصغرى
أولى بالمصغّر ليشاكل معناه ، وفتحوا ثانيه لأن الفتح متسع المخرج وفيه بيان الضم.
والوجه الثاني
: أن المصغّر قد صار متضمنا للمكبر فشابه فعل ما لم يسم فاعله فوجب ضم أول المصغر
، وممكن أن يعتل بعلّة أخرى وهو أن يقال إن المصغر لما كان له بناء واحد جمع له
جميع الحركات التي تختلف في الأبنية للزومه طريقة واحدة.
فإن قال قائل :
فلم وجب أن يلزم التصغير وجها واحدا ولم تختلف أبنيته اختلاف الجمع؟
فالجواب في ذلك
أن الجمع يكون قليلا وكثيرا وليس له غاية ينتهي إليها ، وقد خص بأسماء تدل على القلة والكثرة كالآحاد
والعشرات والمئين والألوف وما زاد على ذلك أيضا من تضاعيفها ، والتصغير إنما الغرض
فيه الإخبار عن تحقير ، وذلك أن التصغير اسم أقيم مقام الوصف فاختص هذا الوصف
بالتحقير وجعل تغييرها زيادة بدلا من قولهم حقير وكان هذا معنى واحدا وجب أن يلزم
لفظا واحدا فلهذا خالف حكم الجمع.
فإن قال قائل :
التصغير تقليل للشيء فكيف صار لفظه بزيادة حرف عليه؟
__________________
قيل له : إن
الزيادة قد تكون نقصا إذا كان الشيء غير محتاج إليها ، وقد بينا أن الحروف المزيدة
على الاسم تقوم مقام الوصف ، فصارت زيادته على بناء الاسم المكبر نقصا فيه ، إذ
قامت مقام ما يوجب نقصه.
واعلم أن ما
كان على أكثر من أربعة أحرف لا بد من حذف حرف منه ، إلا أن يكون على خمسة أحرف
ورابعه حرف لين واو أو ياء أو ألف زوائد ، فإن كان على ذلك لم يحذف منه شيء ،
وإنما وجب الحذف مما ذكرناه لطول الاسم وبحمله على الجمع ، وذلك أن الجمع مستثقل
فحذف من الجمع لأن التصغير مضارع للجمع ؛ لأنه فرع على الواحد ولذلك حذف الاسم إذا
طال ، وإنما لم يحذف منه إذا كان على خمسة أحرف ورابعه ما ذكرناه من الحروف ؛ لأن
كل محذوف منه حرف أو حرفان يجوز أن يعوض قبل آخره منه حرف لين وهي ياء ساكنة وهو
زيادة في الكلمة [ف] كان ما هو ثابت فيها أولى بالثبات ، وإنما جاز العوض
بما ذكرناه ؛ لأن ما بعد ياء التصغير مكسور فكأنهم استغنوا بالكسرة وإشباع الكسرة
يوجب ياء فلما كان ذلك سهلا عليهم زادوا الياء لما ذكرناه.
واعلم أن الاسم
إذا كان على خمسة أحرف أصول حذفت آخر حرف منه ، وإنما كان بالحذف أولى ؛ لأن
التصغير إليه انتهى ، وهو الذي أوجب طول الكلمة ومع ذلك فلأن آخر الكلمة يلحقها
تغيير الإعراب فلذلك وجب أن يكون أولى بالحذف مما كان قبله في الكلمة ، فإذا كان
على الكلمة التي على خمسة أحرف حرف واحد زائد حذفته أين كان كقولك في تصغير مدحرج
، دحيرج ، وفي حجفل : حجيفل ، وإن شئت عوضت من كل ما تحذف منه ياء قبل آخره ،
وكانت الياء أولى بالعوض لأنها أمكن حروف المد إذ كانت تخرج من وسط اللسان ، والواو
من الشفة ، والألف من أقصى الحلق ، والمتوسط أقوى من
__________________
المتطرف ، ومع ذلك فقد بينا أن ما بعد ياء التصغير / يجب أن ينكسر والياء
من جنس الكسرة فتبعتها ، وإنما كان حذف الزائد أولى ، لأن الأصل هو الذي بنيت عليه
الكلمة ، والزائد دخيل ، فلما وجب حذف حرف من هذه الجملة كان ما كان يزيد على
الشيء أولى بالحذف من حذف ما كان من الأصل لاعتماد الكلمة عليه ، وإن كان الاسم
الذي على خمسة أحرف فيه زائدتان متساويتان أعني في اللحاق ، فأنت مخير في حذف
إحداهما ، وإنما كنت بالخيار لتساويهما ، فلابد من حذف إحداهما فلذلك لم يجب الحذف
لإحداهما بعينه دون الآخر ، وأما ما كان زيادتاه مختلفتين ك (قلنسوة) وذلك أن
النون والواو فيها زائدتان لغير الإلحاق لأنه لا نظير له في الأصول أعني لوزن
قلنسوة فلذلك لم تكن زيادتهما للإلحاق فإذا صغرته فحذفت النون قلت : قليسية ، قلبت
الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وإنما انقلبت الواو وهي متحركة والقلب إنما يجب في
الواو إذا سكنت وانكسر ما قبلها لأن هاء التأنيث في التقدير منفصلة مما قبلها
فجعلت الواو طرفا مفردة لتقدير الانفصال ، وإذا كانت طرفا مفردة كانت ساكنة في
الوقف فلذلك قلبت ياء بتقدير السكون فيها في الأصل ، ويدلك على الانفصال حكم الهاء
من الاسم أنك لو صغرت قرعبلانة لقلت : قريعبة ، فحذفت اللام والألف والنون وردت هاء
التأنيث على المصغر فبان بما ذكرنا أن التصغير في التقدير يقع في الاسم بغير هاء
ثم تلحقه الهاء فلذلك انقلبت الواو في قلنسوة ، فإن عوضت من النون ياء جئت بها قبل
الياء المنقلبة من الواو فأدغمتها فيها فقلت قليسية.
فإن قيل في قلب
الواو ياء أنه لا يجب قلبها إذا عوضت لأن ياء العوض ساكنة والواو بعدها متحركة فقد
سبقتها الياء بالسكون ومتى اجتمعت الواو والياء والأول منهما ساكن قلبت الواو ياء
إذا كان الأول واوا وأدغمت الأول في
__________________
الثاني فلما كان قلب الواو ياء واجبا في حال العوض ، وكان العوض في كلامهم
أكثر ألزموا الواو القلب فانقلبت إذ لم يعوضوا لئلا يختلف طرفاهما في التصغير ،
وإن حذفت الواو قلت : قليسنة ، وإذا كانت الزائدتان للإلحاق نحو : حبنطى لأنه ملحق بسفرجل والدليل على زيادة الألف والنون أنه
مأخوذ من حبط بطنه إذا انتفخ فإذا صغرته قلت : حبيطى ، فحذفت النون وقلبت الألف
لانكسار ما قبلها ، وإن حذفت الألف قلت : حبينط.
فأما مقعنسس فالاختيار عند سيبويه حذف أحد السينين مع النون فيصير
مقيعس وأما أبو العباس المبرد فيختار حذف الميم والنون فيصير تصغيره قعيسس ،
وإنما اختار أبو العباس بقاء السين للإلحاق والميم والنون زوائد لغير الإلحاق ،
والملحق بمنزلة الأصلي ، فلما كان بقاء الأصلي أولى من الزائد اختار بقاء السين ، وأما حجة سيبويه فإن السين وإن كانت للإلحاق فهي
زائدة ، والميم وإن كانت زائدة لغير الإلحاق فلها معنى ، وهو لزومها لأسماء
الفاعلين والمفعولين فصار المعنى مقاوما للإلحاق ثم حصل للميم قوة من وجهين / :
أحدهما : أنها
في أول الكلمة والسين في آخرها ؛ والأواخر بالحذف أولى من الأوائل.
والثاني : أن
التكرار يثقل عليهم فكان حذف السين أولى لاجتماع التكرير فيها وأنها طرف.
__________________
وأما منطلق
فالميم والنون فيه زائدتان لغير الإلحاق إلا أن الميم تدخل لما ذكرناه ، والنون
قريبة من الطرف فكان حذف النون أولى فنقول في التصغير : مطيلق ، وإن عوضت قلت :
مطيليق.
واعلم أن ما
كان من أسماء المؤنث على ثلاثة أحرف وليست فيه علامة التأنيث فإنك ترد إليه علامة التأنيث في التصغير كقولك في هند :
هنيدة ، وفي قدر : قديرة إلا ستة أحرف فإن العرب تجيز حذف الهاء منها ، وإنما
وجب ردّ هاء التأنيث في التصغير ؛ لأن الاسم المؤنث حقه أن يكون لفظه زائدا على
لفظ المذكر بعلامة ينفصل بها والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها فكرهوا ألا يردوا
هاء التأنيث في التصغير ، فيكون الاسم قد خلا من علامة التأنيث في كل وجه مع خفة
اللفظ فوجب أن يكون التصغير رادا لهاء التأنيث ، وأما إذا كان الاسم زائدا على
ثلاثة أحرف لم تلحق علامة التانيث كقولك في تصغير عقرب عقيرب ، وإنما لم يلحقوه
علامة التانيث ؛ لأنه زاد حرفا على الثلاثي وليس يحتاج في بنائه إلى أكثر من ثلاثة
أحرف.
فأما ما حصل من
الأسماء على أكثر من ثلاثة أحرف فإن المراد به تكثير الأبنية لأن الحاجة تدعو إلى هذا البناء ، وإذا كان الأمر كذلك صار الحرف الزائد
على الثلاثي عوضا من هاء التأنيث.
فأما الأسماء
المؤنثة الثلاثية التي ذكرنا أن العرب تجيز حذف الهاء منها فهي : حرب ، ودرع
الحديد ، وقوس ، وفرس ، والناب من الإبل ، وعرس ، وإنما ساغ حذف الهاء من هذه الأسماء ؛ لأن حربا كأنها
مصدر حاربته حربا ، والمصدر
__________________
مذكر وتسميته بالمصدر لم يخرج المصدر عن معناه ، فلذلك جاز أن يبقى حكم
المصدر فيه وإن كان اسما لمؤنث ، ومن أدخل الهاء فإن الحرب مؤنثة في المعنى فصارت
كامرأة سميتها بزيد فيجب أن تقول : زييدة في تصغيرها ، وأما درع الحديد فلأنها
تجري مجرى الدرع الذي هو القميص وهو مذكر فلما حصلت هذه الدرع في معنى المذكر
أجازوا ألا تلحقها علامة التأنيث.
وأما الفرس
فإنه يقع على الذكر والأنثى والمذكر سابق التأنيث فيبقى حكم تصغيره على لفظ المذكر
وإن عني به المؤنث على ما ذكرناه في الحرب.
وأما القوس
فيجوز أن يكون ذهب به إلى مذهب العود وهي مع ذلك على لفظ المصدر.
وأما الناب في
الإبل فجاز حذف الهاء منها في التصغير لأنه مذكر في الأصل ، وإنما سميت المسنّة من
الإبل نابا لسقوط نابها عند كبرها ، فصار حكم الناب ـ الذي هو السن ـ باقيا فلذلك
جاز أن يصغر على أصله.
وأما العرس
فجاز تذكيره لأنه في المعنى التعريس وهو اجتماع القوم إذا نزلوا من سفر ليصلحوا
أمورهم فصار العرس بمنزلته ، فلذلك جاز أن يحذف منه علامة التأنيث.
فصل
وأما ما كان من الأسماء ثانيه ألفا فإن
كل مصغر لا بد من تحريك ثانيه بالفتح ، فإذا وجب تحريك الثاني وجب هنا تحريك الألف فلا بد من
قلبها / إلى حرف سواها لأن الألف لا تكون إلا ساكنة فإذا وجب قلبها فأصلها أولى
بها من حرف قريب منها.
__________________
فأما المجهولة
نحو ألف ضارب وما أشبه ذلك ، فإنما وجب قلبها واوا ؛ لأن أول المصغر مضموم فجعل
قلبها إلى أقرب الحركات منها ، والضمة من الواو فوجب أن تنقلب واوا.
وأما إذا كانت
الألف والواو ثالثتين فإنما وجب قلبها ياء في التصغير ؛ لأن من شرط ياء التصغير أن
ينكسر ما بعدها. وإذا كانت الألف والواو ثالثتين فياء التصغير تقع بعدهما فتلحق
الكسرة للألف والواو ، فلما وجب قلب الألف ياء كان قلبها إلى الياء أولى لخفتها
ولمجانسة حركتها.
وأما إذا كان
الثالث واوا فلا بد من كسرها فتلتقي الواو والياء ، وقد سبقت الواو الياء بالسكون
وما التقت الواو وياء الأول منهما ساكن فلا بد من قلب الواو ياء وإدغام الأول في
الثاني ، وإنما وجب قلب الواو إلى الياء لأن الياء أقوى من الواو ؛ لأنها من وسط
اللسان ، والواو من الشفة والوسط أقوى من الطرف ، فلما كانت أقوى منها وأخف وجب أن
تكون الغلبة لها ، فلذلك وجب أن تقول في عجوز : عجيز فإن كانت الواو أصلية أو
ملحقة جاز فيها وجهان : القلب ، والإقرار لها على صورتها ، فالأصلية نحو : أسود
تقول في تصغيره : أسيد ، للعلّة التي ذكرناها ، ويجوز أن تقول : أسيود ، وإنما وجب
هذا الوجه لأنها تظهر في الجمع إذا قلت : أساود ، والتصغير والجمع من واد واحد لما
ذكرنا من تشابههما ، فلما وجب إظهار الواو في الجمع وكانت ألف الجمع بمنزلة ياء التصغير
أجازوا أيضا إظهار الواو بعد ياء التصغير حملا على الجمع ، وأما واو عجوز فتنقلب
في الجمع كقولك : عجائز ، فلذلك لم يجز إظهارها في التصغير ، وأما الملحقة فنحو
الواو من الجدول لأنه ملحق بجعفر فالأجود أن تقول جديل على الأصل ، ويجوز الإظهار
كما جاز في الأصل ، وأما إن كانت الواو لام الفعل فليس فيها إلا القلب كقولك في
قشوة قشية ، ولا يجوز : قشيوة ، وإنما لم يجز ذلك لأن القلب قد بينا
__________________
أنه المختار في الواو إذ كانت عينا وهو أقوى منها إذ كانت لاما ، فإذا كان
القلب مختارا في الأقوى لزم الأضعف.
واعلم أن ما
كانت فيه هاء التأنيث فإنك إذا صغّرته رددتها فيه بعد طرحك زائدة أو زائدتين أو
زوائد ، إن كانت فيه أو حذفت بعض الكلمة لتصيرها بها إلى بناء التصغير كقولك في
قرعبلانه : قريعبة ، وإنما وجب رد هاء التأنيث لأنها بمنزلة اسم ضم إلى اسم فليس
يجب أن يعتد بها ، فلذلك وجب أن تلحق في الاسم بعد التصغير ، وأما ألف التأنيث فلا
يجوز فيها ذلك لأنها تجري مجرى الحروف الأصلية ، والدليل على ذلك أنه يعتد بها في
الجمع كقولك في جمع : حبلى : حبالى ، فلما اعتد بها في الجمع [حذفت إذا طال الاسم
في التصغير ، وهاء التأنيث لا تزاد في الجمع ؛ لأنه إذا جمعت الاسم] جمع تكسير نقضت بناءه واستأنفت له بناء آخر ، وما كان
متضمنا إلى الواحد من غير حروف فلا يجب أن يتبع الجمع إذ حكم الواحد المتبوع قد
بطل ، فأما ألف التأنيث / فلما كانت مما يبنى عليه الاسم وجرت مجرى
حروفه الأصلية وجب أن يعتد بها في الجمع ، فإذا ثبت أن ألف التأنيث كالأصل وكنا
نحذف الأصل في التصغير إذ زادت حروفه على أربعة أحرف وجب أن تحذف ألف التأنيث إذا
كانت خامسة ، فإذا كان معها حرف زائد كنت بالخيار إن شئت حذفتها وبقّيت الزائد وإن
شئت حذفت الزائد وبقّيتها كقولك في تصغير حبارى إن حذفت ألف التأنيث : حبيّر ، وذلك أن الألف الأولى
تنقلب ياء وتدغم فيها ياء التصغير لما ذكرنا قبل ، وإن كان أبو عمرو بن العلاء يقول حبيّرة ، فيجعل هاء التأنيث عوضا من ألف
__________________
التأنيث ، لأن الاسم قد كان مؤنثا بالألف فلما حذفتها وكان يجوز
أن تعوض منها ياء قبل آخر الاسم جعل العوض هاء التانيث ليكون فيها دلالة على
التأنيث ، وكان غيره لا يختار ذلك ؛ لأن ألف التأنيث لما ثبت أنها كالأصل وجب أن
تحذف ، ولا تحتاج إلى علامة ثانية إذ كان ليس كل اسم مؤنث بعلامة ، فلذلك لم يجز
العوض ، فإن كانت ألف التانيث رابعة تركتها على حالها ولم تكسر ما قبلها كراهة أن
تزول علامة التأنيث وشبهت الألف بهاء التأنيث فكما يجب أن يكون ما قبل هاء التأنيث
في التصغير مفتوحا ولا تؤثر فيها ياء التصغير فكذلك يجب أن يكون ما قبل هذه الألف
لتحمل على الهاء لاشتراكهما في التأنيث ، وإنما وجب أن يكون ما قبل هاء التأنيث في
التصغير مفتوحا لأن علّة فتح ما قبلها في التكبير موجود في التصغير ، وهي بمنزلة
اسم ضم إلى اسم ، فكما وجب أن يكون آخر الاسم الأول مفتوحا وجب أن يكون ما قبل هاء
التأنيث مفتوحا في كل موضع.
فإن قال قائل :
فألف التأنيث تبطل في الجمع إذا قلت : حبالى ، وذلك أن ألف الجمع توجب كسر ما
بعدها فإذا انكسر ما بعد ألف الجمع انقلبت ألف التأنيث ياء ثم قلبت ألفا استثقالا
لياء قبلها كسرة في الجمع؟
قيل له : إن
الذي ذكرت من حكم ألف التأنيث على ما ذكرت في الجمع ، وبين الجمع والتصغير فرق في
حكم ألف التأنيث ، وذلك أن المصغّر والتصغير لا يزول حكمه ومعناه ، فلذلك جاز أن
تراعى علامته ولا تحذف ، وأما الجمع فيجب إسقاط حكم الواحد ومجيء معنى آخر ، فإذا
أسقط حكم الواحد لم يجب
__________________
أن تراعى علامته ، فلذلك وجب أن تقلب ألف التأنيث في الجمع ياء ولم يجب ذلك
في التصغير لما ذكرنا.
فأما إن كانت
الألف في آخر الاسم لغير التأنيث قلبتها ياء وأجريت حكم ما بعدها ياء بالتصغير على
أصله بإيجاب الكسر ؛ لأن الألف إذا لم تكن علامة فليس يجب أن يراعى لفظها بها
فلذلك وجب قلبها نحو ألف : معزى وما أشبه ذلك.
فإن صغرت اسما
فيه ألف ونون ولم يكن فيه ما تنقلب ألفه في جمع التكسير أقررنا الألف والنون على
حالهما كقولك في سكران : سكيران ، وفي عثمان : عثيمان ، وإنما وجب ذلك لأن الألف
والنون زائدتان [و] قد ضارعتا ألفي التأنيث اللتين تثبتان في التصغير.
وأما ما انقلبت
في الجمع ياء فنحو ألف : سرحان / وسراحين ، وسلطان وسلاطين ، فإنه تقلب في التصغير ياء
لأن العرب لما قلبت الألف في الجمع دل قلبهم لها على أنها ليست مشهبة بألف التانيث
، وقد بينا لك ذلك فالتصغير والجمع يجريان مجرى واحدا فلذلك يجب أن تقول في تصغير
سرحان وسلطان : سريحين ، وسليطين ، وتقلبها في التصغير كما قلبتها في الجمع ووجه ذلك أن يكون سرحان ملحق بسردان ، وسلطان ملحق بفسطاط فلما صارت الألف للإلحاق وجرت
مجرى الأصلي انقلبت فهذه العلّة في انقلابها في الجمع والتصغير والله أعلم.
__________________
وأما ما كان
آخره مشددا نحو أصمّ ، ومدقّ ، فإنما جاء وقوع الحرف المدغم بعد ياء التصغير لأنها
لا تكون إلا ساكنة ، فإذا انفتح ما قبلها وقد جرت في بابها مجرى ألف الجمع كما أن
الساكن المدغم يقع بعد ألف الجمع فكذلك يجوز أن يقع بعد ياء التصغير ، وإنما ساغ
ذلك لأن المدغم ترفع به لسانك رفعة واحدة مكان الساكن كالمختلط المتحرك ، وصار
المدغم وما قبله كالحركة ، فلذلك جاز الجمع بينهما وإن كان لا يجوز الجمع بين
ساكنين في غير هذا لخروجه عن حكم علته إن شاء الله وقد أتينا على شرح الباب
فاعرفه.
باب العدد
اعلم أن القياس
كان في الواحد والاثنين من الأعداد أن يضافا فيقال : عندي واحد رجال ، واثني رجال
، كما يقال : ثلاثة رجال ، إلا أنهم أسقطوا الإضافة من الواحد والاثنين لأن الواحد
ينبئ عن نوعه وعدده وكذلك الاثنان ، كقولك : جاءني رجل ، ورجلان ، فلما كان لفظ
رجل ورجلين ينبئ عن العدد والنوع استغني بلفظ واحد عن لفظين وقد جاء في الشعر :
كأنّ خصييه
من التدلدل
|
|
ظرف عجوز فيه
ثنتا حنظل
|
وكان حقه أن
يقول : فيه حنظلتان ، فاضطر إلى ما ذكرنا ، وشبهت الاثنان بالثلاثة لأنهما جمع في
المعنى ، ولم يجز ذكر العدد مفردا كقولك : ثلاثة وأربعة لأنه لا يعلم من أي نوع هو
أعني العدد فوجب أن يذكر العدد مضافا إلى النوع لتقع الفائدة للمخاطب إذ الغرض
ذكرهما جميعا.
__________________
واعلم أن من
الثلاثة إلى العشرة يجب أن يضاف إلى الجمع القليل إلا أن يكون الاسم لا يجمع جمع القلة
كقولك : عندي ثلاثة أكلب ، ولا يجوز أن تقول ثلاثة كلاب لأن الكلاب جمع كثرة وأكلب
للقلة. ولو قلت : ثلاث شموع ، جاز ذلك لأن الشموع ليس له جمع إلا هذا فصارت
الإضافة إليه ضرورة ونوي به القلة ، وإنما وجب إضافته إلى ما ذكرنا لأن الثلاثة
إلى العشرة من القلة فأضيف إلى ما جانسها في القلة ، ووجه آخر أنه لما كان يجوز في
بعض المواضع حذف المضاف إليه وإقامة المضاف مقامه اختاروا إضافة هذه الأعداد إلى
الجمع الأقل ليكون متى ضفت الأعداد قام المضاف إليها مقامه فأدى عن معناها ، ولو
أضيف إلى الجمع الكثير لم تكن إقامتها مقامها تدل على / الأعداد لاختلافها في
المعنى.
واعلم أن جمع
السلامة حقه أن يدخل في باب الجمع القليل وإن كان يجوز أن ينوى به الكثير ، وإنما
وجب ذلك فيه لأنه على حد التثنية فلما كان بناؤها وحكم الاسم معه كحكمه معها وجب
أن يقاربها في الحكم ومقاربتها لها أن ينوي لها القلة كقولك : عندي ثلاثة زيدين ،
وثلاثة طلحات ، إذا عنينا بها رجالا فإن قال قائل : فلم خص كل واحد من هذه الأعداد
باسم ولم يجعل اسما واحدا يجمعها؟
قيل له : إنما
فعل ذلك ليدل به على مقدار الشيء والبواقي باسم واحد يشتمل على المقادير كلها ،
ولو فعل ذلك في جميع الأنواع لم يكن في ذلك دليل على مقدار محصور ففعل ذلك أعني أن
العدد بأسماء مختلفة فقالوا : واحد ، واثنان ، وثلاثة ، وأربعة ، ليدلوا بكل لفظ
على قدر محصور.
واعلم أن
الثلاثة إلى العشرة تدخلها الهاء وإذا أضيفت إلى جمع واحده
__________________
مذكر في المعنى كقولك في المذكر ثلاثة رجال ، وفي المؤنث ثلاث بطات ، وإنما
وجب ذلك لوجوه :
أحدها : أن
الجمع مؤنث في المعنى من الواحد إلى العشرة ، والتأنيث ضربان :
أحدهما : تأنيث
بعلامة نحو : مسلمة ، وصالحة.
والثاني : بغير
علامة نحو : عناق ، وعقرب.
فجعل العدد
الواقع على المذكر مؤنثا بعلامة نحو ثلاثة وعشرة ، وجعل لفظ العدد الواقع على
المؤنث مؤنثا بغير علامة نحو : ثلاث وعشر.
فإن قال قائل :
فلم خص المذكر بإثبات العلامة ، والمؤنث بإسقاطها؟
قيل له :
أرادوا بذلك الفصل بينهما. فإن قال قائل : فما الذي أحوج إلى الفصل بينهما؟
قيل : لأن
الجمع قد يشترك لفظ المؤنث فيه والمذكر ألا ترى أن (طلحة) يجوز أن يكون لامرأة
ويجوز أن يكون اسما لرجل ، وهما مع ذلك مشتركان في لفظ الجمع نحو قولك في طلحة :
طلحات ، لمذكر أو لمؤنث ، فلو لم تفصل في لفظ الأعداد بين المذكر والمؤنث فقلت :
عندي ثلاث طلحات ، لم يعلم المخاطب أعندك رجال أم نساء ، فلما كان ترك الفصل يوقع لبسا بين المذكر
والمؤنث وجب أن يقع الفصل بين هذه الأعداد.
فإن قال قائل :
فلم خصّ المذكر بالعلامة والمؤنث بلا علامة؟
__________________
قيل له : لأن
المذكر أخف من المؤنث لأن التأنيث فرع على التذكير ، فجعل الأخف بعلامة إذا كانت
العلامة زيادة على اللفظ فاحتمل الزيادة لخفته ، وجعل المؤنث بغير علامة لثقله ،
وهذا الذي ذكرنا مذهب سيبويه.
وذكر أبو
العباس المبرد أن الهاء دخلت في الثلاثة إلى العشرة للمبالغة ، ومعنى المبالغة أن
المذكر لما كان أفضل من المؤنث بولغ في لفظه بزيادة حرف كما قيل : رجل علّامة ،
ونسّابة ، إذا أريد به المبالغة في العلم والنسب ، والهاء مع
ذلك علامة التأنيث ، وفيه وجوه أخرى . تحكى عن أهل الكوفة ، قالوا : وجدنا ما كان على فعال
مؤنثا يجمع بغير هاء نحو : عقاب ، وأعقب ، وما كان مذكر الجمع بالهاء نحو : غراب ،
وأغربة ، قالوا فلما رأينا الهاء تسقط في جمع المؤنث وتثبت في جمع المذكر ، جعلنا
الأعداد التي تقع على جمع المذكر بالهاء حملا على الجمع الذي تدخل عليه / وأسقطنا
الهاء من عدد المؤنث حملا على الجمع الذي تدخل عليه ، فلهذا قالوا : ثلاثة أغربة ،
وثلاث أعقب. فإن قال قائل : فلم وجب إضافة العدد من الثلاثة إلى العشرة وهلا
اقتصروا على الواحد كما اقتصروا على ما بعد العشرة والمئة على تبيين العدد بالواحد
نحو مئة درهم وألف درهم؟.
فالجواب في ذلك
: أن القياس في جميع هذه الأعداد أن نضاف إلى الجمع ، وإنما وجب ذلك لأنها إضافة
بمعنى (من) ، والأول بعض الثاني فلوا أضفتها إلى الواحد لجاز أن يتوهم أن الثلاثة
بعض الدرهم من دوانقه وقراريطه ، فلما كان يشكل وجب أن يضاف إلى الجمع يزول
اللبس ، فأما مئة درهم ، وألف درهم ، فالقياس
__________________
أن يقال : مئة الدراهم ، وألف الدراهم ، ولكنهم حذفوا لفظ الجمع استخفافا
فاجتزؤوا بلفط الواحد ، وفيه وجه آخر ، وهو أن المئة تشبه العشرة ؛ لأنها عقد
مثلها ، وتشبه التسعين وما قبلها من العشرات لأنها عقد ، وكان حقها أن تجري مجرى
ما قبلها من العشرات في تبيينها بواحد منصوب منكور ، ألا ترى أن العشرة تجري مجرى
التسعة فلما حصل من المئة شبه العشرة والتسعين جعلت مضافة كما أن العشرة مضافة ،
وجعل الذي يبينها واحدا كما أن التسعين يبينها واحد.
فإن قال قائل :
فلم خالفت العشرة إذا أريد بها المذكر لعشرة المؤنث فحركت في المذكر وسكنت في
المؤنث ، وما قبلها من الأعداد لا يخالف المذكر فيه المؤنث إلا بالهاء فقط؟
فالجواب في ذلك
: أن العشرة لما صارت عقدا ، وكانت العقود التي بعدها تخالف العشرات والمئين
أرادوا أن تكون العشرة أيضا مخالفة لما قبلها من الآحاد ، فجعلوا تسكين الشين في
المؤنث دليلا على هذا المعنى ، وخصّ المؤنث بذلك لأنه أثقل من المذكر فكان تخفيفه
أولى.
واعلم أنك إذا
زدت على العشرة واحدا أو ما شئت من الآحاد إلى تسعة عشر فإنك تبني الاسمين على
الفتح كقولك : أحد عشر درهما ، وتسعة عشر درهما إلا اثني عشر درهما ، فإن الاثنين
معرب في جميع الأحوال ، وإنما وجب بناء ما ذكرنا لأن الأصل في قولك أحد عشر : واحد
وعشر ، فلما حذفت الواو وهي مزادة تضمن الاسم معنى الواو ، وكل اسم تضمن معنى حرف
وجب أن يبنى كما يبنى (أين وكيف) ، فوجب أن تبنى الأسماء لما ذكرنا ، وليس تعلق الاسمين بالواو تعلقا
واجبا فلذلك استحقا البناء ، وإنما وجب أن يبنى على حركة لأن لهما قبل البناء حال
الإعراب وقد بينا أن الاسم إذا كان معربا ثم دخلت
__________________
عليه علّة أوجبت له البناء وجب أن يبنى على حركة ، وإنما يبنى على الفتح من
بين سائر الحركات ؛ لأن الفتح أخف الحركات ، وجعل الاسمين اسما واحدا مستثقل
فاختير لهما أخف الحركات.
فإن قال قائل :
فلم قبح ثماني عشرة ، وقد وجدنا العرب تبني ما آخره ياء على السكون من الاسمين
اللذين جعلا اسما واحدا نحو معدي كرب ، وقالي قلا ، وأيادي سبا ، فلم فارقت ثماني
عشرة / لمعدي كرب وبابه؟
فالجواب في ذلك
أنهم فتحوا ثماني لئلا يختلف ما قبلها وما بعدها من الاسمين المركبين فجعل الفتح
فيها تبعا لما ذكرناه ، ولم يعوض في معدي كرب ما ذكرناه فاختير له السكون ، وإنما
وجب أن يكون ما آخره ياء ساكنا لأن ما ليس آخره ياء من الحروف الصحاح تبنى على
الفتح طلبا للتخفيف ، وكانت الياء التي قبلها كسرة تخالف الحروف الصحاح من الأسماء
المعربة فمنع الضم والكسر استثقالا لهما في الياء التي قبلها كسرة فوجب أن يفرق
بين الياء وبين غيرها من الحروف الصحاح في الأسماء المبنية ، فلما كانت الحروف
الصحاح تبنى على الفتح طلبا للتخفيف وليس بعد الفتح إلا السكون وجب أن يبنى على
السكون.
فإن قال قائل :
فما الذي دعا العرب أن تجعل العشرة وما بعدها من الآحاد بمنزلة اسم واحد؟ وهلا
استعملا على الأصل؟
فالجواب في ذلك
أن العشرة لما كانت تدل على عدد مخصوص ، وكذلك ما قبلها من الآحاد نحو التسعة
والثمانية قد حصل لها أسماء ومفردات ، وكذلك الترتيب الذي وقع بين الآحاد والعشرات
هو قريب من العشرة ، وما قبلها من الآحاد اختاروا أن يكون لفظها كلفظ عدد مفرد
لقربه من الأصل إذ كانت الآحاد هي الأصل في العدد كله لأنه من الآحاد يتركب ، وجعل
الاسمين اسما
واحدا مع ما ذكرناه من العلّة أنه أخف فلما وجدوا مساغا لإسقاط الواو لخفة
اللفظ وجب أن يجعلوا الاسمين اسما واحدا فاعلمه.
واعلم أن
العشرة المركبة مع الآحاد غير العشرة المفردة ، والدليل على ذلك أنك تقول للمؤنث :
إحدى عشرة ، بكسر الشين وتسكينها ، والعشرة المفردة لا يجوز فيها كسر الشين بحال
فدل ذلك على أن العشرة المركبة غير العشرة المفردة ، ولا يجوز لقائل أن يقول : إن
العشرة المفردة كان أصلها الكسر فألزمت السكون تخفيفا أعني (عشر) المؤنث ، ولكن
لأن المركب أثقل من المفرد ، فلو كان الأمر على ما قدره القائل لكان السكون ألزم
للمركب من المفرد ، لأن المركب أثقل من المفرد ، والأثقل أولى بالتخفيف من الأخف
فبان بما ذكرناه أن العشرتين مختلفتان.
واعلم أن
الآحاد لا يتغير حكمها عما كانت في حال الإفراد ، إذا ركبت تلزمها الهاء للمذكر
وتكون بغيرها للمؤنث إلا العشرة للمذكر تسقط منها الهاء وتثبت في عشر المؤنث على
العكس مما كان في حال الإفراد ، وإنما كان الأمر كذلك لأن الاسمين لما جعلا اسما
واحدا طالا فثقل عليهم أن يزيدوا على كل واحد منهما هاء في حال التركيب فعدلوا إلى
إسقاطها من العشرة ونووا بها التذكير واكتفوا بعلامة التأنيث في الاسم الأول ،
فلما وجب إسقاط الهاء من عشرة في المذكر لما ذكرناه ادخلوها في عشر المؤنث أن
تكون له علامة في اللفظ وكانت الآحاد بغير هاء فصار إدخلها في عشر المؤنث للفصل
بينها وبين عدد المذكر وصار ذلك كالعوض من عدم / لفظ التأنيث في الاسم الأول.
فإن قال قائل :
فلم جمعوا بين تأنيثين في قولهم : إحدى عشرة جارية ، واثنتي عشرة جارية؟
__________________
قيل له : أما
إحدى عشرة فجاز ذلك فيها لأنها في الحقيقة اسمان مختلفان ، كل واحد منهما يدل على غير معنى الآخر ، وإنما هو من جهة البناء كاسم
مفرد ، فلو كان في كل واحد منهما علامة للتأنيث كعلامة الآخر جاز ذلك لما بيناه من
اختلافهما ، فإذا كان الأمر على ما ذكرناه جاز الجمع بينهما ؛ مع ذلك فإن علامة
التأنيث في (إحدى) مخالفة لعلامة التأنيث في (عشرة) فجاز الجمع بينهما لاختلاف
صورتي التأنيث ، وقبح في الهاءين لاتفاقهما ، فأما (اثنتا) عشرة فعلامة التأنيث قد
صارت في حشو الكلمة فكأنها قد خرجت عن حكم التأنيث إذ كان حق علامة التأنيث أن
تلحق آخر الاسم ، ومع هذا فإن التاء وإن كانت في الحقيقة للتأنيث فإنه يبدل منها
الهاء في الوقف فصارت الهاء في الاثنتي مخالفة للهاء في عشرة ولم يجب بناء عشرة
فحسن الجمع بينهما.
فإن قال قائل :
فلم وجب إعراب اثني عشر ولم يجب بناء عشرة معه؟
فالجواب في ذلك
أن الاثنين إعرابهما في وسطهما وعشر حلت محل النون من اثنين ، فكما كان حرف
الإعراب الألف وبعدها النون فكذلك يجب أن تبقى الألف حرف الإعراب وإن كان عشر
بعدها لأنها لم تتغير عما كانت عليه ، ولأنها حلت محل النون وجعلت مع الاثنين
بمنزلة عدد مفرد ، فلما حلت محل الحرف وجب أن يبنى كما يبنى الحرف.
فإن قال قائل :
أليس المضاف إليه يقوم أيضا مقام النون في قولك : غلام زيد ، وهو مع ذلك معرب ،
فما الفرق بينه وبين عشرة؟
قيل له : الفرق
بينهما ما أخبرنا آنفا وهو أن اثني عشر قد جريا مجرى شيء واحد كالاثنين أنفسهما ،
ألا ترى أنك تقول : جاءني اثنا عشر ، فالمجيء قد
__________________
تعلق بالاثني عشر كما يتعلق بالاثنين إذا قلت : جاءني اثنان ، فأما المضاف
فخارج عن حكم المضاف إليه ، ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني غلام زيد ، فزيد لم يدخل
في المجيء ، فعلمت أن المضاف إليه لم يقم مقام النون في الأول كما قامت عشر مقام
النون في اثنين إن شاء الله.
ووجه آخر أن
اثني عشر لما تضمنا معنى الواو كتضمن أخواته من الأعداد وجب أن يبنى كبناء أخواته
فعرض في الاثنين ما منع من البناء وهو أن حرف الإعراب وسط الكلمة وبنيت عشر على ما
تستحقه من البناء.
فإن قال قائل :
فلم خصوا أحد عشر بلفظ أحد وإذا أفردوا قالوا : واحد واثنان ، ولم يقولوا : أحد
اثنين؟ فالجواب في ذلك أنهم أرادوا بذلك التخفيف لأنهم لما ركبوا أحد مع عشر طال الاسم
فاختاروا لفظ أحد لأنه أخف من لفظ واحد وهو في معناه فلذلك خص بالتركيب مع العشرة
، ألا ترى أنك إذا بلغت العشرين قلت : واحد وعشرون ، لأن التركيب قد زال وكذلك
قالوا في المؤنث : إحدى عشرة / ولم يقولوا واحدة عشرة ، وذلك أنهم لما استعملوا في
المذكر جعلوا لفظ إحدى حملا على بناء أحد وألزموه التأنيث في آخره لأنه أخف من
واحدة.
واعلم أن عشرة
المؤنث فيها لغتان إحداهما : كسر الشين وهي لغة بني تميم ، والثانية : إسكانها وهي
لغة الحجازيين ، واختاروا كسر الشين لثقل المؤنث في اللفظ والمعنى ، فأما اللفظ فلزيادة الهاء ، وأما المعنى فوقوعه
للمؤنث.
__________________
واعلم أن الذي
يبين النوع من أحد عشر إلى تسعة عشر واحد مذكور يلزمه النصب كقولك : عندي أحد عشر
رجلا ، وتسع عشرة امرأة ، وإنما لزم النصب لأن الأصل واحد وعشرة فحذف التنوين لما
عوض في اللفظ من البناء كما حذف في الإضافة فصار حكمه مراعى في اللفظ ، وجرى مجرى
اسم الفاعل إذا لم ينصرف كقولك : هؤلاء حواج بيت الله عندي ، لأن التنوين لم يحذف
من حواج للإضافة وإنما حذف لمنع الصرف فصار حكمه مراعى ، فلهذا وجب النصب بعد حواج
لأن التنوين كأنه موجود ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر جاز أن ينون ولو كان التنوين
قد حذف للإضافة لم يجز رده مع بقاء الإضافة فعلمت أن التنوين إذا لم يكن للإضافة
فكأنه موجود في الحكم فلهذا وجب أن ينصب ما بعد أحد عشر إلى تسعة عشر لأن التنوين
كأنه موجود فيها فاعرفه.
وإنما وجب أن
يكون التمييز بواحد من هذا النوع من الأعداد لأنك إذا كررت العدد فقد أثبت مقدار
المعدود ، فوجب عليك تبيين النوع فبينه بواحد منكور ؛ لأنه أخف من المعرفة ، ولفظ
الجمع والواحد المنكور يدل على النوع ، فلهذا وجب استعماله ، وكان الأصل أن تقول :
عندي خمسة عشر من الدراهم ، فحذف هذا التطويل وأقيم الواحد المنكور مقامه ، وإنما
وجب أن يكون الأصل ما ذكرنا لأن الخمسة عشر بعض الدراهم فيجب أن يكون المذكور
بعدها بعض الجمع حتى يصح معنى التبعيض ، ولو قدرت أن الأصل الواحد استحال المعنى
ودخله لبس ، ألا ترى أنك إذا قدرت الكلام كقولك : عندي خمسة عشر من درهم ، جاز أن
يتوهم أن الخمسة عشر بعض الدرهم ، فلذلك قلت إن الأصل خمسة عشر من الدراهم ، ثم
حذف لما ذكرناه من طلب الخفة فاعلمه.
فإن قال قائل :
فهلّا تجوز الإضافة إلى النوع في قولك : أحد عشر إلى تسعة عشر؟
قيل له : لا
يجوز ذلك لأنه لو جازت إضافته لكانت تسعة عشر الإضافة فيه
لازمة لأنه مفتقر إلى ذكر النوع ، ولو لزمت الإضافة لكانت ثلاثة أسماء اسما
واحدا وهذا لا يوجد في كلامهم ، فلهذا لم يجز أن تقول : عندي خمسة عشر درهم.
فإن قال قائل :
أليس قد صح أن يسمى الرجل بحضرموت وما أشبه من الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا
فإذا فعلت ذلك جازت إضافته فقلت : جاءني حضرموت البلد ، كما تقول : جاءني قاضي
البلد ، فقد صارت ثلاثة أشياء اسما واحدا فهلا جاز ذلك / في خمسة عشر؟
قيل له : قد أخبرنا
قبل أن العدد يلزمه التبيين وإذا لزمه التبيين صارت إضافته لازمة ، وما كان من نحو حضرموت فإضافته غير لازمة ؛ لأنه اسم علم
معرفة يقوم بنفسه فلا يحتاج إلى تبيين ، وإنما يضاف إذا قدرناه أنه نكرة فقد بان
لك أن إضافته غير لازمة ، فلذلك قدرنا بينه وبين خمسة عشر ، فإن أردت أن تضيف خمسة
عشر إلى اسم معرفة جاز ذلك كقولك : هذه خمسة عشر زيد ، وإنما وجب ذلك لأن زيدا ليس
مما يبين العدد ، فلم تكن إضافته لازمة تجري مع خمسة عشر مجرى حضرموت البلد.
واعلم أنك إذا
أضفت خمسة عشر إلى زيد وما أشبه ذلك فالقياس أن يكون مبنيا كما كان قبل الإضافة ،
وبعض النحويين يرده بالإضافة إلى الإعراب فيقول : هذه خمسة عشرك ، ورأيت خمسة عشرك
، ومررت بخمسة عشرك ، وكذلك حكم الخلاف إذا أدخلت الألف واللام على الأول كقولك :
عندي الخمسة عشر درهما ، وإنما كان البناء مع الألف واللام والإضافة لأن خمسة عشر
في بابه وجب له البناء في حال تنكيره ، وإنما ترد الإضافة والألف واللام المبني
إلى الإعراب إذا بني في حال التعريف نحو : قبل وبعد ، فإذا أضيفا قدرا نكرتين ،
فزال عنهما المعنى الموجب للبناء وهو التعريف ، وأما خمسة عشر فلم تزلها الإضافة
عما كانا عليه في
__________________
حال الإفراد ، فلهذا وجب أن يبقيا على ما كانا عليه من البناء ، وأما من
أعربهما في حال الإضافة فلأن المضاف إليه يقوم مقام التنوين ، وكأن خمسة عشر لما
أضيفت نونت ، والتنوين يوجب لهما الإعراب ، وكذلك ما قام مقامه ، وهذه حجة ضعيفة ،
لأنّا قد وجدنا مضافا مبنيا فلو كان المضاف إليه يوجب هذا الحكم استوى ذلك في كل
مضاف ، فلما وجدنا بعض المضافات مبنيا علمنا أن الإضافة لا توجب إعراب المضاف في
كل موضع ، فأما ما بني وهو مضاف نحو قوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
عَلِيمٍ) [النمل : ٢٧ / ٦] ف (لدن) مضافة إلى حكيم وهي مع ذلك مبنية ، وكذلك خمسة
عشرك أن يكون باقيا على حكم البناء وإن كان مضافا.
فإن قال قائل :
فلم ركبت الاسمين مع أحد عشر إلى تسعة عشر ولم يجعلوا ما بعد العشرة اسما واحدا
مفردا يختص به كما جعل فيما قبل العشرة؟
قيل له : الذي
منع من ذلك أن الأعداد يمكن تكثيرها إلى غير نهاية ، ولو جعلوا لكل ما يضاف من
الأعداد اسما لأضافوا من الأسماء ما لا نهاية له ، وهذا محال فلهذا احتاجوا أن
يركبوا بعض الأعداد مع بعض وكثرت فلم يحصروها باسم.
فإن قيل :
فهلّا ركبت العشرون وما بعدها إلى التسعين كما فعلوا ذلك بأحد عشر؟ فالفصل بينهما
أن الآحاد هي الأصل فلما كانت العشرة عقد الأصل جاز أن يركبوها مع الآحاد لتصير
الاسمان اسما واحدا ، ويدلّا على قدر من العدد فيكون ذلك مشاكلا لأسماء الآحاد
المفردة الدلالة على قدر من العدد نحو الثلاثة والأربع فإذا بلغت العشرين خرجت /
من الأصل في الفرع ، والتركيب فرع ، فاستعملوا كل واحد منهما على ما يستحقه من حمل
بعض الأعداد على بعض.
واعلم أنك إذا
أردت أن تعرّف أحد عشر إلى تسعة عشر أدخلت الألف واللام في الاسم الأول فقلت :
جاءني الأحد عشر رجلا ، وبعض النحويين يجيز
__________________
أن يدخل الألف واللام في الأسماء الثلاثة فيقول : عندي الخمسة العشر الدرهم
، وهو قول بيّن الفساد ، وإنما وجب ما ذكرنا لأن العشرة قد صارت في حشو ما قبلها ،
والألف واللام إنما وجب أن تدخل على أول الأسماء فتعرفها ولا تدخل في حشوها ، فلذلك
لم يجز إدخالها على العشر ، وأما إدخالها على الدرهم ففاسد أيضا لما بينا أن
التمييز لا يجوز أن يكون معرفة ، فلذلك فسد القول الثاني ، فإذا ضاعفت أدنى العقود
كان له اسم من لفظه مشتق من العقد لا يثنى العقد به ويجري ذلك الاسم مجرى الذي
لحقته الزيادة للجمع ويكون حرف الإعراب الياء والواو بعدهما النون ، وذلك الاسم
عشرون درهما فإن أردت أن تثلث أدنى العقود كان له اسم من لفظ الثلاثة يجري مجرى
الاسم الذي كان للتثنية وذلك قولك : ثلاثون درهما ، وذلك إلى أن تبلغ التسعين ،
وتكون تلك النون لازمة كما أن التنوين لازم للثلاثة إلى العشرة ،
غير أنك إذا ضاعفت العشرة وهي أدنى العقود اشتققت للتضعيف اسما من العشرة ، ومعنى
قوله لا يثنى العقد أي لا تلحقه تثنية أي علامة تثنية على لفظه فتقول عشرتان ،
وإنما وجب ذلك لأن الأصل في الأعداد وهي الآحاد والاشتقاق ينبغي أن يقع من الأصول
فكان قياس العشرة إذا أردت تضعيفها بأن يكون لها اسم من الاثنين كما أنك لما أردت
تثنيتها جعلت لها اسما من الثلاثة وألحقته علامة الجمع فكان القياس أن تقول
اثنانون كما تقول : ثلاثون وإنما امتنع ذلك في الاثنين لأنه يؤدي أن يجتمع في اسم
واحد إعرابان ألا ترى أنك لو قلت في النصب : رأيت اثنانين ، لكان الألف فيها علامة
الرفع والياء علامة النصب ، وكان اللفظ يتضاد ، ولو أسقطت علامة التثنية من
الاثنين ورددته إلى اثن لزال معناه الذي كان مستعملا عليه ، فلما فات الاثنين أن يستعملا استعمال حكمه وكانت العشرة أولى أن يشتق منها
تثنيتها
__________________
لما فات الأصل فلهذا وجب أن يكون لفظ العشرين على لفظ العشرة ، وذلك لوجوه
:
أحدها : أن
يكونوا أرادوا أن يخالف لفظها العشرة ليدلوا بالآحاد أن العشرة ليست بخارجة عن أصل
ما تستحقه تثنية العشرة.
ووجه آخر :
أنهم عدلوا إلى كسر أول العشرين ليعلموا بكسر أولها أن أصلها تشتق من لفظ الاثنين
، وألف الاثنين مكسورة فجعلوا كسر أولها دليلا على ذلك.
ووجه ثالث : أن
العشرة يستوي لفظها للمذكر والمؤنث / واللفظ لما وقع منه على المذكر وكان الكسر من
علامة التأنيث فجعلوا أول العشرين مكسورا ليكون فيه جزء من علامة التأنيث وجعلوا
الواو والنون في آخره دليلا على التذكير.
فإن قال قائل :
فلم وجب جعل لفظ العشرين بزيادة علامة الجمع في آخره ولم يجعل بعلامة تثنية العشرة؟
قيل له : في
ذلك جوابان :
أحدهما : أن
تثنية العشرة في المعنى جمع لأنها أعداد كثيرة ، فوجب أن يلحقها علامة الجمع يطابق
معناها أعني الأعداد.
والوجه الثاني
: أن تضعيف العشرة قد بينا أن أصله ينبغي أن يكون من لفظ الاثنين بزيادة علامة
الجمع في آخره على حد الثلاثين والأربعين ، فلما اضطررنا إلى الاشتقاق من لفظ
العشرة وجب أن تلحق علامة الجمع ، وإنما اشتققناه من لفظ العشرة ليدل بذلك على
أصله.
__________________
ووجه ثالث : أن
علامة التثنية حقها أن تلحق لفظ الواحد ، فلما كانت العشرون قد غيرت من لفظ العشرة
كرهوا أن يلحقوها لفظ التثنية إذ كانت التثنية لا توجب تغيير الواحد ، فكان هذا
يؤدي إلى تناقص في اللفظ فعدلوا إلى لفظ الجمع ؛ لأن الجمع قد يخالف بناؤه بناء
الواحد وإن كان سالما أيضا ، ألا ترى أن بنتا ، وأختا يثنيان على لفظهما ويجمعان
جمع السلامة على خلاف استعمالهما في الواحد نحو قولك : أخوات وبنات ، وكان اللفظ
أولى بلفظ العشرين من لفظ التثنية لما ذكرناه.
واعلم أن
الثلاثين إلى التسعين يستوي فيهما لفظ المؤنث والمذكر واكتفي بلفظ المميز كقولك :
ثلاثون رجلا ، وثلاثون امرأة ، وإنما استوى الأمران فيهما لوجهين :
أحدهما أنّا قد
بيّنا أن الفصل بين المؤنث والمذكر غير واجب في الأسماء ، لأن الأشياء تقع عليهما
، ولكن فصل في بعض الأسماء بضرب من التبيين وما لم يقع الفصل فيه فهو مبقى على
الأصل ، وإنما فصل في الأول بين المؤنث والمذكر لأنها أحوال لما بعدها من الأعداد
، فلما كان ما ذكرناه من العشرين إلى ما فوقه فرعا لم يجب الفصل بينهما.
ووجه ثان : أن
الثلاثين والتسعين يجوز أن تقدر فيها التأنيث والتذكير ، فأما علامة التذكير
فالجمع بالواو والنون ، وأما علامة التأنيث فلأن الآحاد يستعمل للمؤنث بغيرها نحو
ثلاث نسوة ، فصار إسقاط الهاء من الثلاثين إلى التسعين كالعلامة للتأنيث ، فلما
اجتمع في الاسم حكم العلامتين لم يحتاجوا إلى لفظ لكل واحد منها إذ مبنى الأعداد
بعد العشرة على الاختصار ، ألا ترى أنهم ركبوا الاسمين فجعلوهما اسما واحدا طلبا
للاختصار ، فكذلك اكتفوا بالثلاثين وما بعده من العقود ، وإنما لزمت النون في
العشرين إلى التسعين لأنها نون جمع ، ونون
الجمع تثبت في الوقف وليست كالتنوين يسقط في الوقف ، فلما كانت النون أقوى
من التنوين لما ذكرناه ولأنها متحركة مع ذلك فلذلك لم يحذف كما حذف التنوين فيما
قبل العشرين.
/ فإن قال قائل
: فهلّا حذفتموها للإضافة كما تحذفونها من غير الأعداد للإضافة فقلت : عشرو درهم ،
فكان هذا أخف؟
قيل : الذي منع
من ذلك أن الأصل في قولهم [هو] عشرون من الدراهم ، ولا يجوز حذف النون ها هنا ؛ لأن
الإضافة تصل إلى الحروف وهذا فاسد ، فلما حذفوا لفظ (من) اكتفوا بالواحد وهم
يقصدون الأصل في المعنى وقد بينا أن الإضافة إلى الأصل مراعاة . فلذلك ثبتت النون في العشرين إلى التسعين ولم يحذفوها.
واعلم أنك إذا
أردت أن تعرف العشرين والتسعين فأنت مخير إن شئت أدخلت الألف واللام فقلت : عندي
العشرون درهما وإن شئت أضفتها إلى مالكها وحذفت النون للإضافة فقلت : عشروك
وثلاثوك.
واعلم أن ما
بعد العشرين إلى التسعين لا يكون إلا نكرة لأنه تمييز ، فإذا أردت التعريف أدخلت
الألف واللام على العشرين إلى التسعين فإذا بلغت العقد فوق التسعين وهي المئة
لزمته الإضافة إلى ما بعده لأنه اسم مفرد ، وإنما فعلوا ذلك بالأسماء وألزموها
وجها واحدا لأنها ليست كالصفة في معنى الفعل ، ولا التي شبهت به ، فإذا بلغت
العقدين تركت التنوين أعني النون وأضفت وجعلت الذي يعمل فيه وتمييزه العدد من أي
صنف هو واحدا. كما فعلت ذلك في الذي نونت إلا أنك تدخل فيه الألف واللام ؛ لأن
الأول يكون به معرفة وذلك قولك : مئة درهم ، ومئة الدرهم ، وكذلك إن ضاعفت فقلت :
مئتا درهم ، ومئتا الدينار ،
__________________
وكذلك العقد الذي بعده واحدا كان أو مثنى كقولك : ألف درهم ، وألفا درهم ، أعني أنه إذا بلغ العقد ثلاثة لزمته الإضافة ؛ لأنه اسم مفرد وجب
أن يضاف كسائر الأسماء التي تضاف إلى غيره وجاز دخول الألف واللام على الذي تبين
به النوع ؛ لأن الأول لما أضيف والمضاف يتعرف بالإضافة ويكتسب تعريفا من المضاف
إليه وكان حق الألف واللام أن تدخل على الأول ؛ لأن الثاني واحد في المعنى جمع في اللفظ
كما كان الواحد بعد العشرين ، وذلك أن الأصل في قولك : مئة درهم ، مئة من الدراهم
، فحذف لفظ الجمع و (من) فكان القياس أن تمتنع الإضافة كما امتنعت العشرين بتقدير
الواحد في معنى الجمع إلا أن المئة شبهت بالعشرة لأنها عقد مثلها ، وشبهت أيضا
بالتسعين لأنها تليها ، وحكم عشر الشيء كتسعه فلما حصل للمئة الشبه بالعشرة
والتسعين ألزمت الإضافة تشبيها بالعشرة وجعل النوع واحدا تشبيها بالتسعين فصارت
الإضافة في المئة لازمة ، فلما أرادوا تعريف المئة لم يجز إدخال الألف واللام
عليها لأن الألف واللام لا يجتمعان مع الإضافة اللازمة فنقلوا الألف واللام من
المئة وألحقوها بما بعدها وهم ينوون بها تعريف المئة ، وساغ لهم ذلك لما بيّناه من
أن المضاف يصير معرفا بالمضاف إليه وينتقل إليه تعريفه ، فلهذا دخلت الألف واللام
/ في ما بعد المئة ، وإنما لزمت المئتان الإضافة للزوم المئة الإضافة لما ذكرناه
من الشبه.
واعلم أن المئة
اسم ناقص قد حذف منه لام الفعل وأصلها : مئية فحذفت الياء منه تخفيفا فصارت هاء
التأنيث عوضا منها ، والدليل على ما ذكرناه قولهم : أمأيت الدراهم ، والجمع بالواو
والنون فتقول : عندي مئون ، ويجمع بالألف والتاء فظاهر لأن فيها علامة التأنيث ،
وأما جمعها بالواو والنون فعلى أن هذا الجمع عوض
__________________
من النقص الذي دخلها وأكثر الأسماء النواقص المؤنثة يجمع بالواو والنون نحو
: ثبة ثبون ، وقلة قلون ، وجعلوا الجمع بالواو والنون عوضا من النقص الذي دخلها إذ
كان فيه علامة التأنيث لا يجوز جمعه بالواو إذا كان غير ناقص نحو : طلحة ، لا يجوز
أن تقول : طلحون ، وإن كان اسم رجل وسنستقصي هذا في باب الجمع إن شاء الله ، وأما
قول الشاعر :
وحاتم الطائي وهاب المئي
ففيه ثلاثة
أوجه :
أحدها : أن
يكون وهاب المئين فحذف النون لضرورة الشعر.
والوجه الثاني
: أن يكون بناء الاسم على فعيل فكأنه أراد وهاب المئي وأراد بالمئي جمع مئة لأن
فعيلا من أبنية الجموع نحو قولهم في جمع كلب : كليب ، وفي عبد : عبيد ، فحصل في آخر المئي ياء مشددة وقبلها كسرة وذلك مستثقل
فحذف ياء فعيل استخفافا.
والوجه الثالث : أن يكون جمع مئة فحذف الهاء كثمرة وثمر ، ثم ألحق
الياء بعد الهمزة في المئي لإطلاق القافية ، وقد يحذف الشاعر الهمزة في الجمع
تخفيفا كما قال :
وذلك أن ...
قليل لو
|
|
أجرنا أجل
أيضا وميو
|
__________________
وأما قوله ثلاث
مئة ، وتسع مئة فالقياس أن يقال : ثلاث مئين ، أو ثلاث مئات ، لأن الثلاثة حقها أن تضاف إلى الجمع والمئة لفظها لفظ
الواحد ، وإنما جاز ذلك لوجهين أحدهما : أن المئة تتضمن معنى الجمع إذ كانت
الأعداد كثيرة فصار ثلاث في المعنى كأنها مضافة إلى الجمع وإن لم يكن في لفظه
دلالة على الجمع كقول الشاعر :
بها جيف
الخمرى فأما عظامها
|
|
فبيض وأما
جلدها فصليب
|
أراد جلودها ،
وقول الآخر :
لا تنكروا
القتل وقد سبينا
|
|
في حلقكم عظم
وقد شجينا
|
أراد في حلوقكم
، فاكتفى بالواحد عن الجمع ، فلما جاز الاكتفاء بالواحد الذي ليس في لفظه معنى كان
ما في لفظه دلالة على الجمع أولى أن يكتفى به عن الجمع ، وهو المئة ، وسقطت الهاء
من الثلاث مئة إلى التسع مئة لأن المئة مؤنث فصار كقولك : ثلاث نسوة فإذا بلغت
الألف لزمتها الإضافة كما لزمت المئة إلا أنك تجمع الألف ثلاثة آلاف وعشرة آلاف ،
وإنما وجب الجمع في الألف بعد الثلاثة إلى العشرة لوجهين :
__________________
أحدهما : أن
الألف نهاية مراتب العدد كما أن الواحد أول المراتب ، فما صارا طرفين ولزم في الطرف الأول أن يضاف إلى الجمع وجب في
الطرف الآخر أن يضاف إلى الجمع أيضا.
والوجه الثاني
: أن الألف عشرته / كتسعته على حد ما كان في الواحد ألا ترى أنك تقول : عشرة آلاف
، كما تقول : عشرة دراهم ، فلما شابهت الألوف الأعداد الأول وجب أن تجمع بعد
الثلاثة والعشرة وإنما دخلت الهاء في قولك ثلاثة آلاف ؛ لأن الألف مذكر ، تقول :
هذا ألف ، فإن عنيت الدراهم جاز أن تؤنث فنقول : هذه ألف ، وذكر أن بعض الأعداد قد
جاء في الشعر مؤنثا ، قال الربيع بن ضبغ الفزاري :
إذا عاش
الفتى مئتين عاما
|
|
فقد أودى
المسرة والفتاء
|
فأثبت النون مع
مائتين ونصب عاما ، وقول الآخر :
أنعت عيرا من
حمير قد نزت
|
|
في كل عير
مئتان كمرة
|
وإنما حسن ذلك
في المئتين لأن النون تثبت في الوقف لأنها أقوى من التنوين فشبهت بالعشرين لأنها
تثنية عقد مثلها ، وغير ممتنع في العشرين تنوين سائر الأعداد ونصب ما بعدها ، وأما
الثلاث مئة والتسع مئة فكان ينبغي في القياس :
__________________
ثلاث مئين ، وتسع مئين ، أو مئات كما قلنا آنفا ولكنهم شبهوها بعشرين وأحد
عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحدا ، لأنه اسم لعدد وليس بمستكره في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جمع ، حتى قال
بعضهم فيما لا يستعمل في الكلام وأنشدوا البيتين اللذين ذكرناهما.
ثم قال : إن (لدن)
لها في (غدوة) حال ليست في غيرها تنصب بها كأنه ألحق التنوين في تسع مئة وكأنه
أراد قد يخص الشيء في موضع لا يخص به في موضع آخر فقال : تقول العرب : من لدن غدوة
، وقال لدن غدوة ، كأنه أسكن الدال ثم فتحها كما قال : أضربن زيدا ، ففتح الباء
لما جاءت النون الخفيفة ، والجر في غدوة هو الوجه والقياس ، وتكون النون من نفس
الحرف بمنزلة (من) و (عن) وقد يشذ الشيء في كلامهم عن نظائره ويستخفون الشيء في
موضع لا يستخفونه في غيره فمن ذلك قولهم : ما شعرت شعرة ، ويقولون : العمر والعمر
، ولا يقولون في اليمين كلهم إلا بالفتح ، أعني لعمرك ، وستجيء أشياء في هذا
الكلام يعني التسع ومئة إضافتها إلى الواحد ليس بقياس وقد بيّنا ذلك ، ويحتمل أن
تشبه الثلاث مئة إلى التسع مئة في بابها بالواحد والعشرين والتسعين فكما بيّنت العشرون بواحد بيّنت التسع مئة بواحد ، ووجه الشبه
بينهما أن عشرة التسعين على غير لفظها كما أن عشرة المئة على غير لفظها فلما
أشبهتها من هذا الوجه جعل المبين بواحد ، ثم ذكر بعض ما جاء في كلامهم خارجا عن
القياس ، فمن ذلك (لدن) وهي ظرف بمنزلة (عند) والنون من نفس الكلمة فكان حقها أن
تخفض ما بعدها إلا أن بعض العرب يحذف النون تخفيفا ثم يردها بعضهم فيقدر النون
فيها أنها زائدة فلهذا جاز أن ينصب بها غدوة ، ويجوز أن يكون فعلوا ذلك لكثرة
__________________
استعمال (لدن) مع (غدوة) أو قدروا ما ذكرناه فنصبوا (غدوة) بذلك التقدير
فيخف اللفظ عليهم. وخفته من وجهين : أحدهما : أن النصب أخف من الجر ، والثاني : أن
الجار والمجرور / كالشيء الواحد والمنصوب كالفضلة ، وما هو فضلة أخف من اللازم
فلهذا عدل ب (لدن) ما ذكرناه.
وبعض من رد النون
تشبيها بالنون الخفيفة فتح ما قبلها وكان ذلك طلبا للتخفيف أي لتخفيف الكلمة
لكثرتها في كلامهم والفتح أعم من الضم وذلك قولهم : ما أشعرت به بشعرة ، وكان
القياس إثبات هاء التأنيث في قولهم : ليت شعري ، ولكنهم حذفوا الهاء لوجهين :
أحدهما :
للتخفيف إذ كان هذا كثيرا في كلامهم.
والثاني :
إثباتها يؤدي إلى لفظ مستقبح فلهذا حذفوا التاء ، وكذلك ألزموا أنفسهم فتح العين
في قولهم لعمرك لكثرة القسم في كلامهم. قال ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد
والمراد به الجمع قال الشاعر :
كلوا في بعض
بطنكم تعبّوا
|
|
فإن زمانكم
زمن خبيص
|
أراد : في
بطونكم ، فاكتفى بالواحد عن الجمع لأن إضافة الجمع يدل على أن البطن بمنزلة البطون
، قال مثل هذا في الكلام قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ
عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) [النساء : ٤ / ٤] ، وقررنا به عينا وإن شئت قلت
__________________
أعينا ، ولو كان في الكلام لجاز أن تقول : أنفسا مكان نفسا يعني أن النفس
والعين في المسألتين جميعا يراد بهما الجمع فاكتفى بالواحد فيه لدلالة الكلام عليه
على الإرادة وإن شئت جمعت مثل هذا على الأصل ، وإنما جاز الجمع ها هنا ولم يجز
فيما بعد العشرين أن تميز بلفظ الجمع أن عشرين قد حصل فيها مقدار العدد والفعل
يجوز أن يكون للواحد والجمع ، فذكر ذلك بلفظ الجمع ليدل بذلك أن الفعل لجماعة ولا
يجوز إدخال الألف واللام في النفس والعين لأنهما منصوبان على التمييز وقد بينا
فيما تقدم أن التمييز لا يكون إلا نكرة وأما قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ
مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف : ١٨ / ٢٥] ، فذكر أبو إسحاق الزجّاج أن سنين نصب على البدل من
الثلاث مئة قال ولو نصبت السنين على التمييز لكانوا قد لبثوا تسع
مئة سنة وأكثر من ذلك والدليل على
__________________
صحة ما قالوا أنك لو قلت : عندي عشرون رجالا ، احتمل أن يكون كل واحد من
العشرين رجالا فتكون المجموع ستين أو أكثر والدليل على صحة ما قال قول الشاعر :
سعى عقالا
فلم يترك لنا سبدا
|
|
فكيف لو قد
سعى عمرو عقالين
|
لأصبح القوم
أو بادا فلم يجدوا
|
|
عند التفرق
في الهيجا جمالين
|
فأجرى جمالين
مجرى درهمين ، أراد جمالا لهذه الفرقة ولا يجوز أن يكون سنين نعتا لثلاث مئة لأنه
اسم جامد فيقبح النعت به ، وقد أجاز الفراء نصب سنين على التمييز واحتج بقول الشاعر :
فيها اثنتان
وأربعون حلوبة
|
|
سودا كخافية
الغراب الأسحم
|
فقال سودا فجمع
وهذا لا يشبه ، لأن الشاعر قد ذكر المميز وهو حلوبة ثم
__________________
أتى بالسود بعدها فيجوز أن تكون السود للأربعين والاثنين على لفظها ويجوز
أن يجعلها نعتا للحلوبة على المعنى ولم يذكر في الآية قبل السنين التمييز فلهذا /
افترقا والله أعلم.
باب الجمع
قال أبو الحسن
: اعلم أن الجمع المكسر يستأنف البناء كاستئناف البناء للواحد ، فلما كان الواحد
يقع مختلفا فكذلك جمع التكسير يقع مختلفا كاختلاف الواحد.
واعلم أن الاسم
قد يجمع على ضروب فيكون أحد الضروب أكثر فيه من غيره فيصير هذا الكثير هو الباب ،
ويصير ما عداه لقلته كالشاذ في الباب ، وربما حمل جمع اسم على جمع اسم لاشتراكهما
في معنى ونحن نبيّنه إن شاء الله.
واعلم أن أبنية
أدنى العدد أربعة وهي : أفعل نحو : أكلب ، وأفعال نحو أجمال ، وأفعلة نحو أرغفة ،
وفعلة نحو صبية وغلمة ، وأما ما كان على فعل بأدنى العدد فيه : أفعل نحو : أكلب ،
والكثير على فعال وفعول : نحو : كلاب ، وفلوس ، وقد يجتمعان في اسم واحد كقولهم :
كلم ، وكلام ، وكلوم ، يعني الجراحات وإنما خصّ هذا البناء لأن شرط الجمع أن يكون
اللفظ أكثر من الواحد ، فلما كان فعل أخف الأبنية وكثر لفظ جمعها خففوا جمع فعل
لكثرته في كلامهم وأما فعال ، وفعول فإنما استويا في الحكم لتقارب ما بينهما
في اختلاف الحركات وترتيب الحروف لأن حروف اللين فيها في موضع واحد فلهذا اشتركا.
وما سوى فعل مما هو مكسور الأول أو مضموم أو متحرك الفاء والعين فيجيء جمعه لأدنى
العدد على أفعال وقلته فكثروا لفظ جمعه وذلك قولهم : عدد وأعداد ، وفعل
__________________
وأفعال ، وجمل وأجمال ، وعضد وأعضاد ، وكتف وأكتاف ، وطنب وأطناب ، وإبل وآبال ، وعنب وأعناب ، إلا ما كان على (فعل) نحو
صرد ، وجعل ، فله قياس آخر وذلك أن هذا البناء قد صار له اختصاص في منع الصرف
، وليس لغيره من الأبنية الثلاثية هذا الحكم ، فجعلوا جمعه على ما يخصه واكتفوا
بجمع واحد لقلته في كلامهم فقالوا :
صرد وصردان ،
ونغر ونغران ، وجعل وجعلان ، وإنما خصوه بهذا البناء لأنه جعل كالمخفف من جعال نحو
غراب ، وهذا الباب أيضا يجيء على فعلان فلمضارعته هذا الباب خص بهذا البناء ، فأما
جمع الأبنية بأكثر العدد فيجيء مختلفا ، ويكتفون بالقليل عن جمع الكثير ، وببناء
جمع الكثير عن بناء جمع القليل ، وإنما ساغ ذلك لأن الجمع لا غاية له ينتهي إليها
إلا ويمكن إضافته ، فلما كان معنى الجمع لا ينتهي إلى غاية جاز أن ينوى باللفظ
الواحد القليل والكثير ، فلهذا ساغ ما ذكرناه ، وأما قولهم : زند وأزناد لأدنى العدد ، وكان القياس أزند فوجه ذلك أنه لما كان
الزند عودا وتكسير العود في أدنى العدد : أعواد ، حمل زند عليه لاشتراكهما في
المعنى واتفاق سكون أوساطهما ، وكذلك فقع وفقعة لما كان الفقع ضربا من الكمأة
والفطر مثله يجوز في الفطر أن يكسر على فعلة كما كسر الفقع على فقعة تشبيها بذلك
إذ كان معناهما واحدا وعدد حروفهما وسواكنها ومتحركاتهما واحدا / وكذلك قعب يجوز في جمعه : قعبة ، لما كان
__________________
الفقع والفطر متقعبا وجمعا على فعلّة جمع القعب على فعلّة تشبيها بذلك
لاشتراكهما في التقعب والوزن وعدة الحروف ، وأما زمن وأزمن فكان القياس أن يقال :
أزمان ، لأنه شبه بالدهر [و] كان معناهما واحدا فجمع على أفعل كما جمع الدهر على أدهر ، وأما قولهم ربع
وأرباع فشبهوه بجمل لأن الربع وإن كان على غير وزن جمل فهو في المعنى جمل
وإن كان صغيرا فجمع على جمعه إذ كان ولده.
وجميع ما يأتي
من الجمع مختلفا خارجا عن بابه فهو محمول على مثل ما ذكرنا إلا أنا لم نذكر منه
إلا القدر الذي ذكرنا لك على استقصاء ذلك في كتاب سيبويه.
قال وما كان
منه على أربعة أحرف مذكرا فجمعه على مثال (مفاعل) زائدة كانت حروفه أو أصلية فهذا
مثاله ، وإن اختلفت أبنيته وذلك نحو : جعفر وجعافر ، قال أبو الحسن إنما جمع
الرباعي على ما ذكرناه لأنه أثقل من الثلاثي فألزم طريقة واحدة جعلت زيادته أخف
الزوائد وهي الألف لثقله في نفسه وإنما مثّله بمفاعل لأنه أراد الحروف دون وزنه
على ما فيه من الزوائد والأصول ، وذلك أنه فصل ذلك فجعل جعافر فعالل ، ومساجد ،
مفاعل ، وجداول فعاول ، وأكابر وأصاغر أفاعل ، فوزن الكلمة على حقيقتها.
واعلم أن ما
كان على خمسة أحرف ورابعه حرف لين زائد فإنه يجيء على (فعاليل) كقولهم : جرموز
وجراميز ، وقنديل وقناديل ، وإنما أتى على بنائه ، ولم
__________________
يحذف منه لأن ما كان على خمسة أحرف أصول فلا بد من حذف الآخر منه في الجمع
كقولك : سفرجل وسفارج ، وفرزدق وفرازد ، وإنما حذف آخره لطوله وكان الآخر أولى
لأنه المثقل للكلمة فلهذا كان أولى بالحذف ، فلما حذف حرف عوض ياء قبل آخره فقيل :
سفاريح ، وفرازيد ، وإنما كانت الياء أولى بالزيادة لأن ما بعد ألف الجمع مكسور
فصارت زيادة الياء كإشباع الكسرة ومع ذلك فإن الياء أمكن حروف المد لأن الياء من
وسط اللسان فلما جاز أن تزاد هذه الياء قبل آخر الجمع على طريق العوض كان بقاؤها
إذ كانت ثابتة في الواحد أولى وإن كان الاسم على خمسة أحرف وفيه زائدتان متساويتان
كنت مخيرا في حذف أيهما شئت كقولك : حبنطى وهو ملحق بسفرجل بزيادة النون والألف في
آخره : وحباط وحبانيط ، إذا عوضت وإذا حذفت النون قلت : حباط ، وحباطى ، في النصب
، فإن فيه زائدة واحدة حذفتها كقولك : في جحنفل : جحافل ، وجحافيل ، إذا عوضت لأن الزيادة أضعف من
الأصلي ، فإن كانت فيه زائدتان كلاهما لمعنى واحد وأحدهما أقرب إلى الطرف حذفت
القريبة من الطرف كقولك في مغتسل : مغاسل ومن منطلق مطالق ، لأن التاء والنون أقرب
إلى الطرف ، وأما قلنسوة ففيها زائدتان النون والواو وليستا للإفادة / ولا لمعنى بل كثرت الكلمة بها فأنت مخير في حذف أيهما
شئت فإن حذفت الواو قلت : قلانس ، وقلانيس إذا عوضت وإن حذفت النون قلت : قلاس ،
وقلاسيّ ، إذا عوضت وإنما شددت الياء إذا عوضت لاجتماع ياء العوض مع الياء
المنقلبة من واو قلنسوة فاعلمه.
واعلم أن ما
كان على فعل وثانيه ياء أو واو فأدنى العدد فيه (أفعال) نحو : حوض وأحواض ، وثوب
وأثواب ، فإن أردت الكثير منه جاء على (فعال)
__________________
كقولهم : ثوب وثياب ، وحوض وحياض ، وتقول : بيت وأبيات ، وشيخ وأشياخ ، فإن
أردت الكثير بنيته على (فعول) نحو : بيوت ، وقيود ، وشيوخ ، وإنما خص هذا الباب
بأفعال وإن كان ثانيه ساكنا كراهة لأفعل : إذ لو جمع على أفعل لانضمت الواو والياء
وذلك مستثقل ، وقد جمعوا بعض الصحيح مما هو على فعل على أفعال نحو : فرخ وأفراخ ،
فلما جاء في الصحيح هذا كان في المعتل أولى.
واعلم أن ما
كان على فعلة وكان اسما فإن جمعه بالألف والتاء وتحريك الحرف الأوسط منه للفصل بين
الاسم والنعت وذلك قولك : جفنة ، وصحفة ، وتمرة تقول في جمعها: جفنات ، صحفات ، وتمرات قال حسان :
لنا الجفنات
الغرّ يلمعن بالضّحى
|
|
وأسيافنا
يقطرن من نجدة دما
|
قال أبو الحسن
: اعلم أنه إنما وجب تحريك الأوسط إذا كان اسم ليفصل بين الاسم والنعت فتقول في
صحفة : صحفات ، فتحرك الأوسط وتقول في عبلة عبلات ، فلا تحرك الأوسط وإنما خصوا الاسم [بالتحريك
وتركوا أوسط] النعت على حاله لأن الصفة أثقل من الاسم إذ كانت تتضمن
الموصوف فلما كانت أثقل والاسم أخف وجب تحريك الأخف وإن كان الأول مضموما والثاني
ساكنا فلك فيه ثلاثة أوجه :
__________________
أجودها : ضم
الثاني كقولك : ظلمة وظلمات.
ويجوز أن تقلب
الضمة فتحة استثقالا لتوالي الضمتين ولأن الغرض بتحرك الثاني هو الفصل بين النعت
والاسم وإذا حرك بالفتح فقد وجب الفصل بين فعلة إذا كان اسما وبين فعله إذا كان
نعتا وناب الفتح ها هنا عن الضم المستثقل وإنما اخترنا الضم ليكون تابعا لحركة
الأول ، ويجوز الإسكان على الأصل ؛ لأن هذا الفصل ليس بواجب في كل اسم ، وإذا كان
ذلك كذلك جاز ألا يحرك وأما المكسور الأول فحكمه كحكم المضموم الأول في جواز كسر
الثاني وفتحه وإسكانه كقولك في كسرة : كسرات وكسرات ، وكسرات ، بإسكان الثاني على
ما فسرناه.
وأما جمع
التكسير في المفتوح الأول فيجيء على (فعال) كقولهم : جفنة وجفان ، وصحفة وصحاف ،
وأما ما كان مضموم الأول مسكن الثاني فيجمع على فعل جمع التكسير كقولهم ظلمة وظلم
، وغرفة وغرف ، وإنما جمع من فعل لأن ما كان من المخلوقات يجعل بين جمعه وواحده
الهاء كقولك : برّة وبر ، فلما كان حكم المخلوقات أن يبقى لفظ الواحد في الجمع
وتسقط الهاء جعلوا ما ليس مخلوقا محرك الأوسط ليكون بينه وبين المخلوقات فصل فتقع
بالحركة زيادة على لفظ الجمع وكذلك حكم المكسور أوله يكسر على فعل نحو : كسرة وكسر
/ وسدرة وسدر والعلّة واحدة.
__________________
واعلم أن ما
كان على (فعيل) من هذا اسما فأدنى العدد فيه (أفعلة) وذلك نحو : نصيب وأنصبة ،
وخميس وأخمسة ، ويكون إذا أردت الكثير على (فعل وفعلان) نحو رغيف ورغفان ورغف ،
وقضيب وقضبان وقضب ، وأرغفة لأدنى العدد.
قال أبو الحسن
: وإنما كسر ما كان من (فعيل) أدنى العدد على (أفعله) وهو أزيد من فعل بحرف فجعلوا
الهاء لازمة له لتكون بإزاء الحرف الزائد في فعيل وكسروا عينه ، لأن الكسر أخف من
الضم ، فلما ألزم هذا المثال هاء التأنيث ثقل فكرهوا الضمة فيه فعدلوا إلى الكسر ؛
لأنه أخف من الضم ، وجعل في أكثر العدد على فعل فكأنه محذوف من فعول ، وإنما خفف
ليكون التخفيف معادلا لثقل فعلان.
وأما (فعيل)
الذي هو صفة للمذكر من يفعل فليس فيه حرف علّة ولا تضعيف فجمعه على (فعلاء) نحو
جليس وجلساء ، وكريم وكرماء ، وكبير وكبراء ، وفعال نحو : كرام ، وكبار ، وإنما
جمع على (فعال) لأنهم لم يعتدوا بالياء لأنها زائدة كأنهم توهموا إشباع الكسرة فيه
فيجمع على فعال كما يجمع الثلاثي ، وأما جمعه على فعلاء فللفرق بينه وبين الاسم
فجمعوا الاسم على أفعلاء كما يجمع الثلاثي كقولهم : خميس وأخمساء ، وإنما جعلوا
فعلاء للصفة لكثرة ما تجيء الصفة على فعلاء نحو حمراء وصفراء ، فأسقطوا الهمزة من
أوله ليشاكل ما ذكرناه.
باب النّسب
اعلم أن كل اسم
تنسبه إلى أب أو بلد وما أشبه ذلك فإنك تلحقه الياء الثقيلة علامة للنسب وذلك قولك
: هذا رجل بكريّ ، وهذا رجل عامريّ ، وهذا رجل مكيّ ، وكذلك جميع هذا الباب.
قال أبو الحسن
: اعلم أن النسب معناه إضافة شيء إلى شيء ، وإنما تشدد ياؤه لأن النسبة تصير لازمة
للمنسوب ، فصارت هذه الإضافة أشد مبالغة من سائر
الإضافات فشددوا ياءها ليدلوا على هذا المعنى ، فإذا كان الاسم سالما من حروف
المد واللين زدت ياء النسبة في آخره طال الاسم أو قصر كقولك في النسب إلى بكر :
بكري ، وإلى سفرجل : سفرجلي إذا كان المنسوب إليه اسمه سفرجل ، وإن كان في الاسم المنسوب
إليه ياء خفيفة قبل آخره أعني بالخفيفة الساكنة الزائدة نحو : تميم ، وثقيف ، ،
وفقيم وسليم وقريش ، وما أشبه ذلك فالأجود ألا تحذف من الأسماء شيئا إذا نسبت
إليها كقولك : تميمي وفقيمي ، وقد حذفوا الياء من بعض ذلك قالوا في قريش : قرشي ،
وفي ثقيف : ثقفي ، وفي هذيل : هذلي وهذيلي ، فمن أثبت الياء فعلى الأصل ، ومن حذف
فلاستثقال الياء والكسرات ، وليس قبل الكسر إلا حرف واحد والحرف الواحد قليل فصار
بمنزلة ما لا حكم له في الكلمة ، فإن كان قبل الكسرة حرفان لم يجب الفتح تقول في
تغلب : تغلبي ، لأن أول الكلمة حرفان فقوي صدر الكلمة ويجوز الفتح ، فأما هذلي ،
وثقفي فالأصل : هذيلي وثقيفي ، وإنما حذفوا الياء منهما استثقالا للكسرة مع الياء
/ فحذفت الياء فلما حذفت بقي الاسم على وزن نمر ، وما كان ثانيه مكسورا وهو على
ثلاثة أحرف يفتح في النسبة كراهة الكسرات والياءات فيقال : نمري وكذلك قالوا أيضا
: هذلي ففتحوا الذال ، وقد جاء على الأصل في الشعر قال الشاعر :
بكل قريشي
عليه مهابة
|
|
سريع إلى
داعي النّدى والتّكرّم
|
وقال آخر فجمع
بين اللغتين :
__________________
هذيلية تدعو إذا هي
فاخرت
|
|
أبا هذليا من
غطارفة نجد
|
فإن كان الاسم
على (فعيلة) أو (فعيلة) حذفت الهاء كقولك في النسب إلى حنيفة : حنفي ، وفي رجل من
خذيمة : خذمي ، وقد جاء شيء على الأصل وليس بالمستحسن قالوا في رجل من أهل السليقة
سليقي ، وفي الخزينة خزيني ، وفي سليمة سليمي ، وفي عميرة عميري ، والوجه ما ذكرت
لك إلا أن يكون الاسم من المضاعف أو المعتل ، فإنك تثبت فيه الياء ولا يجوز حذفها
، وذلك قولك في رجل نسبته إلى شديدة شديدي ، وفي رجل من طويلة طويلي ، من أجل
الواو لأنها إن سكنت لزمها القلب ، وإنما وجب حذف الهاء لأن هاء التأنيث تضارع ياء
النسب ، والدليل على مضارعتها أنها تقع بين الاسم وبين جمعه فيكون حذفها فرقا بين
الواحد والجمع كقولك : ثمرة وثمر ، وكذلك حال الياء المشددة نحو قولك : زنجي وزنج
، ورومي وروم ، وعربيّ وعرب ، فلما تضارعا من هذا الوجه الذي ذكرناه كره الجمع بين
تأنيثين أو تثنيتين فلذلك حذفت هاء التأنيث لمجيء ياء النسبة وحذفت الياء لأن
المؤنث أثقل من المذكر ، فلما جاز الحذف من المذكر مع خفته لزم الحذف في الأثقل ،
ومن أثبت فعلى الأصل والله أعلم.
وأما ما كانت
قبل آخره ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى فإن النسب إليه بحذف الياء المتحركة
لاجتماع الياءات وذلك قولك في النسب إلى ميت : ميتي ، وإلى حمير : حميري ، وإلى
أسيد : أسيدي ، وإنما وجب الحذف لأن عدد هذه الحروف أكثر من عدد حروف فعيل ويضمها
مثلها في العدد وهم قد حذفوا الياء من (فعيل) والكسر مع ياء النسبة [فكيف إذا زاد
ياء أخرى ، فإذا اجتمع هذا على الياءين في مثل : أسيد وحمير مع ياء النسبة] كان أثقل فلذلك وجب
__________________
الحذف ، وإنما كانت المتحرك من الياءين بالحذف أولى ؛ لأنك لو حذفت الساكنة
بقيت المتحركة وقبلها فتحة فكان يجب قلبها ألفا فيخرجون من علّة إلى علّة والخروج
من علّة إلى علّة فيه كلفة ، فلذلك حذفوا المتحركة لتزول هذه الكلفة ، ومع ذلك فإن
الياء الساكنة المدغمة لا مؤنة فيها على المتكلم ؛ لأنه يرفع لسانه بها في جملة
الياء المتحركة فصار الاستثقال إنما وجب من أجل المتحركة [ف] كانت أولى بالحذف إذ كانت هي الموجبة للثقل.
فإن كان آخر
الاسم ياء مشددة نحو : قصيّ وعديّ ، واجبة فإنك تحذف الياء الساكنة وتقلب المتحركة
ألفا لفتحه ما قبلها ثم تقلبها واوا وتتبعها ياء النسبة فتقول : قصوي ، وأموي ،
وعدوي ، وإن شئت تركته على الأصل تقول : قصيي ، وأميي ، وإنما كان الحذف أولى كراهة لاجتماع أربع ياءات مع
الكسرة وهم قد فروا من ثلاث ياءات / وبينهما حاجز أعني (فعيلا) فكان ما هو أثقل منه تكثيرا أولى
بالحذف ، وإنما حذفوا الياء الساكنة لأنهم قد علموا أن
المتحركة تقلب ألفا ولا تثبت لأنها تلي ياء النسبة فيجب قلبها واوا ، فلما كان حذف
الساكن يؤدي إلى قلب المتحركة واوا وخروجها عن شبه الياء وهم يفرون في
__________________
هذا الباب من الياءات والكسر من أجل ياء النسبة احتملوا الخروج من علّة إلى
علّة لما كان ذلك يؤديهم إلى التخلص مما يفرون منه ، فأما باب أسيد فلو حذفت الياء
الساكنة انقلبت المتحركة ألفا والألف هي قريبة من الياء ألا ترى أن الإمالة تدخل
على الألف فتقرب من الياء ، فلما كان القلب لا ينجيهم من باب أسيد مما يفرون منه
حذفوا المتحركة ، وتقوى الساكنة لأنها قريبة من الألف فلذلك خالف في باب أموي ومن
رأى الجمع بين الياءات فحجته أن الياء المشددة تجري بوجوه الإعراب ولا تستثقل
عليها الحركات فصارت بمنزلة ياء قبلها حرف ساكن نحو : ظبي ، وميّ وما كان كذلك فلم
يحذف منه شيء في النسبة فحملوا أمية وبابه على ما ذكرنا فلم يحذفوا منه شيئا ،
وإنما أقروا الياء إذ كان قبلها ساكن ولم يستثقلوا دخول الضمة والكسرة عليها في
حال الإعراب ، وإنما خالفت الياء المشددة الياء الساكنة ما قبلها لأن المشددة وإن
دخلها الإعراب فهي أثقل من الخفيفة ، فإذا انضم إليها ياء النسبة زادت ثقلا فلذلك
وجب تخفيفها.
وحكم الواو إذا
كانت طرفا وسكن ما قبلها كحكم الياء إذا سكن ما قبلها ، وهي أولى بأن لا تستثقل
هاهنا ؛ لأنهم قد يفرون من الياء إلى الواو في باب النسبة ، فإذا كانت معهم في الكلمة
فهي أولى بالثبات ، فإن كانت الياء في آخر الاسم وقبلها كسرة وكان الاسم معها على
ثلاثة أحرف قلبتها ألفا ثم قلبتها واوا كقولهم في عمّ : عموي ، وفي ردّ : ردوي ،
وإنما وجب ذلك لأنّا قد بينا أن ما كان على فعل بكسر العين من الصحيح ينقل إلى فعل
فإذا وجب نقل عمر إلى الكسر انفتحت الميم والياء بعدها في موضع حركة فإذا كان كذلك
انقلبت ألفا ثم انقلبت واوا لما سنذكره بعد إن شاء الله.
__________________
فإن كان الاسم
على أكثر من ثلاثة أحرف حذفت الياء في النسب كقولك [في النسبة] إلى قاض : قاضيّ وإلى ناحية : ناحيّ ، وإنما وجب حذفها
لأن النسبة توجب كسر ما قبلها ولا يدخلها الكسر فيجب إذن إسكانها بدخول ياء النسب
عليها ، فيلتقي ساكنان الياء المسكنة والياء المدغمة فتحذف لالتقاء الساكنين ، ومن
قال في تغلب : تغلبي ، بفتح اللام استثقالا للكسرة مع الياء أجاز أيضا أن يفتح
الضاد من قاض فإذا فتحها انقلبت ألفا أعني ياء قاض ثم انقلبت واوا فقال : قاضوي ،
كما قالوا : عموي ، وإنما ساغت التغييرات في باب النسبة ، وكثر ذلك لأن المراد
بياء / النسبة أن تعلم بأن المنسوب له به تعلق بالمنسوب إليه فلو فهم ذلك ببعض
الكلمة جاز أن يقتصر عليه فلذلك ساغ التغيير فيه.
واعلم أن الأصل
في النسب أن يقال : فلان من بني فلان أو من مدينة كذا ، ولكنهم اختصروا ذلك
واجتزؤوا بالياء من هذا التطويل كما اجتزؤوا بياء التصغير من
النعت حقيرا أو صغيرا.
واعلم أن ما
كان آخره ألفا وهو على ثلاثة أحرف فإنه يجب قلب ألفه واوا من ياء كانت منقلبة أو
من واو كقولك في قفا : قفويّ ، وفي رحا : رحويّ ، وإنما وجب قلب هذه الألفات إلى
الواو لأن الألف تقرب من الياء والإمالة تدخلها فتصير إلى الياء فلو أقروا الألف
على حالها لصار كاجتماع ثلاث ياءات وهم يجدون مندوحة تأويلا لخروجهم عن هذا الثقل
وذلك أن الألف ساكنة والياء الأولى ساكنة والجمع بين ساكنين في كلامهم غير مستعمل
إلا أن يكون الأول حرف مد والثاني مشدد فلما عوض بياء النسبة ما ذكرنا أجروا الألف
مع ياء
__________________
النسبة مجرى ساكنين ليس أحدهما حرف مد فوجب قلب الألف إلى حرف يتحرك فيه ليزول الجمع بين ساكنين ،
وكانت الواو غالبة على الياء في هذا الباب إذ كنا قد نقلب الياء في إيجاب قلب الألف
إذا دخلت عليها ياء النسبة ، وهو أن النسبة أقوى في تغيير الاسم من التثنية إذ
كانت قد ثبت لياء النسبة ما ذكرنا من إيجاب التغيير وقد بينا علّة ذلك ، والتثنية
ليست بموجبة للتغيير إنما حقها أن تزاد علامتها على لفظ الواحد ، فإذا كانت الألف
المقصورة تنقلب في التثنية واوا أو ياء كقولك في قفا : قفوان ، وفي رحى رحيان ،
وجب أن تكون ياء النسبة بقلب الألف ، فإذا وجب قلبها كانت الواو أولى لما ذكرنا من
العلّة الأولى من غلبة الواو على الياء في باب النسبة ، ولم يجب في التثنية إذ
كانت التثنية توجب انتظام ما كان في الواحد فلذلك وجب رد الألف في التثنية إلى
أصلها فإن كانت الألف رابعة وكانت أصلية فالوجه فيها أن تجري مجراها في الثلاثي
وتقلب واوا كقولهم : ملهى : ملهوي ، وفي مغزى : مغزوي ، وأفعى : أفعوي لأنها لما
كانت أصلا جرت مجرى الراء في جعفر ، فهذا القياس وكذلك حكم الألف إذا كانت للإلحاق
بمنزلة الأصلي نحو : أرطى ، وعلقى ، تقول : أرطوي وعلقوي ، فإن كانت الألف للتأنيث
فالوجه فيها الحذف كقولك : في حبلى حبليّ ، وفي بشرى بشريّ ، وفي دنى دنيّي ،
وإنما كان حذفها الوجه من وجهين :
أحدهما : أنها
من حيث كانت علامة التأنيث ضارعتها التأنيث فكما يجب حذفها أعني الهاء في النسب
فكذلك أيضا يجب حذف ألف التأنيث.
والوجه الثاني
: أن ألف التأنيث ساكنة وليست مما أصله الحركة كالألف الأصلية وألف الإلحاق
فحذفوها لسكونها وسكون الياء الأولى من النسبة وإن كانت الألف قد يقع بعدها الساكن
المدغم لما بينا أن الياء أقوى في تغيير ما
__________________
يدخل عليه من علامة التثنية ، فلما كانت ألف التثنية لا يجوز أن يبقى معها
ألف التأنيث على لفظها كذلك لا يبقى مع ياء النسبة / لأن في هذا نقضا للأصل الذي
أقمنا الدليل عليه من قوة ياء النسبة على قدر ما يقلبه ألف التثنية.
واعلم أنه يجوز
في النسب إلى ما آخره ألف التأنيث المقصورة إذا كان على أربعة أحرف وجهان :
أحدهما : أن
تقول في حبلى : حبلاوي ، وفي دنيا : دنياوي.
والوجه الثاني
: حبلوي ، ودنيوي ، وإنما جاز هذان الوجهان لأن ألف التأنيث وإن كانت علامة كهاء
التانيث فهي ألزم للأسماء من هاء التأنيث ، وذلك أن الاسم بني من أول أحواله على
ألف التانيث وهاء التانيث تقديرها أن تكون بمنزلة اسم ضم إلى اسم إذ كانت تدخل بعد
استقرار لفظ المذكر كقولك : قائم ، وقائمة ، فصارت ألف التأنيث مشابهة للألف
الأصلية أعني التي هي بدل من لام الفعل فجرت مجرى ألف الإلحاق إذ كانت ألف الإلحاق
زائدة قد أجريت مجرى الأصل ولذلك جاز قلب ألف التأنيث واوا كما جاز قلب ألف
الإلحاق واوا في النسبة تشبيها بألف التأنيث كما شبهت ألف التأنيث بها فتقول :
أرطى وعلقى ، فأما قولهم : حبلاوي ، فإنهم زادوا ألفا قبل ألف
التأنيث لتصير ألف التأنيث عمدة فيجب تحريكها فإذا تحركت صارت ألف التأنيث
الممدودة فيزول عنها حكم السكون فيجب ثباتها مع ياء النسبة وصار هذا الوجه أقوى من
قلبها واوا من غير موجب لتحريكها فلهذا صار هذا الوجه أقوى من قولهم : حبلوي ،
__________________
فإن كان المقصور على خمسة أحرف فصاعدا وجب حذف ألفه في النسبة زائدة كانت
أو أصلية وذلك أن بعض العرب يحذف الألف التي هي بدل من لام الفعل التي في الرباعي فتقول في ملهى
ملهي ، وذلك أنهم شبهوها بألف التأنيث لاجتماعهما في صورة واحدة فإذا كان يسوغ
الحذف في الرباعي لزم الحذف في الخماسي لطوله وذلك قولك في مرامى : مرامي ، وفي
قبعثرى : قبعثري ، وفي حبارى : حباري ، وقد بيّنا أن الوجه الحذف وألف التأنيث في الرباعي
والخماسي أولى بالحذف إذ كان الأصل أيضا قد حذف لما ذكرناه ، فإن كانت ألف التأنيث
رابعة وقد توالى الحركات قبلها تنقل الكلمة حتى تجعلها بمنزلة الخماسي ، والدليل
على ذلك أن زيادة الحركة قد تجري مجرى زيادة حرف. إن من يجيز صرف هند وترك صرفه لا
يجيز صرف قدم في حال المعرفة ، بل يلزمه منع الصرف في امرأة سميت : بعقرب ، فلذلك وجب
أن تجري ما توالت حركاته من الرباعي مجرى الخماسي وذلك قولك في النسب إلى جمزى
جمزيّ ، وفي بشكى بشكيّ ، إذا سميت بهما ونسبت إليهما وهما ضربان من المشي.
واعلم أن
الممدودة تنقسم أربعة أقسام أحدها أن تكون همزته أصلية كقولك : رجل قراء ، لأنه من
قرأت ، والثاني أن تكون همزته منقلبة من ياء ملحقة نحو :
__________________
علباء وحرباء ، وهما ملحقان بسرداح بياء بعد الألف لأن الياء إذا وقعت طرفا وقبلها ألف
كانت همزة فلذلك كانت الهمزة أولى منها وهي أيضا أولى من الهاء ، لأن الهاء خفية
وتحتاج إلى بيان ، ولأن الهمزة أجلد منها ، وصارت أولى فإذا نسبته إلى ما همزته /
للتأنيث قلبتها واوا عند أهل البصرة فتقول : حمراوي ، وخنفساوي ، وكذلك حكم جميع
الباب وإنما جاز بقاء الهمزة التي هي بدل من هاء التأنيث مع ياء النسبة ولم تحذف
كما حذفت الألف المقصورة لأنها خرجت في اللفظ من التأنيث إذ كانت الهمزة في نفسها
ليست مما يؤنث بها فجرت مجرى حرف ليس للتأنيث فلذلك لم يحذف.
فإن قال قائل :
فهلا حذفت كما يحذف الاسم المضموم إلى ما قبله؟
قيل له : قد
بينا أن التأنيث بالألف مخالف لحكم التأنيث بالهاء إذ كان الاسم بني على ألف
التأنيث فلهذا الوجه صار كبعض حروفه وخالفت حكم الاسم المضموم إلى ما قبله ، وإنما
وجب قلبها واوا ليفصلوا بين الهمزة التي هي بدل من حرف التأنيث وبين الهمزة التي
هي على خلاف ذلك إذ كانت هذه الهمزة تمنع الاسم الصرف وغيرها لا تأثير له ،
وصورتهما واحدة سواء فصلوا بينهما بالقلب ليدلوا على اختلاف حكمهما ، وإنما كانت
همزة التأنيث بالقلب أولى ؛ لأن حكم التأنيث فيها موجود وهو الموجب لثقل الاسم
وكانت ياء النسبة توجب أيضا تثقيلا للاسم فوجب أن تقلب هذه الهمزة إلى حرف لا يدل
على الثانية ليخف الاسم.
__________________
وأما ما سواها
من الهمزات فلم يكن فيه ما يوجب هذا الحكم من الثقل فوجب إقراره على لفظه إذ كان
حكمه وحكم سائر الحروف سواء في اجتماعه مع ياء النسبة ، وإنما كان قلب همزة
التأنيث إلى الواو أولى من سائر الحروف لوجهين :
أحدهما : أن
الواو تقع علامة لجمع المذكر ، والمذكر كالأصل للمؤنث وقد بيّنا أن الغرض أن تقلب
هذه لتبعد عن حكم التأنيث فلما كانت الواو لما ذكرناه أشد مباينة للمؤنث من سائر
الحروف كانت أولى بقلب الهمزة إليها.
والوجه الثاني
: هي بدل من ألف التأنيث فكانت أولى.
واعلم أن جميع
ما ذكرناه من الممدود سوى الممدود الذي ينصرف يجوز أن تقلب همزته واوا فنقول :
قراوي ، وكساوي ، وعلباوي ، وبعضه أحسن من بعض فقلت : همزة علباء أحسن ، لأنها
مشاركة لهمزة التأنيث في الزيادة فحملت عليها لأن الهمزة أثقل من الواو إذ كانت
تقع في الصدر فصار في قلبها إلى الواو فائدة ، وهو خفة اللفظ فلذلك جاز تشبيهها بهمزة التأنيث
وإقرارها على لفظها لأن ذلك يفيد ثقلا فإذا ثبت للكلمة حكم
بالخفة لعلّة أوجبت ذلك لم يجز نقله إلى ما هو أثقل منه ، ولذلك جاز حمل الهمزات
التي هي لغير التأنيث على همزة التأنيث ، ولم تحمل همزة التأنيث عليها ، وأما همزة
كساء فجاز قلبها واوا بالحمل على همزة علباء لأن الملحق بالأصل يجري مجرى الأصل ،
فلما جاز قلب الهمزة الملحقة واوا جاز قلب همزة رداء ، وكساء واوا لأنهما يشابهان
ألف علباء في انقلابهما من الياء إلى الهمزة ، وأما همزة قراء فقلبها بعيد وهو
جائز ،
__________________
ووجه جوازه الحمل على همزة كساء إذ كانت لام الفعل ، فإن كانت إحداهما
منقلبة فقد تشابها / في كونهما أصلين فلذلك جاز القلب في همزة قراء والله أعلم.
واعلم أن ما
كان آخره هاء التأنيث وقبلها ياء أو واو فالنسب إليه كالنسب إلى الممدود المصروف
وذلك نحو : صلاية ، وشقاوة تقول : صلايي وشقايي ، وإنما وجب ذلك لأن هاء التأنيث
يقدر سقوطها لأجل ياء النسب فإذا قدرت ذلك صارت الياء والواو طرفا وقبلها ألف فيجب
قلبها همزة كهمزة رداء فإذا لحقتها ياء النسبة بقيا على ما وجب لهما من الهمز
ويجوز أن تقول : شقاوي وصلاوي ، كما جاز كساوي ، ورداوي.
فإن قال قائل :
إذا كانت ياء النسب تحل محل هاء التأنيث فلم لم تبق الياء والواو على ما كان
أمرهما عليه مع ياء النسبة؟ قيل : لا يجوز ذلك لأنه إذا وجب تقدير الاسم مذكرا
لمجيء النسبة لم يجز أن تبقى الياء والواو على لفظهما ، وذلك أنّا لو قدرنا دخول
هاء التانيث على هذا ولم يبن الاسم على التأنيث لهمزنا فقلنا : صلاءة وشقاءة فإذا
كانت الهمزة لا تجب إذا قدرنا الاسم مذكرا مع هاء التأنيث وكان قلبها همزة مع ياء
النسبة أولى لأنه لا يجب إلا تقدير الاسم مذكرا ثم إدخال النسبة عليه فاعرفه.
فإن كان آخر
الاسم ياء وقبلها ألف فلك في النسبة إليه ثلاثة أوجه : وذلك نحو : رأي ، تقول في
النسبة إليه : رأيي ، ورأوي ، ورأئي ، فمن أقر الياء مع النسبة فلأنها ياء يدخلها
الإعراب فتجري مجرى الحروف الصحاح إلا أنه ليس في قوة رأوي لأن رأيي قبل يائه ألف
، والألف تشبه بالياء فيصير إقرارها مع ياء النسبة كأربع ياءات فلذلك فارقت ياء (رحى)
، وجاز أن تقلب واوا وهمزة فأما من
__________________
قلبها همزة فإنه شببها برداء إذ كانت همزة منقلبة من ياء ، ومن قلبها واوا جعلها بمنزلة داروي ، كل ذلك فرارا من الياءات.
واعلم أن النسب
إلى الأحياء على خلاف ما ذكرنا لأن هذا الباب مخالف للقياس ، إلا أنهم وإن خالفوا
قياس اللفظ فقد عدلوا به إلى جهة صحيحة ، فمن ذلك قولهم في النسب إلى طيّ : طايي ،
وحقه أن يأتي على طيي ، فتخفف إحدى الياءين كما قلنا في سيد : سيدي ، وإنما خالفوا
القياس في طي لكثرة استعماله في كلامهم ، وهو أثقل من سيد لأن الياء المشددة بعدها
همزة والهمزة مستثقل بعدها فقرروا حذف الياء الساكنة لتنقلب المتحركة ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها فيخف اللفظ عليهم إذ كان قد جاز لهم حذف الياء الواحدة في سيد ،
وإنما قدرنا حذف الياء الساكنة من طي ليكون قلب الياء ألفا حجة من جهة اللفظ ليقل
تقدير الشذوذ في هذه الكلمة ، إذ لو قدرنا حذف الياء المتحركة لم يجز قلب الياء
الساكنة ألفا فيصير قلبها على تقدير الشذوذ لنا عنه مندوحة ، فلذلك وجب ما ذكرناه
ومن ذلك قولهم [في النسبة] إلى اليمن : يماني ، وإلى الشام : شامي ، والقياس :
يمني ، وشأمي ، وإنما فعلوا ما ذكرناه لكثرة استعمالهم اليمن والشام في كلامهم
فخففوا إحدى ياءي النسب وعوضوا ألفا إذ كان الحذف قد وقع في كلامهم والتعويض فيما
/ لم يكثر استعماله فكان النسب أولى ، فلذلك كان أكثر تغييرا للكلمة من غيره ،
فلذلك قالوا : يمان وشآم ، فأما قولهم في النسب إلى تهامة : تهام ، فإن تقديره أن
يكون ردوا الاسم إلى تهم وحذفوا الزيادة ، فصار على لفظ
__________________
يمن فكان القياس على هذا الوجه أن يقولوا : تهمي ، ولكنهم حذفوا إحدى
الياءين وعوضوا منها الألف كما ذكرنا في يمان لكثرة الاستعمال واحتمال النسب
للتغيير ، ومن ذلك النسب إلى البحرين بحراني وكان القياس يجري لأن ياء النسب يقع
عليها الإعراب فلا يجوز بقاء ألف التثنية معها لئلا يجتمع في الاسم رفعان ونصب ،
ومع ذلك فإن علامة التثنية والجمع زيادة على بناء الاسم كزيادة هاء التأنيث. فكما
يجب إسقاط هاء التأنيث لمجيء ياء النسبة فكذلك يجب إسقاط علامة التثنية والجمع
لاشتراكهما في الزيادة في أواخر الأسماء ، وإنما جاز بحراني لأنه قد صار اسما
لموضع لا يجوز إسقاط الألف والنون منه فصارت الألف والنون معه كالألف والنون في
عثمان وجريا مجرى ما بني الاسم عليه وصار أيضا في ياء الألف والنون فصل بين
النسب إلى هذا الموضع وبين النسب إلى البحر بعينه ومن ذلك قولهم في النسب إلى
زبنية : زباني ، وكان القياس : زبني ، ولكنهم أبدلوا من الياء ألفا لتخفيف
الكلمة من غير أن يحذفوا حرفا ، ويجوز أن يكونوا خصوا بهذا ليدلوا على أن الأصل
فيه فعيلة وإن شئت جعلت الألف عوضا عن حذف الياء من فعيل كما جعلوها عوضا من إحدى
ياءي النسب [في] يمان ، وأما قولهم في النسب إلى الدهر : دهري ، فإنهم
أرادوا الفصل بين من قد مرت عليه الدهور وبين من يقول بالدهر فضم الأول لضمة
الدهور وبقوا لفظ من يقول بالدهر على فتحه ، ومن ذلك قولهم في النسب إلى البصرة :
بصري بكسر الباء ، ووجه ذلك أن البصرة بكسر الباء اسم الحجارة الرخوة فيجوز أنهم
__________________
كسروا الباء في بصري ليدلوا [على] أن البصرة سميت بهذا الاسم من أجل الحجارة التي يقال
لها البصرة ، وجميع ما ذكرنا إذا سميت به رجلا نسبت إليه على القياس الذي يجب له
من جهة اللفظ.
واعلم أنك إذا
نسبت إلى رجلين وقع النسب إلى أحدهما ليفصل بينه وبين ما وقع اسما لواحد ، وذلك
قولك في النسب إلى رجلين : رجلي ، وإلى مسلمين : مسلمي ، قال أبو الحسن : وإنما
وجب أن تحذف علامة التثنية والجمع لأنهما ليسا بلازمين للاسم فصار بمنزلة هاء
التأنيث وياء النسبة ، وقد بينا مضارعتهما لهاء التأنيث فحذفوا علامة التثنية
والجمع لمجيء النسبة كما حذفوا هاء التأنيث لأن من شرط الإعراب أن يقع على ياء
النسبة فلم تقو علامة التثنية والجمع فصار في الاسم رفعان ونصبان وجران ، وهذا لا
يكون لأن عاملا واحدا لا يحدث في الاسم الواحد إعرابين ، فكانت ياء النسبة ألزم من
علامة التثنية والجمع لأن المنسوب يصير مرفوعا بما نسب إليه من بلد أو غير ذلك ،
فلذلك صار بقاء ياء النسبة أولى من بقاء علامة التثنية والجمع ، ومع ذلك فلو بقوا
علامة التثنية / والجمع لالتبس المنسوب إلى التثنية والجمع بالمنسوب إلى الواحد
على لفظ التثنية والجمع ، وكان الحذف من المثنى والمجموع أولى من اسمه ، ذلك لأن
الألف والنون إذا صارت مع ما قبلها من الكلمة اسما لواحد لم يجز أن يفارقاه ، لأنه
قد صار علما معهما فجريا مجرى أحد حروف الأصل ، فإذا كانت الألف والنون للتثنية لم
يكونا لازمين فكان حذف ما لا يلزم أولى من حذف اللازم.
واعلم أنك إذا
سميت رجلا برجلين أو مسلمين فالاختيار أيضا حذف علامة التثنية والجمع في النسبة ،
ذلك أنّا قد بينا في باب ما لا ينصرف وما ينصرف أن
__________________
التسمية بالتثنية والجمع الأحسن فيهما حكاية حالهما قبل التسمية ، وإذا كان
ذلك كذلك فقد جريا في حال التسمية مجراهما قبل التسمية اعني في الإعراب ، فلذلك
كان حذفهما في التسمية مساويا لحذفهما قبل التسمية ، ومن جعل الإعراب في النون قال
: جاءني رجلان ، ورأيت رجلان ، ومررت برجلان ، وكذلك من يقول : جاءني مسلمين ،
ورأيت مسلمينا ، ومررت بمسلمين ، فإنه قد أجرى هاتين العلامتين مجرى ما هو من نفس
الحرف ، وإذا نسبت إليها لم تحذف منها شيئا فتقول هذا رجلاني ، ومسلميني ، وكذلك
حال يبرين ، وقنّسرين ، وفلسطين ، من أعربها إعراب الجمع فجعلها في الرفع بالواو
وفي الجر بالنصب بالياء حذف الياء والنون في النسبة إذا أجراها مجرى الجمع ، ومن
جعل الإعراب في النون ولم يحذف من الأسماء فقال هذا قنسريني ، وفلسطيني ، وكذلك
حكم جميع ما يجري هذا المجرى من الأسماء ، فأما النسب إلى المساجد فمسجدي لأنك
رددت المساجد إلى الواحد ونسبت إليه لتفصل بين من اسمه مسجد وبين من يكثر القعود
في المساجد وإنما كان بالرد إلى الواحد أولى من المسمى بالجمع لأن
الذي يكثر القعود في المساجد ليس يجوز أن يجمع بينهما في حال واحدة وإنما نسب إلى
أحدها ولفظه لفظ الجنس لما صارت النسبة تدل على ملازمته للمساجد إذ ليس واحد منها
أولى به من الآخر ، وأما المسمى بالجمع فقد صار مجموع الكلمة وليس الغرض بالنسبة
إثبات معنى من المسمى بل الغرض أن
__________________
يكون هذا الجمع علما له ، ولو رد إلى الواحد لم يقع النسب إلى المقصود إليه
فلذلك وجب بقاء الجمع في حال النسبة إذ كان اسما لشخص ، وكذلك حكم جميع كل جمع
مكسر ومن ذلك قولهم للذي يكثر النظر في الفرائض : فرضي ، وذلك أن الواحد فريضة
فوجب حذف الياء والهاء على ما ذكرناه في فعيلة ، وأما قولهم : مدايني ، ومعافري ، وضبابي ، وكلابي ، فإنما
نسب إلى لفظ الجمع لأنها أسماء لبلد أو شخص فالنسبة يجب أن يكون إلى لفظه ، وأما
ما كان في أسماء الجموع لا واحد لها من لفظها نحو ، نفر ، وقوم ، ونسوة ، ورهط ،
فالنسب يقع إلى لفظها سواء كانت لشخص أو واقعة على معناه ، وإنما وجب ذلك لأنها لو
ردت إلى واحدها لم يكن من لفظ واحدها أن المراد من هذه الجموع دون غيرها ، فلذلك
وجب بقاء لفظها في النسب اسما كان لشخص أو كان لجمع فاعرفه.
النسب إلى الاسم المضاف
قال أبو الحسن
: الأجود / في هذا أن تقسم المضاف والمضاف إليه على ثلاثة أوجه:
أحدها : أن
يكون الثاني معرفة مقصودا إليه ، والأول به معرفة ، فإذا كان كذلك فالنسب إلى
الثاني لأن الأول اختص به يعني بالثاني وهو في نفسه معروف ، فتقول في ابن الزبير :
زبيري.
والوجه الثاني
: أن يكون المضاف والمضاف إليه كنية نحو : أبي الحسن ، وأبي عمرو ، فالأول مشترك
لجميع المكنيين ، وإنما اختلفوا بالثاني فصار حكمه كحكم الزبير في اختصاص الأول به
، فالأجود في هذا أن ينسب إلى الثاني فنقول : حسني.
والوجه الثالث
: غير معروف للأول ولكن الأول والثاني جعلا اسما واحدا
__________________
لشخص ليس أحدهما أولى به من الآخر فصار مجموعها بمنزلة اسم واحد مفرد. وإذا
كان ذلك كذلك وجب حذف الثاني لأنه في موضع الزيادة للأول إذ كان قد قام مقام
التنوين فيه وذلك نحو : عبد القيس ، وامرئ القيس ، فتقول : عبدي ، وامرئي ، وبعضهم
يقول : مري ، وذلك أنه لما أضاف ألف الوصل ، رد الكلمة إلى أصلها وأصلها فعل
بإسكان الراء ، ولكنهم حركوها في النسب لروم الحركة في بناء ألف الوصل وهذا مطرد
على قياس مذهب سيبويه لا أن تغيّر الحرف ، فإن لزمته الحركة لعلّة دخلته وكان
أصله السكون ثم رد إلى أصله لم تسقط عن الحرف حركته وإنما فعل ذلك ليدل ببقاء
الحركة فيه أنه قد كان مما تلزمه الحركة فلذلك قالوا : امري.
واعلم أن قياس
الكنية أن تجري مجرى عبد القيس ؛ لأن الكنية مجموعها قد صار علما للشخص غير أن
الكنية يجري الاسم الأول منها على طريقة واحدة فيقع فيها إشكال لو حذفت الثاني ،
وأما المسمى فالأول يختلف ، وربما يتفق نحو : عبد القيس ، وعبد الدار ، والعرب
لحرصها على البيان وزوال الإشكال يشتقون من الاسمين اسما فيقولون في النسب إلى عبد القيس : عبقسي ، وإلى عبد الدار ،
عبدري ، وإلى عبد شمس : عبشمي ، وإنما فعلوا ذلك لتساوي حكم الاثنين في النسبة
فلذلك جاز أن يشتقوا منها اسما واحدا فيجتمع لهم بهذا الفعل معرفة المنسوب إليه
وخفة اللفظ وليس هذا مما يجب أن يجمعا اسما يقام عليه في كلامهم لاختلاط طريقه ألا ترى أنهم
أثبتوا الدال في عبدري ولم يثبتوا في عبقسي وعبشمي فإذا كان الطريق مختلفا لم يكن
طريق إلى القياس عليه لأن الغرض في القياس أن يتكلم على حد كلامهم فإذا لم تدر
كيفية ذلك سقط
__________________
القياس عنا فيما يجري هذا المجرى ، وإنما وجب في المضاف والمضاف إليه حذف
أحد الاسمين لأن الغرض في المنسوب أن يعلم تعلقها بالمنسوب إليه فإذا كان كذلك
استطاعوا إدخال ياء النسبة على لفظ المضاف إليه ، لأن جعل
الاسمين اسما واحدا آكد في لزوم أحدهما الآخر من لزوم المضاف والمضاف إليه ؛ لأن
المضاف قد ينفصل من المضاف إليه ويقع الإخبار عن المضاف دون المضاف إليه ؛ إذ كان
المضاف إليه معنى في نفسه نحو : غلام زيد ، وما أشبه ذلك ، ويجوز الفصل بين المضاف
والمضاف إليه في الشعر ولا يجوز ذلك في الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا. / والنسب
يوجب حذف الثاني من الاسمين [اللذين] جعلا اسما واحدا. فإذا كان الحذف واجبا في اللازم كان
ما ليس بلازم أولى بالحذف ، وإنما وجب حذف الثاني من الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا
لأنه مضارع لهاء التأنيث فكما وجب حذفها أعني هاء التأنيث في النسبة وجب حذف الاسم
الثاني في النسبة.
واعلم أن العرب
تشتق من الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا في النسبة اسما فتقول في حضرموت حضرمي ،
وإنما جاز ذلك لأنه إذا جاز في المضاف هذا الاشتقاق حرصا على البيان وليس لزوم
المضاف للمضاف إليه كلزوم واحد الاسمين للآخر الذي جعل معه اسما واحدا ، فإذا جاز
في المضاف هذا الوجه كان في هذا أجود ، وليس ذلك أيضا بقياس مطرد والعلّة فيه
كالعلّة فيما ذكرنا في باب المضاف والمضاف إليه وذكر النسب إلى ما كان على حرفين.
واعلم أن الأصل
في هذا الباب أن تعتبر الأسماء المنقوصة التي تقع على حرفين نحو : يد ، وغد ، ودم
، وما أشبهها فلما لم يرجع من الحرف إليه المنقوص في تثنية
__________________
ولا جمع سالم فأنت مخير في النسب ؛ إن شئت رددت المحذوف وإن شئت لم
ترد وإنما يعتبر برد المحذوف في التثنية والجمع ما يستعمل في الكلام ومن ما يجوز
في الشعر تقول في دم : دموي ، وإن شئت : دميّ ، وكذلك تقول في يد : يدوي ، وإن شئت
: يديّ ، وفي غد : غدوي ، لأن هذه الأسماء لا تستعمل في التثنية تقول : يدان ،
ودمان ، وغدان ، وإنما ترد المحذوفات منها في الشعر.
قال الشاعر :
...
|
|
جرى الدميان
بالخبر اليقين
|
وقال آخر :
يديان
بالمعروف عند محلم
|
|
...
|
وقال آخر :
وما الناس
إلا كالديار وأهلها
|
|
بها يوم
حلّوها وغدوا بلاقع
|
وإنما كانت النسبة
دون رد المحذوف لما بيناه من كثرة تغيير المنسوب ، فلما
__________________
كانت النسبة تقوى على تغيير الاسم وحذف ما لا يجوز حذفه في التثنية والجمع
السالم كانت أيضا قوية على رد المحذوف كما قويت على حذف الموجود ليكون هذا إذا رد
في النسبة عوضا مما يوجبه حذف ياء النسبة وكذلك صار ردّ ياء النسبة أقوى على ردّ
المحذوف من التثنية والجمع السالم إذ كانت التثنية والجمع السالم إنما طريقهما نحو
علامتهما ببناء الاسم من غير تغيير لصيغته.
وأما ما رد في
التثنية والجمع السالم فلا بد من رده في النسبة ؛ لأن الأضعف إذا قوي على رد
المحذوف كان الأقوى أولى برده فتقول في النسب إلى أخ : أخوي ، وإلى أب : أبوي ،
وإلى سنة : سنوي ، لأنك تقول أخوان ، وأبوان ، وسنوات ، ومن جعل سنة من سانهت ،
قال في النسب : سنهي ، لأنه إنما وجب ردها لقيامها مقام الواو لأنه وإن لم تقل
سنهات فإنما ذلك لاكتفائهم بالسنوات عنه فلذلك وجب رد الهاء في النسبة على اللغة
الأخرى فاعرفه.
واعلم أن الأصل
في يد : يدي ، على وزن فعل بسكون العين ويكون بتحريك الدال في الشعر لما ذكرناه من
مذهب سيبويه في أن الدال لما كف منها الحركة في حال النقص ثم ردّ إلى الاسم ما حذف
حركت الدال لتكون / حركتها دلالة على لزوم الحركة لها في حال النقص ، وجئت
بالفتح لأن علامة التثنية توجب فتح ما قبلها فلما ظهرت الياء حركت الدال بالحركة
التي كانت تستحقها ثم حذفت الياء في التثنية ، وإن شئت قلت : إنما خصت بالفتح لأن
الفتح أخف الحركات والغرض بتحريك الدال الدلالة على أن لها حالا تلزمها فيه الحركة
ونحن نصل بالفتح إلى هذه الدلالة فوجب استعماله بالفتح دون الضم والكسر إذ كانا
أثقل من الفتح ، فأما غد فقد استعمل في الشعر على أصله وصار ذلك دليلا بينا على
أصله فعل بسكون العين ، وأما دم فالأظهر فيه فتحة الميم في الشعر لأنه
__________________
جائز أن يكون سمي بمصدر دمى ، يدمى ، دما ، فلهذا كان الأظهر فيه هذا الوجه
وإن كان ليس بممتنع أن يجعل أصله على فعل بسكون العين وهو البناء المتفق الذي أقل
ما تبنى الكلمة عليه والحركة زيادة ويجوز أن تكون الميم حركت في حال التثنية الذي
ذكرنا في يد ، فإذا كان كذلك لم يمتنع هذا الوجه الثاني.
فإن قال قائل :
فإذا كان الأصل في يد وغد ما ذكرتم من سكون حاليهما فلم حركا في النسبة؟
قيل له : لما
ذكرنا من لزوم الحركة لهما فلما ردّ إليهما في النسبة المحذوف منهما حرك الثاني
منهما بالفتح ، وأما يد فلما تحركت الدال انقلبت منها الياء المردودة ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها فلما صار آخرها ألفا جرت مجرى المقصور فلذلك وجب أن تقول : يدوي
كما قلت : رحوي ، فأما غد فالقياس فيه أيضا وإن كانت الواو انقلبت الهاء على حد
انقلاب الياء ثم صارت واوا بعد ذلك كما قيل في قفوي فاعرفه.
باب التضعيف
اعلم أن الأصل
في الحرفين إذا التقيا من كلمة واحدة ، وكانت الكلمة على ثلاثة أحرف في الفعل أن
تدغم نحو : ردّ ، وفرّ ، والأصل : ردد ، وفرر ، وإنما وجب الإدغام في الفعل لثقله
إذ كان متضمنا للفاعل ، فأما الأسماء الثلاثية فما كان منها على فعل أو فعل وجب الإدغام لثقل الكسرة في العين والضمة فيها وحمل على
الفعل من أجل الثقل ، وأما ما كان منها على فعل مفتوح العين نحو : شرر ، وطلل ،
وضرر ، لم يدغم لخفة الفتح وخفة الاسم أقروه على أصله إذ لم يشبه
__________________
الفعل ، وأصل الإدغام إدخال الشيء في الشيء مأخوذ من قولهم : أدغمت فاس
اللجام في فم الفرس ، وإنما حملهم على الإدغام طلب الخفة ؛ لأن الشيء إذا كان
خفيفا بقي على أصله ، ولا بد من إسكان الحرف المدغم لأن الحركة حائلة بين الحرفين
المدغم والمدغم فيه.
وإنما وجب
الإدغام لئلا تعود إلى حرف نطقت به إلى مثله من وسطه ، وإذا أدغمت رفعت لسانك عن
الحرف المدغم في الآخر رفعة واحدة لا تكرير فيه ولا يجوز أن يكون بينهما متوسط فلذلك وجب
إسكان الحرف المدغم ، فأما ما زاد على ثلاثة أحرف والتقى فيه حرفان من جنس واحد
فالإدغام فيه واجب لأنه لما / كثرت حروفه طال وثقل ، فلما كان الإدغام في الثلاثي
الذي ثانيه مكسور أو مضموم واجبا كان ما زاد على الثلاثي أولى بذلك ؛ لأنه أثقل
منه ألا ترى أنه أثقل منه إلا أن تكون الكلمة ملحقة وذلك أنك لو بنيت من ضرب ، نحو
جعفر ، لقلت : ضربب ، ولم يجز الإدغام ، وإنما لم يجز ذلك لأنك لو أدغمت لألقيت
حركة الباء الأولى على الراء فتغيرت الباء والراء عن أصلهما ، وكان الإلحاق يزول
والغرض في الإلحاق أن يكون الملحق مطابقا للفظ الملحق به في حركاته وسكونه فلذلك
لم يجز الإدغام في هذا القبيل فأما قوله :
فغضّ الطرف
إنك من نمير
|
|
فلا كعبا
بلغت ولا كلابا
|
فلك في الضاد
أربعة أوجه الضم والفتح والكسر من وجهين ، فأحد وجهي الكسر أن تحرك الضاد الآخرة
لسكونها وسكون الطاء في الطرف فالكسر لا
__________________
غير ، لأن الحرفين الساكنين إذا كانا من كلمتين لم يراعوا فيهما قبل الساكن
، وإنما تعتبر الحرف في نفسه وإن كان الكسر فيه مستثقلا عدل عنه وإن لم يكن
مستثقلا كسر على أصل ما يجب في التقاء الساكنين ، وأما إذا كانت الحركة من أجل
الساكن في الكلمة روعي ثقل الكلمة وجاء العدول عن الكسر لثقل الكلمة ، والفصل بين
الحكم المتعلق بالكلمة وبينه إذا كان متعلقا بالكلمة الأخرى أن الكلمة الثانية لا
تلزم الكلمة الأولى كلزوم الكلمة بعضها بعضا فصار ما يتعلق بالكلمة أثقل حكما مما
يتعلق بغيرها إن شاء الله.
باب الألفات
اعلم أن ألفات
الوصل إنما وجب أن يكون دخولها في الأصل على الأفعال دون الأسماء ؛ لأن الأفعال
تتصرف ، وتقع فيها الزيادة والأسماء تبنى على بناء واحد ، وكان حق ألفها أن تكون
كبعض حروف الاسم في الثبات فذلك كان حق ألف الوصل ألا تدخل على الأسماء ، وإنما
دخلت على الأسماء لأنها مشبهة بالفعل إذ كانت متضمنة للإضافة كتضمن الفعل للفاعل ،
ومع ذلك فقد حذف أواخرها كما تحذف أواخر الأفعال المعتلة في الأمر نحو : اغز ، ارم
، فسكنوا أوائل هذه الأسماء وأدخلوا ألف الوصل عليها عوضا من الحذف الذي وقع فيها.
فإن قال قائل :
فامرؤ ، وامرأة ، لم يقع فيهما حذف فلأي شيء دخلتها ألف الوصل؟ فالجواب في ذلك
أنهم يقولون : مرؤ إذا حذفوا الهمزة على هذه اللغة ، فهو إذن من الأسماء المحذوفة
الآواخر ، فإذا كان ذلك كذلك ألحقوه ألف الوصل في حال تخفيف الهمزة عوضا من حذفها
، ولم يحذفوا لرجوع الهمزة ، إذ كان التخفيف فيها سابقا أبدا فلما لم يكن رجوعها
يوجب ثباتها أبدا صار الاسم في معنى المنقوص ، فلذلك دخلته ألف الوصل ، وأما
الأفعال المضارعة فتقديرها أن يقع معها ألف الوصل ، وذلك أن الأمر إنما يكون لما
لم يقع منها وإذا كان
كذلك وجب تقدير بنائه من المضارع [فتحذف] / حرف المضارعة فإن كان بعدها حرف ساكن وأردت الأمر من
ذلك لم يكن بد من دخول ألف الوصل في قولك : اضرب ، والأصل : تضرب ، فلما حذفت
التاء أفضي بالأمر إلى ساكن والابتداء بالساكن محال ؛ لأن المبتدأ مهيج ، فمحال أن
يكون الحرف في حال إثارة المتكلم له ساكنا فوجب إدخال ألف الوصل عليه ليمكن
الابتداء به ، ولما كان ما يلي حرف المضارعة في قولك : بع ، وقل ، والأصل فيه :
يبيع ويقول فالقاف والباء متحركتان لم يحتج فيهما ألف وصل بعد حذف الياء.
وأما ما زاد
على الرباعي من الأفعال نحو : انطلق ، واستخرج ، فالسين والنون دخلا للمعاني التي
أريدت بالأفعال وثبتت هذه الحروف على السكون لأن الأصل في الحروف السكون فلما
ثبتت على السكون احتاجت إلى ألف الوصل لما ذكرناه.
وأما همزة ألف
القطع نحو قولك : أكرم ، يكرم ، فإنها قطعت وإن كانت داخلة على الساكن وخالفت همزة
انطلق واستخرج لأن همزة أكرم وبابه دخلت لمعنى وهو أنها عدّت الفعل بعد أن لم يكن
متعديا ، ألا ترى أنك تقول : كرم زيد ، ثم تقول : أكرمت زيدا ، فلما دخلت لمعنى
وجب أن تثبت في جميع الأحوال كما تثبت الحرف الذي هو من نفس الكلمة ، وألف انطلق
واستخرج لا تفيد معنى ، وإنما دخلت لما ذكرناه من التوصل إلى النطق بالساكن بعدها
، فلذلك افترقا فإذا أمرت من قولك : أكرم يكرم قلت : أكرم زيدا ، وهذه الهمزة التي
كانت في الماضي محذوفة في المضارع وفي فعل الأمر وكان حقها أن تستعمل لأن شرط
الفعل المضارع أن يحتويه لفظ الماضي مع زيادة حرف المضارعة ، فلما كان
__________________
قولك أكرم في أوله همزة ثم أدخلت عليه حرف المضارعة وجب أن تقول يؤكرم ،
كما تقول : يدحرج ، إلا أنهم لو قالوا لزم المتكلم أنا أأكرم فيجمع بين همزتين زائدتين
، وقد وجدنا العرب تستثقل الجمع بين همزتين ، والثانية منهما أصل فتحذفهما جميعا نحو قولك : خذ وكل
، وهما من : أخذ وأكل ، فلما حذفت الهمزة الأصلية كان حذف الزائد لازما وبقيت همزة
المتكلم لأنها دخلت المعنى ثم أجروا ما في أوله حرف المضارعة مجرى الهمزة في الحذف
لئلا يختلف طريق الفعل وإن اضطر الشاعر جاز أن يأتي به على الأصل كما قال الشاعر:
فقد بان بما
ذكرناه أن الأصل في يكرم : يؤكرم ، وأما في الأمر من أكرم يكرم فإنه إذا أمر حذف
التاء من تكرم فبقيت الكاف ساكنة ولا يجوز الابتداء بالساكن فوجب أن ترد الهمزة
الذاهبة لأنها أولى من زيادة همزة ليست مرادة في الكلمة ، فلذلك وجب ردها دون ألف
الوصل وقد ابتدت مفتوحة على أصلها فقالوا : أكرم زيدا ، وإنما خصت لام همزة
التعريف بالفتح لأنها دخلت على حرف وأصل الحرف أن يبنى على الفتح فلما ألزمت اللام
السكون / جعل ما كان يستحق اللام داخلا على الألف ، وأما ألف إبراهيم وإسماعيل
فإنما حكمتم عليهما بأنهما أصل لأنه بعد الهمزة أربعة أحرف أصول ، والهمزة لا تلحق بناءات
الأربعة زائدة ، فوجب أن تجعل من نفس الكلمة قياسا على كلام العرب ،
__________________
وأما إسحاق فبعد الهمزة ثلاثة أحرف ومن شرط الهمزة إذا وقعت بعدها ثلاثة أحرف أصول أن يحكم عليها بالزيادة لكثرة زيادتها
في هذا الموضع نحو : حمراء وصفراء وما أشبه ذلك ، فلذلك فارقت ألف إسحاق ألف
إبراهيم وإسماعيل .
فإن قال قائل :
فقد ذكر سيبويه تصغير إبراهيم فقال : بريه ، وكان القياس على ما أصلناه أبيره لأن الاسم إذا كان
على خمسة أحرف أصول فإنما يقع الحذف في آخره إذا صغر كقولك : سفرجل فإذا صغرته قلت
: سفيرج ، وقد ردّ أبو العباس قول سيبويه واحتج بما ذكرناه ؟ فالجواب لسيبويه عن هذا أن هذه أسماء أعجمية لا يعرف
اشتقاقها وغير ممتنع أن تكون الهمزة عند العجم زائدة ، فلما كان هذا محتملا ورأينا
الهمزة تزاد كثيرا في الأوائل جاز حذفها من هذه [الأسماء] الأعجمية لما ذكرنا من الاحتمال ولا يجب ذلك من كلام
العرب
__________________
لأن الدلالة قد قامت على الحروف كلها أنها أصول في سفرجل من غير شبهة ،
فلذلك لم يجز إلا حذف الأواخر وفارقت الأسماء الأعجمية لجواز الشك في الأعجمية فيها إن شاء الله عزوجل.
باب حروف القسم التي يجر بها
اعلم أن الغرض
في القسم تأكيد الخبر وذلك إذا قلت : والله لأقومن ، إنما زيدت النون
توكيدا لخبرك بوقوع القيام ليزول الشك عن المخاطب ، وإنما جعل جواب القسم ينقسم
قسمين نفيا وإثباتا ، لأن الإخبار على ضربين : أحدهما : إيجاب ، والآخر : نفي ،
وهما اللذان يقع عليهما القسم ، فلذلك جعل جواب القسم على ضربين.
واعلم أن
المقسم به لا يتعلق بالمقسم عليه إلا بتوسط حرف إيجاب أو حرف نفي ، وإنما لا يتعلق
به إلا بما ذكرنا ، لأن قول القائل : " والله" معناه : أحلف بالله ، ولا
يتعلق بالمقسم عليه إلا بتوسط حرف وهذا الكلام تام ، فلو جئت بعده بقولك : زيد في
الدار ، فقولك : (زيد في الدار) كلام أيضا تام وكل كلام قائم بنفسه فليس يجوز أن
يتعلق به من غير شيء يعلقه به إذ كان مستغنيا بنفسه ، فجعلوا أمارة تعلق أحدهما
بالآخر توسط النفي والإيجاب ، وجعلوا النفي (ما) و (لا) والإيجاب (إن) و (اللام)
وإنما احتيج لكل واحد من الإيجاب والنفي حرفان ليكون أحد الحرفين يختص بالاسم و (ما)
تدخل على الاسم والفعل كقولك :
__________________
والله ما قام زيد ، والله ما زيد منطلقا ، و (لا) تدخل على الفعل المضارع
وتخلصه للاستقبال / وإنما أدخلوها على الماضي وهم يريدون الاستقبال كقولك : والله
لا فعلت أبدا و (لا) تدخل على الاسم وإنما احتيج إلى ما ذكرنا
لأن الإيجاب والنفي قد يقعان بالأسماء والأفعال.
فإن قال قائل :
فهلّا اكتفي ب (ما) وحدها إذ كانت تقع على الفعل والاسم أو ب (اللام) وحدها إذ كانت تقع على الاسم والفعل أيضا؟
قيل له : لأن (لا)
جعلت لنفي الفعل المستقبل المحض و (ما) تنفي الفعل الماضي ، ويقع الفعل المستقبل
فيصلح لزمانين للحال والاستقبال ، فلما لم تصلح (ما) لنفي الاستقبال احتاجوا إلى
حرف يختص بذلك فجاؤوا ب (لا) ، فلما ثبت للنفي حرفان جاؤوا ايضا للإيجاب بحرفين ،
أحدهما يخلص الاسم وهو أن يعادلوا بذلك حكم (لا) ولو قيل : إنهم فعلوا ذلك اتساعا
لئلا يضيق عليهم كان وجها.
واعلم أن النون
إنما ألزمت اللام لأن الفعل المضارع يصلح لزمانين فلو أسقطت النون وقلت : والله لا
يقوم زيد ، لم يعلم أنك تقسم على الحال أو الاستقبال فجعلوا النون تخص الفعل المضارع بالاستقبال
كما تخصه بالسين وسوف وإنما كانت النون أولى بذلك لأنها تدخل زائدة مؤكدة ولكل فعل
غير واجب نحو الأمر والنهي والنفي والاستفهام وما أشبه ذلك كقولك : أضربن زيدا ،
ولا تقتلنّ عمرا ، وهل تأتينّ خالدا ، أو ما تكرمنّ عمرا ، فلما كانت هذه
__________________
الأشياء غير واجبة وكان الفعل المضارع لم يقع على واجب خصوا النون بهذا
الفعل ليدلوا به [على] أنه غير واقع في الحال فلذلك لم يجز حذفها.
وإنما حسن دخول
اللام على الفعل الماضي إذا توسطت بينهما (قد) لأن (قد) تقرب الماضي من الحال إذ
كانت للتوقع فصار الماضي لدخول (قد) عليه تقربه من الاسم لأجل الحال ، وتقربه من
الفعل المضارع لأجل الزوائد في أوله ، وإنما لم يجز أن تحذف من أجوبة القسم سوى (لا)
لأن اللام لو حذفت لوجب أن ينحذف معها النون إذ كانا جميعا قد اختصا بالحال لأجل
القسم ، وإذا كانا زائدين معا وجب إذا استحق أحدهما الحذف أن تحذف الآخر إذا لم
يعرف في اللفظ ما يمنع من ذلك ، فلما لم يجز حذف الحرفين من الفعل لأن ذلك يؤدي
إلى إجحاف لم يجز حذف اللام.
فأما (أن) فلا
يجوز حذفها لأنها عاملة وعملها ضعيف فلم يجز أن تحذف وتزاد ؛ لأن ذلك يؤدي إلى
أنها تعمل وهي مضمرة وليس أصلها ، فلما كان الحذف ينقض أصلها لم يجز أن تحذف ،
وحكم (ما) في أنه لا يجوز حذفها كحكم (أن) إذ كانت تعمل في المبتدأ والخبر فلم يبق
ما يجوز حذفه سوى (لا) وإنما ساغ ذلك لأن حذفها لا يشكل إذ كانت قد استقر أن القسم
لا بد له من حرف يصل بينه بين المقسم عليه ، فقد سقط أنه لا يجوز حذف حرف سوى (لا)
إذ صار حذفها لا يشكل وساغ فيها ذلك لأنها غير عاملة ، ولأن حذفها لا يؤدي إلى حذف
شيء آخر سواها ، والله أعلم.
__________________
باب ما يكون من [أسماء الفاعلين] / ولم يجروه على الفعل
نحو قولهم :
جاءني نابل ، أي ذو نبل ، ورامح أي ذو رمح ، وليس يريد بذلك رمح أو نبل فهو رامح
ونابل ، وسواء قلت : امرأة رامح أو رجل رامح لأن التأنيث إنما يلحق أسماء الفاعلين
لجريها على الفعل إذ كنا قد بينا أن أصل التأنيث للأفعال والأسماء يجب تأنيثها على
مثل هذا ، وكذلك الحال في النسب لم يفصلوا بين المذكر والمؤنث وكأنهم اكتفوا
بالمعنى إذ كان قولهم : رامح ، كقولهم (ذو رمح) وامرأة رامح بمنزلة ذات رمح ، فلما
كان في الكلام تقديره ذو ذات استغنوا بهذا الفصل من أن يؤنثوا اسم الفاعل ، ومعنى
قولهم (ذو رمح) وكذلك إذا قلت : امرأة حائض ، كأنك قلت : ذات حيض ، أو معها حيض ،
فلما نويت بالحيض المصدر ذكّرت اسم الفاعل فإن أجريت هذه الأسماء على الفعل جاز أن
تؤنثها فتقول : امرأة طالقة أي طلقت ومن ذلك قول الشاعر :
أيا جارتا
بيني فإنك طالقة
|
|
كذاك أمور
الناس غاد وطارقة
|
وأما قولهم :
امرأة معطار ، وودود ، وولود ، وشكور ، ومحسار ، فإن هذه النعوت
معدولة عن الفعل بمعنى المبالغة فلما لم تجر على لفظ الفعل وعدل عنه صارت بمنزلة
اسم ليس بمشتق من الفعل ، كذلك جاز أن يقع على المذكر والمؤنث ، وكذلك ما كان من
فعيل يراد به مفعول كقولهم : كف خضيب ، ولحية دهين ، المعنى مدهونة ، ومخضوبة ،
وفعيل بابه أن يكون اسم الفاعل من فعل
__________________
يفعل نحو : كرم يكرم فهو كريم ، وظرف يظرف فهو ظريف ، فلما جاء خضيب ودهين
على لفظ اسم الفاعل والمراد به مفعول علمنا أنه معدول عن الفعل غير جار عليه فلم
يجب تأنيثه ، وأما قولهم : رجل صرورة للذي لم يحج ، ورجل علّامة ونسّابة ، فإنما ألحقوا بهذا الهاءات للمبالغة ، وجعلوا زيادة اللفظ
دليلا على ما يقصدونه من المدح أو الذم ، فأما ما تعلق بالمدح فقد ذكرناه ، وأما
الذم فقولهم : رجل فقّاقة وبقّاقة للذي يكثر الكلام في غير موضعه ، ورجل صخّابة للأحمق فصارت زيادة الهاء دليلا على ما ذكرناه من
الزيادة والزيادة في المدح والزيادة في العقل والفضل.
تمّ الكتاب
بحمد الله وحسن عونه ، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد خير النبيين وسيد المرسلين
، وكان الفراغ منه يوم الثلاثاء من شهر رمضان المبارك ، جعلنا الله في بركته ، سنة ثمان
وتسع مئة ، كتبه العبد الفقير الراجي رحمة مولاه الغني بفضله عما سواه بلقاسم بن
أحمد بن سليمان ، كتبه لنفسه ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل العلم والعاملين به
بحق وجميع المسلمين آمين.
__________________
الفهارس
الفهارس العامة
ـ
فهرس الآيات القرآنية.
ـ
فهرس الأمثال والأقوال المأثورة
ـ
فهرس الشعر
ـ
فهرس الأعلام والجماعات
ـ
فهرس الأماكن
ـ
فهرس اللغة
ـ
فهرس المصادر والمراجع
ـ
فهرس الموضوعات
فهرس الآيات
الآية
|
السورة
|
رقم الآية
|
الصفحة
|
ـ (من
ذا الّذي يقرض الله قرضا حسنا ...)
|
البقرة
|
٢٤٥
|
٢٧٦
|
ـ (أنّى
يكون لي غلام)
|
آل عمران
|
٤٠
|
٢٧٩
ـ ٢٨٠
|
ـ (ربّنا
لا تزغ قلوبنا ...)
|
آل عمران
|
٨
|
٢٠٨
|
ـ (فإن
طبن لكم عن شيء منه نفسا ...)
|
النساء
|
٤
|
٣٤٠
|
ـ (إلّا
أن تكون تجارة عن تراض ...)
|
النساء
|
٢٩
|
١٢٤
|
ـ (فبما
نقضهم ميثاقهم ...)
|
النساء
|
١٥٥
|
٩٦
|
ـ (وحسبوا
ألّا تكون فتنة.)
|
المائدة
|
٧١
|
٢٨٩
|
ـ (يا
أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم)
|
المائدة
|
١٠٥
|
٢١٦
|
(فبذلك فليفرحوا ..)
|
يونس
|
٥٨
|
٣٣
|
ـ (يوسف
أعرض عن هذا ...)
|
يوسف
|
٢٩
|
٢٠٨
|
ـ (وإذا
لا يلبثون خلافك إلّا قليل ...)
|
الإسراء
|
٧٦
|
٧٢
|
ـ (ولبثوا
في كهفهم ثلاث مئة سنين ...)
|
الكهف
|
٢٥
|
٣٤١
|
ـ (أنّى
يكون لي غلام)
|
مريم
|
٨
، ٢٠
|
٢٧٩
، ٢٨٠
|
الآية
|
السورة
|
رقم الآية
|
الصفحة
|
ـ (كيف
نكلّم من كان في المهد صبيّا)
|
مريم
|
٢٩
|
١٢٣
|
ـ (ذلك
عيسى ابن مريم قول الحقّ ا ...)
|
مريم
|
٣٤
|
٢٢٣
|
ـ (فاجتنبوا
الرّجس من الأوثان)
|
الحج
|
٣٠
|
٨٧
|
ـ (عليه
ما حمّل)
|
النور
|
٥٤
|
٢٦٦
|
ـ (فألقى
موسى عصاه)
|
الشعراء
|
٤٥
|
٢٦٦
|
ـ (من
لدن حكيم عليم)
|
النمل
|
٦
|
١٩٧
، ٢٧٠ ، ٣٣٠
|
ـ (وتظنّون
بالله الظّنونا)
|
الأحزاب
|
١٠
|
١٤٦
|
ـ (يا
جبال أوّبي معه والطّير)
|
سبأ
|
١٠
|
٢٠١
|
ـ (لا
يقضى عليهم فيموتوا)
|
فاطر
|
٣٦
|
٢٧٥
|
ـ (خذوه
فغلّوه)
|
الحاقة
|
٣٠
|
٢٦٦
|
ـ (علم
أن سيكون منكم مرضى)
|
المزمل
|
٢٠
|
٢٨٩
|
ـ (وإذا
الرّسل أقّتت)
|
المرسلات
|
١١
|
٦٤
|
ـ (ولا
يؤذن لهم فيعتذرون)
|
المرسلات
|
٣٦
|
٢٧٥
|
ـ (وما
أدراك ما العقبة)
|
البلد
|
١٢
|
١٧٤
|
ـ (أو
إطعام في يوم ذي مسغبة ، يتيما ذا مقربة)
|
البلد
|
١٤
، ١٥
|
١٧٤
|
فهرس الأمثال والأقوال المأثورة
الأمثال والأقوال المأثورة
|
الصفحة
|
الأمثال والأقوال المأثورة
|
الصفحة
|
ـ أتت الناقة على مضربها
|
٢٦
|
ـ ما أحسن بالرجل أن يفعل الجميل
|
٢٤٦
|
ـ أتيتك مقام الحاج
|
٢٢٦
|
ـ ما كل سواداء تمرة ولا بيضاء شحمة
|
١٣٤
|
ـ أخذته بدرهم فصاعدا
|
٢٣١
|
ـ المرء مجزي بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر
|
٢١٣
|
ـ أدغمت فاس اللجام في فم الفرس
|
٣٩٧
|
ـ مربط الفرس
|
٢٢٦
|
ـ إذا بلغ المرء الستين فإيّاه وإيّا الشواب
|
٢٦٢
|
ـ مرحبا وأهلا
|
٢٢٠
|
ـ أرخص ما يكون السمن منوان ...
|
٢٣٠
|
ـ مررت بهم الجماء الغفير
|
٢٢١
|
ـ أرسلها العراك
|
٢٢١
|
ـ مرّ عليه حول كتيع
|
٢٤١
|
ـ أكلوني البراغيث
|
١٤٣
ـ ١٤٤
|
ـ مركب فاره
|
٢١٨
|
ـ أنت سيرا سيرا
|
٢٦٦
|
ـ مشرب عذب
|
٢١٨
|
ـ إنه المسكين أحمق
|
٢٤٨
|
ـ مكان الشاربة
|
٢٢٦
|
ـ ثوب خز
|
٨٤٠
|
ـ من كذب كان شرا له
|
١٠٦
|
ـ حوقل الرجل وبسمل
|
٢٩٠
|
ـ من لدن غدوة
|
٣٧٠
|
الأمثال والأقوال المأثورة
|
الصفحة
|
الأمثال والأقوال المأثورة
|
الصفحة
|
ـ زيد مني مزجر الكلب
|
٢٢٦
|
ـ نعم المولودة مولودتك
|
١٦٠
|
ـ زيد مني مقعد القابلة
|
٢٢٦
|
ـ هؤلاء حواج بيت الله
|
٣٢٨
|
ـ عليه رجلا ليسني
|
٢١٥
|
ـ هذي أمة الله
|
٥٣
ـ ٦٨
|
ـ قد كان ذلك إن صالحا وإن فاسدا
|
٢٦١
|
ـ هو يتصب عرقا ويتفقأ شحما
|
٢٤٤
|
ـ كف خضيب
|
٢٢٢
|
ـ والله ما هي بنعم المولودة نصرها بكاء
وبرّها سرقة
|
١٦٠
|
ـ كل رجل وقرينه
|
٢١٣
|
ـ يا الله أمنّا منك بخير
|
٢٠٤
ـ ٢٠٥
|
ـ لا تأكل السمك وتشرب اللبن
|
٢٧٧
|
|
|
فهرس الشعر
الهمزة
|
الراء
|
ـ ماء
|
الوافر
|
١٢٦
|
ـ أبرارا
|
رجز
|
٢٢٣
|
ـ الفتاء
|
الوافر
|
٣٣٨
|
ـ نزارا
|
رجز
|
٢٢٣
|
ـ أعماؤه
|
رجز
|
٧٧
|
ـ تقهرا
|
كامل
|
٣٦٨
|
ـ المائي (المئي)
|
رجز
|
٣٣٦
|
ـ شرا
|
سريع
|
٢٠٣
|
|
الباء
|
|
ـ قرّا
|
رجز
|
٢٦٤
|
ـ الصبا
|
الطويل
|
٢٦٦
|
ـ إدبار
|
البسيط
|
٢٢٠
|
ـ كلابا
|
الوافر
|
٣٧١
|
ـ عمر
|
البسيط
|
٣٠٦
|
ـ أشهب
|
الطويل
|
١٢٤
|
ـ الإنكار
|
رجز
|
٣٠٦
|
ـ تطيب
|
الطويل
|
٢٤٥
|
ـ قرقار
|
رجز
|
٣٠٦
|
ـ فصليب
|
الطويل
|
٣٣٧
|
ـ الذعر
|
الكامل
|
٣٠٧
|
ـ لغريب
|
الطويل
|
١١٩
|
ـ صبر
|
الوافر
|
٢٣٢
|
ـ صاحبه
|
رجز
|
١٦١
|
|
السين
|
|
ـ العراب
|
الوافر
|
١٢٤
|
ـ أنيس
|
رجز
|
٧٧
ـ ١٨٠
|
|
التاء
|
|
ـ العيس
|
رجز
|
٧٧
|
ـ أمت
|
رجز
|
٥٣
|
|
الصاد
|
|
ـ نزت
|
رجز
|
٣٣٨
|
ـ خبيص
|
الوافر
|
٣٤٠
|
ـ الغلصمت
|
رجز
|
٥٣
|
|
العين
|
|
ـ بعدمت
|
رجز
|
٥٣
|
ـ ترفعا
|
|
٨٦
|
ـ مسلمت
|
رجز
|
٥٣
|
ـ بلاقع
|
الطويل
|
٣٦٨
|
ـ أنتا
|
رجز
|
٢٦٠
|
ـ مجاشع
|
الطويل
|
١٨٣
|
ـ جعتا
|
رجز
|
٢٦٠
|
ـ وازع
|
الطويل
|
٣٢٣
|
ـ الأساة
|
الوافر
|
٣٣
|
|
النون
|
|
|
الدال
|
|
ـ يؤثفين
|
سريع
|
٨٧
|
ـ من أحد
|
البسيط
|
٢٤٨
|
ـ إيانا
|
رجز
|
٢٦٤
|
ـ نجد
|
الطويل
|
٣٥١
|
ـ سبينا
|
رجز
|
٣٣٧
|
ـ مخلدي
|
الطويل
|
٢٨٤
|
ـ شجينا
|
رجز
|
٣٣٧
|
|
الكاف
|
|
ـ مثلان
|
بسيط
|
٢٨٢
|
ـ شمالك
|
الطويل
|
٨٥
|
ـ عقالين
|
بسيط
|
٣٤٢
|
|
اللام
|
|
ـ جمالين
|
بسيط
|
٣٤٢
|
ـ قاتل
|
الطويل
|
٢٧٦
|
ـ اليقين
|
وافر
|
٣٦٨
|
ـ وابل
|
الطويل
|
٢٧٦
|
ـ تعرفوني
|
وافر
|
٣٠٣
|
ـ نوافله
|
الطويل
|
١٥١
|
|
الهاء
|
|
ـ بقؤول
|
الطويل
|
٢٧٧
|
ـ بزائده
|
رجز
|
٢٤٢
|
ـ التدلدل
|
الرجز
|
٣١٩
|
ـ واحده
|
رجز
|
٢٤٢
|
ـ حنظل
|
الرجز
|
٣١٩
|
ـ كمره
|
رجز
|
٣٣٨
|
الميم
|
|
ـ دما
|
الطويل
|
٣٤٧
|
ـ طارقة
|
طويل
|
٣٧٩
|
ـ ظلاما
|
الوافر
|
٢٧٢
|
|
الياء
|
|
ـ مصرما
|
الطويل
|
١٦٠
|
ـ وعلي
|
رجز
|
٣٣٦
|
ـ مظلوما
|
الكامل
|
٢١٤
|
ـ ميو
|
|
٣٣٦
|
ـ يؤكرما
|
الرجز
|
٣٧٤
|
|
|
|
ـ الأسحم
|
الكامل
|
٣٤٢
|
|
|
|
ـ التكّرم
|
الطويل
|
٣٥٠
|
|
|
|
فهرس الأعلام
والجماعات
أوردت الأعلام بحسب الألقاب التي
اشتهروا بها وذكرها الوراق ، من دون إحالة إلى أسمائهم.
الألف
ـ الأخفس : سعيد بن مسعدة المجاشعي.
٣٢ ـ ٤٩ ـ ٦٠ ـ ١٣٨ ـ ١٣٩ ـ ٢٢٩ ـ ٢٦٢
ـ ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ـ ٢٨٥ ـ ٢٩٦.
ـ الأعرج : ٢٠١.
الباء
ـ البصريون (أهل البصرة) : ٢٨٤.
ـ أبو بكر بن السراج : محمد بن السري
٩٥ ـ ٩٨ ـ ١٠٧ ـ ١٩٨ ـ ١٩٩.
التاء
ـ تميم (بنو) : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ـ ٣٢٧.
الجيم
ـ الجرمي : صالح بن إسحاق ٥٠ ـ ٩٣ ـ ٢٠١
ـ ٢٤٣.
الحاء
ـ الحجازيون (أهل الحجاز) ١٣١ ـ ٢٩٠ ـ
٣٠٧ ـ ٣٠٨ ـ ٣٢٧.
|
|
ـ حسان بن ثابت ٣٤٧.
ـ أبو الحسن (محمد بن عبد الله الوراق)
: ٢٣ ـ ١٠٧ ـ ٣٤٥ ـ ٣٤٧ ـ ٣٤٩ ـ ٣٦٣ ـ ٣٦٥.
الخاء
ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي : ٧٣ ـ ٧٤
ـ ١٠٦ ـ ١٠٧ ـ ١٩٢ ـ ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ـ ٢٦٩.
ـ الخنساء : تماضر بنت عمرو بن الشريد
٢٢٠.
الراء
ـ رؤبة بن العجاج ٢٢٣.
ـ الربيع بن ضبع الفزاري ٣٣٨.
الزاي
ـ الزجاج : إبراهيم بن السري ٥٠ ـ ١٣٦
ـ ١٥٩ ـ ٣٤١.
السين
ـ سيبويه : ٤٦ ـ ٤٩ ـ ٨٦ ـ ٩٥ ـ ٩٨ ـ ٤٠٦
ـ ١٠٧ ـ ١٠٨ ـ ١٢٨ ـ
|
١٣٨ ـ ١٣٩ ـ ١٤٤ ـ ١٤٧ ـ ١٦١ ـ ١٧٤ ـ ١٩٠
ـ ١٩٣ ـ ٢٠١ ـ ٢٠٩ ـ ٢٢٩ ـ ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ـ ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ـ ٢٦٤ ـ ٢٦٩
ـ ٢٧٧ ـ ٢٩٦ ـ ٣٠٦ ـ ٣١٢ ـ ٣٢٢ ـ ٣٦٦ ـ ٣٦٩ ـ ٣٧٥.
الطاء
ـ طرفة بن العبد : ٢٨٤.
ـ طفيل الغنوي : ٢٧٧.
ـ أبو عمرو بن العلاء ٣١٦.
العين
ـ عيسى عليهالسلام : ١٢٣ ـ ٢٢٣.
ـ عيسى بن عمر : ٣٠٣.
الفاء
ـ الفرّاء : ٧٠ ـ ٧١ ـ ١١٨ ـ ١٧٤ ـ ١٨٨
ـ ٢٠٤ ـ ٢١٩ ـ ٣٤٢
ـ الفرزدق : ١٨٣.
القاف
ـ القاسم بن أحمد بن سليمان (بلقاسم)
: ٣٨٠.
|
|
الكاف
ـ الكسائي : علي بن حمزة : ٧٠.
ـ الكوفيون (أهل الكوفة) : ٢٥٩ ـ ٢٦٣
ـ ٣٢٢.
الميم
ـ المازني : بكر بن محمد : ١٥٨ ـ ٢٠١
ـ ٢٠٥ ـ ٢٤٤.
ـ المبرد : محمد بن يزيد : ٤٩ ـ ٨٦ ـ ١٣٥
ـ ١٦١ ـ ١٦٢ ـ ٢٠٤ ـ ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ـ ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ـ ٢٧٧ ـ ٢٨١ ـ ٣٠٨ ـ ٣١٢ ـ ٣٢٢ ـ ٣٧٥.
النون
ـ النابغة الذبياني : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.
ـ النبي (محمد عليه الصلاة والسّلام)
: ٣٣ ـ ١٧٤ ـ ٣٨٠.
الياء
ـ يونس البصري : يونس بن حبيب : ١٠٦ ـ
١٠٧ ـ ٢٦٩ ـ ٢٧٠.
|
فهرس الأماكن
الباء
ـ البحرين :
٣٦٢.
ـ البصرة :
٣٦٢ ـ ٣٦٣.
ـ بعلبك :
٣٠١ ـ ٣٠٢.
التاء
ـ تهامة :
٣٦١.
الحاء
ـ حراء :
٣٠٥.
ـ حضرموت :
٢٥٧ ـ ٣٠١ ـ ٣٠٢ –
٣٢٩ ـ ٣٦٧.
ـ حمير :
٣٨١.
الشين
ـ الشام :
٣٦١.
|
|
الفاء
ـ فسطاط :
٣١٨.
ـ فلسطين :
٣٦٤.
القاف
ـ قباء :
٣٠٥.
ـ قنّسرين :
٣٦٤.
الكاف
ـ الكوفة :
١٥٥.
الواو
ـ واسط :
٣٠٥.
الياء
ـ يبرين :
٣٦٤.
ـ اليمن :
٣٦١.
|
فهرس اللغة
ـ أرطى
|
٣٥٥
|
ـ ربع
|
٣٤٥
|
ـ برة
|
٣٤٨
|
ـ زبنيه
|
٣٦٢
|
ـ بشكى
|
٣٥٧
|
ـ سدرة
|
٣٤٨
|
ـ بقاقة
|
٣٨٠
|
ـ سرداح
|
٣١٨ ـ ٣٥٨
|
ـ الجحنفل
|
٣٤٦
|
ـ سرحان
|
٣١٨
|
ـ الجرموز
|
٣٤٥
|
ـ سفار
|
٣٠٨
|
ـ جعل
|
٣٤٤
|
ـ صحفة
|
٣٤٧
|
ـ الجفنة
|
٣٤٧
|
ـ صخابة
|
٣٨٠
|
ـ جمزى
|
٣٥٧
|
ـ صرد
|
٣٤٤
|
ـ الجمة
|
٢٢٢
|
ـ صرورة
|
٣٨٠
|
ـ حبارى
|
٣١٦ ـ ٣٥٧
|
ـ صلاية
|
٣٦٠
|
ـ حبنطى
|
٣١٢ ـ ٣٤٦
|
ـ طنب
|
٣٤٤
|
ـ حرباء
|
٣٥٨
|
ـ عبلة
|
٣٤٧
|
ـ حضار
|
٣٠٨
|
ـ عرعار
|
٣٠٦
|
ـ خضيب
|
٣٧٩
|
ـ عضر فوط
|
٣٦
|
ـ دهين
|
٣٧٩
|
ـ علباء
|
٣٥٨
|
ـ دوانق
|
٣٢٢
|
ـ علقى
|
٣٥٥
|
ـ عليبط
|
٦٤
|
ـ قعب
|
٣٤٤
|
ـ عناق
|
٣٢١
|
ـ محسار
|
٣٧٩
|
ـ فقاقة
|
٣٨٠
|
ـ مدق
|
٣١٩
|
ـ فقع
|
٣٤٤
|
ـ مشقاوة
|
٣٦٠
|
ـ قبعثرى
|
٣٥٧
|
ـ معطار
|
٣٧٩
|
ـ قراريط
|
٣٢٢
|
ـ مقعنس
|
٣١٢
|
ـ قرعبلانة
|
٣١١ ـ ٣١٦
|
ـ نغر
|
٣٤٤
|
ـ قرقار
|
٣٠٦
|
ـ هدبد
|
٦٤٦٤
|
ـ قشوة
|
٣١٥
|
|
|
المصادر
ـ ابن مضاء
القرطبي وموقفه من أصول النحو : بكري عبد الكريم ، (رسالة دكتوراة ـ جامعة وهران)
، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، ١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢ م.
ـ الإبهاج في
شرح المنهاج : لعلي بن عبد الكافي السبكي وولده تاج الدين السبكي ، ٣ أجزاء ، تح :
شعبان محمد إسماعيل ، ط ١ ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١ م ، مكتبة الكليات الأزهرية.
ـ أبو عثمان
المازني ومذاهبه في الصرف والنحو : رشيد عبد الرحمن العبيدي (رسالة ماجستير) ،
١٣٨٩ ه ـ ١٩٦٩ م ، مطبعة سلمان الأعظمي بغداد (ساعدت جامعة بغداد على طبعه).
ـ أبو علي
الفارسي : عبد الفتاح شلبي ، (رسالة دكتوراة) ١٣٧٧ ه ، مطبعة نهضة مصر ـ القاهرة.
ـ الإحكام في
أصول الأحكام : لابن حزم الأندلسي الظاهري ، حققه وراجعه : لجنة من العلماء مجلدين
ـ ٨ أجزاء ، ط ٢ ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٧ م ، دار الجيل ـ بيروت.
ـ الأدب
الجاهلي ، قضاياه وأغراضه ـ أعلامه ـ فنونه : غازي طليمات ـ عرفان الأشقر ، ط ١
١٤١٢ ه ـ ١٩٢١ م ـ دار الإرشاد ـ حمص.
ـ ارتشاف الضرب
من لسان العرب : لأبي حيان الأندلسي ، تح : مصطفى أحمد النماس ، ٣ أجزاء ، ط ١
١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٧ م ، مطبعة المدني ـ مصر+ (ط مكتبة الخانجي القاهرة).
ـ الأزهية في
علم الحروف : للهروي ، تح : عبد المعين الملوحي ، مطبوعات مجمع اللغة العربية ـ بدمشق
١٣٩١ ه ـ ١٩٧١ م.
ـ الاستغناء في
الاستثناء : للقرافي ، تح : محمد عبد القادر عطا ، ط ١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، دار
الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ أسرار
العربية : لابن الأنباري ، تح : محمد بهجة البيطار ، مطبوعات المجمع العلمي العربي
بدمشق ، ١٣٧٧ ه ـ ١٩٥٧ م.
ـ إشارة
التعيين في تراجم النحاة واللغويين : عبد الباقي اليماني ، تح : عبد المجيد دياب ،
ط ١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
ـ الأشباه
والنظائر في النحو : للسيوطي ، ٩ أجزاء ، تح : عبد العال سالم مكرم ، ط ١ ١٤٠٦ ه
ـ ١٩٨٥ م ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت+ (ط مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق ، ٤ أجزاء
، الأول تح : عبد الإله نبهان ١٩٨٥ م.
الثاني تح :
غازي طليمات ١٩٨٦ م.
الثالث تح :
إبراهيم محمد عبد الله ١٩٨٦ م.
الرابع تح :
أحمد مختار الشريف ١٩٨٧ م.
ـ الأصول ،
دراسة إيبستيمولوجية لأصول الفكر اللغوي العربي : تمام حسان ، ط ١ ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١
م ، دار الثقافة.
ـ أصول الفقه :
الشيخ محمد الخضري ، ١٤٠٩ ه ـ ١٩٨٨ م ، دار الفكر بيروت.
ـ الأصول في
النحو : ابن السراج النحوي ، تح : عبد الحسين الفتلي ، ٣ أجزاء ، ط ١ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥
م ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
ـ أصول النحو
العربي : محمد خير الحلواني ، ١٩٧٩ م ، جامعة تشرين ـ اللاذقية.
ـ الأعلام :
للزركلي ، ٨ أجزاء ، ط ٥ ١٩٨٠ م ، دار العلم للملايين ـ بيروت.
ـ الأغاني :
لأبي الفرج الأصبهاني ، تح : عبد الستار أحمد فراج ، ٢٥ جزء ، دار الثقافة ـ بيروت.
ـ الاقتراح في
أصول النحو : للسيوطي ، صححه وشرحه : أحمد سليم الحمصي ومحمد أحمد قاسم ، ط ١ ١٩٨٨
م ، جروس برس+ (ط تح : محمد أحمد قاسم ١٩٧٦ م ، مطبعة السعادة القاهرة).
ـ أمالي ابن
الشجري : هبة الله الحسني العلوي ، تح : محمود محمد الطناحي ، ٣ أجزاء ، مكتبة
الخانجي القاهرة+ (طبعة دار المعرفة ـ بيروت ، جزآن).
ـ أمالي
المرتضى : للشريف المرتضى العلوي ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، جزآن ، ط ١ ١٣٧٣
ه ـ ١٩٥٤ م ، دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
ـ إملاء ما منّ
به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن : للعكبري ، تح : إبراهيم
عطوة عوض ، جزآن ط ١ ١٣٨٠ ه ـ ١٩٦١ م ، مطبعة البابي الحلبي ، مصر.
ـ إنباه الرواة
على أنباه النحاة : للقفطي ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، ٤ أجزاء ، ط ١ ١٣٦٩ ه
ـ ١٩٥٠ م ، دار الكتب المصرية.
ـ الإنصاف في
مسائل الخلاف : ابن الأنباري ، جزآن ، تح : محمد محي الدين عبد الحميد ، ط ٤ ١٣٨٠
ه ـ ١٩٦١ م ، دار إحياء التراث العربي+ (طبعة ليدن سنة ١٩١٢).
ـ أوضح المسالك
إلى ألفية ابن مالك : لابن هشام الأنصاري ، ٣ أجزاء ، تح : محمد محي الدين عبد
الحميد ، ط ٨ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
ـ الإيضاح في
علل النحو : للزجاجي ، تح : مازن المبارك ، ١٣٧٨ ه ـ ١٩٥٩ م ، مكتبة دار العروبة
ـ القاهرة.
ـ إيضاح
المكنون : في الذيل على كشف الظنون ، للبغدادي ، مجلدين (٣ ـ ٤ مجموعة الكشف) ،
دار الفكر ١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢ م ـ بيروت.
ـ البحث اللغوي
عند العرب : أحمد مختار عمر ، ١٩٧١ م ، دار المعارف ـ مصر.
ـ بغية الوعاة
في طبقات اللغويين والنحاة : السيوطي ، ط ١ ١٣٢٦ ه ، مطبعة السعادة ـ مصر.
ـ البلغة في
تاريخ أئمة اللغة : للفيروز آبادي ، تح : محمد المصري ، منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق
١٣٩٢ ه ـ ١٩٧٢ م.
ـ تاج العروس
من جواهر القاموس ، للزبيدي ، ١٠ أجزاء ، ط ١ ١٣٠٦ ، المطبعة الميرية ببولاق ،
مصر.
ـ تاريخ
الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي : حسن إبراهيم حسن ، ٤ أجزاء ط ٧
١٩٦٥ م ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
ـ التبصرة
والتذكرة : لابن إسحاق الصّيمري ، تح : فتحي أحمد مصطفى علي الدين ، جزآن ، ط ١
١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢ م ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ـ جامعة أم القرى.
ـ التبيين عن
مذاهب النحويين البصريين والكوفيين : لأبي البقاء العكبري ، تح : عبد الرحمن ابن
سليمان العثيمين ط ١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت.
ـ تذكرة النحاة
: لأبي حيان الأندلسي ، تح : عفيف عبد الرحمن / ط ١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، مؤسسة الرسالة
ـ بيروت.
ـ التصريف
الملوكي : لابن جني ، تح محمد سعيد بن مصطفى النعسان ، علق عليه : أحمد الخاني
ومحي الدين الجراح ، ط ٢ ١٣٩٠ ه ـ ١٩٧٠ م ، دار المعارف للطباعة ـ دمشق.
ـ التعليقة على
كتاب سيبويه : لأبي علي الفارسي ، تح : عوض بن محمد القوزي ، ٥ أجزاء ، ط ١ ١٤١٤ ه
ـ ١٩٩٤ م مطابع الحسني ـ الرياض.
ـ تعليل
الأحكام ، عرض وتحليل لطريقة التعليل وتطوراتها في عصور الاجتهاد والتقليد ، محمد
مصطفى شلبي ، ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١ م ، دار النهضة ـ بيروت.
ـ التمهيد في
علم التجويد : للجزري ، تح : غانم قدورني حمد ، ط ١ ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٦ م ، مؤسسة
الرسالة ـ بيروت.
ـ التيسير في
القراءات السبع ، للإمام الداني ، ط ٢ ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
ـ الجامع
لأحكام القرآن : للقرطبي ، ٢٠ جزءا ، ١٣٨٧ ه ـ ١٩٦٧ م ، دار الكاتب العربي
للطباعة والنشر ـ القاهرة.
ـ الجمل في
النحو : للفراهيدي ، تح : فخر الدين قباوة ، ط ١ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، مؤسسة الرسالة
ـ بيروت.
ـ الجمل في
النحو : للزجّاجي ، : تح : علي توفيق الحمد ، ط ١ ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، مؤسسة
الرسالة ـ بيروت.
ـ الجملة
الشرطية عند النحاة العرب : إبراهيم الشمسان ، (رسالة ماجستير) ، ط ١ (١٤٠١ ه ـ ١٩٨١
م) ، مطابع الدجوى ، لم يذكر المكان.
ـ جمهرة أشعار
العرب : لأبي زيد القرشي ، ط ١ ١٣٠٨ ه ، بولاق ـ مصر.
ـ الجنى الداني
في حروف المعاني : للمرادي ، تح : فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل ، ط ١ ١٣٩٣ ه
ـ ١٩٧٣ م مطابع المكتبة العربية ـ حلب.
ـ حاشية
الدسوقي : وبهامشه متن مغني اللبيب ، مصطفى محمد عرفة الدسوقي ، جزآن ، مكتبة
ومطبعة المشهد الحسيني ـ القاهرة.
ـ حجة القراءات
: للإمام أبي زرعة بن زنجلة ، تح : سعيد الأفغاني ، ط ٢ ١٣٩٩ ه ـ ١٩٧٩ م ، مؤسسة
الرسالة ـ بيروت.
ـ الحجة للقراء
السبعة ك للفارسي ، تح : بدر الدين قهوجي ـ بشير جويجاتي ، ط ١ ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م ،
دار المأمون للتراث ـ دمشق.
ـ حروف المعاني
: للزجاجي ، نح : علي توفيق الحمد ، ط ١ ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت
، دار الأمل ـ الأردن.
ـ الحيوان :
للجاحظ ، تح : عبد السّلام هارون ، ٧ أجزاء ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده
بمصر.
ـ خزانة الأدب
ولب لباب لسان العرب : تح : عبد السّلام محمد هارون ، ١٣ جزء ، ط ١ ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١
م ، مكتبة الخانجي بالقاهرة ـ دار الرفاعي بالرياض (+ ط بولاق ، ٤ أجزاء وبهامشة
كتاب المقاصد النحوية للإمام العيني).
ـ الخصائص :
ابن جني ، ٣ أجزاء ، تح : محمد علي النجار ، ط ٢ ، دار الهدى للطباعة والنشر ـ بيروت.
ـ الخلاف
النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف : محمد خير حلواني ، دار الأصمعي ـ دا
القلم ـ حلب (رسالة ماجستير).
ـ الخليل بن
أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه : مهدي المخزومي ، مطبعة الزهراء ١٩٦٠ ـ بغداد.
ـ درة الغواص
في أوهام الخواص : للحريري ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار نهضة مصر للطبع
والنشر.
ـ ديوان الأعشى
: دار صادر ـ بيروت للطباعة والنشر ، بيروت ١٣٨٠ ه ـ ١٩٦٠ م.
ـ ديوان حسان
بن ثابت : تح : وليد عرفات ، جزآن ، دار صادر ـ بيروت ١٩٧٤ م.
ـ ديوان
الخنساء : شرح وتقديم إسماعيل اليوسف ، منشورات دار الكتاب العربي ، دمشق.
ـ ديوان دريد
بن الصمة الجشمي : تح : محمد خير البقاعي ، دار قتيبة ـ ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١ م.
ـ ديوان زهير
بن أبي سلمى : دار بيروت للطباعة والنشر ـ بيروت ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م.
ـ ديوان علقمة
الفحل بشرح الأعلم الشنتمري : تح : لطفي الصقال ـ درية الخطيب ، راجعه : فخر الدين
قباوة ، دار الكتاب العربي ـ حلب ، ط ١ ١٣٨٩ ه ـ ١٩٦٩ م.
ـ ديوان
الفرزدق : جزآن : ١٣٨٦ ه ـ ١٩٦٦ م ، دار صادر ـ بيروت.
ـ ديوان لبيد
بن ربيعة : شرح الطّوسي ، وضع هوامشه وفهارسه : حنا نصر حتي ، ط ١ ١٤١٤ ه ـ ١٩٩٣
م ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
ـ ديوان ليلى
الأخيلية : تح : خليل إبراهيم العطية ، جليل العطية ، ط ٢ ١٣٩٧ ه ـ ١٩٧٧ م ، دار
الجمهورية ـ بغداد.
ـ ديوان المثقب
العبدي : تح : حسن كامل الصيرفي ، جامعة الدول العربية ـ معهد المخطوطات العربية
١٣٩١ ه ـ ١٩٧١ م.
ـ ديوان
النابغة الذبياني : صنعه ابن السّكّيت ، تح : شكري فيصل ، ينشر لأول مرة ١٩٦٨ ،
دار الفكر ـ بيروت.
ـ الردّ على
النّحاة : ابن مضاء القرطبي ، تح : شوقي ضيف ، ط ١ ١٣٦٦ ه ـ ١٩٤٧ م ، دار الفكر
العربي.
ـ رصف المباني
في شرح المعاني : للمالقي ، تح : أحمد محمد الخراط ، مطبوعات مجمع اللغة العربية
بدمشق ١٣٩٥ ه ـ ١٩٧٥ م.
ـ الرماني
النّحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه : مازن المبارك ، (رسالة دكتوراة) ، ط ٣ ١٤١٦ ه
ـ ١٩٩٥ م ، دار الفكر المعاصر ـ بيروت ، دار الفكر ـ دمشق.
ـ الزجّاجي
حياته وآثاره ومذهبه النحوي من خلال كتابه الإيضاح : مازن المبارك ، ط ٢ ١٣٠٣ ه ـ
١٩٨٤ م ، دار الفكر ـ دمشق.
ـ السبعة في
القراءات : ابن مجاهد ، تح : شوقي ضيف ، ط ٢ ، دار المعارف ـ القاهرة.
ـ سر صناعة
الإعراب : ابن جني ، جزآن تح : حسن هنداوي ، ط ١ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، دار القلم ـ دمشق.
ـ السيرافي
النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه : تح : عبد المنعم فائز ، ط ١ ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣ م ،
دار الفكر ـ دمشق.
ـ الشافية من
علمي الصرف والخط بشرح العلامة الجاربردي ، وحاشية ابن جماعة الكناني على الشرح ،
جزآن ، عالم الكتب ـ بيروت.
ـ الشاهد وأصول
النحو في كتاب سيبويه : خديجة الحديثي ، مطبوعات جامعة الكويت ، ١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤ م.
ـ شذا العرف في
فن الصرف : أحمد الحملاوي ، ط ١٩ ١٣٩٢ ه ـ ١٩٧٢ م ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر.
ـ شذرات الذهب
في أخبار من ذهب : لابن العماد الحنبلي ، ٨ أجزاء ، ١٣٥٠ ه ـ مكتبة القدسي ـ القاهرة.
ـ شرح ابن عقيل
على ألفية ابن مالك : ٤ أجزاء ، تح : يوسف الشيخ محمد البقاعي ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م
، دار الفكر ـ بيروت. (+ طبعة بتحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، ط ٢ ١٤٠٥ ه ـ
١٩٨٥ م ، دار الفكر).
ـ شرح أبيات
إصلاح المنطق : للسيرافي ، تح : ياسين محمد السواس ، ط ١ ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ،
مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ـ دبي.
ـ شرح أبيات
سيبويه : لأبي جعفر النحاس ، تح : أحمد خطاب ، ط ١ ١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤ م ، مطابع
المكتبة العربية بحلب.
ـ شرح أبيات
سيبويه : لأبي سعيد السيرافي ، تح : محمد علي سلطاني ، جزآن ، ١٩٧٩ م ، دار
المأمون للتراث دمشق ـ بيروت.
ـ شرح الأشموني
على ألفية ابن مالك : ٣ أجزاء ، تح : محمد محي الدين عبد الحميد ، ط ١ ١٣٧٥ ه ـ ١٩٥٥
م ، مطبعة السعادة ـ مصر.
ـ شرح التصريح
على التوضيح : للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري ، جزآن ، دار الفكر ـ بيروت.
ـ شرح جمل
الزجاجي : لابن هشام الأنصاري ، تح : علي محسن عيسى مال الله ، ط ٢ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦
م ، عالم الكتب ـ بيروت.
ـ شرح ديوان
حسان بن ثابت الأنصاري : وضعه وضبط الديوان وصححه : عبد الرحمن البرقوقي ، المطبعة
الرحمانية بمصر ، ١٣٤٧ ه ـ ١٩٢٩ م.
ـ شرح شافية
ابن الحاجب : لرضي الدين الاستراباذي ، مع شرح شواهده للبغدادي ، تح : محمد نور
الحسن ـ محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ٤ أجزاء ، ١٣٩٥
ه ـ ١٩٧٥ م.
ـ شرح شذور
الذهب في معرفة كلام العرب : لابن هشام الأنصاري ، تح : محمد محي الدين عبد
الحميد. ط ٦ ١٣٧٣ ه ـ ١٩٥٣ م ، مطبعة السعادة ـ مصر.
ـ شرح شواهد
الإيضاح لأبي علي الفارسي : عبد الله بن برّي ، تح : عيد مصطفى درويش ، الهيئة
العامة لشؤون المطابع الأميرية ، ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، القاهرة.
ـ شرح شواهد
المغني ، للإمام السيوطي ، جزآن ، ذيل بتصحيحات وتعليقات الشنقيطي ، علق على
حواشيه : أحمد ظافر كوجان ، منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
ـ شرح أبيات
المغني : للبغدادي ، ٨ أجزاء ، تح : عبد العزيز رباح وأحمد يوسف دقاق ، ط ١ ١٣٩٣ ه
ـ ١٩٧٣ م ، مكتبة دار البيان ـ دمشق.
ـ شرح الكافية
: لابن جماعة ، تح : محمد عبد النبي عبد المجيد ، ط ١ ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٧ م ، مطبعة
دار البيان ـ مصر.
ـ شرح اللّمع :
لابن برهان العكبري ، جزآن ، تح : فائز فارس ، ط ١ ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت.
ـ شرح المعلقات
السبع : للحسين بن أحمد الزّوزني ، ضبطه : محمد علي حمد الله ، ١٣٨٣ ه ـ ١٩٦٣ م ،
المكتبة الأموية ـ دمشق.
ـ شرح المفصل :
لابن يعيش ، ١٠ أجزاء ، عالم الكتب ـ بيروت (+ طبعة إدارة الطباعة المنيرية ـ مصر).
ـ شرح الملوكي
في التصريف : ابن يعيش ، تح : فخر الدين قباوة ، ط ١ ١٣٩٣ ه ـ ١٩٧٣ م ، المكتبة
العربية ـ حلب.
ـ الشعر ، أو
شرح الأبيات المشكلة الإعراب : لأبي علي الفارسي ، تح : محمود محمد الطناحي ، جزآن
، ط ١ ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٨ م ، مكتبة الخانجي ـ القاهرة.
ـ شعر الأحوص
الأنصاري : تح : عادل سليمان جمال ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، ١٣٩٠
ه ـ ١٩٧٠ م.
ـ الشعر
والشعراء : لابن قتيبة الدينوري ، علق عليه : مصطفى السقا ، ط ٢ ١٣٥٠ ه ـ ١٩٣٢ م
، المكتبة التجارية مصر.
ـ شواهد
التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح : ابن مالك ، تح : محمد فؤاد عبد الباقي ،
عالم الكتب ـ بيروت.
ـ الصاحبي في
فقه اللغة : تح : مصطفى الشويمي ، مؤسسة بدران ، بيروت ، ١٣٨٢ ه ـ ١٩٦٣ م (+ ط
المكتبة السلفية في القاهرة ١٩١٠).
ـ الصحاح : (تاج
اللغة وصحاح العربية) ، للجوهري ، تح : أحمد عبد الغفور وعطار ، ٦ أجزاء ، دار
الكتاب العربي ، مصر.
ـ طبقات فحول
الشعراء : لابن سلام الجمحي ، جزآن ، شرحه : محمود محمد شاكر ، مطبعة المدني ـ القاهرة.
ـ طبقات
النحويين واللغويين : لأبي بكر الزبيدي ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط ١ ١٣٧٣
ه ـ ١٩٧٥ م ، وقف على طبعه محمد سامي أمين الخاني بمصر.
ـ العنوان في
القراءات السبع : لأبي طاهر إسماعيل بن خلف المقرئ الأنصاري الأندلسي ، تح : زهير
زاهد ـ خليل العطية ، ط ١ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، عالم الكتب ـ بيروت.
ـ عيسى بن عمر
الثقفي ، نحوه من خلال قراءته : صباح عباس السالم ، (رسالة ماجستير) ، ط ١ ١٣٩٥ ه
ت ١٩٧٥ م ، منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، دار التربية ـ بغداد.
ـ العين :
للخليل بن أحمد الفراهيدي ، تح : مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ، ٨ أجزاء ، ط
١ ١٤٠٥ ه ، منشورات دار الهجرة ـ إيران.
ـ الفراء
ومذهبه في النحو واللغة : أحمد مكي الأنصاري (رسالة جامعية) مطبوعات المجلس الأعلى
لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ـ القاهرة ١٣٨٤ ه ـ ١٩٦٤ م.
ـ الفهرست :
محمد بن إسحاق النديم ، تح : ناهد عباس عثمان ، ط ١ ١٩٨٥ م ، دار قطري بن الفجاءة
ـ الدوحة.
ـ القاموس
المحيط : للفيروزآبادي ، تح : مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة ، ط ٢ ١٤٠٧ ه ـ
١٩٨٧ م ، مؤسسة الرسالة بيروت.
ـ قطر الندى
وبل الصدى : لابن هشام الأنصاري ، ١٢٦٤ ه ، بولاق ـ مصر.
ـ القياس في
النحو : منى الياس ، ط ١ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، دار الفكر ـ دمشق.
ـ القياس
النحوي بين مدرستي البصرة والكوفة : محمد عاشور السّويح ، ط ١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ،
الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ـ مصراته ـ ليبيا.
ـ الكافية في
النحو : لابن الحاجب ، بشرح الاستراباذي ، جزآن ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ الكامل :
لأبي العباس المبرد ، تح : محمد أحمد الدالي ، ٤ أجزاء ، ط ٢ ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م ، مؤسسة
الرسالة ـ بيروت.
ـ الكتاب :
لسيبويه ، تح : عبد السّلام هارون ، ٥ أجزاء ، ط ٣ ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٨ م ، مكتبة
الخانجي القاهرة+ ط ٢ ١٩٧٩ م ، الهيئة المصرية العامة للكتاب (+ ط بولاق).
ـ كشف الظنون
عن أسامي الكتب والفنون : مصطفى بن عبد الله المعروف بحاج خليفة ، ط ١ ١٣١٠ ه ،
مطبعة العالم+ ط المكتبة الفيصلية ـ مكة المكرمة.
ـ كشف المشكلات
وإيضاح المعضلات : للأصبهاني الباقولي ، تح : محمد أحمد الدالي ، جزآن ، ط ١ ١٤١٥
ه ـ ١٩٩٥ م ، مطبوعات المجمع.
ـ اللامات :
للزجّاجي ، تح : مازن المبارك ، ط ٢ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، دار الفكر ـ دمشق.
ـ اللباب في
علل البناء والإعراب : لأبي البقاء العكبري ، جزآن ، تح : غازي طليمات ـ عبد الإله
نبهان ، ط ١ ١٣١٦ ه ـ ١٩٩٥ م ، دار الفكر ـ دمشق ـ بيروت.
ـ لسان العرب :
لابن منظور ، ٢٠ جزءا ، ط ١ ١٣٠٠ ه ، بالمطبعة الميرية ببولاق ، مصر.
ـ لسان الميزان
: لابن حجر العسقلاني ، ٧ أجزاء ، ط ١ ١٣٩٠ ه ـ ١٩٧١ م ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
ـ اللغة والنحو
(دراسات تاريخية وتحليلية مقارنة) : حسن عون ، ط ١ ١٩٥٢ م ، مطبعة رويال ،
الاسكندرية.
ـ لمع الأدلة :
رسالتان لابن الأنباري : الإغراب في جدل الإعراب ولمع الأدلة ، تح : سعيد الأفغاني
، ١٣٧٧ ه ـ ١٩٥٧ م.
ـ ما ينصرف وما
لا ينصرف : أبو إسحاق الزجاج ، تح : هدى محمود قراعة ، لجنة إحياء التراث الإسلامي
، ١٣٩١ ه ـ ١٩٧١ م ، القاهرة.
ـ مباحث العلّة
في القياس عند الأصوليين : عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد السعدي (رسالة دكتوراه) ، ط
١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت.
ـ المبدع في
التصريف : لأبي حيان الأندلسي ، تح : عبد الحميد السيد طلب ، ط ١ ١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢ م
، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع ـ الكويت.
ـ المبرد حياته
وآثاره : أحمد حسين القرني وعبد الحفيظ فرغلي علي ، الهيئة المصرية العامة للتأليف
والنشر ، ١٩٧١ م.
ـ المبسوط في
القراءات العشر : لأبي بكر الأصبهاني ، تح : سبيع حمزة حاكمي ، ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٦ م ،
مطبوعات مجمع اللغة العربية ـ دمشق.
ـ مجالس ثعلب :
لأبي العباس ثعلب ، تح : عبد السّلام محمد هارون ، جزآن ، دار المعارف مصر.
ـ مجمع الأمثال
: للميداني ، جزآن ، تح : محمد محي الدين عبد الحميد ، ط ٣ ١٣٩٣ ه ـ ١٩٧٢ م ، دار
الفكر.
ـ مجموع أشعار
العرب : وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج ، اعتنى بتصحيحه:وليم بن الورد ، طبع
في ليبسيغ ١٩٠٣ م ، يطلب من مكتبة المثني ـ بغداد.
ـ المحتسب في
تبين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها : ابن جني ، جزآن ، تح : علي النجدي ناصف ـ
عبد الحليم النجار ـ عبد الفتاح إسماعيل شلبي ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ،
القاهرة ١٣٨٦ ه.
ـ مختار الشعر
الجاهلي : تح : مصطفى السقا ، الجزء الأول ، ١٣٦٨ ه ـ ١٩٤٩ م ، مطبعة البابي
الحلبي ـ القاهرة.
ـ المخصص :
لابن سيده ، ١٥ جزء ، ط ١ ١٣١٦ ه ، المطبعة الميرية ببولاق ، مصر.
ـ المدارس
النحوية : شوقي ضيف ، دار المعارف ـ مصر ١٩٦٨ م.
ـ المدرسة
البغدادية في تاريخ النحو العربي : محمود حسني محمود ، ط ١ ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٦ م ،
مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
ـ مراتب
النحويين : لأبي الطيب اللغوي الحلبي ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، مطبعة نهضة
مصر ـ القاهرة.
ـ المرتجل :
لابن الخشاب ، تح : علي حيدر ، ١٣٩٢ ه ـ ١٩٧٢ م ، دمشق.
ـ المسائل
الحلبيات : لأبي علي الفارسي ، تح : حسن هنداوي ، ط ١ ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٧ م ، دار
القلم ـ دمشق ، دار المنارة ـ بيروت.
ـ مسائل خلافية
في النحو : للعكبري ، تح : محمد خير الحلواني ، منشورات مكتبة الشهباء ـ حلب.
ـ المسائل
العضديات : للفارسي ، تح : شيخ الراشد ، منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق ١٩٨٦ م.
ـ المساعد على
تسهيل الفوائد : لابن عقيل ، تح : محمد كامل بركات ، جزآن ، ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م ،
دار الفكر ـ دمشق.
ـ المستصفى من
علم الأصول ، وبذيله : فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه : للإمام
الغزالي ، فواتح الرحموت لعبد العلي الأنصاري ، جزآن ، ط ١ ١٣٢٤ ه ، المطبعة
الأميرية ببولاق مصر المحمية ـ وط دار الأرقم بن أبي الأرقم ـ بيروت ، تح :
إبراهيم محمد رمضان.
ـ مشكل إعراب
القرآن : مكي بن أبي طالب القيسي ، تح : ياسين محمد السواس ، جزآن ، ١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤
م ، مطبوعات المجمع ـ دمشق.
ـ معاني القرآن
: للفراء ، ٣ أجزاء ، تح : محمد علي النجار ـ وأحمد يوسف نجاتي ، ط ٣ ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣
م ، عالم الكتب ـ بيروت (+ ط ١ مطبعة دار الكتب المصرية ١٣٧٤ ه ـ ١٩٥٥ م).
ـ معاني القرآن
: للأخفش الأوسط ، جزآن ، تح : فائز فارس ، ط ١ ١٤٠٠ ه ـ ١٩٧٩ م ، المطبعة
العصرية ـ الكويت.
ـ معاني القرآن
وإعرابه : لأبي إسحاق الزجاج ، ٥ أجزاء ، تح : عبد الجليل عبدو شلبي ، ط ١ ١٤٠٨ ه
ـ ١٩٨٨ م ، عالم الكتب ـ بيروت.
ـ معجم الأدباء
: لياقوت الحموي : ط ١ ١٤١١ ه ـ ١٩١١ م ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ معجم البلدان
: لياقوت الحموي أيضا ، ٥ مجلدات ، ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، دار صادر ـ بيروت.
ـ معجم
المؤلفين : عمر رضا كحالة ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
ـ معجم
القراءات القرآنية مع مقدمة في القراءات وأشهر القراء : عبد العال سالم مكرم ـ أحمد
مختار عمر ، ٨ أجزاء ، ط ١ ١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢ م ، مطبوعات جامعة الكويت.
ـ المعجم
الوسيط : قام بإخراجه : إبراهيم مصطفى ـ أحمد حسن الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد
علي النجار ، أشرف على طبعه : عبد السّلام هارون ، جزآن ، ط ٣ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ،
مكتبة النوري ـ دمشق.
ـ معرفة القراء
الكبار على الطبقات والأعصار : للإمام الذهبي ، تح : بشار عواد معروف وشعيب
الأرناؤوط وصالح مهدي عباس ، جزآن ، ط ١ ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
ـ مغني اللبيب
عن كتب الأعاريب : ابن هشام الأنصاري ، تح : مازن المبارك ـ محمد علي حمد الله ، ط
٦ ١٩٨٥ م ، دار الفكر ـ بيروت.
ـ المقاصد
النّحوية في شرح شواهد شروح الألفية : للإمام العيني بهامش كتاب خزانة الأدب ، ط ١
، المطبعة الميرية ببولاق ، مصر.
ـ المقتضب :
لأبي العباس المبرد ، ٤ أجزاء ، تح : محمد عبد الخالق عضيمة ، عالم الكتب ـ بيروت (+
ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ لجنة إحياء التراث الإسلامي ، القاهرة ١٣٨٥ ه).
ـ المقرب :
لابن عصفور ، تح : أحمد عبد الستار الجواري ـ عبد الله الجبوري ، ج ١ ، مطبعة
العاني ـ بغداد.
ـ الممتع في
التصرف : لابن عصفور أيضا ، تح : فخر الدين قباوة ، جزآن ، ط ١ ١٣٩٠ ه ـ ١٩٧٠ م ،
المكتبة العربية ـ حلب.
ـ المنصف شرح
كتاب التصريف لابن جني : للمازني ، تح : إبراهيم مصطفى ـ عبد الله أمين ، جزآن ، ط
١ ١٣٧٣ ه ـ ١٩٥٤ م ، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر.
ـ موقف سيبويه
من القراءات والحديث : خديجة الحديثي ، مجلة كلية الآداب ـ بغداد ـ العدد (١٤).
ـ الميسر في
أصول الفقه الإسلامي : إبراهيم محمد سلقيني ، ط ١ ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، دار الفكر ـ دمشق
ـ بيروت.
ـ ميزان
الاعتدال في نقد الرجال : للإمام الذهبي ، تح : علي محمد البجاوي ، ٤ مجلدات ، ط ١
١٣٨٢ ه ـ ١٩٦٣ م ، دار المعرفة ـ بيروت.
ـ نحو القراء
الكوفيين : خديجة أحمد مفتي (رسالة ماجستير) ، ط ١ ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٥ م ، المكتبة
الفيصلية ـ مكة المكرمة.
ـ النحو الوافي
: عباس حسن ، ٤ أجزاء ، ط ٢ ١٩٦٤ م ، دار المعارف ـ مصر.
ـ نزهة الألباء
في طبقات الأدباء : لابن الأنباري ، تح : إبراهيم السامرائي ، ط ٣ ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥
م ، مكتبة المنار الأردن+ (ط تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار النهضة ـ مصر).
ـ هدية
العارفين : (مجموعة الكشف) المجلدان (٥ ـ ٦) ، للبغدادي ، دار الفكر ١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢
م ـ بيروت.
ـ همع الهوامع
: للسيوطي ، تح : عبد العال سالم مكرم ، ٧ أجزاء ، ط ١ ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م ، دار
البحوث العلمية ـ الكويت+ (ط تح : عبد العال سالم مكرم وعبد السّلام هارون ١٣٩٤ ه
ـ ١٩٧٥ م).
ـ الوافي
بالوفيات : لابن أيبك الصفدي ، (تقريبا ٢٢ جزء) ، ط ٢ غير منقحة ، يطلب من دار
النشر فرانز شتاينر بفيسبادن ١٣٨١ ه ـ ١٩٦٢ م.
ـ يونس بن حبيب
: حسين نصار ، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، الجمهورية المتحدة ـ مارس ١٩٦٨
م.
ـ يونس البصري
، حياته وآثاره ومذاهبه : أحمد مكي الأنصاري ، مطبوعات جامعة القاهرة بالخرطوم
١٣٩٣ ه ـ ١٩٧٣ م.
فهرس الموضوعات
الموضوع......................................................................... ٥
بين
يدي الكتاب................................................................ ٧
المقدمة.......................................................................... ٧
تمهيد........................................................................ ٩
عصر الوراق.................................................................. ٩
اسم المؤلف................................................................. ١٠
نسبه....................................................................... ١١
ثقافته...................................................................... ١٢
شيوخه وتلامذته............................................................. ١٣
آثاره....................................................................... ١٤
المخطوط ومنهج العمل.......................................................... ١٦
وصف النسخ المخطوطة...................................................... ١٦
منهج التحقيق............................................................... ١٩
الكتاب....................................................................... ٢١
باب علم ما الكلم........................................................... ٢٣
باب حد الأسماء والأفعال والحروف............................................. ٢٦
باب مجاري أواخر الكلم...................................................... ٢٨
باب التثنية والجمع........................................................... ٤٤
باب في إعراب التثنية والجمع.................................................. ٤٦
باب ارتفاع الفعل المضارع..................................................... ٦٩
باب حروف النصب......................................................... ٧١
باب حروف الجزم............................................................ ٧٧
باب حروف الخفض......................................................... ٨٥
باب حروف القسم.......................................................... ٨٩
باب الحروف التي ترفع الأسماء والنعوت والأخبار................................. ٩٣
باب الحروف التي تنصب الأسماء والنعوت وترفع الأخبار......................... ١١٠
باب الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار................................. ١٢٠
باب ما................................................................... ١٣١
باب الابتداء وخبره......................................................... ١٣٥
باب الفاعل والمفعول به..................................................... ١٤٠
باب ما لم يسمّ فاعله....................................................... ١٤٦
باب ظننت وحسبت وعلمت وخلت وأخواتها.................................. ١٥٥
باب نعم وبئس............................................................ ١٥٩
باب حبذا................................................................. ١٦٤
باب الضمير............................................................... ١٦٥
باب اسم الفاعل........................................................... ١٦٨
باب ما يعمل من المصادر................................................... ١٧١
باب ما يشتغل عنه الفعل................................................... ١٧٦
باب حتى................................................................. ١٨١
باب ما تنصبه العرب وترفعه................................................. ١٨٤
باب (وهو ما كان من الأفعال يتعدى بحرف جر)................................ ٨٥
باب التعجب.............................................................. ١٨٦
باب النداء................................................................ ١٩٥
باب الترخيم............................................................... ٢٠٩
باب الإغراء............................................................... ٢١٥
باب المصدر............................................................... ٢١٧
باب الظروف.............................................................. ٢٢٣
باب الحال................................................................. ٢٢٧
باب حروف العطف........................................................ ٢٣١
باب الصفة................................................................ ٢٣٤
باب التوكيد............................................................... ٢٤١
باب التمييز............................................................... ٢٤٣
باب الاستثناء............................................................. ٢٤٥
باب الحروف التي يجر بها في حروف الاستثناء.................................. ٢٤٧
باب كم.................................................................. ٢٥٢
باب لا................................................................... ٢٥٤
باب الضمير............................................................... ٢٥٨
باب أي.................................................................. ٢٦٨
باب من.................................................................. ٢٧٠
باب الجواب بالفاء.......................................................... ٢٧٣
باب المجازاة................................................................ ٢٧٨
باب إضافة أسماء الزمان إلى الفعل والفاعل والمبتدأ
والخبر......................... ٢٨٤
باب إنّ وأنّ............................................................... ٢٨٦
باب أم وأو................................................................ ٢٩١
باب ما ينصرف وما لا ينصرف.............................................. ٢٩٤
باب أسماء الأرضين......................................................... ٣٠٤
باب ما كان من أسماء النساء معدولا.......................................... ٣٠٦
باب التصغير.............................................................. ٣٠٩
فصل..................................................................... ٣١٤
باب العدد................................................................ ٣١٩
باب الجمع................................................................ ٣٤٣
باب النّسب............................................................... ٣٤٩
باب النسب إلى الاسم المضاف.............................................. ٣٦٥
باب التضعيف............................................................. ٣٧٠
باب الألفات.............................................................. ٣٧٢
باب حروف القسم التي يجر بها.............................................. ٣٧٦
باب ما يكون من أسماء الفاعلين ولم يجروه على الفعل............................ ٣٧٩
الفهارس..................................................................... ٣٨١
فهرس الآيات.............................................................. ٣٨٣
فهرس الأمثال والأقوال المأثورة................................................ ٣٨٥
فهرس الأشعار............................................................. ٣٨٧
فهرس الأعلام والجماعات................................................... ٣٩٠
فهرس الأماكن............................................................. ٣٩٢
فهرس اللغة................................................................ ٣٩٣
فهرس المصادر............................................................. ٣٩٥
فهرس الموضوعات............................................................. ٤١٣
|