


الإهداء
:
إلى سبط الرسول ، ومهجة علي والبتول .
|
إلى سيد الشهداء ، وخامس أصحاب الكساء .
|
|
إلى الإمام الحسين بن علي (ع) .
|
|
يسعدني ويشرفني أن أرفع إلى ساحة
|
|
قدسك هذا المجهود ، آملاً منك القبول ،
|
|
وشفاعتك في اليوم المهول .
|
|
|
|
|
|
|
« المؤلف » ...
تقديم تفضل به
سماحة العلامة الحجة
البحاثة الشيخ باقر شريف القرشي ( دام فضله )
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الحسين رائد الحركة الإصلاحية
التي أضاءت سماء الشرق العربي وغيره وانقدت المسلمين من واقعهم المرير وفتحت لهم آفاقاً مشرقة من الحرية والكرامة ... لقد أعزّ الله تعالى الإسلام بثورة أبي الأحرار التي جعلها الله
تعالى عبرة لأولي الألباب وقدوة حسنة لدعاة الإصلاح الإجتماعي ، فلم تمض عليها حفنة من السنين حتى تبلورت الأفكار واستيقظ المسلمون من سباتهم ، وإذا بالمجتمع ينادي بفجر جديد لحياتهم الإجتماعية والسياسية فقد هَبّ المسلمون بثورات مثلى حقة فنسفت قصور الأموين وألحقت بهم الهزيمة والعار ، وانطوت معالم دولتهم القائمة على الظلم والطغيان .
وكما أن الإمام الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وأفضل المسلمين وسيد المصلحين فكذلك التربة التي استشهد على صعيدها من أفضل بقاع الأرض فما أضلت قبة السماء مكاناً قط أفضل ولا أسمى من بقعة كربلاء ، وقد أجمع رواة المسلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد شم قطعة من تلك التربة الطاهرة التي جاء بها جبرئيل إليه وأخبره بشهادة ولده الإمام الحسين عليه السلام على صعيدها ، والشيعة إذ تقدس هذه التربة وتعظمها وتسجد عليها لله تعالى في صلاتها إنما هو إقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي شمها وقبلها وقد جعل الله تعالى الشفاء في تلك التربة الزكية إجلالاً للحسين وتعظيماً له وهي من الكرامات التي خصه بها فسلام عليه فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين .
ومن الخير والفضل ما قام به ولدنا
الفاضل العلامة الشيخ عبد الرسول آل درويش
في تأليف رسالة ممتعة عن التربة الحسينية ، فقد بحث عنها بحثاً موضوعياً وشاملاً شكر الله تعالى مساعيه وبلّغه أمانيه واني أصافحه وأتمنى له المزيد من البحوث المشرقة التي تنفع الناس ... .
باقر شريف القرشي
١٧ / الأضحى / ١٤٢٣ هـ

__________________________
كتاب
(
تربة الحسين ـ دراسة وتحليل )
للشيخ عبدالرسول حبيب درويش ـ حفظه الله ـ
كان تأليف الجزء الأول من الكتاب سنة
١٤١٢ هـ ، ونسخ ـ وصف ـ حروف الكتاب سنة ١٤١٧ هـ ؛ لذا أنشدتُ هذه الأبيات مؤرخاً لسنة نسخه
.
هذا كتابٌ فيه تبيانٌ لنا
|
|
لكُلِّ داءٍ ودواءٍ وكفى
|
« عبدالرسول »
شيخنا كتابه
|
|
أعيى « ابنُ سينا » طبهُ أنْ يصفا
|
جاءَ بهِ بجهدهِ وفنِّهِ
|
|
أضاءَ للقراءِ نوراً كُشِفا
|
في رونقٍ مُجللٍ شيدهُ
|
|
فمن أراد الشهدَ منهُ ارتشفا
|
كتابهُ بفكرهِ أرختهُ :
|
|
( أميرُنا ترابهُ فيهِ الشفا )
|
|
٣٠٢ + ٨٠٦ + ٩٥ +
٤١٢ = ١٤١٧ هـ
عبدالرؤوف
إبراهيم آل درويش
|
__________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ
اَلحَمْدُ لله رَبِّ الْعالَمينَ ، وَالصَّلاةُ
وَالسَّلامُ عَلى مُحَمَّد آلهِ الطَّاهِرينَ ، وبعد ...
الموضوع ودوافع اختياره :
فُطِرَ الإنسان على حب الإستطلاع ،
والتعرف على الحقائق في مختلف المواضيع ، فهو دائماً هَمّه الوصول إلى الحقيقة ؛ إذ هي ضالته المنشودة ، وعلى هذه الفطرة سار الإسلام في خطوطه التربوية العامة ، وحرص على تربية هذه الأمة على الموضوعية والبحث ، ومقارنة الحجة بالحجة ، والبرهان بالبرهان ، قال تعالى : ( قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
[ البقرة / ١١١ ]
. كما أنّه نعى على العقول الجامدة ؛ التي تحجرت ضمن جدران التقليد الأعمى ، قال تعالى : ( إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) [ الزخرف / ٢٣ ]
.
وهذه التربية القرآنية من شأنها أن تجعل
المسلم رائداً للحقيقة ، قوي الثقة بنفسه وبرسالته ، مادام الدليل مسلكه ، والبرهان حجته ، والحق غايته . ولذلك كان طبيعياً أن يتجه الكثير من قادة الفكر الإسلامي ورواده ، وشبابنا المسلم المثقف ، إتجاهاً علمياً لدراسة تلك الأفكار المذهبية ، التي وقع فيها الخلاف بين الفئات الإسلامية ، ومن بين تلك الأفكار ـ تربة الحسين عليهالسلام ـ التي هي موضوع بحثنا .
ومن الدوافع التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع ما
يلي :
١ ـ وجود الملابسات والإستفهامات حول هذا
الموضوع .
٢ ـ إهتمام الشباب والباحثين ـ بهذا الموضوع ـ ؛ دعاني لبحثه
بصورة واسعة ، بحيث يكون شاملاً لجميع نواحيه .
أهميته :
يرجع الخلاف في هذا الموضوع ـ تربة الحسين عليهالسلام ـ إلى عمل الشيعة الإمامية حينما اتفقت كلمتهم على جواز السجود عليها ، واتخاذها سُبَح للتسبيح بها في الصلاة وفي غيرها ، واستعمالها للشفاء والبركة ، لأدلة اعتمدوها . وهناك فئة تعيب على الشيعة الإمامية عملها هذا ، بل عَبّرت عنه بأنّه عبادة للتربة . ومنطق العقل والإنصاف يقتضي عرض كلا الفكرتين على البحث ، ليتبين لنا مدى صحة إحداهما أو بطلانهما معاً ، وبحثنا « تربة الحسين عليهالسلام دراسة وتحليل »
سيعالج الفكرتين معاً .
والشيء الذي ينبغي التنبيه عليه ، أنّ
تربة الحسين عليهالسلام
ليست من مصطلحات الشيعة الإمامية ، بل ظهر هذا المصطلح وأشرقت شمس أهميته في عصر المصطفى صلىاللهعليهوآله
، حينما أخبرته ملائكة السماء عن تلك التربة ، بإخبار جبرئيل ، وملك القطر أو المطر ـ حسب ما ذكرته الروايات
ـ وسوف نشير إلى قسم منها في طَيَّات هذا البحث .
وأيضاً إهتمام الرسول صلىاللهعليهوآله بها من شَمِّها
وتقبيلها وتقليبها كما نَصّت الروايات . وكذلك إخبار زوجاته وصحابته بشأن هذه التربة المقدسة . واهتمام أهل البيت عليهمالسلام
بشأن هذه التربة ؛ بدءاً بالإمام السجاد عليهالسلام
حيث أخذ من تراب قبر والده الحسين عليهالسلام
واستعمله للسجود في الصلاة ، وعمل منه سبحة ، وجعله للشفاء والبركة ، وسار على نهجه أولاده وشيعته .
وقد اهتم بهذه التربة الشريفة الكُتّاب
والباحثون من المسلمين وغيرهم ، يقول جعفر الخياط في بحثه ( كربلاء في المراجع الغربية )
، تحت عنوان : التربة الحسينية : « وقد كانت التربة الحسينية وما تزال تلفت نظر الكثيرين من الغربيين وغيرهم حينما يزورون كربلاء ، أو يتعرفون على المجتمعات الشيعية في كل مكان . ولعل أول من أشار إليها وإلى إستعمالها في الصلاة من الغربيين الرحالة الألماني كايستن نيبور حينما زار كربلاء سنة ١٧٦٥ م »
.
وتقول الدكتورة سعاد ماهر : « يحتفظ
الشيعة بألواح من تربة كربلاء ، مما يصنع عادة في قوالب مختلفة الرسوم والأشكال ، وبعضها يحتوي على رسوم نباتية وهندسية أو كتابات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أقوال مأثورة ، يتخذون منها لطهارة تربتها موضعاً للجبهة ليتحقق السجود عليها لأداء الصلاة لله تبارك وتعالى ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على صحتها »
.
كما
إهتم بها الشعراء وأخصُّ منهم الآتي :
١ ـ المرحوم السيد حيدر الحلي حيث يقول :
يا تربةَ الطف المقدّسةِ التي
|
|
هالوا على ابن محمدٍ بَوْغاءها
|
حيث ثراكِ فلا طفته سحابةٌ
|
|
من كوثر الفردوس تحمل ماءها
|
٢ ـ المرحوم طلائع بن
رُزَيِّك ( الملك الصالح ) حيث يقول :
يا بقعة بالطف حشو
|
|
ترابها دنياً ودينا
|
أضحت كأصدافٍ يصادف
|
|
عندها الدر الثمينا
|
__________________________
٣ ـ المرحوم العلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حيث
يقول :
تربة تَقدّست حين سالت
|
|
فوقها للحسين أزكى دماءِ
|
كل يوم يعلو ويهبط فوج
|
|
فوقها من أكارم الأمناءِ
|
ما تبقى لعظمها من نبي
|
|
لم يزرها من سائر الأنبياءِ
|
تساؤلات البحث :
١ ـ لماذا يعبد الإمامية التربة
الحسينية ؟
٢ ـ لماذا يخالف الإمامية جمهور
المسلمين بسجودهم على الأحجار ، وحملها في جيوبهم وتقديسها ؟
٣ ـ ما هذه الكلمات المكتوبة على التربة
الحسينية ؛ التي يسجد عليها الشيعة الإمامية ؟
٤ ـ هل السجود على تربة الحسين عليهالسلام يجعل الصلاة مقبولة
عند الله سبحانه وتعالى ولو كانت باطلة ؟
٥ ـ لماذا يضع الشيعة الإمامية تربة
الحسين عليهالسلام
مع الميت في قبره ؟
٦ ـ المعروف عن الشيعة الإمامية أنّها
تقوم بتحنيك أولادها بتربة الحسين عليهالسلام
، فما هو التحنيك ، وما أسبابه ، وما فوائده ؟
منهج وأسلوب البحث :
لستُ أول من كتب في هذا الموضوع ، بل
سبقني إليه العلماء والباحثون وأخصُّ منهم التالي :
١ ـ المجتهد الأكبر الشيخ محمد حسين
كاشف الغطاء طاب ثراه ( ١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ ) في رسالته ( الأرض والتربة الحسينية )
حيث تناول التالي :
__________________________
أولاً ـ أهمية الأرض
للإنسان ؛ إذ هي مادة خلقه ومصدر خيراته ولها ارتباط بأحكامه الشرعية كل ذلك في الحياة ، وهي مدفنه في الممات ، أشار إلى ذلك في تفسيره لقوله تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) [ المرسلات
/ ٢٥ ] .
ثانياً ـ تَعرّض لأقسام
الأرض من خلال تفسيره لقوله تعالى : ( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ ) [ الرعد / ١٤
] . وأوضح من خلال ذلك قاعدة التفاضل بين الأراضي ، وأثبت فضيلة تربة الحسين عليهالسلام على غيرها .
ثالثاً ـ أعطى فكرة تاريخية
موجزة عن علاقة الشيعة الإمامية بهذه التربة الزكية ، من السجود عليها والإستشفاء بها ، وإعتمد في ذلك على روايات أهل البيت عليهمالسلام .
رابعاً ـ ختم رسالته بفوائد
مهمة تتعلق بالأرض تشريعية وتكوينية .
٢ ـ البحّاثة العلامة الشيخ عبد الحسين
الأميني ( ١٣٢٢ هـ ـ ١٣٩٠ هـ ) طاب ثراه ، في بحثه ( السجدة وما يصح
السجود عليها ، السجدة على تربة كربلاء ) حيث تناول فيه التالي :
أ ـ ما يصح السجود عليه في السنة
النبوية ، من خلال إستدلاله بروايات أهل السنة والجماعة .
ب ـ أدلة الشيعة الإمامية على جواز
السجود على تربة الحسين عليهالسلام
، بناءً على الإستحسان العقلي المعتمد على أصلين :
أولهما ـ إتخاذ المصلي
لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها .
ثانيهما ـ ثاعدة الإعتبار
المطرد تقتضي التفاضل بين الأراضين .
__________________________
أقول : هذان البحثان أفضل ما كُتبا في
هذا الموضوع ، وهما المادة الأساسية للبحوث التي أتت بعدهما ، إلا أنّ الأول منهما يتميز بالسعة والشمول على إختصاره ، إلا أنّ هذا الإختصار يحتاج إلى توضيح ؛ إذ مضى على تأليفه حتى الآن قرابة نصف قرن ، والأسئلة والإستفسارات تزداد ـ يوماً بعد يوم ـ حول هذا الموضوع . ويتميز الثاني منهما بدراسة روايات السجود التي روتها العامة من باب التمهيد للوصول إلى صحة السجود على تربة الحسين عليهالسلام
من جهة . ثم استعراض الدليل العقلي من جهة أخرى ، وأثبت من خلال ذلك صحة السجود على هذه التربة الزكية .
وهذا الإسلوب رائع وموصل لغاية البحث ،
إلا أنّه مع هذا يحتاج إلى إضافة بعض البحوث التي لها تَعلّق بالتربة ، حتى يقل التساؤل والإستفسار حولها ، وهذا ما يتميز به بحثنا ، وسوف يتبين لك ذلك ـ أيها القارئ الكريم
ـ بعد قراءة البحث بأكمله . كما أنّه يعتمد في أسلوبه على طريقة السؤال والجواب ، فإنّها من الأساليب المحببة للقرَّاء الكرام . وقد إتبعتُ فيه المنهج التالي :
البحث الأول ـ
السجود على تربة الحسين عليهالسلام
.
البحث الثاني ـ
بداية إتخاذها سُبح ، مع بيان فضيلة التسبيح بها .
البحث الثالث ـ
الإستشفاء بها .
البحث الرابع ـ
أحكام التربة الحسينية .
ثم نتائج تساؤلات البحث .
وبهذا يتم بحثنا ، والحمد لله ، والصلاة والسلام
على رسوله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله الهداة ..
|
أمين آل درويش الجمعة ٢٧ / ٦ / ١٤١٢ هـ
|


التعرف على الأرض :
إنّ طبيعة الإنسان تدفعه للتعرف على ما
يجري حوله ؛ ولذا منذ وجوده على الأرض ، بدأ يتفاعل مع البيئة المحيطة به ، وأخذ يتأمل في هذه البيئة وعلاقتها بحياته ؛ إذ هذه البيئة لها إرتباط بمكونات الأرض ومنتجاتها ، هكذا تتزايد معلومات الإنسان عن الأرض ، عبر تاريخها الطويل حتى القرن الأخير ، حيث إزدادت هذه المعلومات بشكل واسع ، مما حمل العلماء على حصرها ضمن علم مستقل أطلقوا عليه اسم ( الجيولوجيا )
وهو مصطلع مُعرَّب عن الكلمة الإنجليزية (geology) المشتقة من
الكلمتين الأغريقيتين (ge) يعني الأرض (Logus) وتعنى علم . « وهو علم يبحث في كل ما يتعلق بالأرض ، حيث تركيبها الكيميائي والمعدني وخَواصّها الطبيعية والكيميائية والميكانيكية ، بالإضافة إلى العمليات الداخلية والخارجية التي أثَّرت وتُوثِّر عليها منذ نشأتها الأولى .
كما أن الجيولوجيا أيضا تعني بدراسة
أحداث الماضي السحيق ، وكذلك الأحياء النباتية والحيوانية التي عاشت فوق سطح الأرض ، وفي أعماق البحار ثم ماتت واندثرت ، والتعرف إلى خواص تطورها وقيمتها الإقتصادية على مَرّ العصور ، بالإضافة إلى دراسة الثروات المائية والبترولية والمعدنية التي توجد تحت سطح الأرض وفي أعماقها » . وإليك بعض الأبحاث
عن التربة .
أ ـ أنواع
التربة :
يقول أخصائي فيزياء التربة ( ديل سوار
تزن دروبر ) : « والتربة عالم يفيض بالعجائب ، ولكنها عجائب لا يستطيع أن يصل إلى كنهها أو يكشف
__________________________
أمرها إلا العلوم والدراسات العلمية » . ويعبر
الجغرافيون الطبيعيون عن التربة وألوانها وأنواعها وخصوبتها بما يأتي :
عَرّفوها بأنها : الغطاء الرقيق
المتفتت الذي يغطي سطح الأرض في كثير من الجهات . كما أنّهم قَسموها إلى التالي :
١ ـ تربة صلصالية : وتحتوي على نسبة
عالية من المواد الذائبة ، وتحتفظ بكميات كبيرةٍ من المياه ، إلا أن حراثتها ليست سهلة بسبب تماسك جزئياتها الترابية . وعلى كل فهي أصلح تربة زراعية ، وخَاصّة إلى القمح والشعير وغير ذلك .
٢ ـ تربة رملية : وهي صالحة بشكل
عام لزراعة الخضروات والفواكه ، وإنها سهلة الحراثة بسبب تفتت جزئياتها الترابية .
٣ ـ تربة غرينية : وهي إما أن تكون
أصلية أي جاثية فوق الصخور التي نشأت منها ؛ وهي على لون الصخور ذاتها . وإما أن تكون منقولة : أي جاثية فوق صخور غريبة عنها ؛ مثل تربة السهول ، ومثل وادي الفرات أو وادي النيل وغير ذلك .
ب ـ
ألوان التربة :
قَسّمَ الجغرافيون الطبيعيون التربة إلى الألوان
الآتية :
١ ـ تربة سوداء : وقد أطلقوا عليها
اسم « التسترنوزيوم » وتوجد في أوربا الوسطى الشمالية . وهي أجود تربة من حيث صلاحيتها للزراعة على الإطلاق .
__________________________
٢ ـ تربة صفراء : وتسمى « اللوس » وتوجد في شمال
الصين وهي ناعمة جداً .
٣ ـ تربة حمراء : وتسمى « لاتيريت » هي ذات لون داكن
أو أسمر ، وتوجد بكثرة في سهول حلب .
٤ ـ تربة سمراء : وتسمى « البوذرول » وهي إما رمادي
فاتح أو أبيض ، وتكثر في الغابات .
٥ ـ تربة بركانية : وهي تربة خصبة
جداً لكثرة المواد المعدنية فيها ، وتوجد في بلاد حَوْرَان ومنطقة الروج جنوب جسر الشغور .
٦ ـ تربة المناطق الصحراوية : وهي غنية بالأملاح
القابلة للذوبان ويمكن تحويلها إلى حقول زراعية إذا توفرت المياه لريّها .
٧ ـ تربة شهبا كلسية : تتكون في المناطق
القليلة الأمطار والنبات ، تظهر بيضاء اللون لإحتوائها على نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم وهي جيدة الصّرْف .
وبعد هذا البيان ؛ تبين لنا أنّ إختلاف
الأرض في طبقاتها وألوانها ، لا يمكن أنْ يكون كذلك خَبْطَ عَشْوَاء ، وإنما هي صنع حكيم ، كما قال تعالى : ( وَفِي الْأَرْضِ
قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ
وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) [ الرعد / ٤ ]
. بُقَاعُ مختلفةَ مع كونها متجاورة متلاصقة : طَيِّبَةٌ إلى سَبِخَة ، وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع والشجر إلى أخرى على عكسها مع إنتظام جميعها في جنس الأرضية ، وكذلك الكُرُوم والزرع والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة
__________________________
الأجناس والأنواع : ( يُسْقَىٰ
بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) . وتراها متغيرة الثمار
في الأشكال والهيئات والطعوم والروائح متفاضلة فيها ، وفي ذلك دلالة على صنع القادر العالم ..
ومن غرائب وعجائب هذه الأرض ، ما أشارت
إليه الآيات ، كما في قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ
مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ
وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
)
[ فاطر / ٢٧ ـ ٢٨ ]
.
تكليف وعبادة :
إقتضت سنة الله تعالى في خلق الإنسان
وإسكانه الأرض ، وتزينه ما عليها له ليمتعه بذلك ويُميّز به أهل السعادة من غيرهم . وإلى هذا أشارت الآيات القرآنية التي سنعقد البحثين الآتين من أجلها .
١ ـ
إبتلاء وإمتحان :
إنّ الأرض هي الغاية من حياة الإنسان
فقط ، فقد خلق آدم عليهالسلام
للأرض للتمتع بخيراتها والبقاء فيها إلى وقت محدود ، وإنّها دار إبتلاء وإمتحان ، وإلى هذا أشارت الآية الشريفة : ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ
إِلَىٰ حِينٍ )
[ البقرة / ٣٦ ]
. وأيضاً قوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً
لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [ الكهف / ٧ ]
.
إنّ النفوس البشرية خلقت للتصفية
والتطهير ، بإسكانها الأرض لأجل معلوم ، بالبقاء للتعلق والإرتباط بينها وبين ما على الأرض من أمتعة الحياة : من مال وولد وجاه ، فكان ما على الأرض محبباً لقلوبهم وزينة للأرض وحلية
تتحلى بها ؛ لكونها عليها ؛ فتعلقت نفوسهم
بالأرض بسببه واطمأنت إليها . فإذا إنقضى الأجل المحدود من قبل الله تعالى لتمكينهم في الأرض ؛ تحقق ما أراده من البلاء والإمتحان . وسلب ما بينهم وبين ما على الأرض .
٢ ـ
تقديس وعبادة :
حظيت الأرض بالتقديس والتطهير ، لما
عليها من مظاهر التطهير الإلهي كما في قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب / ٣٣ ]
. إذ هو ـ القدوس
ـ أي الطاهر المُنَزّه عن العيوب والنقائص ؛ ولذا طَهّر بعض عباده من كل العيوب ، كما نَصّت الآية الخاصة بآل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
. وقوله تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ
رُوحُ الْقُدُسِ )
[ النحل / ١٠٢ ]
. يعني جبرئيل من حيث أنّه ينزل بالقدس من الله ؛ أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي . وقوله تعالى : ( إِنِّي أَنَا
رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [ طه / ١٢ ]
.
وتتجلى لنا قداسة الأرض في هذه الآية ؛
حيث أنّ ( طُوًى ) ؛ إسم الوادي بطور ، وهو الذي سَمّاه الله بالوادي المقدس ، وهذه التسمية والتوصيف ؛ هي الدليل على أنّ أمره بخلع النعلين إنّما هو لإحترام الوادي أن لا يداس بالنعل ، ثم
تفريع خلع النعلين مع ذلك على قوله : ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) يدل على أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس وموطن الحضور والمناجاة ، وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرَّفة ، والمسجد الحرام ، والمشاهد المحترمة في الإسلام ، وكذلك تربة الحسين عليهالسلام
كما سيأتي البحث فيها .
ومن مظاهر التقديس في الأرض ، جعل فيها
البيت الحرام ـ الكعبة
ـ وما في ذلك الجعل من مظاهر العبادة والتطهير ، والى هذا أشارت الآية
الشريفة : ( جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ
قِيَامًا لِّلنَّاسِ ) [ المائدة /
٩٧ ] . ومعنى القيام في الآية ـ كما هو المستفاد من كلمات المفسرين ـ أنّ الله جعلها لَتقوِّم الناس من خلال التوجه إليها في متعبداتهم ومعاشهم ؛ أما متعبداتهم فالصلاة والطواف حولها ، والتوجه إليها في ذبائحهم وإحتضار موتاهم وغسلهم ودفنهم . وأما معاشهم ؛ فأمنهم عندها من المخاوف وأذى الظالمين ، وتحصيل الرزق والاجتماع بجملة الخلق الذي هو أحد أسباب إنتظام معاشهم إلى غير ذلك من المنافع والفوائد . ومن مظاهر التقديس والتطهير ، ما أشار إليه الحديث النبوي : ( تمسحوا بالأرض فإنها أمكم وهي بَرَّة بكم ) .
توضيح
حديث ( تمسحوا بالأرض ) :
وللعلماء في تفسيره وجوه كالتالي :
السيد عبدالله شُبَّر :
وَجّهه بوجوه أهما مايلي :
١ ـ أن المراد بالتمسح التيمم بها عند
الضرورة .
٢ ـ أن يكون ذلك كناية عن الجلوس عليها ، وإستشهد له بما رواه الراوندي
: ( أنه أقبل رجلان إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فقال أحدهما
لصاحبه : اجلس على اسم الله تبارك وتعالى والبركة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اجلس على إستك ، فأقبل يضرب الأرض بعصا ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تضربها فإنها
أمكم وهي بكم بَرَّةّ ) .
٣ ـ أن يكون المراد بذلك مباشرة ترابها
بالجباه في السجود من غير حائل ، ويكون الأمر للإستحباب . وقوله عليهالسلام : « ( فإنّها بكم بَرَّةّ
... ) أي مشفقة
__________________________
عليكم كالوالدة البرّة بأولادها يعني منها
خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم» .
الشريف الرضي :
« والمراد بقوله : ( فإنّها بكم برّة ..
) يرجع إلى أنّها كالأم للبرية ؛ لأنّ خلقهم ومعاشهم عليها ورجوعهم إليها . فلما كانت الأرض تسمى أُمّاً لنا من الوجوه التي ذكرناها ؛ كان قوله عليه الصلاة والسلام : ( فإنّها لكم برّة )
يرجع إلى وصفها بالأمومة ؛ لأنّهم يقولون : الأرض ولود ، يريدون كثرة إنشاء الخلق وإستيلادهم عليها .
ولقوله عليه الصلاة والسلام ( تمسحوا بالأرض )
وجهان :
أحدهما : أن يكون المراد
التيمم منها في حالة الطهارة وحالة الجنابة .
ثانيهما : أن يكون المراد
مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعَفّر الوجوه فيها ، ويكون هذا القول أمر تأديب ، لا أمر وجوب ؛ لأنّ من سجد على جلدة الأرض ومن سجد على حائل بينها وبين الوجه واحد في أجزاء الصلاة ، إلا أنّ مباشرتها بالسجود أفضل ، وقد روي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على الخمرة ، وهي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل ، فبان أنّ المراد بذلك فعل الأفضل لا فعل الأوجب » .
أقول : الوجوه التي ذكرت يمكن تلخيصها
بما ورد عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام
: أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( إنّ الأرض بكم بَرَّة
، تتيممون منها وتصلون
__________________________
عليها في الحياة ، وهي لكم كفات في الممات ، وذلك
من نعمة الله له الحمد ، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ) .
ـ تكريم إلهي :
كرّم الله تعالى الإنسان بأفضل أنواع
النعم ، التي من أهمها ما شُرِّع له من الأحكام عند موته من تغسيل وتكفين وتحنيط وصلاة ومواراة . وهذه المراسيم لم تكن لغيره من الخلق ، ويتجلى لنا هذا التكريم فيما يأتي :
١ ـ إنّ جثة ميت الإنسان لا تبقى على
وجه الأرض ، كما تبقى جثة ميت الحيوان مثلاً ، بذلك المنظر الذي يوحي إلى عدم تكريم تلك الجثة ، علاوة على بشاعة المنظر .
٢ ـ لو بقيت جثة الإنسان بدون مواراة ؛
لتفسخت وظهرت الروائح الكريهة ، وانتشرت الأوبئة الضارة التي تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية التي على وجه الأرض ، ولكن التكريم الإلهي للإنسان ، حَثّ على المسارعة بالقيام بهذه المراسيم ، حِفاظاً على كرامته ميتاً ، وحفاظاً على الأحياء من تفشي الأوبئة المضرِّة بهم .
٣ ـ إنّ عملية التغسيل فيها من الأسرار
الطبية ؛ إذ ثبت علمياً ما نَصّه : « أما الجسد الميت فهو سريع التحلل والتفسخ ، خصوصاً في أيام الصيف ، ويصبح عرضةً لهجوم المكروبات بعد ساعات من الموت ، ومَسّ هذا الجسد من قبل الأحياء قد يؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض لاسِيما إذا كانت الوفاة حدثت نتيجة الإصابة بإحدى الأمراض المعدية »
.
__________________________
ولذا حَثّ الإسلام على المسارعة بتغسيل
الميت ، والقيام بهذه الأغسال الثلاثة ، بماء السدر ، والكافور ، والقراح ، فمادة الكافور وأوراق السدر مع الماء مطهرة ومعقمة لبدن الميت من هذه الجراثيم والميكروبات المضرة ، وهذا ما نستفيده من أجوبة بعض الفقهاء .
س / ما الحكمة والمصلحة في وجوب غسل مس الميت إذا
وضع شخص يده على بدن ميت قبل تغسيله ؟
ج / حكم ومصالح أوامر الله كثيرة ، ومن
الممكن أن تكون إحدى حكم غسل مس الميت أن في بدن الميت سموماً تسري إلى الأحياء بالمسّ وترتفع بالغسل .
س / لأي سبب يُغسَّل الميت بالسدر والكافور ، وما
هي عِلّتُه وحِكْمَتهُ ؟
ج / لأمر الرسول ( صل الله عليه
وآله ) المطابق للأخبار الصادرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) ، وحكمة ذلك المضارة لعفونة الميت والسموم التي تخرج من بدنه حال الموت .
ويقول الدكتور حَسّان شمسي باشا :
« ويعرف الكافور بأنه يمنع العِثّ ، وبعض الحشرات الأخرى ، كَدِيدَان الخشب ، وقد صُنِعَتْ خزائن من خشب الكافور ظلت أثراً على مر العصور »
؛ ولذا إقتضت حكمت التشريع الإلهي المحافظة على هذا الإنسان من بداية دخوله هذه الحياة ؛ إذ من المستحبات غسل الوليد . وقد ثبت علمياً ما نَصّه : وقد ثبت اليوم علمياً ، أنّ الدم سريع التفسخ
__________________________
والتلوث ، فبقائه على جسم الإنسان يجهله
عِرْضَة للإصابة بالأمراض ، إضافة إلى رائحة غير مقبولة ؛ لهذا إشترط الإسلام الغسل على الحائض والنفساء ـ
المرأة التي ولدت حديثاً ـ والطفل المولود »
.
وبعد بيان ما تقدم ، تبين لنا مدى
التكريم الإلهي للإنسان ، ومدى المحافظة عليه في بدايته ونهايته ، وإلى هذا يشير الشاعر بقوله :
نغسله عند الولادة مثلما
|
|
نغسله عند الوفاة جوارحاً
|
ليستقبل الداربن بالطهر والتقى
|
|
فيصبح في كلٍ على الكلِ راجحاً
|
وما بين ذي الطُهْرِ من دَنَسِ الخطا
|
|
يُطهره الباري ويحسب صالحاً
|
ـ الأرض بداية ونهاية :
تَنصّ الآيات القرآنية ، على أنّ الأرض
بداية الإنسان ونهايته على الإجمال والتفصيل كما في الآيات الآتية وهي :
قوله تعالى : ( مِنْهَا
خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ )
[ طه / ٥٥ ]
.
وقوله تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتًا )
[ المرسلات / ٢٥ ـ ٢٦ ]
.
الكِفْتُ :
الجمع والضم والوعاء . وعلى هذه المعاني ، أنّ الأرض تجمع الأحياء على ظهرها ، وهي وعاء يضم الأموات في باطنها . وقد تقدم السِّر في كوننا على ظهرها ، ويبدوا لنا السر في كوننا في باطنها فيما يأتي :
__________________________
يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( طاب ثراه ) :
« أوجبت الشرائع السماوية
ـ وبالأخص شريعة
الإسلام ـ دفن الأموات فيها ، ولا يجوز دفن الميت في غيرها ، وأن يوضع خده على الأرض ، ولا يجوز حتى إلقائه في البحر مع التمكن من دفنه بالأرض ، بل ولا إحراقه بالنار ، مع أن المتبادر بادئ النظر ، أنه أبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرة بالأحياء كما يصنعه البراهمة الذين يحرقون أمواتهم ، ولكن أليس من الجائز القريب أن يكون جثمان الإنسان يحمل ، أو تُحمل فيه عن مفارقته الحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لو أحست بحرارة تطايرت في الفضاء قبل أن تحترق ، فتأخذ مفعولها في نشر الأمراض وتلويت الهواء ، وكذا لو ألقيت في البحر أو الأنهار تنمو وتشتد بخلاف ما لو دفنت في التراب ، ولعل فيها مواد من خَاصِّيتها تلف تلك الجراثيم مختلفة الأنواع ، التي لو انتشرت لأهلكت كل حيّ حتى النبات »
.
وقد أيَّد العلم الحديث هذه النظرية ؛ إذ ذكرت إحدى
الكتب العلمية ما يأتي :
« وللبرهنة على أن التراب قاتل
الميكروبات لك مثال واحد : إننا نعلم عند موت الإنسان تتفسخ جثته ، ولا بد أن تتحول إلى جراثيم فَتّاكة للغاية ، فكيف إذا لم يكن العالم بأسره مُلَوّثاً بهذه الجراثيم ، فكيف إذن تموت ؟ فلا توجد إلا طريقة واحدة ، هي قتل التراب للميكروبات . وبَرهن العالم وكسمان ، والدكتور إلبرت : أن التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة
__________________________
الأمراض السارية بها . وفعلاً إستخرج دواء
من التراب باسم ( استربتوماسين ) ، الذي يعالج به السل والتايفوئيد والجراحات المزمنة والإسهال القوي وذات الرئة والتهاب الحلق » .
وبعد بيان ما تقدم من الأبحاث ، إتضح
لنا أن هذه الأرض المباركة ذات الآيات الباهرة ، التي هي من أعظم آيات الله التي نَمرُّ عليها ليلاً ونهاراً ونحن
عنها معرضون ، كما أشارت الآية الكريمة : ( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) [ يوسف / ١٠٥ ]
.
ويكفيها عظمةً وقداسة أنها بمثابة الأم
الحنون لما عليها من الكائنات الحية التي خلقت منها ، وإنها محل الإبتلاء والإختبار للعباد . نعم شُرِّعت العبادة عليها ، ومن أعظم العبادات الصلاة ، ومن أعظم أركان الصلاة قرباً لله السجود عليها ، إذن عظمت الأرض تستدعي السجود عليها .
__________________________

الفصل الأول ـ السجود في اللغة :
س / ما هو السجود لغةً ؟
ج / تناولت كتب اللغة لفظة السجود بما
يأتي :
في المصباح المنير ، ج ١ / ٣٦٦ للفيومي
: « سَجَد ( سجوداً ) تَطَامن . وكل شئ ذَلّ فقد سجد . وسجد البعير ؛ خفض رأسه عند ركوبه » .
وفي منجد اللغة / ٣٢١ ، « سجد ـ سجوداً
: إنحنى خاضعاً ـ وضع جبهته على الأرض متعبداً ، فهو ساجد (ج) سُجَّد وسجود ... يقال هو ساجد النخر ؛ أي ذليل خاضع ، ونخلة ساجدة أي مائلة » .
وفي مجمع البحرين ج ٣ / ٦٣ . للشيخ فخر
الدين الطريحي : « وهو في اللغة : الميل ، والخضوع ، والتطامن ، والإذلال » . والذي يبدو ، أن هذه المعاني متقاربة ، وهي خلاصة ما ذكره اللغويون حول هذه اللفظة ؛ ولذا نلاحظ أن الطريحي أجاد في تعريف « اللفظة » بما ذكره من المعاني الأربعة ، بهذه الصياغة المختصرة .
الفصل الثاني ـ السجود في الإصطلاح :
س / ما هو السجود إصطلاحاً ؟
ج / وردت عدة تعاريف للفظة ( السجود ) في
الإصطلاح ، لكن الأفضل منها ما يأتي :
١ ـ « وَضْعُ الجبهة على الأرض خضوعاً لله
تعالى » .
٢ ـ « وخُصّ السجود في الشريعة بالركن
المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشكر » .
__________________________
الفصل الثالث ـ السجود في القرآن :
١ ـ
معني السجود :
س / ما هو السجود في القرآن ؟
ج / يُفْهَم من الآيات القرآنية ، أن
للسجود عدة معانٍ أهمها التالي :
الخشوع
والخضوع :
الخشوع : هو الخضوع أي
التطامن والتواضع . وهو أمر عبادي يترتب على فِعْلِه الثواب ، وهو يشمل سجود الجن والإنس والملائكة فقط ، كما في الآيات الآتية : قوله تعالى : ( فَاسْجُدُوا
لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ) [ النجم / ٦٢
] . وقوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ
وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) [ البقرة / ٣٤
] .
ذكر المحقق السيد الخوئي في تفسير الآية :
« إن السجود حيث كان بأمر الله ؛ وهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له »
. وقال تعالى : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا )
[ يوسف / ١٠٠ ]
.
وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في تفسير الآية :
« قال القوم : إن الهاء في قوله ( له ) راجعة إلى الله فكأنه قال : فَخَرُّوا لله سُجَداً شكراً على ما
أنعم به عليهم من الإجتماع » . ويُعَضِّده ما روي
عن الصادق عليهالسلام
ـ أنه قرأ : ( وخروا لله ساجدين ) . وقوله تعالى : ( وَادْخُلُوا
الْبَابَ سُجَّدًا )
[ البقرة / ٥٨ ]
.
__________________________
وقال المحقق السيد السبزواري في تفسير الآية :
« والسجود هنا بمعنى الخضوع والخشوع المناسب لمن يدخل الأرض المقدسة ، وهو تأديب إلهي في كيفية دخول بيت المقدس » .
الإنقياد :
وهو الخضوع ، ويُعَبَّر عنه بالسجود التسخيري ، وهو عام يشمل السجود العبادي المتقدم ، وسجود باقي المخلوقات كالحيوان والجماد ، وإليه أشارت الآيات التالية :
قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ
النَّاسِ )
[ الحج / ١٨ ]
.
س / كيف يُتَصَوّر سجود هذه المذكورات ؟ ولِمَ قال
: ( وَكَثِيرٌ مِّنَ
النَّاسِ ) مع أن قوله : ( مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) مغنٍ عنه ؟
ج / « سُميت مطاوعتها له تعالى فيما يحدث
فيها من أفعاله ، ويجري عليها من تدبيراته إيّاها ، وتسخيره لها ، سجوداً له تشبيهاً لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والإنقياد ، وهو السجود الذي كل خضوع دونه .
أما قوله : ( وَكَثِيرٌ مِّنَ
النَّاسِ )
؛ فمعناه : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ، وهم المؤمنون به والموحدون له ، ولا يصح أن يراد من السجود في صدر الآية ، السجود بهذا المعنى من الطاعة والعبادة ؛ لأن ذلك يصح في حق الملائكة والإنس والجن فقط ، وهذا لا يصح أن يراد في حق
__________________________
الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر
والدواب » . وقوله تعالى : ( وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ
وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) [ النحل / ٤٩
] .
س / ـ ما ـ لما لا يعقل ، وما معنى سجود ما لا يعقل
، وكيف يصدر السجود من الموجودات التي لا تعقل ، وهي جمادات وحيوانات صامته ؟
ج / « هذا من باب الإستعارة والمراد كونها
غير ممتنعة عليه وتحت تصرفه ، ولما كان سجود من يعقل هو الخضوع والخشوع له تعالى الذي هو ضرب من الانقياد وسجود ما لا يعقل كما عرفت ، ناسب أن يعبر عنها بالسجود وبعلاقة عدم الامتناع عليه » .
٢ ـ
هيئة السجود وكيفيته :
س / على أي كيفيّة جاءت السجدة العبادية في القرآن ؟
ج / أشارت الآيات القرآنية إلى التالي :
قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ
بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا ) [ السجدة / ١٥ ] .
وقوله تعالى : ( إِذَا
تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا
وَبُكِيًّا ) [ مريم / ٥٨
] .
وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ
سُجَّدًا ) [ الإسراء / ١٠٧ ] .
وقوله تعالى : ( تَرَاهُمْ رُكَّعًا
سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم
مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) [ الفتح / ٢٩
] .
__________________________
التوضيح
:
الخرور : السقوط على الأرض
.
الذقن : هو مجمع اللحيين
من الوجه .
السِّيمَا : العلامة .
وبعد بيان هذه المعاني ، يتضح لنا أن « الخرور
للأذقان : السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما بينه قوله : « سجدا » ، وإنما اعتبرت الأذقان ؛ لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة ، وربما قيل : المراد بالأذقان الوجوه إطلاقاً للجزء على الكل مجازاً »
.
« والمراد بـ ( سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ )
أثر التراب في جباههم ؛ لأنهم كانوا إنما يسجدون على التراب لاعلى الأثواب »
. وخلاصة القول : أن كيفية السجود في القرآن هي وضع الجبهة على الأرض خضوعاً وخشوعاً لله .
٣ ـ
أهمية السجود :
س / ما أهمية السجود في القرآن ؟
ج / تتضح لنا أهمية السجود في القرآن بعد
معرفة العناوين التالية :
١ ـ القرب من الله : قال تعالى : ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩
] . أي اسجد يا محمد للتقرب منه ، فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له .
٢ ـ الإعتناء بالساجدين : ويشير إليه قوله
تعالى : ( وَعَهِدْنَا
إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) [ البقرة / ١٢٥ ] . « العهد حفظ
__________________________
الشيء ومراعاته حالاً بعد حال والإهتمام
به » . ويأتي بمعنى
التثبيت المشدد مع عناية خاصة ، وهي ظهور إحترام المعهود إليه بالوفاء بما عهد إليه ، وظهور نوع الموضوع مما يعتني به كثيراً ، وفي إضافة البيت إلى نفسه المقدسة ثم التفضيل بقبول العبادة الواقعة فيه إيماء إلى كثرة عنايته تعالى بالبيت وبالعبادة الواقعة فيه والتي منها السجود
وتتضح لنا العناية أكثر بتكرار الخطاب إلى إبراهيم عليهالسلام في قوله : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا
لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) [ الحج / ٢٦
] .
٣ ـ توبيخ الممتنعين عن السجود : قال تعالى : ( قَالَ مَا مَنَعَكَ
أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ
مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) [ الأعراف /
١٢ ـ ١٣ ] . « والمعنى ـ قال الله تعالى : فتنزل عن منزلتك حيث لم تسجد لما أمرتك ، فإن هذه المنزلة منزلة التذلل والانقياد لي ، فما يحق لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين أهل الهوان ، وإنما أخذ بالصغار ليقابل به التكبر » .
الفصل الرابع : السجود في السنة :
ويضم الأبحاث التالية :
أولاً
ـ تعريف السجود :
س / ما هو السجود في السنة ؟
ج / هو كما نصبت عليه كتب الحديث
الإسلامية ، ونذكر منها الآتي :
__________________________
روت الإمامية ، كما عن زرارة ، قال أبو
جعفر عليهالسلام
: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( السجود على سبعة
أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاماً ، أما الفرض ؛ فهذه سبعة ، وأما الإرغام بالأنف ؛ فسنة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم )
.
وروت السنة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( إذا سجد العبد سجد
معه سبعة أطراف ، وجهه ، وكفاه وركبتاه ، وقدماه )
.
ثانياً
ـ مكان السجود :
س / ما هي الأشياء التي يصح السجود عليها ؟
ج / يمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام :
الأول ـ السجود على الأرض مباشرة :
إن من المتسالم عليه لدى المسلمين ،
السجود على الأرض حسب التفصيل الآتي :
مرويات الإمامية :
إستدلت الإمامية على ذلك بعدة روايات نذكر منها
التالي :
١ ـ قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( أُعطيت خمساً لم
يعطها أحد قبلي ؛ جُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً )
.
٢ ـ وفي لفظ آخر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( إن الله جعل لي
الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت منها ، أتيمم من تربتها وأصلي عليها )
.
__________________________
يقول الشيخ المجلسي ( قده ) : « قد عرفت أنه يستفاد
من تلك الأخبار المتواترة معنى جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما أخرجه الدليل »
.
ويقول صاحب المدارك ( قده ) : « أجمع الأصحاب على
أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نبات »
. هذا خلاصة رأي الإمامية ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه مراجعة كتبهم ورسائلهم الفقهية .
مرويات السنة :
وإستدلت السنة بالسجود على الأرض بعدة روايات ، أهمها
التالي :
١ ـ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( ... وجعلت لي الأرض
مسجداً وطهورا ، فأيما رجلُ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ )
.
٢ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( ... وجعلت لي الأرض
طيبة وطهوراً ومسجداً ، فأيما رجلُ أدركته الصلاة صلى حيث كان )
.
قال النووي :
« وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما إستثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة ، وكذا ما نُهي عنه لمعنى آخر ، فمن ذلك أعطان الإبل ، ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما » . وهناك أقوالٌ أخرى
، من أرادها ؛ فعليه بمراجعتها .
فالنتيجة التي يمكن التوصل إليها هي :
أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
وصحابته والتابعين سجدوا على الأرض بلا خلاف في ذلك .
__________________________
الثاني ـ السجود على غير الأرض لغير عذر :
تقدم أنّ السجود لابد أنْ يكون على
الأرض ؛ والمراد من الأرض التراب والحصى ، وأما المعادن والفلزّات العالقة في الأرض ؛ فخارجة ، وسيتضح هذا بعد ذلك . هذا هو التشريع الأساسي ، ولكن إستفاد المسلمون من عمل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنه رَخّصَ في السجود على غير الأرض ، تارة لعذر ، وأخرى لغير عذر . أما الذي لغير عذر ؛ فسيكون البحث فيه كالتالي :
مرويات الإمامية :
ذهبت الإمامية : إلى أنّ السجود على
الأرض أفضل من السجود على النبات والقرطاس وغيرهما مما جاز السجود عليه ، كما هو مُفَصّل في كتبهم الفقهية ، إعتماداً على روايات أهل البيت عليهمالسلام
، ونذكر منها التالي :
١ ـ عن هشام بن الحكم : أنه قال لأبي عبد الله
عليهالسلام : ( أخبرني عما يجوز السجود عليه وعَمّا لا يجوز ؟ قال عليهالسلام لا يجوز إلا على
الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس . فقال له : جُعلْتُ فداك ما العِلّة في ذلك ؟ قال عليهالسلام : لأنّ السجود خضوع
لله عَزّ وجَلّ فلا ينبغي أنْ يكون على ما يُؤْكَل ويُلْبَس ؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عَزّ وجَلّ ، فلا ينبغي أنْ يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين إغتروا بغرورها ) .
٢ ـ عن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبد
الله عليهالسلام
عن السجود على الحُصُر والبَوارِي ؟ فقال : ( لا بأس ، وأنْ يسجد على الأرض أَحَبُّ إليَّ ، فإنّ
__________________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحب ذلك أنْ
يُمكِّن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحبه ) .
٣ ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ( لا بأس بالصلاة على البُورِيَا ، والخَصَفَة وكل نبات إلا الثمرة ) .
وبعد هذه الروايات نقول : إن الإمامية
تُصرِّح بلزوم السجود على الأرض من ناحية أساسية ، وتجوِّز السجود على نبات الأرض وما يصنع منه ، كالحصر والبواري ونحوها ، إلا المأكول والملبوس كالقطن والكتان ونحوهما ، كل ذلك إعتماداً على ما ورد عن أهل البيت عليهمالسلام
.
مرويات السنة :
قد روت السنة والجماعة أحاديث كثيرة
مذكورة في صحاحها ومسانيدها ، مفادها أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
رخّص في السجود على نبات الأرض وما يُصنع منه ، كالخمرة والحصير وغيرهما نذكر منها التالي :
١ ـ عن أنس بن مالك قال : ( كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يُقِيل عند أم سليم ؛ فتبسط له نَطْعَاً فتأخذ من عَرَقِه فتجعله في طيبها وتبسط له الخُمْرَة ؛ فيصلي عليها ) .
٢ ـ عن أنس بن مالك قال : ( كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحسن الناس خُلقاً ، فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فُيكْنَسْ ثم
__________________________
يُنْضَح ثم يقوم ؛ فنقوم خلفه فيصلي بنا . قال :
وكان بساطهم من جريد النخل ) .
٣ ـ عن أنس بن مالك قال : ( إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل بيتاً فيه فحل ، فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه ) .
٤ ـ عن جابر قال : ( حدثني أبو سعيد قال
: دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يُصَلِّي على حصير ) . قال الشوكاني : «
وقد ذهب إلى إستحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل العلم كما قال الترمذي ، قال : إلا أنّ قوماً من أهل العلم إختاروا الصلاة على الأرض إستحباباً » .
وقال أيضاً : وعن جابر بن زيد : ( أنه كان يكره
الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض )
. وقال : « وقد روي عن زيد بن
ثابت ، وأبي ذر ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، ومكحول ، وغيرهم من التابعين : إستحباب الصلاة على الحصير ، وصرح ابن المسيب بأنها سنة »
.
__________________________
الثالث ـ السجود على غير الأرض لعذر :
مرويات الإمامية :
منعت الإمامية من السجود على غير الأرض
وما يلحقها من النبات غير المأكول والملبوس . وأجازته في حال الضرورة والعذر ، إعتماداً على مرويات أهل البيت عليهمالسلام
، نذكر منها التالي :
١ ـ عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ( قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرّمْضَاء على وجهي ، كيف أصنع ؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس عليَّ ثوب يمكنني أنْ أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : أسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد ) .
٢ ـ عن القاسم بن الفضيل قال : ( قلت للرضا عليهالسلام : جُعِلْتُ فداك الرجل يسجد على كُمّه من أذى الحر والبرد ؟ قال : لا بأس به ) .
٣ ـ عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليهالسلام قال : ( سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كَتّاناً ؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل ) .
مرويات السنة :
إختلف علماء السنة في السجود على غير
الأرض ، خصوصاً في السجود على الطَنَافِسْ والفِرَاء وغيرها من المَفارِش على ثلاثة أقوال :
__________________________
الأول ـ القول بعدم جواز السجود عليها
إلا لعذر وهو الأكثر .
إعتماداً على روايات كثيرة نقتصر منها
على الآتي :
عن أنس بن مالك قال : ( كنا نصلي مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكِّن جبهته من الأرض ؛ بَسَط ثوبه فسجد عليه )
.
قال الشوكاني : « والحديث يدل على جواز
السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض ، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ؛ لتعليق ( بَسَط ثوبه )
لعدم الإستطاعة . وقد إستدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي . قال النووي : وبه قال أبو حنيفة والجمهور »
فعليك بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم العلمية .
الثاني ـ القول بالكراهة :
« وقد كره ذلك جماعة من التابعين ...
فروى ابن أبي شَيْبَة في المصنف : عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصلاة على الطنفسة ؛ وهي البساط الذي تحته حَمْل مُحْدَثَة . وجابر بن زيد ، كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض . وإلى الكراهة ذهب الهادي ، ومالك »
.
الثالث ـ القول بالجواز :
وممن نسب إليه القول بجواز السجود ـ على
الثياب والفرش والطَنَافِس المصنوعة من الجلود والقطن والصوف ونحوها وبدون عذر ـ أبو هريرة ، وأنس ،
__________________________
ومكحول ، وعامة الفقهاء فيما بعد القرن
الرابع ، إعتماداً على بعض مروياتهم نذكر منها الآتي :
١ ـ عن أبي هريرة : ( كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يسجد على كور عمامته ) .
٢ ـ عن ابن عباس : ( أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم صلى على بساط ) .
٣ ـ يونس بن الحرث ، عن أبي عون ( محمد بن
عبدالله الثقفي ) ، عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة ( أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلي على الحصير والفروة المذبوغة ) . نكتفي بذكر هذا القسم من مروياتهم ونوضح بطلان وضعف هذا القوب بما يأتي :
أولاً
ـ مناقشة صحة نسبة الآراء إلى أصحابها وهي كالتالي :
أ ـ إستفادة رأي أبي
هريرة من مروياته غير ثابتة ؛ حيث أنكر البيهقي حديث السجود على كور العمامة ، حيث قال : « قال الشيخ : وأما ما روي في ذلك عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من السجود على كور
العمامة ، فلا يثبت شئ من ذلك » .
وذكر الزرقاني : « وذهب الشيعة إلى عدم
الجواز . ووافقهم الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه ؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنه سجد على كور عمامته ، وكان ينهى عن ذلك . نعم روى عبدالله بن محرر عن أبي هريرة : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
سجد على كور عمامته . وهذا غير صحيح ؛ لأن عبدالله متروك الحديث كما قال ابن حجر ، وأبو حاتم ، والدار قطني ، وقال البخاري : انه
__________________________
منكر الحديث ، وهو أحد قضاة الدولة ، ولم
يذكر علماء الرجال سماعه عن أبي هريرة . وقال الحافظ ابن حجر : لم يذكر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه سجد على كور عمامته ، ولم يثبت ذلك في حديث صحيح ولا حسن » .
ب ـ وأما ما نسب إلى
أنس في مروياته ؛ فقد حمل على الإضطرار ، ويدل على ذلك رواية عبدالله عن أنس بن مالك قال : ( كنا نصلي مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ) .
وأما روايته ( أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلى على البسط )
: فقال الشوكاني : « حديث انس الذي ذكر بلفظ « البسط » ، أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير ... وقد روى ابن أبي شيبة في سننه : ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ ( فيصلي أحياناً على
بساط لنا ) ، وهو حصير ننضحه
بالماء . قال العراقي : فتبين أن مراد أنس بالبساط : الحصير ، ولاشك انه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش » . وقد تقدم ما يدل
على ذلك أيضاً فراجع .
ج ـ وأما ما نسب إلى
مكحول ؛ فمحمول على الاضطرار كما هو صريح ما رواه ابن راشد قال : ( رأيت مكحولاً يسجد على عمامته ، فقلت : لم تسجد عليها ؟ فقال : أتقي البرد على إنساني ) .
__________________________
د ـ وأما ما نسب إلى
عامة الفقهاء ؛ فيحتاج إلى تأمل ، حيث أن الإعتماد على مثل هذه المرويات التي قسم منها يدل على الاضطرار ، والبعض منها ضعيف ، بالإضافة إلى مخالفة رأي الكثير من فقهاء الإسلام ، كل ذلك على فرض صحة النسبة ؛ فهو من الآراء الشاذة التي لا يعتمد عليها .
ثانياً
ـ يمكن تلخيص آراء الصحابة والتابعين والفقهاء كالتالي :
١ ـ ذهب أبو بكر ، ومسروق بن الأجدع ،
وعبادة بن الصامت ، وإبراهيم النخعي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض فقط .
٢ ـ وذهب عبدالله بن عمر ، ومالك ، وأبو
حنيفة ، وابن حجر ، والشوكاني ، وأحمد ، والاوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأصحاب الرأي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً ، وجواز السجود على الثياب للحر والبرد .
الفصل الخامس ـ أنواع السجود :
ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية : أربعة
أنواع للسجود كالتالي :
أولاً
ـ السجود في الصلاة :
والواجب منها في كل ركعة سجدتان ، وهما
معاً ركن تبطل الصلاة بتركه ، أو زيادته عمداً أو سهواً ، حسب التفصيل المذكور في الرسائل العملية .
ثانياً
ـ سجود السهو :
وهو سجدتان يؤتى بهما بعد الصلاة مباشرة
لأسباب مذكورة في بحث الصلاة اليومية .
ثالثاً
ـ سجود التلاوة :
وهو : سجدة يؤتى بها بعد قراءة أو سماع
إحدى آيات السجدة حسب التفصيل الآتي :
١ ـ الواجب : وهو ما يكون في
آيات سور العزائم ، كما في الجدول التالي :
|
السورة
|
الآية
|
|
العلق
|
١٩
|
النجم
|
٦٢
|
السجدة
|
١٥
|
فصلت
|
٣٧
|
٢ ـ المستحب : وهو ما يكون في
إحدى عشر آية كالتالي :
السورة
|
الآية
|
السورة
|
الآية
|
الأعراف
|
٢٠٦
|
الحج
|
١٨ ، ٧٧
|
الرعد
|
١٥
|
الفرقان
|
٦٠
|
النحل
|
٤٩
|
النمل
|
٢٥
|
الإسراء
|
١٠٧
|
ص
|
٢٤
|
النشقاق
|
٢١
|
مريم
|
٥٨
|
رابعاً
ـ سجود الشكر :
وهو سجدة والأفضل سجدتان ، يستحب
الإتيان بهما شكراً لله تعالى عند تجدد كل نعمة ، ودفع كل نقمة ، وعند تذكر ذلك والتوفيق لأداء كل فريضة أو نافلة ، بل فعل كل خير .
الفصل السادس ـ أسرار السجود
س / ما هي أسرار السجود على الأرض ؟
ج / أسرار السجود على الأرض كثيرة ، ويمكن
تلخيصها في التالي :
السجود هو أعظم مراتب الخضوع ، وأحسن
درجات الخشوع ، وأعلى مراتب الإستكانة ، وأحق المراتب بإستيجاب القرب إلى الله تعالى ، كما نبه عليه الكتاب الكريم في أمر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِب )
[ العلق / ١٩ ]
. ووعده على ذلك بأنه يقرب . ثم اهوِ إلى السجود ومكّن أعزّ أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب ، فإن أمكنك أن لا تجعل بينها حائلاً فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدلّ على الذلّ والخضوع ، وهذا السر في منع الشريعة من السجود على ما يأكله الآدميون ويلبسونه ؛ لأنه متاع الدنيا وأهلها الذين اغتروا بغرورها ، وركنوا إلى زخرفها ، واطمئنوا إليها ، فأسلمتهم إلى المهالك أحوج ما كانوا إليها ، وإذا وضعت نفسك موضع الذل ؛ فاعلم انك وضعتها ورددت الفرع إلى أصله ؛ فإنك من التراب خلقت وإليه رددت ، ثم تخرج منها مرة أخرى ؛ فاحضر في بالك نقلاتك منها وإليها ثم خروجك منها بتكرار السجود ، كما ذكر تعالى : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ
وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ )
[ طه / ٥٥ ]
. وروى الصدوق عن أمير المؤمنين عليهالسلام
: ( أنه سأل ما معنى السجدة الأولى ؟ قال : تأويلها « اللهم انك منها خلقتنا » يعني من الأرض . وتأويل رَفْع رأسك منها « ومنها أخرجتنا » والسجدة الثانية « واليها تعيدنا » ، ورفع رأسك منها « ومنها تخرجنا تارة أخرى » )
.
__________________________


الدليل الأول ـ الإحتياط طريق النجاة :
س / ما هو الإحتياط الذي تزعمه الشيعة الإمامية ؟
ج / هو الإحتراز والتحفظ من وقوع النفس في
المأثم . وبيان ذلك :
إنّ الغاية من إتخاذ تربة الحسين عليهالسلام مسجداً في كل صلاة ،
تعتمد على أصلين كالتالي :
الأول
ـ إتخاذ تربة طاهرة للسجود :
إنّ المتفق عليه بين المسلمين تفضيل
السجود على الأرض دون غيرها ، كما إشترطوا في مكان السجود الطهارة ، ونهوا عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل . كما ورد الأمر بتطهير المسجاد ، كل ذلك إهتماماً بأمر الصلاة .
ولذا ينبغي للمسلم أنْ يحتاط ويهتم بشأن
الصلاة ، ويتخذ له تربة طاهرة يطمئن بها للسجود عليها في صلاته ، حذراً من السجود على النجاسة والقذارة التي لا يُتقرب بها إلى الله ، والمسلم لا يحصل له كل ذلك في حِلِّهِ وترحاله ؛ إذ
الثقة بطهارة كل أرض لا تحصل له ، حيث يحل فيها المسلم وغيره من فئات الناس الذين لا يكترثون لأمر الطهارة والنجاسة في الدين ، فالشيعة يصطحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على آدابها ، وبهذا الإحتياط عمل رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الأولى ؛ فمن الذين ساروا على هذا النهج ، التابعي الفقيه
مسروق بن الأجدع ، كما أخرجه
الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة بالطريقين التاليين :
١ ـ عن ابن سيرين قال : « نُبئْتُ أنّ
مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها » .
٢ ـ يزيد بن هارون قال : « أخبرنا ابن عون
، عن محمد : أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لُبْنَةً يسجد عليها » .
الثاني
ـ قاعدة الإعتبار والتفاضل :
قاعدة الإعتبار المُطّرَدْ تقتضي التفاضل
بين الأشياء ، وتستدعي إختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه مُطّرَد بين الأمم طُراً ، بل نَصّ القرآن الكريم على ذلك في كثير من الآيات ، منها قوله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ )
[ البقرة / ٢٥٣ ]
. وقوله تعالى : ( الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ
بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )
[ النساء / ٣٤ ]
.
إذن ، هذا الإعتبار وقانون الإضافة لا
يختص بالشرع فحسب ، ولا يختص بمفاضلة الأراضي ، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة ، من الأنبياء والرسل وما شابه ذلك ، بل في كل ما يتصور فيه فضل على غيره . بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود وبه قوام كل شئ ، واليه
__________________________
تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد
الصلات والمحبات والعلائق والروابط ، فبهذا الإعتبار المطرد العام المتسالم عليه لدا العقلاء والشرع الأقدس ، إتخاذ مكة
المكرمة حرماً آمناً وتوجيه الخلق إليه ، وحجهم إياه من كل فج عميق ، وإيجاب تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى بنيته ، إن هي إلا آثار الإضافة وإختيار الله إياها من بين الأراضي .
وكذلك المدينة المنورة حرماً إلهياً
محترماً ، وجعل المحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حَلّ فيها ، إنما هي لإعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم
صاحب الرسالة الخاتمة .
وبهذا الإعتبار وقانون الإضافة ، جعل
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يبكي على ولده الحسين عليهالسلام
ويقيم تلك المآتم قبل شهادته ، ويأخذ تربة كربلاء ويشمها
، ويقبلها
، ويقلبها
، كما ورد في الأخبار . وهو الذي جعل الشيعة الإمامية تهتم بتربة الحسين عليهالسلام
، تلك التربة الطاهرة التي شرّفها الله وقدّسها ؛ لما تحويه من أجساد طاهرة من أبناء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
، سُفكت دماؤها لأجل الدين وفي سبيل إحيائه . تلك التربة التي اعتنى بها الكُتاب وتفننوا في وصفها وقداستها .
وعَبّر عنها الأديب الكبير عباس العقاد بقوله :
« ولكنها لو أُعطيت حقها من التنويه والتخليد ؛ لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض
__________________________
يقترن اسمها بجملة من الفضائل ، أسمى
وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء ، بعد مصرع الحسين فيها .
فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها
الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم ... فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء . وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير ، وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم ... وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس ، أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ، ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة ؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الدنيا ... أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها ، أنهم رأوه بينهم فاقتدوه بأنفسهم ، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلا أن يكون هو أهلاً للإستشهاد في سبيله وسبيل دعوته ، وان يكون في سليقة الشهيد الذي يأتم به الشهداء »
.
وبعد هذا البيان إتضح لنا سِرُّ فضيلة
تربة كربلاء ، ومبلغ إنتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمة صاحبها دُنُوّاً وإقتراباً من العلي الأعلى . نعم أفعاله وأقواله ـ كما نقلها التاريخ لنا ـ تثبت مدى تعلقه وتفانيه بخالقه العظيم .
حتى بذلك نفسه وأهله وكل غالٍ ونفيس لأجل إعلاء كلمة الله وإحياء دينه ، وقد نسب إليه الآتي :
__________________________
تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا
|
|
وأيتمت العيال لكي أراكا
|
فلو قطعتني في الحُب إرباً
|
|
لما مال الفؤاد إلى سواكا
|
أليس من الأفضل التقرب إلى الله بالخضوع
والخشوع والعبودية بالسجود على تربة تفجرت في صفيحها عيون دماءٍ اصطبغت بحب الله وولائه المحض الخالص ؟!. أليس من الأليق بأسرار السجود على الأرض ، السجود على تربة ظهر فيها سِرُّ المتعة والعظمة والكبرياء والجلال لله عَزّ وجَلّ ، ورمز العبودية والتصاغر أمام عظمة الجبار سبحانه تعالى بأجلى مظاهرها وسماتها ؟!.
وبناءً على هذين الأصلين ، تتخذ الشيعة
الإمامية من تربة كربلاء قطعاً وأقراصاً تسجد عليها في الصلوات
. لأنهم يشترطون في المسجد أن يكون أرضاً أو ما أنبتت ، ويشترطون في المسجد طهارته وإباحته ، وأن لا يكون من المأكول والملبوس ، فالشيعة يصحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها لله ، اهتماماً بشأن الصلاة ومخالفة على آدابها ، فشأن هذه الألواح شأن الخُمُر والحَصْبَاء في بداية المسلمين . كما أنها أفضل أفراد الواجب ، واختياراً لما هو الأفضل والأولى بالسجود لدا العقل والمنطق والإعتبار .
__________________________
وعلى هذا النهج القويم ؛ كان التابعي
علي بن عبد الله بن عباس كما عن ابن عينة قال : « سمعت رُزَين مولى ابن عباس رضي الله عنه يقول : كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن إبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه »
. فأي مانع من أن يحتاط المسلم في أمور دينه بما فيها صلاته ؟!. وأي مانع من أن يختار الأفضل في عمله ؟ فالشيعة الإمامية إختارت التربة الحسينية ؛ لأنها الأفضل ، عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته .
__________________________

تمهيد
:
عرفت أرض كربلاء بالقداسة والسمو والشرف
منذ القدم ، وإلى هذا أشار سيد الشهداء عليهالسلام
بقوله : ( وخير لي مصرع أنا
لاقيه ، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء )
. والمراد بالنواويس : جمع ناوس في الأصل ، وهو قبر النصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء
أي أن كربلاء قد اتخذت معابد ومدافن للأمم السابقة ، وخير شاهد على ذلك ما يلي : « ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو : كل ما يمكن أن يقال عن تاريخها القديم ، أنها كانت أمهات مدن طسوج النهرين ، الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس ( الفرات القديم )
وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة ، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا ، ماريا ، صفورا ، وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث موتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي ... »
. وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي : « والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ؛ أن كربلاء منحوتة من كلمتين من ( كرب وإل )
أي حرم الله أو مقدس الله »
.
وذكر السيد عبد الحسين آل طعمة ، نقلاً
عن الذريعة للشيخ آغا بزرك : « ومعنى ( كاربالا )
بالفهلوية هو ( الفعل العلوي )
. ويجوز تفسيرها ( بالعمل السماوي ) المفروض من الأعلى ، ثم عُرِّبت وصيغت
صياغة عربية وسموها
__________________________
( كربلاء ) ، وهذا يقارب
المعنى الذي ذهب إليه الأب انستاس لكلمة ( كرب ) و ( إل ) بأنهم ( حرم الله ) أو ( مقدس الله ) » .
نعم أعطيت كربلاء هذه القداسة ـ في
الإسلام والأمم السابقة ـ بالحسين عليهالسلام
؛ إذ الأمم الغابرة لديها معرفة بشهادته عن طريق أنبيائها وكتبها المقدسة ، كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر التالية :
« جاء في كتاب ارميا في باسوق من
السيمان السادس والأربعون ( كي ذبح لدوناي الوهيم صواووت بأرض صافون إلى نهريرات ) ؛ يعني يذبح ويضحي لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطئ الفرات »
.
وفي مصحف شيث إشارة إلى واقعة كربلاء : «
ذكر أبو عمرو الزاهد ، في كتاب الياقوت : قال : قال عبدالله بن صفار ، صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ؛ فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النبي العربي بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند ( كلام أولاد شيث )
هذا البيت من الشعر :
أترجو عصبة قتلت حسينا
|
|
شفاعة جده يوم الحساب »
|
أولاً
ـ عرض الروايات :
ليس أحاديث فضل تربة الحسين عليهالسلام وقداستها منحصرة
بأحاديث الأئمة عليهمالسلام
، بل إن أمثال هذه الروايات لها شهرة في كتب علماء الإسلام ، واليك قسماً منها كالتالي :
__________________________
مرويات الإمامية :
يمكن تلخيص مرويات الإمامية في فضل تربة كربلاء من
خلال الطرق التالية :
الأول ـ الرسول الأعظم ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) :
روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : ( بينما الحسين بن علي عليهما السلام عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ إذ أتاه جبرئيل
فقال : يا محمد أتحبه ؟ فقال نعم . فقال : أما إن أمتك ستقتله . قال : فحزن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حزناً شديداً ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله أتريد التربة التي يقتل فيها ؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى كربلاء حتى
إلتقت القطعتان هكذا ، ثم جمع بين السبابتين ، ثم تناول بجناحه من تربتها وناولها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : طوبى لك من تربة ،
وطوبى لمن يقتل فيك )
.
الثاني ـ أمير المؤمنين علي ( عليهالسلام ) :
وروي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : ( مَرّ أمير المؤمنين
عليهالسلام بكربلاء في أناس من أصحابه ؛ فاغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملتقى رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم ، طوبى لك من تربة ، عليك تهرق دماء الأحبة )
.
الثالث ـ الأئمة من بعده ( عليهمالسلام ) :
١ ـ قال علي بن الحسين عليهالسلام : ( إتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً
قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه
__________________________
إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسترها ، رفعت
كما هي بتربتها نورانية صافية ؛ فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون . أو قال : أولوا العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الذري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) .
٢ ـ قال أبو جعفر ( الباقر ) عليهالسلام : ( الغاضرية هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي اكرم أراضي الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية ) .
٣ ـ صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام
يقول : ( إن الله تبارك وتعالى فَضّل الأراضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ، وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى ؛ وبارك عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله تعالى ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي
__________________________
ذلك ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله . فأكرمها
وزادها بتواضعها وشكرها الله بالحسين عليهالسلام وأصحابه . ثم قال
أبوعبدالله عليهالسلام : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله تعالى ) ، وبهذا القدر من
المرويات نكتفي .
مرويات السنة :
وردت روايات كثيرة في فضل تربة الحسين عليهالسلام ، ذكرتها الصحاح والمسانيد المعتمدة لدى جمهور السنة والجماعة . ويمكن تصنيفها كالتالي :
أولاً ـ الإمام علي ( عليهالسلام ) :
وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : ( مَرّ علي ( رضي الله
عنه ) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ ؛ فوقف وسأل عن إسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء فبكى حتى بَلّ الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب شمني إياه ؛ فلم أملك عيني أن فاضتا )
.
ثانياً ـ نساء النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) :
أ ـ أم سلمة :
عن أبي وايل ـ شقيق بن سلمة ـ عن أم
سلمة قالت : ( كان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يلعبان بين يدي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيتي فنزل
__________________________
جبرئيل عليهالسلام ؛ فقال : يا محمد إن
أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ؛ فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وضمّه إلى صدره . ثم
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : وضعت عندك هذه
التربة ، فشمّها رسول الله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أم سلمة إذا
تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها وتقول : إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم ) .
ب ـ عائشة :
أخرج ابن سعد ، والطبراني عن عائشة أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه )
.
ج ـ أم الفضل بنت الحرث :
أخرج أبو داود ، والحاكم ، عن أم الفضل
بنت الحرث أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( أتاني جبرئيل فأخبرني
أن أمتي ستقتل ابني هذا ؛ يعني الحسين ، وأتاني بتربة من تربة حمراء )
.
د ـ زينب بنت جحش :
عن زينب قالت : ( بينما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيتي وحسين عندي ، حين درج ؛ فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : دعيه ـ إلى
قولها ـ ثم قام فصلى ، فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ،
__________________________
ثم مد يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله ،
إني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه ؟ قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ؛ فأتاني بتربة حمراء ) .
ثالثاً ـ أصحاب النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) :
١ ـ عبدالله بن عباس :
عن ابن عباس قال : ( كان الحسين في حجر
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال جبرئيل : أتحبه ؟ فقال كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة ؛ فإذا هي تربة حمراء )
.
٢ ـ معاذ بن جبل :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن معاذ
بن جبل أخبره وقال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
متغير اللون ، فقال : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني مادمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي ؛ فعليكم بكتاب الله عَزّ وجَلّ أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، أتتكم المؤتية بالروح والراحة ، كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكاً ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها .
إمسك يا معاذ وأخصّ ، قال : قلما بلغت خمسة
قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته واخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف
__________________________
الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم
شرارهم وألبسهم شِيَعاً ثم قال : واهاً لفراخ آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من خليفة مستخلف
مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف ... ) .
٣ ـ أنس بن مالك :
اخرج البغوي في معجمه من حديث أنس بن
مالك ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( استأذن ملك القطر
ربه أن يزورني ؛ فأذن له وكان في يوم أم سلمه فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أم سلمه احفظي
علينا الباب لا يدخل أحد ؛ فبينما هي على الباب ؛ إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها )
.
هذه بعض روايات الأصحاب ونساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
التي روتها صحاح ومسانيد السنة والجماعة ، وهناك روايات لم نذكرها ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعتها في الكتب الخاصة بها
.
ثانياً
ـ نظرة حول الروايات :
بعد التأمل في الروايات المتقدمة بما فيها تعدد
طرقها ؛ نخرج بالتالي :
١ ـ إهتمام السماء بهذه التربة الزكية ،
من خلال إخبار جبرئيل وغيره من الملائكة بقتل الحسين عليهالسلام وإتيانهم بتربته ،
ولم يكن الإهتمام لأي تربة اخرى .
__________________________
٢ ـ إهتمام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
بهذه التربة ؛ من شمها وإعطائها أم سلمة وديعة .
٣ ـ إهتمام الأصحاب ورجال الحديث ـ من
خلال تعدد طرقها وكثرة مصادرها ـ بتربة الحسين عليهالسلام
.
ـ وبعد كل ذلك ، بماذا نحلل إتيان جبريل
وغيره من الملائكة ؟!
ـ وبماذا نحلل إهتمام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
بهذه التربة الطاهرة الزكية ؟!
ـ هل على نحو العبث ، أم لفضيلة هذه
التربة الطاهرة ؟!
التفاضل بين مكة والمدينة وكربلاء :
س / يفهم من تعلق الشيعة الإمامية بـ ( تربة الحسين
عليهالسلام ) ، أنها أفضل من تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليهالسلام إلى الآن أرض مقدسة
. وأفضل من أرض المدينة المنورة التي تختص بجسد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تكونان في المنزلة
دون كربلاء ، هذا أمر غريب ؟! وهل الحسين عليهالسلام أفضل من جده الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
ج / يتضح الجواب بعد بيان التالي :
أولاً ـ إختلف العلماء في
تفاضل مكة والمدينة وكربلاء حسب الوجوه التالية :
رأي السنة والجماعة :
١ ـ ذهب الشافعي ، وأهل مكة ، وأهل العلم
أجمع ، إلى أن مكة أفضل .
٢ ـ ذهب مالك وأهل المدينة إلى أن المدينة
أفضل .
٣ ـ قال القاضي عياض : إن موضع قبره صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل بقاع الأرض ،
وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض . وحكاية الإجماع
على تفضيل ما ضم
__________________________
الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا
القاضي أبو الوليد الباجي ( الناجي ) قبله كما قال الخطيب ابن جمله ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة .
رأي الشيعة الإمامية :
١ ـ ذهب الشيخ الطوسي ، بل ادعى الإجماع
على أفضلية مكة على غيرها .
٢ ـ وأجمعوا على أن الموضع الذي ضم أعضاءه
الشريفة أفضل بقاع الأرض .
٣ ـ وقال السيد علي خان : والأقرب أن موضع
قبور الأئمة عليهم السلام كذلك ، أما البلدان التي فيها ؛ فمكة أفضل منها حتى المدينة .
٤ ـ وقال الشهيد الثاني ( قده ) في الدروس
: مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله ، وروي في كربلاء على ساكنها السلام ، مرجحات .
٥ ـ ذهب السيد بحر العلوم ( قده ) : إلى
تفضيل كربلاء على مكة ، كما هو المستفاد من منظومته الدرة النجفية :
والأفضل الأرض ومنها فُضِّلا
|
|
تُرْبَةُ قُدْسٍ قُدِّسَت في كربلا
|
ومن حديث كربلا والكعبة
|
|
لكربلا بان علو الرتبة
|
__________________________
وذهب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده
) : إلى تفضيل كربلاء على غيرها ، حيث قال : « إذن ، أفليس من صميم الحق والحق الصميم ، أن تكون أطيب بقعة على وجه الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر »
.
خلاصة واستنتاج :
أولاً ـ بعد عرض الأقوال نخرج بما يلي :
١ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن الموضع
الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض . وزاد الإمامية أن المواضع التي تضم أعضاء المعصومين عليهمالسلام من أهل بيته أيضاً ؛ لأنهم أفضل الخلق من بعده .
٢ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن مكة والمدينة
أفضل بقاع الأرض ، والإختلاف في التفاضل بينهما .
٣ ـ بعض الإمامية يقول : بأن كربلاء أفضل
من مكة والمدينة ، ماعدا قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقبور أهل بيته عليهمالسلام .
ثانياً ـ إن عظمة الحسين عليهالسلام من عظمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وشرف الحسين عليهالسلام من شرفه ، وهو القائل في حقه : ( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) . وقد روى هذا
الحديث كثير من محدثي الطوائف الإسلامية .
توجيه الأعلام لحديث (حسين مني) :
ولأرباب العلم في معناه وجوه :
__________________________
أولاً ـ « أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قصد إكمال الحب
وتمام الإلفة بسبطه وريحانته الحسين ؛ فإن البلغاء من العرب إذا أرادوا أن يظهروا الإتحاد والإلفة وشدة الإتصال والمحبة بأحد منهم ، يقولون : فلان منا ونحن من فلان ، كما أنهم إذا أرادوا أن يظهروا النفرة وشدة القطيعة من رجل قالوا فيه : ( إننا لسنا منه وليس هو منا ) ، قال شاعرهم :
أيها السائل عنهم وعني
|
|
لست من قيس ولا قيس مني
|
وجاء في الحديث القدسي في الحاسد الحاقد
: ( إنه ليس مني ولست
أنا منه ) ؛ أي إن المحبة الشديدة ، والصلة
الأكيدة ، والعلاقة التامة بيني وبين الحسين ، جعلته كجزء مني وجعلتني كجزء منه من شدة الإتصال وعدم الإنفكاك »
.
ثانياً ـ « قد يكون إشارة
إلى ما روي ؛ أن الحسين عليهالسلام لما ولد كان يؤتى
به إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيرضعه من ريقه أو
إبهامه ، حتى نبت لحمه من لحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعظمه من عظمه ،
ودمه من دمه ، فكأنهما نفس واحدة ، فبملاحظة ذلك صح أن يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( وأنا من حسين ) » .
ثالثاً ـ « لما كان الحسين
متولداً من فاطمة عليهاالسلام ، وفاطمة من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ صح أن يقول : ( وأنا من حسين ) ؛ ولذا يفسر قوله
: ( حسين مني ) بالجهة المادية ، وقوله : ( أنا من حسين ) بالجهة المعنوية »
.
__________________________
نعم نفهم من تعبير الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( وأنا من حسين )
تلك المكانة العالية للحسين عليهالسلام
عند جده وعند ربه أيضاً ، وتتجلى تلك المكانة عبر الأحاديث التالية :
أ ـ أخرج الحاكم في ( المستدرك ) وصححه ، وقال
الذمني في التخلص على شرط مسلم عن ابن عباس قال : ( أوحي إلى محمد أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفا ) .
ب ـ واخرج الثعلبي : « ( أن السماء بكت
وبكائها حمرتها ) . وأخرج غيره : ( إحمرّت آفاق السماء
ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك ) . وأن ابن سيرين قال : أخبرنا أنّ الحمرة التي
تأتي مع الشفق لم تكن قبل الحسين . وذكر ابن سعد أنّ هذه الحمرة لم ترَ في السماء قبل قتله ... .
قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر
حمرة الوجه ، والحق تنزه عن الجسمية فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهاراً لعظم الجناية »
.
كما تظهر لنا عناية الباري عَزّ وجَلّ
بالحسين عليهالسلام
، حيث عَوّضه بإستشهاده في الدنيا بثلاثة أشياء ، كما هو المستفاد من حديث ابن عباس ( ... ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفاً بحقه ؛ كتب له ثواب ألف حجة وألف عمره ، ألا من زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحق
__________________________
الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار ، وأن
الإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده ) .
وحديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر
، وجعفر بن محمد عليهماالسلام
يقولان : ( إن الله عوّض
الحسين عليهالسلام من قتله ؛ أن جعل
الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره )
.
وبعد هذا البيان ، إتضح لنا ميزة تربة
الطف على غيرها ؛ إذ قدّسها الباري عَزّ وجَلّ بسبب من قتل فيها في سبيله ، وإلى هذا يشير إمامنا السجاد عليهالسلام بقوله : ( طوبى لأرض تضمنت
جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل ؛ فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته )
. وفي زيارة الإمام الصادق عليهالسلام
للشهداء : ( بِاَبي اَنْتُمْ
وَاُمّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الاَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً
... )
فهل في ذلك مانع ؟! .
أم هل في تفضيل تربة الحسين عليهالسلام على بقاع الأرض ،
تفضيل الحسين على جده الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
؟! كلا ، إنّ تفضيلنا لهذه التربة ناشئ من اهتمام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
بها كما ذكرنا سابقاً .
__________________________
ثالثاً
ـ سر السجود على تربة الحسين (عليهالسلام)
:
ويوضح لنا هذا السر أحد أعلام الإمامية بقوله
التالي :
« ولعل السر في إلتزام الشيعة الإمامية
السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومفادها إلى أنها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبواري والحصر الملوثة والمملوءة غالباً من الغبار والميكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كل ذلك ؛ لعل من جملة الأغراض العالية والمقاصد السامية ، أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية ذلك الإمام نفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ؛ وتحطيم هيكل الجور والفساد والظلم والإستبداد ، ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة ـ وفي الحديث : « أقرب ما يكون العبد
إلى ربه حال سجوده » ـ مناسب أن يتذكر أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ؛ ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة ، ولعل هذا هو المقصود من السجود عليها بخرق الحجب السبع كما في الخبر الآتي ذكره ، فيكون حينئذ في السجود سر الصمود والعروج من التراب إلى رب الأرباب إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار »
.
__________________________

توطئه
:
عُرفت الشيعة الإمامية منذ عهد بعيد
بشعار السجود على تربة الحسين عليهالسلام
، ولو تتبعنا منشأ هذا الشعار وكيفية نشوئه وانتشاره ؛ لتوصلنا إلى أنه يرجع إلى الأطوار الآتية :
الطور
الأول ـ بداية السجود عليها :
كان هذا الطور محدوداً لا يتجاوز البيت
العلوي إلا لبعض الخلّص من الأصحاب ، كما هو المستفاد من كلمات المجتهد الأكبر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) حيث قال : « أما أول من صلى عليها من المسلمين بل من أئمة المسلمين ـ فالذي إستفدته من الآثار ، وتلقيته من جملة أخبار أهل البيت ، ومهرة الحديث من أساتيذي الأساطين الذين تخرجت عليهم برهة من العمر ـ هو زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ، بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ، الذي بضعته السيوف كلحم على وضم ؛ فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجاده ومسبحة ، وهي : السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ... . ولما رجع الإمام عليهالسلام
هو وأهل بيته إلى المدينة ؛ صار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها ، فشاع هذا عند العلويين وأتباعهم ومن يقتدي بهم ، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها ؛ هو زين العابدين ، الإمام الرابع من أئمة الشيعة الإثني عشر المعصومين »
.
__________________________
الطور
الثاني ـ إنتشار ذلك على مستوى الشيعة :
في الفترة الزمنية ما بين عام ( ٩٥ ـ ١١٤
هـ ) ، بداية إنتشار شعار العناية بالتربة الحسينية من السجود عليها والإستشفاء والتبرك بها ، حيث إعتنى بذلك الإمام الخامس محمد بن علي الملقب بـ ( الباقر )
عليهالسلام
، فبالغ في حث أصحابه على السجود على التربة الحسينية ، ونشر فضلها . ثم زاد على ذلك ابنه الإمام جعفر بن محمد الملقب بـ ( الصادق )
عليهالسلام
، فإنه أكّد عليها لشيعته حيث تكاثرت في عهده وأصبحت من كبريات الطوائف الإسلامية ، والروايات خير شاهد على ذلك كما سيأتي :
١ ـ الحسن بن محمد الديلمي في ( الإرشاد ) قال : ( كان الصادق عليهالسلام لا يسجد إلا على تربة الحسين عليهالسلام تذللاً لله واستكانة
إليه ) .
٢ ـ عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي
عبد الله خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله عليهالسلام ، فكان إذا حضرت
الصلاة ؛ صَبّه على سجادته وسجد عليه ثم قال عليهالسلام : ( إنّ السجود على
تربة أبي عبدالله يخرق الحجب السبع ) .
توضيح « الحجب السبع » :
« الحَجْبَ والحِجَابُ المنع من الوصول ..
وقوله تعالى : ( وَبَيْنَهُمَا
حِجَابٌ )
[ الأعراف / ٤٦ ]
؛ ليس يُعنى به ما يحجب البصر ، وإنما يعنى ما يمنع من وصول لَذّةِ أهل الجنة إلى أهل النار ، وأذيّة أهل النار إلى أهل الجنّة ، كقوله عَزّ وجَلّ : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم
بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ
الْعَذَابُ )
[ الحديد / ١٣ ]
.
__________________________
والحاجب : المانع عن السلطان ،
والحاجبان في الرأس ؛ لكونها كالحاجبين للعين في الذب عنهما »
.
وبعد إيضاح معنى ( الحجاب ) من الناحية
اللغوية ـ وهو معنى عام ينطبق على كثير من المصاديق ـ ينبغي إيضاح ما هو المراد بـ ( الحجب السبعة ) ؟
المستفاد من كلمات العلماء في توضيح
معنى ( الحجب السبعة ) أنّها ترجع إلى المعاني التالية :
الأول ـ السماوات السبع :
وقد أشار إلى هذا المعنى مجموعة من الأعلام نذكر
منهم ما يلي :
١ ـ الميرزا أبي الفضل الطهراني ( ١٢٧٣
هـ ـ ١٣١٦ هـ ) :
« المراد من الحجب السبعة في حديث
معاوية بن عَمّار السماوات السبع ، والمقصود عروج الصلاة إلى الملأ الأعلى وبلوغ القرب الحقيقي »
.
٢ ـ الشيخ جعفر التستري ( ١٢٢٧ هـ ـ
١٣٠٣ هـ ) :
« إنّ السجود على ترابها يخرق الحجب
السبعة ، ومعنى هذا الحديث ، ... خرق السماوات للصعود » .
٣ ـ الشيخ حسين الوحيد الخراساني ( دام
ظله ) :
« وأما فقه الحديث فلا مجال للإشارة
إليه ، فإنّ السجود أعظم عبادة أمر الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم
به للإقتراب إليه : ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ]
. والإمام المعصوم يتوسل في سجوده الذي هو نهاية تقرّبه بتراب الحسين عليهالسلام ،
__________________________
لأن يخرق الحجب السبع . فماذا يمكن أن
يقال في شأن دم صار ذلك التراب بإضافته إليه خارقاً للحجاب بين العبد وربه ، موصلاً لعباد الله إلى منتهى كرامة الله . وفي الصحيح عن أبي الحسن عليهالسلام : ( إنّ النبي لما
أسري به إلى السماء ؛ قطع سبع حجب ، فكبّر عند كل حجاب تكبيرة ، فأوصله الله عَزّ وجَلّ بذلك إلى منتهى الكرامة ) . ومما لابدّ من التأمل فيه أنّ إفتتاح الصلاة بسبع تكبيرات ـ
تقوم مقام التكبيرات السبع التي كبّرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فرفعت له بها
الحجب السبعة ليلة الإسراء ـ قد صار سنّة بلسان الحسين عليهالسلام ، ففي الصحيح عن
أبي عبدالله عليهالسلام قال : ( إنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في الصلاة
وإلى جانبه الحسين بن علي ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يحِر الحسين
التكبير ، ثم كبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يحِر الحسين التكبير ، فلم يزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يكبّر ويعالج
الحسين التكبير فلم يحِر ، حتى أكمل سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليهالسلام التكبير في
السابعة . قال أبو عبدالله عليهالسلام : فصارت سنّة ) .
فقطع الحجاب بين العباد وربَّ الأرباب
في أوّل العروج إلى الله ؛ وهو أول الركعة بلسان الحسين عليهالسلام
وخرق الحجاب في آخر الركعة ؛ وهو السجود بتربة الحسين عليهالسلام
»
.
الثاني ـ الذنوب والمعاصي :
وإلى هذا المعنى أشار بعض الأعلام نذكر
منهم ما يلي :
١ ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( ١٣٩٤
هـ ـ ١٣٧٣ هـ ) :
« ولعلّ المراد بالحجب هي الحاءات السبع
من الرذائل ، التي تحجب النفس عن الإستضاءة بأنوار الحق ، وهي : الحقد ، الحسد ، الحرص ، الحدّة ،
__________________________
الحماقة ، الحلية ، الحقارة . فالسجود على
التربة من عظيم التواضع ، والتوسّل بأصفياء الحقّ يمزّقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل ، وهي : الحكمة ، الحزم ، الحلم ، الحنان ، الحضانة ، الحياء ، الحبّ » .
٢ ـ الميرزا أبي الفضل الطهراني ( قده )
:
« .. المعاصي السبع المانعة من قبول
الأعمال وحجابها ، وتلك هي المعاصي التي رأى جماعة إنحصار الكبائر بها ـ كما ذكر ذلك في الكتب الفقهية ـ :
أ ـ الشرك ،
|
ب ـ قتل النفس ،
|
ج ـ قذف المحصنة
،
|
د ـ أكل مال
اليتيم ،
|
هـ ـ الزنا ،
|
و ـ الفرار من
الزحف ،
|
ز ـ عقوق
الوالدين .
|
|
ومعنى الخرق لهذه الحجب ، أنه إن كان
مقروناً بالتوبة الصادقة والعزم الثابت ، فإن الله تعالى يعفو عن الذنوب السالفة ، يمحوها ببركة هذه التربة المقدسة »
.
٣ ـ الشيخ جعفر التستري ( قده ) :
« المراد بالحجب ؛ المعاصي السبع التي
تمنع قبول الأعمال ، على ما في رواية معاذ بن جبل ، وأنّ السجود عليها يُنوِّر الأرضين السبع »
.
الثالث ـ إستنتاج المؤلف :
بعد عرض ما ذكره العلماء الأعلام في
توضيح معنى ( الحجب السبع ) ، يمكن القول بترجيح القول الأول وهو ( السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ ) ؛ وذلك بعد بيان ما يلي
:
__________________________
أولاً ـ السجود :
لابد من ملاحظة السجود باعتباره أعظم
مراتب الخضوع والخشوع لله عَزّ وجَلّ ، بل الإيمان الخالص له سبحانه في العبادة في أعظم وأقرب مصاديقها ، ويتضح ذلك بعد عرض الروايات التالية :
١ ـ عبد الواحد الآمدي في الغرر : عن أمير
المؤمنين عليهالسلام قال : ( السجود الجسماني : وضع عتائق الوجوه على التراب ، وإستقبال الأرض بالراحتين والركبتين ، وأطراف القدمين ، مع خشوع القلب وإخلاص النية ) .
السجود النفساني : فراغ القلب من
الفانيات ، والإقبال بكنه الهمة على الباقيات ، وخلع الكبر والحمية ، وقطع العلائق الدنيوية ، والتحلي بالأخلاق النبوية ) .
٢ ـ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إن الأرض التي يسجد
عليها المؤمن يضئ نورها إلى السماء ) .
٣ ـ قال الصادق عليهالسلام : ( السجود على تربة قبر الحسين عليهالسلام يُنوّر الأرضين السبع ، ومن كان معه سبحه من طين قبر الحسين عليهالسلام ؛ كان مسبّحاً وإن لم يُسبّح بها ) .
ثانياً ـ معنى ( الخَرْق ) :
لو تصفحنا الكتب اللغوية ؛ لتوصلنا إلى
عدة معانٍ متقاربة أهمها ما يلي :
__________________________
١ ـ الفُرْجَة والشَقّ والقطع :
« الخَرْقُ : الفُرْجَة ، وجمعه خُروق ..
الخرق الشّق في الحائط والثوب ونحوه »
.
وقال الراغب الإصفهاني : « وبإعتبار
القطع قيل : خَرَقَ الثوب وخَرّقه ، وخَرَقَ المَفاوِز واخترق الريح . وخُصّ الخَرقْ والخَرِيق بالمفاوز الواسعة ؛
إمّا لإختراق الريح فيها ، وإمّا لتخرُّقها في الفَلَاة ، وخُصّ الخَرْق بمن ينخرق في السحاب .. وقوله تعالى : ( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) [ الإسراء / ٣٧ ]
. فيه قولان : أحدهما ـ لن ينقطع ، والآخر لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر ، إعتباراً بالخرق في الأذن »
.
٢ ـ البلوغ :
قال الشيخ الطريحي (ره) : « قوله تعالى
: ( إِنَّكَ لَن
تَخْرِقَ الْأَرْضَ )
؛ أي تبلغ آخرها » .
ثالثاً ـ أهمية السماء :
وقد أشار إلى هذه الأهمية أمير المؤمنين
عليهالسلام
بقوله : ( فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطّدات بلا عمد ، قائمات بلا سند ، دعا هن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكّئات ولا مبطئات ، ولولا إقرارهنّ بالربوبية ، وإذعانهن
__________________________
بالطواعية ؛ لما جعلهن موضعاً لعرشه ، ولا
مسكناً لملائكتة ، ولا مصعداً للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه ) .
وبعد عرض هذا المقطع من خطبة أمير
المؤمنين عليهالسلام
؛ ينبغي الإشارة إلى الآيات التالية :
الأولى ـ قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا
فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ) [ المؤمنون / ١٧ ] المراد بـ ( سَبْعَ طَرَائِقَ ) السماوات السبع ، وَعبّرت عنها الآية بـ ( طَرَائِقَ ) ؛ لأنها طرائق
الملائكة في العروج والهبوط والطيران ، وما يترتب على ذلك من نزول الوحي على الأنبياء ، ورفع
الأعمال البشرية .
الثانية ـ قوله تعالى : ( وَفِي السَّمَاءِ
رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) [ الذاريات
/ ٢٢ ] .
قيل المراد أنها أسباب رزقكم أو تقديره
. ( وَمَا تُوعَدُونَ ) من الثواب ؛ لأنّ الجنة فوق السماء السابعة ، أو
لأنّ الأعمال وثوابها مكتوبة مُقَدّرة في السماء .
الثالثة ـ قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ ) [ الأعراف / ٤٠ ] ؛ أي لا تفتح لهم أبواب السماء لأدعيتهم
وأعمالهم ، أو لأرواحهم ، كما تفتح لأعمال المؤمنين وأرواحهم ، ويُؤيِّد هذا المعنى ما روي عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه قال : ( أما
المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء ، فتُفتّح لهم أبوابها ، وأما الكافر فيُصْعَدُ بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادي منادٍ : إهبطوا به إلى
__________________________
سِجِّين ؛ وهو وادٍ بحضرموت يقال له :
بَرَهُوت ) . وبعد إيضاح ما تقدم ؛ نخرج بالنتيجة التالية :
أولاً ـ إنّ السجود أعظم أركان الصلاة ؛
حيث يتحقق فيه غاية الخضوع والخشوع والقرب إلى الله عَزّ وجَلّ في هذه العبادة . وإذا كان على تربة سيد الشهداء الحسين عليهالسلام والصفوة من أهل
بيته وصحبه الكرام ، فيناسب للساجد وهو في هذه الحالة العبادية ، أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الطاهرة تضحية تلك الصفوة النبوية والمؤمنة في سبيل المبدأ والعقيدة . الذين صعدت دماؤهم وأرواحهم إلى أعلى عليين ، فيكون حينئذ في السجود سرّ الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب ، فيتحقق ( خرق الحجب السبعة ) ؛ وهي السماوات السبع .
ثانياً ـ أما ما ذهب إليه بعض الأعلام من
تفسير ( الحجب السبعة ) بالذنوب والمعاصي ؛ فيمكن مناقشته . كالتالي :
أ ـ ما ذهب إليه الشيخ كاشف الغطاء ، من
أنّ المراد بها الحاءات السبع من الرذائل ؛ فهذا إستنتاج عقلي محض يحتاج إلى مؤيد من الروايات وغيرها .
ب ـ وأما ما ذكره الميرزا أبي الفضل
الطهراني ، والشيخ التستري من إنحصار الكبائر بالسبع ؛ فهذا غير واضح من الروايات ؛ لذا إختلف الفقهاء في حصر الكبائر في عدد مُعَيّن ، فبقي لدينا القول بكونها هي السماوات السبع ، وقد أوضحنا ذلك في بيان أهمية السماء .
__________________________
الطور
الثالث ـ عملها ألواحاً :
وبعد عصر الصادق عليه السلام ، سار على
نهجه الأئمة من ولده في تحريك العواطف ، وتحفيز الهمم ، وتوفر الدواعي إلى السجود على تربة الحسين عليهالسلام
، وبيان تضاعف الأجر والثواب في التبرك بها والمواظبة عليها ، حتى إنتشر ذلك بين الشيعة في بلادهم مع عظيم الإهتمام بها ، فلم يمضِ على زمن الصادق عليهالسلام
قرن من الزمن ؛ حتى صارت الشيعة تصنعها ألواحاً وتضعها في جيوبها كما هو المتعارف اليوم .
فيظهر أن صنع التربة ألواحاً ـ كما هو
المتعارف اليوم ـ كان في وسط القرن الثالث الهجري ؛ أي حدود المائتين وخمسين هجرية ، أي في الغيبة الصغرى ، كما هو المستفاد من الخبر التالي :
عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري :
عن صاحب الزمان عليهالسلام
: ( أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر ، هل فيه فضل ؟ فأجاب يجوز ذلك وفيه الفضل ) .
وخلاصة الدليل ؛ أي الإقتداء بأهل البيت
عليهمالسلام
في السجود على تربة الحسين عليهالسلام
، أن المستفاد من الروايات المتقدمة ، من سجود الإمام زين العابدين عليهالسلام
ومن جاء بعده من الأئمة ، خير شاهد ودليل على إلتزام الشيعة الإمامية بذلك ، وهل في ذلك إشكال ؟ بعد أن أوصانا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
بالتمسك والإقتداء بهم كما في حديث الثقلين المشهور بين المسلمين ، عن زيد بن أرقم : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( إني تارك فيكم ما
إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي
__________________________
أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود بين
السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي . ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .
ويقول الشيخ ابن تيمية : « وإذا كانوا خير
الخلائق ؛ فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال »
. وهذا إعتراف منه صريح بصحة عمل من إتبع أهل البيت عليهمالسلام
في أقوالهم وأفعالهم ، لا يشك في ذلك أحد من المسلمين ، وإلى هذا يشير بعض العلويين بقوله :
قل لمن حجنا بقول سوانا
|
|
حيث فيه لم يأتنا بدليل
|
نحن نروي إذا روينا حديثاً
|
|
بعد آيات محكم التنزيل
|
عن أبينا عن جدنا ذي المعالي
|
|
سيد المرسلين عن جبرئيل
|
وكذا جبرئيل يروي عن الله
|
|
بلا شبهة ولا تأويل
|
__________________________

الفصل الأول ـ مقدمة في تاريخ السبحة :
السُّبحة ؛ المسبحة Rosary : خرزات أو قطع من الزجاج أو العاج أو الأحجار الكريمة أو شبه الكريمة منظومة في سلك . وهي عريقة في القدم عرفها الإنسان منذ العصور القبتاريخية واتخذها تميمة أو تعويذة حِيَناً ، وضَرْبَاً من ضروب الزينة حِينَاً آخر . حتى إذا كان القرن الثالث للميلاد إتخذها رهبان الكنيسة المسيحية الشرقية للصلاة والتسبيح وسرعان ما شاعت في أوساط الكنيسة الغربية أيضاً . أما المسلمون فقد عرفوا السبحة أول ما عرفوها من طريق الصوفية ، وهي تعتبر بدعة لا أصل لها في الدين . وأكثر السُّبحات شيوعاً تلك التي يبلغ عدد حباتها تسعاً وتسعين أو ثلاثاً وثلاثين وكثير من الناس يحملون السُّبوحات اليوم على سبيل التسلية ليس غير
.
مناقشة
هذا النص التأريخي :
بعد ذكر النص المتقدم نخرج بالملاحظتين الآتيتين :
الأولى ـ أنّ المسلمين عرفوا السبحة عن طريق الصوفية
؟
ويمكن الاجابة عن ذلك بمايلي :
أنها دعوى تحتاج إلى دليل ، والدليل
الواضح لدينا أنّ الزهراء عليهاالسلام
هي من أوائل الذين إتخذوا السبحة للتسبيح بها في الصلاة وغيرها من الأوقات ، وكانت سبحتها الأولى من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، والثانية بعد مقتل حمزة ( رضي ) حيث إتخذت من تربته مسبحةً ، وسار على ذلك المسلمون في حدود السنة الثالثة للهجرة ، وسوف نذكر الروايات النَّاصّة على ذلك .
__________________________
الثانية ـ أنها بدعة لا أساس لها في الدين ؟
ويمكن الإجابة عن ذلك بمايلي :
إنّ دعواه بأنها بدعة لا أساس لها في
الدين ، هذه دعوى تحتاج إلى دليل وهو مفقود ، حيث ذكرنا في الجواب عن الملاحظة الأولى ؛ أنّ لها إرتباطاً في الدين وليس بدعة ؛ إذ أنّ الزهراء عليهاالسلام
لا تفعل البدع ، ولو كان بدعة ؛ لنهى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن ذلك . وأيضاً المصادر اللغوية نَصّت على أنها تستخدم في الصلاة ولم تنص على أنها بدعة ؛ إذ أنّ بعض المصادر منها تختص بالقرآن والسنة كما ستعرف ، وإليك هذه المصادر :
١ ـ كتاب العين ، ج ٣ / ١٥٢ ، للخليل بن
أحمد الفراهيدي :
« السُّبحة : خرزات يُسبَّح بعددها » .
٢ ـ المفردات في غريب القرآن / ٢٢٣ ،
للراغب الإصفهاني :
« السُّبحة : التسبيح ، وقد يقال
للخرزات التي يُسبّح بها سُبحة » .
٣ ـ أساس البلاغة / ٢٠ ، لجار الله
الزمخشري :
« السُّبحة : أي النافلة ، وفي يده
السُّبح يُسبح بها .. » .
٤ ـ لسان العرب ، ج ٢ / ٤٧٣ ، لإبن منظور
:
« السُّبحة : الخرزات المسبح بها تسبيحة
، وهي كلمة مُولّدَة » .
٥ ـ المصباح المنير ، ج ١ / ٢٦٢ ، للفيومي
:
« السُّبحة : خرزات منظومة ، قال
الفارابي وتبعه الجوهري : والسُّبحة التي يسبح بها ، وهو يقتضي كونها عربية . وقال الأزهري : كلمة مولّدة وجمعها سُبح » .
٦ ـ منجد اللغة / ٣١٧ ، لليسوعي :
« السُّبحة : سُبح وسُبُحات : خرزات
منظومة في سلك ، إما للوضوء أو الصلاة والتسبيح وإما للتسلية » .
٧ ـ جامع العلوم في إصطلاحات الفنون ( دستور
العلماء ) ، ج ٢ / ١٦٢ ، للقاضي عبد النبي الأحمد نكري .
« السّبحة : بالفتح التسبيح والصلاة
والذكر ، وقد يطلق على ما يُعد به من الحبوب . السُّبحة بالضم : خرزات للتسبيح تُعد ، والدعاء وصلوات التطوع » .
٨ ـ الرائد ، ج ١ / ٨٠١ ، لجبران مسعود :
( السُّبحة : سُبح وسُبُحات : خرزات
منظومة في سلك للتسبيح أو السَّلوى ) .
وبعد ذكر هذه المصادر اللغوية ، نخرج بالتالي :
١ ـ إتفاق اللغويين من عصر الخليل إلى
الآن على وجود السُّبحة المعروفة والمتداولة في هذا العصر ، واستخدامها في التسبيح في الصلاة . فكيف لا علاقة لها بالدين ؟
٢ ـ الإختلاف بين اللغويين على أنها عربية
أم مولّدة .
٣ ـ يستفاد من النص التاريخي واللغوي ،
أنها تستخدم للتسبيح بها في جميع الأديان السماوية ، ودليل شرعيتها في الإسلام إستخدام الزهراء عليهاالسلام بمرأى من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مع عدم نهيه عن
ذلك ، وسار على ذلك المسلمون وخصوصاً بعد إستشهاد حمزة بن عبد المطلب ( رضي الله عنه ) كما ذكرت بعض المصادر .
أدلة
الشيعة الإمامية :
عرفت الشيعة منذ القدم بأنها تتخذ من
تربة الحسين عليهالسلام
سبحات تستخدمها بعد الإنتهاء من الصلاة المفروضة وفي باقي الأوقات ، بل يعتبر التسبيح بها فيه الفضل وزيادة الثواب ، وإنها تسبح في يد حاملها وإن لم يسبح بها ، فما هي حجتهم في ذلك ؟ نعم هذا شعار الشيعة الإمامية منذ قرون عديدة متداولاً بين علمائهم وعوامهم ، واستندوا في هذا العمل على سيرة أهل البيت عليهمالسلام ، ويمكن تلخيصها فيما يأتي :
أولاً ـ الزهراء تسبح بتربة حمزة (رض) :
من المعروف لدى المسلمين أن لتربة حمزة
بن عبدالمطلب ( رضي ) فضيلة ، وخير شاهد على ذلك ما روته كتب العامة والخاصة : بأنّ الزهراء إتخذت من تربته سبحة تديرها ، ثم عمل بذلك المسلمون .
« قال ابن فرحون : والناس اليوم يأخذون من تربة
قريبة من مشهد حمزة ، ويعملون بها خرزاً يشبه السبح ... »
.
وأيضاً ما روي عن إمامنا الصادق عليهالسلام : ( إنّ فاطمة بنت رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت تديرها بيدها تكبر وتسبح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب ، فاستعملت تربته وعملت منها التسابيح فاستعملها الناس . فلما قتل الحسين صلوات الله عليه ؛ عُدِل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية )
.
__________________________
ثانياً ـ الإمام السجّاد ( عليهالسلام ) يُسبح بتربة الحسين ( عليهالسلام ) :
إنّ أول من سبّح بتربة الحسين عليهالسلام هو الإمام السجّاد عليهالسلام ، حيث أنه بعد أن دفن والده أخذ قبضة من تراب القبر وعمل منه سجادة وسبحة ، وهي السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ( لعنه الله ) ، كما في الحديث الآتي :
( روي أنه لما حمل علي بن الحسين عليهالسلام إلى يزيد ( لعنه الله ) ؛ همّ بضرب عنقه فوقفه بين يديه ، وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله وعلي عليهالسلام يجيبه حسب ما يكلمه
، وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتكلم ، فقال له يزيد : أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز ذلك ؟ فقال : حدثني أبي ، عن جدي أنه كان إذا صلى الغداة وانفتل لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه ؛ فيقول : اللهم إني أصبحتُ أُسبِّحك وأُمجِّدك وأحمدك وأُهللك بعدد ما أدير به سبحتي ، ويأخذ السبحة ويديرها وهو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح ، وذكر أن ذلك محتسب له وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه ، فإذا أوى إلى فراشه قال : مثل ذلك ووضع سبحته تحت رأسه ، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ، ففعلت هذا إقتداء بجدي . فقال له يزيد : لست أكلَّم أحداً منكم إلا ويجيبني بما يعود به . وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه )
.
قال الشيخ المامقاني ( قده ) : « الظاهر أن مسبحته
عليه السلام كانت من غير تربة الحسين عليه السلام لعدم مهلته لصنعها منها بعد وقعة الطف ،
__________________________
والرواية مطلقة ، فيجزي ذلك في كل سبحة ، والله العالم » . ويمكن مناقشة هذا بما يأتي :
أولاً ـ قال الشيخ كاشف
الغطاء ( قده ) : « فالذي استفدته من الآثار ، وتلقيته من حملة أخبار أهل البيت عليهمالسلام ومهرة الحديث من
أساتيذي الأساطين ، الذين تخرجت عليهم برهة من العمر .. هو أن زين العابدين ، علي بن الحسين عليهما السلام بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ... فشّد تلك التربة في صرّة وعمل منها سجادة ومسبحة ، وهي السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ..» .
ثانياً ـ أن السبحة
المذكورة في الرواية صغيرة ، وبإمكان الإمام عليهالسلام صنعها وهو على تلك الحالة مع القوم ، ولعل المبادرة إلى ذلك ، هو القيام بإظهار فضيلة التسبيح بهذه التربة الشريفة بعد الدفن مباشرة ، لعلمه بما فيها من المزايا والفضائل .
ثالثاً ـ وكون الرواية
مطلقة ؛ لعدم تصريح الإمام زين العابدين عليهالسلام بذلك للتقية ، وهو أحرص بتطبيقها من غيره في ذلك الوقت ، وأما شمولها لكل تربة ؛ فهذا خلاف المعروف المستفاد من روايات أهل البيت عليهمالسلام ، بل المعروف من السبح المتداولة عند أهل البيت عليهمالسلام هي تربة حمزة ( رضي الله عنه ) كما هو عمل الزهراء عليهاالسلام ثم هذه التربة
الشريفة ، وهي أفضل من تربة حمزة .
__________________________
ثالثاً ـ روايات أهل البيت ( عليهمالسلام ) :
وردت روايات عن طريق أهل البيت عليهمالسلام تحث الشيعة الإمامية على التسبيح بتربة الحسين عليهالسلام منها الآتي :
١ ـ وفي كتاب الحسن بن محبوب : ( أنَّ أبا
عبد الله عليهالسلام سئل عن إستعمال التربتين من طين قبر حمزة (رض) وقبر الحسين عليهالسلام والتفاضل بينهما
فقال عليهالسلام : السبحة التي هي
من طين قبر الحسين عليهالسلام تُسبح بيد الرجل
من غير أن يسبح . قال : وقال : رأيت أبا عبدالله وفي يده السبحة منها ، وقيل له في ذلك ، فقال : أما إنها أعود عليَّ ، أو قال : أخف عليَّ ) .
٢ ـ عن أبي الحسن موسى عليهالسلام قال ( لا يخلو المؤمن من خمسة : سواك ، ومشط ، وسجادة ، وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة ، وخاتم عقيق ) .
٣ ـ عن محمد الحميري قال : ( كتبت إلى الفقيه
أسأله هل يجوز أن يُسبِّح الرجل بطين القبر ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : فسبِّح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح ) .
٤ ـ روي عن الصادق عليهالسلام : ( من أدار الحجير من تربة الحسين عليهالسلام فإستغفر مرّة واحدة كتب الله له سبعين مرَّة ، وإن مسك السبحة ولم يُسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات ) .
__________________________
٥ ـ وعن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : ( من أدار الطين من التربة فقال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، مع كل حبة منها كتب الله له بها ستة آلاف حسنة ، ومحا عنه ستة آلاف سيئة ، ورفع له ستة آلاف درجة ، وأثبت له من الشفاعة مثلها ) .
٦ ـ وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : ( السُّبح الزرق في أيدي
شيعتنا ، مثل الخيوط الزرق في أكسية بني إسرائيل ، إنّ الله عَزَّ وجَلَّ أوحى إلى موسى ( عليه السلام ) : أنْ مر بني إسرائيل أن يجعلوا في أربع جوانب
أكسيتهم الخيوط الزرق ، ويذكرون به إله السماء ) .
قال الشيخ المامقاني ( قده ) : ( وقيل : يستحب أنْ
يكون خيط السبحة أزرق . ويستأنس له بقول الصادق : السُبح الزرق في أيدي شيعتنا مثل الخيوط الزرق في أكسية بني إسرائيل ، بناء على إرادة زرقة خيطها لا نفس حباتها ) .
٧ ـ روي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : ( من اتخذ سبحة من تربة الحسين عليهالسلام إن سَبّح بها ، وإلا سبحت في كَفِّه ، وإذا حَرّكها وهو ساهٍ كتب له تسبيحة ، واذا حركها وهو ذاكر الله تعالى ؛ كتب له أربعين تسبحة ) .
٨ ـ وعنه عليهالسلام أنه قال : ( من سَبّح بسبحة من
طين قبر الحسين عليهالسلام تسبيحة ؛ كتب الله له أربع مائة حسنة ، ومحى عنه أربع مائة سيئة ، وقضيت له أربع مائة حاجة ، ورفع له أربع مائة درجة ، ثم قال : وتكون السبحة بخيوط
__________________________
زرق أربعاً وثلاثين خرزة ، وهي سبحة مولاتنا فاطمة
الزهراء ، لما قتل حمزة عليهالسلام عملت من طين قبره
سبحة تسبح بها بعد كل صلاة ) .
الفصل الثاني ـ السبحة الحسينية تُسبِّح عن صاحبها :
س / المستفاد من بعض الروايات السابقة ، أنّ تربة
الحسين تُسبح وإنْ لم يُسبح بها صاحبها ، فكيف يكون ذلك ؟
ج / لكي نصل إلى جواب هذا السؤال ، لابد
من بيان التالي :
أولاً ـ لا مانع من تسبيح
الجمادات أو غيرها كما هو المستفاد من كلمات أعلام المسلمين ، إعتماداً على بعض الآيات ، وهي كالتالي :
١ ـ
السيد نعمة الله الجزائري ( ١٠٥٠ ـ ١١١٢ هـ ) :
« إنّ الله سبحانه وتعالى قد رَكّبَ في الجمادات
نوعاً من العلم والشعور للخضوع والإنقياد لخالقها وبارئها
( وَإِن مِّن شَيْءٍ
إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )
. ومن هذا قال بعضهم : أن تسبيح الحصاة في كفه صلىاللهعليهوآلهوسلم
ليس بإعجاز إنما في إسماعه الصحابة ، وهذا الذي دلت عليه الأخبار فلا عدول عنه »
.
٢ ـ
الشيخ البهائي ( ٩٥٣ ـ ١٠٣٠ هـ ) :
قال الشيخ البهائي قدس الله سره ... ما
هذا لفظه : « ( يُسَبِّحُ لَهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
. هذا التسبح إما بلسان الحال ، فإن كل ذرة من
______________________
الموجودات تنادي بلسان حالها على وجود
صانع حكيم واجب الوجود لذاته . وإما بلسان المقال ، وهو في ذوي العقول ظاهر ، وأما غيرهم من الحيوانات ؛ فذهبت فرقة عظيمة إلى أن كل طائفة منها تسبح ربها بلغتها وأصواتها كبني آدم وحملوا عليه قوله تعالى : ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ
يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ) .
وأما غير الحيوانات من الجمادات ، فذهب
جمع غفير إلى أنَّ لها تسبيحاً لسانياً أيضاً ، واعتقدوا بقوله سبحانه : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) وقالوا : لو أريد به التسبيح بلسان الحال ؛ لاحتاج قوله جلَّ شأنه : ( وَلَـٰكِن
لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )
إلى تأويل ؛ وذكروا الإعجاز في تسبيح الحصى في كف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ليس من حيث نفس التسبيح ، بل من حيث إسماعه للصحابة وإلا فهي في التسبيح دائماً ، إنظر مفتاح الفلاح ص ١٠١ ط مصر »
.
٣ ـ
الشيخ أبو عبد الله القرطبي ( ... ـ ٦٧١ هـ )
في قوله : « ( وَإِن مِّن شَيْءٍ
إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )
. واختلف في هذا العموم ، هل هو مخصص أم لا ؟ فقالت فرقة : ليس مخصوصاً به تسبيح الدلالة ، وكل مُحَدَث يشهد على نفسه بأن الله عَزَّ وجَلَّ خالق قادر .
وقالت طائفة :
هذا التسبيح حقيقة ، وكل شيء على العموم يُسبِّح تسبيحاً لا يسمعه البشر ولا يفقهه ، ولو كان ما قاله الأولون من أنه من أثر الصنعة والدلالة لكان أمراً مفهوماً ، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يَفقه ـ إلى
__________________________
أنّ قال : فالصحيح أن الكل يُسبح للأخبار
الدالة على ذلك ، ولو كان ذلك التسبيح دلالة ، فأي تخصيص لداود ؟ وإنما ذلك تسبيح
المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا . وقد نصَّت السنة على ما دَلّ عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء ، فالقول به أولى » .
ثانياً ـ بعد ثبوت تسبيح
الجمادات فلا غرابة من تسبيح تربة الحسين عليهالسلام بيد صاحبها وحاملها وإن لم يُسبح بها ، فإنّ هذا التسبيح خاص ، حيث أنّ السبحة الحسينية تُسبح لله عن صاحبها وحاملها من دون سماع لغتها وصوتها ، ويحسب له ثواب ذلك كما مَرّ من روايات أهل البيت عليهمالسلام وهم أعرف بخصوصية هذه التربة الزكية من غيرهم ، فهل في ذلك مانع ؟ وإذا كانت سبحة التربة الحسينية محل إستغراب ، فلماذا لا يُستغرب مما ذكره التاريخ في تسبيح سبحة أبي مسلم الخولاني ؟!! .
« كان أبو مسلم الخولاني بيده سبحة
يُسبِّح بها فنام والسبحة بيده ، فاستدارت وإلتَفّت على ذراعه وجعلت تُسبِّح ، فإلتَفَتَ إليها وهي تدور في ذراعه ، وهي تقول : سبحانك يا منبت النبات ، ويا دائم الثبات ، فقال
__________________________
لزوجته : هلمّي يا أم مسلم وأنظري أعجب
الأعاجيب ، فجاءت والسبحة تدور تُسبِّح ، فلمّا جلست سكتت » .
الفصل الثالث ـ السبحة الحسينية حرز وأمان :
( في الحديث المعتبر ، أن الصادق صلوات
الله عليه لما قدم فسألوه : عرفنا أن تربة الحسين عليهالسلام
شفاء من كل داء ، فهل هي أمان أيضاً من كل خوف ؟ فقال : بلى ، من أراد أن تكون التربة أماناً له من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة منها بيده ويقول ثلاثاً : « اَصْبَحْتُ اَللّهُمَّ مُعْتَصِماً بِذِمامِكَ
الْمَنيعِ ، الَّذي لا يُطاوَلُ وَلا يُحاوَلُ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ غاشِم وَطارِق ، مِنْ سائِرِ مَنْ
خَلَقْتَ ، وَما خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ الصّامِتِ وَالنّاطِقِ ، في جُنَّة مِنْ كُلِّ مَخُوف
بِلِباس سابِغَة وَلاءِ اَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ ، مُحْتَجِباً مِنْ كُلِّ قاصِد لي اِلى اَذِيَّة بِجِدار
حَصين الْاِخْلاصِ فِي الْاِعْتِرافِ بِحَقِّهِمْ ، وَالتَّمَسُّكِ بَحَبْلِهِمْ ، مُوقِناً اَنَّ
الْحَقَّ لَهُمْ وَمَعَهُمْ وَفيهِمْ وَبِهِمْ اُوالي مَنْ والَوْا ، وَاُجانِبُ مَنْ جانَبُوا ، فَاَعِذْني اَللّهُمَّ بِهِمْ
مِنْ شَرِّ كُلِّ ما اَتَّقيهِ ، يا عَظيمُ حَجَزْتُ الْاَعادِيَ عَنّي بِبَديعِ السَّمواتِ وَالْاَرْضِ ، اِنّا ( جَعَلْنَا مِن
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا
يُبْصِرُونَ )
» . ثم يُقبِّل السبحة ويمسح بها عينه ويقول : «اللَّهُمَّ انِّي أسأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ
التُربَةِ المُبارَكَةِ وَبِحَقِّ صاحِبِها ، وبِحَقِّ جَدِّهِ وَبِحَقِّ أبيهِ ، وبِحَقِّ أُمِّهِ
وبِحَقِّ أخيهِ ، وَبِحَقِّ وُلدِهِ الطاهِرينَ ، اجْعَلْها شِفاءً مِنْ كُلِّ داء ، وأماناً مِنْ كُلِّ خَوف ،
وَحِفظاً مِنْ كُلِّ سُوء » ، ثم يجعلها على جبينه ، فإنْ عمل ذلك صباحاً ؛ كان في أمان الله تعالى حتى يمشي ، وإنْ عمله مساءً كان في أمان الله تعالى حتى يصبح )
.
__________________________


توطئة حول الإستشفاء والطب :
من الواضحات أنّ تعاطي الدواء والأخذ
بوسائل الطب والصحة موافق للعقل والشرع ، أما العقل ؛ فلأن في ذلك جلباً للمنفعة ودفعاً للمفسدة . وأما الشرع ؛ فلما جاء من الأحاديث النبوية الكثيرة المتعلقة بالطب الوقائي والعلاجي . كما أن الأدوية أسباب خلقها الله للشفاء من الأمراض ، فالأخذ بها أخذ بسنة الله في خلقه ؛ ولذا رأيت قبل الدخول في بحث التداوي والإستشفاء بالتربة الحسينية ، أنْ أستعرض بعض الأمور التي لها فائدة وتعلق بالبحث المذكور ، وهي كالآتي :
معنى
الإستشفاء والطب :
« الإستشفاء :
طلب الشفاء . والشفاء رجوع الأخلاط إلى الإعتدال »
.
« الطب :
علاج الجسم والنفس » .
« والطبيب :
العالم بالطب ، وهو في الأصل الحاذق في الأمور العارف بها ، وجمع القلة ( أطِبَّة ) والكثرة أطباء . الطبيب الحق هو الله تعالى ؛ لأنّه
العالم بحقيقة الداء والدواء ويسمى غيره رفيقاً ؛ لأنه يرفق بالمريض ويحميه ما يخشى ويطعمه ماله الرفق . قيل : ولا يطلق الطبيب عليه إسماً »
. ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام
: ( قال موسى بن عمران
: يا رب من أين الداء ؟ قال : مني . قال : فالشفاء ؟ قال : مني . قال : فما يصنع عبادك بالمعالج ؟ قال : يطيب بأنفسهم ، فيومئذ سمي المعالج الطبيب )
.
__________________________
مبدأ
ظهور الطب :
إختلف المؤرخون في مبدأ ظهور الطب على أقوال :
١ ـ أنّ سحرة اليمن هم الذين وضعوا أساس
علم الطب .
٢ ـ وفئة تذهب إلى أنّ المصريين هم الذين
وضعوا أساس هذا العلم .
٣ ـ ويرى البعض أنهم سحرة فارس .
٤ ـ وفئة رابعة تذهب إلى أن الهنود ، أو
الصقالبة ، أو قدماء اليونان ، أو الكلدان هم الذين وضعوا أساس هذا العلم .. .
٥ ـ إنّ صناعة الطب مبدؤها الوحي والإلهام
، وإلى هذا ذهب الشيخ المفيد ( قده ) حيث قال : « الطب صحيح والعلم به ثابت وَطرِيقُه الوحي ، وإنما أخذ العلماء به عن الأنبياء عليهمالسلام ، وذلك أنه لا
طريق إلى علم حقيقة الداء إلا بالسمع ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلا بالتوقيف ، فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيات تعالى » . وهذا القول هو
الأقرب إلى الصواب ، أي أساس هذا العلم من وحي السماء ، إلا أنّه بعد مرور الزمن إجتهد الناس حسب التجربة والدراسة ؛ فتوسعوا في هذا العلم ، وهذا ما نراه في الطب الحديث من الإكتشافات الطبية حسب إكتشاف الأمراض المستجدة .
أهمية
الإستشفاء والطب :
إهتمت الشريعة الإسلامية بحفظ الصحة
الإنسانية بقسميها البدنية والنفسية إهتماماً بالغاً ، وذلك من خلال قواعدها الأساسية في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وهما محور هذا البحث ، كالتالي :
__________________________
الطب القرآني :
إنّ القرآن المجيد هو دستور الحياة
لإصلاحها من الجهل والهمجية ، نعم هذا الكتاب المقدس فيه تبيان كل شئ ، حاوياً من الكنوز العلمية والإرشادات الدينية ما لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، ومن تلك الكنوز علم الطب ، وتظهر قيمة هذا العلم وأهميته من خلال تلك التكاليف السماوية التي لم تُشَرّع إلا لسليم العقل ، ولم يكن العقل السليم إلا في الجسم السليم ؛ ولذا كان من الحكمة واللطف الإلهي أنْ يلحظ القرآن هذه الناحية المهمة ـ أعني صحة الإنسان ـ ويهتم بها إهتماماً لا يقل عن الإهتمام بالتكاليف الشرعية لتوقفها عليها ، ولذا ذكر أسس الطب ودعائم الصحة ، كما ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام
: ( إنّ في القرآن لآية تجمع الطب كله : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )
) [ الأعراف / ٣١ ]
.
« فإنّ كافة الأطباء قد أجمعوا بعد
التحقيق العلمي المستمر والتجارب المتعاقبة ، على أنّ مدار صحة الأجسام ودعامة سلامتها هو الإعتدال ، إذا ما تعدى إلى الإفراط أو الإسراف ، أصبح وبالاً على البدن وفتح باباً واسعاً للفتك بالأجسام والنفوس . وما هذا النتاج العلمي الذي يفخر به الطب في تقدمه إلا مؤدى هذه الكلمات الثلاث : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ) حيث جمعت في طيِّها جميع أسُس حفظ الصحة وخلاصة مراميه »
.
__________________________
كما تعرض القرآن المجيد للعلاج النفسي
من خلال كثير من الآيات التي منها ـ على سبيل المثال ـ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم
مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) [ يونس / ٥٧ ]
.
ـ وقوله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ
إِلَّا خَسَارًا )
[ الإسراء / ٨٢ ]
.
وما أظن القارئ الكريم ينكر الطب
النفساني والروحاني ومدى تأثيرهما في معالجة كثير من الأمراض ، وكم قرأنا وسمعنا شواهد على ذلك أقرّها العلم الحديث ، فعلى سبيل المثال قوله تعالى : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) [ الشعراء / ٨٠ ]
.
« يقرر العلم الحديث : أنّ الإيمان له
علاقة وثيقة بالشفاء ، فالقوى المناعية في الإنسان عندما تضعف يقابلها ؛ عامل آخر لا يضعف بأي حال من الأحوال وهو عامل الإيمان ، وأنّ المعادلة التالية . توضح لنا : أنّ الثقة +
القدرة =
الشفاء ، وكلمة ( هو ) في الآية السابقة
تُعَبِّر عن الثقة .. وكلمة ( يشفين )
تعبر عن القدرة ، كما أثبتت الأبحاث مؤخراً أنّ كثيراً من الأمراض المستعصية : كالسرطان والروماتيزم والذبحة الصدرية والإِنهيار العصبي ، ما هي إلا أعراض بدنية تُعَبِّر عن حالات نفسية ناشئة عن إضطراب نفسي مثل : القلق والخوف والغضب ، أدّت إلى صدور أوامر من العقل الباطن للأعضاء المصابة كوسيلة من وسائل تدمير النفس والرغبة في إنهاء الحياة ، في حين أنّ الصراع من أجل الحياة ينبع من داخل الإنسان ؛ لأنه خُلِقَ ولديه الوسائل الدفاعية التي لو إستخدمت الإستخدام الصحيح ؛ لأمَدّتُه بقوة هائلة ، تؤدي به إلى الشفاء ،
بل وتقيه المرض » . وقوله تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [ الرعد / ٢٨ ] .
إنّ الباحثين والأطباء توصلوا إلى أنّه
لا علاج لهذه الأمراض إلا الإيمان بالله . « فيقول وليم جيمس ـ أستاذ علم النفس ، بجامعة هارفاد : إنّ أعظم علاج للقلق ولا شك هو الإيمان »
. ويقول الدكتور « كارل بونج » ـ من أعظم أطباء علم النفس ـ إنّ كل المرضى
الذين إستشاروني خلال الثلاثين سنة الماضية من كل أنحاء العالم ، كان سبب مرضهم هو نقص إيمانهم وتزعزع عقائدهم ، ولم ينالوا الشفاء إلا بعد أن استعادوا إيمانهم »
.
الطب النبوي :
إهتم نبينا العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
بمعالجة الجسد كإهتمامهم بمداواة الروح ، فهم أطباء الروح والجسد ؛ أما النبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم
صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآلهوسلم
؛ فقد وردت عنه من التعاليم والإرشادات الصحية ما تستوف حد الحصر ، وكلها أصول ترتكز عليها قواعد هذا الفن وتدعم بها أركانه ، فقد أشتهر عنه التالي :
١ ـ ( تداووا ، فما أنزل الله داء إلا وأنزل معه
الدواء ، إلا السام فإنه لا دواء له ) .
٢ ـ ( المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ،
وأعط كل بدن ما عود ) .
٣ ـ ( روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة ) .
__________________________
وأما صنو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
؛ فقد إهتم بهذا الشأن ، ومن أقواله المشهورة :
ـ ( العالم ثلاثة ، الفقه للأديان ، والطب للأبدان
، والنحو للسان ) .
ـ ( لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فإنّ
القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء ) . وقوله لإبنه
الإمام الحسن عليهالسلام : ( يا بني ، ألا أعلمك
أربع كلمات تستغني بها عن الطب ؟ فقال عليهالسلام : بلى . قال : لا
تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه ، وجَوِّد المضغ ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء ، فإذا إستعملت هذه إستغنيت عن الطب ) .
وأما حفيده الإمام الصادق عليهالسلام ، فقد كان عصره عصر
إبتداء النهضة العلمية في الجزيرة العربية ، حيث إتجهت نحو طلب العلوم ، وكان ذلك الوقت مُلائِمَاً والظروف مساعدة له على بَثِّ ما لديه من تلك الكنوز القرآنية ، التي وصلته من آبائه عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فقد ظهر من أقواله وآرائه الطبية ، فيما كتبه تلامذته الخواص .
فقد جمع المفضل بعضاً منها في كتابه
المروي عنه المسمى بـ ( توحيد المفضل ) ، والدكتور محمد الخليلي في كتابه
المسمى بـ ( طب الإمام الصادق )
وغيرهما من الكتب . وأما الإمام الرضا عليهالسلام
، فقد كتب للمأمون العباسي ( الرسالة الذهبية )
المشتملة على الطب النبوي ، هذه الرسالة التي عَبّر عنها
__________________________
الدكتور محمد علي البار بقوله : « ولا
تعتبر هذه أول رسالة في الطب يكتبها مسلم فحسب ، بل تعتبر أول رسالة في الطب تؤلف في التاريخ الإسلامي ، حيث أنّ ما كتب قبلها لا يعدو ترجمات من كتب اليونان والسريان الطبية . وهذه الرسالة تختلف عن كل ما كتب ، إنها ضمت معلومات الإمام الرضا الطبية التي إستفادت بدون شك من الطب اليوناني ... » .
أقول : يمكن مناقشة الدكتور البار في
قوله : « التي إستفادت بدون شك من الطب اليوناني » . إنّ الشك موجود ، حيث أنّ أئمة أهل البيت عليهمالسلام علومهم مأخوذة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، هذه هي إستفادتهم ، ومن الشواهد على ذلك ، ما ذُكِرَ في محاروة الإمام الصادق عليهالسلام
مع الطبيب الهندي ( فقال له الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليهالسلام : أخذته عن آبائي عليهم
السلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عن جبرائيل ، عن
رب العالمين جلّ جلاله ، الذي خلق الأجساد والأرواح . فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا اله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله وعبده ، وأنك أعلم أهل زمانك )
.
آراء حول الطب النبوي :
من الأمور التي تلفت أنظار القُرّاء ،
ما ورد في الطب النبوي من وصفات طبية ، التي قد يستفيد منها المريض أو لا يستفيد ، ومن هذا الباب الرقية بالعوذات والأدعية ونحوها ، وأين هذا من طب الأبدان ؟ وما هو موقف أعلام المسلمين من ذلك ؟
والإجابة على هذا التساؤل بشكل إجمالي يُستفاد مما
يأتي :
__________________________
رأي الشيعة الإمامية :
١ ـ الشيخ الصدوق ( ـ ٣٨١
هـ ) :
قال : « إعتقادنا في الأخبار الواردة في
الطب أنها على وجوه : منها ما قيل على هواء مكة والمدينة ، فلا يجوز إستعماله في سائر الأهوية . ومنها ما أخبر به العالم ـ الإمام ـ
على ما عرف من طبع السائل ولم يعتبر بوصفة ؛ إذ كان أعرف بطبعه منه . ومنها ما دَلّسَهُ المخالفون في الكتب ؛ لتقبيح صورة المذهب عند الناس . ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله . ومنها ما حُفِظَ بعضه ونُسِيَ بعضه .
وما روي في العسل أنّه شفاء من كل داء ،
فهو صحيح ، ومعناه شفاء من كل داء بارد . وما ورد في الإستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير ، فإنّ ذلك إذا كان بواسير من الحرارة . وما روي في الباذنجان من الشفاء ؛ فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات ، فأدوية العلل الصحيحة عن الأئمة عليهمالسلام
؛ هي الأدعية وآيات القرآن وسوره على حسب ما وردت به الآثار ، بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة »
.
٢ ـ الشيخ المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) :
قال : « والأخبار الواردة عن الصادق ( الصادقين
) مُفَسّرة بقول أمير المؤمنين عليهالسلام
: ( المعدة بيت الأدواء
( الداء ) ، والحمية رأس الدواء ، وعُوِّد كل بدن ما إعتاده .
وكان الصادقون عليهالسلام يأمرون بعض أصحاب
الأمراض باستعمال ما يَضُرّ بمن كان به المرض فلا يضره ، وذلك لعلمهم عليهمالسلام
بانقطاع سبب المرض ، فإذا إستعمل الإنسان ما يستعمله ؛ كان مستعملاً له مع الصحة من حيث لا يشعر
__________________________
بذلك ، وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالى
على سبيل المعجزة لهم والبرهان ؛ لتخصيصهم به وخَرْق العادة بمعناه ، فظن قوم أنّ ذلك الإستعمال ، إذا حصل مع مادة المرض ؛ نفع ، فغلطوا فيه وإستضروا به ( فيه ) » .
رأي السنة والجماعة :
١ ـ الحافظ السيوطي ( ٨٤٩ ـ ٩١١ هـ ) :
« وفي مقدمة مخطوط كتاب ( المنهج السوي
والمنهل الروي في الطب النبوي ) للحافظ السيوطي : فائدة ـ قال الخطابي
: إعلم أنّ الطب على نوعين : الطب القياسي : وهو طب اليونان الذي يُستعمل في أكثر البلاد ، وطب العرب والهند : وهو طب التجارب ، وأكثر ما وصفه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
إنما هو على مذهب العرب إلا ما خص به من العلم النبوي من طريق الوحي ، فإنّ ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء وتعرفه الحكماء ، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب عصمه الله أنْ يقول إلا صدقاً ، وأنْ يفعل إلا حقاً »
.
٢ ـ ابن خلدون ( ٧٣٢ ـ ٨٠٨ هـ ) :
يقول ابن خلدون : « وللبادية من أهل
العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص ، متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه ، وربما يصحُ منه البعض ، إلا أنه ليس على قانون طبيعي ، ولا على موافقة المزاج . وكان عند العرب من هذا الطب كثير ، وكان فيهم أطباء معروفون ، كالحارث بن كلدة وغيره . والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل ، وليس من الوحي في شيء ، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب ، ووقع في
__________________________
ذكر أحوال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من نوع ذكر أحواله
التي هي عادة وجبلة ، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل ، فإنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما بعث ليعلمنا
الشرائع ، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات . وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع ، فقال : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) . فلا ينبغي أن
يُحمل شئ من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع ، فليس هناك ما يدل عليه ، اللهم إلا إذا إستعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني ، فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي ، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية ، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل » .
٣ ـ الدكتور محمد علي البار ( معاصر ) :
ويمكن تلخيص رأيه من خلال مناقشته لإبن
خلدون وهي ، التالي : « وعبارة ابن خلدون فيها شيء من الوقاحة ؛ إذ يصف الطب النبوي بأنه من قبيل طب البادية المبني على تجربة قاصرة ، والمتوارث عن مشايخ الحي وعجائزه .. كما أنّ التعبير عن الطب النبوي بأنه غير مشروع أمر غامض ! والمشروع يندرج تحته الواجب والمندوب والمباح .
وكون رسول الله لم يبعث ليعلمنا الطب لا
يعني أنه يقول في الطب وفي غيره من العاديات بجهل .. وهو أكمل الخلق وأرجحهم عقلاً .. وقد وهبه الله من المعارف اللدنية الربانية التي جعلته لا يقول إلا حقاً في هزل وجد .. ويزعم ابن خلدون أنّ علاج المبطون الذي أصيب بالإسهال بالعسل ليس إلا من قبيل التبرك وصدق العقد الإيماني .. نحن نعلم الآن أنّ العسل من خير الأدوية لحالات
__________________________
الإسهال الشديد .. فهو سهل الهضم سريع
الإمتصاص من جدار الأمعاء والمعدة ، لا يسبب تخمراً مثل السكريات الثنائية ( السكر العادي ) .
وإبتدأت المحافل الطبية تهتم بفوائد
العسل الطبيعية في أوروبا وأمريكا وروسيا ، وهناك العديد من الأبحاث الطبية التي تعرض لفوائد العسل وليس مجالها هنا .. ولكننا ذكرنا نبذة يسيرة ؛ ليعلم من ينحون منحى ابن خلدون ، أنّ للعسل فوائد علاجية للمبطون وغيره .. وليس ذلك فقط من قبيل التبرك وصدق العقد الإيماني » .
وقال
أيضاً :
« ومن عجب أننا انحتاج إلى إثبات صدق
أحاديث المصطفى صلوات الله عليه إلى ما يقوله الطب الحديث .. لأننا نواجه أقواماً قد إعتقدوا إبتداءً خطأ نبيهم فيما أورده في هذا المجال .. ولو كان إيمانهم عميقاً ؛ لما إحتجنا إلى إثبات
صدق هذه الأحاديث الصحيحة ، وإصابتها كبد الحقيقة إلى ذكر الإكتشافات العلمية .. ولكان ذكر الحديث النبوي الصحيح دليلاً في ذاته على صدق الإكتشافات العلمية الحديثة لا العكس .. إذ أنّ نور النبوة الوضّاء لا يحتاج إلى من يكشف له المجاهيل .. وإنما المجاهيل والظلمات المحيطة بها محتاجة إلى وهج نور النبوة ؛ لكي تضاء ويمكن السير فيها على هدى . وأخطر ما في قول ابن خلدون ، ومن نحا نحوه ، تركيزه على قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: « أنتم أعلم بأمور دنياكم » فقد إتخذها حجة لنفي كل ما ورد عن النبي صل الله عليه وآله وسلم في العاديات ومنها الطب » .
__________________________
٤ ـ الدكتور محمود ناظم النسيمي ( معاصر
) :
وخلاصة رأي الدكتور النسيمي كالتالي : «
إنّ معظم ما جاء في الطب النبوي إنما هو من باب حفظ الصحة والطب الوقائي ، وليس غريباً أنْ يكون الأمر كذلك ؛ لأنّ التخطيط الصحي والتوعية الصحية إنما هما من مهام الدولة ، ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام أول مؤسس لدولة إسلامية على أساسٍ من شَرْع الله الحكيم . ومن أجل ذلك كانت التعاليم والمناهج الصحية في الإسلام كثيرة . منها ما هو موجود في نصوص آيات القرآن العظيم مؤكداً المهمة الصحية للرسول الكريم ، فعلى الرسول أنْ يُبلّغها أيضا ، وأنْ يبين بإلهام من الله تعالى ما يتعلق بها من إيضاح وتفسير وأحكام ، إستجابة لقوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ )
[ النحل / ٤٤ ]
. والتبيان أمر زائد على التبليغ . وكما أنّ في القرآن أحكاماً لها مقاصد صحية يعطي تطبيقها مردوداً صحياً على المسلمين أنْ يلتزموا بها ..
وبسبب المهمة الحكومية لرسول الله
صل الله عليه وآله وسلم ، ومهمته التبيانية للقرآن الكريم ؛ جاءت التعاليم الصحية في هدي الرسول العظيم كثيرة تفوق كثيراً ما ورد في الطب العلاجي ، وتُشكِّل مع بعض الآيات القرآنية القسم الأكبر من الطب النبوي ، لَقَدْ سَهَا عن الحقائق التي أوضحتُها آنفا ، كثيرون ممن كتبوا في الطب النبوي قديماً وحديثاً ، أو علّقوا عليه كالعلامة ابن خلدون في مقدمته ، فتكلموا على الطب النبوي ـ وكان معظمه علاجي أو كأنه طب متكامل ـ فلم يروا فيه طباً واسعاً أو علاجياً ذا تأثير على مجرى الطب العربي ، ولو أنهم توسعوا في دراسة الطب النبوي ؛ لرأوا أنّ الطب الوقائي في تعاليم الرسول صل الله عليه وآله وسلم ، هو الذي ساعد في حفظ صحة الأمة
وهي معبأة للجهاد والتحرير ، وليس لها من
مناهج صحية إلا ما تنفذه بإسم الدين في فجر الإسلام قبل نهضتها الحضارية الدنيوية الكبرى » .
وقال
أيضاً :
« إني نتيجة دراستي الطب النبوي أُرجِّح
أنّ بعضها من الأول ، كقوله عليه الصلاة والسلام : ( الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين )
، فهو إلهام روحي من الله تعالى ، وتنبيه مدى الأيام لإجراء بحث علمي لتعيين طريقة إستحصال ماء الكمأة ، وتيين المرض العيني الذي يستفيد منها . ولم يعرف عن العرب قبل الإسلام ، ولا عن الطب اليوناني أو غيره ، فوائد لماء الكمأة في أمراض العين .
وقد يكون الدواء ( أو الطريقة العلاجية )
معروفاً لدى قومه عليه الصلاة والسلام ، فيقرهم وينبههم على أهميته ، أو لا يقرهم عليه . كل ذلك بوحي أو إلهام من الله تعالى ؛ لأنّ تصحيح الأخطاء الشائعة في المداواة الشعبية ، هو من مهمات الدولة ومن مهمات الرسول عليه الصلاة والسلام »
.
تعقيب واستدراك :
بعد أنْ ذكرنا آراء السنة حول الطب
النبوي ، وكان التركيز في ذلك على مقالة « ابن خلدون » ومدى مناقشتها من قبل علماء الطب المعاصرين ، فلابد من مناقشة أصل القاعدة التي إعتمدها « ابن خلدون » ومن سار على نهجه ، وقد عَبّر عنها الدكتور البار بقوله : « وأخطر ما في قول ابن خلدون ومن نحا نحوه ، تركيزه على قوله صل الله عليه وآله وسلم : « أنتم أعلم بشئوون
__________________________
دنياكم » ، فقد إتخذها حجة
لنفي كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم في العاديات ومنها الطب » .
وقد ناقش هذه القاعدة المذكورة العلامة
السيد جعفر مرتضى العاملي بقوله : « ونحن نشك في صحة ذلك ؛ إذ مضافاً إلى الإختلاف الظاهر في نصوص الرواية ، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة لا بد وأن نسأل :
لماذا يتدخل النبي الأعظم صل
الله عليه وآله وسلم فيما لا يعنيه ، وما ليس من إختصاصه ؟ ألا يعلم : أنّ الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه ، ويرتبون الأثر عليها ، ويلتزمون بها ؟!
ولماذا يُعرِّض الناس إلى هذا الضرر
الجسيم ؟! ومن هو المسئول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك ؟... ثم إنه كيف يقول ذلك لهم وهو الذي أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يكتب منه كل ما يسمع ؛ فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا حق ؟ والرواية معروفة جداً ؛ ولذا فلا حاجة إلى ذكر مصادرها .
وأيضا ... هل يمكن أنْ يُصدّق أنه
صل الله عليه وآله وسلم وقد جاوز الثلاث والخمسين سنة ، وهو يعيش في المنطقة العربية ـ هل يمكن أنْ تصدق : أنه لم يكن يعرف تأثير النخل وفائدته وأنّ النخل لا ينتج بدونه ؟! وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئاً عن ذلك ، وهو يعيش بينهم ومعهم أو على الأقل بالقرب منهم ؟!.
وأخيراً هل صحيح : أنه ليس على الناس
أنْ يطيعوه في أمور دنياهم ؟ وأنه كان يقول برأيه ؟! وهل صحيح : أنّ الإسلام يفصل بين الدين والدنيا ،
__________________________
وأنّ مصب إهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم
؟! أليس هذا بهتاناً على الإسلام وافتراءً عليه ؟! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة والإسلام بمجموعه ؟! » .
رأي السنة في الرقي والتمائم ونحوها :
بعد أنْ ذكرنا رأي السنة في الطب النبوي
، بقي شيء منه وهو العلاج بالرقي ونحوها ، وهو القسم الثاني من السؤال المتقدم ، وهذه آراؤهم كالتالي :
١ ـ الرقية : هي قراءة تعويذة
على المريض .
٢ ـ التميمة : هي الرقية
المكتوبة التي تعلق ، وقد تطلق على الرقية المقولة أو على كل ما يعلق .
٣ ـ النُشرة : وهي أن يكتب شيئاً
من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ، ثم يمسح به المريض أو يسقيه .
قال الحافظ بن حجر :
« وقد أجمع على جواز الرقي عند إجتماع ثلاثة شروط : أنْ تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره ، وأنْ يعتقد أنّ الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى . وإستدل ابن حجر لقوله عليه السلام : ( لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك )
، على أنه مهما كان من الرقي يؤدي إلى الشرك يمنع ، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أنْ يؤدي إلى الشرك ؛ فيمنع إحتياطاً »
.
__________________________
وقال النووي :
« لا مخالفة بل المدح في ترك الرقي المراد بها الرقي التي هي من كلام الكفار ، والرقي المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه ، فهذه مذمومة ؛ لإحتمال أنّ معناها كفر أو قريب منه أو مكروه . وأما الرقي بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة ؛ فلا نهي فيه بل هو سنة . ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين : أنّ الواردة في ترك الرقي للأفضلية ، وبيان التوكل في فضل الرقي ؛ لبيان الجواز ، مع أنّ تركها أفضل ، وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه . والمختار الأول . وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقي بالآيات وأذكار الله تبارك وتعالى .. »
.
وقال الإمام ابن التين في شرحه لصحيح البخاري :
« الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى ، هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى »
.
وقال ابن الجوزيه :
« ومن جَرّبَ هذه الدعوات والعوذ ؛ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه وإستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح والسلاح بضاربه » .
وقال القرطبي في تفسيره :
« واختلف العلماء في النشرة فأجازها سعيد بن المسيب ، قيل له : الرجل يؤخذ عن امرأته أيحل عنه وينشر ؟ قال : لا بأس به ، وما ينفع لم ينه عنه . ولم ير مجاهد أن تكتب آيات القرآن ثم تغسل ثم تسقاه صاحب
__________________________
الفزع . وكانت عائشة تقرأ بالمعوذتين في
إناء ، ثم تأمر أن يصب على المريض ، ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي » . راجع التفاصيل
في التفسير المذكور . وقال الشيخ عبد الله الصديق : «وأما كتابة شيء من القرآن ، أو الأدعية وتعليقه على عنق الصحيح أو المريض للإستشفاء ؛ فجائز على الراجح » .
هذه خلاصة آرائهم في المسألة ، ومن أراد
التوسع ؛ فعليه بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم الفقهية .
__________________________

توطئة
:
من الأسئلة التي تثار حول الشيعة الإمامية السؤال
التالي :
س / المعروف لدى علماء المذاهب الإسلامية الأربعة ؛
أنّ أكل الطين محرم ؛ فلماذا الشيعة الإمامية تخالفهم في ذلك بأكلها طين وتراب قبر الحسين عليهالسلام ؟
ج / صحيح أنّ المذاهب الإسلامية الأربعة
تذهب إلى حرمة أكل الطين ، وكذلك الشيعة الإمامية تذهب إلى ذلك ، وإليك آراء الجميع كالتالي :
آراء
المذاهب الأربعة :
١ ـ ذهب الأحناف : ـ كما ذكر ابن
عابدين ـ : وأيضاً ضبط أهل الفقه حرمة التناول ؛ إما بالإسكار كالبنج ، وإما بالإضرار بالبدن كالتراب والترياق ، أو بالإستقذار كالمخاط والبزاق ، وهذا كله فيما كان طاهراً . فالقاعدة عندهم أن الجمادات ما عدا المسكرات فإنها تبني أحكامها على ثبوت الإضرار على الغالب ، وإذا تحقق الضرر على شخص بعينه ؛ كان محظوراً عليه دون سواه ؛ لأنه لا يلزم من إضراره بالبعض أن يكون مضراً بالآخرين .
٢ ـ ذهب الحنابلة : إلى حرمة أكل ما
من شأنه الضرر كالتراب والفحم والطين ، وكذلك السم ، وهذا أخطر ؛ لأنه يؤذي إلى القتل غالباً . والأصل عندهم كما عند غيرهم : أنّ الأصل في الطاهرات الحل بشرط ألا يكون ضاراً .
٣ ـ ذهب المالكية : إلى حرمة تعاطي أي
شيء يغطي العقل من النبات وغير النبات ، وكذلك إذا كان يضر به أو بالبدن . وفي القوانين : جميع
__________________________
المطعومات ضربان : حيوان أو جماد ، نبات
أو غيره . فالجماد كله حلال إلا النجاسات ، وما خالطته نجاسة ، والمسكرات والمضرات كالسموم . ونقل صاحب أسهل المدارك ، عن الدردير في أقرب المسالك : والمحرم ما أفسد العقل أو البدن . فالقاعدة عند
المالكية ـ كما عند غيرهم ـ أن كل ما يذهب بالعقل أو يضر بالبدن هو حرام .
٤ ـ ذهب الشافعية : إلى حرمة تناول ما
يضر البدن ، كالحجر والتراب والزجاج والسم ، وإنْ كانت هذه الأشياء طاهرة نظراً للضرر الناتج عن تناولها .
رأي
الشيعة الإمامية :
قال الشيخ الطوسي ( قده ) :
« الطين الذي يأكله الناس حرام لا يحل أكله ولا بيعه »
. وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « يحرم أكل الطين في الجملة بالإجماع ، ولما قيل بإنهاكه القوة وإيراثه الضعف في البنية والشهوة . وقال : إستثنى أصحابنا من ذلك طين قبر الحسين عليهالسلام
للإستشفاء ؛ لما اشتهر في النقل الشريف أنّ الأئمة عليهمالسلام
من ذريته ، والإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته . وعلم أيضاً الشفاء بتجربة معتقدي إمامته تجربة تفيد العلم ؛ فيكون تناوله سائغاً ؛ إذ لا شفاء في محرم »
. وقال بعض المعاصرين : «وكذا يحرم الطين عدا اليسير الذي لا يتجاوز قدر الحمصة من تربة الحسين عليهالسلام للإستشفاء ، ولا
__________________________
يحرم غيره من المعادن والأحجار والأشجار
مع عدم الإضرار » . وإستثنى بعضهم : « ولا بأس بأكل طين الأرمني ، وطين داغستان للتداوي » .
س / على أي أساس يجوز أكل التربة الحسينية ـ أعني
القليل منها ـ مع العلم أن الحرمة لأكل الرمل أو التراب مؤكدة ، ولماذا لم ترد الأحاديث بتربة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الإمام ... ؟
ج / يختص الجواز في التربة الحسينية بما
لا يتجاوز قدر حمصة ، ويكون الغرض للإستشفاء وهذا الحكم تخصيص لحرمة أكل الطين واستثناء منها ويختص بتربة الحسين عليهالسلام دون سائر
المعصومين والله العالم بأسرار أحكامه .
خلاصة
واستنتاج :
بعد عرض آراء أئمة المذاهب الأربعة
والشيعة الإمامية في مسألة « أكل الطين » ، يمكن القول بالتالي :
١ ـ إتفاق علماء المذاهب الإسلامية
الأربعة على حرمة أكل الطين ، بناءً على وجود الضرر بأكله .
٢ ـ إتفاق علماء المذهب الشيعي الإمامي
على حرمة أكل الطين والتراب ؛ لتضرر الإنسان بأكله ، فهم يوافقون المذاهب الأربعة في ذلك .
٣ ـ أجازوا التداوي بالقليل من تربة
الحسين عليهالسلام
بمقدار الحمصة ، لأدلة إعتمدوها وسيأتي بحثها ، ومع هذا لم تخالف الشيعة الإمامية جمهور
__________________________
المسلمين كما زعم السائل ، بل إنّ
المسلمين في القرن الأول كانوا يستخدمون تربة الحمزة وغيره من الأصحاب للتداوي والبركة كما سيأتي .

تحديد
التربة الحسينية :
س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد
متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » .
جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره
الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ما حول القبر إل سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء » .
ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر
الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية .
__________________________
س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسين عليهالسلام أم لا ، ماذا يصنع ؟
جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة
بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة » .
وقال الشيخ المامقاني ( قده ) :
« ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »
.
طريقة
الإستشفاء :
س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟
جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه
كلماتهم كالتالي :
قال المحقق الأردبيلي ( قده ) :
« الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ
)
؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقال عليهالسلام
له : إفعل كذا وكذا . وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة
__________________________
الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون
مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور » .
وقال الفقيه السبزواري ( قده ) :
« لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها » .
وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :
وللحسين تربة فيها الشفا
|
|
تشفي الذي على الحِمام أشرفا
|
المقدار
المحدد للإستشفاء :
س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليهالسلام ؟
ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر
المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص .
وقال الشيخ الأعسم :
حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ
|
|
تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة
|
وقال الفاضل المقداد ( قده ) :
« قيد الشيخ في ( النهاية )
المتناول باليسير ، وهو حسن . وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً . ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير
بالإضافة
__________________________
إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير
بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهم عليهمالسلام : من أكل زائداً
عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا » .
وقال الشيخ المجلسي ( قده ) :
« .. وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط عدم التجاوز عن
مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
: إنّ الناس يروون أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً . فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس »
.
إيضاح
واستنتاج :
« الحِمّصة :
واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي . والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »
.
القيراط الصيرفي :
« هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »
.
والقيراط :
« هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) . وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ
__________________________
أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »
. فالنتيجة أن
الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً .
الدعاء
عند الإستشفاء بتربة الحسين ( عليهالسلام
) :
وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة
الحسينية مذكورة في كتب المزار
نذكر منها التالي :
عند
تناول التربة وأخذها :
قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :
لها دعاءانِ فيدعو الداعي
|
|
في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ
|
١ ـ عن أبي أسامة قال
: ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادق عليهالسلام ؛ فأقبل علينا أبو
عبد الله عليهالسلام فقال : إنّ الله
جعل تربة جدي الحسين عليهالسلام شفاء من كل داء ،
وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل : اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) .
٢ ـ عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : ( إذا تناول
أحدكم من طين قبر الحسين عليهالسلام
فليقل : اللّهُمَّ إنّي
أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،
__________________________
والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه
شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) .
٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفر عليهالسلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسين عليهالسلام فقل : ( اللّهُمّ بِحَقِّ
هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد
وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ
خَوْفٍ ) .
٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل : ( بِسْم الله ،
اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ
جَدِه وأبيه وأمه
وأخيه والمَلائِكةِ
الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ
دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ
به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) .
٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادق عليهالسلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسين عليهالسلام من الأدوية
المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها
__________________________
أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا
تناولت ؛ فقل : اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك
بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ
شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها ) .
عند
أكلها للإستشفاء :
١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادق عليهالسلام : ( طين قبر الحسين عليهالسلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛ فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) .
٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام أنه قال : ( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليهالسلام غير مستشفٍ به
فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه
، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ
كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،
__________________________
وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ
. فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) .
٣ ـ عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ( طين قبر الحسين عليهالسلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً
نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) .
٤ ـ وروي عنه عليهالسلام قال : ( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه
التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ
عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) .
٥ ـ وروي عنه عليهالسلام قال : ( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك
فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ،
والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف
ودَاءِ . فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) .
عند
حملها للإحتراز :
ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادق عليهالسلام إلى العراق إجتمع
إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو : ( أمسيت اللهم
__________________________
معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول .... إلخ ) ، .. ثم يقبل
السبحة ويضعها على عينيه ويقول : ( اللّهُمّ إنّي
أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من
كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه
فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » .
ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادق
عليهالسلام
: ( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليهالسلام
) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ )
، و ( قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ )
، و ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )
، ويس ، وآية الكرسي ، وتقول : ( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ
عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ،
وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ
الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ
الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ،
وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ
هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً
مِنْ كُلِّ خَوْفٍ . اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً
واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير ) .
__________________________
وتقول : ( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة
الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير )
.
ـ وروي عن الإمام الصادق عليهالسلام : ( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه
مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ )
.
__________________________

توطئة
:
س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ،
وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟
ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي
التالي :
الدليل النقلي :
وهو يتكون من عنصرين هما :
الأول : حث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر
ذلك في طائفتين :
الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :
١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )
.
٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )
.
٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )
.
الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :
أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها
لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )
.
ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟
قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )
.
__________________________
قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال
: تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا . ففعلوا فتركتهم الحمى )
ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى
به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبرجله قرحة ،
فرفع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طرف الحصيرة ، ثم
وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال ) .
تعقيب وإستدراك :
« قال الزركشي :
ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »
.
« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام
العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان . قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ
اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه
__________________________
السبح . وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز
نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رض الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ » .
أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب
المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسين عليهالسلام
، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!
الثاني
ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :
وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء
بتربة الحسين عليهالسلام
، وهذه بعضها كالتالي :
١ ـ عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : ( عند رأس الحسين عليهالسلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) .
٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام : ( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليهالسلام فينتفع به ويأخذ
غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) .
٣ ـ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليهالسلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) .
__________________________
٤ ـ عن الكاظم عليهالسلام في حديث ... ( ولا تأخذوا من
تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليهالسلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) .
٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن
الرضا عليهالسلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال : ( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله
به ما خلا طين قبر الحسين عليهالسلام ، فإنه شفاء من كل
داء ) .
٦ ـ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين
قبر الحسين عليهالسلام ، من أكله من وجع ؛
شفاه الله ) .
وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل
بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!
ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة
الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟
__________________________
الدليل العلمي :
يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي
والإجابة عليه .
س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليهالسلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟
ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :
الأول
ـ التبرك والإيحاء :
قال الشيخ المجلسي ( قده ) :
« وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »
وعلى هذا بعض علماء الأمامية .
وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :
« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في
شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »
.
وقال أيضاً :
« يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء . وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »
.
__________________________
وقال أيضاً :
« يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »
.
الثاني
ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :
قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) :
« أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ... ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد . فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل
__________________________
لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من
إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين » .
ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :
١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في
كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى » .
٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور
إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها . وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق » .
٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب
نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها
__________________________
.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن
لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً .
ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى
القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي . كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة . كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »
.
هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده
) في دليله المتقدم .
وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة
الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسين عليهالسلام
. كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها . وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادق عليهالسلام
بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر
__________________________
منهم يتمسحون بها ، وما تمر بشئ إلا
شَمّها . وأما الشياطين وكُفّار الجن فإنهم يحسدون ابن آدم عليها ، فيتمسحون بها فيذهب عامة طيبها ، ولا يخرج الطين من الحير إلا وقد إستعد له مالا يحصى منهم ، والله إنها لفي يدي صاحبها وهم يتمسحون بها ، ولا يقدرون مع الملائكة أنْ يدخلوا الحير ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عُولج به أحد إلا برئ من ساعته ، فإذا أخذتها فأكتمها وأكثر عليها ذكر الله جلَّ وعزَّ ، وقد بلغني أنّ بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخف به ، حتى أنّ بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار أو في وعاء الطعام ، وما يمسح به الأيدي من الطعام والخُرْج والجُوَالِقَ فكيف يستشفي مَن هذا حاله عنده ؟! ولكن القلب الذي ليس فيه اليقين من المستحق بما فيه صلاحه ؛ يفسد عليه عمله ) .
__________________________

توطئة
:
سبق أنْ ذكرت ـ في أبحاث السجود والتسبيح
والإستشفاء ـ قسماً من الأحكام المتعلقة بتربة الحسين عليهالسلام
، إلا أنها على نحو الإستدلال المقارن بين الشيعة الإمامية والسنة ، وفي هذا البحث سيتم التركيز على أحكام التربة الحسينية في الفقه الإمامي على التفصيل التالي :
١ ـ للميت :
ذكر الفقهاء أنّ للميت علاقة بالتربة الحسينية في
عدة موارد هي :
أ ـ
في الحنوط :
قال المحقق البحراني ( قده ) : « وضع
التربة الحسينية ـ على مُشَرِّفِها أفضل الصلاة والسلام والتحية ـ في حنوط الميت ، لما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز أم لا ؟ فأجاب ( عليه السلام ) وقرأت التوقيع ومنه نَسَخْتُ : يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى »
.
وقال المحقق الإصفهاني ( قده ) :
« يستحب خَلْط كافور الحنوط بشيء من التربة الشريفة ، لكن لا يمسح به المواضع المنافية لإحترامها كالإبهامين »
.
ب ـ
في الكفن :
وقال المحقق الحلي ( قده ) :
« ويكتب على الحِبرَة والقميص والإزار والجريدتين إسمه ، وأنه يشهد الشهادتين ، وإنْ ذكر الأئمة عليهم السلام وعددهم إلى آخرهم كان حسناً ، يكون ذلك بتربة الحسين عليه السلام .. »
.
__________________________
وقال شيخ الطائفة الطوسي ( قده ) :
« الكتابة بالشهادتين ، والإقرار بالنبي والأئمة ( عليهم السلام ) ، ووضع التربة في حال الدفن والجريدة إنفراد محض لا يوافقنا عليه أحد من الفقهاء
. دليلنا :
إجماع الفرقة وعملهم عليه »
.
وقال المحقق الكركي ( قده ) :
« إستحباب الكتابة بتربة الحسين عليه السلام ، ذكره الأصحاب ؛ لأنها تتخذ للبركة ، وهي مطلوب حينئذ ، ينبغي أنْ تُبَلّ التربة ، كما صَرّح به المفيد وغيره ، لتكون الكتابة مؤثرة حملاً على المعهود »
.
ج ـ في
القبر :
قال المحقق اليزدي ( قده ) :
« جعل مقدار لبنة من تربة الحسين ـ عليه السلام ـ تلقاء وجهه بحيث لا تصل إليها النجاسة بعد الإنفجار »
.
وقال المحقق الكركي ( قده ) :
« تبركاً بها ، وتيمناً ، وإحترازاً من العذاب وهو كافٍ في الإستحباب » .
٢ ـ للمصلي :
أ ـ
أحكام المسجد :
قال المحقق اليزدي ( قده ) :
« السجود على الأرض أفضل من النبات والقرطاس ، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر ، وأفضل من الجميع التربة الحسينية ، فإنها تخرق الحُجُب السبع ، وتستنير إلى الأرضيين السبع »
.
__________________________
وقال المحقق الإصفهاني ( قده ) :
« وكذا يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام ، وخصوصاً مشهد الإمام علي عليه السلام وحائر الحسين عليه السلام »
.
وقال الفقيه السبزواري ( قده ) :
« ويلحق بالمسجد المصحف الشريف والمشاهد المشرّفة ، والضرايح المقدّسة ، والتربة الحسينية ، بل تربة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وسائر الأئمة عليهم السلام المأخوذة للتبرك ، فيحرم تنجيسها إذا كان يوجب إهانتها ، ويجب إزالة النجاسة عنها حينئذ »
.
وقال أيضاً :
« لأنّ هذه كلها من المقدسات المذهبية بل الدينية في الجملة ، فيحرم الهتك والإهانة بالنسبة إليها لمكان قداستها ، ومقتضى سيرة المتدينين خلفاً عن سلفٍ حرمة التنجيس ووجوب التطهير حتى مع عدم الهتك والإهانة ، وقد ذُكِرَ لها آداب خاصة ، هذا إذا أخذت لأجل التبرك والصلاة ، وأما لو أخذت لأجل الآجر والخزف ونحوهما فلا حرمة فيها ، ومقتضى السيرة عدم حرمة التنجيس وعدم وجوب التطهير لو تنجست »
.
وقال المحقق الخوئي ( قده ) :
«لا يعتبر في الأرض إتصال أجزائها
، فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة ، وسيأتي حكم السجود على المطبوخة »
.
__________________________
س / ذكرتم في المنهاج ، في مبحث السجود : « فيجوز
السجود على السبحة غير المطبوخة .. » فالمستفاد منه عدم جواز السجود على السبحة المطبوخة . وقد صرّحتم في مسألة ٥٤٩ بأنه « يجوز السجود على الخزف والآجر والجص والنورة بعد طبخها » فهل يكون تهافت بين الموضعين أم لا ؟
ج / في النسخ المصححة لا يوجد هذا القيد .
( وهو عدم الطبخ ) .
س / عند إستعمال « التربة » للسجود ، هل يجوز
السجود على الناحية المكتوب عليها ، والمنقوشة ( مال كربلاء ، أو مشهد رضوي مثلاً ) ؟
ج / نعم يجوز .
س / توجد تُرب حسينية في بعض المساجد ، وقد صارت
تراباً وأخرج ترابها ووضع في موضع طاهر ، ثم جاء بعض المؤمنين وصَبّها مرة ثانية في قوالب وعادت تُرباً حسينية مرة أخرى ، فهل يجوز إخراجها من مسجدها الأول ؟
ج / إذا أمكن الإنتفاع بها بتلك الصورة
للصلاة لا يجوز إخراجها .
س / هل التصرف فيها بعد صيرورتها ترباً يفتقر إلى
اذن الحاكم الشرعي ؟
ج / لا يجوز التصرف المنافي ما دامت باقية
على إمكانية الإنتفاع ، وأما جعلها كالحالة الأولى فلا بأس .
س / هل يجب إرجاعها مرة ثانية بعد أن صارت تراباً ،
وهل يجل إرجاعها إلى المسجد الأول أم يجوز وضعها في كل مسجد ؟
ج / نعم ، يختص بذلك المسجد .
__________________________
س / هل يجوز لول المسجد أو وكيل الحاكم
التصرف في ترب المسجد وفرشه بنقلها منه إلى غيره مع الضرورة ، كما لو كان المسجد يضيق بالجماعة للصلاة ، ورأى الإمام أن تقدم الجماعة في مكان أوسع أو أهل البلد ، فهل يجوز للوكيل أو الول نقل التُرَب إلى ذلك المكان الذي تقام فيه صلاة الجماعة ، ثم
إعادتها إلى المسجد الذي نقلت منه ، وعلى فرض الجواز هل يجوز ذلك مطلقاً أو مخصص بالضرورة كالذي مَرّ ؟
ج / إذا كانت تلك موقوفة لذلك المحل فلا
يجوز النقل إلى غير محلّها .
س / إذا كان المسجد مستغنياً عن بعض الفرش ، وعن
بعض الترب لكثرتها فيه ، فهل يجوز نقل بعضها أو بعض الفرش إلى مسجد آخر يحتاج ؟
ج / إذا كانت موقوفة له فلا يجوز .
س / إذا كان المتعارف عند أهل البلاد بالنسبة إلى
الترب الحسينية أنهم لا يوقفونها . وإنما يهدونها ، فهل في هذه الحالة يجوز إخراجها من المسجد إذا إحتاج الناس إليها لصلاة الجماعة في مكان واسع ؟
ج / إهداء ما من شأنه أنْ يوقف يحسب وقفاً
ولا يحتاج إلى الصيغة والله العالم .
س / ذُكِرَ لنا في فتوى عدم جواز نقل الترب
الموقوفة على المسجد من المسجد ، وأشكل بعض الفضلاء بأنها ليست موقوفة على المسجد وإنما هي من باب الإهداء فيجوز نقلها من المسجد . فاعدنا الإستفتاء حول هذه المسألة فأجبتم : ( إهداء ما من شأنه أن يوقف يحسب وقْفَاً ) وبعد هذا نريد معرفة رأيكم حول
__________________________
الذين صَلّوا ولم يكونوا عالمين بالحكم مدة من
الزمن ، هل أن صلاتهم صحيحة أو لا ؟ ، وفي فرض عدم الصحة فمن شك في ما صلّى عليها ، أنه من المسجد أو من نفس المكان ، فماذا يبني ؟
ج / نعم إنّ صلاتهم محكومة بالصحة إذا
كانوا معتقدين جواز الصلاة ، وإلا فهي محكومة بالبطلان ، وما في فرض الشك فالصلاة محكومة بالصحة .
س / إذا تلفت التربة الحسينية على صاحبها آلاف
التحية والسلام ولا يمكن الصلاة بها فماذا نعمل بها ؟
ج / أجاب السيد محمد سعيد الحكيم ( دام
ظله ) : « توضع في مكان لا يعرضها للإهانة كالماء الجاري ونحوه » .
س / هل يجوز تسخين التربة الحسينية بالبخاري
الكهربائي بحيث تصبح صلبة كالخزف ، وهل يخرج بعد ذلك عن كونها تربة حسينية أم تبقى فضيلة التسبيح فيها ؟
ج / قال المحقق السيد الفاني ( قده ) : « يجوز ذلك بل هو
أحسن في صنع المسبحة قواماً وكيفية ، ولا تخرج التربة بعد صيرورتها خزفاً عن كونها أرضاً ، بجواز السجود عليها والتيمم بها ، ولكن الأفضل بل الاحوط أنْ لا يسجد على الخزف ولا يتيمم به مهما أمكن ، بل الثواب أحسن وأفضل من مطلق وجه الأرض في الموردين » .
__________________________
وقال المحقق الإصفهاني ( قده ) :
« ويستحب أن يكون تسبيح الزهراء ـ عليها السلام ـ بكل تسبيح بطين القبر الشريف ولو كان مشوياً ، بل السبحة منه تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح ، ويكتب له ذلك التسبيح وإن كان غافلاً ، والأولى إتخاذها بعدد التكبير في خيط أزرق »
.
ب ـ
صلاة المسافر :
ذكر الفقهاء في كتبهم ورسائلهم العملية :
أنّ من أماكن التخيير بين القصر والتمام ( الحائر الحسيني
الشريف ) كالتالي :
قال المحقق الحلي ( قده ) :
« أو في أحد المواطن الأربعة : مكة ، والمدينة ، والمسجد الجامع بالكوفة ، والحائر فإنه مخيّر ، والإتمام أفضل »
.
وقال المحقق الخوئي ( قده ) :
« يتخيّر المسافر بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة الشريفة ، وهي المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليهالسلام
، والتمام أفضل ، والقصر أحوط ، والظاهر إلحاق تمام بلدتي مكة والمدينة ، بالمسجدين دون الكوفة وكربلاء ، وفي تحديد الحرم الشريف إشكال ، والظاهر جواز الإتمام في الروضة المقدسة دون الرواق والصحن »
.
وقال الفقيه السيوري ( قده ) :
« وأما كونه في أحد المواطن الأربعة ؛ فهو قول الأصحاب ، وخالف أبو جعفر ابن بابويه ، والأقوى قول الأصحاب ، لأنها أماكن شريفة فناسب كثرة الطاعات فيها ولروايات كثيرة بذلك »
.
__________________________
جـ ـ
فوائد تتعلق بهذا البحث :
الأولى ـ ذكر الفقهاء : أن التخيير بين
القصر والتمام خاص بالصلاة ، وأما الصيام ؛ فهو غير جائز للمسافر بلا فرق بين الأماكن الأربعة وغيرها ، فلا يصح منه ما لم ينوِ الإقامة عشرة ، أو يبقى متردداً ثلاثين يوماً .
الثانية ـ إختلف الفقهاء
بالنسبة إلى كربلاء المقدسة ـ بعد القول بكونها محلاً للتخيير ـ من حيث تحديد المكان الخاص الذي يقع فيه التخيير ، ومسماه على أنحاء :
١ ـ الإختلاف في مسمى المكان ، فبعض
الفقهاء عبّر عنه بالحائر ، وبعض عَبّر عنه بالحرم . وهذا راجع إلى إختلاف الروايات ؛ فمنها : ما هو بلفظ الحائر ، ومنها ما هو بلفظ الحرم ، ومنها ما هو بلفظ ( عند القبر ) .
قال المحقق البحراني ( قده ) :
« وحَمْل الحرم في تلك الروايات على الحائر بإعتبار أنه أخص أفراد الحرم وأشرفها ، وتؤيده الروايات الدالة على أنه عند القبر ، فإن إطلاق العندية على البلد لا يخلو من البعد ، وأما على الحائر ؛ فهو قريب ، وإن كان المتبادر من ذلك ما كان تحت القبة الشريفة خاصة ، إلا أنّ إدخال الحائر تحت هذا اللفظ في مقام الجمع بين الأخبار غير بعيد ولا مستنكر مثل إدخال البلد ، ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار ، عن أبي عبدالله عليهالسلام أنه قال : قبر الحسين عليهالسلام
عشرون ذراعاً ، في عشرون ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة معراج الملائكة إلى السماء ... الحديث »
.
٢ ـ الإختلاف في تحديد الحائر المقدس ( على مُشَرِّفِه
أفضل التحية والسلام ) .
على أقوال أهمها التالي :
__________________________
الأول ـ محكي الشيخ المفيد في ( الإرشاد )
: « أن الحائر محيط بهم عليهالسلام إلا العباس عليهالسلام فإنه قتل على
المسناة » . وبه قال : جمع
من الفقهاء .
الثاني ـ قال المحقق اليزدي ( قده ) : « كما
أن الأحوط في الحائر الإقتصار على ما حول الضريح المبارك » .
الثالث ـ أنه مجموع الصحن المقدس .
الرابع ـ أنه الروضة المقدسة وما أحاط بها
من العمارات المقدسة ، من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها . هذه أهم الأقوال ؛ ولذا يجب على المكلف أن يعمل برأي من يرجع إليه في هذه المسألة .
الثالثة ـ قال المحقق البحراني ( قده ) : « فلتصريح جملة
منها بأن العِلّة في الإتمام إنما هو تحصيل الثواب بكثرة الصلاة في هذه الأماكن ، وأنه من المخزون والمذخور ونحو ذلك من ما يدل على أنه العلة في الإتمام إنما هو شرف هذه البقاع » .
قال المحقق النجفي ( قده ) ـ نقلاً عن المدارك : « .. وأوضح ما وصل
إلينا في ذلك مُسْنَداً خبر حماد بن عيسى ، عن أبي عبدالله ( عليهالسلام ) قال : من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم رسوله ( صل الله عليه وآله
) ، وحرم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وحرم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) » .
__________________________
٣ ـ للإستشفاء :
إهتم الفقهاء بهذه التربة الشريفة ،
بناء على روايات كثيرة وخصوصاً في التبرك والإستشفاء بها ، وقد ذكرت بعض الأحكام في ضمن الأبحاث السابقة وبقيت بعضها ، ويمكن تلخيصها في جواب السؤال التالي :
س / هل يجوز تناول التربة الحسينية لغير الإستشفاء
أم لا ؟
ج / قال الفقيه ابن إدريس ( قده ) : « .. ولا يجوز
الإكثار منه ، ولا الإفطار عليه يوم عيد الفطر على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مصباحه ، إلا أنه عاد عنه في ( نهايته ) ، فإنه قال : ولا يجوز أكل شيء من الطين على إختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين عليهالسلام ، فإنه يجوز أن
يؤكل منه اليسير للإستشفاء به » .
وقال المحقق النجفي (قده) :
« وعلى كل حال ، فإنما يجوز أكل طين القبر للإستشفاء دون غيره ولو
للتبرك في عصر يوم عاشوراء ويومي عيدي الفطر والأضح ، كما هو صريح بعضٍ وظاهر الباقين .. » .
وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « يستثن من الطين طين قبر الحسين عليهالسلام
للإستشفاء فإنِّ في تربته المقدسة الشفاء من كل داء ، وأنها من الأدوية المفردة ، وأنها لا تمر بداء إلا هضمته . ولا يجوز أكلها لغير الإستشفاء ، ولا أكل ما زاد علي الحِمَّصَة المتوسطة ، ولا يلحق به طين غير قبره من قبور سائر المعصومين عليهم السلام عل الأحوط لو لم يكن أقو ، نعم لا بأس بأن يمزج بماء
أو مائع أخر شربة للتبرك والإستشفاء بذلك الماء أو المائع الآخر » .
__________________________
وقال الشيخ المامقاني ( قده ) :
« ولا يختص الإستشفاء بها بمرض خاص ، بل يعم جميع الأمراض والأورام والآلام والأوجاع وغيرها ، مخوفاً كان المرض أو لا ؛ سهل العلاج كان أو عسره ، أو غير ممكن العلاج ، أمكن مراجعة الطبيب أو لم يكن ، والهم والغم والتعب والكسل ونحوها من الآلام النفسانية بحكم المرض إذا بلغت إلى حد صدق معها المرض ، وطريق العلاج حتى في الأمراض الخارجية ، وهو الإستشفاء بالأكل دون اللطخ ، وإن كان اللطخ على العين ونحوه ولا أظن به بأساً . والأظهر إختصاص جواز أكله بصورة الإستشفاء للصحيح أكله سواء كان بشهوة أو بقصد سلامة الأمراض . ولا فرق في كيفية الإستشفاء بين أكله وحده وبين خلطه بماء ونحوه ، وقد ورد خلطه بعسل وزعفران وماء مطر وتفريقة على الشيعة ليستشفوا به
ويجوز التبرك بتربة غيره عليهالسلام
من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بغير الأكل من الإستصحاب للحفظ واللطخ على العين والرأس ونحوهما ، وأما الإستشفاء بالأكل ؛ فلا يجوز بتربة غيره من الأئمة والأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ على الأظهر ، لما ورد عن أبي الحسن موسى عليهالسلام
من أنه قال : ( لا تأخذوا من تربتي
شيئاً لتتبركوا به ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليهالسلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا )
.
__________________________
س / هل يجوز الإستشفاء بالتربة المطبوخة أو لا ؟
ج / قال المحقق المامقاني ( قده ) : « وفي جواز
الإستشفاء بأكل المطبوخ منه وجهان ، أشبهها الجواز » .
٤ ـ للوليد :
ذكر الفقهاء : أن من سنن الوليد تحنيكه بتربة
الحسين عليهالسلام ، كالتالي :
قال المحقق الحلي ( قده ) :
« وتحنيكة بماء الفرات وتربة الحسين ـ عليه السلام ـ ، فإن لم يوجد ماء الفرات فبماءٍ فرات
. وإن لم يوجد إلا ماء ملح ؛ جعل فيه شيء من التمر أو العسل »
.
وقال المحقق الخوئي ( قده ) :
« تحنيكة بتربة الحسين ـ عليه السلام ـ وبماء الفرات »
.
٥ ـ للتعامل بها :
س / هل يجوز أخذ الترب والسبح الحسينية من أصحاب
المعامل والباعة بعنوان البيع والشراء أو بعنوان آخر ؟
ج / قال المجلسي ( قده ) : « الأحوط ترك
التبايع على السبحة من التربة أو ما يصنع منها للسجدة ، بل تهدى إهداء ، ولَعَلّه مما لا بأس به أنْ يتراضى عليها المتعاملان تراضياً من دون إشتراط سابق . ففي الحديث المعتبر عن
__________________________
الصادق عليهالسلام قال : ( من باع
طين قبر الحسين عليهالسلام فكأنما تبايع على لحمه عليهالسلام ) » .
وقال المحقق المامقاني ( قده ) :
« الأحوط ترك بيع التربة المقدسة ، لأنه خلاف الإحترام . وجَوّزَه الشهيد ـ رحمه الله ـ في الدروس كَيْلاً ووزناً ، ومشاهدة مجرداً ومشتملة على هيئات الإنتفاع وفيه تأمل »
.
ذكر الحر العاملي ( قده ) :
« ووجدت في حديث الحسن بن مهران الفارسي ، عن محمد بن أبي سيّار ، عن يعقوب بن يزيد ، يرفعه إلى الصادق عليهالسلام
قال : ( من باع طين قبر الحسين ـ عليه السلام ـ ؛ فإنه يبيع لحم الحسين عليهالسلام
ويشتريه ) أقول : هذا محمول على تراب نفس القبر ، ويحمل على الكراهة وإستحباب بَذْله بغير ثمن ، ويحتمل الحمل على ما ليس بمملوك »
.
وأجاب سيدنا السيستاني ( دام ظله ) :
«لا مانع من التعامل بالبيع والشراء والله والعالم » .
وأجاب سيدنا الروحاني ( دام ظله ) :
« يجوز والله العالم » .
__________________________

بعد إنهاء هذا البحث ، يأتي دور الإجابة على
التساؤلات التي ذكرت في مقدمة البحث وهي :
التساؤل
الأول :
لماذا يعبد الشيعة الإمامية تربة الحسين ؟
يمكن الإجابة على هذا التساؤل بما يأتي
:
أولاً ـ كيف سمح السائل
لنفسه أنْ يسأل هذا السؤال ؟
إذ يلزم عليه ، أنه كيف يسجد الشيعي
الإمامي على معبوده كما يدعي ؟!
ثانياً ـ إنّ السائل لم
يفرق بين السجود على التربة الحسينية والسجود لها ؛ إذ الشيعة الإمامية تعتقد بأنّ السجود لا يكون إلا لله ، وسجودهم على التربة خضوعاً وخشوعاً لله ، وقد أوضحناه في ما سبق من الأبحاث فراجع .
التساؤل
الثاني :
لماذا يخالف الشيعة الإمامية جمهور المسلمين
بسجودهم على الأحجار ، يحملونها في جيوبهم ، ويُقَدِّسُونَها تقدسياً ؟
يتكون جواب هذا السؤال من ثلاث نقاط
كالتالي :
الأولى ـ أنّ الشيعة
الإمامية تُجوِّز السجود على كل أرض ، سواء في ذلك المتحجر أو التراب ، فالحصى من الأرض ويجوز السجود عليه بإتفاق المسلمين .
وذكر ابن تيمية : « في سنن أبي داود :
عن عبد الله بن الحارث قال : ( سألت ابن عمر ـ رضي
الله عنهما ـ عن الحصى الذي كان في المسجد ؟ فقال : مُطِرْنَا ذات ليلة ؛ فأصبحت الأرض مبتلة ، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته ، فلما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ
الصلاة ، قال : ما أحسن هذا ) . وهذا بَيّنٌ
أنهم كانوا يسجدون على التراب والحصى » .
الثانية ـ قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ
عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) [ المؤمنون
/ ٩ ] . ومقتضى المحافظة على الصلاة ، المحافظة على أهم أركانها : وهو السجود الذي هو أقرب ما يكون الإنسان إلى ربه ، كما قال تعالى : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] . وأيضاً ورد في الحديث المشهور : « أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد » ومقتضى الإحتياط ، أنه ينبغي للمسلم السجود على التراب والحصى الطاهر ؛ ولذا يأخذ الشيعة الإمامية معهم من التراب المتحجر الطاهر ، حذراً من السجود على التراب المجهول الطهارة ، فهل المسلم إذا فعل ذلك يُعَدُّ مخالفاً للمسلمين ، مع العلم أنّ الجميع متفق على ذلك ؟!
الثالثة ـ إن التقديس الحاصل
لهذه التربة الزكية يرجع إلى إهتمام السماء بها ، حيث قبض جبرئيل قبضة منها وأعطاها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذلك إهتمام
أهل بيته عليهمالسلام كما ذكرت ذلك في
فصل التربة ، فراجع .
التساؤل
الثالث :
ما هذه الكلمات المكتوبة على التربة الحسينية التي
يسجد عليها الشيعة الإمامية ؟
يتضح جواب هذا التساؤل بعد بيان الآتي :
__________________________
أولاً ـ ليس جميع الترب
الحسينية مكتوباً عليها ولا حرف واحد .
ثانياً ـ مكتوب على بعضها ( سبحان ربي الأعلى
وبحمده ) رمزاً لذكر السجود ، ونحوها من الكتابات ، فهل هذه الكتابات تستلزم الشرك ؟! أو تخرج التربة عن كونها تراباً جاهزاً للسجود عليه ؟
ثالثاً ـ إنّ هذا العمل
تَصرُّف من عوام الناس لا من العلماء ، بل العلماء ينصحون بأن تكون خالية عن النقوش والكتابات ، وإليك بعض آرائهم كالتالي :
قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) :
« ويلزم أن تكون التربة التي يسجد عليها المؤمن طاهرة نقية ، ساذجة لا نقش عليها ولا كتابة ولا مُصوّرة ، وما يصنعه بعض العوام من النقش والكتابة ؛ فهو غير مشروع ولا صحيح ، والأمل من إخواننا المؤمنين الإجابة لهذه النصيحة الغالية . والله ولي التوفيق »
.
وقال سيدنا السيستاني ( دام ظله ) :
« بسمه تعالى ، لا يضر ذلك بصحة السجود عليها ، ولكن ينبغي أن تكون التربة التي يسجد عليها خالية عن كل نقش وكتابة وصورة ، فان ذلك أبعد عن الشبهة »
.
وقال سيدنا الروحاني ( دام ظله ) :
«نعم جايز ، لكن السجدة عليه مشكلة في بعض الصور . والله العالم »
__________________________
وقال السيد محمد سعيد الحكيم ( دام ظله ) :
« تجوز الكتابة المذكورة ويجوز السجود على التربة الحاوية لتلك الكتابة . نعم يتأكد اللزوم إحترام التربة من أجل حرمة الأسماء المذكورة »
.
التساؤل
الرابع :
هل السجود على تربة الحسين يجعل الصلاة مقبولة عند
الله سبحانه وتعالى ولو كانت باطلة ؟
الشيعة الإمامية لا تقول بذلك ، بل تقول :
إن الصلاة لا تخلو من لحاظين هما :
الأول :
شرائط الصحة .
الثاني :
شرائط القبول .
فإن كانت الصلاة فاقدة لشرط من شرائط
الصحة ؛ فهي باطلة وغير مقبولة ، وإن كانت جامعة لشرائط الصحة ؛ فقد تكون مقبولة وقد لا تكون . لكن إذا سجد المصلي على تربة الحسين عليهالسلام
في صلاته ، فقد تكون من أسباب قبول الصلاة ، فقد ورد عن إمامنا الصادق عليهالسلام
: ( السجود على طين قبر
الحسين عليهالسلام يُنَوِّر إلى
الأرضين السبع ...... )
، وهذا إشارة إلى قبول العمل ، فالصلاة شيء وقبول العمل شيء آخر .
التساؤل
الخامس :
لماذا يضع الشيعة الإمامية تربة الحسين عليهالسلام مع الميت في قبره ؟
__________________________
إسمح لي ـ أيها السائل ـ أنْ أهمس في
إذنك ولا تكن في غرابة حينما أقول لك : إنّ الشيعة الإمامية لم تصنع هذا الفعل إعتباطاً وخرافة كما يتصوره البعض ، بل إعتمدت على الأمور التالية :
أولاً
ـ سيرة المصطفى في أمته :
ويمكن إستفادة هذه السيرة حسب الآتي :
أ ـ وضع الجريدة وما شابهها على القبر لتخفيف
العذاب :
قال القرطبي :
« ويُستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
مَرّ على قبرين فقال : إنهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما ؛ فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر ، فكان لا يستبرئ بالبول . قال : فدعا بِعَسِيب رَطْبٍ فَشَقّه إثنين ، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ، ثم قال : لعلّه يخفف عنهما ما لم ييبسا
... وفي مسند أبي داود الطّيالسي : فوضع على أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال : يُهَوِّن عليهما العذاب ما دام فيهما من بَلْوَاهما شيء .
قال علماؤنا :
ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور ، وإذا خفف عنهم بالأشجار ؛ فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن ، وقد بَيّنا هذا المعنى في كتاب ( التذكرة ) بياناً شافياً ، وأنّه يصل إلى الميت
ثواب ما يُهدَى إليه .. » .
__________________________
والذي يبدو للباحث الفقهي ، أنّ هذا من
المُسَلّمَات عند المسلمين ، فقد ورد شبيه هذا العمل عند الشيعة الإمامية ، كما أشار إلى ذلك المحقق السيد بحر العلوم في منظومته :
وسُنَّ للميت جريدتان
|
|
من سعف النخل جديدتانِ
|
فالسدر فالخلاف فالرمانِ
|
|
وبعدها رطب من القضبان
|
نحو الذراع طول كلٍ والمحلْ
|
|
تُرْقُوة الميت وانزل ما نزلْ
|
ب ـ لباس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمان من عذاب القبر :
فقد وردت الروايات في ذلك في كتب الطوائف الإسلامية
كالتالي :
١ ـ ( لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمير
المؤمنين علي عليهالسلام ، ألبسها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قميصه وإضجع في قبرها فقالوا : ما رأينا صنعت ما صنعت بهذه ؟ فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبَرّ لي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة ، وإضطجعت ليهون عليها ) . هذا مضمون ما روته الكتب الإسلامية فراجع .
٢ ـ وأيضاً صنع شبيه ذلك بصحابته أمثال
عبد الله بن ابَيّ ، كما في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( أتى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عبدالله بن أبيّ بعدما أدخل قبره ، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ) .
__________________________
ثانياً
ـ سيرة أهل البيت ( عليهمالسلام ) :
فقد وردت الروايات عن أئمة الهدى عليهمالسلام التي منها التالي :
١ ـ عن أبي الحسن عليهالسلام يقول : ( ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين عليهالسلام ، ولا يضعها تحت رأسه ) .
٢ ـ الحميري قال : كنت إلى الفقيه أسأله عن طين
القبر بوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟
( فأجاب ... توضع مع الميت في قبره
ويخلط بحنوطه ) والى هذا أشار المحقق السيد بحر العلوم بقوله :
بطين مولانا الحسين إن وجد
|
|
وغيره غير السواد إن فقد
|
وأخلط به حنوطه فقد ورد
|
|
عن صاحب الزمان في عال السند
|
وبعد هذا البيان المتقدم ، هل تكون
الشيعة الإمامية مُلَامَة حينما تضع التربة الحسينية مع موتاها في القبور أماناً من عذاب القبر ، تبركاً بهذه التربة الزكية ، وقد صنع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
شبيه ذلك بأهل بيته وأصحابه ، وهو المُشَرِّع العارف بالأحكام ؟!
وهل العَسِيب الرّطَب الذي وضعه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
في القبرين أفضل من تربة الحسين عليهالسلام
التي سَلّمَها جبرئيل للمصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم
؟!.
__________________________
التساؤل
السادس :
المعروف عن الشيعة الإمامية أنها تقوم بتحنيك
أولادها بتربة الحسين عليهالسلام ، فما هذا التحنيك ؟
وما أسبابه ؟ وما فائدته ؟
يبتني هذا التساؤل على الأمور التالية :
أولاً : ما هو التحنيك ؟
« التحنيك مأخوذ من الحنك وهو : ما تحت
الذقن من الإنسان وغيره . أو الأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مُقَدّم اللحيين من أسفلهما . والجمع أحناك »
.
« والتحنيك : أنْ يمضغ المحَنِّك التمر
أو نحوه حتى يصير مائعاً بحيث يُبتلع ، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها في جَوّفِه .
قال النووي :
إتفق العلماء على إستحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر ، فإنْ تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلو . قال : ويستحب أنْ يكون من الصالحين وممن يُتَبَرّك به رجلاً كان أو إمرأة ، فإنْ لم يكن حاضراً عند المولود حُمِلَ إليه » .
وقال المحقق الطريحي :
« واتفقوا على تحنيك المولود عند الولادة بتمر . فإنْ تعذر فبما في معناه من الحلو ؛ فيمضغ حتى يصير مائعاً فيوضع في فيه ليصل شيء إلى جوفه . ويستحب كون المحنك من الصالحين ، وأنْ يدعو للمولود بالبركة . ويستحب تحنيكه بالتربة الحسينية والماء ، كأن يدخل ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم » .
__________________________
ويستفاد من كلمات بعض الفقهاء :
« وتحنيكه بتربة الحسين عليهالسلام
وبماء الفرات وهو النهر المعروف للنصوص ... ( ومع عدمه ) أي ماء الفرات ، وما ذكروه من مطلق الماء الفرات بعد تعذر ماء الفرات لم نقف على نص ، ولا بأس بمتابعتهم حيث يتعذر ماء السماء فيحنك به مسامحة في أدلة السنن ، ( وإنْ لم يوجد ) الماء الفرات ولا غيره ـ ( إلا ماء مالح خلط بالعسل أو التمر ) لورود التحنيك بكل منهما » .
ثانياً
ـ ما هي أسبابه ؟
لعلّ أهم أسبابه ودواعيه ، ترجع إلى الأمور التالية
:
الأول
ـ ما صنعه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأهل بيته وأبناء
المسلمين :
وردت كثير من المرويات في الكتب
الإسلامية التي تذكر أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قام بتحنيك أطفال أهل بيته والمسلمين ، نذكر منها الآتي :
١ ـ في حديث ولادة الحسن بن علي « وألباه بريقه » أي صبّ في فيه ،
كما يُصبّ اللَّبأ في فم الصبي ، وهو أول ما يحلب عند الولادة .
وفي لفظ ابن كثير : « فَحَنّكَه رسول
الله بريقه وسماه »
.
٢ ـ لما ولد إبراهيم بن أبي موسى الأشعري
، أتى به أبوه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فَسَمّاه إبراهيم ، وحنكه بتمرة ، وكان أكبر ولده .
٣ ـ وعن أنس ، أنّ أم سليم ولدت غلاماً ،
قال : فقال لي أبو طلحة : إحفظه حتى يأتي به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأتاه به وأرسلت
معه بتمرات ، فأخذها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________________
فمضغها ، ثم أخذها من فيه فجعلها في فم
الصبي وحنكه به وسمّاهُ عبدالله .
هذه بعض الأمور التي ذكرها لنا التاريخ
من سيرة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم
في أهل بيته وصحابته ، نعم أقام عليها سنة التحنيك وبارك عليهم ، وهكذا تعمل الإمامية بهذه السيرة عن طريق تربة ريحانته سيد الشهداء عليهالسلام .
الثاني
ـ إتباع أهل البيت ( عليهالسلام ) :
قد وردت عنهم الروايات الحَاثّة على
تحنيك أولاد الشيعة بتربة الحسين منها الآتي :
عن الحسين ابن العلاء قال : سمعت أبا
عبد الله عليهالسلام
يقول : ( حنكوا أولادكم بتربة الحسين عليهالسلام فإنها أمان )
.
ثالثاً
ـ فوائده :
وقد أشارت أبحاث عديدة ـ نشرت في
المجلات والكتب الطبية ـ إلى فوائد التحنيك بالنسبة للأطفال ، وهذه بعض مقالات كبار الأطباء في العالم العربي وغيره :
يقول الدكتور حَسّان شَمْسِي باشا :
« يقول ـ أخي وصديقي ـ الدكتور « فاروق مساهل » في كتابه « تكريم الإسلام للإنسان » : والتحنيك هو معجزة طبية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم تظهر الحكمة من ورائها إلا حديثاً . فالطفل ـ بعد ولادته ـ يجد نفسه وقد إنفصل عن أمه ، وإنقطع سبل الغذاء الجاهز إليه ، فيلجأ للإعتماد على ما إستطاع جسمه تخزينه من الطعام ـ وهذا ليس بالكثير ـ أثناء
__________________________
حمله في رحم أمه ، لحين إفراز اللبن من ثدي
والدته . ويستغرق إفراز اللبن وقتاً متفاوتاً من الزمن ( من يوم إلى يومين ) .
وبما أنّ نشاط أجهزة جسم المولود تكون
في قمتها في محاولة لملاءمة الوضع الجديد وهو الخروج إلى هذا العالم ، فإنّ المخزون في جسمه يستهلك بسرعة ، وقد تنخفض تبعاً لذلك نسبة السكر في الدم . وحيث أنّ الفترة الحرجة في إطعام الطفل تقع بين إنتهاء ولادته وبدء رضاعته ، فإننا نجد تكريم المولود على يد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بتحنيكه بالتمر ( المملوء بالسكر ) والذي يمتص بسرعة في عروقه ، فيحافظ على مستوى السكر في دمه ، أو يرفعه إلى مستواه الطبيعي . ويحتوي لبن الأم على كمية من السكر أكبر بكثير من تلك التي توجد في لبن الرضاعة لأي من مخلوقات الله الأخرى . فنسبته في لبن الأم تبلغ ٧.٢ % ، بينما تبلغ نسبته ٤.٩ % عند البقر مثلاً . ومن هنا تتضح أهمية السكر للمولود ، والأهمية العظمى للتحنيك في تغطية هذه الفجوة في تغذية المولود بين ولادته وبدء رضاعته من لبن أمه . ومن التحنيك نشأت عند الناس عادة إعطاء المولود الماء المُحلّى بالسكر حتى يجهز اللبن في ثدي الأم »
.
ويقول الدكتور « عبدالمجيد قطمة » رئيس الجمعية
الطبية الإسلامية في بريطانيا : « إنّ هذا الإكتشاف
يؤكد أنّ الإسلام هو دين الرحمة والشفاء للبشرية جمعاء ، وأنّ طبيب البشرية محمداً ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ كان أوّل من وضع المادة السكرية في فم الوليد ، وذلك بتحنيكه بالتمر الممضوغ في فمه الطاهر ، وجعل هذا الفعل شائعاً بين المسلمين . هذا وقد قامت مجموعة من العلماء والأطباء والباحثين الإنجليز في المستشفى الجامعي في مدينة ( ليدز )
__________________________
بشمال إنجلترا بإجراء تجارب على الأطفال
حديثي الولادة لمعرفة تأثير إعطاء جرعات مختلفة من محلول السكر ( السكروز ) على بكاء الطفل وإحساسه بالألم بسبب غرز حقنه لسحب الدم ، وتوصلوا إلى أنه كلما زادت نسبة السكر في المحلول السكري في فم الطفل خَفّ البكاء والإحساس بالألم ، وخفَّت سرعة نبضات القلب . كما أنّ وضع مادة سكرية في فم الطفل بعد ولادته تحمل بطريقة مدهشة على تخفيف أو منع الألم ، حيث توصل العلماء البريطانيون إلى أنّ إثنين ملليجرام من محلول سكري يخففان كثيراً من بكاء الطفل ، ويقلِّلان من إحساسه بالألم عند وَخْزِه بالحقنة لسحب عَيِّنة من الدم أو عند القيام بعملية الختان » .
وبعد هذا البيان المتقدم ، لا ملامة على
الشيعة الإمامية فيما تقول به من تحنيك أولادها بهذه التربة الزكية ، ولا يعتبر عملها بدعة أو خرافة بعد أنْ ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
سُنَة التحنيك بالتمر ونحوه ، وبعد أنْ حَثّ أهل البيت عليهمالسلام شيعتهم على تحنيك أولادهم بتربة الحسين عليهالسلام
! والله على ما تقول شهيد ، والحمد لله على نعمة التوفيق بإنهاء هذا البحث ، ومسك ختامه الصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وآله الهداة .
__________________________

١ ـ تربة أرض المدينة المنورة تحمي من أورام الثدي
والجلد .
والبحث العلمي في مستهل الألفية الثالثة
يؤكد مصداقية الطب النبوي . دور الطاقة الحيوية الخاصة بـ ( ثاني أكسيد السليكون ) من أرض المدينة المنورة في علاج الوقاية من أورام الثدي والجلد .
د
. سيد عباس إقبال
في تجربة مشتركة بين فريق من الأطباء
السعوديين ـ والباكستانيين . وكان الهدف منها تقديم بديل طبي ـ إيمان وروحاني ـ مجاني وعلاجي في حقل الأورام ، وذلك بإثبات الدور العلاجي والوقائي للطاقة الحيوية الخاصة بثاني أكسيد السليكون ـ وذلك من عينة تراب مأخوذة من أرض المدينة المنورة ـ ، وذلك في الجين p٥٣ في فئران التجارب ! مصداقاً لحديثه الشريف صلى الله عليه ( وآله ) وسلم
عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض : ( باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا ) رواه البخاري .
وكانت خطة العمل : إجراء دراسة تجريبية
معملية على ( ثدي وجلد ) فئران التجارب البيضاء ( الفئران ذوات اللون الأمهق : لبني البشرة ، أبيض الشعر ، قرنفلي العينين ) . وذلك بإحداق السرطان ـ فيها ـ كيميائياً بواسطة عناصر كيميائية مسرطنة .
مكان
ومدة الدراسة :
ثم تنفيذها في المعهد الطبي للدراسات
العليا وكلية الطب جامعة King Edward في لاهور ( باكستان ) ، وقد أجريت الدراسة لمدة ٢٠ أسبوعاً للوقاية ـ و١٠ أسابيع إضافية للمجموعات التي تلقت الجرعات العلاجية .
المواد والطرائق المستخدمة : تم اختيار
٢٥ فأراً أمهق من الذكور والإناث ، وقسمت لـ ٥ مجموعات ( ٥ فئران لكل مجموعة ) ، وتم إستخدام العناصر الكيميائية الآتية لإحداث السرطان :
(DMBA:
Dimethylobenz [a] Anthacene) , (TBA: Tetradecanoyl- phorol-١٣-Acetic acid)
كذا تم إعداد شكل من الطاقة الحيوية من
ثاني أكسيد السليكون ، المأخوذ من تربة أرض المدينة المنورة لاستخدامه ( علاجياً ) ، وقد أعطي للمجموعة العلاجية قبل تعريض فئران التجارب للمسبّبات المسرطنة الكيميائية ، وقد تم إقتفاء الجين المسمى P٥٣ في كل فئران التجارب .
خط
سير التجربة :
بعد تقسيم الفئران ( ٥ مجموعات ـ ٥ في
كل مجموعة ) أعطيت كل مجموعة حرفاً أبجدياً رمزاً لها A,B,C,D,E وهكذا ولم تعط A أية مواد
كيميائية ضارة ( فقد استخدمت المجموعة A كمجموعة حاكمة
ضابطة للتجربة ) بينما تم إعطاء باقي المجموعات المواد الكيميائية المسرطنة (DMBA٧.١٢ TPA١٢.٠) وذلك لإحداث السرطان ، ( تتم إعطاء المواد الكيميائية المسرطنة فقط بدون المادة العلاجية لمجموعة B ذكور و C إناث ، بينما المجموعة E ذكور ، F إناث أعطيت عن طريق الفم الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون قبل تعريضها أيضاً للمسرطنات الكيميائية المذكورة ، أما المجموعة B و E ذكور ؛ فقد تم
توظيفها لإحداث سرطانات الجلد فيها ، بينما إناث D فقد استخدمت لإحداث سرطان الثدي ) ، وبعد ٢٠ أسبوعاً تم اختيار ٤ فئران تجارب من المجموعة C , B لمجموعات إضافية C٢ , C١ , B٢
, B١
لرؤية التأثير التطببي والعلاجي للطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون بينما تم التخلص من الباقي بالذبح ، وأخذت
الأنسجة للفحص من ناحية الأسباب والأعراض
المرضية النسجية لبحث حالة الجين البروتيني P٥٣
، وقد قورنت النتائج مع باقي مجموعة التجارب ، وقد إستمرت المجموعة العلاجية أو التي تم تطبيبها ١٠ أسابيع أخرى تالية ، وقد إستخدم مؤشر أو معيار دليل ( فوق صوتي ـ فوق سماعي ) لمعرفة إدراك كيفية الإستجابة للطاقة الحيوية ، وقد تم تحضير الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون باختيار تربة ( محددة معينة ) من أرض المدينة المنورة ، واستخدام ناقل ( باستعمال سكر اللبن Lactose “Saccharum Lactis” لإيجاد طاقة حيوية تم نقلها
بماء مقطر على أساس أو قاعدة إنتاج (Adinosine
tri phosphate: ATP)
المتعلق بتمثل الطاقة عبر ميتوكوندريا الخلية موقع توليد الطاقة ) . وقد تم كل ذلك وفقاً للنظرية الإهتزازية Vibration
، وتم إعداد شكل الطاقة هذه ، إما بجرعات بالفم أو على شكل حقن أيضا !.
النتائج
:
في المجموعة A لم تكن هناك ثمة آفات أو تضررات أو أذى ، ولا تغير طفري جيني في الجين P٥٣ ( فئرانها كما ذكرنا استخدمت كمجموعة ضابطة وحاكمة معيارياً ) .
وفي المجموعة B نشأت قروح لدى كل الفئران ، وواحد منها نشأ عنده ورم حُليمي ، وآخر سرطانة خلوية بين ظاهرية كثيرة الحراشف ، وكذا ثلاثة نشأت لديهم سرطانات توسعية كثيرة الحراشف . أما المجموعة C فقد نمت لدى ٤ فئران نتوءات ثديية ، وكذا سرطانات توسّعية في القناة اللبنية ، ولم نشاهد خباثة سرطانية في D . بينما نمت لدى
فأر واحد من المجموعة E ورم غدي أنبوبي غير خطير ؛ أي أن معدلات التغيير الطفرية للجين P٥٣ كانت أعلى في
B , C التي لم تأخذ علاجاً مقارنة
بباقي المجموعات E , D , A
وبقيت بوجه عام صحة فئران هاتين المجموعتين E, D طيبة وجيدة ، كذلك لم تكتشف
أية أعراض جانبية أو آثار سُميّة من جراء إستعمال العلاج ، وكانت الأورام منخفضة المعدلات مقارنة بالمجموعات التي لم تتلق علاجاً ، ولقد كان الدور الوقائي للطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون جيداً ، بينما أظهر المعدل المنخفض أو حتى السلبي للجين p٥٣ وخاصة عند الفئران C٢
, B٢ التي تلقت جرعات علاجية ، كل هذا اظهر دور p٥٣ التنبؤي والنذيري والتكهني
عند الفئران التي نشأ لديها القليل من الآفات ، نعم فقد كانت درجة ـ وتدرج ـ وطبقة الورم منخفضة في C٢ , B٢ مقارنة بـ
C١ , B١
.
وهكذا كشف المعدل المُحرز والمنخفض
والعادي من p٥٣ رسوخ وتوازن الكروموسوم الصبغي ١٧ والذي يقع فيه الجين p٥٣ وقد تم إحراز ذلك
الثبات باستعمال الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون التي أثبتت دورها الجيد في منع والوقاية من التغيرات الطفرية للجين p٥٣ ، وبالتالي تأثيراتها الواقية ضد العناصر الكيميائية المسرطنة ، وربما أعطانا هذا أملاً في العلاج باستعمال التداوي بهذه الطاقة الحيوية ( مثلاً إذا تم إعطاءها لمرضى ما بعد العمليات الجراحية ) .
لقد ابتكرنا فكرة أنه إذا استطعنا
استثمار طاقة ثاني أكسيد السليكون ولذا الترداد أو التكرار المقاس لهذه الطاقة ، وتم منحها عبر وسيط مناسب مثل الماء أو الزيت أو السكر ... إلخ ، فإنّ هذه الطاقة الحيوية قد تؤدي دوراً كمضاد أكسدة وكمضاد التهابات ، وربما أيضاً قد تؤدي في علاج السرطان ، وذلك بإمكان الحماية والوقاية من الأورام السرطانية بواسطة التحكم أو السيطرة على دورة الخلية ( بتثبيت التغيرات الخلوية على المستوى الجيني ، ومن أجل هكذا ؛
فقد تم إختيار تربة المدينة المنورة ( عينات
منها ) ، والتي جاء ذكرها في حديثه الشريف عليه السلام ، والمذكور في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ، كان يقول للمريض « باسم الله تربة أرضنا ،
بريقة بعضنا ، يشفي سقيمنا بإذن ربنا » رواه البخاري .
وتم تنفيذ هذه الدراسة لرؤية العناصر
التي تؤدي إلى الطفرة الخلوية للجين p٥٣ والوقاية منها ومنعها وكذا توظيفاً لمنحي في الطب البديل هو طب
الطاقة الحيوية Bioenergy Medicine ، ولقد أثبتت هذه
الدراسة التجريبية المعملية أن الغير الطفري للجين p٥٣ مسئول عن إنتاج و
إحداث سرطان الجليد سرطان الثدي ، وأن مسببات السرطان الكيميائية مثل المذكورة في التجربة " تسبب الطفرة في دورة خلية الجين الحارس على كروموسوم ١٧ وقد تم إثبات أن
الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون من أرض المدينة المنورة له دور إيجابي مؤكد في الوقاية والحماية من أورام سرطان الثدي والجلد .
ما
هو الجين البروتيني p٥٣ ؟
يقع هذا الجين في الكروموسوم ١٧ ويمثل الحارس والحامي لـ DNA المكون الأساسي في المادة الحية وفي حالة حدوث ضرر لـ DNA فإن هذا الجين يؤدي ثلاث وظائف حاسمة .
أولاً : يوقف دورة الخلية مثلاً بزيادة
قدرة التعديل للجين p٢١ .
ثانياً : يستهل ويبدأ في إصلاح الـ DNA فالحين عامل نسج خلوي أيضاً .
ثالثاً : وفي حالة عدم إمكانية إصلاح
الـ DNA فإن p٥٣ يبدأ ويستهل ما
يسمى بـ APOPTOSIS وهو نمط تشكلي Morpholic لموت الخلية ، يصيب الخلية الفردية وموسوم بانكماش الخلية بسبب دور الجين P٥٣ هذا في حماية الـ DNA
وإيقاف دورة الخلية ، فإنه يحمي من
السرطان ، فهو قامع وكابح أورام ، ومن ثم فإن التغير الطفري الجيني لـ p٥٣ شائع جداً في الخلايا
السرطانية ، فهو يتخذ بالذات هدفاً في التغيير الجيني الخاص بالأورام ، وعندما يغدو متغيراً طفرياً p٥٣ Mutated
فإنه يصير غير قادر لأداء مهامه العادية ، وبالتالي يتيح للخلايا السرطانية أن تتوالد وتتكاثر بالانقسام الخلوي ، وكذا قيامها بزيادة الإنبثاث .
وماذا
عن ثان أكسيد السليكون SiO٢ :
السليكون عنصر رمزه Si ورقمه الذري ١٤ ووزنه الذي ٢٨.٠٨٦ والسليكون والأكسجين هما أكثر العناصر وفرة في قشرة أو أديم أو غلاف الأرض ، وجسيمات ورقائق السليكون موجودة في الأرض والحشائش وأوراق النباتات والحبوب ، وعندما تكون هذه الجسيمات متحدة بالماء ؛ فإنها تنتج ذرات أكسجين ، وربما كان لها دورها في عملية استخراج نسخ DNA مطابقة أو في إصلاح عملية الانقسام الخلوي غير المباشر . إنّ نوعية التفاعل المباشر لجزئيات السليكون البلورية مع الـ DNA مهم بسبب قيامها
بتثبيت DNA في مكانها وهذا الأمر هام في التحولات السرطانية
.
٢ ـ الله أكبر والعزة للإسلام
في بحث علمي نشر في المجلة العلمية
المشهورة Journal of Plant Molecular Biology ، وجد فريق من العلماء الأمريكيين ، إن بعض النباتات الإستوائية تصدر ذبذبات فوق صوتية تم رصدها وتسجيلها بأحدث الأجهزة العلمية المتخصصة .
__________________________
وكان العلماء الذين أمضوا قرابة ثلاثة
سنوات في متابعة ودراسة هذه الظاهرة المحيرة ، قد توصلوا إلى تحليل تلك النبضات فوق الصوتية إلى إشارات كهروضوئية ، بواسطة جهاز الرصد الالكتروني Oscilloscope , وقد شاهد العلماء النبضات الكهروضوئية تتكرر أكثر من ١٠٠ مرة في الثانية !!!
وأشار البرفسور وليام بروان ـ الذي كان
يقود فريقاً متخصصاً من العلماء لدراسة تلك الظاهرة ـ : أنّه بعد النتائج التي تم التوصل إليها ، لم يكن ثمة أمامنا تفسيراً علمياً لتلك الظاهرة ، وقد قمنا بعرض نتائج بحثنا على عدد من الجامعات والمراكز العلمية المتخصصة في الولايات المتحدة وأوربا . ولكنهم عجزوا عن تفسير تلك الظاهرة ، وأصيبوا بالدهشة .
وفي المرة الأخيرة ، تم إجراء تلك
التجربة أمام فريق علمي من بريطانيا ، وكان من بينهم عالم بريطاني مسلم من أصل هندي ، وبعد خمسة أيام من التجارب المخبرية التي حيرت الفريق البريطاني ، وقف العالم البريطاني المسلم وقال : نحن المسلمون لدينا تفسيراً لهذه الظاهرة ، ومنذ ١٤٠٠ سنة .
إندهش العلماء من كلام ذلك العالم
وألحوا عليه أن يفسر لهم ما يريد أن يقوله .
فقرأ عليهم قوله سبحانه وتعالى : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ
إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا
غَفُورًا )
[ الإسراء / ٤٤ ]
.
وما هي النبضات الكهروضوئية الا لفظ
الجلاله ، كما هو ظهر على شاشة الجهاز !!!
وقد ساد الصمت والذهول في القاعة التي
كان يتحدث بها العالم المسلم .
سبحان الله ، فهاهي معجزة أخرى من
معجزات هذا الدين الحق . فكل شيء يسبح باسم الله عَزّ وجَلّ ، وقد قام المسؤول عن فريق البحث البرفسور وليام براون بالتحدث مع العالم الإسلامي لمعرفة هذا الدين الذي أنبأ الرسول الأمي قبل ١٤٠٠ سنة بهذه المعجزة . فشرح له العالم المسلم الإسلام ، وقام بعد ذلك بإعطاه القرآن وتفسيره باللغة الإنجليزية .
وبعد عدة أيام قليلة ، عقد البرفسور
وليام براون محاضرة في جامعة كارنيح ـ مليون . وقال البرفسور : « لم أر في حياتي مثل هذه الظاهرة طوال فترة عملي التي استمرت ٣٠ سنة ، ولم يستطع أي من العلماء في فريق البحث تفسير هذه الظاهرة ، ولا توجد أي ظاهرة طبيعية تفسرها ، والتفسير الوحيد وجدناه في القرآن . لا يسعني حيال ذلك إلا أن أقول اشهد أن لا اله إلا الله ، وأنّ
محمداً عبده ورسوله » . وقد أعلن العالم إسلامه وسط دهشة الحضور .

الله اكبر ، ولتكن هذه عبرة ، والعزة للإسلام
تم بتوفيق الله تعالى
الجزء الأول

معجم
المفردات :
وردت في ( تربة الحسين عليهالسلام دراسة وتحليل )
ألفاظ وتعابير ومصطلحات ، تحتاج إلى تفسير : ولذا تسهيلاً للقارئ الكريم ، وضعت هذا المعجم محتوياً على شرحها وتفسيرها بالشكل التالي :
إرْمِيَا : هو ابن خلفيا ،
وكان سبط هارون بن عمران ، نبي يهودي عاش حوالي ( ٦٤٠ ـ ٧٥٠ قبل الميلاد ) ، شجب المظالم الإجتماعية ، وحَثّ أبناء شعبه على التوبة والعودة إلى التعلق بأهداب الدين قائلاً : إنّ الله لا بد مرسل إليهم من يعاقبهم إذا لم يفعلوا . تنبأ بسقوط أروشليم وتدمير هيكل سليمان . ينسب إليه ( سِفْر إرميا ) و ( سِفْر المرائي ) .
الإطِّرَاد : هو قانون مستفاد
من تجارب الإنسان الكثيرة وخبراته التي لا تحصى ، وخلاصته : أنّ الأسباب والعلل المتشابهة تنتج عنها مسببات ومعلولات متشابهة ، فعلى سيبل المثال : كلما قذف حي في النار ؛ أكلته فمات . ضمن قانون إطراد الآثار السببية التي تحدثها النار ، وحينما لا تأكله النار وينجو منها
في حالة من الحالات ، فإننا نحيل الأمر إلى وجود سبب آخر عَطّل تأثير النار ، ولا بد أن يكون هذا السبب الآخر مبرّداً لحرارة النار ، أو واقياً للجسم من حرها ، على أن الأمر لا يخلو من سبب ، والمعجزات ترجع إلى سبب الخلق الرباني المباشر ، أو إلى خلقه بأسباب غير خاضعة لسلطة القدرات الإنسانية .
وضمن قانون الإطراد ، يقوم الناس
بأعمالهم وصناعاتهم ، وكل شؤون حياتهم ، وهم يعتقدون أن الأسباب ستؤدي إلى النتائج المعروفة لها ، وحين يحدث خلل في النتيجة يرجع الإنسان فيحاسب نفسه عن السبب ويعيد النظر في عمله ليكتشف مواقع الخطأ في السبب الذي قام به .
وحين يلتقي التعليل والإطراد معاً ،
يكون الحكم أتم وأوفى ، وأنفع في مجال العلوم ، وهو الذي يصور العلماء على أساسه نظرياتهم الطبيعية .
الإيحاء : في علم النفس ؛
عملية يحمل بها امرؤٌ ما إمرءاً آخر على الإستجابة ـ من غير تمحيص أو نقد ـ لحركة أو إشارة أو عودة أو رأي أو معتقد ، ولتوضيح ذلك ؛ إذا قام إمرؤ بحركة تشير إلى الرمي أو القذف ؛ فعندئذ يشعر كثير من المشاهدين وكأن شيئاً قد فارق يده من غير ريب .
والإيحاء الذاتي : إحداث المرء أثراً
مُعَيّناً في سلوكه أو حالته النفسية أو الجسدية عن طريق الإيحاء إلى نفسه بفكرة معينة إيحاء موصولاً ( كأن يتغلب على الأرق بإلهام نفسه أنه تعبان ) وقد وضع بعض علماء النفس صِيَغَاً مختلفة قالوا : بأنّ تكريرها على نحو متواصل يُعَزِّز ثقة المرء بنفسه .
البَاسُوق : يشبه الجزء
القرآني .
البَرَاهِمة : هؤلاء يُنْسَبُون
إلى شخص يسمى ( برهام ) ينكر النبوة بشكل عام . إنّه الذات العُلْيَا ؛ أي مُوجد الكون وروحه العليا وجوهره في الفلسفة الهندوسية . يعرف بـ ( الخالق ) ، ويعتبر الأقنوم الأول من أقانيم الثالثوث الهندوسي . أما الأقنومان الآخران فهما ( قيشنو : الحافظ ) و ( شيقا : المُدَمِّر ) . ويطلق
البراهمة على أفراد الطبقة العليا وهي طبقة الكهنوت أو رجال الدين عند الهندوس . وهم طوائف كثيرة .
البُوريَا : جمعها بواري : هي
الحصير المعمول من القصب ، ويقال فيها : بَارِيِّة وبُورِيَاء .
التصوّف ( الصوفية ) : طريقة روحية تهدف
إلى الإيحاء بالله أو المعرفة المباشرة بالذات الإلهية أو بالحقيقة المطلقة . من طرق التأمل أو الرؤيا أو الحدس أو النور
الباطني الذي يلقى في القلب . وتعتبر
فلسفة أفلاطون الأساس الذي قامت عليه الكثرة من نظم التصوف الغربي ، وليس يخلو التصوف الشرقي نفسه من آثار هذه الفلسفة . والرأي المشهور على أنّ المتصوفة إنما أطلق عليهم هذا الاسم ؛ لأنهم يؤثرون إرتداء الملابس الخشنة وبخاصة الصوف . وأول ما ظهرت الصوفية في العالم الإسلامي في صدر العصر العباسي في النصف الثاني للقرن الثاني الهجري ، ثم تحولت إلى عقيدة وطريقة ، كان زعماء هذه الفكرة في بداية الأمر الحسن البصري ، وسفيان الثوري ، وأبي هاشم الكوفي ، وجاء من بعدهم حسين بن منصور الحلّاج والجُنَيْد ، وأبو بكر الشبلي ، وابن عربي ، والغزالي . وقد تأثرت المتصوفة ببعض الأفكار النصرانية والهندية ، وقد حاربهم الأئمة عليهم السلام .
الجُوَالِق : بكسر اللام وفتحها
؛ الأخيرة عن ابن الأعرابي : وعاء من الأوعية معروف مُعَرَّب .
حُوْرَان : منطقة في الجزء
الجنوبي الغربي من سوريا ، تمتد من جبل الشيخ ( حَرَمُون ) إلى الحدود الأردنية ، تتميز بتربتها الخصبة إلى أبعد الحدود .
الحِبَرَة : ثوب يصنع في اليمن
من قطن أو كَتّان مخطط ، ويطلق عليه البردة اليمانية .
الخُرْج : من الأوعية معروف
، عربي وهو هذا الوعاء ، وهو جُوَالِقَ ذو أذنين ، والجمع أخَرَاج وخِرَجَة ، وعاء يوضع على ظهر الدابة .
الدَّبْغُ : هو تليين الجلد
وإزالة ما به من رطوبة ورائحة نتنة ، والدِبَاغة إسم الصنعة .
دِيْبَاج : نوع من الحرير ؛
وهو الثوب المتخذ من الإبريسم ، فارسي مُعَرّب ويُطْلَق على الإستبرق ، الديباج الغليظ .
رَوْبَى : رَابَ رَوْباً
ورُؤوباً الرجل أي تحير ، فترت نفسه وصار كمن سكر أو شبع أو نعاس .
: قوم رَوْبَى ؛ أي فاترو الأنفس .
السُّريانية : لغة من شُعْبَة
اللغات الساميّة الغربية ، وكانت وسيلة التعبير السائدة في سوريا منذ القرن الثالث للميلاد حتى الفتح العربي ، وهي لا تزال تستخدم إلى اليوم في الطُقُوس الدينية عند عدد من الكنائس المسيحية الشرقية . وإنما ترقى أقدم النقوش السُّريانية إلى النصف الأول للميلاد ؛ حين ترقى وثيقة سريانية غير منقوشة على الحجر لعام ( ٢٤٣ م ) . ويبلغ عدد حروف اللغة السريانية إثنين وعشرين حرفاً كلها ساكنة .
السيمان : سيمان ضرب من
الفاصلة أو الحركة ، يُعَبِّر عن قصة أو فكرة . أو بلفظ آخر يُشْبِه الآية القرآنية .
صَفُورَا : مسمى قديم لكربلاء
المقدسة .
الصَّقَالبة : قال ابن الكلبي :
من أبناء يافث بن نوح عليهالسلام ، يونان
والصَّقْلَبُ والعبدر وبُرجان وجُرْزَان وفارس والروم فيما بين هؤلاء والمغرب . وقال أيضاً : خبرني أبي قال : رومي وصقلب وأرميني وإفرنجي اخوة وهم بنو لنطى ابن كسلوخيم بن يونان بن يافث سكن كل واحد منهم بقعة من الأرض فسُمِيَت به .
إسم جامع أطلقه العرب على السّلاف
بعامّة ، وأطلقه أهل الأندلس على أسر الحروب الناشبة في الديار الأوروبية المأهولة بالسلاف ، بعد بيعهم في أسواق العبيد في أسبانيا ، بخاصة .
الطَسُّوج : مصطلح عند
العراقيين الجنوبيين يطلق على ( الفلوجة ) غرب الفرات . ويطلق في اللغة على الناحية والجهة .
طُنْفُسَه : البساط الذي له
خمل رقيق ؛ وهي ما تجعل تحت الرجل على كتفي البعير ، والجمع طَنَافِس .
الطين الأرمني : طين يجلب من
أرمينيا ، بلد تقع شمال إيران . والطين الأرمني يميل إلى الصفرة ويسحق بسهولة ، ويستخدم للعلاج خاصة النزيف والإسهال .
طين دَاغِسْتَاني : طين يجلب من
جمهورية داغستان ، قسم إداري من جمهور روسيا الإتحادية الإشتراكية السوفياتية ، وتقع على الساحل الغربي من بحر قزوين .
عَتَائِق الوجوه : أي رقة الوجوه
وجمالها .
الفَتْل : لَيُّ الشيء ،
وفتل الحبل لواه فهو مفتول أي احكمه وشَدّه .
الفَرْوَة : جمعها فِرَاء ،
شيء كالجُبَّة ، يُبَطّن من جلود بعض الحيوانات . ويُطْلَق على الكساء المتخذ من أوبار الإبل .
الفَهْلَوية ( البهلوية ) : خط ولغة
الإيرانيين ، وشكل رئيسي من أشكال اللغة الفارسية ، عُرِف في الفترة الممتدة من القرن الثالث إلى القرن العاشر للميلاد . لغة رسمية في زمان الإشكانيين ، والساسانيين ( ٢٢٦ ـ ٦٢٤ ) . ومازالت هذه اللغة رائجة حتى دخول الإسلام .
القَبْتَاريخية : القبتاريخية : دراسة تطور
المجتمعات البشرية قبل التاريخ المُدَوّن ، ويعتبر المجتمع تاريخياً عندما تتعزّز البنية الدالة على وجوده بوثائق مكتوبة .
ويعتبر قبتاريخياً عندما تعوزه هذه الوثائق ، وفي مثل هذه الحال لا نستطيع أنْ ندرسه إلا من خلال ما أبقته لنا الأيام من بينات مادية تشير إلى وجوده في العهود الغابرة . وبكلمة أخرى : من طريق الكشف عن آثاره المطْمُورَة في باطن الأرض ، وعلى سبيل المثال عَثَر الآثاريون على عقود وحلي قبتاريخيا بريطانية في بلاد اليونان ،
وبذلك أمكن تحديد عمر تلك العقود والحلي
على ضوء البينة التاريخية المتاحة . والقبتاريخية على حديث نسبياً إنها لم تحظ بأية عناية جدية إلا إبتداء من القرن التاسع عشر الميلادي ، وقد قاومت الكنيسة في بادئ الأمر ، الفكرة القائلة بأنّ الإنسان قبتاريخياً طويلاً إذا جاز التعبير ، ولكن إنتشار الداروينية ودراسة أصول الجنس البشري تغلبتا تدريجياً على هذه المقاومة .
الكَتّان : نبات جميل ، له
ساق طويلة مستقيمة وأزهار زرقاء تصنع من أليافه الأنسجة الكَتّانِيِّة « نوع من القماش »
الكَلْدَان : بلاد الكلدانيين
تقع في الجزء الجنوبي من العراق الحديث ، شعب سامي مُتَرَحِّل قديم إستقر في الجزء الجنوبي من بلاد بابل ( ١٢٠٠ ـ ١٨٠٠ ق.م ) ، أسس فيها الملك نيوبولاسر ، عام ٦٢٥ قبل الميلاد سلالة ملية حكمت بابل حتى الغزو الفارسي عام ٥٣٩ قبل الميلاد ، يطلق على الإمبراطورية الكلدانية أو الإمبراطورية البابلية المحدثة ، ويعتبر نبوخَذْنصر الثاني أعظم ملوك بابل الكلدانيين ، ويعتبر الكلدانيون من أكثر الشعوب القديمة عناية بعلم الفلك وعلم التنجيم .
الكَمْأَة : الكمء ـ لفظ جمعه
كمأة وأكمؤ ، لا ورق له ولا جذع ، ينمو في الصحاري وتحت أشجار البلوط في باطن الأرض على عمق يتراوح بين ( ١٦ ـ ١٩ ) سنتمتراً ، وبين حجم البندقة والبرتقال ـ على حسب أنواعها ورائحته العطرية . أما أشهر أنواعها : الأبيض الشتوي ، والصيفي ، والشتوي والجبلي . وألوانها ثلاثة : الأسود والأبيض والأحمر ، فالأسود يسمى ( الفقعة ) وتوجد في مناطق البحر الأسود ، وتستعمل لتخدير النحل وقت جني العسل ،
وهي أهم الأجناس . والأبيض قليل القيمة ،
والأحمر قليل الجودة ؛ ولذا كان إستعماله محدوداً .
ولها مسميات منها : بنت الرعد ؛ لأنها ـ
كما يقال ـ تكثر في أوقات الصواعق والبروق فَصَحَّفَها بعضهم إلى ( بنات الرعد ) . ويسمى بـ ( الفُقُع ) في الجزيرة العربية والخليج ؛ لأنها تفقع وتشق الأرض ، ولها ذكر القدماء والمعاصرون وخصوصاً للعين .
كَوْرُ العِمَامَة : لَوْث العمامة ،
يعني إدارتها على الرأس . وقال النضر : كل دارة من العمامة كَوْرٌ ، وكل دَوْر كَوْر . وتكوير العمامة : كَوْرُها ، وكار العمامة على الرأس يكورها كوراً ؛ لأنها عليه وأدارها .
مَاريا : مسمى قديم لكربلاء
المقدسة على قول .
المنّ : مادة سكرية تفرزها
بعض النباتات كالندى المنعقد إما طبيعياً ، وإما بتأثير قملة المن .
واسمه بالعربية ( المَنّ ) ، وبالفارسية
( الشَّيْرحَشْكْ ) الحلاة اليابسة ، ( والتَّرَنْجُبْين ) أي عسل النحل ، ويسمى النحل ويسمى ( الحاج ) ، وندى السماء ، والعسل السماوي ، وسهل الهواء ، وقيل إن لفظ ( المن ) عِبْرَانِيّة معناها ( المغذي
الإلهي ) . ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَىٰ )
الأعراف / ١٦٠ ، والبقرة / ٥٧ ، وطه / ٨٠ . وقال مفسرو الآية : إنه طَلُّ كان يسقط على بني إسرائيل ، إذ هم في التّية وكان العسل حلاوة . وورد في الحديث النبوي ( الكمأة من المن ) إنما شبهها بالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل ، لأنه كان ينزل عليهم من السماء ، ويؤيد هذا المعنى ما ورد في ( رموز الصحة / ٤٧ للسيد محمد الإصفهاني ) في النبوي ( الكمأة من نبت الجنة ومائة نافع من وجع
العين ) وقيل : المراد بـ ( المن ) العطاء
، أي أن الكمأة من المن الإلهي والنعم الإلهي .
وفي الأبحاث الحديثة : تقرر أنّ المن هو
عصارة سكرية متجمدة ذات طبيعة خاصة ، تسيل من شجر لسان العصفور ، أو الدردار أو غيرهما . ولأنه يشاهد نقطاً على أوراق بعض الأشجار ؛ كان يظن أنها ناتج من الندى ، كما يظن أنه مادة حيوانية تصدر عن حشرات تقف على ورق النباتات ، وكان البحث العلمي أظهر أنّ ( المنّ ) يخرج بشقوق تعمل في قشورها ، أو بفوهات تحدث يفعل بعض الحشرات ، وقد أثبتت التجربة أنّ الإفراز من الشجر متواصل رغم تغطيتها ، وعرف أنّ الإفراز لا يكون إلا في سن معينة لكل نوع من الشجر . وللمن ثلاثة أنواع : مَنّ ربيعي ، ومَنّ عام ، ومَنّ دسِم ، ولكل نوع شكل خاص ، ولون خاص ، وطعم يختلف عن غيره ، وإنْ كانت تشترك كلها في المادة السكرية . وله فوائد صحية مذكورة في الكتب القديمة والحديثة .
النَّطْع : بفتح النون وكسرها
: بساط من الأديم ( الجلد ) ويجمع على أنطاع .
وَضَم : الوَضَم : كل شيء يوضع عليه
اللحم من خشب أو بارية ، يوقى به من الأرض . والجمع أوضام وفي الصحاح ؛ وضعه على الوَضَم ، وتركهم لحماً على وضم : أوقع بهم فذَلّلَهم وأوجعهم .
يُقِيل : القَائِلَة : الظهيرة . يقال :
أتانا عند القائلة ، وقد تكون بمعنى القَيْلُولَة أيضاً ، وهي النوم في الظهيرة . والقَائِلَة نصف النهار ، والقيلولة نومه نصف النهار ، وهي
القائلة ، قال يَقِيل وقد قال قَيْلاً وقائلة وقيلولة ومقالاً ، والمَقِيل :
الموضع ، وجاء المَقال لموضع القيلولة .
مصادر
المعجم :
بطل العلقمي : للمظفر ، الشيخ
عبدالواحد ، ج ٣ / ٣٧٢ . النجف ، الطبعة الحيدرية .
ضوابط المعرفة : للميداني ، عبدالرحمن
حسن حنبكة ، ص ١٩٩ ـ ٢٠١ ، دمشق ، دار القلم ، ط ٢ / ١٤٠١ هـ
قاموس الغذاء والتداوي بالنبات : لقدامة ، أحمد / ٦٠٢
، ٧١٠ ـ بيروت ، دار النفائس ، ط / ١٤١٥ هـ .
لسان العرب : لابن منظور ، محمد
بن مكرم ، ج ٢ / ٢٥٢ ، ج ٥ / ١٥٥ ، ج ١٠ / ٣٦ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ج ١١ / ٥٧٧ ، ج ١٢ / ٦٤٠ ، ٦٤١ . بيروت ، دار صادر ، ١٤١٢ هـ .
مجمع البحرين : للطريحي ، الشيخ
فخر الدين ، ج ٢ / ٣١٥ ، ج ٣ / ٢٥٦ ، ج ٤ / ٣٩٧ ، ج ٦ / ١٨٤ . بيروت ، مؤسسة الوفاء ، ط ٢ / ١٤٠٢ هـ .
مجمع ألفاظ الفقه الجعفري : لفتح الله ،
الدكتور محمد ، الدمام ، مطابع المدوخل ، ط ١ / ١٤١٥ هـ .
معجم البلدان : الحموي ، ياقوت ،
ج ٣ / ٤١٦ . بيروت ، دار صادر ، ط ٢ ، ١٩٩٥ م .
المعجم الذهبي : للتونجي ، للدكتور
محمد / ١٦٧ ، بيروت ، دار القلم للملايين ، ط ٢ / ١٩٨٠ م .
موسوعة العتبات المقدسة : للخليلي ، جعفر ،
ج ٦ / ١٦ ، ٢٦١ ، ٢٦٣ . بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، ط ٢ / ١٤٠٧ هـ .
موسوعة المورد العربية : للبعلبكي ، منير ،
ج ١ / ٧٠ ، ٢١١ ، ٢٥٢ ، ٥٤ ، ٦١٩ . وج ٢ / ٧١٤ ، ٩٠٢ ، ٩٧٤ ، ٧٩٥ ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط ١ / ١٩٩٠ م .
منجد الأعلام : لمجموعة من
الباحثين / ٢٦١ ، ٣٦١ . بيروت ، دار المشرق ، ط ١٠ ١٩٨٠ م .
النهاية في غريب الحديث : لابن الأثير ،
المبارك بن محمد ، ج ١ / ١٦٢ . بيروت ، دار الفكر .

مصادر
البحث
١
ـ القرآن الكريم وتفسيره :
١ ـ الخوئي ( ١٤١٣ هـ ) : السيد أبو القاسم
، بن السيد علي أصغر الموسوي .
( البيان في تفسير القرآن )
، بيروت ، دار الزهراء ، ط ٦ / ١٤١٢ هـ .
٢ ـ السبزواري ( ١٤١٤ هـ ) : السيد عبد الأعلى
بن السيد علي رضا .
( مواهب الرحمان في تفسير القرآن )
، بيروت ، المؤسسة الفكرية للمطبوعات ، ط ٢ / ١٤١٠ هـ .
٣ ـ الطباطبائي ( ١٤٠٢ هـ ) : السيد محمد حسين .
( الميزان في تفسير القرآن )
، بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، ط ٥ / ١٤٠٣ هـ .
٤ ـ الطوسي ( ٤٦٠ هـ ) : الشيخ محمد بن
الحسن بن علي .
( التبيان في تفسير القرآن )
ـ تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي ـ ، بيروت ، إحياء التراث العربي .
٥ ـ عبد الباقي ( ١٣٨٨ هـ ) : محمد فؤاد .
( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم )
، بيروت ، إحياء التراث العربي .
٦ ـ القرطبي ( ٦٧١ هـ ) : محمد بن أحمد
الأنصاري .
( الجامع لأحكام القرآن الكريم )
ـ تصحيح أحمد عبد العليم البردوني ـ ، بيروت ، دار الفكر ، ط ٢
٧ ـ ياسين ( ١٤٠٥ هـ ) : الشيخ خليل ياسين
ابن الشيخ إبراهيم .
( أضواء على متشابهات القرآن )
، بيروت ، مكتبة الهلال .
٢
ـ عقائد :
٨ ـ ابن حجر ( ٩٧٤ هـ ) : شهاب الدين ، أحمد
الهيثمي .
( الصواعق المحرقة ، في الرد على أهل البدع
والزندقة ) ـ تعليق عبد الوهاب عبد اللطيف ـ ، القاهرة ، مكتبة القاهرة ، ط ٢ / ١٣٨٥ هـ .
٩ ـ الأحمدي ( معاصر ) : الشيخ علي بن حسين
علي .
( التبرك )
، بيروت ، الدار الإسلامية ، ط ١ / ١٤٠٣ هـ .
١٠ ـ الربيعي ( ) : الشيخ عبد الجبار
.
( البراهين العلمية )
، بيروت ، مؤسسة النعمان ، ط ١ / ١٤٠٨ هـ .
١١ ـ كاشف الغطاء ( ١٣٧٣ هـ ) : الشيخ محمد حسين
بن الشيخ علي .
( الأرض والتربة الحسينية )
، بيروت ، مؤسسة أهل البيت (ع) ، ط ٢ / ١٤٠٦ هـ ( مع عدة كتب ) .
١٢ ـ المفيد ( ٤١٣ هـ ) : الشيخ محمد بن
محمد النعمان .
( شرح عقائد الصدوق )
ـ تقديم العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني ـ بيروت ، مؤسسة أهل البيت ١٤٠٨ هـ .
٣
ـ الحديث :
١٣ ـ ابن أبي شيبة ( ٢٣٥ هـ ) : الحافظ عبدالله بن
محمد .
( المصنف في الأحاديث والآثار )
ـ تحقيق الأستاذ عبدالخالق الأفغاني ـ الهند ، بمبّي ، الدار السلفية ، ط ٢ / ١٣٩٩ هـ .
١٤ ـ ابن قولويه (٣٦٧) : الشيخ جعفر بن
محمد .
( كامل الزيارات )
ـ تعليق العلامة الشيخ عبدالحسين الأميني ـ النجف الأشرف ، المطبعة المرتضوية ، ١٣٥٦ هـ .
١٥ ـ البخاري ( ٢٥٦ هـ ) : محمد بن إسماعيل
بن إبراهيم .
( صحيح البخاري )
تقديم أحمد محمد شاكر ـ بيروت ، دار الجيل .
١٦ ـ البيهقي ( ٤٥٨ هـ ) : أحمد بن الحسين بن
علي .
( السنن الكبرى )
ـ ، مصر ، دائرة المعارف العثمانية .
١٧ ـ الترمذي ( ٢٦٧ هـ ) : محمد بن عيسى بن
سورة .
( سنن الترمذي )
، القاهرة ، دار الاتحاد العربي للطباعة .
١٨ ـ الحراني ( ٣٨١ هـ ) : الشيخ الحسن بن
علي بن الحسين بن شعبة .
( تحف العقول عن آل الرسول )
ـ تقديم محمد بن الحسين الأعلمي ـ ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، ط ٥ / ١٣٩٤ هـ .
١٩ ـ الحر العاملي ( ١١٠٤ هـ ) : الشيخ محمد بن
الحسن بن علي .
ـ ( وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة )
، ـ تحقيق الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط ٥ / ١٤٠٣ هـ .
ـ ( الجواهر السنية في الأحاديث القدسية )
بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ط ١ / ١٤٠٢ هـ .
٢٠ ـ شبّر ( ١٢٤٢ هـ ) : عبدالله بن السيد
محمد رضا .
( مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار )
ـ تحقيق السيد علي بن السيد محمد شبّر ـ ، بيروت ، مؤسسة النور ، ط ٢ / ١٤٠٧ هـ .
٢١ ـ الشريف الرضي ( ٤٠٦ هـ ) : محمد بن ابي أحمد
، الحسين .
( المجازات النبوية )
ـ تقديم طه عبدالرؤوف سعد ـ ، القاهرة ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، ط ١ / ١٣٩١ هـ .
٢٢ ـ الشوكاني ( ١٢٥٥ هـ ) : محمد بن علي بن
محمد .
( نيل الأوطار ، في شرح منتقى الأخبار ، من أحاديث
سيد الأخبار ) ـ تعليق عصام الدين الصبابطي ـ ، الرياض ، دار زمزم ط ١ / ١٤١٣ هـ .
٢٣ ـ الصدوق ( ٣٨١ هـ ) : الشيخ محمد بن علي
بن بابويه .
( الخصال )
ـ تحقيق علي اكبر الغقاري ـ ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، ط ١ / ١٤١٠ هـ .
٢٤ ـ الصنعاني ( ٢١١ هـ ) : عبدالرزاق بن همام
بن نافع الحميري .
( المصنف )
ـ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ـ ، بيروت ، ط ١ / ١٩٣٠ هـ .
٢٥ ـ ابن حجر ( ٨٥٢ هـ ) : أحمد بن علي
العسقلاني .
( المطالب العالية ، بزوائد المسانيد الثمانية )
، ط / الكويت .
٢٦ ـ الكليني ( ٣٢٩ هـ ) : الشيخ محمد بن
يعقوب إسحاق الرازي .
( الكافي )
ـ تصحيح علي أكبر الغفاري ـ ، بيروت ، دار صعب ، دار التعارف ، ط ٣ / ١٤٠١ هـ .
٢٧ ـ المتقي الهندي ( ٩٧٥ هـ ) : علاء الدين ، علي
بن حسام الدين .
( كنز العمال ) ، حيدر آباد الدكن ،
دائرة المعارف ، ط ٢ / ١٣٧٣ هـ .
٢٨ ـ المجلسي ( ١١١١ هـ ) : الشيخ محمد باقر
بن الشيخ محمد تقي .
( بحار الأنوار ، الجامعة لدرر أخبار الأئمة
الأطهار ) ، بيروت ، مؤسسة أهل البيت (ع) ، ط ٤ / ١٤٠٩ هـ .
٢٩ ـ النوري ( ١٣٢٠ هـ ) : الميرزا حسين بن
محمد تقي الطبرسي .
( مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل )
ـ تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث ـ ، قم ، دار الهداية ، ط ٥ / ١٤١٢ هـ .
٣٠ ـ النووي ( ٦٧٦ هـ ) : محي الدين بن شرف
بن حسين .
( شرح صحيح مسلم )
، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط ١ / ١٣١٧ هـ .
٣١ ـ النيسابوري ( ٤٠٥ هـ ) : الحاكم محمد بن
عبدالله .
( المستدرك )
، حيدر آباد الدكن ، دائرة المعارف ، النظامية .
٣٢ ـ الهيثمي ( ٩٧٣ هـ ) : الحافظ نور الدين
، علي بن أبي بكر .
(مجمع الزوائد)
، القاهرة ، مكتبة القدسي .
٤
ـ الفقه :
أ
ـ فقه الشيعة :
٣٣ ـ بحر العلوم ( ١٢١٢ هـ ) : السيد محمد مهدي
ابن السيد مرتضى الحسني .
( الدرة النجفية )
، بيروت ، دار الزهراء ، ط ٢ / ١٤٠٦ هـ .
٣٤ ـ ابن ادريس ( ٥٩٨ هـ ) : الشيخ محمد منصور
بن أحمد الحلي .
( سرائر الأحكام )
ـ تحقيق جماعة المدرسين ـ ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ط ٢ / .
٣٥ ـ الخوئي ( ١٤١٣ هـ ) : السيد أبو القاسم
بن علي أصغر الموسوي .
( المسائل المنتخبة )
، النجف الأشرف ، مطبعة الآداب ، ط ١٣ / ١٤٠٧ هـ .
٣٦ ـ السبزواري ( ١٤١٤ هـ ) : السيد عبد الأعلى
بن السيد علي رضا الموسوي .
ـ ( مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام )
، النجف الأشرف ، مطبعة الآداب .
ـ ( منهاج الصالحين )
، بيروت ، دار الكتاب الإسلامي ، ط ٤ / ١٤١٣ هـ .
٣٧ ـ السيوري ( ٨٢٦ هـ ) : الشيخ جمال الدين
، مقداد بن عبد الله .
( التنقيح الرائع لمختصر الشرائع )
ـ تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني ـ ، قم مطبعة خيام ، ط ١ / ١٤٠٤ هـ .
٣٨ ـ الطوسي ( ٤٦٠ هـ ) : الشيخ محمد بن الحسن
.
( الخلاف )
ـ تحقيق جماعة المدرسين ـ ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ط / ١٤٠٧ هـ .
٣٩ ـ النجفي ( ١٢٢٦ هـ ) : الشيخ محمد حسن بن
باقر .
( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام )
، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط ٧ / ١٩٨١ هـ .
٤٠ ـ اليزدي ( ١٣٣٧ هـ ) : السيد محمد كاظم
بن عبد العظيم الطباطبائي .
( العروة الوثقى )
، بغداد ، دار السلام ط ٢ / ١٣٣٠ هـ .
ب
ـ فقه المذاهب الأربعة :
٤١ ـ ابن تيمية ( ٧٢٨ هـ ) : أحمد بن عبدالحليم
بن عبدالسلام الحراني ، الحنبلي .
( مجموع فتاوى شيخ الإسلام )
، القاهرة ، إدارة المساحة العسكرية ، ط / ١٤٠٤ هـ .
٤٢ ـ ابن جزي ( ٧٤١ هـ ) : الشيخ محمد بن
أحمد ، المالكي .
( قوانين الأحكام الفقهية )
، بيروت ، دار العلم للملايين .
٤٣ ـ ابن عابدين ( ١٢٥٢ هـ ) : الشيخ محمد أمين
بن عمر بن عبدالعزيز ، الحنفي .
( الحاشية )
، بيروت ، دار إحياء التراث العربي .
٤٤ ـ ابن قدامة ( ٦٢٠ هـ ) : الشيخ عبدالله بن
أحمد بن محمد ، الحنبلي .
( المغنى )
، القاهرة ، ط ١ / ١٣٤٨ هـ .
٤٥ ـ الشربيني ( ٩٧٧ هـ ) : الشيخ محمد بن
أحمد ، الشافعي .
( مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج )
، القاهرة ، طبع مصطفى البابي الحلبي / ١٣٧٧ هـ .
٤٦ ـ الكشناوي ( ) : الشيخ أبو بكر بن
الحسن المالكي .
( أسهل المدارك )
، بيروت ، دار الفكر ، ط ٢ .
٥
ـ تاريخ ورجال :
٤٧ ـ ابن حجر ( ٨٥٢ هـ ) : شهاب الدين ، أحمد
بن علي بن محمد .
( تهذيب التهذيب )
، حيدر آباد الدكن ، مطبعة دائرة المعارف النظامية ، ١٣٢٥ هـ .
٤٨ ـ ابن كثير ( ٤٧٤ هـ ) : عماد الدين ،
إسماعيل بن عمر .
( البداية والنهاية )
، مصر ، دار السعادة .
٤٩ ـ الخليلي ( ١٤٠٦ هـ ) : جعفر بن الشيخ أسد
الله بن المولي علي .
( موسوعة العتبات المقدسة )
، بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، ط ٢ / ١٤٠٧ هـ .
٥٠ ـ الذهبي ( ٧٤٨ هـ ) : الحافظ شمس الدين
، محمد بن أحمد .
( سير أعلام النبلاء )
، القاهرة ، مكتبة القدسي .
٥١ ـ الأزرقي ( ٢٢٣ هـ ) : أبي الوليد ، محمد
بن عبد الله بن أحمد .
( أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار )
ـ تحقيق رشدي الصالح ملحس ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، دار الأندلس ، ط ٣ / ١٣٨٩ هـ .
٥٢ ـ السمهودي ( ٩١١ هـ ) : نور الدين ، علي
بن أحمد الحسني .
( وفاء الوفاء ، بأخبار دار المصطفى )
ـ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط ٤ / ١٤٠٤ هـ .
٥٣ ـ الصبان ( ١٢٠٦ هـ ) : الشيخ محمد علي .
( إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته
الطاهرين ) ـ مطبوع بهامش نور الأبصار للشبلنجي ، بيروت ، المكتبة الشعبية .
٥٤ ـ العقاد (١٣٨٤ م) : عباس محمود .
( أبو الشهداء ، الحسين بن علي )
، بيروت ، صيدا ، المكتبة العصرية .
٥٥ ـ العاملي ( معاصر ) : السيد جعفر
المرتضى الحسيني .
ـ ( الصحيح من سيرة النبي الأعظم )
، قم ، إنتشارات جامعة المدرسين ، ط ٤ / ١٤٠٢ هـ .
ـ ( الآداب الطبية في الإسلام )
، الكويت ، مكتبة الألفين ، ط ٢ / ١٤٠٧ هـ .
٥٦ ـ الفيروزآبادي ( ١٤١٠ هـ ) : السيد مرتضى بن
السيد محمد باقر الحسيني .
( فضائل الخمسة من الصحاح الستة )
، بيروت ، الأعلمي للمطبوعات ، ط ٤ / ١٤٠٢ هـ .
٥٧ ـ القمي ( ١٣٥٩ هـ ) : الشيخ عباس بن
محمد رضا .
( الكنى والألقاب )
ـ تقديم محمد هادي الأميني ، طهران ، مكتبة الصدر ، ط ٥ / ١٤٥٩ هـ ، ش .
٥٨ ـ المظفر ( ١٣٧١ هـ ) : الشيخ محمد حسين
بن الشيخ يونس .
( الإمام الصادق )
، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ط ٤ / ١٤٠٩ هـ .
٥٩ ـ الأميني ( معاصر ) : الشيخ محمد هادي
بن الشيخ عبد الحسين .
( معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام )
، بيروت ، دار الكتاب الإسلامي ، ط ٢ / ١٤١٣ هـ .
٦
ـ اللغة :
٦٠ ـ ابن الأثير ( ٦٠٦ هـ ) : مجد الدين ،
المبارك بن محمد الجزري .
( النهاية في غريب الحديث والأثر )
ـ تحقيق طاهر أحمد الزاوي وآخر ـ ، بيروت ، دار الفكر ، ط ٢ / ١٣٩٩ هـ .
٦١ ـ ابن منظور ( ٧١١ هـ ) : محمد بن مكرم بن
علي الأنصاري .
( لسان العرب )
، بيروت ، دار صادر ، ط ١ / ١٤٠٣ هـ .
٦٢ ـ الجرجاني ( ٨١٦ هـ ) : الشريف علي بن
محمد بن علي .
( التعريفات )
، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط ١ / ١٤٠٣ هـ .
٦٣ ـ الراغب الإصفهاني ( ٥٠٢ هـ ) : أبي القاسم ،
الحسين بن محمد .
( المفردات في غريب القرآن )
ـ تحقيق وضبط محمد سعيد كيلاني ـ ، بيروت ، دار المعرفة .
٦٤ ـ الطريحي ( ١٠٨٥ هـ ) : الشيخ فخر الدين
بن الشيخ محمد علي .
( مجمع البحرين )
ـ تحقيق أحمد الحسيني ـ ، بيروت ، مؤسسة الوفاء ، ط ٢ / ١٤٠٣ هـ .
٦٥ ـ الفيومي ( ٧٧٠ هـ ) : أحمد بن محمد بن
علي .
( المصباح المنير )
، بيروت ، المكتبة العلمية .
٦٦ ـ معلوف ( ١٩٤٦ م ) : الأب لويس .
( المنجد في اللغة )
، بيروت ، دار الشرق ، ط ٢١ / ١٩٧٣ م .
٧
ـ منوعات ثقافية :
٦٧ ـ ابن خلدون ( ٨٠٨ هـ ) : عبدالرحمن بن محمد
الأشبيلي .
( مقدمة ابن خلدون )
ـ تصحيح وفهرسة ، أبو عبدالله العيد المندوه ـ ، بيروت ، مؤسسة الكتب الثقافية ط ١ / ١٤١٤ هـ .
٦٨ ـ البار ( معاصر ) : الدكتور محمد علي
.
أ ـ ( خلق الإنسان بين الطب والقرآن )
، جدة ، الدار السعودية ، ط ٨ / ١٤١٢ هـ .
ب ـ ( الإمام علي الرضا ، ورسالته في الطب النبوي )
، جدة ، دار المناهل ، ط ٢ / ١٤١٢ هـ .
جـ ـ ( هل هناك طب نبوي ؟ )
، جدة ، الدار السعودية ، ط ٢ / ١٤١٠ هـ .
٦٩ ـ البحراني ( معاصر ) : السيد محمد صالح
بن السيد عدنان الموسوي .
( النمارق الفاخرة إلى طرائق الآخرة )
، بيروت ، الأعلمي للمطبوعات ، ط ١ / ١٤٠٨ هـ .
٧٠ ـ البعلبكي ( معاصر ) : منير .
( موسوعة المورد العربية )
ـ إعداد الدكتور رمزي بعلبكي ـ ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط ١ / ١٩٩٠ م .
٧١ ـ الخليلي ( ١٣٨٨ هـ ) : محمد بن الشيخ
صادق .
( طب الإمام الصادق )
، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ط ٤ / ١٤١٣ هـ .
٧٢ ـ الجزائري ( ١١١٢ هـ ) : السيد نعمة الله
بن عبد الله بن محمد الموسوي .
( الأنوار النعمانية )
ـ تعليق السيد محمد علي القاضي ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ط ٤ / ١٤٠٤ هـ .
٧٣ ـ عبد الصمد ( معاصر ) : محمد كامل .
أ ـ ( ثبت علمياً )
، بيروت ، دار المصرية اللبنانية ، ط ٢ / ١٤١٣ هـ .
ب ـ ( الإعجاز العلمي في الإسلام ، السنة النبوية )
بيروت ، دار المصرية اللبنانية ، ط ٢/١٤١٣ هـ .
٧٤ ـ علي ( معاصر ) : الدكتور صادق عبد
الرضا .
( القرآن والطب الحديث )
، بيروت ، دار المؤرخ العربي ، ط ١ / ١٤١١ هـ .
٧٥ ـ العاملي ( معاصر ) : الشيخ إبراهيم
سليمان البياضي .
( الأوزان والمقادير )
، بيروت ، دار المنتظر ، ط ٢ / ١٤٠٥ هـ .
٧٦ ـ الفرطوسي ( ١٤٠٤ هـ ) : الشيخ عبد النعم
بن الشيخ حسين .
( ملحمة أهل البيت )
، بيروت ، مؤسسة أهل البيت .
٧٧ ـ القمي ( ١٣٥٩ هـ ) : الشيخ عباس بن
محمد رضا .
( مفاتيح الجنان )
ـ تعريب السيد محمد رضا النوري النجفي ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ط ١ / ١٤١٢ هـ .
٧٨ ـ النجفي ( ١٣٩٠ هـ ) : أحمد بن الشيخ
أمين الكاظمي .
( التكامل في الإسلام )
، بيروت ، دار المعرفة ، ط ٢ / ١٤٠٦ هـ .
٧٩ ـ الأميني ( ١٣٩٠ هـ ) : الشيخ عبد الحسين بن
الشيخ أحمد .
( سيرتنا وسنتنا )
، بيروت ، دار الكتاب الإسلامي ، ط ٢ / ١٤١٢ هـ .
٨٠ ـ مونسما ( ) : جون كلونر ،
وآخرون .
( الله يتجلي في عصر العلم )
، ترجمة الدكتور الدمرداش ، وآخر ـ القاهرة ، مؤسسة الباني الحلبي ، ط ٣ / ١٩٦٨ م .
٨١ ـ النسيمي ( معاصر ) : الدكتور محمود
ناظم .
( الطب النبوي في العلم الحديث )
، بيروت مؤسسة الرسالة ، ط ٣ / ١٤١٢ هـ .
|