


كتاب الكفارات
كتاب الكفارات (١)
(الكفارات) وهي تنقسم إلى معينة كبعض كفارات الحج ولم يذكرها هنا
اكتفاء بما سبق ، وإلى مرتّبة ومخيّرة ، وما جمعت الوصفين (٢) ، وكفارة جمع (فالمرتّبة) ثلاث (كفارة الظهار (٣) ، وقتل الخطأ (٤) ، وخصالهما) المرتّبة (خصال كفارة
الإفطار)
______________________________________________________
(١) الكفارة اسم
للتكفير ، الذي هو في الأصل بمعنى الستر ، وسميت بذلك لأنها تستر الذنب ، ومنه
الكافر لأنه يستر الحق ، ويقال : لليل كافر ، لأنه يستر من يفعل فيه شيئا.
(٢) الترتيب
والتخيير.
(٣) فيجب فيها
العتق ومع العجز فالصوم شهرين متتابعين ، ومع العجز فإطعام ستين مسكينا ، بلا خلاف
فيه لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ
يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا
قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ،
ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ، وَاللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ
سِتِّينَ مِسْكِيناً) ، وللأخبار.
منها : خبر أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (سمعته يقول : جاء
رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ظاهرت من امرأتي ، قال : فاذهب فاعتق
رقبة ، قال : ليس عندي ، قال : اذهب فصم شهرين متتابعين ، قال : لا أقوى ، قال :
اذهب فأطعم ستين مسكينا) فما ورد من التخيير شاذ كصحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن الرجل يقول لامرأته : هي عليه كظهر أمه ، قال : تحرير
رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا) فهو شاذ لمخالفته للكتاب إلا أن يحمل الواو على التقسيم لا
على التخيير.
(٤) على المشهور
لقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلىٰ أَهْلِهِ إِلّٰا ـ
__________________
(في شهر رمضان : العتق) أولا ، (فالشهران) مع تعذر العتق ، (فالستون) أي إطعام الستين لو تعذر الصيام ، (و) الثالثة (١) (كفارة من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وهي إطعام عشرة مساكين ، ثم
صيام ثلاثة أيام) (٢) مع العجز عن الإطعام.
______________________________________________________
ـ أَنْ يَصَّدَّقُوا ـ إلى قوله تعالى ـ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ وَكٰانَ اللّٰهُ
عَلِيماً حَكِيماً) ، وللأخبار.
منها : صحيح عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (وإذا قتل خطأ أدى
ديته إلى أوليائه ثم اعتق رقبة ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع
أطعم ستين مسكينا مدا مدا) .
وعن المفيد وسلّار
وابن حمزة أنها مخيّرة ، وهو واضح الضعف بعد عدم المستند كما اعترف بذلك في
الجواهر.
(١) من المرتبة.
(٢) متتابعات ،
والترتيب المذكور هو المشهور لخبر بريد العجلي عن أبي جعفر عليهالسلام (في رجل أتى أهله
في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شيء عليه
إلّا يوم مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة
مساكين ، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع) ، وسنده مشتمل على الحارث بن محمد وهو مجهول لكنه منجبر
بعمل المشهور. والتتابع قد حكاه كشف اللثام
عن الشيخين وجماعة
، وليس له مستند كما في الجواهر وهو مخالف للعموم في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليهالسلام (كل صوم يفرّق إلا
ثلاثة أيام في كفارة اليمين) .
وعن ابن أبي عقيل
اسقاط الكفارة ، لخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل فإن نوى
الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس ـ بالنسبة لقاضي شهر رمضان ـ ، قال عليهالسلام : قد أساء وليس عليه شيء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن
يقضيه) ، وهو غير صالح لمعارضة مستند المشهور.
__________________
(والمخيرة كفارة شهر رمضان) في أجود القولين (١) ، (و) كفارة (خلف النذر (٢)
______________________________________________________
ـ وعن الصدوقين
وابن البراج أنها كفارة شهر رمضان لخبر زرارة (سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : عليه من
الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان) ، ومرسل حفص بن سوقة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يلاعب
أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل ، فقال : عليه من
الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان) وهذان لا يقاومان مستند المشهور.
وعن الحلبي وابن
زهرة التخيير بين الاطعام والصيام من دون ترتيب ، وهذا لا مستند له كما اعترف بذلك
في الجواهر.
(١) على المشهور
للأخبار.
منها : صحيح عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام : (في رجل أفطر في شهر رمضان يوما واحدا من غير عذر ، قال
: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا) .
وعن ابن أبي عقيل
أنها مرتبة لخبر عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري عن أبي جعفر عليهالسلام (إن رجلا أتى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : هلكت وأهلكت ، فقال : وما أهلكك؟ قال : أتيت امرأتي
في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اعتق رقبة ، قال : لا أجد ، فقال : صم شهرين متتابعين ،
قال : لا أطيق ، فقال : تصدق على ستين مسكينا) .
(٢) على المشهور
أنها مخيّرة ككفارة شهر رمضان للأخبار.
منها : صحيح عبد
الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عمن جعل
لله عليه أن لا يركب محرّما سماه فركبه ، قال : ولا أعلمه إلا قال : فليعتق رقبة
أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا) .
وعن الصدوق
والمحقق في النافع أنها كفارة يمين للأخبار.
منها : خبر حفص بن
غياث عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن كفارة
النذر ، فقال : كفارة النذر كفارة اليمين) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن قلت : لله
عليّ فكفارة يمين) ، وهي محمولة على التقية لموافقتها للعامة. ـ
__________________
(والعهد (١) إن جعلناهما ككفارة رمضان ، كما هو أصح الأقوال رواية.
(وفي كفارة جزاء الصيد) وهو الثلاث الأول من الثلاثة الأولى (٢) ممّا ذكر فى
الكفارات ، لا مطلق جزائه (٣) (خلاف) في أنه مرتب ، أو مخير (٤). والمصنف
______________________________________________________
ـ وعن المرتضى
وابن إدريس والعلامة التفصيل فإذا كان النذر لصوم فكفارة رمضان ، وإن كان لغيره
فكفارة يمين للجمع بين الأخبار ، وعن سلّار والكراجكيّ أن كفارة النذر هي كفارة
مرتبة ككفارة الظهار ، وليس لهما مستند كما في الجواهر.
(١) فهي كفارة
رمضان على المشهور للأخبار.
منها : خبر أبي
بصير عن أحدهما عليهالسلام (من جعل عليه عهد
الله وميثاقه في أمر فيه لله طاعة ، فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستين مسكينا) وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (سألته عن رجل
عاهد الله في غير معصية ، ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال : يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة
، أو يصوم شهرين متتابعين) .
وعن بعضهم أنها
كفارة يمين لأن العهد مثل اليمين في الالتزام ، وهو واضح الضعف مع ورود ما سمعت من
الأخبار ، وعن سلّار والكراجكي أن كفارة النذر والعهد كفارة الظهار ، وقال في
الجواهر : (لم نعثر لهما على مستند).
(٢) والثلاثة
الأولى وهي النعامة وبقرة الوحش وحماره ، والظبي والثعلب والأرنب.
والثلاث الأول
فيها هي : البدنة فإن لم يجد يقوّم البدنة ثم يفض ثمنها على ستين مسكينا ، فإن عجز
صام ستين يوما في قتل النعامة ، والبقرة الأهلية ومع العجز يفضّ ثمنها على ثلاثين
مسكينا فإن عجز صام ثلاثين يوما في قتل بقرة الوحش وحماره ، والشاة ومع العجز يفض
ثمنها على عشرة مساكين فإن عجز صام عشرة أيام في قتل الظبي فعلى الخلاف المتقدم
فهل فيها ما في الظبي أم فيها شاة ، وعلى الثاني فإن عجز عنها أطعم عشرة مساكين
فإن عجز صام ثلاثة أيام للبدل العام.
(٣) أي جزاء
الصيد.
(٤) فالمشهور على
الترتيب على ما تقدم في كتاب الحج ، وعن جماعة أنها للتخيير لقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً
فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ
ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ ، أَوْ
كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ ، أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ
صِيٰاماً) وأو للتخيير ويدل عليه ـ
__________________
اختار فيما سبق
الترتيب وهو أقوى ، ومبنى الخلاف على دلالة ظاهر الآية العاطفة للخصال بأو الدالة
على التخيير ، ودلالة الخبر على أن ما في القرآن بأو فهو على التخيير ، وعلى ما
روي نصا من أنها على الترتيب (١) وهو مقدم (٢).
(والتي جمعت) الوصفين (٣) (كفارة اليمين ،
وهي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة) مخيّر بين الثلاث ، (فإن عجز فصيام
ثلاثة أيام (٤) ، وكفارة الجمع لقتل المؤمن عمدا ظلما ، وهي عتق رقبة وصيام شهرين) متتابعين ، (وإطعام ستين
مسكينا) (٥) وقد تقدم (٦) أن الإفطار في شهر رمضان على محرم
______________________________________________________
ـ صحيح حريز عن
أبي عبد الله عليهالسلام (وكل شيء في
القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء ، وكل شيء في القرآن (فمن لم يجد فعليه
كذا) فالأول بالخيار) أي المختار والمتعين ، وحمل لفظ (أو) هنا على التقسيم لا
التخيير جمعا بينها وبين الأخبار المصرّحة بالترتيب وقد تقدم ذكر بعضها في كتاب
الحج.
(١) تقدم ذكرها في
كتاب الحج.
(٢) لأن النص مقدم
على الظاهر.
(٣) من الترتيب
والتخيير.
(٤) بلا خلاف في
ذلك لقوله تعالى : (لٰا
يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ ،
وَلٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ ،
فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ
مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ،
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ،
ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ) .
(٥) للأخبار.
منها : خبر عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (كفارة الدم إذا
قتل الرجل المؤمن متعمدا فعليه أن يمكّن نفسه من أوليائه ، فإن قتلوه فقد أدى ما
عليه إذا كان نادما على ما كان منه ، عازما على ترك العود ، وإن عفي عنه فعليه أن
يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا) .
(٦) في كتاب
الصوم.
__________________
مطلقا (١) يوجبها
أيضا (٢). فهذه جملة الأقسام.
وبقي هنا أنواع
أختلف في كفاراتها أتبعها بها فقال : (والحالف بالبراءة
(٣)
______________________________________________________
(١) سواء كان
أصليها كالزنا وشرب المسكر أم عارضيا كوطء الحائض وأكل مال الغير.
(٢) أي يوجب كفارة
الجمع.
(٣) لا خلاف في
حرمة الحلف بالبراءة من الله أو من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو من أحد من الأئمة عليهمالسلام من غير فرق بين الصادق والكاذب ، وبين الحانث وغيره لإطلاق
الأخبار.
منها : مرسل ابن
أبي عمير (سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجلا يقول : أنا بريء من دين محمد ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون؟ قال : فما
كلّمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى مات) ، وخبر يونس بن ظبيان (قال لي : يا يونس لا تحلف بالبراءة
منا ، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا كان أو كاذبا فقد برئ منا) ، وخبر محمد بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهمالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : ستدعون إلى سبّي فسبّوني ، وتدعون إلى البراءة مني فمدوا
الرقاب ، فإني على الفطرة) وقال المفيد في الارشاد (استفاض عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : ستعرضون من بعدي على سبي فسبّوني ، فمن عرض عليه
البراءة منّي فليمدد عنقه ، فإن برئ مني فلا دنيا له ولا آخرة) .
نعم اختلف في
الكفارة : فعن الشيخين وجماعة أنها كفارة ظهار فإن عجز فكفارة يمين هذا مع الحنث ،
بل عن الطوسي والقاضي أنها كذلك وإن لم يحنث ، وعن ابن حمزة أنها كفارة نذر ، وعن
الصدوق أنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين لخبر عمرو بن حريث عن أبي عبد
الله عليهالسلام (سألته عن رجل قال
: إن كلّم ذا قرابة له فعليه المشي إلى بيت الله ، وكل ما يملكه في سبيل الله ،
وهو بريء من دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين) .
وعن العلامة في
المختلف والتحرير أن يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّ ويستغفر الله لمكاتبة محمد بن
الحسن الصفّار إلى أبي محمد العسكري عليهالسلام (رجل حلف بالبراءة
من ـ
__________________
(من الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام) على الاجتماع (١) والانفراد (٢) صادقا كان أم كاذبا ، وفي
الخبر أنه يبرأ بذلك منهم صادقا وكاذبا ، واختلف في وجوب الكفارة به مطلقا أو مع
الحنث ، فنقل المصنف هنا قولين من غير ترجيح ، وكذا في الدروس (و) هو أنه (يكفّر كفارة ظهار ، فإن عجز فكفارة يمين على قول) الشيخ في النهاية وجماعة ، ولم نقف على مستنده ، وظاهرهم
وجوب ذلك مع الحنث وعدمه ومع الصدق والكذب.
(وفي توقيع العسكري عليهالسلام) إلى محمد بن
الحسن الصفار الذي رواه محمد بن يحيى في الصحيح (أنه) مع الحنث (يطعم عشرة مساكين) لكل مسكين مدّ (ويستغفر الله
تعالى). والعمل بمضمونها
حسن ، لعدم المعارض مع صحة الرواية.
وكونها مكاتبة
ونادرة لا يقدح مع ما ذكرناه ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وذهب جماعة إلى
عدم وجوب كفارة مطلقا (٣) ، لعدم انعقاد اليمين ، إذ لا حلف إلا بالله تعالى ،
واتفق الجميع على تحريمه مطلقا (٤).
______________________________________________________
ـ الله ورسوله
فحنث ما توبته وكفارته؟ فوقّع عليهالسلام : يطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مدّ ، ويستغفر الله عزوجل) .
وعن ابن إدريس
وأكثر المتأخرين أنه يأثم ولا كفارة ، لأن القول الأول لا مستند له سوى دعوى
الاجماع ، ومخالفة الكثير له تضره ، وكذا القول الثاني ، والقول الثالث معتمد على
خبر عمرو بن حريث وهو غير حائز شرائط الحجية ، وأما القول الرابع فهو وإن اعتمد
على المكاتبة وهي صحيحة السند ، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنها ولم يفتوا بمضمونها
وهذا كاشف عن ضعفها وتوهينها ، نعم لا بأس بحملها على الندب.
(١) أي حلف
بالبراءة من جميعهم.
(٢) أي حلف
بالبراءة من أحدهم.
(٣) وإن لم يكن
حانثا.
(٤) وإن حنث.
(٥) صادقا أو
كاذبا ، حانثا أو لا.
__________________
(وفي جز المرأة شعرها في المصاب كفارة ظهار) (١) على ما اختاره هنا ، وقبله العلامة في بعض كتبه وابن
إدريس ، ولم نقف على المأخذ ، (وقيل) : كبيرة (مخيّرة) ذهب إليه الشيخ في النهاية ، استنادا إلى رواية ضعيفة ،
وفي الدروس نسب القول الثاني إلى الشيخ ولم يذكر الأول.
والأقوى عدم
الكفارة مطلقا (٢) ، لأصالة البراءة. نعم يستحب لصلاحية الرواية لأدلة السنن ، ولا
فرق في المصاب بين القريب وغيره للإطلاق (٣).
وهل يفرّق بين
الكل والبعض (٤) : ظاهر الرواية اعتبار الكل ، لإفادة الجمع
______________________________________________________
(١) كما عن سلار
والحلبي وابن إدريس ، وليس له مستند إلا دعوى الاجماع ، وقيل : كما عن المراسم
والوسيلة والجامع والنافع والمقنعة والنهاية أنها كفارة شهر رمضان لخبر خالد بن
سدير (سألت أبي عبد الله عليهالسلام عن رجل شق ثوبه ـ إلى أن قال ـ وإذا خدشت المرأة وجهها أو
جزت شعرها أو نتفته ، ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام
ستين مسكينا ، وفي الخدش إذ أدميت ، وفي النتف كفارة حنث يمين ، ولا شيء في اللطم
على الخدود سوى الاستغفار والتوبة ، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على
الحسين بن علي عليهالسلام ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب) ، وخالد بن سدير لم يوثق ، وفي سند الخبر محمد بن عيسى وهو
ضعيف ، بل قال الصدوق : إن كتابه موضوع ، لذا ذهب المحقق والفخر وثاني الشهيدين
إلى أنها تأثم ولا كفارة عليها للأصل بعد استضعاف الخبر ، وفيه : إن الأصحاب قاطبة
قد عملوا بالخبر بالنسبة لصدره كما سيأتي ، وبالنسبة لحكم النتف فالسند منجبر ولا
داعي للتشكيك.
(٢) لا مرتبة ولا
مخيّرة.
(٣) أي اطلاق
الخبر المتقدم.
(٤) جزم الشارح في
المسالك والروضة اعتبار الكل ، لأن الخبر قد اشتمل على (جز الشعر) وهو جمع معرف ،
وعلى (جزت شعرها) وهو مضاف ، والجمع المعرف والمضاف يفيد العموم.
وفيه : إنه منصرف
إلى المتعارف الذي يتحقق في البعض بل اعتبار جز الكل نادر فلا يمكن حمل الخبر على
الفرد النادر ، ولذا اكتفى بالبعض صاحب الجواهر وسيد الرياض وقبلهما الشهيد في
الدروس.
__________________
المعرّف ، أو
المضاف العموم. واستقرب في الدروس عدم الفرق ، لصدق جز الشعر وشعرها عرفا بالبعض ،
وكذا الإشكال في إلحاق الحلق والإحراق بالجز ، من مساواته له (١) في المعنى واختاره
في الدروس ، ومن عدم النص (٢) ، وأصالة البراءة ، وبطلان القياس ، وعدم العلم
بالحكمة (٣) الموجبة للإلحاق ، وكذا إلحاق جزئه في غير المصاب به (٤) من عدم النص (٥)
، واحتمال الأولوية (٦) ، وهي ممنوعة (٧).
(وفي نتفه) أي نتف شعرها ، (أو خدش وجهها ،
أو شق الرجل ثوبه في موت ولده ، أو زوجته كفارة يمين على قول الأكثر) (٨) ومنهم المصنف في الدروس جازما به من غير نقل خلاف ، وكذلك
العلامة في كثير من كتبه. ونسبته هنا إلى القول يشعر بتوقفه فيه وهو المناسب ، لأن
مستنده الرواية التي دلت على الحكم السابق ، والمصنف اعترف بضعفها في الدروس ،
وليس بين المسألتين
______________________________________________________
(١) دليل الإلحاق
لأنه في الكل إزالة الشعر ، بل في الاحراق أولى.
(٢) دليل عدم
الإلحاق لعدم اندراج الحلق والاحراق تحت لفظ الجز الوارد في الخبر المتقدم ، لأن
الجز هو القص.
(٣) إذ يحتمل
خصوصية الجز في الحكم.
(٤) أي بالجز في
المصاب.
(٥) دليل عدم
الالحاق.
(٦) لأن المصاب قد
أخذ على عقل الإنسان ، ففي غير المصاب أولى لارتفاع مانع العقل.
(٧) أولا لأنه
قياس ظني ، وثانيا لاحتمال كون الجز في المصاب مشعرا بعدم الرضا بقضاء الله تعالى
دون الجز في غيره.
(٨) بل لا خلاف
فيه كما في الجواهر لخبر خالد بن سدير المتقدم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه ، أو على أخيه ، أو
على قريب له ، فقال : لا بأس بشق الجيوب ، قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون ،
ولا يشق الوالد على ولده ، ولا زوج على امرأته ، وتشق المرأة على زوجها ، وإذا شقّ
زوج على امرأته ، أو والد على ولده فكفارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفّرا ،
أو يتوبا من ذلك ، فإذا خدشت المرأة وجهها) إلى آخر ما تقدم في الحكم السابق.
__________________
فرق إلا تحقق
الخلاف في الأول دون هذه. والكلام في نتف بعض الشعر (١) كما سبق.
ولا فرق بين الولد
للصلب وولد الولد وإن نزل ذكرا ، أو أنثى لذكر (٢).
وفي ولد الأنثى
قولان أجودهما عدم اللحوق (٣) ، ولا في الزوجة بين الدائم والمتمتع بها (٤) ،
والمطلّقة رجعيّا زوجة ، ولا يلحق بها الأمة وإن كانت سرّية ، أو أم ولد (٥).
ويعتبر في الخدش الإدماء كما صرحت به الرواية وأطلق الأكثر ، وصرح جماعة منهم
العلامة في التحرير بعدم الاشتراط (٦) ، والمعتبر منه مسماه (٧) فلا يشترط استيعاب
الوجه ، ولا شق جميع الجلد (٨).
ولا يلحق به خدش
غير الوجه وإن أدمى ، ولا لطمه مجردا (٩) ، ويعتبر في الثوب مسماه عرفا (١٠) ، ولا
فرق فيه بين الملبوس وغيره ، ولا بين شقه ملبوسا ومنزوعا ، ولا بين استيعابه بالشق
وعدمه (١١) ، ولا كفارة بشقه على غير الولد
______________________________________________________
(١) حيث تضمن
الخبر (وفي النتف) وهو جمع معرف ، و (نتفته) ، فقد ذهب الشارح إلى اعتبار الكل
لظاهر الرواية ، وذهب غيره إلى الاكتفاء بالبعض لأنه المنصرف من الخبر عرفا.
(٢) لاطلاق لفظ
الولد ـ الوارد في الخبر ـ عليه.
(٣) وهذا ما استقر
به في المسالك ، وعلّله في الجواهر بالتبادر ، وعن البعض أنه يطلق عليه لغة فيدخل.
(٤) لإطلاق الزوجة
عليها ، وكذا على الرجعية.
(٥) لعدم صدق اسم
الزوجة عليها.
(٦) أي عدم اشتراط
الادماء وهو مطالب بالمستند ـ كما في المسالك ـ خصوصا بعد تقييد الخدش بالادماء
كما في الخبر.
(٧) لإطلاق الخبر
، والخدش لا يكون إلا في الوجه ، فلا عبرة بخدش غيره كما لا يعتبر استيعاب تمام
الوجه.
(٨) في المخدوش من
الوجه ، بل لو كان بعض المخدوش منه داميا يكفي.
(٩) عن الخدش ،
فلا شيء فيه لعدم صدق الخدش الذي هو عنوان الحكم المذكور.
(١٠) أي ما يسمى
أنه ثوب ، نعم لا فرق بين الملبوس وغيره للاطلاق.
(١١) كل ذلك
لإطلاق الخبر المتقدم.
والزوجة (١) ،
وأجازه (٢) جماعة على الأب والأخ لما نقل من شق بعض الأنبياء (٣) والأئمة (٤) عليهمالسلام فيهما (٥) ، ولا في شق المرأة على الميت مطلقا (٦) وإن
حرم.
(وقيل : من تزوّج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصوع
دقيقا (٧)
______________________________________________________
(١) لأنه خارج عن
مورد النص ، بل الخبر قد صرح بجواز الشق على أبيه وأمه وأخيه.
(٢) أي شق الثوب.
(٣) كما وقع من
موسى على هارون على ما في الخبر المتقدم.
(٤) ففي مرسل
الفقيه (لما قبض علي بن محمد الهادي عليهالسلام رؤي الحسن بن علي عليهالسلام قد خرج من الدار وقد شق قميصه عن خلف وقدام) ، وما رواه في كشف الغمة عن كتاب الدلائل لعبد الله بن
جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري قال : (خرج أبو محمد عليهالسلام في جنازة أبي الحسن عليهالسلام وقميصه مشقوق ، فكتب إليه ابن عون : من رأيت أو بلغك من
الأئمة شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد عليهالسلام : يا أحمق وما يدريك ما هذا ، قد شق موسى على هارون) .
(٥) أي في الأب
والأخ.
(٦) حتى على زوجها
كما صرح الخبر المتقدم ، وعلى ولدها ، فلا كفارة لعدم النص ، نعم في غير المنصوص
يكون محرّما لما فيه من إضاعة المال كما علّله في المسالك ، وفيه : بعد عدم ثبوت
النص فإضاعة المال مطلقا لا تساعد على الحرمة في كل مورد.
(٧) كما ذهب إليه
الشيخ وابن حمزة والعلامة وولده لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن امرأة
تزوجها رجل فوجد لها زوجا ، قال : عليه الحد وعليها الرجم ، لأنه قد تقدم بعلم
وتقدمت هي بعلم ، وكفارته إن لم يقدّم إلى الإمام أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا) ومرسل الصدوق عنه عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يتزوج
المرأة ولها زوج ، قال : إذا لم يرفع خبره إلى الإمام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع
دقيقا بعد أن يفارقها) وصريح الخبرين في المرأة ذات البعل ، إلا أنهم حملوا
المعتدة عليها ، أمّا الرجعية فواضح لصدق اسم الزوجة عليها ، وأما في البائن فلعدم
الفرق بين العدتين مع أن إحداث قول ثالث بالتفصيل خرق للاجماع المركب. ـ
__________________
نسب ذلك إلى القول
متوقفا فيه ، وجزم به في الدروس ، ومستنده رواية أبي بصير عن أبي عبد الله ، وهي
مع تسليم سندها لا تصريح فيها بالوجوب (١) ، فالقول بالاستحباب أوجه ، وفي الرواية
تصريح بالعالم ، وأطلق الأكثر ولا حجة في لفظ الكفارة (٢) على اختصاصها بالعالم (٣)
، ولا فرق في العدة بين الرجعية والبائن ، وعدة الوفاة وغيرها (٤) ، وفي حكمها (٥)
ذات البعل ، وهو (٦) مصرح في الرواية ، ولا بين المدخول بها وغيرها (٧) ، والدقيق
في الرواية والفتوى مطلق (٨). وربما قيل باختصاصه بنوع يجوز إخراجه كفارة وهو دقيق
(٩) الحنطة والشعير.
(ومن نام عن صلاة العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما
(١٠)
______________________________________________________
ـ هذا والفتوى
مقتصرة على ذات العدة والخبران مصرحان بذات الزوج ، فما في الفتوى لا شاهد له وما
في الخبرين لا عامل به ، بالإضافة إلى ضعف السند أما الثاني فواضح للإرسال ، وأما
الأول فلاشتراك أبي بصير بين جماعة منهم الثقة والضعيف ، وفي السند أيضا إسماعيل
بن مزار وحاله مجهول ، ولهذين الاشكالين ذهب ابن إدريس والمحقق إلى إنكار وجوب
التصدق المذكور استضعافا للخبرين بعد إعمال أصالة البراءة ، وهو ما قوّاه الشارح
في المسالك. نعم يعمل بها استحبابا تسامحا في أدلة السنن.
(١) وهو خبر أبي
بصير الأول ، وأما مرسل الصدوق عنه فقد تضمن القول (فعليه أن يتصدق) وهي جملة
خبرية قد قصد بها الانشاء فهي أبلغ في الوجوب من الأمر.
(٢) الوارد في
فتوى الأكثر.
(٣) لأن الكفارة
تدارك لما فات الإنسان سواء كان عن اختيار أو لا.
(٤) كعدة المنقطعة
والأمة كل ذلك لعدم إحداث قول ثالث كما تقدم في البائن.
(٥) أي حكم
المعتدة.
(٦) أي ما ذكر من
ذات البعل.
(٧) لإطلاق الخبرين.
(٨) يشمل دقيق
الحنطة وغيره من الشعير والذرة.
(٩) كما في
التنقيح للانصراف والاحتياط.
(١٠) كما عن الشيخ
في النهاية والمرتضى في الانتصار وابن زهرة في الغنية لخبر عبد الله بن المغيرة
عمن حدثه عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل نام عن
العتمة فلم يقم إلى انتصاف الليل ، قال : يصليها ويصبح صائما) ، وذهب ابن إدريس والمحقق والفاضل وغيرهم ـ
__________________
ظاهره كون ذلك على
وجه الوجوب ، لأنه مقتضى الأمر. وفي الدروس ، نسب القول به إلى الشيخ ، وجعل الرواية
به مقطوعة (١) ، وحينئذ (٢) فالاستحباب أقوى ، ولا فرق بين النائم كذلك (٣) عمدا
وسهوا (٤) ، وفي إلحاق السكران به قول ضعيف (٥) ، وكذا من تعمد تركها ، أو نسيه من
غير نوم (٦) ، ولا يلحق به ناسي غيرها قطعا (٧) ، فلو أفطر ذلك اليوم ففي وجوب
الكفارة من حيث تعينه على القول بوجوبه ، أولا (٨) بناء على أنه كفارة فلا كفارة
في تركها وجهان أجودهما الثاني ولو سافر فيه مطلقا (٩) أفطره وقضاه ، وكذا لو مرض
، أو حاضت المرأة ، أو وافق العيد ، أو أيام التشريق مع احتمال سقوطه حينئذ ، ولو
صادف صوما متعينا تداخلا مع احتمال قضائه.
______________________________________________________
ـ إلى عدم الوجوب
استضعافا للمرسل المتقدم ، نعم لا بأس بالاستحباب تسامحا في أدلة السنن.
(١) بل مرسلة.
(٢) أي حين كون
الرواية مقطوعة.
(٣) حتى تجاوز نصف
الليل.
(٤) لإطلاق الخبر.
(٥) لم أجده لشخص
بعينه ، نعم ضعفه للأصل بعد ورود النص في النائم ، وقياس السكران عليه لا نقول به.
(٦) فلا كفارة في
نسيان العشاء أو تعمد تركها للأصل بعد ورود النص في النائم كما عرفت ، وقياسهما
على النائم قياس باطل.
(٧) لعدم النص.
(٨) تابع الشارح
في هذه الفروع الشهيد في الدروس حيث قال : (ولو أفطر في ذلك اليوم أمكن وجوب
الكفارة لتعينه ، وعدمه لتوهم أنه كفارة ولا كفارة فيها ، ولو سافر فيه فالأقرب
الإفطار والقضاء ، وكذا لو مرض أو حاضت المرأة ، مع احتمال عدم الوجوب فيهما وفي
السفر الضروري لعدم قبول المكلف الصوم ، وكذا لو وافق العيد أو التشريق ، ولو وافق
صوما معينا فالأقرب التداخل مع احتمال قضائه) انتهى ، ولقد أجاد في الجواهر حيث
قال : (لكن الجميع كما ترى مجرد تهجس ، بل لعل إهمال ذلك كله وغيره دليل الاستحباب
الذي يقع فيه مثل هذا الإهمال بخلاف الواجب).
(٩) مضطرا أو
مختارا.
(وكفارة ضرب العبد فوق الحد) الذي وجب عليه بسبب ما فعله من الذنب ، أو مطلقا (١) (عتقه (٢) مستحبا) عند الأكثر. وقيل : وجوبا وتردد المصنف في الدروس مقتصرا على نقل الخلاف ،
وقيل : المعتبر تجاوز حد الحر (٣) ، لأنه المتيقن والمتبادر عند الإطلاق ، ولو
قتله فكفارته كغيره (٤).
(وكفارة الإيلاء كفارة اليمين) (٥) ، لأنه يمين خاص ، (ويتعين العتق في
المرتّبة بوجدان الرقبة (٦) ملكا ، أو تسبيبا) كما لو ملك الثمن ووجد الباذل لها
______________________________________________________
(١) فالاطلاق إما
بلحاظ الحدود فقد ضربه فوق كل الحدود حتى تجاوز حد العبد والحر كما عن بعض ، وإما
بلحاظ السبب ، أي ضربه وإن لم يكن هناك ذنب وهذا ما صرّح به في الخبر الآتي.
(٢) وجوبا كما عن
جماعة ، والمستند فيه صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (من ضرب مملوكا
حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه) .
وذهب المحقق
والعلامة وأكثر المتأخرين إلى الاستحباب لعدم الوثوق بالوجوب صريحا من عبارات
القدماء كما في الجواهر.
(٣) النص السابق
ظاهر فيما إذا ضربه حدا من الحدود من غير ذنب ، والفتوى صريحة في تجاوز الحد وهما
متغايران ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمعتبر في الحد هو حد العبيد لا حد الأحرار
لأنه المنصرف من الخبر ، وقيل ـ كما في المسالك ـ حد الأحرار ، لأنه المتيقن ،
لأصالة بقاء الملك سليما عن تعلق حق العتق على مالكه ، وهذا يأتي على القول
بالوجوب ، أما الاستحباب فلا.
(٤) فالكفارة
مرتبة إن كان القتل خطأ ، وجمعا إن كان عمدا.
(٥) لأن الايلاء
من اليمين ، إذ هو الحلف على ترك وطئ الزوجة على ما سيأتي تفصيله ، ولكن يتميز عن
مطلق اليمين بأحكام مخصوصة ، وأما الكفارة فواحدة.
(٦) بلا خلاف فيه
لما تقدم من الأدلة حيث أبتدئ بتحرير رقبة ثم إذا لم يجد فصيام شهرين متتابعين ،
ووجدان الرقبة متحقق فيما لو كانت عنده رقبة ، أو عنده ثمنها مع وجود الباذل لها
بالبيع ونحوه ، نعم إن لم تكن عنده رقبة ولم يجد الباذل لها ، أو وجد ولكن فقد
الثمن فينتقل إلى الصوم في المرتبة.
__________________
زيادة (٦) على
داره وثيابه اللائقين بحاله ، وخادمه اللائق به ، أو المحتاج إليه ، وقوت يوم
وليلة له ولعياله الواجبي النفقة ، ووفاء دينه (١) وإن لم يطالب به. نعم لو تكلف
العادم العتق أجزأه (٢) ، إلا مع مطالبة الديان (٣) ، للنهي عن العتق حينئذ (٧)
وهو عبادة ، والعبرة بالقدرة عند العتق (٤) لا الوجوه.
(ويشترط فيها الإسلام) (٥) وهو الإقرار بالشهادتين مطلقا (٦) على الأقوى ، وهو
المراد من الإيمان المطلوب في الآية ، ولا يشترط الإيمان الخاص وهو الولاء على
الأظهر.
______________________________________________________
(١) لأنه يشترط في
الثمن أن يكون زائدا عن هذه المستثنيات وإلا فلا يصدق عليه وجدان الرقبة.
(٢) لأن المأتى به
قد طابق المأمور به ، وهو مأمور به لأنه تكلف ذلك.
(٣) وهو الدائن
فلا يجوز له بذل المال الموجود عنده في شراء الرقبة لأنه منهي عنه بعد مطالبة
الدائن بحقه.
(٤) لأن العبرة
بالقدرة حال الأداء.
(٥) وهو المعبّر
عنه بالإيمان ، وهو معتبر في كفارة القتل عمدا أو خطأ بلا خلاف فيه للتصريح به في
الكتاب العزيز ((وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)) وهذا من حيثية كونه كفارة القتل لا من حيث كونه خطأ ، فلذا
اشترط الإيمان في كفارة القتل العمدي أيضا ، وأما في غيرها فقيل بالاشتراط كما نسب
إلى الأكثر لخبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته أيجوز
للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا) ولقاعدة الاشتغال التي تقتضي عتق المؤمنة ، وبه يحصل
الفراغ اليقيني وذهب الشيخ في المبسوط وابن الجنيد إلى عدم الاشتراط في غير كفارة
القتل للأصل وعملا بإطلاق أدلة العتق.
ثم إن المراد
بالإيمان هو الإسلام ، وهو الاقرار بالشهادتين ، ولا يعتبر التصديق القلبي لتعذر
الاطلاع عليه غالبا ، وكذلك لا يعتبر الإيمان الخاص وهو الاعتقاد بالأئمة عليهمالسلام لتأخره عن زمن الخطابات بالعتق فلا يحمل عليه ، نعم ذهب
ابن إدريس إلى اشتراط الإيمان الخاص لقاعدة الاشتغال.
(٦) وإن لم يكن
مؤمنا بالأئمة عليهمالسلام.
__________________
وطفل أحد المسلمين
بحكمه (١) ، وإسلام الأخرس بالإشارة (٢) ، وإسلام المسبي بالغا بالشهادتين (٣) ،
وقبله (٤) بانفراد المسلم به (٥) عند المصنف وجماعة ،
______________________________________________________
(١) للسيرة
القطعية على معاملة الطفل معاملة أبويه ولخبر زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهمالسلام (إذا أسلم الأب
جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فإن أبى قتل ، فإذا
أسلم الولد لم يجرّ أبويه ، ولم يكن بينهما ميراث) نعم ذهب ابن الجنيد إلى اشتراط كونه بالغا في كفارة القتل
وتبعه على ذلك المحقق الثاني لخبر معمر بن يحيى عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الرجل
يظاهر من امرأته ، يجوز عتق المولود في الكفارة ، فقال : كل العتق يجوز فيه
المولود إلا في كفارة القتل ، فإن الله تعالى يقول : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ) ، يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث) ومثله غيره ، إلا أن هذه الأخبار مهجورة عند الأصحاب كما
في الجواهر لخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهمالسلام (الرقبة المؤمنة
التي ذكر الله إذا عقلت ، والنسمة التي لا تعلم إلا ما قلته وهي صغيرة) وخبر كردويه الهمداني عن أبي الحسن عليهالسلام (في قوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، كيف تعرف المؤمنة؟ قال : على الفطرة) .
(٢) بحيث إذا بلغ
المملوك الأخرس وأبواه كافران ، فأسلم بالإشارة حكم بإسلامه وأجزأ في العتق ، بلا
خلاف فيه ، لما روته العامة (أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه جارية أعجمية أو خرساء ، فقال : يا رسول الله عليّ
عتق رقبة ، فهل تجزي عني هذه؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء ، ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أنا؟ فأشارت إلى أنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم له : اعتقها فإنها مؤمنة) .
(٣) لأن الإسلام
يتحقق بهما.
(٤) أي قبل
البلوغ.
(٥) بحيث لو انفرد
المسلم السابي به ، ولم يكن الطفل تحت سلطة أبويه فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى
الحكم بإسلامه ، تبعا للسابي محتجا بأن هذا الطفل لا حكم له بنفسه ، وليس هاهنا
غير السابي فيحكم بإسلامه تبعا له وتبعه على ذلك جماعة ، وعن المشهور العدم لعدم
الدليل.
__________________
وولد الزنا بهما (١)
بعد البلوغ ، وبتبعية السابي على القول (٢) ، وفي تحققه (٣) بالولادة من المسلم
وجهان ، من انتفائه (٤) شرعا. وتولده منه (٥) حقيقة فلا يقصر عن السابي ، والأول
أقوى.
(والسلامة من) العيوب الموجبة للعتق (٦) وهي : (العمى والإقعاد. والجذام والتنكيل) الصادر عن مولاه ، وهو أن يفعل به فعلا فظيعا بأن يجدع
أنفه ، أو يقلع أذنيه ونحوه لانعتاقه بمجرد حصول هذه الأسباب على المشهور ، فلا
يتصور إيقاع العتق عليه ثانيا.
ولا يشترط سلامته
من غيرها من العيوب (٧) فيجزي الأعور ، والأعرج ،
______________________________________________________
(١) أي
بالشهادتين.
(٢) أي قول المصنف
وجماعة قبل البلوغ.
(٣) أي تحقق
الإسلام لولد الزنا.
(٤) دليل العدم.
(٥) دليل التحقق.
(٦) بلا خلاف ولا
اشكال فيه ، فلا يجزي الأعمى ولا الأجذم ولا المقعد ولا المنكّل به لتحقق العتق
بحصول هذه الأسباب ، فلا يحصل التحرير المأمور به في الكفارة ففي خبر غياث بن
إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام (لا يجزي الأعمى
في الرقبة ، ويجزي ما كان منه مثل الأقطع والأشلّ والأعرج والأعور ، ولا يجوز
المقعد) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبي عن علي عليهمالسلام (العبد الأعمى
والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعتقهم) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (قضى أمير
المؤمنين عليهالسلام فيمن نكّل بمملوكه أنه حر لا سبيل له ، سائبة يذهب) وذهب ابن إدريس إلى أن التنكيل ليس سببا للعتق وسيأتي بحثه
في كتاب العتق. وقال في المسالك : (فالتنكيل لغة فعل الأمر الفظيع بالغير ، يقال :
نكّل به تنكيلا ، إذ جعله نكالا لغيره ، مثل أن يقطع لسانه أو أنفه أو أذنيه أو
شفتيه ونحو ذلك ، وليس في كلام الأصحاب ما يدل على المراد ، بل اقتصروا على تعليق
الحكم على مجرد الاسم تبعا لإطلاق النص).
(٧) بحيث إذا كان
العيب لا يوجب نقصان ماليته كقطع بعض أنامله فلا خلاف في كونه ـ
__________________
والأقرع ، والخصي
، والأصم ، ومقطوع أحد الأذنين واليدين ولو مع إحدى الرجلين ، والمريض وإن مات في
مرضه ، والهرم ، والعاجز عن تحصيل كفايته ، وكذا من تشبث بالحرية (١) مع بقائه على
الملك كالمدبّر ، وأم الولد (٢) وإن لم يجز بيعها ، لجواز تعجيل عتقها.
______________________________________________________
ـ مجزيا لصدق
الرقبة عليه ، وأما إذا كان العيب يوجب النقصان كالأصم والأخرس ومن قطعت إحدى يديه
أو رجليه ، فكذا لصدق الرقبة ، وخالف ابن الجنيد في الناقص خلقة ببطلان الجارحة
إذا لم يكن في البدن سواها كالأخرس دون الأشلّ من يد واحدة ، وهو شاذ ضعيف ـ كما
في الجواهر ـ لصدق الرقبة على الجميع إلا ما خرج بالنص السابق.
(١) ذهب الشيخ في
النهاية والقاضي ابن البراج وابن الجنيد إلى عدم أجزاء المدبّر إذ يشترط أن يكون
العبد تام الملك لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل جعل لعبده
العتق إن حدث به حدث ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، أيجزي عنه
أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟ قال : لا) ، ومضمر عبد الرحمن (سألته عن رجل قال لعبده : إن حدث بي
حدث فهر حر ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، أله أن يعتق عبده
الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال : لا يجوز) .
وعن الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن إدريس وأكثر المتأخرين أنه يجزي ويكون عتقه فسخا للتدبير ،
لأنه بمنزلة الوصية يبطلها الناقل عن الملك ، مع حمل الخبرين السابقين على من جعل
ذلك بوجه لازم ، ويؤيده صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (عن رجل دبّر
مملوكا له ثم احتاج إلى ثمنه ، فقال : هو مملوكه إن شاء باعه ، وإن شاء أعتقه ،
وإن شاء أمسكه حتى يموت ، فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه) .
(٢) المشهور على
جواز عتقها في الكفارة كما يجوز عتقها تبرعا لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (أم الولد تجزي في
الظهار) ، وعن ابن الجنيد عدم الجواز وهو مذهب بعض العامة لنقصان
ملكها باستحقاقها العتق من جهة الاستيلاد ، وهو ممنوع ، لأنها تستحق العتق بعد موت
سيدها لا مطلقا.
__________________
وفي إجزاء المكاتب
الذي لم يتحرر منه شيء قولان (١) ، وإجزاؤه لا يخلو من قوة ، دون المرهون (٢) إلا
مع إجازة المرتهن ، والمنذور عتقه (٣) ، والصدقة به (٤) ، وإن كان (٥) معلقا بشرط
لم يحصل بعد على قول (٦) رجحه المصنف في الدروس.
(والخلو عن العوض) (٧) فلو أعتقه وشرط عليه عوضا لم يقع عن الكفارة ، لعدم تمحض
القربة. وفي انعتاقه بذلك نظر (٨) وقطع المصنف في الدروس بوقوعه ، وكذا لو قال له
غيره : أعتقه عن كفارتك ولك عليّ كذا (٩) ، واعترف
______________________________________________________
(١) قال الشيخ في
الخلاف لا يجزي نظرا إلى نقصان الرق بتحقق الكتابة ، لأنها لازمة من قبل السيد ،
وقد خرج العبد بها عن الملك خروجا متزلزلا.
وقال الأكثر أنه
يجزي لصدق عنوان الرقبة ، ولذا جاز عتقه تبرعا وليس ذلك إلا لبقاء الرق ، وثبوت
معاملة الكتابة عليه مع وجوب الوفاء بها على سيده لا يقتضي خروجه عن الرق.
(٢) لأن الراهن
ممنوع من التصرف في المرهون بلا خلاف فيه ـ كما سيأتي في باب الرهن ـ وهذا الفرد
منه ، نعم مع إجازة المرتهن ينفذ العتق ، لأن المنع كان لحقه فإذا أجاز زال
المانع.
(٣) فلا يجوز عتقه
في الكفارة لتعين عتقه في النذر.
(٤) أي المنذور
بأن يتصدق به.
(٥) أي النذر.
(٦) قال في الدروس
: (ولا يجزي المنذور عتقه أو الصدقة به ، وإن كان النذر معلقا بشرط لم يحصل بعد
على الأقوى) ، وإلا فمقتضى القواعد جواز عتقه في الكفارة ، ما لم يثبت النذر بتحقق
شرطه.
(٧) بحيث لو قال
لعبده : أنت حر وعليك كذا ، فلا يجزي عن الكفارة ، بلا خلاف فيه ، لأن قصد العوض
ينافي الاخلاص المعلوم اعتباره في العبادة ، والكفارة منها.
(٨) ناشئ من أنه
عتق صدر من أهله وقد وقع في محله لأن قصده للعتق عن الكفارة يستلزم قصد مطلق العتق
، وهو قول الشيخ في المبسوط والشهيد في الدروس ، ومن أنه لم ينو العتق المطلق ،
وإنما نوى العتق عن الكفارة فلو وقع عن غيرها لزم وقوعه بغير نية مع أن العتق
مشروط بالنية لأنه من العبارات.
(٩) فلا يقع عن
الكفارة بالاتفاق ، وإنما الكلام في وقوع انعتاق العبد ، ويجري فيه الخلاف السابق.
المصنف هنا بعدم
وقوع العتق مطلقا (١) ، نعم لو أمره بعتقه عن الآمر بعوض ، أو غيره أجزأ (٢) ،
والنية هنا من الوكيل ، ولا بد من الحكم بانتقاله إلى ملك الآمر ولو لحظة ، لقوله (ص) : «لا عتق إلا في
ملك (٣)» وفي كونه هنا قبل العتق (٤) أو عند
______________________________________________________
(١) لا عن الكفارة
، ولا عن غيرها.
(٢) بحيث قال له :
اعتق عبدك عني ففعل ، وقع العتق عن الآمر بغير خلاف ، وكأنه أعتقه بنفسه لأن فعل
الوكيل فعل الموكل ، نعم لا بد من دخول العبد في ملك المعتق عنه لخبر الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام (لا طلاق إلا بعد
نكاح ولا عتق إلا بعد ملك) وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (ولا يعتق إلا ما
يملك) وخبر النضر عن أبي عبد الله عليهالسلام (ولا عتق قبل ملك)
، وقد اختلفوا في وقت دخوله على أقوال : الأول : أن الملك يحصل عقيب الفراغ
من لفظ الاعتاق على الاتصال ، وهو قول الشيخ ، وفيه : إنه يستلزم تأخر العتق عن
الاعتاق بقدر ما يتوسطهما الملك ، الثاني : أنه يحصل الملك بشروعه في لفظ الاعتاق
، ويعتق إذا تم اللفظ بمجموع الصيغة ، فجزء الصيغة سبب للملك حينئذ وهو قول المفيد
والعلامة وفخر المحققين ، وفيه لو فرض عدم تمامية الصيغة بعد الشروع فيها للزم
خروج الرقبة عن الملك ، ودخولها في ملك الآمر ، وهذا مما لم يلتزم به أحد لعدم
تحقق سبب الانتقال ، الثالث : أنه يحصل الملك للآمر بالاستدعاء ويعتق عليه إذا
تلفظ المالك بالإعتاق ، ويرد عليه أنه لو لم يتلفظ المالك بالاعتاق لوجب انتقال
الرقبة إلى الآمر وهذا مما لم يلتزم به أحد. الرابع : أن الملك والعتق معا يحصلان
عند تمام الإعتاق وفيه : أنه لا بد من تقدم الملك على العتق فكيف يتم وقوعهما معا
في وقت واحد ، الخامس : إن الملك يحصل بالاستدعاء المقترن بصيغة العتق بحيث يكون
تمام الصيغة كاشفا عن سبق الملك عليها ، مع الالتزام بأن عدم وقوع صيغة الإعتاق
بعد الاستدعاء دال على عدم حصول الملك بالاستدعاء.
ولقد أجاد المحقق
في الشرائع حيث قال : (والوجه : الاقتصار على الثمرة وهي صحة العتق عن الآمر ،
وبراءة ذمته عن الكفارة ، ولا يجب البحث عن وقت انتقال الملك إليه ، فإن ذلك تخمين
لا يرجع إلى دليل صالح).
(٣) عين هذا الخبر
غير مروي من طرقنا ، نعم ما هو مروي قد تقدم ، وهو قريب منه فراجع.
(٤) أي قبل التلفظ
بصيغة العتق ، ويكون الملك عند الاستدعاء كما هو القول الثالث.
__________________
الشروع فيه (١) ،
أو بعد وقوع الصيغة ثم يعتق (٢) ، أو بكون العتق كاشفا عن ملكه بالأمر أوجه والوجه
انتقاله بالأمر (٣) المقترن بالعتق.
(والنية) (٤) المشتملة على قصد الفعل على وجهه (٥) متقربا ، والمقارنة (٦)
للصيغة ، (والتعيين للسبب) (٧) الذي يكفّر عنه ، سواء تعددت الكفارة في ذمته أم لا ،
وسواء تغاير الجنس أم لا ، كما يقتضيه الاطلاق (٨) ، وصرّح به في الدروس. ووجهه أن
الكفارة اسم مشترك بين أفراد مختلفة ، والمأمور به إنما يتخصص بمميزاته عن غيره
مما يشاركه.
______________________________________________________
(١) كما هو القول
الثاني.
(٢) كما هو القول
الأول.
(٣) كما هو القول
الخامس.
(٤) النية معتبرة
في الكفارة لتصريح أكثر من واحد بأنها من العبادات ، وقد تقدم أن النية متقومة
بالقصد إلى الفعل مع القربة إلى الله ، وأما باقي الخصوصيات فلا يجب قصدها إلا إذا
توقف تمييز المأمور به عليها.
(٥) من قصد الوجوب
أو الاستحباب ، وقد عرفت عدم وجوبه.
(٦) بناء على أن
النية اخطارية ، وقد عرفت أنها قصدية.
(٧) إذا تعددت
الكفارات عليه ، وأما لو اتحدت الكفارة عليه فلا داعي لتعيين السبب لتمحض المأمور
به في الانطباق عليه.
وعلى تقدير تعدد
الكفارات فتارة يتحد جنس سببها وأخرى يتعدد ، فعلى تقدير اتحاد جنس السبب فالمشهور
بين الأصحاب عدم وجوب التعيين ، بل نقل الشارح في المسالك عن الشهيد في الشرح أنه
لا يعرف لأحد من العلماء قولا باشتراط التعيين ، كل ذلك لصدق الامتثال بدون
الاشتراط.
وعلى تقدير تعدد
السبب فإما أن تتماثل الكفارات ككفارة الظهار وكفارة قتل الخطأ ، وإما أن تختلف
ككفارة اليمين مع كفارة شهر رمضان التي هي كبيرة مخيّرة ، فعلى الاختلاف في خصالها
فلا داعي لتعيين السبب لصدق الامتثال بعد تمحض المأمور به في الانطباق على المأتى
به ، وعلى الاتفاق في الخصال فلا بد من تعيين السبب لقاعدة الاشتغال لامتناع صرف
المأتي به إليها ، ولا للبعض للترجيح من دون مرجح فلا بد من نية التعيين ، هذا هو
مقتضى القواعد المقررة في النية التي تقدم البحث فيها في العبادات.
(٨) أي اطلاق
عبارة الماتن.
ويشكل بأنه مع
اتحادها في ذمته لا اشتراك ، فتجزي نيته (١) عما في ذمته من الكفارة ، لأن غيره
ليس مأمورا به ، بل ولا يتصور وقوعه منه في تلك الحالة شرعا ، فلا وجه للاحتراز
عنه كالقصر والتمام في غير موضع التخيير.
والأقوى أن
المتعدد في ذمته مع اتحاد نوع سببه (٢) كإفطار يومين من شهر رمضان ، وخلف نذرين
كذلك (٣) ، نعم لو اختلفت أسبابه توجه ذلك (٤) ليحصل التمييز وإن اتفق مقدار
الكفارة (٥) ، وقيل : لا يفتقر إليه مطلقا (٦).
وعلى ما اخترناه (٧)
لو أطلق برأت ذمته من واحدة لا بعينها فيتعين في الباقي الإطلاق سواء كان بعتق أم
غيره (٨) من الخصال المخيّرة ، أو المرتبة على تقدير العجز ، ولو شك في نوع ما في
ذمته أجزأه الاطلاق عن الكفارة على القولين (٩) ، كما يجزيه العتق عما في ذمته لو
شك بين كفارة ونذر (١٠) ، ولا يجزي
______________________________________________________
(١) أي نية العتق
من دون ذكر السبب.
(٢) كان الكلام في
تعدد جنس السبب سابقا ، أما إذا اتّحد الجنس وتعددت أفراده كمن عليه كفارتان
لإفطار يومين من شهر رمضان فلا يجب التعيين لعدم اشتغال ذمته بغير كفارة افطار شهر
رمضان.
(٣) أي فلا يجب
التعيين كالفرع السابق.
(٤) أي التعيين
للسبب.
(٥) بل التعيين في
هذا الفرع لصلاحية المأتي به للانطباق على أكثر من واجب ، وأما لو اختلفت خصال
الكفارة فلا داعي للتعيين لعدم صلاحية الانطباق.
(٦) كما عن الشيخ
في المبسوط في كل الأحوال لأصالة البراءة من الاشتراط ، وهو ضعيف فيما لو توقف
الامتثال على التمييز.
(٧) من تعدد
الكفارة مع اتحاد النوع فلا يشترط نية التعيين.
(٨) بحيث لو أعتق
ولم ينو التعيين سقط إحداهما وبقيت الأخرى ، وهذه الأخرى مخيّرة بين العتق وغيره
بحيث يأتي بواحد من خصالها من دون نية التعيين ، وأما لو كانت الأخرى مرتبة فيجوز
له أن يأتي بغير العتق على تقدير العجز عنه وكل ذلك من دون نية التعيين.
(٩) أما على القول
بعدم وجوب التعيين ، لأنه لا يجب التعيين مع العلم فمع الجهل أولى ، وعلى القول
الثاني إنما وجب التعيين مع العلم ، وبدونه لا يجب لأن تكليف التعيين مع الجهل
تكليف بما لا يطاق فيسقط.
(١٠) بحيث لو نوى
التكفير أو النذر فلا يجزي ، لأن النذر لا يجزي فيه نية التكفير ، وهو لا يجزي فيه
نية النذر ، فيتعين أن ينوي إبراء ما في ذمته من أيهما.
ذلك في الأول (١)
، كما لا يجزي العتق مطلقا (٢) ، ولا بنية الوجوب (٣).
(ومع العجز) عن العتق (٤) في المرتّبة (٥) (يصوم (٦) شهرين متتابعين) هلاليين (٧) ، وإن (٨) نقصا إن ابتدأ من أوله ، ولو ابتدأ
من أثنائه أكمل ما بقي منه ثلاثين بعد الثاني (٩) ، وأجزأه الهلالي في الثاني ،
ولو اقتصر هنا (١٠) على شهر ويوم تعين العددي فيهما (١١) ، والمراد بالتتابع أن لا
يقطعهما ولو في شهر ويوم بالإفطار اختيارا (١٢) ولو
______________________________________________________
(١) أي لا يجزي
نية ما في الذمة في الصورة السابقة فيما لو تعددت الكفارة واتحد النوع لتردد
المأتي به بين واجبين.
(٢) أي من دون ذكر
عنوان الكفارة ، لأن المأتي به لا يتمحض في التكفير إلا بذكره فلا بد منه.
(٣) أي لا يجزيه
العتق لو أتى به بنية الوجوب فقط ، لأنه قد يكون واجبا عليه في غير الكفارة ، فلا
بد من نية التكفير ليقع كفارة.
(٤) قد تقدم معنى
وجدان الرقبة ، ومنه تعرف معنى العجز منها.
(٥) لأن في
المخيّرة يجوز له الصوم المذكور ابتداء.
(٦) فهو لازم في
المرتّبة بعد العجز عن العتق بلا خلاف فيه ، ولما مرّ من الأدلة كتابا وسنة.
(٧) لأنه المراد
شرعا عند الاطلاق.
(٨) إن وصلية ،
لتحقق الامتثال بعد صدق صوم الشهرين عليه.
(٩) لأن الأول لا
يمكن له أن يحمله على الهلالي بعد الابتداء في أثنائه ، وقيل : يتم من الشهر
الثالث ما فاته من الأول فإذا ابتدأ باليوم العاشر من الأول مثلا فيكون قد فاته
تسعة أيام فيتمها في الشهر الثالث لأنه أقرب إلى الشهر الحقيقي ، وفيه أنه لا بد
من احتساب الشهر ثلاثين عند انكساره وقيل : مع انكسار الأول ينكسر الجميع ويبطل
اعتبار الأهلة ، لأن الثاني لا يدخل إلا بعد إكمال الأول ، فلا يسلم له الثاني من
أول الشهر الهلالي وهو الموافق للاعتبار والاحتياط.
(١٠) أي في صورة
الابتداء من الأثناء.
(١١) للانكسار في
الشهرين.
(١٢) كما تقدم في
باب الصوم لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (صيام كفارة
اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو
شيئا منه ، فإن عرض له شيء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وإن صام شهرا ثم
عرض له شيء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع ، فليعد الصوم كله) .
__________________
بمسوغه (١) كالسفر
، ولا يقطعه غيره (٢) كالحيض والمرض والسفر الضروري والواجب (٣) ، بل يبني على ما
مضى عند زوال العذر على الفور هذا إذا فاجأه السفر.
أما لو علم به قبل
الشروع لم يعذر (٤) للقدرة على التتابع في غيره ، كما لو علم بدخول العيد ، بخلاف
الحيض ، للزومه في الطبيعة عادة ، والصبر إلى سن اليأس تغرير بالواجب ، وإضرار
بالمكلف ، وتجب فيه النية (٥) ، والتعيين (٦) كالعتق ، وما يعتبر في نيته (٧) ،
ولو نسيها ليلا جددها إلى الزوال فإن استمر إليه لم يجز ولم
______________________________________________________
(١) أي مسوغ
الافطار.
(٢) أي غير
الافطار الاختياري.
(٣) شرعا وكذا لو
افطرت الحامل والمرضع مع الخوف على النفس ، للأخبار.
منها : صحيح رفاعة
(سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض ، قال : يبني
عليه ، الله حسبه ، قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام
حيضها ، قال : تقضيها ، قلت : فإنها قضتها ثم يئست من المحيض ، قال : لا تعيدها ،
اجزأها) وخبر سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة عشر يوما
ثم مرض ، فإذا برأ أيبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال : يبني على ما كان صام ،
ثم قال : هذا مما غلب الله عليه ، وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شيء) ومن التعليل يستفاد جواز البناء على ما مضى إذا كان
الإفطار لعذر مهما كان نوعه.
(٤) كما لو علم
بدخول العيد في الشهر الأول فلا يجوز له أن يصوم شعبان إلّا مع صوم يوم قبله ، ولا
يجوز أن يصوم الشهر الأول في ذي الحجة لأنه لا يسلم له ويدل عليه صحيح منصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل صام في
ظهار شعبان ثم أدركه رمضان ، قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن صام في
الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته) .
(٥) أي في صوم
الكفارة لأنه من العبادات.
(٦) قد تقدم
الكلام فيه.
(٧) أي في نية
الصوم.
__________________
يقطع التتابع على
الأقوى (١).
(ومع العجز) عن الصيام (يطعم ستين مسكينا) فما يجب فيه ذلك ككفارة شهر رمضان (٢) ، وقتل الخطأ ،
والظهار ، والنذر (٣) لا مطلق المرتبة ، فإنه في كفارة إفطار قضاء رمضان ، وكفارة
اليمين إطعام عشرة وأطلق الحكم اتكالا على ما علم (إما إشباعا) في أكلة واحدة (أو تسليم مدّ إلى
كل واحد على أصح القولين) (٤)
______________________________________________________
(١) بل هو المشهور
بينهم لأن النسيان عذر ، ويحتمل القطع لأن النسيان مستند إلى تقصيره وإهماله وعدم
اهتماله بالصوم وهو احتمال ضعيف. ولم ينسب الخلاف إلى أحد.
(٢) قد عرفت أنها
مخيّرة وليست مرتبة فالتمثيل بها ليس في محله ، إلا على قول ابن أبي عقيل من أنها
مرتبة.
(٣) والتمثيل به
على قول سلار والكراجكي حيث ذهبا إلى أن كفارة خلف النذر مرتبة ككفارة الظهار.
(٤) على المشهور
للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قال الله عزوجل لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يٰا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ) قد فرض الله لك تحلة أيمانكم ، فجعلها يمينا وكفّرها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قلت : بما كفّر؟ قال أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد ،
قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : ثوب يواري عورته) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (وإذا قتل خطأ أدى
ديته إلى أوليائه ثم اعتق رقبة ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع
أطعم ستين مسكينا مدا مدا) ومثلها غيرها الوارد ، في كفارة شهر رمضان.
وعن الشيخ في
الخلاف والمبسوط والنهاية وابن حمزة في الوسيلة والطبرسي في مجمع البيان مدان مع
القدرة ، ومع العجز مد لخبر أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام (في كفارة الظهار
قال : تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا ، لكل مسكين مدين مدين) ، وحمل عند المشهور على الاستحباب.
هذا كله على تقدير
التسليم إلى المستحق ، ولكنه غير لازم بل يتخير بينه وبين أن يطعمه مرة إلى أن
يشبع لصدق الاطعام بذلك ، قال الله تعالى : (لٰا
يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي ـ
__________________
فتوى وسندا وقيل
مدان مطلقا (١) ، وقيل : مع القدرة ، ويتساوى في التسليم الصغير والكبير من حيث
القدر (٢) وإن كان الواجب في الصغير تسليم الولي ، وكذا في الإشباع (٣) إن اجتمعوا
ولو انفرد الصغار احتسب الاثنان بواحد ولا
______________________________________________________
ـ أَيْمٰانِكُمْ
، وَلٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ
، فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ
مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (سأله عن أوسط ما
تطعمون أهليكم ، قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك؟ فقال
: الخل والزيت والتمر والخبز يشبعهم به مرة واحدة ، قلت : كسوتهم؟ قال : ثوب واحد)
، وعن المفيد وسلّار والقاضي وابن زهرة الاشباع في يومه لخبر سماعة بن مهران
عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن قول
الله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ، في كفارة اليمين ، قال : ما
يأكل أهل البيت يشبعهم يوما ، وكان يعجبه مد لكل مسكين) وهي محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين ما تقدم ، وعن
ابن الجنيد أنه يطعمه في الغداة والعشاء ولم أجد دليلا على هذا التعيين.
(١) ليس قولا
ثالثا بل هو راجع لقول الشيخ.
(٢) لصدق تسليم
المد لكل مسكين ويدل عليه صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليهالسلام (سألته عن رجل ،
عليه كفارة إطعام عشرة مساكين ، أيعطي الصغار والكبار سواء ، والرجال والنساء ، أو
يفضّل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ قال : كلهم سواء) .
(٣) فإن أشبع
الكبار فلا خلاف ، وإن أشبع الصغار فتارة منضمين إلى الكبار فيحسب الواحد بواحد
على المشهور ، وعن المفيد أنه يحسب الاثنان واحدا ، وأخرى منفردين فلا بد من
احتساب الاثنين بواحد بلا خلاف فيه كما في الرياض ، والأصل فيه خبر غياث بن
إبراهيم عن عبد الله عليهالسلام (لا يجزي إطعام
الصغير في كفارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير) وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام قال : من أطعم في كفارة اليمين صغارا وكبارا فليزوّد
الصغير بقدر ما أكل الكبير) ، وصحيح الحلبي عن ـ
__________________
يتوقف (١) على إذن
الولي (٢).
ولا فرق بين أكل
الصغير كالكبير ، ودونه (٣) ، لإطلاق النص وندوره (٤) ، والظاهر أن المراد بالصغير
غير البالغ مع احتمال الرجوع إلى العرف (٥) ، ولو تعذر العدد في البلد وجب النقل
إلى غيره مع الإمكان (٦) ، فإن تعذر كرر على الموجودين في الأيام بحسب المتخلف (٧).
______________________________________________________
ـ أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله عزوجل : من أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : هو كما يكون ، أنه
يكون في البيت من يأكل المد ، ومنهم من يأكل أكثر من المد ، ومنهم من يأكل أقل من
المد ، فبين ذلك) .
فالصحيح الأخير
دال على عدم وجوب اعطاء أكثر مما يأكله وإن كان أقل من المدّ فلا بد من حمل الخبر
الثاني الظاهر في الاجتماع على الاستحباب ، وأما الخبر الأول فيحمل على صورة
الانفراد جمعا بينه وبين الصحيح المذكور هذا ما عليه المشهور ، وفيه : ان الصحيح
ناظر إلى التسليم وكلامنا في لإشباع ، وكذا الخبر الثاني ، وأما الأول فهو شامل
للانفراد والاجتماع من دون مخصص له فالأقوى عدم احتساب الواحد بواحد بل احتساب
الاثنين منهم بواحد.
(١) أي الاشباع.
(٢) لأنه ليس
تصرفا في حاله أو أفعاله حتى يحتاج إلى الإذن.
(٣) أي دون الكبير
لإطلاق النص ، وهو خبر أبي بصير المتقدم (سألت أبا جعفر عليهالسلام عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : ما تقوتون به عيالكم من
أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك؟ قال : الخل والزيت والتمر والخبز يشبعهم به مرة
واحدة) . فلا فرق بين الصغير والكبير في الأكل ولو اختلفا ، كما
يختلف الكبار في مقدار الأكل.
(٤) أي ندور أكل
الصغير كالكبير ، وهي علة ثانية لعدم الفرق ، لأنه لو قلنا باشتراط التساوي بين
الأكلين للزم عدم جواز اجتماع الصغار مع الكبار إلا على نحو النادر ، مع أن بعض
الروايات ظاهرة بالاجتماع ولا يمكن حملها على الفرد النادر.
(٥) قال في
المسالك (لا تقدير في الكبر والصغر شرعا فيرجع فيهما إلى العرف).
(٦) لتوقف الواجب
عليه.
(٧) فإنه يجوز
التكرار على الواحد مع تعذر غيره بلا خلاف لخبر السكوني عن أبي عبد ـ
__________________
والمراد بالمسكين
هنا (١) من لا يقدر على تحصيل قوت سنته فعلا وقوة فيشمل الفقير ، ولا يدخل الغارم
وإن استوعب دينه ماله ، ويعتبر فيه الإيمان (٢) ، وعدم وجوب نفقته على المعطي (٣)
، أما على غيره فهو غنيّ مع بذل المنفق ، وإلا فلا.
وبالطعام مسماه (٤)
كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما وما يغلب على قوت
______________________________________________________
ـ الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فيكرر عليهم
حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا) .
(١) أي في باب
الكفارات ، لأن المسكين هنا لا يشمل الغارم ، وقد أدرج الغارم في مستحق الزكاة
للدليل وكذا ابن السبيل.
(٢) وهو الإيمان
بالمعنى الخاص ، فلم يشترطه المحقق بل اكتفى بالإسلام لعموم أدلة الاطعام في
الكفارات ، ولموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليهالسلام (وقد سأله عن
الكفارة إلى أن قال ـ قلت : فيعطيه الضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال : نعم ، وأهل
الولاية أحبّ إليّ) .
وذهب الشيخ وقواه
العلامة إلى اشتراط الإيمان مع الامكان ، وقال في المسالك : (ليس عليه نص بخصوصه)
، وذهب ابن الجنيد وابن البراج إلى اشتراط الإيمان مطلقا ، وذهب ابن إدريس إلى
اشتراط الإيمان والعدالة ، ودليل القولين الأخيرين ما تقدم في الزكاة ، والملازمة
ممنوعة كما في المسالك.
(٣) بلا خلاف
لاشتراط المسكنة في مصرف الكفارة ، ومن وجبت نفقته على المعطي كالعمودين والزوجة
والمملوك فإنهم يصيرون أغنياء بالدافع فلا يجوز له إعطاءهم من الكفارة.
هذا كله مع بذل
المنفق ، وأما مع عدمه فكذلك قال في المسالك (فلا يجوز له صرفها إليهم حتى لو
منعهم من النفقة وصاروا محتاجين فحكمهم كذلك بالنسبة إليه ، لأن الشرط مقدور عليه
من جهته والتقصير واقع منه ، فلم يفترق الحال بين بذل النفقة وعدمه ، بخلاف
الأجنبي فإن تحريم دفعه الكفارة إليهم مشروط ببذل المنفق ما يجب عليه لهم من
النفقة ليصيروا أغنياء ، فلو لم يكن باذلا لهم وصاروا محتاجين ، جاز لغيره أن
يعطيهم منها لتحقق الوصف فيهم).
(٤) أي كل ما يؤكل
ويسمى طعاما لإطلاق النصوص.
__________________
البلد ، ويجزي
التمر والزبيب مطلقا (١) ، ويعتبر كونه سليما (٢) من العيب والمزج بغيره ، فلا
يجزي المسوس ، والممتزج بزوان وتراب غير معتادين ، والنية (٣) مقارنة (٤) للتسليم
إلى المستحق ، أو وكيله ، أو وليه ، أو بعد وصوله إليه قبل إتلافه ، أو نقله (٥)
عن ملكه ، أو للشروع في الأكل ، ولو اجتمعوا فيه (٦) ففي الاكتفاء بشروع واحد ، أو
وجوب تعددها مع اختلافهم (٧) فيه وجهان (٨).
(وإذا كسى الفقير فثوب) في الأصح (٩) ، والمعتبر مسماه (١٠) من إزار
______________________________________________________
(١) سواء غلب على
قوت البلد أو لا.
(٢) للانصراف.
(٣) لأن الكفارة
من العبادات.
(٤) إذا كانت
اخطارية وقد عرفت أنها قصدية فلا داعي لهذا التشقيق.
(٥) عطف على
إتلافه.
(٦) في الأكل.
(٧) في الشروع.
(٨) من أن كل أكلة
واجبة فتجب نيتها معها ، ومن أن مجموع الأكلات كفارة واحدة فيكفيها نية واحدة
للجميع.
(٩) كما عن الشيخ
والحلي وابن بابويه وابن سعيد والعلامة والشهيدين للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (ثوب يواري به
عورته) ، وصحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (قلت : كسوتهم؟
قال : ثوب واحد) وعن القاضي والشيخ وابن زهرة والفاضل في القواعد وفخر
المحققين بحمل هذه الأخبار على العجز وإلا فمع الاختيار ثوبان جمعا بينها وبين
أخبار.
منها : صحيح
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لكل إنسان ثوبان)
وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت : أو كسوتهم؟
قال : ثوبين لكل رجل) وخبر أبي خالد القماط عنه عليهالسلام (والكسوة ثوبان) ، وهي محمولة على
الاستحباب عند أصحاب القول الأول.
(١٠) قال في
المسالك : (واعلم أن المعتبر في الثوب أو الثوبين ما يتحقق به الكسوة عرفا كالجبة
والقميص والإزار والسراويل والمقنعة للأنثى ، دون المنطقة والخف والقلنسوة ، ـ
__________________
ورداء ، وسراويل ،
وقميص (ولو غسيلا (١) إذا لم يتخرق) أو ينسحق جدا بحيث لا ينتفع به إلا قليلا وفاقا للدروس (٢)
، وجلسه القطن والكتان والصوف والحرير الممتزج ، والخالص للنساء وغير البالغين ،
دون الرجال والخناثي ، والفرو والجلد المعتاد لبسه والقنب والشعر كذلك (٣) ، ويكفي
ما يسمى ثوبا للصغير وإن كانوا منفردين ، ولا يتكرر على الموجودين لو تعذر العدد
مطلقا (٤) ، لعدم النص (٥) مع احتماله (٦).
(وكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن صومهما) أجمع (صام ثمانية عشر يوما) (٧) وإن قدر على صوم أزيد منها ، (فإن عجز) عن صوم
______________________________________________________
ـ وأقله ما يستر
العورتين كالمئزر إن اعتيد لبسه وإلا فلا ، ولو صلح كسوة للصغير دون الكبير كفى إن
دفعه بنية الصغير دون الكبير ، والمعتبر في جنسه ما يعدّ معه كسوة عرفا كالقطن
والكتان والصرف والحرير للنساء والفرو والجلد المعتادين ، وكذا القنب والشعر ان
اعتاداه ، وإلا فلا ، ويجزي كسوة الصغار وإن انفردوا للعموم ، ويستحب الجديد ،
ويجزي غيره إلا أن ينسحق أو يتخرق). انتهى.
(١) أي مغسولا.
(٢) لإطلاق الأدلة
وخالف في ذلك الوسيلة والإصباح.
(٣) أي المعتاد
لبسهما.
(٤) مع وجود
المستحق في البلد الآخر مع تعذر النقل أو مع عدم وجود المستحق.
(٥) أي لعدم النص
في تكرار الكسوة على الموجودين ، بخلاف الاطعام فإنه يكرر الاطعام لخبر السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فيكرر عليهم
حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا) .
(٦) أي احتمال
التكرار في الكسوة كما في الاطعام ، وفيه : إنه قياس مع أنه لو كرر لكسي المسكين
عشرة أثواب في عشرة أيام وهو بعيد عن مذاق الشارع بخلاف الاطعام فلو أطعم على عشرة
أيام وهو محتاج لكان أمرا راجحا.
(٧) والأصل فيه
خبر أبي بصير وسماعة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على
الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة ، ـ
__________________
الثمانية عشر أجمع
(تصدق عن كل يوم) من الثمانية عشر (بمد) من طعام (١) ، وقيل : عن الستين (٢) ، ويضعف بسقوط حكمها (٣)
قبل ذلك (٤) وكونه (٥) خلاف المتبادر ، وعدم صحته في الكفارة المخيرة ، لأن القادر
على إطعام الستين يجعله أصلا لا بدلا ، بل لا يجزيه الثمانية عشر مع قدرته على
إطعام الستين ، لأنها (٦) بدل اضطراري ، وهو (٧) بدل اختياري ، (فإن عجز) عن إطعام القدر المذكور ،
______________________________________________________
ـ قال : فليصم
ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن رجل ظاهر
امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام ، قال : يصوم ثمانية عشر
يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام) .
(١) لما تقدم في
كتاب الصوم من أن الشيخ الكبير وذا العطاش يتصدقان عن كل يوم بمدّ كما في صحيح
محمد بن مسلم (سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن
يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ، ولا قضاء
عليهما) ومثله غيره ، بل اطعام الستين مع تعذر الشهرين في المرتبة
يومئ إلى ذلك كما في الجواهر.
(٢) وقد جعله في
نهاية المراد أحد الوجهين ، وفيه : أولا أن الصدقة بعد العجز عن صوم الثمانية عشر
يوما المترتب على العجز عن صوم الستين فكيف يرجع إليها بعد الخروج عنها كما في
المسالك ، وثانيا : إن هذا الحكم يشمل صوم الشهرين في الكفارة المخيّرة فلو فرضنا
أن الصدقة عن ستين يوما هي البدل للعجز عن صوم الثمانية عشر يوما فيكون قادرا من
رأس على أحد خصال الكفارة ومعه لا داعي لفرض صوم الثمانية عشر يوما عند العجز عن
صوم الستين.
(٣) أي حكم
الستين.
(٤) عند صوم
الثمانية عشر.
(٥) عطف على (سقوط
حكمها).
(٦) الثمانية عشر.
(٧) أي الاطعام عن
الستين.
__________________
وإن قدر على بعضه (استغفر الله تعالى) (١) ولو مرة بنية الكفارة.
______________________________________________________
(١) لخبر أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام (كل من عجز عن
الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك
مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار كفارة ما خلا يمين الظهار) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن شيء من
كفارة اليمين ـ إلى أن قال ـ قلت : فإن عجز عن ذلك ، قال : فليستغفر الله تعالى
ولا يعود) وخبر داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن الاستغفار
توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفارة) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث (وإلا يجد ذلك فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود ،
فحسبه ذلك والله كفارة) .
__________________
كتاب النذر وتوابعه
(كتاب النذر (١)
وتوابعه)
من العهد واليمين (وشرط الناذر الكمال) بالبلوغ والعقل (٢) ، (والاختيار (٣) والقصد (٤) إلى مدلول الصيغة ، (والإسلام (٥) ،) ...
______________________________________________________
(١) فهو لغة الوعد
بخير أو شر ، وشرعا هو الالتزام بفعل أو ترك قربة إلى الله ، ويدل على مشروعيته
قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) وقوله تعالى : (وَلْيُوفُوا
نُذُورَهُمْ) ، والأخبار الكثيرة التي سيمر علينا بعضها.
(٢) بلا خلاف فيه
لحديث رفع القلم .
(٣) بلا خلاف فيه
، وأما المكره فلا أثر لقوله في وجوب الوفاء بالنذر لحديث رفع عن أمتي .
(٤) بلا خلاف فيه
لأنه مع عدمه فتكون العبارة كالعدم ، فالنائم والمغمى عليه والسكران والغضبان الذي
سلب القصد بغضبه لا ينعقد منهم النذر.
(٥) لأنه يشترط في
النذر نية التقرب ، وهي متعذرة : في حق الكافر بجميع أقسامه ، نعم لو نذر الكافر
ثم أسلم استحب له الوفاء كما صرح به غير واحد ، ولما روته العامة عن عمر أنه قال
لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إني كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية ، فقال له ـ
__________________
(والحرية (١) فلا ينعقد نذر الصبي والمجنون مطلقا (٢) ، ولا المكره ،
ولا غير القاصد كموقع صيغته عابثا ، أو لاعبا ، أو سكران ، أو غاضبا غضبا يرفع
قصده إليه ولا الكافر مطلقا (٣) ، لتعذر القربة على وجهها منه ، وإن استحب له
الوفاء به لو أسلم ، ولا نذر المملوك ، (إلا أن يجيز
المالك) قبل إيقاع صيغته
، أو بعده (٤) على
______________________________________________________
ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أوف بنذرك) ، ولو قيل : إن الكافر إذا كان مقرا بوحدانية الله فيتحقق
منه التقرب إلى الله ، وإن لم يثاب لعدم إيمانه بالنبوة الخاصة ، ولازمه صحة نذره
لكان حسنا كما ذهب إليه بعضهم.
(١) فلا يصح نذر
المملوك إلا بإذن سيده ، بلا خلاف فيه كما في المسالك والرياض لخبر قرب الإسناد (أن
عليا عليهالسلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده) .
(٢) أي سواء كان
الصبي مميزا أو لا ، وسواء كان الجنون ادواريا أو اطباقيا.
(٣) وإن كان مقرا
بوحدانية الله تعالى.
(٤) وقع الخلاف
بينهم في أن إذن السيد هل هو شرط في صحة نذر العبد ، أو لا ولكن للسيد حلّ النذر
لو صدر من العبد بدون إذنه ، فذهب المشهور إلى الثاني ، وذهب البعض إلى الأول
لتوقف النذر على الإذن كما هو ظاهر الخبر المتقدم ، وسيأتي له تتمة كلام.
وقد الحق به
اشتراط إذن الزوج في نذر الزوجة لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (ليس للمرأة مع
زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها ،
إلا في حج أو زكاة أو بر والديها ، أو صلة رحمها) ، هذا على المشهور بين المتأخرين كما في المسالك ، وألحق
به العلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس نذر الولد حيث إنه متوقف على إذن الأب ،
ولا نص على الإلحاق في باب النذر ، وإنما ورد نص على الإلحاق في اليمين وهو : خبر
ابن القداح عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يمين لولد مع
والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للملوك مع سيده) وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يمين للولد مع والده ، ولا لمملوك مع مولاه ، ولا
للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة) .
__________________
المختار عند
المصنف ، (أو تزول الرقية) قبل الحل (١) لزوال المانع.
والأقوى وقوعه
بدون الإذن باطلا ، لنفي ماهيته في الخبر (٢) المحمول على نفي
______________________________________________________
ـ ووجه الإلحاق
مشابهة النذر لليمين في الالتزام لله تعالى ، وفي الكثير من الأحكام ، ولتسمية
النذر يمينا في أكثر من خبر ، كما في خبر الوشاء عن أبي الحسن عليهالسلام (قلت له : إن لي
جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية ، وهي تحتمل الثمن إلا إني كنت حلفت فيها بيمين
، فقلت : لله عليّ أن لا أبيعها أبدا ، ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة ،
فقال : ف لله بقولك) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن الرجل
يحلف بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل ، قال : إذا لم يجعل الله
فليس بشيء) ، وخبر سماعة (إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن
يفي بها ما جعل الله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه ، أو عافاه من أمر يخافه ،
أو ردّ عليه ماله ، أو رده من سفر ، أو رزقه رزقا ، فقال : لله عليّ كذا وكذا شكرا
، فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به) ،
وفيه : إن اطلاق
اليمين عليه في هذه الاخبار مجاز كما هو واضح ولذا لا يمكن إثبات جميع أحكام
اليمين في النذر بمجرد هذا الإطلاق.
(١) أي قبل حل نذر
العبد من قبل سيده ، وهذا مناف بظاهره لكلام الماتن سابقا حيث اشترط إذن المولى في
انعقاد نذر العبد ، فكيف ينعقد بدون إذنه هنا وأن للسيد الحل فلو زالت الرقية قبل
الحل لكان النذر صحيحا على العبد ، وهذا ما وقع به غيره كالمحقق في الشرائع.
إلا أن يقال : أن
النذر من دون إذن السيد ينعقد انعقادا غير تام بحيث لو لحقه الإذن لصح ، وعلى هذا
التقدير يتصور اشتراط الإذن أولا ثم الحكم بصحة النذر لو زالت الرقية قبل الحلّ ،
إلا أنه على خلاف الظاهر من الأدلة.
(٢) قد عرفت أن
الخبر الدال على اشتراط إذن السيد في نذر العبد هو خبر قرب الاسناد المتقدم (ليس
على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده) ، وهو يدل على نفي ثبوت النذر ولا يدل على نفي ماهية النذر
، نعم في نذر الزوجة قد تقدم صحيح ابن سنان (ولا نذر ـ
__________________
الصحة ، لأنه (١)
أقرب المجازات (٢) إلى الحقيقة حيث لا يراد نفيها (٣) ، وعموم الأمر بالوفاء
بالنذر مخصوص (٤) بنذر المذكور (٥) ، كما دل عليه الخبر لا بنذره مع النهي (٦) (وإذن الزوج كإذن السيد) في اعتبار توقفه عليها (٧) سابقا (٨) ، أو لحوقها له قبل
الحل (٩) ، أو ارتفاع الزوجية قبله (١٠) ولم يذكر توقف نذر الولد على إذن الوالد ،
لعدم
______________________________________________________
ـ في مالها إلا
بإذن زوجها) ، وهو يدل على نفي الماهية لمكان (لا) النافية للجنس ، إلا
أن يكون مراده الاستدلال بما ورد في يمين العبد كما في خبر ابن القداح وصحيح منصور
بن حازم المتقدمين ، فإنهما متضمنان للنافية للجنس ، ويصح الاستدلال باعتبار اطلاق
اليمين على النذر ، ولكن عرفت ضعف هذا المبنى.
وعلى كل فقوله عليهالسلام (لا نذر في مالها
إلا بإذن زوجها) محمول على نفي الصحة لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة ، بعد
كون نفي الحقيقة غير مراد لأنها متحققة لا محالة.
إن المشهور قد
تمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر ، وهذا يشمل ما لو صدر نذر الزوجة من دون إذن زوجها
، فيتعين حمل الخبر على ما لو كان النذر المذكور منافيا لحق الزوج وقد نهاها عنه
ولذا حملت الخبر على أن النذر ينعقد بدون الإذن لكن للزوج حلّه.
إن شمول وجوب
الوفاء بالنذر لهذا النذر من دون إذن زوجها أول الكلام ، لأن العموم لا يشمله إلا
إذا كان صحيحا ، ووقوعه صحيحا من دون الإذن أول الكلام.
(١) أي لأن نفي
الصحة.
(٢) والمجاز الآخر
هو نفي الكمال.
(٣) أي الحقيقة
لأنها متحققة بصدور الإذن وإن لم يأذن.
(٤) أي مخصّص.
(٥) أي بنذر العبد
من دون إذن سيده.
(٦) والمعنى ،
وليس العموم المدعى يشمل النذر من دون الإذن وإنما هو مخصص بالنذر مع نهي السيد
لمكان الخبر ، بل هو مخصص بالنذر من دون الإذن لظاهر الخبر.
(٧) أي على الرخصة
المستفادة من إذن الزوج.
(٨) كما هو مختار
الشارح.
(٩) كما هو مختار
المصنف حيث قال الشارح : (أو بعده على المختار عند المصنف).
(١٠) أي قبل الحل
، ويأتي فيه ما تقدم من أنه مناقض لاشتراط الإذن ابتداء.
__________________
النص الدال عليه
هنا ، وإنما ورد (١) في اليمين فيبقى (٢) على أصالة الصحة.
وفي الدروس ألحقه
بهما (٣) لإطلاق اليمين في بعض الأخبار على النذر كقول الكاظم عليهالسلام لما سئل عن جارية حلف منها بيمين فقال : لله عليّ أن لا
أبيعها فقال : ف لله بنذرك (٤) ، والإطلاق وإن كان من كلام السائل إلا أن تقرير
الإمام له عليه كتلفظه به (٥) ، ولتساويهما (٦) في المعنى ، وعلى هذا (٧) لا وجه
لاختصاص الحكم بالولد ، بل يجب في الزوجة مثله (٨) ، لاشتراكهما (٩) في الدليل
نفيا (١٠) وإثباتا (١١).
أما المملوك فيمكن
اختصاصه بسبب الحجر عليه (١٢) ، والعلّامة اقتصر عليه هنا (١٣) وهو أنسب (١٤) ،
والمحقق شرّك بينه (١٥) وبين الزوجة في الحكم كما
______________________________________________________
(١) أي ورد التوقف
على إذن الوالد ، وقد تقدم.
(٢) أي نذر الولد
من دون إذن الوالد.
(٣) أي الحق الولد
بالزوجة والعبد.
(٤) وقد تقدم
الخبر وفيه : (ف لله بقولك).
(٥) بالإطلاق.
(٦) أي النذر
واليمين.
(٧) من شمول
اليمين للنذر مع التوقف على إذن الوالد والزوج في اليمين كما تقدم ، فلا وجه
لاختصاص الحكم بعدم التوقف في الولد كما يستفاد من عبارة المصنف هنا ، حيث اقتصر
على الزوجة والمملوك في اشتراط نذرهما لإذن الزوج والسيد.
(٨) والحكم بعدم
توقف نذرها على إذن الزوج.
(٩) أي الزوجة
والولد في دليل التوقف.
(١٠) في النذر.
(١١) في اليمين ،
وفيه إن صحيح ابن سنان قد ورد في اشتراط نذرها بإذن الزوج ، وقد تقدم ، بخلاف
الولد فلم يرد عليه نص بالخصوص في النذر ولعله لذا ترك المصنف اشتراط الإذن في
الولد هنا في باب النذر.
(١٢) فلا بد من
توقف نذره على إذن السيد وإن لم يرد فيه نص مع أنك قد عرفت ورود النص وقد تقدم.
(١٣) أي اقتصر على
العبد في باب النذر.
(١٤) لعدم ورود نص
على اشتراط الإذن في الزوجة والولد كما هو مدعى الشارح ، وقد عرفت ضعفه.
(١٥) أي بين
المملوك.
هنا (١) ، وترك
الولد وليس بوجه.
(والصيغة : إن كان كذا فلله عليّ كذا) هذه صيغة النذر المتفق عليه بواسطة الشرط (٢) ، ويستفاد من
الصيغة أن القربة (٣) المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره
من العبادات ، بل يكفي تضمن الصيغة لها (٤) ، وهو هنا موجود بقوله : لله علي وإن
لم يتبعها بعد ذلك بقوله : قربة إلى الله أو لله ونحوه ، وبهذا صرح في الدروس
وجعله أقرب. وهو الأقرب.
______________________________________________________
(١) كما هو عبارة
الماتن.
(٢) وأما إذا وقعت
الصيغة ابتداء بغير شرط كأن يقول : لله عليّ كذا ففيه خلاف وسيأتي بحثه.
(٣) يشترط مع
الصيغة نية القربة بلا خلاف فيه لموثق إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إني جعلت على نفسي شكرا لله ركعتين أصليهما في السفر
والحضر ، أفأصليهما في السفر بالنهار؟ قال : نعم ـ إلى أن قال ـ قلت : إني لم
أجعلهما لله عليّ ، إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا لله ولم أوجبهما على نفسي
، أفأدعهما إذا شئت؟ قال : نعم) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (كل يمين لا يراد
بها وجه الله في طلاق أو عتق فليس بشيء) ، بناء على شمول اليمين للنذر ، ومرسل ابن أبي عمير عن أبي
عبد الله عليهالسلام (في الرجل تكون له
الجارية فتؤذيه امرأته وتغار عليه فيقول : هي عليك صدقة ، فقال : إن كان جعلها لله
وذكر الله فليس له أن يقربها ، وإن لم يكن ذكر الله فهي جاريته يصنع بها ما يشاء) ، وصحيح أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل قال : عليّ
نذر ، قال : ليس النذر بشيء حتى يسمّى لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا) ، ومثلها غيرها.
ومقتضى هذه
الأخبار أن المعتبر من نية القربة جعل الفعل لله ، وإن لم يجعلها غاية له ، فما عن
بعضهم كما في المسالك من كون نية التقرب المعتبرة بأن يقول بعد الصيغة : قربة إلى
الله ، ليس في محله.
(٤) لنية التقرب ،
بل الأصح يكفي كون الفعل لله جل وعلا.
__________________
ومن لا يكتفي بذلك
ينظر إلى أن القربة غاية للفعل فلا بد من الدلالة عليها ، وكونها شرطا للصيغة
والشرط مغاير للمشروط.
ويضعف بأن القربة
كافية بقصد الفعل لله في غيره (١) كما أشرنا ، وهو هنا حاصل ، والتعليل لازم (٢) ،
والمغايرة متحققة (٣) ، لأن الصيغة بدونها إن كان كذا فعليّ كذا ، فإن الأصل في
النذر الوعد بشرط فتكون إضافة لله خارجة.
(وضابطه) أي ضابط النذر والمراد منه هنا المنذور وهو الملتزم بصيغة
النذر (أن يكون طاعة) (٤) .....
______________________________________________________
(١) غير النذر.
(٢) أي والتعليل
بكون القربة غاية للفعل لازم لصيغة النذر حيث تقول : إن كان كذا فلله عليّ كذا.
(٣) أي والمغايرة
بين الشرط والمشروط وهما الصيغة والقربة متحققة ، لأن الصيغة هي : إن كان كذا
فعليّ كذا ، والقربة هي : لله.
(٤) أي عباديا
سواء كان واجبا أو مندوبا ويدل عليه صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن رجل قال : عليّ نذر ، قال : ليس النذر بشيء حتى يسمّى
لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا) ، وأصرح منه صحيحه الآخر عنه عليهالسلام (ليس شيء هو لله
طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به ، وليس من رجل جعل لله عليه شيئا في
معصية الله إلا أنه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله) ومع ذلك فهو ليس بصريح في حصر متعلق النذر بالطاعة ، نعم
هو صريح في عدم تعلق النذر بالمعصية الظاهرة في المحرم ، فالأولى الاستدلال بأن (اللام)
في صيغة النذر (لله عليّ) سواء كان للملك أو للغاية تقتضي كون الفعل محبوبا لله
تعالى ، ولازمه حصر متعلق النذر بما إذا كان راجحا سواء كان عباديا أو لا ، ومنه
يعرف عدم تعلق النذر بالمحرم والمكروه لأنهما غير محبوبين ، بل وعدم تعلق النذر
بالمباح متساوي الطرفين وهذا ما عليه المشهور.
وذهب الشهيد في
الدروس إلى انعقاده في المباح متساوي الطرفين لرواية الوشاء عن أبي الحسن عليهالسلام (في جارية حلف
فيها بيمين فقلت : لله عليّ أن لا أبيعها أبدا ولي إلى ـ
__________________
واجبا كان ، أو
مندوبا ، (أو مباحا راجحا) (١) في الدين ، أو الدنيا ، فلو كان متساوي الطرفين ، أو
مكروها أو حراما التزم فعلهما لم ينعقد وهو في الأخيرين وفاقي ، وفي المتساوي
قولان ، فظاهره هنا بطلانه ، وفي الدروس رجح صحته ، وهو أجود.
هذا إذا لم يشتمل
على شرط ، وإلا فسيأتي اشتراط كونه طاعة لا غير وفي الدروس ساوى بينهما (٢) في صحة
المباح الراجح والمتساوي. والمشهور ما هنا (٣).
(مقدورا للناذر) (٤) بمعنى صلاحية تعلق قدرته به عادة في الوقت المضروب له
فعلا ، أو قوة ، فإن كان وقته معينا اعتبرت فيه ، وإن كان مطلقا فالعمر.
واعتبرنا ذلك (٥)
مع كون المتبادر القدرة الفعلية لأنها غير مرادة لهم ، كما
______________________________________________________
ـ ثمنها حاجة مع
تخفيف المئونة ، فقال : ف لله بقولك له) وفيه : إنه ضعيف السند مع عدم الجابر له بعد إعراض المشهور
عنه.
(١) فيشمل المستحب
، والفرق بينه وبين المتقدم أن المتقدم مختص بالعبادي وهذا يشمل غيره كمن نذر
الأكل للتقوّي على العبادة ، وكمن نذر ترك أمر دنيوي لمنع النفس عن الشهوات.
(٢) أي بين النذر
المطلق والمشروط.
(٣) من التفصيل
بين المشروط وغيره ، فيعتبر الطاعة في الأول ويكفي في الثاني المباح الراجح ، قال
في الجواهر (وإن نسبه في الروضة إلى المشهور ولكن لم نتحققه بل المتحقق خلافه).
(٤) لأنه يمتنع
التكليف بغير المقدور فلا ينعقد على غير المقدور عقلا كجمع النقيضين ، أو عادة
كالصعود إلى السماء بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، وفي المسالك : (فالمراد
بالمقدور للناذر مضافا إلى كونه طاعة ما يمكنه فعله عادة وإن لم يكن مقدورا له
بالفعل ، ومن ثمّ يتوقع ناذر الحج ماشيا المكنة مع الإطلاق ، ويقوّم ناذر الصدقة
بما يملك من ماله ويتصدق به على التدريج ، إلى غير ذلك من أفراد النذر المعجوز
عنها حال النذر ، المحكوم فيها بتوقع القدرة ، حيث لا تكون معينة بوقت معين أو
بوقت موسع بالنسبة إليه).
(٥) فعلا أو قوة.
__________________
صرحوا به كثيرا ،
لحكمهم بأن من نذر الحج وهو عاجز عنه بالفعل ، لكنه يرجو القدرة ينعقد نذره
ويتوقعها (١) في الوقت ، فإن خرج (٢) عاجز بطل ، وكذا (٣) لو نذر الصدقة بمال وهو
فقير (٤) ، أو نذرت الحائض الصوم مطلقا (٥) ، أو في وقت يمكن فعله فيه بعد الطهارة
وغير ذلك ، وإنما أخرجوا بالقيد الممتنع عادة كنذر الصعود إلى السماء ، أو عقلا
كالكون في غير حيّز ، والجمع بين الضدين ، أو شرعا كالاعتكاف جنبا مع القدرة على
الغسل ، وهذا القسم يمكن دخوله في كونه طاعة ، أو مباحا ، فيخرج به (٦) ، أو بهما.
(والأقرب احتياجه إلى اللفظ) (٧) فلا يكفي النية في انعقاده ، وإن استحب
______________________________________________________
(١) أي القدرة.
(٢) أي خرج الوقت
المعين وهو عاجز عن الأداء بطل النذر إن كان مقيدا بوقت معين.
(٣) أي وكذا
ينعقد.
(٤) ولكنه يتوقع
القدرة في الوقت المعين أو مطلقا حسب النذر.
(٥) من غير تقييد
بوقت معين.
(٦) أي والممتنع
شرعا يخرج بالطاعة أو بالطاعة أو المباح حيث اشترطوا في متعلق النذر أن يكون طاعة
أو مباحا كما تقدم.
(٧) ذهب الشيخان
والقاضي وابن حمزة إلى أنه ينعقد من دون احتياج إلى لفظ ، بل تكفي النية ، لأن
النذر عبادة والأصل في العبادة النية والاعتقاد ، وللنبوي (إنما الاعمال بالنيات) ، وإنما للحصر والباء للسببيّة وذلك يدل على حصر العمل
بالنية ولا يتوقف على غيرها وإلّا لزم جعل ما ليس بسبب سببا ، ولأن الغرض من اللفظ
إعلام الغير ما في الضمير والاستدلال به على القصد ، والله تعالى عالم بالسرائر
وقد قال تعالى : (إِنْ تُبْدُوا
مٰا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحٰاسِبْكُمْ بِهِ
اللّٰهُ) .
وردّ بأن العبادات
ليست منحصرة في الاعتقادات ، بل منها ما هو لفظي لا يجزي عنها الاعتقاد كالقراءة
والاذكار الواجبة ، وأما النبوي فغاية ما يدل على أن النية معتبرة بالعمل وبدونها
لا أثر له ، وبقية الأدلة مردودة بالنصوص التي اشترطت اللفظ في النذر.
منها : صحيح منصور
بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (فليس بشيء حتى
يقول : عليّ ـ
__________________
الوفاء به ، لأنه
من قبيل الأسباب ، والأصل فيها اللفظ الكاشف عما في الضمير ، ولأنه في الأصل وعد
بشرط ، أو بدونه ، والوعد لفظي ، والأصل عدم النقل ، وذهب جماعة منهم الشيخان إلى
عدم اشتراطه للأصل ، وعموم الأدلة ، ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنما الأعمال بالنيات» ، وإنما لكل امرئ ما نوى وإنما
للحصر ، والباء سببية فدل على حصر السببية فيها ، واللفظ إنما اعتبر في العقود
ليكون دالا على الإعلام بما في الضمير ، والعقد هنا مع الله العالم بالسرائر ،
وتردد المصنف في الدروس والعلامة في المختلف ، ورجح في غيره الأول.
(و) كذلك الأقرب (انعقاد التبرع) به من غير شرط (١) ، لما مرّ من
______________________________________________________
ـ المشي إلى بيته
، أو يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا) وصحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام (ليس النذر بشيء
حتى يسمّى شيئا لله) .
ولذا ذهب ابن
إدريس والأكثر إلى اشتراط اللفظ لهذه الأخبار ، ولأن النذر لغة هو الوعد بشرط أو
بدونه ، والوعد مشروط باللفظ وإلّا لا يكون وعدا ، ولأن النذر من قبيل الأسباب
كالعهد والزواج التي لا يكفي فيها مجرد القصد بل لا بد من اللفظ لأنه الأصل.
وتوقف العلامة
والشهيد في الدروس ، ومما تقدم تعرف ضعف التوقف.
(١) اعلم أن النذر
منقسم إلى المعلّق على شرط وإلى المتبرع به ، والمعلّق على شرط قد يكون شكرا
للنعمة كقوله : إن أعطيت ولدا أو مالا أو قدم المسافر أو عافاني الله أو نحو ذلك
فلله عليّ كذا ، وقد يكون شكرا لدفع البلية كقوله : إن برئ المريض أو تخطاني
المكروه فلله عليّ كذا ، وهذا القسم من النذر إذا كان شكرا يسمى بنذر المجازاة.
والمعلّق قد يكون
زجرا عن فعل يرجح الانزجار عنه كقوله : إن شربت الخمر فلله عليّ كذا وهو المسمى
بنذر الزجر ، والمعلّق بجميع أقسامه لا اشكال في انعقاده ، ولا خلاف في ذلك ،
والكثير من النصوص المتقدمة ظاهر في المعلّق مثل صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد
الله عليهالسلام (إذا قال الرجل :
عليّ المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة ، أو عليّ هدي كذا وكذا فليس بشيء حتى
يقول : لله عليّ المشي إلى بيته ، أو يقول : لله عليّ أن أحرم بحجة ، أو يقول :
لله عليّ هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا) والمتبرع به ـ
__________________
الأصل (١) ،
والأدلة المتناولة له.
وقول بعض أهل
اللغة أنه وعد بشرط ، والأصل عدم النقل ، معارض بنقله (٢) أنه بغير شرط أيضا ،
وتوقف المصنف في الدروس ، والصحة أقوى.
(ولا بد من كون الجزاء طاعة) (٣) إن كان نذر مجازاة بأن يجعله أحد العبادات المعلومة ، فلو
كان مرجوحا ، أو مباحا لم ينعقد لقول الصادق عليهالسلام في خبر أبي الصباح الكناني : ليس النذر بشيء حتى يسمّي
شيئا لله صياما ، أو صدقة ، أو هديا ، أو حجا (٤) ، إلا أن هذا الخبر يشمل المتبرع
به من غير شرط ،
______________________________________________________
ـ وهو غير معلق
على شرط كأن يقول : لله عليّ كذا ، فالمشهور على الانعقاد لعموم أدلة وجوب الوفاء
بالنذر وهذا نذر ، ولقوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ
مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) فاطلق نذرها ولم يعلقه على شرط ، وللنبوي (من نذر أن يطيع
الله فليطعه) وهو عام يشمل المتبرع به وذهب السيد المرتضى إلى عدم
الانعقاد مدعيا الاجماع لما روي عن تغلب أن النذر عند العرب هو الوعد بشرط ،
والشرع نزل بلسانهم.
وردّ اما اجماعه
فهو معارض باجماع الشيخ في الخلاف على الانعقاد ، وقول تغلب معارض بالمحكي عنه
أيضا أن النذر مطلق الوعد.
(١) وهو أن النذر
في أصل اللغة هو الوعد بشرط أو بدونه.
(٢) أي بنقل هذا
البعض.
(٣) المراد
بالجزاء هو الشرط ، والمراد بالطاعة هو الفعل العبادي الأعم من الواجب والمندوب
هذا من جهة ومن جهة أخرى قد عرفت أنّه لا بد من كون متعلق النذر طاعة أو راجحا ،
وأن النذر لا ينعقد إذا كان متعلقه محرما أو مكروها أو متساوي الطرفين ، بلا فرق
بين النذر المشروط وغيره.
وذهب الشهيد في
الدروس إلى انعقاد النذر إذا كان متعلقه متساوي الطرفين لخبر الوشاء المتقدم ، وقد
نسب الشارح هنا إلى المشهور أنه يشترط في النذر المشروط أن يكون متعلقه طاعة ،
وأمّا المتبرع به فمتعلقه أعم من الطاعة وغيرها ، وقد تقدم عن صاحب الجواهر أن
المتحقق خلافه.
(٤) ومثله خبره
الآخر عنه عليهالسلام وقد تقدما سابقا.
__________________
والمصنف لا يقول
به ، وأطلق الأكثر اشتراط كونه طاعة ، وفي الدروس استقرب في الشرط والجزاء جواز
تعلقهما بالمباح ، محتجا بالخبر السابق (١) في بيع الجارية ، والبيع مباح إلا أن
يقترن بعوارض مرجحة (٢).
(و) كون (الشرط) وهو ما علّق الملتزم به عليه (سائغا) سواء كان راجحا ،
أم مباحا (إن قصد) بالجزاء (الشكر) كقوله : إن حججت أو رزقت ولدا ، أو ملكت كذا فلله عليّ كذا
، من أبواب الطاعة ، (وإن قصد الزجر) عن فعله (اشترط كونه معصية
، أو مباحا راجحا فيه المنع) (٣) كقوله : إن زنيت أو بعت داري مع مرجوحيته فلله عليّ كذا ،
ولو قصد في الأول (٤) الزجر ، وفي الثاني (٥) الشكر لم ينعقد (٦) ، والمثال واحد ،
وإنما الفارق القصد ، والمكروه كالمباح المرجوح (٧) وإن لم يكنه (٨) فكان عليه أن
يذكره (٩) ، ولو انتفى القصد في القسمين (١٠) لم ينعقد لفقد الشرط. ثم الشرط إن
كان من فعل الناذر فاعتبار كونه سائغا واضح ، وإن كان من فعل الله كالولد والعافية
ففي إطلاق الوصف (١١) عليه تجوز (١٢) ، وفي الدروس اعتبر صلاحيته (١٣) ، لتعلق
الشكر به وهو حسن.
______________________________________________________
(١) المتقدم في
إطلاق اليمين على النذر ، وهو خبر الوشاء عن أبي الحسن عليهالسلام ، وقد تقدم منا أكثر من مرة.
(٢) فيكون البيع
راجحا وعلى هذا حمله بعضهم ، ولذا لا يصح الاستدلال به على جواز تعلق النذر
بالمباح متساوي الطرفين ، وقد عرفت من الرد بأنه ضعيف السند مع عدم الجابر له.
(٣) أي يتحقق فيه
المتع والزجر.
(٤) أي فيما إذا
كان الشرط سائغا سواء كان راجحا أو مباحا.
(٥) فيما إذا كان
الشرط معصية أو مباحا راجحا يحقق الزجر.
(٦) لعدم تحقق
الشكر بالمعصية ولا الزجر بالطاعة.
(٧) فإن قصد به
الزجر صح النذر ، وإن قصد به الشكر فلا يصح.
(٨) أي وإن لم يكن
المكروه من أقسام المباح المرجوح إلا أنه مثله حكما.
(٩) خصوصا على
مختاره من انعقاد النذر إذا كان متعلقه مباحا.
(١٠) من انتفاء
قصد الشكر في الشرط السائغ وقصد الزجر في المعصية.
(١١) من كونه شرطا
سائغا.
(١٢) لأن أفعال
الله تعالى ليست موضوعة للأحكام الشرعية.
(١٣) صلاحية فعل
الله تعالى.
(والعهد كالنذر (١) في جميع هذه الشروط والأحكام (وصورته (٢) عاهدت الله ، أو عليّ عهد الله) أن أفعل كذا ، أو أتركه ، أو إن فعلت كذا ، أو تركته ، أو
رزقت كذا فعليّ كذا على الوجه المفصل في الأقسام (٣) ، والخلاف في انعقاده بالضمير
ومجردا عن الشرط مثله (٤).
(واليمين (٥) ...)
______________________________________________________
(١) كما عن
الشهيدين ومحكي النهاية لخبر أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام (من جعل عليه عهد
الله وميثاقه في أمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستين مسكينا) حيث جعل مورده الطاعة كالنذر ، ومن حيث كون كفارته مخيّرة
ككفارة النذر.
وعن المسالك
والقواعد والنافع والارشاد أن حكمه حكم اليمين لخبر علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام (سألته عن رجل
عاهد الله في غير معصية ، ما عليه إن لم يف بعهده ، قال : يعتق رقبة أو يتصدق
بصدقة ، أو يصوم شهرين متتابعين) حيث علّق العهد على غير معصية ، وهو يشمل ما لو كان متعلقه
مباحا وهو مورد اليمين ويشمل المكروه وخلاف المندوب إلا أنهما خارجان عن مورد
العهد بالاجماع كما عن المسالك.
وتظهر الثمرة في
متعلق العهد ، فإذا كان كالنذر اشترط في متعلقه الطاعة ، وإذا كان كاليمين فيشمل
متعلقه المباح ، نعم ذهب الأكثر إلى أن كفارة العهد كبيرة مخيّرة لخبري أبي بصير
وعلي بن جعفر المتقدمين ، وعن المفيد أنها كبيرة مرتبة ، وقال في المسالك (ولم نقف
على مستنده).
(٢) العهد إما
معلق وإما تبرعي لإطلاق النصوص السابقة.
(٣) أي في أقسام
النذر.
(٤) أي مثل النذر.
(٥) اليمين لغة
الجارحة المخصوصة ، واطلق على الحلف لأنهم كانوا يتصافقون باليد اليمنى إذا حلفوا
، وشرعا الحلف بالله على نحو مخصوص ، هذا واليمين على أقسام الأول : يمين اللغو ،
وهي الحلف لا مع القصد على ماض أو مستقبل ، وكذلك إذا سبق اللسان إلى اليمين من
غير قصد إلى شيء ، وهو لا مؤاخذة عليه ففي موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام (سمعته يقول في
قول الله عزوجل : (لٰا
يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي ـ
__________________
(هي الحلف بالله (١) أي بذاته تعالى من غير اعتبار اسم من أسمائه (كقوله :)
______________________________________________________
ـ أَيْمٰانِكُمْ) ، قال : اللغو قول الرجل : لا والله وبلى والله ، ولا يعقد
على شيء) ومثله غيره ، القسم الثاني : يمين الغموس ، وهي الحلف على
الماضي أو الحال مع تعمد الكذب ، وهي تغمس الحالف في النار ، ففي مرسل علي بن حديد
عن أبي عبد الله عليهالسلام (الأيمان ثلاث :
يمين ليس فيها كفارة ، ويمين فيها كفارة ، ويمين غموس توجب النار ، فاليمين التي
ليس فيها كفارة : الرجل يحلف على باب برّ أن لا يفعله فكفارته أن يفعله ، واليمين
التي تجب فيها الكفارة : الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله فتجب عليه
الكفارة ، واليمين الغموس التي توجب النار : الرجل يحلف على حق امرئ مسلم على حبس
ماله) .
القسم الثالث :
يمين المناشدة ، وهي الحلف على الغير ليفعلن أو يتركن ، وهي لا تنعقد لخبر حفص
وغير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن الرجل
يقسم على أخيه قال : ليس عليه شيء إنما أراد إكرامه) وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يقسم على
الرجل في الطعام يأكل منه فلم يأكل ، هل عليه في ذلك كفارة؟ قال : لا) .
القسم الرابع :
يمين العقد ، وهي الحلف على الفعل أو الترك في المستقبل ، وهي التي يقع فيها
الكفارة عند تحقق الحنث وهي المبحوث عنها هنا.
(١) الحلف إما
بذاته وأما باسم من أسمائه المختصة به ، وإما باسم ينصرف اطلاقه إليه ، وإما باسم
مشترك بينه وبين غيره من دون غلبة إطلاقه عليه ، فالقسم الأول أن يذكر ما يفهم منه
ذات الله تعالى ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى
كقوله : والذي أعبده ، أو أصلي إليه ، أو والذي خلق الحبة وبرأ النّسمة ، أو الذي
نفسي بيده ، أو مقلّب القلوب والأبصار.
والثاني هو الحلف
بأسمائه المختصة به ولا تطلق على غيره كالله والرحمن ورب العالمين ، والأول الذي
ليس قبله شيء ، ومالك يوم الدين ، وخالق الخلق ، والحي الذي لا يموت والأحد والواحد
الذي ليس كمثله شيء ، وفي المسالك : (وعدّ بعضهم الخالق والرازق من هذا القسم
والأصح أنه من الثالث ، لأنهما يطلقان في حق غير الله تعالى ، قال ـ
__________________
(ومقلّب القلوب والأبصار والذي نفسي بيده ، والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة) ، لأن المقسم به
فيها مدلول المعبود بالحق ، إله من في السموات والأرض من غير أن يجعل (١) اسما لله
تعالى (أو) الحلف (باسمه) تعالى المختص به (كقوله : والله)
______________________________________________________
ـ تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) ، وقال تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ) انتهى.
والثالث ما يطلق
في حق الله وحق غيره ، لكن الغالب استعماله في حق الله تعالى بحيث إذا أريد
استعماله في حق غيره لاحتاج إلى تقييد وقرينة كقوله : الرحيم والرب والخالق
والرازق والمتكبر والقاهر والبارئ.
والرابع ما يطلق
في حقه تعالى وحق غيره ، ولا يغلب على أحدهما بحيث يحتاج إلى قرينة لو أراد أحدهما
كقوله : الشيء والموجود والحي والسميع والبصير والمؤمن والكريم.
أما الأقسام
الثلاثة الأول فينعقد بها اليمين مع القصد بلا خلاف فيه ، بل بدون القصد في القسم
الأول كما في المسالك ، وأما القسم الرابع فلا ينعقد بها اليمين وإن قصد بها الذات
المقدسة بلا خلاف في ذلك إلا من الاسكافي من انعقادها بالسميع والبصير ، والأصل في
ذلك كله الأخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم (قلت لأبي جعفر عليهالسلام : قول الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ
إِذٰا يَغْشىٰ وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) ، وما أشبه ذلك ، فقال : إن لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به) ومثله خبر علي بن مهزيار ، ومنها خبر
الحسين بن زيد عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث المناهي (نهى أن يحلف الرجل بغير الله ، وقال : من
حلف بغير الله فليس من الله في شيء) وصحيح الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام (لا أرى للرجل أن
يحلف إلا بالله ، فأما قول الرجل : لا أب لشانيك ، فإنه قول أهل الجاهلية ، ولو
حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله) ، ومثله خبر سماعة
إلى غير ذلك من
الأخبار.
ومقتضى هذه
الأخبار أن الحلف بالله وبغير ذلك من أسمائه أو ما يغلب عليه أو كان مشتركا بينه
وبين غيره مع قصد الذات المقدسة هو حلف بالله ، ومعه لا داعي لقولهم من عدم انعقاد
اليمين بالقسم الرابع مع قصد الحلف بالذات.
(١) هذا القسم
الأول.
__________________
(وتالله وبالله (١) وأيمن الله (٢) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها ، وكذا
______________________________________________________
(١) الحروف التي
يقسم بها بشهادة أهل اللغة هي : الباء والواو والتاء ، والأصل في القسم الباء
لأنها تدخل على الظاهر والمضمر ، ويليها الواو التي تدخل على الأسماء الظاهرة
جميعها ، ثم التاء التي تختص بالدخول على لفظ الجلالة قال تعالى : (تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ
يُوسُفَ) وقال تعالى : (تَاللّٰهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنٰامَكُمْ) .
وقوله : بالله صلة
الحلف والقسم ، وكأن الحالف يقول : حلفت أو أقسمت بالله ، ثم لما كثر الاستعمال
وفهم المقصود حذف الفعل بل وينعقد اليمين لو نطق باسم الجلالة مخفوضا مع نية القسم
من دون النطق بأحد حروف القسم فلو قال : الله لافعلنّ ، لوروده لغة ، ولكون الجر
مشعرا بالصلة الخافضة مع بناء اللغة على الحذف والتقدير ، وقد تردد المحقق في
الشرائع لاستمرار العادة على الحلف بغير هذه الكيفية مع عدم معرفة ذلك إلا لخواص
الناس ، وهو ضعيف ، لاندراجه في إطلاق الأدلة بعد كونه صحيحا في اللغة ، نعم لو
رفع أو نصب أشكل إجراء حكم اليمين لأنه ملحون.
(٢) وهو اسم لا
حرف خلافا للزجاج والرماني ، واختلفوا في أنه مشتق من اليمن بمعنى البركة أو أنه
جمع يمين ، فالبصريون على الأول والكوفيون على الثاني ، وهمزته همزة وصل على الأول
وقطع على الثاني.
وعلى كلا
التقديرين تردد المحقق في الشرائع في انعقاد اليمين به من حيث هو جمع يمين فالقسم
به لا بالله هذا على مبنى الكوفيين ، وأن القسم به قسم بوصف من أوصاف الله وهو
يمنه وبركته لا باسمه على مبنى البصريين.
ولكن عن جماعة
انعقاد اليمين به لأنه موضوع للقسم عرفا ولخبر حماد عن أبي عبد الله عليهالسلام ما يقرب من صحيح الحلبي المتقدم إلا أنه قال في آخره (وأما
لعمر الله وأيم الله فإنما هو بالله) وأيم مخفف أيمن ، بل المقتضب والمخفف من أيمن هو : أيم
الله ، ومن الله ، وم الله ، وله حكم أيمن ، قال في الجواهر بعد ذكر أيمن (وكذا
الكلام في «أيم الله ومن الله وم الله» مما هو مقتضب من «أيمن» ، تخفيفا بحذف بعض
حروفه وإبداله لكثرة الاستعمال ، بل عن ابن آوى في استدراك الصحاح في هذه الكلمات
إحدى وعشرون لغة : أربع في «أيمن» ، بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها ، ـ
__________________
ما اقتطع (١) منها
للقسم ، وهو سبع عشرة صيغة ، (أو أقسم بالله ، أو بالقديم) بالمعنى المتعارف اصطلاحا وهو الذي لا أول لوجوده ، (أو الأزلي أو الذي لا أول لوجوده).
وما ذكره هنا (٢)
تبعا للعلامة والمحقق قد استضعفه (٣) في الدروس بأن
______________________________________________________
ـ وأربع في اليمن»
باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة والمضمومة ، ولغتان في «يمن» بفتح
النون وضمها ، وثلاث لغات في «أيم» بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم ، وبفتح الهمزة
مع فتح الميم ، ولغتان في «إم» بكسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيها ، وثلاث في «من»
بضم الميم والنون وفتحها وكسرهما ، و «م الله» بالحركات الثلاث ، وكل ذلك يقسم به
، بل في كشف اللثام «هيم الله» بفتح الهاء المبدلة من الهمزة ، والله العالم)
انتهى.
(١) وهو : ليمن
وأيم ومن وم ، وهو سبع عشرة صيغة مع إضافة قراءة «أيمن» باللغات الأربع فيكون
المجموع إحدى وعشرين على ما ذكر في استدراك الصحاح.
(٢) من التقسيم
الثلاثي ، فالحلف تارة بذاته كقوله : ومقلب القلوب ، وأخرى باسمه المختص كقوله :
والله ، وثالثه بالاسم المشترك بينه وبين غيره إلا أنه منصرف إليه ويغلب عليه
كقوله : والأزلي والقديم.
(٣) قال في الدروس
: (فالحلف بالله هو قوله : والله وبالله وتالله بالجر ، وأيمن الله وما اقتضب منها
، وقيل : الحلف بالله هو كقوله : والذي نفسي بيده ومقلّب القلوب والأبصار والأول
الذي ليس كمثله شيء ، لأنه مدلول المعبود بالحق ، إله من في السموات والأرض ، ولم
تجعل أسماء الله تعالى ، وهو ضعيف لأن مرجعه تدل على صفات الأفعال كالخالق والرازق
، التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن والرحيم ، التي هي دون
اسم الذات وهو الله جلّ اسمه ، بل هو الاسم الجامع).
وهو ظاهر في أن
اسم الذات وهو الله يجب أن يكون القسم الأول لأنه الاسم الجامع ، لا ما عدده مثل
الأول الذي ليس كمثله شيء لأنه دال على صفات الأفعال وهي أبعد من الأسماء الدالة
على صفات الذات وهي دون اسم الجلالة الدال على الذات ، وعليه فاسم الجلالة هو
القسم الأول ، وما دل على صفات الذات هو القسم الثاني ، وما دل على صفات الأفعال
هو القسم الثالث ، وردّ عليه الشارح في المسالك والروضة هنا بأن هذه المذكورات قد
خصت بقسم من حيث دلالتها على ذاته تعالى من غير احتمال مشاركة غيره تعالى ، وجعل
القسم أول الأقسام لأن أسمائه تعالى منقسمة إلى أقسام منها المختص ـ
مرجع القسم الأول
إلى أسماء تدل على صفات الأفعال كالخالق والرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة
على صفات الذات كالرحمن والرحيم التي هي دون اسم الذات وهو الله جلّ اسمه ، بل هو
الاسم الجامع ، وجعل الحلف بالله هو قوله : والله وبالله وتالله بالجر وأيمن الله
، وما اقتضب منها.
وفيه أن هذه
السمات المذكورة في القسم الأول لا تتعلق بالأسماء المختصة ، ولا المشتركة ، لأنها
ليست موضوعة للعلمية ، وإنما هي دالة على ذاته بواسطة الأوصاف الخاصة به (١) ،
بخلاف غيرها من الأسماء فإنها موضوعة للاسمية ابتداء (٢) ، فكان ما ذكروه أولى مما
تعقب به. نعم لو قيل : بأن الجميع (٣) حلف بالله (٤) من غير اعتبار اسم جمعا بين
ما ذكرناه وحققه من أن الله جلّ اسمه هو الاسم الجامع ، ومن ثم رجعت الأسماء إليه
ولم يرجع إلى شيء منها ، فكان كالذات كان حسنا ، ويراد بأسمائه (٥) ما ينصرف
إطلاقها إليه من الألفاظ الموضوعة للاسمية وإن أمكن فيها المشاركة حقيقة أو مجازا
كالقديم والأزلي والرحمن والرب والخالق والباري والرازق.
(ولا ينعقد بالموجود والقادر والعالم) والحي والسميع والبصير وغيرها من الأسماء المشتركة بينه
وبين غيره من غير أن تغلب عليه (٦) وإن نوى بها الحلف ،
______________________________________________________
ـ به والمشترك
الغالب وغيره والدالة على صفة فعل أو صفة ذات فناسب أن تجعل المذكورات أول الأقسام
لأنها ليست من أسمائه المختصة ولا المشتركة ولا يناسب تأخيرها لأنها اخص بالله من
كثير من الأقسام ، ثم إن اسم الله وإن كان أدل على الذات منها إلا أنه من جملة
أسمائه فناسب ذكره مع باقي الأسماء فلم يكن ما ذكراه المحقق والعلامة من التقسيم
والترتيب تصور من هذا الوجه.
(١) فتكون مختصة
به من غير احتمال مشاركة غيره تعالى.
(٢) فيتأتى بها
كونها مختصة أو مشتركة.
(٣) وهو القسم
الأول مع اسم الجلالة.
(٤) أي حلف بذاته
، أما القسم الأول فواضح وأما اسم الجلالة فلأنه الاسم الجامع ولذا رجعت جميع الأسماء
إليه فهو دال على الذات.
(٥) من القسم
الثاني والثالث.
(٦) هذا هو القسم
الرابع وقد تقدم الكلام فيه.
لسقوط حرمتها
بالمشاركة (١).
(ولا بأسماء المخلوقات الشريفة (٢) كالنبي والأئمة والكعبة والقرآن لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كان حالفا فليحلف بالله ، أو ليذر».
(واتباع مشيئة الله تعالى) لليمين (يمنع الانعقاد (٣) وإن علمت مشيئته لمتعلقه
______________________________________________________
(١) وفيه : مع قصد
الذات منها فيصدق الحلف بالله ، فتشمله إطلاق أدلة اليمين حينئذ.
(٢) لا ينعقد
اليمين بغير الله وأسمائه ، فلا ينعقد بالحلف بالكعبة أو المصحف أو النبي أو
الأئمة عليهمالسلام أو الملائكة أو الأبوين للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم (قلت لأبي جعفر عليهالسلام : قول الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ
إِذٰا يَغْشىٰ وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) ، وما أشبه ذلك ، فقال : إن لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به) وخبره الآخر المروي في تفسير العياشي عنه عليهالسلام (كل يمين بغير
الله فهي من خطوات الشيطان) وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا أرى للرجل أن
يحلف إلا بالله) ، والنبوي المروي في غوالي اللئالي (من كان حالفا فليحلف
بالله أو ليذر) ، والنبوي الآخر (إذا حلفتم فاحلفوا بالله وإلا فاتركوا) .
وعن الاسكافي جواز
انعقاده في ما عظّم الله حقوقهم مثل : وحق رسول الله وحق القرآن ، إلا أن الأخبار
المتقدمة على خلافه.
(٣) أي تعليق
اليمين على مشيئة الله يمنعه عن الانعقاد بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر
الدعائم عن علي عليهالسلام (من حلف ثم قال :
إن شاء الله ، فلا حنث عليه) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : من استثنى في اليمين فلا حنث ولا كفارة) وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (سألته عن الرجل
يحلف على اليمين ، ويستثني ما حاله؟ قال : هو على ما استثنى) .
والنصوص مطلقة
سواء علم مشيئة الله فيه كالواجب والمندوب وغيره ، وعن العلامة قصره على ما لم
يعلم مشيئة الله فيه ، وهو ضعيف للإطلاق.
__________________
كالواجب والمندوب
على الأشهر ، مع اتصالها به (١) عادة ، ونطقه بها (٢) ، ولا يقدح التنفس والسعال ،
وقصده إليها عند النطق بها (٣) وإن انتفت عند اليمين (٤) ، دون العكس (٥) ولا فرق
بين قصد التبرك ، والتعليق هنا (٦) ، لإطلاق النص ، وقصّره العلامة على ما لا تعلم
مشيئة الله فيه كالمباح ، دون الواجب ، والندب ، وترك الحرام ، والمكروه والنص
مطلق (٧) ، والحكم نادر (٨).
وتوجيهه حسن (٩) ،
لكنه غير مسموع في مقابلة النص.
(والتعليق على مشيئة الغير (١٠) يحبسها) ، ويوقفها على مشيئته إن علّق عقدها
______________________________________________________
(١) أي اتصال
المشيئة باليمين ، قال في المسالك : (أن يكون كلمة الاستثناء متصلة باليمين لا
يتخللها الكلام ولا سكوت إلا أن يكون قليلا كتنفس وعيّ وتذكر وسعال ونحو ذلك مما
لا يخلّ بالمتابعة عرفا) فلو كان متصلا وتخلّله شيء لا يضر بالمتابعة فلا ينعقد اليمين
لصدق الكلام الواحد على الجميع ، نعم لو تخلل كلام أجنبي أو سكوت طويل حكم باليمين
ولغى الاستثناء بلا خلاف فيه لأنهما كلامان منفصلان.
(٢) أي بالمشيئة
ولا تكفي النية لظاهر الأخبار المتقدمة خلافا للفاضل في المختلف.
(٣) قال في
المسالك : (وأن يكون قاصدا إليها كاليمين فلو سبق لسانه إليها من غير قصد لم يعتد
بها) وهو واضح.
(٤) أي انتفى قصد
المشيئة عند النطق باليمين.
(٥) فينعقد اليمين
وذلك فيما لو كان قاصدا للمشيئة عند التلفظ باليمين إلا أنه ذهل عنها بعد الانتهاء
ولم يتلفظ بها.
(٦) أي عند اتباع
اليمين بالمشيئة ، لاطلاق النص ، ولأن التبرك حاصل بذكر الاسم والتعليق بحسب
المعنى.
(٧) قد تقدم البحث
فيه.
(٨) أي أن العلامة
حكم به في بعض كتبه.
(٩) حسن توجيهه
ناشئ من أن التعليق على مشيئة الغير مع العلم بحصولها لا يضر كما سيأتي ، بل
بالحقيقة فهو خارج عن التعليق مع العلم بحصول المشيئة.
(١٠) أما أصل
التعليق فلا اشكال ولا خلاف في جوازه لإطلاق أدلة اليمين ، وله صور : الصورة
الأولى : أن يعلق عقد اليمين على مشيئة زيد بأن يقول : والله لأدخلن الدار إن شاء
زيد ، فتكون مشيئة زيد شرطا في انعقاد اليمين ، فإن شاء انعقد وإلا فلا لفقد الشرط
، وكذا لا ينعقد اليمين لو جهل تحقق الشرط بموت زيد أو غيبته أو غيرهما.
عليه (١) كقوله :
لأفعلن كذا إن شاء زيد ، فلو جهل الشرط لم ينعقد ، ولو أوقف حلّها عليه (٢) كقوله
: إلا أن يشاء زيد انعقدت ما لم يشأ حلّها ، فلا تبطل إلا أن يعلم الشرط ، وكذا في
جانب النفي كقوله : لا أفعل إن شاء زيد (٣) ، أو إلّا أن يشاء (٤) فيتوقف انتفاؤه (٥)
على مشيئته (٦) في الأول (٧) ، وينتفي بدونها (٨) في الثاني (٩) فلا يحرم الفعل
قبل مشيئته (١٠) ، ولا يحل قبلها (١١).
(ومتعلق اليمين (١٢) كمتعلّق النذر) في اعتبار كونه طاعة ، أو مباحا راجحا
______________________________________________________
ـ الصورة الثانية
: أن يعلق الحل على مشيئة الغير ، بأن يقول : والله لادخلن الدار إلا أن يشاء زيد
، فاليمين منعقد إلا أن يشاء زيد عدم الدخول فينحل اليمين ، ولذا لو جهل تحقق
الشرط يبقى اليمين على انعقاده.
الصورة الثالثة :
أن يعلق عقد اليمين على مشيئة الغير ، وكان اليمين قد تعلق بالترك ، بخلاف الصورة
الأولى فإنه قد تعلق بالفعل ، ومثاله كأن يقول : والله لا أدخل الدار إن شاء زيد ،
فلا ينعقد إلا إذا شاء الغير ، أما مع عدم المشيئة أو الجهل بالشرط فلا ينعقد.
الصورة الرابعة :
أن يعلق حلّ اليمين على مشيئة الغير وكان اليمين قد تعلق بالترك بخلاف الصورة
الثانية فقد تعلق بالفعل ومثاله كأن يقول : والله لا أدخل الدار إلا أن يشاء زيد ،
فاليمين منعقد ولو جهل الشرط إلا إذا شاء زيد الدخول فينحل اليمين.
(١) أي عقد اليمين
على الغير ، وهذه هي الصورة الأولى.
(٢) الصورة الثانية.
(٣) الصورة
الثالثة.
(٤) الصورة
الرابعة.
(٥) أي انتفاء
الفعل ، وهو الدخول في المثال.
(٦) أي مشيئة
الغير ، وبه ينعقد اليمين.
(٧) أي الأول
المذكور في جانب النفي وهو الصورة الثالثة.
(٨) أي ينتفي
الفعل وهو الدخول في المثال بدون مشيئة الغير وبه ينعقد اليمين ، فاليمين في
الصورة السابقة منعقد عند المشيئة وهنا منعقد عند عدم المشيئة.
(٩) أي الثاني
المذكور في جانب النفي وهو الصورة الرابعة.
(١٠) في الأول ،
وهو الصورة الثالثة ، فلا يحرم الفعل ـ أعني عدم الدخول ـ قبل مشيئة الغير.
(١١) في الثاني
وهو الصورة الرابعة : فلا يحل الفعل ـ أعني عدم الدخول ـ قبل مشيئة الغير.
(١٢) أن يكون
راجحا أو متساوي الطرفين وإلا فلو كان الرجحان في نقيضه لا ينعقد للأخبار الكثيرة.
ـ
دينا ، أو دنيا ،
أو متساويا ، إلا أنه إشكال هنا في تعلقها بالمباح ، ومراعاة الأولى فيها (١) ،
وترجيح مقتضى اليمين عند التساوي.
وظاهر عبارته هنا
عدم انعقاد المتساوي ، لإخراجه (٢) من ضابط النذر ، مع أنه لا خلاف فيه هنا كما
اعترف به في الدروس ، والأولوية متبوعة (٣) ولو طرأت
______________________________________________________
ـ منها : صحيح عبد
الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام (الكفارة في الذي
يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه ثم يبدو له فيه فيكفر عن يمينه ، وإن حلف
على شيء والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه ،
إنما ذلك من خطوات الشيطان) وصحيح زرارة عن أحدهما عليهماالسلام (سألته عما يكفّر
من الإيمان ، فقال : ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فليس عليك شيء
إذا فعلته ، وما لم يكن عليك واجبا أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك
الكفارة) وصحيحه الآخر عن
أبي جعفر عليهالسلام (كل يمين حلفت
عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شيء عليك فيها ، وإنما تقع عليك
الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله فيه معصية أن لا تفعله ثم تفعله) وخبره الثالث عنه عليهالسلام (كل يمين حلف
عليها أن لا يفعلها ممّا له فيه منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه ، وإنما
الكفارة في أن يحلف الرجل : والله لا أزني ، والله لا أشرب الخمر ، والله لا أسرق
، والله لا أخون ، وأشباه هذا ولا أعصي ، ثم فعل فعليه الكفارة فيه) ، وإنما الاشكال
في المباح المتساوي الطرفين حيث يستفاد من خبري زرارة الأخيرين الترجيح في متعلق
اليمين ، ولكن صدر صحيح عبد الرحمن ظاهر في المباح المتعلق ببيع المتاع وشرائه ،
وكذا اطلاق صحيح زرارة الأول ، ولذا قطع الأصحاب بانعقاد اليمين هنا ـ كما في
الجواهر ـ بخلاف النذر فإنه لا ينعقد فيه.
(١) أي إذا تعلق
اليمين بالمباح متساوي الطرفين فيجب الوفاء باليمين عند بقاء التساوي وكذا لو ترجح
متعلق اليمين فيما بعد ، وأما إذا صار نقيضه راجحا فتجب مخالفة اليمين.
(٢) أي إخراج
المتساوي.
(٣) قال في
المسالك : (واعلم أن الأولوية متنوعة فلو طرأت بعد اليمين انحلت ـ أي اليمين ـ فلو
كان البرّ ابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتبع ولا كفارة) انتهى ، وقال في الجواهر
: (لا أجد فيه خلافا) وهو مقتضى اطلاق الأخبار المتقدمة وصريح أخبار غيرها. ـ
__________________
بعد اليمين ، فلو
كان البر أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتبع ولا كفارة ، وفي عود اليمين
بعودها بعد انحلالها وجهان (١) ، أما لو لم ينعقد ابتداء للمرجوحية لم تعد (٢) وإن
تجددت (٣) بعد ذلك (٤) مع احتماله (٥).
______________________________________________________
ـ منها : صحيح
سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يحلف
على اليمين فيرى أن تركها أفضل ، وإن لم يتركها خشي أن يأثم ، قال : يتركها ، أما
سمعت قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها) ، ومرسل ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (من حلف على يمين
فرأى غيرها خيرا منها فأتى ذلك فهو كفارة يمينه وله حسنة) ، ومرسل ابن فضال
عن أبي عبد الله عليهالسلام (من حلف على يمين
فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير منها وله حسنة) .
(١) وجه العدم
لارتفاع حكم اليمين عند تحقق الرجحان في نقيض متعلقه ، فلو ترجح متعلقه فيما بعد
فيستصحب الارتفاع المذكور والعود بحاجة إلى دليل ، ووجه العود رجوع الرجحان الذي
هو سبب في انعقاد اليمين أولا.
(٢) أي لم تنعقد
اليمين لعدم انعقادها من أول الأمر حيث إنه يشترط عدم رجحان نقيض متعلق اليمين كما
هو الظاهر من الأخبار المتقدمة.
(٣) أي الأولوية ،
وإن وصلية.
(٤) بعد صدور
اليمين.
(٥) أي احتمال
انعقاد اليمين بسبب تجدد الأولوية ، وقال في الجواهر : (ولا ريب في ضعفه لظهور
النصوص في عدم انعقاده من أول الأمر وأنه ليس بشيء).
هذا واعلم أنه
يشترط في الحالف البلوغ والعقل والاختيار والقصد لعين ما تقدم في الناذر ، فلا
ينعقد يمين الصغير والمجنون والمكره والسكران والغضبان إلا أن يملك نفسه ، ويصح
اليمين من الكافر إلا أنه لا يحلف إلا بالله كالمسلم ففي صحيح الحلبي (سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن أهل الملل يستحلفون؟ فقال : لا تحلفوهم إلا بالله عزوجل) وخبر سماعة عنه عليهالسلام (هل يصلح لأحد أن
يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال : لا يصلح لأحد أن يحلف إلا
بالله عزوجل) ومثلها غيرها.
وكذا ذهب البعض
منهم الفاضل في الارشاد والشارح في المسالك توقف يمين الولد على إذن والده ، ويمين
الزوج على إذن زوجها ، ويمين العبد على إذن سيده لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد
الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يمين للولد مع والده ، ولا ـ
__________________
واعلم أن الكفارة
تجب بمخالفة مقتضى الثلاثة (١) عمدا اختيارا (٢) ، فلو
______________________________________________________
ـ للملوك مع مولاه
، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة) ومثله خبر ابن القداح وخبر أنس بن محمد .
وذهب المشهور إلى
أن إذنه ليس شرطا وإنما نهيه هو المانع ولذا كان له حله ، ولأن المستفاد من
الأخبار أنّ الإذن إنما هو لحقوقهم ولذا يناسبه الثاني لا الأول.
والانصاف أن
الظاهر من الأخبار هو نفي اليمين للثلاثة مع وجود مولاهم من الزوج والسيد والوالد
، وهو كما يحتمل نفيه
ابتداء إلا بإذنهم
يحتمل نفيه استمرارا مع نهيهم ولا قرينة داخلية تعين أحدهم ، نعم لما كان وجوب
الوفاء باليمين عاما يشمل اليمين ابتداء ولو من دون إذنهم فيتعين من باب الجمع
بينه وبين هذه الأخبار أن تحمل هذه الأخبار على أن النهي مانع وليس الإذن شرطا
ابتداء.
وهذا بخلاف النذر
حيث ورد اشتراط الإذن ابتداء في المملوك والزوجة ، أمّا في المملوك فقد ورد خبر
قرب الاسناد عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه كان يقول : (ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده)
، وفي الزوجة فقد ورد صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (ليس للمرأة مع
زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ، ولا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها)
وأما في الولد فلم
يرد نص في إلحاقه بالمملوك والزوجة كما سمعت سابقا ، وعليه ففي اليمين لهم الحل
وفي النذر إذنهم شرط ابتداء على خلاف المشهور حيث بحثوا في اليمين أولا وذهبوا إلى
أن نهيهم مانع ثم ألحقوا النذر به كذلك ، وهو ليس في محله بعد اختلاف لحن الدليل
بين اليمين والنذر ، ولم يلتفت إلى ذلك إلا صاحب الجواهر حيث قال : (هذا ولكن قد
يفرّق بين المقام ـ أي النذر ـ وبين اليمين فيشترط الإذن هنا للخبرين ـ أي خبر قرب
الإسناد وصحيح ابن سنان ـ في المملوك والزوجة الظاهرين في ذلك المنجبرين بعمل
الأصحاب بخلاف مسألة اليمين التي قد عرفت خلو نصوصها عن الإذن أصلا ، وإنما
الموجود «لا يمين لولد مع والده» إلى آخره ، وقد قلنا إنه ظاهر في المعارضة ، وإنه
يقتضي أن له الحل لا أن الإذن شرط ، وبالجملة لا يخلو كلامهم هنا من تشويش ومنشأه
الاجتهاد في مدرك المسألة ، وأنه نصوص اليمين بناء على شموله للنذر أو الخبران في
خصوص الزوجة والمملوك ، فتأمل جيدا).
(١) من الطاعة
والمباح الراجح والمتساوي.
(٢) لا اشكال في
تحقق الحنث الموجب للكفارة بالمخالفة الاختيارية ولا خلاف.
__________________
خالف ناسيا ، أو
مكرها ، أو جاهلا فلا حنث (١) ، لرفع الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وحيث تجب
الكفارة تنحل (٢) وهل تنحل في الباقي (٣) وجهان ، واستقرب المصنف في قواعده
الانحلال ، لحصول المخالفة وهي لا تتكرر كما لو تعمد وإن افترقا بوجوب الكفارة
وعدمها.
______________________________________________________
(١) لعموم النبوي (رفع
عن أمتي تسع خصال : الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه
وما استكرهوا عليه ، والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق ، والحسد ما لم يظهر
بلسان أو يد) .
(٢) أي اليمين ،
أي مع المخالفة العمدية الاختيارية الموجبة للكفارة تنحل اليمين لعدم تكرر
المخالفة بمعنى لو حلف على عدم إيجاد طبيعة فعل ثم أوجدها في فرد فقد حنث وعليه
الكفارة وتنحل اليمين لارتفاع موضوع اليمين بعد إيجاد الطبيعة في فرد ، فلو أوجدها
في فرد آخر فلا حنث ولا كفارة لعدم تحقق المخالفة حينئذ.
(٣) أي في غير
المخالفة الاختيارية العمدية ، وذلك عند المخالفة بسبب الجهل والنسيان والإكراه ،
قال في المسالك : (هل ينحل اليمين أم لا فيه ـ في غير المخالفة العمدية ـ وجهان : أحدهما
: نعم لوجود الفعل المحلوف عليه حقيقة فكان كما لو خالف عمدا وإن افترقا في
الكفارة وعدمها ، فقد حصلت المخالفة وهي لا تتكرر ، فإذا خالف مقتضاها بعد ذلك لم
يحنث ، وقد حكموا في الايلاء بأنه لو وطأ ساهيا أو جاهلا بطل حكم الإيلاء مع أنها
يمين صريحة ـ إلى أن قال ـ ووجه العدم أن الاكراه والنسيان والجهل لم يدخل تحتها ـ
أي تحت اليمين ـ فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين إلى أن قال ـ واستقرب
الشهيد ره في قواعده الأول ونسبه إلى ظاهر الأصحاب).
__________________
كتاب القضاء
(كتاب القضاء (١)
أي الحكم بين الناس
(وهو) واجب ...
______________________________________________________
(١) قد ذكر أن
القضاء لغة يطلق على معان :
منها : الخلق ومنه
قوله تعالى : (فَقَضٰاهُنَّ
سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ) .
ومنها : الاتمام
ومنه قوله تعالى : (فَإِذٰا
قَضَيْتُمْ مَنٰاسِكَكُمْ) .
ومنها : الأمر
ومنه قوله تعالى : (وَقَضىٰ
رَبُّكَ أَلّٰا تَعْبُدُوا إِلّٰا إِيّٰاهُ) .
ومنها : الحكم
ومنه قوله تعالى : (وَاللّٰهُ
يَقْضِي بِالْحَقِّ) .
وشرعا بأنه ولاية
الحكم شرعا لمن له أصلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينين من
البرية بإثبات الحقوق واستيفائها للمستحقين.
ومبدأه الرئاسة
العامة في أمور الدين والدنيا الثابتة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام المعصوم عليهالسلام ، فلذا كان غصنا من هذه الشجرة وهو بحاجة إلى تنصيب من
المعصوم ، والأصل فيه قوله تعالى : (يٰا
دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ
بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ) ، وقوله تعالى : (إِنّٰا
أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ
النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ) وقوله تعالى : (فَلٰا
وَرَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا ـ
__________________
كفاية (١) في حق
الصالحين له ، إلا أنه مع حضور الإمام (وظيفة الإمام عليهالسلام (٢) ، أو نائبه) فيلزمه نصب قاض في الناحية (٣) ليقوم به ، ويجب على من عيّنه الإجابة (٤) ،
ولو لم يعيّن وجبت كفاية ، فإن لم يكن أهلا إلا واحد تعينت عليه (٥) ، ولو لم يعلم
به الإمام
______________________________________________________
ـ قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (اتقوا الحكومة
فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين ، لنبيّ أو وصيّ
نبيّ) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين لشريح : يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبيّ أو وصي نبيّ أو شقيّ) .
وقد ورد التنصيب
منهم عليهمالسلام للفقيه الجامع للشرائط كما في مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي
عبد الله عليهالسلام (فإني قد جعلته
عليكم حاكما) وخبر أبي خديجة (فإني قد جعلته عليكم قاضيا) ، وستأتي له تتمة إنشاء الله تعالى.
وغاية القضاء قطع
المنازعة ، ومن خواصه عدم نقض الحكم بل يجب على غيره من القضاة تنفيذه ، إلا أن
خطره عظيم إذ القاضي على شفير جهنم ففي الخبر عن أبي عبد الله عليهالسلام (القضاة أربعة ،
ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بالجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى
بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل
قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة) ، ومرسل المقنعة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (من جعل قاضيا فقد
ذبح بغير سكين) .
(١) لتوقف حفظ
النظام الإنساني عليه ، وإلا لساد الهرج والمرج والفساد.
(٢) لما تقدم أن
القضاء غصن من شجرة الرئاسة العامة في الدين والدنيا الثابتة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عليهالسلام ، قال الله تعالى : (فَلٰا
وَرَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) .
(٣) لتوقف حفظ
النظام على ذلك ، وسياسة الأمور تقتضي ذلك أيضا.
(٤) لوجوب اطاعة
أمر الإمام المعصوم عليهالسلام.
(٥) أي تعينت
الإجابة عليه للانحصار ، فإن امتنع فسق وخرج عن أهلية القضاء وإن كان لا يسقط
الوجوب عنه لقدرته على تحصيل الشرط بالتوبة ، بل لو لم يعلم به الإمام المعصوم ـ
__________________
لزمه الطلب ، وفي
استحبابه (١) مع التعدد عينا قولان (٢) أجودهما ذلك مع الوثوق من نفسه بالقيام به (٣).
(وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه (٤) الجامع لشرائط الإفتاء) وهي البلوغ
______________________________________________________
ـ وجب أن يعرفه
نفسه ، لوجوب مقدمة الواجب ولكنه مبني على عدم علم المعصوم بالموضوعات الخارجية
وهو مبنى ضعيف.
(١) أي استحباب
الطلب ، فمن يثق من نفسه القيام بشرائط القضاء وكان واحدا فيجب عليه الاعلام بحاله
لو لم يعلم الإمام بوجوده كما تقدم ، ولو كان أكثر من واحد فيجب عليهم الاعلام
بحالهم كفاية ومتى قام واحد منهم على وجه اعتمد الإمام عليه سقط عن الباقين حينئذ
وجوب الاعلام ، ولكن هل يستحب للباقين الاعلام بحالهم أو لا.
(٢) وهما وجهان
كما في المسالك.
(٣) طلبا للأجر
على تقدير السلامة ، ووجه العدم ما في التعرض من الخطر ، لما تقدم من الخطر العظيم
المحتف بالقضاء ، ولما روته العامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لعبد الرحمن بن سمرة (لا تسأل الامارة ، فإنك إن
أعطيتها عن مسألة وكلّت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) .
(٤) بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : خبر أبي
خديجة عن أبي عبد الله عليهالسلام (إياكم أن يحاكم
بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا
فاجعلوه بينكم قاضيا ، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه) وخبره الآخر قال (بعثني أبو عبد الله عليهالسلام إلى أصحابنا فقال : فقل لهم ، إياكم إذا وقعت بينكم خصومة
أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا
بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإني قد جعلته عليكم قاضيا ، وإياكم أن يخاصم
بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر) ومقبولة عمر بن حنظلة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث
فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟ ـ إلى أن قال ـ قلت : فكيف يصنعان؟
قال : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا
فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا ـ
__________________
والعقل (١)
والذكورة (٢) ...
______________________________________________________
ـ حكم بحكمنا فلم
يقبل منه فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا رد ، والرادّ علينا الراد على الله وهو
على حد الشرك بالله) .
ومقتضى هذه
الأخبار اشتراط الاجتهاد في القاضي ، لأن معرفة الحلال والحرام والأحكام الناشئة
من النظر في الأحاديث هي عين الاجتهاد ، غايته أن الاجتهاد في عصر النص وما يقرب
منه كان ضعيف المئونة بحيث كان يكفيه النظر في الأحاديث بخلاف الاجتهاد في العصور
المتأخرة فإنه متوقف على أصول الفقه فضلا عن الحديث.
ومقتضى الإطلاق في
هذه الأخبار الشمول للمتجزئ هذا من جهة ومن جهة أخرى ما قيل من أنه يكفي في القضاء
الاطلاع على جميع ما يتعلق بتلك الواقعة ولو كان بالتقليد بحيث إذا حكم بما عنده
ولو من التقليد لكان حكما بالعدل والحق ، والحكم بالعدل والحق هو الغاية من القضاء
قال تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ
أَهْلِهٰا وَإِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ) وقال تعالى : (يٰا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ) ، وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ) كما في آية أو (فَأُولٰئِكَ
هُمُ الْكٰافِرُونَ) كما في آية أخرى
أو (فَأُولٰئِكَ
هُمُ الظّٰالِمُونَ) كما في آية ثالثة.
ففيه : إن هذه
الآيات مقيّدة بتلك الأخبار الدالة على الاجتهاد في القاضي على أن التفات غير
المجتهد إلى جميع المزايا والدقائق والخصوصيات المتعلقة بالوقائع وما فيها من
الأحكام في غاية البعد بل قريب من المحال. هذا واعلم أن القاضي والمفتي والمجتهد
والفقيه ألفاظ أربعة تدل على المجتهد إلا أن الاختلاف بالاعتبار ، فالمجتهد سمي
قاضيا باعتبار حكمه على الأفراد بالأحكام الشخصية المتعلقة بالموضوعات المتنازع
عليها لرفع التنازع بينهم ، وسمي مفتيا باعتبار إخباره عن الحكم الشرعي الكلي ،
وسمي فقيها لأنه عالم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
(١) بلا خلاف فيه
لسلب عبارة الصبي والمجنون ، ولانصراف الأخبار المتقدمة عنهما.
(٢) فلا يصح قضاء
المرأة ، لانصراف الأخبار المتقدمة منها للتقييد بالرجل في خبري أبي ـ
__________________
والإيمان (١)
والعدالة (٢) وطهارة المولد (٣) إجماعا ، والكتابة (٤) والحرية (٥)
______________________________________________________
ـ خديجة وابن
حنظلة ، مضافا إلى خبر أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام قال : يا علي ليس على المرأة جمعة ولا جماعة ـ إلى أن قال
ـ (لا تولّى القضاء) .
(١) بمعنى
الاعتقاد بالإمامة فضلا عن الإسلام ، أما الكافر فلأنه ليس أهلا للأمانة ، وأما
غير الشيعي فلاشتراط الأخبار أن يكون القاضي من الشيعة كما ورد في مقبوله ابن
حنظلة المتقدمة (من كان منكم) وكما في خبر أبي خديجة المتقدم (إلى رجل منكم) ،
فضلا عن الأخبار الكثيرة الناهية عن المرافعة إلى قضاتهم.
منها : خبر أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل كان بينه
وبين أخ له مماراة في حق ، فدعاه إلى رجل من اخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن
يرفعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله عزوجل : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وقد أمروا أن يكفروا به) فضلا عن خبري ابن حنظلة وأبي خديجة المتقدمين.
(٢) فلا يصح قضاء
الفاسق لعدم قبول شهادته فلا يسمح له بالقضاء من باب أولى.
(٣) فلا يصح قضاء
ولد الزنا لفحوى ما دل على المنع من إمامته وشهادته كما سيأتي.
(٤) ذهب الأكثر
إلى اشتراط علمه بالكتابة لاضطراره إلى معرفة الوقائع والأحكام التي لا يتيسر
ضبطها غالبا إلا بالكتابة ، وعن بعض منهم صاحب الجواهر عدم الاشتراط لإطلاق
الأخبار المتقدمة المتضمنة لنصب الفقيه قاضيا في زمن الغيبة ، وأما الاستدلال عليه
بأن الكتابة غير معتبرة في النبوة وهي أكمل المناصب ومنها يتفرع الأحكام والقضاء
وقد كان النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم أميا لا يحسّن الكتابة كما دل عليه قوله تعالى : (وَمٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ
قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ وَلٰا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً
لَارْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ) ففيه : إنه مختص بالنبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم المحفوظ بالعصمة المانعة عن السهو والغلط والنسيان ، وكذا
دليل اعتبار الاشتراط ضعيف إذ يمكن وضع كاتب عنده يغنيه عن الكتابة وبه يتيسر ضبط
الوقائع والأحكام.
(٥) على الأكثر
لأن القضاء ولاية والعبد ليس محلا لها لاشتغاله عنها باستغراق وقته في ـ
__________________
والبصر (١) على
الأشهر ، والنطق (٢) وغلبه الذكر (٣) ، والاجتهاد (٤) في الأحكام الشرعية وأصولها
، ويتحقق (٥) بمعرفة المقدمات الست وهي الكلام ، والأصول (٦) ، والنحو ، والتصريف
، ولغة العرب ، وشرائط الأدلة (٧) ، والأصول الأربعة وهي الكتاب ، والسنة ،
والإجماع ، ودليل العقل (٨).
والمعتبر من
الكلام ما يعرف به الله تعالى ، وما يلزمه من صفات الجلال والإكرام وعدله وحكمته ،
ونبوة نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم وعصمته وإمامة الأئمة عليهالسلام كذلك (٩) ، ليحصل (١٠) الوثوق بخبرهم ، ويتحقق الحجة به ،
والتصديق بما جاء
______________________________________________________
ـ خدمة سيده ، وعن
بعضهم وهو الحق : عدم الاشتراط لاطلاق الأخبار المتضمنة تنصيب الفقيه قاضيا في زمن
الغيبة.
(١) على الأشهر
لافتقار القاضي إلى التمييز بين الخصوم وتعذر ذلك مع العمى ، وقيل : لا يشترط
للأصل وإطلاق دليل التنصيب وهو الأقرب.
(٢) قال في
الجواهر : (ولا يخفى عليك بعد ما ذكرنا من الحكم في الكثير من الشرائط المذكورة في
كتب العامة التي لم يذكرها الأصحاب ، كالنطق فلا يصح قضاء الأخرس ، والسمع فلا
قضاء للأصم ، وغير ذلك مما ليس في أدلتنا ما يشهد له).
(٣) وهو المعبّر
عنه بالضبط ، فلو غلب عليه النسيان فلا يجوز قضاؤه ، وأشكل فيه بأن اطلاق دليل
التنصيب المذكور نفيه مع تسجيل أحكامه على دفتر وتسجيل كل ما له الدخل في قضائه ،
وهذا التسجيل لا محذور فيه أبدا.
(٤) اشتراط
الاجتهاد في القاضي مما لا خلاف فيه وقد تقدم دليله ، وتقدم أن الاجتهاد في عصرنا
متوقف على النظر في أصول الفقه والحديث.
(٥) أي الاجتهاد.
(٦) أي علم أصول
الفقه.
(٧) أي البرهان.
(٨) وهذه الأربعة
هي موضوع علم أصول الفقه ، والمعتبر منها الكتاب والسنة ، وأما الاجماع فموارده
قليلة ، وأما العقل فموارده منحصرة في غير المستقلات العقلية من مسألة الأجزاء
ومقدمة الواجب ومسألة الضد ومسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة دلالة الفساد على
النهي ، وأما المستقلات العقلية المبنية على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ففي
جميع مواردها قد ورد النص فيها.
(٩) أي وعصمتهم.
(١٠) تعليل لمعرفة
عصمة النبي والأئمة عليهمالسلام.
به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أحوال الدنيا والآخرة ، كل ذلك بالدليل التفصيلي (١).
ولا يشترط الزيادة
على ذلك بالاطلاع على ما حققه المتكلمون من أحكام الجواهر والأعراض ، وما اشتملت
عليه كتبه (٢) من الحكمة والمقدمات ، والاعتراضات ، وأجوبة الشبهات وإن وجب معرفته
كفاية من جهة أخرى (٣) ، ومن ثمّ صرح جماعة من المحققين بأن الكلام ليس شرطا في
التفقه ، فإن ما يتوقف عليه منه مشترك بين سائر المكلفين.
ومن الأصول (٤) ما
يعرف به أدلة الأحكام من الأمر والنهي ، والعموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ،
والإجمال والبيان وغيرها مما اشتملت عليه مقاصده (٥) ، ومن النحو والتصريف ما
يختلف المعنى باختلافه ليحصل بسببه معرفة المراد من الحطاب ، ولا يعتبر الاستقصاء
فيه على الوجه التام ، بل يكفي الوسط منه فما دون (٦) ، ومن اللغة ما يحصل به فهم
كلام الله ورسوله ونوابه عليهالسلام بالحفظ ، أو الرجوع إلى أصل مصحّح يشتمل على معاني الألفاظ
المتداولة في ذلك (٧).
______________________________________________________
(١) أي لا عن
تقليد ، وقد قرر في محله كفاية الاعتقاد ولو بالتقليد ، مع أنه ثبت أن أدلة معرفة
الله جل وعلا أدلة فطرية وأدلة النبوة الخاصة لا مئونة فيها فيكفي فيها الالتفات
وكذا أدلة الإمامة الخاصة مع نبذ التعصب.
على أن الوجدان
حاكم بعدم توقف الاجتهاد على علم الكلام نعم الاعتقاد الصحيح متوقف على ما ذكره
الشارح وهذا أجنبي عن الاجتهاد.
(٢) كتب الكلام.
(٣) أي من جهة رد
شبهات المنكرين والمضلّلين.
(٤) أي والمعتبر
من الأصول.
(٥) كالصحيح
والأعم والمشتق وخصّه بالأصول اللفظية لأنه سيتكلم عن حجية الخبر والتعادل
والتراجيح عند البحث في السنة ، وكان عليه ذكر الأصول العملية من البراءة
والاحتياط والتخيير والاستصحاب لكن سيتكلم عن الأصول العملية عند البحث في الدليل
العقلي ، باعتبار أن دليلها العقل عندهم ولم يستدل بالأخبار فيها إلا من زمن والد
الشيخ البهائي. وعلم أصول الفقه من أهم ما يتوقف عليه الاجتهاد.
(٦) فمعرفة كيفية
الاعلال والابدال وبعض المباحث الدقيقة مما لا يتوقف عليه الاجتهاد كما هو واضح.
(٧) كالرجوع إلى
المصباح المنير للفيومي والنهاية الأثيرية ومجمع البحرين وغيرها.
ومن شرائط الأدلة
معرفة الأشكال الاقترانية ، والاستثنائية ، وما يتوقف عليه من المعاني المفردة
وغيرها (١) ، ولا يشترط الاستقصاء في ذلك بل يقتصر على المجزئ منه ، وما زاد عليه
فهو مجرد تضييع للعمر ، وترجئة للوقت.
والمعتبر من
الكتاب الكريم معرفة ما يتعلق بالأحكام وهو نحو من خمسمائة آية ، إما بحفظها ، أو
فهم مقتضاها ليرجع إليها متى شاء (٢) ، ويتوقف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ ،
ولو بالرجوع إلى أصل يشتمل عليه.
ومن السنة جميع ما
اشتمل منها على الأحكام ، ولو في أصل مصحح (٣) رواه عن عدل بسند متصل إلى النبي
والأئمة ، ويعرف (٤) الصحيح منها والحسن ، والموثق والضعيف ، والموقوف والمرسل ،
والمتواتر والآحاد ، وغيرها من الاصطلاحات التي دوّنت في دراية الحديث ، المفتقر
إليها (٥) في استنباط الأحكام ، وهي أمور اصطلاحية توقيفية ، لا مباحث علمية ،
ويدخل في أصول الفقه معرفة أحوالها (٦) عند التعارض وكثير من أحكامها (٧) ، ومن
الإجماع والخلاف أن يعرف أن ما يفتي به لا يخالف الإجماع (٨) ، إمّا بوجود موافق
من المتقدمين ، أو بغلبة ظنه
______________________________________________________
(١) والمراد منه
شرائط الحد ، ولو قال : والمعتبر منه شرائط البرهان وشرائط الحد لكان أخصر ، لكن
ما له الدخل في الاجتهاد من علم المنطق هو أمر ضروري فطري في جبلة الإنسان فلا
داعي لذكره.
(٢) أو الرجوع إلى
كتاب يتضمنها كزبدة البيان للمقدس الأردبيلي.
(٣) بحيث لو اكتفى
بالوسائل ومستدركه لأعذر في مقام البحث عن الدليل اللفظي.
(٤) إشارة إلى علم
الدراية.
(٥) ومن الواضح أن
الاجتهاد ليس متوقفا على معرفة هذه المصطلحات ، نعم هو متوقف على حجية الخبر ، فلو
قلنا بحجية الخبر الصحيح فقط أو الأعم منه ومن الثقة ، أو الأعم منها ومن خبر
موثوق الصدور فيجب عليه معرفة ذلك من الأخبار حتى يعتمد عليها في مقام الاستنباط.
(٦) أي معرفة
أحوال السنة.
(٧) أي أحكام
السنة ، كحجية الخبر الواحد ، والفرق بينه وبين المتواتر.
(٨) وهو اجماع
المتقدمين القريبين من عصر النص ، وأما اجماع المتأخرين عند عدم النص فلا حجة فيه
خصوصا عند سكوت القدماء في المسألة وعدم تعرضهم لها.
على أنه واقعة
متجددة لم يبحث عنها السابقون بحيث حصل فيها أحد الأمرين (١) ، لا معرفة كل مسألة
أجمعوا عليها ، أو اختلفوا ، ودلالة العقل من الاستصحاب والبراءة الأصلية وغيرهما
داخلة في الأصول ، وكذا معرفة ما يحتجّ به من القياس (٢) ، بل يشتمل كثير من
مختصرات أصول الفقه كالتهذيب (٣) ومختصر الأصول لابن الحاجب على ما يحتاج إليه من
شرائط الدليل المدوّن في علم الميزان ، وكثير (٤) من كتب النحو على ما يحتاج إليه
من التصريف.
نعم يشترط مع ذلك
كله أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها. وهذه هي
العمدة في هذا الباب ، وإلا فتحصيل تلك المقدمات قد صارت في زماننا سهلة لكثرة ما
حققه العلماء والفقهاء فيها ، وفي بيان استعمالها ، وإنما تلك القوة بيد الله
تعالى يؤتيها من يشاء من عبادة على وفق حكمته ومراده ، ولكثرة المجاهدة والممارسة
لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها ، (وَالَّذِينَ
جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا وَإِنَّ
اللّٰهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٥).
وإذا تحقق المفتي
بهذا الوصف وجب على الناس الترافع إليه ، وقبول قوله ، والتزام حكمه ، لأنه منصوب
من الإمام عليهالسلام على العموم بقوله : «انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا ،
وعرف أحكامنا فاجعلوه قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (٦).
______________________________________________________
(١) من الاجماع أو الخلاف.
(٢) وهو قياس منصوص العلة فقط ، وهو
بالدقة تمسك بظاهر اللفظ ولا يندرج في القياس الذي تواترت الأخبار في ذمه والنهي
عنه.
(٣) للعلامة.
(٤) أي ويشتمل كثير من كتب النحو
كالألفية لابن مالك مع شروحها هذا والإنصاف أن العلوم العربية من المقدمات البعيدة
بخلاف علم الأصول والحديث فإنها من المقدمات القريبة للاجتهاد ولذا اقتصرنا عليهما
سابقا.
(٥) العنكبوت آية : ٦٩.
(٦) وهو الخبر الأول لأبي خديجة المتقدم
، وقد نقله بالمعنى
لاختلاف بعض ألفاظه فراجع.
__________________
وفي بعض الأخبار (١)
: «فارضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ،
فإنما بحكم الله استخف ، وعلينا رد ، والراد علينا راد على الله ، وهو على حدّ
الشرك بالله عزوجل».
(فمن عدل عنه إلى قضاة الجور كان عاصيا) فاسقا لأن ذلك كبيرة عندنا ، ففي مقبول عمر بن حنظلة
السابق (٢) : «من تحاكم إلى طاغوت فحكم له فإنما يأخذ
______________________________________________________
(١) وهو مقبولة
عمر بن حنظلة المتقدمة ، وأيضا قد نقله بالمعنى لاختلاف بعض ألفاظه.
(٢) ففي مقبولة
عمر بن حنظلة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث
فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل
فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقا ثابتا له ،
لأنه أخذه بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله أن يكفر به ، قال تعالى : يريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ، قلت : كيف يصنعان؟ قال : ينظران من
كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا) إلى آخر ما تقدم نقله سابقا.
ومثلها خبر أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل كان بينه
وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من اخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن
يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله عزوجل : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وقد أمروا أن يكفروا به) ، ومقتضى الأخبار حرمة التحاكم إليهم إذا كانت الخصومة بين
مؤمنين وإن حكموا بالعدل وكان حقه ثابتا كما هو صريح مقبولة ابن حنظلة ، وظاهرها
حرمة التحاكم سواء كان الحق عينا أو دينا فما عن البعض من التفصيل بين العين
والدين بجوازه في الأول دون الثاني لاحتياجه إلى إعمال من الحاكم الجائر لتشخيص
الدين في مال الخصم ليس في محله ، نعم إذا كان الخصم مخالفا وأبى إلا الترافع إلى
قضاة الجور عندهم جاز عند التقية لخبر عطاء بن السائب عن علي بن الحسين عليهماالسلام (إذا كنتم في أئمة
الجور فامضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا ، وإن تعاملتم بأحكامنا كان
خيرا لكم) .
__________________
سحتا وإن كان حقه
ثابتا ، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر بها». ومثله كثير.
(وتبثت ولاية القاضي) المنصوب من الإمام (بالشياع) وهو إخبار جماعة به يغلب على الظن صدقهم (١) ، (أو بشهادة عدلين) (٢) وإن لم تكن بين يدي حاكم ، بل يثبت بهما أمره عند كل من
سمعهما ، ولا يثبت بالواحد (٣) ، ولا بقوله (٤) وإن شهدت له القرائن (٥) ، ولا
بالخط مع أمن التزوير (٦) مع احتماله.
(ولا بد) في القاضي المنصوب من الإمام (من الكمال) (٧) بالبلوغ ، والعقل ، وطهارة المولد ، (والعدالة) ، ويدخل فيها الإيمان ، (وأهلية الإفتاء) بالعلم بالأمور المذكورة ، (والذكورة ،
والكتابة) لعسر الضبط
بدونها لغير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٨) ، (والبصر) ، لافتقاره إلى
التمييز بين الخصوم ، وتعذر ذلك (٩) مع العمى في حق غير النبي ، وقيل : إنهما ليسا
بشرط ، لانتفاء الأول في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١٠) ، والثاني في
______________________________________________________
(١) فالشياع
المذكور مما يفيد الظن الغالب الموجب لاطمئنان النفس وهو المسمى بالعلم العادي الذي
يرتب عليه العرف أثار العلم العقلي الذي لا شك فيه.
(٢) لعموم حجية
البينة كما سيأتي في الشهادات ، وهذا لا فرق فيه بين قيام البينة بين يدي حاكم أو
لا لعدم التنازع الموجب للقضاء المستدعي لقيام البينة بين يدي الحاكم.
(٣) لأن القضاء من
جملة الحقوق فلا بد فيها من البينة.
(٤) أي قول
القاضي.
(٥) إلا إذا أفادت
القطع فيؤخذ به لأن حجية القطع ذاتية.
(٦) لأن الخط ليس
من الأدلة الشرعية كما قيل ، وفيه إن الخط مع أمن التزوير مما يفيد العلم وحجية
العلم ذاتية هذا فضلا عن أن السيرة في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعصر أمير المؤمنين عليهالسلام قائمة على الاكتفاء بالخط المأمون من التزوير الموجود ضمن
كتاب مختوم بختم الحاكم في اثبات تنصيب الولاة والقضاة ، وهذا ظاهر من ثنايا سطور
التاريخ لمن راجعه.
(٧) قد تقدم بحث
الشروط المعتبرة في القاضي.
(٨) لأن عصمته
مانعة من الخطأ والنسيان.
(٩) أي تعذر
التمييز بين الخصوم.
(١٠) بل تقدم أن
الدليل إطلاق دليل التنصيب وكذا في نفي العمى.
شعيب عليهالسلام ، ولإمكان الضبط بدونهما بالحفظ (١) والشهود (٢).
وبقي من الشرائط
التي اعتبرها المصنف وغيره غلبة الحفظ ، وانتفاء الخرس والحرية على خلاف في الأخير
(٣) ، ويمكن دخول الأول في شرط الكمال (٤) ، وعدم اعتبار الأخير (٥) هنا مع أنه
قطع به في الدروس ، وليس دخول الثاني (٦) في الكمال أولى من دخول البصر والكتابة
فكان اللازم ذكره ، أو إدخال الجميع في الكمال.
وهذه الشرائط كلها
معتبرة في القاضي مطلقا (٧) (إلا في قاضي التحكيم) (٨)
______________________________________________________
(١) وهو يغني عن
الكتابة.
(٢) للتمييز بين
الخصوم.
(٣) بل تقدم
الخلاف فيه وفي غلبة الحفظ وانتفاء الخرس وكذا اشتراط السمع ، وإطلاق دليل التنصيب
ينفي هذا كله.
(٤) حيث ذكر
المصنف هنا الكمال ولعله يريد به ما يعم غلبة الحفظ ، وفيه : إن الكمال عند
الفقهاء منحصر بالبلوغ والعقل ولذا اقتصر عليهما الشارح في مقام تفسير الكمال.
(٥) أي عدم اعتبار
الحرية لعدم ذكر اشتراطها في صفات القاضي هنا في اللمعة.
(٦) دفع توهم ،
أمّا التوهم فحاصله أن المصنف لعله لم يذكر اشتراط النطق لأنه داخل في الكمال
المذكور في عبارته ، ودفعه : أن دخول البصر والكتابة في الكمال ليس بأولى من دخول
النطق فيه ومع ذلك قد ذكرهما بعد ذكر الكمال ، فلم لم يذكر النطق وإلا فلو أراد
بالكمال المعنى الأعم من البلوغ والعقل لكان عليه عدم ذكر البصر والكتابة كما لم
يذكر اشتراط النطق.
(٧) سواء كان منصوبا
من الإمام أو نائبه ، وسواء كان في عصر الحضور أو الغيبة.
(٨) محل النزاع
فيه مختص بحال حضور المعصوم عليهالسلام بحيث لو نصّب قاضيا في بلد وهو مستجمع لشرائط القضاء فهل
يجوز للمتخاصمين الرجوع إلى من هو حائز لشرائط القضاء غير أنه ليس بمنصوب للقضاء
من قبل المعصوم أو لا يجوز؟
وهذا الفرع مأخوذ
من العامة حيث نقل صاحب الجواهر عن كتاب الروضة للرافعي ، وهو من كتب العامة : (الخامسة
: هل يجوز أن يحكم الخصمان رجلا غير القاضي؟ وهل لحكمه بينهما اعتبار؟ قولان ،
أظهرهما عند الجمهور نعم ، وخالفهم الإمام والغزالي فرجحا المنع ، وقيل : القولان
في الأموال فقط ، فأما النكاح واللعان والقصاص وحدّ القذف وغيرها فلا يجوز فيها
التحكيم قطعا ، والمذهب طرد القولين في الجميع وبه قطع ـ
وهو الذي تراضى به
الخصمان ليحكم بينهما مع وجود قاض منصوب من قبل الإمام عليهالسلام وذلك في حال حضوره (١) فإن حكمه ماض عليهما ، وإن لم
يستجمع جميع هذه الشرائط (٢).
هذا مقتضى العبارة
، ولكن ليس المراد أنه يجوز خلوه منها أجمع ، فإن استجماعه لشرائط الفتوى شرط
إجماعا ، وكذا بلوغه ، وعقله ، وطهارة مولده ، وغلبه حفظه ، وعدالته ، وإنما يقع
الاشتباه في الباقي (٣) ، والمصنف في الدروس قطع بأن شروط قاضي التحكيم هي شروط
القاضي المنصوب أجمع من غير استثناء ، وكذلك قطع به المحقق في الشرائع ، والعلامة
في كتبه وولده فخر المحققين في الشرح ، فإنه قال فيه (٤) : التحكيم الشرعي هو أن
يحكّم الخصمان
______________________________________________________
ـ الأكثرون).
والأصحاب طبقوا هذا الفرع على أصولنا أيضا ، ولكن بناء عليه لا يجري النزاع عندنا
في قاضي التحكيم في حال الغيبة بعد اشتراط رجوع المتخاصمين إلى الفقيه الجامع
لشرائط الفتوى ، وذلك لأن البحث في قاضي التحكيم هو البحث في نفوذ حكم الفقيه غير
المأذون بالقضاء من قبل المعصوم مع أن كل فقيه عندنا مأذون بالقضاء من قبل المعصوم
لأدلة التنصيب المتقدمة.
ولذا قال الشارح
في المسالك : (واعلم أن الاتفاق واقع على أن قاضي التحكيم يشترط فيه ما يشترط في
القاضي المنصوص من الشرائط التي من جملتها كونه مجتهدا ، وعلى هذا فقاضي التحكيم
مختص بحال حضور الإمام ليفرق بينه وبين غيره من القضاة ، بكون القاضي منصوبا وهذا
غير منصوب من غير الخصمين ، أما في حال الغيبة فسيأتي أن المجتهد ينفذ قضاؤه لعموم
الإذن ، وغيره لا يصح حكمه فلا يتصور حالتها ـ حالة الغيبة ـ قاضي التحكيم) انتهى.
بل إن البحث في قاضي التحكيم على النزاع المتقدم مختص بحال بسط يد المعصوم وأنه هو
الحاكم وقد نصّب في كل بلدة قاضيا ، وأما حال الحضور مع عدم بسط يده فكل مجتهد
ينفذ قضاؤه لعموم الإذن وعليه فلا يتصور قاضي التحكيم مع عدم البسط والنفوذ.
(١) حضور المعصوم عليهالسلام.
(٢) بل هو مستجمع
لجميع الشرائط المعتبرة إلا إذن المعصوم بالقضاء.
(٣) من الحرية
والنطق والسمع والبصر وهي محل شك في القاضي المنصوب أيضا بل الدليل على عدم
اشتراطها.
(٤) أي في شرح
القواعد.
واحدا جامعا
لشرائط الحكم سوى نصّ من له توليته شرعا (١) عليه بولاية القضاء.
ويمكن حمل هذه
العبارة على ذلك بجعله استثناء من اعتبار جميع الشرائط كلها التي من جملتها توليته
المدلول عليه بقوله أولا أو نائبه ، ثم قوله : وتثبت ولاية القاضي الخ ، ثم ذكر
باقي الشرائط فيصير التقدير أنه يشترط في القاضي اجتماع ما ذكر إلا قاضي التحكيم
فلا يشترط فيه اجتماعه (٢) ، لصحته (٣) بدون التولية ، وهذا هو الأنسب بفتوى
المصنف والأصحاب (٤).
ويمكن على بعد أن
يستثنى من الشرط المذكور أمر آخر بأن لا يعتبر المصنف هنا فيه (٥) البصر والكتابة
، لأن حكمه في واقعة ، أو وقائع خاصة يمكن ضبطها بدونهما ، أو لا يجب عليه ضبطهما
، لأنه قاضي تراض من الخصمين فقد قدما على ذلك ، ومن أراد منهما ضبط ما يحتاج إليه
أشهد عليه ، مع أن في الشرطين خلافا في مطلق القاضي (٦) ، ففيه أولى بالجواز ،
لانتفاء المانع الوارد في العام (٧) بكثرة الوقائع ، وعسر الضبط (٨) بدونهما ،
وأما الذكورية فلم ينقل أحد فيها خلافا ويبعد اختصاص قاضي التحكيم بعدم اشتراطها
وإن كان محتملا ، ولا ضرورة هنا إلى استثنائها (٩) لأن الاستثناء (١٠) هو المجموع
لا الأفراد.
______________________________________________________
(١) والمعصوم هو
الذي حق توليته شرعا على القضاء.
(٢) أي اجتماع
جميع الشرائط.
(٣) أي لصحة
الاستثناء.
(٤) وهو المتعين
هنا في حمل العبارة.
(٥) أي لا يعتبر
المصنف في اللمعة في قاضي التحكيم.
(٦) حمل عبارة
المصنف على ذلك خلاف الظاهر.
(٧) أي القاضي
العام المنصوب من قبل المعصوم ، فعلى فرض اشتراطهما في القاضي المنصوب يكون
الاشتراط لكثرة الوقائع الموجبة للبصر حتى يميّز بين الخصوم ، والموجبة للكتابة
حتى يسهل ضبط الأحكام وما يرد عليه من الوقائع وخصوصياتها ، إلا أن هذا منفي في
قاضي التحكيم لعدم الوقائع الكثيرة ، بل هي واقعة خاصة يسهل معرفة حكمها وماله
الدخل في تشخيصها من دون اضطرار إلى الكتابة ، ويسهل التمييز بين المتخاصمين فلا
داعي لاشتراط البصر.
(٨) عطف على (المانع).
(٩) أي استثناء
الذكورية بعد كون دليلها مطلق يشمل القاضي المنصوب وغيره.
(١٠) في عبارة
المصنف.
واعلم أن قاضي
التحكيم لا يتصور في حال الغيبة مطلقا (١) ، لأنه إن كان مجتهدا نفذ حكمه بغير
تحكيم ، وإلا لم ينفذ حكمه مطلقا إجماعا ، وإنما يتحقق (٢) مع جمعه للشرائط حال
حضوره عليهالسلام وعدم نصبه كما بيناه. وقد تحرر من ذلك : أن الاجتهاد شرط
في القاضي في جمع الأزمان والأحوال ، وهو موضع وفاق. وهل يشترط في نفوذ حكم قاضي
التحكيم تراضي الخصمين به بعده (٣) قولان : أجودهما العدم عملا بإطلاق النصوص.
(ويجوز ارتزاق القاضي من بيت المال مع الحاجة) (٤) إلى الارتزاق لعدم المال ،
______________________________________________________
(١) أي أبدا.
(٢) أي قاضي
التحكيم.
(٣) أي هل يشترط
في نفوذ حكمه تراضي الخصمين بالقاضي بعد الحكم أو لا؟ لا خلاف في اعتبار رضا
الخصمين بحكمه قبل تمام الحكم فلو رجعا أو رجع أحدهما قبل الحكم فلا ينفذ حكمه ،
وإنما الخلاف في اعتبار رضاهما بعد الحكم ، والمشهور على العدم تمسكا بإطلاق
الأدلة على لزوم الحكم في مطلق القاضي كما في مقبولة عمر بن حنظلة (فإذا حكم
بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد ، والراد علينا الراد على
الله ، وهو على حد الشرك بالله) ، ونقل في المسالك عن بعض العامة قولا باعتبار رضاهما بعده
، لأن رضاهما كما هو معتبر في أصل الحكم كذلك هو معتبر في لزومه ، وهو ضعيف
للاطلاق المتقدم بعد تحقق الرضا بالمرافعة عنده.
(٤) الفرق بين
الأجرة والارتزاق أن الأجرة تحتاج إلى تقدير العمل والعوض وضبط المدة ، والارتزاق
منوط بنظر الحاكم من غير أن يقدر بقدر.
فيحرم على القاضي
الأجرة على المشهور ، لأن القضاء واجب وهو مناف لأخذ الأجرة خصوصا إذا تعين عليه
عند الانحصار ، وذهب العلامة في المختلف إلى جواز أخذ الأجرة مع عدم التعين ، وذهب
المفيد والقاضي إلى الجواز مطلقا ، والبحث في أجرة القاضي هو من صغريات مسألة جواز
أخذ الأجرة على الواجبات وسيأتي التعرض لها في باب المكاسب إن شاء الله تعالى.
وعلى فرض المنع فيجوز للقاضي الارتزاق من بيت المال ، لأن بيت المال معدّ لمصالح
المسلمين ، والقضاء من أهمها لتوقف نظم أمور المسلمين عليه ، ولمرسلة حماد عن
العبد الصالح الواردة في تقسيم الخمس والانفال والغنائم ـ إلى ـ
__________________
أو الوصلة إليه ،
سواء تعين القضاء عليه أم لا ، لأن بيت المال معد للمصالح وهو من أعظمها. وقيل :
لا يجوز مع تعينه عليه لوجوبه ، ويضعف بأن المنع حينئذ من الأجرة لا من الرزق ، (ولا يجوز الجعل) ، ولا الأجرة (من الخصوم) ، ولا من
______________________________________________________
ـ أن قال ـ : (ويؤخذ
الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله ، وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية
الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة) ، وما روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام في عهده إلى مالك الأشتر حين ولاه على مصر وأعمالها إلى أن
قال : (واختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ، ثم ذكر صفات
القاضي ، ثم قال : وأكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما يزيح علته وتقلّ معه
حاجته إلى الناس ، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره) ، وخبر الدعائم عن
علي عليهالسلام (أنه قال : لا بد
من إمارة ورزق للأمير ، ولا بدّ من عريف ورزق للعريف ، ولا بدّ من حاسب ورزق
للحاسب ، ولا بدّ من قاض ورزق للقاضي ، وكره أن يكون رزق القاضي على الناس الذين
يقضي لهم ولكن من بيت المال) ، وخبر الجعفريات عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن
الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهمالسلام (من السحت ثمن
الميتة ـ إلى أن قال ـ والرشوة في الحكم وأجر القاضي إلا قاض يجرى عليه من بيت
المال) وعن بعضهم عدم جواز الارتزاق مع تعين القضاء عليه لمنافاة
الوجوب لأخذ العوض عليه ، وفيه : إنه يتم في الأجرة التي هي العوض دون الارتزاق
فضلا عن الأخبار المتقدمة وعلى الأشهر كما في المسالك عدم جواز الارتزاق مع عدم
الحاجة ويدفعه إطلاق مرسلة حماد وخبر الدعائم.
ثم المستفاد من
النصوص المتقدمة أن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين وما فيه تقوية الإسلام ، وعليه
فكل من يشتغل بمصلحة من مصالح المسلمين أو بمصلحة فيها تقوية الإسلام كالجهاد ،
وكان هذا الاشتغال مانعا عن التكسب فيجوز له الارتزاق كالجند والوالي والقاضي
وأئمّة الجماعات والمؤذن وخازن بيت المال والمدرّس للعلوم الشرعية والقرآن
والأخلاق والآداب الحسنة ، وصاحب الديوان ، والمراد منه من بيده الكتاب الذي يجمع
فيه أسماء الجند والقضاة والمدرسين وغيرهم ممن يعيشون بالارتزاق من بيت المال.
__________________
غيرهم ، لأنه في
معنى الرشا (١).
(والمرتزقة) من بيت المال (المؤذّن ، والقاسم
(٢) ، والكاتب) للإمام ، أو لضبط بيت المال ، أو الحجج ، ونحوها من المصالح ، (ومعلم القرآن والآداب) كالعربية ، وعلم الأخلاق الفاضلة ، ونحوها ، (وصاحب الديوان) الذي بيده ضبط القضاة والجند وأرزاقهم ونحوها من المصالح ، (ووالي بيت المال) الذي يحفظه ويضبطه ويعطي منه ما يؤمر به ونحوه ، وليس الارتزاق منحصرا فيمن
ذكر ، بل مصرفه كل مصلحة من مصالح الإسلام ليس لها جهة غيره ، أو قصرت جهتها عنها (٣).
(ويجب على القاضي التسوية بين الخصمين (٤) في الكلام) معهما ، (والسلام) عليهما ، ورده إذا سلما ، (والنظر) إليهما ، (و) غيرها من (أنواع الإكرام) كالإذن في الدخول ، والقيام ، والمجلس وطلاقة الوجه ، (والإنصات) لكلامهما ،
______________________________________________________
(١) سيأتي بحثه في
المكاسب المحرمة إن شاء الله تعالى.
(٢) الذي يقسم
أموال بيت المال.
(٣) كما لو قصرت
الزكاة عن حصة (الْعٰامِلِينَ
عَلَيْهٰا).
(٤) وإن تفاوتا
شرفا ، فيساوي بينهما في السلام ورده والجلوس والنظر إليهما والكلام معهما
والإنصات وغير ذلك من أنواع الإكرام ، كالإذن في الدخول وطلاقة الوجه لخبر سلمة بن
كهيل (سمعت عليا عليهالسلام يقول لشريح : ـ إلى قال ـ ثم واس بين المسلمين بوجهك
ومنطقك ومجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك ولا ييأس عدوك من عدلك) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : من أبتلي بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة ، وفي النظر ،
وفي المجلس) وبهذا الإسناد (أن رجلا نزل بأمير المؤمنين عليهالسلام فمكث عنده أياما ثم تقدم إليه في خصومة لم يذكرها لأمير
المؤمنين عليهالسلام فقال له : أخصم أنت؟ قال : نعم ، قال : تحول عنا فإن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى أن يضاف الخصم إلا ومعه خصمه) .
فالمشهور على
الوجوب كما هو الظاهر من الأخبار ، والعلامة وسلار على الاستحباب لضعف سند هذه
الأخبار فلا تصلح حينئذ إلا للاستحباب الذي يتسامح في أدلته ، وفيه : إنها منجبرة
بعمل الأصحاب.
__________________
(والإنصاف) لكل منهما إذا وقع منه (١) ما يقتضيه ، هذا هو المشهور بين
الأصحاب.
وذهب سلار
والعلامة في المختلف إلى أن التسوية بينهما مستحبة عملا بأصالة البراءة ،
واستضعافا لمستند الوجوب ، هذا إذا كانا مسلمين ، أو كافرين ، (و) لو كان أحدهما
مسلما والآخر كافرا كان (له أن يرفع المسلم على الكافر في المجلس) (٢) رفعا صوريا ، أو معنويا كقربه إلى القاضي أو على يمينه
كما جلس عليّ عليهالسلام بجنب شريح في خصومة له مع يهودي ، (وأن يجلس المسلم مع قيام الكافر). وهل تجب التسوية بينهما فيما عدا ذلك ظاهر العبارة وغيرها
ذلك ، ويحتمل تعدّيه (٣) إلى غيره من وجوه الإكرام.
(ولا تجب التسوية) بين الخصمين مطلقا (٤) (في الميل القلبي)
(٥) ، إذ لا
______________________________________________________
(١) أي من القاضي
، ويكون الشارح قد حمل الانصاف على معنى الاعتذار لو صدر منه ما يقتضيه ، مع أنه
يمكن حمله على ردع أحد الخصمين لو صدر منه ما يوجبه كما لو صدر من أحد الخصمين شدة
على خصمه.
(٢) فيجوز أن يكون
المسلم قاعدا (والذمي) قائما ، أو أن تكون منزلة المسلم أعلى كما لو كان على يمين
القاضي أو أقرب إلى القاضي ، بلا خلاف فيه ، لما روته العامة (أن عليا عليهالسلام جلس بجنب شريح القاضي في حكومة له مع يهودي في درع وقال :
لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك ، ولكن قد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لا تساووهم في المجلس) .
وأما بقية الأمور
غير المجلس فهي باقية تحت العمومات السابقة من وجوب التسوية بين الخصمين.
(٣) أي امتياز
المسلم على الكافر ، وفيه : إن دليل الاستثناء منحصر في المجلس كما هو قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المتقدم.
(٤) مسلمين أو
كافرين أو مختلفين.
(٥) لأن التحكيم
بالقلب متعذر ، ولما روته العامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في القسم بين نسائه : (هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما
لا أملك) يعني الميل القلبي.
__________________
غضاضة فيه على
الناقص (١) ، ولا إدلال للمتصف ، لعدم اطلاعهما ، ولا غيرهما عليه. نعم تستحب
التسوية فيه ما أمكن.
(وإذا بدر أحد الخصمين بدعوى سمع منه) وجوبا (٢) تلك الدعوى لا جميع ما يريده منها (٣) ، ولو قال
الآخر كنت أنا المدعي لم يلتفت إليه (٤) حتى تنتهي تلك الحكومة ، (ولو ابتدرا) معا (سمع من الذي على يمين صاحبه) (٥) دعوى واحدة ،
______________________________________________________
ـ نعم في صحيح أبي
حمزة الثمالي ما يدل على حرمة الميل القلبي ، فقد روى عن أبي جعفر عليهالسلام (كان في بني
إسرائيل قاض وكان يقضي بالحق فيهم ، فلما حضره الموت قال لامرأته : إذا أنا متّ
فاغسليني وكفّنيني وضعيني على سريري وغطّي وجهي فإنك لا ترين سوء ، فلما مات فعلت
ذلك ، ثم مكث بذلك حينا ، ثم إنها كشفت عن وجهه لتنظر إليه ، فإذا هي بدودة تقرض
منخره ففزعت من ذلك ، فلما كان الليل أتاها في منامها ، فقال لها : أفزعك ما رأيت؟
قالت : أجل ، فقال لها : أما لئن كنت فزعت ، ما كان الذي رأيت إلا في أخيك فلان ،
أتاني ومعه خصم له ، فلما جلسا إليّ قلت : اللهم اجعل الحق له ووجّه القضاء على
صاحبه ، فلما اختصما إليّ كان الحق له ورأيت ذلك بيّنا في القضاء ، فوجهت القضاء
له على صاحبه ، فأصابني ما رأيت لموضع هواي كان مع موافقة الحق) ، وقد حمل على الحث على المراتب العالية ، أو أن المحرم هو
الميل القلبي لأحدهما في الحكم لا في مقدماته كالنظر والجلوس والكلام ونحو ذلك ،
أو على الوجوب عند الإمكان وهو نادر إلا ممن له نفس مطواعة لأوامر الله جل وعلا ،
أو على الاستحباب وهو المستفاد من عبارة الشارح هنا وفي الأخير ضعف ظاهر إذ
الاستحباب لا يوجب تركه العقاب.
(١) في الميل
القلبي.
(٢) لأنه السابق ،
والسابق أحق من غيره في جميع الحقوق المشتركة ، وهذا منها ، نعم تسمع منه هذه
الدعوى للأسبقية ، ولا تسمع جميع الدعاوى التي يريد فتحها.
(٣) من الدعاوى.
(٤) لأنه مدعي
بدعوى متأخرة فلا تسمع حتى تتم الدعوى السابقة ، وعليه الاجابة ، نعم بعد الانتهاء
من الأولى ينتقل إلى الثانية.
(٥) وهو الكائن
على يسار القاضي عند المواجهة لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام
__________________
ثم سمع دعوى الآخر
لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام ، وقيل : يقرع بينهما لورودها لكل مشكل وهذا منه ، ومثله (١)
ما لو تزاحم الطلبة عند مدرّس والمستفتون عند المفتي مع وجوب التعليم والإفتاء ،
لكن هنا يقدم الأسبق ، فإن جهل ، أو جاءوا معا (٢) أقرع بينهم ، ولو جمعهم على درس
واحد مع تقارب أفهامهم جاز ، وإلا فلا (٣) ، (وإذا سكتا) (٤) فله أن يسكت حتى يتكلما ، وإن شاء (فليقل : ليتكلم المدعي منكما ، أو تكلّما) ، أو يأمر من يقول : ذلك ، (ويكره تخصيص
أحدهما بالخطاب) لما فيه من الترجيح الذي أقل مراتبه الكراهة.
(وتحرم الرشوة) (٥) بضم الراء وكسرها ، وهو أخذه مالا من أحدهما أو
______________________________________________________
ـ (قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقدم صاحب اليمين في المجلس بالكلام) وقال في المسالك : (وهذه الرواية ليست صريحة في المدّعى
إلا أن الأصحاب اتفقوا على إرادة ما ذكر منها) ، ومثلها صحيح ابن سنان عن أبي عبد
الله عليهالسلام (إذا تقدمت مع خصم
إلى وال أو إلى قاض فقف عن يمينه ، يعني عن يمين الخصم) والتفسير ـ على ما
هو المظنون ـ من الصدوق الذي أورد الخبر في الفقيه. والشيخ في الخلاف والمبسوط مال
إلى القرعة وهو مذهب أصحاب الشافعي ، لأنها لكل أمر مشكل أو مجهول ، وفيه : أنه لا
إشكال ولا اجمال بعد ورود النص المتقدم.
(١) أي ومثل
التخاصم فالحق للأسبق ثم للقرعة ، والأسبقية للمجيء هنا لا للقول ، هذا كله إذا
كان العلم المطلوب تدريسه واجبا على المدرس وإلا فهو بالخيار يقدم من يشاء ، فيجوز
له رد الأول حينئذ لعدم وجوب التدريس عليه.
(٢) ومنه يستكشف
أن الأسبقية للمجيء.
(٣) لأنه يكون
ظلما لأحد الطرفين.
(٤) فيستحب له أن
يقول : تكلما أو ليتكلم المدعي منكما ، لما في توجيه الخطاب إلى احدهما من إيحاش
الآخر ، وهذا مناف لما تقدم من وجوب التسوية ، وهو يقتضي تحريم توجيه الخطاب إلى
أحدهما كما هو ظاهر المبسوط والتحرير ، وعن المحقق وجماعة الكراهة وقال الشارح في
المسالك (فإما أن يكون ذلك استثناء من السابق ـ أي وجوب التسوية ـ أو رجوعا عن
الحكم.
(٥) الرشوة مثلثة
الراء ، وهي من الكبائر بالاتفاق للأخبار.
__________________
منهما ، أو من غيرهما
على الحكم (١) ، أو الهداية إلى شيء من وجوهه (٢) ، سواء حكم لباذلها بحق أم باطل
(٣). وعلى تحريمها إجماع المسلمين ، وعن الباقر عليهالسلام ، أنه الكفر بالله ورسوله (٤)! وكما تحرم على المرتشي تحرم
على المعطي ، لإعانته على الإثم والعدوان (٥) ، إلا أن يتوقف عليها تحصيل حقه
فتحرم على المرتشي خاصة (٦) (فتجب إعادتها) (٧) مع وجودها ، ومع تلفها المثل ، أو القيمة ،
(وتلقين (٨) أحد الخصمين حجته) أو ما فيه ضرر على خصمه ، وإذا ادعى
______________________________________________________
ـ منها : خبر
سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (الرشا في الحكم
هو الكفر بالله) وخبر جراح
المدائنيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام (من أكل السحت
الرشوة في الحكم) ، وصحيح عمار بن
مروان المروي في الخصال عن أبي عبد الله عليهالسلام (فأما الرشا يا
عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، والنبوي المروي في غوالي اللآلي (لعن الله الراشي
والمرتشي ، ومن بينهما يمشي) .
(١) كما هو مقيّد
في الأخبار المتقدمة.
(٢) أي وجوه
الحكم.
(٣) لاطلاق
الأخبار المتقدمة.
(٤) وهو خبر عمار
بن مروان عن أبي جعفر عليهالسلام (فأما الرشا في
الحكم فإن ذلك الكفر بالله العظيم جل اسمه ، وبرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم) وهو ضعيف السند بسهل في الكافي ، وصحيح في التهذيب.
(٥) وللنبوي
المتقدم.
(٦) لقاعدة الضرر
الموجبة لرفع حرمة الرشوة على الدافع.
(٧) كل رشوة
يأخذها القاضي سواء كان الدافع معذورا أو لا يجب ردها إلى صاحبها لبقائها على ملكه
بعد كون الرشوة من السحت كما تقدم ، ولو تلفت ضمن القاضي ، لعموم النبوي (على اليد
ما أخذت حتى تؤدي) .
(٨) فيحرم على
القاضي أن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه بأن يعلمه دعوى ـ
__________________
المدعي (فإن وضح الحكم لزمه القضاء (١) ، إذا التمسه (٢) المقضي له) فيقول : حكمت (٣) ، أو قضيت ، أو أنفذت ، أو مضيت ، أو
ألزمت ، ولا يكفي ثبت عندي ، أو أن دعواك ثابتة. وفي أخرج إليه من حقه ، أو أمره
بأخذه العين ، أو التصرف فيها قول جزم به العلّامة ، وتوقف المصنف.
(ويستحب) له قبل الحكم (ترغيبهما في الصلح)
(٤) فإن تعذر حكم بمقتضى الشرع ، فإن اشتبه أرجأ حتى يتبين ،
وعليه الاجتهاد في تحصيله (٥) ، ويكره (أن يشفع) إلى المستحق (في إسقاط حق) (٦) ، أو إلى المدعي (في إبطال)
______________________________________________________
ـ صحيحة لم يكن في
نفسه الدعوى بها ، أو يلقنه الإنكار بأصل الحق لئلا يصير مقرا ، أو يحسّ منه
التردد فيحرضه على الإقامة ونحو ذلك ، لأنه نصب لسد باب المنازعة ، وفعله هذا يفتح
بابها فيكون على خلاف الحكمة الباعثة.
نعم لا بأس
بالاستفسار والتحقيق وإن اتفق تأديته في بعض الأحوال إلى اهتداء الخصم إلى ما يفيد
في خصومته.
(١) لأنه ملزم بالقضاء
بعد وضوح الحكم ، نعم إن اشكل عليه الحكم أخّره حتى ليتضح ولا حد له إلا الوضوح.
(٢) لأنه حق له
وربما عدل عن حقه.
(٣) قال في الدروس
: (يقول : حكمت أو قضيت أو أنفذت أو أمضيت أو ألزمت ، وقيل :يكفي ادفع إليه ماله ،
أو أخرج إليه من حقه ، أو يأمره بأخذ العين وبيعها ، ولا يكفي أن يقول : ثبت عندي
أو أن دعواك ثابتة) لعدم إنشاء الحكم في الأخير.
ولقد أجاد صاحب
الجواهر حيث قال : (قلت : لا دليل على اعتبار لفظ خاص فيه ـ أي الحكم ـ فيكون
المدار على كل ما دل على إنشاء معنى الحكم ، بل لا يبعد الاكتفاء بالفعل الدال على
ذلك فضلا عن قول ثبت عندي مريدا به ذلك).
(٤) قال تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) .
(٥) لسد باب
المنازعات ، وهو واجب عليه حال كونه قاضيا.
(٦) بعد ثبوته أو
ابطال دعوى قبل الثبوت لخبر الدعائم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه قال لأسامة
بن زيد ، وقد سأله حاجة لبعض من خاصمه إليه : يا أسامة ، لا تسألني حاجة إذا جلست
مجلس القضاء ، فإن الحقوق ليس فيها شفاعة) .
__________________
دعوى ، (أو يتخذ حاجبا وقت القضاء) (١) لنهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عنه (أو يقضي مع اشتغال القلب بنعاس ، أو هم ، أو غم ، أو غضب ،
أو جوع) ، أو شبع مفرطين
أو مدافعة الأخبثين ، أو وجع (٢) ولو قضى مع وجود أحدهما نفذ (٣).
القول في كيفية الحكم
(المدعي (٤) هو الذي يترك لو ترك) الخصومة وهو المعبر عنه بأنه الذي يخلّى
______________________________________________________
(١) للنبوي (من
ولي شيئا من الناس فاحتجب دون حاجتهم احتجب الله تعالى دون حاجته وفاقته وفقره) .
(٢) أما الغضب
فللنبوي (لا يقضي القاضي وهو غضبان) وهو من طرق العامة ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أبتلي بالقضاء فلا يقضي وهو غضبان) ومرفوع أحمد بن عبد الله رفعه عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام لامرأته قال لشريح : (لا تشاور ـ تسارّ في نسخة أخرى ـ أحدا
في مجلسك ، وإن غضبت فقم ولا تقضينّ وأنت غضبان) ، ولما فيه من
المخاطرة في الوقوع في الخطأ حال الغضب لأنه يفقده التروي في الحكم.
وأما الجوع
فللنبوي (لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريّان) ، وأما الهم فللنبوي (لا يقضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب
مخزون) ، ومن هذه الأخبار
يتعدى إلى كل ما يوجب تغيير خلقه وشغل نفسه وتشويش فكره من وجع أو مرض أو خوف أو
فرح شديدين أو ملل وضجر ، أو مدافعة الأخبثين أو حضور طعام ونفسه تتوق إليه.
(٣) بلا خلاف فيه
لعموم ما دل على نفوذ حكمه وقد تقدم ، بعد حمل النصوص الدالة على النهي على القضاء
عند الغضب وغيره على الكراهة لقصورها عن الحرمة لضعف أسانيدها.
(٤) وردت النصوص
بأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر كما سيأتي التعرض لها ، واختلف الأصحاب
في تعريفهما.
فقيل : المدعي هو
الذي يترك لو ترك الخصومة ، ويعبر عنه بأنه لو سكت يسكت عنه ، ـ
__________________
وسكوته ، وقيل هو
من يخالف قوله الأصل ، أو الظاهر ،
(والمنكر مقابله) في
______________________________________________________
ـ والمنكر في
قباله ، وهو المنسوب إلى المشهور.
وقيل : المدعي من
يدعي خلاف الأصل والمنكر في قباله.
وقيل : المدعي من
يدعي خلاف الظاهر بأن يذكر أمرا خفيا ، والمنكر في قباله ، وقد نسب هذان القولان
إلى القيل في جملة من الكتب.
وقيل : إنه لا
حقيقة شرعية للفظ المدعي فيرجع فيه إلى العرف كما في الجواهر ، وما تقدم من
التعاريف إنما يراد به تمييزه بذكر شيء من خواصه وآثاره الغالبة عليه وهو الأقوى.
لكن المشهور على
أن الخلاف بين الأقوال الثلاثة خلاف في معنى المدعي فهذه التعريفات قد تتفق وهو
الأغلب كما لو ادعى زيد دينا في ذمة عمرو أو عينا في يده فأنكر الثاني ، فزيد مدع
على الأول لأنه لو ترك الخصومة يترك ، وعلى الثاني لأنه يذكر خلاف الأصل ، لأن
الأصل براءة ذمة عمرو من الدين وفراغ يده من حق الغير ، وعلى الثالث لأنه يذكر
أمرا خفيا خلاف الظاهر ، إذ الظاهر براءة ذمة عمرو وفراغ يده من حق الغير.
وقد تختلف كما لو
أسلم الزوجان قبل الدخول فقال الزوج : أسلمنا معا فالنكاح باق ، وقالت الزوجة : بل
على التعاقب فلا نكاح ، فعلى الأول فالمرأة مدعية والزوج مدع لأنه لا يترك لو ترك
فإنها تزعم انفساخ النكاح فعليه الحلف ويحكم بالاستمرار إذا حلف.
وكذا على الثاني
فالمرأة مدعية لأن الأصل عدم تقدم أحدهما على الآخر ، وعلى الثالث فالزوج هو
المدعي لأن التساوي الذي يزعمه أمر خفي على خلاف الظاهر فلو حلفت المرأة حكم
بارتفاع النكاح.
هذا وقد عرفت أن
التعاريف بصدد ذكر خواص المعرّف وآثاره وليست في مقام التحديد من مفهومه خصوصا بعد
تعذر التعاريف الحقيقية إلا على علّام الغيوب ، وبعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ولا
بدية الرجوع إلى العرف هذا من جهة ومن جهة أخرى لو قيل إن المراد من الأصل هو
الأصل العملي كالامارات المعتبرة من يد ونحوها والمراد من الظاهر هو الظاهر الشرعي
فتتحد التعاريف الثلاثة بحسب المصاديق ولا اختلاف بينها كما هو واضح ، على أن
تفسير الظاهر بالظاهر العرفي المعاش لا بالشرعي كما يستفاد من المثال المتقدم لا
دليل عليه بوجه ، بل الدليل على خلافه لأن الظاهر الشرعي بنفسه دليل فلذا يطالب من
يدعي عكسه بالبينة بخلاف العرفي المعاشي.
ومن جهة ثالثة
تعرف الحكمة في جعل البينة على المدعي ، لأن قوله على خلاف الأدلة الشرعية من
الأصول العملية والامارات المعتبرة فيطالب بالبينة لتجبر قوة البينة ضعف كلامه
المدعى ، بخلاف المنكر فقوله موافق لهذه الأدلة فيكتفى مع قوة كلامه بالحجة
الضعيفة وهي اليمين. ـ
الجميع ، ولا
يختلف موجبها غالبا ، كما إذا طالب زيد عمرا بدين في ذمته ، أو عين في يده فأنكر ،
فزيد لو سكت ترك (١) ، ويخالف قوله الأصل (٢) ، لأصالة براءة ذمة عمرو من الدين ،
وعدم تعلق حق زيد بالعين (٣) ، ويخالف قوله الظاهر (٤) من براءة عمرو ، وعمرو لا
يترك (٥) ، ويوافق قوله الأصل والظاهر (٦). فهو مدعى عليه (٧) وزيد مدع على الجميع
(٨).
وقد يختلف كما إذا
أسلم زوجان قبل الدخول فقال الزوج : أسلمنا معا فالنكاح باق ، وقالت : مرتبا فلا
نكاح. فهي على الأولين مدعية ، لأنها لو تركت الخصومة لتركت واستمر النكاح المعلوم
وقوعه والزوج لا يترك لو سكت عنها لزعمها انفساخ النكاح ، والأصل (٩) عدم التعاقب
، لاستدعائه (١٠) تقدم أحد الحادثين على الآخر والأصل عدمه (١١) ، وعلى الظاهر
الزوج مدع ، لبعد التساوق فعلى الأولين يحلف الزوج ويستمر النكاح وعلى الثالث تحلف
المرأة ويبطل (١٢) ، وكذا لو ادعى الزوج الإنفاق مع اجتماعهما (١٣) ويساره وأنكرته
(١٤) فمعه الظاهر ،
______________________________________________________
(١) فهو المدعي
على التعريف الأول.
(٢) فهو المدعي
أيضا على التعريف الثاني.
(٣) التي تحت يد
عمرو هذا إذا كانت موجودة ، ومع عدم وجودها فالأصل فراغ يده من حق الغير.
(٤) فهو المدعي
أيضا على التعريف الثالث ، ومخالفة الظاهر بدعواه أمرا خفيا.
(٥) فهو المنكر
على التعريف الأول.
(٦) فهو المنكر
على القولين الأخيرين.
(٧) في جميع
التعاريف.
(٨) أي جميع
التعاريف وهذا مثال اتفاقها وهو الغالب.
(٩) تعليل لكونها
مدعية على التعريف الثاني.
(١٠) أي عدم
التقدم.
(١١) أي التعاقب.
(١٢) أي النكاح.
(١٣) أي الزوج
والزوجة في دار واحدة.
(١٤) أي أنكرت
الزوجة الإنفاق.
ومعها الأصل (١)
وحيث عرف المدعي (٢)
فادعى دعوى (٣) ملزمة معلومة (٤) جازمة (٥) قبلت
______________________________________________________
(١) فعلى تعريف
الظاهر هي مدعية ، وعلى تعريف الأصل هو مدع ، وعلى التعريف الأول هي مدعية لأنها
تترك لو تركت وقد تركه لوضوحه.
(٢) اعلم أنه
يشترط فيه البلوغ والعقل لسلب عبارة الصبي والمجنون ، وأن يدعي لنفسه أو لمن له
الولاية فلا تسمع دعواه مالا لغيره إلا أن يكون وليا أو وصيا أو وكيلا أو حاكما أو
أمينا لحاكم لأصالة عدم وجوب الجواب لغيرهم ، وأن تكون دعواه ما يصح للمسلم تملكه
فلا تسمع دعوى المسلم خمرا أو خنزيرا لعدم جواز تملكها ، بلا خلاف في هذه القيود
الأربعة.
(٣) فلا بد من
كونها صحيحة في نفسها فلا تسمع دعوى المحال عقلا أو عادة أو شرعا ، وهذا ما لم
يذكره الشارح ، وأن تكون ملزمة للمدعى عليه وهو المعبر عنه باللازمة فلو ادعى هبة
لم تسمع حتى يدعي الإقباض ، وكذا لو ادعى رهنا أو وقفا بناء على اعتبار القبض في
صحة الأخيرين ، إذ لا حق له عليه بدون القبض بلا خلاف في هذه الشرط.
(٤) وأن تكون
الدعوى معلومة ، كما عليه الشيخ وأبو الصلاح وابن زهرة وحمزة وإدريس والفاضل في
تحريره وتذكرته والشهيد في الدروس كما لو ادعى فرسا أو ثوبا ولم يعيّن ، فلا تسمع
لانتفاء فائدتها ، وإذ يتعذر حكم الحاكم بها حال كونها مجهولة فيما لو أجاب المدعى
عليه بنعم.
وأشكل بأنه لا فرق
بين الدعوى المجهولة والإقرار بشيء مجهول ، مع قبولهم للاقرار بالمجهول وإلزام
المقرّ بالتفصيل وأجاب الشيخ عنه بما حاصله : أنه لو اشترطنا التفصيل في قبول
الإقرار للزم الرجوع عن الإقرار في بعض الأحوال مع أنه قد تعلق حق الغير به ، فلذا
يقبل الاقرار بالمجهول ويكلف المقرّ بالتفصيل ، بخلاف الدعوى فعدم سماع الدعوى
المجهولة لا يذهب حق المدعي لأنه مضطر لفتح الدعوى مع التفصيل فيما بعد ، وفيه إنه
فرق ظاهري لا يصلح لتأسيس الحكم وعن المحقق وجماعة القبول وإن كانت مجهولة لإطلاق
الأدلة ، ولأن المدعي ربما يعلم حقه بوجه كمن يعلم بوجود فرسه أو ثوبه عند الغير
ولا يعلم صفتهما فلو لم يجعل له ذريعة إلى الدعوى لبطل حقه ، وأما تعيين صفات
المدعي فيه فيلزم الخصم ببيانه ويقبل تفسيره بمسمى المدعي ويحلف على نفي الزائد لو
ادعى عليه.
(٥) فلا تسمع لو
قال : أظن أو أتوهم لأن الدعوى يلزمها في بعض الصور الحكم باليمين المردودة على
المدعي أو بنكول المدعى عليه عن الحلف وهما غير ممكنين مع عدم الجزم بالدعوى من
المدعي ، ولذا كان الجزم هو المعهود من الدعوى فلا تشمل الظن أو الوهم.
اتفاقا. وإن تخلف
الأول (١) كدعوى هبة غير مقبوضة ، أو وقف كذلك ، أو رهن عند مشترطه (٢) لم تسمع ،
وإن تخلف الثاني (٣) كدعوى شيء وثوب وفرس ففي سماعها قولان :
أحدهما : وهو الذي
جزم به المصنف في الدروس العدم ، لعدم فائدتها (٤) ، وهو حكم الحاكم بها لو أجاب
المدعى عليه بنعم ، بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته ، والقيمي بقيمته ، والأثمان
بجنسها ونوعها وقدرها ، وإن كان البيع (٥)
______________________________________________________
ـ ونقل المحقق عن
شيخه نجيب الدين محمد بن نما سماع الدعوى غير الجازمة في التهمة ويحلف المنكر من
غير أن يترتب عليها رد اليمين على المدعي لعدم إمكانه ، وردّ بأنها لا تسمى دعوى
لعدم الجزم فيها.
وعن البعض منهم
الشارح في الروضة هنا التفصيل بين ما يعسر الاطلاع عليه كالسرقة والقتل وبين ما لا
يعسر الاطلاع عليه فيعتبر الجزم في الثاني دون الأول. وعن بعض سماع الدعوى الجازمة
والمظنونة دون الوهمية ، وعن صاحب الجواهر سماع الدعوى مطلقا مع وجود التهمة ،
والأخير هو الأقوى ويؤيده الأخبار.
منها : خبر بكر بن
حبيب (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أعطيت جبة إلى القصار فذهبت بزعمه ، قال : إن اتهمته
فاستحلفه ، وإن لم تتهمه فليس عليه شيء) وخبره الآخر عنه عليهالسلام (لا يضمن القصار
إلا من جنت يداه ، وإن اتهمته أحلفته) وخبر أبي بصير عنه
عليهالسلام (لا يضمن الصائغ
ولا القصار ولا الحائك إلا أن يكونوا متهمين ، فيخوّف بالبينة ويستحلف لعله يستخرج
منه شيئا) ، وهي وإن كانت
بصورة تحقق اليد المقتضية للضمان فلا تشمل سائر الدعاوى الظنية من غير تحقق اليد
لكن يستفاد منها جواز الاحلاف مع التهمة مطلقا وهو المدعى ، نعم لا يخفى عليك مع
عدم الجزم من المدعي لا يرد عليه اليمين المردودة.
(١) الإلزام في
الدعوى.
(٢) أي مشترط
القبض في الرهن.
(٣) العلم بالمدعى
فيه.
(٤) أي فائدة
الدعوى بالمجهول وذلك فلو أقر المدعى عليه بقوله : نعم وأراد الحاكم أن يحكم فبأي
شيء سيحكم ما دامت الدعوى مجهولة.
(٥) دفع توهم ،
أما التوهم : فلم يحمل البيع على نقد البلد وفي الدعوى يلزم تعيين النقد ، ـ
__________________
وشبهه ينصرف
إطلاقه إلى نقد البلد ، لأنه إيجاب في الحال وهو غير مختلف ، والدعوى إخبار عن
الماضي وهو مختلف.
والثاني : وهو
الأقوى السماع ، لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الحكم ، وما ذكر لا يصلح للتقييد ،
لإمكان الحكم بالمجهول ، فيحبس حتى يبينه كالإقرار ، ولأن المدعي ربما يعلم حقه
بوجه ما خاصة بأن يعلم أن له عنده ثوبا ، أو فرسا ، ولا يعلم شخصهما ، ولا صفتهما
، فلو لم تسمع دعواه بطل حقه ، فالمقتضي له موجود والمانع مفقود.
والفرق بين
الإقرار والدعوى بأن المقر لو طولب بالتفصيل ربما رجع (١) ، والمدعي لا يرجع لوجود
داعي الحاجة (٢) فيه دونه (٣) غير كاف في ذلك (٤) ، لما ذكرناه (٥) ، وإن تخلف
الثالث وهو الجزم بأن صرح بالظن ، أو الوهم ففي سماعها أوجه أوجهها السماع فيما
يعسر الاطلاع عليه كالقتل ، والسرقة ، دون المعاملات ، وإن لم يتوجه على المدعي
هنا الحلف برد (٦) ، ولا نكول (٧) ، ولا مع شاهد (٨) ، بل
______________________________________________________
ـ والجواب أن
البيع يحمل على النقد السائد لأن الحال أنهما تعاملا به وهو نقد البلد بخلاف
الدعوى إذ يحتمل أنهما تعاملا بنقد غير هذه البلدة عند ما كانا في تلك البلدة ،
وأيضا أن البيع منصرف إلى الزمن الحالي والنقد في الزمن الحالي هو نقد البلد بخلاف
الدعوى فإنها إخبار عن الماضي وهو أزمنة متعددة فحملها على زمن خاص ساد فيه نقد
خاص ترجيح بلا مرجح ، وهذا يتم فيما لو تعدد النقد في البلد ماضيا أما إذا قطعنا
بعدم تغيره فيتعين الدليل الأول فقط.
(١) وبه إبطال حق
الغير الذي ثبت بالاقرار فلذا يقبل الاقرار بالاجمال.
(٢) وهو طلب حقه
فلو لم تسمع دعواه بالمجهول فيرجع ويفتح الدعوى بالتفصيل.
(٣) دون المقرّ.
(٤) في الفرق بين
الاقرار والدعوى ليلزم اختلافهما بالحكم فيسمع الاقرار بالمجهول دون الدعوى به.
(٥) من اطلاق
الأدلة ومن أن عدم سماع الدعوى المجهولة موجب لبطلان حق المدعي.
(٦) أي اليمين
المردودة لعدم جزمه عند سماع دعواه غير الجازمة.
(٧) عند امتناعه
عن اليمين المردودة ، لأنه يجب عليه الامتناع لعدم جزمه بما ادعاه فكيف يحلف عليه.
(٨) أي اليمين مع
شاهد فكيف يحلف مع عدم جزمه.
إن حلف المنكر ،
أو أقر ، أو نكل وقضينا به (١) ، وإلا وقفت الدعوى. إذا تقرر ذلك فإذا ادعى دعوى
مسموعة طولب المدعى عليه بالجواب.
(وجواب المدعى عليه (٢) إما إقرار) بالحق المدعى به أجمع ، (أو إنكار) له أجمع ، أو مركب منهما فيلزمه حكمهما ، (أو سكوت) وجعل السكوت جوابا مجاز شائع في الاستعمال فكثيرا ما يقال : ترك الجواب جواب
المقال (٣) ، (فالإقرار يمضي) (٤) على المقر (مع الكمال) أي كمال المقر على وجه يسمع إقراره بالبلوغ ، والعقل مطلقا
(٥) ، ورفع الحجر فيما يمتنع نفوذه به ، وسيأتي تفصيله ، فإن التمس المدعي حينئذ (٦)
الحكم حكم عليه (٧) فيقول : ألزمتك ذلك ، أو قضيت عليك به.
______________________________________________________
(١) أي بنكول
المنكر كما سيأتي.
(٢) أي ما يصدر
منه حال الدعوى إما إقرار أو إنكار أو سكوت ولكل حكم وسيأتي إن شاء الله تعالى ،
والسكوت قد اعتبر جوابا لأنه إذا أصر عليه المدعى عليه أعتبر نكولا فيردّ اليمين
على المدعي ويحكم الحاكم به فيكون السكوت في حكم الإنكار حينئذ.
(٣) هذا من
الناحية اللغوية ، وأما من الناحية الشرعية فقد عرفت أنه بحكم الإنكار مع الاصرار
عليه.
(٤) لا خلاف في إن
الاقرار نافذ إذا صدر من أهله المستجمع لشرائط صحته كما سيأتي تفصيله في بابه ،
والاقرار يمضي هنا سواء حكم الحاكم به أو لا بخلاف البينة ، لأن البينة منوطة
باجتهاد الحاكم في قبولها وردها بخلاف الاقرار الصادر من أهله فإنه نافذ على المقر
على كل حال كما عن المسالك وجماعة ، وفيه : إنه لا فرق بينهما في الاحتياج لحكم
الحاكم في مقام فصل النزاع وقطعه ، كما أنه لا فرق بينهما في ثبوت الحق للمدعي إذا
قامت البينة على ذلك أو أقر الخصم ، نعم هناك فرق غير فارق إذ الاقرار خفيف
المئونة بل معدومها إذ يثبت من دون احتياج إلى إعمال اجتهاد الحاكم لأن حجيته
معلومة ودلالة ألفاظه واضحة عرفا بخلاف البينة فيحتاج تحققها إلى اجتهادات من
الحاكم غالبا ، نعم بعد تحققها عند الحاكم فلا فرق بينها وبين الاقرار في الاحتياج
إلى حكم الحاكم في فصل الخصومة ولعله إلى هذا يرجع كلام الشارح في المسالك ، وإن
كان بعيدا عن ظاهر كلامه.
(٥) وإن كان
مجنونا بجنون أدواري لكن قد صدر إقراره حال تعقله.
(٦) أي حين
الاقرار.
(٧) كما عليه
الشيخ في المبسوط لأن الحكم به عليه حق للمدعي فلا يستوفى إلا بأمره ، وغيره على
العدم لأنه من وظائف القاضي ، وحال المدعي من إحضار المدعى عليه ـ
(ولو التمس) المدعي من الحاكم (كتابة إقراره كتب
(١) وأشهد مع معرفته (٢) ، أو شهادة عدلين بمعرفته ، أو اقتناعه بحليته) (٣) لا بمجرد إقراره (٤) وإن صادقه المدعي ، حذرا من تواطؤهما
على نسب لغيرهما ، ليلزما ذا النسب بما لا يستحق عليه ، (فإن ادعى الإعسار) (٥) وهو عجزه عن أداء الحق لعدم ملكه لما زاد عن
______________________________________________________
ـ للخصومة يغني عن
المقال ، هذا وصورة الحكم ما تقدم من قوله : ألزمتها أو قضيت عليك أو ادفع إليه
ماله ونحو ذلك قاصدا إنشاء الفصل بينها وإنشاء الحكم بذلك ، لا أن يقول ثبت عندي
ونحو ذلك مما ليس فيه إنشاء الحكم للفصل بينهما.
(١) نسب الشارح في
المسالك إلى الأشهر وجوب الكتابة على القاضي تارة وإلى المعروف بين الأصحاب تارة
أخرى ، لأن ذلك حجة له فكان على القاضي إقامتها ، وفيه : إن الحجة له هو حكم
القاضي والإشهاد عليه لا كتابة الحكم ، إلا إذا توقف حقه على الكتابة فتجب من باب
المقدمة ، وعلى كل لو أجاب القاضي فلا يكتب حتى يعلم اسمه ونسبه على وجه يتشخص به
عن غيره ، أو تقوم البينة بنسبه واسمه حتى يؤمن التدليس بجعل الاقرار لغير من وقع
، وكذا لو عرف القاضي بخصوصياته الخلقية المميّزة له عن غيره أو تقوم البينة على ذلك
من أجل الأمن من التدليس.
(٢) أي معرفة
القاضي للمدعي ، ولا داعي لضم الشهادة لمعرفة القاضي بنسب المدعي.
(٣) وهي الصفة
المشخصة له.
(٤) أي اقرار
المدعى عليه.
(٥) إذا كان
المدعى به عينا موجودة عند المدعى عليه ، وقد أقرّ المدعى عليه بأنها للمدعي ألزم
بردها بعد حكم الحاكم ، وأما إذا كان دينا في الذمة فإذا كان المدعى عليه المقرّ
واجدا للمال ألزم به وإن امتنع أجبر عليه ، وإن ماطل وأصرّ على الامتناع جازت
عقوبته بالتغليظ في القول ورفع الصوت عليه كأن يقول له : يا ظالم يا فاسق ، ثم
يجوز حبسه وضربه حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأهون فالأهون لخبر
المجاشعي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لي الواجد بالدين يحلّ عرضه وعقوبته ، ما لم يكن دينه
فيما يكره الله عزوجل) ، وموثق عمار عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام كان يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثم يأمر به فيقسم
ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى باعه فيقسّمه بينهم) .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وأما إذا كان
المدعى به دينا في الذمة وادعى المقرّ الإعسار ، فإن علم القاضي إعساره أو صدقه
المدعي على الإعسار انظر وفاقا للمشهور لقوله تعالى : (وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، ولخبر غياث بن
إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وإفلاس خلّى سبيله
حتى يستفيد مالا) وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (إن امرأة استعدت
على زوجها أنه لا ينفق عليها ، وكان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه وقال : إن مع العسر
يسرا) .
وعن الشيخ في
النهاية أنه يدفع إلى غرمائه ليؤجره ويستعملوه لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ،
وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم
واجروه ، وإن شئتم استعملوه) ، والعمل على الأول لأنه أشهر وأوفق بالكتاب.
وعن ابن حمزة أنه
إذا لم يكن ذا حرفة خلّي سبيله ، وإلا دفع إلى الغريم ليستعمله جمعا بين الأخبار
المتقدمة ، وفيه : إنه جمع تبرعي لا شاهد له. وإن لم يثبت إعساره فهل يحبس حتى
يتبين حاله؟ فهنا لا تخلو المسألة من أنه إما أن يكون له مال ظاهر أو لا ، وعلى
الثاني فقد يكون له أصل مال سابقا أو لا؟ وعلى الثاني إما أن تكون الدعوى مالا أو
لا ، وفي الجميع ما عدا الأخير يحبس حتى يثبت إعساره ، لأنه في جميع هذه الصور ما
عدا الأخير هو مدع للإعسار ولا بينة له ولم يصدقه المدعي الذي هو غريمه فلا بد من
الحبس احتياطا لحق المدعي ولأن الأمير عليهالسلام كما في الأخبار المتقدمة كان يحبس بمجرد الالتواء ولا
يخرجه من السجن حتى يثبت إعساره ، وأما في الصورة الأخيرة فدعواه الإعسار موافقة
للظاهر والأصل فهو المنكر عند عدم تصديق غريمه ، فلا يكلف البينة وللغرماء مطالبته
باليمين فلو حلف فلا حبس لعموم صحيح جميل وهشام عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : البينة على من ادعى ، واليمين على من أدعي عليه) .
__________________
داره وثيابه
اللائقة بحاله ودابته وخادمه كذلك ، وقوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.
(وثبت صدقه) فيه (ببينة مطلعة على باطن أمره) مراقبة له في خلواته ، واجدة صبره على ما لا يصبر عليه
واجد المال عادة حتى ظهر لها قرائن الفقر ، ومخايل الإضاقة ، مع شهادتها على نحو
ذلك (١) بما يتضمن الإثبات (٢) ، لا على النفي الصرف (٣) ، (أو بتصديق خصمه) له على الإعسار ، (أو كان أصل الدعوى بغير مال) ، بل جناية أوجبت مالا ، أو إتلافا فإنه حينئذ يقبل قوله
فيه (٤) ، لأصالة عدم المال ، بخلاف ما إذا كان أصل الدعوى مالا فإن أصالة بقائه (٥)
تمنع من قبول قوله (٦) ، وإنما يثبت إعساره بأحد الأمرين : البينة ، أو تصديق
الغريم
______________________________________________________
ـ هذا وعند كون
المقرّ مدعيا للإعسار وأقام البينة على إعساره ، فإن شهدت البينة بتلف جميع أمواله
قضي بها ولا يكلف باليمين ولو لم تكن البينة مطّلعة على باطن أمره بالصحبة
المتأكدة لأنها بينة إثبات ، وأما لو شهدت بالإعسار مطلقا من دون تعرض لتلف ماله
المعلوم أصله أو المعلوم بحسب الظاهر فلا تقبل ، لأنها بينة نفي وقد تكون مستندة
على ظاهر حاله فلا بد من انضمام يمين المعسر دفعا للاحتمال الخفي وهو عدم اطلاعها
على الواقع واصل المال وخفائه عنها ، وعن بعضهم ـ كما في المسالك ـ أنها تقبل من
دون ضم اليمين لعموم على المدعي البينة واليمين على من أنكر.
نعم لو شهدت
بالاعسار مطلقا وكانت لها خبرة واطلاع على باطن أمره بالمعاشرة الكثيرة فتقبل بلا
خلاف من دون ضم اليمين لأنها وإن كانت بينة نفي بحسب الظاهر إلا أنها ملحقة ببينة
الإثبات لأن من يكون من أهل الخبرة على باطن أمره بكثرة المخالطة وطول المجاورة
وقد شهد بأنه معسر فهو يشهد بأنه لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه ودابته وخادمه
اللائقة بحاله وهذا إثبات لما ذكرناه ونفي لما عداه.
(١) من قرائن
الفقر ومخايل الإضاقة.
(٢) من أنه لا
يملك إلا ما هو ضروري له كما تقدم.
(٣) بأن تشهد بأنه
لا يملك فهي شهادة نفي لا تقبل إلا إذا تضمنت إثباتا كما تقدم.
(٤) أي قول المقرّ
بالإعسار ، لأن قوله موافق للأصل إذ الأصل عدم وجود المال عنده فهو منكر بالحقيقة
لو لم يصدقه غريمه فيكتفي منه باليمين.
(٥) أي بقاء المال.
(٦) أي قول المدعى
عليه بالاعسار.
وظاهره أنه لا
يتوقف مع البينة (١) على اليمين وهو أجود القولين (٢) ، ولو شهدت البينة بالإعسار
في القسم الثاني (٣) فأولى بعدم اليمين ، وعلى تقدير كون الدعوى ليست مالا (وحلف) على الإعسار (ترك) (٤) إلى أن يقدر ، ولا يكلّف التكسب (٥) في المشهور ، وإن وجب
عليه السعي على وفاء الدين ، (وإلا) يتفق ذلك بأن لم يقم بينة ، ولا صادقه الغريم مطلقا (٦) ،
ولا حلف حيث لا يكون أصل الدعوى مالا (حبس) (٧) وبحث عن باطن أمره ، (حتى يعلم حاله) فإن علم له مال أمر بالوفاء (٨) ، فإن امتنع باشره القاضي (٩)
ولو ببيع ماله إن كان مخالفا للحق ، وإن
______________________________________________________
(١) سواء شهدت
بتلف ماله أو بالاعسار مطلقا وكان المدعى عليه مدعيا للاعسار وقوله على خلاف الأصل
لأن أصل الدعوى مالا ، أو كان له مال ظاهرا.
(٢) وقد عرفت أن
الأكثر على ضم اليمين لدفع الاحتمال الخفي إذا شهدت بالاعسار مطلقا.
(٣) فيما لو كانت
الدعوى بغير مال فيكون مدعي الإعسار منكرا وقوله موافقا للظاهر أو الأصل فلا يمين
من باب أولى ، لأنه في القسم الأول عند ما كان مدعيا لأن قوله مخالف للظاهر أو
الأصل فلا يمين كما استجوده الشارح فهنا من باب أولى.
وفيه : إنه مبني
على قبول البينة من المنكر مع أنه على خلاف العموم (البينة على من ادعى واليمين
على من أنكر).
(٤) على المشهور
كما تقدم.
(٥) أي لا يكلف
التكسب تحت يد الغرماء كما هو مختار الشيخ ، أو إذا كان ذا حرفة كما هو مختار ابن
حمزة ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، نعم يجب عليه السعي باختياره وما فضل عنه دفعه
إلى غرمائه ، ووجوب السعي هنا لوجوب الوفاء بالدين من باب المقدمة.
(٦) سواء كان أصل
الدعوى مالا أو لا.
(٧) حتى يثبت
إعساره كما تقدم.
(٨) لأنه هو الذي
له التصرف في ماله وإن تعلق به حق الغير فيؤمر.
(٩) للأخبار منها
: خبر الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليهالسلام (أنه قضى أن الحجر
على الغلام حتى يعقل ، وقضى في الدين أنه يحبس صاحبه ، فإن تبين إفلاسه فيخلي
سبيله حتى يستفيد مالا ، وقضى عليهالسلام في الرجل يلتوي على غرمائه أنه يحبس ثم يؤمر به فيقسّم
ماله بين غرمائه بالحصص ، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم) ويحمل البيع على ما لو كان الموجود مخالفا بالجنس للمطلوب
وإلّا فلو كان موجودا بعينه رد الحاكم على الغير عند امتناع المقرّ لأنه ولي
الممتنع.
__________________
علم عدم المال ،
أو لم يف الموجود بوفاء الجميع أطلق بعد صرف الموجود.
(وأما الإنكار (١) فإن كان الحاكم عالما) بالحق (قضى بعلمه) (٢) مطلقا على أصح القولين ، ولا فرق بين علمه به في حال
ولايته ومكانها وغيرهما (٣) ، وليس له حينئذ طلب البينة من المدعي مع فقدها قطعا ،
ولا مع وجودها على الأقوى (٤)
______________________________________________________
(١) بأن قال
المدعى عليه : لا حق له عليّ.
(٢) فإذا كان
الحاكم معصوما قضى بعلمه مطلقا في حقوق الله وحقوق الناس لعصمته المانعة من تطرق
التهمة ، ولعلمه المانع من الخلاف ، ولوجوب تصديق الإمام في كل ما يقوله مع كفر
مكذبه. وأما غير المعصوم فكذلك لأنه لو لم يحكم بعلمه للزم إيقاف الدعوى أو الحكم
على خلاف علمه الموجب لفسقه وكلاهما محذور فيتعين الحكم بعلمه.
وعن ابن حمزة
الجواز في حقوق الناس دون حق الله ، وعكس ابن الجنيد في كتابه الأحمدي كما في
المسالك ، ويظهر من السيد المرتضى أن ابن الجنيد لا يرى قضاء الحاكم بعلمه مطلقا
سواء في ذلك الإمام وغيره ، وفي حق الله وحق الناس ، ودليل من خالف المشهور إما
النبوي (البينة على من ادعي واليمين على من ادعي عليه) والقسمة قاطعة للشركة ، وأما صحيح هشام عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجته
من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من حال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار) وخبر العسكري عليهالسلام المروي في تفسيره عن أمير المؤمنين عليهالسلام (كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحكم بين الناس بالبينات والأيمان في الدعاوى ، فكثرت
المطالبات والمظالم ، فقال ، يا أيها الناس إنما أنا بشر وأنتم تختصمون ، ولعل
بعضكم ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له من حق
أخيه بشيء فلا يأخذ به ، فإنما أقطع له قطعة من النار) ، وحملت هذه
الأخبار عند المشهور على الغالب.
(٣) رد على بعض
العامة حيث جوز الحكم بعلمه لو علم بالحق في مكان الولاية دون غيرها.
(٤) لم أجد مخالفا
لكن يحتمل طلب البينة مع وجودها إذ ليس فيه تضييع حق للمدعي مع ما فيه من دفع
التهمة عن الحاكم لو حكم بعلمه ، لكنه احتمال مردود لما سمعت من كفاية العلم
بالحكم.
__________________
وإن قصد دفع
التهمة ، إلا مع رضاء المدعي. والمراد بعلمه هنا العلم الخاص وهو الاطلاع الجازم ،
لا بمثل وجود خطه به إذا لم يذكر الواقعة (١) وإن أمن التزوير.
نعم لو شهد عنده
عدلان بحكمه به (٢) ولم يتذكر فالأقوى جواز القضاء كما لو شهدا بذلك (٣) عند غيره.
ووجه المنع إمكان رجوعه إلى العلم لأنه (٤) فعله ، بخلاف شهادتهما عند الحاكم على
حكم غيره فإنه يكفي الظن (٥) ، تنزيلا لكل باب على الممكن فيه ، ولو شهدا عليه (٦)
بشهادته به (٧) ، لا بحكمه فالظاهر أنه كذلك (٨).
(وإلا) يعلم الحاكم بالحق (طلب البينة) من المدعي (٩) إن لم يكن عالما بأنه موضع المطالبة بها ،
وإلا جاز للحاكم السكوت (١٠) ، (فإن قال : لا بينة لي عرّفه)
______________________________________________________
(١) أما مع ذكر
الواقعة فلا داعي للخط.
(٢) أي بالعلم.
(٣) أي بحكمه فإنه
نافذ عند الحاكم الآخر على تقدير ثبوته بالبينة.
(٤) أي العلم.
(٥) لأن الحاكم
الآخر غير عالم بالحكم ولا يستطيع إلا تحصيل الظن الآتي من البينة فلذا اكتفى
بالشهادة على حكم الحاكم الآخر ، بخلاف الحاكم الأول فإنه يمكن له تحصيل العلم فلا
يكتفي بالظن الآتي من البينة القائمة على حكمه بعلمه.
(٦) على الحاكم
الأول.
(٧) أي بما يعلم.
(٨) أي قبول
الشهادة لعموم أدلة حجية البينة ، ويحتمل العدم لإمكان الرجوع إلى علم الحاكم وهو
يشهد بنفسه تنزيلا لكل باب على الممكن فيه.
(٩) بل لو علم
الحاكم أن المدعي يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة ، فالحاكم بالخيار إن شاء قال
للمدعي : ألك بينة؟ وإن شاء سكت ، للأصل.
وأما إذا كان
المدعي لا يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة أو جهل حاله وجب على الحاكم أن يقول له
: ألك بينة؟ ويجب ذلك على الحاكم هنا لئلا يضيع حق المدعي.
(١٠) قال في
الجواهر : (بل قد يقال بوجوبه عليه مطلقا لأنه مقدمة للقضاء المأمور به بين
المتخاصمين ، وعلمه بالحال ـ أي بحال المدعى أنه يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة ـ
لا ينافي ذلك منه).
(أن له إحلافه (١) ، فإن طلبه) أي طلب إحلافه (حلّفه [الحاكم] ،
ولا يتبرع) الحاكم (بإحلافه) ، لأنه حق للمدعي
(٢) فلا يستوفي بدون مطالبته وإن كان إيقاعه إلى الحاكم (٣) ، فلو تبرع المنكر به
، أو استحلفه الحاكم من دون التماس المدعي لغى ، (و) كذا (لا يستقل به الغريم من دون إذن الحاكم) لما قلناه : من أن إيقاعه موقوف على إذنه وإن كان حقا
لغيره ، لأنه وظيفته ، (فإن حلف) المنكر على الوجه المعتبر (سقطت الدعوى عنه)
(٤) وإن بقي الحق في ذمته (وحرم مقاصته به) لو ظفر له
______________________________________________________
(١) لئلا يضيع حقه
أيضا ، إذا كان المدعي جاهلا ذلك ، بل يحتمل وجوب ذلك على الحاكم مع علمه بحال
المدعى أنه يعلم ذلك مقدمة للقضاء كما تقدم في البينة.
(٢) فلا يحلف
المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي ذلك ، بلا خلاف فيه ، لأنه حق له فيتوقف استيفاؤه
على المطالبة ، ومن هنا حكي أن أبا الحسين بن أبي عمر القاضي أول ما جلس للقضاء ارتفع
إليه خصمان وادعى أحدهما على صاحبه دنانير فأنكره ، فقال القاضي للمدعي : ألك بينة؟
قال : لا ، فاستحلف القاضي من غير مسألة المدعي ، فلما فرغ قال له المدعي : ما
سألتك أن تستحلفه لي ، فأمر أبو الحسين أن يعطي الدنانير من خزانته ، لأنه استحى
أن يحلفه ثانيا.
(٣) بمعنى لا
يستقل الغريم بالإحلاف من دون إذن الحاكم ، بل الأحلاف مما يقوم به الحاكم لأنه من
وظائفه بلا خلاف في ذلك.
(٤) بمعنى سقطت
الدعوى عنه في الدنيا ولا يجوز للمدعي فيما بعد المقاصة لو ظفر بمال الغريم ، ولو
عاود المدعي المطالبة أثم ولم تسمع دعواه ، وإن كان المنكر كاذبا بيمينه ، غير أنه
يجب عليه التخلص من مال الغريم فيما بينه وبين ربه وإرجاعه إلى المدعي ، كل ذلك
للأخبار.
منها : صحيح ابن
أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا رضي صاحب
الحق بيمين المنكر لحقه ، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بحق
المدعي فلا دعوى له ، قلت له : وإن كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم ، وإن أقام
بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له ، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه
قبله مما قد استحلفه عليه) وخبر النخعي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يكون له
على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا ، وإن تركه ولم
يستحلفه فهو على ـ
__________________
المدعي بمال وإن
كان مماثلا لحقه ، إلا أن يكذّب المنكر نفسه بعد ذلك (١).
(و) كذا (لا تسمع البينة) من المدعي (بعده) أي بعد حلف المنكر على أصح الأقوال ، لصحيحة ابن أبي يعفور
عن الصادق عليهالسلام إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا
حق له قبله وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة ، فإن اليمين قد أبطلت كل ما
ادعاه ، وغيرها من الأخبار. وقيل : تسمع بينته مطلقا ، وقيل : مع عدم علمه بالبينة
وقت تحليفه ولو بنسيانها.
والأخبار حجة
عليهما.
______________________________________________________
ـ حقه) وخبر عبد الله بن وضاح (كانت بيني وبين رجل من اليهود
معاملة فخانني بألف درهم ، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف ، وقد علمت أنه حلف
يمينا فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة فأردت أن اقتص الألف درهم
التي كانت لي عنده وأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن عليهالسلام ، فأخبرته أني قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال فإن
أمرتني أن أخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت ، فكتب عليهالسلام : لا تأخذ منه شيئا ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولو لا أنك
رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنك رضيت بيمينه ، وقد ذهبت
اليمين بما فيها) وعن الشيخ في
المبسوط وابن إدريس أنه إذا نسي البينة أو لم يعلم بها فاستحلفه ثم تذكر أو علم
بها فإنها تسمع وإلا فلا ، وعن الشيخ أيضا أنها تسمع البينة بعد الحلف مطلقا ، وعن
المفيد وابن حمزة والقاضي أنها تسمع ما لم يشترط المنكر سقوط الحق باليمين ، وكلها
أقوال ضعيفة ، والأخبار المتقدمة حجة عليهم.
(١) أي بعد الحلف
، فإن كذّب نفسه جاز مطالبته وحلّت مقاصته بلا خلاف فيه لخبر مسمع أبي سيّار (قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه ، وحلف لي عليه ، ثم
إنه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه ، فقال : هذا مالك فخذه
وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ ، فأخذت المال
منه وأبيت أن آخذ الربح منه ، وأوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك ،
فما ترى. فقال : خذ نصف الربح واعطه النصف وحلّله ، إن هذا رجل تائب والله يحب
التوابين) وخصوصية المورد لا تقيد عموم الوارد ، والحكم بإعطاء النصف
من الربح محمول على الاستحباب.
__________________
(وإن لم يحلف) المدعى عليه (وردّ اليمين) على المدعي (حلف المدعي) (١) إن كانت دعواه قطعية ، وإلا لم يتوجه الرد عليه كما مر
وكذا لو كان المدعي وليا ، أو وصيا فإنه لا يمين عليه وإن علم بالحال بل يلزم
المنكر بالحلف فإن أبى حبس إلى أن يحلف ، أو يقضي بنكوله (فإن امتنع) المدعي من الحلف حيث يتوجه عليه (سقطت دعواه) في هذا المجلس قطعا ، وفي غيره على قول مشهور ، إلا أن
يأتي
______________________________________________________
(١) لزمه الحلف إن
أراد تحصيل حقه وهي المسماة باليمين المردودة بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (في الرجل يدعي
ولا بينة له ، قال : يستحلفه فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلا حق له) وصحيح عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يدعى
عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحق فإن لم
يفعل فلا حق له) ومرسل يونس المضمر
(استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على
المدعي عليه ، فإن لم يحلف وردّ اليمين على المدعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ
حقه ، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له) ومثلها غيرها.
ومقتضى الإطلاق فيها سقوط دعواه لو لم يحلف في هذا المجلس وفي غيره وعند هذا
الحاكم وعند غيره بل في الكفاية : (لا أعرف فيه خلافا) ، وعن المفيد وأبي الصلاح
والعلامة في التحرير والكاشاني عدم السقوط إذا جاء بالبينة فيما بعد ، وهو ضعيف
لما تقدم من إطلاق الأخبار ، وأغرب منه ظاهر المبسوط وموضع من القواعد أن له إعادة
الدعوى في غير هذا المجلس ولو مع عدم البينة ، وعن بعض التفصيل بين حكم الحاكم
بالنكول فتسقط الدعوى وبين العدم فلا تسقط.
هذا واستثنى من
إلزام المدعي باليمين المردودة فيما لو كانت الدعوى ظنية أو وهمية مع وجود التهمة
بناء على اعتبار سماعها كما هو الأقوى على ما سمعت سابقا أو فيما لو كان المال للغير
وهو ولي عنه كولي اليتيم فالدعوى لا تحسم بيمين غير صاحب المال. ثم عند تعذر رد
اليمين على المدعي في الصورتين هل يلزم المنكر بالحلف أو يقضى عليه بمجرد نكوله عن
الحلف خلاف سيأتي تفصيله ، وعلى الأول هل توقف الدعوى لعدم إمكان القضاء فيها كما
عن جماعة ، أو يحبس المنكر إلى أن يقرّ أو يحلف حسما لمادة النزاع كما عن جماعة
أخرى منهم الصيمري.
__________________
ببينة (١) ، ولو
استمهل أمهل ، بخلاف المنكر (٢) ، ولو طلب المدعي احضار المال قبل حلفه (٣) ففي
إجابته قولان : أجودهما العدم (٤) ، ومتى حلف المدعي ثبت حقه لكن هل يكون حلفه
كإقرار الغريم ، أو كالبينة قولان : أجودهما الأول (٥).
وتظهر الفائدة في
مواضع كثيرة متفرقة في أبواب الفقه (٦) ، (وإن نكل)
______________________________________________________
(١) وقد عرفت
ضعفه.
(٢) قال في
المسالك : (إنه يسأله القاضي إذا امتنع : عن سبب امتناعه ، فإن لم يعلل بشيء أو
قال : لا أريد أن احلف ، فهذا نكول يسقط حقه عن اليمين ، وليس له مطالبة الخصم بعد
ذلك ولا استئناف الدعوى في مجلس آخر ، كما لو حلف المدعى عليه ، لظاهر النصوص
السابقة خصوصا الصحيحين ـ وقد ذكرناهما ـ مضافا إلى أنه لو لا ذلك لرفع خصمه كل
يوم إلى القاضي ، والخصم يرد اليمين عليه وهو لا يحلف ، وهو مناف لمنصب القضاء
الذي هو الفصل بين المتخاصمين ، وإن ذكر المدعي لامتناعه سببا فقال : أريد أن آتي
بالبينة أو أسأل الفقهاء أو انظر في الحساب ونحو ذلك ترك ولم يبطل حقه من اليمين ،
وهل يقدّر إمهاله؟ فيه وجهان : أحدهما أنه لا يقدّر لأن اليمين حقه ، وله تأخيره
إلى أن يشاء كالبينة بخلاف المدعى عليه فإنه لا يمهل إن استمهل لأن الحق فيه لغيره
، الثاني : يقدّر لأن الإمهال من أجل رفع العذر فما زاد يكون كالناكل) وفيه : إنه
مناف لإطلاق النصوص السابقة حيث حكمت بسقوط حقه بعد امتناعه عن الحلف ، ولا معنى
لسؤال القاضي له عن سبب امتناعه ، ولا داعي لإمهاله لاحضار البينة في اليمين
المرودة ، نعم في أصل الدعوى له الحق في الإمهال لاحضار البينة وهذا خارج عن محل
البحث.
(٣) باعتبار أنه
لو حلف ثبت حقه المدعى.
(٤) لأن تكليف
الاحضار قبل الثبوت تسلط على مال المسلم بغير حق فليس للحاكم مطالبته ، والقول
الثاني لأبي الصلاح ولم يذكر دليل له.
(٥) ووجهه أن رد
المنكر اليمين على المدعي بعد امتناعه عن الحلف مشعر باعترافه بالحق فهو بمنزلة
الاقرار.
ووجه الثاني المنسوب
إلى الأكثر كما عن فخر المحققين بأن المطلوب من المدعي أولا هو البينة ، واليمين
المردودة قد قامت مقامها في الإثبات فهي بمنزلتها.
(٦) منها : أن
المنكر إذا أقام بينة على أداء المال أو على الإبراء منه بعد حلف المدعي ، فإن
قلنا إن اليمين المردودة بمنزلة البينة سمعت بينة المنكر حينئذ ، وإن جعلناها
بمنزلة اقرار الغريم الذي هو المنكر فلا تسمع بينة المنكر حينئذ لأنه مكذب لبينته.
ـ
المنكر عن اليمين
وعن ردها على المدعي بأن قال : أنا نأكل ، أو قال : لا أحلف عقيب قول الحاكم له :
احلف ، أو لا أرد (ردت اليمين أيضا) على المدعي (١) بعد
______________________________________________________
ـ ومنها : لو قلنا
إن اليمين المردودة بمنزلة البينة فهي تحتاج في مقام ثبوتها إلى حكم الحاكم
كاحتياج البينة ، وإن جعلناها بمنزلة اقرار الغريم فلا تحتاج ، لعدم احتياج
الاقرار إلى حكم الحاكم كما تقدم سابقا.
وفيه : إن الترديد
في اليمين المردودة بين البينة وإقرار الغريم ضعيف إذ لا دليل على الحصر بينهما ،
مع أن إلحاقها بأحدهما مبني على الاستحسان الذي لا نقول به ، فالأقوى جعلها قسما
مستقلا برأسه ، وأما الفرعان المذكوران فلا تسمع بينة المنكر بعد حلف المدعي ،
أولا لثبوت الحق له بالحلف كما هو مقتضى الإطلاق في النصوص السابقة ، وثانيا : لا
تسمع البينة من المنكر بل وظيفته الحلف فقط ، هذا بالنسبة للفرع الأول ، وأما
بالنسبة للفرع الثاني فالحق لا يثبت بمجرد وقوع اليمين المردودة من المدعي بل لا
بد من إنشاء حكم الحاكم على كل حال لفصل النزاع بين المتخاصمين.
(١) ذهب الصدوقان
والشيخان والديلمي والحلبي وغيرهم إلى أن المنكر لو نكل بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد
الحلف على المدعي ، فيعتبره الحاكم ناكلا ويحكم عليه للنبوي (البينة على من ادعى
واليمين على من ادعي عليه) ، والتفصيل قاطع للشركة وهو يقتضي اختصاص اليمين بالمنكر
فلا يجوز من المدعي ، وفيه : أنه لبيان الحكم الأولي فلا ينافي ثبوت اليمين على
المدعي بالرد ومن المنكر أو الحاكم مع امتناع المنكر لأنه ولي الممتنع.
واستدل بصحيح محمد
بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأخرس كيف يحلف إذا أدعي عليه دين وأنكر ولم تكن
للمدعي بينة؟ فقال : إن أمير المؤمنين عليهالسلام أتي بأخرس ـ إلى أن قال ـ كتب له اليمين وغسلها وأمره
بشربه فامتنع فألزمه الدين) ووجه الاستدلال أنه قضى عليه بمجرد النكول ، وفيه : أنه
قضية في واقعة لا عموم فيها ، ولعله قضى عليه بمجرد النكول لعدم إمكان الرد على
المدعي ، مع أن الخبر المتضمن لشرب الماء بالنحو المذكور لم يعمل به الأصحاب فهو
موقوف على العمل به.
واستدل بخبر عبد
الرحمن بن أبي عبد الله (قلت للشيخ ـ يعني الكاظم ـ عليهالسلام : خبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بما
له ، قال : فيمين المدعى عليه ، فإن حلف فلا حق له ، وإن ردّ اليمين على المدعى
فلم يحلف فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت
عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي ـ
__________________
أن يقول الحاكم
للمنكر : إن حلفت ، وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين (١) ، مرة
______________________________________________________
ـ لا إله إلا هو
لقد مات فلان وأن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له ، لأنا لا ندري لعله قد
أوفاه ببينة لا نعلم موضعها ، أو غير بينة قبل الموت ، فمن ثمّ صارت عليه اليمين
مع البينة ، فإن ادعى بلا بينة فلا حق له ، لأن المدعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان
حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه) .
ووجه الاستدلال
قوله عليهالسلام (ولو كان حيا
لالزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه) حيث لم يذكر رد اليمين من الحاكم إذا
امتنع المنكر من الجميع ، وقد صرح بأنه يحكم عليه بمجرد النكول عند عدم الحلف وعدم
الرد ، وفيه : إنه على قراءة (يرد) بصيغة المجهول فتشمل رد الحاكم ولا أقل من
الاحتمال ، بل في الرياض أنه بصيغة المجهول عن تهذيب الشيخ وهو معتبر مصحح عنده
مضبوط ، وقال : وبه صرح بعض الفضلاء.
وذهب الشيخ أيضا
في الخلاف وابن إدريس والعلامة والشهيدان بل نسب للكثير من القدماء وسائر
المتأخرين أنه مع نكول المنكر يرد الحاكم اليمين على المدعي فإن حلف فله وإن أبى
سقط حقه للمحكي من فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه رد اليمين على المدعي ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (المطلوب أولى باليمين من الطالب) وهو يدل على شراكتهما في اليمين وإن كان المطلوب أولى ،
وصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يدعى
عليه الحق ولا بينة للمدعي؟ قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق ، فإن لم
يفعل فلا حق له) بناء على قراءة (يرد) بصيغة المجهول ، وفيه : إنه على خلاف
الظاهر بل الظاهر أنه للمعلوم ، والسابقان من أخبار العامة ، واستدل بصحيح هشام بن
الحكم عن أبي عبد الله عليهالسلام (تردّ اليمين على
المدعي) وفيه : لعله
بالتماس المنكر ومعه لا دلالة فيه على محل النزاع ، واستدل بالاحتياط وبالإجماع
المدعى من الشيخ في الخلاف ، وفيهما : أما الاحتياط فهو معارض بمثله حفظا لحق
المدعي إذ قد لا يمكن الحلف له ، وأما إجماع الشيخ فهو غريب منه إذ خالف الشيخ نفسه
في النهاية وقد سبقه الصدوقان وشيخه المفيد وأبو الصلاح وسلار إلى الأول ومع
مخالفتهم كيف يمكن دعوى الإجماع.
(١) بناء على رد
الحاكم اليمين المردودة على المدعي.
__________________
ويستحب ثلاثا (١)
فإن حلف المدعي ثبت حقه ، وإن نكل فكما مر.
(وقيل) والقائل به الشيخان والصدوقان وجماعة : (يقضي) على المنكر بالحق
(بنكوله) ، لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام أنه حكى عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه ألزم
أخرس بدين أدّعي عليه فأنكر ونكل عن اليمين فألزمه بالدين بامتناعه عن اليمين.
(والأول أقرب) ، لأن النكول أعم من ثبوت الحق (٢) ، لجواز تركه إجلالا ،
ولا دلالة للعام على الخاص (٣) ، ولما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه رد اليمين على صاحب الحق (٤) ، وللأخبار (٥) الدالة
على رد اليمين على المدعي من غير تفصيل (٦) ، ولأن الحكم مبني على الاحتياط التام
، ولا يحصل إلا باليمين (٧) ، وفي هذه الأدلة نظر بيّن.
(وإن قال) المدعي مع إنكار غريمه (لي بينة عرّفه) الحاكم (أن له احضارها ، وليقل : أحضرها إن شئت) (٨) إن لم يعلم ذلك (فإن ذكر غيبتها
خيّره بين إحلاف)
______________________________________________________
(١) لا نص على ذلك
لا مرة ولا ثلاثا كما صرح به أكثر من واحد ، نعم لا بأس به للتسامح في أدلة السنن.
(٢) للمدعي.
(٣) أي لا دلالة
للنكول لأنه أعم من كون الحق ثابتا للمدعي ومن العدم ومع ذلك لم يحلف إجلالا ،
وفيه : إن المستدل استدل بفعل أمير المؤمنين عليهالسلام حيث ألزمه بالدين بمجرد امتناعه عن اليمين ، وقد تقدم أنه
قضية في واقعة وأنه لعل الأمير عليهالسلام فعل ذلك لعدم إمكان رد اليمين على المدعي لأنها دعوى غير
جازمة أو لأنه ولي يطالب بمال الغير.
(٤) وقد تقدم أنه
مروي من طرق العامة.
(٥) وهي صحيحتا
هشام وابن زرارة ، وقد تقدم ما فيهما.
(٦) فتشمل رد
الحاكم لليمين على المدعي ، ولا تختص برد اليمين بالتماس المنكر.
(٧) وقد عرفت أنه
معارض بمثله.
(٨) فعن الشيخ في
المبسوط وابن البراج في المهذب وابن إدريس في السرائر لا يجوز للحاكم أن يقول له :
أحضرها ، لأنه أمر والحق للمدعي فلا يؤمر باستيفائه بل يقول : أحضرها إن شئت ، وعن
الشيخ في النهاية والمحقق وهو اختيار الأكثر أنه يجوز لأن الأمر هنا ليس للوجوب بل
مجرد إذن وإعلام. ـ
(الغريم والصبر) (١) ، وكذا يتخير بين إحلافه وإقامة البينة وإن كانت حاضرة ،
وليس له (٢) طلب إحلافه ، ثم إقامة البينة ، فإن طلب إحلافه ففيه ما مر (٣) ، وإن
طلب احضارها أمهله إلى أن يحضر ، (وليس له إلزامه
بكفيل) (٤) للغريم ، (ولا ملازمته) لأنه تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها. وقيل : له ذلك ، (وإن أحضرها وعرف الحاكم العدالة) فيها (حكم) (٥) بشهادتها بعد التماس المدعي سؤالها (٦) والحكم ، ثم لا
يقول لهما : اشهدا (٧) بل من كان عنده كلام أو شهادة ذكر ما عنده إن شاء ، فإن
أجابا بما لا يثبت به حق طرح قولهما ، وإن قطعا بالحق ،
______________________________________________________
ـ وعن القواعد
والمختلف والدروس التفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي أن له الحق في البينة فلا
يجوز ، وبين جهله فيجوز ، والحق أن الأمر هنا ليس بداعي الوجوب بل بداعي الإذن
والاعلام فلا يدل على الإلزام فيجوز أن يقول : احضرها أو أقمها ، والأولى إضافة
المشيئة إليه.
(١) لأن الحق
للمدعي فله الخيار إن شاء عجل وأحلف الغريم ، وإن شاء أخر انتظارا لإقامة البينة
بلا فرق أن تكون البينة غائبة أو حاضرة.
(٢) أي ليس للمدعي
طلب احلاف غريمه ثم إقامة البينة ، لأنه إذا رضي بيمين غريمه فتسقط الدعوى ولا
تسمع ـ البينة بعد.
(٣) من ذهاب حق
المدعي في الدنيا وعدم جواز مقاصته ولا إقامة الدعوى فيما بعد.
(٤) أي حين ما
يمهل المدعي لإحضار بينته فليس للمدعي ملازمة المدعى عليه على وجه لا يجوز له ولا
مطالبته بكفيل ، لأنهما عقوبة لم يثبت موجبها على الأكثر ، وذهب الشيخان في المقنعة
والنهاية وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة إلى ذلك حفظا لحق المدعي حذرا من ذهاب
الغريم الموجب للضرر على المدعي.
وفيه : إنه موجب
للضرر على المدعى عليه ومع تعارض الضررين يقدم الأقل ضررا وهذا ما يختلف فيناط
أمره بنظر الحاكم وهذا ما صرح به الفاضل المقداد ومال إليه سيد المدارك ، والحق
عدم الجواز لما فيه من الضرر على المدعى عليه قبل ثبوت موجبه ، وأما المدعي فلم
يثبت حقه حتى يكون تفويته موجبا للضرر عليه.
(٥) أي إن عرف
الحاكم عدالة الشاهدين أو فسقهما لمخالطته لهما حكم على الأول وطرح شهادتهما على
الثاني لما تقدم من جواز حكم الحاكم بعلمه.
(٦) أي سؤال
البينة.
(٧) لما فيه من
الإحالة إلى المدعي وهو محرم.
وطابق الدعوى ،
وعرف العدالة حكم كما ذكرنا.
(وإن عرف الفسق ترك) ، ولا يطلب التزكية لأن الجارح مقدم (١) (وإن جهل) حالها (٢) (استزكى) أي طلب من المدعي
تزكيتها فإن زكاها بشاهدين على كل من الشاهدين يعرفان العدالة ومزيلها أثبتها (٣)
، (ثم سأل الخصم عن الجرح) (٤) فإن اعترف بعدمه حكم كما مر ، وإن (استنظر أمهله ثلاثة أيام) ، فإن أحضر الجارح نظر في أمره على حسب ما يراه من تفصيل ،
وإجمال ، وغيرهما ، فإن قبله قدّمه على التزكية لعدم المنافاة (٥) ، (فإن لم يأت بالجارح) مطلقا (٦) ، أو بعد المدة (حكم عليه بعد الالتماس) أي التماس المدعي الحكم (٧).
______________________________________________________
(١) أي مع علمه
بالفسق لا يطلب البينة على عدالتهما لأنه جارح وقول الجارح مقدم ، لأن المزكي لا
يشهد إلا على ما عرف من عدم المعصية وهذا لا ينافي علم الحاكم الجارح والعالم
بالمعصية إذ لعله قد اطلع على ما لم تطلع عليه البينة المزكية.
(٢) بحث عنهما
بنفسه للمحكي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه كان يفعل ذلك بإرسال شخصين من قبله ، لا يعلم أحدهما
بالآخر ، يسألان قبيلتهما عن حالهما ، فإن جاءا بمدح وحدثنا حكم على طبق شهادتهما
، وإن جاء بشين ستر عليهما ودعا الخصمين إلى الصلح ، وإن لم يكن لهما قبيلة سأل
الخصم عنهما فإن زكاهما حكم وإلّا ترك قولهما.
(٣) أي العدالة.
(٤) أجاد صاحب
الجواهر حيث قال : (يقول للخصم هل عندك جرح؟ وفي وجوب ذلك اشكال؟ فإن قال : نعم ،
وسأل الإنظار في إثباته ، انظره لإمكان صدقه ، ولقول علي عليهالسلام لشريح : «واجعل لمن ادعى شهودا أمدا بينهما ، فإن احضرهم
أخذت له بحقه ، وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية» ، إلا أنه كما ترى لا تعيين فيه لمدة الإنظار التي قدّرها
في المبسوط وغيره ثلاثا ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، من دون تفصيل بين بعد
المسافة وقربها ، مع أن ظاهر المرسل المزبور كون الأمد بحيث يمكن إتيان البينة فيه
، كما هو ظاهر النافع) انتهى.
(٥) كما تقدم في
تقديم قول الجارح.
(٦) في المدة
وبعدها.
(٧) لأنه حقه فلا
يستوفى بدون إذنه وطلبه.
__________________
(وإن ارتاب الحاكم بالشهود) مطلقا (١) (فرقهم) (٢) استحبابا ، (وسألهم عن مشخصات
القضية) زمانا ومكانا
وغيرهما من المميزات ، (فإن اختلفت أقوالهم سقطت) شهادتهم ، ويستحب له عند الريبة وعظهم وأمرهم بالتثبت
والأخذ بالجزم (٣) ، (ويكره له أن يعنّت الشهود) أي يدخل عليهم العنت وهو المشقة (إذا كانوا من أهل البصيرة بالتفريق) وغيره من التحزيز (٤).
(ويحرم) عليه (أن يتعتع الشاهد) (٥) أصل التعتعة في الكلام التردد فيه
______________________________________________________
(١) سواء كانوا
شهود الأصل أو شهود التزكية.
(٢) ليسأل كل واحد
منهم من دون علم الآخر عن مشخصات القضية بالزمان والمكان وغيرهما ، ليستدل على
صدقهم باتفاق كلمتهم وعدمه باختلافهم ، وقد فعله دانيال النبي عليهالسلام في شهود على امرأة بالزنا فعرف منه كذبهم ، وكذا داود عليهالسلام ، وقد فعله أمير المؤمنين عليهالسلام كما في خبر أبي بصير في سبعة نفر خرجوا في سفر ففقد واحد منهم فجاء ولده إلى
أمير المؤمنين عليهالسلام وذكر له ذلك ، فاستدعاهم وسألهم فأنكروا ، ففرقهم وأقام كل
واحد منهم إلى سارية ووكّل به من يحفظه ، ثم استدعى واحدا منهم وسأله فأنكر فقال عليهالسلام : الله أكبر ، فسمعه الباقون فظنوا أنه قد اعترف ، فاستدعى
واحدا بعد واحد فاعترفوا بقتله فالزمهم المال والدم.
(٣) من باب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٤) وهو الحزازة ،
فيكره للحاكم أن يعنت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر والاذهان القوية أن يفرق
بينهم أو يكلفهم ما يثقل عليهم من المبالغة في مشخصات القضية ، وكذا يكره لأهل
الفضل والعقل الوافر والدين لما فيه من غضاضة لهم وامتهان وإن كان لا يصل إلى حد
الحرمة ، نعم يستحب ذلك عند الريبة.
(٥) وهو أن يداخله
في أثناء التلفظ بالشهادة بكلام يجعله ذريعة لنطقه ما لا يريد ، أو يجعله مانعا
للعدول عما كان يريد التلفظ به ، من باب الهداية إلى ما ينفعه ، وكذا استدراجه إلى
ما ينفعه ، بل يجب على الحاكم أن يكف عن الشاهد حتى ينتهي ما عنده ويحكم بمقتضاه ،
وإن كان الشاهد يتردد ويتلعثم في شهادته لهيبة الحاكم أو مجلس الحكومة ، كل ذلك
لما فيه من تضييع الحق وترويج الباطل.
__________________
(وهو) هنا (أن يداخله في الشهادة) فيدخل معه كلمات توقعه في التردد ، أو الغلط بأن يقول
الشاهد : إنه اشترى كذا فيقول الحاكم : بمائة ، أو في المكان الفلاني ، أو يريد أن
يتلفظ بشيء ينفعه فيداخله بغيره ليمنعه من إتمامه ونحو ذلك ، (أو يتعقبه) بكلام ليجعله تمام ما يشهد به بحيث لولاه لتردد ، أو أتى بغيره ، بل يكف عنه
حتى ينتهي ما عنده وإن لم يفد ، أو تردد ، ثم يرتب عليه ما يلزمه ، (أو يرغّبه في الإقامة) (١) إذا وجده مترددا (أو يزهّده لو توقف
، ولا يقف عزم الغريم عن الإقرار (٢) إلا في حقه تعالى) فيستحب أن يعرّض المقر بحدّ الله تعالى بالكف عنه
والتأويل.
(لقضية ماعز بن مالك عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) حين أقر عنده
بالزنا في أربعة مواضع ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يردده ويوقف عزمه تعريضا لرجوعه ، ويقول له : لعلك قبلت ،
أو غمزت ، أو نظرت قال : لا قال : أفنكتها لا تكني قال : نعم ، قال : حتى غاب ذلك
منك في ذلك منها قال : نعم ، قال : كما يغيب المرود (٣) في المكحلة والرشا (٤) في
البئر ، قال : نعم ، قال : هل تدري ما الزنا ، قال : نعم أتيت منها حراما ما يأتي
الرجل من امرأته حلالا ، فعند ذلك أمر برجمه (٥).
وكما يستحب تعريضه
للإنكار يكره لمن علمه منه غير الحاكم حثه على الإقرار ، لأن هزّالا قال لماعز :
بادر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أن ينزل فيك قرآن فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا علم به : ألا سترته بثوبك كان خيرا لك.
______________________________________________________
(١) فلو تردد
الشاهد في الشهادة لأمر قد عرض له لم يجز ترغيبه في الاقدام ، وكذلك لا يجوز
تزهيده في إقامتها بعد فرض جزم الشاهد بالشهادة لما فيه من تضييع الحق وترويج
الباطل.
(٢) أي لا يجوز
للحاكم إيقاف الغريم عن الاقرار لو أراد أن يقر بالحق لما فيه من الظلم بالغريم
الآخر ، هذا في حقوق الآدميين ، وأما الاقرار في حق الله تعالى فإنه يجوز ذلك
وتزهيده في إتمامه وتعريضه بالتأويل بل يستحب ذلك لقضية ماعز بن مالك الأسلمي عند
اعترافه بالزنا وقد نقل الخبر الشارح في الروضة.
(٣) بكسر الميم
وسكون الراء وفتح الواو ، وهو الميل الذي يكتحل به.
(٤) بالكسر وهو
الحبل.
(٥) سنن البيهقي ج
٨ ص ٢٢٦.
واعلم أن المصنف رحمهالله ذكر أولا أن جواب المدعى عليه إما إقرار ، أو إنكار ، أو
سكوت (١) ، ولم يذكر القسم الثالث ، ولعله أدرجه في قسم الإنكار على تقدير النكول
، لأن مرجع حكم السكوت على المختار (٢) إلى تحليف المدعي بعد إعلام الساكت بالحال.
وفي بعض نسخ الكتاب نقل أن المصنف ألحق بخطه قوله : (وأما السكوت فإن
كان لآفة) من طرش ، أو خرس (توصّل) الحاكم (إلى) معرفة (الجواب) بالإشارة المفيدة
لليقين ، ولو بمترجمين عدلين ، (وإن كان) السكوت (عنادا حبس حتى يجيب) على قول الشيخ في النهاية ، لأن الجواب حق واجب عليه ،
فإذا امتنع منه حبس حتى يؤديه ، (أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه) بأن يقول له : إن أجبت ، وإلا جعلتك ناكلا ، فإن أصر حكم
______________________________________________________
(١) إذا طلب
الحاكم الجواب من المدعى عليه فسكت ، فإن كان سكوته لدهش له أو غباوة فلا بد من
إيناسه إلى أن تزول دهشته ويعرف حاله حينئذ ، وإن كان السكوت لآفة من صمم أو خرس
فلا بد من التوصل إلى معرفة جوابه المعتبر بإشارته المفيدة لليقين بكونه مقرا أو
منكرا ، ولو استغلقت إشارته بحيث يحتاج إلى مترجم فلا بد من اثنين عدلين يترجمان
إشارته ، وإن كان سكوته عنادا ففيه أقوال : الأول : أنه يلزم بالجواب فإن أصرّ حبس
حتى يبين ، لأن الجواب حق عليه فيجوز حبسه لاستيفائه منه ، وهو المحكي عن الشيخ في
النهاية والخلاف والمفيد وسلّار وابني حمزة وسعيد والعلامة وولده بل في المسالك
نسبته إلى المتأخرين.
الثاني : من أنه
يجبر من دون حبس بل يجبر بالضرب ويبالغ معه في الإهانة ، وقال في الجواهر : لم
نعرف قائله ، ودليله من باب الأمر بالمعروف ، وأن الجواب حق عليه فينتزع منه ولو
بالضرب.
الثالث : قول
الشيخ في المبسوط والحلي في سرائره والعلامة في موضع من القواعد والقاضي في مهذبه
يقول له الحاكم : إما أجبت وإما جعلتك ناكلا ، وعليه فإن قلنا بالحكم عليه بالنكول
فهو وإلا ردّ الحاكم اليمين على المدعي كما تقدم الخلاف فيه ، واستدل لهذا القول
بأنه لو أجاب جوابا صحيحا ثم امتنع عن اليمين جعل ناكلا ، فإذا امتنع عن الجواب
واليمين معا كما هو المفروض هنا فأولى أن يكون ناكلا ، وبالإضافة إلى أن العناد
أشدّ وأظهر هنا ، والأخير متجه لما في الأول والثاني من الحبس والضرب وهما ضرران
عليه من دون دليل ملزم.
(٢) وهو مختار
الشارح لا المصنف ، وإلا مختار المصنف الحكم عليه بمجرد النكول من دون رد اليمين
على المدعي من قبل الحاكم.
بنكوله على قول من
يقضي بمجرد النكول ولو اشترطنا معه (١) إحلاف المدعي أحلف بعده. ويظهر من المصنف
التخيير بين الأمرين (٢) والأولى جعلهما إشارة إلى القولين ، وفي الدروس اقتصر على
حكايتهما قولين ولم يرجح شيئا. والأول (٣) أقوى (٤).
(القول في اليمين)
(لا تنعقد اليمين الموجبة للحق) من المدعي ، (أو المسقطة
للدعوى) من المنكر (إلا بالله تعالى) (٥) وأسمائه الخاصة (مسلما كان الحالف
أو كافرا) ، ولا يجوز بغير
______________________________________________________
(١) مع النكول.
(٢) من الحبس حتى
يجيب أو الحكم عليه بالنكول.
(٣) أي الحبس حتى
يجيب.
(٤) قال في
المسالك (فالقول الأول هو الأقوى ، وذكر المصنف ـ أي المحقق في الشرائع ـ أنه مروي
أيضا ولم نقف على روايته) وقد عرفت ما فيه.
(٥) لا خلاف في
ذلك للأخبار.
منها : صحيح
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تحلفوا
اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله ، إن الله عزوجل يقول : فاحكم بينهم بما أنزل الله) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا أرى أن يحلف
الرجل إلا بالله) وصحيح ابن مسلم (قلت لأبي جعفر عليهالسلام : قول الله : (وَاللَّيْلِ
إِذٰا يَغْشىٰ وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) وما أشبه ذلك ، فقال : إن الله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به) ومقتضى الأخبار لا بديّة الحلف بالله أو بأسمائه ولو من
الكافر ، وعن الشيخ في المبسوط أنه لا يقتصر في المجوسي على لفظ الجلالة لاحتمال
أنه يريد منه النور فلا بد من إضافة الخالق فيقال : خالق النور والظلمة لدفع هذا
الاحتمال ، ومال إليه فخر المحققين وهو ظاهر الدروس ، وفيه : إن المعتبر هو العلم
بكونه قد أقسم بالله الذي هو المأمور به شرعا فيتحقق الإجزاء ، وأما مطابقة قصده
للفظ فليس بشرط في صحة اليمين لاطلاق الأخبار المتقدمة.
__________________
ذلك كالكتب
المنزلة والأنبياء والأئمة (١) لقول الصادق عليهالسلام : لا يحلف بغير الله (٢) ، وقال : اليهودي والنصراني والمجوسي
لا تحلّفوهم إلا بالله وفي تحريمه بغير الله في غير الدعوى نظر ، من ظاهر النهي في
الخبر ، وإمكان حمله على الكراهة أما بالطلاق والعتاق (٣) ...
______________________________________________________
(١) بلا خلاف فيه
لما تقدم من حصر الحلف بالله جل وعلا ، وفي النبوي (من حلف بغير الله فقد أشرك) وفي آخر (فقد كفر) .
وظاهر الأخبار
ترتب الاثم لو حلف بغير الله مع عدم انقطاع الدعوى به ، وأما القسم بغير الله في
غير الدعوى فعن جماعة الحرمة ، وعن المسالك وتبعه الكفاية وصاحب الجواهر الكراهة
للسيرة المستمرة ولورود النصوص بذلك.
منها) خبر أبي
جرير القمي (قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ، ثم حلفت
له : وحق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ما تخبرني به
إلى أحد من الناس ، وسألته عن أبيه أحي هو أم ميت ، قال : قد والله مات ـ إلى أن
قال ـ فأنت الإمام؟ قال : نعم) وخبر محمد بن يزيد الطبري (كنت قائما على رأس الرضا عليهالسلام بخراسان ـ إلى أن قال ـ فقال : بلغني أن الناس يقولون :
إنا نزعم أن الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما قلته قط ، ولا سمعت أحدا من آبائي قاله ، ولا بلغني من
أحد من آبائي قاله ، ولكني أقول : إن الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في
الدين فليبلغ الشاهد الغائب) .
ولذا ذهب ابن
الجنيد إلى جواز الحلف بما عظّم الله من الحقوق من دون كراهة ، لأن ذلك من حقوق
الله عزوجل.
(٢) وهو خبر جراح
المدائنيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يحلف بغير
الله ، وقال : اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عزوجل) .
(٣) فالحلف
بالطلاق والعتاق كما تفعله العامة مما لا يجوز بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر صفوان
الجمال عن أبي عبد الله عليهالسلام (أن المنصور قال
له : رفع إليّ أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال : والله
ما كان ، فقال : لا أرضى منك إلا بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال : أبالأنداد
من دون الله تأمرني أن ـ
__________________
والكفر والبراءة (١)
فحرام قطعا.(ولو أضاف مع الجلالة خالق كل شيء في المجوسي كان حسنا) إماطة (٢) لتأويله ، ويظهر من الدروس تعين إضافة نحو ذلك
فيه لذلك (٣) ، ومثله خالق النور والظلمة.
(ولو رأى الحاكم ردع الذمي بيمينهم فعل (٤) ، إلا أن يشتمل
على محرم) (٥) كما لو اشتمل على الحلف بالأب والابن ونحو ذلك ، وعليه
حمل ما روي أن
______________________________________________________
ـ أحلف ، إنه من
لم يرض بالله فليس من الله في شيء) وخبر منصور بن حازم (قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : أما سمعت بطارق ، إن طارقا كان نحاسا بالمدينة فأتى أبا
جعفر عليهالسلام : فقال : يا أبا جعفر ، إني هالك ، إني حلفت بالطلاق
والعتاق والنذور ، فقال : يا طارق هذا من خطوات الشيطان) ومثلها غيرها.
(١) تقدم الكلام
فيه في باب اليمين والنذر.
(٢) أي دفعا.
(٣) أي في المجوسي
دفعا لتأويله.
(٤) قد تقدم عدم
جواز الحلف بغير الله ولو من الكافر ، وعن الشيخ والمحقق وجماعة لو رأى الحاكم
تحليف الذمي بما يقتضيه دينه أردع من إحلافه بالله جاز لخبر السكوني عن أبي عبد
الله عليهالسلام (أن أمير المؤمنين
عليهالسلام استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليهالسلام) وصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهالسلام (سألته عن الأحكام
فقال : في كل دين ما يستحلفون به) وفي نسخة (ما يستحلون به) ، وخبر محمد بن
قيس (سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : قضى علي عليهالسلام فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملته)
، وسيأتي معنى يمين الصبر وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام كان يستحلف اليهود والنصارى بكتابهم ، ويستحلف المجوس
ببيوت نيرانهم) ، وهي لا تصلح
لمعارضة ما تقدم فلا بد من حملها على جواز ذلك مع الحلف بالله احتياطا للمسلمين.
(٥) قال في
الجواهر (نعم في اللمعة والروضة إلا أن يشتمل على محرم كما لو اشتمل الحلف على
الأب والابن تعالى الله عن ذلك).
__________________
عليا عليهالسلام استحلف يهوديا بالتوراة. وربما أشكل تحليف بعض الكفار
بالله تعالى ، لإنكارهم له فلا يرون له حرمة ، كالمجوس فإنهم لا يعتقدون وجود إله
خلق النور والظلمة فليس في حلفهم به عليهم كلفة ، إلا أن النص ورد بذلك.
(وينبغي التغليظ بالقول) (١) مثل والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الطالب
الغالب ، الضارّ النافع ، المدرك المهلك ، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية
(٢) (والزمان) كالجمعة والعيد (٣) ، وبعد الزوال ، والعصر (٤) ،
______________________________________________________
(١) لأن فيه مظنّة
رجوع الحالف إلى الحق خوفا من عقوبة الله ، وعلى تقدير جرأته كاذبا فهو مظنّة
المؤاخذة حيث أقدم على الحلف بالله مع إحضار عظمته وجلالته في الموضع والزمان
والقول التي هي محل احترام.
(٢) وهذا مستفاد
من خبر محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وأنكر ولم يكن
للمدعي بينة ، فقال : إن أمير المؤمنين عليهالسلام أتي بأخرس فادعى عليه دين ولم يكن للمدعي بينة ، فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة
جميع ما تحتاج إليه ـ إلى أن قال ـ ثم كتب أمير المؤمنين عليهالسلام : والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم ، الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم السر
والعلانية ، إن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان ـ أعني الأخرس ـ حق
ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب ، ثم غسله وأمر الأخرس أن يشر به
فامتنع ، فألزمه الدين) ، وفي النهج عن أمير المؤمنين عليهالسلام (احلفوا الظالم
إذا أردتم يمينه بأنه بريء من حول الله وقوته ، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل ،
وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل ، لأنه قد وحّد الله سبحانه) .
(٣) وفضلهما واضح.
(٤) لقوله تعالى :
(تَحْبِسُونَهُمٰا
مِنْ بَعْدِ الصَّلٰاةِ) ، وهو مفسّر بما بعد صلاة العصر ، وللنبوي (ثلاثة لا ينظر
الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، رجل تابع إمامه فإن أعطاه
وفّى له به وإن لم يعطه خانه ، ورجل حلف بعد العصر يمينا فاجرة ـ
__________________
(والمكان) (١) كالكعبة والحطيم والمقام ، والمسجد الحرام ، والحرم
والأقصى تحت الصخرة ، والمساجد في المحراب. واستحباب التغليظ ثابت (في الحقوق كلها ، إلا أن ينقص المال عن نصاب القطع) وهو ربع دينار (٢) ، ولا يجب على الحالف الإجابة إلى
التغليظ (٣) ، ويكفيه قوله : والله ما له عندي حق.
______________________________________________________
ـ ليقطع بها مال
امرئ مسلم ...) إلى غير ذلك من الأوقات المكرمة كشهر رمضان وغيره.
(١) كالمسجد
الحرام والأماكن المعظمة والمشاهد المشرفة خصوصا منبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للنبوي (من حلف على منبري هذا يمينا كاذبة تبوأ مقعده من
النار) وفي ثان (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على
سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له النار) ، وفي ثالث (من
حلف على منبري هذا يمينا كاذبة استحلّ بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين) .
(٢) فالحكم مشهور
كما في الجواهر والمسالك وفي الرياض نفي الخلاف فيه ، وقال في المسالك : (هذا
الحكم هو المشهور بين الأصحاب وذكروا أنه مروي ، وما وقفت على مستنده ، وللعامة
اختلاف في تحديده بذلك ـ أي ربع دينار ـ أو بنصاب الزكاة وهو عشرون دينارا أو
مائتا درهم ، وليس للجميع مرجح واضح). وقال في الجواهر : (قلت : لعله مضافا إلى ما
سمعت ـ من دعوى الاجماع ـ المرسل أو الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عنهما عليهماالسلام جميعا : لا يحلف أحد عند قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أقل مما يجب فيه القطع) انتهى.
(٣) بلا خلاف فيه
ولذا لو امتنع عن الإجابة إلى التغليظ لا يجبر ، وللإطلاق في خبر أبي حمزة عن علي
بن الحسين عليهماالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تحلفوا إلا بالله ، ومن حلف بالله فليصدق ، ومن لم
يصدّق فليس من الله ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من
الله عزوجل) ومثله غيره ، ولذا لو حلف بالله دون التغليظ لوجب الرضا به
ولا يجب عليه الزيادة.
__________________
(ويستحب للحاكم وعظ الحالف قبله) (١) وترغيبه في ترك اليمين ، إجلالا لله تعالى ، أو خوفا من
عقابه على تقدير الكذب ، ويتلو عليه ما ورد في ذلك من الأخبار والآثار ، مثل ما
روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا مما ذهب منه ،
وقول الصادق عليهالسلام : من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف بالله صادقا أثم ، إن
الله عزوجل يقول : (وَلٰا
تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ) ، وعنه عليهالسلام (٢) قال حدثني أبي
أن أباه كانت عنده امرأة من الخوارج فقضي لأبي أنه طلّقها ، فادعت عليه صداقها
فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه ،
______________________________________________________
(١) للأخبار منها
: خبر يعقوب الأحمر عن أبي عبد الله عليهالسلام (من حلف على يمين
وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله) وخبر جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إياكم واليمين الفاجرة فإنها تدع الديار بلاقع) ، وخبر السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا مما ذهب منه) ، وخبر أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تحلفوا بالله
صادقين ولا كاذبين ، فإنه عزوجل يقول : (وَلٰا
تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ)) ، وخبر أبي سلام
المتعبد أنه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول لسدير : (يا سدير من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف
بالله صادقا أثم ، إن الله عزوجل يقول : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (إن أباه كانت
عنده امرأة من الخوارج ، أظنه قال : من بني حنيفة ، فقال له مولى : يا بن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن عندك امرأة تبرأ من جدك ، فقضى لأبي أن طلقها فادعت
عليه صداقها فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه فقال له أمير المدينة : يا علي إما
أن تحلف وإما تعطيها ، فقال لي : يا بني قم فأعطها أربعمائة دينار ، فقلت له : يا
أبه ، جعلت فداك ، ألست محقا؟ قال : بلى يا بنيّ ، ولكنّي أجللت الله أن أحلف به
يمين صبر) واليمين الصبر هي يمين الصدق لأن الحالف يصبر عليها كما
قيل ، وعن المغرب أنها هي التي يصبر عليها ، أي يحبس حتى يحلف.
(٢) والخبر مروي
عن أبي جعفر عليهالسلام كما تقدم.
__________________
فقال له أمير
المدينة : يا علي إما أن تحلف ، أو تعطيها فقال لي يا بني : قم فأعطها أربعمائة
دينار ، فقلت : يا أبه جعلت فداك ، ألست محقا قال : بلى ولكني أجللت الله عزوجل أن أحلف به يمين صبر.
(ويكفي الحلف على نفي الاستحقاق (١) وإن أجاب) في إنكاره (بالأخص) كما إذا أدعي عليه قرضا فأجاب بأني ما اقترضت ، لأن نفي
الاستحقاق يشمل المتنازع وزيادة ، ولأن المدعي قد يكون صادقا فعرض ما يسقط الدعوى
، ولو اعترف به وادعى المسقط طولب بالبينة ، وقد يعجز عنها فدعت الحاجة إلى قبول
الجواب المطلق ، وقيل : يلزمه الحلف على وفق ما أجاب به ، لأنه بزعمه قادر على
______________________________________________________
(١) لقد أجاد
الشارح في المسالك في تحرير هذه المسألة حيث قال : (إذا ادّعى عليه شيئا فإما أن
يطلق الدعوى كقوله : لي عليك مائة ، أو يخصصها في سبب معين ، كقوله : من ثمن مبيع
أو أجرة أو غصب ، وإنكار المدعى عليه إما أن يكون مطلقا أيضا ، كقوله : لا تستحق
عندي شيئا أو معينا ، كقوله : لم أغصب أو لم اشتر أو لم استأجر ، فمع اطلاق
الإنكار يكفيه الحلف على نفي الاستحقاق مطلقا اتفاقا ، لأن الغرض يحصل به ، ونفي
العام يستلزم نفي الخاص ، فإن أجاب بنفي الخاص فإذا حلف عليه فكذلك لأنه هو
المطابق للإنكار ويأتي على الدعوى.
وإن أراد الحلف
على نفي الاستحقاق ـ عند كون إنكاره بنفي الخاص ـ ففي إجابته قولان ، أظهرهما نعم
لما تقدم من دخول الخاص في ضمن نفيه ، وجاز تعلق غرض صحيح بالعدول إلى العام بأن
كان قد غصب أو اشترى أو استأجر ولكن برئ من الحق بدفع أو إبراء فحلفه على نفي
الخاص كذب ، والعدول إلى العام مع كونه صدقا يتضمن الفرض الصحيح من براءته من حقه
، وقال الشيخ : يلزمه في هذه الصورة الحلف على وفق الجواب ، لأنه المطابق للدعوى ،
وجوابه بنفي الأخص يقتضي عدم تلك الاحتمالات الموجبة للعدول إلى الأعم ، ولو وقعت
لأجاب ابتداء بنفي الاستحقاق.
ويضعّف بأنه مع
تسليم قدرته على الحلف على وفق الجواب لا يلزم منه وجوب إجابته إليه ، وإنما
اللازم له الحلف على البراءة من حقه بأي لفظ اتفق ، فله العدول إلى نفي الاستحقاق
اقتراحا ، مع أنا نمنع من استلزام جوابه بنفي الأخص إمكان حلفه عليه لما استقر
عليه من العادات من التساهل في جواب المحاورات بما لا يتساهل به في وقت الأيمان
ونحوها) انتهى. والمنع الثاني شرحه صاحب الجواهر بقوله : (ربما كان له غرض بتغيير
المحلوف عليه عما أجاب به لمعلومية التسامح في العادة في المحاورة بما لا يتسامح
به في حال الحلف) انتهى.
الحلف عليه حيث
نفاه بخصوصه إن طلبه منه المدعي ويضعف بما ذكرناه ، وبإمكان التسامح في الجواب بما
لا يتسامح في اليمين.
(و) الحالف (يحلف) أبدا (على القطع (١) في فعل نفسه وتركه وفعل غيره) ، لأن ذلك يتضمن الاطلاع على الحال الممكن معه القطع ، (وعلى نفي العلم في نفي فعل غيره) كما لو ادّعي على مورّثه مالا فكفاه الحلف على أنه لا يعلم
به ، لأنه يعسر الوقوف عليه ، بخلاف إثباته فإن الوقوف عليه لا يعسر.
(القول في الشاهد
واليمين (٢)
(كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين (٣) ،) ...
______________________________________________________
(١) أي البيت
إثباتا ونفيا لأنه أعرف بنفسه ، وكذا لو أراد الحلف على فعل الغير فيحلف على البت
لأنه يسهل الوقوف عليه كما أنه يشهد به ، وأما لو أراد الحلف على نفي فعل الغير
فيحلف على عدم العلم به ، لأن النفي المطلق بمعنى أنه لم يفعله الغير واقعا مما
يعسر الوقوف على سببه ولهذا لا تجوز الشهادة على النفي.
(٢) لا خلاف ولا
إشكال في القضاء بالشاهد واليمين في الجملة ، وهو عندنا موطن وفاق ووافقنا عليه
الكثير من العامة ، وخالف أبو حنيفة وأصحابه ففي خبر أبي العباس بن هلال عن أبي
الحسن الرضا عليهالسلام (إن جعفر بن محمد عليهماالسلام قال له أبو حنيفة : كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد؟
فقال جعفر عليهالسلام : قضى به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقضى به علي عليهالسلام عندكم ، فضحك أبو حنيفة ، فقال له جعفر عليهالسلام : أنتم تقضون بشهادة واحد شهادة مائة ، قال : ما نفعل ،
فقال عليهالسلام : بلى يشهد مائة فترسلون واحدا يسأل عنهم ثم تجيزون
شهادتهم بقبوله) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق) وصحيح حماد (سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول : حدثني أبي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى بشاهد هو ويمين) ومثلها غيرها.
(٣) وقع الخلاف
فيه فعلى المشهور أن الشاهد واليمين يجري في حقوق الناس المالية لصحيح محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (لو كان الأمر
إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ،
فأما ما كان من حقوق الله عزوجل أو ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ رؤية الهلال فلا)
.
وعن الشيخ وابن
زهرة وجماعة من القدماء اختصاص ذلك بالدين فقط للأخبار.
منها : خبر أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يكون له
عند الرجل الحق وله شاهد واحد فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق ، وذلك في الدين) وخبر حماد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام (كان علي عليهالسلام يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي) وخبر محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليهالسلام (كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ، ولم يجز
في الهلال إلا شاهدي عدل) ، وخبر القاسم بن
سليمان عن أبي عبد الله عليهالسلام (قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده) ، ومقتضى الجمع
بين الأخبار يقتضي اختصاص ذلك بالدين.
وعلى المشهور لم
يعمل بهذه الأخبار إما للاعراض عنها وإما لأنها غير صالحة للتقييد لأنها بصدد بيان
فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الدين ولا تدل على أنه لا يجوز ذلك في غير الدين.
وفيه : كثرتها مع
العمل بها من جماعة من القدماء يوجب التمسك بها هذا من جهة ومن جهة أخرى فهي صريحة
في التقييد ، ومن جهة ثالثة فصحيح محمد بن مسلم المتقدم مطلق غير ظاهر في حقوق
الناس المالية ، إذ حمله على هذه الحقوق المالية فقط من دون مستند ولذا ذهب صاحب
الكفاية ومال إليه في الجواهر من باب التمسك بها إلى كل حقوق الناس سواء كانت
مالية أو لا كعيوب النساء والوكالة والعتق والرجعة والطلاق والخلع والتدبير والنسب
وغير ذلك ممّا لا يختص بخصوص المال ، بالإضافة إلى أن المشهور غير متفق في تحديد
الحقوق المالية ، بل كلامهم في غاية التشويش ، بل يختلف كلام الشخص الواحد في
كتابين بل في كتاب واحد في ضابطة الحقوق المالية ومصاديقها ، فالأقوى اختصاص ذلك
بالدين فقط.
وأما شهادة
امرأتين وشاهد فلا يثبت بهما شيء من حقوق الله سبحانه الموجبة للحد ، وأما حقوق
الآدميين فإن كان كالطلاق والخلع والوكالة والوصية إليه والنسب ورؤية الاهلة فلا
خلاف في عدم القبول إلا من الشيخ وابن الجنيد في الطلاق والنسب والخلع ، وأما في
العتق والنكاح والقصاص ففيه خلاف ، وأما إذا كانت حقوق الآدميين من قبيل الدين
والقرض والغصب والبيع والصرف والسلم والصلح والإجارة والوصية له والجناية التي ـ
__________________
(وهو (١) كل ما كان مالا ، أو كان المقصود منه المال كالدين
والقرض) (٢) تخصيص بعد التعميم (٣) ، (والغصب ، وعقود
المعاوضات (٤) كالبيع والصلح) ، والإجارة ، والهبة المشروطة بالعوض (٥) ، (والجناية الموجبة للدية كالخطإ ، وعمد الخطأ ، وقتل)
______________________________________________________
ـ توجب الدية فعلى
المشهور القبول ، وقد اتفق الجميع في قبولها بالدين ، كل ذلك للأخبار الواردة في
ذلك وسيأتي تفصيل ذلك في باب الشهادات وسترى أن موارد قبول شهادة المرأتين مع
الشاهد هي عين موارد الشاهد واليمين ، إلا في الدم بالنسبة للدية لئلا يذهب حق
المسلم ، هذا وهل تقبل شهادة امرأتين ويمين بدل شاهد ويمين ، الأكثر على ذلك لخبر
منصور بن حازم (حدثني الثقة عن أبي الحسن عليهالسلام أنه قال : إذا شهدت لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله أن
حقه لحق) .
وعن ابن إدريس عدم
قبول شهادة المرأتين مع اليمين محتجا بعدم الاجماع وبعدم تواتر الأخبار ، وهو مبني
على أصله من عدم الأخذ بخبر الواحد وهو ضعيف ، نعم الرجوع إلى الأخبار يعطى أن
جواز ذلك مختص بالدين ومنه تعرف أن جواز ذلك في مطلق المال كما عليه المشهور ليس
في محله.
(١) أي ما يثبت
بشاهد ويمين وضابطه : ما كان مالا كالدين والقرض والغصب والالتقاط والاحتطاب
والأسر ، أو ما يقصد به المال كما في المعاوضات كالبيع والصرف والصلح والاجارة
والهبة والوصية له والجناية الموجبة للدية كالخطإ المحض وقتل الوالد ولده ، وقتل
الحر العبد ، وكسر العظام والجائفة والمأمومة ، ويخرج عنه غيرهما كالخلع والطلاق
والرجعة والعتق والتدبير والكتابة والنسب والوكالة والوصية إليه وعيوب النساء على
خلاف في بعضها كما سيأتي ، ولكن نحن في غنى عن هذا البحث بتمامه لاختصاص الشاهد
واليمين في الدين فقط.
(٢) أمثلة القسم
الأول ومنها الغصب وغيره.
(٣) فالدين ما ثبت
بالذمة ولو من مهر أو جناية أو تلف ، وأما القرض فهو ما يثبت بالذمة بالاستدانة
فهو أخص.
(٤) أمثلة القسم
الثاني.
(٥) وأما الهبة
غير المشروطة بعوض فليست من المعاوضات ، على أن إنكارها يعد رجوعا عنها إذا لم تكن
على الرحم ولم يستعملها الآخذ.
__________________
(الوالد ولده ، وقتل الحر العبد ، والمسلم الكافر ، وكسر
العظام) وإن كان عمدا ، (و) كذا (الجائفة (١) والمأمومة) (٢) ، والمنقّلة (٣) لما في إيجابها (٤) القصاص على تقدير
العمد من التغرير.
(ولا يثبت) بالشاهد واليمين (عيوب النساء) وكذا عيوب الرجال ، لاشتراكهما في عدم تضمنهما المال ، (ولا الخلع) (٥) لأنه إزالة قيد النكاح بفدية وهي شرط فيه ، لا داخلة في
حقيقته ، ومن ثم أطلق المصنف والأكثر وهذا يتم مع كون المدعي هو المرأة ، أما لو
كان الرجل فدعواه تتضمن المال وإن انضم إليه أمر آخر ، فينبغي القطع بثبوت المال
كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في غيره (٦) كالسرقة ، فإنهم قطعوا بثبوت المال.
(٧) وهذا قوي وبه جزم في الدروس (والطلاق) المجرد عن المال وهو واضح ، (والرجعة) (٨) لأن مضمون الدعوى إثبات الزوجية وليست مالا وإن لزمها
النفقة ، لخروجها عن حقيقتها (٩) ، (والعتق (١٠) على
قول) مشهور لتضمنه
إثبات الحرية وهي ليست مالا ، وقيل :
______________________________________________________
(١) التي تصل إلى
الجوف من أي الجهات.
(٢) التي تصل إلى
أم الرأس وهي الخريطة التي تجمع الدماغ.
(٣) بالتشديد وهي
التي تنقل العظام من محل إلى آخر.
(٤) فيما ذكر من
الجائفة واختيها وإن كانت على سبيل العمد فلا يثبت القصاص لما فيه من تغرير بنفس
الجاني لو أريد الاقتصاص منه.
(٥) قال في
المسالك (فإن كان مدعيه الزوج فهو يتضمن دعوى المال ، وإن كان تدعيه الزوجة فلا)
وهو واضح.
(٦) أي غير الخلع.
(٧) دون الحد فيما
لو ثبت السرقة بشاهد ويمين.
(٨) لأنها من حيث
هي رجعة لا توجب النفقة وإنما يوجبها النكاح السابق ، والرجعة رفعت حكم الطلاق فهي
بذاتها لا توجب المال ولذا وقع الاتفاق عليها عند أصحاب هذا القول على أنها لا
تثبت بشاهد ويمين.
(٩) أي خروج
النفقة عن حقيقة الرجعة.
(١٠) فلا يثبت
بشاهد ويمين على قول مشهور إنه يتضمن تحرير الرقبة ، والحرية ليست مالا ، وعن
البعض أن المملوك مال وتحريره مستلزم لتفويته على المالك فالحرية وإن لم تكن مالا
لكنها تتضمن مالا من هذه الحيثية.
يثبت بهما لتضمنه
المال من حيث إن العبد مال للمولى فهو يدعي زوال المالية ، (والكتابة والتدبير والاستيلاد) (١). وظاهره عدم الخلاف فيها ، مع أن البحث (٢) آت فيها (٣).
وفي الدروس ما يدل على أنها بحكمه ، لكن لم يصرحوا بالخلاف فلذا أفردها ، (والنسب) (٤) وإن ترتب عليه وجوب الإنفاق ، إلا أنه خارج عن حقيقته كما
مر ، (والوكالة) (٥) لأنها ولاية على التصرف وإن كان في مال ، (والوصية إليه) (٦) كالوكالة (بالشاهد واليمين) متعلق بالفعل السابق ، أي لا تثبت هذه المذكورات بهما.
(وفي النكاح قولان) (٧) : أحدهما وهو المشهور عدم الثبوت مطلقا (٨) ، لأن المقصود
الذاتي منه الإحصان ، وإقامة السنة ، وكفّ النفس عن الحرام والنسل وأما المهر
والنفقة فإنهما تابعان. والثاني القبول مطلقا (٩) نظرا إلى تضمنه المال ولا نعلم
قائله ، وفي ثالث قبوله من المرأة دون الرجل لأنها تثبت النفقة والمهر ، وذهب إليه
العلامة. والأقوى المشهور (١٠) ،
(ولو كان المدّعون جماعة) وأقاموا شاهدا واحدا
______________________________________________________
(١) فلا تثبت هذه
الأمور الثلاثة بالشاهد واليمين ، لأن الذي يدعيها يدعي ملزوم الحرية وقد عرفت أن
الحرية ليست مالا فكذا ملزومها ، وفيه : إنه يدعي تفويت العبد على سيده والعبد مال
فيجري فيه الخلاف السابق في العتق.
(٢) أي البحث
المتقدم في العتق.
(٣) أي في هذه
الثلاثة.
(٤) لأن المال ليس
داخلا في حقيقته وإن ترتب عليه.
(٥) ومن الواضح
عدم دخل المال في حقيقتها ولا يقصد بها المال.
(٦) بأن يوصى أن
يقوم بعمل ما بخلاف الوصية له ، فالمال ليس داخلا في حقيقة الأول دون الثاني.
(٧) فعن المشهور
عدم ثبوته بالشاهد واليمين لأن المقصود منه بالذات التناسل وإقامة السنة وكف النفس
عن الحرام ، والمهر والنفقة من التوابع ، وقيل : يثبت من حيث تضمنه المهر والنفقة
، وعن العلامة في القواعد الثبوت إذا كانت الزوجة مدعية لأنها تدعي المهر والنفقة
باللازم بخلاف الزوج لو كان مدعيا فلا يثبت.
(٨) سواء كان
المدعي الزوج أو الزوجة.
(٩) سواء كان
المدعي الزوج أو الزوجة.
(١٠) أي الأول ،
هذا وقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (عدم ثبوت كون العنوان للحكم ـ
(فعلى كل واحد يمين) ، لأن كل واحد يثبت حقا لنفسه ولا يثبت مال لأحد بيمين
غيره (١).
(ويشترط شهادة الشاهد أولا (٢) ، وتعديله) (٣) والحلف بعدهما ، (ثم الحكم يتم
بهما (٤) لا بأحدهما فلو رجع الشاهد غرم النصف) ، لأنه أحد جزئي سبب فوات المال على المدعى عليه ، (والمدعي لو رجع غرم الجميع) (٥) ، لاعترافه بلزوم المال له مع كونه قد قبضه ، ولو فرض
تسلم الشاهد المال ثم رجع أمكن ضمانه
______________________________________________________
ـ المتعلق بالمال
في شيء من النصوص المروية من طرقنا كي نرجع في المراد منه إلى العرف ، وكلامهم
غير منقح بل فيه من التشويش ما لا يخفى ـ إلى أن قال ـ ومن الغريب اتفاقهم على
خروج الوكالة على المال وإن كانت بجعل ، وكذا الوصية ، واختلافهم في العتق ،
وبالجملة كل من أعطى النظر حقه في كلماتهم وخلع ربقة التقليد يعلم أنها في غاية
التشويش ، والسبب فيه هو الضابط المذكور الذي لم نجده في شيء من النصوص ، وإنما
الموجود فيها عنوانا للحكم (حقوق الناس بعدم تقييدها بنصوص الدين) انتهى ، وقد
عرفت لا بدية التقييد وحصر مورد الشاهد واليمين في خصوص الدين ، فهذا البحث في
مصاديق ضابط المشهور من كونه مالا أو قد قصد به المال ساقط من أساسه.
(١) حلف كل واحد
مع الشاهد ، لأن هذه الدعوى تنحل إلى دعاوى متعددة وإن كانت واحدة ظاهرا بلا خلاف
فيه إلا من المقدس البغدادي حيث اجتزأ بيمين واحد من أحدهم ، وفيه : إنه لو اجتزئ
بيمين واحدة لبثت مال الغير بيمين غيره وهو مخالف للقواعد والأصول المقررة في هذا
الباب.
(٢) ثم الحلف بلا
خلاف فيه وذلك لأن المدعي وظيفته البينة لا اليمين بالأصالة ، فإذا أقام شاهدا
صارت ـ البينة التي هي وظيفته ـ ناقصة فيتممها باليمين ، بخلاف ما لو قدم اليمين
فإنه ابتدأ بما ليس من وظيفته ولم يتقدمه ما يكون متمما له ، ولأن الشاهد أقوى
جانبا من اليمين فلا بد من تقديمه ، ولأصالة عدم ثبوت الحق بدون تقدم الشاهد على
اليمين بعد الشك في إرادة غيره من إطلاق الأدلة.
(٣) اشتراط
العدالة معلوم حتى تكون شهادته معتبرة ، وسيأتي الدليل على اشتراط العدالة في
الشاهد في باب الشهادات.
(٤) لأن النصوص
السابقة قد وردت بهما ، فتكون اليمين قائمة مقام الشاهد الآخر فكل منهما جزء
حينئذ.
(٥) لأن يده على
المال فيضمنه بتمامه لأنها يد عدوان.
الجميع (١) إن شاء
المالك ، لاعترافه بترتب يده على المغصوب ، فيتخير المالك في التضمين (ويقضى على الغائب عن مجلس القضاء) (٢) سواء بعد أم قرب وإن كان
______________________________________________________
(١) فيده على
المال ـ حسب الفرض ـ بعد يد المدعي ، فمع فرض رجوع الشاهد عن شهادته والمدعي عن
يمينه ودعواه فقد أقر بالحق للمدعى عليه ، ولازم اقرارهما أن يدهما على المال يد
عدوان ، ومع تعاقب الأيدي العدوانية الضامنة على المال فالمالك بالخيار في الرجوع
على أيهما شاء.
(٢) القضاء على
الغائب مشروع وثابت في الجملة بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر جميل
بن دراج عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (الغائب يقضى عليه
إذا قامت عليه البينة ويباع ماله ، ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على
حجته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (كان علي عليهالسلام يقول : لا يحبس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال
اليتيم ظلما ، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها ، وإن وجد له شيء باعه غائبا كان أو
شاهدا) .
وما ورد في خبر
أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (لا يقضى على غائب)
محمول على أنه لا
يجزم بالقضاء عليه بل يكون على حجته عند حضوره.
ومقتضى الأخبار
جواز القضاء على الغائب المسافر سواء كان دون المسافة أو بعدها وخالف يحيى بن سعيد
فاعتبر المسافة والاطلاق المتقدم حجة عليه ، وأما إذا كان في البلد ولم يحضر مجلس
الحكم لعارض فكذلك لإطلاق الأخبار المتقدمة ، وأما إذا لم يحضر قصدا فالمشهور جواز
القضاء عليه للإطلاق المذكور ، وعن الشيخ في المبسوط العدم اقتصارا فيما خالف
الأصل على المتيقن وهو ما لو غاب على نحو الضرورة. والإطلاق أيضا يدفعه.
ثم إن القضاء على
الغائب مخصوص بحقوق الآدميين كالديون والعقود والايقاعات فإذا ثبتت البينة يحكم
بها عليه لئلا تضيع حقوق الناس وليس فيها حيف على الغائب لأنه على حجته إذا حضر ،
وأما في حقوق الله كالحد المترتب على الزنا وغيره فلا ، لأنها مبنية على التخفيف
فلعله فعل الزنا بعنوان وطء الشبهة ولذا تدرأ الحدود بالشبهات بلا خلاف في ذلك كله
، وإنما الخلاف فيما اشتمل على الحقين كالسرقة فلا إشكال في ثبوت حق الآدمي وهو
المال ، وأما القطع الذي هو حق الله فمقتضى ما تقدم عدم الثبوت وقد تردد ـ
__________________
في البلد ولم
يتعذر عليه حضور مجلس الحكم على الأقوى ، لعموم الأدلة ، ولو كان في المجلس لم يقض
عليه إلا بعد علمه (١) ، ثم الغالب على حجته لو حضر ، فإن ادعى بعده قضاء أو إبراء
أقام به البينة ، وإلا أحلف المدعي ، ومحله حقوق الناس ، لا حقوق الله تعالى ، لأن
القضاء على الغائب احتياط ، وحقوق الله تعالى مبنية على التخفيف لغنائه ، ولو
اشتمل على الحقين كالسرقة قضي بالمال دون القطع.
(وتجب اليمين مع البينة على بقاء الحق) (٢) إن كانت الدعوى لنفسه ، ولو
______________________________________________________
ـ المحقق من حيث
إنه حق الله فلا يثبت ، ومن أن القطع والمال هنا معلولان لعلة واحدة فإذا ثبت
معلول فلا بد أن يثبت الآخر حتما لأنه لا يعقل ثبوت أحدهما دون الآخر ، وفيه : إن
التفكيك بين المتلازمين في الفقه غير عزيز وذلك لأنها ليست معاليل لعلة حقيقية بل
العلة هنا من قبيل المعرّفات للأحكام. ومثله ما لو أقر بالسرقة فإنه يثبت المال
دون القطع بالاتفاق.
(١) لعدم صدق
الغائب عليه فلا تشمله الأخبار المتقدمة.
(٢) قد تقدم أنه
لا يستحلف المدعي مع بينته بالاتفاق ويدل عليه مضافا إلى ما تقدم خبر محمد بن مسلم
(سألت أبا جعفر عليهالسلام : عن الرجل يقيم البينة على حقه هل عليه أن يستحلف؟ قال :
لا) وخبر أبي العباس عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا أقام الرجل
البينة على حقه فليس عليه يمين) .
وما عن بعض العامة
من ضم اليمين إلى البينة في المدعي ضعيف ، نعم قد ورد في حديث سلمة بن كهيل عن علي
عليهالسلام يقول لشريح : (وردّ اليمين على المدعي مع بينته فإن ذلك
أجلى للعمى وأثبت في القضاء) ، فهو محمول على
الدعوى على الميت كما سيأتي أو أنه يرد إلى أهله لعدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم.
إذا تقرر هذا فقد
استثنى الأصحاب من ذلك ما لو كانت الدعوى على الميت فإذا ادعى عليه حقا وشهدت
البينة بذلك فإنه يستحلف على بقاء الحق في ذمة الميت استظهارا إذ لعله قد وفّاه
حقه ببينة أخرى أو من دون بينة ، وهذه اليمين تسمى بيمين الاستظهار ، وهذا مما لا
خلاف فيه لخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قلت للشيخ عليهالسلام ـ يعني موسى بن جعفر ـ : خبّرني عن الرجل يدعي قبل الرجل
الحق فلم تكن له بينة بما له ـ
__________________
كانت لموكله ، أو
للمولى عليه فلا يمين عليه (١) ، ويسلّم المال بكفيل إلى أن يحضر المالك ، أو يكمل
(٢) ويحلف (٣) ما دام المدعى عليه غائبا (٤) ، (وكذا تجب) اليمين مع
______________________________________________________
ـ قال : فيمين
المدعى عليه ، فإن حلف فلا حق له ، وإن ردّ اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له
، وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة ، فعلى المدعي اليمين بالله
الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له ، لأنا
لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها ، أو غير بينة قبل الموت ، فمن ثمّ
صارت عليه اليمين مع البينة ، فإن ادعى بلا بينة فلا حق له ، لأن المدعى عليه ليس
بحي ، ولو كان حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه ، فمن ثم لم يثبت الحق)
وهي نص في المطلوب ، وفي طريقها محمد بن عيسى العبيدي وهو ضعيف عند جماعة ،
وياسين الضرير وهو لم يمدح ولم يذم إلا أن المناقشة في السند مدفوعة لانجبارها
بعمل الأصحاب.
ثم هل يتعدى من
الميت إلى من يساويه في المعنى كالدعوى على الغائب والطفل والمجنون حيث لا لسان
لهم ، فذهب الأكثر إلى التعدي لاشتراك الجميع في العلة المومى إليها في النص وهي
أن المدعى عليه ليس له لسان يجيب به.
وفيه : إن العلة
الظاهرة من الخبر هو كون المدعى عليه ليس بحي ، وهذه العلة منتفية في المذكورين ،
بالإضافة إلى أن الميت قد انتفى جوابه مطلقا في دار الدنيا بخلاف الصبي والمجنون
والغائب فإن لهم لسانا يرتقب جوابهم في المستقبل فهم باقون على حجتهم ، بالإضافة
إلى الأخبار المتقدمة في جواز القضاء على الغائب حيث دلت بإطلاقها على عدم ضم يمين
الاستظهار إلى بينة المدعي ، ولذا ذهب المحقق وجماعة إلى عدم الالحاق. ثم إن مورد
النص ما لو كانت الدعوى على الميت دينا ، أما لو كانت الدعوى عينا في يد الميت
بعارية أو غصب وقامت البينة للمدعي أنها له إلى حين الدعوى دفعت إليه من دون ضم
اليمين للقطع بنفي احتمال خروج الميت عن حق المدعي ، وأما لو قامت البينة للمدعي
أنه قد أعطى الميت العين بعارية أو غصب ولم تشهد أنها باقية على ملك المدعي إلى
حين الدعوى فالأقوى ضم يمين الاستظهار لاحتمال خروج الميت عن حق المدعي.
(١) لما تقدم من
عدم اليمين من شخص يدعي المال لغيره.
(٢) أي يتحقق به
الكمال من البلوغ والعقل.
(٣) يمين
الاستظهار.
(٤) بناء على
إلحاقه بالميت.
__________________
البينة (في الشهادة على الميت والطفل أو المجنون) أما على الميت فموضع وفاق ، وأما على الغائب والطفل
والمجنون فلمشاركتهم له في العلة المومى إليها في النص ، وهو أنه لا لسان له (١)
للجواب فيستظهر الحاكم بها (٢) ، إذ يحتمل لو حضر كاملا أن يجيب بالإيفاء ، أو
الإبراء فيتوجه اليمين ، وهو (٣) من باب اتحاد طريق المسألتين ، لا من باب القياس.
وفيه نظر للفرق مع
فقد النص (٤) ، وهو (٥) أن الميت لا لسان له مطلقا في الدنيا بخلاف المتنازع (٦)
فيمكن مراجعته إذا حضر ، أو كمل ، وترتيب حكم على جوابه ، بخلاف الميت فكان أقوى
في إيجاب اليمين فلا يتحد الطريق. وإطلاقه (٧) يقتضي عدم الفرق بين دعوى العين
والدين وقيل بالفرق ، وثبوت اليمين في الدين خاصة ، لاحتمال الإبراء منه وغيره (٨)
من غير [علم] الشهود ، بخلاف العين فإن ملكها إذا ثبت استصحب ، ويضعف بأن احتمال
تجدد نقل الملك ممكن في الحالين والاستظهار وعدم اللسان آت فيهما (٩).
(القول في التعارض)
أي تعارض الدعوى
في الأموال (لو تداعيا ما في أيديهما) (١٠) فادعى كل
______________________________________________________
(١) للميت كما هو
مورد النص.
(٢) أي باليمين.
(٣) أي الحاق
الطفل والمجنون والغائب بالميت.
(٤) إذ النص قد
ورد في الميت وهو مفقود في الطفل والمجنون والغائب.
(٥) أي الفرق.
(٦) من الطفل
والمجنون والغائب.
(٧) أي إطلاق
النص.
(٨) أي غير
الإبراء كالوفاء.
(٩) في الدين
والعين ، وقد عرفت عدم الاحتياج إلى اليمين إذا قامت البينة على ثبوت العين للمدعي
إلى حين الدعوى ، إلا أن يقال إنها شهادة على النفي لا تقبل لأنها تشهد على عدم
ملكية الميت للعين بنقل من بيع وغيره ، وهو ضعيف لأنها تتضمن إثباتا ، وهو استمرار
ملكية المدعي إلى حين الدعوى فلا تغفل.
(١٠) لو تنازعا في
عين وكلّ منهما يدعي مجموعها له ولا بينة لهما ، فلا يخلو إما أن تكون العين في
يدهما ، أو في يد أحدهما أو في يد ثالث.
[واحد] منهما
المجموع ولا بينة (حلفا) كل منهما على نفي استحقاق الآخر (واقتسماه) بالسوية ، وكذا لو نكلا عن اليمين (١) ، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر فهو
للحالف (٢) ، فإن كانت يمينه بعد نكول صاحبه حلف يمينا واحدة تجمع النفي والإثبات
، وإلا (٣) افتقر إلى يمين أخرى للإثبات ، (وكذا) يقتسمانه (إن أقاما
______________________________________________________
ـ وعلى الأول فكل
منهما مدع النصف الذي هو في يد غيره ومدعى عليه في النصف الآخر الذي هو في يده ،
فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر ، ولا يتعرض واحد منهما في يمينه
لاثبات ما في يده بل يقتصر على أنه لاحق لصاحبه فيما في يده ، لأن اليمين هنا يمين
المدعى عليه فإذا حلف ثبت قوله فيما هو مدعى عليه ، وهو ثبوت ما في يده له وهو نصف
المجموع ، ولم يخالف في ذلك إلا المحقق حيث أورد الحلف بصورة القيل المشعر
بالتضعيف مع أن القاعدة بأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر تقتضي الحلف
كما ذكرنا.
(١) وقلنا بالحكم
على المدعى عليه بمجرد النكول ، فما في يد كل منهما ينتقل إلى الآخر وتكون النتيجة
قسمة المدعى فيه نصفين بينهما.
ولو قلنا برد
الحاكم اليمين المردودة على المدعي ، فكل منهما مدع للنصف الموجود عند الآخر ، وكل
منهما ناكل عن اليمين المردودة بحسب الفرض فتسقط دعوى كل منهما حينئذ ، مع بقاء ما
في يد كل منهما له والنتيجة هي التنصيف بينهما.
(٢) أي المتنازع
فيه ، فهو له كله ، لأن هذا الحالف مدع ومدعى عليه ، فيما أنه مدعى عليه بالنصف
الذي تحت يده فيحتاج إلى يمين المنكر وهي يمين نفي استحقاق الغير ، وبما أنه مدع
بالنصف الذي في يد خصمه ـ والمفروض أن الخصم قد نكل عن اليمين ـ فلو حكمنا بمجرد
النكول فالنصف الذي في يد خصمه له بلا حلف منه ، ولو رددنا اليمين المردودة عليه
فعليه بما هو مدع يمين وهي يمين إثبات أن ما في يده له ، فإذن عليه يمينان هذا كله
إذا رغب الحالف باليمين فحلف على إبطال دعوى الخصم ، ثم إن الحاكم قد طلب اليمين
من ذلك الخصم بالنسبة لدعوى الحالف فنكل فرد اليمين عليه فعليه يمين أخرى وهي يمين
إثبات كما عرفت ، وأما إذا نكل الخصم من الأول قبل حلف الحالف فيكفيه يمين واحدة
يجمع بين النفي والاثبات فيها بأن يقول : والله لا حق له في النصف الذي يدعيه
والنصف الآخر لي ، مع احتمال تعدد اليمين هنا لتعدد السبب المقتضي لتعدد المسبب.
(٣) أي وإن كانت
يمينه قبل نكول صاحبه فيجب عليه حينئذ يمين المنكر ثم بعد نكول صاحبه فعليه يمين
المدعي وهي يمين إثبات.
بينة (١) ويقضى لكل منهما بما في يد صاحبه) ، بناء على ترجيح بينة الخارج. ولا فرق هنا بين تساوي البينتين
عددا وعدالة واختلافهما.
(ولو خرجا) (٢) فذو اليد من صدّقه من هي بيده مع اليمين (٣) ، وعلى
المصدّق اليمين للآخر (٤) ، فإن امتنع (٥) حلف الآخر (٦)
______________________________________________________
ثم هذا الكلام
بتمامه بناء على وجود المتنازع بين أيديهما ولا بينة لهما ، وأما إذا كان المتنازع
تحت يد أحدهما أو تحت يد ثالث فسيأتي التعرض لهما عند تعرض الشارح في الروضة.
(١) وكان المتنازع
فيه تحت أيديهما فتقسم العين نصفين بينهما بلا خلاف ولا ينظر إلى ترجيح إحدى
البينات على الأخرى بأعدلية أو أكثرية ، لأن يد كل واحد على النصف وقد أقام الآخر
بينة عليه فيقضى له بما في يد غريمه بناء على تقديم بينة الخارج ، فكل من البينتين
قد اعتبرت فيما لا تعتبر فيه الأخرى ولذا لم يلحظ الترجيح بالعدد والعدالة هذا ما
عليه الأشهر.
وقيل : إن التنصيف
ناشئ من تساقط البينتين بعد التعارض ويبقى الحكم كما لو لم تكن هناك بينة ، وفيه :
إنه يلزم حينئذ اليمين على كل منهما لصاحبه كما تقدم في المسألة السابقة.
وقيل : إن مع كل
واحد مرجحا باليد فتقدم بينته على ما في يده وكذا خصمه فلذا لا بد من التنصيف ،
وفيه : إن ترجيح البينة باليد هو عمل بالراجح بحسب الحقيقة ، ولازمه عدم اليمين مع
عدم البينة لوجود اليد وهذا مما لا يمكن الالتزام به.
(٢) بأن كانت
العين المتنازع فيها تحت يد ثالث ، فذو اليد من صدقه الثالث وعليه اليمين للآخر ،
لأنه بالاقرار له صار كذي اليد فهو مدعى عليه وخصمه مدع ، فلو حلف اليمين فهي له ،
وعلى المصدّق اليمين للآخر كما في القواعد ، وفيه : إن المصدّق لا دخل له بها بعد
التصديق فالدعوى متعلقة بالعين وبعد انتقالها إلى المصدّق تنتقل الدعوى كذلك ، إلا
أن يكون الآخر قد ادعى على المصدّق العلم بملكه فله عليه اليمين لنفي العلم.
(٣) من المصدّق.
(٤) إن ادعى الآخر
على المصدق علمه بملكه لا مطلقا كما عرفت.
(٥) المصدّق.
(٦) أي الخصم
الآخر واغرم المصدّق قيمة العين له ، لأن المصدّق باقراره أنها لغير الحالف قد حال
بين الحالف وبين العين بعد استقرار العين لغير الحالف للاقرار السابق ، وهذا مثل
ما لو أقر الثالث أولا أن العين لاحدهما ثم أقر ثانيا بأنها للآخر فتدفع العين
للأول وقيمتها للثاني فكذا ما هو بحكمه وهو الحلف هنا.
وأغرم له (١)
لحيلولته (٢) بينه وبينها (٣) بإقراره الأول ، ولو صدقهما فهي لهما بعد حلفهما ،
أو نكولهما (٤) ولهما إحلافه إن ادعيا علمه (٥) ، ولو أنكرهما (٦) قدم قوله بيمينه
، ولو كان لأحدهما بينة في جميع هذه الصور (٧) (فهي لذي البينة) مع يمينه (٨) ، (ولو أقاماها (٩)
رجّح الأعدل) شهودا ، فإن
تساووا في العدالة (فالأكثر)
______________________________________________________
(١) أي وأغرم
المصدّق للحالف بقيمة العين.
(٢) أي لحيلولة
المصدّق باقراره.
(٣) أي بين الحالف
وبين العين.
(٤) فإن حلفا
باعتبار أن كل واحد منهما مدعى عليه بما في يده ، فيثبت لكل منهما ما في يده ، وإن
نكلا فإن حكمنا بالنكول فكذلك ولكن لكل واحد منهما ما في يد خصمه ، وإذا رددنا
اليمين وكلّ منهما نكل عن اليمين المردودة بما هو مدع بما في يد غيره تسقط الدعوى
ويبقى ما في يد كل منهما تحت يده.
(٥) بحيث كل منهما
يدعي على الثالث بأنه عالم بملكه بتمام العين ، وهو منكر فلهما إحلافه.
(٦) حلف لهما سواء
ادعاها لنفسه أو لا ، لأن الثالث هنا منكر وهما مدعيان فالقول قوله مع يمينه.
(٧) التي تكون
العين تحت يد الثالث سواء صدق أحدهما أو صدقهما معا أو أنكرهما.
(٨) لا معنى لضم
اليمين هنا إلى البينة على ذي البينة ، لأن صاحب البينة خارج باعتبار كون العين
تحت يد الثالث ، فهو مدع على كل حال ووظيفته البينة وقد أتى بها ، فلا داعي لليمين
، ولذا اقتصر الشهيد في الدروس على البينة من دون ضم اليمين.
وهذا يتم في صورة
إنكارهما ، أما في صورة تصديق أحدهما وكان هو صاحب البينة فلا تقبل منه لأنه ذو يد
على العين بالاقرار فهو المنكر وخصمه المدعي ، ولا تسمع البينة من المنكر بل
وظيفته اليمين ، وكذا يأتي الإشكال في صورة تصديقهما وأتى أحدهما بالبينة فالإشكال
السابق يأتي بالنسبة لما صدقه فيه.
(٩) وكانت العين
في يد ثالث ولم يصدق أحدهما وكل منهما قد أقام بينة قضي بأرجح البينتين عدالة ،
فإن تساويا قضى لأكثرهما شهودا ، ومع التساوي في العدالة والعدد أقرع بينهما ، فمن
خرج اسمه حلف وقضى له ، ولو امتنع أحلف الآخر وقضي له ، وإن نكلا قضى بالعين بينهما
بالسوية على المشهور للأخبار.
منها : خبر البصري
عن أبي عبد الله عليهالسلام (كان علي عليهالسلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود ، عدلهم سواء وعددهم سواء ،
أقرع بينهم على أيهم بصير اليمين ، وكان يقول : ـ
شهودا ، فإن
تساووا فيهما (فالقرعة) فمن خرج اسمه حلف وأعطي الجميع فإن نكل أحلف الآخر وأخذ ،
فإن امتنعا قسّمت نصفين (١) ، وكذا يجب اليمين على من رجّحت بينته (٢) وظاهر
العبارة عدم اليمين فيهما (٣) ، والأول (٤) مختاره في الدروس
______________________________________________________
ـ اللهم رب
السموات السبع ، أيهم كان الحق له فأدّه إليه ، ثم يجعل الحق للذي بصير عليه
اليمين إذا حلف) والمرسل في الدعائم عن أمير المؤمنين عليهالسلام (في البينتين
يختلفان في الشيء الواحد يدعيه الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا اعتدلت بينة كل
واحد منهما وليس في أيديهما ، فإن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان ، وإن كان
في يد أحدهما فالبينة فيه على المدعي واليمين على المدعى عليه) فالخبر الأول قد دل على أن القرعة مع اليمين بعد تساوي
البينتين عدالة وعددا ، والمرسل قد دل على أنه إذا لم تكن العين في أيديهما ،
وهناك أخبار مثلها قد تركناها اختصارا.
(١) لأن العين
ليست خارجة عنهما.
(٢) كما صرح بذلك
جماعة على ما في الجواهر لظاهر بعض الأخبار كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يأتي
القوم فيدعى دارا في أيديهم ويقيم البينة ، ويقيم الذي في يده البينة أنه ورثها عن
أبيه ، ولا يدرى كيف كان أمرها؟ قال عليهالسلام : أكثرهم بينة يستحلف وتدفع إليه ، وذكر أن عليا عليهالسلام أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت البينة لهؤلاء أنهم
انتجوها على مذودهم ولم يبيعوا ولم يهبوا ، وقامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك ، فقضى عليهالسلام بها لأكثرهم بينة واستحلفهم) الخبر ، وهو ظاهر في الحلف مع ترجيح بينة الأكثرية وهو
الظاهر من عبارة الدروس دون الأعدلية ، وعن البعض كصاحب الجواهر وغيره ثبوت الحلف
مع ترجيح البينة للأكثرية والأعدلية وهو الظاهر من كلام الشارح هنا حيث إن
المستفاد من الخبر أن الترجيح هو لتعين من يقدم قوله ويكون بمنزلة المنكر ، لا
لكون البينة حجة فعلية في إثبات الحق حتى يستغنى عن اليمين.
(٣) أي عند تقديم
ذي البينة ولا بينة للآخر ، وعند تقديم الأرجح عدالة أو أكثرية أو بالقرعة عند
إقامة البينة من كليهما.
(٤) أي ما ذكر
أولا في كلام الشارح من لزوم اليمين.
__________________
في الثاني قطعا (١)
، وفي الأول (٢) ميلا.
(ولو تشبث أحدهما) (٣) أي تعلق بها بأن كان ذا يد عليها (فاليمين عليه) إن لم يكن للآخر بينة ، سواء كان للمتشبث بينة أم لا ، (ولا يكفي بينته (٤) عنها) أي عن اليمين ، لأنه منكر فيدخل في عموم اليمين على من
أنكر وإن كان له بينة ، فلو نكل عنها حلف الآخر وأخذ فإن نكل أقرت في يد المتشبث (٥)
، (ولو أقاما) أي المتشبث والخارج (بينة ففي الحكم
لأيهما خلاف). فقيل : تقدم
بينة (٦) الداخل
______________________________________________________
(١) عند ترجيح
الأعدل أو الأكثر من البينتين ، وفيه : قد عرفت أن ظاهر العبارة أن الحلف عند
ترجيح الأكثر كما هو ظاهر الخبر دون ترجيح الأعد.
(٢) أي في صورة
إقامة أحدهما البينة. وقد عرفت أن الشهيد في الدروس جزم بعدم اليمين وإليك نص
عبارته (ولو خرجا فذو اليد من صدقه الثالث ، وعليه اليمين للآخر ، فإن امتنع حلف
الآخر واغرم ، ولو صدقهما فهي لهما بعد حلفهما أو نكولهما ، ولهما إحلافه إن ادعيا
علمه ، ولو أنكرهما حلف ، ولو قال : هي لأحدكما ولا أعرفه احتمل القرعة واليمين ،
ولو كان لأحدهما بينة فهي له في الصور كلها ، وإن أقاما بينتين وخرجا فهي للأعدل
شهودا ، فإن تساووا فالأكثر مع اليمين قاله ابن بابويه والشيخ في النهاية ، ومع
التساوي القرعة أو اليمين) انتهى.
(٣) قد تقدم أن
الأقسام ثلاثة ، فإن كانت تحت أيديهما أو تحت يد ثالث فقد تقدم الكلام فيهما ،
وأما إذا كانت تحت يد أحدهما فهو المنكر وخصمه المدعي ، فعلى القاعدة ، من كون
اليمين على من أنكر فهي له مع يمينه ، نعم إن نكل المتشبث عن الحلف حلف خصمه
المدعي إن لم يقض بالنكول ، هذا وحلف المنكر هنا على نفي الاستحقاق وحلف المدعي
هنا على الاثبات على ما تقدم في أول هذه المسألة.
(٤) أي بينة
المتشبث لأنه منكر فلا تسمع منه البينة لأن وظيفته اليمين فيطالب بها.
(٥) لأنه مع نكول
المدعى عن اليمين المردود ، تسقط دعواه ويكون الحق للمنكر.
(٦) فقيل : يقضى
بها للخارج دون المتشبث مع التساوي في العدد والعدالة وعدمه كما عن سلار وابن زهرة
وابن إدريس والشيخ في موضع من الخلاف للأخبار.
منها : خبر منصور
بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : رجل في
يده شاة فجاء رجل فادعاها وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده لم يبع ولم يهب ،
وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده لم يبع ولم يهب ، قال عليهالسلام : حقها للمدعي ولا أقبل من الذي هي في يده بينة ، لأن الله
عزوجل أمر أن تطلب البينة من المدعي ، فإن ـ
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ كانت له بينة
وإلا فيمين الذي هو في يده ، هكذا أمر الله عزوجل) ، وهي نصّ في عدم قبول البينة من المنكر سواء تعارضت
البينات كما هو مورد الخبر أو لا ، وهذا ما ذهب إليه سيد الرياض ، وهي مؤيدة
بالعموم الدال على أن اليمين على من أنكر والبينة على المدعي ، وعليه فكل الأخبار
التي ترجح البينة الأكثر عدالة أو عددا عند التعارض مع كون العين في يد أحدهما
كخبر أبي بصير المتقدم تكون معارضة له.
وذهب الشيخ في
الخلاف إلى ترجيح بينة ذي اليد مطلقا لخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام (أن أمير المؤمنين
عليهالسلام اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقاما البينة أنه انتجها
، فقضى بها للذي في يده ، وقال : لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين) ، ولخبر جابر الأنصاري (إن رجلين تداعيا في دابة فأقام كلّ
بينة أنها دابته انتجها فقضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للذي هي في يده) .
وذهب الشيخ في
النهاية والاستبصار والتهذيب والمحقق والقاضي وجماعة إلى ترجيح بينة الداخل إن شهدت
بسبب الملك سواء انفردت به أم شهدت بينة الخارج به أيضا ، وتقديم بينة الخارج إن
شهدتا بالملك المطلق أو انفردت بينته بالسبب ، ووجهه الجمع بين الأخبار التي دل
بعضها على تقديم الداخل مع بيان السبب كخبر غياث وخبر جابر المتقدمين ، وبين
الأخبار الدالة على تقديم الخارج وهي محمولة على ما إذا أطلقتا أو اختصت بينة
الخارج بالسبب.
وعن المفيد ترجيح
الأعدل من البينتين أو الأكثر عددا مع تساويهما في العدالة مع اليمين ، ومع
التساوي يقضى للخارج ، وعن ابن حمزة التفريق بين السبب المتكرر كالبيع والصباغة
وغير المتكرر كالنتاج ونساجة الثوب فحكم بتقديم ذي اليد مع كون السبب مما يتكرر ،
وتوقف جماعة كما في الدروس واللمعة والمسالك والكفاية ، إلى غير ذلك من الأقوال
وقد أنهاها في المستند إلى تسعة ، مع الاختلاف بينهم في نسبة الأقوال إلى أصحابها
أيضا. والانصاف أن التفريق بين ذكر الشاهد السبب وعدمه مثل أن الدابة انتجت على
مذوده أو تملكها بالشراء ونحو ذلك وبين كون الشيء مما يتكرر أو لا يتكرر هو من
القيود التي لا تستفاد من الأخبار ، لأنها وإن ذكرت في بعض الأخبار لكن قد ذكرت في
كلام السائل فلا يستفاد منها القيدية هذا من جهة ومن جهة أخرى فاصل النزاع قائم
على جواز قبول البينة من المنكر عند التعارض بين البينات ، وإلا فإذا قلنا ـ
__________________
مطلقا لما روي (١)
أن عليا عليهالسلام قضى بذلك ، ولتعارض البينتين فيرجع إلى
______________________________________________________
ـ بعدم القبول
فالمتعين تقديم بينة الخارج وأما الداخل فوظيفته اليمين ليس إلا وما عثرت عليه من
الأخبار الدالة على تقديم بينة الخارج لأن الداخل وظيفته اليمين فلا تقبل منه
البينة هي : خبر منصور المتقدم فقال عليهالسلام (حقها للمدعي ولا
أقبل من الذي في يده بينة ، لأن الله تعالى أمر أن يطلب البينة من المدعي فإن كانت
له بينة وإلا فيمين الذي هو في يده هكذا أمر الله عزوجل) وخبر الدعائم المرسل عن أمير المؤمنين عليهالسلام (وإن كان في يد
أحدهما فالبينة فيه على المدعي واليمين على المدعى عليه) مع أن صدره صريح في اختلاف البينات في الشيء الواحد ،
والفقه الرضوي (فإذا ادعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا أو غيره ، وأقام بذلك بينة
، وأقام الذي في يده شاهدين ، فإن الحكم فيه أن يخرج الشيء من يد مالكه إلى المدعي
لأن البينة عليه) ، وهو مؤيد بعموم
النبوي (البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه) . وفي قبال ذلك ورود أخبار تدل على قبول البينة من المنكر
عند التعارض وهي : خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (قيل : فإن كانت
في يد أحدهما وأقاما جميعا بينة ، قال : اقض بها للحالف الذي هو في يده) وخبر غياث عن أبي عبد الله (أن أمير المؤمنين عليهالسلام اختصم إليه رجلان في دابة كلاهما أقاما البينة أنه أنتجها
فقضى بها للذي هي في يده) وخبر جابر (إن
رجلين تداعيا دابة وأقام كلّ بينة أنها دابته أنتجها فقضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للذي في يده) ، وخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعى دارا في أيديهم ويقيم البينة ،
ويقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها عن أبيه ولا يدرى كيف كان أمرها ، قال :
أكثرهم بينة يستحلف وتدفع إليه) ، والترجيح للطائفة الثانية بضعف أسانيد الأولى ليس في
محله لأن أسانيد الطائفة الثانية ضعيفة أيضا ، والترجيح للطائفة الثانية بكثرة
العدد معارض بتأييد الطائفة الأولى للعموم الوارد أن اليمين على من أنكر ، فالعمل
بالطائفة الأولى وإلا فلا بد من التوقف لأن المسألة ما زالت محل إشكال والله
العالم الهادي.
(١) وهو خبر غياث
المتقدم.
__________________
تقديم ذي اليد ،
وقيل : الخارج مطلقا عملا بظاهر الخبر المستفيض ، من أن القول قول ذي اليد ،
والبينة بينة المدعي ، الشامل لموضع النزاع (١) ، وقيل : تقدم بينة الخارج (٢) إن
شهدتا بالملك المطلق ، أو المسبب ، أو بينته (٣) خاصة (٤) بالسبب ، ولو انفردت به (٥)
بينة الداخل قدّم ، وقيل مع تسببهما تقدم بينة الداخل أيضا ، وتوقف المصنف هنا وفي
الدروس مقتصرا على نقل الخلاف ، وهو في موضعه لعدم دليل متين من جميع الجهات ، وفي
شرح الإرشاد رجّح القول الثالث ، وهو مذهب الفاضلين. ولا يخلو من رجحان.
(ولو تشبثا وادعى أحدهما الجميع والآخر النصف) (٦) مشاعا (ولا بينة اقتسماها) نصفين (بعد يمين مدعي النصف) للآخر (٧) ، من دون العكس (٨) ، لمصادقته إياه على استحقاق
النصف الآخر ، ولو كان النصف المتنازع معينا (٩)
______________________________________________________
(١) وهو تعارض
البينتين.
(٢) وحاصله تقديم
بينة الخارج مطلقا إلا إذا انفردت بينة الداخل بالسبب.
(٣) أي الخارج.
(٤) أي شهدت بينته
خاصة.
(٥) بالسبب.
(٦) فتارة يقيمان
البينة وأخرى لا بينة لهما وثالثة البينة لأحدهما.
فعلى الأول فالنصف
لمدعي الكل بغير معارض ، وأما النصف الآخر الذي في يد مدعي النصف فقد تعارضت فيه
البينتان فعلى القول بتقديم الخارج في المسألة السابقة فهو لمدعي الكل أيضا ولا شيء
لمدعي النصف ، وعلى القول بتقديم بينة ذي اليد فهو لمدعي النصف.
وعلى الثاني
فالعين بالسوية بينهما ، أما النصف الذي في يد مدعي الكل فهو له لعدم التنازع فيه
بحسب الفرض ، وأما النصف الآخر الذي في يد مدعي النصف فهو منكر لموافقة قوله
الظاهر ومدعي الكل مدع هنا ولا بينة له فيقدم قول المنكر مع يمينه.
وعلى الثالث
فالنصف الذي لا تنازع فيه فهو لمدعي الكل ، وأما النصف الآخر المتنازع فيه فهو
لمدعي البينة.
(٧) الذي هو مدعي
الكل.
(٨) أي من دون حلف
مدعي الكل على النصف الأول ، لأن مدعي النصف مصادق معه في صحة دعواه في النصف
الأول ، فهو له بلا منازع.
(٩) فالنصف الآخر
يقينا خارج عن التنازع وهو لمدعي الكل بلا منازع ، وأما النصف المتنازع ـ
اقتسماه (١)
بالسوية بعد التحالف فيثبت لمدعيه (٢) الربع. والفرق (٣) أن كل جزء من العين على
تقدير الإشاعة يدعي كل منهما تعلق حقه به ولا ترجيح (٤) ، بخلاف المعين إذ لا نزاع
في غيره (٥) ، ولم يذكروا في هذا الحكم خلافا ، وإلا فلا يخلو من نظر (٦).
(ولو أقاما بينة فهي للخارج على القول بترجيح بينته (٧) ،
وهو مدعي الكل) لأن في يد مدعي النصف النصف فمدعي الكل خارج عنه (وعلى) القول (الآخر) (٨) يقسم (بينهما) نصفين ، كما لو لم يكن بينة ، لما ذكرناه من استقلال يد
مدعي النصف عليه فإذا رجحت بينته به أخذه ، ولو أقام أحدهما خاصة بينة حكم بها (٩)
، (ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما (١٠) صار صاحب اليد) فيترتب
______________________________________________________
ـ فيه فهو تحت
أيديهما وكلاهما مدع ومدعى عليه به ، ولا بينة لهما ولا لأحدهما فيحلفان يمين
المنكر ، وبعد التحالف يتقاسمانه لعدم إمكان إعطائه لأحدهما دون الآخر لأنه ترجيح
بلا مرجح ، فيكون لمدعي الكل نصفه الأول الذي لا تنازع فيه ونصف النصف المتنازع
فيه ، ولمدعي النصف نصف النصف الآخر.
(١) أي اقتسما
النصف المتنازع المعين.
(٢) أي لمدعي
النصف يثبت الربع ولمدعي الكل ثلاثة أرباع.
(٣) بين النصف
المشاع والنصف المعين.
(٤) وفيه : إن
المرجح موجود وهو كون النصف المتنازع فيه تحت يد مدعي النصف فيقدم قوله مع يمينه
بناء على ما قالوه فكيف يقول الشارح بعدم الترجيح.
(٥) أي في النصف
الآخر.
(٦) والنظر هو :
أن الحكم في صورة التعيين في محله ، فيجب أن يكون الحكم في صورة الإشاعة كذلك ،
لأن النصف المشاع تحت أيديهما معا كما كان المعين ، ودعوى أن المشاع تحت يد مدعي
النصف فقط ليس في محله فالتحالف وتقسيم المتنازع بينهما هو الجاري في الصورتين.
(٧) أي على القول
بترجيح بينة الخارج كما تقدم في المسألة السابقة.
(٨) من تقديم بينة
الداخل في المسألة السابقة.
(٩) وظاهره
الإطلاق سواء كان صاحب البينة هو مدعي الكل أو مدعي النصف ، مع أنه لو كان صاحبها
مدعي النصف لوجب أن لا تقبل منه ، لأنه منكر بحسب ما فرضوه هنا لأن يده على النصف
المتنازع فيه ، والمنكر وظيفته اليمين.
(١٠) فإن صدق مدعي
الكل فهو المنكر في نصف العين لأن نصفها الأول له بلا منازع فيقدم ـ
عليه ما فصّل (١)
، (وللآخر إحلافهما) (٢) ، ولو أقاما بينة (٣) فللمستوعب (٤) النصف ، وتعارضت
البينتان في الآخر ، فيحكم للأعدل فالأكثر فالقرعة ويقضي لمن خرج بيمينه (٥) ، فإن
امتنع حلف الآخر (٦) فإن نكلا قسم بينهما ، فللمستوعب ثلاثة أرباع وللآخر الربع ،
وقيل (٧) : يقسم على ثلاثة ، فلمدعي الكل اثنان ،
______________________________________________________
ـ قوله مع يمينه ،
وإن حلف فالكل له.
وإن صدق مدعي
النصف فهو المنكر في النصف المتنازع فإن حلف فالنصف المتنازع له ، والنصف الأول
لمدعي الكل.
(١) من كلام
الشارح عند قول المصنف في المسألة السابقة (ولو خرجا).
(٢) أي وللخصم
الآخر إحلاف خصمه والمصدّق ، أما إحلاف خصمه فلأن الخصم منكر ، وأما إحلاف المصدّق
فلا يتم إلا إذا ادعى عليه العلم بأن العين له على ما تقدم في المسألة السابقة ،
وفائدة هذا الحلف هو الغرم لا القضاء بالعين ، بحيث لو نكل وقضينا بالنكول فيغرّم
المصدّق له قيمة ما أقر ، والنصف المقر للمقر له.
(٣) وكان الثالث
قد صدقهما أو أنكرهما معا ، أما لو صدق أحدهما دون الآخر فالمصدّق لا تقبل بينته
لأنه ذو يد فوظيفته اليمين لا البينة ، فلو أنكرهما وأقاما البينة فلمدعي الكل
النصف الذي لا نزاع فيه ، وفي النصف الآخر ترجيح الأعدل ثم الأكثر ومع التساوي
فالقرعة ، ومن خرج اسمه حلف وأعطي النصف فإن نكل أحلف الآخر وأخذ ، ولو نكلا قسّم
النصف المتنازع عليه نصفين بينهما كما تقدم فيما لو ادعى كلّ منهما عينا وكانت
العين خارجة عن أيديهما وأما لو صدقهما فيجب ـ كما في المسألة السابقة ـ مع قيام
البينة من كل منهما تنصيف النصف بينهما بحيث يكون لكل منهما ما في يد صاحبه بناء
على ترجيح بينة الخارج ، إلا أن كلام الشارح هنا أن الحكم بالترجيح للأعدل ثم
الأكثر ثم للقرعة جار سواء صدقهما أو أنكرهما وعلى كل فيكون لمدعي الكل ثلاثة
أرباع ولمدعي النصف الربع.
(٤) أي مدعي الكل.
(٥) فيما لو
أنكرهما فقط ، أما لو صدقهما أو صدق أحدهما فله حكمه وقد تقدم.
(٦) فإن امتنع
مدعي النصف وحلف مدعي الكل فالكل له ، وإن امتنع مدعي الكل وحلف مدعي النصف فالنصف
المتنازع له والنصف الآخر لمدعي الكل.
(٧) قال الشارح في
المسالك : (وذهب ابن الجنيد إلى اقتسامهما ـ المتداعيين ـ ما يتنازعان فيه على
طريق العول ، فيجعل هنا لمدعي الكل الثلثان ، ولمدعي النصف الثلث ، لأن المنازعة
وقعت في أجزاء غير معينة ولا مشار إليها ، بل كل واحد من أجزائها لا يخلو من دعوى
ولمدعي النصف واحد
، لأن المنازعة وقعت في أجزاء غير معينة فيقسم على طريق العول على حسب سهامها وهي
ثلاثة كضرب الديان مع قصور مال المفلس ، وكل موضع حكمنا بتكافؤ البينات ، أو
ترجيحها بأحد الأسباب إنما هو مع إطلاقها (١) أو اتحاد التاريخ.
(ولو كان تاريخ إحدى البينتين أقدم قدمت) (٢) لثبوت الملك بها سابقا فيستصحب. هذا إذا شهدتا بالملك
المطلق ، أو المسبب ، أو بالتفريق. أما لو
______________________________________________________
ـ كل منهما ،
باعتبار الإشاعة ، فلا يتم ما ذكروه من خلوص النصف لمدعي الكل من غير منازع ، بل
كل جزء يدعي مدعي النصف نصفه ، ويدعى مدعي الكل كله ، ونسبة إحدى الدعويين إلى
الأخرى بالثلث ، فتقسم العين أثلاثا ، واحدا لمدعي النصف واثنتين لمدعي الكل ،
فيكون كضرب الدّيان في مال المفلس والميت ، وفي المختلف وافق ابن الجنيد على ذلك
مع زيادة المدعيين على اثنين ، إلا أن ابن الجنيد فرض الحكم على تقدير كون العين
بيديهما ، والعلة تقتضي التسوية بين الداخلتين والخارجتين حيث تقتسمان ، وفي
القواعد جعل قول ابن الجنيد احتمالا على تقدير خروجهما ، كما هو محتمل على تقدير
الدخول ، والأصح المشهور ، والجواب عن حجة العول أن مدعي الكل يسلم له نصف مشاع
بغير نزاع ، وهو كاف في المطلوب ، وإن كان النزاع واقعا في كل جزء باعتبار التعيين).
انتهى.
(١) من دون تاريخ.
(٢) كما عن الشيخ
وابني إدريس وحمزة ، ونسبه في المسالك إلى المشهور ، وعلّل بأن الأقدام يثبت الملك
في وقت لا تعارضه البينة اللاحقة فيه ، وإنما يتساقطان في محل التعارض دون السابق
الذي لا معارض له في وقته المختص به ، والأصل في الثابت دوامه ، ويشهد له صحيح ابن
سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن علي عليهالسلام أنه كان إذا اختصم الخصمان في جارية فزعم أحدهما أنه
اشتراها ، وزعم الآخر أنه أنتجها ، وكانا إذا أقاما البينة جميعا ، قضى بها للذي
أنتجت عنده) .
ويحتمل تقديم
المتأخرة لأنها لو شهدت بأنه اشتراها من الأول لقدمت على المتقدمة قطعا لأنها لما
صرحت بالشراء كانت حاكمة على الأولى لأنها اطلعت على ما لم تطلع عليه الأخرى. وهذا
كله فيما إذا كانت العين خارجة عن أيديهما.
__________________
شهدت إحداهما
باليد والأخرى بالملك (١) ، فإن كان المتقدّم هو اليد رجح الملك لقوته وتحققه الآن
، وإن انعكس ففي ترجيح أيهما قولان للشيخ ، وتوقف المصنف في الدروس مقتصرا على
نقلهما.
(القول في القسمة (٢)
(وهي تمييز أحد النصيبين) فصاعدا (عن الآخر ، وليست بيعا) عندنا (وإن كان فيها رد (٣) ، لأنها لا تفتقر إلى صيغة ، ويدخلها الإجبار ...
______________________________________________________
(١) لا ريب في أن
الشهادة بالملك أولى من الشهادة باليد ، لأن اليد تحتمل الملك وتحتمل غيره من
العارية والإجارة بخلاف الملك فإنه صريح في المطلوب هذا مع اتحاد تاريخهما أو كانت
شهادة الملك متأخرة وأما لو كانت شهادة الملك متقدمة فللشيخ قولان ، ففي المبسوط
يقدم المتأخر وإن كانت شهادة اليد ، لأن اليد كما تحتمل العارية والإجارة من أنواع
التصرف التي لا تستند على الملك فكذلك شهادة الملك المتقدمة تحتمل أنه قد باعها
بعد ثبوت ملكه إلى غيره فالترجيح بالحالي لأن ظاهره الملك ، وفي الخلاف رجح السابق
لأنه منفرد بالزمن السابق من دون معارض فيستصحب وهو الذي اختاره المحقق.
(٢) قال الشارح في
المسالك : (إنما ذكر أحكام القسمة في كتاب القضاء ، لأن القضاء لا يستغني عن
القسام للحاجة إلى قسمة المشتركات ، بل القسام كالحاكم فحسن الكلام في القسمة في
هذا الكتاب ـ أي كتاب القضاء ـ ، كما فعله جماعة من الفقهاء ، ومن أفردها كتابا
برأسها نظرا إلى استقلالها بالأحكام كغيرها من كتب الفقه). انتهى.
هذا ولا ريب في
مشروعية القسمة قال تعالى : (وَإِذٰا حَضَرَ
الْقِسْمَةَ) وقال تعالى : (نَبِّئْهُمْ أَنَّ
الْمٰاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) ، وقد ورد أن عبد الله بن يحيى كان قساما لأمير المؤمنين عليهالسلام .
هذا والقسمة هي
تمييز الحق لكل شريك عن حق غيره ، وهي ليست بيعا وإن اشتملت على رد ، لأنها لا
تفتقر إلى صيغة ، ويدخلها الإجبار ولا بد من تساوي الحصص فيها والبيع ليس فيه شيء
من ذلك ، بلا خلاف في ذلك ، وخالف بعض العامة.
(٣) عند زيادة حصة
أحد الشريكين.
__________________
ويلزمها (١)
ويتقدّر أحد النصيبين بقدر الآخر ، والبيع ليس فيه شيء من ذلك ، واختلاف اللوازم
يدل على اختلاف الملزومات ، واشتراك كل (٢) جزء يفرض قبلها (٣) بينهما ، واختصاص
كل واحد بجزء معين ، وإزالة ملك الآخر عنه (٤) بعدها (٥) بعوض مقدّر بالتراضي ليس
حد البيع حتى يدل عليه. وتظهر الفائدة (٦) في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها وعدم
بطلانها بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض في البيع ، وعدم خيار المجلس
وغير ذلك (٧).
(ويجبر الشريك) على القسمة (لو التمس شريكه) القسمة ، (ولا ضرر ولا رد
(٨).
______________________________________________________
(١) أي ويلزمها
الحاكم على بعض الفرقاء كما سيأتي.
(٢) شروع في رد
دليل من خالف من العامة بأنها بيع واستدل المخالف بأن كل جزء مشترك بين الشريكين
فتخصيص كل واحد بجزء معين وإزالة ملك الآخر عنه بعوض مقدر وهو ملكه في الجزء الآخر
على جهة التراضي يقتضي البيع لأن ذلك حده ، وفيه : إن حد البيع هو مبادلة عين بمال
كما سيأتي وهو أجنبي عمّا تقدم.
(٣) قبل القسمة.
(٤) عن هذا الجزء
المعين الذي خص به الأول.
(٥) بعد القسمة.
(٦) بين القولين
من أنها بيع أو لا.
(٧) من أحكام
البيع.
(٨) العين
المشتركة إما أن لا يعظم الضرر في قسمتها أو يعظم ، وعلى الأول إما أن تكون مثلية
وهي المتساوية الأجزاء في القيمة والصفات كالحبوب والادهان وإما قيمية لكنها
متشابهة الأجزاء كالدار المتفقة الأبنية والأرض المتشابهة الأجزاء بحيث يمكن
قسمتها على عدد الشركاء من غير رد ولا ضرر ، أو تتوقف القسمة على الرد ، وعلى
الثاني فالضرر إما على الجميع أو على البعض ، فالأقسام خمسة ثلاثة على الأول
واثنان على الثاني.
فالأول : ما لو
كانت القسمة متساوية الأجزاء في القيمة والصفات فيجبر الشريك على القسمة لو امتنع
عند التماس شريكه القسمة بلا خلاف فيه ، لوجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع عدم الضرر
والضرار ، ولأن الإنسان له ولاية الانتفاع بماله ، ولا ريب أن الانفراد أكمل نفعا
فيجب على شريكه الاستجابة إلى القسمة ما دام لا ضرر فيها.
والثاني : ما لو
كانت القسمة في القيمي ولا ردّ ولا ضرر فكذلك كالأول.
والثالث : ما لو
كانت العين قيمية والقسمة تقتضي الرد من أحد الشريكين على الآخر ، ـ
والمراد بالضرر (١)
نقص قيمة الشقص بها (٢) عنه (٣) منضما نقصا فاحشا على ما اختاره المصنف في الدروس
، وقيل : مطلق نقص القيمة ، وقيل : عدم الانتفاع به منفردا ، وقيل : عدمه (٤) على
الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ، والأجود الأول.
(ولو تضمنت ردا) أي دفع عوض خارج عن المال المشترك من أحد الجانبين (لم يجبر) الممتنع منهما ،
لاستلزامه المعاوضة على جزء من مقابله صوري (٥) ، أو معنوي وهو (٦) غير لازم ، (وكذا) لا يجبر الممتنع (لو كان فيها ضرر ، كالجواهر والعضائد)
______________________________________________________
ـ فلا يجبر الشريك
على القسمة لو التمسها شريكه ، لأن فيها معاوضة على أجزاء لأحدهما بمال خارجي وهو
غير لازم القبول.
والرابع : فيما لو
كان الضرر على كل الشركاء فلا يجبر الممتنع لقاعدة لا ضرر ولا ضرار.
والخامس : فيما لو
كان الضرر على البعض ، فإن كان البعض هو الممتنع فلا يجبر لقاعدة نفي الضرر
المتقدمة ، وإن كان الضرر على الملتمس للقسمة وشريكه الآخر لا ضرر عليه فيجبر
لارتفاع المانع من القسمة بعد أن رضي الملتمس بالنقصان والضرر.
(١) قد اختلف في
معنى الضرر المانع من القسمة ، فقيل ـ كما عن الشيخ في الخلاف ـ : إنه عدم
الانتفاع بالنصيب بعد القسمة ، وبطلان المنفعة هو مناط الضرر ، وهو منفي لقاعدة لا
ضرر ولا ضرار.
وقيل كما عن الشيخ
في المبسوط ـ : إنه نقصان القيمة وإن بقيت المنفعة نظرا إلى أن فوات المالية موجب
للضرر.
وقيل : عدم
الانتفاع به منفردا فيما كان ينتفع به مع الشركة ، وإن لم تنقص قيمته ولم تبطل
منفعته من غير هذا الوجه.
وقيل : هو نقصان
القيمة نقصانا فاحشا بحيث يحصل به الضرر عرفا وهو خيرة الشهيد في الدروس ، ولو قيل
: بأنه مطلق نقصان العين أو القيمة أو الارتفاع مما يوجب معه صدق الضرر عرفا لكان
أولى من دون تخصيصه في نقصان المنفعة أو القيمة فقط.
(٢) بالقسمة.
(٣) عن الشقص.
(٤) أي عدم
الانتفاع.
(٥) وهما وصفان
للجزء ، فالصوري عند اقتضاء القسمة لزيادة أحد النصيبين من حيث الكمية ، والمعنوي
عند اقتضاء القسمة لزيادة أحد النصيبين من حيث الكيفية.
(٦) أي الرد ، وهو
غير واجب على الشريك لو التمس شريكه القسمة.
(الضيقة والسيف). والضرر في هذه المذكورات يمكن اعتباره بجميع المعاني (١)
عدا الثالث في السيف (٢) فإنه ينتفع بقسمته غالبا في غيره (٣) مع نقض فاحش (فلو طلب) أحدهما (المهاياة) (٤) وهي قسمة المنفعة بالأجزاء ، أو بالزمان (جاز ولم يجب) إجابته ، سواء كان مما يصح قسمته إجبارا أم لا ، وعلى تقدير الإجابة لا يلزم
الوفاء بها ، بل يجوز لكل منهما فسخها ، فلو استوفى أحدهما ففسخ الآخر ، أو هو كان
عليه أجرة حصة الشريك (٥).
(وإذا عدّلت السهام) بالأجزاء إن كانت في متساويها كيلا ، أو وزنا ، أو ذرعا ،
أو عدّا بعدد الأنصباء ، أو بالقيمة (٦) إن اختلفت ، كالأرض والحيوان و (اتفقا على اختصاص كل واحد بسهم لزم) من غير قرعة لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتميز الحق ،
ولا فرق بين قسمة الرد وغيرها ، (وإلا) يتفقا على الاختصاص (أقرع (٧) بأن يكتب (٨) أسماء الشركاء ، أو السهام كل في رقعة
______________________________________________________
(١) المذكورة في
تفسير الضرر.
(٢) فالثالث عدم
الانتفاع به منفردا وهو غير جار في السيف بعد قسمته ، لأنه بعد القسمة ينتفع في
أبعاضه في غير الحرب وأما بقية معاني الضرر فتجري فيه ، وفيه أن أبعاض الجواهر
ينتفع بها بعد قسمتها ولو في الأدوية وغيرها فلا يتصور بطلان منفعتها حتى يجري
فيها التفسير الثالث للضرر.
(٣) أي غير الحرب
، والحرب هو مجال الانتفاع به قبل قسمته.
(٤) لا تجب إجابته
، لأنه ليس طلب قسمة العين ، بل طلب قسمة المنفعة ، ووصوله إلى حقه من المنفعة ليس
منحصرا بالمهاياة حتى تجب إجابته فيها.
(٥) لتفويت منفعته
في حصته لما كانت تحت يد الثاني بتمامها وقت المهاياة.
(٦) أي عدلت
السهام بالقيمة عند تفاوت الأجزاء.
(٧) لأن القرعة
لكل أمر مشكل وهذا منها.
(٨) الواجب هو القرعة
لتعيين كل قسم لصاحبه من الشركاء ، وأما كيفية القرعة فلا يجب الالتزام بكونها على
نحو مخصوص ، قال صاحب الجواهر : (والظاهر عدم وجوب خصوص كتابة الرقاع وعدم الصون
في ساتر ، بل وعدم وجوب كون المأمور مكلفا ، بل وغير ذلك من القيود المزبورة ، إذ
المراد حصول التعيين من غير اختيارهما أو وكيلهما ، بل يفوضان أمره ـ أي أمر
التعيين ـ إلى الله ، ويفعلان ما يفيده) انتهى.
وتصان ويؤمر من لم
يطّلع على الصورة بإخراج إحداهما (١) على اسم أحد المتقاسمين ، أو أحد السهام. هذا
إذا اتفقت السهام قدرا (٢) ، ولو اختلفت (٣) قسّم على أقل السهام وجعل لها (٤) أول
(٥) يعينه المتقاسمون وإلا الحاكم ، وتكتب أسماؤهم لا أسماء السهام حذرا من
التفريق ، فمن خرج اسمه أولا أخذ من الأول وأكمل نصيبه منها (٦) على الترتيب ، ثم
يخرج الثاني إن كانوا أكثر من اثنين وهكذا ، ثم إن اشتملت القسمة على رد اعتبر رضاهما
بعدها (٧) وإلا فلا.
(ولو ظهر غلط) (٨) في القسمة ببينة ، أو باطلاع المتقاسمين (بطلت ، ولو ادعاه) أي الغلط (أحدهما ولا بينة حلف الآخر) لأصالة الصحة ، فإن حلف (تمت) القسمة ، (وإن نكل) عن اليمين (حلف المدعي) إن لم يقضّ بالنكول (ونقضت. ولو ظهر) في المقسوم (استحقاق بعض (٩)
معين بالسوية) لا يخلّ
______________________________________________________
(١) أي إحدى
الرقعتين فيما لو كانت القرعة على أحد الأسماء أو أحد السهام.
(٢) فيما لو كان
سهم كل شريك بقدر سهم الآخر.
(٣) كما لو كانت
الأرض بين ثلاثة ، ولأحدهم النصف وللثاني الثلث وللثالث السدس ، فتقسم الأرض
أسداسا ، وترقّم بحيث يجعل السدس الأول ثم الثاني ثم الثالث إلى الآخر ، وتكون
القرعة على الأسماء فمن خرج اسمه أولا أعطي حصته بمعنى يعطى السدس الأول فإن كان
بمقدار حصته فهو وإلا فأعطي السدس الثاني والثالث وهكذا ، وعليه فلو خرجت القرعة
باسم صاحب السدس أعطي السدس الأول فقط ، وإن خرجت باسم صاحب الثلث أعطي السدس
الأول والثاني ، وإن خرجت باسم صاحب النصف أعطي السدس الأول والثاني والثالث ، ثم
بعد إعطاء الأول حصته يبقى من الشركاء اثنان ، فيقرع بينهما فمن خرج اسمه أعطي
حصته بالبيان السابق.
(٤) للسهام.
(٥) أي ترقيم
فترتب أولا وثانيا وثالثا وهكذا.
(٦) من السهام.
(٧) أي بعد
القسمة.
(٨) فإن ادعى أحد
الشريكين الغلط في التقسيم لا تسمع دعواه إلا بالبينة لأصالة الصحة في فعل المقسّم
إلا أن يظهر المزيل ، وإذ لا بينة له فإن وافقه شريكه على الغلط بطلت القسمة للعلم
الحاصل لهما بعد وصول الحق إلى أحدهما فلا يجوز للآخر حينئذ التصرف ، وإن لم
يوافقه فله اليمين عليه إن ادعى عليه العلم بالغلط.
(٩) لو اقتسما ثم
ظهر أن البعض مستحق للغير ، فإن كان معينا مع أحدهما بطلت القسمة ـ
إخراجه بالتعديل (فلا نقض) ، لأن فائدة
القسمة باقية ، وهو إفراد كل حق على حدة ، (وإلا) يكن متساويا في السهام بالنسبة (نقضت) القسمة لأن ما
يبقى لكل واحد لا يكون بقدر حقه ، بل يحتاج أحدهما إلى الرجوع على الآخر ، وتعود
الإشاعة ، (وكذا لو كان) المستحق (مشاعا) ، لأن القسمة حينئذ لم تقع برضا جميع الشركاء.
______________________________________________________
ـ بلا خلاف ولا
إشكال لبقاء الشركة في النصيب الآخر مع عدم تعديله ، ولو كان المستحق المعيّن
عندهما بالسوية لم تبطل بلا خلاف فيه لأن فائدة القسمة باقية وهي إفراز كل واحد من
الحقين ، ولو كان المستحق لا بالسوية فيهما بطلت القسمة لتحقق الشركة كما هو واضح
، ولو كان المستحق مشاعا معهما فللشيخ قولان :
أحدهما : لا تبطل
فيما زاد عن المستحق.
والثاني : البطلان
لأن مقصود القسمة التمييز ولا تميز هنا فلا يزال الآخر شريكا فيما زاد عن المستحق
فلا بد من رضاه الموجب للقسمة من جديد.
كتاب الشهادات
كتاب الشهادات
(وفصوله أربعة) :
(وشرطه البلوغ (١) إلا في) الشهادة على (الجراح) ما لم يبلغ
______________________________________________________
(١) أما غير
المميز فلا خلاف فيه ، وأما المميز ، فقيل : تقبل شهادته مطلقا إذا بلغ عشر سنين
في القتل والجرح وغيرهما ، وقال في الجواهر : (بل اعترف غير واحد بعدم معرفة
القائل به ، وإن نسب إلى الشيخ في النهاية ولكنه وهم) ، نعم يدل على هذا القول
أخبار.
منها : خبر أبي
أيوب الخزاز (سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال : إذا بلغ عشر
سنين ، قلت : ويجوز أمره ، فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى
تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته) وخبر عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شهادة الصبي والمملوك؟ فقال : على قدرها يوم أشهد ،
تجوز في الأمر الدون ولا تجوز في الأمر الكبير) وخبر طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه
عن علي عليهمالسلام (شهادة الصبيان
جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم) ، ولكنها مهجورة عند الأصحاب على أن الأولى غير منقولة عن
المعصوم عليهالسلام والثانية مشتملة على ما لم يقل به أحد من الأصحاب من عدم
قبول شهادة المملوك في الأمر الكبير ، والثالثة يمكن حملها على القتل ولا تأبى ذلك
، فلذا لا تصلح لمعارضة الطائفة الدالة على عدم جواز شهادة الصبي.
منها : صحيح محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (في الصبي يشهد
على الشهادة ، فقال : ـ
__________________
النفس (١) ، وقيل
: مطلقا (٢) (بشرط بلوغ العشر) سنين (وأن يجتمعوا على مباح ، وأن لا ينفرقوا) بعد الفعل المشهود به إلى أن يؤدوا الشهادة. والمراد حينئذ
أن شرط البلوغ ينتفي ويبقى ما عداه من الشرائط التي من جملتها العدد ، وهو اثنان
______________________________________________________
ـ إن عقله حين
يدرك أنه حق جازت شهادته) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : إن شهادة الصبيان إذا اشهدوهم وهم صغار جازت إذا كبروا
ما لم ينسوها) ومثلها غيرها.
نعم اختلفوا في
قبول شهادة الصبي في الجرح والقتل ، ففي صحيح جميل (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : تجوز شهادة الصبيان؟ قال : نعم في القتل يؤخذ بأول كلامه
ولا يؤخذ بالثاني منه) وصحيح محمد بن حمران (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شهادة الصبي؟ فقال : لا ، إلا في القتل يؤخذ بأول كلامه
ولا يؤخذ بالثاني) والخبران قد ذكرا القتل فيدخل الجراح بطريق أولى ولذا ذكر
الأكثر أن شهادة الصبي تقبل في القتل والجراح ، وعن الشيخ في الخلاف والمحقق في
النافع الاقتصار على الجراح فقط ، وعن التحرير والدورس اشتراط أن لا يبلغ الجراح
النفس ، وفيه : إن الخبرين الواردين متضمنان للقتل فعلى القول بالتعدي إلى الجراح
لا داعي لهذا الاشتراط وإن بلغ الجراح النفس ، ثم إن من اقتصر على الجراح قد اقتصر
بدعوى أن التهجم على الدماء بخبر الواحد خطر ، إذ لو قبلت شهادة الصبيان في القتل
كما هو مقتضى الخبرين لوجب قتل القاتل قصاصا وهو تهجم على الدم بخبر الواحد ،
فالأولى الاقتصار في قبول شهادة الصبيان على الجراح فقط ، وفيه : إن ردّ الخبرين
بداعي الاحتياط يقتضي عدم قبول الشهادة في الجراح ، كما أن القبول في الجراح
اعتمادا على هذين الخبرين يقتضي القبول في القتل.
ثم إن الخبرين قد
اشترطا الأخذ بأول كلامهم دون الثاني إلا أن الأصحاب منهم المحقق زاد اشتراط بلوغ
الصبي منهم العشر وأن لا يتفرقوا قبل أداء الشهادة ويمكن أن يكون ذلك مستفادا من
خبر أبي أيوب الخزاز وخبر طلحة بن زيد السابقين بعد حملهما على القتل الذي هو مورد
قبول شهادة الصبي ، واشترطوا في قبول شهادتهم أن يكون اجتماعهم على مباح وهو شرط
لا دليل عليه كما في المسالك.
(١) كما هو مختاره
في الدروس.
(٢) كما عن
الأكثر.
__________________
في ذلك (١)
والذكورية ، ومطابقة الشهادة للدعوى ، وبعض الشهود لبعض ، وغيرها ، ولكن روي هنا
الأخذ بأول قولهم لو اختلف ، والتهجم على الدماء في غير محل الوفاق ليس بجيد (٢).
وأما العدالة
فالظاهر أنها غير متحققة (٣) لعدم التكليف الموجب للقيام بوظيفتها من جهة التقوى ،
والمروءة غير كافية ، واعتبار صورة الأفعال (٤) والتروك لا دليل عليه ، وفي اشتراط
اجتماعهم على المباح تنبيه عليه (٥).
(والعقل) (٦) فلا تقبل شهادة المجنون حالة جنونه ، فلو دار جنونه قبلت
شهادته مفيقا بعد العلم باستكمال فطنته في التحمل والأداء (٧) ، وفي حكمه الأبله
والمغفل (٨) ...
______________________________________________________
(١) أي في الشهادة
على الجراح.
(٢) فالأخذ بشهادة
الصبيان من دون احراز هذه الشرائط وإن لم يقم الدليل على بعضها ليس بجيد.
(٣) في شهادة
الصبيان المقبولة في القتل والجرح لعدم الدليل على اشتراطها.
(٤) أي أن الحكم
بعدالتهم بمجرد صورة الأفعال في الواجبات وصورة التروك في المحرمات مما لا دليل
عليه أيضا.
(٥) أي على عدم
تحقق العدالة فيهم كما هو ظاهر عبارة المصنف.
(٦) فلا تقبل
شهادة المجنون الاطباقي بالاتفاق ، ولا الادواري حال جنونه لقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) والعدالة مشروطة بالتكليف ، ولا تكليف في حق المجنون ،
وقال تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدٰاءِ) والمجنون غير مرضي.
(٧) فتقبل شهادته
لانتفاء المانع.
(٨) الأبله من
البله بمعنى الغفلة فالعطف تفسيري ، ولا تقبل شهادته لعدم تفطنه لمزايا الأمور
وتفاصيلها ، ويدخل عليه الغلط والتزوير من حيث لا يشعر ، ويدل عليه مرسل الإمام
العسكري عليهالسلام في تفسيره عن أمير المؤمنين عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدٰاءِ) قال : (ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما ـ
__________________
الذي لا يتفطن
لمزايا الأمور ، (والإسلام) (١) فلا تقبل شهادة الكافر وإن كان ذميا ، (ولو كان المشهود عليه كافرا على الأصح) لاتصافه بالفسق والظلم المانعين من قبول الشهادة ، خلافا
للشيخ رحمها لله حيث قبل شهادة أهل الذمة لملتهم وعليهم استنادا إلى رواية ضعيفة ،
وللصدوق (٢) حيث قبل شهادتهم على مثلهم وإن خالفهم في الملة كاليهود على النصارى.
ولا تقبل شهادة
غير الذمي إجماعا ، ولا شهادته على المسلم إجماعا.
______________________________________________________
ـ يشهد به ،
وتحصيله وتمييزه ، فما كل صالح مميّزا ولا محصلا ، ولا كل محصل مميّز صالح) .
(١) فتقبل شهادة
المسلم على المسلم وغيره ، ولا تقبل شهادة الكافر ذميا أو حربيا على المسلم بلا
خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح أبي
عبيدة عن أبي عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة
المسلمين على جميع أهل الملل ، ولا تجوز شهادة أهل الذمة ـ الملل ـ على المسلمين) .
وهل تقبل شهادة
الذمي على الذمي ، فعن الشيخ في المبسوط القبول إذا كان الشاهد والمشهود له من ملة
واحدة لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن شهادة أهل
الملة فقال : لا تجوز إلا على أهل ملتهم) .
وعن ابن الجنيد
القبول وإن اختلفا في الملة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (هل تجوز شهادة
أهل الذمة على غير أهل ملتهم؟ قال : نعم ، إن لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة
غيرهم ، أنه لا يصلح ذهاب حق أحد) .
وعن المشهور عدم
القبول مطلقا للأخبار الكثيرة المشترطة لإسلام الشاهدين وعدالتهما ، وسيمرّ عليك
بعضها ، وفيه : إنها واردة فيما لو كان المشهود عليه مسلما كما هو مورد غالبها.
ثم إذا كان الشاهد
حربيا فلا تقبل شهادته على غيره ولو من أهل ملته بلا خلاف فيه ، ويمكن القول إنه
إذا كانت شهادته على حربي مثله تصح تمسكا بالتعليل لصحيح الحلبي المتقدم ، بل وإن
كان المشهود عليه ذميا للاطلاق في موثق سماعة للمتقدم.
(٢) وفي الجواهر
جعل ابن الجنيد هو صاحب هذا القول.
__________________
(إلا في الوصية (١) عند عدم) عدول (المسلمين) فتقبل شهادة الذمي بها ، ويمكن أن يريد اشتراط فقد
المسلمين مطلقا (٢) بناء على تقديم المستورين (٣) والفاسقين اللّذين لا يستند
فسقهما إلى الكذب وهو قول العلامة في التذكرة ، ويضعف باستلزامه (٤) التعميم (٥)
في غير محل الوفاق وفي اشتراط السفر
______________________________________________________
(١) تقبل شهادة
الذمي في الوصية عند عدم العدول من المسلمين بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ
الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ ، أَوْ آخَرٰانِ
مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصٰابَتْكُمْ
مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ، تَحْبِسُونَهُمٰا مِنْ بَعْدِ الصَّلٰاةِ ،
فَيُقْسِمٰانِ بِاللّٰهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لٰا نَشْتَرِي بِهِ
ثَمَناً ، وَلَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ ، وَلٰا نَكْتُمُ
شَهٰادَةَ اللّٰهِ إِنّٰا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) ، وللأخبار.
منها : صحيح أحمد
بن عمر قال : (سألته عن قول الله عزوجل : ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ، قال : اللذان منكم
مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس ،
لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : سنّوا بهم سنة أهل الكتاب ، وذلك إذا مات الرجل بأرض
غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما ، فرجلان من أهل الكتاب) وخبر حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن قول
الله عزوجل : ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ، فقال : اللذان منكم
مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة
فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين
من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما) .
(٢) وإن كانوا
فسقة لأن العلامة في التذكرة قدم عليهم فساق المسلمين إذا كان فسقهم بغير الكذب
والخيانة وهو ضعيف لعدم قبول شهادة الفساق من المسلمين ، وقياسهم على أهل الذمة
كما ورد بهم النص لا نقول به.
(٣) بناء على أن
العدالة هي ظاهر الإسلام فتقبل شهادتهم وتقدم على شهادة أهل الذمة ، وأما بناء على
أن العدالة هي ملكة نفسانية راسخة فيحتمل تقديم عدول الذمة للآية ، ويحتمل تقديم
المستور وبه قطع العلامة في التذكرة وجعله الشارح في المسالك أولى.
(٤) أي استلزام
قبول قول الفاسقين والمستورين.
(٥) أي قبول
شهادتهم في الوصية عند عدم عدول المسلمين مع أن محل الوفاق هو قبول شهادة الذمي
عند عدم عدول المسلمين لا قبول شهادة الفاسق والمستور.
__________________
قولان (١) :
أظهرهما العدم ، وكذا الخلاف في إحلافهما بعد العصر (٢) فأوجبه العلامة عملا بظاهر
الآية (٣). والأشهر العدم فإن قلنا به فليكن بصورة الآية بأن يقولا بعد الحلف
بالله : (لٰا نَشْتَرِي
بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ وَلٰا نَكْتُمُ
شَهٰادَةَ اللّٰهِ إِنّٰا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (٤).
(والإيمان) (٥) وهو هنا ...
______________________________________________________
(١) ذهب الشيخ في
المبسوط وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى اشتراط السفر لاشتراطه في الآية المتقدمة وفي
بعض النصوص كخبر حمزة بن حمران وصحيح أحمد بن محمد المتقدمين ، والأشهر على عدم
الاشتراط لورود الشرط مورد الغالب ، ويؤيده أن في بعض الأخبار عدم الاشتراط مثل
خبر ضريس الكناني عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن شهادة
أهل الملل هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملتهم؟ فقال : لا إلا أن لا يوجد في
تلك الحال غيرهم ، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصلح ذهاب
حق امرئ مسلم ولا تبطل وصيته) .
(٢) فأوجبه
العلامة والكركي في صورة الريبة للآية ولخبر يحيى بن محمد (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (يٰا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ) الآية ، قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من
أهل الكتاب ـ إلى أن قال ـ وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يوجد مسلمان أشهد
رجلين من أهل الكتاب يحبسان بعد العصر فيقسمان بالله ، لا نشتري به ثمنا ولو كان
ذا قربى ولا نكتم شهادة الله ، إنا إذا لمن الآثمين ، قال : وذلك إذا ارتاب ولي
الميت في شهادتهما) وعن الأكثر خلاف ذلك لخلو أكثر الأخبار عنه على وجه يعلم
منه عدم اعتباره ، والأولى الحلف بعد العصر لكون غالب الأخبار لم تتعرض للحلف لعدم
ورودها في مقام بيانه.
(٣) المائدة آية :
١٠٦.
(٤) المائدة آية :
١٠٦.
(٥) وهو الاعتقاد
بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن وإن اتصف بالإسلام ، لاتصافه
بالفسق والظلم المانعين من قبول شهادته بلا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ، لأنه غير
مرضي ، وقد تقدم قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدٰاءِ) وتقدم الخبر عن أمير المؤمنين عليهالسلام (ممن ترضون دينه
وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما ـ
__________________
الولاء فلا تقبل
شهادة غير الإمامي مطلقا (١) مقلدا كان أم مستدلا.(والعدالة) (٢)
______________________________________________________
ـ يشهد به) .
وهذا يتم فيما لو
كان المشهود عليه مؤمنا ، وأما إذا كان من أهل الخلاف فالأقوى قبول شهادة غير
المؤمن عليه لانصراف الأدلة المتقدمة عنه ، ولما قيل : إن سيرة أمير المؤمنين عليهالسلام في قضاياه إنما كانت على ذلك ، ولعله لقاعدة الإلزام
الواردة في حقهم.
(١) وإن كان
معدودا من فرق الشيعة.
(٢) اشتراطها في
الشاهد مما لا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدٰاءِ) والفاسق غير مرضي الدين ، ولقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) وهي نص في المطلوب ، وللأخبار.
منها : صحيح ابن
أبي يعفور (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم
وعليهم فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد وللسان ، ويعرف
باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها
النار من شرب
الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والغدار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك
كله أن يكون ساترا بجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته
وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس) الخبر ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا) ، وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (أن عليا عليهالسلام قال : لا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه) .
ثم إن الكلام في
العدالة تارة في حقيقتها وما تثبت بها ، وهذا قد تقدم في بحث عدالة إمام الجماعة
من كتاب الصلاة ، وأخرى ما بها تزول ، وهي تزول بالكبيرة مطلقا مع الاصرار وعدمه
لصحيح ابن أبي يعفور المتقدم ، وتزول بالصغيرة مع الاصرار لخبر محمد بن أبي عمير (سمعت
موسى بن جعفر عليهماالسلام ـ إلى أن قال ـ قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا كبير مع ـ
__________________
وهي هيئة نفسانية (١)
راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة (وتزول بالكبيرة) مطلقا (٢) ، وهي (٣) ما توعّد عليها بخصوصها في كتاب ، أو
سنة ، وهي (٤) إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبعين وسبعة.
______________________________________________________
ـ الاستغفار ولا
صغير مع الاصرار) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا صغيرة مع
الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) .
وعن جماعة أنها
تذهب بترك المروة وهو مما لا دليل عليه.
(١) قد عرفت ما
فيه من الضعف في كتاب الصلاة.
(٢) مع الاصرار
وعدمه.
(٣) أي الكبيرة
فقيل : إنها المعصية الموجبة للحد ، وقيل : إنها التي عليها الوعيد في الكتاب
والسنة ، وقيل إنها التي توعد الله عليها النار في الكتاب أو السنة وهو الصحيح
ويدل عليه صحيح ابن أبي يعفور المتقدم (ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله
عليها النار) ، وتقدم ما له النفع في كتاب الصلاة.
(٤) أي الكبائر
وهو بحث في عددها ، وهو مبني على انقسام الذنوب إلى الصغائر والكبائر ، وهو الذي
يدل عليه قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ) ، وهذا ما ذهب إليه المحقق وأكثر المتأخرين ، وعن جماعة
منهم المفيد وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والطبرسي بل نسبه في التفسير إلى
أصحابنا مطلقا أن جميع الذنوب كبائر وذلك لاشتراك الجميع في مخالفة أمر الله تعالى
، وجعلوا الوصف بالكبر والصغر إضافيا فالقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا
وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، والجميع كبيرة بالنسبة لمخالفة أمر الله تعالى ،
وكبيرة بالنسبة لنفسها ، والصحيح أن الجميع كبيرة بالنسبة لمخالفة أمر الله ، ولكن
بعضها كبيرة بالنسبة لنفسها وبالنسبة لغيرها كما هو ظاهر الآية المتقدمة. ثم إنه
على تقسيم الذنوب فالكبائر مختلف في عددها فعن بعضهم أنها سبع وعن آخر أنها عشر ،
وثالث : اثنتا عشر ، ورابع : عشرون ، وقال في الدروس : إنها إلى السبعين أقرب ،
وفي الروض : إنها إلى السبعمائة أقرب. وأيضا تقدم ما له نفع في كتاب الصلاة.
__________________
ومنها القتل
والربا والزنا واللواط والقيادة والدياثة ، وشرب المسكر ، والسرقة ، والقذف ،
والفرار من الزحف ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين ، والأمن من مكر الله ، واليأس
من روح الله ، والغصب والغيبة ، والنميمة ، واليمين الفاجرة ، وقطيعة الرحم ، وأكل
مال اليتيم ، وخيانة الكيل والوزن ، وتأخير الصلاة عن وقتها ، والكذب خصوصا على
الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وضرب المسلم بغير حق ، وكتمان الشهادة والرشوة ،
والسعاية إلى الظالم ومنع الزكاة ، وتأخير الحج عن عام الوجوب اختيارا ، والظهار ،
وأكل لحم الخنزير والميتة ، والمحاربة بقطع الطريق ، والسحر. للتوعد (١) على ذلك
كله ، وغيره (٢) ، وقيل : الذنوب كلّها كبائر ونسبه الطبرسي في التفسير إلى
أصحابنا مطلقا (٣) ، نظرا إلى اشتراكها في مخالفة أمر الله تعالى ونهيه ، وتسمية
بعضها صغيرا بالإضافة إلى ما هو أعظم منه ، كالقبلة بالإضافة إلى الزنا وإن كانت
كبيرة بالإضافة إلى النظرة ، وهكذا.
(والإصرار على الصغيرة) (٤) وهي ما دون الكبيرة من الذنب. والإصرار (٥) إما فعلي
كالمواظبة على نوع ، أو أنواع من الصغائر ، أو حكمي وهو العزم على فعلها ثانيا بعد
وقوعه وإن لم يفعل ، ولا يقدح ترك السنن (٦) إلا أن يؤدي إلى
______________________________________________________
(١) تعليل لكون
المذكورات من الكبائر.
(٢) أي وغير ما
ذكر فهو من الكبائر أيضا.
(٣) من دون خلاف.
(٤) عطف على
الكبيرة التي توجب إزالة العدالة.
(٥) قيل هو
الإكثار من الصغائر من نوع واحد أو أنواع مختلفة ، وقيل : إنه المداومة على نوع
واحد ، وقيل يحصل بكل منهما ، وقيل هو عدم التوبة لخبر جابر عن أبي جعفر عليهالسلام (في قول الله عزوجل : (وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، قال : الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث
نفسه بالتوبة فذلك الاصرار) .
(٦) قال الشارح في
المسالك : (ترك المندوبات لا يقدح في التقوى ولا يؤثر في العدالة ، إلا أن يتركها
أجمع فيقدح فيها لدلالته على قلة المبالاة بالدين والاهتمام بكمالات الشرع ، ولو
اعتاد ترك صنف منها كالجماعة والنوافل ونحو ذلك فكترك الجميع ، لاشتراكهما في ـ
__________________
التهاون فيها ،
وهل هذا هو مع ذلك من الذنوب ، أم مخالفة المروءة كل محتمل ، وإن كان الثاني أوجه
، (وبترك المروءة) (١) وهي التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه ، فالأكل في
السوق والشرب فيها لغير سوقي ، إلا إذا غلبه العطش ، والمشي مكشوف الرأس بين الناس
، وكثرة السخرية والحكايات المضحكة ، ولبس الفقيه لباس الجندي وغيره مما لا يعتاد
لمثله بحيث يسخر منه ، وبالعكس (٢) ، ونحو ذلك يسقطها (٣) ، ويختلف الأمر فيها
باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن ، ولا يقدح فعل السنن وإن استهجنها العامة ،
وهجرها الناس كالكحل ، والحنّاء ، والحنك في بعض البلاد ، وإنما العبرة بغير
الراجح شرعا.
(وطهارة المولد) (٤) ................
______________________________________________________
ـ العلة المقتضية
لذلك ، نعم لو تركها أحيانا لم يضرّ). انتهى.
ورده صاحب الجواهر
ولقد أجاد بقوله : (ولكن الانصاف عدم خلوه من البحث إن لم يكن إجماعا ، ضرورة عدم
المعصية في ترك جميع المندوبات ، أو فعل جميع المكروهات من حيث الإذن فيها ، فضلا
عن ترك صنف منها ، ولو للتكاسل والتثاقل منه ، واحتمال كون المراد بالتهاون
الاستخفاف فيه يدفعه أن ذلك من الكفر والعصيان ولا يعبّر عنه ببلوغ الترك حد
التهاون) انتهى.
(١) أي وتزول العدالة
بترك المروة وقد تقدم ضعفه.
(٢) وهو لباس
الجندي لباس الفقيه.
(٣) أي يسقط
العدالة.
(٤) فلا تقبل
شهادة ولد الزنا على المشهور شهرة عظيمة كما في الجواهر ، للأخبار.
منها : خبر أبي
بصير (سألت أبا جعفر عليهالسلام عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ فقال : لا ، فقلت : إن الحكم
بن عيينة يزعم أنها تجوز ، فقال : اللهم لا تغفر ذنبه ، ما قال الله للحكم : وإنه
لذكر لك ولقومك) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تجوز شهادة
ولد الزنا) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام (سألته عن ولد
الزنا هل تجوز شهادته؟ قال : لا يجوز ولا يؤم) .
وعن الشيخ في
المبسوط أنها تجوز ولعله لما رواه عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن الحسن عن أخيه
قال (سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال : نعم تجوز شهادته ولا يؤم) ، ولكنها لا تصلح لمعارضة ما تقدم.
__________________
فتردّ شهادة ولد
الزنا ولو في اليسير (١) على الأشهر وإنما تردّ شهادته مع تحقق حاله شرعا ، فلا
اعتبار بمن تناله الألسن وإن كثرت (٢) ما لم يحصل العلم ، (وعدم التهمة) (٣) بضم التاء وفتح الهاء ، وهي أن يجر إليه بشهادته نفعا ،
أو يدفع عنها بها ضررا.
______________________________________________________
(١) فعن الشيخ في النهاية وابن حمزة
قبول شهادته في اليسير لخبر عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن
شهادة ولد الزنا؟ فقال : لا تجوز إلا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحا) ، وهي لا تصلح
لمعارضة ما تقدم فلذا ذهب المشهور إلى عدم القبول ولو في الشيء اليسير ، لإطلاق
الأخبار المتقدمة.
(٢) بلا خلاف فيه لإطلاق الأدلة أو
عمومها.
(٣) بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر سماعة (سألته عما يردّ من
الشهود قال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتهم ،
كل هؤلاء ترد شهادتهم)
وخبر عبد الله بن سنان (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما يردّ من الشهود؟ قال :
الظنين والمتهم ، قلت : فالفاسق والخائن؟ قال : ذلك يدخل في الظنين) ومثله صحيح الحلبي وخبر أبي بصير .
وقال الشارح في المسالك : (إن مطلق
التهمة غير قادح في الشهادة ، بل التهمة في مواضع مخصوصة ـ إلى أن قال ـ وللتهمة
المانعة أسباب منها : أن يجرّ إلى نفسه بشهادته نفعا ولو بالولاية ، أو يدفع ضررا
، فلا يقبل شهادة السيد لعبده المأذون ، أو الغريم للميت والمفلس المحجور عليه ،
والوارث بجرح مورثه لأن الدية تجب له عند الموت بسبب الجرح ، فيلزم أن يكون شاهدا
لنفسه والشريك لشريكه فيما هو شريك ، والوكيل للموكل فيما هو وكيل فيه ، والوصي
والقيّم في محل تصرفهما) انتهى. وأما مطلق التهمة فليست بمانع لورود النصوص في
قبول شهادة الزوج لزوجته وبالعكس والصديق لصديقه والوالد لولده والأخ لأخيه.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله
عليهالسلام (تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها) وخبر عمار بن مروان
عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن
الرجل يشهد لامرأته قال : إذا كان خيرا ـ آخر ـ جازت شهادته معه لامرأته) وصحيح ـ
__________________
(فلا تقبل شهادة الشريك لشريكه في المشترك بينهما (١) بحيث يقتضي
______________________________________________________
ـ الحلبي عن أبي
عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة الولد
لوالده ، والوالد لولده والأخ لأخيه) .
نعم عن المشهور
عدم قبول شهادة الولد على الوالد لأن ما تقدم كانت شهادته له لا عليه واستدل له
بالاجماع وبمرسل الصدوق (لا تقبل شهادة الولد على والده) ، ولأن الشهادة عليه تكذيب له وهو عقوق. وفيه : أما دعوى
الإجماع فممنوعة لذهاب السيد إلى الخلاف ، وتردد العلامة في التحرير واختار الشهيد
القبول في الدروس ، والمرسل غير صالح لمقاومة صحيح داود بن الحصين عن أبي عبد الله
عليهالسلام (أقيموا الشهادة
على الوالدين والولد) ، وخبر علي بن سويد عن أبي الحسن عليهالسلام (كتب إليّ في
رسالته إليّ وسألت عن الشهادات لهم : فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين
والأقربين فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيما فلا) .
ثم لا ملازمة بين
الشهادة عليه وبين تكذيبه حتى يكون ذلك عقوقا ، إذ قد يكون الوالد مخطئا أو مشتبها
وإلا لو سلم أنه عقوق فكيف جاز الشهادة على الوالدة بالاتفاق مع أن حقها أعظم.
وعلى كل فعموم
الأدلة تقتضي قبول قول الشاهد ولو مع التهمة فلا يرفع اليد عنها إلا مع ورود أخبار
خاصة تدل على المنع لأنه متهم ، والأخبار الخاصة كما ستعرف إنما وردت في هذه
المواطن التي ذكرها الشارح ، فلذا حملت أخبار التهمة عليها فقط.
(١) وذلك كما لو
شهد : بأن هذا بيننا ، أما لو شهد بأن له النصف قبلت ويدل عليه نصوص.
منها : صحيح أبان (سئل
أبو عبد الله عليهالسلام عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلا في
شيء له فيه نصيب) ومنه يستفاد التعليل برد شهادته عند التهمة إذا كانت
شهادته تجر نفعا ماليا إليه ومنه يعرف تعدية الحكم إلى ما لو كانت شهادته تدفع
ضررا ماليا عنه ، ثم إن هذا يتم في الشريك والسيد والغريم إلى أخر ما ذكره الشارح
ما عدا الوصي فإنه لا يجر نفعا ماليا بشهادته بل يجر نفعا إلى غيره فيجب أن تقبل
شهادته بناء على ما استفيد من التعليل فضلا عن النص الخاص الآتي بقبول شهادته.
__________________
الشهادة المشاركة
، (ولا) شهادة الوصي في متعلق وصيته (١) ، ولا يقدح في ذلك (٢)
مجرد دعواه الوصاية ، ولا مع شهادة من لا تثبت بها (٣) ، لأن المانع ثبوت الولاية
الموجبة للتهمة بإدخال المال تحتها ، (ولا) شهادة (الغرماء للمفلس) والميت (٤) ، (والسيد لعبده (٥) على القول بملكه ، للانتفاع بالولاية عليه. والشهادة في
هذه الفروض جالبة للنفع.
(و) أما ما يدفع الضرر فشهادة (العاقلة بجرح شهود (٦) الجناية) خطأ ، وغرماء المفلس بفسق شهود دين آخر ، لأنهم يدفعون بها
ضرر المزاحمة. ويمكن اعتباره في النفع (٧) ، وشهادة الوصي والوكيل بجرح الشهود على
الموصي (٨) ، والموكل ، وشهادة الزوج بزنا زوجته التي قذفها لدفع ضرر الحد. ولا
يقدح مطلق
______________________________________________________
(١) بأن يدعي مالا
لليتيم وهو وصي عليه ، والمشهور عدم القبول للتهمة ، وعن جماعة القبول لمكاتبة
الصفّار إلى أبي محمد عليهالسلام (أيجوز للوصي أن
يشهد لوارث الميت صغيرا أو كبيرا وهو القابض للصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع عليهالسلام : نعم وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم الشهادة) ، وهو الأقوى لعدم جر النفع بشهادته إليه بل إلى اليتيم.
(٢) أي في
الشهادة.
(٣) أي فلو ادعى
الوصاية وأتى بشهادة غيره غير المستجمع للشرائط فكذلك لا تقدح بشهادته في مال
اليتيم ، لأن المانع هو ثبوت الوصاية الموجبة للتهمة لا دعوى الوصاية أو دعواها مع
شهادة عليها غير نافعة.
(٤) بأن يشهد
الغريم بأن للمفلس أو للميت مالا بحيث يتعلق حق الغريم به فلا تقبل لأنها شهادة
تجر نفعا إليه.
(٥) على القول
بملك العبد ، بحيث يصير المال تحت ولايته فهي شهادة تجر نفعا إليه فلا تقبل.
(٦) حتى ترد
شهادتهم فلا يغرموا الدية فهي شهادة منهم لدفع الضرر عنهم.
(٧) أي ويمكن
اعتبار دفع ضرر المزاحمة في جلب النفع ، فجرح شهود دين آخر حتى لا يثبت ، لتكون
حصته من المال أكثر.
(٨) فيما لو كانت
الشهادة على الموصي والموكل بضرر عليهما.
__________________
التهمة (١) ، فإن
شهادة الصديق لصديقه مقبولة ، والوارث لمورثه بدين (٢) وإن كان (٣) مشرفا على
التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها (٤) ، وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم
يكونوا مأخوذين (٥) ويتعرضوا (٦) لذكر ما أخذ لهم.
(والمعتبر في الشروط) المعتبرة في الشهادة (وقت الأداء لا وقت
التحمل) (٧) ، فلو تحملها ناقصا ثم كمل حين الأداء سمعت ، وفي اشتراط
استمرارها إلى حين الحكم قولان (٨) : اختار المصنف في الدروس ذلك (٩) ، ويظهر من
العبارة عدمه.
(وتمنع العداوة الدنيوية) (١٠) ...
______________________________________________________
(١) المجردة عن
جرّ النفع أو دفع الضرر.
(٢) أي بدين
للمورث قبل الموت.
(٣) الضمير راجع
إلى المورث.
(٤) أي قبل الحكم
بهذه الشهادة الصادرة من الوارث ، والمعنى أن الوارث يرث بالقوة في زمن حياة
المورث حينئذ فتجوز شهادته وأما إذا كان وارثا بالفعل لأن المورث قد مات فلا تجوز.
(٥) إن لم يأخذ
اللصوص أموالهم.
(٦) عطف على قوله (يكونوا)
والمعنى : وإن كانوا مأخوذين لكن لم يتعرضوا لذكر ما أخذ منهم.
(٧) بلا خلاف فيه
لاستكمال شرائط القبول حال الأداء فيندرج تحت عموم الأدلة أو إطلاقها الدال على
قبول الشهادة.
(٨) بحيث لو طرأ
الفسق على الشهود بعد الادلاء بشهادتهم وقبل صدور الحكم ، فذهب الشيخ في الخلاف
والمبسوط وابن إدريس والمحقق والعلامة في أحد قوليه إلى الجواز لأن المعتبر هو
العدالة حال أداء الشهادة كما هو منصرف الأخبار.
وذهب العلامة في
المختلف والشهيد وجماعة إلى عدم الجواز لأنهما فاسقان حال الحكم فلا يجوز استناد
الحكم إلى شهادتهما إذ يصدق أنه حكم بشهادة فاسقين.
(٩) أي الاستمرار.
(١٠) أما العداوة
الدينية فلا تمنع من قبول الشهادة ، ولذا قبلت شهادة المسلم على الكافر كما تقدم ،
وأما العداوة الدنيوية فإنها تمنع من قبول الشهادة بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (سأله عما يرد من
الشهود قال : الظنين ـ
وإن لم تتضمن فسقا
(١) ، وتتحقق (بأن يعلم منه السرور بالمساءة ، وبالعكس) ، أو بالتقاذف ، ولو كانت العداوة من أحد الجانبين اختصّ
بالقبول الخالي منها ، وإلا (٢) لملك كلّ غريم ردّ شهادة العدل عليه بأن يقذفه
ويخاصمه ، (ولو شهد) العدو (لعدّوه قبل (٣) إذا كانت العداوة لا تتضمن فسقا) ، لانتفاء التهمة بالشهادة له. واحترز بالدنيوية عن
الدينية فإنها غير مانعة ، لقبول شهادة المؤمن على أهل الأديان ، دون العكس (٤)
مطلقا (٥).
(ولا تقبل شهادة كثير السهو ، بحيث لا يضبط المشهود به (٦) وإن كان عدلا ، بل ربما كان وليا. ومن هنا قيل : نرجو
شفاعة من لا تقبل شهادته ، (ولا) شهادة (المتبرع بإقامتها (٧) قبل استنطاق الحاكم ، سواء كان قبل الدعوى أم
______________________________________________________
ـ والمتهم والخصم)
وخبر إسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام (لا تقبل شهادة ذي
شحناء ، أو ذي مخزية في الدين) .
(١) أما لو تضمنت
فسقا فترد الشهادة لا من ناحية العداوة بل من ناحية الفسق ، هذا واعلم أنه قد
تجتمع العداوة الدنيوية مع العدالة كما لو كان يفرح بمساءة الغير ويحزن بمسرته
ولكن لا يرتكب عملا ينافي عدالته من هتك أو سب أو شماتة وغير ذلك.
(٢) أي وإن لم
نقبل شهادة الخالي من الجانبين من العداوة لكفى في ردها أن ينهال عليه غريمه بالسب
والشتائم لتحصل العداوة فترد شهادتهما معا وهذا مما لم يقل به أحد.
(٣) لوجود المقتضى
من العدالة ، وعدم المانع لأنه لا تهمة في حقه.
(٤) وهو شهادة أهل
الأديان على المسلمين.
(٥) أي سواء كان
المسلم مؤمنا أم مخالفا ويمكن أن يكون سواء كان الشاهد ذميا أم حربيا.
(٦) لما تقدم من
الخبر (فما كل صالح مميزا ولا محصلا ، ولا كل محصل مميز صالح) .
(٧) إن كانت في
حقوق الآدميين فلا تقبل ، قبل الدعوى أو بعدها ، ولكن كانت قبل سؤال الحاكم لها في
مجلس الحكومة ، لأن بالتبرع تتطرق التهمة إلى الشاهد أنه شهد للمدعي زورا بسبب
حرصه على ذلك فيمنع القبول ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، واستدل له بالنبوي (ثم
يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها) وبالنبوي الآخر (ثم يفشو ـ
__________________
بعدها ، للتهمة
بالحرص على الأداء ولا يصير بالرد مجروحا (١) ، فلو شهد بعد ذلك غيرها (٢) قبلت ،
وفي إعادتها في غير ذلك المجلس وجهان (٣) ، والتبرع مانع.
(إلا أن يكون في حق الله تعالى) كالصلاة والزكاة والصوم بأن يشهد بتركها ، ويعبّر عنها
ببينة الحسبة فلا يمنع ، لأن الله أمر بإقامتها ، فكان في حكم استنطاق الحاكم قبل
الشهادة ، ولو اشترك الحق كالعتق والسرقة والطلاق والخلع والعفو عن القصاص ففي
ترجيح حق الله تعالى أو الآدمي وجهان (٤) ، أما الوقف
______________________________________________________
ـ الكذب حتى يشهد
الرجل قبل أن يستشهد) وبثالث (تقوم الساعة على قوم يشهدون من غير أن يستشهدوا) مع ما ورد أنها لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق .
هذا وذهب صاحب
المستند إلى القبول ونسبه إلى ابن إدريس في السرائر ، وقد نسب القبول إلى
الأردبيلي وصاحب الكفاية لأن التهمة لا تضر كما تقدم ما لم تجر نفعا أو تدفع ضررا
، وأما النبويات فليست بحجة لورودها من غير طرقنا على أنها معارضة بالنبوي الآخر (ألا
أخبركم بخير الشهود؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد) . هذا ولو كانت الشهادة في حقوق الله فتسمع ، لأنها لو لم
تسمع لتعطل الحد ، مع أنه لا مدعي لها غالبا فكل شهادة فيها تبرعية حينئذ ، وخالف
الشيخ في النهاية مع أنه وافق المشهور في المبسوط ، ومخالفته للتهمة الواردة في حق
المتبرع وقد عرفت ضعفه وبناء على ما تقدم فلو اشترك الحق بين حق الله وحق الآدميين
فتقبل في حق الله دون حق الآدميين فيقطع بالسرقة بشهادة المتبرع ولا يغرّم.
(١) لأن الحرص
المذكور الموجب لرد شهادته ليس بمعصية فتسمع شهادته في مجلس آخر وإن لم يتب عما
وقع منه.
(٢) غير هذه
الشهادة في دعوى أخرى.
(٣) وجه عدم
القبول بقاء التهمة في الواقعة ، ووجه القبول كون الشهادة الثانية مستجمعة
للشرائط.
(٤) وقد عرفت أنه
مقتضى قولهم التفصيل فتسمع في حق الله دون حق الآدمي.
__________________
العام فقبولها فيه
أقوى (١) بخلاف الخاص (٢) على الأقوى ، (ولو ظهر للحاكم
سبق القادح في الشهادة على حكمه) بأن ثبت كونهما صبيين ، أو أحدهما ، أو فاسقين ، أو غير ذلك
(نقض) (٣) لتبين الخطأ فيه.
(ومستند الشهادة العلم القطعي) (٤) بالمشهود به ، (أو رؤيته فيما
يكفي فيه)
______________________________________________________
(١) لأن الوقف
العام لا مدعى له فتسمع شهادة المتبرع كحقوق الله.
(٢) فله مدعي فلا
تسمع شهادة المتبرع لوجود التهمة.
(٣) لعدم احراز
الشهادة للشروط المعتبرة فحكمه حكم بغير مستند شرعي ، نعم لو حكم ثم تجدد الكفر أو
الفسق أو غيرهما لم ينقض الحكم لوقوعه بشهادة عدلين بلا خلاف فيه ولا إشكال.
(٤) وبه يصير
الشاهد شاهدا لقوله تعالى : (وَلٰا تَقْفُ
مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، وخبر علي بن غياث عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تشهدنّ بشهادة
حتى تعرفها كما تعرف كفك) ، وعن ابن عباس (أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن الشهادة فقال : ترى الشمس ، على مثلها فاشهد أو دع)
، ويتحقق العلم بالرؤية أو السماع أو بهما ، فما يفتقر إلى المشاهدة هو
الأفعال لأن آلة السمع لا تدركها ، كالغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة والزنا
واللواط فلا يصير شاهدا فيها إلا مع المشاهدة ، ولذا تقبل في هذا القسم شهادة
الأصم لعدم الحاجة إلى السمع المفقود عنده.
وعن الشيخ في
النهاية والقاضي ابن حمزة أنه يؤخذ بأول كلامه لا بثانيه استنادا إلى رواية جميل
عن أبي عبد الله عليهالسلام (سأله عن شهادة
الأصم في القتل فقال : يؤخذ بأول قوله ، ولا يؤخذ بالثاني) ، وهي مع ضعف السند فقوله الثاني المنافي للأول يوجب رجوعه
عما شهد به أولا فلا يقبل.
وما يفتقر إلى
السماع هو النسب والإقرار والعقود والإيقاعات والشهادة على الشهادة هذا مع علمه
بالمتلفظ ، وإلا فيفتقر إلى الرؤية حينئذ وعليه فتصح شهادة الأعمى إذا عرف صوت
المتلفظ معرفة يزول معها الاشتباه على المشهور ، وعن الشيخ في الخلاف عدم ـ
__________________
الرؤية ، كالأفعال
من الغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة والزنا واللواط ، وتقبل فيه شهادة الأصم
، لانتفاء الحاجة إلى السمع في الفعل ، (أو سماعا) في الأقوال (نحو العقود) والإيقاعات والقذف (مع الرؤية) أيضا ليحصل العلم بالمتلفظ ، إلا أن يعرف الصوت قطعا فيكفي
على الأقوى ، (ولا يشهد إلا على من يعرفه (١) بنسبه أو عينه ، فلا يكفي انتسابه له ، لجواز التزوير ، (ويكفي معرفان عدلان) بالنسب (و) يجوز أن (تسفر المرأة عن وجهها (٢) ليعرفها الشاهد عند التحمل والأداء (٣) ، إلا أن يعرف
صوتها قطعا.
(ويثبت بالاستفاضة) (٤) وهي استفعال من الفيض ، وهو الظهور والكثرة.
______________________________________________________
ـ القبول لأن
الأصوات تتماثل ، وفيه : إن الاحتمال مندفع باليقين إذ الكلام على تقديره ،
والتشكيك في ذلك تشكيك في الوجدان وإلا لما جاز له أن يطأ حليلته وهو مناف للضرورة
، بل على القول بعدم جواز شهادته فلازمه جواز وطئه لزوجته مع عدم قبول شهادته
عليها لو أقرت وهي تحته بدرهم وهذا من الغرائب.
(١) أعاده مع أنه
قد تقدم سابقا ما يدل عليه للتنبيه على عدم حصر العلم بالحقيقي بل يشمل العلم
الشرعي الحاصل من البينة ، فلو سمع الأعمى اللفظ من شخص وقامت البينة عنده على أن
المتلفظ هو زيد فيجوز للأعمى أن يشهد على زيد بذلك اللفظ ويكون شاهد أصل لا فرع
بلا خلاف في ذلك كما في الجواهر واعترف به في الرياض لإطلاق خبر محمد بن قيس عن
أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن شهادة الأعمى
، فقال : نعم إذا أثبت) بناء على كون إثباته يشمل البينة ، ويؤيده ما ورد من جواز
الشهادة على المرأة إذا حضر من يعرفها وهو خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليهالسلام (لا بأس بالشهادة
على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها ، فأما إذا كانت
لا تعرف بعينها ولا يحضر من يعرفها ، فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى
إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها) .
(٢) كما في خبر
ابن يقطين المتقدم.
(٣) أي أداء
الشهادة عليها.
(٤) الاستفاضة هي
توالي الأخبار من جماعة من غير مواعدة بينهم ، وعن الاسكافي أنه يثبت ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ بها النسب فقط
وعن الاصباح ثلاثة : النسب والموت والملك المطلق ، وعن النافع والتبصرة أربعة :
بحذف الموت وزيادة النكاح والوقف ، وعن القواعد والمبسوط والاقتصاد والتلخيص سبعة
: بزيادة العتق وولاية القاضي ، وعن التحرير ثمانية : بزيادة الولاء ، وعن غيره
بزيادة تاسع : وهو الرق ، وعن آخر بزيادة عاشر : وهو العدالة ، بل قيل بزيادة سبعة
عشر إليها وهي : العزل والرضاع وتضرر الزوجة والتعديل والجرح والإسلام والكفر
والرشد والسفه ، والحمل والولادة ، والوصاية والحرية ، واللوث ، والغصب والدين
والإعسار ، والأصل فيه مرسل يونس بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن البينة
إذا أقيمت على الحق ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البينة إذا لم يعرفهم من غير
مسألة؟ فقال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم : الولايات
والمناكح والذبائح والشهادات والأنساب ، فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا ، جازت
شهادته ولا يسأل عن باطنه) .
وفيه : إنه ظاهر
في ترتب الحكم الشرعي على الشائع بين الناس في هذه الأمور الخمسة وهذا أجنبي عن
المدعى إذ المدعى جواز شهادة الشاهد على الواقع استنادا إلى ما هو الشائع بين
الناس.
فالانصاف أنه لا
موجب لرفع اليد عن اشتراط كون الشهادة عن علم وأن المشهود به كالشمس والكف عند
الشاهد ، وعليه فلو شهد الشاهد بالواقع استنادا إلى الشياع فلا تقبل ، نعم لو شهد
بالشياع لثبت الشياع عند القاضي كما لو شهد الشاهد باليد أو بالاستصحاب ، فإنه
تثبت اليد ولا تثبت الملكية الواقعية كما عليه المشهور ، نعم قد يقال بثبوت
الملكية الواقعية استنادا لليد لخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال له رجل : (إذا
رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له ، قال : نعم ، قال الرجل : أشهد أنه
في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره ، فقال أبو عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أفيحل الشراء منه؟ نعم ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : فلعله لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ،
ثم تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من
قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام : لو لم يجز هذا لم يتم للمسلمين سوق) .
وهو ضعيف السند
ومعارض بصحيح معاوية بن وهب (قلت له : إن ابن أبي ليلى يسألني ـ
__________________
والمراد بها هنا
شياع الخبر إلى حد يفيد السامع الظن [الغالب] المقارب للعلم ، ولا تنحصر في عدد بل
يختلف باختلاف المخبرين ، نعم يعتبر أن يزيدوا عن عدد الشهود المعدّلين ليحصل
الفرق بين خبر العدل وغيره ، والمشهور أنه يثبت بها (سبعة النسب والموت
والملك المطلق والوقف والنكاح والعتق وولاية القاضي) ، لعسر إقامة البينة في هذه الأسباب مطلقا (١).
(ويكفي) في الخبر بهذه الأسباب (متاخمة العلم) أي مقاربته (على قول قوي) وبه جزم في الدروس ، وقيل : يشترط أن يحصل العلم ، وقيل :
يكفي مطلق الظن (٢) حتى لو سمع من شاهدين عدلين صار متحملا ، لإفادة قولهما الظن. وعلى
المختار (٣) لا يشترط العدالة ، ولا الحرية والذكورة ، لإمكان استفادته (٤) من
نقائضها (٥). واحترز بالملك المطلق عن المستند إلى سبب كالبيع فلا يثبت السبب
______________________________________________________
ـ الشهادة عن هذه
الدار ، مات فلان وتركها ميراثا وأنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له ، فقال : اشهد
بما هو علمك ، قلت : إن ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس ، فقال : احلف إنما هو على
علمك) ، وخبره الآخر (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ـ إلى أن قال ـ الرجل يكون له العبد والأمة فيقول : أبق
غلامي أو أبقت أمتي فيؤخذ بالبلد فيكلفه القاضي البينة أن هذا غلام فلان لم يبعه
ولم يهبه ، أفنشهد على هذا إذا كلفناه ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئا ، فقال : كلما
غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته ، أو غاب عنك لم تشهد به) ومما تقدم لا يجوز للشاهد أن يشهد بالواقع استنادا إلى
الاستفاضة أو اليد أو الاستصحاب ، بل يشهد بما يعلم بوجوده من اليد والاستصحاب
والاستفاضة والتصرف وبقية الإمارات والحاكم ينفذ حكمه على مقتضى ما يثبت عنده.
(١) سواء كانت
البينة رجلين أو رجلا وامرأتين أو رجلا ويمينا.
(٢) اختلفوا على
هذه الأقوال الثلاثة مع أن المستند هو مرسل يونس المتقدم وظاهره كفاية الظن الناشئ
من الشياع ، بل كما مال إليه صاحب الجواهر أن الشياع حجة وإن لم يفدّ الظن تمسكا
بإطلاق المرسل المتقدم وهو الأقوى.
(٣) من اختيار
الظن الغالب المقارب للعلم.
(٤) أي استفادة
الظن.
(٥) إذ قد يستفاد
الظن من خبر الفاسق والعبد والأنثى.
__________________
به (١) ، بل الملك
الموجود في ضمنه ، فلو شهد بالملك وأسنده (٢) إلى سبب يثبت (٣) بالاستفاضة كالإرث
قبل (٤) ، ولو لم يثبت بها كالبيع قبل في أصل الملك (٥) ، لا في السبب. ومتى اجتمع
في ملك استفاضة ، ويد ، وتصرف بلا منازع فهو منتهى الإمكان ، فللشاهد القطع بالملك
(٦) ، وفي الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة في الشهادة بالملك قول قوي (٧).
(ويجب التحمل) للشهادة (على من له أهلية
الشهادة (٨) ...
______________________________________________________
(١) أي بالشائع.
(٢) أي واسند
الشاهد الملك.
(٣) أي يثبت
السبب.
(٤) أي قول الشاهد
بالملك والسبب معا ، ووجهه لأن الإرث مستند إلى الموت الذي يثبت بالاستفاضة.
(٥) أي الملك
المطلق.
(٦) ولازمه
الشهادة بالملك واقعا اعتمادا على هذه الأمور الثلاثة.
(٧) قد اطنب
الأصحاب في فروع وأحكامها بناء على جواز الشهادة بالواقع اعتمادا على الاستفاضة
واليد والتصرف والاستصحاب ، وليس لهم إلا المرسل المتقدم وقد عرفت عدم دلالتها على
ذلك فالمتعين لا بدية العلم في الشهادة وأن الشاهد يشهد بالاستفاضة أو اليد أو
غيرها وعلى الحاكم حينئذ أن يحكم على مقتضاه ومنه تعرف ضعف الكثير من فروعهم ،
ومنها ما ذكره الشارح هنا في هذا الفرع وما قبله.
(٨) على المشهور
شهرة عظيمة للأخبار.
منها : صحيح هشام
بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله عزوجل : ولا يأب الشهداء ، قال عليهالسلام : قبل الشهادة) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله :
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ، قال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها
أن يقول : لا أشهد لكم عليها ، فذلك قبل الكتاب) ، وخبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليهالسلام في قوله تعالى : (وَلٰا يَأْبَ
الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا) قال عليهالسلام : ـ
__________________
إذا دعي إليها
خصوصا (١) أو عموما (٢) (على الكفاية) (٣) لقوله تعالى : (وَلٰا يَأْبَ
الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا (٤) فسره الصادق عليهالسلام : بالتحمل (٥) ، ويمكن جعله (٦) دليلا عليه (٧) وعلى
الإقامة (٨) ، فيأثم الجميع (٩) لو أخلوا به مع القدرة ، (فلو فقد سواه) فيما يثبت به وحده ولو مع اليمين ، أو كان تمام العدد (تعين) الوجوب
______________________________________________________
ـ (إذا دعاك الرجل
لتشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه) .
وذهب ابن إدريس
إلى عدم الوجوب للأصل وطعنا في الأخبار بناء على أصله من عدم حجية خبر الواحد ،
ولأن الآية المتقدمة ظاهرة في أداء الشهادة لا في تحملها ، لأن لفظ المشتق ظاهر في
التلبس ولا يطلق لفظ الشهداء حقيقة إلا بعد التحمل فتكون الآية دالة على وجوب
الأداء.
وفيه : أما الأصل
فمنقطع بما عرفت من الأخبار ، وقد ثبت حجية الخبر الواحد كما قرر في محله ، والآية
قد فسرت بالتحمل كما في الصحيح المتقدم ، فضلا عن أن سياقها يدل على ذلك حيث أمر
الله تعالى أولا بالمكاتبة ثم نهى الكاتب عن المخالفة ، ثم أمر بالاشهاد ونهى
الشاهد عن الإباء وهو ظاهر في إبائه عن التحمل ، ويكون صحة استعمال المشتق بلحاظ
الأول مجازا.
(١) بحيث دعاه
باسمه.
(٢) بحيث دعا
جماعة وهو منهم.
(٣) ذهب المفيد
والحلبي والقاضي والديلمي وابن زهرة إلى العيني لظاهر الأمر في الآية المتقدمة
والأخبار.
وعن المتأخرين أنه
على الكفائي ، للأصل ، ولعدم العيني في الأداء ففي التحمل أولى ، وللبعد بالتزام
الوجوب العيني وقد دعا المائة والمائتين أو أهل البلد بتمامهم فالمتعين هو الوجوب
الكفائي حينئذ.
(٤) البقرة آية :
٢٨٢.
(٥) في صحيح هشام
بن سالم المتقدم وغيره.
(٦) أي قوله
تعالى.
(٧) أي على وجوب
التحمل كما تقدم.
(٨) أي الأداء كما
هو مذهب ابن إدريس ويكون التحمل غير واجب وقد تقدم عرضه مع ما فيه.
(٩) تفريع على
قوله : على الكفاية.
__________________
كغيره من فروض
الكفاية إذا لم يقم به غيره ، (ويصح تحمل الأخرس) (١) للشهادة ، (وأداؤه بعد القطع
بمراده) ولو بمترجمين
عدلين. وليسا فرعين عليه ، ولا يكفي الإشارة في شهادة الناطق (٢).
(وكذا يجب الأداء) (٣) مع القدرة (على الكفاية) إجماعا ، سواء استدعاه
______________________________________________________
(١) فيصح منه تحمل
الشهادة لإطلاق الأدلة ، كما يصح منه أداء الشهادة بالإشارة المفهمة كما تصح منه
العقود والايقاعات ، ثم إن فهم القاضي إشارته عمل بما يعلمه وإلا افتقر إلى
مترجمين يعرفان إشارته كما يفتقر الحاكم إليهما لو كان الشاهد أعجميا والحاكم لا
يعرف لغته ، ثم إن المترجمين لا يكونان شهادة على شهادته بل مخبران بمعنى إشارته ،
فلا يلحقهما أحكام الشهادة على الشهادة.
(٢) إذ يمكنه
النطق فيتعين عليه بخلاف الأخرس.
(٣) أي يجب على
الشاهد أداء الشهادة بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (وَمَنْ
يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ، ولصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله عزوجل : ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ، قال : بعد الشهادة) ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم أو
ليزوي مال امرئ مسلم ، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد البصر ، وفي وجهه كدوح
تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد شهادة حق ليحيي بها حق امرئ مسلم أتى يوم
القيامة ولوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ثم قال أبو جعفر عليهالسلام : ألا ترى أن الله عزوجل يقول : وأقيموا الشهادة لله) ، هذا وظاهر الأصحاب على الكفائية هنا إن زاد الشهود عن
العدد المعتبر في ثبوت الحق ، ووجهه لعدم ثبوت الحق على شهادة الجميع ، والأكثر
على عدم الفرق في الوجوب بين استدعائه وعدمه لعموم الأدلة المتقدمة ، وذهب جماعة
منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى عدم الوجوب إلا مع الاستدعاء للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (إذا سمع الرجل
الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت) وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا سمع الرجل
الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء ـ
__________________
ابتداء (١) أم لا
على الأشهر ، (إلا مع خوف ضرر غير مستحق) على الشاهد (٢) ، أو بعض المؤمنين. واحترز بغير المستحق عن
مثل ما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه به ، وينشأ عن شهاداته
المطالبة ، فلا ثبوت بشهادته لانضمام الوجوب (٣) ، لأنه ضرر مستحق. وإنما يجب
الأداء مع ثبوت الحق بشهادته لانضمام من يتم به العدد ، أو حلف المدعي إن كان مما
يثبت بشاهد ويمين. فلو طلب من اثنين [فيما] يثبت بهما لزمهما (٤) ، وليس لأحدهما
الامتناع بناء على الاكتفاء بحلف المدعي مع الآخر ، لأن من مقاصد الاشهاد التورع
عن اليمين ، ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب على اثنين منهما
كفاية ، ولو لم يكن إلا واحد لزمه الأداء إن كان مما يثبت بشاهد ويمين وإلا فلا (٥).
ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه (٦) تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون
شهادته ، (ولا يقيمها) الشاهد (إلا مع العلم) (٧) القطعي.
______________________________________________________
ـ سكت ، وقال :
إذا أشهد لم يكن له إلا أن يشهد) ومثلها غيرها ، إلا أن يعلم أن صاحب الحق لا يثبت حقه إلا
بشهادته فيجب عليه الأداء وإن لم يشهد لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (إذا سمع الرجل
الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار ، إن شاء شهد وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من
الظالم فيشهد ولا يحلّ إلا أن يشهد) ، والتفصيل أقوى لموافقته الاعتبار حيث لم يؤخذ منه التزام
عند سماعه الشهادة بدون استدعاء وهو معنى (لم يشهد عليها) الوارد في الأخبار
المتقدمة. بخلاف ما لو دعي للتحمل فتحملها قصدا فيكون قد التزم به فعليه الوفاء
بالتزامه.
(١) أي لتحمّل
الشهادة.
(٢) فمع الضرر لا
يجب الأداء لقاعدة نفي الضرر.
(٣) لأنه ضرر
مستحق ، بل تسميته ضررا محل منع ، لأنه حقه.
(٤) للتعين عليهما
فيجب عينا.
(٥) لكونه لغوا
عند عدم أخذ الحاكم به فلا يجب.
(٦) على الشاهد
لتوقف الحق على ذلك.
(٧) كما تقدم.
__________________
(ولا يكفي الخط) (١) بها (وإن حفظه) بنفسه ، وأمن التزوير (ولو شهد معه ثقة) على أصح القولين ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن أراه الشمس : «على مثلها فاشهد ، أو دع» ، وقيل : إذا
شهد معه ثقة ، وكان المدعي ثقة ، أقامها بما عرفه من خطه وخاتمه ، استنادا إلى
رواية شاذة.
(ومن نقل عن الشيعة جواز الشهادة بقول المدعي (٢) إذا كان
أخا في الله معهود الصدق ، فقد أخطأ في نقله) ، لإجماعهم على عدم جواز الشهادة بذلك ، (نعم هو مذهب) محمد بن علي الشلمغاني (العزاقري) نسبة إلى أبي العزاقر بالعين المهملة
والزاي والقاف
والراء أخيرا (من الغلاة) (٣). لعنه الله ووجه الشبهة على من
______________________________________________________
(١) أي بالشهادة
بحيث لا تجوز الشهادة بمضمون ورقة لا يذكر الواقعة المعروفة فيها ، لخبر السكوني
عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تشهد بشهادة لا تذكرها ، فإنه من شاء كتب كتابا ونقش
خاتما) وصحيح الحسين بن سعيد قال (كتب إليه جعفر بن عيسى : جعلت
فداك ، جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي
بخطي قد عرفته ، ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها ، فأشهد لهم على معرفتي أن
اسمي في الكتاب ، ولست أذكر الشهادة؟ أو لا تجب الشهادة عليّ حتى أذكرها ، كان اسمي
ـ بخطي ـ في الكتاب أو لم يكن؟ فكتب : لا تشهد) .
وأما ما ورد من
صحيح عمر بن يزيد من جواز الشهادة بذلك إذا قامت البينة على أنه خطه فهو مخالف لما
تقدم بل ومخالف للأخبار المتقدمة التي تضمنت العلم في الشهادة ، فلا بدّ من ردها
إلى أهلها ، والخبر هو صحيح عمر بن يزيد (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يشهدني على شهادة فاعرف خطي وخاتمي ، ولا أذكر من
الباقي قليلا ولا كثيرا ، فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له) .
ومما تقدم تعرف
ضعف ما ذهب إليه مشهور القدماء من جواز الشهادة اعتمادا على الخط إذا أمن التزوير
، مع التشكيك في صحة النسبة إلى القدماء بل في الرياض قصر النسبة إلى والد الصدوق
فقط.
(٢) مع وجود شاهد
آخر.
(٣) نص على ذلك
الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهمالسلام ، وقال الشيخ في ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ الفهرست : (محمد
بن علي الشلمغاني ، يكنى أبا جعفر ، ويعرف بابن أبي العزاقر ، له كتب وروايات ،
وكان مستقيم الطريقة ثم تغير وظهرت منه مقالات منكرة إلى أن أخذه السلطان فقتله ،
وصلبه ببغداد ، وله من الكتب التي عملها في حال الاستقامة كتاب التكليف ، أخبرنا
به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه عن أبيه عنه إلا حديثا واحدا منه في باب الشهادات
أنه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم) .
وفي الخلاصة : (محمد
بن علي الشلمغاني ـ بالشين المعجمة والغين المعجمة ـ ويكنى أبا جعفر ، ويعرف بابن
أبي العزاقر ـ بالعين المهملة والزاء والقاف والراء أخيرا ـ ، له كتب روايات ،
وكان مستقيم الطريقة متقدما في أصحابنا فحمله الحسد لأبي القاسم بن روح على ترك
المذهب والدخول في المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات ، فأخذه السلطان وقتله
وصلبه ، وتغير وظهرت منه مقالات منكرة ، وله من الكتب التي عملها في حال الاستقامة
كتاب التكليف ، رواه المفيد رحمهالله إلا حديثا منه في باب الشهادات أنه يجوز للرجل أن يشهد
لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم) .
وقد أورد الشيخ في
كتاب الغيبة عدة روايات في ذمه ، والذي يهمنا منها هو : وأخبرني الحسين بن إبراهيم
عن أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد ، قال : حدثني أبو عبد
الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز ، المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن
زهومة النوبختي ، وكان شيخا مستورا ، قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول :
لما عمل محمد بن علي الشلمغاني في كتاب التكليف قال ـ يعني أبا القاسم رضياللهعنه ـ : اطلبوه إليّ لأنظره ، فجاءوا به فقرأه من أوله إلى
آخره فقال : ما فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة إلا موضعين أو ثلاثة ، فإنه كذب
عليهم في روايتها لعنه الله) .
وقال الشيخ في
الغيبة : وأخبرني جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود وأبي عبد الله الحسين
بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أنهما قالا : (مما أخطأ محمد بن علي في المذهب
في باب الشهادة أنه روى عن العالم عليهالسلام أنه قال : إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه ، ولم
يكن له من البينة عليه إلا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ رجعت إلى الشاهد
فسألته عن شهادته ، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهد عنده
لئلا يثوى حق امرئ مسلم).
وقال الشيخ : (واللفظ
لابن بابويه وقال : هذا كذب منه لسنا نعرف ذلك ، وقال في موضع آخر : كذب فيه) .
ومن هذه الأخبار
المتقدمة تعرف مستند كلام الشارح هنا ، نعم ما قال الشارح هنا أنه لا يوجد في
الكتاب ما يخالف إلا هذه الفتوى ناقلا ذلك عن المفيد فلعله قد نقله عن العلامة في
الخلاصة وقد تقدم النقل عنها ، وإلا فقد سمعت كلام أبي القاسم بن روح المروي في
كتاب الغيبة للشيخ أن ما يخالف هو ثلاثة مواطن أو موضعان ، ولعل الشيخ المفيد لم
يطلع على حديث روح بن أبي القاسم عن أبيه رضياللهعنه المتقدم كما احتمله السيد حسن الصدر في كتابه فصل القضاء على ما هو المحكي عنه.
هذا من جهة ومن
جهة ثانية يحتمل أن تكون المواضع الثلاثة هي المسألة الواردة هنا في باب الشهادات
، ومسألة تحديد الكر بأن يأخذ حجرا فيرميه في وسطه فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي
الغدير فهو دون الكر وإن لم تبلغ فهو الكر ، ومسألة ما لو نسيت مسح قدميك وقد
غسلتهما فإنه يجزيك لأنك قد أتيت بأكثر ما عليك.
ومن جهة ثالثة هذه
المواضع الثلاثة مذكورة في الكتاب المنسوب للإمام الرضا عليهالسلام والمسمى بفقه الرضا عليهالسلام لذلك ذهب السيد حسن الصدر في محكي كتابه فصل القضاء إلى أن
هذا المنسوب هو عين كتاب التكليف مع ضميمة أن راوي كتاب التكليف هو أبو الحسن علي
بن موسى بن بابويه والد الشيخ الصدوق كما نص عليه أصحاب الفهارس كالشيخ وغيره
فيكون اللفظ الوارد في أول كتاب الفقه الرضوي وهو قال أبو الحسن وعن أبي الحسن هو
ابن بابويه وليس الإمام الرضا عليهالسلام كما احتمله السيد أمير حسين القاضي الذي أتاه بالكتاب
جماعة من أهل قم عند مجاورته لبيت الله الحرام ، وقد احتمل ذلك العلامة المجلسي
ووالده وجماعة ، على أنه لو كان للإمام هذا الكتاب لوجب انتشار ذكره وذيوع صيته
بين أصحاب الأئمة عليهمالسلام ولذكر في كتب التراجم مع أنها خالية عنه مع أن أسلوبه ينمّ
عن أنه ليس من تأليف المعصوم للقرائن الكثيرة الموجودة فيه من قبيل نقله عن العالم
عليهالسلام ومن قبيل قوله : أروى ، ومن قبيل ورود الأخبار المتعارضة
فيه ، ومن قبيل الرواية عن بعض المحدثين كأبي ـ
__________________
نسب ذلك إلى
الشيعة أن هذا الرجل الملعون كان منهم أولا ، وصنف كتابا سمّاه كتاب التكليف وذكر
فيه هذه المسألة ثم غلا ، وظهر منه مقالات منكرة فتبرأت الشيعة منه ، وخرج فيه
توقيعات كثيرة من الناحية المقدسة على يد أبي القاسم بن روح وكيل الناحية ، فأخذه
السلطان وقتله ، فمن رأى هذا الكتاب وهو على أساليب الشيعة وأصولهم توهم أنه منهم
وهم بريئون منه ، وذكر الشيخ المفيد رحمهالله أنه ليس في الكتاب ما يخالف سوى هذه المسألة.
الفصل الثاني
(في تفصيل الحقوق) بالنسبة إلى الشهود. وهي على ما ذكره في الكتاب خمسة أقسام
(١). (فمنها : ما يثبت بأربعة رجال ، وهو الزنا واللواط والسحق
(٢) ،
______________________________________________________
ـ بصير ، وقد ورد
فيه الرواية عن سماعة وعن إسماعيل بن زياد وعن أبي الصباح وعن محمد بن سماعة وعن
الفضيل وعن محمد بن مسلم عن أحدهما وعن منصور بن حازم وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع
عن أبي الحسن إلى غير ذلك مما يشهد أنه ليس من أسلوب الإمام ولا من كلامه.
وقد ذهب صاحب رياض
العلماء إلى أن الفقه المنسوب هو كتاب الشرائع لوالد الصدوق الذي كانت العلماء
تعتمد عليه عند إعواز النصوص ، وكذا احتمله السيد حسين القزويني في كتابه شرح
الشرائع على ما قيل ، ولم يؤتى بدليل على هذا القول فالمتعين هو الأول ، ومع ذلك
أوردنا بعض أخباره فيما تقدم وما سيأتي اعتمادا على خبر الشيخ في الغيبة المتقدم
نقلا عن أبي القاسم بن روح رضياللهعنه أنه موافق لما روي عن الأئمة عليهمالسلام إلا في موضعين أو ثلاثة ، والله الهادي للصواب.
(١) أما غيره فقد
قسّم الحقوق إلى قسمين : حق الله وحق الآدمي ، وحق الله لا يثبت بشهادة النساء
منفردات ولو كثرن ولا منضمات إلا في الزنا كما سيأتي ، ولا يثبت حق الله بشاهد
وامرأتين ولا بشاهد ويمين.
وأما حق الآدمي
فمنه ما يثبت بشاهدين كالطلاق والخلع والوكالة وغيره ، ومنه ما يثبت بشاهدين وشاهد
وامرأتين وشاهد ويمين كالديون ، ومنه ما يثبت بالرجال والنساء منفردات أو منضمات
وهو الولادة والاستهلال ، وأما تفصيل ذلك مع دليله فسيأتي إنشاء الله تعالى.
(٢) بلا خلاف ولا
إشكال لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ ـ
______________________________________________________
ـ شُهَدٰاءَ) وقوله تعالى : (لَوْ لٰا
جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ) وقوله تعالى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً
مِنْكُمْ) ، والأخبار كثيرة على ثبوت الزنا بأربعة شهداء سيأتي
التعرض لبعضها في كتاب الحدود ، لكن لا نص على ثبوت اللواط والمساحقة بأربعة شهداء
كما اعترف بذلك صاحب الجواهر ، نعم قد ورد في اللواط ثبوته بالاقرار أربعا كما في
صحيح مالك بن عطية عن أبي عبد الله عليهالسلام (بينما أمير المؤمنين
عليهالسلام في ملاء من أصحابه ، إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين
إني أوقبت على غلام فطهرني ، فقال له : يا هذا امض إلى منزلك لعلّ مرارا هاج بك ،
فلما كان من الغد عاد إليه ، فقال له : يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام
فطهرني ، فقال له : اذهب إلى منزلك لعلّ مرارا هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثا بعد مرته
، الأولى ، فلما كان في الرابعة قال له : يا هذا ، إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت ، قال : وما هنّ
يا أمير المؤمنين؟ قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت ، أو إهداب ـ إهداء ـ من
جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراق بالنار) إلى أخر الخبر ، وبما أن الاقرار بمنزلة الشاهد فيثبت أن
المعتبر من الشهود أربعة.
وقد ورد في
المساحقة أنها كاللواط في الرجال كما في مرسل الطبرسي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (السحق في النساء
بمنزلة اللواط في الرجال) ، فما يجري في اللواط يجري في المساحقة من الأحكام.
ثم يثبت الزنا من
بين هذه الثلاثة بثلاثة رجال وامرأتين وهذا موجب للرجم ويثبت بشهادة رجلين وأربع
نساء ولكن لا يثبت به إلا الجلد لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن شهادة
النساء في الرجم ، فقال : إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان رجلان وأربع
نسوة لم تجز في الرجم) وصحيحه الآخر عنه عليهالسلام (سئل عن رجل محض
فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم ، وإن شهد عليه رجلان
وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني) ـ
__________________
(ويكفي في) الزنا (الموجب للرجم ثلاثة رجال وامرأتان ، وللجلد رجلان وأربع
نسوة) ولو أفرد هذين (١)
عن القسم الأول (٢) وجعل الزنا قسما برأسه كما فعل في الدروس (٣) كان أنسب ،
لاختلاف حاله (٤) بالنظر إلى الأول (٥) ، فإن الأولين (٦) لا يثبتان إلا بأربعة
رجال والزنا يثبت بهم وبمن ذكر.
(ومنها) ما يثبت (برجلين) خاصة (وهي الرّدة والقذف والشرب) شرب الخمر
______________________________________________________
ـ وعدم جواز
شهادتهم في الرجم لا مطلقا ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تجوز شهادة
النساء في الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ، ويجوز في ذلك
ثلاثة رجال وامرأتان» .
وعن الصدوقين
والعلامة وأبي الصلاح من عدم الحد بشهادة رجلين وأربع نساء ، لأنه لو ثبت الزنا به
لثبت الرجم دون الضرب ، وهو كالاجتهاد في قبال صحيحه الثاني المتقدم.
وعن الشيخ في
الخلاف ثبوت الحد من الضرب دون الرجم بشهادة رجل واحد وست نساء وهو مما لا دليل
عليه ، وعن الاسكافي إلحاق اللواط والسحق بالزنا في ثبوتهما بشهادة ثلاثة رجال
وامرأتين وبشهادة رجلين وأربع نسوة وهو أيضا ضعيف لعدم الدليل عليه.
(١) أي اللواط
والسحق.
(٢) وهو الزنا.
(٣) حيث قال : (وتنقسم
الحقوق بالنسبة إلى الشهود أقساما ، أحدها : ما لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال وهو
اللواط والسحق ، وثانيها : ما لا يثبت إلا بأربعة أو ثلاثة وامرأتين وهو الزنا
الموجب للرجم ، فإن شهد رجلان وأربع نساء يثبت الجلد لا الرجم ، فإن شهد رجل وست
نساء أو انفردت النساء فلا ثبوت ، وفي الخلاف يثبت الجلد برجل وست نساء ، وظاهر
ابن الجنيد مساواة اللواط والسحق للزنا في شهادة النساء ، ومنع بعض الأصحاب من
قبول رجلين وأربع نساء في الجلد ، واختاره الفاضل ، وظاهر رواية الحلبي ثبوته)
انتهى.
(٤) أي حال الزنا.
(٥) وهو ما يثبت
بأربعة رجال.
(٦) وهما اللواط
والسحق.
__________________
وما في معناه (١)
، (وحد السرقة) (٢) احترز به عن نفس السرقة فإنها (٣) تثبت بهما ،
______________________________________________________
(١) أي معنى الخمر
من المسكرات كالنبيذ والفقاع.
(٢) وضابط هذا هو
بقية حق الله ما عدا الزنا واللواط والسحاق ، فإنه يثبت بشاهدين عدلين لاطلاق ما
دل على قبولهما كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، ولورود النصوص الكثيرة الخاصة في بعضها كخبر مسمع بن عبد
الملك عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن أمير المؤمنين
عليهالسلام كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان ، وشهد
له ألف بالبراءة يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الألف ، لأنه دين مكتوم) وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام (سئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الساحر فقال : إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد
حلّ دمه) ثم لا فرق في حقوق الله بين أن تكون حدودا كحد السرقة وشرب
الخمر والردة وبين أن تكون مالية كالخمس والزكاة والكفارات والنذور ، وبل قيل إنه
يعم ما يشتمل على الحقين من حق الله وحق الآدمي كالبلوغ والعدة والولاء والجرح
والتعديل والعفو عن القصاص والإسلام.
وقد وردت الروايات
بعدم قبول شهادة النساء في الحدود التي هي حق الله تعالى.
منها : صحيح جميل
بن دراج ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلنا : أتجوز
شهادة النساء في الحدود ، قال : في القتل وحده ، إن عليا عليهالسلام كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم) وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (شهادة النساء لا
تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود ، إلا في الديون ، وما لا يستطيع الرجال النظر
إليه) وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهمالسلام (لا تجوز شهادة
النساء في الحدود ، ولا في القود) ومثله خبر موسى بن إسماعيل بن جعفر .
ومقتضى هذه
الأخبار عدم جواز شهادة النساء منفردات أو منضمات إلى الرجال في الحدود ، ولا
يعارضها إلا ذيل خبر عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة
النساء في الحدود مع الرجال) ، وهو شاذ لا عامل به منا فلا يصلح لمعارضة ما تقدم فضلا
عن أن الكليني قد أورد الخبر مجردا عن هذا الذيل والكليني اضبط من الشيخ إذ هو الذي أورد الخبر المتضمن
لهذا الذيل.
(٣) أي نفس السرقة
فيثبت نفس المال بشهادة عدلين بلا خلاف فيه ، ويثبت بشاهد وامرأتين ـ
__________________
وبشاهد وامرأتين ،
وبشاهد ويمين بالنسبة إلى ثبوت المال خاصة ، (والزكاة والخمس
والنذر والكفارة) وهذه الأربعة ألحقها المصنف بحقوق الله تعالى وإن كان للآدمي فيها حظ بل هو
المقصود منها ، لعدم (١) تعين المستحق على الخصوص. وضابط هذا القسم (٢) على ما
ذكره بعض الأصحاب ما كان من حقوق الآدمي (٣) ليس مالا ، ولا
______________________________________________________
ـ وبشاهد ويمين
بناء على أن الأخير جار في حقوق الآدمي المالية ، وقد عرفت في بحث القضاء اختصاصه
بالدين فقط.
(١) تعليل لإلحاق
الأربعة بحق الله تعالى.
(٢) ظاهر كلامه أن
المراد بالقسم هو حق الله تعالى غير الزنا واللواط والسحق ، ولكن كلامه الآتي من
كونه ليس مالا ولا المقصود منه المال يدل على أن مراده هو القسم الأول من حقوق
الآدمي ، وهذا الخلط الواقع من الشارح قد أشار إليه الشيخ أحمد التوني في حاشيته.
(٣) اعلم أن أكثر
الأصحاب قد قسموا حقوق الآدمي إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما لا
يثبت إلا بشاهدين كالطلاق والخلع والوكالة والوصية إليه والنسب ورؤية الاهلة وفي
العتق والنكاح والقصاص خلاف بينهم ، وضابط هذا القسم عندهم على ما في الدروس من
كونه من حقوق الآدمي وهو ليس مالا ولا المقصود منه المال.
الثاني : ما يثبت
بشاهدين وشاهد وامرأتين وشاهد ويمين كالديون والقرض والغصب وعقود المعاوضات كالبيع
والصرف والسلم والصلح والإجارة والمساقاة والرهن والوصية له والجنابة التي توجب
الدية ، وفي الوقف خلاف ، وضابط هذا القسم عندهم ما كان حق الآدمي ماليا أو
المقصود منه المال.
الثالث : ما يثبت
بالرجال والنساء منضمات أو منفردات كالولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة ،
وفي الرضاع خلاف ، وضابط هذا القسم عندهم ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا.
أما ضابط القسم
الثالث فهو منصوص وسيأتي التعرض له ، وأما ضابط القسم الثاني فهو متصيّد من صحيح
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (لو كان الأمر
إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ،
فأما ما كان من حقوق الله عزوجل أو رؤية الهلال فلا) ، هذا وقد عرفت في باب القضاء أنه محمول على الدين فقط. ـ
__________________
المقصود منه المال
، وهذا الضابط (١) لا يدخل تلك الحقوق الأربعة فيه (٢).
(و) منه (٣) (الإسلام والبلوغ والولاء والتعديل والجرح والعفو عن القصاص
(٤) والطلاق والخلع) وإن تضمن المال ، لكنه ليس نفس حقيقته (والوكالة)
______________________________________________________
ـ وأما ضابط القسم
الأول فلا دليل عليه من نص ولذا قال في الجواهر : (ولكن لم أقف في النصوص على ما
يفيده ، بل فيها ما ينافيه) وهذا الأكثر قد قسّم حق الله إلى قسمين :
الأول : الزنا
واللواط والسحق ما يثبت بأربعة رجال.
الثاني : ما عدا
ذلك مما يثبت بشهادة عدلين ولا يثبت بالنساء منفردات ولا منضمات ولا بشاهد ويمين ،
إلا أن المصنف هنا قد قسم الحقوق بتقسيم آخر بالنسبة إلى الشهود ، فتارة ما يثبت
بأربعة كالزنا وأخرى ما يثبت برجلين كبقية حقوق الله والقسم الأول من حقوق الآدمي
، وثالثة ما يثبت برجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين وهو القسم الثاني من حقوق
الآدمي ، ورابعة ما يثبت بالرجال والنساء منفردات أو منضمات وهو القسم الثالث ، من
حقوق الآدمي المتقدم ، وخامسة ما يثبت بالنساء سواء ضممن للرجال أو لليمين وهو
الديون والأموال ، وفيه : إن الخامس ليس قسما على حدا بل هو مندرج تحت القسم
الثاني من حقوق الآدمي المتقدم فلا داعي لجعله قسما مستقلا هذا من جهة ومن جهة
أخرى هناك خلط بين بعض حقوق الله وبعض حقوق الناس وذلك عند التكلم فيما يثبت
بشهادة عدلين ، ومن جهة ثالثة تعرف السرّ في إدراج ضابطة القسم الأول من حقوق
الآدمي عند التكلم في حقوق الله في كلام الشارح.
(١) أي ضابط القسم
الأول من حقوق الآدمي.
(٢) في حق الله
تعالى ، بل تبقى هذه الأربعة مندرجة تحته ، هذا ولعل من أدرجها في حق الله لما
قاله الشارح من عدم تعين المستحق لها ، ومن أدرجها تحت القسم الأول من حق الآدمي
لعدم الحد فيها.
(٣) أي من القسم
الأول من حقوق الآدمي على تقسيم الأكثر.
(٤) أما ثبوت هذه
المذكورات بشهادة العدلين فهو مما لا خلاف فيه لعموم أدلة اعتبار شهادتهما كقوله
تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، ولا تثبت هذه المذكورات بشهادة النساء منضمات أو منفردات
بلا خلاف فيه لما سيأتي من كون شهادة النساء ثابتة في موارد خاصة ـ كما سيأتي ـ وهذه
ليست منها ، وأما عدم ثبوتها بالشاهد واليمين فلما تقدم في باب القضاء من اختصاصه
بالدين فقط على ما هو الأقوى.
__________________
(والوصية إليه) احترز به عن الوصية له بمال فإنه من القسم الثالث (والنسب والهلال (١) ، وبهذا يظهر أن الهلال من حق الآدمي ، فيثبت فيه الشهادة على الشهادة كما
سيأتي.
______________________________________________________
(١) وهذه
المذكورات من الطلاق والخلع والوكالة والوصية إليه والنسب والهلال فهي تثبت بشهادة
العدلين بلا خلاف فيه لعموم اعتبار دليلها المتقدم ، وأما عدم ثبوتها بشهادة
النساء منفردات فلا خلاف فيه ظاهرا ، وأما ثبوتها بشهادة النساء منضمات إلى الرجال
ففيه خلاف ، فعلى المشهور عدم القبول للأخبار.
منها : خبر
السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (أنه كان يقول :
شهادة النساء لا تجوز في نكاح ولا طلاق ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع
الرجال النظر إليه) ، وصحيح العلاء عن أحدهما عليهماالسلام (لا تجوز شهادة
النساء في الهلال ، وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن؟ قال : نعم في العذرة والنفساء) ، وصحيح محمد بن مسلم (لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا
في الطلاق) ، وذيل خبر داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليهالسلام (إلى أن قال ـ وكان
أمير المؤمنين عليهالسلام يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الانكار ، ولا يجيز في
الطلاق إلا شاهدين عدلين فقلت : فإنّي ذكر الله تعالى قوله : فرجل وامرأتان ، فقال
: ذلك في الدين ، إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ، ورجل واحد ويمين المدعي إذا لم
يكن امرأتان ، قضى بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمير المؤمنين عليهالسلام بعده عندكم) ، والأخير ظاهر في أن يمين المدعي قائم مقام المرأتين ،
وهما قائمتان مقام الشاهد في الدين فقط ، فلا تسمع شهادتهن منضمة إلى الرجال في
غيره إلا أن يقال أنه عليهالسلام قد حصر ذلك في مقام تفسير قوله تعالى : (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتٰانِ) ، والآية واردة في الدين وهذا لا يفيد الحصر ونفي شهادة
النساء المنضمة في غيره. هذا وقد اختلف كلام الشيخ في الطلاق ففي الخلاف والنهاية
المنع من قبول شهادة النساء والمنضمة إلى الرجال لخبر السكوني وصحيح ابن مسلم
المتقدمين ، ومثلها غيرها.
وذهب الشيخ في
المبسوط إلى القبول ، ونسبه في المسالك إلى جماعة وقال في الجواهر : (وإن كنا لم
نتحقق منهم إلا ما يحكى عن أبي علي أنه قال : لا بأس بشهادتهن مع الرجال في الحدود
والأنساب والطلاق) ، ولم اعثر على خبر قد دل على جواز قبول شهادتهن في الطلاق. ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وأما الخلع
فكذلك لا يثبت بشهادتهن المنضمة ، وقيل : يثبت إذا ادعاه الرجل لأنه متضمن لدعوى
المال ، وهو مبني على كون الدعوى إذا كانت مالا أو المقصود منه المال فتقبل شهادة
النساء المنضمة كما سيأتي وهو ضعيف.
وأما الوكالة
والوصية إليه والنسب والهلال سواء كان في شهر رمضان أو غيره مما يترتب عليه حلول
آجال الديون والإرث ونحوه فالمشهور على العدم لما تقدم ، وعن المبسوط قبول شهادة
النساء المنضمة فيها ، وعن أبي علي في كلامه المنقول سابقا في خصوص النسب ، وهما
ضعيفان لا مستند لهما.
هذا بالنسبة
للمذكور في كلام الماتن ، وأيضا وقع الخلاف في العتق فقيل تسمع شهادتهن المنضمة
لأن العتق إثبات المالية للمملوك وفكها عن السيد كما عليه الشيخ في المبسوط
والمحقق في الشرائع والعلامة في القواعد ، وردّ بأن المقصود من العتق إنما هو فك
ملك وهو ليس بمال.
وأيضا وقع الخلاف
في القصاص فعن الأكثر القبول للأخبار.
منها : صحيح جميل
ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلنا : أتجوز
شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، إن عليا عليهالسلام كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم) ، وهو محمول على ثبوت الدية بشهادتهن لا القود جمعا بينه
وبين صحيح ربعي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تجوز شهادة
النساء في القتل) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (لا تجوز شهادة
النساء في الحدود ولا في القود) ، وعن الشيخ في الخلاف المنع من القبول لهذين الخبرين
الأخيرين وخبر محمد بن الفضيل عن الرضا عليهالسلام (لا يجوز شهادتهن
في الطلاق ولا في الدم) ، وهذه الأخبار محمولة على عدم جواز شهادتهن منفردات أو
بالنسبة للقود لا الدية.
وأيضا وقع الخلاف
في النكاح فعن جماعة القبول منهم الصدوقان والاسكافي والعماني والحلبي بل نسب إلى
أكثر المتأخرين للأخبار.
منها : خبر زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام (عن شهادة النساء
تجوز في النكاح؟ قال نعم) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن شهادة
النساء في النكاح فقال : يجوز إذا كان معهن رجل ، وكان علي عليهالسلام يقول : لا أجيزها في الطلاق ، ـ
__________________
(ومنها : ما يثبت برجلين ، ورجل وامرأتين ، وشاهد ويمين ،
وهو) كل ما كان مالا ،
أو الغرض منه المال (١) ، مثل (الديون والأموال) الثابتة من غير أن
______________________________________________________
ـ قلت : تجوز
شهادة النساء مع الرجل في الدين ، قال : نعم) ، وخبر أبي بصير (سألته عن شهادة النساء فقال : تجوز شهادة
النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح
إذا كان معهن رجل ، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم غير أنها تجوز شهادتها في حد
الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة) .
وعن المفيد
والديلمي وابن حمزة والحلي بل نسبه الصيمري إلى المشهور عدم القبول ، لخبر السكوني
عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (شهادة النساء لا
تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود ، إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر
إليه) ، والترجيح للأول لكثرة العدد.
(١) فيشمل القرض
والغصب والبيع والصرف والسلم والصلح والإجارة والمساقاة والرهن والوصية له
والجناية التي توجب الدية كالخطإ وشبه العمد وقتل الحر للعبد والأب للولد والمسلم
للذمي وقتل الصبي والمجنون ، ويشمل المأمومة والجائفة وكسر العظام وغير ذلك مما
يكون متعلق الدعوى مالا أو المقصود منه المال.
أما الدين فهو مما
يثبت بشهادة عدلين لعموم دليل اعتبارها ، ويثبت بشاهد ويمين لما تقدم في كتاب
القضاء ، ويثبت بشاهد وامرأتين ، بلا خلاف لقوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجٰالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونٰا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتٰانِ) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة
النساء مع الرجل في الدين ، قال : نعم) ومثلها غيرها.
وأما بقية الموارد
المذكور ؛ فإثباتها بشاهد ويمين فقد تقدم الخلاف فيه في باب القضاء والأقوى عدم
الثبوت.
وأما إثباتها
بشاهد وامرأتين فقد يستدل للثبوت بالآية المتقدمة بدعوى إلغاء خصوصية المورد وفيه
: لا دليل على الغاء الخصوصية ؛ بل يظهر عدم التعدي من خبر داود الحصين عن أبي عبد
الله عليهالسلام (فقلت : فأني ذكر
الله تعالى قوله : فرجل وامرأتان ، فقال : ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل
وامرأتان ، ورجل واحد ويمين المدعي إذا لم يكن امرأتان) . ـ
__________________
تدخل في اسم الدين
(والجناية الموجبة للدية) كقتل الخطأ والعمد المشتمل على التغرير بالنفس كالهاشمة
والمنقّلة ، وما لا قود فيه كقتل الوالد ولده ، والمسلم الكافر ، والحر العبد ،
وقد تقدم في باب الشاهد واليمين ، ولم يذكر ثبوت ذلك (١) بامرأتين ، مع اليمين (٢)
مع أنه قوّى في الدروس ثبوته بهما ، للرواية (٣) ،
______________________________________________________
ـ واستدل على
الثبوت بقياس شهادة المرأتين باليمين ، فكما تثبت هذه الأمور بشاهد ويمين فكذلك
بشاهد وامرأتين ، وفيه : أما الملازمة بين شهادة المرأتين واليمين فهي مستفادة من
خبر داود بن الحصين المتقدم لكن قد عرفت انحصار الشاهد واليمين بالدين فقط.
والأقوى أن شهادة
المرأتين مع الرجل مختصة بموارد قبول الشاهد واليمين المنحصر : في الدين هذا في
الحقوق والأموال ، وقبول شهادة النساء منضمات مع الرجل في القتل خاصة بالنسبة
للدية لعدم ذهاب حق المسلم هذا في الحدود إلا الزنا واللواط والمساحقة فقد عرفت
الحكم فيها ، وتقبل شهادتهن منفردات أو منضمات في ما لا يجوز للرجال النظر إليه
وفي النكاح تقبل شهادتهن منضمة إلى الرجال للنصوص الخاصة ، وأما غير ذلك فلا لعدم
الدليل عليه أو لأنه معارض بغيره وسيأتي قبول شهادة المرأة الواحدة في ربع الوصية
، وفي الاستهلال ويثبت ربع الميراث.
(١) أي الديون
والأموال والجناية الموجبة للدية بل كل ما هو مال أو قصد منه المال.
(٢) قد تقدم البحث
فيه في كتاب القضاء ، والأكثر على الثبوت ، لخبر منصور بن حازم (حدثني الثقة عن
أبي الحسن عليهالسلام أنه قال : إذ شهدت لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله أن
حقه لحق) .
وخالف ابن إدريس
فمنع قبول شهادة المرأتين مع اليمين محتجا بعدم الاجماع وعدم تواتر الأخبار وهو
مبني على عدم جواز العمل بالخبر الواحد وهو مبنى ضعيف. ثم إن المشهور تعميم قبول
شهادة المرأتين مع اليمين في كل مورد يكون متعلق الدعوى هو المال أو قصد به المال
وهو مما لا دليل عليه وإنما صحيح الحلبي قد اقتصر على الدين فقط ففي غيره عدم
القبول للأصل.
(٣) والمقصود بها
خبر منصور بن حازم المتقدم ، بناء على أن لفظ الحق الوارد فيها يشمل ما كان مالا
أو ما قصد به المال ، وقد عرفت أنه مختص بالدين فقط.
__________________
ومساواتهما للرجل
حالة انضمامهما إليه (١) في ثبوته (٢) بهما من غير يمين (٣).
وبقي من الأحكام
أمور تجمع حق الآدمي المالي وغيره (٤) ، كالنكاح والخلع والسرقة ، فيثبت بالشاهد
واليمين المال دون غيره (٥) ، واستبعد المصنف ثبوت المهر دون النكاح للتنافي (٦).
(ومنها) ما يثبت (بالرجال والنساء
ولو منفردات). وضابطه ما يعسر
اطلاع الرجال عليه غالبا (٧) ، (كالولادة والاستهلال) وهو ولادة الولد حيا ليرث ، سمّي
______________________________________________________
(١) إلى الرجل.
(٢) أي ثبوت
المشهود به.
(٣) والحاصل أن
المرأتين والشاهد مما تقبل شهادتهما فكذا المرأتين واليمين ، لأن اليمين بمنزلة
الشاهد على ما تقدم من قبول الشاهد واليمين في مقام تعذر شهادة العدلين.
(٤) وهو حق الله.
(٥) وهو ثبوت
العلقة الزوجية في النكاح والبينونة في الخلع والحد في السرقة.
(٦) لأنهما
متلازمان ، ومما تقدم تعرف ضعف ثبوت ما ذكر بالشاهد واليمين وكذا بالمرأتين والشاهد.
(٧) كالولادة
والاستهلال وعيوب النساء الباطنة ، بلا خلاف فيه لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة
النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه) ، وتجوز شهادة القابلة
وحدها في النفوس) وخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة
النساء في العذرة وكل عيب لا يراه الرجل) ، وخبر السكوني المتقدم (شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا
نكاح ولا في حدود ، إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه) ، وصحيح العلاء عن أحدهما عليهماالسلام (لا تجوز شهادة
النساء في الهلال ، وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن؟ قال : نعم في العذرة والنفساء) ومثله صحيح محمد بن مسلم ، وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام (أجيز شهادة
النساء في الغلام صاح أو لم يصح ، وفي كل شيء لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة
النساء فيه) ، والأخبار كثيرة.
ثم على المشهور أن
ثبوت المشهور به متحقق سواء انفردن أو ضم إليهن الرجال ، أما مع ـ
__________________
ذلك استهلالا ،
للصوت الحاصل عند ولادته ممن حضر عادة ، كتصويت من رأى الهلال ، فاشتق منه ، (وعيوب النساء الباطنة) كالقرن والرتق ، دون الظاهرة كالجذام والبرص والعمى ، فإنه
من القسم الثاني (١) ، (والرضاع) على الأقوى ، (والوصية له (٢) أي بالمال ، احتراز عن الوصية إليه (٣) ، وهذا الفرد (٤)
خارج من
______________________________________________________
ـ الانفراد فلما
سمعت وأما مع الانضمام لأن الرجال هم الأصل في الشهادة ولم يخالف إلا القاضي من
أنه لا يجوز أن يكون معهن أحد من الرجال وهو ضعيف.
نعم وقع الخلاف في
الرضاع فقد ذهب المفيد وسلار وابن حمزة والعلامة في القواعد إلى قبول شهادة النساء
منفردات فيه لقوله عليهالسلام (ما لا يجوز
الرجال النظر إليه) كما في صحيح ابن سنان المتقدم وقوله عليهالسلام (ما لا يستطيع
الرجال النظر إليه) كما في خبر السكوني المتقدم.
وعن الأكثر العدم
لإمكان اطلاع الرجال عليه فلا يندرج تحت ضابطة هذا القسم ، بل عن المبسوط (فأما في
الرضاع فقد روى أصحابنا أنه لا يقبل شهادتهن). وهو بالإضافة إلى أنه مرسل وغير
موجود في الأصول المعتبرة لم يعمل به الشيخ نفسه في المبسوط في كتاب الشهادات على
ما قيل.
(١) أي يثبت
برجلين خاصة.
(٢) لا خلاف في
ثبوت ربع الوصية بشهادة المرأة الواحدة ، والنصف بشهادة اثنتين ، وثلاثة أرباع
بشهادة ثلاث نساء ، وتمام الموصى به بشهادة أربع للأخبار.
منها : صحيح ربعي
عن أبي عبد الله عليهالسلام (في شهادة امرأة
حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل ، فقال : يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام (أنه قضى في وصية
لم يشهدها إلا امرأة ، فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية) ، وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليهالسلام (قضى أمير
المؤمنين عليهالسلام في وصية لم يشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع
الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها) .
(٣) فإنها وصية
عهدية بخلاف السابق فإنها وصية تمليكية ، والوصية العهدية لا تثبت إلا بشهادة
رجلين كما هو الأصل في كل مورد.
(٤) وهو الوصية
التمليكية.
__________________
الضابط (١) ، ولو
أفرده قسما كما صنع في الدروس كان حسنا ، ليرتب عليه باقي
______________________________________________________
(١) وهو ما يعسر
اطلاع الرجال عليه ، وكذا وقع الاتفاق على قبول شهادة المرأة الواحدة في ربع
الميراث إذا شهدت باستهلاله للأخبار.
منها : صحيح عمر
بن يزيد (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم
مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض ، فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل وصاح حين
وقع إلى الأرض ثم مات ، قال : على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام) وخبر سماعة (القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة
امرأة واحدة) وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (تجوز شهادة
القابلة في المولود إذا استهل وصاح في الميراث ، ويورث الربع من الميراث بقدر
شهادة امرأة واحدة ، قلت : فإن كانت امرأتين؟ قال : تجوز شهادتها في النصف من
الميراث) ، ومرسل الفقيه بعد أن أورد صحيح عمر بن يزيد قال (وفي
رواية أخرى : إن كانت امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث ، وإن كنّ ثلاثة نسوة
جازت شهادتهن في ثلاث أرباع الميراث ، وإن كن أربعا جازت شهادتهن في الميراث كله) ، ولا تقبل شهادة الواحدة ، في غير هذين الموردين على
المشهور نعم عن الكافي والغنية والاصباح ثبوت ربع الدية بشهادتها أيضا ، لصحيح
محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قضى أمير
المؤمنين عليهالسلام في غلام شهدت عليه امرأة أنه دفع غلاما في بئر فقتله ،
فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة) ، وخبر عبد الله بن الحكم عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن امرأة شهدت
على رجل أنه دفع صبيا في بئر فمات قال : على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة) ، والأكثر على العدم. والخبران حجة عليهم مع أن الأول صحيح
السند فدعوى أنهما ضعيفا السند فيرجع إلى الأصل من عدم قبول شهادتها في الربع ليس
في محله. ومقتضى الأخبار أن شهادة أربع نسوة بمقدار شهادة رجلين ، وأن شهادتهن من
دون يمين ولو كانت واحدة ، وهذه وإن وردت في الاستهلال بالنسبة للميراث لكن يستفاد
والحكم منها بالنسبة للوصية لو شهدت اثنتان أو ثلاث أو أربع نسوة بعد كون أخبار
الوصية قد اقتصرت على شهادة المرأة الواحدة.
ثم هل يتعدى عن
مورد النصوص وهو شهادة المرأة منفردة عن الرجل إلى شهادة الرجل المنفرد فيثبت
بشهادته النصف من الوصية والميراث باعتبار كونه في قبال المرأتين ، أو يكون الرجل
كالمرأة في ثبوت الربع فقط من غير يمين ، أو تسقط شهادته أصلا باعتبار ـ
__________________
أحكامه ، فإنه (١)
يختص بثبوت جميع الوصية برجلين ، وبأربع نسوة ، وثبوت ربعها بكل واحدة ، فبالواحدة
الربع ، وبالاثنتين النصف ، وبالثلاث ثلاث الأرباع ، من غير يمين ، وباليمين مع
المرأتين (٢) ومع الرجل (٣) ، وفي ثبوت النصف (٤) بالرجل (٥) ، أو الربع (٦) من
غير يمين (٧) ، أو سقوط شهادته أصلا أوجه ، من مساواته للاثنتين (٨) وعدم (٩) النص
وأنه (١٠) لا يقصر عن المرأة ، والأوسط (١١) أوسط ، وأشكل منه الخنثى ، وإلحاقه
بالمرأة قوي (١٢) ، وليس للمرأة تضعيف المال ليصير ما أوصى به ربع ما شهدت به (١٣)
للكذب ، لكن لو فعلت استباح الموصى
______________________________________________________
ـ عدم النص إلا في
المرأة أوجه ثلاثة فالأول باعتبار كون الرجل في قبال المرأتين في بقية الموارد ،
وفيه : إنه قياس لا نقول به ، إذ كان الرجل في قبال المرأتين مع ضم رجل آخر أو
يمين وهنا لا ضميمة.
والثاني باعتبار
أنه لا يقصر عن المرأة وفيه : إنه استحسان محض.
والثالث باعتبار
عدم النص وهو الأقوى.
(١) فإن هذا
الفرد.
(٢) بناء على قبول
قول المرأتين مع اليمين في كل ما هو مال أو قصد منه المال ، وقد عرفت ضعفه.
(٣) أي واليمين مع
الشاهد ، وهو أيضا مبني على كونه جاريا في كل دعوى كان متعلقها المال أو قصد منها
المال ، وقد عرفت أنه مختص بالدين فقط.
(٤) أي نصف
الوصية.
(٥) باعتبار كونه
في قبال المرأتين في بقية الموارد.
(٦) إذ لا يقصر
على المرأة.
(٧) كما هي كذلك
على ما قد صرحت به الأخبار المتقدمة.
(٨) دليل الوجه
الأول.
(٩) دليل الوجه
الثالث.
(١٠) دليل الوجه
الثاني.
(١١) باعتبار
الدعوى بأنه يثبت الربع من غير يمين.
(١٢) للشك في
ذكوريته.
(١٣) أي تزيد في
المشهود به ليكون ربع ما شهدت به يساوي تمام ما أوصي له ، وهو محرم لحرمة الكذب
ولمرسل يونس عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يكون له
على الرجل حق فيجحد حقه ويحلف عليه ، إذ ليس عليه شيء وليس لصاحب الحق على حقه
بينة ، ـ
له الجميع مع علمه
بالوصية لا بدونه (١) ، وكذا القول فيما (٢) [لا] يثبت بشهادته (٣) الجميع.
(ومنها) : ما يثبت (بالنساء منضمات) إلى الرجال (خاصة) أو إلى اليمين على ما تقدم (وهو الديون
والأموال) وهذا القسم داخل
في الثالث (٤) ، قيل : وإنما أفرد ليعلم احتياج النساء إلى الرجال (٥) فيه صريحا ،
وليس بصحيح (٦) ، لأن الانضمام يصدق مع اليمين ، وفي الأول (٧) تصريح بانضمامهن
إلى الرجل صريحا ، فلو عكس (٨) المعتذر كان أولى ، ولقد كان إبداله (٩) ببعض ما
أشرنا إليه من
______________________________________________________
ـ يجوز له إحياء
حقه بشهادة الزور إذا خشي ذهاب حقه ، قال : لا يجوز ذلك لعلة التدليس) . وفي كشف اللثام الحل وإن حرم التزوير لمرسل عثمان بن عيسى
عن عبد الله عليهالسلام (تكون للرجل من
اخواني عندي الشهادة ، ليس كلها تجيزها القضاة عندنا ، قال : إذا علمت أنها حق
فصحّها بكل وجه حتى يصح له حقه) ، وفيه : إنه لا دلالة على موردنا بل هو ناظر إلى كيفية
عرض الشهادة لا إلى الكذب في المشهود به.
(١) أي بدون
العلم.
(٢) أي في كل
مورد.
(٣) أي بشهادة
الشاهد وذلك في المرأتين والثلاث ، فإنه يثبت النصف وثلاثة أرباع.
(٤) وهو ما كان
متعلق الدعوى مالا أو قصد منه المال.
(٥) ولو رجل واحد
، ليعلم عدم قبول شهادتهن فيه منفردات.
(٦) لأن عبارة
المصنف هنا غير ظاهرة في ذلك إذ قال المصنف (ومنها بالنساء منضمات خاصة) وهذا كما
يصدق مع الانضمام إلى الرجال يصدق مع الانضمام إلى اليمين ، وفيه : إنه على كل حال
لا تقبل شهادتهن منفردات في الديون والأموال.
(٧) أي في كلامه
الأول عند ثبوت الدعوى في الأموال والديون قد صرح الماتن بانضمام النساء إلى الرجل
صريحا حيث
قال : (ومنها ما
يثبت برجلين ورجل وامرأتين وشاهد ويمين وهو الديون والأموال) ، وأما هنا فليس
بصريح بالانضمام إلى الرجل.
(٨) بأن قال ليعلم
عدم احتياج النساء إلى الرجال إذ يكفي انضمامهن إلى اليمين كان أولى ، وعل كل
فمراد الماتن أنه لا يكفي شهادتهن منفردات ولا داعي لهذا الشرح من الشارح.
(٩) أي إبدال هذا
القسم وهو ما يثبت بالنساء ومنضمات خاصة.
__________________
الأقسام سابقا
التي أدرجها (١) ، وإدراجه (٢) هو أولى كما فعل في الدروس.
(الفصل الثالث
في الشهادة على الشهادة (٣).(ومحلها حقوق الناس كافة (٤) بل ضابطه كل ما لم يكن عقوبة لله تعالى مختصة به إجماعا ،
أو مشتركة على الخلاف (سواء كانت)
______________________________________________________
(١) وهو الوصية
حيث أدرجها في ضابطة ما يعسر الاطلاع عليه مع أنها قسم برأسه.
(٢) أي إدراج هذا
القسم الخامس تحت الثالث السابق ، والمعنى : فلو استبدل هذا القسم الخامس بالوصية
المدرجة عنده في القسم الرابع لأن الوصية قسم برأسه ، مع إدراج القسم الخامس في
الثالث كان أولى.
(٣) بلا خلاف
للأخبار.
منها : خبر محمد
بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (في الشهادة على
شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد ، قال : نعم ، ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا
كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه عن أن يحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة
الشهادة على شهادته) .
(٤) بل محلها كل
مورد للإطلاق في دليل اعتبارها ، ما عدا الحدود ، لخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد
الله عن أبيه عن علي عليهمالسلام (أنه كان لا يجيز
شهادة على شهادة في حد) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : (لا تجوز شهادة على شهادة في حد) .
ومقتضى إطلاقها
عدم الفرق فيما لو كان الحد محضا لله كحد الزنا واللواط أو مشتركا بينه تعالى وبين
الآدمي كحد السرقة والقذف وهذا ما عليه المشهور ، وعن المبسوط وابن حمزة وفخر
المحققين والشهيد في النكت والشارح في المسالك القبول في الحد المشترك تغليبا لحق
الآدمي مع استصفاف هذين الخبرين ، وفيه : إنهما منجبران بعمل الأصحاب.
ثم إن دليل اعتبار
الشهادة على الشهادة يشمل الزكاة والأوقاف والجهات العامة والهلال ، وعن العلامة
في التذكرة عدم القبول في الهلال لأصالة البراءة مع اختصاص قبول الشهادة على
الشهادة بالأموال وحقوق الآدمي فقط ، وفيه : أما الأصل فمنقطع للأخبار على أن
التمسك بأصل البراءة في مثله محل منع ، وأما اختصاص مورد الشهادة على الشهادة بما
ذكر فلا دليل عليه.
__________________
الحقوق (عقوبة كالقصاص ، أو غير عقوبة) مع كونه حقا غير مالي (كالطلاق والنسب
والعتق ، أو مالا كالقرض ، وعقود المعاوضات ، وعيوب النساء) هذا وما بعده من أفراد الحقوق التي ليست مالا رتّبها مشوشة
(والولادة ، والاستهلال ، والوكالة والوصية بقسميها) وهما الوصية إليه وله.
(ولا يثبت في حق الله تعالى محضا كالزنا (١) واللواط والسحق
، أو مشتركا كالسرقة والقذف ، على خلاف) ، منشأه مراعاة الحقين ولم يرجح هنا شيئا ، وكذا في الدروس
، والوقوف على موضع اليقين (٢) أولى ، وهو اختيار الأكثر. فيبقى ضابط محل الشهادة
على الشهادة ما ليس بحدّ.
(ولو اشتمل الحق على الأمرين (٣) كالزنا (٤) (يثبت) بالشهادة على الشهادة (حق الناس خاصة ،
فيثبت بالشهادة) على الشهادة (على إقراره بالزنا نشر الحرمة) لأنها من حقوق الآدميين (لا الحد) لأنه عقوبة لله تعالى ، وإنما افتقر إلى إضافة الشهادة على
الشهادة (٥) ليصير من أمثلة المبحث. أما لو شهد على إقراره بالزنا شاهدان فالحكم
كذلك على خلاف (٦) ، لكنه (٧) من أحكام القسم
______________________________________________________
(١) أي كحد الزنا.
(٢) وهو غير الحد
سواء كان مختصا أو مشتركا.
(٣) المراد بالحق
هو سبب الحد ، والمراد بالأمرين حق الله وحق الناس.
(٤) أي نفس الزنا
حيث مشتمل على الحد ومشتمل على نشر الحرمة بالنسبة إلى ابن الزاني أو أبيه ، أما
الحد فقد عرفت عدم ثبوته بالشهادة على الشهادة ، أما بقية أحكامه فتثبت لإطلاق
دليل اعتبار الشهادة على الشهادة ومثله السرقة ، والتفكيك بين المتلازمين في ظاهر
الشريعة ليس بعزيز.
(٥) حيث أضاف
الشارح لفظ (على الشهادة) لقول الماتن.
(٦) فذهب العلامة
وولده في المختلف وشرح القواعد إلى عدم ثبوت الزنا بالشهادة على الاقرار مرة ، لأن
أصل الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود فالاقرار به متوقف على أربعة شهود.
وذهب الشيخ وابن
إدريس إلى الثبوت بهما كسائر الأقارير لإطلاق دليل اعتبار البينة ، وعلى الأول لا
يثبت شيء وعلى الثاني يثبت الحد لو أقرّ ثلاث مرات مع هذا الاقرار المشهود به.
(٧) أي لكن الزنا
المقرّ به والذي ثبت بشهادة عدلين على اقراره.
السابق (١). ومثله
(٢) ما لو شهد على إقراره بإتيان البهيمة شاهدان يثبت بالشهادة عليهما (٣) تحريم
البهيمة وبيعها ، دون الحد ، (ويجب أن يشهد على كل واحد عدلان (٤) لتثبت شهادته بهما.
(ولو شهدا (٥) ...
______________________________________________________
(١) وهو ما لو كان
حدا مختصا لله تعالى ، وعليه فلو قامت الشهادة على الشهادة باقراره بالزنا فلا
يثبت الحد وتثبت بقية الأحكام.
(٢) أي ومثل الزنا
المقرّ به والثابت بشهادة اثنين.
(٣) على شاهدي
الاقرار.
(٤) لخبر طلحة بن
زيد عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي عليهمالسلام (أنه كان لا يجيز
شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على رجل) ومثله خبر غياث بن إبراهيم ، ولمرسل الصدوق عن الإمام الصادق عليهالسلام (إذا شهد رجل على
شهادة رجل ، فإن شهادته تقبل وهي نصف شهادة ، وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل
فقد ثبتت شهادة رجل واحد) .
(٥) أي لو شهد
عدلان على شخص بأنه شهد على أمر ، ثم نفس العدلان شهدا على شخص آخر بأنه شهد على
نفس الأمر ، لتحققت الشهادة على الشهادة ، ولأن شهادة الشاهد الأصلي قد ثبتت
بشهادة عدلين وهو المعتبر في الإثبات خلافا للمحكي عن الشافعي في أحد قوليه فاعتبر
المغايرة في شهود كل فرع فيعتبر شهود أربعة على الشاهدين ، ومبنى الخلاف على أن
الشهادة على الشهادة هل لإثبات الشهادة أو للنيابة عنها ، فعلى الأول الذي هو مذهب
الأصحاب يكفي شهادة اثنين على شهادة الأصل وإن لم تتغاير شهود الفرع ، وعلى الثاني
فلا بد من أربعة في شهود الفرع ليكون كل اثنين منهم بحكم الواحد من شهود الأصل.
والحق ما عليه
الأصحاب من أن الشهادة على الشهادة إنما هي لإثبات شهادة الأصل ولذا لا يشترط
تغاير شهود الفرع.
بل وكذا لو شهد
شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر ، إذ كونه شاهد أصل لا ينافي كونه مع ذلك
الغير شاهد فرع ، وكذا لو شهد اثنان على جماعة كفى شهادة الاثنين على كل واحد منهم
، فلو كان شهود الأصل أربعة كشهود أربعة رجال عدول في ـ
__________________
(على الشاهدين فما زاد) كالأربعة (١) في الزنا والنسوة (٢) (جاز) ، لحصول الغرض
وهو ثبوت شهادة كل واحد (٣) بعدلين ، بل يجوز أن يكون الأصل فرعا لآخر (٤) فيثبت (٥)
بشهادته مع آخر وفيما يقبل فيه شهادة النساء يجوز على كل امرأة أربع كالرجال (٦)
وقيل لا يكون النساء فرعا ، لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل (٧) لا ما شهد به ، (ويشترط) في قبول شهادة
الفرع (تعذر) (٨) حضور (شاهد الأصل)
______________________________________________________
ـ الزنا ، وشهود
أربع نساء فيما تقبل شهادتهن فيه منفردات كفى شهادة اثنين على الجميع ، وعلى القول
المخالف فيعتبر شهود أربعة على الشاهدين ويعتبر ثمانية شهود على الأربع من شهود
الأصل ويعتبر ستة من شهود الفرع على الرجل والمرأتين من شهود الأصل.
(١) أي أربعة
رجال.
(٢) أي أربع نساء
فيما تقبل شهادتهن فيه منفردات.
(٣) من شهود
الأصل.
(٤) أي لأصل آخر.
(٥) أي يثبت أحد
الأصلين بشهادة الأصل الآخر مع شهادة آخر عليه.
(٦) كالرجال لأن
البينة في النساء وأربع نسوة والبينة في الرجال شاهدان عدلان وعليه قد وقع بينهم
الخلاف في جواز شهادة النساء فرعا في موضع تجوز شهادتهن فيه أصلا على قولين :
الأول : الجواز ،
ذهب إليه الشيخ في الخلاف محتجا بالاجماع والأخبار ، وابن الجنيد والعلامة في
المختلف وقال الأخير : (إن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل ، فإذا شهد رجلان على
رجل جاز أن تشهد أربع نسوة على ذلك الرجل قضية للتساوي) ، ولازمه جواز أن تشهد
أربع نسوة على امرأة أو على أربع نساء فيما لو انفردت بها في مورد تقبل شهادتهن
فيه منفردات.
الثاني : المنع
ذهب إليه الشيخ في موضع من المبسوط وابن إدريس والعلامة في غير المختلف والمحقق في
(الشرائع) وتردد في النافع وكذا العلامة في الارشاد ، ووجه المنع أن مورد قبول
شهادة النساء هو الديون والأموال فيما لو شاركهن رجل ، وفيما يعسر على الرجال
الاطلاع عليه فيما لو انفردن بالشهادة ، وشهادة الأصل هنا ليست مالا وليست مما
يعسر الاطلاع عليه وهو الأقوى.
(٧) وهي ليست مالا
ولا مما يعسر اطلاع الرجال عليه.
(٨) فلا تقبل
شهادة الفرع إلا عند تعذر حضور الأصل على المشهور شهرة عظيمة ، والمخالف إما والد
الصدوق كما عن جماعة وإما ابن الجنيد كما عن الدروس ، وقد قوّى عدم ـ
(بموت ، أو مرض ، أو سفر) ، وشبهه ، (وضابطه المشقة في
حضوره) وإن لم يبلغ حد
التعذر.
واعلم أنه لا
يشترط تعديل الفرع للأصل (١) ، وإنما ذلك فرض الحاكم ، نعم يعتبر تعيينه (٢) ، فلا
تكفي أشهدنا عدلان ، ثم إن أشهداهما (٣) قالا : أشهدنا
______________________________________________________
ـ الاشتراط كاشف
اللثام وجماعة من المتأخرين للأصل ، وفيه : إنه منقطع بخبر محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليهالسلام (في الشهادة على
شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد ، قال : نعم ، ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا
كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه عن أن يحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة
الشهادة على شهادته) .
ويتحقق التعذر
بالموت والمرض والغيبة التي يشق معها الحضور من دون تقدير لها ، وعن بعض العامة
تقدير مسافة القصر ، ومنهم من اعتبر تعذر الرجوع إلى منزله ليبيت فيه ، وقد عرفت
الضابطة من خبر محمد بن مسلم وهي (لعلّة تمنعه).
(١) ليس على شهود
الفرع أن يشهدوا على صدق شهود الأصل ، ولا أن يعدلوهم بل لهم إطلاق الشهادة على
شهادتهم عند الحاكم ثم الحاكم يبحث عن عدالة الأصل خلافا لبعض العامة كما في
المسالك ، وخلافا للمفيد كما في الجواهر حيث نقل عنه أنه لا يجوز لأحد أن يشهد على
شهادة غيره إلا أن يكون عدلا عنده مرضيا ، وليس لهما مستند.
(٢) أي تعيين شاهد
الأصل ، فيشترط في الفروع تسمية شهود الأصل وتعريفهم كما هو واضح.
(٣) بأن قال شاهد
الأصل لشاهدي الفرع : اشهدا على شهادتي أني اشهد على فلان بن فلان ، أو اشهدتكما
على شهادتي أني أشهد ... ، وهو المسمى بالاسترعاء وهو التماس شاهد الأصل رعاية
شهادته والشهادة بها.
وادنى منه ما لو
سمع شاهدا الفرع شاهد الأصل يدلي بشهادته عند الحاكم فإنه يجوز لشاهدي الفرع تحمل
شهادته ، وعن ابن الجنيد ، منع شهادة الفرع هنا لعدم الاسترعاء من شاهد الأصل ،
وهو ليس في محله إذ الأخبار خالية عن كيفية التحمل فيرجع فيها إلى العرف ، والعرف
حاكم بصدق الشهادة على الشهادة لو شهد شاهدا الفرع على الأصل بما سمعاه منه عند
ادلائه بالشهادة لدى الحاكم.
وادنى منه ما لو
سمع شاهدا الفرع قول الأصل عند غير الحاكم بأن قال : أشهد على ـ
__________________
فلان أنه يشهد
بكذا ، وإن سمعاهما يشهدان جازت شهادتهما ، عليهما ، وإن لم تكن شهادة الأصل عند
حاكم على الأقوى ، لأن العدل لا يتسامح بذلك بشرط ذكر الأصل للسبب ، وإلا فلا (١)
، لاعتياد التسامح عند غير الحاكم به (٢) ، وإنما تجوز شهادة الفرع مرة واحدة (ولا تقبل الشهادة الثالثة) على شاهد الفرع (فصاعدا) (٣).
(الفصل الرابع
في الرجوع) (٤) عن الشهادة (إذا رجعا) أي الشاهدان فيما يعتبر فيه
______________________________________________________
ـ فلان بن فلان
لفلان بن فلان بكذا ، أو يذكر السبب مثل أن يقول : من ثمن عقار أو ثوب ، ويجوز
لشاهدي الفرع الشهادة على الأصل بما سمعاه منه كما عن الشيخ في المبسوط وجماعة
لصدق الشهادة على الشهادة.
وعن المحقق
والفاضل التردد في ذلك لاحتمال أن يكون قد صدر من الأصل وعد لا شهادة عند ذكر
السبب ، ومع عدمه فلا يجوز الشهادة على الأصل إذ العادة التسامح في أمثاله في غير
مجلس الحاكم ، ووافقهم الشارح في الأخير. وفيه : إن العدالة تمنع المسامحة إلى هذه
الغاية.
(١) وإن لم يذكر
السبب بأن قال الأصل : اشهد أنه لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا.
(٢) وفيه : إنه
شهادة منه عرفا فيصح الشهادة عليها ، ولا يشترط في صدق الشهادة عرفا قيامها عند
الحاكم.
(٣) بلا خلاف فيه
لخبر عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عن أبيه عليهماالسلام (أشهد على شهادتك
من ينصحك ، قالوا : كيف؟ ويزيد وينقص ، قال : لا ، ولكن من يحفظها عليك ، ولا تجوز
شهادة على شهادة على شهادة) .
(٤) لو شهدا عند
الحاكم ثم ماتا ، أو أحدهما أو جنا أو أغمي عليهما أو أحدهما حكم الحاكم بشهادتها
بلا خلاف فيه لإطلاق دليل اعتبار الشهادة ، وكذلك لو شهدا ثم زكيا بعد عروض هذه
الأمور عليهما من الموت ونحوه إذ التزكية اللاحقة كاشفة عن صحة شهادتهما السابقة
التي هي مستند الحكم. ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ ولو شهدا ثم
فسقا أو فسق أحدهما فإن كان قبل الحكم فالمشهور على عدم جواز الحكم بشهادتهما لأنه
حكم بشهادة غير عادلين ، وعن البعض كالشيخ في أحد قوليه والعلامة والحلي والمحقق
الجواز لأن المعتبر هو العدالة في الشاهدين عند الأداء لا عند الحكم هذا كله فيما
لو كانت شهادتهما في حقوق الناس ، وأمّا لو كانت في حقوق الله كحد الزنا فلا يحكم
بشهادتهما ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر والمسالك لأن الحدود مبنية على التخفيف
لأنها تدرأ بالشبهة وفسقهما بعد الشهادة شبهة في ثبوت الحد ، وهذه الفروع لم يتعرض
لها الشهيدان هنا.
ثم لو تبين أنها
شهادة زور نقض حكم الحاكم حينئذ قبل الاستيفاء أو بعده ولو كان قبل الحكم فلا يجوز
للحاكم أن يحكم حينئذ ، وينظر بعد الاستيفاء فإن كان المال باقيا ردّ على صاحبه
وإن تلف غرّم الشهود مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا هذا في حقوق الآدمي
، وأما في الحدود فيثبت عليهم القصاص ولولي اندم قتلهما مع رد الفاضل من ديتهما
على وليهما بلا خلاف في ذلك كله لتبين عدم صحة الشهادة من رأس فينتفي مستند الحكم
، ولصحيح جميل عن أبي عبد الله عليهالسلام (في شاهد الزور
قال : إن كان الشيء قائما بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما
أتلف من مال الرجل) ، ومثله صحيحه الآخر عنه عليهالسلام ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (في شاهد الزور ما
توبته؟ قال : يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله ، إن كان النصف أو
الثلث إن كان شهد هذا وآخر معه) .
وهذا الفرع سيتكلم
عنه الشهيدان فيما بعد وقد قدمنا فيه الكلام ليدرك الفرق بينه وبين الفرع الآتي ،
وهو : ما لو رجع الشاهدان عن شهادتهما ، والفرق بين الرجوع وثبوت الزور في
شهادتهما هو ما لو علم الحاكم بكذبهما أو قام الخبر المفيد للعلم على ذلك فهي
شهادة زور هذا هو الفرع المتقدم ، أما لو صرح نفس الشاهدين بالكذب أو رجعا عن
شهادتهما بأن ادعيا الاشتباه أو الغلط أو النسيان في الشهادة الأولى فهذا هو الفرع
الحالي وهذا الرجوع كالانكار بعد الاقرار فلا يدرى أنهم صادقون به أو لا إذ يحتمل
كذبهم في الشهادة الثانية فتكون الشهادة الأولى صادقة بخلاف الفرع المتقدم فهناك
قطع بكذب الشهادة الأولى. وإذا تبين الفرق بين الفرعين فلو رجع الشاهدان عن
شهادتهما ، فإن كان الرجوع قبل الحكم فلا يحكم الحاكم بشهادتهما بلا خلاف فيه لمرسل
جميل عن ـ
__________________
الشاهدان ، أو
الأكثر حيث يعتبر (١) (قبل الحكم امتنع الحكم) ، لأنه تابع للشهادة وقد ارتفعت ، ولأنه لا يدري أصدقوا في
الأول ، أو في الثاني فلا يبقى ظن الصدق فيها ، (وإن كان الرجوع
بعده (٢) لم ينقض الحكم) إن كان
______________________________________________________
ـ أحدهما عليهماالسلام (قال في الشهود
إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل : ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن
قضي طرحت شهادتهم ولم يغرّموا الشهود شيئا) ، وهو وإن كان واردا في حقوق الآدمي لكن لا خصوصية لمالية
المشهود به فتطرح شهادتهما قبل الحكم في الحدود والحقوق.
(١) أي يعتبر
الأكثر من شاهدين.
(٢) أي بعد الحكم
فتارة يكون الرجوع قبل الاستيفاء وأخرى بعده ، فإن كان قبل الاستيفاء وكان في حق
الله كالحدود نقض الحكم على المشهور ، لأن رجوع الشاهد يحقق الشبهة والحدود تدرأ
بالشبهات ، ولم يخالف أحد صريحا ولذا قال في الجواهر : (بل لا أجد في شيء من ذلك
خلافا محققا ، نعم في القواعد عبّر بلفظ الأقرب مشعرا باحتمال العدم) ، ووجه العدم
من كونه حكما قد صدر من أصله ولم يعلم له ناقض ، وفيه : إن هذا لا ينافي قيام الشبهة
المانعة من استيفاء الحد.
وإن كان في حق
الآدمي فلا ينقض الحكم فيعطى المال للمشهود له ، على الأكثر لما دل على نفوذ حكم
الحاكم وقد تقدم في القضاء ، مع احتمال أن لا يكون الرجوع كذبا للشهادة الأولى
لأنه كالانكار بعد الاقرار فيؤخذ بأول كلامه دون ثانيه ويدل عليه خبر السكوني عن
جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من شهد عندنا ثم غيّر أخذناه بالأول وطرحنا الأخير) .
وتردد المحقق في
الشرائع لحصول الشك في ميزان الحكم ، إذ هو مستند إلى البينة التي لا تردد فيها
ولا رجوع وهنا قد رجع.
وإن كان الرجوع
بعد الاستيفاء فإن كان في حق الله وقد اعترف الشهود بالكذب وكان المشهود به قتلا
أو جرحا ثبت عليهم القصاص ، وإن اعترفوا بالخطإ فعليهم الدية لأنه شبيه العمد ،
ولو قال بعضهم : تعمدت الكذب ، والآخرون اعترفوا بالخطإ ، فعلى المقرّ بالعمد القصاص
وعلى المقرّ بالخطإ نصيبه من الدية ، ولولي الدم قتل المقرّ بالعمد مع ردّ الفاضل
من ديته على وليه بلا خلاف في ذلك لقوة السبب هنا على المباشر وللأخبار ، ـ
__________________
مالا (١) ، و (ضمن الشاهدان) ما شهدا به من المال (سواء كانت العين باقية ، أو)
______________________________________________________
ـ منها : مرسل ابن
محبوب عن أبي عبد الله عليهالسلام (في أربعة شهدوا
على رجل محص بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل قال : إن قال الرابع ـ الراجع ـ
: أو همت ضرب الحد وأغرم الدية ، وإن قال : تعمدت ، قتل) ، وخبر إبراهيم بن نعيم الأزدي (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن
شهادته فقال : يقتل الرابع ـ الراجع ـ ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قضى أمير
المؤمنين عليهالسلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان
بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، إنما
شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر)
، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (في رجلين شهدا
على رجل أنه سرق فقطعت يده ، ثم رجع أحدهما فقال : شبّه علينا ، غرّما دية اليد من
أموالهما خاصة ، وقال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم
ينظرون فرجم ثم رجع واحد منهم ، فقال : يغرّم ربع الدية إذا قال : شبّه عليّ ،
وإذا رجع الاثنان فقالا : شبّه علينا غرّما نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم فقالوا :
شبّه علينا غرّموا الدية ، فإن قالوا : شهدنا بالزور قتلوا جميعا) .
وإن كان الرجوع
بعد الاستيفاء في حقوق الآدمي ، فإن تلف المحكوم به كان على الشهود الضمان وهذا
مما لا خلاف فيه ، وإن كانت عين المحكوم به باقية فذهب الأكثر إلى عدم نقض الحكم
لما دل على نفوذه بعد صدوره من أهله مستجمعا شرائطه ولكن يضمن الشهود العين
لصاحبها ، وذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة وجماعة إلى أن العين تردّ
على صاحبها مع عدم ضمان الشهود وهذا نقض للحكم ، لصحيح جميل عن أبي عبد الله عليهالسلام (في شاهد الزور
قال : إن كان الشيء قائما بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما
أتلف من مال الرجل) ، وفيه : إنه وارد في شاهد الزور ومقامنا في الرجوع ،
والرجوع أعم لاحتمال أن يكون مشتبها في الشهادة الأولى ، بل لو صرح في الرجوع بأنه
كاذب في شهادته الأولى لا يكون شاهد زور لاحتمال أن يكون كاذبا في شهادته الثانية
فتكون الأولى صادقة.
(١) قبل الاستيفاء
وبعده فلا ينقض الحكم في حقوق الآدمي.
__________________
(تالفة) على أصح القولين. وقيل : تستعاد العين القائمة.
(ولو كانت الشهادة على قتل ، أو رجم ، أو قطع ، أو جرح) أو حد ، وكان (١) قبل استيفائه لم يستوف ، لأنها (٢) تسقط
بالشبهة ، والرجوع شبهة ، والمال لا يسقط بها (٣) ، وهو (٤) في الحد في معنى النقض
، وفي القصاص قيل : ينتقل إلى الدية لأنها بدل ممكن عند فوات محله. وعليه لا ينقض
، وقيل (٥) : تسقط لأنها (٦) فرعه ، فلا يثبت الفرع من دون الأصل ، فيكون ذلك في
معنى النقض أيضا والعبارة (٧) تدل بإطلاقها (٨) على عدم النقض مطلقا (٩) واستيفاء (١٠)
متعلق الشهادة وإن كان حدا ، والظاهر أنه (١١) ليس بمراد (١٢). وفي الدروس لا ريب
أن الرجوع فيما يوجب الحد قبل استيفائه يبطل الحد ، سواء كان لله ، أو للإنسان (١٣)
______________________________________________________
(١) أي الرجوع.
(٢) أي الحدود.
(٣) بالشبهة.
(٤) أي عدم
الاستيفاء.
(٥) لم أجده قولا
لأحد نعم قال العلامة في القواعد : (ولو رجعا قبل استيفاء القصاص لم يستوف ، وهل
ينتقل إلى الدية إشكال ، فإن أوجبناها رجع عليهما) ، فقد جعل القصاص من حقوق الله
التي تدرأ بالشبهة مع أنه محل منع ، ثم استشكل في ثبوت الدية باعتبار أن موجب
العمد هو القصاص دون الدية ، ولا تثبت الدية في العمد إلا صلحا بعد ثبوت القصاص ،
والقصاص غير ثابت فكيف تثبت الدية هذا دليل عدم ثبوتها ، وأما دليل ثبوتها باعتبار
أن القصاص من غير الحدود وقد تعذر القصاص بعد الرجوع لبناء الدماء على الاحتياط
التام ، ولكن تثبت الدية لأنه لا يبطل دم امرئ مسلم فينتقل إلى الدية بعد تعذر
القصاص.
(٦) أي لأن الدية
فرع ثبوت القصاص.
(٧) أي عبارة
المصنف.
(٨) بلحاظ أخرها.
(٩) قبل الاستيفاء
أو بعده.
(١٠) عطف على عدم
النقض.
(١١) أن هذا
الاطلاق.
(١٢) لنقض الحكم
قبل الاستيفاء في حدود الله كما عرفت.
(١٣) كحد القذف.
لقيام الشبهة
الدارئة ، ولم يتعرض للقصاص. وعلى هذا فإطلاق العبارة إما ليس بجيد (١) أو خلاف
المشهور ، ولو كان بعد استيفاء المذكورات واتفق موته بالحد ، (ثم رجعوا واعترفوا بالتعمد أقتصّ منهم أجمع) إن شاء وليه ، وردّ على كل واحد ما زاد عن جنايته كما لو
باشروا ، (أو) اقتص (من بعضهم) وردّ عليه ما زاد عن جنايته (ويردّ الباقون (٢)
نصيبهم) من الجناية ، (وإن قالوا أخطأنا فالدية عليهم) أجمع موزعة ، ولو تفرقوا في العمد والخطأ فعلى كل واحد
لازم قوله ، فعلى المعترف بالعمد القصاص بعد ردّ (٣) ما يفضل من ديته عن جنايته ،
وعلى المخطئ نصيبه من الدية.
(ولو شهدا بطلاق ثم رجعا (٤) ، قال الشيخ في النهاية : ترد
إلى الأول ،)
______________________________________________________
(١) لنقض الحكم
قبل الاستيفاء في الحد.
(٢) عند اعتراف
الجميع بالكذب.
(٣) والرد من ولي
الدم هنا.
(٤) فلو شهدا
بالطلاق وقد حكم الحاكم ثم رجعا لم ينقض الحكم لما عرفت سابقا من نفوذه فلا إشكال
من هذه الجهة.
ولكن إن كانت
شهادتهما بعد الدخول من الزوج فلم يضمنا له شيئا بالفراق الحاصل من حكم الحاكم إذا
كان الطلاق رجعيا وقد ترك الرجوع باختياره أو كان الطلاق بائنا ، لأنهما لم يفوتا
عليه شيئا إلا منفعة البضع وهي لا تضمن بالتفويت بلا خلاف فيه من أحد ، وأما المهر
الذي دفعه فهو مستقر بالدخول على كل حال ولو كانت شهادتهما قبل الدخول من الزوج
ضمنا له نصف المهر المسمى لها ، لأنهما ألزماه به بسبب شهادتهما على المشهور ، وقد
خالف الشيخ في النهاية وتبعه أبو الصلاح الحلبي إلى أنها لو تزوجت بعد الحكم
بالطلاق ثم رجعا ردّت إلى الأول بعد العدة ، وغرم الشاهدان المهر للثاني ، لموثق
إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليهالسلام (في شاهدين شهدا
على امرأة بأن زوجها طلقها ، فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق؟ قال : يضربان الحد
ويضمنان الصداق للزوج ثم تعتد ، ثم ترجع إلى زوجها الأول) ، وحملت الرواية على ما لو تزوجت المرأة بمجرد شهادة
الشاهدين من دون حكم الحاكم ، ثم لما جاء الزوج رجعا عن الشهادة واعترفا بأنهما
شهدا زورا فلذا ضربا الحد كما في كل شاهد زور ، فلا تكون ـ
__________________
(ويغرمان المهر للثاني ، وتبعه أبو الصلاح) استنادا إلى رواية (١) حسنة حملت على تزويجها بمجرد سماع
البينة ، لا بحكم الحاكم (وقال في الخلاف : إن كان بعد الدخول فلا غرم) للأول ، لاستقرار المهر في ذمته به (٢) فلا تفويت ، والبضع
لا يضمن بالتفويت ، وإلا (٣) لحجّر على المريض بالطلاق (٤) ، إلا أن يخرج البضع من
ثلث ماله (٥) ، ولأنه (٦) لا يضمن له (٧) لو قتلها قاتل (٨) ، أو قتلت نفسها (٩) ،
أو حرّمت نكاحها برضاع (١٠) ، (وهي زوجة الثاني) ، لأن الحكم لا ينقض بعد وقوعه.
______________________________________________________
ـ الرواية مستندا
لقول الشيخ وفيه : إن الرجوع إلى كتاب النهاية للشيخ يفيد أنه لم يذكر حكم الحاكم
بعد شهادتهما بل ذكر أن زواجها كان بعد الشهادة كما في الرواية ، قال الشيخ في
النهاية : (إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدت وتزوجت ودخل بها ، ثم رجعا
وجب عليهما الحد ، وضمنا المهر للزوج الثاني وترجع المرأة إلى الأول بعد الاستبراء
بعدة من الثاني) ، وكلامه صحيح عند عدم حكم الحاكم اعتمادا على الموثق الموافق
للقواعد من دون مخالفة قواعد أخرى أو نصوص فلا يكون كلامه مخالفا للمشهور الذي
اشترط في تحرير المسألة حكم الحاكم بعد الشهادة ، وعلى تحرير المسألة على مبنى
المشهور لو تزوجت بعد حكم الحاكم ثم رجعا فهي للزوج الثاني لأن الحكم نافذ بعد
صدوره من أصله ولا ناقض له.
ثم كان على
الشهيدين هنا ذكر حكم الحاكم بعد الشهادة كما عرفت.
(١) حيث إن الخبر
المتقدم مشتمل سنده على إبراهيم بن عبد الحميد وهو واقفي ثقة ، وعلى إبراهيم بن
هاشم وهو لم يمدح ولم يذم ، فلذا عبّر عنها بالموثق في المسالك باعتبار الأول ،
وعبّر عنها بالحسنة هنا باعتبار الثاني ، وهي موثقة جزما لأن إبراهيم بن هاشم من
مشايخ الإجازة والرواية وهذا ما يغنيه عن التوثيق بل هو دال على أعلى درجات
التوثيق.
(٢) بالدخول.
(٣) فلو كان البضع
يضمن بما هو منفعة غير مستوفاة.
(٤) لأن سيفوت
منافع بضع زوجته المضمونة بحسب الفرض.
(٥) وهو يجوز له
التصرف في الثلث.
(٦) أي الشأن
والواقع.
(٧) للزوج.
(٨) بدعوى أنه
فوّت على الزوج منافع البضع ، بل عليه إما القصاص وإما الدية.
(٩) فلا تضمن له
منافع بضعها.
(١٠) فيما لو
ارضعت زوجته الصغيرة فتحرم المرضعة والمرتضعة عليه.
(وإن كان قبل الدخول غرّما للأول نصف المهر) الذي غرمه ، لأنه وإن كان (١) ثابتا بالعقد ، كثبوت الجميع
بالدخول ، إلا أنه كان معرّضا للسقوط بردتها ، أو الفسخ لعيب ، بخلافه (٢) بعد
الدخول لاستقراره مطلقا (٣) ، وهذا (٤) هو الأقوى وبه قطع في الدروس ، ونقله هنا
قولا كالآخر يدل على تردده فيه ، ولعله (٥) لمعارضة الرواية المعتبرة.
واعلم أنهم أطلقوا
الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن ، والرجعي ووجهه (٦) حصول السبب المزيل
للنكاح في الجملة ، خصوصا بعد انقضاء عدة (٧) الرجعي (٨) ، فالتفويت حاصل على
التقديرين (٩) ، ولو قيل : بالفرق ، واختصاص الحكم بالبائن كان حسنا ، فلو شهدا
بالرجعي لم يضمنا إذ لم يفوّتا شيئا ، لقدرته (١٠) على إزالة السبب بالرجعة ولو لم
يراجع حتى انقضت العدة احتمل الحاقة (١١) بالبائن والغرم (١٢) وعدمه (١٣) ،
لتقصيره بترك الرجعة ، ويجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقا بعدم عروض وجه مزيل
للنكاح ، فلو شهدا به (١٤) ففرّق (١٥) ورجعا (١٦) فقامت بينة أنه كان بينهما رضاع محرّم فلا غرم إذ لا
تفويت.
______________________________________________________
(١) أي نصف المهر.
(٢) أي بخلاف
المهر.
(٣) ارتدت أو لا ،
وفسخت لعيب أو لا
(٤) أي قول الشيخ
في الخلاف.
(٥) أي ولعل
التردد فيه.
(٦) أي وجه
الاطلاق.
(٧) فتزول العلقة
الزوجية بينهما.
(٨) سواء كان
بائنا أو رجعيا بعد انقضاء العدة.
(٩) أي قدرة
الزوج.
(١٠) الحاق
الرجعي.
(١١) فيما يغرّم
به الشاهدان.
(١٢) عدم الإلحاق.
(١٣) بائنا أو
رجعيا.
(١٤) بالطلاق.
(١٥) أي فرّق بين
الزوجين.
(١٦) أي الشاهدان.
(ولو ثبت تزوير الشهود) بقاطع (١) كعلم الحاكم به (٢) ، لا بإقرارهما ، لأنه رجوع
، ولا بشهادة غيرهما ، لأنه تعارض (نقض الحكم) (٣) لتبين فساده ، (واستعيد المال) إن كان المحكوم به مالا ، (فإن تعذر أغرموا) ، وكذا يلزمهم كل ما فات بشهادتهم ، (وعزّروا (٤) على كل حال) سواء كان ثبوته قبل الحكم ، أم بعده ، فات شيء أم لا ، (وشهروا) في بلدهم وما
حولها ، لتجتنب شهادتهم ، ويرتدع غيرهم ، ولا كذلك من تبين غلطه ، أو ردّت شهادته
لمعارضة بينة أخرى ، أو ظهور فسق (٥) ، أو تهمة ، لإمكان كونه صادقا (٦) في نفس
الأمر فلم يحصل منه (٧) بالشهادة أمر زائد (٨).
______________________________________________________
(١) أي بدليل
قطعي.
(٢) بالتزوير.
(٣) قد تقدم من
الكلام في أول بحث الرجوع.
(٤) بلا خلاف فيه
كما في الجواهر ، لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (شهود الزور
يجلدون وليس له وقت ـ أي عدد معين ـ ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا
يعودوا ، قلت : فإن تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال : إذا تابوا تاب الله
عليهم وقبلت شهادتهم بعد) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن شهود الزور
يجلدون حدا ليس له وقت ، ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتى تعرفهم الناس ، وتلا قوله
تعالى : (وَلٰا
تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَأُولٰئِكَ هُمُ
الْفٰاسِقُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا).
قلت : بم تعرف
توبته؟ قال : يكذّب نفسه على رءوس الأشهاد حيث يضرب ويستغفر ربه عزوجل ، فإذا هو فعل ذلك فثمّ ظهرت توبته) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام كان إذا أخذ شاهد زور ، فإن كان غريبا بعث به إلى حيه ،
وإن كان سوقيّا بعث به إلى سوقه فطيف به ، ثم يحبسه أياما ثم يخلّى سبيله) .
(٥) من غير الزور.
(٦) في غير الشق
الأول وهو ما لو تبين غلطه.
(٧) من الشاهد.
(٨) يوجب التعزير.
__________________
كتاب الوقف
كتاب الوقف
(وهو تحبيس الأصل) (١) أي جعله على حالة لا يجوز التصرف فيه شرعا على وجه ناقل
له عن الملك إلا ما استثني (٢) ، (وإطلاق المنفعة) وهذا ليس تعريفا ، بل
______________________________________________________
(١) عرّف الوقف
بأنه عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة كما عن القواعد والتنقيح وإيضاح النافع
والكفاية والنافع واللمعة هنا ، لكن في اللمعة ترك ذكر العقد كما هو المحكي عن
المبسوط وفقه القرآن للراوندي والوسيلة والسرائر والجامع والمهذب البارع ومجمع
البرهان.
وتحبيس الأصل هو
المنع من التصرف فيه تصرفا ناقلا لملكه ، والمراد من إطلاق المنفعة هو إباحتها
للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرف فيها كيف شاء وهذا التعريف ببعض خواصه تبعا للنبوي
(حبّس الأصل وسبّل الثمرة) ، والنبوي الآخر (إن شئت حبّست أصله وسبّلت ثمرتها) ، وعدّل عن لفظ
الثمر ، الوارد في الخبرين إلى مطلق المنفعة لأنها أعم ، وعدّل عن التسبيل إلى
الإطلاق لأنه أظهر في المراد ، ولكن في الصحاح : (سبّل فلان ضيعته أي جعلها في
سبيل الله تعالى) ، ومن هنا كان التعبير بالتسبيل أولى لتضمنه معنى القربة بخلاف
الاطلاق فإنه غير دال على ذلك وقد عرّفه الشهيد في الدروس بأنه الصدقة الجارية
تبعا لما ورد في النبوي (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من
صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
وهذه التعاريف
لفظية أو بالآثار والخواص فلا داعي للنقض عليها طردا وعكسا.
(٢) كما لو أدى
بقاؤه إلى الخراب.
__________________
ذكر شيء من
خصائصه ، أو تعريف لفظي ، موافقة للحديث الوارد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : حبّس الأصل ، وسبّل الثمرة ، وإلا (١) لانتقض بالسكنى
وأختيها (٢) والحبس (٣) ، وهي خارجة عن حقيقته (٤) كما سيشير إليه ، وفي الدروس
عرّفه بأنه الصدقة. الجارية تبعا لما ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية
الحديث.
(ولفظه الصريح) الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى شيء آخر (٥) (وقفت) خاصة على أصح
القولين (٦) (وأما حبّست وسبّلت (٧) وحرّمت وتصدقت (٨) فمفتقر إلى
القرينة) كالتأبيد (٩) ،
ونفي البيع والهبة والإرث ، فيصير بذلك (١٠) صريحا.
______________________________________________________
(١) بحيث كان
تعريفا حقيقيا.
(٢) وهما العمرى
والرقبى.
(٣) وفي الجميع
تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.
(٤) أي حقيقة
الوقف لأنه فك ملك مع التحبيس المذكور بخلافها فلا فك للملك فيها.
(٥) من قرينة.
(٦) بلا خلاف فيه
كما في المسالك ، ولكن في الجواهر (نعم عن الشافعي في بعض أقواله أنها كناية عن
الوقف ، وعن الفاضل في التذكرة أنه من أغرب الأشياء).
(٧) فذهب جماعة
منهم العلامة في التذكرة والقواعد إلى أنهما صريحان في الوقف ، ومثلهما أحبست
بزيادة الهمزة ، وهو المنقول عن الخلاف والغنية والجامع نظرا إلى الاستعمال العرفي
لهما في الوقف مجردين كما ورد في النبوي المتقدم (حبّس الأصل وسبّل الثمرة) .
وعن الأكثر العدم
، بل هما محتاجان إلى القرينة حتى يفهم الوقف منهما ، واستعمالهما في الوقف في
النبوي أعم من الحقيقة.
(٨) لا خلاف في
عدم صراحة هاتين الصيغتين في الوقف ، ومثلهما ابدت فلا تحمل على الوقف إلا مع
القرينة.
(٩) تمثيل للقرينة
وكذا ما بعده من نفي البيع والهبة والإرث.
(١٠) أي بسبب
القرينة.
__________________
وقيل : الأولان (١)
صريحان أيضا بدون الضميمة ، ويضعف باشتراكهما بينه (٢) وبين غيره ، فلا يدل على
الخاص بذاته (٣) فلا بد من انضمام قرينة تعينه. ولو قال جعلته وقفا (٤) ، أو صدقة
مؤبدة محرمة كفى (٥) ، وفاقا للدروس ، لأنه كالصريح. ولو نوى الوقف فيما يفتقر إلى
القرينة وقع باطنا (٦) وديّن بنيته لو ادعاه (٧) ، أو ادعى غيره (٨) ، ويظهر منه
عدم اشتراط القبول مطلقا (٩) ، ولا القربة (١٠).
أما الثاني (١١)
فهو أصح الوجهين ، لعدم دليل صالح على اشتراطها وإن توقف عليها الثواب.
______________________________________________________
(١) أي حبّست
وسبّلت.
(٢) بين الوقف.
(٣) من دون قرينة.
(٤) ولم يقل :
وقفته.
(٥) لصراحتهما في
الوقف وإن كان فيهما خروج عن صيغ الوقف المنقولة.
(٦) أي في نفس
الأمر.
(٧) أي ادعى الوقف
من اللفظ المفتقر إلى القرينة.
(٨) لاحتمال إرادة
غير الوقف منه بعد كونه ليس صريحا فيه ، بخلاف اللفظ الصريح في الوقف فإنه يحكم
عليه بالوقفية من دون توقف لمعرفة نيته.
(٩) سواء كان
الوقف على جهة عامة أو على من يمكن في حقه القبول.
(١٠) لأنه تكلم عن
الايجاب فقط من دون اشتراطه بالقبول أو القربة.
(١١) أي القربة ،
فعن المفيد وابن زهرة والحلي والعلامة في القواعد والتذكرة والارشاد اشتراط القربة
، بل عن الغنية والسرائر دعوى الاجماع عليه ، وهو ممنوع إذ أكثر عبارات الأصحاب
خالية عنها ، وعل كل فقد استدل على الاشتراط بإطلاق لفظ الصدقة عليه في الكثير من
النصوص ، بل لم يذكر الوقف في النصوص الواردة في وقف أمير
المؤمنين عليهالسلام وسيدة النساء صلوات الله عليها إلا بلفظ الصدقة بل وغيرهما
من الأئمة عليهمالسلام ، ومن المعلوم اعتبار القربة في الصدقة خصوصا بعد هذين
الصحيحين ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وهما : صحيح
حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا صدقة ولا عتق
إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) ، وصحيح هشام وحماد وابن أذينة وابن بكير وغيرهم كلهم عن
أبي عبد الله عليهالسلام (لا صدقة ولا عتق
إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) ، ومن باب التبرك نذكر خبرا متضمنا لوقف لأمير المؤمنين عليهالسلام وهو خبر ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام (تصدق أمير
المؤمنين عليهالسلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب : بسم الله الرحمن
الرحيم ، هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حيّ سوي ، تصدق بداره التي في بني
زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض ، وأسكن هذه
الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهنّ ، فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين) .
وعن الأكثر كما
قيل عدم الاشتراط للأصل ، ولكون فاقدها عقدا فيندرج تحت قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على اعتبار القبول فيه ولو في بعض أفراده ، وللإطلاق
في النبوي (حبّس الأصل وسبّل الثمرة) وللإطلاق في مكاتبة الصفّار لأبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام (الوقوف تكون على
حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله) والأحوط وهو الأقوى اعتبار القربة للصحيحين السابقين من
نفي الصدقة بدون القربة ، وللتصريح بها في وقف أمير المؤمنين عليهالسلام كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (بعث إليّ بهذه الوصية
أبو إبراهيم عليهالسلام : هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله عليّ ابتغاء لوجه
الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ، ويصرف عني النار يوم تبيّض وجوه
وتسود وجوه ، إن ما كان لي من مال بينبع ، يعرف لي فيها وما حولها صدقة ـ إلى أن
قال ـ وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة ، حيا أنا أو ميتا ، ينفق في
كل نفقة بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبين المطلب
والقريب ـ إلى أن قال ـ هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في أمواله هذه ـ إلى أن قال
ـ ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، والله المستعان على كل حال ، ولا يحل لا مرىء
مسلم يؤمن بالله اليوم الآخر أن يغيّر شيئا مما أوصيت به في مالي ولا يخالف فيه
أمري ـ
__________________
وأما الأول (١)
فهو أحد القولين ، وظاهر الأكثر ، لأصالة عدم الاشتراط ،
______________________________________________________
ـ من قريب ولا
بعيد) وصحيحه الآخر قال (أوصى أبو الحسن عليهالسلام بهذه الصدقة : هذا ما تصدق به موسى بن جعفر عليهماالسلام ، تصدق بأرضه في مكان كذا وكذا كلها ، وحد الأرض كذا وكذا
، تصدق بها كلها ونخلها وأرضها وقناتها وماءها وأرحابها ـ أرجاءها ـ وحقوقها
وشربها من الماء ، وكل حق حولها ـ إلى أن قال ـ تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو
صحيح صدقة حبسا بتا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها ولا ردّ ابتغاء وجه الله والدار
الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها ولا يبتاعها ولا يهبها
ولا ينحلها ولا يغيّر شيئا مما وصفته عليها حتى يرث الأرض ومن عليها) ولصحيح جميل (قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهم صغار ، أله أن يرجع
فيها؟ قال : لا ، الصدقة لله تعالى) ، وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل تصدق على
ولد له قد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم
يدرك من ولده فهو جائز ، لأن الوالد هو الذي يلي أمره وقال : لا يرجع في الصدقة
إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله) ، وقد أريد من
الصدقة الوقف في هذين الخبرين بالاتفاق ، وهما صريحان في اشتراط القربة في الوقف ،
وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه القيم (تحرير المجلة) : (الكتاب الخامس
في الوقف ، وقد جرت عادة الفقهاء على التعبير عن هذا العمل الخيري بهذا العنوان
الذي لم يرد التعبير به في الكتاب الكريم أصلا ، ولا في السنة والحديث إلا نادرا ،
وإنما التعبير الشائع عنه في السنة وأحاديث الأئمة سلام الله عليهم هو الصدقة
والصدقة الجارية ، وفي أوقاف أمير المؤمنين والزهراء سلام الله عليهم هذا ما تصدق
به علي وفاطمة) انتهى.
ثم قد ورد لفظ (بتا
بتلا) ، والبت هو القطع قال في مجمع البحرين : (وصدقة بتة بتلة ، أي مقطوعة عن
صاحبها لا رجعة له فيها) وقال في لسان العرب : (صدقة بتة بتلة ، إذ قطعها المتصدق
بها من ماله ، فهي بائنة من صاحبها ، قد انقطعت منه).
نعم قد ورد في بعض
الأخبار كخبر ربعي من عبد الله المتضمن لوقف أمير المؤمنين عليهالسلام داره في بني زريق لخالاته وقد تقدم ، وهو مجرد عن ذكر
القربة لكنه لا يصلح دليلا لأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة.
(١) أي القبول فعن
الأكثر عدم اشتراطه ، إذ ليس في النصوص ما يدل عليه خصوصا ما ـ
__________________
ولأنه إزالة ملك
فيكفي فيه الإيجاب كالعتق ، وقيل : يشترط إن كان الوقف على من يمكن في حقه القبول
، وهو أجود ، وبذلك (١) دخل في باب العقود ، لأن إدخال شيء في ملك الغير يتوقف
على رضاه ، وللشك في تمام السبب بدونه (٢) فيستصحب (٣) ، فعلى هذا يعتبر فيه ما
يعتبر في العقود اللازمة ، من اتصاله (٤) بالإيجاب عادة ووقوعه بالعربية وغيرها (٥).
نعم لو كان على
جهة عامة ، أو قبيلة كالفقراء لم يشترط ، وإن أمكن قبول الحاكم له (٦) ، وهذا هو
الذي قطع به في الدروس وربما قيل : باشتراط قبول الحاكم فيما له ولايته. وعلى
القولين لا يعتبر قبول البطن الثاني ، ولا رضاه (٧) ،
______________________________________________________
ـ تضمن وقفا قد
صدر من أمير المؤمنين أو سيدة النساء أو بقية الأئمة عليهمالسلام على ما تقدمت الإشارة إلى هذه الأخبار ، ولأنه فك ملك
فيكفي فيه الايجاب كالعتق.
وعن جماعة منهم
صاحب الجواهر اشتراط القبول مطلقا ، لإطباقهم على أنه عقد فيعتبر فيه الايجاب
والقبول كسائر العقود ، ولأن إدخال شيء في ملك الغير موقوف على رضاه ، لأن الأصل
عدم الانتقال بدونه ، وللشك في تمامية السبب بدونه فيستصحب ملك المالك.
وفصل ثالث وهو
المحقق في الشرائع والعلامة والشهيدان وغيرهم أنه إذا كان على جهة خاصة فيشترط لما
ذكر ، ولإمكان القبول حينئذ ، وإن كان على جهة عامة كالفقراء والمساجد فلا يعتبر ،
لأن الملك ينتقل فيه إلى الله تعالى بخلاف الأول فإنه ينتقل إلى الموقوف عليه.
وعن العلامة في
التذكرة الميل إلى اشتراط قبول الحاكم في الجهات العامة كما هو نائب في استيفاء
القصاص والحدود ، واستقر به الكركي في جامعه.
(١) وبالقبول دخل
الوقف في باب العقود.
(٢) بدون رضا
الغير.
(٣) أي يستصحب ملك
المالك لو وقع الوقف بدون قبول.
(٤) أي اتصال
القبول.
(٥) كما سيأتي
ذكره في عقد البيع.
(٦) للوقف العام.
(٧) للزوم الوقف
بقبول البطن الأول هذا إذا اشترطنا القبول ، وإلا فهو لازم عند إنشاء الايجاب.
لتمامية الوقف
قبله (١) فلا ينقطع ، ولأن قبوله (٢) لا يتصل بالإيجاب ، فلو اعتبر لم يقع له (٣).
(ولا يلزم) الوقف بعد تمام صيغته (بدون القبض) (٤) وإن كان في جهة عامة
______________________________________________________
(١) قبل البطن
الثاني.
(٢) قبول البطن
الثاني.
(٣) أي لم يقع
قبول الثاني للوقف السابق لاشتراط الاتصال.
(٤) فالقبض شرط في
صحة الوقف من جهة ، والإقباض وهو القبض بإذن الواقف شرط في لزوم العقد من جهة
أخرى.
فالقبض شرط في
الصحة بلا خلاف فيه بين أصحابنا كما في المسالك ، فكما لا ينعقد الوقف إلا بالقبول
المنضم إلى الايجاب فكذلك لا ينعقد إلا بالصحة المنضمة إلى العقد ، لصحيح صفوان بن
يحيى عن أبي الحسن عليهالسلام (سألته عن الرجل
يقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا ، فقال : إن كان وقفها لولده ولغيرهم
ثم جعل لها قيّما لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم
حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا كبارا ولم يسلمها
إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها ، لأنهم لا يحوزونها عنه وقد
بلغوا) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (في الرجل يتصدق
على ولده وقد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من
لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره) وصحيح جميل (قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهم صغار أله أن يرجع
فيها؟ قال : لا ، الصدقة لله تعالى) ، وصحيح جميل بن
دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن رجل تصدق على
ابنه بالمال أو الدار ، أله أن يرجع فيه؟ قال : نعم إلا أن يكون صغيرا) ، وخبر أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ـ فيما ورد عليه من
جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري ـ عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه (وأما
ما سألت عليه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه ، فكل ما لم
يسلّم فصاحبه فيه بالخيار ، وكل ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه ، احتاج أو لم يحتج ،
افتقر إليه أو استغنى عنه) ، وخالف بعض
العامة فجعله لازما بمجرد الصيغة وإن لم يقبض فلذا رد عليه فقهاؤنا بأن الاقباض
شرط في لزوم العقد ومراده منه أن القبض شرط في صحة العقد بمعنى أن القبض جزء ـ
__________________
قبضها الناظر فيها
، أو الحاكم ، أو القيم المنصوب من قبل الواقف لقبضه ، ويعتبر وقوعه (١) (بإذن الواقف) كغيره (٢) لامتناع التصرف في مال الغير بغير إذنه ، والحال أنه لم ينتقل إلى
الموقوف عليه بدونه (٣) ، (فلو مات) الواقف (قبله) أي قبل قبضه المستند إلى إذنه (بطل) (٤) ...
______________________________________________________
ـ السبب الناقل
فما قبل القبض لا نقل ولا انتقال ، وبعد القبض فيكون العقد والقبض هما السبب
الناقل ، هذا هو مرادهم من شرط اللزوم ، وليس مرادهم أن العقد بنفسه يوجب النقل
المتزلزل كالملك في زمن الخيار في البيع بحيث إذا تحقق القبض انتفى التزلزل واستقر
الملك ولزم ، ولذا قال الشارح في المسالك : (لا خلاف عندنا في اشتراط القبض في
تمامية الوقف بحيث يترتب عليه أثره ، بمعنى كون انتقال الملك مشروطا بالايجاب
والقبول والقبض ، فيكون العقد جزء السبب الناقل ، وتمامه القبض ، فقبله يكون العقد
صحيحا في نفسه لكنه ليس بناقل للملك ، فيجوز فسخه قبله ، ويبطل بالموت قبله ،
والنماء المتخلل بين العقد والقبض للواقف ، وبهذا يظهر أن القبض من شرائط صحة
الوقف كما عبّر به المصنف وجماعة ، ولكن بعضهم عبّر بأنه شرط اللزوم ، ولا يريدون
به معنى غير ما ذكرناه ، وإن كان من حيث اللفظ محتملا لكونه عقدا تاما ناقلا للملك
نقلا غير لازم ، كالملك في زمن الخيار للبائع ، فإن النماء المتخلل على هذا
التقدير للمنتقل إليه ، وليس كذلك هنا اتفاقا ، وإنما أراد بكونه شرطا في اللزوم
أن العقد لا يتم ولا يلزم بحيث يترتب أثره ، أو أن العقد لا يلزم ولا يتحقق بدونه
ونحو ذلك) انتهى.
(١) وقوع القبض.
(٢) من التصرفات
لأن العين ما زالت على ملك الواقف ، ولا يوجب العقد القبض بل يجوز للواقف الرجوع
فلذا اشترط في القبض إذن.
(٣) بدون الوقف.
(٤) لعدم تحقق
القبض الذي هو شرط كما عرفت ولخصوص خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل تصدق على
ولد له قد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم
يدرك من ولده فهو جائز ، لأن الوالد هو الذي يلي أمره ، وقال : لا يرجع في الصدقة
إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله) .
ثم لا تشترط
الفورية في القبض لظاهر هذه الخبر حيث علق البطلان بعدم القبض إلى أن يموت ،
ولازمه الاكتفاء بالقبض قبل الموت متى حصل ، وكذا الأخبار المتقدمة في ـ
__________________
ورواية عبيد بن
زرارة صريحة فيه ، ومنه (١) يظهر أنه لا تعتبر فوريته.
والظاهر أن موت
الموقوف عليه كذلك (٢) ، مع احتمال قيام وارثه مقامه (٣) ، ويفهم من نفيه اللزوم
بدونه (٤) أن العقد صحيح قبله (٥) فينتقل الملك انتقالا متزلزلا يتم بالقبض (٦) ،
وصرح غيره وهو (٧) ظاهره في الدروس أنه (٨) شرط الصحة ، وتظهر الفائدة في النماء
المتخلل بينه (٩) وبين العقد (١٠) ، ويمكن أن يريد هنا باللزوم الصحة بقرينة حكمه
بالبطلان لو مات قبله (١١) ، فإن ذلك (١٢) من
______________________________________________________
ـ اشتراط القبض
ظاهرة في عدم فوريته بلا خلاف فيه إلا من العلامة في القواعد باعتبار أنه شرط في
الصحة فيكون كالقبول من العقد ، وفيه : إن فورية القبول العرفية تحقيقا لمعناه
وهذا غير جار في القبض ، فضلا عن ظهور الأخبار المتقدمة في عدم فورية القبض.
(١) أي ومن الخبر.
(٢) يوجب بطلان
الوقف لو مات قبل قبضه ، وهو واضح ، وفي التحرير للعلامة التوقف في صحته إذا قبض
البطن الثاني ، وفيه : إن المراد من القبض هو القبض الصادر ممن له القبول في العقد
وما هو إلا البطن الأول كما هو الظاهر من صحيح صفوان المتقدم .
(٣) في القبض ،
وهو بعيد جدا إلا أن يكون مراده بالوارث هنا هو البطن الثاني وهذا ما أوجب توقف
العلامة في التحرير على ما تقدم ، مع أنه لا يشترط في وارث الموقوف عليه أن يكون
هو البطن الثاني في الوقف ، لأن الذي يحدّد البطن الثاني هو الواقف.
(٤) بدون القبض.
(٥) قبل القبض.
(٦) قد عرفت أن
مراد من صرح باللزوم ليس ذلك ، بل مراده أنه شرط الصحة.
(٧) أي ما صرح به
الغير.
(٨) أن القبض.
(٩) بين القبض.
(١٠) فالنماء
للواقف بناء على أن القبض شرط الصحة ، وهو للموقوف عليه بناء على أن القبض شرط في
اللزوم بالمعنى الذي ذكره الشارح هنا.
(١١) بل هو
المتعين ، وهذا ما جزم به الشارح في كلامه المنقول سابقا عن المسالك.
(١٢) أي البطلان
بموت الواقف قبل القبض.
__________________
مقتضى عدم الصحة ،
لا اللزوم كما صرح به في هبة الدروس ، واحتمل إرادته (١) من كلام بعض الأصحاب فيها
(٢) (ويدخل في وقف الحيوان لبنه وصوفه) وما شاكله (٣) (الموجودان حال العقد
(٤) ما لم يستثنهما (٥) ، كما يدخل ذلك في البيع ، لأنهما كالجزء من الموقوف بدلالة العرف ، وهو
الفارق بينهما وبين الثمرة (٦) فإنها لا تدخل وإن كانت طلعا لم يؤبر.
(وإذا تم) الوقف (لم يجز الرجوع فيه) ، لأنه من العقود اللازمة (٧) ، (وشرطه) مضافا إلى ما سلف
(٨) (التنجيز) (٩) فلو علّقه على شرط ، أو صفة بطل
______________________________________________________
(١) أي إرادة
الصحة من اللزوم.
(٢) أي في هبة
الدروس.
(٣) كالوبر.
(٤) بخلاف
المتجددان بعد تمامية الوقف فإنهما للموقوف عليه بلا خلاف.
(٥) فالصوف على
ظهر الشاة واللبن في داخل الضرع حال وقفها داخلان فيما اقتضاه الوقف نظرا إلى
العرف كما لو باعها بلا خلاف فيه بين من تعرض لهذا الفرع كما في الجواهر.
(٦) فالثمرة على
الشجرة كالحمل في داخل الشاة كلاهما لا يدخلان لعدم دلالة العرف من لفظ الشجرة
والنخل عليهما ، هذا بالنسبة لما هو موجود حال العقد ، وأما المتجدد بعد الوقف فلا
إشكال في كونه للموقوف عليه.
(٧) بلا خلاف ولا
إشكال فيه بيننا ، وهو الظاهر من الأخبار ففي خبر عبيد بن زرارة المتقدم عن أبي
عبد الله عليهالسلام (لا يرجع في
الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله) .
خلافا لأبي حنيفة
حيث زعم أنه لا يلزم ، وللواقف الرجوع فيه ثم لورثته بعده ، إلا أن يرضوا به بعد
موته أو يحكم به حاكم.
هذا كله إذا صدر
الوقف من الواقف في زمان الصحة ، وأما لو صدر في مرض الموت فإن أجازه الورثة نفذ
الوقف من الأصل ، وإلا اعتبر من الثلث لأنه كباقي منجزاته من الهبة والمحاباة في
البيع بلا خلاف في ذلك وسيأتي الدليل على ذلك في كتاب الوصايا.
(٨) وهو القبض.
(٩) بلا خلاف ولا
إشكال لمنافاة التعليق للعقد ، لأن العقد يقتضي ترتيب أثره عليه حال وقوعه ،
والتعليق يقتضي المنع ، ومن هنا كان التعليق على الذي لا يقتضي التفكيك بين ـ
__________________
إلا أن يكون واقعا
(١) ، والواقف عالم بوقوعه كقوله : وقفت إن كان اليوم الجمعة ، وكذا في غيره من
العقود (٢) ، (والدوام) (٣) فلو قرنه بمدة ، أو جعله على من ينقرض غالبا (٤) لم يكن
وقفا ، والأقوى صحته حبسا يبطل
______________________________________________________
ـ العقد وبين أثره
لا يضر كما لو قال : وقفت إن كان اليوم الجمعة ، للعالم بذلك ، نعم لا فرق في
التعليق المبطل بين تعليق العقد على الوصف الذي لا بد من وقوعه كمجيء رأس الشهر
وهو الذي يطلق عليه الصفة ، وبين تعليقه على ما يحتمل وقوعه كقدوم زيد وهو المعبر
عنه بالشرط كما في المسالك.
(١) حال العقد.
(٢) إذ التعليق
ينافي كل عقد لا خصوص عقد الوقف.
(٣) بلا خلاف فيه
لأن الوقف شرطه التأبيد فإن لم يحصل الشرط بطل ، وفي المسالك : (وقيل : إنما يبطل
الوقف ولكن يصير حبسا ـ إلى أن قال ـ لكن هذا إنما يتم مع قصد الحبس فلو قصد الوقف
الحقيقي وجب القطع بالبطلان لفقد الشرط) انتهى.
(٤) كما لو وقف
على البطن الأول من أولاده ولم يذكر المصرف بعدهم فقد اختلفوا على أقوال :
الأول : بطلان
الوقف وأرسله الشيخ في المبسوط عن البعض ، لأن الوقف شرطه التأبيد ، فإذا لم يرد
الواقف الوقف إلى ما يدوم لم يتحقق الشرط.
الثاني : صحته
وقفا ، لصحيح علي بن مهزيار (قلت له : روى بعض مواليك عن آبائك عليهمالسلام أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة ، وكل وقف
إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل على الورثة ، وأنت أعلم بقول آبائك عليهمالسلام : هكذا هو عندي) ، وصحيح الصفار (كتبت إلى أبي محمد عليهالسلام اسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو ، فقد روي أن الوقف إذا
كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقتا فهو صحيح ممضي ، قال قوم
: إن الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان وعقبه فإذا انقرضوا فهو للفقراء
والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقال آخرون : هذا موقت إذا ذكر أنه
لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض
ومن عليها ، والذي هو غير موقت أن يقول : هذا وقف ولم يذكر أحدا ، فما الذي يصح من
ذلك؟ وما الذي يبطل؟
فوقّع عليهالسلام : الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله) . ـ
__________________
بانقضائها (١) ،
وانقراضه (٢) ، فيرجع (٣) ...
______________________________________________________
ـ فليس المراد من
الوقت في هذين الخبرين هو الأجل كما هو معناه العرفي ، بل المراد به تعيين الموقوف
عليه ، وقد اعترف الشيخ في التهذيب والاستبصار بأنه كان متعارفا بينهم ، ويشهد
لهذا التفسير الصحيح الثاني ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالموقت الذي فيه تعيين
الموقوف عليه هو الصحيح كما هو صريح الخبرين دون غيره الذي لم يعيّن الموقوف عليه
فهو باطل ، وهذا التعيين أعم من أن يعيّن من ينقرض غالبا أو يدوم كما هو تفسير
الموقت في الصحيح الثاني وقد أقره الإمام عليهالسلام وحكم بنفوذه.
ومن جهة ثالثة
فإذا كان الوقف على من ينقرض غالبا جائزا مع أنه يشترط في الوقف التأبيد لذا حمل
أكثر الأصحاب الوقف هنا على الحبس ، بمعنى أن الوقف باق على ملك الواقف وإنما حبست
على الموقوف عليه منافعه ، ولذا حكموا برجوع الوقف إلى ورثة الواقف بعد انقراض
الموقوف عليهم.
وقد صرح أكثر من
واحد بأن مرادهم بصحة الوقف هنا هو الحبس ، بل جعل سيد الرياض المسألة على قولين
فقط ، البطلان والصحة مع كون المراد بالصحة هو الحبس لا الوقف ، وأصرّ صاحب
الجواهر أن مراد الأصحاب من الوقف هو الوقف بمعناه المعروف غايته أنه قسم من أقسام
الوقف لأن بعض اقسامه مؤبدة وهذا غير مؤبد ، وغير المؤبد هذا بحكم الحبس لا أنه
نفس الحبس ، كيف والحبس مختلف عن الوقف حقيقة ، وغير المؤبد هذا هو المسمى بالوقف
المنقطع الآخر ، وهو الظاهر من الصحيح الثاني (الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله)
وهو شامل للمنقطع والمؤبد فضلا عن التصريح بكونه وقفا فحمله على الحبس على خلاف
الظاهر. والمسألة على ثلاثة أقوال لا على قولين كما فعله سيد الرياض.
(١) بانقضاء المدة
، وفيه : ما تقدم منه في المسالك عدم جواز صحة الحبس مع إرادة الوقف من الصيغة.
(٢) انقراض
الموقوف عليه ، وفيه : كيف جاز الحكم بصحة الحبس مع عدم إرادته بل وإرادة الوقف من
الصيغة ، بل هو صحيح باعتبار أنه وقف منقطع الآخر.
(٣) تفريع على ما
لو جعله على من ينقرض غالبا وقد حكمنا بصحة الوقف بعنوان أنه وقف ، لا بعنوان أنه
حبس ، إذ لو كان حبسا فلا إشكال في بقائه على ملك الحابس فلا معنى للبحث في رجوعه
إليه بعد انقراض الموقوف عليه.
وعلى كل فقد
اختلفوا فيه على أقوال : الأول : وهو قول الأكثر أنه يرجع إلى ورثة الواقف لأنهم
وقفوه على من ذكر فلا يتعدى به إلى غيرهم. ـ
إلى الواقف ، أو
وارثه (١) حين انقراض الموقوف عليه كالولاء. ويحتمل إلى وارثه عند موته ويسترسل
فيه إلى أن يصادف الانقراض ، ويسمى هذا منقطع الآخر ، ولو انقطع أوله (٢) ، أو
وسطه (٣) ، أو طرفاه (٤) فالأقوى بطلان ما بعد القطع (٥) ، فيبطل الأول (٦)
والأخير (٧) ويصح أول الآخر (٨).
______________________________________________________
ـ الثاني :
انتقاله إلى ورثة الموقوف عليه ، كما عن المفيد وابن إدريس وقواه العلامة ،
لانتقال الملك إلى الموقوف عليه بالوقف قبل الانقراض ، وبعده يستصحب الملك ، ولأن
عوده على الواقف بعد خروجه مفتقر إلى السبب وهو غير موجود هنا.
الثالث : أنه يصرف
في وجوه البر ، ذهب إليه ابن زهرة في الغنية وقواه العلامة في المختلف ، لخروج
الملك عن الواقف فلا يعود إليه ، وعدم تعلق العقد بورثة الموقوف عليه مع عدم القصد
إليهم فلا ينتقل إليهم ، ولا يبقى شيء أقرب إلى مقصود الواقف إلا صرفه في وجوه
البر.
(١) قال الشارح في
المسالك : (والمعتبر وارثه عند انقراض الموقوف عليه كالولاء ، ويحتمل وارثه عند
موته ـ أي موت الواقف ـ مسترسلا إلى أن يصادف الانقراض ، وتظهر الفائدة فيما لو
مات الواقف عن ولدين ، ثم مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض ، فعلى الأول يرجع إلى
الولد الباقي خاصة ، وعلى الثاني يشترك هو وابن أخيه لتلقيه من أبيه كما لو كان
حيا).
(٢) كالوقف على
المعدوم ثم على الموجود ، كما لو وقف على ابن زيد ثم على نفس زيد ، وزيد لم يكن له
ابن ، فيبطل لأن الوقف تسليط على الملك في الحال فيشترط أهلية الموقوف عليه لذلك ،
والمعدوم لا أهلية له بلا خلاف في ذلك.
(٣) كالوقف على
الموجود ثم المعدوم ثم الموجود كما لو وقف على زيد ثم ابنه ، ثم أبيه ، مع عدم
تحقق ابن لزيد ، لأن الوقف الخاص مشروط بوجود شخص خاص في كل زمان ، يكون هو
الموقوف عليه في ذلك الزمان.
(٤) كالوقف على
المعدوم ثم الموجود ثم المعدوم ، كما لو وقف على ابن زيد ثم زيد ثم ابن زيد مع
العلم بعدم تحقق ولد لزيد مطلقا.
(٥) لاشتراط أهلية
الموقوف عليه للتملك والمعدوم لا أهلية له.
(٦) أي منقطع
الأول.
(٧) أي منقطع
الطرفين.
(٨) أي قبل
الانقطاع من منقطع الوسط ، وسيأتي تتمة الكلام في ذلك عند التعرض لشرائط الموقوف
عليه. ـ
(والإقباض) (١) وهو تسليط الواقف للقابض (٢) عليه (٣) ، ورفع يده عنه له
، وقد يغاير الإذن في القبض الذي اعتبره سابقا (٤) بأن يأذن فيه ولا يرفع يده عنه
، (وإخراجه عن نفسه (٥) فلو وقف على نفسه بطل وإن عقّبه بما يصح الوقف عليه (٦) ،
لأنه حينئذ منقطع الأول ، وكذا لو شرط لنفسه الخيار في نقضه متى
______________________________________________________
(١) قد تقدم
الكلام في أن القبض شرط في صحة الوقف ، وتقدم أن عقد الوقف لا يوجب القبض ، فلذا
جاز للواقف الرجوع بعدم القبض ، ومن هنا يتبين أن القبض مشروط بإذن الواقف وهو
المسمى بالإقباض ، لأنه لا يجوز التصوف في مال الغير إلا بإذنه.
(٢) وهو الموقوف
عليه.
(٣) على الوقف.
(٤) وفيه : إن
المصنف قد اعتبر القبض بالإذن لا الإذن في القبض ، والقبض بالإذن هو عين الإقباض ،
نعم الاقباض يغاير الإذن في القبض باعتبار ما قاله الشارح إذ قد يأذن في القبض ولا
يرفع يده عن العين ، ثم إن الشارح أراد أن يرفع تكرار القبض في عبائر المصنف ،
فإذا كان المصنف قد ذكر القبض سابقا فلم ذكره هنا ، وكانت إجابته ـ كما عرفت ـ أن
المصنف قد ذكر في السابق الإذن في القبض وهنا قد ذكر القبض بالإذن وهما متغايران ،
وقد عرفت عدم جدوى هذه المحاولة من الشارح ، نعم سبب التكرار أن المصنف سابقا كان
يتكلم في شرائط العقد وذكر أن العقد غير لازم بنفسه ما لم ينضم إليه القبض خلافا
لبعض العامة ، وهنا تكلم عن الاقباض لأنه بصدد ذكر شرائط الوقف فلا تغفل.
(٥) فلو وقف على
نفسه لم يصح بلا خلاف فيه ، لاقتضاء الوقف تمليك العين للموقوف عليه ، ولا معنى
لتمليك ملكه لنفسه بعد ثبوته له ، وخالف بعض العامة بدعوى أن استحقاق الشيء وقفا
غير استحقاقه ملكا وهو واضح الفساد.
(٦) بحيث وقف على
نفسه ثم على غيره ، فهو منقطع الأول وقد عرفت بطلانه ، ولكن هل يصح في حق غيره
قولان ، فالمشهور على البطلان لأن اللازم من الصحة أحد أمور ثلاثة معلومة البطلان
وهي : إما صحة الوقف مع انتفاء الموقوف عليه ، وإما وقوع الوقف المشروط ، أو عدم
جريان الوقف على حسب ما أراد الواقف ، ضرورة أنه حال الوقف إن لم يكن موقوفا عليه
فهو الأول ، أو الثاني ، وإن فرض أن الموقوف عليه هو البطن الثاني فهو الثالث.
وعن الشيخ في
خلافه ومبسوطه يصح ، لأنه لا دليل على بطلانه كما عن الخلاف ، وقد عرفت قيام
الدليل على البطلان.
شاء ، أو في مدة
معينة (١) ، نعم لو وقفه على قبيل هو منهم ابتداء ، أو صار منهم شارك (٢) ، أو شرط
عوده إليه عند الحاجة (٣) فالمروي والمشهور اتباع شرطه ،
______________________________________________________
(١) فاشتراط
الخيار في الوقف من دون حاجة موجب لبطلان الوقف بلا خلاف فيه ، لمنافاة الخيار
للزوم في الوقف ، لأن اللزوم ينافي فسخه اختيارا ، ولم يظهر الخلاف إلا من عبارة
التحرير وقال في الجواهر (لم يعلم أنها له أو للشيخ ، وعلى كل حال لا ريب في
شذوذها).
(٢) لأنه ليس وقفا
على نفسه بل على الجهة المخصوصة ، ولهذا لا يعتبر قبولهم ولا قبضهم بل ينتقل الوقف
إلى الله تعالى فيجوز لكل من اتصف بهذه الصفة أن ينتفع بمنافعه ، فلو فرض أن نفس
الواقف كان موصوفا بها حال الوقف ، أو بعده فلا مانع من الانتفاع إذ ليس فيه تمليك
العين لنفسه حتى يمتنع ، ومنه تعرف ضعف ما عن ابن إدريس من المنع لأنه قد خرج
الوقف عنه فلا يعود.
(٣) الفرق بين هذا
وما تقدم من اشتراط الخيار هو لو ظهرت الحاجة لانفسخ العقد من نفسه بخلاف السابق
فله الحق في الفسخ ، وأن الفسخ هنا للحاجة وهناك لاختياره وإن لم تكن حاجة في
البين.
والبحث من جهتين
تارة في صحة هذا الشرط وأخرى على تقدير الصحة هل يكون وقفا أم يصير بالشرط المذكور
حبسا ، أما الأول فذهب المعظم إلى الصحة لخبر إسماعيل بن الفضل (سألت أبا عبد الله
عليهالسلام عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه
الخير ، وقال : إن احتجت إلى شيء من المال فأنا أحق به ، ترى ذلك له ، وقد جعله
لله ، يكون له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟ قال : يرجع
ميراثا على أهله) ، وظاهره صحة الشرط في الوقف في حال حياته وإن أوجب عليهالسلام الرجوع ميراثا بعد الموت.
وذهب الشيخ في أحد
قوليه وابن إدريس والمحقق في النافع إلى البطلان ، لأن الشرط على خلاف مقتضى العقد
، لأن الوقف يستدعي إخراج الملك عن الواقف ، وإذا خرج فلا يعود إليه أبدا ، والشرط
مناف لذلك فيفسد وبه يفسد العقد بعد استضعاف الخبر لاشتمال سنده على أبان ،
والظاهر أنه ابن عثمان وحاله معلوم لأنه فاسد المذهب لكونه من الناووسية.
وردّ بأن الكشي في
كتابه قد نقل أن العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصح عن أبان
__________________
ويعتبر حينئذ (١)
قصور ماله عن مئونة سنة (٢) فيعود عندها (٣) ويورث عنه لو مات وإن كان قبلها (٤) ،
ولو شرط أكل أهله منه صح الشرط (٥) كما فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
______________________________________________________
ـ والإقرار له
بالفقه ، فضلا عن انجبار ضعف السند بعمل معظم الأصحاب.
وأما الثاني فعلى
تقدير صحة الشرط كما هو الأقوى ، وعند حدوث الحاجة يجوز له الرجوع ويصير ملكا
ويبطل الوقف ، وإن لم يرجع أو لم يحتج حتى مات هل يبطل الوقف لصيرورته بالشرط
المذكور حبسا أم يستمر الوقف على حاله ، فقد اختار المحقق والعلامة وجماعة الأول
عملا بالرواية المذكورة ، ولأن الوقف يقتضي التأبيد والشرط ينافيه فلا بد من حمل
الخبر على الحبس ولم تخرج العين عن ملك المالك فلذا يأخذها ورثته عند موته.
وذهب المرتضى
والعلامة في المختلف إلى الثاني ، لأن صحة العقد تقتضي خروج العين عن ملكه فإذا
مات ولم يرجع فكيف تأخذها الورثة ، وفيه : إن الرواية حجة عليهم بعد حمل الوقف
فيها على الحبس.
(١) أي حين عود
الوقف إليه عند الحاجة.
(٢) تحقيقا لمعنى
الحاجة بعد حملها على المعنى الشرعي ، إذ الحاجة حينئذ هي الفقر الشرعي ، وهو عدم
تملك مئونة السنة فعلا أو تقديرا.
(٣) أي فيعود
الوقف إلى المالك عند الحاجة ، وظاهره انفساخ العقد بمجرد ظهورها.
(٤) أي كان الموت
قبل الحاجة ، والتوريث بناء على أن الوقف حبس لا وقفا حقيقة كما تقدم.
(٥) لو وقف على
غيره واشترط قضاء ديونه وإدرار مئونته منه مطلقا أو في مدة معينة لم يصح بلا خلاف
فيه ، لأن الوقف يقتضي نقل الملك والمنافع عن نفسه ، فاشتراط بعض المنافع لنفسه
مناف لمقتضى العقد فيبطل الشرط والوقف معا ، وهذا لم يتعرض له الشارح هنا. ولو وقف
على غيره واشترط قضاء الدين وإدرار المئونة لأهله صح الشرط والعقد لعدم التنافي
بين الشرط ومقتضى العقد ، وكذا لو شرط ذلك لأضيافه أو شرط الأكل لمن يمرّ به ونحو
ذلك.
ففي خبر أبي بصير
المرادي (قال أبو جعفر عليهالسلام : ألا أحدثك بوصية فاطمة عليهاالسلام؟ قلت : بلى ، فأخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أوصت بحوائطها السبعة بالعواف والدلّال والبرقة والمبيت
والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم إلى علي بن أبي طالب ، فإن مضى عليّ فإلى الحسن
، فإن مضى الحسن فإلى الحسين ، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي ، تشهد الله
على ذلك ، والمقداد بن الأسود ، والزبير بن العوام ، وكتب علي بن ـ
بوقفه ، وكذلك
فاطمة عليهاالسلام ، ولا يقدح كونهم واجبي النفقة ، فتسقط نفقتهم إن اكتفوا
به. ولو وقف على نفسه وغيره (١) صح في نصفه على الأقوى إن اتحد ، وإن تعدد فبحسبه (٢)
، فلو كان جمعا (٣) كالفقراء بطل في ربعه (٤) ، ويحتمل
______________________________________________________
ـ أبي طالب) ، وخبر أحمد بن محمد عن أبي الحسن الثاني عليهالسلام قال : (سألته عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة عليهاالسلام ، فقال : لا إنما كانت وقفا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأخذ إليها منها ما ينفق على أضيافه والتابعة يلزمه فيها ،
فلما قبض جاء العباس فاطمة عليهاالسلام فيها ، فشهد عليّ عليهالسلام وغيره أنها وقف على فاطمة عليهاالسلام وهي : الدلال والعواف والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم
والمبيت والبرقة) ، هكذا استدل والانصاف أن الخبر الأول غير دال على المدعى
لأن ظاهره أن سيدة النساء صلوات الله عليها قد جعلت النظر على الموقوف لأمير
المؤمنين عليهالسلام ثم للحسن إلى آخره ، وأين هذا من المدعى ، نعم الخبر
الثاني كاف في البين.
(١) فلو وقف على
نفسه ثم على غيره فهو منقطع الأول ، وهو باطل بالنسبة لنفسه وأما بالنسبة لغيره
فقد تقدم الكلام فيه ، وأما لو وقف على نفسه وغيره ، وكان العطف بالواو المقتضى
للتشريك بين المعطوف والمعطوف عليه فيكون قد وقف على كل منهما النصف ، ويبطل الوقف
في نصف المالك للمانع من عدم جواز تمليك الشيء لمالكه لأنه ثابت له فكيف يملكه
ثانيا ، ويصح الوقف في نصف الغير لعدم المانع.
وربما احتمل كون
المجموع للغير لأن الموقوف بالنسبة إليهما هو المجموع بما هو مجموع ، وإذا امتنع
الوقف على أحدهما خاصة انصرف وقف المجموع إلى الآخر ، وهذا الاحتمال جار بناء على
كون المجموع للغير فيما لو وقف على نفسه ثم على الغير كما اختاره الشيخ على ما
تقدم ، فإن كان في المرتّب المجموع للغير فهنا مع التشريك أولى.
وفيه : إنه وقف
عليهما بحيث يكون لكل منهما حصة فإذا بطل في أحدهما لم ينصرف الموقوف كله إلى
الآخر لأنه على خلاف عقد الوقف وعلى خلاف مراد العاقد.
(٢) بحيث وقف على
نفسه وعلى اثنين معه فيبطل الوقف في الثلث ويصح في الثلثين للآخرين.
(٣) أي الغير.
(٤) فحمل الجمع
على أقله وهو ثلاثة فيكون للواقف الربع مع بطلان الوقف فيه ، ويصح في ثلاثة أرباعه
للجمع من الفقراء كما احتمله في الدروس.
__________________
النصف (١) ،
والبطلان رأسا (٢).
(وشرط الموقوف أن يكون عينا (٣) قلا يصح وقف المنفعة ، ولا الدين ، ولا المبهم ، لعدم (٤)
الانتفاع به مع بقائه (٥) ، وعدم (٦) وجوده خارجا ، والمقبوض والمعين بعده (٧)
غيره (٨) ، (مملوكة) (٩) إن أريد بالمملوكية صلاحيتها له (١٠) بالنظر إلى الواقف
ليحترز عن وقف نحو الخمر والخنزير من المسلم فهو (١١) شرط الصحة (١٢) ، وإن
______________________________________________________
(١) لمقتضى التشريك
بالواو بين المعطوف والمعطوف عليه فيكون لكل منها النصف ، نصف للواقف ونصف للفقراء
المحمول على أقل الجمع وهذا ما جزم به صاحب الجواهر.
(٢) احتمله الشهيد
، في الدروس فيما لو وقف على نفسه والفقراء المحمول على أقل الجمع ، ووجه البطلان
لأن الوقف صحيح في جزء غير معلوم وباطل في جزء غير معلوم فلا بدّ أن يبطل في
المجموع لجهالة الصحيح منه.
(٣) بلا خلاف فيه
لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهذا لا يتحقق إلا في الأعيان ، فلذا لا يصح
وقف المنفعة ولا الدين ولا الكلي كما لو قال وقفت فرسا أو دارا ولم يعين.
أما المنفعة
فوقفها مناف للغاية المطلوبة من الوقف من الانتفاع مع بقاء عينه ، مع أن الانتفاع
بالمنفعة يوجب استهلاكها شيئا فشيئا وأما الدين فلأن تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة
الذي هو الوقف يستدعي أمرا خارجيا يحكم عليه بالتحبيس ، والدين أمر كلي في الذمة
لا وجود له في الخارج ، فوقفه قبل التعيين كوقف المعدوم. وأما الكلي فيعرف حكمه من
الدين.
(٤) تعليل لعدم
جواز وقف المنفعة.
(٥) أي لعدم
الانتفاع بالوقف مع بقائه ، ولو أنث الضمير ليرجع إلى المنفعة لكان أولى.
(٦) تعليل لعدم
جواز وقف الدين والمبهم.
(٧) أي بعد القبض
والتعيين.
(٨) أي غير الدين
والمبهم.
(٩) إما احترازا
عما لا يملك كالخنزير فإنه لا يملكه المسلم ، فلا يصح وقفه لأنه غير داخل تحت يد
المسلم حتى يتصرف به وقفا وتحبيسا وهذا مما لا خلاف فيه.
وإما احترازا عما
يملكه الغير فإنه لا يصح وقفه مع عدم إجازة مالكه لأن الوقف يستدعي كون الموقوف
مملوكا للواقف حتى يحبّس أصله ويسبّل منفعته بلا خلاف فيه.
(١٠) للملك.
(١١) أي شرط
المملوكية.
(١٢) لوضوح أن وقف
ما لا يملك يقع باطلا.
أريد به (١) الملك
الفعلي ليحترز به عن وقف ما لا يملك وإن صلح له (٢) فهو شرط اللزوم (٣). والأولى
أن يراد به الأعم (٤) وإن ذكر بعض تفصيله بعد ، (ينتفع بها مع
بقائها (٥) ، فلا يصح وقف ما
لا ينتفع به إلا مع ذهاب عينه كالخبز والطعام والفاكهة ، ولا يعتبر في الانتفاع به
كونه في الحال (٦) ، بل يكفي المتوقع كالعبد والجحش الصغيرين ، والزمن الذي يرجى
زوال زمانته ، وهل يعتبر طول زمان المنفعة (٧) ، إطلاق العبارة والأكثر يقتضي عدمه
(٨) ، فيصح وقف ريحان يسرع
______________________________________________________
(١) بلفظ (المملوكة).
(٢) أي وإن صلح
للوقف.
(٣) أي يقع صحيحا
ولكنه متوقف على إجازة المالك ، وعن الكركي وابن البراج عدم الصحة ، لا لأن العقد
الفضولي على خلاف القواعد والضوابط فيقتصر فيه على خصوص ما ورد من جوازه في
الأخبار وهذا ليس منها ، بل لأن الوقف مشروط بنية التقرب فلا يقوم الغير مقام
المالك فيها ، ونيتها حين الإجازة غير نافعة ، لأن المقارنة مشروطة بين الصيغة
والنية فما وقع من الغير حال الصيغة فلا يقوم مقام المالك فيها ، وما يقع منها حين
الإجازة من المالك فلا ينفع لعدم التقارن بينها وبين الصيغة.
(٤) من شرط الصحة
واللزوم وإن ذكر المصنف فيما بعد بعض التفصيل المتفرع على شرط اللزوم هنا.
(٥) لأن الوقف
تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهذا يقتضي بقاء العين مع الانتفاع بمنافعها ، فلذا
يصح وقف العقار والثياب والأثاث ، ولا يصح وقف ما لا ينتفع به إلا بذهاب عينه
كالخبز والطعام والفاكهة بلا خلاف في ذلك كله.
(٦) أي كونه ذا
منفعة في الحال ، لأنه لا يعتبر فعليه النفع في الموقوف ، بل يكفي تأهله لذلك فلذا
يصح وقف الجحش والفلو والعبد الصغير بلا خلاف في ذلك لإطلاق دليل اعتبار الوقف
كالنبوي (حبّس الأصل وسبّل الثمرة) .
(٧) في الموقوف
فظاهر إطلاق دليل اعتبار الوقف العدم فلذا يصح وقف ريحانة يسرع فسادها ، ونسب إلى
الأكثر ، وعن جماعة منهم العلامة في التحرير والتذكرة العدم لانصراف دليل اعتبار
الوقف عما لا يطول زمان منفعته ، وللمنافاة للتأبيد المراد من الوقف ، وفيه : أما
الانصراف فهو على مدعيه كما في الجواهر ، وأما التأبيد فالمراد منه عمر العين
الموقوفة ، لا الأبد الزماني وإلا لما صح وقف على الإطلاق.
(٨) عدم اعتبار
طول زمان المنفعة.
__________________
فساده ، ويحتمل
اعتباره لقلة المنفعة ، ومنافاتها (١) للتأبيد المطلوب من الوقف ، وتوقف في الدروس
، ولو كان (٢) مزروعا صح (٣) ، وكذا ما يطول نفعه كمسك وعنبر.
(ويمكن إقباضها) (٤) فلا يصح وقف الطير في الهواء ، ولا السمك في ماء لا يمكن
قبضه عادة ، ولا الآبق ، والمغصوب ، ونحوها. ولو وقفه على من يمكنه قبضه فالظاهر
الصحة ، لأن الإقباض المعتبر من المالك هو الإذن في قبضه ، وتسليطه عليه ،
والمعتبر من الموقوف عليه تسلّمه (٥) وهو ممكن ، (ولو وقف ما لا
يملكه وقف على إجازة المالك (٦) كغيره من العقود. لأنه عقد صدر من صحيح العبارة قابل للنقل
وقد أجاز المالك فيصح. ويحتمل عدمها (٧) هنا وإن قيل به في غيره لأن عبارة الفضولي
لا أثر لها (٨) ، وتأثير الإجازة غير معلوم ، لأن الوقف
______________________________________________________
(١) منافاة القلة.
(٢) أي الريحان.
(٣) لطول نفعه ما
دام مزروعا.
(٤) لأن القبض شرط
في صحة الوقف ، فالذي لا يمكن قبضه ولا إقباضه يبطل فيه الوقف بلا خلاف فيه ،
كالآبق والجمل الشارد الذي يتعذر تسليمه ، أما لو أمكن تسليمه فيما بعد فلا ، وكذا
لا يصح الوقف للطير في السماء والسمك في الماء اللذين لا يمكن قبضهما عادة.
(٥) لأن القبض غير
فوري.
(٦) قد تقدم
الكلام فيه.
(٧) عدم الصحة.
(٨) اعلم أن
الاستدلال على عدم الصحة بدليلين :
الأول : إن عبارة
الفضولي لا أثر لها باعتبار عدم صدورها من أهله ، وإجازة المالك فيما بعد لا تجعل
لها أثرا ، لأن الواقع لا يتغير عما وقع عليه ، نعم ورد النص ـ كما سيأتي ـ أن
الإجازة مؤثرة في العقد الفضولي في البيع والنكاح ـ ففي غيرهما ـ يستصحب بقاء ملك
المالك إلى أن يثبت المزيل.
الثاني : أنه
يشترط في عقد الوقف التقرب ، وتقرب الفضولي لا يقوم مقام المالك وحين العقد ،
وتقرب المالك حين الإجازة لا ينفع لعدم التقارن بينه وبين الصيغة ، والشارح اكتفى
بالأول ، وفي آخر كلامه اعتمد على الثاني.
فك ملك في كثير من
موارده (١) ، ولا أثر لعبارة الغير فيه ، وتوقف المصنف في الدروس ، لأنه نسب عدم
الصحة إلى قول ولم يفت بشيء ، وكذا في التذكرة. وذهب جماعة إلى المنع هنا ، ولو
اعتبرنا فيه التقرب قوى المنع ، لعدم صحة التقرب بملك الغير.
(ووقف المشاع جائز كالمقسوم (٢) ، لحصول الغاية المطلوبة من الوقف وهو تحبيس الأصل وإطلاق
الثمرة به ، وقبضه كقبض المبيع في توقفه على إذن المالك والشريك عند المصنف مطلقا (٣)
، والأقوى أن ذلك في المنقول ، وغيره لا يتوقف على إذن الشريك ، لعدم استلزام
التخلية التصرف في ملك الغير (٤).
(وشرط الواقف الكمال) بالبلوغ والعقل (٥) والاختيار (٦) ورفع الحجر (٧) ،
______________________________________________________
(١) كالوقف على
الجهات العامة التي ينتقل الوقف فيها إلى الله تعالى ، وأما الوقف الخاص فإنه
تمليك الموقوف عليه المنفعة مع تحبيس الأصل عليه ولذا اشترط فيه القبول.
(٢) يصح وقف
المشاع بلا خلاف فيه بيننا ـ كما في الجواهر ـ لإطلاق دليل اعتبار الوقف ، وخالف
الشيباني من العامة لعدم إمكان قبضه ، وهو ضعيف ، لأن قبضه هنا كقبضه في البيع ،
وعليه فقبضه متوقف على إذن الشريك إن كان منقولا ، وقبضه متوقف على التخلية فقط إن
لم يكن كذلك ، وسيأتي في باب البيع تحقيق معنى القبض للمنقول وغيره.
(٣) منقولا أو لا.
(٤) بعد كون قبض
غير المنقول بالتخلية فقط.
(٥) لسلب عبارة
الصبي والمجنون ، كما تقدم في أكثر من مورد دليله ، مع أنه سيأتي مفصلا في البيع
وغيره ، نعم وقع الخلاف في وقف من بلغ عشرا مميزا فمقتضى الأصل عدم الجواز وهذا ما
ذهب إليه المشهور ، وعن المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية وابن البراج في
المهذب البارع جواز وقفه ، بل نسبه في جامع المقاصد إلى المشهور لخبر زرارة عن أبي
جعفر عليهالسلام (إذا أتي على
الغلام عشر سنين فإنه يجوز في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو
جائز) ، وقد رميت بالشذوذ كما في المالك.
(٦) لسلب عبارة
المكره.
(٧) لأن المحجور
عليه لسفه أو فلس لا يجوز له التصرف المالي كما سيأتي في باب الحجر.
__________________
(ويجوز أن يجعل النظر) على الموقوف (لنفسه (١) ،
ولغيره) في متن الصيغة (فإن أطلق) (٢) ولم يشترطه لأحد (فالنظر في الوقف
العام إلى الحاكم) الشرعي ، (وفي غيره) وهو الوقف على معيّن (إلى الموقوف عليهم) ، والواقف مع الإطلاق كالأجنبي (٣).
ويشترط في المشروط
له النظر العدالة (٤) ، والاهتداء إلى التصرف (٥) ولو عرض له الفسق (٦) انعزل ،
فإن عاد (٧) عادت (٨) إن كان مشروطا من الواقف ،
______________________________________________________
(١) قال الشارح في
المسالك : (الأصل في حق النظر أن يكون للواقف لأنه أصل ، وأحق من يقوم بامضائه
وصرفه في أهله ، فإذا وقف فلا يخلو إما أن يشترط في عقد الوقف النظر لنفسه أو
لغيره أولهما أو لا يشترط ، فإن شرط لنفسه صح ولزم ، وإن شرط لغيره صح بحسب ما
عينه عملا بمقتضى الشرط المشروع ، وقد شرطت فاطمة عليهاالسلام النظر في حوائطها السبعة التي وقفتها لأمير المؤمنين عليهالسلام ثم الحسن ثم الحسين ثم الأكبر من ولدها ، وشرط الكاظم عليهالسلام النظر في الأرض التي وقفها للرضا عليهما آلاف التحية
والثناء وأخيه إبراهيم ، فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي إلى آخره ، وهذا
كله مما لا خلاف فيه) انتهى ، وعن ابن إدريس منع جواز اشتراط الواقف النظر لنفسه
وهو ضعيف.
(٢) فيبنى الحكم
تبعا لانتقال الملك بالوقف ، فإن انتقل إلى الموقوف عليه كما في الوقف الخاص
فالنظر إليه ، وإن انتقل إلى الله كما في الوقف على المساجد أو انتقل إلى جنس
الموقوف عليه كالوقف على جنس الفقراء والمساكين فالنظر للحاكم الشرعي.
(٣) لخروج العين
عن ملكه بالوقف.
(٤) إن كان النظر
إلى الواقف فالنظر إليه سواء كان عادلا أم فاسقا ، لأنه نقل ملكه عن نفسه على هذا
الوجه فيتبع شرطه ، وإن كان النظر إلى غيره بشرطه اشترطت عدالته كما هو مذهب
الأصحاب على ما في الكفاية ، ودعوى الاتفاق عليه كما في الرياض ، ولكن نسب العدم
إلى التحرير ومال إليه صاحب الجواهر وجماعة لعدم الدليل على الاشتراط. نعم يشترط
أمانته إذا كان ناظرا على الجهات العامة ليطمئن إلى عدم خيانته في أموال الغير.
(٥) وهو كيفية
إدارة الوقف.
(٦) بناء على
اشتراط العدالة في الناظر المشروط من قبل الواقف.
(٧) أي عاد عدله.
(٨) نظارته ،
تمسكا بإطلاق اشتراطه.
__________________
ولا يجب على
المشروط له القبول ، ولو قبل لم يجب عليه الاستمرار ، لأنه في معنى التوكيل (١) ،
وحيث يبطل النظر يصير كما لو لم يشترط (٢). ووظيفة الناظر (٣) مع الإطلاق العمارة
والإجارة ، وتحصيل الغلة ، وقسمتها على مستحقها ، ولو فوّض إليه بعضها (٤) لم
يتعدّه ، ولو جعله (٥) لاثنين وأطلق لم يستقل أحدهما بالتصرف (٦) ، وليس للواقف
عزل المشروط في العقد (٧) ، وله (٨) عزل المنصوب من قبله (٩) لو شرط النظر لنفسه
فولاه ، لأنه وكيل (١٠) ، ولو آجر الناظر مدة فزادت الأجرة في المدة ، أو ظهر طالب
بالزيادة لم ينفسخ العقد ، لأنه جرى بالغبطة في وقته (١١) إلا أن يكون في زمن خياره
فيتعين عليه الفسخ. ثم إن شرط له شيء عوضا عن عمله لزم (١٢) ، وليس له غيره (١٣)
، وإلا فله أجرة المثل عن عمله مع قصده الأجرة به (١٤).
______________________________________________________
(١) فلا يجب فيه
الاستمرار ، وسبقه إلى ذلك الشهيد في الدروس ، نعم استدل عليه في المسالك (لأنه
غير واجب في الأصل فيستصحب).
(٢) فيتولاه
الحاكم أو الموقوف عليه ، فإن كان الوقف عاما فالأول وإلا فالثاني.
(٣) فمع التقييد
فبحسب الشرط ، ومع الإطلاق فما يتعارف في ذلك من العمارة والإجارة وتحصيل الغلة
وقسمتها على مستحقيها وحفظ الأصل ونحو ذلك مما لا يجوز لغيره بعد فرض كون النظر
على الوقف منصرفا إلى ذلك عرفا.
(٤) بعض هذه
الأعمال فلا يتعداه عملا بالشرط.
(٥) أي النظر.
(٦) لأن ظاهر
الإطلاق الاجتماع على التصرف لأنه المتيقن ، وكذا لو نصّ على الاجتماع ، أما لو نص
على الانفراد استقلّ كلّ منهما بالتصرف عملا بالشرط.
(٧) لأنه بعد
العقد يصير أجنبيا عن الوقف ، فضلا عن لزوم الشرط.
(٨) للواقف.
(٩) من قبل
الواقف.
(١٠) والوكالة غير
لازمة.
(١١) فهو صحيح
ولازم للزوم عقد الإجارة.
(١٢) أي الشرط.
(١٣) وإن كان أقل
من أجرة المثل.
(١٤) أي مع قصد
الناظر الأجرة بعمله ، ولم يكن عمله بداعي التبرع.
(وشرط الموقوف عليه وجوده (١) ، وصحة تملكه ، وإباحة الوقف
عليه فلا يصح) ، الوقف (على المعدوم ابتداء) بأن يبدأ به ، ويجعله من الطبقة الأولى ، فيوقف على من
يتجدد من ولد شخص ثم عليه مثلا (٢) ، (ويصح تبعا) بأن يوقف عليه وعلى من يتجدد من ولده (٣) ، وإنما يصح
تبعية المعدوم الممكن وجوده عادة كالولد أما ما لا يمكن وجوده كذلك (٤) كالميت لم
يصح مطلقا (٥) ، فإن ابتدأ به بطل الوقف ، وإن أخره كان منقطع الآخر أو الوسط (٦)
، وإن ضمه إلى موجود بطل فيما يخصه خاصة على الأقوى (٧) ، (ولا على) من لا يصح تملكه شرعا مثل
______________________________________________________
(١) شروط الموقوف
عليه أربعة : وجوده وأن يصح تملكه وأن يكون معينا وأن لا يكون الوقف عليه محرما ،
وهذه الشروط الأربعة مما لا خلاف فيها ، بعد اقتضاء عقد الوقف وجود الموقوف عليه
حتى يتحقق منه القبول ، وبعد اقتضائه أهلية الموقوف عليه للتملك كالحر حتى يملك
الوقف ، والعقد مقتض لتعين الموقوف عليه حتى يتحقق النقل وانتقال وإلا فلا يصح
النقل إلى المجهول ، والعقد مشروط بالقربة كما تقدم فلذا لا يصح الوقف على من يكون
الوقف عليه محرما.
فلذا لا يصح الوقف
على المعدوم تفريعا على الأول ، ولا على المملوك ولا الحمل تفريعا على الثاني ،
ولا على المجهول تفريعا على الثالث ، ولا على الحربي ولو كان رحما ولا على الكنائس
والبيع ولا على معونة الزناة وقطاع الطرق وشاربي الخمور ولا على كتب الضلال
كالتوراة والإنجيل الرائجين.
(٢) فهو منقطع
الأول.
(٣) فإنه يصح بلا
خلاف فيه ، بحيث يمكن وجوده عادة ويكون قابلا للتملك عند وجوده ، أما لو جعل
التابع من لا يمكن وجوده كالميت أو لا يقبل الملك كالمملوك ، أو لم يوجد كما لو
وقف على الولد ثم ولد الولد وكان الولد عقيما فهو منقطع الآخر ، ولو جعلهم وسطا
فهو منقطع الوسط.
(٤) أي عادة.
(٥) لا ابتداء ولا
تبعا.
(٦) وقد تقدم
الكلام في منقطع الأول والأخير والوسط.
(٧) لأن مقتضى وقف
المجموع على المجموع يقتضي التوزيع فيبطل بما يخص المعدوم مثلا ويصح بالنسبة لغيره
، ويحتمل البطلان في الجميع كما هو مختار الشيخ في ما لو وقف على نفسه وغيره
بالتشريك وقد تقدم الكلام فيه.
(العبد) وإن تشبث بالحرية كأم الولد ، (وجبريل) وغيره من
الملائكة والجن والبهائم ، ولا يكون وقفا على سيد العبد ومالك الدابة عندنا (١) ،
وينبغي أن يستثنى من ذلك (٢) العبد (٣) المعدّ لخدمة الكعبة والمشهد والمسجد
ونحوها من المصالح العامة ، والدابة المعدّة لنحو ذلك أيضا لأنه كالوقف على تلك
المصلحة.
ولما كان اشتراط
أهلية الموقوف عليه للملك يوهم عدم صحته على ما لا يصح تملكه من المصالح العامة
كالمسجد والمشهد والقنطرة ، نبه على صحته وبيان وجهه بقوله (والوقف على المساجد والقناطر (٤) في الحقيقة) وقف (على المسلمين) وإن جعل متعلقه بحسب اللفظ غيرهم (٥) ، (إذ هو مصروف إلى مصالحهم (٦) ، وإنما أفاد تخصيصه بذلك (٧) تخصيصه ببعض مصالح المسلمين
وذلك لا ينافي الصحة (٨) ، ولا يرد أن ذلك (٩) يستلزم جواز الوقف على البيع
والكنائس ، كما يجوز الوقف على أهل الذمة (١٠). لأن الوقف على كنائسهم وشبهها وقف
على مصالحهم ، للفرق. فإن
______________________________________________________
(١) قال في
المسالك : (ولا ينصرف الوقف إلى مولاه على خلاف بعض العامة حيث جوّز الوقف عليه
وجعله مصروفا إلى مولاه) ، وذلك لأن المولى غير مقصود من الوقف فكيف يصير إليه.
(٢) أي مما لا يصح
تملكه شرعا.
(٣) أي الوقف على
العبد.
(٤) وغير ذلك من
المصالح الراجعة إلى كل الناس أو المسلمين.
(٥) مما لا يكون
قابلا للتملك.
(٦) وكذا الوقف
على أكفان الموتى ومئونة حفر قبورهم.
(٧) أي : المساجد
والقناطر.
(٨) لأن المقصود
من ذكر بعض المصالح هو المسلمون لا ما ذكر.
(٩) أي الوقف على
المساجد والقناطر بما هي مصالح للمسلمين.
(١٠) قد عرفت
اشتراط القربة في الوقف ولذا لا يجوز الوقف على الكافر الحربي ، وأما على الذمي
فقد اختلفوا في ذلك فعن سلّار وابن البراج المنع لقوله تعالى : (لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ
بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ
أَبْنٰاءَهُمْ) الآية ، والوقف نوع موادة فيكون منهيا عنه ولا يصح التقرب
بالمنهي عنه. ـ
__________________
الوقف على المساجد
مصلحة للمسلمين ، وهي مع ذلك طاعة وقربة ، فهي جهة من جهات المصالح المأذون فيها ،
بخلاف الكنائس ، فإن الوقف عليها وقف على جهة خاصة من مصالح أهل الذمة لكنها معصية
، لأنها إعانة لهم على الاجتماع إليها للعبادات المحرمة ، والكفر ، بخلاف الوقف
عليهم (١) أنفسهم. لعدم استلزامه المعصية بذاته ، إذ نفعهم (٢) من حيث الحاجة ،
وأنهم عباد الله ، ومن جملة بني آدم المكرمين ، ومن تجويز أن يتولد منهم المسلمون
لا معصية فيه. وما يترتب عليه من
______________________________________________________
ـ وعن المشهور
الجواز لقوله تعالى : (لٰا
يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) .
وذهب الشيخان وأبو
الصلاح وابن حمزة إلى الجواز إذا كان الذمي رحميا قريبا للمرسل (إن صفيّة وقفت على
أخ لها يهودي فأقرها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، والمرسل في المراسم لسلّار (وقد روي أنه إذا كان الكافر
أحد أبوي الواقف أو من ذوي رحمه ، كان جائزا) .
وعن ابن إدريس
الجواز على ما لو كان أحد الأبوين فقط والأقرب بالجواز خصوصا للمرسلين المتقدمين
مع عموم أو إطلاق اعتبار الوقف وإمكان التقرب إلى الله بالوقف على الذمي بما هو
عبد لله جلّ وعلا ومحتاج إليه ، ويرشد إليه جواز الصدقة عليه كما سيأتي.
ثم على تقدير جواز
الموقف على الذمي ، مع ما تقدم من جواز الوقف على المساجد باعتبار أنه وقف على
المسلمين فيحتمل كون الوقف على الكنائس والبيع جائزا إذا كانت لأهل الذمة بناء على
أن الوقف عليها وقف على أهل الذمة.
ولكنه احتمال
مردود للفرق بين الجهتين فالوقف على المساجد وقف على المسلمين في جهة خاصة وهي
طاعة وقربة ، وأما الوقف على الكنائس والبيع فإنه وقف على أهل الذمة في جهة خاصة
وهي معصية ، لأنها محل إقامة شعائر الكفر الذي هو أبغض شيء إلى الله ، وهذا بخلاف
الوقف على أهل الذمة بما هم عباد الله ومن جملة بني آدم المكرمين ، فليس الوقف
عليهم بما هم كفرة فإنه لا يجوز ، بل قد تقدم عدم جواز الوقف على الزناة وشاربي
الخمور وفسقة المسلمين بما هم موصوفون بهذه الحيثية.
(١) على أهل الذمة
بما هم عباد الله سبحانه وتعالى.
(٢) مبتدأ لقوله :
(لا معصية فيه).
__________________
إعانتهم به على
المحرم كشرب الخمر. وأكل لحم الخنزير والذهاب إلى تلك الجهات المحرمة ليس مقصودا
للواقف ، حتى لو فرض قصده له (١) حكمنا ببطلانه ، ومثله الوقف عليهم لكونهم كفارا
، كما لا يصح الوقف على فسقة المسلمين من حيث هم فسقة (ولا على الزناة والعصاة) من حيث هم كذلك ، لأنه إعانة على الإثم والعدوان فيكون
معصية. أما لو وقف على شخص متصف بذلك لا من حيث كون الوصف مناط الوقف صح ، سواء
أطلق أم قصد جهة محللة.
(والمسلمون من صلّى إلى القبلة) أي اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصلّ (٢) ، لا مستحلا ، وقيل
: يشترط الصلاة بالفعل ، وقيل : يختص بالمؤمن وهما ضعيفان ، (إلا الخوارج والغلاة) فلا يدخلون في مفهوم المسلمين وإن صلوا إليها للحكم بكفرهم ، ولا وجه لتخصيصه
بهما (٣) ، بل كل من أنكر ما علم من الدين ضرورة كذلك (٤) عنده ، والنواصب
كالخوارج فلا بد من استثنائهم أيضا.
وأما المجسّمة
فقطع المصنف بكفرهم في باب الطهارة من الدروس وغيرها ، وفي هذا الباب منها (٥) نسب
خروج المشبّهة منهم إلى القيل ، مشعرا بتوقفه فيه ، والأقوى خروجه (٦) ، إلا أن
يكون الواقف من إحدى الفرق فيدخل فيه مطلقا (٧) ،
______________________________________________________
(١) أي قصد الواقف
لما ذكر من الجهات المحرمة.
(٢) كما عليه
المشهور ، وعن المفيد اشتراط الصلاة بالفعل ، وعن ابن إدريس أن المسلم المحق ـ أي
الشيعي الاثني عشري ـ إذا وقف فينصرف إلى المسلمين المحقين لشاهد الحال ، ولذا قال
عنه الشارح أنه يختص بالمؤمن أي المعتقد بإمامة الاثني عشر عليهمالسلام.
والأقوى هو الأول
لأن المسلم هو الذي اعتقد بالشهادتين واعترف من الدين بما هو ضرورة منه ، ومن أهم
ضرورياته الصلاة فلذا عبر المشهور عنه بأنه من اعتقد وجوب الصلاة إلى الكعبة وإن
لم يصل فعلا ، نعم لا بد من خروج من حكم بكفره كالخوارج والغلاة لعدم كونه مسلما ،
ثم لا فرق فيه بين الذكور والإناث وبين من هو مسلم بالأصالة كالبالغ وبالتبعية
كالصبيان والمجانين.
(٣) أي تخصيص
المسلم بالخوارج والغلاة.
(٤) أي ليس بمسلم
كذلك.
(٥) من الدروس.
(٦) يجب تقييده
بما إذا كان ملتفتا إلى اللوازم الفاسدة المترتبة على التجسيم.
(٧) أي فيدخل في
الإسلام من أي فرقة كان ، إذا كانت الفرقة من فرق الإسلام المشهورة والمعروفة.
نظرا إلى قصده (١)
، ويدخل الإناث تبعا (٢) ، وكذا من بحكمهم كالأطفال والمجانين ، ولدلالة العرف
عليه (٣).
(والشيعة من شايع عليا عليهالسلام) أي اتبعه (وقدمه) على غيره في
الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة بعده ، فيدخل فيهم الإمامية ،
والجارودية من الزيدية ، والإسماعيلية غير الملاحدة منهم ، والواقفية ، والفطحية ،
وغيرهم (٤) ، وربما قيل بأن ذلك مخصوص بما إذا كان الواقف من غيرهم ، أما لو كان
منهم صرف إلى أهل نحلته خاصة ، نظرا إلى شاهد حاله ، وفحوى قوله ، وهو حسن مع وجود
القرينة ، وإلا فحمل اللفظ على عمومه أجود.
(والإمامية (٥) : الاثنا عشرية) أي القائلون بإمامة الاثني عشر المعتقدون لها ، وزاد في
الدروس اعتقاد عصمتهم عليهالسلام أيضا ، لأنه لازم المذهب ، ولا يشترط هنا (٦)
______________________________________________________
(١) وقد عرفت
تقييده بما إذا لم يلتفت إلى لوازمه الفاسدة.
(٢) وفيه : أن
دخول الإناث بالأصالة لا بالتبعية ، لأن المسلم كاسم جنس يشمل الذكر والأنثى ، نعم
دخول الصبيان والمجانين بالتبعية.
(٣) على الدخول ،
وهو دليل ثان على شمول المسلم للأنثى والصبي والمجنون.
(٤) كما هو
المشهور تمسكا بعموم اللفظ ، وعن ابن إدريس ذلك إذا كان الواقف من غيرهم ، أما لو
كان منهم صرف إلى أهل فرقته فقط تمسكا بشاهد الحال وفحوى القول ، ونفى عنه البأس
في التذكرة ، وهو متجه عند قيام القرينة على ذلك وإلا فالعموم هو الحاك.
وقيل : إنه لو وقف
على الشيعة انصرف إلى خصوص الإمامية ، وحكاه الشارح في المسالك عن البعض ، وجزم به
سيد الرياض وغيره من المتأخرين تبعا لما هو السائد في عرفنا حيث لا يتبادر من لفظ
الشيعة إلا خصوص الإمامية وهو الأقوى.
(٥) أي لو وقف على
الإمامية كان للاثني عشرية ، وهم القائلون بإمامتهم والمعتقدون بها ، وعن الشهيد
في الدروس والاعتقاد وبعصمتهم أيضا ، وفيه : إن مفهوم الإمامية لا مدخل للعمل فيه.
(٦) لأنه لو وقف
على المؤمنين فهو للاثني عشرية إن كان الواقف منهم كما هو المشهور ، وعن الشيخ في
النهاية أنه للاثني عشرية إذا اجتنبوا الكبائر حملا للمؤمن على العادل في قبال
الفاسق ، وفي الدروس اشترط مع الاعتقاد المذكور الاعتقاد بعصمتهم لأنه لازم المذهب
، وفيه : إنه يلزمه اشتراط الاعتقاد بأفضليتهم على غيرهم وغيره من معتقدات
الإمامية المتفق عليها فإنها لازمة للمذهب. والأول هو أولى لأن الإيمان يطلق على
معنيين : ـ
اجتناب الكبائر
اتفاقا وإن قيل به في المؤمنين (١) ، وربما أوهم كلامه في الدروس ورود الخلاف هنا
أيضا (٢) ، وليس كذلك. ودليل القائل يرشد إلى اختصاص الخلاف بالمؤمنين ، (والهاشمية من ولده هاشم بأبيه (٣) أي اتصل إليه بالأب وإن علا ، دون الأم على الأقرب ، (وكذا كل قبيلة) كالعلوية ، والحسينية ، يدخل فيها من اتصل بالمنسوب إليه (٤) بالأب دون الأم
، ويستوي فيه الذكور والإناث ، (وإطلاق الوقف) على متعدد (يقتضي التسوية) بين أفراده (٥) وإن اختلفوا بالذكورية والأنوثية ، لاستواء
الإطلاق والاستحقاق بالنسبة إلى الجميع ، (ولو فضّل) بعضهم على بعض (لزم) (٦) بحسب ما عيّن ، عملا بمقتضى الشرط.
______________________________________________________
ـ الأول : الإسلام
مع اعتقاد إمامة الاثني عشر عليهمالسلام.
الثاني : الإسلام
مع الاعتقاد المذكور مع العمل الصالح بمعنى كون العمل جزءا من الإيمان ، لأن
الإيمان اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان ، ولا ريب أن المؤمن يحمل على
الأول لأن إرادة الثاني منه بحاجة إلى قرينة هذا كله بالنظر إلى اللغة ، وأما
بالنظر إلى العرف فلفظ المؤمن في عرفنا ظاهر في خصوص العادل في قبال الفاسق.
(١) لاحتمال أن
المؤمن يطلق على العادل بخلاف الإمامي فلا مورد لهذا الاحتمال أبدا.
(٢) أي في الإمامي
، حيث قال في الدروس (والمؤمنون والإمامية واحد ، وهم القائلون بإمامة الاثني عشر
وعصمتهم عليهمالسلام والمعتقدون لها ، وقيل : يشترط اجتناب الكبائر ، وهو مبني
على أن العمل ثلث الإيمان كما هو مأثور) انتهى.
فظاهر كلامه إن
الخلاف في اجتناب الكبائر جار في المؤمن والإمامي ، مع أن الخلاف مختص بالمؤمن فقط
كما عرفت ، وأيضا دليل المخالف وهو أن العمل ثلث الإيمان ظاهر في كون الخلاف مختصا
بالمؤمن دون الإمامي.
(٣) الهاشمي من
انتسب إلى هاشم بلا خلاف فيه ، ويشترك فيه الذكور والإناث ، ولكن الخلاف في أنه
مختص بالمنتسب إليه بالأب كما عليه المشهور نظرا إلى العرف ، أو يعمّ المنتسب إليه
بالأم كما ذهب إليه السيد المرتضى نظرا إلى أن ولد البنت ولد ، وفيه : إن
الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.
(٤) إلى علي عليهالسلام في العلوية ، وإلى الحسين عليهالسلام في الحسينية وهكذا.
(٥) للعدل ،
وقاعدة للأنثى نصف حصة الذكر إنما هي مختصة بالإرث لورود دليل خاص.
(٦) عملا بالشرط.
(وهنا مسائل) :
الأولى.(نفقة العبد الموقوف والحيوان) الموقوف (على الموقوف عليهم)
(١) إن كانوا معينين ، لانتقال الملك إليهم وهي تابعة له ،
ولو كان على غير معينين ففي كسبه (٢) مقدمة على الموقوف عليه ، فإن قصر الكسب ففي
بيت المال إن كان ، وإلا وجب كفاية على المكلفين كغيره من المحتاجين إليها ، ولو
مات العبد فمئونة تجهيزه كنفقته (٣) ، ولو كان الموقوف عقارا فنفقته حيث شرط
الواقف ، فإن انتفى الشرط ففي غلته فإن قصرت لم يجب الإكمال ، ولو عدمت لم تجب
عمارته بخلاف الحيوان لوجوب صيانة روحه (٤) ، (ولو عمي العبد ،
أو جذم) أو أقعد (انعتق) (٥)
______________________________________________________
(١) قد عرفت أن
الوقف تارة على أشخاص معينين فهو ملك لهم وأخرى على جهة عامة كالوقف على الفقراء
والمساجد والقناطر ، وعرفت أنه الوقف حينئذ ملك لله تعالى.
وعلى الأول فلو
كان الوقف بحاجة إلى نفقة كالمملوك والحيوان ففيه قولان :
الأول : أن النفقة
في كسبه وهو قول الشيخ في المبسوط ، لأن الفرض من الوقف انتفاع الموقوف عليه ،
وهذا لا يتم إلا ببقاء عينه ، وعينه لا تبقى إلا بالنفقة ، فهي شرط في كسبه ،
كعمارة العقار المأخوذة من غلته والباقي للموقوف عليه فكذلك هنا ، ولم يتعرض الشيخ
لحكم غير الكاسب.
الثاني : النفقة
على الموقوف عليهم كما هو مختار المحقق والعلامة وجماعة ، لأن النفقة تابعة للملك
وبحسب الفرض أن الوقف ملك للموقوف عليه فنفقته عليه ، وقياس العبد والحيوان على
العقار ليس في محله ، لأن عمارة العقار من نفقته ولو قصرت فلا تجب عمارته بخلاف
المملوك والحيوان لوجوب صيانة روحهما وعلى الثاني إذا كان الوقف ملكا لله تعالى
قيل : إنها في كسبه إن كان ذا كسب وإلا ففي بيت المال ، ومع عدمه وجبت كفاية على
المكلفين ، كغيرها من نفقات المحتاجين ، ويحتمل كونها في بيت المال مطلقا كما في
المسالك.
(٢) أي فهي في
كسبه.
(٣) أي مئونة
تجهيزه حال الموت كمئونة نفقته في حياته.
(٤) ردا على الشيخ
كما تقدم.
(٥) هذه الأسباب
توجب انعتاقه قهرا كما سيأتي في باب العتق ، ولو كان موقوفا لترجيح أدلة هذه
الأسباب على أدلة أن الوقف لا يباع ولا يوجب ولا يورث ولا يتبدل ، بلا خلاف في
ذلك.
كما لو لم يكن
موقوفا ، (بطل الوقف) بالعتق ، (وسقطت النفقة) من حيث الملك (١) ، لأنها كانت تابعة له فإذا زال زالت.
الثانية.(لو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل قربة) (٢) ، لأن المراد من السبيل الطريق إلى الله أي إلى ثوابه
ورضوانه ، فيدخل فيه كل ما يوجب الثواب من نفع المحاويج ، وعمارة المساجد ، وإصلاح
الطرقات ، وتكفين الموتى. وقيل : يختص بالجهاد ، وقيل : بإضافة الحج والعمرة إليه
، والأول أشهر ، (وكذا) لو وقف (في سبيل الخير ، وسبيل الثواب (٣) ، لاشتراك الثلاثة في هذا المعنى ، وقيل : سبيل الثواب
الفقراء والمساكين ، ويبدأ بأقاربه ، وسبيل الخير الفقراء والمساكين وابن السبيل
والغارمون ، الذين استدانوا لمصلحتهم ، والمكاتبون. والأول أقوى إلا أن يقصد
الواقف غيره.
______________________________________________________
(١) ولكن قد تجب
نفقته حينئذ على الموقوف عليه من ناحية عجزه مع عدم وجوب باذل لها من المسلمين
وانحصر الباذل في الموقوف عليه.
(٢) لما كان
السبيل هو الطريق فسبيل الله أي الطريق إلى ثوابه ورضوانه لاستحالة التحيز عليه ،
فالموقوف في سبيل الله يصرف في كل مصلحة يتقرب بها إلى الله تعالى كما عليه
المشهور منهم الشيخ في المبسوط وعن الشيخ في الخلاف أنه مختص بالغزاة المتطوعين
دون العسكر المقاتل على باب السلطان وبالحج والعمرة اثلاثا ، وعن ابن حمزة في
الوسيلة اختصاصه بالمجاهدين فقط ، والعرف حجة عليهما.
(٣) المشهور على
أن سبيل الله وسبيل الخير وسبيل الثواب واحد ، واللغة والعرف يرشدان إليه ، فلو
قال وقفت هذا في سبيل الله وسبيل الخير وسبيل الثواب لكان مصرفه ما تقدم في سبيل
الله.
وذهب الشيخ إلى
أنه يقسم اثلاثا ، ثلث للغزاة والحج والعمرة وهو سبيل الله ، وثلث للفقراء
والمساكين مع البدء بالأقارب وهو سبيل الثواب ، وثلث إلى خمسة أصناف من الذين
ذكرهم الله في آية الصدقة ، وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمون الذين
استدانوا لمصلحة أنفسهم ، (وَفِي
الرِّقٰابِ) وهم المكاتبون وهو سبيل الخير ، وهذا تحكم لأنه بلا دليل.
__________________
الثالثة.(إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات (١) ، لاستعمال الأولاد فيما يشمل أولادهم شائعا لغة وشرعا كقوله
تعالى : (يٰا بَنِي
آدَمَ ، يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ ،
و
يُوصِيكُمُ
اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) ، وللإجماع على تحريم حليلة ولد الولد ذكرا وأنثى من قوله
تعالى : (وَحَلٰائِلُ
أَبْنٰائِكُمُ) (٢) ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تزرموا ابني (٣)» يعني الحسن ، أي لا تقطعوا عليه
بوله لمّا بال في حجره. والأصل في الاستعمال الحقيقة ، وهذا الاستعمال كما دل على
دخول أولاد الأولاد في الأولاد ، دل على دخول أولاد الإناث أيضا ، وهذا أحد
القولين في المسألة.
وقيل : لا يدخل
أولاد الأولاد مطلقا (٤) في اسم الأولاد ، لعدم فهمه عند الاطلاق ، ولصحة السلب
فيقال في ولد الولد : ليس ولدي بل ولد ولدي ،
______________________________________________________
(١) كما عن المفيد
والقاضي وابن البراج والحلي بل والشيخ في النهاية والتحرير واللمعة هنا لصدق الولد
على الولد وولد الولد لقوله تعالى في أكثر من آية (يٰا بَنِي
آدَمَ) ، وقوله تعالى : (يٰا بَنِي
إِسْرٰائِيلَ) ، وقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ
اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) ، وهو شامل لولد الولد ، ولتحريم حليلة ولد الولد من قوله
تعالى : (وَحَلٰائِلُ
أَبْنٰائِكُمُ) ، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار التي استعملت لفظ الولد
، في ولد الولد.
وعن المشهور أنه
لو قال : وقفت على أولادي فهو مختص بأولاده الصلبيين ولم يدخل معهم أولاد الأولاد
، لأن ولد الولد لا يفهم حقيقة من إطلاق لفظ الولد ، وإن كان لا نمنع استعمال لفظ
الولد في ولد الولد مجازا ، وأما هذه الآيات والأخبار التي استدل بها فدخول ولد الولد
إنما كان لقرائن أخرى لا من ناحية شمول الولد لولد الولد مع كون الاستعمال أعم من
الحقيقة والمجاز.
(٢) قد تقدم في
شرحنا تخريجها.
(٣) مجمع الزوائد
ج ١ ص ٢٨٥.
(٤) سواء كان ولد
ذكر أو ولد أنثى.
__________________
وأجاب المصنف في
الشرح (١) عن الأدلة الدالة على الدخول بأنه (٢) ثمّ من دليل خارج (٣) ، وبأن اسم
الولد لو كان شاملا للجميع لزم الاشتراك (٤) وإن عورض بلزوم المجاز (٥) فهو أولى ،
وهذا (٦) أظهر. نعم لو دلت قرينة على دخولهم كقوله : الأعلى فالأعلى اتجه دخول من
دلت عليه (٧) ، ومن خالف في دخولهم (٨) كالفاضلين فرضوا المسألة فيما لو وقف على
أولاد أولاده ، فإنه حينئذ يدخل أولاد البنين والبنات بغير إشكال ، وعلى تقدير
دخولهم بوجه (٩) فاشتراكهم (بالسوية) (١٠) ، لأن ذلك مقتضى الإطلاق ، والأصل عدم التفاضل ، (إلا أن يفضّل) بالتصريح (١١) ، أو قوله : على كتاب الله ونحوه ، (ولو قال : على من انتسب إليّ (١٢) لم يدخل أولاد البنات) على أشهر القولين ، عملا بدلالة اللغة والعرف والاستعمال.
______________________________________________________
(١) شرح الإرشاد
المسمى بغاية المراد.
(٢) أي بأن
الدخول.
(٣) لا من إطلاق
لفظ الولد على ولد الولد.
(٤) لكونه موضوعا
للولد فلو كان حقيقة في ولد الولد لكان مشتركا بينهما ، وهو على خلاف الأصل لتعدد
الوضع فيه.
(٥) بناء على أنه
للولد فقط فاستعماله في ولد الولد يكون مجازا وهو على خلاف الأصل إذ الأصل في
الاستعمال الحقيقة ، فإذا دار الأمر بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى ، وقد حرر
في محله أنه لا يصح التمسك بهذه الاستحسانات في مقام إثبات العلقة الوضعية بين
اللفظ والمعنى.
(٦) أي القول
الثاني من كون الولد مختصا بالصلبي عند الاطلاق.
(٧) أي من دلت
القرينة على دخوله.
(٨) فلو قال : ومن
خالف في عدم دخولهم وذهب إلى الدخول كالفاضلين لكان أولى.
(٩) من الوجوه
السابقة.
(١٠) لمقتضى العدل
، وقاعدة التنصيف للأنثى مختصة بالإرث لورود دليل خاص عليها هناك.
(١١) فيجب التفضيل
عملا بالشرط.
(١٢) أي لو قال
وقفت هذا على من انتسب إليّ ، فلا يدخل أولاد البنات لأن ولد البنت لا ينتسب إلى
أمه بل إلى أبيه ، وخالف السيد المرتضى اعتمادا على أن ولد البنت ولد ، وقد تقدم
الكلام فيه.
الرابعة.(إذا وقف مسجدا لم ينفك وقفه (١) بخراب القرية) ، للزوم الوقف ، وعدم صلاحية الخراب لزواله ، لجواز عودها
، أو انتفاع المارة به ، وكذا لو خرب المسجد (٢) ، خلافا لبعض العامة ، قياسا على
عود الكفن إلى الورثة عند اليأس من الميت ، بجامع استغناء المسجد عن المصلين
كاستغناء الميت عن الكفن ، والفرق واضح ، لأن الكفن ملك للوارث وإن وجب بذله في
التكفين ، بخلاف المسجد لخروجه بالوقف على وجه فك الملك كالتحرير (٣) ، ولإمكان
الحاجة إليه بعمارة القرية ، وصلاة المارة ، بخلاف الكفن.
(وإذا وقف على الفقراء ، أو العلوية انصرف إلى من في بلد
الواقف منهم ومن حضره (٤) بمعنى جواز الاقتصار عليهم من غير أن يتتبع غيرهم ممن يشمله
______________________________________________________
(١) وإن خرجت
القرية بلا خلاف فيه بيننا لعدم بطلان مسجديته مع إمكان الانتفاع به ولو بالمارة
أو بعود الحياة إلى القرية ، خلافا لأحمد من العامة حيث جوّز بيعه في هذا الحال ،
وخلافا لمحمد بن الحسن من العامة أيضا حيث حكم بعوده إلى ملك الواقف قياسا على
الكفن فيما لو أخذ السيل ميتا ويئس منه فيرجع الكفن إلى الورثة فكذا في المسجد.
وفيه : إنه قياس
مع وجود الفارق وهو : أن الكفن ملك للورثة لأن التركة تنتقل إلى الوارث بالموت ،
وإن وجب عليهم صرفه في تكفين مورثهم ، ولما تعذر التكفين به بطل مورد صرفه فرجع
إلى ملكهم مع جواز التصرف فيه بأي مورد وهذا يتم فيما لو كان الكفن من التركة ،
أما لو كان من الزكاة أو من الوقف فيرجع إلى أصله ، وكذا لو كان من متبرع فيرجع
إليه. وهذا بخلاف الوقف فإنه قد خرج عن ملك الواقف فكيف يعود إليه.
(٢) مع عدم خراب
القرية.
(٣) أي العتق
فالعتق فك ملك كما سيأتي.
(٤) إذا وقف الشيء
على الفقراء فهو وقف على هذه الجهة المخصوصة لا على أشخاصها ، ومصرفها كل من كان
فقيرا ، ولكن هل يجب عليه استيفاؤهم ولو كان غائبا عن البلد الذي هو فيه ، لا خلاف
في أنه لا يجب بل يجوز له أن يصرف نماء هذا الوقف في فقراء بلده ومن حضر من فقراء
غيرها ولا يجب عليه تتبع الجميع لخبر النوفلي (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام أسأله عن أرض وقفها جدي على المحتاجين من ولد فلان بن فلان
، وهم كثير متفرقون في البلاد ، فأجاب : ذكرت الأرض التي وقفها جدك على فقراء ولد
فلان ، وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف ، وليس لك أن تتبع من كان ـ
الوصف ، فلو تتبع
جاز. وكذا لا يجب انتظار من غاب منهم عند القسمة. وهل يجب استيعاب من حضر ظاهر
العبارة ذلك بناء على أن الموقوف عليه يستحق على جهة الاشتراك ، لا على وجه بيان
المصرف ، بخلاف الزكاة (١) ، وفي الرواية دليل عليه (٢) ، ويحتمل جواز الاقتصار
على بعضهم (٣) ، نظرا إلى كون الجهة المعيّنة مصرفا ، وعلى القولين لا يجوز
الاقتصار على أقل من ثلاثة ، مراعاة لصيغة الجمع. نعم لا تجب التسوية (٤) بينهم ،
خصوصا مع اختلافهم في المزيّة بخلاف الوقف على المنحصرين فيجب التسوية بينهم
بالاستيعاب. واعلم أن الموجود في نسخ الكتاب بلد الواقف ، والذي دلت عليه الرواية
وذكره الأصحاب ومنهم المصنف في الدروس اعتبار بلد الوقف ، لا الواقف وهو أجود (٥).
______________________________________________________
ـ غائبا) ، هذا هو تحرير المسألة مع أن السابق إلى الفهم من عبارة
الماتن أن أصل الوقف منصرف إليهم ، وقد عرفت أن أصل الوقف لكل فقير ولذا جاز إعطاء
من حضر من غيرهم ، ثم لو وقف على العلوية مثلا وكانوا منتشرين في أكثر من بلد
فالحكم كذلك ، والخبر المتقدم صريح في ذلك ، ثم هل يجب استيعاب فقراء البلد أو لا
، وهو مبني على أن الوقف المذكور ظاهر في استحقاق الجميع للموقوف فالأول ، أو أنه
ظاهر لبيان المصرف فالثاني ، وهو لا يخلو من قوة نظرا للعرف.
وعلى كل يجب إعطاء
أقل الجمع تحقيقا لمعنى الفقراء ، وقيل : هو ثلاثة لأنه أقل الجمع عند المحققين
كما في جامع المقاصد ، وقيل : اثنان بناء على أنهما أقل الجمع.
(١) فإن آية
الزكاة لبيان المصرف.
(٢) على الاشتراك
لعموم كلمة (من) في قوله عليهالسلام في الرواية المتقدمة (وهي لمن حضر البلد) ، وفيه : إنها
ظاهرة في بيان المصرف بدليل التقابل بين ما حضر وبين من هو غائب.
(٣) فلا يجب
الاستيعاب.
(٤) سواء وجب
الاستيعاب أو لا ، نعم لو كان الوقف على جماعة منحصرين قد ذكروا في متن العقد فتجب
التسوية لعدم جواز الترجيح بلا مرجح ، بخلاف ما هنا فإن المذكور هو الجهة لا
الأشخاص ، وترجيح البعض على البعض لا يخرج الصرف عن الجهة.
(٥) لعسر حمل نماء
الموقوف من بلده إلى بلد الواقف عند التغاير.
__________________
الخامسة.(إذا آجر البطن الأول الوقف (١) ثم انقرضوا تبين بطلان الإجارة في المدة
الباقية) ، لانتقال الحق
إلى غيرهم ، وحقهم وإن كان ثابتا عند الإجارة إلا أنه مقيد بحياتهم ، لا مطلقا (٢)
، فكانت الصحة في جميع المدة مراعاة باستحقاقهم لها ، حتى لو آجروها مدة يقطع فيها
بعدم بقائهم إليها عادة فالزائد باطل من الابتداء ، ولا يباح لهم أخذ قسطه من
الأجرة ، وإنما أبيح في الممكن ، استصحابا للاستحقاق بحسب الإمكان ، ولأصالة
البقاء.
وحيث تبطل في بعض
المدة (فيرجع المستأجر على ورثة الآجر) (٣) بقسط المدة الباقية (٤) (إن كان قد قبض
الأجرة ، وخلّف تركة) فلو لم يخلّف مالا ، لم يجب
______________________________________________________
(١) إذا آجر البطن
الأول الوقف إلى مدة معينة ثم انقرضوا أجمع في أثنائها ، فإن قلنا إن الموت يبطل
الإجارة في الملك المطلق فهنا أولى ، وإن لم نقل بذلك ، فهل يبطل هنا كما عن
الخلاف والمبسوط والعلامة في التذكرة والتحرير والإرشاد والشهيدين والكركي وغيرهم
بل لا أجد فيه خلافا كما في الجواهر ، لأن الوقف هنا تسبيل المنفعة على الموقوف
عليه مدة حياته فلو تبين أنه قد آجره أكثر من ذلك بطل في الزائد لعدم ملكيته لهذه
المنفعة بعد موته.
وقد تردد المحقق
في الشرائع لإطلاق ما دل على صحة الإجارة ولزومها ، ثم استظهر البطلان ، ولكن لقطع
دابر احتمال التردد نقول : إن البطن الثاني يتلقى الملك من الواقف بأصل الصيغة
كالبطن الأول بخلاف الوارث فالمورث ما قبل الموت هو مالك مسلّط على ماله كيف شاء
فلو آجر ماله مدة معينة ثم مات في أثنائها فالإجارة نافذة ولا يجوز للوارث الفسخ
لأنه يرث ما كان ملكا للمالك حين موته ، وكان الملك مسلوب المنفعة لأنه مؤجر بحسب
الفرض ، فلو كان البطن الثاني يتلقى الملك من الأول ، كان تصرف الأول فيه نافذا في
حق الثاني وليس للثاني فسخه ، ولكن الثاني يتلقى الملك من المالك بأصل الصيغة وليس
للأول إلا التصرف فيه حال حياته فقط فلذا كان للبطن الثاني الخيار بين الفسخ وبين
الإجازة في الباقي كما هو المشهور بينهم ، ولكن قد عرفت أن الإجازة في العقد
الفضولي في الوقف غير نافعة فالأقوى هو البطلان فقط بحيث إذا أراد البطن الثاني
الإجارة فعليه تجديد العقد من رأس.
(٢) وإن ماتوا.
(٣) وهو البطن
الأول.
(٤) قال في
المسالك (والمراد بمقابلة المتخلف أن ينسب أجرة مثله إلى أجره مثل مجموع المدة ـ
على الوارث الوفاء
من ماله (١) كغيرها من الديون ، هذا إذا كان قد آجرها (٢) لمصلحته ، أو لم يكن
ناظرا ، فلو كان ناظرا وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل الإجارة (٣) ، وكذا لو كان
المؤجر هو الناظر في الوقف مع كونه غير مستحق.
______________________________________________________
ـ ويرجع من المسمى
بمثل تلك النسبة ، فلو كان قد آجره سنة بمائة مثلا ، ومات بعد انقضاء نصفها ، وفرض
أن أجرة مثل النصف المتخلف تساوي الستين ، وأجرة مثل النصف الماضي تساوي ثلاثين ،
رجع بثلثي المائة المسماة وهكذا) انتهى.
(١) من مال
الوارث.
(٢) أي البطن
الأول.
(٣) لإطلاق دليلها
، بعد كون البطن الأول لهم من الأجرة ما يوازي أجرتها في زمن حياتهم فقط.
كتاب العطية
كتاب العطية
(وهي) أي العطية باعتبار الجنس (أربعة) :
(الأول. الصدقة (١): ...
______________________________________________________
(١) قد وردت
الأخبار الكثيرة بالحث عليها وأنها تدفع ميتة السوء ، وأنها تنفى الفقر وتزيد في العمر ، وأنها جنة من النار ، وقد ورد (إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة) ، و (الصدقة باليد تدفع ميتة السوء ، وتدفع سبعين نوعا من
أنواع البلاء ، ويفكّ عن لحى سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا تفعل) وفي الحديث (واتقوا النار ولو بشق تمرة) وفي أخر (بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها) وفي ثالث (من تصدق بصدقة حين يصبح اذهب الله عنه نحس ذلك
اليوم) وفي رابع (إن الله الذي لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء
والدبيلة والحرق والفرق والهدم والجنون وعدّ سبعين بابا من السوء) وفي خامس (إن الصدقة لتدفع سبعين بليّة من بلايا الدنيا مع
ميتة السوء ، إن صاحبها لا يموت ميتة السوء أبدا مع ما يدخر لصاحبها في الآخر) وفي سادس (ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن
، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن ـ
__________________
(وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول (١) إطلاق العقد على نفس العطية لا يخلو من تساهل (٢) ، بل في
إطلاقه على جميع المفهومات المشهورة من البيع والإجارة وغيرهما. وإنما هو دال
عليها ، ويعتبر في إيجاب الصدقة وقبولها ما يعتبر في غيرها (٣) من العقود اللازمة
، (وقبض (٤) ...
______________________________________________________
ـ تقع في يد العبد)
، وفي سابع (الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ، وصلة
الرحم بأربعة وعشرين) ، ومنه يستفاد أفضلية التصدق على الرحم بل في الخبر (لا
صدقة وذو رحم محتاج) بل يستحب تقبيل الإنسان يده بعد الصدقة ففي الخبر (كان زين
العابدين عليهالسلام يقبّل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك فقال : إنها تقع في
يد الله قبل أن تقع في يد السائل) وفي خبر آخر (ما من شيء إلا وكّل به ملك إلا الصدقة فإنها
تقع في يد الله تعالى) .
(١) بلا خلاف فيه
كما في الجواهر ، بل عن المشهور اعتبار ما يشترط في العقود اللازمة باعتبار أن
الصدقة لازمة لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض.
وفيه : إن اللزوم
ناشئ من جهة القربة كما سيأتي لا من جهة العقدية هذا فضلا عن أن السيرة المستمرة
إلى زمن المعصوم عليهالسلام بل وظاهر النصوص الدالة على تحققها بالمعاطاة بل هذا هو
الغالب فيها.
(٢) لأنه من باب
إطلاق السبب على المسبب.
(٣) من كمال
المتعاقدين ومقارنة القبول للايجاب عرفا وغير ذلك ، ولكن النصوص خالية عن ذلك كله.
(٤) بلا خلاف فيه
لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (أنه قال في الرجل
يتصدق على ولده وقد أدركوا : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث) ومثله خبر عبيد بن زرارة وغيرهما مما قد تقدم في كتاب الوقف ، والاستدلال مبني على
أعمية الصدقة الواردة في النصوص من الوقف والصدقة ، ولما دل على اشتراط القبض في
الهبة كما سيأتي ، والصدقة هي هبة مع زيادة نية القربة ، فالدليل الثاني متين وإن
كان في ـ
__________________
(بإذن الموجب) (١) ، بل بإذن المالك ، فإنه لو وكّل في الإيجاب لم يكن
للوكيل الإقباض.
(ومن شرطها القربة (٢) فلا تصح بدونها وإن حصل الإيجاب والقبول والقبض ، للروايات
الصحيحة الدالة عليه ، (فلا يجوز الرجوع فيها بعد القبض) (٣) ، لتمام الملك ، وحصول العوض وهو القربة ، كما لا يصح
الرجوع في
______________________________________________________
ـ الأول ضعف ظاهر
لانصراف الأخبار المتقدمة إلى خصوص الوقف. ثم الصدقة لا توجب القبض على المتصدق
فلذا كان متوقفا على إذنه وهو المسمى بالإقباض فلو قبضها المعطى له من غير رضا
المالك لم ينتقل إليه ، لعدم حصول الإقباض.
(١) مبني على
الغالب من كون المالك هو الموجب ولذا استدرك عليه الشارح بتخصيصه بالمالك ، إذ
الوكيل في الايجاب قد لا يكون وكيلا في الاقباض.
(٢) بلا خلاف فيه
كما في الجواهر لصحيح هشام وحماد وابن أذينة وابن بكير وغيرهم كلهم عن أبي عبد
الله عليه
السّلام (لا صدقة
ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (لا يرجع في
الصدقة إذا أبتغى بها وجه الله عزوجل) ومثلها غيرها.
(٣) لأن المقصود
بها الأجر وقد حصل فهي كالهبة المعوض عنها ، ولما ورد مثل صحيح محمد بن مسلم
المتقدم ، ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنما مثل الذي يرجع في صدقته كالذي يرجع في قيئه) ، وخبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يرتد في
الصدقة قال : كالذي يرتد في قيئه) ، وخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تصدق بصدقة على حميم أيصلح له أن يرجع فيها؟ قال :
لا ، ولكن إن احتاج فليأخذ من حميمه من غير ما تصدق به عليه) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا تصدق الرجل
بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها ولا يستوهبها ولا يستردها إلا في ميراث) .
وعن الشيخ في
المبسوط وابن البراج في مهذبه جواز الرجوع كما جاز له الرجوع في الهبة ، وردّ
بالفرق بأن المقصود بالصدقة الأجر وقد حصل فهي كالهبة المعوض عنها.
وعن الشيخ في
النهاية والمفيد في المقنعة عدم جواز عودها إليه بالبيع أو الهبة نعم لو ـ
__________________
الهبة مع التعويض.
وفي تفريعه بالفاء إشارة إلى أن القربة عوض ، بل العوض الأخروي أقوى من العوض
الدنيوي.
(ومفروضها محرم على بني هاشم (١) من غيرهم (٢) إلا مع قصور
خمسهم (٣) لأن الله تعالى
جعل لهم الخمس عوضا عنها ، وحرمها عليهم ، معللا بأنها أوساخ الناس (٤) ، والأقوى
اختصاص التحريم بالزكاة المفروضة ، دون المنذورة
______________________________________________________
ـ عادت بالإرث جاز
لصحيح منصور المتقدم ولكنه محمول على الكراهة لمعارضته لعموم جواز البيع الشامل
لموردنا وكذا عموم جواز الهبة.
ثم مقتضى الأخبار
عدم جواز الرجوع في الصدقة بعد القبض لرحم كانت أو لأجنبي.
(١) قد تقدم
الكلام فيه مفصلا في باب الزكاة ، وقد تقدم صحيح جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي
عبد الله عليهالسلام (قلت له : أتحل
الصدقة لبني هاشم؟ قال : إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا ، فأما
غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا من مكة ، لأن هذه
المياه عامتها صدقة) وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : هي
الزكاة) ، وظاهر هذه الأخبار عدم تحريم الكفارة والنذر والموصى به
من الصدقات ما عدا الزكاة.
(٢) أما منهم فلا
بلا خلاف فيه لموثق زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : صدقات
بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟ قال : نعم) ومثله غيره.
(٣) لموثق زرارة
عن أبي عبد الله عليهالسلام (لو كان العدل ما
احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ، ثم
قال : إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلا
أن لا يجد شيئا ويكون فيمن تحل له الميتة) وبقية البحث قد تقدم في كتاب الزكاة.
(٤) كما في صحيح
محمد بن مسلم وأبي بصير وزرارة كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإن الله قد حرّم عليّ ـ
__________________
والكفارة وغيرهما
، والتعليل بالأوساخ يرشد إليه ، (وتجوز الصدقة على
الذمي (١)
______________________________________________________
ـ منها ومن غيرها
ما قد حرمه ، وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب) ، وقد روى الجمهور عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (الصدقة محرمة على
بني هاشم ، وقال : هذه الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لمحمد وآل محمد) .
(١) على المشهور
لعموم استحباب الصدقة وخصوص خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (أن عليا عليهالسلام كان يقول : لا يذبح نسككم إلا أصل ملتكم ، ولا تصدقوا بشيء
من نسككم إلا على المسلمين ، وتصدقوا بما سواه غير الزكاة على أهل الذمة) .
ونقل الشهيد في
الدروس عن الحسن بن أبي عقيل المنع من الصدقة على غير المؤمن مطلقا ، ولعله
لمكاتبة علي بن بلال (كتب إليه يسأله عن الزكاة والصدقة ، هل يجوز أن أدفع زكاة
المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي ، فكتب : لا تعط الزكاة والصدقة إلا أصحابك) وخبر سدير الصيرفي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟ قال : نعم اعط من لا تعرفه
بولاية ولا عداوة للحق ، إن الله عزوجل يقول : قولوا للناس حسنا ، ولا تطعم من نصب لشيء من الحق
أو دعا إلى شيء من الباطل) والذمي يدعو إلى الباطل ، وهما محمولان على الكراهة جمعا
بينهما وبين خبر إسحاق المتقدم وخبر عمرو بن أبي نصر (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن أهل البوادي يقتحمون علينا وفيهم اليهود والنصارى
والمجوس فنتصدق عليهم؟ قال : نعم) ، وخبر عبد الله بن الفضل النوفلي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن السائل
يسأل ولا يدرى ما هو؟ قال : اعط من وقعت له الرحمة في قلبك ، فقال : اعط دون
الدرهم فقلت : أكثر ما يعطى؟ قال : أربعة دوانيق) وقال الشارح في المسالك : (ويظهر من بعض الأصحاب أن الخلاف
في الصدقة على الذمي كالخلاف في الوقف عليه ، وقد تقدم أن فيه أقوالا) انتهى :.
والأقوال هي : الجواز مطلقا ، وعدمه مطلقا ، والجواز إذا كان رحميا ، والجواز إذا
كان أحد الوالدين ، وقد عرفت جواز الوقف عليه فكذا الصدقة.
__________________
رحما كان أم غيره
، وعلى المخالف للحق (١) ، (لا الحربي (٢) والناصب ، وقيل : بالمنع من غير المؤمن وإن كانت ندبا. وهو
بعيد ، (وصدقة السر أفضل (٣) إذا كانت مندوبة (٤) ، للنص عليه في الكتاب والسنة ، (إلا أن يتّهم بالترك) فالإظهار أفضل ، دفعا لجعل عرضه عرضة للتهم ، فإن ذلك أمر مطلوب شرعا ، حتى
للمعصوم ، كما ورد في الأخبار (٥) ، وكذا الأفضل إظهارها لو قصد به متابعة
______________________________________________________
(١) لخبر سدير
المتقدم.
(٢) لجواز قتلهما
بأي وسيلة فلا يجوز إعانتها بالصدقة ، ولخصوص خبر عمر بن يزيد (سألته عن الصدقة
على النصاب وعلى الزيدية؟ فقال : لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن
استطعت ، وقال : الزيدية هم النصاب) .
(٣) لقوله تعالى :
(وَإِنْ
تُخْفُوهٰا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ، وفي الخبر عن أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : صدقة السر تطفي غضب الرب تبارك وتعالى) وفي خبر عمار الساباطي (قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في
العلانية) ، ومرسل الطبرسي (صدقة السر تطفي غضب الرب وتطفي الخطيئة
كما يطفي الماء النار ، وتدفع سبعين بابا من البلاء) .
(٤) وأما إذا كانت
واجبة فالأفضل إظهارها لما رواه في الغوالي عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (إن صدقة السر في
التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة
وعشرين ضعفا) ، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (كلما فرض الله
عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه) .
(٥) قال في
المسالك : (لأنه لا ينبغي أن يجعل عرضه عرضة للتهم ، فقد تخرج من ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع بعده عنه فغيره أولى) وقال في الجواهر : (إلا أن يتهم
في ترك المواساة فيظهرها دفعا للتهمة التي تجنب عنها سيد الرسل صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع بعده عنها) ، ولم أعثر في طرقنا على نص يدل على ذلك
ولعله مما روته العامة والله العالم.
__________________
الناس له فيها ،
لما فيه (١) من التحريض على نفع الفقراء (٢).
(الثاني ـ الهبة (٣) : وتسمى نحلة وعطية ، وتفتقر إلى
الإيجاب) وهو كل لفظ دل
على تمليك العين من غير عوض ، كوهبتك وملّكتك وأعطيتك ونحلتك وأهديت إليك وهذا لك
مع نيتها (٤) ، ونحو ذلك ، (والقبول) وهو اللفظ الدال على الرضا ، (والقبض (٥) بإذن
الواهب) إن لم يكن مقبوضا
بيده من قبل ، (ولو)
______________________________________________________
(١) أي في
الإظهار.
(٢) وحسن التحريض
على ذلك واضح فلذا كان مستحبا.
(٣) وهي تمليك
العين مجانا في قبال البيع الذي هو تمليك العين بعوض ، وهذا التقابل كالتقابل بين
العارية التي هي التسليط على استيفاء المنفعة مجانا في قبال الإجارة التي هي
التسليط على استيفاء المنفعة بعوض.
ويطلق على الهبة
النحلة والعطية ، فالنحلة بالكسر اسم للعطية والمصدر النحل بالضم ، والعطية تطلق
على مطلق الإعطاء المتبرع به فيشمل الوقف والصدقة والهبة ، واعلم أن الهدية أخص من
الهبة لأن الهبة هي إعطاء شيء مجانا مع تعظيم الموهوب ولا تطلق النحلة إلا على
تمليك العقار للأولاد أو مطلق الرحم لإدرار معاشهم شفقة عليهم ، وتطلق الجائزة على
إعطاء السلطان أو الوالي أو نحوهما بلحاظ خصوصية في المعطى إليه من عمل أو صنعة.
ثم إن الهبة عقد
محتاج إلى الايجاب والقبول ، ويتحققان بكل لفظ يدل على على ذلك بل يتحققان بالفعل
والمعاطاة على الأقوى على ما سيأتي تفصيله في كتاب البيع فيكفي تسليم العين
وتسلمها بعنوان التمليك والتملك.
(٤) أي نية الهبة
عند الإتيان بالجملة الاسمية كهذا لك ونحوه.
(٥) لا خلاف في أن
القبض شرط في الهبة في الجملة ولكن اختلفوا في أنه شرط الصحة أو أنه شرط اللزوم ،
ذهب إلى الأول معظم المتأخرين لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (الهبة لا تكون
أبدا هبة حتى يقبضها ، والصدقة جائزة عليه) وموثق داود بن الحصين عنه عليهالسلام (النحلة والهبة ما
لم تقبض حتى يموت صاحبها قال عليهالسلام : هي ميراث ، فإن كان لصبي في حجره فأشهد عليه فهو جائز) ، ومرسل أبان عنه عليهالسلام (النحل والهبة ما
لم يقبضا حتى يموت صاحبها هي بمنزلة الميراث ، وإن كان لصبي في حجره فهو جائز) والجائز بمعنى اللزوم في هذه الأخبار بمقتضى السياق. ـ
__________________
(وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد ، ولا إذن فيه (١) ولا
مضيّ زمان) يمكن فيه قبضه ،
لحصول القبض المشروط ، فأغنى عن قبض آخر ، وعن مضيّ زمان يسعه ، إذ لا مدخل للزمان
في ذلك ، مع كونه مقبوضا ، وإنما كان (٢) معتبرا مع عدم القبض ، لضرورة امتناع
حصوله بدونه (٣). وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كونه بيده بإيداع ، أو عارية
، أو غصب ، أو غير ذلك ، والوجه واحد. وقيل :
______________________________________________________
ـ ونسب الثاني إلى
جماعة منهم أبو الصلاح والعلامة في المختلف بل وإلى الشيخين وابني حمزة والبراج
لصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (الهبة جائزة قبضت
أو لم تقبض ، قسّمت أو لم تقسم ، والنحل لا تجوز حتى تقبض ، وإنما أراد الناس ذلك
فأخطئوا) وخبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا تصدق الرجل
بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها ، علمت أو لم تعلم فهي جائزة) .
وفيه : إنهما لا
يقاومان الأخبار المتقدمة المنجبرة بعمل المشهور ، هذا فضلا عن أن ظاهرهما عدم
شرطية القبض أبدا لا كونه شرطا في اللزوم كما هو المدعى ، مع أن التفريق بين الهبة
والنحلة كما في صحيح أبي بصير على خلاف المذهب من اتحاد الحكم فيها ، وأيضا لا
معنى لجعل القبض شرطا في اللزوم مع أن الهبة جائزة غير لازمة حتى بعد القبض إلا في
موارد كالهبة على ذي الرحم ونحو ذلك.
ثم إذا كان القبض
شرطا في الصحة فالعقد لا يوجبه فيتوقف القبض على إذن المالك لأنه تصرف في ماله هذا
كله إذا لم يكن مقبوضا من قبله قبل الهبة ، وإلا فلا داعي للإقباض بعد ذلك لأنه
مقبوض على كل حال كما عليه المشهور ، وعن الشيخ ويحيى بن سعيد لو كان الموهوب في
يد الموهوب له فيشترط إذن الواهب بالقبض ولو من اقراره له ويشترط مضي زمان يمكن
فيه القبض ، وفيه : إنه مقبوض فلا داعي لتجديد القبض.
وعن العلامة في
المختلف والتذكرة أنه لا فرق بين كونه في يد الموهوب له بإيداع أو عارية أو غصب ، وعن
جماعة التفريق بين القبض بإذنه سابقا فلا يشترط تجديد القبض وبين الغصب فيشترط
تجديد القبض حيث لا يد للغاصب عليه شرعا فيده يد عدوان وقبضه حالة الغصب كلا قبض.
(١) في القبض.
(٢) أي الزمان.
(٣) أي امتناع
حصول القبض بدون الزمان.
__________________
بالفرق بين القبض
بإذنه وغيره وهو حسن ، إذ لا يد للغاصب شرعا ، (وكذا إذا وهب
الولي الصبي) ، أو الصبية (ما في يد الولي كفى الإيجاب والقبول) من غير تجديد القبض ، لحصوله (١) بيده (٢) ، وهي بمنزلة
يده (٣) ، ولا مضيّ زمان. وقيل : يعتبر قصد القبض عن الطفل لأن المال المقبوض بيد
الولي له فلا ينصرف إلى الطفل إلا بصارف وهو القصد وكلام الأصحاب مطلق.
(ولا يشترط في الإبراء) وهو إسقاط ما في ذمة الغير من الحق (القبول) (٤) ،
______________________________________________________
(١) أي الموهوب.
(٢) بيد الولي.
(٣) أي بمنزلة يد
الصبي وكذا الصبية بلا خلاف فيه لموثق داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليهالسلام (النحلة والهبة ما
لم تقبض حتى يموت صاحبها قال عليهالسلام : هي ميراث ، فإن كان لصبي في حجره فأشهد عليه فهو جائز) ومثله مرسل أبان المتقدم .
قال الشارح في
المسالك : (بقي في المسألة بحث آخر وهو : أنه هل يعتبر قصد القبض عن الطفل بعد
الهبة ليتمحض القبول لها ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ ينبغي ذلك عند من يعتبر إيقاع
القبض للهبة كالعلامة ره ، لأن المال المقبوض في يد الولي فلا ينصرف إلى الطفل إلا
بصارف وهو القصد ، وعلى ما اخترناه من الاكتفاء بعدم قصد القبض لغيره يكفي هنا ،
وينصرف الإطلاق إلى قبض الهبة ويلزم بذلك) انتهى ويدفع هذا الكلام من اعتبار قصد
القبض عن الطفل إطلاق الخبرين المتقدمين.
(٤) لو وهب الدين
لمن هو عليه فلا يحتاج إلى قبض لأن ما في الذمة مقبوض عليه ، ولكن هل تحتاج الهبة
حينئذ إلى القبول فالظاهر الاحتياج لأنها عقد ، وهذه الهبة تفيد مفاد الابراء الذي
هو اسقاط ما له في ذمة الغير ، وهل يحتاج الابراء إلى قبول فعن المشهور العدم ،
لأنه إسقاط لا نقل شيء إلى الملك ، فهو بمنزلة تحرير العبد ، ولقوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ
يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) حيث اكتفى في سقوط الحق بمجرد العفو ، والقبول لا دخل له
في مسماه. وعن الشيخ في المبسوط وابن زهرة في الغنية والحلي في سرائره اشتراط
القبول في الابراء ، لاشتماله على المنة فلو لم يعتبر القبول لأجير على المنّة ،
وأجيب بالفرق بين التمليك والاسقاط.
هذا واعلم أن
الكثير منهم كالماتن والشارح هنا حرروا المسألة بلفظ الابراء ، وهو خارج ـ
__________________
لأنه إسقاط حق ،
لا نقل ملك ، وقيل : يشترط لاشتماله على المنة ، ولا يجبر على قبولها كهبة العين
والفرق واضح (١) ، (و) كذا (لا) يشترط (في الهبة القربة) للأصل (٢) ، لكن لا يثاب عليها بدونها (٣) ، ومعها (٤)
تصير عوضا كالصدقة.
(ويكره تفضيل بعض الولد على بعض (٥) وإن اختلفوا في الذكورة
______________________________________________________
ـ من أبحاث الهبة
، فالأولى البحث أولا في الهبة ثم في الابراء ، نعم هبة ما في الذمة تفيد فائدة
الابراء كما عرفت لا أنها نفسه كما قد يتوهم.
(١) أي الفرق بين
هبة العين المفيدة للتمليك وبين الابراء الذي هو الاسقاط.
(٢) وللأخبار منها
: خبر زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث (وما لم يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه نحلة كانت
أو هبة ، حيزت أو لم تحز) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (ولا يرجع في
الصدقة إذا ابتغى وجه الله ، وقال : الهبة والنحلة يرجع فيها إن شاء ، حيزت أو لم
تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيه) وظاهره عدم اشتراط القربة في الهبة كما هو واضح.
(٣) إذ الثواب
متوقف على التقرب.
(٤) ومع القربة
فهي صدقة كما من العلامة في التذكرة ، وعلى فرض عدم الصدق فهي هبة معوضة لأن
الثواب خير عوض.
(٥) يجوز تفضيل
بعض الولد على بعض في العطية بلا خلاف فيه إلا من ابن الجنيد حيث حكي عنه الحرمة
وكذا عدّى الحكم إلى باقي الأقارب مع التساوي في القرب ، وهو ضعيف لأن الناس
مسلطون على أموالهم كما في النبوي ، ولما سيأتي من الأخبار.
والمشهور على أنه
جائز على كراهة بلا فرق بين حالتي الصحة والمرض وبين حالتي العسر واليسر ، وعن
العلامة في المختلف أن الكراهة عند المرض أو الاعسار لخبر سماعة (سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن عطية الوالد لولده فقال : أما إذا كان صحيحا فهو ماله
يضع به ما شاء ، وأما في مرضه فلا يصلح) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يخص بعض
ولده بالعطية فقال : إن كان موسرا فنعم ، وإن كان معسرا فلا) وخبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن عطية الوالد
لولده يبينه قال : إذا أعطاه في صحته جاز) وفيه : إن الأخير ليس ظاهرا في مدعاه بل هو ظاهر في ـ
__________________
والأنوثة ، لما
فيه من كسر قلب المفضّل عليه ، وتعريضهم للعداوة ، وروي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لمن أعطى بعض أولاده شيئا : «أكلّ ولدك أعطيت مثله»
قال لا قال : «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» فرجع في تلك العطية ، وفي رواية
أخرى : «لا تشهدني على جور» ، وحيث يفعل يستحب الفسخ مع إمكانه للخبر (١) ، وذهب
بعض الأصحاب إلى التحريم ، وفي المختلف خصّ الكراهة بالمرض والإعسار ، لدلالة بعض
الأخبار عليه والأقوى الكراهة مطلقا ، واستثنى من ذلك ما لو اشتمل المفضّل على
معنى يقتضيه ، كحاجة زائدة ، وزمانة ، واشتغال بعلم ، أو نقص المفضّل عليه بسفه ،
أو فسق ، أو بدعة ، ونحو ذلك.
______________________________________________________
ـ جواز الإعطاء في
حال الصحة لأنه نافذ من الأصل بخلاف ما لو أعطاه في حال مرض الموت وكذا خبر سماعة
، فلم يبق إلا خبر أبي بصير معتضدا بالنبوي العامي أنه قال لبشير بن النعمان لما
نحل ابنه النعمان غلاما : (أكل ولدك نحلتهم مثل هذا؟ فقال : لا ، فقال : اردده) وفي آخر (فارجعه) وفي ثالث (فاتقوا الله واعدلوا بين
أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة) وفي رابع (لا تشهدني على جور) مضافا إلى ما فيه
من إشارة الشحناء والبغضاء والحسد ، فالأقوى الكراهة مطلقا حينئذ ، نعم استقرب
العلامة عدم الكراهة إذا كان التفصيل لمعنى يقتضيه كشدة حاجة وزمانة أو اشتغال
بعلم ، أو التنويه بمزيته وفضله وعليه يحمل فعل للائمة عليهمالسلام للتفضيل ، وهذا هو الذي ذكرناه من الكراهة مطلقا إلا ما
استثني مما يقتضيه الجمع بين ما تقدم وبين خبر محمد بن قيس (سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض ، فقال : نعم ونساءه) وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الرجل
يكون له الولد من غير أم يفضّل بعضهم على بعض؟ قال : لا بأس) وخبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يخصّ
بعض ولده ببعض ماله فقال : لا بأس بذلك) وخبر ابن جعفر عن أخيه عليهماالسلام (سألته عن الرجل
يحلّ له أن يفضّل بعض ولده على بعض؟ قال : قد فضّلت فلانا على أهلي وولدي فلا بأس)
وخبر معاوية وأبي كهمس عن أبي عبد الله عليهالسلام يقول (صنع ذلك ـ أي التفضيل ـ عليّ عليهالسلام بابنه الحسن ، وفعل ذلك الحسين بابنه عليّ ، وفعله أبي بي
، وفعلته أنا) .
(١) أي لنفس هذا
الخبر المتقدم في كلام الشارح وقد تقدم ذكره منا.
__________________
(ويصح الرجوع في الهبة بعد الإقباض ما لم يتصرف الموهوب (١) تصرفا
______________________________________________________
(١) اعلم أن الهبة
إذا تمت بالعقد والقبض فهي من العقود الجائزة ، لأن الأصل في العقود اللزوم لقوله
تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) ، ولكن قد دلت الأخبار الكثيرة على جوازها.
منها : صحيح جميل
والحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا كانت الهبة
قائمة بعينها فله أن يرجع فيها وإلا فليس) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (الهبة والنحلة
يرجع فيهما إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله وعبد الله بن سليمان عن
أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يهب
الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ قال عليهالسلام : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب من هبته ، ويرجع
في غير ذلك إن شاء) .
والرجوع مكروه
جمعا بين ما تقدم وبين خبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من رجع في هبته فهو كالراجع في قيئه) وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليهالسلام (أنت بالخيار في
الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها) ومثلها غيرها.
وهذا وتلزم الهبة
بعد القبض ولا يجوز فيها الرجوع في موارد :
الأول : فيما إذا
كانت الهبة لأحد الأبوين أو الأولاد بلا خلاف فيه إلا من المرتضى في الانتصار حيث
جعلها جائزة ، وهو شاذ والغريب أنه ادعى الاجماع مع أن الأمر بالعكس كما عرفت
لصحيح ويدل على الحكم أخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم وصحيح عبد الرحمن وعبد الله بن سليمان المتقدمان ، وموثق داود بن الحصين
عن أبي عبد الله عليهالسلام (الهبة والنحلة ما
لم تقبض حتى يموت صاحبها قال : هو ميراث ، فإن كانت لصبي في حجره فأشهد عليه فإنه
جائز) والجائز بمعنى اللازم كما عرفت.
الثاني : فيما لو
كانت الهبة لذوي الرحم كما عليه المشهور للصحيحين المتقدمين.
وعن الشيخ في
الخلاف وابن الجنيد والحلي في موضع من سرائره من جواز الرجوع لموثق داود بن الحصين
عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته هل لأحد أن
يرجع في صدقة أو هبة؟ ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ قال : أما ما
تصدق به لله فلا ، وأما الهبة والنحلة فله أن يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن
كانت لذي قرابة) ومثله مرسل أبان وصحيح المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وهي لا تصلح لمعارضة ما تقدم لأنها أكثر عددا ، نعم عن
الكفاية الجمع بينهما بالحكم بالكراهة. وما عليه المشهور هو الأولى ثم المراد
بالرحم هو مطلق القريب وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه للصدق العرقي ، فما عن بعضهم من
اختصاصه بمن يحرم نكاحه شاذ محجوج بما عرفت.
نعم وقع الخلاف
بينهم في جواز الرجوع في هبة كل من الزوجين للآخر فذهب الفاضل وولده والمقداد
وثاني المحققين والشهيدين وجماعة إلى عدم جواز الرجوع لصحيح زرارة عن أبي عبد الله
عليهالسلام (ولا يرجع الرجل
فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيز أو لم يحز ، لأنه الله تعالى
يقول : ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، وقال : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه
هنيئا مريئا ، وهذا يدخل فيه الصداق والهبة) ، وصحيح ابن بزيع عن الرضا عليهالسلام (عن الرجل يأخذ من
أم ولده شيئا هبة له بغير طيب نفسها من خدم أو متاع ، أيجوز ذلك له؟ فقال : نعم
إذا كانت أم ولده) ومفهومه إن لم تكن كذلك فلا يجوز مع العلم أن الحكم فيها
من ناحية كونها زوجة ، وقد جاز الأخذ عند كونها أم ولد لأنها أمة مملوكة لسيدها ،
فهي وما تملك له.
وعن الأكثر
الكراهة جمعا بين ما تقدم وبين صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (سئل عن رجل كانت
له جارية فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة فقال : إن كان قال ذلك لله
فليمضها ، وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها) والأقوى الأول لصراحته بعد حمل صحيح ابن مسلم على ما قبل
القبض.
فيما لو كان
الموهوب أجنبيا وقد تلفت العين فلا يجوز الرجوع على المشهور لصحيح الحلبي عن أبي
عبد الله عليهالسلام (إذا كانت الهبة
قائمة بعينها فله أن يرجع وإلا فليس له) .
وعن المرتضى جواز
الرجوع مطلقا وهو ضعيف لعدم الدليل له ، ومما تقدم لا فرق بين ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ كون التلف من
قبل الله تعالى وغيره بل ومن نفس الموهوب له.
الرابع : فيما لو
كان الموهوب أجنبيا وقد عوّض عنها ولو كان العوض يسيرا بلا خلاف فيه حتى من السيد
المرتضى للأخبار.
منها : صحيح عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا عوّض صاحب
الهبة فليس له أن يرجع) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله وعبد الله بن سليمان عن
أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يهب
الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب عن
هبته ، ويرجع في غير ذلك إن شاء) .
الخامس : فيما لو
كان الموهوب له أجنبيا وقد تصرف بالهبة تصرفا أوجب نقلها عن ملكه ، أو أوجب تغيير
صورتها ، أما التصرف بمعنى استيفاء منافعها فقط فهو لا كلام فيه في أنه لا يوجب
لزوم عقد الهبة.
وعلى كل فقد
اختلفوا على أقوال :
الأول : أن التصرف
المذكور موجب للزوم عقد الهبة فلا يجوز الرجوع وهو المنسوب إلى المشهور واستدل له
بخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليهالسلام (أنت بالخيار في
الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها ، وقال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من رجع في هبته فهو كالراجع في قيئه) ، وقد أطال الشارح في المسالك في إقامة الأدلة على هذا
القول إلى أن انهاها إلى تسعة أدلة ولا محصل في أكثرها وعمدتها هذا الخبر ، على أن
الخبر مشتمل على ابن عبد الحميد وهو واقفي وعلى ابن حماد وهو غال ، وعلى إبراهيم
بقول مطلق وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، هذا فضلا عن أنه قد تقدم أنه محمول على
الكراهة جمعا بينه وبين ما دل على جواز الرجوع في الهبة بعد القبض.
أن التصرف المذكور
لا يوجب اللزوم وهو مختار المحقق في الشرائع ومختصر النافع وسلّار وأبو الصلاح وقد
نسب إلى ابن الجنيد وقد استدل لهذا القول بعمومات الأخبار المتقدمة أو إطلاقها
الدالة على جواز الرجوع بعد القبض ما لم تكن الهبة لذي القربى ، وفيه : إنها ليست
في مقام البيان من هذه الجهة ، واستدل بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ
__________________
متلفا للعين ، أو
ناقلا للملك ، أو مانعا من الرد كالاستيلاد ، أو مغيرا للعين كقصارة (١) الثوب ،
ونجارة الخشب ، وطحن الحنطة على الأقوى (٢) في الأخير. وقيل : مطلق التصرف وهو ظاهر العبارة (٣) ، وفي تنزيل موت
المتهب منزلة التصرف قولان ، من عدم وقوعه منه (٤) فتتناوله الأدلة المجوزة
للرجوع. ومن
______________________________________________________
ـ (إذا كانت الهبة
قائمة بعينها فله أن يرجع وإلا فليس له) وبقاء العين شامل لحالتي التصرف وعدمه ، فيجوز الرجوع ما
قبل التلف فقط.
التفصيل بين
التصرف الموجب للنقل والخروج عن الملك أو المغيّر للصورة كنجارة الخشب وقصارة
الثوب فإنه يوجب اللزوم وإلا كالركوب والسكنى واللبن وغيرها مما هو استيفاء
المنفعة فقط فلا وإليه ذهب ابن حمزة والشهيد في الدروس وجماعة من المتأخرين لنفس
صحيح الحلبي المتقدم ، لأنه مع تغيير الصورة النوعية للهبة لا يصدق قيام الهبة
بعينها ، لأن المتبادر من الرواية الهداية بقاؤها بأوصافها التي كانت عليها ، وكذا
مع نقلها لا يصدق بقاؤها عرفا لأن ذلك منزل منزلة التلف فضلا عن أن الخبر منصرف
إلى بقاء بعينها عند الموهوب له ، ومع النقل فلا يتحقق ذلك. وهذا هو الأقوى.
ثم لما كان هذا
القول الثالث راجعا إلى القول الثاني وليس هو شيء مستقل حرّر جماعة المسألة على
قولين ، فما فعله الشارح في المسالك وجماعة من تحرير المسألة على أقوال ثلاثة ليس
في محله ، ثم مما تقدم تعرف أن العمدة في مستند الحكم في المسألة هو صحيح الحلبي
فقط وهذا ما اعترف به صاحب الجواهر وصاحب العروة وغيرهما فتكثير الأدلة
والاستحسانات كما فعل الشارح في المسالك أيضا ليس في محله.
(١) قصّرت الثوب
أي بيضته والفاعل قصّار.
(٢) لأن الطحن
مغير لصورة الحنطة وإن بقيت حقيقتها ، ولم أجد من خالف في ذلك ، نعم بعض المحشين
جعل الاقوائية في قبال الاحتمال أن يقال الطحن لم يغيّر الحقيقة فالعين باقية وإن
تغير الاسم وهو مردود لتغير الصورة عرفا.
(٣) وقد عرفت أن
مرادهم هو التفصيل.
(٤) أي عدم وقوع
انتقال الملك منه ، وهو دليل على كون الموت ليس بمنزلة التصرف الموجب للزوم ، وفيه
: إن ظاهر صحيح الحلبي هو جواز الرجوع ما دامت الهبة قائمة بعينها عند الموهوب له
، ومع موته فتنتقل إلى الوارث فلا يصدق قيامها بعينها عند الموهوب له فالأقوى أنه
بمنزلة التصرف الموجب للزوم الهبة.
__________________
انتقال (١) الملك
عنه بالموت بفعله تعالى وهو أقوى من نقله بفعله ، وهو أقوى. وخيرة المصنف في
الدروس والشرح (٢) ، (أو يعوّض) عنها بما يتفقان عليه ، أو بمثلها ، أو قيمتها مع الإطلاق (٣)
، (أو يكن رحما) قريبا وإن لم يحرم نكاحه ، أو يكن زوجا أو زوجة على الأقوى
، لصحيحة زرارة.
(ولو عابت لم يرجع بالأرش على الموهوب (٤) وإن كان بفعله (٥) لأنها غير مضمونة عليه وقد سلطه على
إتلافها مجانا فأبعاضها أولى ، (ولو زادت زيادة متصلة) كالسمن ، وإن كان بعلف المتهب (فللواهب) إن جوزنا الرجوع
حينئذ ، (والمنفصلة) كالولد واللبن (للموهوب له) ، لأنه نماء حدث في ملكه فيختص به ، سواء كان الرجوع قبل
انفصالها (٦) بالولادة والحلب (٧) ، أم بعده ، لأنه منفصل حكما. هذا
______________________________________________________
(١) دليل على كون
الموت بمنزلة التصرف الموجب للزوم.
(٢) أي شرح
الارشاد المسمى بغاية المراد.
(٣) كل ذلك
للأخبار التي تقدمت في المورد الرابع.
(٤) إذا رجع
الواهب في الهبة حيث يجوز له الرجوع ، فإما أن تكون العين بحالها لم تنقص ولم تزد
ولم تتغير وإما أن تكون ناقصة بما يوجب الأرش أو لا وإما أن تكون زائدة زيادة في
القيمة أو النماء المتصل أو المنفصل ، وأما أن تكون متغيرة بما يطرأ عليها من
الأعمال كالنجارة والقصارة والطحن أو الامتزاج.
وعلى كل فإذا جاز
للواهب الرجوع في هبته وقد عابت بزيادة أو نقصان لم يرجع بالأرش بلا خلاف فيه ،
لأنه حدث في عين مملوكة للموهوب له وقد سلّطه مالكها على إتلافها مجانا فلم تكن
مضمونة عليه سواء كان التعيب بفعله أو لا.
ولو زادت زيادة
متصلة كالسمن على وجه تكون الزيادة جزءا من العين فهي للواهب بلا خلاف فيه ، لأن
هذه الزيادة بحسب الفرض جزء من العين التي يجوز للواهب الرجوع فيها.
ولو زادت زيادة
منفصلة كالثمرة والولد ، فإن كانت متجددة كانت للموهوب له لأنها نماء ملكه وإن
كانت حاصلة وقت العقد فهي للواهب لأنها حينئذ من الهبة التي يجوز الرجوع بها بلا
خلاف في ذلك كله ، وعن ابن حمزة أن الحمل المتجدد في ملك الموهوب له هو جزء من
العين التي هي الأم فلو رجع الواهب في الأم كان له الحمل وهو ضعيف جدا.
(٥) أي وإن كان
التعيب بفعل الموهوب له.
(٦) أي انفصال
الزيادة.
(٧) كالحمل واللبن
، وكذا الثمرة قبل قطافها فهي منفصلة شرعا وإن اتصلت حسا.
إذا تجددت الزيادة
بعد ملك المتهب بالقبض ، فلو كان قبله فهي للواهب.
(ولو وهب أو وقف أو تصدق في مرض موته فهي من الثلث) على أجود القولين (١) (إلا أن يجيز
الوارث (٢) ومثله ما لو فعل
ذلك في حال الصحة ، وتأخر القبض (٣) إلى المرض ، ولو شرط في الهبة عوضا يساوي
الموهوب نفذت من الأصل (٤) ، لأنها معاوضة بالمثل ، كالبيع بثمن المثل.
(الثالث ـ السكنى (٥) وتوابعها. وكان الأولى عقد الباب للعمرى (٦) لأنها أعم
موضوعا (٧) كما فعل في الدروس ،
(ولا بد فيها من إيجاب وقبول (٨) كغيرها
______________________________________________________
(١) كما سيأتي
تفصيله في كتاب الحجر.
(٢) فلو أجاز نفذت
من الأصل.
(٣) الذي هو شرط
الصحة في الهبة والوقف والتصدق.
(٤) سيأتي دليله
في كتاب الحجر.
(٥) كما لو قال :
اسكنتك هذه الدار مدة معينة أو مدة عمري أو مدة عمرك ، وفائدتها التسليط على
استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على ملك صاحبه.
(٦) كما لو قال (اسكنتك
هذه الدار مدة عمري أو عمرك) وسميت العمرى لاقتران السكنى بالعمر ، والسكنى أعم
لأن السكنى هو التسليط على سكنى الدار سواء أطلق فقال : (اسكنتك داري) أو (لك
سكناها) أو قدره بعمر أحدهما كما إذا قال (لك سكنى داري مدة حياتك أو مدة حياتي)
أو قدره بزمن معين كسنة وسنتين مثلا ، فالجميع سكنى وإن اختص الأخير وهو المقيد
بزمن معين بلفظ الرقبى ، وهو مأخوذ من الارتقاب ، وهو انتظار الأمد الذي علقت عليه
السكنى أو مأخوذ من رقبة الملك بمعنى إعطاء الرقبة للانتفاع بها المدة المذكور.
ويختص ما قبله وهو
المقيد بمدة العمر بالعمرى وهو مأخوذ من العمر ، فلذا كانت السكنى أعم هذا مع
اتحاد مورد الثلاثة في السكنى.
غير أن السكن تختص
في السكن وأما العمرى فهي أعم من ناحية المورد إذ كما تتعلق بالسكن كذلك تتعلق
بمنافع كل ما يصح وقفه من العقار والحيوان والأثاث وغيرها فيصح أن يقول : (لك
منافعها مدة عمري أو عمرك) ، وكذا الرقبى فهما أعم من السكنى بحسب المورد.
(٧) لأنها تشمل
السكن وغيره من منافع ما يصح وقفه بخلاف السكنى فإنها تختص بالسكن فقط.
(٨) بل كل هذه
الثلاثة تحتاج إلى ايجاب وقبول لأنها عقد ، والايجاب كل ما أفاد التسليط ـ
من العقود ، (وقبض) (١) على تقدير لزومها. أما لو كانت جائزة كالمطلقة (٢) كان
الإقباض شرطا في جواز التسلط على الانتفاع. ولمّا كانت الفائدة بدونه (٣) منتفية
أطلق (٤) اشتراطه فيها (٥) ، ويفهم من إطلاقه عدم اشتراط التقرب ، وبه صرح في
______________________________________________________
ـ المذكور بحسب
المتفاهم العرفي ولا تشترط ألفاظ مخصوصة ، والقبول هو كل ما دل على الرضا والقبول
من الساكن ، بل لا يبعد تحققهما بالفعل المفيد للتسليط والتسلط.
(١) بلا خلاف فيه
كالوقف أو الهبة ، وهو شرط صحة كما هو كذلك في الوقف والهبة ، ولا يشترط فيها قصد
التقرب للأصل وعن ابن حمزة اشتراط نية التقرب فيها ولا دليل عليه ، نعم الثواب
مترتب عليها وهذا أمر آخر.
(٢) وهي ما لو قال
: (اسكنتك داري) واطلق فيجوز فيها الرجوع متى شاء لم يكن القبض شرطا في الصحة ،
بخلاف ما لو قيدها بمدة معينة فإنها تكون لازمة ولا يصح الرجوع فيكون القبض شرطا
في الصحة حينئذ وفيه : إن جواز الرجوع في المطلقة من ناحية عدم تقييدها بزمن ،
وهذا لا ينافي كون العقد مع القبض هو السبب المؤثر.
(٣) بدون القبض.
(٤) ولم يذكر
اللزوم على تقديره.
(٥) أي اشتراط
القبض في السكنى ، وقد عرفت أن إطلاقه في محله. هذا واعلم أن القبض في السكنى
والعمرى والرقبى موجب للزومها كما عليه المشهور للأخبار.
منها : مضمرة
حمران (سألته عن السكنى والعمرى فقال : الناس فيه عند شروطهم إن كان شرط حياته سكن
حياته ، وإن كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ، ثم يرد إلى صاحب الدار) وصحيح الحسين بن نعيم عن أبي الحسن الكاظم عليهالسلام (سألته عن رجل جعل
سكنى داره لرجل أيام حياته ، أو له ولعقبه من بعده ، قال : هي له ولعقبه كما شرط) ، نعم إذا كانت السكنى مطلقة فيجوز له الرجوع متى شاء
لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : رجل
أسكن رجلا داره ولم يوقت قال : جائز ويخرجه إذا شاء) وعليه يحمل خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (إن السكنى بمنزلة
العارية إن أحب صاحبها أن يأخذها أخذها ، وإن أحب أن يدعها فعل أي ذلك شاء) ، وعن أبي الصلاح والمقنعة والغنية وجامع الشرائع أن هذه
الثلاثة من السكنى وأختيها تلزم إن قصد بها القربة وإلا فلا ، وقيل لا تلزم مطلقا
وهو غير ـ
__________________
الدروس وقيل :
يشترط ، والأول أقوى ، نعم حصول الثواب متوقف على نيته.
(فإن أقّتت بأمد) مضبوط ، (أو عمر أحدهما) المسكن أو الساكن (لزمت) تلك المدة وما دام العمر باقيا ، (وإلا) توقّت بأمد ، ولا
عمر أحدهما (جاز الرجوع فيها) متى شاء ، (وإن مات أحدهما) مع الإطلاق (بطلت) وإن لم يرجع (١). كما هو شأن العقود الجائزة ، بخلاف
الأولين ، (ويعبر عنها) أي عن السكنى (بالعمرى) إن قرنت بعمر أحدهما ، (والرقبى) إن قرنت بالمدة ، ويفترقان عنها بوقوعهما على ما لا يصلح
للسكنى ، فيكونان أعم منها من هذا الوجه ، وإن كانت أعم منهما من حيث جواز إطلاقها
في المسكون ، مع اقترانها بالعمر والمدة والإطلاق بخلافهما.
(وكل ما صح وقفه) من أعيان الأموال (صح إعماره) (٢) وإرقابه وإن لم يكن مسكنا ، وبهذا ظهر عموم موضوعهما ، (وإطلاق السكنى) الشامل للثلاثة (٣) حيث يتعلق بالمسكن (يقتضي سكناه بنفسه
ومن جرت عادته) أي عادة الساكن
______________________________________________________
ـ معروف القائل ،
ولا دليل لهم سوى أصالة عدم اللزوم مع ما تقدم أن قصد القربة يجعلها كالهبة
المعوضة ، وهذه الأخبار المتقدمة حجة عليها.
(١) لانتقالها إلى
الوارث فتحتاج إلى عقد صريح من المالك الجديد.
(٢) بلا خلاف فيه
لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها قال : هي لها على
النحو الذي قال) وخبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الرجل
يكون له الخادم تخدمه فيقول : هي لفلان تخدمه ما عاش ، فإذا مات فهي حرة ، فتأبق
الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستة ثم يجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها قدر
ما أبقت؟ قال : إذا مات الرجل فقد عتقت) وهما ظاهران في جواز العمرى لكل ما يصح وقفه ، وكذا الحكم
في الرقبى بناء على اتحاد الحكم فيهما خصوصا لخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليهالسلام (العمرى والرقبى
سواء) .
(٣) فيما لو أطلق
أو قيدها بالعمر أو مدة معينة.
__________________
(به) أي بإسكانه معه كالزوجة والولد ، والخادم ، والضيف والدابة
إن كان في المسكن موضع معد لمثلها ، وكذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة
والغلة بحسب حالها (١) ، (وليس له أن يؤجرها) ، ولا يعيرها ، (ولا أن يسكن غيره) وغير من جرت عادته به (إلا بإذن المسكن) ، وقيل : يجوزان مطلقا (٢). والأول أشهر ، وحيث تجوز الإجارة فالأجرة للساكن.
(الرابع ـ التحبيس (٣):) (وحكمه حكم السكنى في اعتبار العقد
والقبض ،)
______________________________________________________
(١) على المشهور
وخالف ابن إدريس فجوز له إسكان من شاء والإجارة لأن منفعة هذه الدار له فيجوز له
التصرف فيها كيفما شاء ، وفيه : إنه ليس مالكا للمنفعة مطلقا بل هو مسلّط على
استيفاء المنفعة على الوجه المخصوص من ناحية سكناه فيها فقط ، ومن هنا تعلم أنه لا
يجوز له إسكان من شاء أو إجارته إلا برضى المالك.
(٢) أي الإجارة
والإسكان بدون إذن المالك.
(٣) وهو حبس الملك
على كل ما يصح الوقف عليه ، بل عن ظاهر جماعة وصريح جماعة آخرين أنه هو وقف منقطع
الآخر ولذا لم يستقصوا الكلام في عقده وشرطه ومورده وفي الحابس والمحبوس عليه
وأحكامه.
والأصل فيه صحيح
ابن أذينة (كنت شاهدا عند ابن أبي ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلة داره ولم
يوقت وقتا ، فمات الرجل فحضر ورثته عند ابن أبي ليلى ، وحضر قرابته الذي جعل له
غلة الدار.
فقال ابن أبي ليلى
: أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها ، فقال محمد بن مسلم الثقفي : أما إن علي بن
أبي طالب عليهالسلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت ، فقال : وما علمك؟
فقال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهماالسلام يقول : قضى علي عليهالسلام بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث ، فقال ابن أبي ليلى : هذا
عندك في كتابك؟ قال : نعم ، قال : فأرسل وائتنا به ، فقال له محمد بن مسلم : على
أن لا تنظر في الكتاب إلا في ذلك الحديث ، قال : لك ذلك ، قال : فأحضر الكتاب
وأراه الحديث عن أبي جعفر عليهالسلام في الكتاب فردّ قضيته) وخبر عبد الرحمن الجعفي (كنت اختلف إلى ابن أبي ليلى في
مواريث لنا ليقسّمها وكان فيه حبيس ، فكان يدافعني ، فلما طال شكوته إلى أبي عبد
الله عليهالسلام فقال : أو ما علم أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث ، قال : ـ
__________________
(والتقييد بمدة والاطلاق) ومحله كالوقف ، (وإذا حبّس عبده
أو فرسه) أو غيرهما مما
يصلح لذلك (في سبيل الله ، أو على زيد لزم ذلك ، ما دامت العين باقية ،
وكذا لو حبّس عبده ، أو أمته في خدمة الكعبة ، أو مسجد أو مشهد).
______________________________________________________
ـ فأتيته ففعل كما
كان يفعل ، فقلت له : إني شكوتك إلى جعفر بن محمد عليهماالسلام فقال لي : كيت وكيت ، قال : فحلّفني ابن أبي ليلى أنه قال ذلك
فحلفت له فقضى لي بذلك) ، ومكاتبة علي بن معبد (كتب إليه محمد بن أحمد بن إبراهيم
بن محمد في سنة ثلاث وثلاثين ومأتين يسأله عن رجل مات وخلّف امرأة وبنين وبنات ،
وخلّف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ، ثم هو حر بعد العشر سنين ، فهل يجوز
لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك؟ فكتب : لا
يبيعه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز لهم) بناء على إرادة الحبس من الوقف كما هو مقتضى سياقه.
هذا وقد ذكر جماعة
منهم العلامة في التحرير والتذكرة والشهيدان في اللمعة والروضة هنا والمسالك وفي
التنقيح وغيرها أن الحبس عقد محتاج إلى ايجاب وقبول ، بل قيل : هو ظاهر الباقي.
وعن التذكرة
والمسالك واللمعة والروضة هنا اعتبار القبض ، وعن جماعة قد تقدمت الإشارة إليهم
أنه يشترط فيه القربة كالوقف بل هو وقف منقطع الآخر ، ثم الجميع قسموا الحبس تارة
على الآدمي وأخرى على غيره ، فإن كان على غير الآدمي مثل الكعبة والمشهد والمسجد
وغيرها من مواضع التقرب لله فلا يعود الحبيس إلى ملك المالك بلا خلاف فيه ، لما
تقدم في كتاب الوقف والصدقة من أنه ما يعطى لله تعالى فلا يجوز الرجوع فيه.
وإن كان على
الآدمي فإن لم يعيّن وقتا ثم مات الحابس كان ميراثا كما دل عليه الخبران الأولان
بلا خلاف فيه ، وكذا لو عيّن مدة وقد انقضت كان الحبيس ميراثا لورثة الحابس على
تقدير موته بلا خلاف فيه للزوم الوفاء بالشرط ، وإنما الكلام في لزوم الحبس المطلق
الذي لم يقيّد بمدة قبل موت الحابس ، ففي القواعد أن له الرجوع متى شاء لكونه
كالسكنى المطلقة وتبعه جماعة ، وربما قيل بلزومه لأنه من مقتضيات العقد.
والانصاف أن
المسألة من أصلها إلى غالب فروعها غير واضحة الدليل وليست هي منقحة ومحرّرة في
كلمات الفقهاء.
__________________
وإطلاق العبارة
يقتضي عدم الفرق بين إطلاق العقد وتقييده بالدوام ، ولكن مع الإطلاق في حبسه على
زيد سيأتي ما يخالفه (١) ، وفي الدروس أن الحبس على هذه القرب غير زيد يخرج عن
الملك بالعقد ، ولم يذكر هو ولا غيره حكم ذلك لو قرنه بمدة ، ولا حكم غير
المذكورات (٢) ، وبالجملة فكلامهم في هذا الباب غير منقح ، (ولو حبس على رجل ولم يعين وقتا ومات الحابس كان ميراثا) بمعنى أنه غير لازم كالسكنى فتبطل بالموت ، ويجوز الرجوع
فيه متى شاء (٣) ، ولو قرن فيه بمدة لزم فيها ، ورجع إلى ملكه بعدها.
واعلم أن جملة
أقسام المسألة كالسكنى ، إما أن يكون على قربة كالمسجد ، أو على آدمي ، ثم إما أن
يطلق ، أو يقرنه بمدة ، أو يصرح بالدوام. والمحبّس إما أن يكون عبدا ، أو فرسا ،
أو غيرهما من الأموال التي يمكن الانتفاع بها في ذلك الوجه. ففي الآدمي يمكن فرض
سائر الأموال ليستوفي منافعها ، وفي سبيل الله يمكن فرض العبد والفرس والبعير
والبغل والحمار وغيرها ، وفي خدمة المسجد ونحوه يمكن فرض العبد والأمة والدابة إذا
احتيج إليها في نقل الماء ونحوه ، وغيره من الأملاك ليستوفي منفعتها بالإجارة ،
ويصرف على مصالحه ، وكلامهم في تحقيق أحكام هذه الصور قاصر جدا فينبغي تأمله.
______________________________________________________
(١) من رجوع العين
عند موت الحابس فيما لو كان الحبس على الآدمي.
(٢) أي غير العبد
والفرس.
(٣) قبل موت
الحابس.
كتاب المتاجر
كتاب المتاجر
(المتاجر) جمع متجر وهو مفعل من التجارة ، إما مصدر ميمي بمعناها
كالمقتل ، وهو «هنا» نفس التكسب ، أو اسم مكان لمحل التجارة ، وهي الأعيان المكتسب
بها ، والأول (١) أليق بمقصود العلم ، فإن الفقيه يبحث عن فعل المكلف والأعيان
متعلقات فعله ، وقد أشار المصنف إلى الأمرين (٢) معا ، فإلى الثاني (٣) بتقسيمه
الأول (٤) ، وإلى الأول (٥) بقوله أخيرا : ثم التجارة تنقسم بانقسام الأحكام
الخمسة ، والمراد بها (٦) هنا (٧) التكسب بما هو أعمّ من البيع (٨) : فعقد الباب
بعد ذكر الأقسام للبيع (٩) خاصة غير جيد ، وكان إفرادها (١٠) بكتاب ، ثم ذكر البيع
في كتاب كغيره (١١) مما يحصل به الاكتساب كما صنع في الدروس أولى ، وفيه فصول.
______________________________________________________
(١) أي التكسب.
(٢) من التكسب
ومتعلقه من الأعيان.
(٣) وهو الأعيان.
(٤) حيث سيقول
الماتن : (وينقسم موضوع التجارة).
(٥) أي التكسب.
(٦) بالتجارة.
(٧) حيث وقعت في
أول كتاب البيع.
(٨) حيث يقع
التكسب بالإجارة والصلح وغيرهما من عقود المعاوضات.
(٩) أي أقسام ما
يتكسب به.
(١٠) إفراد أقسام
ما يتكسب به تحت عنوان المكاسب.
(١١) مثل الإجارة
والصلح وبقية العقود.
(الأول ـ ينقسم موضوع التجارة) وهو ما يكتسب به ويبحث فيها (١) عن عوارضه اللاحقة له من
حيث الحكم الشرعي (إلى محرم (٢) ومكروه (٣) ومباح (٤) ، ووجه الحصر في الثلاثة أن المكتسب به إما أن يتعلق به
نهي ، أو لا ، والثاني المباح ، والأول إما أن يكون النهي عنه مانعا من النقيض ،
أو لا ، والأول الحرام ، والثاني المكروه ، ولم يذكر الحكمين الآخرين وهما :
الوجوب (٥) والاستحباب (٦) ، لأنهما من عوارض التجارة (٧) كما سيأتي في أقسامها ، (فالمحرم الأعيان النجسة (٨)
______________________________________________________
(١) أي ويبحث في
التجارة عن عوارض موضوعها اللاحقة له من حيث الحكم الشرعي.
(٢) كبيع الخمر.
(٣) كبيع الأكفان.
(٤) كبيع الأشياء
المباحة.
(٥) كالصناعات
الواجبة كالطبابة.
(٦) كالزراعة
والرعي.
(٧) لا من عوارض
موضوعها ، وغرض الشارح القول إن الأعيان بما هي هي لا يتعلق بها الأحكام الثلاثة
إلا باعتبار تعلق فعل المكلف بها ، وأما الأحكام الخمسة فلا تتعلق بها ، وإنما
تتعلق بالتكسب بما هو فعل مكلف وإن كان في غير هذه الأعيان ، كالصناعات الواجبة
والزراعة والرعي فإنها واجبة أو مستحبة ولم تتعلق بالأعيان الخارجية ، فالتقسيم
الثلاثي صحيح باعتبار العين الخارجية بلحاظ فعل المكلف ، والتقسيم الخماسي صحيح
باعتبار فعل المكلف للتكسب وإن لم يتعلق بالعين.
(٨) لا يجوز
التكسب بها عدا ما استثني بلا خلاف يعتد به ، كما في الجواهر ، لخبر تحف العقول عن
الصادق عليهالسلام في حديث (وأما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون
فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو
إمساكه أو هبته أو عاريته أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع
بالربا ، أو البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع
الوحش والطير أو جلودها ، أو الخمر ، أو شيء من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم ،
لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه ، فجميع تقلبه في
ذلك حرام) ، وخبر الدعائم عن أبي عبد الله عليهالسلام (الحلال من البيوع
كل ما هو حلال ـ
__________________
(كالخمر (١) المتخذ من العنب ، (والنبيذ) المتخذ من التمر ، وغيرهما من الأنبذة كالبتع (٢) والمزر (٣)
...
______________________________________________________
ـ من المأكول
والمشروب وغير ذلك ، مما هو قوام للناس وصلاح ومباح لهم الانتفاع به ، وما كان
محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه) ، والنبوي المروي في الغوالي (لعن الله اليهود حرّمت عليهم
الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها ، وإن الله تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم
عليهم ثمنه) ، ومثله خبر الدعائم ، وأما الأخبار الخاصة فسيأتي التعرض لها كل في مورده.
(١) للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل ترك غلاما
له في كرم له ، يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه ، قال : لا
يصلح ثمنه ، ثم قال : إن رجلا من بني ثقيف أهدى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم روايتين من خمر ، فأمر بهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأهريقتا ، وقال : إن الذي حرّم شربها حرّم ثمنها) ، وخبر زيد بن علي عن آبائه عليهمالسلام قال : (لعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وساقيها وآكل
ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه) .
ومنهما : يعرف حكم
التكسب بكل مسكر مائع لأنه خمر كما نص عليه جماعة ، بالإضافة إلى خبر مروان بن
عمار عن أبي جعفر عليهالسلام (والسحت أنواع
كثيرة منها : أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر) ، ويعرف حكم الفقاع لخبر سليمان بن جعفر (قلت لأبي الحسن
الرضا عليهالسلام : ما تقول في شرب الفقاع ؛ فقال : خمر مجهول يا سليمان فلا
تشربه ، أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولقتلت بائعه) .
(٢) وهو المتخذ من
العسل.
(٣) وهو المتخذ من
الحنطة.
__________________
والجعة (١)
والفضيخ (٢) والنقيع (٣) وضابطها (٤) المسكر (٥) وإن لم يكن مائعا كالحشيشة إن لم
يفرض لها (٦) نفع آخر ، وقصد ببيعها المنفعة المحللة.
(والفقّاع) وإن لم يكن مسكرا ، لأنه خمر استصغره الناس ، (والمائع النجس غير القابل للطهارة) (٧) إما لكون نجاسته ذاتية كأليات الميتة (٨) ، والمبانة من
الحي ، أو عرضية كما لو وقع فيه نجاسة وقلنا بعدم قبوله للطهارة كما هو أصح
القولين (٩) في غير الماء النجس ، (إلا الدهن) (١٠) بجميع أصنافه ، (للضوء تحت)
______________________________________________________
(١) وهو المتخذ من
الحنطة.
(٢) وهو المتخذ من
الشعير.
(٣) وهو المتخذ من
البسر أي التمر.
(٤) وهو المتخذ من
الزبيب.
(٥) أي ضابط
الأنبذة.
(٦) وفيه : أن
ضابطها النجاسة إذ حرّمت من ناحية نجاستها لا من ناحية إسكارها ، ومنه تعرف أن
تعميمه المسكر لغير المائع كالحشيشة ليس في محله ، لأن الحشيشة طاهرة بالاتفاق
بالإضافة إلى أن النجس من المسكر ما كان مائعا بالأصالة.
نعم قد يستدل على
حرمة التكسب بالحشيشة بخبر عمار بن مروان المتقدم بناء على ما في بعض نسخ التهذيب (والنبيذ
والمسكر) وهذا ما رواه الحرّ في وسائله ، والمسكر يشمل الجامد ، وفيه : إن عطف
المسكر بالواو على النبيذ غير موجود في بعض نسخ التهذيب وغير موجود في الكافي ، ويؤيده
ورود نفس الرواية في الخصال ومعاني الأخبار ، ويستدل على حرمة التكسب بها بخبر الدعائم المتقدم (وما
كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه) .
(٧) للحشيشة.
(٨) لا خلاف ولا
إشكال في عدم جواز التكسب بكل مائع متنجس غير قابل للطهارة للأخبار العامة
المتقدمة في بحث الأعيان النجسة.
(٩) سيأتي الدليل
عليها عند الكلام في حرمة التكسب بالميتة.
(١٠) قيد لعدم
قبول المتنجس غير الماء للطهارة ، وقد تقدم في باب الطهارة.
__________________
السماء) لا تحت الظلال في المشهور ، والنصوص مطلقة فجوازه مطلقا
متجه ، والاختصاص بالمشهور تعبد ، لا لنجاسة دخانه ، فإن دخان النجس عندنا طاهر ،
لاستحالته.
وقد يعلّل بتصاعد
شيء من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له بسبب السخونة إلى أن يلقى الظلال
فتتأثر بنجاسته.
______________________________________________________
ـ منها : صحيح
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : جرذ مات
في سمن أو زيت أو عسل ، قال : أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت
يستصبح به) ، والتفصيل باعتبار كون الزيت مائعا بحسب الغالب بخلافهما
، ويستفاد ذلك من صحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (إذا وقعت الفأرة
في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامدا فألقها وما يليها ، وإن كان ذائبا فلا تأكله
واستصبح به ، والزيت مثل ذلك) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الفأرة تقع في
السمن ، أو في الزيت فتموت فيه ، فقال : إن كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما
بقي ، وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا بعته) وخبر معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله عليهالسلام (في جرذ مات في
زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال : بعه وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به) .
ومقتضى الأخبار
عدم اشتراط الاستصباح بتحتية السماء ، وهذا ما نسب إلى جماعة ، وعن المشهور
الاشتراط لما أرسله الشيخ في المبسوط قال (وروى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء
دون السقف) ، وعلى فرض العمل به فالتقييد إنما هو للتعبد المحض ، لا
لنجاسة دخانه كما عن بعضهم في مقام التعليل للمنع منه تحت السقف ، لأنه يستلزم
تنجيس السقف ، وفيه : إن دخان الأعيان النجسة أو المتنجسة طاهر بالاستحالة كالرماد
، وعلى فرض نجاسته فتنجيس السقف ليس بمحرّم ، وعن المختلف استبعد استحالة جميع
الأجزاء فيبقى منها شيء يتصاعد بسبب السخونة فيؤثر في تنجيس السقف ، وهو على
تقديره لا يحكم بالنجاسة إلا مع العلم بذلك.
على أن هذا المرسل
لا يمكن العمل به لكثرة الأخبار المطلقة وهي صادرة في مقام البيان فلا يمكن
تقييدها بهذا المرسل.
__________________
وفيه : عدم
صلاحيته (١) مع تسليمه للمنع (٢) ، لأن تنجيس مالك العين لها غير محرم. والمراد
الدهن النجس بالعرض كالزيت تموت فيه الفأرة ونحوه ، لا بالذات كألية الميتة (٣) ،
فإن استعماله محرم مطلقا (٤) ، للنهي عن استعماله كذلك (٥).
(والميتة) (٦) ...
______________________________________________________
ـ فلا يمكن
تقييدها بهذا المرسل.
(١) أي عدم صلاحية
التعليل لأن تنجيس السقف من قبل صاحبه ليس بمحرّم.
(٢) إذ لا نسلم
خصوصا في السقف العالي ، ولذا لا يحكم بالتنجيس إلا مع العلم بوصول هذه الأجزاء ،
وأنى لنا حصوله.
(٣) بل وكذا
المأخوذة من الحي ، فهي ميتة ولكن خصت بالذكر لورود الأخبار بها.
منها : خبر الوشاء
سألت أبا الحسن عليهالسلام فقلت : إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال
: هي حرام ، قلت : فتستصبح بها؟ فقال : أما تعلم أنه يصيب اليد والثوب وهي حرام) ، وخبر الكاهلي (سأل رجل أبا عبد ا وأنا عنده عن قطع أليات
الغنم فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : إن في كتاب علي عليهالسلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (في أليات الضأن
تقطع وهي أحياء ، قال : إنها ميتة) .
وهي مطلقة فتشمل
حرمة الاستصباح بها ولو تحت السماء ، بل يحرم كل انتفاع بها ولكن يعارضها خبر
البزنطي صاحب الرضا عليهالسلام (سألت عن الرجل
يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء ، أيصلح أن ينتفع بما قطع ، قال : نعم
يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها) ومثله خبر الحميري في قرب الإسناد ، وهو الأقوى لجواز الانتفاع بالميتة ومنها ألياتها بكل ما
لا يتوقف على طهارتها كما سيأتي فانتظر.
(٤) ولو تحت
السماء.
(٥) أي مطلقا.
(٦) فيحرم التكسب
بها بلا خلاف فيه للأخبار. ـ
__________________
وأجزاؤها التي
تحلها الحياة ، دون ما لا تحله (١) ، مع طهارة أصله بحسب ذاته (٢) ، (والدم) (٣) وإن فرض لها (٤) نفع حكمي (٥) كالصبغ ، (وأرواث وأبوال غير المأكول (٦) وإن فرض لهما نفع ، أما هما مما يؤكل لحمه فيجوز
______________________________________________________
ـ منها : خبر
السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (السحت ثمن الميتة
وثمن الكلب وثمن الخمر ، ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن) ، وفي وصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلّي عليهالسلام (يا عليّ من السحت
ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر الزانية والرشوة في الحكم وأجر الكاهن) .
(١) كالشعر والصوف
فيجوز التكسب بها لأن مناط حرمة التكسب بالميتة لكونها نجسة كما هو صريح خبر تحف
العقول المتقدم (أو شيء من وجوه النجس فهذا كله حرام) إلى آخره ، وما لا تحله
الحياة من الميتة طاهر ، ومنه يعرف جواز التكسب بالميتة الطاهرة ، كميتة السمك وما
لا نفس له.
(٢) فيشمل الجلّال
لأن نجاسته عرضية.
(٣) بلا خلاف في
عدم جواز التكسب به للأخبار العامة المتقدمة ، ولمرفوع الواسطي (مرّ أمير المؤمنين
عليهالسلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة ، نهاهم عن
بيع الدم والغدد وآذان الفؤاد والطحال والنخاع والخصي والقضيب) .
(٤) للدماء.
(٥) أي نفع معتدّ
به عند العقلاء إلا أنه لا يزيد في الشيء عينا ، وستعرف أن كلّ هذه الأدلة الدالة
على حرمة التكسب بالأعيان النجسة إنما هي من ناحية منافعها المقصودة من الأكل
والشرب ، كما هو الغالب لها في عصر صدور النص ، وأما لو استجد لها منافع مقصودة
غير متوقفة على طهارتها فيجوز التكسب بها لذلك ، ومنه بيع الدم لنقله للمرضى.
(٦) بلا خلاف فيه
للأخبار العامة المتقدمة ، لأنهما نجسان ، ولخبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام (ثمن العذرة من
السحت) وهو محمول على عذرة الإنسان أو غير مأكول اللحم جمعا بينه
وبين محمد بن مضارب عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا بأس ببيع
العذرة) المحمول على عذرة ما يؤكل لحمه ، ويؤيد هذا الجمع خبر
سماعة بن مهران ـ
__________________
مطلقا (١) ،
لطهارتهما ، ونفعهما ، وقيل : بالمنع مطلقا (٢) ، إلا بول الإبل ،
______________________________________________________
ـ (سأل رجل أبا
عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر فقال : إني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال : حرام
بيعها وثمنها ، وقال : لا بأس ببيع العذرة) ومن البعيد اختلاف الحكم في الموضوع الواحد من متكلم واحد
في مجلس واحد ، فلا بد من الحمل على تعدّد الموضوع.
نعم إذا كان لها
منفعة مقصودة غير متوقفة على الطهارة كالتسميد ونحوه فيجوز كما ستعرف ، ومنه تعرف
ضعف ما قاله الشارح (وإن فرض لهما نفع).
(١) حتى لو كان
بولا لغير إبل على المشهور ، لطهارتهما ، ودليل حرمة التكسب المتقدم من الأخبار
العامة مختص بالنجس.
(٢) روثا كان أو
بولا كما نسب إلى المفيد وسلّار ، مع عدم تحقق النسبة إليهما إلّا في البول ما عدا
بول الإبل ، وأما الروث فيجوز التكسب بها على كل حال للسيرة القائمة على التسميد
بها فضلا عن كون دليل حرمة التكسب مختصا بالنجس.
ثم وقد ذهب إلى
حرمة التكسب بالأبوال ، عدا بول الإبل كلّ من الشيخ في النهاية والعلامة في
التذكرة والقواعد والإرشاد فضلا عن المفيد وسلّار ، لحرمة شربها فيحرم البيع تبعا
لها ، لأن كل ما حرم الله أصله لا يجوز بيعه ولا شراؤه كما تقدم في خبر الدعائم
المتقدم في الأخبار العامة.
وفيه : لا نسلم
بحرمة شربها فقد ذهب السيد المرتضى وجماعة إلى جواز شربها اختيارا ، وقد كانت
العرب ـ على ما قيل ـ تشربها عند إعواز الماء فلا يستخبثونها ، لموثق عمار بن موسى
عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن بول البقر
يشربه الرجل ، قال : إن كان محتاجا إليه يتداوى به يشربه ، وكذلك أبوال الإبل
والغنم) ، وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن شرب الرجل
أبوال الإبل والبقر والغنم ينعت له من الوجع ، هل يجوز له أن يشرب؟ قال : نعم ولا
بأس به) وهما صريحان في تساوي بول الإبل مع بولهما ، على أن حرمة
بيعه لحرمة شربه مختص بما إذا كان شربه هو المنفعة المقصودة منه ، مع أنه قيل من
فوائده المقصودة التسميد به.
به : للأخبار.
منها : خبر المفضل
بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام (أنه شكا إليه
الربو الشديد فقال : ـ
__________________
للاستشفاء به (١) (والخنزير والكلب) (٢) البريان مطلقا (٣) ، (إلا كلب الصيد
والماشية والزرع والحائط) (٤) كالبستان والجرو القابل للتعليم ، ولو خرجت الماشية
______________________________________________________
ـ اشرب له أبوال
اللقاح ، فشربت ذلك فمسح الله دائي) ، واللقاح هو الابل كما عن القاموس ، وخبر الجعفري (سمعت
أبا الحسن موسى عليهالسلام يقول : أبوال الإبل خير من ألبانها ، ويجعل الله الشفاء في
ألبانها) .
(١) فلا يجوز
التكسب بهما بلا خلاف فيه لنجاستهما فتشملهما الأخبار العامة المتقدمة ، ومرسل ابن
أبي نجران عن الرضا عليهالسلام (سألته عن نصراني
أسلم وعنده خمر وخنازير ، وعليه دين هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه؟ قال : لا) وخبر السكوني المتقدم (السحت ثمن الميتة وثمن الكلب) ومثلها غيرها.
(٢) حتى الجزء
الذي لا تحله الحياة ، لما تقدم في كتاب الطهارة أنه نجس ، ودليل حرمة التكسب منوط
بالنجاسة كما عرفت.
(٣) لا خلاف بينهم
في جواز بيع كلب الصيد إلّا من العماني حيث منع عن بيع الكلب مطلقا ، وهو ضعيف
للأخبار الكثيرة.
منها : خبر
العامري (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال : سحت ، وأما الصيود فلا
بأس) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن ثمن كلب الصيد
، فقال : لا بأس بثمنه ، والآخر لا يحلّ ثمنه) ومفهوم خبره الآخر عنه عليهالسلام (إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي لا يصطاد من
السحت) وخبر الوليد العماري عنه عليهالسلام (عن ثمن الكلب
الذي لا يصيد فقال : سحت ، وأما الصّيود فلا بأس) .
ومقتضى الأخبار
جواز التكسب بكلب الصيد مطلقا ، فما عن الشيخين تخصيصه بالسلوقي ، وهو المنسوب إلى
سلوق ، قرية في اليمن ليس في محله ، إلا أن يراد منه مطلق الصيود لأن أكثر كلاب
هذه القرية معلّمة.
(٤) نسب المنع إلى
جماعة من القدماء منهم المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ،
وابن زهرة والقاضي ويحيى بن سعيد حيث خصّوا الجواز بكلب الصيد ، مع ـ
__________________
عن ملكه ، أو حصد
الزرع ، أو استغل الحائط لم يحرم اقتناؤها ، رجاء لغيرها ، ما لم يطل الزمان بحيث
يلحق بالهراش (١) ، ...
______________________________________________________
ـ أنه يمكن إرادتهم
منه المثال لكل كلب ينتفع به منفعة مقصودة ، وعلى كل ذهب المشهور إلى الجواز في
هذه الكلاب الثلاثة التي يجمعها الكلب الحارس ، لما قاله الشيخ في المبسوط : (يجوز
بيع كلب الصيد ، وروي أن كلب الماشية والحائط مثل ذلك) ، وخبر الغوالي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : (لا أدع كلبا بالمدينة إلا قتلته ، فهربت الكلاب
حتى بلغت العوالي ، فقيل : يا رسول الله : كيف الصيد بها وقد أمرت بقتلها؟ فسكت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها ، فاستثنى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلاب الصيد وكلاب الماشية وكلاب الحرث ، وأذن في اتخاذها) ، وما رواه أبو الفتوح في تفسيره عن أبي رافع عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : (أنه رخّص في اقتناء كلب الصيد ، وكل كلب فيه
منفعة مثل كلب الماشية ، وكلب الحائط والزرع ، رخّصهم في اقتنائه) ، وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية) .
بل إن جواز التكسب
بكلب الصيد إنما هو بمنفعته ، وهو يدل على جواز التكسب بكل كلب فيه منفعة ولذا
رخّص في اقتنائه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما في الخبر المتقدم ، ومنه تعرف حكم الجرو القابل
للتعليم.
(١) وهو الكلب غير
الصيود وغير الحارس هذا وليس المحرم هو خصوص بيع الأعيان النجسة بل المحرم مطلق
التكسب بها من بيع أو شراء أو جعلها ثمنا في البيع وأجرة في الإجارة وعوضا للعمل
في الجعالة ، ومهرا في النكاح وعوضا في الخلع والصلح عليها بعوض ونحو ذلك كل ذلك
لحرمة ثمنها وحرمة التقلب بها كما ورد في بعض الأخبار المتقدمة ، واستثنى من حرمة
التكسب بالأعيان النجسة بيع الكافر بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : موثق
إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليهالسلام (في شراء الروميات
، فقال : اشترهن وبعهن) وخبر زكريا بن آدم (سألت الرضا عليهالسلام عن قوم من العدو إلى أن ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ قال وسألته عن
الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمون عليهم بلا إمام أيحلّ شراؤهم؟ قال :
إذا أقروا لهم بالعبودية فلا بأس بشرائهم) .
واستثنى كلب الصيد
والكلب الحارس كما تقدم ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ذهب المشهور إلى عدم جواز
الانتفاع بالأعيان النجسة لقوله عليهالسلام في خبر تحف العقول (فجميع تقلبه في ذلك حرام) ، وللأمر بإهراق الخمر في صحيح ابن مسلم المتقدم ، ومنه تعرف عدم جواز الانتفاع بالمتنجس لوحدة المناط ،
وفيه : أن القدر المتيقن من الأخبار المتقدمة هو حرمة الانتفاع بها بما لها من
منافع مقصودة وهي متوقفة على طهارتها كالأكل والشرب ، والمفروض أنها نجسة ، أما لو
فرض لها منافع مقصودة ، وكان استيفاؤها غير متوقف على طهارتها فلا كما دلت الأخبار
على جواز الانتفاع بالعبد الكافر من خدمته لسيده ، وكما دلت الأخبار على جواز
الانتفاع بمنافع كلب الصيد والكلب الحارس ، وكما دلت الأخبار على جواز الانتفاع
بالدهن المتنجس بالاستصباح ، وكذا ليعمله صابونا كخبر الدعائم عن أبي جعفر محمد بن
علي عليهالسلام في حديث : (وسئل أمير المؤمنين عليهالسلام عن الدواب تقع في السمن والعسل واللبن والزيت ، قال : إن
كان ذائبا أريق اللبن واستسرج بالزيت والسمن إلى أن قال ـ وقال في الزيت : يعمله
صابونا إن شاء) ، وخبر الجعفريات عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام سئل عن الزيت يقع فيه شيء له دم فيموت قال : الزيت خاصة
يبيعه لمن يعمله صابونا) ومثله خبر ابن الأشعث .
وكما دلت الأخبار
على جواز الانتفاع بألية الغنم في الاستصباح وهو من المنافع غير المتوقفة على
طهارتها كخبر البزنطي عن الإمام الرضا عليهالسلام (عن الغنم يقطع
ألياتها وهي أحياء ، أيصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال عليهالسلام : نعم يذيبها ويسرجها ولا يأكلها ولا يبيعها) ومثله خبر الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام.
وكما دلت الأخبار
على جواز الانتفاع بجلد الميتة كمكاتبة أبي القاسم الصيقل وولده ـ
__________________
(وآلات اللهو) (١) ...
______________________________________________________
ـ (كتبوا إلى
الرجل : جعلنا الله فداك ، إنا قوم نعمل بالسيوف ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها
ونحن مضطرون إليها ، وإنما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير الأهلية ، لا يجوز
في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ، ونحن
نصلي في ثيابنا ، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة ، يا سيدنا لضرورتنا ،
فكتب : اجعل ثوبا للصلاة) ، ومكاتبة قاسم الصيقل (كتبت إلى الرضا عليهالسلام : إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي
، فأصلي فيها؟ فكتب إليّ : اتخذ ثوبا لصلاتك) ، وخبر سماعة (سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ،
فرخّص فيه ، وقال : إن لم تمسه فهو أفضل) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن علي بن الحسين
عليهماالسلام كان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا
حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك فقال : إن أهل
العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته) فالأقوى جمعا بين الأخبار جواز الانتفاع بالأعيان النجسة
في استيفاء منافعها غير المتوقفة على طهارتها ، بل جواز التكسب بها إذا كانت هذه
المنافع منافع مقصودة معتد بها عرفا كبيع الدم للمرضى كما هو الشائع في عصورنا.
ثم لا يجوز التكسب
بالعين النجسة لاستيفاء منافعها المتوقفة على طهارتها كما عرفت ولكن هل يجوز بذل
المال لرفع يد الاختصاص عنها ، قيل : نعم لعدم صدق التكسب بالنجس بعد عدم كون
المال عوضا عنه بل عن رفع اليد عنه ، وفيه : إن حق الاختصاص مختص بالمشتركات وأما
ثبوته فيما حرّم الشارع جميع منافعه المقصودة منه غالبا فلا دليل عليه ، فبذل
المال في قبال رفع اليد عن هذا الحق غير الثابت مشكل.
(١) بلا خلاف فيه
لخبر تحف العقول عن الإمام الصادق عليهالسلام (وكذلك كل بيع
ملهوّ به ، وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله ، أو يقوى به الكفر والشرك من
جميع وجوه المعاصي ، أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه
وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه إلا في حال تدعو الضرورة إلى ذلك ـ إلى أن قال :
إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجيء منها الفساد محضا نظير
البرابط والمزامير ـ
__________________
من الدف والمزمار
والقصب (١) وغيرها ، (والصنم) (٢) المتخذ لعبادة الكفار ، (والصليب) الذي يبتدعه النصارى ، (وآلات القمار (٣)
كالنرد) بفتح النون ،
______________________________________________________
ـ والشطرنج وكل
ملهو به ، والصلبان والأصنام ، وما أشبه من ذلك من صناعة الأشربة الحرام ، وما
يكون منه وفيه الفساد محضا ، ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح ، فحرام
تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات
كلها) ، وخبر أبي الفتوح في تفسيره عن أبي أمامة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال (إن الله تعالى بعثني هدى ورحمة للعالمين ، وأمرني
أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار والأوثان وأمور الجاهلية ـ إلى أن قال ـ إن
آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام) .
(١) وهو غير
المزمار ، وهو ما يغني به الرعاة غالبا.
(٢) بل كل هياكل
العبادة المبتدعة بلا خلاف فيه لخبر تحف العقول المتقدم ، ولخبر الدعائم عن أبي
عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام (إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع الأحرار ، وعن بيع الميتة والدم والخنزير
والأصنام ، وعن عسب الفحل وعن ثمن الخمر وعن بيع العذرة) ، بل وصحيح ابن أذينة الوارد في بيع الخشب لمن يعمله صنما
قال : (كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام : أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط ، فقال : لا
بأس به ، وعن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ، قال : لا) صحيح عمرو بن حريث عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن التوت أبيعه
يصنع للصليب والصنم؟ قال : لا) .
وهما دالان على
حرمة بيع الصليب والصنم بالأولوية.
(٣) بلا خلاف فيه
لخبر تحف العقول المتقدم ، ولخبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام (في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصٰابُ وَالْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، قال : أما الخمر فكل مسكر من الشراب ـ إلى أن قال ـ وأما
الميسر فالنرد والشطرنج ، وكل قمار ميسر ، وأما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها
المشركون ، وأما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في
الجاهلية ، كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من الله محرم ، وهو
رجس ـ
__________________
(والشطرنج) بكسر الشين فسكون الطاء ففتح الراء ، (والبقّيرى) بضم الباء الموحدة ، وتشديد القاف مفتوحة ، وسكون الياء المثناة من تحت وفتح
الراء المهملة قال الجوهري : هي لعبة للصبيان وهي كومة من تراب حولها خطوط (١) ،
وعن المصنف رحمهالله : أنها الأربعة عشر (٢).
(وبيع السلاح) بكسر السين من السيف ، والرمح ، والقوس ، والسهام ، ونحوها
(لأعداء الدين) (٣) مسلمين كانوا ، أم كفارا ، ومنهم قطّاع الطريق في حال
______________________________________________________
ـ من عمل الشيطان
، وقرن الله الخمر والميسر مع الأوثان) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (بيع الشطرنج حرام
، وأكل ثمنه سحت) وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عليهالسلام في حديث المناهي (نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن اللعب بالنرد والشطرنج إلى أن قال ـ ونهى عن بيع النرد)
.
وظاهر الأخبار
الوارد ، في آلات اللهو وهياكل العبادة المبتدعة وآلات القمار حرمة التكسب بها
لتمحضها بالفساد ، ولازمه عدم ترتب منفعة محلّلة معتدّ بها عند العقلاء عليها ،
نعم لو كسرت وخرجت عن عناوينها المحرمة وكان لمادتها قيمة فيجوز التكسب بها لزوال
موضوع الحكم عنها ، وكذا يجوز بيعها صحيحة إن قصد مادتها واشترط على المشتري كسرها
وكان المشتري ممن يوثق بديانته كما هو مختار العلامة في التذكرة وتبعه عليه جماعة.
(١) بل هي عبارة
عن كومات من التراب ، في إحداها شيء مستور ومن أخرجه أخذ المال المقرر له كما عن
القاموس.
(٢) ففي تفسير
العياشي عن الإمام الرضا عليهالسلام (إن الشطرنج
والنرد وأربعة عشر وكل ما قومر عليه منها فهو ميسر) ، وعن مجمع البحرين أنها صفان من النقر في كل صف سبع نقر ،
ويوضع في هذه النقر شيء يلعب به ، والنقر حفرة صغيرة في الأرض.
(٣) بلا خلاف فيه
لخبر تحف العقول المتقدم ، ولصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهماالسلام (سألته عن حمل
المسلمين إلى المشركين التجارة ، قال : إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس) ولوصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما في خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد (يا عليّ كفر بالله
العظيم ـ
__________________
الحرب ، أو التهيؤ
له ، لا مطلقا (١) ، ولو أرادوا الاستعانة به على قتال الكفار لم
______________________________________________________
ـ من هذه الأمة
عشرة : القتات ـ إلى أن قال ـ وبائع السلاح من أهل الحرب) ، وخبر أبي بكر الحضرمي (دخلنا على أبي عبد الله عليهالسلام فقال له حكم السراج : ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج
وأداتها؟ فقال : لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا
إليهم السروج والسلاح) وخبر هند السراج (قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أصلحك الله إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه
منهم ، فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك ، وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ،
فقال لي : أحمل إليهم وبعهم ، فإن الله يدفع بهم عدونا وعدوكم ، يعني الروم ، فإذا
كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك)
، وخبر السراد عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : إني
أبيع السلاح ، فقال : لا تبعه في فتنة) ومكاتبة أبي القاسم الصيقل (كتبت إليه إني رجل صيقل أشتري
السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها ؛ فكتب : لا بأس به) .
ومقتضى الأخبار
حرمة بيعه للمشركين مطلقا كما هو ظاهر الخبرين الأولين ، وحرمة بيعه للمخالفين من
المسلمين حال الحرب فقط ، وأما في حال الهدنة فيجوز كما هو مقتضى ظاهر بقية
الأخبار ، وهو اختيار المستند ، ومنه تعرف ضعف اطلاق الحرمة في الجميع كما عن
الشيخين والحلبي والديلمي والعلامة في التذكرة والمحكي عن حواشي الشهيد ، وتعرف
ضعف ما عن المشهور من اختصاص الحرمة بحال قيام الحرب للمشركين والمخالفين.
ثم إن غالب النصوص
على حرمة بيع السلاح وهو ما يستعمل في الحرب للغلبة كما هو معناه العرفي كالسيف
والرمح والقوس والسهم ، ولكن بعضها قد اشتمل على السروج والسلاح ، وفي خبر هند
السراج جعل مناط الحكم تقوية العدد علينا حيث قال (فمن حمل إلى عدونا سلاحا
يستعينون به علينا فهو مشرك) ، وفي خبر تحف العقول جعل مناط الحكم تقوية الكفر أو
الشرك أو توهين الحق حيث قال : (أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي ،
أو باب يوهن به الحق فهو حرام) إلى آخره ، وهي ظاهرة في حرمة بيع كل ما يوجب
غلبتهم علينا وتقويتهم وتوهين الحق ، فتشمل الحرمة كل ما يعتمد عليه لا لعدو
ويتقوى به كالسرج والدرع والبيضة ونحو ونحو ذلك ، ومن خبر تحف العقول حيث جعل
المدار على توهين الحق تعرف شمول الحكم لقاطع الطريق أيضا.
(١) فلا يشمل حال
الهدنة ، وقد عرفت أنه مختص بالمخالفين دون المشركين.
__________________
يحرم (١) ، ولا يلحق
بالسلاح ما يعدّ جنّة للقتال كالدرع والبيضة وإن كره ، (وإجارة المساكن والحمولة) بفتح الحاء وهي الحيوان الذي يصلح للحمل كالإبل والبغال
والحمير ، والسفن داخلة فيه تبعا ، (للمحرم) (٢) كالخمر وركوب الظلمة وإسكانهم لأجله (٣) نحوه ، (وبيع العنب والتمر) وغيرهما مما يعمل منه المسكر ، (ليعمل مسكرا (٤) سواء شرطه في العقد ، أم حصل الاتفاق عليه ، (والخشب)
______________________________________________________
(١) كما هو صريح
خبر هند السراج المتقدم.
(٢) بلا خلاف فيه
لخبر صابر عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يؤاجر
بيته فيباع فيه الخمر ، قال : حرام أجره) ، وهو محمول على صورة اشتراط بيع الخمر فيه في العقد أو
بني العقد على ذلك جمعا بينه وبين صحيح ابن أذنية ، قال (كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها أو
عليها الخمر والخنازير ، قال : لا بأس) حيث ظاهر الصحيح جواز الإجارة لمن اتفق له المحرم ، وكذا
في صوره نعم علم المؤجر باستخدام المستأجر ذلك للحرام من دون اشتراط كما سيأتي
دليله.
(٣) لأجل الظلم.
(٤) مع الاشتراط
في متن العقد أو بناءه عليه بلا خلاف فيه ويدل عليه خبر صابر المتقدم الوارد في
إجارة البيت ليعمل فيه خمرا مع عدم خصوصية للبيت والإجارة ، وهو محمول على صورة
الاشتراط جمعا بينه وبين أخبار قد دلت على جواز البيع لمن يعلم أنه يعمله خمرا.
منها : صحيح ابن
أذينة (كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن رجل له كرم ، أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه
يجعله خمرا أو سكرا؟ فقال : إنما باعه حلالا في الأبّان الذي يحل شربه أو أكله ،
فلا بأس ببيعه) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن بيع عصير
العنب ممن يجعله حراما ، فقال : لا بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما ، فأبعده الله
وأسحقه) ، وخبر أبي كهمس (سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام فقال : لي كرم وأنا أعصره كل سنة وأجعله في الدنان ،
وأبيعه قبل أن يغلي ، قال : لا بأس به ، وإن غلا فلا يحلّ بيعه ، ثم قال : هو ذا
نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا) وصحيح رفاعة ـ
__________________
(ليصنع صنما) ، أو غيره من الآلات المحرمة ، (ويكره بيعه لمن يعمله) من غير أن يبيعه لذلك ، إن لم يعلم أنه يعمله وإلا فالأجود التحريم ،
وغلبة الظن كالعلم ، وقيل : يحرم ممن يعمله مطلقا (١).
______________________________________________________
ـ بن موسى (سئل
أبو عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره ، قال : حلال ، ألسنا
نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن بيع
العصير ممن يصنعه خمرا ، فقال : بعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحبّ إليّ ، ولا أرى
بالأول بأسا) ومثلها غيرها ، ومن الأخير استفيد كراهة بيع العنب لمن
يعلم أنه يعمله خمرا ، ومنه تعرف ضعف ما عن جماعة منهم العلامة في المختلف والشيخ
في النهاية والشهيد في حواشيه من القول بالحرمة في صورة العلم بدون الاشتراط ليس
في محله ، ودعوى أن هذه الأخبار متعارضة مع ما ورد من عدم جواز بيع الخشب لمن
يصنعه صنما كصحيح ابن أذينة (كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ، قال عليهالسلام : لا) وصحيح ابن حريث عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الثوب أيبيعه
ممن يصنع الصليب أو الصنم ، قال : لا) فتحمل أخبار العنب على ما لو وقع ذلك اتفاقا ، وأخبار
الخشب على صورة العلم فضلا عن الاشتراط ، فهي مردودة لصراحة أخبار العنب بالجواز
في صورة العلم بأنه يصنعه خمرا ، فالأقوى اختصاص الصحيحين الأخيرين بموردهما من
عدم جواز بيع الخشب لمن يعلم أنه يصنعه صنما أو صليبا فضلا عن الاشتراط ولا يتعدى
به إلى غيره ولعل للشرك خصوصية غير الخمر ، ويدل عليه صدر صحيح ابن أذينة المتقدم
فإنه قال (كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط ، فقال : لا
بأس به ، وعن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ، قال : لا) .
(١) حتى في غير
صورة العلم ، ومما تقدم تعرف ضعف الجمع بين العنب ليعمل خمرا وبين الخشب ليعمل
صنما.
ثم إن الشهيدين قد
تركا حرمة التكسب بما لا منفعة فيه ، وهو مما لا خلاف فيه لأن بذل المال بإزائه
أكل له بالباطل فيشمله قوله تعالى (وَلٰا
تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) ، وما لا نفع فيه كالخنافس والديدان وفضلات الإنسان ، وقد
وقع الخلاف ـ
__________________
(ويحرم عمل الصور المجسمة) ذوات الأرواح. واحترز بالمجسمة (١) عن
______________________________________________________
ـ بينهم في عدّ
السباع مما لا نفع فيه ، والأصح جواز بيعها للانتفاع بجلودها وريشها لصحيح العيص
عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الفهود وسباع
الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال عليهالسلام : نعم) ، وخبر أبي مخلّد السراج عن أبي عبد الله عليهالسلام فقد سأله رجل عن بيع جلود النمر (فقال عليهالسلام : مدبوغة هي؟ قال : نعم ، قال : ليس به بأس) ، وخبر عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن عليهالسلام (عن عظام الفيل ،
يحلّ بيعه أو شراؤه الذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : لا بأس قد كان لي منه مشط أو
أمشاط) ، بل من مجموع الأخبار يستفاد أن المدار في جواز التكسب
على وجود منفعة محلّلة مقصودة مترتبة على الشيء ، ولذا يصح بيع دود العلف ودود
القز والنحلة والهرة ، ففي صحيح محمد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي
عبد الله عليهالسلام (ولا بأس بثمن
الهرّ) ، بل وكل السباع والمسوخ والحشرات إن ترتب عليها المنفعة
المذكورة ، ودعوى أن الممسوخ لا يجوز التكسب به ممنوعة لعدم قيام دليل يدل على كون
المسخ مانعا من التكسب.
(١) وقع الاتفاق
بينهم على حرمة تجسيم ذي الروح وهو المسمى عندنا بالنحت ، واختلفوا في الزائد تبعا
لاختلاف الأخبار ، ففي بعضها حرمة التجسيم كخبر الحضرمي عن أبي عبد الله عليهالسلام (من أكل السحت
سبعة ـ إلى أن قال ـ والذين يصورون التماثيل) ، وخبر الأصبغ بن نباتة (قال أمير المؤمنين عليهالسلام (من جدد قبرا أو
مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام) ، وصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : لا بأس ما لم يكن
شيئا من الحيوان) ومنه يظهر مفهوم اللقب في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (لا بأس بتماثل
الشجر) ، وصحيح البقباق عن أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله عزوجل : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ، فقال : والله ما
هي تماثيل الرجال والنساء ولكنه الشجر وشبهه) ، وصحيح ـ
__________________
الصور المنقوشة
على نحو الوسادة والورق ، والأقوى تحريمه مطلقا. ويمكن أن يريد ذلك (١) بحمل الصفة
(٢) على المثل (٣) لا المثال (٤).
(والغناء) (٥) ...
______________________________________________________
ـ محمد بن مروان
عن أبي عبد الله عليهالسلام (سمعته يقول :
ثلاثة يعذبون يوم القيامة : من صوّر صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ
فيها) الخبر ، بناء على أن النفخ ظاهر في كون الصورة هي المجسمة لأنها غير ناقصة
إلا من الروح فلذا أمر بالنفخ فيها ، ومقتضى النصوص المتقدمة حرمة التجسيم لذي
الروح من الإنسان والحيوان ، وأما الجماد فلا وهذا هو القدر المتيقن من فتاوى
الأصحاب واختاره جماعة من المتأخرين.
وفي بعضها حرمة
التصوير الشامل للتجسيم كخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ، عن آبائه عن أمير
المؤمنين عليهمالسلام (إياكم وعمل الصور
، فإنكم تسألون عنها يوم القيامة) ، وخبر تحف العقول عن أبي عبد الله عليهالسلام (وصنعة صنوف
التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني فحلال تعلمه وتعليمه) ، وصحيح محمد بن مروان المتقدم بناء على عدم تقييده
بالمجسم كما استدل به الشارح في المسالك وفيه : إن خبر ابن مروان مختص بالمجسم كما
عرفت ، والأولان لا بد من حملهما على المجسم جمعا بين الأخبار ، وإن كان الأحوط
حرمة مطلق تصوير ذي الروح.
(١) أي تحريمه
مطلقا.
(٢) أي المجسمة.
(٣) أي على
المصوّر الذي أريد تصويره.
(٤) وهو الشبيه
والمراد به فعل المصوّر ، وهو التصوير.
(٥) لا خلاف بينهم
في حرمة الغناء إلا من الكاشاني حيث نسب إليه القول بالجواز ، والأدلة كثيرة على
حرمته.
منها : خبر زيد
الشحام عن أبي عبد الله عليهالسلام (سأله عن قوله عزوجل : واجتنبوا قول الزور ، قال : قول الزور الغناء) ، ومثله مرسل ابن أبي عمير ، وخبر أبي بصير ، وصحيح هشام المروي في تفسير العياشي وصحيح محمد بن مسلم عن أبي ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ جعفر عليهالسلام (سمعته يقول :
الغناء مما وعد الله عليه النار ، وتلا هذه الآية : (وَمِنَ
النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ
اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَيَتَّخِذَهٰا هُزُواً ، أُولٰئِكَ
لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ)) ، وقريب منها خبر مهران بن محمد وخبر الوشاء .
وصحيح أبي الصباح
الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله عزوجل : والذين لا يشهدون الزور ، قال : الغناء) ، وخبر يونس (سألت الخراساني عليهالسلام عن الغناء وقلت : إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء
فقال : كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت : إن رجلا أتى أبا جعفر
عليهالسلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز الله بين
الحق والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت) وخبر عبد الأعلى (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الغناء وقلت : إنهم يزعمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيونا نحيّكم ،
فقال : كذبوا إن الله عزوجل يقول : وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ، لو
أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه ، من لدنا إن كنا فاعلين ، بل نقذف بالحق على الباطل
فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ، ثم قال : ويل لفلان مما يصف ، رجل لم
يحضر المجلس) .
وعن الكاشاني جواز
الغناء بما هو وإنما يحرم لما يصاحبه من آلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل
واستدل بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (أجر المغنية التي
تزف العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال) ومثله خبره الآخر ومرسل الفقيه (سأل رجل علي بن الحسين عليهالسلام عن شراء جارية لها صوت ، فقال : ما عليك لو اشتريتها
فذكرتك الجنة) ، وخبر قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (سألته عن
الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ، قال : لا بأس به ما لم يعص به) .
وفيه : مع ضعف
أسانيدها لا تصلح لمعارضة ما تقدم من الأخبار على أن مرسل الفقيه ـ
__________________
بالمد وهو مدّ
الصوت المشتمل على الترجيع المطرب (١) ، أو ما سمي في العرف غناء وإن لم يطرب (٢)
، سواء كان في شعر ، أم قرآن ، أم غيرهما ، واستثنى منه المصنف وغيره الحداء للإبل
(٣) ، وآخرون ومنهم المصنف في الدروس فعله للمرأة
______________________________________________________
ـ صريح في الجارية
ذات الصوت الحسن وهو أجنبي عن الغناء ، وعلى أن خبري أبي بصير صريحان في جواز
الغناء في الأعراس وهذا ما سيأتي البحث في استثنائه ولا تدل على جواز مطلق الغناء.
(١) كما نسب إلى
المشهور ، واختلفوا في تفسير المطرب ، فعن جماعة أنه خفة تعتري الإنسان لشدة
السرور ، وعن مفتاح الكرامة أنه مدّ الصوت وتحسينه ، والأولى إرجاع تحديد الغناء
إلى العرف وإن لم يطرب فعلا ، بل ما كان من شأنه الإطراب ، والرجوع إلى العرف محتم
بعد عدم ورود تحديد له من قبل الشارع.
ثم الغناء عند أهل
فنه مخصوص بصوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه ، والتناسب في الصوت له
ميزان عند أهل اللحن من البم والزير والبز والمدّ والارتفاع والانخفاض والاتصال
والانفصال ، وهذا التناسب هو المسمى بالغناء كما يسمى فن تناسب آلات الموسيقى
بالإيقاع ، ويسمى فن تناسب الحركات الصادرة من أعضاء البدن بالرقص.
ولكن الغناء عند
أهل العرف العام أعم منه إذ قد لا يكون الصوت موقّعا على السلم الإيقاعي عندهم وهو
غناء عند العرف.
نعم لا بد من
الجزم بعدم كون مجرد مدّ الصوت غناء وإلا لحرم الآذان والنداء ، ولا مجرد تحسينه
غناء وإلا لحرم على الكثير من النساء النطق ، وفي الخبر (أن الله ما بعث نبيا إلا
حسن الصوت) وفي خبر آخر (كان علي بن الحسين عليهالسلام يقرأ القرآن فربما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته) . وممّا تقدم تعرف إمكان تحقق الغناء في القرآن والمراثي ،
فدعوى عدم إمكانيته في المراثي ليس في محلها.
(٢) فعلا.
(٣) فالمشهور على
استثنائه للنبوي (أنه قال لعبد الله بن رواحة : حرّك النوق ، فاندفع يرتجز وكان
عبد الله جيد الحداء وكان مع الرجال ، وكان أنجشة مع النساء فلما سمعه تبعه فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنجشة : رويدك ، رفقا بالقوارير) وفي المناقب (وكان حادي بعض نسائه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ
__________________
في الأعراس (١)
إذا لم تتكلم بباطل ، ولم تعمل بالملاهي ، ولو بدف فيه صنج ، لا بدونه (٢) ، ولم
يسمع صوتها أجانب الرجال. ولا بأس به.
(ومعونة الظالمين بالظلم) (٣) كالكتابة لهم ، وإحضار المظلوم ونحوه ، لا
______________________________________________________
ـ خادمه أنجشة ،
فقال لأنجشة : أرفق بالقوارير ، وفي رواية لا تكسر القوارير) ، وخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهمالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : زاد المسافر الحداء والشعر ، ما كان منه ليس فيه جفاء)
وفي نسخة : (ليس فيه فناء) ، ومثله خبر الجعفريات ، ومنها تعرف ضعف ما عن جماعة منهم العلامة من حرمة الغناء
مطلقا.
(١) على المشهور
لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن كسب المغنيات
فقال : التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس) ، وخبره
الآخر عنه عليهالسلام (المغنية التي تزف
العرائس لا بأس بكسبها) وخبره الثالث عنه عليهالسلام (أجر المغنية التي
تزف العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال) ، والقدر المتيقن من هذه
النصوص جواز الغناء حال الزفاف وهو حال دخول المرأة إلى بيت زوجها ، مع شرط عدم
دخول الرجال عليهن ، وأما تقييد الشارح بعدم سماع صوتهن أجانب الرجال مما لا دليل
عليه بل الدليل على اشتراط عدم الدخول ، وهو مطلق ، وعن العلامة وجماعة المنع من
الغناء مطلقا وهو ضعيف بما سمعت من النصوص.
(٢) أي بدون الصنج
ولازمه جواز الضرب عليه للنبوي (نهى عن الضرب بالدف والرقص وعن اللعب كله ، وعن
حضوره وعن الاستماع إليه ، ولم يجز ضرب الدف إلا في الأملاك والدخول ، بشرط أن
يكون في البكر ولا يدخل الرجال عليهن) ، وهو مطلق يشمل ما لو كان فيه صنج أو لا ، ثم المراد
بالأملاك عقد النكاح ، ولم يتعرض الأصحاب له ولا لاشتراط ذلك في زفاف البكر.
(٣) بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : خبر طلحة
بن زيد عن أبي عبد الله عليهالسلام (العامل بالظلم
المعين له والراضي به ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ شركاء ثلاثتهم) ، وخبر ورام بن أبي فراس في كتابه (قال عليهالسلام : من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من
الإسلام) ، وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهمالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث المناهي : (ألا ومن علق سوطا بين يدي سلطان جعل
الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار ، طوله سبعون ذراعا يسلّطه الله عليه
في نار جهنم وبئس المصير) ، وخبره الآخر عنه عليهالسلام (من تولى خصومة
ظالم أو أعان عليها ثم نزل به ملك الموت قال له : أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس
المصير) ، بل المشهور على عدم الحرمة فيما لو أعانهم على مباح مع
أن النصوص المستفيضة ناطقة بالنهي عن ذلك حتى في المستحب ففي خبر يونس بن يعقوب (قال
لي أبو عبد الله عليهالسلام : لا تعنهم على بناء مسجد) ، ولكن الإنصاف أن القدر المتيقن منها حرمة إعانتهم مع صدق
أنه من أعوانهم كما في خبر محمد بن عذافر عن أبيه قال أبو عبد الله عليهالسلام : (يا عذافر ، نبئت أنك تعامل أبا أيوب والربيع ، فما حالك
إذا نودي بك في أعوان الظلمة ، قال : فوجم أبي فقال له أبو عبد الله عليهالسلام لما رأى ما أصابه : أي عذافر ، إنما خوفتك بما خوفني الله عزوجل به ، فقال محمد : فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات)
، وخبر ابن أبي يعفور (كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فدخل عليه رجل من أصحابنا فقال له : جعلت فداك ، إنه ربما
أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه ، أو
المسناة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ما أحب أني عقدت لهم عقدة ، أو وليت لهم وكاء وإن لي ما
بين لابتيها ، لا ولا مدة بقلم ، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى
يحكم الله بين العباد) ، وخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهمالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين أعوان الظلمة ، ومن
لاق لهم دواتا ، أو ربط كيسا أو مدّ لهم مدة قلم ، فاحشروهم معهم) .
وتدل أيضا على
تحريم محبة بقائهم لخبر صفوان الجمال (دخلت على أبي الحسن الأول عليهالسلام فقال لي : يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا
واحدا ، ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ قلت : جعلت فداك
أيّ شيء ؛ قال : إكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ ، قال : والله ما أكريته
أشرا ولا بطرا ولا للصيد ولا للهو ، ولكني أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ،
ولا أتولاه بنفسي ، ولكن ابعث معه غلماني.
فقال لي : يا
صفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت : نعم جعلت فداك ، فقال لي : أتحب بقاءهم حتى يخرج
كراؤك؟ قلت : نعم ، قال : من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورده النار.
قال صفوان : فذهبت
فبعت جمالي عن آخرها ، فبلغ ذلك إلى هارون ، فدعاني فقال لي : يا صفوان بلغني أنك
بعت جمالك ، قلت : نعم ، قال : ولم؟ قلت : أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون
بالأعمال ، فقال : هيهات هيهات ، إني لأعلم من أشار عليك بهذا ، أشار عليك بهذا
موسى بن جعفر ، قلت : ما لي ولموسى بن جعفر ، فقال : دع هذا عنك فو الله لو لا حسن
صحبتك لقتلتك) ، ومرفوع سهل بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام (في قول الله عزوجل : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ، قال عليهالسلام : هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده إلى
كيسه فيعطيه) ، وخبر عياض عن أبي عبد الله عليهالسلام (ومن أحب بقاء
الظالمين فقد أحب أن يعصى الله) .
وتدل أيضا على
حرمة معاونتهم بالمباح إذا كان مسجلا في دفترهم وديوانهم ولعلّه لصدق أنه من أتباعهم
وأعوانهم كما في خبر الكاهلي عن أبي عبد الله عليهالسلام (من سوّد اسمه في
ديوان الجبارين من ولد فلان حشره الله يوم القيامة حيرانا) وفي رواية التهذيب (من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره
الله يوم القيامة خنزيرا) وسابع مقلوب عباس وهو تعبير شايع في الأخبار للتقية.
وتدل أيضا على
حرمة إعانتهم بالمباح إذا كان في ذلك تشييد سلطانهم كخبر علي بن أبي حمزة (كان لي
صديق من كتّاب بني أمية فقال لي : استأذن لي على أبي عبد الله عليهالسلام فاستأذنت له عليه فأذن له ، فلما أن دخل سلّم وجلس ، ثم
قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت
في مطالبه ، فقال أبو ـ
__________________
معونتهم بالأعمال
المحللة كالخياطة ، وإن كره التكسب بماله (١) ، (والنوح بالباطل)
(٢) بأن تصف الميت بما ليس فيه ، ويجوز بالحق إذا لم تسمعها
الأجانب ،
______________________________________________________
ـ عبد الله عليهالسلام : لو لا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء
ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما
وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم) ، وعلى هذا تحمل بقية الأخبار الدالة على النهي عن
معاونتهم ولو بالمباح أو المستحب.
(١) مال العمل المحلّل
، وقد كره من حيث معاملة الظالمين كما في المسالك.
(٢) لخبر الحسين
بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث المناهي (أنه نهى عن الرنة عند المصيبة ، ونهى عن
النياحة والاستماع إليها ، ونهى عن تصفيق الوجه) وخبره الآخر عنهم عليهمالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة ، الفخر بالأحساب
والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة ، وإن النائحة إذا لم تتب قبل
موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) ، وخبر الزعفراني عن أبي عبد الله عليهالسلام (ومن أصيب بمصيبة
فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها) ، وقد حملت على النوح بالباطل بمعنى الكذب لمرسل الصدوق (قال
عليهالسلام : لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا) ، ويكون النوح بالحق جائزا وعليه تحمل الأخبار الدالة على
فعل النياحة في دار الصادق عليهالسلام عند موت ابنته وابنه كما في خبر الحسين بن زيد وقيل له (أيناح
في دارك فقال : إن رسول الله عليهالسلام لما مات حمزة قال : لكن حمزة لا بواكي عليه) ، وصحيح يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال لي أبي : يا
جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين ، يعني أيام منى) ، وفي الخبر (إنما تحتاج المرأة إلى النوح لتسيل دمعتها
ولا ينبغي لها أن تقول هجرا ، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح).
ولذا وردت جملة من
الأخبار بجواز كسب النائحة كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا بأس بأجر
النائحة التي تنوح على الميت) ومرسل الصدوق (سئل الصادق عليهالسلام عن أجر النائحة فقال : لا بأس به قد نيح على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، نعم ـ
__________________
(وهجاء المؤمنين) (١) بكسر الهاء والمد وهو ذكر معايبهم بالشعر ، ولا فرق في
المؤمن بين الفاسق وغيره ، ويجوز هجاء غيرهم (٢) كما يجوز لعنه.
______________________________________________________
ـ إذا شارطت كره
ذلك لخبر حنان بن سدير عند ما طلبت منه امرأة في الحي أن يسأل أبا عبد الله عليهالسلام عن أجر النائحة فقال عليهالسلام (تشارط؟ فقلت :
والله ما أدري تشارط أم لا؟ فقال : قل لها لا تشارط ، وتقبل ما أعطيت) .
(١) بلا خلاف فيه
، والهجاء هو ذكر المعايب وعدّها ، كما في القاموس ، وهو يشمل النثر والشعر ،
وبذلك صرح الكثير من الفقهاء ، نعم في المسالك والروضة هنا وجامع المقاصد تبعا
للنهاية والمصباح والقاموس تخصيصه بالشعر فقط وهو ليس في محله لأنه على خلاف
المتبادر منه.
ولفظ الهجاء لم
يرد في كتاب ولا في سنة ، ولكن قد يكون غيبة كما لو ذكر معايبه في غيابه ، وقد
يكون همزا كما لو ذكرها في حضوره ، وقد يكون إذاعة لسره وتعييرا له ، وقد يذكره
بما ليس فيه بداعي الذم فيكون بهتانا ، وهذه العناوين محرمة قطعا فلذا حرم الهجاء.
ثم مقتضى ما ذكر
حرمة الهجاء لمطلق المؤمن فاسقا كان أو عادلا ، وما ورد من جواز غيبة الفاسق بفسقه
مثل خبر هارون بن الجهم عن أبي عبد الله (إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا
غيبة) ، إنما هو مختص بالغيبة فقط فلا يشمل الهجاء.
(٢) من المخالفين
والكفار ، أما الكفار فلما روته العامة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه أمر حسانا بهجوهم وقال : (إنه أشد عليهم من رشق النبال)
، وأما المخالفون فالسيرة : من العلماء وغيرهم قائمة على ذلك وفي الجواهر قال
: (بل لعل هجاؤهم على رءوس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقية) خصوصا
أئمتهم لصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة
منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في
الإسلام ، ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع
لكم به الدرجات في الآخرة) ومثله غيره.
__________________
لو سمعه مع اتصافه به
(١) ، وفي حكم القول الإشارة باليد وغيرها من الجوارح ، والتحاكي بقول ، أو فعل
كمشية الأعرج ، والتعريض كقوله : أنا لست متصفا بكذا ، أو الحمد لله الذي لم
يجعلني كذا ، معرّضا بمن يفعله ، ولو فعل ذلك بحضوره (٢) ، أو قال فيه ما ليس به
(٣) فهو أغلظ تحريما ، وأعظم تأثيما ، وإن لم يكن غيبة اصطلاحا. واستثني منها (٤)
نصح المستشير (٥) ، وجرح الشاهد (٦) ،
______________________________________________________
ـ يقم عليه فيه حد)
، والغيبة لا تختص باللسان بل تشمل الإشارة إلى عيوب أخيك المستورة لما روي
عن عائشة (أنها قالت : دخلت علينا امرأة ، فلما ولت أومأت بيدي أي قصيرة ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اغتبتيها) ، وإن كان ظاهره تحقق الغيبة بالأمور الظاهرة ، وهو غير
معمول به من هذه الجهة.
(١) وإلا كان
افتراء وبهتانا.
(٢) فهو إيذاء
للمؤمن وتعيير له إن قصد ذمه.
(٣) فهو بهتان.
(٤) من الغيبة
المحرمة.
(٥) للنبوي (أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها : أما معاوية فرجل
صعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله عليهالسلام (من استشار أخاه
فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله عزوجل رأيه) .
(٦) أي جرح شهود
البينة صونا لأموال الناس وعرضهم وأنفسهم ، وإلا لو لم يجز لأمكن أن يدعي الشخص ما
يشاء ويقيم على دعواه من أشباه الهمج والرعاع بل والفسقة ويشهدون له على ما يريد ،
وكذلك تجوز الغيبة لجرح الرواة الضعفاء إذ يتوقف عليه حفظ الدين وصيانة شريعة سيد
المرسلين ، وقد جرت سيرة الأصحاب على ذلك ولهم في ذلك كتب مفصلة ، بل قوله تعالى :
(إِنْ جٰاءَكُمْ
فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) فمن بيان حال الفاسق الحامل للخبر يستفاد جواز جرح أمثاله
، وهم المخبرون فيما لو تعلق بأموال الناس وديانتهم وأعراضهم ودمائهم.
__________________
والتظلم (١)
وسماعه ، وردّ من ادعى نسبا ليس له (٢) ، والقدح في مقاله ، أو دعوى باطلة في
الدين (٣) ، والاستعانة على دفع المنكر (٤) ، وردّ العاصي إلى الصلاح ، وكون
المقول فيه مستحقا للاستخفاف ، لتظاهره بالفسق (٥) ، والشهادة
______________________________________________________
(١) أي إظهار
المظلوم لما فعله به الظالم ، وإن كان الظالم مستترا به ، لقوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ
فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) ، وقوله تعالى : (لٰا يُحِبُّ
اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ) مع ضميمة ما أرسله الطبرسي في مجمع البيان في تفسير قوله
تعالى : (لٰا يُحِبُّ
اللّٰهُ الْجَهْرَ ...) الآية ، عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن الضيف ينزل
بالرجل فلا يحسن ضيافته ، فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله) ، فإذا جاز للمضيف ذكر ما ظلم به من الضيافة اللائقة بحقه
فغيره من المظلومين أولى.
وإذا جاز التظلم
جاز استماعه لعدم التفكيك بينهما.
(٢) لأن مصلحة
الأنساب أولى خصوصا إذا ترتب على دعواه أثر من الإرث والنظر إلى النساء الأجنبيات.
(٣) لأن صيانة
الشريعة المقدسة أولى.
(٤) بحيث لا يرتدع
العاصي إلا باغتيابه لعموم أدلة وجوب ردع المنكر ، بل غيبته إحسان في حقه.
(٥) فلا غيبة
للمتجاهر بالفسق بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر هارون
بن الجهم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا جاهر الفاسق
بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة) وخبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام (ثلاثة ليس لهم
حرمة : صاحب هوى مبتدع ، والإمام الجائر ، والفاسق المعلن بالفسق) والنبوي المشهور (لا غيبة لفاسق) ، والنبوي الآخر (من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له) ، ولا نافية للجنس فيجوز اغتيابه فيما لم يتجاهر به
بالإضافة إلى إطلاق الخبرين الأولين ، فضلا عن مفهوم خبر سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (من عامل الناس
فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم ، كان ممن حرمت غيبته وكملت ـ
__________________
على فاعل المحرم
حسبة (١) وقد أفردنا لتحقيقها رسالة شريفة (٢) من أراد الاطلاع على حقائق أحكامها
فليقف عليها.
(وحفظ كتب الضلال) (٣) عن التلف ، أو عن ظهر القلب ، (ونسخها ودرسها) قراءة ، ومطالعة ، ومذاكرة ، (لغير النقض) لها ، (أو الحجة) على أهلها بما اشتملت عليه مما يصلح دليلا لإثبات الحق ،
أو نقض الباطل لمن كان من أهلها ، (أو التقية) وبدون ذلك يجب إتلافها ، إن لم يمكن إفراد مواضع الضلال ،
وإلا اقتصر عليها (٤) ، (وتعلم السحر) (٥) ...
______________________________________________________
ـ مروته وظهر عدله
ووجبت أخوته) .
(١) أي احتسابا
للأجر عند الله جلّ وعلا ، وقد تقدم في باب الشهادات الأمر بتحمل الشهادة وأدائها
وهذا بحسب الغالب شهادة على الناس بما يفعلونه من المحرمات كالزنا واللواط
ونحوهما.
(٢) اسمها (كشف
الريبة في أحكام الغيبة).
(٣) بلا خلاف فيه
لخبر تحف العقول عن أبي عبد الله عليهالسلام (وكل منهي عنه مما
يتقرب به لغير الله تعالى أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي ، أو باب
يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب
فيه ـ إلى أن قال ـ إنما حرّم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجيء منها
الفساد محضا ـ إلى أن قال ـ وما يكون منه وفيه الفساد محضا ، ولا يكون منه ولا فيه
شيء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذه الأجرة عليه ، وجميع
التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها) ، ولا يخفى إمكان الاستدلال بالفقرات الثلاث ، ومنها تعرف
حرمة نسخها ودرسها وتدريسها والمساعدة على نشرها وقراءتها إلا للنقض عليها على أن
يكون النقض من أهله.
(٤) على مواضع
الضلال.
(٥) بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : خبر
السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل ، قيل يا
رسول الله : لم لا يقتل ساحر الكفار؟ ـ
__________________
وهو (١) كلام ، أو
كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه ، أو عقله ،
______________________________________________________
ـ قال : لأن الشرك
أعظم من السحر ، لأن الشرك والسحر مقرونان) ، وخبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام (أن عليا عليهالسلام قال : من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر ، وكان
آخر عهده بربه ، وحدّه أن يقتل إلا أن يتوب) .
(١) الكلام في
حقيقة السحر وموضوعه ، وقد وقع الخلاف في حقيقته ، ففي اللغة أنه كل ما لطف مأخذه
ودق فهو سحر كما في لسان العرب والقاموس ، أو أنه صرف الشيء عن وجهه كما عن
الأزهري ، أو أنه الخدع كما نقله ابن فارس عن بعضهم ، أو أنه إخراج الباطل في صورة
الحق كما عن ابن فارس في مجمله.
وفي الفقه فقد ذهب
العلامة في القواعد والتحرير والتذكرة أن السحر هو كلام يتكلم به أو يكتبه أو
رقيّة أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ، وتبعه
عليه إيضاح النافع والتنقيح والكفاية ومجمع البحرين ، وزاد في المنتهى على هذا
التعريف (أو عقدا) وزاد في المسالك (أو أقسام أو عزائم) ، وزاد في الدروس (والدخنة
والتصوير والنفث وتصفية النفس).
وعن فخر المحققين (أن
السحر استحداث الخوارق بمجرد التأثيرات النفسانية) وعن الفاضل المقداد في التنقيح
أنه (عمل يستفاد من ملكة نفسانية ، يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية).
وعن العلامة
المجلسي (أنه مختص بكل أمر يخفى سببه). ثم إن الشهيدين اعتبرا أن استخدام الملائكة
والجن والشياطين من أقسام السحر وهو على إطلاقه مشكل نعم يصح باعتبار ما يترتب
عليه من صرف الشيء عن حقيقته ظاهرا بحسب النظر والعين.
ونقل عن السيد
الجزائري في شرح التهذيب : (ولما جهلت أسباب السحر وتزاحمت بها الظنون اختلفت
الطرق إليه ، فطريق أهل الهند تصفية النفس وتجريدها عن الشواغل البدنية بقدر
الطاقة البشرية ، لأنهم يرون أن تلك الآثار إنما تصدر عن النفس البشرية ، ومتأخرو
الفلاسفة يرون رأي الهند ، وطائفة من الأتراك تعمل بعملهم أيضا.
وطريق النبط عمل
أشياء مناسبة للغرض المطلوب مضافة إلى رقية ودخنة بعزيمة في وقت مختار ، وتلك
الأشياء تارة تكون تماثيل ونقوشا وتارة عقدا بعقد والنفث عليها ، وتارة كتبا تكتب
وتدفن في الأرض وتطرح في الماء أو تعلق في الهواء أو تحرق بالنار ، وتلك الرقية
تضرع إلى الكوكب الفاعل للغرض المطلوب ، وتلك الدخنة عقاقير منسوبة إلى ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ الكواكب
لاعتقادهم أن تلك الآثار إنما تصدر عن الكواكب.
وطريق اليونان
تسخير روحانيات الأفلاك والكواكب ، واستنزال قواها بالوقوف لديها والتضرع إليها ،
لاعتقادهم أن هذه الآثار إنما تصدر عن روحانيات الأفلاك والكواكب لا عن أجرامها.
ـ إلى أن قال ـ وطريق
العبرانيين والقبط والعرب الاعتماد على ذكر أسماء مجهولة المعاني ، كأنها أقسام
وعزائم بترتيب خاص يخاطبون بها حاضرا ، لاعتقادهم أن هذه الآثار إنما تصدر عن الجن
، وزعموا أن تلك الأقسام تسخّر ملائكة قاهرة للجن) انتهى كلامه.
ومن هذا الكلام
الأخير تعرف أن اختلاف طرق السحر من كتابة أو استعانة بكوكب أو تسخير للجن أو
تأثير بالنفس لا يكون هو السحر بل السحر هو صرف الشيء عن حقيقته ظاهرا لا واقعا
لقوله تعالى : (فَإِذٰا
حِبٰالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ
أَنَّهٰا تَسْعىٰ) ولقوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ
النّٰاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) وفي خبر الاحتجاج عند ما سأل الزنديق (أفيقدر الساحر أن
يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام : هو أعجز من ذلك ، وأضعف من أن يغيّر خلق الله ، إن من
أبطل ما ركبه الله وصوّره وغيّره فهو شريك الله في خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا ، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة والأمراض ، ولنفى
البياض عن رأسه والفقر عن ساحته) ولذا ذهب الكثير إلى أن السحر أمر تخييلي لا حقيقة له.
وذهب بعضهم
كالكركي والقطيفي والأردبيلي وصاحب مجمع البحرين وصاحب الجواهر إلى أن بعضه تخييلي
وبعضه حقيقي ، وقد صرح صاحب مجمع البحرين بأن الحقيقي منحصر في تأثيره في التفريق
بين المرء وزوجه لا غير ، وتقسيمه بين الحقيقي والتخييلي هو الأقوى جمعا بين ما
تقدم وبين قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا
مٰا تَتْلُوا الشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ ،
وَمٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَلٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ ، وَمٰا أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَمٰارُوتَ ، وَمٰا
يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولٰا إِنَّمٰا
نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلٰا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمٰا هُمْ
بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ) ثم إن الحقيقي غير منحصر بتفريق المرء عن زوجه بالقلب بأن
يلقي البغضاء ـ
__________________
ومنه عقد الرجل عن
حليلته ، وإلقاء البغضاء بينهما واستخدام الجن والملائكة (١) ، واستنزال الشياطين
في كشف الغائبات (٢) ، وعلاج المصاب ، وتلبسهم ببدن صبي ، أو امرأة في كشف أمر على
لسانه ونحو ذلك ، فتعلّم ذلك كله وتعليمه حرام ، والتكسب به سحت ، ويقتل مستحله.
والحق أن له أثرا
حقيقيا وهو أمر وجداني ، لا مجرد التخييل كما زعم كثير.
ولا بأس بتعلمه
ليتوقى به ، أو يدفع (٣) سحر المتنبّئ به ، وربما وجب على الكفاية لذلك كما اختاره
المصنف في الدروس.
______________________________________________________
ـ بينهما بل الأعم
منه ومن منعه من مجامعة النساء ، ففي خبر الاحتجاج المتقدم قال عليهالسلام (إن الساحر عالج
الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ) ، وفي طب الأئمة عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث (والسحر حق ، وما سلّط السحر إلا على العين والفرج)
، وإذا عرفت أن السحر هو صرف الشيء عن حقيقته ظاهرا لا واقعا وإلقاء البغضاء
في القلوب وجعل الرجل غير قادر على مجامعة النساء ، وعرفت أن طرقه متعددة فقد يكون
ذلك بتأثير تصفية النفوس ، وقد يكون ذلك بالرقى والعزائم والأقسام والكتب وعقد مع
نفث ودخنة ، وقد يكون ذلك بأعمال جسدية بدعوى أنها تضرع إلى روحانيات الأفلاك
والكواكب ، وقد يكون ذلك بذكر أسماء مجهولة المعاني ، ولعل اختلاف الطرق في تحقق
السحر هو الذي أوجب اختلاف تعاريفه عند الفقهاء.
وعلى كل فقد عرفت
معناه وطرقه ، وهو محرم سواء أثر في بدن المسحور أو عقله أو لا كما هو إطلاق أدلة
تحريمه المتقدمة ، فما عن الشهيدين من اختصاص الحرمة بالمؤثر منه خاصة ليس في
محله.
(١) قد عرفت
الأشكال في إطلاقه.
(٢) ليس من السحر
في شيء بل هو من الكهانة كما سيأتي ، وأما علاج المصاب بالاستنزال وتلبسهم ببدن
الصبي أو المرأة فليس من السحر بشيء نعم قد يكون من الطرق المؤدية للسحر بمعنى أن
تكون هذه المذكورات سببا في صرف الشيء عن حقيقته ظاهرا لا باطنا.
(٣) مقتضى الأدلة
عدم جواز تعلمه إلا لدفع محذور أشد.
__________________
(والكهانة) (١) بكسر الكاف وهي عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له فيما يأمره
به ، وهو قريب من السحر ، أو أخص منه.
______________________________________________________
(١) لا خلاف في
حرمتها للأخبار.
منها : خبر أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (من تكهن أو تكهن
له فقد برئ من دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهمالسلام في حديث المناهي :(أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن إتيان العراف ، وقال : من أتاه وصدقه فقد برئ مما
أنزل الله عزوجل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم) وقال الحر عقيب هذا الخبر : (فسّر بعض أهل اللغة العراف
بالكاهن ، وبعضهم بالمنجم) ، وصحيح الهيثمي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن
الشيء يسرق أو شبه ذلك فنسأله ، فقال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر
بما أنزل الله من كتاب) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (السحت ثمن الميتة
وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن) ومثله خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن جعفر بن محمد عن
آبائه عليهمالسلام في وصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام (قال : يا علي من
السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر الزانية والرشوة في الحكم وأجر
الكاهن) ، وغير ذلك من الأخبار التي أوردها المحدث النووي رحمهالله في كتابه . ومقتضى هذه الأخبار حرمة تعلمها وتعليمها والتكسب بها
واستعمالها والإتيان إلى الكاهن يصدقه فيما يقول.
وإنما الكلام في
موضوعها ، ففي النهاية الأثيرية (أن الكاهن من يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل
الزمان) ، وهو ظاهر في اختصاص الكهانة بالإخبار عن المستقبل ، والمشهور بين
الفقهاء في تعريف الكاهن ما في القواعد للعلامة (أن الكاهن هو الذي له رائد من
الجن يأتيه بالأخبار) وهو ظاهر في الأعم من الأخبار الماضية والحالية والمستقبلية
، هذا وقد وقع الخلاف في أنها هل تختص بالإخبار عن المستقبل أم تعمه وتعم الحاضر
والماضي ، ووقع البحث بينهم في أنها تختص بما يقذف بواسطة الشياطين أو الأعم منه
وما يستفيده من مقدمات الأشياء والفراسة ، وإن كان الثاني له اسم خاص ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وهو العرّاف ،
ووقع البحث في أن الكهانة تشمل الإخبار عن الأمور السفلية الأرضية أو الأعم منها
ومن السماوية والأصل في ذلك كله خبر الاحتجاج فقد سأل الزنديق (فمن أين أصل
الكهانة ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟
قال أبو عبد الله عليهالسلام : إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل ،
كان الكاهن بمنزلة الحاكم ، يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم ،
فيخبرهم عن أشياء وتحدث ، وذلك من وجوه شتى : فراسة العين وذكاء القلب ووسوسة
النفس وفتنة الروح مع قذف في قلبه ، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك
يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف ، وأما
أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تحجب ولا
ترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من
خبر السماء ، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ، لإثبات الحجة ونفي الشبهة ،
وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه
فيختطفها ، ثم يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قد زاد كلمات من عنده
فيخلط الحق بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو مما أراه إليه
الشيطان مما سمعه ، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمنذ منعت الشياطين عن
استراق السمع انقطعت الكهانة ، واليوم إنما تؤدي إلى الشياطين إلى كهانها أخبارا
للناس بما يتحدثون به وما يحدثونه ، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد
من الحوادث من سارق سرق ، ومن قاتل قتل ، ومن غائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أيضا
صدوق وكذوب) .
وهذا الخبر اللائح
منه أمارات الصدق يدل على أن الكهانة أعم من معرفة الكاهن بواسطة التابع الجني له
أو بواسطة مقدمات وأسباب من فراسة وذكاء ، ويدل على أن الكهانة أعم من الأخبار
بالأمور السفلية ومن السماوية ، وإن كان عند ولادة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وهذا مستفاد من أدلة أخرى منعت الشياطين عن استراق السمع
فانقطعت الكهانة المتعلقة بأخبار السماء ، وبقيت الكهانة المتعلقة بالأمور السفلية
، ويدل على أن الكهانة هو الإخبار عن الأعم من المستقبل والماضي والحاضر.
ثم إن المنع من
استراق السمع قد تحقق عند ولادة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم لما ورد في تفسير ـ
__________________
(والقيافة) (١) وهي الاستناد إلى علامات وأمارات ، يترتب عليها إلحاق نسب
______________________________________________________
ـ قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمٰا
ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّٰهُ أَحَداً ، وَأَنّٰا لَمَسْنَا
السَّمٰاءَ فَوَجَدْنٰاهٰا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً
، وَأَنّٰا كُنّٰا نَقْعُدُ مِنْهٰا مَقٰاعِدَ لِلسَّمْعِ
فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهٰاباً رَصَداً) ، فقد ذكر في كتاب الاحتجاج للطبرسي في احتجاج أمير
المؤمنين عليهالسلام على اليهودي عند ما قال : (فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون
أنه تكلم في المهد صبيا؟
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض ، ورافعا يده
اليمنى إلى السماء ، يحرّك شفتيه بالتوحيد ، وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور
بصرى من الشام وما يليها ، والقصور الحمر من أرض اليمين وما يليها ، والقصور البيض
من اسطخر وما يليها ، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى فزعت الجن والأنس والشياطين ، وقالوا : حدث في الأرض
حدث ، ولقد رأى الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس ، وتضطرب النجوم
وتتساقط علامة لميلاده ، ولقد همّ إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في
تلك الليلة ، وكان له مقعد في السماء الثالثة والشياطين يسترقون السمع ، فلما رأوا
العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع ، فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلها ، ورموا
بالشهب دلالة لنبوته صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، وقال الله تعالى
: (إِلّٰا مَنِ
اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهٰابٌ مُبِينٌ) ، وفي تفسير علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية : (فلم تزل
الشياطين تصعد إلى السماء وتنجس حتى ولد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) .
(١) ففي الصحاح
والقاموس والمصباح وتاج العروس القائف من يعرف الآثار ، وفي مجمع البحرين والنهاية
الأثيرية زيادة على ذلك وهي : ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه ، وفي جامع المقاصد
وإيضاح النافع والميسية والمسالك إنها إلحاق الناس بعضهم ببعض ، وفي المنجد : هو
الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود.
وأطلق جماعة
الحرمة ، وقيدها الشهيد بما إذا ترتب على القيافة محرم ، وزاد في الميسية وجامع
المقاصد والمسالك والروضة ما إذا جزم بها ، هذا ولا بد من البحث تارة في ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ تعلمها وأخرى في
ترتب الأثر عليها ، فمن الناحية الأولى قال في الحدائق (لا خلاف في تحريم تعليمها)
وأشكل عليه بعدم الدليل على حرمة التعلم ، وأما من الناحية الثانية بمعنى ترتيب
الأثر على ما استخرجه القافي من ثبوت النسب أو نفيه ، وهو المراد من القيافة
المحرمة في المقام واستدل عليه من أنه إثبات للنسب أو نفيه بالاستحسان ، وهذا مناف
لما قرر في الشريعة من أن الولد للفراش واستدل عليه بخبر الجعفريات عن علي بن أبي
طالب عليهالسلام (من السحت ثمن
الميتة إلى أن قال ـ وأجر القافي) والحديث المروي في مجمع البحرين قال : (وفي الحديث لا آخذ
بقول قائف) وقال في مفتاح الكرامة (وهذا الخبر لم أجده في الهداية
للحر ولا في النهاية الأثيرية ، ولو كان من طرقنا أو طرق العامة ما شذّ عن هذين
الكتابين) ، وعلى كل ففي غيره كفاية وغنىّ.
وخبر زكريا بن
يحيى بن النعمان الصيرفي قال : سمعت علي بن جعفر يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن
الحسين فقال (والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليهالسلام ، فقال له الحسن : إي والله جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته
، فقال علي بن جعفر : إي والله ونحن عمومته بغينا عليه ، فقال له الحسن : جعلت
فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟
قال : قال له
إخوته ونحن أيضا : ما كان فينا إمام قطّ حائل اللون ، فقال لهم الرضا عليهالسلام : هو ابني ، قالوا : فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد قضى بالقافة ، فبيننا وبينك القافة ، قال : ابعثوا أنتم
إليهم ، فأما أنا فلا ، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم.
فلما جاءوا
اقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته واخذوا الرضا عليهالسلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ، ووضعوا على عنقه مسحاة ،
وقالوا له : أدخل البستان كأنك تعمل فيه ، ثم جاءوا بأبي جعفر عليهالسلام فقالوا : الحقوا هذا الغلام بأبيه ، فقالوا : ليس له هاهنا
أب ولكن هذا عم أبيه ، وهذا عم أبيه ، وهذا عمه ، وهذه عمته ، وإن يكن له هاهنا أب
فهو صاحب البستان ، فإن قدميه وقدميه واحدة ، فلمّا رجع أبو الحسن عليهالسلام قالوا : هذا أبوه.
قال علي بن جعفر :
فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليهالسلام ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله) الخبر ... ـ
__________________
ونحوه ، وإنما
يحرم إذا رتّب عليها محرم ، أو جزم بها ، (والشعبذة) (١) وهي
______________________________________________________
ـ وقد استدل به
على التحريم باعتبار قوله عليهالسلام (ابعثوا أنتم
إليهم فأما أنا فلا) فهو يدل على حرمة العمل بقول القائف ، وفيه : إن الخبر ضعيف
السند بزكريا بن يحيى ، ومشتمل على عرض أخوات الإمام المعصوم عليهالسلام على الأجانب لقول القائف : وهذه عمته ، ودعوى أنها للضرورة
وهي تبيح المحظور مردودة لأن معرفة بنوة الإمام الجواد عليهالسلام لا تتوقف على إحضار النساء وكشف أستارهن ، بالإضافة إلى أن
إباء الإمام عليهالسلام عن دعوته للقافة لعله من أجل الزيادة في نفي الريب عنه ،
على أن الخبر قد تضمن عمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقول القافة وأنه قضى اعتمادا على ذلك وهو المروي في كتب
العامة. فالعمل به مشكل. نعم استدل على التحريم أيضا بخبر أبي بصير عن أبي عبد
الله عليهالسلام (من تكهن أو تكهن
له فقد برئ من دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قلت : فالقيامة ـ فالقافة ـ خ ـ قال : ما أحب أن تأتيهم
، وقيل : ما يقولون شيئا إلا كان قريبا مما يقولون فقال عليهالسلام : القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) وهو غير صريح في حرمة العمل بقول القافي في الأنساب ، إلّا
أنّ ما تقدم فيه الكفاية.
(١) هي الحركة
السريعة أو خفة في اليد بحيث يظهر شيئا آخر لم يكن متوقعا قال في القاموس (الشعبذة
: الشعوذة ، خفة في اليد وأخذ كالسحر ، يرى الشيء بغير ما عليه في رأي العين) ،
وعن العلامة عدم الخلاف في حرمتها لخبر الاحتجاج فقد سأل الزنديق (فأخبرني عن
السحر ما أصله؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه ، وما يفعل؟
قال أبو عبد الله عليهالسلام : إن السحر على وجوه شتى ، وجّه منها بمنزلة الطب ، كما إن
الأطباء وصفوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر ، احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية
عاهة ، ولكل معنى حيلة ، ونوع آخر منه خطفة وسرعة ومخاريق وخفة) وظاهره أن الشعبذة قسم من أقسام السحر وفيه : إنه قد عدّ
من السحر النميمة حيث قال عليهالسلام فيما بعد (وإن من أكبر السحر النميمة يفرّق بها بين
المتحابين ويجلب العداوة على المتصافيين ، ويسفك بها الدماء ويهدم بها الدور ويكشف
بها الستور) فإطلاق السحر على النميمة دليل على أن الإمام عليهالسلام في مقام ما يطلق عليه السحر ولو مجازا فلم يبق إلا دعوى
الإجماع على الحرمة كما عن العلامة وغيره.
__________________
الأفعال العجيبة
المترتبة على سرعة اليد بالحركة فيلبّس على الحس. كذا عرفها المصنف ، (وتعليمها) (١) كغيرها من العلوم والصنائع المحرمة ، (والقمار) (٢)
______________________________________________________
(١) أي وتعليم
الكهانة والقيافة والشعبذة باعتبار أنها من الصناعات المحرمة فتندرج في قوله عليهالسلام كما في خبر تحف العقول (وما يكون منه وفيه الفساد محضا ،
ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ
الأجرة عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات) .
(٢) لا خلاف في
حرمته ويدل عليه قوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصٰابُ
وَالْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، والأخبار.
منها : خبر الوشاء
عن أبي الحسن عليهالسلام يقول (الميسر هو القمار) وخبر جابر عن أبي جعفر عليهالسلام (لما أنزل الله
على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ ...) الآية ، قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ قال : كل ما تقومر
به حتى الكعاب والجوز) ومرسل العياشي عن الإمام الرضا عليهالسلام (الميسر هو القمار)
ومرسله الآخر عنه عليهالسلام (سمعته يقول : إن
الشطرنج والنرد وأربعة عشر وكل ما قومر عليه منها فهو ميسر) ، بل قال الفاضل الجواد في مفتاحه : (وأما الأخبار فإنها
قد تزيد على خمسة عشر خبرا ، وكما تضمنت تحريم اللعب بذلك والأكل منه تضمنت حرمة
حضور المجالس التي يلعب فيها والنظر إلى ذلك ، وفيها الصحيح) انتهى.
وبعد ما عرفت أن
الميسر هو القمار فقد وقع الخلاف بينهم في معناه على أقوال : الأول : إنه الرهن
بشيء على اللعب بالآلات المعدة للقمار كالشطرنج ونحوه ، كما هو ظاهر القاموس
والنهاية ومجمع البحرين.
الثاني : إنه
اللعب بالآلات المعدّة للقمار سواء كانت برهن أو لا ، كما هو ظاهر الصحاح
والمصباح.
الثالث : إنه مطلق
المغالبة وهو اللعب للفوز سواء كان بآلة معدة للقمار أو لا ، وسواء كان برهن أو لا
، وقائله غير معروف.
الرابع : إنه مطلق
الرهن على اللعب سواء كان بآلة معدة للقمار أو لا ، وإليه ذهب جماعة وهو الصحيح
ويدل عليه التبادر من لفظ القمار مع شهادة بعض أهل اللغة بذلك ففي ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : هن يا حسن ، فقالت فاطمة : يا رسول الله ، لم تقول
هن يا حسن ، فقال : إن جبرئيل عليهالسلام يقول : هن يا حسين ـ إلى أن قال ـ وعن جعفر بن محمد عن
أبيه أن الحسن والحسين كانا يصطرعان فاطلع عليّ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : ويها الحسن فقال علي : يا رسول الله على الحسين
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن جبرئيل عليهالسلام يقول : ويها الحسين) وأما اللعب بالآلات المعدة للقمار كالشطرنج والنرد من دون
مراهنة فلا خلاف في حرمته للأخبار.
منها : خبر تحف
العقول من أبي عبد الله عليهالسلام (إنما حرّم الله
الصناعة التي هي حرام كلها التي يجيء منها الفساد محضا ، نظير البرابط والمزامير
والشطرنج وكل ملهو به ، والصلبان والأصنام وما أشبه من ذلك من صناعة الأشربة
الحرام وما يكون منه وفيه الفساد محضا ، ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح
فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه
الحركات) وصحيح معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليهالسلام (النرد والشطرنج
والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكل ما قومر عليه فهو الميسر) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام (النرد والشطرنج
فهو الميسر) ومرسل عبد الله بن جندب عن أبي عبد الله عليهالسلام (الشطرنج ميسر
والنرد ميسر) وخبر الفضيل (سألت أبا جعفر عليهالسلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس ، النرد والشطرنج حتى
انتهيت إلى السدر ، فقال : إذا ميّز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قال : مع
الباطل ، قال : فما لك والباطل؟) ، وخبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن الشطرنج
والنرد فقال : لا تقربوهما) وخبر مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن الشطرنج
فقال : دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله) ومثلها كثير. ودعوى انصرافها إلى خصوص اللعب بها مع الرهن
غير مسموعة ، لأن الانصراف إن كان من ناحية الاستعمال فالشطرنج والنرد يطلقان على
نفس الآلة ، وإن كان من ناحية الغلبة فاستعمالها بدون الرهن أكثر.
بل في خبر أبي
الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام (في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...) ـ
__________________
بالآلات المعدة له
(١) ، حتى اللعب بالخاتم ، والجوز ، والبيض (١) ، ولا يملك ما يترتب عليه من الكسب
، وإن وقع من غير المكلف ، فيجب رده على مالكه ، ولو قبضه غير مكلّف فالمخاطب برده
الولي (٣) ، فإن جهل مالكه تصدّق به عنه ، ولو انحصر في محصورين وجب التخلص منهم (٤)
ولو بالصلح ، (والغش) (٥) بكسر
______________________________________________________
ـ الآية ، قال :
أما الخمر فكل مسكر من الشراب ـ إلى أن قال ـ وأما الميسر فالنرد والشطرنج وكل
قمار ميسر ـ إلى قال ـ وكل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام محرم) ومن الواضح أن المراد من الشطرنج والنرد هنا نفس الآلة لا
اللعب بها مع الرهن بدليل قوله فيما بعد (وكل قمار) وقوله (والانتفاع بشيء) ،
ومثله صحيح معمر المتقدم.
فالمتحصل حرمة
اللعب مع الرهن لأنه قمار وحرمة اللعب بالنرد والشطرنج والأربعة عشر وغيرها لهذه
الأخبار ، ولا خصوصية فيما ذكر إلّا لكونها آلة معدّة للقمار فيحرم اللعب بكل آلة
معدّة للقمار ، ولو من دون الرهن هذا من جهة ومن جهة أخرى فالشطرنج أصله فارسي
ولذا قال الإمام في خبر مسعدة المقدم (دعوا المجوسية) ، وقال في المنجد عن الشطرنج
(لعبة مشهورة معرّب شترنگ بالفارسية ، أي ستة ألوان ، وذلك لأن له ستة أصناف من
القطع التي يلعب بها فيه ، وهي الشاه والفرزان والفيل والفرس والرخ والبيدق).
وأما النرد فهو
المسمى في عرفنا بالطاولة ، وما توهم أنه نفس الزهر ليس في محله ، قال في المنجد
عن النرد : (لعبة وضعها أحد ملوك الفرس تعرفها العامة بلعب الطاولة) ، وصرح في
مجمع البحرين بأن الذي وضعها هو : سابور بن أردشير بن بابك.
(١) ولو من دون
الرهن.
(٢) مع الرهن.
(٣) لأنه هو
المكلف.
(٤) لقاعدة
الاشتغال.
(٥) بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : صحيح هشام
بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام (ليس منا من غشنا)
وصحيحه الآخر عنه عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لرجل يبيع التمر : يا فلان أما علمت أنه ليس من المسلمين
من غشهم) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ـ
__________________
الغين (الخفي) ، كشوب اللبن
بالماء ، ووضع الحرير في البرودة ليكتسب ثقلا ، ويكره بما لا يخفى (١) ، كمزج
الحنطة بالتراب والتبن ، وجيدها برديئها (وتدليس الماشطة) (٢) بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها ، من تحمير وجهها ،
ووصل
______________________________________________________
ـ يشاب اللبن
بالماء للبيع) ، وصحيح هشام بن الحكم (كنت أبيع السابري في الظلال فمرّ
بي أبو الحسن الأول موسى عليهالسلام راكبا فقال لي : يا هشام ، إن البيع في الظلال غش ، والغش
لا يحلّ) وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهمالسلام في حديث المناهي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه قال : ومن غش
مسلما في شراء أو بيع فليس منا ، ويحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق
للمسلمين ، وقال : ليس منا من غش مسلما ، وقال : ومن بات وفي قلبه غش لأخيه المسلم
بات في سخط الله وأصبح كذلك حتى يتوب) .
واعلم أن الغش ليس
له حقيقة شرعية أو متشرعية ، وإنما الغش عرفا يطلق على الخديعة والتلبيس ويتحقق
بالمعاملات بستر ما يخفى من غير المرغوب عند المشتري في المرغوب عنده ، وهذا لا
يتحقق إلا مع علم الغاشي وجهل المغشوش.
(١) أما مع عدم
الخفاء فلا يتحقق الغش للتمايز ، ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (سئل عن الطعام
يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض ، قال : إذا رؤيا جميعا فلا بأس ، ما لم يغط
الجيد الرديء) ، وعلى عدم التمايز حمل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الرجل
يكون عنده لونان من طعام واحد ، سعرهما بشيء وأحدهما أجود من الآخر فيخلطهما
جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد ، فقال : لا يصلح له أن يغشّ المسلمين حتى يبيّنه) .
(٢) التدليس هو
الغش وهو إظهار خلاف الواقع ، والماشطة من اتخذت التمشيط حرفة لها ، وهو من باب
إضافة المصدر إلى فاعله ، والتدليس لا يتحقق إلا إذا كان متعلقا بالغير في مقام
المعاملة ، وعليه فالمراد تدليس الماشطة للمرأة التي يراد تزويجها أو الأمة التي
يراد بيعها ، أو فعل المرأة بنفسها ذلك من أجل التزويج أو البيع ، وهو محرم بلا
خلاف فيه لحرمة التدليس والغش كما تقدم.
والتدليس يتحقق
هنا بإظهار حسن غير موجود عند وصل الشعور وتحمير الخدود أو ـ
__________________
شعرها ، ونحوه ،
ومثله فعل المرأة له من غير ماشطة ، ولو انتفى التدليس كما لو كانت مزوجة فلا
تحريم.
(وتزيين كل من الرجل والمرأة بما يحرم عليه) (١) كلبس الرجل السّوار ،
______________________________________________________
ـ إخفاء عيب موجود
فيها.
وأما تزيين المرأة
لنفسها أو بواسطة الماشطة فيما لو كان التزيين لنفسها أو لزوجها فلا حرمة فيه ، بل
يستحب إذا كان لزوجها ففي خبر سعد الإسكاف (سئل أبو جعفر عليهالسلام عن القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهن ،
فقال : لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها) .
(١) فهنا مسألتان
:
الأولى : يحرم على
الرجل لبس الحرير والذهب مطلقا سواء تزين بهما أو لا بلا خلاف للأخبار الكثير.
منها : خبر روح بن
عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمير المؤمنين عليهالسلام : لا تختم بالذهب ، فإنه زينتك في الآخرة) وخبر النميري عنه عليهالسلام (وجعل الله الذهب
في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه) وخبر إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يصلح للرجل أن
يلبس الحرير إلا في الحرب) ومرسل ابن بكير عنه عليهالسلام (لا يلبس الرجل
الحرير والديباج إلا في الحرب) .
المسألة الثانية :
يحرم على الرجل التزين بما يختص بالنساء وكذا العكس ، وما يختص بالنساء من قبيل
السوار والخلخال والثياب المختصة بهن بحسب العادة ، وما يختص بالرجال المنطقة
والعمامة وثيابهم المختصة بهم بحسب العادة ، وقد ذهب المقدس الأردبيلي إلى عدم
الحرمة ، وذهب الشارح والفاضل الجواد في مفتاحه وجماعة إلى الحرمة لخبر جابر عن
أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : لعن الله المحلّل والمحلّل له ـ إلى أن قال ـ والمتشبهين
من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) وخبر زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهمالسلام (أنه رأى رجلا به
تأنيث في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له : اخرج من مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يا لعنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم قال علي عليهالسلام : ـ
__________________
والخلخال ،
والثياب المختصة بها عادة. ويختلف ذلك باختلاف الأزمان والأصقاع ، ومنه (١) تزيينه
بالذهب وإن قل ، والحرير إلا ما استثنى (٢) ، وكلبس المرأة ما يختص بالرجل ،
كالمنطقة والعمامة.
(والأجرة على تغسيل الموتى وتكفينهم) (٣) وحملهم إلى المغتسل ، وإلى القبر ،
______________________________________________________
ـ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات
من النساء بالرجال) وفي حديث آخر (اخرجوهم من بيوتكم فإنهم أقذر شيء) ، وبالإسناد والمتقدم عن علي عليهالسلام (كنت مع رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم جالسا في المسجد حتى أتاه رجل به تأنيث فسلّم عليه ، فرد عليهالسلام ، ثم أكبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الأرض يسترجع ثم قال : مثل هؤلاء في أمتي ، إنه لم يكن
مثل هؤلاء في أمة إلا عذّبت قبل الساعة) ودعوى أن التشبه مخصوص بالتشبه بالطبيعة دون اللباس لخبر
أبي خديجة عن أبي عبد الله عليهالسلام (لعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء
بالرجال ، وهم المخنثون واللائي ينكحن بعضهن بعضا) .
مردودة لأن التشبه
أعم ويؤيده خبر سماعة عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهماالسلام (في الرجل يجر
ثيابه؟ قال : إني لأكره أن يتشبه بالنساء) والمرسل عن أبي عبد الله عن آبائه عليهمالسلام (كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء ، وينهي المرأة أن تتشبه
بالرجال في لباسها) .
(١) ومن تزيين
الرجل بما يحرم عليه.
(٢) حال الحرب
وعند القمّل كما تقدم في أحكام لباس المصلي.
(٣) قال في
المسالك (هذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه الفتوى ، وذهب المرتضى إلى جواز أخذ
الأجرة على ذلك لغير الولي بناء على اختصاص الوجوب به) والتأمل يعطي أن خلاف السيد
ليس خلافا في الحكم بل في الموضوع لأنه يرى تجهيز الميت على غير الولي غير واجب
فلذا جوّز له أخذ الأجرة ، ولم يجوّز أخذ الأجرة لغير الولي على تجهيز الميت وهو
واجب عليه.
وعلى كل اختلفت
كلمات الأصحاب في مسألة جواز أخذ الأجرة على الواجب على أقوال : ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ الأول : حرمة
أخذه الأجرة على الواجب وهذا هو المشهور.
الثاني : ما حكاه
الطباطبائي في مصابيحه عن فخر المحققين من التفصيل بين التعبدي فلا يجوز وبين
التوصلي فيجوز.
الثالث : ما حكاه
الشيخ الأعظم في مكاسبه عن فخر المحققين من التفصيل بين الكفائي التوصلي فيجوز
وبين غيره فلا يجوز.
الرابع : ما عن
الرياض من الجواز في الواجب الكفائي التوصلي الذي به ينتظم المعاش ، وبين المنع في
غيره.
الخامس : ما عن
مفتاح الكرامة من التفصيل بين ما كان الغرض الأهم منه هو الدين فلا يجوز ، وبين ما
كان الغرض الأهم منه الدنيا فيجوز.
السادس : ما ذهب
إليه الشيخ الأعظم في مكاسبه من التفصيل بين العيني التعييني التعبدي فلا يجوز وبين
الكفائي التوصلي والتخييري التوصلي فيجوز ، وفي التخييري التعبدي التردد.
السابع : ما نسب
للسيد المرتضى وقد تقدم ما فيه.
الثامن : ما عن
جماعة من متأخري المتأخرين من الجواز مطلقا.
والبحث تارة في
العبادية وأخرى في الوجوبية ، اللذان هما المانع المتوهم لعدم جواز أخذ الأجرة على
الواجبات.
أما في العبادية
فلا يصح أخذ الأجرة على العبادي ، لأن أخذ الأجرة عليه ينافي القربة والإخلاص ،
فالإتيان به بداعي التقرب المترتب على داعي أخذ الأجرة ينافي الإخلاص كما هو واضح
، ودعوى أن أخذ الأجرة لا ينافي الإخلاص بل يؤكده لأنه في طوله لا في عرضه ممنوعة
إذ يشترط في الإخلاص رجوع النية إلى الله تعالى.
ودعوى أن التقرب
بداعي طلب الولد أو سعة الرزق لا ينافي الإخلاص فكذا موردنا ففيها أن التقرب بداعي
طلب الولد من الله لا ينافي الإخلاص لأنه راجع إلى الله لأنه راجع إلى طلب مصلحة
دنيوية من الله جل وعلا ، بخلاف التقرب بداعي الأجرة من شخص فإنه ليس براجع إلى
الله فلذا نافى الإخلاص.
وعليه فلا يصح أخذ
الأجرة على الواجب العبادي بل والمستحب العبادي أيضا بناء على عمومية الدليل.
وأما البحث في
الوجوبية فقد استدل الشيخ بأن عمل الحر وإن كان مالا في نفسه لكنه إذا وجب سقط
احترامه لأن الوجوب عليه رافع لاختياره ولتسلطه على الترك فهو مقهور ـ
وحفر قبورهم ، (ودفنهم ، والصلاة عليهم) ، وغيرها من الأفعال الواجبة كفاية ، ولو اشتملت هذه
الأفعال على مندوب ، كتغسيلهم زيادة على الواجب ، وتنظيفهم ووضوئهم وتكفينهم
بالقطع المندوبة ، وحفر القبر زيادة على الواجب الجامع لوصفي : كتم الريح ، وحراسة
الجثة إلى أن يبلغ القامة ، وشق اللحد ، ونقله إلى ما يدفن فيه من مكان زائد على
ما لا يمكن دفنه فيه لم يحرم التكسب به (١).
(والأجرة على الأفعال الخالية من غرض حكمتي كالعبث) (٢) مثل الذّهاب إلى مكان بعيد ، أو في الظلمة ، أو رفع صخرة
، ونحو ذلك ، مما لا يعتد بفائدته عند العقلاء.
(والأجرة على الزنا) واللواط وما شاكلهما (٣).
(ورشا القاضي) بضم أوله وكسره مقصورا جمع رشوة بهما (٤) ، وقد تقدم (٥).
______________________________________________________
ـ على إيجاده
ويستوفى منه العمل من دون رضاه.
واستدل كاشف
الغطاء بأن إيجاب الفعل يوجب صيرورته مملوكا لله تعالى فلا يجوز تمليكه للغير
بالأجرة ، واستدل بأن بذل العوض على ما يجب على الأجير لغو فلذا يحرم أخذ الأجرة ،
واستدل بأن الإجارة متقومة بدفع العوض في قبال عمل الأجير العائد للمستأجر ،
والواجب على الأجير عمل يعود نفعه إليه لا للمستأجر فبذل المال بإزائه أكل له
بالباطل.
ولهذه الأدلة أو
لبعضها فلا يجوز أخذ الأجرة على الواجب سواء كان عينيا أو تعينيا أو كفائيا أو
تخييريا ، عباديا كان أو توصليا إلا في الواجب النظامي ، وهو ما وجب لحفظ النظام
كالحرف والصناعات المتوقف عليها النظام ، لأن النظام متوقف إيجاد هذه الصناعات
والحرف لا بشرط ، فأخذ العوض عليها لا ينافي وجوبها ، بل تحريم أخذ العوض عليها
مناف لنظام أهل الحرف والصناعات.
(١) أي بالمندوب
ولكن بشرط أن لا يكون عباديا.
(٢) فإن بذل العوض
في قباله سفهي فيكون أكل المال بإزائه أكلا له بالباطل.
(٣) من المحرمات ،
فإنه لا يجوز أخذ الأجرة على المحرم بعد عدم عود نفع محلّل للمستأجر ، وبعد عدم
كون الفعل مملوكا للعبد لتحريمه عليه.
(٤) أي بالضم
والكسر.
(٥) في باب
القضاء.
(والأجرة على الأذان والإقامة) على أشهر القولين (١) ، ولا بأس بالرزق من بيت المال ،
والفرق بينهما (٢) أن الأجرة تفتقر إلى تقدير العمل ، والعوض ، والمدة ، والصيغة
الخاصة ، والرزق منوط بنظر الحاكم ، ولا فرق في تحريم الأجرة بين كونها من معيّن ،
ومن أهل البلد والمحلة ، وبيت المال ، ولا يلحق بها (٣) أخذ ما أعدّ للمؤذنين من
أوقاف مصالح المسجد ، وإن كان مقدرا وباعثا على الأذان. نعم
______________________________________________________
(١) بل هو المشهور
كما قيل لما تقدم من حرمة أخذ الأجرة على المستحب العبادي ولخصوص أخبار.
منها : خبر زيد بن
علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهالسلام (أنه أتاه رجل
فقال : يا أمير المؤمنين والله إني أحبك لله ، فقال له : لكني أبغضك لله ، قال :
ولم؟ قال : لأنك تبغي في الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة)
، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهمالسلام (آخر ما فارقت
عليه حبيب قلبي أن قال : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذنا
يأخذ على آذانه أجرا) ، وخبر العلاء بن سيابة عن أبي جعفر عليهالسلام (لا يصلى خلف من
يبتغي على الأذان والصلاة أجرا ، ولا تقبل شهادته) ، وصحيح حمران عن أبي عبد الله عليهالسلام في خبر (ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ، ورأيت
المساجد محتشية ممن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق إلى ـ أن
قال ـ فكن على حذر واطلب إلى الله النجاة ، واعلم أن الناس في سخط الله عزوجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا) ، وخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليهالسلام (من السحت أجر
المؤذن ، يعني إذا استأجره القوم يؤذن لهم ، وقال : لا بأس بأن يجري عليه من بيت
المال) ، ومنها تعرف ضعف ما ذهب إليه جماعة من الكراهة منهم علم
الهدى والكاشاني ونقل عن الشهيد في الذكرى.
(٢) بين الأجرة
والرزق ، وقد تقدم من تفصيله في باب القضاء.
(٣) أي بالأجرة.
__________________
لا يثاب فاعله إلا
مع تمحض الإخلاص به كغيره من العبادات.
(والقضاء) (١) بين الناس لوجوبه ، سواء احتاج إليها أم لا ، وسواء تعين
عليه القضاء أم لا ، (ويجوز الرزق من بيت المال) وقد تقدم في القضاء أنه (٢) من جملة المرتزقة منه ، (والأجرة على تعليم الواجب من التكليف) (٣) سواء وجب عينا ، كالفاتحة والسورة ، وأحكام العبادات
العينية ، أم كفاية كالتفقّه في الدين ، وما يتوقف (٤) عليه من المقدمات علما
وعملا (٥) ، وتعليم المكلفين صيغ العقود والإيقاعات ونحو ذلك.
(وأما المكروه ـ فكالصرف) (٦) وعلل في بعض الأخبار بأنه لا يسلم فاعله
______________________________________________________
(١) على المشهور
لوجوبه عليه وقد تقدم حرمة أخذ الأجرة على الواجب ، ولخصوص صحيح عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن قاض بين
قريتين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق ، فقال : ذلك السحت) ، وخبر عمار بن مروان المروي في الخصال عن أبي عبد الله عليهالسلام (ـ إلى أن قال ـ والسحت
أنواع كثيرة ، منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة ، ومنها أجور القضاة وأجور
الفواجر ، وثمن الخمر والنبيذ والمسكر) الخبر.
ومما تقدم تعرف
ضعف ما ذهب إليه العلامة في المختلف من جواز أخذ الأجرة مع عدم التعين ، وما ذهب
إليه المفيد والقاضي من الجواز مطلقا.
(٢) أن القاضي.
(٣) وأحكام الدين
سواء كان تكليفية أو وضعية لما تقدم من حرمة أخذ الأجرة على الواجبات مطلقا.
(٤) أي التفقه.
(٥) كالكتابة
فيكون واجبا بالوجوب الغيري.
(٦) وكذا بيع
الأكفان وبيع الطعام وبيع الرقيق واتخاذ الذبح والنحر صنعة بلا خلاف في كراهة
المذكورات للأخبار.
منها : خبر إسحاق
بن عمار (دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فخبرته أنه ولد لي غلام ، قال : ألا سميته محمدا؟ قلت : قد
فعلت ، قال : فلا تضرب محمدا ولا تشتمه ، جعله الله ـ
__________________
من الربا ، (وبيع الأكفان) ، لأنه يتمنى كثرة الموت والوباء ، (والرقيق) لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «شر الناس من باع
الناس» (١) ، (واحتكار الطعام) (٢) وهو حبسه بتوقع زيادة السعر. والأقوى تحريمه مع استغنائه
عنه ، وحاجة الناس إليه ، وهو اختياره في الدروس ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون» (٣) ، وسيأتي الكلام في
بقية أحكامه ، (والذباحة) لإفضائها إلى قسوة القلب ، وسلب الرحمة ، وإنما تكره (٤)
إذا اتخذها حرفة وصنعة (٥) ، لا مجرد فعلها ، كما لو احتاج إلى صرف دينار ، أو بيع
كفن ، أو ذبح شاة ، ونحو ذلك ، والتعليل بما ذكرناه في الأخبار يرشد إليه ، (والنساجة) (٦) والمراد بها ما يعم الحياكة ، والأخبار متضافرة
______________________________________________________
ـ قرة عين لك في
حياتك ، وخلف صدق بعدك ، قلت : جعلت فداك في أي الأعمال أضعه؟ قال عليهالسلام : إذا عزلته عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت ، لا تسلمه صيرفيا
فإن الصيرفي لا يسلم من الربا ، ولا تسلمه بيّاع أكفان فإن صاحب الأكفان يسره
الوباء إذا كان ، ولا تسلمه بيّاع طعام فإنه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلمه
جزارا فإن الجزار تسلب منه الرحمة ، ولا تسلمه نخاسا ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : شر الناس من باع الناس .
(١) كما في خبر
إسحاق المتقدم.
(٢) ما تقدم كراهة
بيع الطعام لأنه مفضي إلى الاحتكار ، وأما الاحتكار فسيأتي الكلام فيه إنشاء الله
تعالى.
(٣) كما في خبر
ابن القداح عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) .
(٤) هذه
المذكورات.
(٥) وهو الظاهر من
الخبر حيث النهي عن التسليم إلى الصراف والجزار وبائع الأكفان والطعام والرقيق.
(٦) للأخبار.
منها : خبر أبي
إسماعيل الصيقل الرازي (دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام ومعي ثوبان فقال لي : يا أبا إسماعيل يجيئني من قبلكم
أثواب كثيرة ، وليس يجيئني مثل هذين ـ
__________________
بالنهي عنها ،
والمبالغة في ضعتها ، ونقصان فاعلها ، حتى نهي عن الصلاة خلفه.
______________________________________________________
ـ الثوبين ، فقلت
: جعلت فداك تغزلهما أم إسماعيل وأنسجهما أنا فقال لي : حائك؟ قلت : نعم ، فقال :
لا تكن حائكا ، فقلت : فما أكون؟ قال : كن صيقلا ، وكانت معي مائتا درهم فاشتريت
بها سيوفا ومرايا عتقا ، وقدمت بها الري فبعتها بربح كبير) ، وما رواه الشارح في شرح النفلية عن جعفر بن أحمد القمي
من كتابه الإمام والمأموم مسندا عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تصلوا خلف الحائك ولو كان عالما ، ولا تصلوا خلف
الحجام ولو كان زاهدا ، ولا تصلوا خلف الدباغ ولو كان عابدا) .
ثم هل النساجة
والحياكة مترادفان كما في الصحاح (نسج الثوب وحاكه واحد) وهو الظاهر من الخبر ، أم
أن النساجة تختص ببعض الأجناس وهو خصوص نسج الرقيق والحياكة لنسج غيره ، أو أن
النساجة أعم من الحياكة مطلقا احتمالات ، والأظهر الأول ، نعم لا تشمل النساجة نسج
الخوص لعدم الصدق عرفا ، وعلى فرض الشمول فلا بد من القول بخروجه عن الكراهة لأنه
عمل بعض الأنبياء والأولياء عليهمالسلام ، ففي نهج البلاغة في خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام قال (وإن شئت ثلّثت بداود صلىاللهعليهوآلهوسلم صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة فلقد كان يعمل سفائف الخوص
بيده ، ويقول لجلسائه : أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها) وسف الخوص نسجه.
وفي الاحتجاج في
كتاب سلمان إلى عمر بن الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه (وأما ما ذكرت : إني أقبلت
على سف الخوص وأكل الشعير ، فما هما مما يعيّر به مؤمن ويؤنب عليه ، وأيم الله ـ يا
عمر ـ لأكل الشعير وسف الخوص والاستغناء عن رفيع المطعم والمشرب ، وعن غصب المؤمن
حقه وادعاء ما ليس له بحق أفضل وأحب إلى الله عزوجل وأقرب للتقوى ، ولقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه) ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن أبي عمر (كان سلمان
يسف الخوص وهو أمير على المدائن ، ويبيعه ويأكل منه ، ويقول : لا أحب أن آكل إلا
من عمل يدي ، وقد كان تعلم سف الخوص من المدينة) .
__________________
اجتراء الصبي على
ما لا يحل ، لجهله ، أو علمه بارتفاع القلم عنه ، ولو علم اكتسابه من محلل فلا
كراهة ، وإن أطلق الأكثر ، كما أنه لو علم تحصيله ، أو بعضه من محرم وجب اجتنابه ،
أو اجتناب ما علم منه ، أو اشتبه به ، ومحل الكراهة تكسب الولي به (١) ، أو أخذه (٢)
منه ، أو الصبي (٣) بعد رفع الحجر عنه (و) كذا يكره كسب (من لا يجتنب
المحرم) (٤) في كسبه. (والمباح ـ ما خلا
عن وجه رجحان) من الطرفين بأن لا يكون راجحا ، ولا مرجوحا لتتحقق الإباحة (بالمعنى الأخص).
(ثم التجارة). وهي نفس التكسب (٥) (تنقسم بانقسام
الأحكام الخمسة) فالواجب منها ما توقف تحصيل مئونته ومئونة عياله الواجبي النفقة عليه ، ومطلق
التجارة التي يتم بها نظام النوع الإنساني ، فإن ذلك من الواجبات الكفائية وإن زاد
على المئونة ، والمستحب ما يحصل به المستحب ، وهو (٦) التوسعة على العيال ، ونفع
المؤمنين ، ومطلق المحاويج غير المضطرين (٧) ، والمباح ما يحصل به الزيادة في
المال من غير الجهات الراجحة والمرجوحة ، والمكروه والحرام التكسب بالأعيان
المكروهة والمحرمة وقد تقدمت.
(الفصل الثان)
(في عقد البيع وآدابه وهو) أي عقد البيع (الإيجاب والقبول
الدالان على نقل الملك بعوض معلوم) (٨) وهذا كما هو تعريف للعقد يصلح تعريفا للبيع
______________________________________________________
(١) بالصبي.
(٢) أي أخذ الولي
الكسب من الصبي.
(٣) أي صرف الصبي
للمال المكتسب بعد رفع الحجر عنه بالبلوغ والعقل ، وأما لو تصرف الصبي بما اكتسبه
وكان تصرفه وتكسبه قبل البلوغ فلا كراهة في حقه لعدم التكليف.
(٤) لنفس المناط
في كسب الصبي من الشبهة الناشئة من اجترائه على فعل المحرم.
(٥) بقرينة
انقسامها إلى الأحكام الخمسة.
(٦) أي المستحب.
(٧) وإلا فلو كان
مضطرا لوجب التكسب لرفع اضطراره إذا توقف الرفع على تكسب الغير.
(٨) اختلف في
تعريف البيع فعن جماعة منهم الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة والقواعد
والتحرير والحلي في السرائر بأنه انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه
التراضي ، وأشكل عليه بأن الانتقال أثر للبيع وليس هو نفس البيع ، وأن ـ
لأنه (١) عند
المصنف وجماعة عبارة عن العقد المذكور (٢) ، استنادا إلى أن ذلك (٣) هو المتبادر
من معناه (٤) ، فيكون (٥) ، حقيقة فيه (٦) ، ويمكن أن يكون الضمير (٧) عائدا إلى
البيع نفسه ، وأن يكون إضافة البيع (٨) بيانية ، ويؤيده أنه في الدروس عرف البيع
بذلك (٩) ، مزيدا قيد التراضي ، وجعل جنس التعريف الإيجاب والقبول أولى من جعله
اللفظ الدال (١٠) كما صنع غيره ، لأنهما (١١) جنس قريب واللفظ بعيد ، وباقي القيود
خاصة مركبة ، يخرج بها (١٢) من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة ،
______________________________________________________
ـ الانتقال انفعال
والبيع فعل.
وعن جامع المقاصد
أنه نقل الملك من مالك إلى آخر بصيغة مخصوصة ، وعن المحقق في النافع والشهيد بأنه
اللفظ الدال على النقل المذكور ، وعن الوسيلة والمختلف أنه العقد الدال على
الانتقال المذكور ، وعن الحلبي أنه عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع والثمن
وتسليمهما ، وعن الشيخ في المكاسب بأنه إنشاء تمليك عين بمال وعن بعضهم بأنه تمليك
عين بعوض وعن المحقق النائيني بأنه تبديل مال بمال ، وعن المصباح المنير بأنه
مبادلة مال بمال إلى غير ذلك من التعريفات التي يعثر عليها المتتبع في بطون الكتب.
وكل هذه التعاريف
من قبيل شرح اسم فلا داعي للنقض عليها بالطرد أو العكس ، فإنه مضيعة للوقت.
(١) أي البيع.
(٢) أي العقد الدال
على نقل الملك بعوض معلوم.
(٣) أي العقد
المذكور.
(٤) أي من معنى
البيع.
(٥) أي البيع.
(٦) أي في العقد.
(٧) في كلام
الماتن حيث قال (وهو الإيجاب والقبول).
(٨) إلى العقد في
كلام الماتن.
(٩) حيث قال في
الدروس : (كتاب البيع ، قال الله جل جلاله : وأحل الله البيع وحرم الله الربا ،
وهو الإيجاب والقبول من الكاملين الدالان على نقل العين بعوض مقدر مع التراضي).
(١٠) أي الدال على
نقل الملك بعوض معلوم.
(١١) أي الإيجاب
والقبول.
(١٢) بالخاصة
المركبة.
والمضاربة ،
والوكالة ، وما تضمن نقل الملك بغير عوض كالهبة والوصية بالمال ، وشمل (١) ما كان
ملكا للعاقد وغيره (٢) ، فدخل بيع الوكيل والولي ، وخرج بالعوض المعلوم الهبة
المشروط فيها مطلق الثواب (٣) ، وبيع المكره (٤) حيث يقع صحيحا (٥) إذ لم يعتبر
التراضي ، وهو (٦) وارد على تعريفه في الدروس (٧) ، وبيع الأخرس (٨) بالإشارة
وشراؤه ، فإنه يصدق عليه الإيجاب والقبول ، ويرد على تعريف أخذ «اللفظ» جنسا
كالشرائع (٩) ، وبقي فيه (١٠) دخول عقد الإجارة ، إذ الملك يشمل العين والمنفعة
والهبة المشروطة فيها عوض معين ، والصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم ، فإنه (١١)
ليس بيعا عند المصنف والمتأخرين.
وحيث كان البيع
عبارة عن الإيجاب والقبول المذكورين (فلا يكفي
المعاطاة) (١٢) وهي إعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضا
عما
______________________________________________________
(١) أي تعريف
البيع المذكور في كلام الماتن.
(٢) أي غير
العاقد.
(٣) أي مطلق
العوض.
(٤) عطف على بيع
الوكيل والولي ، والمعنى أن التعريف المذكور يشمل بيع المكره حيث لم يقيد النقل
بالتراضي ، فكان الأولى على الشارح إعادة الفعل بقوله وشمل أو دخل.
(٥) كما إذا أجبره
الحاكم بالبيع لوفاء دينه ، أو أجبر الكافر على بيع عبد مسلم تحت يده.
(٦) أي بيع المكره
حيث يقع صحيحا.
(٧) فيخرج بيع المكره
عن تعريف البيع ، وفيه : إن المراد من التراضي الأعم من أن يكون رغبة في البيع من
قبل البائع أو جبرا من قبل الشارع فلا نقض.
(٨) عطف على بيع
المكره ، أي يدخل في تعريف البيع المتقدم ، لأنه لم يشترط في البيع لفظا بل إيجابا
وقبولا ، وإشارة الأخرس البائع إيجاب وإشارته إذا كان مشتريا قبول.
(٩) فإن المحقق
عرّف البيع في الشرائع بأنه اللفظ الدال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض معلوم
، ويرد عليه خروج بيع الأخرس بالإشارة وشراؤه كما هو واضح.
(١٠) أي في تعريف
المصنف للبيع ، ولكن الأمر سهل بعد ما عرفت أنه من قبيل شرح الاسم.
(١١) أي فإن الصلح
ليس بيعا كما سيأتي بيانه في محله إنشاء الله تعالى.
(١٢) لم يرد اسم
المعاطاة في آية أو رواية ، وإنما عبر الفقهاء بها عن البيع الفاقد للصيغة ،
فالبيع العقدي هو إنشاء تمليك بعوض باللفظ ، والمعاطاة هي إنشاء تمليك بعوض بالفعل
، ـ
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ والمناسب أن
يبحث عنها تارة في صدق معنى البيع عليها وأخرى في شمول أدلة البيع ولزومه لها ولكن
المشهور خصوصا المتقدمين لم يلتزموا بكونها بيعا فلذا بحثوا تارة في إفادتها الملك
أو الإباحة ، وأخرى في أن الملك متزلزل أو لا ، وأن الإباحة موجبة للزوم أو لا ،
وأن الإباحة تفيد جميع التصرفات أو بعضها إلى غير ذلك والحق أن المعاطاة بيع
فتشمله أدلة البيع ولزومه وجريان جميع الخيارات فيه ، أما أنه بيع فللسيرة القطعية
بين المتشرعة بل وللسيرة العقلائية القائمة على ترتيب أثار الملك من العتق والبيع
والوطي والإيصاء والتوريث على المأخوذ بالمعاطاة ، وهذا كاشف عن أن المعاطاة عندهم
بيع فيشملها قوله تعالى : (أَحَلَّ
اللّٰهُ الْبَيْعَ) ، وقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ
مِنْكُمْ) ، وقوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) .
ودعوى أن هذه
السيرة كسائر سيرهم ناشئة من قلة مبالاتهم بالدين وتسامحهم بشريعة سيد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم مدفوعة بأن المدار على السيرة العقلائية غير المتوقفة على
تأسيس من الشارع بل يكفي فيها عدم الردع عنها مع أنك قد عرفت إمضاءها بالآيات
المتقدمة.
وقد استدل على
انحصار إنشاء البيع باللفظ بالأخبار.
منها : خبر القاسم
بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه نهى عن
المنابذة والملامسة وبيع الحصاة) بدعوى أنه نهى عن إنشاء البيع بهذه الأفعال ولازمه حصر
الإنشاء باللفظ ، وفيه : أنه نهي عن تعيين المبيع بهذه الأفعال فيكون النهي من
ناحية جهالة المبيع وليس النهي عن إنشاء البيع بالفعل.
وخبر يحيى بن
الحجاج عن خالد بن نجيح (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يجيء فيقول : اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا ،
قال : أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به ، إنما يحلّ
الكلام ويحرّم الكلام) وهو ظاهر في انحصار البيع باللفظ إلا أنه ضعيف السند فلا
يمكن التمسك به في قبال السيرة القائمة. ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وصحيح الحلبي (سئل
أبو عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا وللبقر ثلثا ، قال
: لا ينبغي أن يسمى شيئا ، فإنما يحرم الكلام) ومثلها خبر سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزارع فيزرع أرض آخر فيشترط ثلثا للبذر وللبقر
ثلثا ، قال : لا ينبغي أن يسمّى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام) .
ولكنها محمولة على
أن جعل الثلث للبذر أو البقر محرم وإنما عليه أن يجعل الثلث أو غيره له ويدل عليه
خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن الرجل
يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر فقال : لا ينبغي أن يسمّى
بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا ، نصف أو
ثلث أو ما كان من شرط ، ولا يسمّى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام) وهو ظاهر في كون الثلث للبقر أو البذر هو المحرم وهو أجنبي
عن مدعى انحصار العقود بالألفاظ.
واستدل بخبر عبد
الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (سمعته يقول : إن المصاحف لن تشترى ، فإذا اشتريت
فقل : إنما اشتري منك الورق وما فيه من الأديم وحليته وما فيه من عمل يدك بكذا
وكذا) ، وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن بيع
المصاحف وشرائها فقال : لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفتين وقل
: اشتري منك هذا بكذا وكذا) ، وقريب منها خبر عثمان بن عيسى وخبر عبد الله بن سليمان واستدل بخبر حنان بن سدير (كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال له جعفر بن حنان : ما تقول في العينة في رجل يبايع
رجلا يقول : أبايعك بده دوازده ، وبده يازده ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : هذا فاسد ، ولكن يقول : أربح عليك في جميع الدراهم كذا
وكذا ، ويساومه على هذا فليس به بأس) وخبر العلاء (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يبيع البيع فيقول : أبيعك بده دوازده ، أو ده
يازده ، فقال : لا بأس إنما هذه المراوضة ، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة) ، وصحيح بريد عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى من
رجل عشرة آلاف طن قصب في أنبار بعضه على بعض في أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون
ألف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ عشرة آلاف طن
فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت) ، وخبر سماعة (سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن
يخرج طلعها؟ فقال : لا ، إلّا أن يشتري معها شيئا من غيرها رطبة أو بقلا ، فيقول :
اشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فإن لم تخرج التمرة كان
رأس مال المشتري في الرطبة والبقل) إلى غير ذلك من الأخبار المبثوثة في أبواب الفقه.
غير أن الجميع لا
يدل على حصر البيع باللفظ ، بل يدل على تحقق البيع باللفظ وهذا مما لا ينكر إذ
البيع على قسمين عقدي وفعلي فإنشاء التمليك تارة يكون باللفظ وأخرى بالفعل.
ثم إن السيرة
قائمة على اعتبار المعاطاة بيعا بلا فرق في الحقير والخطير ، فالتفصيل المنسوب
لبعض العامة بين كونها بيعا في الحقير دون الخطير ليس في محله ، هذا هو تمام
الكلام في المعاطاة بحسب معناها وشمول أدلة البيع اللازم لها إلا أن الفقهاء قد
اختلفوا فيها على أقوال.
الأول : أنها تقيد
اللزوم سواء كان الدال على التراضي لفظا أولا وهو المنسوب للمفيد ، على كلام في
النسبة.
الثاني : اللزوم
إذا كان الدال على التراضي لفظا وقد حكاه الشارح في المسالك عن بعض مشايخه ، ومال
إليه نفس الشارح هناك لو لا مخالفة الإجماع ، وقد استقر به جماعة من المتأخرين
كالأردبيلي والكاشاني والسبزواري.
الثالث : أنها
تفيد الملكية المتزلزلة ، وهو الذي اختاره المحقق الثاني وحمل عليه كلمات القائلين
بأن المعاطاة تفيد الإباحة.
الرابع : أنها
تفيد الإباحة لجميع التصرفات حتى التصرفات المتوقفة على الملك ، وقال الشارح في
المسالك (كل من قال بالإباحة قال بإباحة جميع التصرفات).
الخامس : أنها
تفيد الإباحة للتصرفات غير المتوقفة على الملك ، وأما المتوقفة على الملك كالوطي
والعتق والبيع فلا وهو المنسوب للشهيد في حواشيه على القواعد.
السادس : أنها
معاملة فاسدة ، وهو المنسوب للعلامة في النهاية ولكنه رجع عن هذا القول في كتبه
المتأخرة.
السابع : ما نسب
للشيخ كاشف الغطاء أنها معاملة مستقلة مفيدة للملكية وليست بيعا. ـ
__________________
يأخذه من الآخر
باتفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص (١) ، سواء في ذلك الجليل والحقير ، على
المشهور بين أصحابنا ، بل كاد يكون إجماعا ، (نعم يباح) بالمعاطاة (التصرف) (٢) من كل منهما فيما صار إليه من العوض ، لاستلزام دفع مالكه
له على هذا الوجه الإذن في التصرف فيه ، وهل هي إباحة ، أم عقد متزلزل ، ظاهر
العبارة الأول ، لأن الإباحة ظاهرة فيها ولا ينافيه قوله (ويجوز الرجوع) فيها (مع بقاء العين) ، لأن ذلك لا ينافي الإباحة. وربما ظهر من بعض الأصحاب
الثاني (٣) لتعبيره بجواز فسخها الدال على وقوع أمر يوجبه.
______________________________________________________
ـ ومما تقدم سابقا
تعرف ضعف جميع هذه الأقوال ، فلا داعي حينئذ في البحث في أن الإباحة المترتبة على
المعاطاة هل هي إباحة محضة بمعنى الاذن في التصرف أو أنها بمعنى الملك المتزلزل ،
ولا داعي للبحث في أنها تلزم عند ذهاب العين المتحقق بتلف العينين أو إحداهما أو
بعض كل واحدة منهما ، أو المتحقق بالنقل وبالتغيير إلى غير ذلك من أبحاثهم.
(١) وهذا ما فسره
جماعة ولكن قد عرفت أن المعاطاة هي إنشاء تمليك بالفعل لا بالصيغة المخصوصة.
(٢) لما ذهب
المشهور إلى اشتراط اللفظ في البيع فلا تكون المعاطاة حينئذ بيعا ، ولكن تفيد
إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض لإذن كل منهما للآخر في التصرّف ،
ولازمه جواز الرجوع ما دامت العين باقية ، فإذا ذهبت العين لزمت المعاوضة حينئذ
لرضاهما بكون ما أخذه كل منهما عوضا عما دفعه ، فإذا تلف ما دفعه كان مضمونا على
القابض إلا أن الدافع قد رضي بكون عوضه هو ما بيده ، فإن كان ناقصا فقد رضي به ،
وإن كان زائدا فقد رضي الآخر ، ومن هذا البيان تعرف أن مقصود المتعاقدين إنما هو
الملك ولكن لم يحصل لاشتراط اللفظ في البيع ولكن وقعت الإباحة لإعطاء كل منهما
الآخر سلعته مسلّطا له عليها وهذا يقتضي الإذن في التصرف بوجوه التصرفات وهو معنى
الإباحة ، ومنه تعرف ضعف ما عن المحقق الثاني من حمل الإباحة في كلماتهم على الملك
المتزلزل ، ومنه تعرف ضعف ما عن صاحب الجواهر من الطعن على من جعل محل النزاع في
المعاطاة ما يقصد بها التمليك ، إذ لو لم يقصد بها التمليك لما كانت بيعا جامعا
لجميع الشرائط ما عدا الصيغة المخصوصة.
(٣) قال الشارح في
المسالك : (وعبارة العلامة في التحرير كالصريحة في إفادة هذا المعنى ـ أي الملك
المتزلزل ـ ، لأنه قال : الأقوى عندي أن المعاطاة غير لازمة ، بل لكل منهما فسخ
المعاوضة ما دامت العين باقية ومقتضى تجويز الفسخ ثبوت الملك في الجملة ، وكذا
تسميتها معاوضة والحكم باللزوم بعد الذهاب).
وتظهر الفائدة في
النماء فعلى الثاني (١) هو للقابض مع تحقق اللزوم بعده (٢) ، وعلى الأول (٣)
يحتمله (٤) وعدمه ، ويفهم من جواز الرجوع مع بقاء العين عدمه (٥) مع ذهابها ، وهو
كذلك ، ويصدق (٦) بتلف العينين ، وإحداهما ، وبعض كل واحدة منهما ، ونقلها عن ملكه
وبتغييرها كطحن الحنطة ، فإن عين المنتقل غير باقية (٧) مع احتمال العدم (٨) ، أما
لبس الثوب مع عدم تغيره (٩) فلا أثر له ، وفي صبغه ، وقصره (١٠) ، وتفصيله ،
وخياطته ، ونحو ذلك من التصرفات المغيّرة للصفة مع بقاء الحقيقة نظر (١١) ، وعلى
تقدير الرجوع في العين وقد استعملها من انتقلت إليه يأخذها (١٢) بغير أجرة ، لإذنه
في التصرف مجانا ، ولو نمت وتلف النماء فلا رجوع به كالأصل (١٣) ، وإلا (١٤)
فالوجهان.
______________________________________________________
(١) أي الملك
المتزلزل.
(٢) أي بعد النماء
لأن النماء تابع للعين في الانتقال وعدمه بناء على تحقق الملك.
(٣) أي الإباحة.
(٤) أي يحتمل كون
النماء للقابض تبعا لأصله ، ويحتمل كون النماء للدافع لأن الإباحة إنما تعلقت
بأصله دونه. وهو الأقرب.
(٥) أي عدم جواز
الرجوع مع ذهاب العين لما تقدم.
(٦) أي يصدق ذهاب
العين.
(٧) مع التغيير.
(٨) لأن التغيير
في صفة من صفات العين وما هو إلا كنسيج الغزل ، وأما العين فهي باقية والاصل حل
بقاء الملك على مالكه وهو الأقوى.
(٩) أي عدم تغير
الثوب باللبس.
(١٠) أي تبيضه
وغسله.
(١١) من بقاء
الذات فلا يصدق ذهاب العين ، ومن عدم بقاء الصفة فلا يصدق بقاء العين السابقة.
(١٢) مالكها الأول
الذي رجع.
(١٣) لإذنه
بالتصرف بوجوه التصرفات.
(١٤) أي وإن لم
يتلف النماء فالوجهان السابقان من كون النماء للقابض على القول بالملكية المتزلزلة
، ومن كونه للدافع بناء على الإباحة مع احتمال كونه للقابض تبعا لأصله وهو ضعيف.
وهل تصير مع ذهاب
العين بيعا ، أو معاوضة خاصة وجهان من حصرهم المعاوضات وليست أحدها (١) ، ومن
اتفاقهم (٢) على أنها ليست بيعا بالألفاظ الدالة على التراضي (٣) فكيف تصير بيعا
بالتلف.
ومقتضى المعاطاة
أنها مفاعلة من الجانبين ، فلو وقعت بقبض أحد العوضين خاصة مع ضبط الآخر على وجه
يرفع الجهالة ففي لحوق أحكامها نظر ، من عدم تحققها (٤). وحصول (٥) التراضي ، وهو
اختياره في الدروس على تقدير دفع السلعة دون الثمن ، (ويشترط وقوعهما) أي الإيجاب والقبول (بلفظ الماضي) (٦)
______________________________________________________
(١) أي وليست
المعاطاة واحدة من هذه المعارضات المعروفة فلا بد من الالتزام من أنها بيع ، لأن
جعلها معاوضة مستقلة محتاج إلى دليل وهو مفقود.
(٢) دليل أنها
معاوضة خاصة لاتفاقهم على أنها ليست بيعا حال وقوعها فكيف تصير بيعا بعد التلف ،
ولكن قد عرفت أنها بيع من حين وقوعها ولا أدعي لهذه الأبحاث.
(٣) فضلا عن
المعاطاة المجردة عن هذه الألفاظ والمتحققة بالأفعال فقط.
(٤) دليل عدم لحوق
أحكام المعاطاة لعدم صدق المعاطاة ، لأنها مفاعلة من الجانبين وهنا لم يتحقق
العطاء إلا من جانب واحد.
(٥) ودليل لحوق
أحكام المعاطاة لصدق التراضي من الطرفين الذي هو قوام المعاطاة.
وفيه : إن
المعاطاة حقيقة وإن كانت لا تتم إلا بالعطاء من الجانبين إلا أنها لم ترد في آية
أو رواية ، وإنما وردت في كلمات الفقهاء وأرادوا بها إنشاء التمليك بالأفعال لا
بالألفاظ ، وعليه فهي متحققة فيما لو دفع البائع العين بداعي إنشاء تمليكها بعوض
وأخذ المشتري بداعي القبول ، وكذا تتحقق المعاطاة بتسليم العوض من المشتري فقط
ويكون تعاطي في بيع السلف ، ومنه تعرف جريان التعاطي والمعاطاة في بعض المعاملات
غير البيع العقدي كالهبة والعارية والوديعة ، بل تجري المعاطاة في كل العقود إلا
إذا قام الدليل على اعتبار اللفظ فيه كالنكاح والطلاق والتحليل والعتق.
(٦) كما هو
المشهور لأن الماضي صريح في الإنشاء بخلاف غيره من الأمر والمضارع ، فالأول
استدعاء والثاني أشبه شيء بالوعد ، وأما الماضي فهو وإن احتمل الأخبار إلا أنه
أقرب إلى الإنشاء حيث دل على وقوع مدلوله في الماضي ومع عدم قصد الأخبار به لا
محالة يكون دالا على تحققه حاضرا.
وفيه : إن الماضي
لا يكون صريحا في الإنشاء إلا مع القرينة كاحتياج المضارع إليها في مقام الإنشاء ،
والفرق تحكم ومقتضى القواعد جواز الماضي والمضارع في إنشاء التمليك ـ
العربي (١) (كبعت) من البائع (٢) ، (واشتريت) من المشتري ، (وشربت) منهما ،
______________________________________________________
ـ الذي هو معنى
المبيع ما دام كل منها بحاجة إلى قرينة ولو حالية ، وغلبة الماضي في العقود
والإيقاعات لا توجب عدم صحة إنشاءها بالمضارع ، بالإضافة إلى جملة من الأخبار قد
دلت على جواز الإنشاء بالمضارع كموثق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
العبد وهو آبق عن أهله؟ قال : لا يصلح له إلا أن يشتري معه شيئا آخر ويقول : اشتري
منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى
منه) ، وصحيح رفاعة النخاس (سألت أبا الحسن ـ يعني موسى بن جعفر عليهماالسلام ـ قلت له : يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة
وأعطيهم الثمن واطلبها أنا؟ قال : لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري معها منهم شيئا ،
ثوبا أو متاعا ، فتقول لهم : اشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا أو كذا
درهما ، فإن ذلك جائز) ، وخبر أبان بن تغلب (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها ـ قال : تقول أتزوجك متعة على
كتاب الله وسنة نبيه لا وارثه ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ،
بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا
قالت : نعم فقد رضيت ، وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها) ومثلها غيرها وهو كثير.
ولذا ذهب القاضي
في الكامل والمهذب وجماعة من المتأخرين إلى جواز إيقاع البيع بالمضارع بل ذهب
بعضهم إلى جواز الإيقاع بالجملة الاسمية نحو : أنا بائع ، قاصدا بها الإنشاء ، وهو
مبني على جواز الإنشاء بالمجاز والكتابة وسيأتي.
(١) وهو المحكي عن
السيد عميد الدين والفاضل المقداد والمحقق الثاني فضلا عن الشارح وللتأسي بالنبي
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولأن اعتبار الماضوية في العقود يستلزم اعتبار العربية
بالأولى ، وفيه : أما الأول منها دليل على وجوب التأسي في كل ما صدر عن المعصوم عليهالسلام ، بل في خصوص ما صدر منه على سبيل المولوية ، ولذا لم
يتوهم أحد بوجوب النطق باللغة العربية في المحاورات والمخاطبات تأسيا بالمعصوم عليهالسلام.
وأما الثاني فتمنع
الملازمة بين اعتبار الماضوية واعتبار العربية ، لأن الماضوية ليست من خصائص اللغة
العربية بل هي موجودة في كل اللغات ، على أنك قد عرفت عدم اشتراط الماضوية في
العقد سابقا.
(٢) اعلم أن
المشهور اشترط إيقاع العقد والإيقاعات اللازمة بالألفاظ الحقيقية الدالة على ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ المعاني بلا
قرينة ، ولازمه عدم صحة إنشاء العقد والإيقاعات بالكنايات والمجازات والمشترك
اللفظي والمعنوي ، لأنها غير صريحة في المراد بل ظاهرة ، ولاحتياجها إلى القرينة.
وفيه : عدم الدليل
على هذا الاشتراط بعد كون الكناية والمجاز مما تستعملان في الإخبار ولازمه جواز
استعمالها في الإنشاء.
وفصّل الشيخ
الأعظم في مكاسبه في المجاز فجوّز الانعقاد في المجاز المعتمد على قرينة لفظية دون
المعتمد على القرينة الحالية ، وذلك لرجوع إفادة المراد إلى الوضع في الأول دون
الثاني ، وفيه : إن الدال على المعنى في الجميع هو اللفظ ولو بتوسط قرينة لفظية أو
حالية ومنه تعرف صحة إنشاء بالمشترك اللفظي والمعنوى.
بل ذهب الشيخ
الأعظم إلى منع الإنشاء بالمشترك اللفظي المعتمد على قرينة حالية ، ويظهر ضعفه مما
تقدم.
وعلى المختار يصح
الإنشاء بالحقيقة والمجاز والكنايات والمشترك اللفظي والمعنوي ما دام اللفظ دالا
وظاهرا على المراد عرفا إلا إذا قام دليل خاص على اعتبار لفظ خاص كما في الطلاق
وسيأتي بيانه.
وعلى المشهور من
اشتراط الألفاظ الصريحة الحقيقة وقع النزاع بينهم في طائفة من الألفاظ من ناحية
الصغرى ، أعني أنها كما يصح بها الإنشاء لأنها لفظ موضوع لذلك المعنى المراد أو
لا.
ومن جملة هذه
الألفاظ لفظ (بعث) فهو من الأضداد بالنسبة إلى البيع والشراء لأنه مشترك لفظي
بينهما كما صرح به الكثير من أهل اللغة ، لكن كثرة استعماله في البيع فقط توجب
انصرافه إليه عند الإطلاق بلا حاجة إلى قرينة لفظية أو حالية وهذا كاف في إنشاء
البيع به ، بل حتى لو احتاج إلى القرينة فلا يضر وكذا اللفظ الاشتراء فإنه من
الأضداد لكن كثرة استعماله في الشراء توجب انصرافه كذلك عند الإطلاق بها حاجة إلى
قرينة.
وأما لفظ (الشراء)
قال في القاموس : (شراه ويشتريه : ملكه بالبيع وباعه كاشتراه وهما ضدان) فهو من
الأضداد موضوع للبيع تارة وللشراء أخرى ، بل قيل لم يستعمل في القرآن إلّا في
البيع كقوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ
بَخْسٍ) وقوله تعالى : (الَّذِينَ ـ
__________________
لأنه مشترك بين
البيع والشراء ، (وملكت) (١) بالتشديد من البائع ، وبالتخفيف من المشتري وتملكت (٢) ، (وتكفي الإشارة) الدالة على الرضا على الوجه المعين (مع العجز) عن النطق لخرس وغيره (٣) ، ...
______________________________________________________
ـ يَشْرُونَ
الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ) وقوله تعالى : (وَمِنَ
النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ
اللّٰهِ) .
ولازم كونه من
الأضداد جواز إيقاع البيع والشراء به ، إلا أن الشيخ الأعظم استشكل في ذلك بقلة
استعماله في البيع عرفا ، مع كونه محتاجا إلى القرينة المعنية وعدم نقل الإيجاب به
في الأخبار وكلام القدماء.
وفيه : إن احتياجه
إلى القرينة لا يضر ، وقلة استعماله في البيع عرفا لا تمنع بعد استعماله في البيع
في القرآن.
(١) بالتشديد ،
لإفادته إنشاء معنى البيع ، والإشكال بأنه أعم من إنشاء البيع والهبة ، لأنه يدل
على إنشاء التمليك وهو شامل لهما مردود بأن القرينة اللفظية أو الحالية هي المعينة
لإنشاء البيع ، وتوقفه على القرينة لا يضر.
(٢) وكذا لا خلاف
في وقوع القبول بلفظ (قبلت ورضيت) وكل ما يدل على الرضا والقبول بالإيجاب.
(٣) كآفة في لسانه
، وقيام الإشارة مقام اللفظ للعاجز محل اتفاق ويدل عليه فحوى روايات طلاق الأخرس.
منها : معتبرة
السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (طلاق الأخرس أن
يأخذ مقنعتها فيضعها على رأسها ويعتزلها) وخبر أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام (مسألة عن طلاق
الخرساء؟ قال : يلف قناعها على رأسها ويجذبه) وصحيح ابن أبي نصر البزنطي (سألت أبا الحسن عليهالسلام عنه الرجل تكون عنده امرأة ، ثم يصمت فلا يتكلم ، قال :
يكون أخرس؟ قلت نعم فيعلم منه بغض لا مرأته وكراهته لها ، أيجوز أن يطلق عنه وليه؟قال
: لا ، ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت : لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال : بالذي
يعرف منه من فعاله ، مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها) .
وإذا جاز طلاق
الأخرس بالإشارة ، فيجوز غيره من العقود والإيقاعات كذلك ، وظاهر ـ
__________________
ولا تكفي مع
القدرة (١). نعم تفيد (٢) المعاطاة مع الإفهام الصريح.
(ولا يشترط تقديم الإيجاب على القبول (٣) ، وإن كان) تقديمه (أحسن) ، بل قيل : بتعينه ، ووجه عدم الاشتراط أصالة الصحة ،
وظهور كونه عقدا فيجب الوفاء به ، ولتساويهما في الدلالة على الرضا (٤) ، وتساوي
المالكين في نقل ما يملكه إلى الآخر ، ووجه التعيين (٥) الشك في ترتب الحكم مع
تأخره (٦) ومخالفته (٧) للأصل ولدلالة مفهوم القبول على ترتبه (٨) على الإيجاب
لأنه رضي به ، ومنه يظهر وجه الحسن (٩) ، ومحل الخلاف ما لو وقع القبول بلفظ
اشتريت
______________________________________________________
ـ الأخبار أن
إشارته قائمة مقام اللفظ من القادر فهو عقد لازم ، بل الأخبار ظاهرة في جواز
الكتابة وقيامها مقام الإشارة.
(١) على اللفظ
بناء على انحصار العقد به.
(٢) أي إنشاء
العقد بالإشارة مع القدرة على اللفظ يفيد المعاطاة الذي لا يوجب إلا الإباحة كما
هو مختار الشارح في المعاطاة.
(٣) يشترط تقديم
الإيجاب على القبول على الأشهر ، لأن القبول مبني على الإيجاب وتابع له إذ يستحيل
قبول شيء لم يحدث بعد.
وعنه جماعة
التفصيل بين (قبلت ورضيت وأمضيت وأنفذت) فيعتبر فيها تقديم الإيجاب لما تقدم ،
وبين (اشتريت وتملكت وملكت بالتخفيف) فلا يشترط التقديم لصدق العقد عليه بعد ضم
الإيجاب إليه فيجب الوفاء به ، ولجواز تقديمه في النكاح بغير أشكال كما سيأتي ففي
غيره أولى ، لأن النكاح فيه شائبة العبادة وهو مبني على الاحتياط زيادة على غيره ،
ولأن المعتبر من المشتري الرضا بالإيجاب وإنشاء التملك للمبيع بإزاء تمليكه العوضي
، وكلاهما متحققان بما ذكر سواء تقدم الإيجاب أو تأخر بخلاف ألفاظ القبول ونحوه
فإنها متوقفة على أمر قد وقع ، حتى يتحقق قبوله ورضاه به وإمضاءه وإنفاذه له.
(٤) مع عدم دخل
الترتيب في هذه الدلالة.
(٥) أي تعيين
تقديم الإيجاب.
(٦) أي مع تأخر
الإيجاب.
(٧) أي ومخالفة
تقديم القبول على الإيجاب للأصل ، وهو أصالة ألف وفي المعاملات ، بمعنى أصالة عدم
ترتب الأثر عند الشك في السبب أنه مؤثر أولا ، وعدم ترتب الأثر هو أصالة الفساد في
العقود.
(٨) أي ترتب
القبول.
(٩) أي الحسن
الزائد الذي أتى به الماتن بعد حكمه بجواز تقديم القبول.
كما ذكره (١) أو
ابتعت أو تملكت الخ لا بقبلت وشبهه ، وإن أضاف إليه (٢) باقي الأركان لأنه صريح في
البناء على أمر (٣) لم يقع (٤).
(ويشترط في المتعاقدين الكمال) برفع الحجر الجامع للبلوغ (٥٠) والعقل (٦) والرشد (٧) ، (والاختيار (٨) ،
إلا أن يرضى المكره بعد زوال إكراهه) ، لأنه بالغ
______________________________________________________
(١) سابقا عند
التكلم في ألفاظ الإيجاب والقبول.
(٢) إلى لفظ
القبول.
(٣) والأمر هو
مضمون الإيجاب.
(٤) أي ومضمون
الإيجاب لم يقع بعد فكيف يتحقق القبول به مع أنه غير واقع.
(٥) فلا يصح بيع
الصبي ولا شراؤه بلا فرق بين كون المال له أو لغيره على المشهور للأخبار.
منها : خبر حمزة
بن حمران عن أبي جعفر عليهالسلام (الجارية إذا
تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في
الشراء والبيع ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم
حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك) وخبر هشام عن أبي عبد الله عليهالسلام (انقطاع يتم
اليتيم بالاحتلام وهو أشده ، وإن احتلم ولم يونس من رشده وكان سفيها أو ضعيفا
فليمسك عنه وليّه ماله) ، نعم قال الشيخ في المبسوط (وروي أنه إذا بلغ عشر سنين
وكان رشيدا كان جائز التصرف) وهو لا يصلح لمعارضة ما تقدم من الأخبار.
(٦) بلا خلاف فيه
، فلا يجوز بيع المجنون وشراؤه لفقده القصد والتمييز المقومان لحقيقة العقد.
(٧) لقوله تعالى :
(وَابْتَلُوا
الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) .
(٨) فلا يصح بيع
المكره ولا شراؤه بلا خلاف فيه ، لاعتبار الرضا في العقد لقوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ
تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) والرضا منتف في المكره ، ولاعتبار طيب النفس كما في مرسل
تحف العقول عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال في خطبة الوداع (أيها ـ
__________________
رشيد قاصد إلى
اللفظ دون مدلوله (١) ، وإنما منع عدم الرضا (٢) ، فإذا زال المانع أثّر العقد
كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه (٣) مع تحقق القصد إلى اللفظ في
الجملة (٤) ، فلمّا لحقته إجازة المالك أثرت ، ولا تعتبر مقارنته (٥) للعقد للأصل
، بخلاف العقد المسلوب بالأصل كعبارة الصبي (٦) ، فلا تجبره إجازة الولي ، ولا
رضاه بعد بلوغه (والقصد (٧) ، فلو أوقعه الغافل ، أو النائم ، أو الهازل
______________________________________________________
ـ الناس ، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ولا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه) ، وطيب النفس مفقود في المكره ثم إن المكره هو الذي صدر
منه العقد قاصدا لفظه ومعناه عن غير طيب نفس فإذا رضي فيما بعد أثّر العقد أثره ،
كعقد الفضولي الذي صدر وقد قصد لفظه ومعناه من غير المالك ، فإذا لحقته الإجازة من
المالك فيما بعد أثّر أثره على تفصيل سيأتي ، وقد صح العقد في المقامين لصدوره
مستجمعا لجميع الشرائط أي الرضا من المالك ، فإذا تعقبه الرضا ، ولا دليل على
اشتراط الرضا حين العقد فيكون قد استجمع العقد جميع شرائطه فلا بد من تأثيره حينئذ
، وهذا من جهة ومن جهة ثانية يظهر من الشارح هنا وفي المسالك ومن جماعة أن المكره
غير قاصد لمدلول اللفظ وإن قصد اللفظ ، وعقد الفضولي قد صدر مع عدم قصد من مالكه
إلى اللفظ والمعنى فقط ، وكلاهما مجبوران فيما بعد الإجازة والرضا.
وفيه : إن جعل
المكره غير قاصد للمعنى ليس في محلّه إذ يكون هازلا ، لا مكرها على البيع بالإضافة
إلى أن العقد من دون القصد لا يصححه الرضا فيما بعد كما سيأتي.
(١) وقد عرفت ما
فيه.
(٢) فإذا كان
المانع عدم الرضا فلا محالة يكون قاصدا للفظه ومدلوله معا.
(٣) حيث لم يقصد
لفظه ولا مدلوله حين صدور العقد بخلاف عقد المكره فإنه قاصد للفظه دون مدلوله على
مبنى الشارح ، وقياس الثاني على الأول قياس مع الفارق كما هو واضح.
(٤) أي من الفضولي
فقط دون المالك ، وفيه : إن الفضولي قد قصد اللفظ ومدلوله معا.
(٥) أي مقارنة
الرضا.
(٦) والمجنون أيضا
، وعبارتهما مسلوبة شرعا لما تقدم فلم يصدر العقد صحيحا ولا من أهله حتى يقال إنه
متوقف على إجازة المالك.
(٧) اعلم أن
العاقد قد يصدر منه العقد وهو غير قاصد للفظه بالإضافة إلى عدم قصد ـ
__________________
لغى) وإن لحقته الإجازة ، لعدم القصد إلى اللفظ أصلا ، بخلاف
المكره.
وربما أشكل الفرق (١)
في الهازل من ظهور قصده إلى اللفظ من حيث كونه عاقلا مختارا ، وإنما تخلّف قصد
مدلوله. وألحق المصنف بذلك (٢) المكره على وجه يرتفع قصده أصلا ، فلا يؤثر فيه
الرضا المتعقّب كالغافل والسكران ، وهو حسن مع تحقق الإكراه بهذا المعنى (٣) ، فإن
الظاهر من معناه حمل المكره للمكره على الفعل خوفا على نفسه ، أو ما في حكمها (٤)
مع حضور عقله وتمييزه.
واعلم أن بيع
المكره إنما يقع موقوفا (٥) ، مع وقوعه (٦) بغير حق ، ومن ثمّ جاز بيعه في مواضع
كثيرة ، كمن أجبره الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه ، ونفقة (٧)
______________________________________________________
ـ المعنى ، كاللفظ
الصادر من النائم والغالط والسكران ، وأخرى يصدر منه العقد وهو قاصد للفظه دون
معناه كما لو قال : بعت على وزن خفت ، وثالثة يصدر منه العقد وهو قاصد للفظه
ومدلوله من دون إرادة جدية أي لا بداعي إنشاء التمليك بل بداعي الهزل والمزح
ورابعة يصدر منه العقد وهو قاصد للفظه ومدلوله بداعي إنشاء التمليك ولكن لا عن طيب
نفس.
فالرابع هو المكره
والثلاثة الأول مما تندرج تحت عدم تحقق القصد ، وهي ليست بيعا مؤثرا بالاتفاق
لأنّه يشترط في العقد القصد إلى معناه وأن يكون بداعي إنشاء التمليك ليصدق عليه
عنوان عقد البيع عرفا ، وحتى تشمله أدلة لزوم البيع وأحكامه.
(١) أي لا فرق على
تصوير الشارح بين الهازل والمكره ، حيث قصد كل منها اللفظ دون المعنى ، ولازم ذلك
صحة العقد لو تعقبه رضا الاثنين وإجازتهما ، ولكن قد تقدم من بيان الفارق فلا
نعيد.
(٢) أي بغير
القاصد.
(٣) أي الإكراه
على وجه يرتفع قصده مع أنه بعيد لأن الإكراه هو حمله على الفعل من دون رضاه ، لا
أن يجعل المكره يحرك لسانه من دون قصد منه أو يرتفع منه قصد معنى اللفظ.
(٤) من الخوف على
العرض والولد والمال مما يجب حفظه.
(٥) أي موقوفا على
رضاه.
(٦) أي وقوع
الإكراه ، ومراده أن بيع المكره لا يقع صحيحا بل يقع موقوفا على رضاه إذا كان
الإكراه بغير حق ، وأما لو كان الإكراه بحق فإنه يقع صحيحا ثم ذكر بعض موارد وقوع
الإكراه لحق.
(٧) عطف على قوله (لوفاء
دينه).
واجب النفقة ،
وتقويم العبد على معتق نصيبه منه (١) ، وفكّه من الرق ليرث (٢) ، وإذا أسلم عبد
الكافر (٣) ، أو اشتراه (٤) وسوغناه ، أو اشترى المصحف (٥) ، وبيع الحيوان إذا
امتنع مالكه من القيام بحق نفقته ، والطعام عند المخمصة يشتريه خائف التلف (٦) ،
والمحتكر (٧) مع عدم وجود غيره ، واحتياج الناس إليه ، ونحو ذلك.
(ويشترط في اللزوم الملك) (٨) لكل من البائع والمشتري لما ينقله من
______________________________________________________
(١) وذلك فيما لو
كان العبد مشتركا بين اثنين أو أكثر ، وأعتق أحد الشركاء نصيبه منه ، فإنه ينعتق
كله ، ويقوّم على المعتق نصيب باقي الشركاء ، مخصص باقي الشركاء وتشترى من أربابها
بالإكراه مع عدم رضاهم والثمن على المعتق.
(٢) إذا انحصر
الوارث فيه ، فيجبر مولاه على بيعه عند عدم الرضا.
(٣) فيجبر مولاه
حينئذ على بيعه ، لأنه لا يصح للكافر تملك المسلم.
(٤) أي اشترى
الكافر العبد المسلم ، وسوغنا هذا الشراء.
(٥) فيجبر الكافر
على بيعه لعدم جواز تملكه.
(٦) فيجبر المالك
على بيع طعامه لخائف التلف عند عدم الرضا.
(٧) على صيغة اسم
المفعول ، وهو معطوف على الطعام ، أي ويجبر المالك على بيع الطعام المحتكر.
(٨) بحيث لو أوقع
الفضولي البيع لمال الغير عن ذلك الغير فيقع صحيحا ، ولا يلزم إلا بإجازة المالك
على المشهور ، وعن الشيخ وابني زهرة وإدريس وفخر المحققين والأردبيلي والداماد
وصاحب الحدائق أنه يقع باطلا.
واستدل للمشهور
بعمومات قوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) وقوله تعالى : (أَحَلَّ
اللّٰهُ الْبَيْعَ) وعقد الفضولي مع إجازة المالك اللاحقة عقد وبيع عرفا فيجب
الوفاء به ، ولخبر عروة البارقي قال : (قدم جلب ، فأعطاني النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دينارا فقال : اشتر بها شاة ، فاشتريت شاتين بدينار ،
فلحقني رجل فبعت أحدهما منه بدينار ، ثم أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بشاة ودينار ، فرده عليّ وقال : بارك الله لك في صفقة
يمينك) ، وهو دال على صحة عقد ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ الفضولي في
البيع والشراء ، ولما دل على صحة نكاح الفضولي وأنه لازم مع الإجازة كصحيح زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن مملوك
تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجاز وإن شاء فرق بينهما ، قلت :
أصلحك الله إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح
فاسد ، ولا تحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له
جائز) وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام في عبد بين رجلين ، زوجه أحدهما والآخر لا يعلم ، ثم إنه
علم بعد ذلك ، أله أن يفرّق بينهما؟ قال : للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرّق بينهما
، وإن شاء تركه على نكاحه) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عن أبيه عن آبائه عن علي عليهمالسلام (أنه أتاه رجل
بعبده فقال : إن عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي عليهالسلام لسيده : فرّق بينهما ، فقال السيد لعبده : يا عدو الله
طلّق ، فقال له علي عليهالسلام : كيف قلت له؟ قال : قلت له طلّق ، فقال علي عليهالسلام للعبد : أما الآن فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك ، فقال السيد
: يا أمير المؤمنين ، أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري ، قال : ذلك لأنك حين قلت له :
طلّق ، أقررت له بالنكاح) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (عن رجل زوجته
أمّه وهو غائب ، قال : النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك) ومثلها غيرها ، وهو كثير.
وإذا جاز عقد
الفضولي في النكاح فيجوز في غيره من العقود من باب أولى لأن النكاح مبني على
الاحتياط ، وبعبارة أخرى أن العقد المتعقب بإجازة المالك ورضاه قد أثّر أثره في
النكاح وهو مبني على الاحتياط فكذلك في غيره من العقود من جهة أن أم وقوع العقد
بدون إجازة المالك لا تجعله باطلا بل يكون صحيحا موقوفا على إجازة المالك.
واستدل غير
المشهور على مدعاه بأخبار.
منها : النبوي
المشهور عند ما قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لحكيم بن حزام (لا تبع ما ليس عندك) ، وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام في مناهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (ونهى ـ
__________________
العوض ، (أو إجازة المالك) فبدونه يقع العقد موقوفا على إجازة المالك ، لا باطلا من أصله على أشهر
القولين ، (وهي) أي الإجازة اللاحقة من المالك (كاشفة عن صحة العقد) من حين وقوعه (١) ، لا ناقلة له من حينها ، لأن السبب الناقل للملك
______________________________________________________
ـ عن بيع ما ليس
عندك) ومثله خبر سليمان بن صالح ، وفيه : إنها محمولة على ما لو باع الفضولي لنفسه فيكون
بيعا لما ليس عنده ، وأما إذا باع عن المالك فهو بيع لما يملكه البائع إذا رضي به
وأجازه.
(١) أي من حين
وقوع العقد ، وقع الخلاف في أن الإجازة من المالك المصححة لبيع الفضولي هل هي
كاشفة أو ناقلة؟
ذهب المشهور إلى
الأول لأن العقد سبب تام في الملك لقوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) ، وتمامه يعلم بالإجازة فوجب ترتيب آثار الملكية عليه من
حين وقوعه وإلا لو توقف الملك على العقد وأمر آخر لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد
خاصة وبأن الإجازة متعلقة بالعقد ، وهي الرضا بمضمونه ، وليس مضمونه إلا نقل
العوضين من حين العقد. وأشكل على الأول بأن السبب التام للملك هو العقد مع الرضا ،
ومع تأخر الرضا عن العقد لم يتحقق السبب بتحقق العقد المجرد ، من قبل الرضا كيف يحصل
الملك فلا بدّ من كون الإجازة ناقلة. وأشكل على الثاني بأن مضمون العقد ليس النقل
من حين العقد بل النقل المجرد عن ملاحظة وقوعه في ذلك الزمان ، ولكن النقل لم يثبت
للعقد قبل الرضا فيتعين كون النقل بعد الرضا الكاشف عن كون الإجازة ناقلة.
ثم إن القائلين
بالكشف قد اختلفوا في كونه كشفا حقيقيا صرفا كما هو ظاهر جامع المقاصد والمسالك
والروضة هنا والجواهر ، أو أنه كشف انقلابي بمعنى كون الإجازة المتأخرة موجبة
لحدوث التأثير في العقد ، وجاعلة إياه سببا تاما من حين وقوعه كما احتمله الشيخ
الأعظم في مكاسبه ، أو أنه كشف حكمي عقبى ترتيب آثار الملكية من حين وقوع العقد مع
عدم حصول نفس الملكية إلا من حين الإجازة كما هو المنسوب إلى شريف العلماء أستاذ
الشيخ الأعظم ، وهناك أقوال أخرى ضعيفة في الكشف أعرضنا عن ذكرها.
والإشكال من ناشئ
من كون الإجازة شرطا بالاتفاق ، فكيف يتم المشروط الذي هو النقل والملك قبلها فلا
بد من كونها ناقلة ، مع أن ظاهر الأخبار أنها كاشفة ففي صحيح محمد بن قيس عن أبي
جعفر عليهالسلام (قضى أمير
المؤمنين عليهالسلام في وليدة باعها ابن سيدها ، وأبوه ـ
__________________
هو العقد المشروط
بشرائطه ، وكلها كانت حاصلة إلا رضاء المالك ، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام (١)
عمله لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن لا يكون
الوفاء بالعقد خاصة ، بل هو مع الآخر.
ووجه الثاني توقف
التأثير عليه (٢) فكان كجزء السبب ، وتظهر الفائدة في النماء (٣) ، فإن جعلناها
كاشفة (فالنماء) المنفصل (المتخلل) بين العقد والإجازة
______________________________________________________
ـ غائب ،
فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه ، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر ، فقال : وليدتي
باعها ابني بغير إذني ، فقال عليهالسلام : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها ، فناشده الذي اشتراها فقال
له : خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع ، فلما رآه أبوه ، قال له :
ارسل ابني ، قال : لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد
الوليدة أجاز بيع ابنه) فلو كانت الوليدة
باقية على ملك مالكها إلى حين الإجازة فلا بد من الحكم بضمان قيمة الولد على
المشتري لقاعدة من أتلف ، مع أنه لم يحكم بذلك فيدل على الكشف وخبر أبي عبيدة (سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن غلام وجارية زوّجها وليّان لهما وهما غير مدركين ، فقال
: النكاح جائز ، أيّهما أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث
بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا ، قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟
قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فإن كان الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح
ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : يعزل ميراثها منه حتى تدرك ، وتحلف بالله
ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، فلو كان مال الميت قبل الإجازة باقيا على ملك سائر
الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم ، فهو مع ضميمة قاعدة
السلطنة يدل على الكشف.
وهذه الأخبار تدل
على الكشف الحقيقي لأنه الأصل من بين أنحاء الكشف ، لأن إرادة غيره من بقية
الأنحاء من هذه الأخبار بحاجة إلى قرينة وهي مفقودة.
(١) في زمن وقوعه.
(٢) على رضا
المالك.
(٣) فالنماء تابع
لأصله ، والأصل ملك للمشتري من حين العقد بناء على كاشفية الإجازة ، وهو باق على
ملك البائع إلى حين الإجازة بناء على ناقليتها ، وهذا في المثمن ، وأما الثمن فعلى
العكس.
__________________
الحاصل من المبيع (للمشتري ، ونماء الثمن المعين للبائع) ، ولو جعلناها ناقلة فهما (١) للمالك المجيز (٢) ، ثم إن
اتحد العقد فالحكم كما ذكر ، وإن ترتبت العقود على الثمن (٣) ، أو المثمن (٤) ، أو
هما وأجاز (٥) الجميع صح أيضا ، وإن أجاز أحدهما فإن كان المثمن صح في المجاز وما
بعده من العقود (٦) ، أو الثمن (٧) صح وما قبله.
والفرق (٨) أن
إجازة المبيع (٩) توجب انتقاله عن ملك المالك المجيز إلى المشتري فتصح العقود
المتأخرة عنه (١٠) ، وتبطل السابقة لعدم الإجازة.
وإجازة الثمن توجب
انتقاله إلى ملك المجيز فتبطل التصرفات المتأخرة عنه (١١) حيث لم يجزها ، وتصح
السابقة (١٢) ، لأن ملك الثمن المتوسط يتوقف على صحة العقود السابقة ، وإلا لم
يمكن تملك ذلك الثمن. هذا إذا بيعت الأثمان في
______________________________________________________
(١) أي نماء الثمن
ونماء المثمن.
(٢) وهو البائع في
المثمن والمشتري في الثمن بناء على جريان الفضولي في كل منهما ، لأن النماء تابع
لأصله ، والأصل باق في ملك المالك حتى يجيز.
(٣) ترتيب العقود
كما لو باع الفضولي مال المالك بثوب ، ثم باع الثوب بكتاب ، ثم باع الكتاب بفرس.
(٤) كما لو باع
الفضولي مال المالك بثوب ، وباع المشتري ما اشتراه بكتاب وهكذا.
(٥) أي أجاز
المالك.
(٦) دون ما قبله.
(٧) أي وإن كان
المجاز الثمن صح المجاز وما قبله من العقود دون ما بعده.
(٨) بين المثمن
والثمن في الحكم المذكور.
(٩) أي المثمن.
(١٠) والمترتبة
على فعل المشتري وتبطل السابقة لعدم الإجازة.
(١١) عن المجاز.
(١٢) وذلك فيما لو
باع الفضولي مال المالك بكتاب ، ثم باع الكتاب بسيف ، ثم باع السيف بثوب ثم باع
الثوب بالفرس ، فأجاز المالك بيع السيف بالثوب ، فتملك المالك للسيف متوقف على
تملكه للكتاب ، وتملكه للكتاب متوقف على إجازة بيع ماله الأصلي بالكتاب ، فتكون
إجازة المالك للوسط إجازة مصححة للمجاز ولما قبله دون ما بعده.
جميع العقود ، أما
لو تعلقت العقود بالثمن الأول مرارا (١) كان كالمثمن في صحة ما أجيز وما بعده ،
وهذا القيد وارد على ما أطلقه الجميع (٢) في هذه المسألة كما فصلناه أولا ، مثاله (٣)
لو باع مال المالك بثوب ، ثم باع الثوب بمائة ، ثم باعه المشتري بمائتين ، ثم باعه
مشتريه بثلاثمائة فأجاز المالك العقد الأخير ، فإنه لا يقتضي إجازة ما سبق ، بل لا
يصح سواه ولو أجاز الوسط صح وما بعده كالمثمن. نعم لو كان قد باع الثوب بكتاب (٤)
، ثم باع الكتاب بسيف ، ثم باع السيف بفرس ، فإجازة بيع السيف بالفرس تقتضي إجازة
ما سبقه من العقود ، لأنه إنما يملك السيف إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو الكتاب
، ولا يملك الكتاب إلا إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو الثوب ، فهنا يصح ما
ذكروه.
(ولا يكفي في الإجازة السكوت عند العقد) (٥) مع علمه به ، (أو عند عرضها) أي الإجازة (عليه) ، لأن السكوت أعمّ من الرضا فلا يدل عليه ، بل لا بد من
لفظ صريح فيها كالعقد ، (ويكفي أجزأت) العقد ، أو البيع ، (أو أنفذت ، أو
أمضيت ، أو رضيت وشبهه) كأقررته ، وأبقيته ، والتزمت به ، (فإن لم)
______________________________________________________
(١) بأن تداول
الثمن بنفسه في عدة بيوع ، كما لو باع الفضولي مال المالك بمائة ، ثم باعه المشتري
بمائتين ، ثم باعه المشتري الثاني بثلاثمائة فأجاز المالك العقد الأخير فإنه لا
يقتضي إجازة ما سبق ، بل لا يصح إلا سواه وما يترتب عليه من العقود كالمثمن في
مسألة ترتب العقود عليه.
(٢) حيث أطلقوا أن
الإجازة تصحح المجاز وما بعده في المثمن ، وتصححه وما قبله في الثمن مطلقا من دون
استثناء مسألة تداول الثمن بنفسه في عدة بيوع كما عرفت.
(٣) مثال تداول
الثمن بنفسه في عدة بيوع.
(٤) وهي مسألة
ترتب العقود على الثمن التي كان حكمها على عكس الحكم في المثمن.
(٥) فلا يكفي سكوت
المالك مع العلم فضلا من الجهل ولو مع حضور العقد ، لأعمية ذلك من الرضا فلا يدل
عليه بلا خلاف فيه ، والاكتفاء بالسكوت من البكر في النكاح للأخبار التي سيأتي
التعرض لها في محله إنشاء الله تعالى. ولا يشترط لفظ مخصوص بل كل ما يدل على الرضا
الباطني ، ولو بالمجاز والكناية ، وحديث عروة البارقي المتقدم ظاهر في كفاية
الكناية في الإجازة حيث قال صلىاللهعليهوآلهوسلم (بارك الله من في
صفقة يمينك) .
__________________
يجز انتزعه من المشتري) (١) ، لأنه عين ماله ، (ولو تصرف) المشتري (فيه بما له أجرة) كسكنى الدار ، وركوب الدابة (رجع بها عليه) (٢) ، بل له الرجوع بعوض المنافع وإن لم يستوفها (٣) ، مع وضع
يده عليها ، لأنه حينئذ كالغاصب وإن كان جاهلا ، (ولو نما كان) النماء (لمالكه) (٤) متصلا كان ، أم منفصلا ، باقيا كان ، أم هالكا (٥) ،
فيرجع عليه بعوضه وإن كان جاهلا ، وكذا يرجع بعوض المبيع نفسه لو
______________________________________________________
(١) فإذا لم يجز
المالك البيع فيرجع في عين ماله بلا خلاف فيه ولا إشكال للأخبار.
منها : خبر زرارة (قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل اشترى من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه ،
فولدت منه أولاد ثم أتاها من يزعم أنها له ، وأقام على ذلك البينة ، قال : يقبض
ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها) ، وصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
الجارية من السوق فيولدها ، ثم يجيء مستحق الجارية ، قال : يأخذ الجارية المستحق
، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد
التي أخذت منه) مضافا إلى عموم النبوي المشهور (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)
.
ومن إطلاق هذه
الأخبار يعلم جواز رجوع المالك على نماء عينه ، سواء كان متصلا أو منفصلا ، وعلى
منافعها المستوفاة من قبل المشتري ، وأما المنافع الفائتة من غير استيفاء فهل يرجع
بها المالك فالمشهور ذلك لعموم النبوي المتقدم ، والظاهر عدم الضمان لأن الأخبار
المتقدمة وهي واردة في مقام البيان قد دلت على ضمان المنافع المستوفاة فقط ، فلو
كانت غيرها مضمونة كذلك لوجب البيان.
(٢) أي رجع المالك
بالأجرة على المشتري في المنافع المستوفاة.
(٣) وقد عرفت
صفقة.
(٤) كما تقدم.
(٥) ما تقدم من
رجوع المالك إنما كان مع بقاء العين أو نمائها ، فلو تلفت العين أو نمائها ، كان
للمالك قيمة الهالك أو مثله.
والمثلي والقيمي
لم يرد في النصوص فالمرجع إلى تحديد العرف ، والمشهور على أن المثلي ما تتساوى
أجزاؤه في القيمة ، والمراد بالأجزاء الجزئيات والأفراد لا أبعاض الكل ، والقيمي
بخلافه.
__________________
هلك في يده ، أو
بعضه مع تلف بعضه بتفريط وغيره (١) ، والمعتبر في القيمي قيمته يوم التلف (٢) ، إن
كان التفاوت بسبب السوق ، وبالأعلى (٣) إن كان بسبب زيادة عينية (٤) ، (ويرجع (٥) المشتري على البائع بالثمن إن كان باقيا ، عالما كان ، أو
______________________________________________________
(١) أي وغير تفريط
مراده أن للمالك حق الرجوع في صورة التلف أو الإتلاف فضلا عن صورة بقاء العين.
(٢) كما نسب إلى
الأكثر كما في الدروس وهو الموافق للقواعد لأن العين ما دامت موجودة فالمالك يرجع
عليها فإذا تلفت انتقل الضمان إلى قيمتها هذا كله إذا كان التفاوت بسبب السوق ،
أما إذا استند نقص القيمة إلى نقص في العين ثم تلفت فالأعلى هو المضمون بالاتفاق ،
لأن ذلك الجزء الفائت مضمون بقيمته يوم تلفه كضمان الجملة ، ثم إن تفصيل الكلام في
مسألة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد سنرجئه إلى بحث ضمان المعضوب لاشتراكهما في
الكثير من الأدلة.
(٣) أي أعلى
القيم.
(٤) ثم تلفت هذه
الزيادة ، هذا كله بين المالك والمشتري.
(٥) أما البحث بين
المشتري والفضولي ، فيرجع المشتري على الفضولي بما دفعه من الثمن ، إذا لم يكن
المشتري عالما أن المبيع لغير الفضولي ، أو كان عالما بذلك لكن ادعى الفضولي الاذن
بالبيع من المالك ، وهذا الرجوع من المشتري على الفضولي لقاعدة المغرور يرجع على
من غره ولصحيح جميل المتقدم (ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي
أخذت منه) ، ولازم جواز الرجوع بالثمن جواز الرجوع بعوضه من قيمة أو
مثل عند التلف. وأما مع علمه وعدم جهله بفضولية البيع فالمشهور على عدم جواز
الرجوع بالثمن بلا فرق بين كونه باقيا أو تالفا لأن المشتري قد دفع الثمن إلى
الفضولي وسلّطه عليه مع علمه بعدم استحقاقه له فيكون بمنزلة أما الإباحة له.
وأشكل عليهم
الشارح في المسالك والروضة أنه يتم في صورة التلف ، أما مع بقائه فلا ، لأنه ماله
وهو متسلط عليه ولم يحصل منه ما يوجب نقله عن ملكه ، لأنه دفعه عوضا عن شيء لم
يسلم له ، فلا بدّ من التفصيل وهو المنقول عن العلامة في جملة من كتبه وعن ولده
الفخر والشهيد في الدروس والمحقق الثاني وعن المحقق هو في بعض تحقيقاته جواز
الرجوع بالثمن ولو كان تالفا ، لحرمة تصرف الفضولي فيه حيث إنه أكل للمال بالباطل
فيكون مضمونا عليه.
__________________
جاهلا) لأنه ماله ولم يحصل منه ما يوجب نقله عن ملكه ، فإنه إنما
دفعه عوضا عن شيء لم يسلم له.
(وإن تلف قيل) والقائل به الأكثر ، بل ادعى عليه في التذكرة الإجماع : (لا رجوع به مع العلم) بكونه غير مالك ولا وكيل ، لأنه سلطه على إتلافه مع علمه بعدم استحقاقه له
فيكون بمنزلة الإباحة ، بل ظاهر كلامهم عدم الرجوع به مطلقا (١) ، لما ذكرناه من
الوجه (٢) (وهو) مع بقاء العين في غاية البعد ، ومع تلفه (بعيد مع توقع الإجازة) لأنه حينئذ لم يبحه له مطلقا (٣) ، بل دفعه متوقعا ، لكونه عوضا عن المبيع ،
فيكون مضمونا له (٤) ، ولتصرف البائع فيه تصرفا ممنوعا منه ، فيكون مضمونا عليه ،
وأما مع بقائه فهو عين مال المشتري ، ومع تسليم الإباحة (٥) لم يحصل ما يوجب الملك
، فيكون القول بجواز الرجوع به مطلقا (٦) قويا وإن كان نادرا ، إن لم يثبت الإجماع
على خلافه ، والواقع خلافه (٧) ، فقد ذهب المحقق إلى
______________________________________________________
(١) سواء كان
الثمن باقيا أم تالفا.
(٢) وهو تسليطه
على إتلافه مع علمه بعدم استحقاقه فيكون بمنزلة الإباحة ، وفيه : إن لازمه جواز
تصرف الفضولي بالثمن مع أن الاتفاق واقع على عدم الجواز لأنه أكل للمال بالباطل
فالأقوى جواز الرجوع مطلقا ، خصوصا مع توقع الإجازة من المالك ، ولو كان المشتري
عالما بفضولية العقد فلا يكون مسلطا للفضولي على الثمن حتى يكون بمنزلة الإباحة
لتوقعه الإجازة.
(٣) بل في صورة
انتظار وقوع الإجازة من المالك.
(٤) أي فيكون
الثمن مضمونا للمشتري إلى أن يؤديه الفضولي إلى مالك العين على فرض الإجازة ، أو
أن يرده إليه على تقدير الرد ، ومنه يعلم أن الفضولي ممنوع من التصرف في الثمن فلو
تصرف فهو مضمون عليه.
(٥) المستفادة من
التسليط.
(٦) ولو كان
تالفا.
(٧) أي خلاف الإجماع
حيث ذهب المحقق إلى جواز الرجوع مطلقا ، وذهب جماعة إلى التفصيل ، في ادعاه
العلامة في التذكرة من الإجماع على عدم جواز الرجوع ولو كان باقيا لم يسلم له ،
ولو سلّم له فهو مدركي لاحتمال أن يكون مستند المجمعين هو إباحة المشتري للثمن
الموجبة لعدم جواز الرجوع.
الرجوع به مطلقا (١)
، وكيف يجتمع تحريم تصرف البائع فيه (٢) مع عدم رجوع المشتري به في حال ، فإنه (٣)
حينئذ لا محالة غاصب ، آكل للمال بالباطل ولا فرق في هذا الحكم بين الغاصب محضا ،
والبائع فضوليا مع عدم إجازة المالك.
(ويرجع) المشتري على البائع (بما اغترم) للمالك (٤) ، حتى بزيادة القيمة عن الثمن لو تلفت العين
فرجع بها عليه على الأقوى ، لدخوله (٥) على أن تكون له مجانا ، أمّا ما قابل الثمن
من القيمة فلا يرجع به لرجوع عوضه (٦) إليه ، فلا يجمع بين العوض والمعوض. وقيل :
لا يرجع بالقيمة مطلقا (٧) ، لدخوله على أن تكون
______________________________________________________
(١) باقيا كان أو
تالفا.
(٢) أي حرمة تصرف
الفضولي في الثمن كما تقدم.
(٣) أي الفضولي.
(٤) أي ويرجع
المشتري على الفضولي بما اغترمه للمالك من ضمان المنافع المستوفاة ، لقاعدة
المغرور ولصحيح جميل المتقدم حيث قال (ويرجع على من باعه بثمن الجارية ، وقيمة الولد
التي أخذت منه) . ولازمه جواز رجوع المشتري على الفضولي بما اغترمه للمالك
من ضمان المنافع غير المستوفاة ، لو قلنا بضمانها على المشتري.
ولازمه أيضا جواز
رجوع المشتري على الفضولي بما اغترمه لإصلاح العين من نفقة وإصلاح.
وأما لو تلفت
العين عند المشتري ورجع المالك عليه بقيمتها ، وكانت القيمة أكثر من الثمن المسمى
الذي دفعه إلى الفضولي فهل يرجع المشتري على الفضولي بتمام ما دفعه للمالك ، أو
بخصوص الثمن المدفوع للفضولي وجهان كما في المسالك والجواهر من أن الشراء عقد ضمان
وقد شرع فيه على أن تكون العين من ضمانة بحيث إذا تلفت كانت من ماله ولازمه عدم
جواز الرجوع بالزائد ، وعن كون المشتري مقدما على كون المجموع في مقابلة الثمن
ولازمه كون الزائد عليه في معنى التبرع به وإعطائه إياه بغير عوض ، فإذا أخذ منه
هذا الزائد فله أن يرجع به على الفضولي لأن قد غرّه.
(٥) أي لدخول المشتري
على أن تكون الزيادة المذكورة له من دون عوض.
(٦) أي عوض الثمن
الذي هو المبيع ، وهو راجع إليه لتلفه تحت يده.
(٧) حتى بزيادة
القيمة عن الثمن ، فضلا عما قابل الثمن.
__________________
العين مضمونة عليه
، كما هو شأن البيع الصحيح والفاسد (١) ، كما لو (٢) تلفت العين ، وفيه أن ضمانه (٣)
للمثل ، أو القيمة أمر زائد على فوات العين (٤) الذي [قد] قدم على ضمانه وهو مغرور
من البائع بكون المجموع له بالثمن ، فالزائد (٥) بمنزلة ما رجع عليه (٦) به (٧) ،
وقد حصل له (٨) في مقابله نفع (٩) ، بل أولى (١٠).
______________________________________________________
(١) أي ما يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده ، وهي قاعدة مشهورة عندهم ومعناها : إن كل مال قبض بعقد صحيح
فلو تلف كان من مال القابض فهو مضمون عليه كالثمن عند البائع والمثمن عند المشتري
، فكذلك لو قبض بعقد فاسد كالبيع والإجارة ، مدركها عموم النبوي (على اليد ما أخذت
حتى تؤدي) ، وكذلك عكسها وهو : ما لا يضمن بفاسده كالعارية.
(٢) أي حيث تلفت
العين ، وهو متعلق بقوله (كما هو شأن البيع الصحيح والفاسد) ، والمعنى حينئذ واضح.
(٣) وحاصله : أن
المشتري قدم على أن تكون العين مضمونة عليه ، لكن قدم باعتبار أن يكون هذا الضمان
عند تلف العين في قبال الثمن الذي دفعه للفضولي ، ولازمه أن ما زاد عن الثمن يكون
زائدا على ما أقدم على ضمانه مع كونه مغرورا من قبل الفضولي بتحمله لهذا الضمان ،
لأن الفضولي جعله مقدما على كون مجموع العين في قبال الثمن فقط ، فيكون هذا الزائد
بمنزلة النماء والثمرة من حيثية إقدام المشتري على أنها له من غير عوض وقد غرّه
الفضولي في ذلك عند ما تحمل المشتري ضمانها للمالك ، فكما أن المشتري يرجع على
الفضولي بما اغترمه في قبال النماء والثمرة وهو مما له نفع للمشتري ، فكذلك يرجع المشتري
على الفضولي بما دفعه أزيد من الثمن وهو مما لا نفع فيه للمشتري بل الثاني أولى
كما هو واضح.
(٤) تفريع على
الجواب ، والمراد به ما زاد عن الثمن.
(٥) أي رجع
المشتري.
(٦) على الفضولي.
(٧) الضمير عائد
إلى الوصول.
(٨) للمشتري.
(٩) كالثمرة
والنماء.
(١٠) بل الرجوع في
الزائد أولى لعدم حصول نفع فيه للمشتري.
__________________
هذا إذا كانت
الزيادة على الثمن موجودة حال البيع (١) ، أما لو تجددت بعده فحكمها حكم الثمرة ،
فيرجع بها أيضا كغيرها (٢) مما حصل له في مقابلته نفع (٣) على الأقوى (٤) ، لغروره
(٥) ، ودخوله (٦) على أن يكون ذلك له بغير عوض.
أمّا ما أنفقه
عليه (٧) ونحوه مما لم يحصل له في مقابلته نفع (٨) فيرجع به قطعا (إن كان جاهلا) بكونه مالكا ، أو مأذونا بأن ادعى البائع ملكه ، أو الإذن فيه ، أو سكت ولم
يكن المشتري عالما بالحال (٩).
(ولو باع غير المملوك مع ملكه ولم يجز المالك صح) البيع (في ملكه) (١٠)
______________________________________________________
(١) بأن كان الشيء
يساوي عشرين فباعه الفضولي بعشرة.
(٢) أي كغير
الزيادة.
(٣) نفي الزيادة
أولى لعدم النفع له.
(٤) متعلق بقوله (فيرجع
بها أيضا).
(٥) أي لقاعدة
المغرور يرجع على من غرّه.
(٦) أي دخول
المشتري.
(٧) أي ما أنفقه
المشتري على المبيع.
(٨) مما اغترمه
لإصلاح المبيع.
(٩) أما لو كان
المشتري عالما بكون العقد فضوليا فلا رجوع له على الفضولي فيما اغترمه للمالك من
ضمان المنافع المستوفاة وغيرها ، وأما ما دفعه من الثمن للفضولي فقد عرفت حكمه
سابقا.
(١٠) بحيث باع ما
يملكه وما لا يملكه بعقد واحد وثمن واحد ، مضى بيعه فيما يملك ، وتوقف بيعه لما لا
يملك على إجازة المالك بناء على ما سمعته من صحة بيع الفضولي ، بلا خلاف معتد به
ما لم ينشأ من صحة بيعه لما يملك مع عدم الإجازة في الآخر مانع شرعي كلزوم ربا أو
بيع رقيق آبق من دون ضميمة ونحو ذلك.
وعن الأردبيلي
احتمال بطلان العقد رأسا على تقدير صحة بيع الفضولي مع عدم إجازة المالك لأن
التراضي حصل على المجموع لا على البعض واضح الفساد ، بل هو اجتهاد في قبال النص
لمكاتبة الصغار إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهالسلام (في رجل له قطاع
أرض فيحضره الخروج إلى مكة ، والقرية على مراحل من منزله ، ولم يكن له من المقام
ما يأتي بحدود أرضه وعرف حدود القرية الأربعة ، فقال للشهود : اشهدوا أني قد بعت
فلانا ، يعني المشتري ، جميع القرية التي حد منها كذا ، والثاني والثالث والرابع ،
ـ
ووقف في ما لا
يملك على إجازة مالكه ، فإن أجاز صح البيع ولا خيار ، (و) إن رد (تخير المشتري مع جهله) بكون بعض المبيع غير مملوك للبائع ، لتبعض الصفقة ، أو الشركة (١) (فإن) فسخ رجع كل مال
إلى مالكه ، وإن (رضي صح البيع في المملوك) للبائع (بجصته من الثمن) ، ويعلم مقدار الحصة (بعد تقويمهما
جميعا ، ثم تقويم أحدهما) منفردا ، ثم نسبة قيمته (٢) إلى قيمة المجموع ، فيخصه من الثمن مثل تلك
النسبة ، فإذا قوّما جميعا بعشرين ، وأحدهما بعشرة صح في المملوك بنصب الثمن كائنا
ما كان ، وإنما أخذ بنسبة القيمة (٣) ولم يخصه (٤) من الثمن قدر ما قوّم به
لاحتمال زيادتها عنه (٥) ونقصانها ، فربما جمع في بعض الفروض بين الثمن والمثمن
على ذلك التقدير (٦) كما لو كان قد اشترى المجموع في المثال بعشرة (٧).
______________________________________________________
ـ وإنما له في هذه
القرية قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك ، وإنما له بعض هذه القرية وقد أقر له
بكلها؟
فوقّع عليهالسلام : لا يجوز بيع ما ليس بملك ، وقد وجب الشراء من البائع على
ما يملك) وظاهر الخبر وجوب البيع ولكنه بالنسبة للبائع فيما يخصه ،
وأن المشتري فمع إجازة الغير لا كلام ، ومع عدمها فله حق الخيار بالفسخ لتبعض
الصفقة بلا خلاف فيه مع جهله بالحال ، أما لو كان عالما بالحال فلا خيار له لقدومه
على ذلك مع علمه.
وعلى كل لا بدّ من
تقسيط الثمن على المبيع سواء أجاز الغير أو لم يجز ، حتى يأخذ كل من المالكين
نصيبه على فرض الإجازة ، أو ليأخذ البائع ما يخصه من الثمن على فرض عدمها عند عدم
فسخ المشتري بالخيار الذي ثبت له.
(١) عطف على تبعض
الصفقة ، بحيث لو باع مالك النصف المشاع تمام المال المشترك ولم يجز شريكه فيثبت
للمشتري خيار ناشئ من عيب الشركة.
(٢) أي قيمته
المنفردة.
(٣) وهي النصف في
المثال المتقدم.
(٤) أي يخص
المملوك.
(٥) أي زيادة
القيمة عن الثمن المسمى في العقد.
(٦) أي تقدير أخذ
القيمة من الثمن ، لا أخذ نسبتها إلى المجموع من الثمن.
(٧) وقدّر المملوك
بعشرة وغير المملوك بعشرة وكان الثمن المسمى عشرة فلو أخذ القيمة من ـ
__________________
وإنما يعتبر
قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كل واحد كثوبين (١) ،
أما لو استلزم ذلك كمصراعي باب لم يقوّما مجتمعين ، إذ لا يستحق مالك كل واحد ماله
(٢) إلا منفردا ، وحينئذ فيقوّم كل منهما منفردا ، وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع
القيمتين (٣) ، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة. نعم لو كانا لمالك واحد (٤) فأجاز في
أحدهما دون الآخر أمكن فيه ما أطلقوه (٥) ، مع احتمال ما قيدناه (٦).
(وكذا لو باع ما يملك) مبنيا للمجهول (وما لا يملك (٧)
كالعبد مع الحر ، والخنزير مع الشاة) ، فإنه يصح في المملوك (٨) بنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين
من الثمن (٩) ، (ويقوّم الحر لو كان عبدا) على ما هو عليه من الأوصاف والكيفيات ، (والخنزير عند مستحليه) إما بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب ،
ويحصل بقولهم العلم ، أو الظن المتاخم له (١٠) ، أو بإخبار عدلين
______________________________________________________
ـ الثمن لأخذ عشرة
ـ وهي تساوي ثمن المملوك ـ في قبال غير المملوك ، فيكون قد جمع بين المملوك وثمنه
، وبعبارة أخرى قد رجع إليه بمقدار ما دفعه ويكون المثمن الذي استقر عليه البيع
بغير عوض.
(١) وعبدين بحيث
لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كل منهما.
(٢) وحصته وهي أحد
مصراعي الباب.
(٣) المنفردتين.
(٤) وباعهما
الفضولي فأجاز المالك البيع في أحدهما دون الآخر.
(٥) من تقويمهما
جميعا ثم تقويم أحدهما ، ثم نسبة قيمة المجاز منفردا إلى قيمة المجموع ، ثم يؤخذ
من الثمن بمثل هذه النسبة.
(٦) فيما لم يكن
لاجتماعهما في زيادة القيمة ، وإلا فتنسب قيمة أحدهما منفردا إلى مجموع قيمتهما
منفردين لا مجتمعين ، ثم تؤخذ هذه النسبة من الثمن.
(٧) فيصح البيع
فيما يملك ويبطل بالآخر ، أما صحته في الأول لوجود المقتضى مع عدم المانع فتشمله
عمومات الوفاء والحلية للبيع ، وأما بطلانه في الثاني لعدم قابليته للتملك بلا
خلاف في ذلك كله.
(٨) أي ما يملك.
(٩) أي وتؤخذ هذه
النسبة من الثمن.
(١٠) والظن
المتاخم للعلم علم عادي فتشمله أدلة حجية العلم.
مسلمين يطلعان على
حاله عندهم (١) ، لا منهم مطلقا (٢) ، لاشتراط عدالة المقوم. هذا مع جهل المشتري
بالحال ليتم قصده إلى شرائهما (٣).
ويعتبر العلم بثمن
المجموع لا الأفراد ، فيوزع حيث لا يتم له ، أما مع علمه بفساد البيع فيشكل صحته
لإفضائه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع ، لأنه في قوة بعتك العبد بما يخصه من
الألف إذ وزّعت عليه وعلى شيء آخر لا يعلم مقداره الآن ، أما مع جهله فقصده إلى
شراء المجموع ، ومعرفة مقدار ثمنه (٤) كاف ، وإن لم يعلم مقدار ما يخص كل جزء (٥).
ويمكن جريان
الإشكال في البائع (٦) مع علمه بذلك (٧) ، ولا بعد في بطلانه (٨) من طرف أحدهما
دون الآخر (٩) ، هذا إذا لم يكن المشتري قد دفع الثمن ، أو كانت عينه (١٠) باقية ،
أو كان جاهلا ، وإلا (١١) جاء فيه مع علمه
______________________________________________________
(١) أي على حال
الخنزير عند مستحليه.
(٢) أي من
المستحلين من دون القيود السابقة.
(٣) ظاهر الأصحاب
ـ كما في الجواهر ـ عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم والجهل ، لأن الغرر مدفوع
بالعلم بالجملة ، كما لو باع مملوكه ومملوك غيره مع إجازة المالك فالبيع صحيح
ولازم مع أن الثمن لكل منهما غير معلوم بالتفصيل نعم هو معلوم بالجملة وهذا كاف
لنفي الغرر المنهي عنه. نعم العلامة في التذكرة احتمل البطلان في صورة العلم ولكنه
قد نص على الصحة قبل ذلك ، وأورد الشارح هذا الاحتمال أشكالا في المقام وهو ليس في
محله كما عرفت.
(٤) أي ثمن
المجموع.
(٥) بحيث لم يعرف
معرفة تفصيلية ، ولكن هناك علم إجمالي كاف لدفع الغرر ، وفيه : إن نفس هذا العلم
الإجمال موجود عند علم المشتري بالحال ولازمه صحة البيع فيما يملك.
(٦) في البائع :
والحكم بفساد البيع للغرر.
(٧) أي بحال.
(٨) أي بطلان
البيع.
(٩) وهو المشتري
الجاهل للحال ، وفيه : إنه على خلاف ظاهر الأدلة الدالة على اشتراط علمهما في صحة
العقد ، نعم قد عرفت أن العلم الإجمالي كاف وهو متحقق في كلا الطرفين سواء علما
بالحال أو علم بعضهما أو جهلا بذلك.
(١٠) أي عين
الثمن.
(١١) أي وإن دفع
الثمن وقد تلف وكان المشتري عالما بالحال فيكون قد سلط البائع على إتلافه ـ
بالفساد ما تقدم
في الفضولي بالنسبة إلى الرجوع بالثمن.
(وكما يصح العقد من المالك ، يصح من القائم مقامه وهم) أي القائم ، جمعه (١) باعتبار معنى الموصول ، ويجوز توحيده
نظرا إلى لفظه (ستة : الأب (٢) ، والجد له (٣) وإن علا ، (والوصي) (٤) ...
______________________________________________________
ـ فهو بمنزلة
الأذن له في ذلك فيما يرجع عليه كما هو مبنى المشهور من عدم رجوع المشتري على
الفضولي في الثمن التالف ، وقد عرفت صحة الرجوع لأن سلطه عليه في قبال لشيء لم
يسلم له.
(١) حيث قال
المصنف : (وهم).
(٢) بلا خلاف فيه
لفحوى ما ورد من سلطنته على بضع البنت في باب النكاح كخبر محمد بن إسماعيل بن بزيع
(سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة فتكبر قبل أن
يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال عليهالسلام : يجوز عليها تزويج أبيها) ، وما ورد في جواز اتجار الوصي بمال الطفل إذا كان قد أوصى
أبوه بذلك وهذا دال على جواز اتجار الأب بمال الطفل من باب أولى كخبر محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليهالسلام : (سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن له عند
الوصية أن يعمل بالمال ، وأن يكون الربح بينه وبينهم ، فقال : لا بأس به من أجل أن
أباه قد أذن في ذلك وهو حي) ، ومثله غيره.
(٣) أي للأب بلا
خلاف فيه لفحوى ما ورد من سلطنته على بضع البنت كخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (إذا زوّج الرجل
ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوجها ، فقلت : فإن هوى أبوها رجلا
، فقال : الجد أولى بنكاحها) وقريب منه خبر زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام إلا أنه قال (الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن
الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب الجد) ٤ وذيله مطلق يشمل الجد الأعلى
وأما غيره كالأم والأخ والعم والجد للأم فلا ولاية لهم على الصغير والمجنون لعدم
الدليل ومقتضى الأصل عدم ولا يتهم.
(٤) بلا خلاف فيه
للأخبار.
__________________
من أحدهما على
الطفل (١) والمجنون الأصلي (٢) ، ومن طرأ جنونه قبل البلوغ ، (والوكيل) (٣) عن المالك ومن له الولاية حيث يجوز له التوكيل ، (والحاكم) الشرعي (٤)
______________________________________________________
ـ منها : خبر محمد
بن مسلم المتقدم ، وخبر خالد الطويل (ابن بكير خ) (دعاني أبي حين حضرته الوفاة
فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به ، وخذ نصف الربح واعطهم النصف وليس
عليك ضمان ، فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى ، فقال : إن هذا
يأكل أموال ولدي ، قال : فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي ، فقال ابن أبي ليلى : إن
كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه ، ثم أشهد عليّ ابن أبي ليلى إن أنا حركته فأنا له
ضامن ، فدخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فقصصت عليه قصتي ، ثم قلت له : ما ترى؟ فقال : أما قول ابن
أبي ليلى فلا أستطيع رده ، وأما فيما بينك وبين الله عزوجل فليس عليك ضمان) .
(١) بالنسبة
لولاية الثلاثة من الأب والجد والوصي.
(٢) وإلا لو طرأ
الجنون بعد عقله وبلوغه فهو كالسفه الطارئ يرجعان إلى الحاكم كما سيأتي تفصيله في
كتاب الحجر.
(٣) الوكيل بمنزلة
الموكل بلا خلاف فيه لإطلاق أدلة اعتبار الوكالة كما سيأتي التعرض لها في بابها
بلا فرق بين كون الموكل مالكا أو له الولاية على المالك.
(٤) قد ثبت في باب
القضاء أن المجتهد الجامع للشرائط منصوب للقضاء من قبل المعصوم عليهالسلام ، وللقاضي حق النظر في فصل المنازعات وقطع التشاجر
والمنازعات ، واستيفاء الحقوق ممن مطل بها وإيصالها إلى مستحقيها ، وله الولاية
على من كان ممنوع التصرف بجنون أو صغر أو سفه وله حق الحجر على السفيه والمفلس
حفظا للأموال وهو ولي من لا ولي له كالغائب ، وله النظر في الأوقاف بحفظ أصولها
وتنمية فروعها وقبض نماءها وصرفه في سبيله مع حق جعل النظر إلى غيره ، وله حق
تنفيذ الوصايا على شروط الموصي ، وله حق تزويج الأيامي بالأكفاء إذا عدم الولي وله
إقامة الحدود على مستحقيها ، وهذه الأحكام ثابتة للقاضي عند العامة ، راجع كتاب
الأحكام السلطانية للماوردي ، فتنصيب المجتهد قاضيا من قبل المعصوم عليهالسلام هو تنصيب له مع إثبات هذه الأحكام له عندنا ، ومن جملتها
ولايته على الصغير عند عدم الولي للأب أو جد أو وصيّ. ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وبعد هذا البيان
لا داعي لإثبات ولاية القاضي على مال الصغير من باب الأمور الحسبية وهي ما علم من
الشارع عدم رضاه بتركها بل لا بدّ من التعدي لها ، إذ التعدي غير منحصر بالقاضي ،
ولا داعي لإثبات ولاية القاضي على مال الصغير من باب ولاية الفقيه ، وهي ولايته
على التصرف في أموال الناس وأنفسهم ، وهي ولاية ثابتة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وللأئمة المعصومين من بعده صلوات الله عليهم أجمعين ، قال
الله تعالى : (النَّبِيُّ
أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، وفي حديث الغدير الذي كثرت أسانيده ، وهو من المتواتر
المشهور بين الفريقين قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (من كنت مولاه
فهذا عليّ مولاه) .
وهذه الولاية قد
قيل بثبوتها للقاضي لمقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام (ينظران ممن كان
منكم عن ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ،
فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله
وعلينا ردّ ، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله) بدعوى أن لفظ الحاكم هو الحاكم المطلق ، وفيه : إن مورد
السؤال هو التحاكم أي الترافع إلى القاضي فيكون مخصوصا بالقاضي فقط ، على أن
الحاكم هو القاضي لغة لا الحاكم المطلق كما توهم بعض المتأخرين واستدل للولاية
بالتوقيع الشريف (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي
عليكم وأنا حجة الله) وبما ورد عن الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام مرسلا (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ،
الأمناء على حلاله وحرامه) ، وهما عمدة استدلالهم على الولاية ، وأما غيرهما فقاصر
الدلالة وأجنبي عن المطلوب كما هو واضح.
وهما أيضا أجنبيان
عن المدعي إذا لو ثبت للفقيه ما ثبت للمعصوم من الولاية بالتصرف في أموال الناس
وأنفسهم لما كان هناك فرق بين المعصوم وغيره فلا داعي للعصمة في الأئمة عليهمالسلام هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان للفقيه الولاية على أموال
الناس وأنفسهم لوجب عليهم اتباعه فيما يتصرف فيه ، مع أن الطاعة المطلقة مختصة
بالمعصوم فقط. ـ
__________________
حيث تفقد الأربعة (١)
، (وأمينه) وهو منصوبه (٢) لذلك (٣) ، أو ما هو (٤) أعم منه ، (وبحكم الحاكم المقاصّ (٥) وهو من يكون له على غيره مال فيجحده ، أو لا
______________________________________________________
ـ ففي خبر الخثعمي
(كان المفضل عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال له المفضل : جعلت فداك ، يفرض الله طاعة عبد على
العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال : لا ، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض
طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء) وخبر أبي حمزة (سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : لا والله ، لا يكون عالم جاهلا أبدا ، عالما بشيء
جاهلا بشيء ، ثم قال : الله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم
سمائه وأرضه ، ثم قال : لا يحجب ذلك عنه) مثلها غيرها.
ومن جهة ثالثة
فالتوقيع مختص بالإفتاء لأن الوصف مشعر بالعلية للحكم ، فهم حجة بما هم رواة
الأحاديث ، وهذا كاشف على مورد حجتهم ، وهو الإفتاء بمضمون هذه الأحاديث ، والمرسل
عن سيد الشهداء صلوات الله عليه ضعيف السند على أن متنه مخصوص بالمعصومين عليهمالسلام ولا أقل من الاحتمال وبه يبطل الاستدلال.
وقد قيل أن الفقيه
ليس له الولاية على أموال الناس وأنفسهم ولكن له الولاية في تشكيل الحكومة
الإسلامية وأجراء أحكام الإسلام السياسية والجزائية كالجهاد وقبول الجزية والصلح
والقصاص والديات والحدود ، وفيه : إن مقتضى الأصل تشكيل الحكومة الإسلامية لمطلق
من يريد الحكم بالحق والعدل ، فتخصيصه بالفقيه فقط يحتاج إلى دليل ، ودعوى أنه نفس
مقبولة عمر بن حنظلة والتوقيع السابقان غير مسموعة لاختصاصهما بالقضاء والفتيا فقط
كما عرفت ، على أن أجراء الأحكام الجزائية كالقصاص والحدود من لوازم منصب القضاء
عند العامة كما سمعت فهذه الأحكام وإن ثبتت للفقيه ثبتت له بما هو قاض لا بما أنه
قد انحصر فيه تشكيل الحكومة الإسلامية.
(١) وهم الأب
والجد والوصي من قبل أحدهما والوكيل.
(٢) إذا ثبت جواز
النظر للقاضي في مال اليتيم والمجنون ثبت لوكيله لإطلاق أدلة اعتبار الوكالة كما
سيأتي في بابها.
(٣) أي لخصوص
التصرف في مال الصغير والمجنون بعد البلوغ والمحجور عليه لسفه أو فلس.
(٤) أي ومنصوبه
للأعم من التصرف في مال المذكورين وغيره.
(٥) إذا كان
لإنسان حق عند الغير ، فلا يخلو إما أن يكون الحق عقوبة أو مالا ، فالأول ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ كالقصاص والقذف
ولا خلاف أنه لا بد من رفع الأمر إلى الحاكم للتوصل إلى حقه ، لأن استيفاء القصاص
والحدود من لوازم القاضي كما عرفت ولعظم خطره وللاحتياط في الدماء.
والثاني إن كان
عينا في يد الغير ، معترف بها أو معلوم حالها فلصاحبها الحق في انتزاعها منه ولو
قهرا ، ولو استلزم مساعدة ظالم ، ولو استلزم ضررا كتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو
ذلك ، ما لم تثر فتنة توجب إزهاق النفوس والأموال فيجب الكف من باب رعاية الأهم ،
ولا يفتقر انتزاعها إلى إذن الحاكم.
وإن كان مالا دينا
وكان الغريم مقرا باذلا لم يستقل صاحبه بانتزاعه.
من دون إذن الغريم
لأنه المخيّر في جهات القضاء وله السلطنة التامة على أمواله ، ولو كان الغريم
جاحدا للدين ولصاحبه بينة تثبته عند الحاكم فعن الأكثر جواز الاقتصاص من الغريم من
دون الرجوع إلى الحاكم لعموم الإذن في القصاص كقوله
تعالى : (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا) وقوله تعالى : (فَعٰاقِبُوا
بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، ولإطلاق جملة من الأخبار.
منها : خبر جميل
بن دارج (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله
بقدر الذي جحده ، أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال : نعم) وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام (سألته عن الرجل
الجحود أيحلّ أن أجحده مثل ما جحد؟ قال : نعم ولا تزداد) ، وصحيح داود بن رزين (قلت لأبي الحسن موسى عليهالسلام : إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة
الفارهة فيبعثون فيأخذونها ، ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك
ولا تزد عليه ومثلها غيرها.
وذهب المحقق في
النافع وتلميذه الآبي في كشفه والفخر في إيضاحه إلى وجوب الاستئذان من الحاكم ،
لأن التسلط على مال الغير على خلاف الأهل فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو إذن
الحاكم ، وفيه : إن التسلط على مال الغير هنا للأخبار المتقدمة ، فالقول الثاني
كأنه اجتهاد في قبال النص كما في الجواهر.
ولو كان الغريم
جاحدا ولا يوجد لصاحب الحق بينة ، أوله بينة ولكن لا يمكن الوصول ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ إلى الحاكم ، أو
يمكن الوصول إليه ، ولكن الحاكم الذي هو القاضي غير مبسوط اليد فيجوز لصاحب الحق
الاقتصاص من مال الغريم بمقدار حقه من دون إذن الحاكم بلا خلاف فيه ، وهو القدر
المتيقن من الأدلة السابقة. نعم لو كان المال وديعة فهل يجوز الاقتصاص منه ، ذهب
الشيخ في النهاية وابن زهرة والقاضي وجماعة إلى التحريم لقوله تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا) والأمر بالأداء ينافي جواز الاقتصاص منها ، ولجملة من
الأخبار.
منها : خبر ابن
أبي عمير عن ابن أخ الفضيل بن يسار (كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام ووجدت امرأة وكنت أقرب القوم إليها ، فقالت لي : أسأله ،
فقلت : عما ذا؟ فقالت : إن ابني مات وترك مالا كان في يد أخي فأتلفه ، ثم أفاد
مالا فأودعنيه فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟ فأخبرته بذلك ، فقال : لا ،
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخف من خانك) وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (الرجل يكون لي
عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالا ، ألي أن آخذ ما لي عنده؟ قال : لا هذه الخيانة)
.
وعن الشيخ في
الاستبصار وأكثر المتأخرين الجواز على كراهة جمعا بين ما تقدم وبين طائفة من
الأخبار.
منها : صحيح أبي
العباس البقباق (أن شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف
درهم ، قال أبو العباس : فقلت له : خذها مكان الألف التي أخذ منك ، فأبي شهاب ،
قال : فدخل شهاب على أبي عبد الله عليهالسلام فذكر له ذلك ، فقال عليهالسلام : أما أنا فأحب أن تأخذ وتحلف) ، وخبر علي بن سليمان (كتبت إليه : رجل غصب مالا أو جارية
، ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ، أيحلّ له حبسه عليه أم
لا؟ فكتب : نعم يحلّ له ذلك ، إن كان بقدر حقه ، وإن كان أكثر فيأخذ منه ما كان
عليه ويسلم الباقي إليه إن شاء الله) .
ومقتضى الأخبار المتقدمة
أنه يجوز التقاص سواء كان الموجود من جنس المال الذي في ذمة الغريم أولا بلا خلاف
فيه خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن رزين حيث يأخذون ـ
__________________
يدفعه إليه مع
وجوبه (١) ، فله الاستقلال بأخذه من ماله قهرا من جنس حقه إن وجده ، وإلا فمن غيره
بالقيمة ، مخيّرا بين بيعه من غيره ، ومن نفسه.
ولا يشترط إذن
الحاكم وإن أمكن (٢) ، لوجوده (٣) ووجود البينة المقبولة عنده (٤) في الأشهر ، ولو
تعذر الأخذ إلا بزيادة جاز ، فتكون (٥) في يده أمانة في قول (٦) إلى أن يتمكن من
ردها فيجب (٧) على الفور ، ولو توقف أخذ الحق على نقب جدار ، أو كسر قفل جاز (٨) ،
ولا ضمان على الظاهر ، ويعتبر في المأخوذ كونه زائدا على المستثنى في قضاء الدين (٩)
، ولو تلف من المأخوذ شيء قبل تملكه ففي ضمانه قولان (١٠) ، ويكفي في التملك
النية ، سواء كان بالقيمة ، أم
______________________________________________________
ـ منه الجارية
والدابة ويقع لهم عنده المال الذي أذن الإمام عليهالسلام بجواز المقاصة منه ، ولازمه جواز بيعه للاقتصاص من ثمنه
سواء كان البيع لنفسه أو لغيره.
(١) أي وجوب
الدفع.
(٢) أي أمكن
الاذن.
(٣) أي وجود
الحاكم ، وهو تعليل لإمكان الاذن.
(٤) عند الحاكم.
(٥) أي الزيادة.
(٦) وهي أمانة
شارعية لا مالكية لأنها متوقفة على اذن من قبل الشارع ، لأن الشارع أذن في المقاصة
كما تقدم من الأخبار.
(٧) أي يجب الرد ،
وهو الظاهر من ذيل خبر علي بن سليمان المتقدم.
(٨) هذا إذا كان
الحق عينا كما تقدم.
(٩) وإلا من يجوز
مقاصته لعدم وجوب. الوفاء بالدين على الغريم لأنه مستثنى كما سيأتي دليله في بابه.
(١٠) وذلك فيما لو
كان المقبوض من مال الغير من غير جنس الحق فلا بدّ من بيعه حتى يقع التقاصي في
ثمنه ، فلو تلف المقبوض قبل بيعه فهل يضمن صاحب الحق أو لا ، فعن الشيخ في المبسوط
وتبعه الشهيدان في المسالك وغاية المراد والأردبيلي عدم الضمان لأن يده يد شرعية
بمعنى أنه قبض العين بإذن من الشارع.
وعن جماعة منهم
المحقق والعلامة في القواعد جماعة الضمان لأنه قبضه بغير إذن المالك لمصلحة نفسه ،
فيكون كقبض المرتهن الرهن بغير إذن الراهن ، مع عدم المنافاة بين إذن الشارع وبين
الضمان ، لأن الشارع قد أذن في القبض لاستيفاء حقه وهو أعم من الائتمان الذي لا
يستعقب الضمان وبين غيره. ـ
بالمثل (١) ، وفي
جواز المقاصة من الوديعة قولان ، والمروي العدم ، وحمل على الكراهة (٢) ، وفي جواز
مقاصة الغائب من غير مطالبته وجهان ، أجودهما العدم (٣) إلا مع طولها (٤) بحيث
يؤدي إلى الضرر (٥) ، ولو أمكن الرجوع هنا إلى الحاكم فالأقوى توقفه عليه (٦).
(ويجوز للجميع) أي جميع من له الولاية ممن تقدم (تولي طرفي العقد) (٧) بأن يبيع من نفسه (٨) ، وممن (٩) له الولاية عليه ، (إلا الوكيل (١٠) ...)
______________________________________________________
ـ وأشكل عليه بأن
إذن الشارع أعم من إذن المالك ، وبه يفرّق بينه وبين الرهن ومنه يعلم أنه لا
يستعقب الضمان لأنه مؤتمن من قبل الشارع.
(١) عند بيعه
للعين.
(٢) جمعا بين
الأخبار.
(٣) بل هو المتيقن
لأنه لا يجوز التصرف في مال الغير بغير إذنه.
(٤) أي طول
الغيبة.
(٥) فيجوز للعنوان
الثانوي.
(٦) أي على إذن
الحاكم بل هو المتيقن لأنه ولي الغائب وقد تقدم الكلام فيه سابقا في لوازم منصب
القاضي.
(٧) فيجوز للأب
مثلا أن يبيع عن ولده من نفسه فيكون الأب مشتريا ، ويجوز أن يبيع عن نفسه من ولده
فيكون الأب بائعا ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن المغايرة الاعتبارية كافية
في تحقق طرفي العقد ، وللسيرة وإطلاق ما دل على ولايته.
(٨) فيكون الأب
مثلا مشتريا.
(٩) فيكون الأب
مثلا بائعا.
(١٠) فعن الشيخ في
النهاية والخلاف وموضع من المبسوط وابن إدريس ، بل عن غاية المراد ونسبته إلى
الأكثر عدم الجواز لعدم التوكيل له ، ويشهد له صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
عليهالسلام (إذا قال لك الرجل
:) اشتر لي فلا تعطه من عندك ، وإن كان الذي عندك خيرا منه) ومثله غيره وحملت هذه الأخبار على وجود القرينة اللفظية
الدالة على لزوم الشراء من غير مال الوكيل لقرينة قوله (اشتر لي) ، فلا بد أن
يشتري الوكيل من غير ماله ولذا ذهبت جماعة بل قيل هو المشهور أنه إذا أعلم الموكل
جاز وإلا لم يجز ، ـ
__________________
(والمقاص) (١) فلا يجوز توليهما طرفيه (٢) ، بل يبيعان من الغير ،
والأقوى كونهما كغيرهما ، وهو اختياره في الدروس ، لعموم الأدلة وعدم وجود ما يصلح
للتخصيص ، (ولو استأذن الوكيل جاز) ، لانتفاء المانع حينئذ.
(ويشترط كون المشتري مسلما إذا ابتاع مصحفا (٣) ، ...
______________________________________________________
ـ وفيه : إن البحث
في التوكيل المجرد عن القرائن اللفظية والمقامية ، وهو يستدعي بيع مال الموكل أو
شراء شيء له مع غض البصر عن خصوصية المشتري فالأوفق بالقواعد هو الجواز كما ذهب
إليه أبو الصلاح والعلّامة في جملة من كتبه والفخر في الإيضاح ، والشهيدان.
نعم لو احتفت
الوكالة بقرينة ولو مقامية تدل على استثناء مال الوكيل بيعا أو شراء فلا بد من
استثنائه تمسكا بالقرينة ، ومع انتفاء القرينة فيتولى الوكيل طرفي العقد ،
والمغايرة الاعتبارية من الأصالة والوكالة كافية في تحقق ذلك.
(١) ليس له وجه
إلا أن التقاصي من مال الغير وبيعه لنفسه محل للتهمة ، وفيه : إنه لا بد من تقييد
الحكم بما إذا استلزم التولي لطرفي العقد من المقاصي التهمة تحكيما للدليل ، على
أن إطلاق أدلة جواز التقاصي المتقدمة يفيد جواز بيع مال الغريم لنفسه مع وجود
التهمة.
(٢) طرفي العقد.
(٣) ذهب جماعة إلى
عدم جواز بيع المصحف للأخبار.
منها : خبر عبد
الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن المصاحف لن
تشتري ، فإذا اشتريت فقل : إنما اشتري منك الورق وما فيه من الأديم وحليته وما فيه
من عمل يدك بكذا وكذا) ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن بيع
المصاحف وشرائها ، فقال : لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفتين
وقل : اشتري منك هذا بكذا وكذا) ، وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تبيعوا
المصاحف فإن بيعها حرام ، قلت : فما تقول في شرائها؟ قال : اشتر منه الدفتين
والحديد والغلاف ، وإياك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن مكتوب ، فيكون عليك حراما
وعلى من باعه حراما) ، والأخير ظاهر في حرمة بيع الورق وشرائه إذا كان البيع قد
تعلق به بما هو مشتمل على القرآن بخلاف غيره من الأخبار الدالة على جواز بيع الورق
وشرائه ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ المحمولة على
تعلق البيع بالورق مجردا عن اشتماله على القرآن ولذا لا منافاة بينه وبين غيره من
الأخبار.
وعن صاحب الجواهر
وجماعة الجواز على كراهة جمعا بين ما تقدم وبين صحيح أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن بيع المصاحف وشرائها ، فقال : إنما كان يوضع عند القامة
والمنبر ، قال : كان بين الحائط والمنبر قيد ممرّ شاة أو رجل وهو منحرف ،
فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة ، ويجيء آخر فيكتب السورة ، كذلك كان ثم إنهم
اشتروا بعد ذلك ، فقلت : فما ترى في ذلك؟ فقال : اشتريه أحب إليّ من أن أبيعه) ، وخبر روح بن ع. بد الرحيم عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن شراء المصاحف
وبيعها ، فقال : إنما كان يوضع الورق عند المنبر ، وكان ما بين المنبر والحائط قدر
ما تمرّ الشاة أو رجل ينحرف ، قال : فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك ، ثم إنهم
اشتروا بعد ، قلت : فما ترى في ذلك؟ فقال لي : أشتري أحب إليّ من أن أبيعه) .
وفيه : إنهما غير ظاهرين
في جواز شراء المصحف بل هما صريحان على أن السيرة كانت قائمة على كتابة المصاحف
نقلا من المصحف الموجود في المسجد ثم قصرت الهمم عن تحصيل المصاحف بالكتابة ،
واتجهوا إلى تحصيلها بالشراء ولكن لا يدلان على كيفية الشراء فلذا لا بدّ من
حملهما على شراء ما عدا الخط جمعا بين الأخبار.
ثم على تقدير جواز
بيع المصحف للمسلم فالمشهور على عدم جواز بيعه للكافر للنبوي (الإسلام يعلو ولا
يعلى عليه) ولفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للعبد المسلم وهو خبر
حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليهالسلام (أن أمير المؤمنين
عليهالسلام أتي بعبد ذمي قد أسلم ، فقال : اذهبوا فبيعوه من المسلمين
وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقرّوه عنده) ، ولأن في تملك الكافر للمصحف هتكا له وإهانة وهو حرام ،
والأخير استحسان محض والأول غير ظاهر الدلالة فلم يبق إلا خبر حماد بن عيسى وهو
غير دال على عدم تملك الكافر للعبد المسلم ، بل دال على تملكه لكنه يجبر على البيع
كما ذهب إليه البعض في ـ
__________________
أو مسلما (١) ، لما في ملكه للأول (٢) من الإهانة ، وللثاني (٣) من
الإذلال وإثبات السبيل له عليه ، (وَلَنْ يَجْعَلَ
اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٤) ، وقيل : يصح
ويؤمر بإزالة ملكه ، وفي حكم المسلم ولده الصغير (٥) ، والمجنون ، ومسبيه (٦)
______________________________________________________
ـ مسألة تملك
الكافر للعبد المسلم ، فلذا ذهب جماعة إلى جواز بيع المصحف للكافر لو قلنا بجواز
بيعه على المسلم ولكن قد عرفت المنع على المسلم فعلى الكافر من باب أولى وفي حكم
المصحف أبعاضه لصدق كلام الله المنهي عن بيعه على الجميع ، هذا إذا كان البعض
منفردا ، وأما لو كان مذكورا في كتاب آخر للاستشهاد ونحوه فيأتي البحث فيه.
(١) المشهور على
عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم للنبوي المتقدم ولخبر حماد المتقدّم أيضا
ولقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ
اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ، والأخير هو عمدة الدليل عند الأصحاب لأن خبر حماد دال
على جواز التملك لكنه يجبر على المبيع كما هو قول ولم يعرف قائله ، ولكن الأخير
ظاهر في عدم تملك الكافر من رأس ، نعم عدم تملك الكافر للمسلم لنفي السبيل منحصر
في التملك الاختياري ، وإن دخوله في ملكه بالإرث من كافر أو بقاؤه على الملك كما
لو أسلم وهو في يده فلا دليل على عدم تملك الكافر له نعم يجبر على بيعه كما في خبر
حماد المتقدم أو ينعتق عليه كما لو ورث أمه كما سيأتي بحثه في باب العتق والارث
بلا خلاف في ذلك بل قال الشارح في المسالك : (وفي حكمه ـ أي حكم شراء الأب لأمه
ينعتق عليه ـ كل شراء يستعقب العتق كما لو أقرّ بحرية عبد غيره ثم اشتراه فإنه
ينعتق عليه بمجرد الشراء ، ومثله ما لو قال لغيره : اعتق عبدك المسلم عنّي وعليّ
ثمنه ، إن سوّغناه فإنه شراء ضمني ، وإنما يمتنع دخول العبد المسلم في ملك الكافر
اختيارا كالشراء والاستيهاب ونحوهما ، وأما غيره كالإرث وإسلام عبده الكافر فلا ،
بل يجبر على بيعه بثمن المثل على الفور إن وجد راغب ، وإلا حيل بينهما بمسلم إلى
أن يوجد الراغب ، ونفقته زمن المهلة عليه وكسبه له) انتهى.
(٢) وهو المصحف.
(٣) وهو العبد
المسلم.
(٤) النساء آية :
١٤١.
(٥) لأنه محكوم
بالإسلام للتبعية وكذا المجنون.
(٦) أي ومسبي
المسلم.
__________________
المنفرد به (١) إن
ألحقناه (٢) به (٣) فيه (٤) ، ولقيط يحكم بإسلامه ظاهرا (٥) (إلا فيمن ينعتق عليه (٦) فلا منع ، لانتفاء السبيل بالعتق عليه ، وفي حكمه (٧)
مشروط العتق عليه في البيع (٨) ، ومن أقر بحريته وهو في يد غيره (٩).
وضابطه جواز شرائه
حيث يتعقبه العتق قهرا.
وفي حكم البيع (١٠)
تملكه له اختيارا كالهبة لا بغيره كالإرث وإسلام عبده ، بل يجبر على بيعه من مسلم
على الفور مع الإمكان ، وإلا حيل بينهما بوضعه على يد مسلم إلى أن يوجد راغب ، وفي
حكم بيعه منه (١١) إجارته له الواقعة على عينه لا على ذمته ، كما لو استدان منه ،
وفي حكم المصحف أبعاضه (١٢) ، وفي إلحاق
______________________________________________________
(١) احتراز عما لو
شاركه الكافر في السبي.
(٢) أي ألحقنا
المسبيّ.
(٣) بالسابي.
(٤) في الإسلام
كما هو مذهب الشيخ وجماعة ، وقيل : إنما يلحق به في الطهارة فقط ، وقيل : بانتفاء
التبعية مطلقا وهو الأقوى.
(٥) وهو لقيط دار
الإسلامي.
(٦) على الكافر
كأحد الوالدين.
(٧) حكم من ينعتق
عليهن.
(٨) كأن يقول
للغير : اعتق عبدك المسلم عني وعليّ ثمنه ، فهو متضمن لبيعه عليه بشرط العتق.
(٩) ثم اشتراه
فإنه ينعتق عليه بمجرد الشراء.
(١٠) أي وفي حكم
البيع الممنوع.
(١١) أي وفي حكم
بيع العبد المسلم من الكافر وهو ممنوع إجارة العبد المسلم للكافر فيما لو. كانت
الإجارة واقعة على عينه لأنها سبيل وهو منفي بحكم الآية المتقدمة قال الشارح في
المسالك : (وفي حكم البيع الإجارة الواقعة على عينه ، أما على ذمته فالأجود الصحة
كما لو استدان منه ، وكذا رهنه عنده ، أما لو وضع على يد مسلم فلا ، وفي عاريته
قولان أجودهما المنع ، وفي إيداعه له وجهان أجودهما الصحة ، لأنه فيها خادم لا ذو
سبيل) انتهى ، فالمدار على نفي السبيل ليس إلا ومنه تعرف الحكم في هذه الموارد
وغيرها.
(١٢) قد تقدم
الكلام فيه.
ما يوجد منه (١)
في كتاب غيره شاهدا ، أو نحوه نظر من الجزئية (٢) وعدم صدق الاسم (٣) ، وفي إلحاق
كتب الحديث النبوية به (٤) وجه (٥).
(وهنا مسائل)
(الأولى ـ يشترط كون
المبيع مما يملك)
(٦) أي يقبل الملك شرعا ، (فلا يصح بيع الحر
، وما لا نفع فيه غالبا كالحشرات) بفتح الشين كالحيات والعقارب والفئران والخنافس والنمل
ونحوها ،
______________________________________________________
(١) من المصحف.
(٢) بحسب الواقع
فلا يجوز البيع.
(٣) أي عدم صدق
اسم البيع على بعض المصحف لأن المقصود من البيع هو مجموع الكتاب الفلاني وهو ليس
بمصحف.
(٤) بالمصحف.
(٥) بل عن المحقق
الثاني أن كتب الحديث والفقه في حكم المصحف ، وقد عرفت ضعف الدليل على عدم جواز
شراء الكافر للمصحف لو قلنا بجواز شراء المسلم له ، ومن باب أولى جواز شراء الكافر
لكتب الحديث والفقه.
(٦) شروع في شروط
العوضين بعد التكلم عن الصيغة وشرائط المتبايعين ، وقد تقدم بعض شروط المبيع
كالطهارة مما يتوقف استيفاء منفعته على الطهارة ، وأن يكون المبيع مملوكا بمعنى
قبوله للملك ، وهذا لا خلاف فيه كما في الجواهر ، للنبوي (لا بيع إلا فيما تملك) ، ولازمه أن يكون مالا فلا يصح بيع الحر لعدم قبوله للملك
، ولا بيع ما لا منفعة فيه بحسب الغالب كالخنافس والعقارب والديدان وغيرهما من
الحشرات ، وفضلات الإنسان كشعره وظفره ورطوباته وإن كانت طاهرة لعدم ماليتها عرفا
، إلا لبن المرأة فيصح بيعه والمعاوضة عليه لماليته عرفا والسيرة قائمة على ذلك
وهذا كاف في تحقق ماليته.
بل مما تقدم تعرف
أن دفع المال بإزاء ما لا مال له أمر سفهي وأكل للمال بالباطل وكلاهما ممنوعان
شرعا فلا تصح المعاوضة على المذكورات السابقة وعلى كل ما لا مالية له.
__________________
إذ لا نفع فيها
يقابل بالمال ، وإن ذكر لها منافع في الخواص (١) ، وهو (٢) الخارج بقوله : غالبا ،
(وفضلات الإنسان) وإن كانت طاهرة (إلّا لبن المرأة) فيصح بيعه ، والمعاوضة عليه مقدرا بالمقدار المعلوم ، أو
المدة ، لعظم الانتفاع به ، (ولا المباحات قبل الحيازة) (٣) ، لانتفاء الملك عنها حينئذ (٤) ، والمتبايعان فيها سيان
، وكذا بعد الحيازة قبل نية التملك إن اعتبرناها فيه (٥) كما هو الأجود ، (ولا الأرض المفتوحة عنوة) (٦) بفتح العين أي قهرا كأرض العراق والشام ، لأنها للمسلمين
قاطبة لا تملك على الخصوص ، (إلا تبعا لآثار المتصرّف) من بناء وشجر فيه ، فيصح في
______________________________________________________
(١) أي في كتب
الخواص التي ذكر فيها منافع الحيوانات.
(٢) أي ما ذكر له
نفع في الخواص.
(٣) قد تقدم
اشتراط مملوكية المبيع ولذا لا يصح بيع المباح قبل الحيازة لعدم تملكه من قبل
البائع بل المتبايعان فيه سواء.
(٤) أي ما قبل
الحيازة.
(٥) أي اعتبرنا
فيه التملك في تحقق الحيازة وسيأتي بحثه في بابه.
(٦) أي التي أخذت
قهرا من يد الكفار بالحرب التي أذن فيها الإمام عليهالسلام ، وهذه الأرض للمسلمين قاطبة كما تقدم في باب الجهاد من
غير فرق بين الفاتحين وغيرهم ولا بين الموجودين وقت الفتح وغيرهم للأخبار.
منها : صحيح
الحلبي (سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن
يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد) .
ولذا ذهب الشيخ في
المبسوط إلى عدم جواز بيعها ولا شرائها ولا هبتها ولا معاوضتها ولا تمليكها ولا
إجارتها ولا إرثها إلى غير ذلك من أنواع التصرفات الناقلة وتبعه عليه ابن زهرة
والعلامة وابن حمزة وغيرهم.
وعن ابن إدريس
والعلامة في المختلف والشهيدين بل نسب إلى مشهور المتأخرين أنه يجوز بيعها تبعا
للآثار الموجودة فيها ، والمراد بالآثار آثار المتصرف كالبناء والدور والسقايات
وغيرها المبنية فيها ، وعلى حواشي الشهيد التصريح بكون الأرض جزء المبيع ، وفيه :
إن الأرض ملكها للمسلمين فكيف يصح بيعها نعم لو قيل ببيع الآثار فقط كما هو ظاهر
عبارة الحلي في السرائر فله وجه وجيه.
__________________
الأقوى ، وتبقى
تابعة له (١) ما دامت الآثار ، فإذا زالت رجعت إلى أصلها ، والمراد منها المحياة
وقت الفتح ، أما الموات فيملكها المحيي ويصح بيعها (٢) كغيرها من الأملاك.
(والأقرب عدم جواز بيع رباع مكة) (٣) أي دورها (زادها الله شرفا ،
لنقل
______________________________________________________
(١) أي وتبقى
الأرض تابعة للبناء والشجر.
(٢) كما تقدم في
بابي الخمس والجهاد.
(٣) منع الشيخ في
الخلاف والمبسوط من بيع بيوت مكة وإجارتها ، وتبعه عليه العلامة في التذكرة وولده
في الإيضاح والشهيد في الدروس واللمعة ، بل عن فخر المحققين نسبته إلى كثير لخبر
عبد الله بن عمر بن العاص عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (مكة حرام وحرام
بيع رباعها وحرام أجر بيوتها) ، بل لأن ومكة مسجد لقوله تعالى : (سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ
بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى) والمفروض أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أسري به من بيت خديجة أو من شعب أبي طالب أو في دار أم
هاني ، وعلى كل فتدل الآية مع الضميمة المذكورة أن مكة بجميع دورها مسجد ، وقد
ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع على المنع.
وفيه : أما
الإجماع فغير مسموع مع ذهاب الكثير إلى الجواز ، وأما الآية فتسميته مكة مسجدا من
باب المجاز للحرمة والشرف والمجاورة مع ضميمة ما ورد من بيع عقيل رباع أبي طالب ،
بل وبيع جملة من الصحابة منازلهم ، ومما يدل على كون إطلاق المسجدية على مكة من باب المجاز
قوله تعالى : (لِلْفُقَرٰاءِ
الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ) حيث أضاف الديار إليهم ، وهو كاشف عن تملكهم لها فلا بد من
إجراء قاعدة تسلط الناس على أموالهم.
وأما الخبر فهو من
طرق العامة ولا جابر له لعدم عمل المشهور به فضلا عن معارضته لما تقدم فلا بد من
رده.
نعم صرح البعض بأن
مكة من الأرض المفتوحة عنوة ويشهد له تسمية أهلها بالطلقاء كما هو المشهور في كتب
السير والتواريخ ، وعن البعض أن هذا مخصوص لأعاليها ، وعلى كل فإذا ثبت فتحها عنوة
فلا خصوصية لمكة من هذه الجهة بل يجري البحث ـ
__________________
(الشيخ في الخلاف الإجماع) على عدم جوازه ، (إن قلنا إنها
فتحت عنوة) ، لاستواء الناس
فيها حينئذ ، ولو قلنا إنها فتحت صلحا جاز ، وفي تقييد المنع بالقول بفتحها عنوة
مع تعليله بنقل الإجماع المنقول بخبر الواحد تنافر ، لأن الإجماع إن ثبت لم يتوقف
على أمر آخر ، وإن لم يثبت افتقر إلى التعليل بالفتح عنوة وغيره ، ويبقى فيه (١)
أنه على ما اختاره سابقا من ملكه (٢) تبعا للآثار ينبغي الجواز (٣) للقطع بتجدد
الآثار في جميع دورها عما كانت عليه عام الفتح. وربما علل المنع بالرواية عن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنهي عنه ، وبكونها في حكم المسجد ، لآية الإسراء ، مع
أنه كان من بيت أم هانئ لكن الخبر لم يثبت ، وحقيقة المسجدية منتفية ، ومجاز
المجاورة والشرف والحرمة ممكن ، والإجماع غير متحقق ، فالجواز متجه.
(الثانية. يشترط في
المبيع أن يكون مقدورا
على تسليمه (٤) فلو
باع الحمام الطائر)
أو غيره من الطيور
المملوكة (لم يصح ، إلا أن تقضي العادة بعوده) فيصح (٥) ، لأنه حينئذ كالعبد المنفذ في الحوائج ، والدابة
المرسلة (ولو باع) المملوك
______________________________________________________
ـ السابق من عدم
جواز المعاوضة على أرضها لأنها ملك لجميع المسلمين فتنحصر المعاوضة على آثار
المتصرف فيها ، وعن بعضهم أنها فتحت صلحا وبه ينتفي البحث المترتب على أنها مفتوحة
عنوة.
(١) في قول
المصنف.
(٢) أي ملك
المفتوح عنوة.
(٣) جواز بيع رباع
مكة.
(٤) بلا خلاف فيه
للنبوي المشهور (نهى رسول الله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر) والغرر هو الحظر كما عن الصحاح والمصباح والأساس والمغرب
والمجمل ، ومع عدم القدرة على التسليم يكون البيع حظريا وغرريا فيبطل ، بل مع عدم
القدرة على التسليم فيكون بذل المال بإزائه سفها وأكلا له بالباطل ، وهذا الشرط لا
يختص بالمثمن بل يجري بالثمن لعين الأدلة السابقة.
(٥) لإمكان تسليمه
بعد تنزيل العادة منزلة الواقع فيكون بمنزلة بيع العبد المنفذ في الأشغال ـ
__________________
(الآبق) المتعذر تسليمه (صح مع الضميمة) (١) إلى ما يصح بيعه منفردا (فإن وجده) المشتري وقدر على إثبات يده عليه ، (وإلا كان الثمن بإزاء الضميمة) ، ونزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم (٢) ، ولكن
لا يخرج بالتعذر عن ملك المشتري ، فيصح عتقه عن الكفارة ، وبيعه لغيره مع الضميمة
، (ولا خيار للمشتري مع العلم
______________________________________________________
ـ والدابة المرسلة
في المرعى ، وتردد العلامة في النهاية في الصحة بسبب انتفاء القدرة في الحال على
التسليم وأن عودة غير موثوق به إذ ليس له عقل باعث ، وفيه : أما انتفاء القدرة في
الحال فلا يضر إذا المدار على القدرة عند الاستلام من قبل المشتري ، واحتمال عدم
عوده غير مانع لأن احتمال عدم القدرة على التسليم جار في كل مبيع.
(١) بلا خلاف فيه
لصحيح رفاعة النحاس (سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام قلت له : أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة ،
وأعطيهم الثمن واطلبها أنا؟ قال : لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو
متاعا فتقول لهم : اشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما ، فإن
ذلك جائز) وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
العبد وهو آبق عن أهله ، قال : لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : اشتري
منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي فقده فيما اشترى
منه) ، وذيله ظاهر في كون الحصول على العبد مرجوا ، وعليه يحمل الصحيح أيضا هذا من
جهة ومن جهة أخرى الجمع بين الأخبار وبين مقتضى القواعد القاضية بالقدرة على
التسليم يكون للآبق أحوال ثلاثة : أن يكون ميئوسا منه نحو الطير في السماء والسمك
في الماء فلا يصح بيعه ولو ضميمة ، وأن يكون مقدورا عليه للبائع أو المشتري وهذا
يصح بيعه من دون حاجة إلى ضميمة وأن يكون مرجو الحصول فهذا يحتاج إلى الضميمة إن
أريد بيعه ، فيدخل حينئذ في ملك المشتري بالعقد وإن تعذر الحصول عليه كان الثمن في
قبال الضميمة لصريح ذيل موثق سماعة ، ولا يخرج عن ملك لأنه صار له ملكا بالعقد فلا
يخرج عنه من غير مسبب ، ولازم جواز عتقه من قبل المشتري قبل العجز وبعده ، وبيعه
كذلك مع الضميمة قبل تحقق العجز عنه وغير ذلك مما يترتب على الملك.
(٢) بمعنى أن
الثمن لا يوزع على الضميمة وعلى الآبق بحيث إذا تعذر استلامه يرجع بحصته من الثمن
كما هو مقتضى القواعد ، بل يكون الثمن بتمامه بإزاء الضميمة عند تعذر استلام العبد
كما هو صريح موثق سماعة.
__________________
بإباقه) ، لقدومه على النقص (١) ، أما لو جهل جاز الفسخ إن كان
البيع صحيحا ، ويشترط في بيعه (٢) ما يشترط في غيره من كونه معلوما موجودا عند
العقد وغير ذلك ، سوى القدرة على تسليمه ، فلو ظهر تلفه حين البيع ، أو استحقاقه
لغير البائع ، أو مخالفا للوصف بطل البيع فيما يقابله في الأولين (٣) ، وتخير
المشتري في الأخير (٤) على الظاهر (٥).
(ولو قدر المشتري على تحصيله) دون البائع (فالأقرب عدم
اشتراط الضميمة) (٦) في صحة البيع ، لحصول الشرط وهو القدرة على تسلّمه. ووجه
الاشتراط (٧) صدق الإباق معه (٨) الموجب للضميمة بالنص (٩). وكون الشرط التسليم
وهو أمر آخر غير التسلم.
ويضعف بأن الغاية
المقصودة من التسليم حصوله (١٠) بيد المشتري بغير مانع وهي (١١) موجودة (١٢) ،
والموجبة (١٣) للضميمة العجز عن تحصيله وهي مفقودة ،
______________________________________________________
(١) ومع علمه
بالحال فلا خيار له.
(٢) أي بيع الآبق.
(٣) وهما ظهور
تلفه حين البيع واستحقاقه لغير البائع ، هذا إذا باعه عن نفسه في الثاني ، وإلا
فهو عقد فضولي متوقف على إجازة المالك.
(٤) فيما لو ظهر
مخالفا للوصف.
(٥) لدخوله في
البيع فلا بد من تقسيط الثمن على أجزائه مع إثبات الفسخ للمشتري لمخالفة الوصف ،
مع احتمال إلحاقه بتعذره فيصح بيعه مع الضميمة من دون إثبات الخيار وهو احتمال
ضعيف.
(٦) لأن المدار في
القدرة على التسليم هو تسلم المشتري فلو كان المشتري قادرا أو كانت العين في يده
لكفى.
(٧) أي اشتراط
الضميمة لو كان المشتري قادرا على تحصيله دون البائع.
(٨) مع القدرة على
التسلم.
(٩) وهو صحيح
رفاعة وموثق سماعة المتقدمان.
(١٠) أي حصول
المبيع.
(١١) أي الغاية
المقصودة.
(١٢) أي موجودة في
المقام بحسب الفرض.
(١٣) أي والغاية
الموجبة.
(وعدم لحوق أحكامها (١) لو ضم) (٢) فيوزع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله ، أو تلف قبل
القبض ، ولا يتخير لو لم يعلم بإباقه (٣) ، ولا يشترط في الضميمة صحة إفرادها
بالبيع (٤) لأنه حينئذ بمنزلة المقبوض وغير ذلك من الأحكام ، ولا يلحق بالآبق غيره
مما في معناه كالبعير الشارد ، والفرس العائر (٥) على الأقوى (٦) ، بل المملوك
المتعذر تسليمه بغير الإباق ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص.
(أما الضال والمجحود) من غير إباق (فيصح البيع ،
ويراعى بإمكان التسليم) ، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتد به ، أو رضي المشتري
بالصبر إلى أن يسلّم لزم ، (وإن تعذر فسخ المشتري إن شاء) ، وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه ،
ويحتمل قويا بطلان البيع ، لفقد شرط الصحة ، وهو إمكان التسليم (٧). وكما يجوز جعل
الآبق مثمنا يجوز جعله ثمنا (٨) ، سواء أكان
______________________________________________________
(١) أي أحكام
الضميمة.
(٢) أي لو ضم
العبد الآبق إلى الضميمة ، والمعنى أن العبد الآبق الذي يقدر المشتري على تحصيله
دون البائع لو ضم إلى الضميمة فلا يلحقها أحكامها بحيث لو تعذر تحصيله كان الثمن
في قبالها فقط ، بل يوزع الثمن عليه وعليها فلو تعذر تحصيله كان للمشتري حصة العبد
من الثمن.
(٣) لأنه قادر على
استلامه فالعبد بالنسبة إليه غير آبق.
(٤) بخلاف السابق
بحيث يكون الثمن في قبالها لو تعذر استلام العبد الآبق.
(٥) من عار يعير
أي هام على وجهه.
(٦) مقتضى القواعد
عدم جواز بيع ما لم يقدر البائع على تسليمه ، لكن قام النص على جواز بيع العبد
الآبق مع الضميمة فيقتصر على مورده اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص ، ومورده
العبد الآبق فلا يشمل البعير الشارد رد ولا الفرس العائر ، وكذا لا يشمل المملوك
الذي يتعذر تسليمه من غير جهة الإباق كالمغصوب والضال والمجحود.
(٧) وهو مستلزم
للغرر والسفاهة عرفا وعادة ، وهما المعيار في إثبات هذا الشرط من أصله ، نعم لو
حصل العلم أو الظن المتاخم له بإمكان التسليم كان المصير إلى صحة البيع هو
المتيقن.
(٨) قد عرفت أن
مورد النص المخالف للقواعد هو : جعل العبد الآبق مع الضميمة مثمنا ، فهل يصح جعله
كذلك ثمنا وجهان : من أنه على خلاف النص فيرجع فيه إلى القواعد ـ
في مقابله (١) آبق
آخر ، أم غيره ، لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن.
(وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال)
(٢) ، لصدق الإباق المقتضي لها (٣) (ولعله (٤) الأقرب) ، لاشتراكهما (٥) في العلة المقتضية لها (٦) ، (وحينئذ يجوز أن
يكون أحدهما ثمنا ، والآخر مثمنا مع الضميمتين ، ولا يكفي) في الضميمة في الثمن والمثمن (ضم آبق آخر إليه) (٧) ، لأن الغرض من الضميمة أن تكون ثمنا (٨) إذا تعذر تحصيله
فتكون (٩) جامعة لشرائطه (١٠) التي من جملتها إمكان التسليم ، والآبق الآخر ليس
كذلك.
(ولو تعددت العبيد) (١١) في الثمن والمثمن (كفت ضميمة)
______________________________________________________
ـ فلا يصح ، ومن
أن معنى البيع الذي هو انتقال كل من العوضين إلى الآخر بالشروط المعتبرة موجود فيه
فيصح فيكون جعل العبد الآبق مع الضميمة مثمنا خصوصية يقطع بعدم مدخليتها في الحكم
فتسقط وهو الأقوى.
(١) أي في المثمن.
(٢) بل هو المتعين
للعلة التي اقتضت ضم الضميمة إلى العبد الآبق في المثمن ، بحيث إذا تعذر تسليمه
تكون الضميمة واقعة في قبال العوض الآخر.
(٣) للضميمة.
(٤) أي ولعل
الاحتياج.
(٥) أي اشتراك
الثمن والمثمن إذا كانا عبدا آبقا.
(٦) للضميمة.
(٧) إلى الآبق
الأول وذلك لعدم إمكان تسليمها معا فيتبين أن أحد العوضين لم يقع في قباله شيء
فيكون أكله أكلا للمال بالباطل.
(٨) أو مثمنا.
(٩) أي الضميمة.
(١٠) أي شرائط
الثمن أو المثمن ولذا اشترط في الضميمة أن تكون مالا متمولا ومما يصح بيعها
وشراؤها منفردة.
(١١) قد عرفت أن
مورد النص جعل العبد الآبق مع الضميمة مثمنا ، وعديناه إلى الثمن لإسقاط خصوصية
المثمن ، ونعديه إلى العبدين والثلاثة لإسقاط خصوصية الوحدة في العبد للقطع بعدم
مدخلية هذه الخصوصية في الحكم ، ولازمه جواز بيع العبدين الآبقين مع الضميمة ،
وجواز جعلهما كذلك ثمنا وهكذا في الثلاثة فما فوق ، ثم يشترط في ـ
(واحدة) (١) لصدق الضميمة مع الآبق ، ولا يعتبر فيها كونها متمولة إذا
وزعت على كل واحد لأن ذلك ، يصير بمنزلة ضمائم ، مع أن الواحدة كافية. وهذه الفروع
من خواص هذا الكتاب ، ومثلها (٢) في تضاعيفه (٣) كثير ننبه عليه إن شاء الله تعالى
في مواضعه.
(الثالثة. يشترط في المبيع أن يكون طلقا (٤) ، فلما يصح بيع
الوقف) (٥)
______________________________________________________
ـ الضميمة أن تكون
مالا متمولا بالنسبة لجميع العبيد الواقعة مع الضميمة في طرف ، ولا يجب أن تكون
الضميمة ذات قيمة مالية لو قسمت على العبيد الموجودين في طرفها قضاء لحق الدليل
الذي أوجب اشتراطها ، لأنه لو تعذر تسليم العبيد لكانت الضميمة صالحة أن تكون عوضا
أو معوضا ، وهذا ما يوجب اشتراط ماليتها بالنسبة لجميع العبيد لا بالنسبة إلى كل
عبد لو قسمت الضميمة عليهم.
(١) في كل طرف.
(٢) أي ومثل هذه
الفروع.
(٣) أي في أثناء
هذا الكتاب.
(٤) ذكره المحقق
والعلامة وجماعة ممن تأخر عنهما ، وأبد له العلامة في القواعد بأن يكون تاما ،
ومعناه أن يكون المالك غير ممنوع التصرف في ملكه بحيث لم يتعلق به حق الغير ،
ودليل هذا الشرط واضح ، ولازمه عدم جواز بيع الوقف وعدم جواز بيع العين المرهونة
إلا بإذن المرتهن وإجازته ، وعدم جواز بيع أم الولد ، وهذا ما اقتصر عليه الأصحاب
وإلا فالفروع المترتبة على هذا الشرط كثيرة.
(٥) بلا خلاف فيه
، لأن الوقف على ما تقدم في بابه تحبيس الأصل ، والتحبيس في بيعه ، ولعموم قوله عليهالسلام في مكاتبة الصغار (الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أصلها إن
شاء الله تعالى) ، ولخبر ابن راشد (سألت أبا الحسن عليهالسلام قلت : جعلت فداك ، اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ،
فلما وفّرت المال خبّرت أن الأرض وقف ، فقال عليهالسلام : لا يجوز شراء الوقوف ، ولا تدخل الغلة في ملك ، أدفعها
إلى من أوقفت عليه ، قلت : لا أعرف لهاربا ، قال عليهالسلام : تصدق بغلتها) ومثلها غيرها.
وقد وقع الخلاف
بينهم في جواز بيعه في بعض الموارد ، وكلماتهم في هذا الاستثناء في ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ غاية التشويش
والاضطراب بل قال الشارح في المسالك : (قد اضطرب فتوى الأصحاب في هذه المسألة
اضطرابا عظيما ، حتى من الرجل الواحد في كتاب واحد) ، والعمدة على الدليل فتقول :
إن الكلام تارة في الوقف المؤبد وأخرى في المنقطع ، أعني منقطع الآخر ، والأول على
قسمين فتارة يكون ملكا للموقوف عليهم وأخرى لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير
تحرير الرقبة كالأوقاف العامة مثل المدارس والخانات والمساجد.
فالثاني لا يجوز
بيعه بلا خلاف لعدم الملك لأحد ، بل هو ملك لله جل وعلا ، نعم للمسلمين حق
الانتفاع في المساجد وكذا المسافرين في الخانات والطلاب في المدارس وهكذا ، إلا
إذا ذهبت عينه فيبطل الوقف لانتفاء موضوعه إلا في المساجد فتبقى عرصته وأرضه
محكومة بالمسجدية بحيث لا يجوز تنجيسها ويجب تطهيرها.
وأما لو خرب الوقف
بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فعن الشيخ الأعظم وجماعة جواز البيع
لانصراف أدلة منع بيع الوقف عنه ، وفيه : إنها غير مسموعة لأنه انصراف ناشئ من قلة
الوجود لا من كثرة الاستعمال في غيره. واستدل لجواز البيع بأن العين الموقوفة هي
محبوسة ما دام يمكن الانتفاع بها ، فإذا بطل الانتفاع بها فهي محبوسة بماليتها دون
شخصها فتبدل بعين أخرى مكانها ، ولازمه أن البدل وقف لا يحتاج إلى صيغة لأن المال
بحسب الفرض محبوس.
وفيه : إنه
استحسان محض فلا بد من التمسك بإطلاق أدلة منع بيع الوقف ، ومنه تعرف الحكم بعدم
جواز بيع الوقف الذي قلّ نفعه بحيث يلحق بالعدم عرفا.
والأول يجوز بيعه
إذا وقع اختلاف بين أربابه الموقوف عليهم ، بحيث لا يؤمن مع هذا الاختلاف من إتلاف
النفوس والأموال ، لمكاتبة ابن مهزيار (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام : إن فلانا ابتاع ضيعة وجعل لك من الوقف الخمس ـ إلى أن
قال ـ كتبت إليه : أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا ،
وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع
إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته ، فكتب إليه بخطه وأعلمه أن رأيي له :
إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ، فإنه ربما جاء في
الاختلاف تلف الأموال والنفوس) .
ويجوز بيعه فيما
لو شرط الواقف بيعه عند حدوث أمر من قلة نفعه أو احتياج الموقوف ـ
__________________
العام (١) مطلقا (٢)
، إلا أن يتلاشى ويضمحل ، بحيث لا يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة مطلقا (٣)
كحصير يبلى ، ولا يصلح للانتفاع به في محل الوقف ،
______________________________________________________
ـ عليه إلى ثمنه
أو كان بيعه أنفع ، على حسب ما يذكره الواقف ، لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (بعث
إليّ بهذه الوصية أبو إبراهيم عليهالسلام : هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه
الله ـ إلى أن قال ـ وإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث
يريد الله في حل محلل لا حرج عليه فيه ، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به
الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه ـ إلى أن قال ـ وإن كان دار الحسن غير دار
الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه) وهو صريح في نفوذ شرط الواقف ، مهما كان الشرط إذ لا
خصوصية للشرط المذكور.
هذا كله في الوقف
المؤبد ، وأما الوقف المنقطع وهو ما إذا وقف على من ينقرض ، فقد تقدم في كتاب
الوقف صحته ، ويجوز بيعه إذ كان البيع أصلح لهم لخبر جعفر بن حنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام (عن رجل وقف غلة
له على قرابته من أبيه وقرابته من أمه ، وأوصى لرجل ولعقبه ليس بينه وبينه قرابة
بثلاثمائة درهم في كل سنة ويقسّم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه ـ إلى
أن قال ـ قلت : فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا ، ولم يكفهم ما
يخرج من الغلة؟ قال : نعم إذا رضعوا كلهم ، وكان البيع خيرا لهم باعوا) ، وللتوقيع الشريف في مكاتبة الحميري عن صاحب الزمان عليهالسلام (أنه كتب إليه :
روى عن الصادق عليهالسلام خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم
فاجتمع أهل الوقف على بيعه ، وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه ، فهل يجوز أن يشترى من
بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع ، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟
وعن المسلمين فلا يجوز بيعه ، فأجاب عليهالسلام : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه وإذا كان
على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء
الله) ، والثاني صريح في عدم اشتراط رضا الجميع.
(١) لعدم ملكه
لأحد ، بل هو فكّ ملك كما تقدم.
(٢) سواء كان في
بيعه مصلحة أم لا ، وسواء كان بقاؤه مؤديا إلى خرابه أم لا ، وسواء كان للناظر أم
لغيره.
(٣) بلا استثناء
شيء.
__________________
وجذع ينكسر كذلك (١)
، ولا يمكن صرفهما بأعيانهما في الوقود لمصالحه ، كآجر المسجد فيجوز بيعه حينئذ (٢)
وصرفه (٣) في مصالحه ، إن لم يمكن الاعتياض عنه بوقف (٤) ، ولو (٥) لم يكن أصله
موقوفا ، بل أشتري للمسجد مثلا من غلته (٦) أو بذله له (٧) باذل (٨) صح للناظر
بيعه مع المصلحة مطلقا (٩).
(ولو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه) في الوقف المحصور (١٠) (فالمشهور الجواز) أي جواز بيعه حينئذ ، وفي الدروس اكتفى في جواز بيعه بخوف
خرابه ، أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده ، وقلّ أن يتفق في هذه المسألة فتوى واحد
، بل في كتاب واحد في باب البيع والوقف فتأملها ، أو طالع شرح المصنف للإرشاد
تطلّع على ذلك.
والأقوى في
المسألة ما دلت عليه صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليهالسلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد ، وعلّله عليهالسلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس ، وظاهره أن خوف
أدائه (١١) إليهما (١٢) ، أو إلى أحدهما ليس بشرط ، بل هو مظنة لذلك (١٣) ، ومن
هذا الحديث اختلفت
______________________________________________________
(١) أي بحيث لا
يصلح للانتفاع به في محل الوقف.
(٢) أي حين عدم
الانتفاع به مطلقا في محل الوقف.
(٣) أي صرف ثمنه
في مصالح الوقف.
(٤) فلو أمكن يجب
رعاية لغرض الواقف قال الشارح في المسالك : (وحيث يجوز البيع يشتري بثمنه ما يكون
وقفا على ذلك الوجه إن أمكن ، ويجب تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف ، الأقرب فالأقرب).
(٥) الواو
استئنافية.
(٦) أي غلة العين
الموقوفة على المسجد.
(٧) للمسجد.
(٨) من دون وقف.
(٩) وإن لم يتلاشى
ويضمحل.
(١٠) أي الخاص دون
العام.
(١١) أي أداء
الخلف.
(١٢) إلى تلف
الأموال والنفوس.
(١٣) والمعنى : بل
الشرط كون الخلف بين أربابة مظنة لتأديته إلى تلف الأموال والنفوس.
أفهامهم في الشرط
المسوّغ للبيع ، ففهم المصنف هنا أن المعتبر الخلف المؤدي إلى الخراب ، نظرا إلى
تعليله بتلف المال ، فإن الظاهر أن المراد بالمال الوقف ، إذ لا دخل لغيره (١) في
ذلك (٢) ، ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه ، وإن احتاج إلى بيعه أرباب الوقف ولم
تكفهم غلته ، أو كان بيعه أعود ، أو غير ذلك مما قيل (٣) ، لعدم دليل صالح عليه ،
وحيث يجوز بيعه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه إن أمكن ، مراعيا للأقرب
إلى صفته (٤) فالأقرب ، والمتولّي بذلك الناظر إن كان ، وإلا الموقوف عليهم أن
انحصروا ، وإلا فالناظر العام.
(ولا) بيع الأمة (المستولدة) من المولى (٥) ، ويتحقق الاستيلاد المانع من البيع
______________________________________________________
(١) أي لغير
الوقف.
(٢) أي في التعليل
المذكور ، والمعنى : أن الإمام عليهالسلام قد قال في مكاتبة الصغار المتقدمة (فإنه ربما جاء في
الاختلاف تلف الأموال والنفوس) ، وفهم المصنف من لفظ الأموال خصوص الوقف لعدم
مدخلية غيره في التعليل فلذا جوّز البيع إذا كان الخلف بين أربابه مؤديا إلى خراب
الوقف ، وفيه : أن لفظ الأموال الوارد في التعليل عام يشمل الوقف وغيره وتخصيصه
بالوقف ليس في محله هذا من جهة ومن جهة أخرى فالعلة لجواز بيع الوقف ليست خراب
الوقف بل نفس الاختلاف بين أربابه الذي قد يؤدي إلى تلف النفوس والأموال.
(٣) بل قد عرفت
جواز بيع الوقف المنقطع إذا كان بيعه أعود ، وجواز بيع المؤبد فيما لو شرط الواقف
ذلك.
(٤) أي إلى صفة
الوقف.
(٥) المسألة
الثانية المترتبة على اشتراط كون المبيع طلقا عدم جواز بيع أم الولد بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : صحيح علي
بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (سألته عن الرجل
يموت وله أم ولد ، وله معها ولد ، أيصلح للرجل أن يتزوجها؟ قال : أخبرك بما أوصى
به علي عليهالسلام في أمهات الأولاد؟ قلت : نعم ، قال : إن عليا عليهالسلام أوصى أيما امرأة منهن كان لها ولد فهي من نصيب ولدها) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : أيما رجل ترك سرية ، لها ولد أو في بطنها ـ
__________________
بعلوقها في ملكه
وإن لم تلجه الروح كما سيأتي ، فقوله : (ما دام الولد حيا)
(١) مبني على الأغلب (٢) ، أو على التجوز لأنه قبل ولوج الروح
لا يوصف بالحياة إلا مجازا ، ولو مات صارت كغيرها من إمائه عندنا ، أما مع حياته
فلا يجوز بيعها ، (إلا في ثمانية مواضع). وهذا الجمع من خواص هذا الكتاب.
(أحدها. في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها ، سواء كان حيا (٣)
، أو ميتا) ، أما
______________________________________________________
ـ ولد أو لا ولد
لها ، فإن كان أعتقها ربّها عتقت ، وإن لم يعتقها حتى توفي فقد سبق فيها كتاب الله
، وكتاب الله أحق ، فإن كان لها ولد وترك مالا جعلت في نصيب ولدها) .
بل يتحقق عنوان أم
الولد لو كان ولدها حملا غير مولود عند موت سيدها لصحيح محمد بن مارد عن أبي عبد
الله عليهالسلام (في الرجل يتزوج
الأمة فتلد منه أولادا ، ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله ثم تلد منه شيئا بعد
ما ملكها ثم يبدو له في بيعها ، قال : هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد
ذلك ، وإن شاء أعتق) ومفهومه عدم جواز البيع إذا حدث الحمل بعد ملكه إياها ،
والحمل مطلق يشمل ما لو ولجته الروح أو لا ، بل يصدق حتى على المضغة ، نعم لا يصدق
على النطفة قبل الانعقاد.
(١) حتى تنعتق من
نصيبه بعد موت سيدها بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر يونس (في
أم ولد ليس لها ولد ، مات ولدها ومات عنها صاحبها ولم يعتقها ، هل يجوز لأحد
تزويجها؟ قال : لا ، هي أمة لا يحلّ لأحد تزويجها إلا بعتق من الورثة ، فإن كان
لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد ، وإذا ملكها الولد فقد عتقت بملك ولدها لها)
.
(٢) أي قيد الحياة
للولد مبني على الأغلب أو التجوز ، إذ قد عرفت أن حد المنع من بيعها وجود ولد لها
من سيدها ولو كان حملا لم تلجه الروح.
(٣) يجوز بيعها في
ثمن رقبتها مع إعسار المولى بحيث لم يكن عنده ما يزيد على مستثنيات الدين لصحيح
عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليهالسلام (سألت عن أم الولد
تباع في الدين؟ قال : نعم في ثمن رقبتها) وهو مطلق شامل لما لو كان المولى حيا أو ميتا ، وهذا ما
عليه الأكثر ، وعن ابن حمزة الجزم بكونه ميتا لصحيح عمر بن يزيد الآخر. ـ
__________________
مع الموت فموضع
وفاق ، وأما مع الحياة فعلى أصح القولين لإطلاق النص ، والمراد بإعساره أن لا يكون
له من المال ما يوفي ثمنها زائدا على المستثنيات في وفاء الدين.
(وثانيها. إذا جنت على غير مولاها) فيدفع ثمنها في الجناية ، أو رقبتها إن رضي المجني عليه (١)
، ولو كانت الجناية على مولاها لم يجز ، لأنه لا يثبت له على ماله مال.
______________________________________________________
ـ (قلت لأبي
إبراهيم عليهالسلام : أسألك ، قال : سل ، قلت : لم باع أمير المؤمنين عليهالسلام أمهات الأولاد؟ قال : في فكاك رقابهن ، قلت : وكيف ذلك؟
قال : أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع المال ما يؤدي عنه
أخذ ولدها منها ، فبيعت وأدّى ثمنها ، قلت : فيبقى فيما سوى ذلك من دين؟ قال : لا)
، ولذا تردد الفاضلان ، بل جزم باشتراط الموت جماعة من المتأخرين منهم المقدس
الأردبيلي وصاحب الجواهر ، ومنه تعرف أنه في حال موت المولى فيجوز بيعها لفكاك
رقبتها بلا خلاف ، وإن نسب للسيد عدم جواز بيعها مطلقا لكن النسبة غير ثابتة.
(١) وهذا في العمد
، وأما الخطأ بالتخيير للمولى ، ثم إن هذا الحكم ثابت لمطلق الرق كما سيأتي في
بابه ، بحيث إذا جنى المملوك على غير مولاه تعلقت الجناية برقبته ففي الخطأ يتخير
المولى بين الفداء وإعطائه المجني عليه ، وفي العمد إن أراد المجني عليه القصاص
وإلا فله استرقاقه ، أو أخذ الأرش من مولاه إن رضي به.
وعدي الحكم إلى أم
الولد لأنها رق ، ولكن في المبسوط في باب الديات أن أرش جنايتها على سيدها بلا
خلاف ، وفي باب الاستيلاد من المبسوط أن أرش الجناية متعلق برقبتها بلا خلاف ،
ولذا نقل عن العلامة في المختلف أن الشيخ غفل عمّا في الديات من المبسوط بعدم
التعلق برقبتها ، ثم مال العلّامة إلى ذلك مع جعل الضمان على المولى لأنه منع من
بيعها بإحباله ، وأخرجها بالإحبال عن تعلق الأرش بذمتها ، فصار المولى كالمتلف
لمحل الأرش فلزمه الضمان كما لو قتل المولى عبده الجاني ويشهد له صحيح مسمع بن عبد
الملك عن أبي عبد الله عليهالسلام (أم الولد جنايتها
في حقوق الناس على سيدها ، وما كان من حق الله عزوجل كان ذلك في بدنها) ، وأما لو جنت على سيدها خطأ أو عمدا فسيأتي دليله في بابه
مع عدم الربط في مسألة جواز بيعها.
__________________
(وثالثها. إذا عجز مولاها عن نفقتها) (١) ، ولو أمكن تأديها ببيع بعضها وجب الاقتصار عليه ، وقوفا
فيما خالف الأصل على موضع الضرورة.
(ورابعها. إذا مات قريبها ولا وارث له سواها) لتعتق وترثه ، وهو تعجيل عتق أولى بالحكم من إبقائها لتعتق
بعد وفاة مولاها (٢).
(وخامسها. إذا كان علوقها بعد الارتهان) (٣) فيقدم حق المرتهن لسبقه ، وقيل : يقدم حق الاستيلاد ،
لبناء العتق على التغليب ، ولعموم النهي عن بيعها.
(وسادسها. إذا كان علوقها بعد الإفلاس) أي بعد الحجر على المفلّس ، فإن مجرد ظهور الإفلاس لا يوجب
تعلق حق الديان بالمال والخلاف هنا كالرهن.
(وسابعها. إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق
وإن لم يكن ثمنا لها) ، لأنها إنما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها ، ولا نصيب له مع استغراق الدين
فلا تعتق ، وتصرف في الدين (٤).
______________________________________________________
(١) فتباع من باب
دفع الضرر عنها ، ولذا لو أمكن دفعه ببيع بعضها اقتصر عليه من باب الوقوف فيما
خالف الأصل على موضع الضرورة ، وفيه : إنه يمكن القول بعدم جواز بيعها مطلقا
لإطلاق أدلة المنع ، ونفقتها حينئذ بعد عجز المولى في كسبها أو كان لها كسب إذا
أمكن لها الاكتساب وإلا ففي بيت المال ، ومع عدمه فهي واجبة على عموم المسلمين
كالحرة المزوجة.
(٢) وهو مجرد
اعتبار ليس إلا ، ولا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي عليه إذ هو ليس بأولى من إلزام
المولى بعتقها ثم يدفع إليه قيمتها بسبب فوات ماله عليه فترث حينئذ قريبها.
(٣) أو الإفلاس
بحيث حجر عليه لأنه مفلس ، والمعنى لو وطئها بعد ما رهنها أو بعد ما تعلق حق
الغرماء بها عند إفلاسه وحملت منه ، فقيل بتقديم حق المرتهن وحق الغريم لسبقه
فيجوز بيعها ، وقيل : يقدم حق الاستيلاد لأنه بإحباله كالمتلف لمتعلق حق المرتهن
والغريم ، فيثبت الحق حينئذ في رقبته ، كما لو ماتت أم الولد فينتقل حق المرتهن
والغريم إلى رقبة المولى فضلا عن إطلاق أدلة منع بيعها.
(٤) وقد منع من
جواز بيعها حينئذ على قول لأن التركة تنتقل إلى الوارث وإن كان الدين مستغرقا لأن
الوارث مخيّر في جهات القضاء ، وحينئذ تعتق من نصيب ولدها وعلى الولد السعي في أداء
ثمنها خصوصا بعد إطلاق صحيح عمر بن يزيد المتقدم (قلت : فيبقى ـ
(وثامنها. بيعها على من تنعتق عليه ، فإنه في قوة العتق) فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة ، حيث إن المنع
من البيع لأجل العتق (١) ، (وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر ، أقربه الجواز) لما ذكر (٢) ، فإن لم يف المشتري بالشرط فسخ البيع وجوبا ،
فإن لم يفسخه المولى احتمل انفساخه بنفسه ، وفسخ (٣) الحاكم إن اتفق ، وهذا موضع
تاسع ، وما عدا الأول من هذه المواضع غير منصوص بخصوصه ، وللنظر فيه مجال ، وقد
حكاها في الدروس بلفظ قيل ، وبعضها (٤) جعله احتمالا من غير ترجيح لشيء منها ،
وزاد بعضهم مواضع أخر ، عاشرها في كفن سيدها إذا لم يخلّف سواها (٥) ، ولم يمكن
بيع بعضها فيه ، وإلا اقتصر عليه (٦). وحادي عشرها : إذا أسلمت قبل مولاها الكافر (٧)
، وثاني عشرها : إذا كان ولدها غير وارث لكونه قاتلا ، أو كافرا ، لأنها لا تنعتق
بموت مولاها
______________________________________________________
ـ فيما سوى ذلك من
دين؟ قال : لا) والمراد من الدين هو الدين في ثمنها فقط فلا يجوز بيعها في
غيره.
(١) والمعنى : أن
بيعها للعتق المعجل أقوى مناسبة لعدم جواز بيعها حتى تنعتق من نصيب ولدها بعد موت
سيدها ، والأقوائية ناشئة من أن المنع لأجل العتق عند الموت وهذا عتق معجل فيكون
أولى ، وفيه : إن الأولوية هنا عقلية مندرجة في القياس المحرم.
(٢) من كونه تعجيل
خير فهو أولى من المنع من بيعها حتى تنعتق من نصيب ولدها عند موت سيدها ، وفيه :
إنه قياس محرم.
(٣) أي واحتمل فسخ
الحاكم إن اتفق وجوده.
(٤) وهو السابع
والتاسع وحكى الباقي بلفظ قبل.
(٥) بدعوى أولوية
الكفن من الدين الذي فرض جواز بيعها فيه ، وفيه : إن الأولوية ممنوعة ، وأم الولد
تنتقل إلى الوارث عند موت سيدها بسبب الوفاة فتصير حرة لانعتاقها من نصيب ولدها
ولا يجوز بيع الحرة ، نعم إن بذل له الكفن وإلا دفن من غير تكفين.
(٦) أي على البعض.
(٧) فيجب بيعها
لنفي السبيل من الكافر على المسلم ، وفيه : إنه مناف لحق تشبثها بالحرية فلو قيل
بوجوب عتقها وإن تدفع قيمتها من بيت المال أو بالسعي من قبلها في قيمتها جمعا بين
الحقين لكان قولا لا ينافي القواعد فلا يتعين الأول.
__________________
حينئذ ، إذ لا
نصيب لولدها. وثالث عشرها إذا جنت على مولاها (١) جناية تستغرق قيمتها ، ورابع
عشرها : إذا قتلته خطأ (٢) ، وخامس عشرها : إذا حملت في زمن خيار البائع ، أو
المشترك (٣) ثم فسخ البائع بخياره ، وسادس عشرها : إذا خرج مولاها عن الذمة وملكت
أمواله التي هي منها ، وسابع عشرها : إذا لحقت هي بدار الحرب ثم استرقّت ، وثامن
عشرها : إذا كانت لمكاتب مشروط ، ثم فسخ كتابته ، وتاسع عشرها : إذا شرط أداء
الضمان منها قبل الاستيلاد ثم أولدها ، فإن حق المضمون له أسبق من حق الاستيلاد
كالرهن والفلس السابقين ، والعشرون : إذا أسلم أبوها ، أو جدها وهي مجنونة ، أو
صغيرة ، ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج عن ملكه وهذه في حكم إسلامها
عنده ، وفي كثير من هذه المواضع نظر (٤).
(الرابعة. لو جنى
العبد خطأ لم تمنع جنايته من بيعه)
لأنه لم يخرج عن
ملك مولاه بها (٥) ، والتخيير في فكّه للمولى ، فإن شاء فكّه بأقل الأمرين من أرش
الجناية وقيمته (٦) ، وإن شاء دفعه إلى المجني عليه ، أو
______________________________________________________
(١) هذا على رأي
بعض الأصحاب وإلا فقد عرفت أن جنايتها على مولاها لا شيء فيه لأنه لا يثبت على
ماله مال.
(٢) قال سلطان
العلماء : لم يظهر لنا وجه لقيد القتل بالخطإ.
(٣) أي الخيار
المشترك بين المتبايعين.
(٤) لعدم النص
بالخصوص بعد كون مناط الإلحاق هو الاستحسان المحض أو القياس.
ثم ما يترتب على
كون المبيع طلقا عدم جواز بيع العين المرهونة من قبل الراهن لتعلق حق الارتهان بها
بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، ولعله لوضوحه لم يذكره الشهيدان هنا.
(٥) بالجناية.
(٦) لأنه لا يجني
على أكثر من نفسه وتخيير المولى بين فكه أو دفعه للمجني عليه سيأتي دليله في كتاب
القصاص هذا من جهة ومن جهة أخرى تعرض الفقهاء لهذا الفرع هنا لبيان أن اشتراط كون
المبيع طلقا لا يمنع من بيع العبد الجاني بعد كون مولاه مخيرا بين فكه وبين دفعه
للمجني عليه ، فإذا باعه فيتعين عليه الفداء كما هو واضح هذا إذا كانت جنايته خطأ.
وليه (١) ليستوفي
من رقبته ذلك ، فإذا باعه (٢) بعد الجناية كان التزاما بالفداء على أصح القولين (٣)
، ثم إن فدّاه وإلا جاز للمجني عليه استرقاقه فينفسخ البيع إن استوعبت (٤) قيمته ،
لأن حقه أسبق ، ولو كان المشتري جاهلا بعيبه تخير أيضا (٥).
(ولو جنى عمدا فالأقرب أنه) أي البيع (موقوف على رضا
المجني عليه ، أو وليه) لأن التخيير في جناية العمد إليه (٦) وإن لم يخرج عن ملك سيده ، فبالثاني (٧)
يصح البيع وبالأول (٨) يثبت التخيير فيضعف قول الشيخ ببطلان البيع فيه ، نظرا إلى
تعلق حق المجني عليه قبله (٩) ، ورجوع الأمر إليه (١٠) ، فإن ذلك لا يقتضي البطلان
، ولا يقصر عن بيع الفضولي ، ثم إن أجاز البيع ورضي بفدائه بالمال وفكه المولى لزم
البيع ، وإن قتله ، أو استرقه بطل ، ويتخير المشتري قبل استقرار حاله مع جهله
للعيب المعرّض للفوات ، ولو كانت الجناية في غير النفس واستوفى فباقيه مبيع ،
وللمشتري الخيار مع جهله ، للتبعيض ، مضافا إلى العيب سابقا (١١).
______________________________________________________
(١) أي ولي المجني
عليه.
(٢) أي باعه
مولاه.
(٣) بل هو المشهور
، وعن الشيخ في الخلاف وابن إدريس أنه لا يجوز إلا إذا فداه المولى أو التزم
بالفداء ، وفيه : أن مقتضى القواعد صحة البيع مع إلزام المولى بالفداء بعد كونه
مخيرا بين فكه ودفعه إلى المجني عليه.
(٤) أي استوعبت
الجناية قيمته ، وإن لم تستوعب رجع بمقدار أرشه.
(٥) فالمشتري له
الخيار مع الجهل بحال العبد ما لم يفده المولى ، ولو كان عالما بعيبه لم يرجع بشيء
على المولى ولا خيار له لأنه اشتراه عالما به راضيا بتعلق الحق به.
(٦) إلى المجني
عليه.
(٧) من عدم خروجه
عن ملك سيده.
(٨) من كون
التخيير في جناية عمد العبد إلى المجني عليه ، بحيث له الخيار بين قتله لو كانت
الجناية موجبة لذلك ، وبين الاسترقاق ، ولذا منع الشيخ من بيعه ، ولكن التخيير
للمجني عليه بين قتله واسترقاقه لا يمنع من صحة بيعه من قبل المولى غايته يكون
مراعى برضا المجني عليه بحيث إذا قتل أو استرق بطل البيع ، ولو رضي بالمال فكه
المولى ولزم البيع وهذا ما عليه المشهور.
(٩) قبل البيع.
(١٠) إلى المجني
عليه من قتله أو استرقاقه.
(١١) وهو تعلق حق
المجني عليه به.
(الخامسة. يشترط علم
الثمن قدرا وجنسا ووصفا)
قبل إيقاع عقد
البيع (١) ، (فلا يصح البيع بحكم أحد المتعاقدين ، أو أجنبي) اتفاقا ، وإن ورد في رواية شاذة «جواز» تحكيم المشتري ،
فيلزمه الحكم بالقيمة فما زاد ، (ولا بثمن مجهول القدر وإن شوهد) (٢) ، لبقاء الجهالة ، وثبوت الغرر المنفي
______________________________________________________
(١) اشتراط كون
الثمن معلوم القدر والجنس والوصف بلا خلاف فيه إلا من الإسكافي حيث جوّز البيع إذا
كان الثمن مجهولا لأحدهما ، ويرده حديث (نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع المضطر وعن بيع الغرر) ، والتعليل في حديث حماد عن ابن ميسر عن جعفر عن أبيه عليهالسلام (أنه كره أن يشتري
الثوب بدينار غير درهم ، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم) ، هذا وقد ورد ما يدل على صحة البيع فيما لو حكّم المشتري
بتقدير الثمن ، كما في صحيح رفاعة النخاس (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك ،
ثم بعثت إليه بألف درهم ، فقلت : هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها ، فأبى أن
يقبلها منّي وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالثمن ، فقال : أرى أن تقوّم
الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه ما
نقص من القيمة ، وإن كان ثمنها أقلّ مما بعثت إليه فهو له.
قلت : جعلت فداك ،
إن وجدت بها عيبا بعد ما مسستها؟ قال : ليس لك أن تردها ، ولك أن تأخذ قيمة ما بين
الصحة والعيب منه) ، وقد عمل بمضمونها صاحب الحدائق ، وباعتبار أنه مناف
للقواعد الدالة على الفساد لعدم العلم بالثمن للغرر فلا بدّ من ردها إلى أهلها.
(٢) لأن المشاهدة
لا تنفي الجهالة فلا يصح البيع ، خلافا للسيد في الناصريات حيث اكتفى بالمشاهدة في
العلم بالثمن عن وزنه وكيله وعدّه منه غير فرق بين ثمن السلم والأجرة وغيرهما ،
وكذا عن الشيخ رحمهالله في المبسوط كما في الجواهر ، نعم في الدروس جعل خلاف السيد
في مال السلم فقط وجعل خلاف الشيخ في الموزون من الثمن حيث تكفي المشاهدة.
وعلى كل لا ريب في
ضعف الخلاف لحديث بيع الغرر المتقدم ، فأي جهالة في الثمن بل ـ
__________________
معها (١) ، خلافا
للشيخ في الموزون ، وللمرتضى في مال السلم ، ولابن الجنيد في المجهول مطلقا (٢) ،
إذا كان المبيع صبرة ، مع اختلافهما جنسا ، (ولا مجهول الصفة) كمائة درهم وإن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدد النقد
الموجود ، (ولا مجهول الجنس ، وإن علم قدره) (٣) ، لتحقق الجهالة في الجميع.
فلو باع كذلك كان
فاسدا وإن اتصل به القبض ، ولا يكون كالمعاطاة ، لأن شرطها (٤) اجتماع شرائط صحة
البيع سوى العقد الخاص (٥) (فإن قبض المشتري المبيع والحال هذه (٦) ، كان مضمونا عليه) ، لأن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وبالعكس (٧) ، فيرجع
به (٨) وبزوائده (٩) متصلة ومنفصلة ، وبمنافعه المستوفاة وغيرها (١٠) على الأقوى ،
ويضمنه (إن تلف بقيمته يوم التلف) (١١) على
______________________________________________________
ـ والمثمن توجب كون
البيع غرريا ، فلا بد من العلم به ومن الواضح أن المشاهدة لا تفيد العلم بوزنه أو
بكيله وعدّه.
(١) أي مع
الجهالة.
(٢) فابن الجنيد
جوز الجهل بالثمن في مال المسلم وغيره ، وفيما لو كان موزونا أو لا بشرط كون
المبيع صبرة مع اختلاف جنس العوضين.
(٣) كأن يجعل الثمن
مائة ولا يدرى أنها مائة درهم أو مائة دينار.
(٤) شرط المعاطاة.
(٥) أي سوى إنشاء
البيع بالصيغة ، بل المعاطاة ، إنشاء البيع بالفعل كما تقدم ، وهنا لم تتحقق جميع
شرائط البيع الصحيح لعدم تحقق شروط العوضين.
(٦) أي حال كون
البيع فاسدا ، ويكون مقبوضا بالعقد الفاسد ، وقد تقدم أن ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) .
(٧) أي ما لا يضمن
بصحيحه لا يضمن بفاسده كالعارية وقد تقدمت الإشارة إليه.
(٨) بالمبيع.
(٩) أي النماء.
(١٠) قد عرفت في
بحث عقد الفضولي عدم الرجوع في المنافع غير المستوفاة.
(١١) كما عليه
الأكثر وهو الموافق للقواعد ، لأن العين ما دامت موجودة فالمالك يرجع عليها ، ـ
__________________
الأقوى ، وقيل :
يوم القبض ، وقيل : الأعلى منه إليه (١) ، وهو حسن إن كان التفاوت بسبب نقص في
العين ، أو زيادة ، أما باختلاف السوق فالأول (٢) أحسن ، ولو كان مثليا ضمنه بمثله
، فإن تعذر (٣) فقيمته يوم الإعواز على الأقوى.
(السادسة ـ إذا كان
العوضان من المكيل ، أو الموزون
أو المعدود فلا بد من
اعتبارهما بالمعتاد)
(٤) من الكيل أو الوزن أو العدد ، فلا يكفي المكيال المجهول
كقصعة حاضرة وإن تراضيا به ، ولا الوزن المجهول كالاعتماد على صخرة معينة وإن عرفا
قدرها تخمينا ، ولا العدد المجهول بأن عوّلا على ملئ اليد ، أو آلة يجهل ما تشتمل
عليه ثم اعتبرا العدد به ، للغرر المنهي عنه في ذلك كله ، (ولو باع المعدود وزنا صح) (٥) ، لارتفاع
______________________________________________________
ـ فإذا تلفت انتقل
الضمان إلى القيمة ، وبقية الأقوال سيأتي التعرض لها في بحث ضمان المغصوب ، كما
وعدنا سابقا ، للاشتراك في الأدلة.
ثم هذا كله فيما
لو كان التفاوت بسبب السوق ، وأما إذا استند التفاوت إلى نقص في العين ثم تلفت فالأعلى
هو المضمون بالاتفاق ، لأن الجزء الفائت مضمون بالقيمة يوم تلفه كضمان الجملة.
(١) أي من يوم
القبض إلى يوم التلف.
(٢) أي قيمة يوم
التلف.
(٣) أي تعذر
المثلي فقيمته يوم الأعواز ، كما سيأتي شرحه في ضمان المغصوب.
(٤) بعد ما عرفت
اشتراط العلم بالثمن لحديث ففي الغرر ، كذلك يشترط العلم بالمثمن على الوجه السابق
لنفس الحديث أيضا.
فلو كان المبيع
مما يكال أو يوزن أو يعدّ فلا يجوز بيعه جزافا ولو كان مشاهدا كالصبرة خلافا لابن
الجنيد حيث جوّز بيع الصبرة مع المشاهدة ، ولا يجوز البيع بمكيال مجهول ولا يجوز
البيع بوزن مجهول كصخرة معينة ولا بالعدد المجهول لملىء اليد ونحوها. ولو كان
الثمن مما يكال أو يوزن أو يعدّ فكذلك.
(٥) فلو كان
المبيع مما يكال أو يوزن أو يعدّ عرفا فهل يصح بيعه بغير ما تعارف تقديره به مع
انتفاء الغرر بذلك ، والكلام في موردين :
الأول : في بيع
المكيل وزنا وعكسه من بيع الموزون كيلا.
الثاني : في بيع
المعدود كيلا أو وزنا.
أما الأول
فالمشهور على جواز بيع المكيل وزنا مع عدم جواز بيع الموزون كيلا ، لأن ـ
الجهالة به (١) ،
وربما كان أضبط ، (ولو باع الموزون كيلا ، أو بالعكس أمكن الصحة فيهما) ، للانضباط (٢) ، ورواية وهب عن الصادق عليهالسلام ، ورجحه في سلم الدروس.
(ويحتمل صحة العكس) وهو بيع المكيل وزنا ، (لا الطرد (٣) ،
لأن الوزن أصل للكيل) وأضبط منه ، وإنما عدل إلى الكيل تسهيلا ، (ولو شق العد) في
______________________________________________________
ـ الوزن أصل في
المقادير كلها فيكون العدول إلى الكيل من باب التسهيل ، ولازمه فبيع المكيل وزنا
ليس بيعا جزافيا بخلاف العكس فلا يجوز بيع الموزون كيلا أو عدا.
وعن الشهيد وجماعة
جواز بيع كل من المكيل والموزون بالآخر لحصول الانضباط بهما الرافع للجهالة ،
ولخبر وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام (لا بأس بالسلف ما
يوزن فيما يكال ، وما يكال فيما يوزن) .
وأما الثاني فقيل
بجواز بيع المعدود وزنا لأن الوزن أصل في المقادير ، وعن جماعة منهم صاحب الجواهر
العدم لعدم ارتفاع الجهالة به بعد كون المتعارف على عدّه لا على وزنه ، نعم اتفقت
كلمتهم على عدم جواز بيع المعدود بالكيل لعدم ارتفاع الجهالة به ، إلا إذا كان
المعدود كثيرا ويصعب عدّه ، فيجوز أن يكال منه كيل ويعدّ ما فيه ، ثم يكال الباقي
ويضرب عدد المكاييل بالعدد الموجود في الكيل المعدود ويقع البيع على المعدود
الحاصل من عملية الضرب ، لاغتفار التفاوت بسبب التعذر ولصحيح ابن مسكان عن أبي عبد
الله عليهالسلام (سئل عن الجوز لا
نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد
، قال : لا بأس به) ، بل ذهب جماعة إلى جواز ذلك وإن لم يتعذر العدّ لخبر عبد
الملك بن عمرو (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : اشتري مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين
فاتزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك ، قال : لا بأس) ، والخبر لا تقييد فيه بالعجز ولا بالمشقة ولا بالتعذر ،
ومنه تعرف جواز بيع الموزون أيضا فيما لو وزن واحدا من المبيع وقاس الباقي عليه.
(١) بالوزن.
(٢) الرافع
للجهالة ، ومعه لا بدّ من الحكم بصحة البيع.
(٣) وهو بيع
الموزون كيلا.
__________________
المعدود لكثرته أو
لضرورة (اعتبر مكيال ونسب الباقي إليه) ، واغتفر التفاوت الحاصل بسببه (١) ، وكذا القول في المكيل
والموزون حيث يشق وزنهما وكيلهما (٢) ، وعبّر كثير من الأصحاب في ذلك بتعذر العد (٣)
، والاكتفاء بالمشقة والعسر كما فعل المصنف أولى ، بل لو قيل : بجوازه مطلقا (٤) ،
لزوال الغرر ، وحصول العلم ، واغتفار التفاوت كان حسنا ، وفي بعض الأخبار (٥)
دلالة عليه (٦).
(السابعة ـ يجوز
ابتياع جزء معلوم النسبة)
كالنصف والثلث (مشاعا (٧) تساوت أجزاؤه) كالحبوب والأدهان ، (أو اختلفت) كالجواهر والحيوان (إذا كان الأصل) الذي بيع جزؤه (معلوما) بما يعتبر فيه من كيل ، أو وزن ، أو عدّ ، أو مشاهدة ، (فيصح بيع نصف الصبرة المعلومة)
______________________________________________________
(١) بسبب شق
العدّ.
(٢) أما شق الوزن
فكما مرّ في خبر عبد الملك ، وأما شق الكيل كما لو كان المبيع عدة براميل مثلا
فيكال أحدهما ويقاس الباقي على حساب ذلك.
(٣) قد اشتمل صحيح
ابن مسكان على عدم استطاعة العدّ ، وعبّر المحقق وجماعة عنه ؛ بالتعذر وظاهره
التعذر حقيقة ، وعبّر عنه الشهيد بالتعسر وهو ما فيه مشقة ، وهو أولى لأنه هو
الظاهر من الخبر.
(٤) مع المشقة
وعدمها.
(٥) وهو خبر عبد
الملك بن عمرو المتقدم.
(٦) على الجواز
مطلقا.
(٧) قد عرفت اشتراط
العلم بالثمن والمثمن ، وأن الجهالة في أحدهما تبطل البيع للغرر ، وعليه فلا يصح
بيع جزء مجهول من معلوم كقوله : يعني شيئا من هذا الموجود ، ولا يصح بيع جزء معلوم
من مجهول كقوله : بعني ثلث هذا ، والموجود المشار إليه غير معلوم المقدار ، بل لا
بد من العلم بالجزء والعلم بالكل حتى ترتفع الجهالة فيصح بيع جزء معلوم من معلوم ،
ويشترط في الجزء أن يكون مشاعا كالنصف والثلث وإلا تجهل المبيع لو لم يكن على نحو
الإشاعة أن يقول : يعني شاة من هذا القطيع مع عدم تعينها ، وكذا عبدا من عبدين أو
جريبا من الأرض وهكذا.
بلا فرق في كون
الكل متساوي الأجزاء أو متفرقها ، لأن الجزء المشاع كالنصف مثلا يتناول كل جزء فيه
وهو معلوم ، وإن كان هذا الجزء أقل قيمة وأكثرها بالنسبة لجزء آخر ، بلا خلاف ولا
إشكال في هذا كله.
المقدار والوصف ، (ونصف الشاة المعلومة) بالمشاهدة ، أو الوصف ، (ولو باع شاة غير معلومة من قطيع بطل) (١) وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها ،
لجهالة عين المبيع.
(ولو باع قفيزا من صبرة صح (٢) ، وإن لم يعلم كمية الصبرة) لأن المبيع
______________________________________________________
(١) لأنه بيع جزء
لا على نحو الإشاعة.
(٢) القفيز مكيال
عند أهل العراق وهو ثمانية مكاكيك ، والمراد من الصّبرة الكومة ، والصّبرة إما أن
تكون معلومة المقدار كأن يعلم أنها عشرة أقفزة وإما أن تكون مجهولة المقدار ، وعلى
كلا التقديرين فإما أن يبيع مجموع الصبرة وإما أن يبيع جزئها المعلوم كالنصف
والثلث على نحو الإشاعة ، وإما أن يبيع مقدارا منها معلوما كصاع أو قفيز ، وإما أن
يبيع مجموع الصبرة على حساب كل صاع منها بكذا من الثمن ، وإما أن يبيع كل صاع منها
بكذا ، فالأقسام عشرة ، خمسة لما إذا كان عالما بمقدار الصبرة وخمسة إذا كان جاهلا
بمقدارها.
فأما إذا كانت
الصبرة معلومة المقدار فيصح البيع إلا في الصورة الأخيرة ، وإذا كانت الصبرة
مجهولة المقدار فلا يصح البيع في ثلاثة أقسام ووقع الخلاف في قسمين وإليك التفصيل
: فإذا كانت الصبرة معلومة المقدار وقد باع مجموع الصبرة فلا كلام في صحة البيع
لعدم تطرق شيء من موانعه بعد ارتفاع الغرر والجهالة كما هو واضح وهذا هو القسم
الأول.
ولو باع جزئها
المعلوم كالنصف على نحو الإشاعة بعد العلم بمجموع الصبرة كما هو المفروض فلا كلام
في صحة البيع أيضا لعدم الغرر وعدم الجهالة وهذا هو القسم الثاني ، وقد تعرض له
الماتن صراحة فيما سبق عند قوله : (فيصح بيع نصف الصبرة المعلومة) ولو باع مقدارا
منها معلوما كصاع وقفيز بعد العلم بمجموع الصبرة والعلم باشتمال الصّبرة على
المبيع فلا إشكال في صحة البيع لعدم الغرر والجهالة وهذا هو القسم الثالث وهو
المسمى ببيع الكلي في المعيّن.
ولو باع مجموع
الصبرة المعلومة المقدار على حساب كل صاع منها بكذا ، أو كل قفيز منها بكذا فلا
إشكال في الصحة لأن المبيع أمر معلوم وكذلك الثمن فلا غرر ولا جهالة وهذا هو القسم
الرابع.
ولو باع كل صاع من
صبّرة معلومة المقدار بكذا من الثمن ولم يحدّد عدد الأصوعة فلا ريب في البطلان
لعدم العلم بالمبيع فيكون المبيع غرريا وهذا هو القسم الخامس.
وإذا كانت الصّبرة
مجهولة المقدار فلو باع مجموعها الذي هو القسم السادس أو باع جزئها ـ
مضبوط المقدار ،
وظاهره الصحة وإن لم يعلم اشتمال الصبرة (١) على القدر المبيع ،
______________________________________________________
ـ على نحو الإشاعة
كالنصف الذي هو القسم السابع ، فلا إشكال في البطلان لجهالة المبيع.
ولو باع مقدارا
معينا منها كصاع أو قفيز مع العلم باشتمال الصبرة عليه فلا بدّ من الحكم بالصحة
لعدم جهالة المبيع ، والجهل بنسبة المبيع إلى مجموع الصبرة ، لأن الصبرة مجهولة
المقدار لا يضر لعدم دخالته في معرفة المبيع ، وهذا هو القسم الثامن وهو المسمى
بالكلي في المعيّن ، بل لا بد من الحكم بالصحة وإن لم يعلم باشتمال الصبرة على
المبيع ، غايته فإن نقصت الصبرة عنه تخيّر المشتري بين أخذ الموجود بحصته من الثمن
وبين الفسخ لتبعض الصفقة ، وإن لم تنقص فلا كلام ، وهذا ما ذهب إليه الشهيد في
الدروس واللمعة ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف اشتراط العلم باشتمال الصبرة على
المبيع وإن بطل البيع واستحسنه الشارح ، مع تعدية الحكم للظن بالاشتمال.
ولو باع مجموع
الصبرة على حساب كل صاع أو قفيز منها بكذا وهذا هو القسم التاسع فالمشهور هو
البطلان لعدم العلم بمقدار جميع المبيع وأن علم أن كل جزء منه يساوي كذا من الثمن
، وعن الشيخ في الخلاف الصحة وتبعه البعض بدعوى أن كل جزء من المبيع معلوم الثمن
لكن لا يعلم كل منهما ما يدخل في كيسه وما يخرج منه ، وفيه : إنه عين الجهل بمقدار
البيع وهو موجب للغرر فيبطل.
ولو باع كل صاع من
الصبرة المجهولة المقدار بكذا ، فلا ريب في البطلان ، لأنه في صورة العلم بمقدار
الصّبرة قد حكم بالبطلان ففي صورة الجهل من باب أولى بعد كون المبيع غير معلوم
وهذا هو القسم العاشر.
هذا تمام الأقسام
من بيع القفيز أو الصاع من الصبرة هذا من جهة ومن جهة أخرى فالماتن هنا قد تعرض
للقسم الثالث والثامن صراحة ومنطوقا ، وقد تعرض بالصراحة لصحة بيع نصف الصبرة
معلومة المقدار ، وهو القسم الثاني ومنه يعلم صحة بيع جميع الصبرة معلومة المقدار
وهو القسم الأول ، سواء كان بيع الجميع في قبال ثمن معين ، أو بيع كل صاع منه بكذا
من الثمن وهو القسم الرابع.
ومن جهة ثالثة
اقتصر الماتن على هذه الأقسام الخمسة عند الحكم بالصحة أربعة في المعلومة وواحد في
المجهولة ، ولازمه الحكم بالبطلان في الخمسة الباقية ، أربعة في المجهولة وواحد في
المعلومة ، ولذا قال الشارح أن الماتن قد تعرض بكلامه للأقسام العشرة منطوقا
ومفهوما.
(١) في صورة الجهل
بمقدارها ، وإلا ففي صورة العلم بمقدارها لا بدّ أن يعلم بالاشتمال أو بعدمه.
(فإن نقصت تخير المشتري بين الأخذ) للموجود منها (١) (بالحصة) أي بحصّته (٢) من الثمن ، (وبين الفسخ) لتبعض الصفقة.
واعتبر بعضهم
العلم باشتمالها على المبيع ، أو إخبار البائع به ، وإلا لم يصح وهو حسن ، نعم لو
قيل بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها ، ويتفرع عليه ما ذكره (٣)
أيضا.
واعلم أن أقسام
بيع الصبرة عشرة ، ذكر المصنف بعضها منطوقا ، وبعضها مفهوما ، وجملتها أنها إما أن
تكون معلومة المقدار ، أو مجهولته ، فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع ، وبيع جزء
منها معلوم مشاع ، وبيع مقدار كقفيز تشتمل عليه ، وبيعها كل قفيز بكذا ، لا بيع كل
قفيز منها بكذا ، والمجهولة يبطل بيعها في جميع الأقسام الخمسة إلا الثالث (٤).
وهل ينزّل القدر المعلوم في الصورتين (٥) على
______________________________________________________
(١) من الصبرة.
(٢) أي بحصة
الموجود.
(٣) من ثبوت
الخيار للمشتري عند نقصان الصبرة.
(٤) أي الثالث من
صور الصبرة المجهولة المقدار ، وهو القسم الثامن في شرحنا ، واعلم أن الثالث
والثامن هما بيع الكلي في المعيّن.
(٥) أي صورة العلم
بمقدار الصبرة وصورة الجهل به ، وبعبارة أخرى أن بيع الصاع أو القفيز من الصبرة هل
ينزّل على أنه بيع كلي في معيّن كما هو المشهور ، أو أنه بيع على أنه جزء من
الصبرة على نحو الإشاعة بمعنى لو كانت الصبرة خمسة أصوع وقد باع منها صاعا فيكون
قد باع خمسها على نحو الإشاعة فيكون الصاع عبارة عن الكسر المشاع ، والظاهر الأول
لأنه السابق إلى الفهم ، ولصحيح بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى
عشرة آلاف طن قصب في أنبار ، بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون
ألف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن ، فقال المشتري : قد
قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه من ثمنه ألف درهم ، ووكّل المشتري من يقبضه ، فأصبحوا
وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف طن ، فقال عليهالسلام : العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري والعشرون التي
احترقت من مال البائع) وهو ظاهر في كون المبيع كليا في معين وإلا ـ
__________________
الإشاعة ، أو يكون
المبيع ذلك المقدار في الجملة (١) ، وجهان أجودهما الثاني. وتظهر الفائدة فيما لو
تلف بعضها (٢) ، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة ، وعلى الثاني يبقى المبيع
ما بقي قدره.
(الثامنة ـ يكفي
المشاهدة عن الوصف (٣) ولو غاب وقت الابتياع)
بشرط أن يكون مما
لا يتغير عادة كالأرض والأواني والحديد والنحاس ، أو لا تمضي مدة يتغير فيها عادة
، ويختلف باختلافها زيادة ونقصانا ، كالفاكهة والطعام والحيوان. فلو مضت المدة
كذلك (٤) لم يصح ، لتحقق الجهالة المترتبة على تغيره عن
______________________________________________________
ـ فلو كان على نحو
الإشاعة لوجب أن تكون الخسارة عليها بالنسبة وتظهر الفائدة بين القولين فعلى كونه
كليا في معيّن فتعيين المبيع بيد البائع ، ولو تلف بعض الصبرة وبقي مقدار المبيع
في الباقي فينحصر حق المشتري فيه كما هو صريح الخبر المتقدم ، وعلى كونه على نحو
الإشاعة فالتعيين بيدهما والتلف منهما بالنسبة.
ثم المراد من
الكلي في المعين هو الكلي الذي انحصرت أفراده في الموجود الخارجي بخلاف الكلي في
الذمة فهو الكلي المتحقق بأي فرد سواء كان موجودا الآن أو سيوجد.
والكلي المنحصر
إفراده في الموجود الخارجي غير الكلي المشروط بكون أفراده في الموجود الخارجي ،
فعلى الأول لو تلف الموجود الخارجي قبل القبض لتلف المبيع وهذا موجب لانفساخ العقد
لتعذر التسليم ، وعلى الثاني يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط ليس إلا.
(١) أي جملة
الصبرة.
(٢) بعض الصبرة.
(٣) قد عرفت
اشتراط العلم بالعوضين لرفع الغرر والجهالة ، ولذا لو كان المبيع مما يوزن أو يكال
أو يعدّ فلا يجوز بيعه جزافا ، ويجوز بيع الأرض بالمشاهدة الكافية لرفع الجهل
بالمقدار وإن كانت تباع بالمساحة أيضا ، بعد فرض تعارف بيعها بالمشاهدة في بعض الأزمنة
أو الأقطار ، وهذا كاف لرفع الجهالة ولم يتعرض له الشهيدان هنا.
ثم إن كل مبيع
تختلف أجزاؤه فلا بد من مشاهدته أو وصفه لخصوصياته الموجبة لاختلاف قيمته لرفع
الجهالة وإلا كان البيع غرريا وهو مما لا إشكال فيه ، بل تكفي المشاهدة السابقة في
صحة العقد اللاحق مع قضاء العادة ببقاء المبيع على ما هو عليه ، فإن وجد على ما هو
عليه وإلا كان للمشتري الخيار بلا خلاف فيه.
(٤) بحيث يتغير
فيها عادة.
تلك الحالة. نعم
لو احتمل الأمرين صح ، عملا بأصالة البقاء (فإن ظهر المخالفة) بزيادته أو نقصانه فإن كان يسيرا يتسامح بمثله عادة فلا
خيار ، وإلا (تخير المغبون) منهما ، وهو البائع إن ظهر زائدا ، والمشتري إن ظهر ناقصا (ولو اختلفا في التغير (١) قدم قول المشتري مع يمينه) إن كان هو المدعي للتغير الموجب للخيار والبائع ينكره ،
لأن البائع يدعي علمه بهذه الصفة وهو ينكره ، ولأن الأصل عدم وصول حقه إليه ،
فيكون في معنى المنكر ، ولأصالة بقاء يده على الثمن.
وربما قيل بتقديم
قول البائع ، لتحقق الاطلاع (٢) المجوز للبيع ، وأصالة عدم التغير. ولو انعكس
الفرض بأن ادعى البائع تغيره في جانب الزيادة وأنكر المشتري احتمل تقديم قول
المشتري أيضا ، كما يقتضيه إطلاق العبارة (٣) ، لأصالة عدم التغير ، ولزوم البيع.
والظاهر تقديم قول البائع لعين ما ذكر في المشتري (٤) ، وفي تقديم قول المشتري
فيهما (٥) جمع بين متنافيين مدعى (٦) ودليلا (٧) ، والمشهور
______________________________________________________
(١) فقال المشتري
: ليس هو على ما رأيته ، وقال البائع : هو هو ، فالقول قول المشتري مع عينيه على
المشهور ، لأصالة بقاء يده على الثمن كما في الدروس ، ولأصالة عدم وصول الحق إليه
كما في غيرها وهذا ما يوجب أن يكون هو المنكر ، ولأن البائع يدعي علمه بهذه الصفة
في المبيع حين العقد والمشتري ينكر ذلك.
وعن المحقق في
الشرائع التردد لصدق المنكر على البائع الذي يترك لو ترك ، وأصالة لروم العقد
وأصالة عدم التغير الموافقين لقول البائع ، ولأن المشتري هو المدعى عرفا لذا قيل
أن القول قول البائع مع يمينه.
(٢) من قبل
المشتري ، فيجوز البيع وتجري أصالة لزوم العقد.
(٣) أي عبارة
المصنف.
(٤) من أن المشتري
يدعي علم البائع بالزيادة ، والبائع ينكره ، مع أصالة عدم وصول الحق للبائع فيكون
في معنى المنكر.
(٥) فيما لو ادعى
المشتري تغير المبيع بما يوجب النقيصة ، وفيما لو ادعى البائع تغير المبيع بما
يوجب الزيادة.
(٥) فيما لو ادعى
المشتري تغير المبيع بما يوجب النقيصة ، وفيما لو ادعى البائع تغير المبيع بما
يوجب الزيادة.
(٦) فإذا كان
المشتري في الصورة الأولى منكرا فلا محالة يكون مدعيا في الصورة الثانية فجعله
منكرا في الصورتين جمع بين المتنافيين.
(٧) لأن الدليل
الذي اقتضى تقديم قول المشتري في الصورة الأولى لأنه منكر هو بعينه يقتضي تقديم
قول البائع في الصورة الثانية لأنه منكر ، فجعل الدليل المذكور يقتضي تقديم
المشتري في الصورة الثانية مع أنه مدع جمع بين المتنافيين.
في كلامهم هو
القسم الأول (١) ، فلذا أطلق المصنف هنا (٢) ، لكن نافره تعميمه الخيار للمغبون
منهما قبله ، وعطفه (٣) عليه مطلقا (٤).
ولو اتفقا على
تغيره لكن اختلفا في تقدمه على البيع وتأخره (٥) فإن شهدت القرائن بأحدهما حكم به
، وإن احتمل الأمران فالوجهان ، وكذا لو وجداه تالفا وكان مما يكفي في قبضه
التخلية (٦) واختلفا في تقدم التلف عن البيع (٧) وتأخره (٨) ، أو لم يختلفا (٩) ،
فإنه يتعارض أصلا عدم تقدم كل منهما فيتساوقان ويتساقطان ، ويتجه تقديم حق المشتري
لأصالة بقاء يده ، وملكه للثمن ، والعقد الناقل (١٠) قد شك في تأثيره ، لتعارض
الأصلين.
______________________________________________________
(١) وهو ادعاء
المشتري للتغير في المبيع بما يوجب النقيصة.
(٢) حيث قال : (ولو
اختلف في التغير قدم قول المشتري مع عيينة) ، ولم يقيد التغير بما يوجب النقيصة
اعتمادا على أنه هو المعروف بين الأصحاب ، ولكن اعتماده هذا مناف لتصحيحه الحكم من
ثبوت الخيار للمغبون من البائع والمشتري ، فإن المغبون أعم من المشتري في صورة
ادعائه النقيصة ، والبائع في صورة ادعائه الزيادة.
(٣) أي عطف قوله (ولو
اختلفا) على قوله (تخير) من غير تقييد التغير بكونه في النقصان.
(٤) أي بدون قيد
النقصان في التغير.
(٥) فإن شهدت
القرائن الموجبة للعلم بأحدهما ، حكم به من غير يمين كما في المسالك ، وإلا فيحتمل
الأمران من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه وهذا يقتضي تقديم قول المشتري مع عيينة
، ومن أصالة عدم تقدم التغير ، وهي أصالة تأخر الحادث وهذا يقتضي تقديم قول البائع
مع عيينة.
(٦) وهو قيد
للاحتراز من أن التلف قبل القبض من مال البائع بالاتفاق ، ومقامنا لا يحتاج إلى
القبض بل تكفي فيه التخلية.
(٧) ليكون التلف
على البائع.
(٨) ليكون التلف
على المشتري وإن لم يتلف في يده ، لأن الفرض أنه يكفي في قبضه التخلية.
(٩) أي اتفقا على
التلف ولم يختلفا في التقدم والتأخر لعدم علمهما به ، فإنه في هذه الحالة يتعارض
أصلان وهما : أصالة عدم تقدم التلف على البيع ، وأصالة عدم تقدم البيع على التلف ،
وهما مبنيان على أصالة عدم تقدم الحادث وهي أصالة تأخر الحادث ما شئت فسمّي ، وعلى
كل فيتعارضان ويتساقطان فيرجع إلى الأصول الأخرى.
(١٠) دفع وهم :
أما الوهم فالبيع متحقق مقتضاه نقل الثمن إلى البائع وخروجه عن ملك ـ
(التاسعة ـ يعتبر ما
يراد طمعه) (١)
كالدبس (وريحه) كالمسك ، أو يوصف
على الأولى (٢) (ولو اشتراه) من غير
______________________________________________________
ـ المشتري فلا يصح
التمسك بأصالة بقاء يد المشتري على الثمن لتحقق الناقل عنه ، والدفع : إن تأثير
البيع في نقل الثمن موقوف على تقديمه على التلف وهو غير معلوم ، وأصالة عدم تقدم
التلف على البيع معارض بمثله فيبقى النقل المذكور مشكوكا فيه ، وتكون أصالة بقاء
يد المشتري على الثمن سالمة عن المعارض.
(١) قد عرفت أن
المبيع إذا اختلفت أجزاؤه فلا بد من مشاهدته أو وصفه لرفع الجهالة بخصوصيته ،
فكذلك إذا كان المبيع من المطعوم أو المشروب أو المشموم وتعددت أنواعه بحيث يختلف
الثمن باختلافها فلا بد من اختباره بالطعم أو الشرب أو الشمّ لرفع الجهالة ، ولخبر
محمد بن العيص (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى ما يذاق ، يذوقه قبل أن يشتري؟ قال : نعم
فليذقه ، ولا يذوقن ما لا يشتري) .
وكذا ما يراد لونه
فلا بد من رؤيته لرفع الجهالة أيضا ، ويجوز شراء الجميع من دون الاختيار اعتمادا
على الوصف ، كما قام الوصف مقام المشاهدة في الفرع السابق ، ولذا صح للأعمى أن
يشتري الأعيان المرئية اعتمادا على الوصف من دون الرؤية بلا إشكال في ذلك أبدا ،
وعن السرائر احتمال عدم جواز بيع العين الحاضرة بالوصف وهو ضعيف.
وهل يصح شراؤه من
غير اختبار ولا وصف بعد مشاهدته وارتفاع الجهالة عنه من جهة القوام واللون ونحوهما
، ولم يبق إلا الطعم أو الشمّ ، فعن الشيخين وسلار وابن حمزة الحكم بفساد البيع
إذا اشتراه من غير اختبار ، وعن المحقق وابن إدريس ومن تأخر عنهما الجواز لعموم
أدلة جواز البيع السالم عن المعارضة تمسكا بأصل السلامة ، وإلا فالكثير من الصفات
لا تظهر إلا بعد ضرب من التصرفات فلو لم يكف أصل الصحة للزم الفساد في الكثير من
المعاملات ، نعم إن ظهر على خلاف المعروف من أصله تخير المشتري بين الرد والأرش ،
ويتعين عليه الأرش لو أحدث فيه حدث ، بلا فرق بين الأعمى والبصير ولم يخالف إلا
سلّار حيث خيّر الأعمى بين الرد والأرش حتى مع الإحداث ، ولا ريب في فساده للإطلاق
المقتضي لسقوط الرد بالتصرف كما ستعرفه في باب الخيارات.
(٢) أي ما يشترط
اختباره بالطعم والشم يكفي فيه الوصف كما يكفي الوصف بدل المشاهدة فيما يشترط
مشاهدته ، بل الاكتفاء بالوصف هنا أولى لعدم إمكان اختباره بالمشاهدة.
__________________
اختبار ، ولا وصف
، (بناء على الأصل (١) وهو الصحة (جاز) مع العلم به من غير هذه الجهة كالقوام ، واللون ، وغيرهما
مما يختلف قيمته باختلافه ، وقيل : لا يصح بيعه إلا بالاعتبار ، أو الوصف كغيره ،
للغرر ، والأظهر جواز البناء على الأصل ، إحالة على مقتضى الطبع ، فإنه أمر مضبوط
عرفا لا يتغير غالبا إلا بعيب فيجوز الاعتماد عليه ، لارتفاع الغرر به ، كالاكتفاء
(٢) برؤية ما يدل بعضه على باقيه غالبا ، كظاهر الصبرة ، وأنموذج المتماثل ،
وينجبر النقص بالخيار ، (فإن خرج معيبا تخير المشتري بين الرد والأرش) إن لم يتصرف فيه تصرفا زائدا على اختباره ، (ويتعين الأرش لو تصرف فيه) كما في غيره من أنواع المبيع ، (وإن كان) المشتري المتصرف (أعمى) لتناول الأدلة له ، خلافا لسلار حيث خيّر الأعمى بين الرد
والأرش وإن تصرف.
(وأبلغ
في الجواز) من غير اعتباره (٣)
(ما يفسد باختباره ، كالبطيخ والجوز)
______________________________________________________
(١) وهو أصل
السلامة في الأشياء بحسب الطبع.
(٢) قال الشارح في
المسالك : (فيجوز الاعتماد على مقتضى طبعه ، إذ ليس المراد بالأصل شرط العلم
بالمبيع أن ترتفع الجهالة بكل وجه ، فإن رؤية ظاهر الصّبرة ونحوها كافية مع احتمال
المخالفة ، وكذلك البيع بالوصف).
(٣) أي اعتبار
الاختبار بالطعم أو الذوق أو الشم والمعنى : ما يؤدي اختباره إلى إفساده كالجوز
والبطيخ والبيض فإنه يجوز بيعه وشراؤه من غير اختبار مع جهالة ما في بطنه للسيرة
من غير فرق بين شرط السلامة أو البراءة من العيوب وعدمه ، وعن البعض اشتراط الصحة
وعن الشيخ وجماعة اشتراط الصحة والبراءة من العيوب وهو ضعيف.
ثم إن تصرف فيه
المشتري وظهر أنه على خلاف المعروف من طبعه يثبت له الأرش للعيب دون الرد لما عرفت
من سقوط الرد عند إحداث حدث فيهن ، نعم إن لم يكن لمكسوره قيمة رجع المشتري بالثمن
كله لعدم وجود عوض في مقابلة الثمن.
وهل يكون العقد
حينئذ باطلا من أصله كما هو صريح الشيخ والحلي والعلامة في التذكرة وظاهر من تأخر
عنهما لاشتراط كون المبيع متمولا ، وهو بحسب الواقع لا قيمة له كالحشرات فلا بد من
بطلان البيع من أساسه.
أو ينفسخ البيع من
حين تبين الفساد كما عن الشهيد في الدروس وجعل الأول احتمالا ونسبه إلى ظاهر كلام
الجماعة ، لأنه كان مالا متقوما ظاهرا وقد تبين الفساد بالكسر فيكون الكسر هو
المفسد ، وفيه : إن الكسر قد أبان الفساد الواقعي لا أنه أحدثه.
والبيض) ، لمكان الضرورة والحرج ، (فإن) اشتراه فظهر صحيحا فذاك ، وإن (ظهر فاسدا) بعد كسره (رجع بأرشه) ، وليس له الرد ، للتصرف إن كان له قيمة ، (ولو لم يكن لمكسوره قيمة) كالبيض الفاسد (رجع بالثمن أجمع) ، لبطلان البيع ، حيث لا يقابل الثمن مال.
(وهل يكون العقد مفسوخا من أصله) نظرا إلى عدم المالية من حين العقد فيقع باطلا ابتداء ، (أو يطرأ عليه الفسخ) بعد الكسر وظهور الفساد ، التفاتا إلى حصول شرط الصحة حين العقد ، وإنما تبين
الفساد بالكسر ، فيكون هو المفسد (نظر) ورجحان الأول واضح ، لأن ظهور الفساد كشف عن عدم المالية
في نفس الأمر حين البيع ، لا أحدث عدمها (١) حينه (٢) ، والصحة مبنية على الظاهر (٣)
وفي الدروس جزم بالثاني وجعل الأول احتمالا ، وظاهر (٤) كلام الجماعة.
(و) تظهر (الفائدة (٥) في مئونة نقله عن الموضع) الذي اشتراه فيه إلى موضع
______________________________________________________
(١) عدم المالية.
(٢) حين الكسر.
(٣) أي والصحة
الظاهرية لا تنافي الفساد الواقعي بحيث إذا بان الفساد الواقعي فتنتفي الصحة
المذكورة ، من رأس.
(٤) أي جعل الأول
احتمالا وجعله هو الظاهر من كلام الجماعة.
(٥) ثمرة الخلاف
تظهر في ترتيب آثار الملكية للثمن ، فهي للمشتري على الأول لعدم خروج الثمن من ملك
المشتري أصلا ، وهي للبائع على الثاني الذي هو قول الشهيد كما هو واضح ، ولم يتعرض
الشهيدان لهذه الثمرة.
وتظهر في مئونة
نقل المبيع من الموضع الذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره ، فعلى الأول إنما هي على
البائع لكونه ملكا له فنقله عليه ، وعلى الثاني إنما هي على المشتري لكون المبيع
حينئذ ملكا للمشتري فيكون نقله عليه ، وهذا ما صرح به الشهيد الأول وارتضاه جماعة
منهم الشيخ الأعظم.
وخالفهم المحقق
الثاني في جامعه والشهيد الثاني من كون مئونة النقل على القولين على المشتري وليس
له أن يرجع على البائع ، أما على القول الثاني فواضح وأما على الأول لأن المبيع
ملكا للبائع بحسب الواقع ونفس الأمر وقد نقله المشتري بغير أمره ، ودعوى أن
المشتري مغرور لجهله بفساد البيع فيرجع على من غرّه وهو البائع ليس في محلها ،
لانتفاء ـ
اختباره ، فعلى
الأول على البائع ، وعلى الثاني على المشتري لوقوعه (١) في ملكه ، ويشكل بأنه وإن
كان ملكا للبائع حينئذ (٢) لكن نقله بغير أمره (٣) ، فلا يتجه الرجوع عليه (٤)
بالمئونة ، وكون (٥) المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث يرجع بما غرم إنما يتجه
مع الغرور ، وهو منفي (٦) هنا ، لاشتراكهما في الجهل ، ولو أريد بها (٧) مئونة
نقله من موضع الكسر لو كان (٨) مملوكا وطلب مالكه (٩) نقله ، أو ما في حكمه (١٠)
انعكس الحكم (١١) ، واتجه كونه على البائع مطلقا ، لبطلان البيع على التقديرين.
______________________________________________________
ـ الغرر هنا ، لأن
الغرر لا يتحقق إلا مع علم البائع بالفساد وجهل المشتري به مع أنهما جاهلان معا
بالفساد.
وفيه : أن المبيع
بحسب الواقع وإن كان ملكا للبائع إلا أنه بحسب الظاهر ملك للمشتري ويجب على البائع
تسليمه وليس له الامتناع عن نقله فيكون نقل المشتري له نقلا بأمر البائع وإذنه ،
وتظهر الثمرة في أمر ثالث على ما قيل وسنرجئه إلى حين تعرض الشارح له.
(١) تعليل للحكمين
معا.
(٢) أي حين القول
ببطلان البيع من رأس ،
(٣) أي بغير أمر
البائع وقد عرفت ما فيه.
(٤) على البائع.
(٥) عرّض لكون
المشتري مغرورا فلا بد أن يرجع على من غرّه وقد تقدم شرحه.
(٦) دفع لتوهم
مغرورية المشتري وقد تقدم أيضا.
(٧) أي بمئونة
النقل.
(٨) أي لو كان
موضع الكسر.
(٩) أي مالك موضع
الكسر.
(١٠) أي ما في حكم
المملوك كالمساجد والمشاهد.
(١١) أي الحكم
السابق على مبنى الشارح ، وهو كون المئونة على المشتري مطلقا ، وهنا ينعكس الحكم
وتكون المئونة على البائع مطلقا على التقديرين سواء قلنا أن البيع باطل من رأسه أو
منفسخ من حين ظهور الفساد ، وذلك لخروجه عن ملك المشتري ، وفيه : إنه خروج عن محل
النزاع كما هو واضح إذ النزاع في مئونة نقله من موضع البيع إلى موضع الكسر ، لا
نقله من مكان الكسر إلى مكان آخر.
واحتمال كونه (١)
على المشتري لكونه (٢) من فعله ، وزوال المالية عنهما (٣) مشترك أيضا بين الوجهين (٤)
، وكيف كان (٥) فبناء حكمها (٦) على الوجهين (٧) ليس بواضح.
وربما قيل بظهور
الفائدة أيضا في ما لو تبرأ البائع من عيبه فيتجه كون تلفه من المشتري على الثاني (٨)
دون الأول (٩). ويشكل صحة الشرط على تقدير فساد الجميع (١٠) ، لمنافاته لمقتضى
العقد ، إذ لا شيء في مقابلة الثمن فيكون أكل مال بالباطل ، وفيما (١١) لو رضي به
المشتري بعد الكسر ، وفيه أيضا نظر ، لأن الرضا بعد الحكم بالبطلان لا أثر له.
______________________________________________________
(١) أي كون النقل.
(٢) أي لكون
المكسور من فعله ، وهو تعليل لكون النقل على المشتري مطلقا ، وعليه فالأمر مردد
بين حكمين مطلقين بلا وضوح جهة للفرق والتفصيل ، فما ذهب إليه الماتن من التفصيل
في مئونة النقل على القولين سواء أريد بمئونة النقل مئونة نقله من موضع البيع إلى
موضع الاختبار ، أو أريد بها مئونة نقله من موضع الكسر المملوك ليس في محله.
(٣) عن البائع
والمشتري بعد الكسر.
(٤) أي سواء قلنا
ببطلان البيع من رأس أو من حين ظهور الفساد ، وعليه فزوال المالية لا يصلح وجها
لتفصيل الماتن.
(٥) أي سواء أريد
بالمئونة مئونة النقل إلى موضع الكسر ، أو ثمن موضع الكسر.
(٦) أي حكم مئونة
النقل.
(٧) من بطلان
البيع من رأس أو من حين ظهور الفساد.
(٨) وهو انفساخ
العقد من حين ظهور الفساد.
(٩) وهو بطلان
البيع من رأس ، وهذا التفريع واضح ، لأنه مع بطلان البيع من رأس لا محل لشرط
البتري ، لأن الشرط بحاجة إلى وجود بيع وهو مفقود.
(١٠) وهو عند كون
المكسور لا قيمة له كما هو المفروض ، والمعنى : أنه لو قلنا بأن البيع ينفسخ من
حين ظهور الفساد وقد اشترط البائع التبري من العيوب فيكون تلفه على المشتري ولكن
يشكل صحة الشرط المذكور فيما لو كان المكسور لا قيمة له فيتبين أن الثمن لا شيء
في قباله ، فيكون أكله أكلا للمال بالباطل.
(١١) أي وتظهر
الفائدة فيما لو رضي المشتري بالمبيع بعد الكسر ، فيصح الرضا على الثاني دون الأول
، لأنه على الأول لا بيع من رأس ، وفيه : إنه بعد الحكم ببطلان البيع ولو من حين
الكسر فالرضا اللاحق لا أثر له.
(العاشرة ـ يجوز بيع
المسك في فأره)
بالهمز جمع فأرة
به أيضا (١) ، كالفأرة في غيره (٢) ، وهي (٣) الجلدة المشتملة على المسك (٤) (وإن لم تفتق) بناء على أصل السلامة ، فإن ظهر بعد فتقه معيبا تخير (وفتقه بأن يدخل فيه خيط) بإبرة ، ثم (يخرج ويشم أحوط) لترتفع الجهالة رأسا.
(الحادية عشرة ـ لا يجوز بيع سمك الآجام مع ضميمة القصب (٥)
، أو غيره) للجهالة ، ولو في
بعض المبيع ، (ولا اللبن في الضرع) بفتح الضاد وهو
______________________________________________________
(١) أي بالهمز
أيضا.
(٢) أي إن الفأرة
بغير هذا المعنى تكون بالهمزة مفردة وجمعا.
(٣) أي الفأرة.
(٤) يجوز بيع
المسك في فأرة على المشهور بين الأصحاب ، بل نفي الخلاف فيه كما من بعضهم على ما
في الجواهر وهو مقتضى عمومات حلية البيع والسيرة السالمين عن المعارضة ، وقد يستدل
لعدم الجواز بوجهين : من أنه دم ولا يجوز بيع الدم لأنه نجس ، ومن أنه مجهول ولا
يجوز بيع المجهول ، وفيه : أما كونه دما بالأصالة فهو لا يقتضي نجاسته بعد
الاستحالة ، وأما كونه مجهولا من ناحية أوصافه فهو لا يوجب كون غرريا لأصل السلامة
فيه بحيث لو ظهر على عكس المعروف من طبعه تخير المشتري بين الرد والأرش.
والأحوط فتقه قبل
الشراء لمعرفة أوصافه حتى ترتفع الجهالة بأوصافه ، والفتق كما ذكره جماعة هو إدخال
خيط بإبرة فيه ثم إخراجه وشمه.
(٥) والمراد به
السمك الذي ليس بمشاهد ولا محصور كما يظهر من إضافته إلى الآجام ، والآجام جمع
آجمة بالتحريك وهي غاية القصب كما في المسالك.
والمشهور على عدم
الجواز لجهالة السمك وإن ضم إليه القصب أو غيره ، لأن ضم المعلوم إلى المجهول لا
يصيّره معلوما ومثله اللبن في الضرع ولو ضم إليه لبنا محلوبا ، وكذا الجلود
والأصواف والأدبار والشعر على الأنعام ولو ضم إليها غيرها ، وذهب الشيخ في النهاية
وابنا حمزة والبراج إلى الجواز للأخبار.
منها : مرسل
البزنطي عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا كانت أجمة
ليس فيها قصب ، أخرج شيء من السمك فيباع وما في الأجمة) وظاهره المفروغية من الجواز مع القصب ، ـ
__________________
الثدي لكل ذات خف (١)
، أو ظلف (٢) (كذلك (٣) أي وإن ضم إليه شيئا ، ولو لبنا محلوبا ، لأن ضميمة
المعلوم إلى المجهول تصيّر المعلوم مجهولا ، أما عدم الجواز بدون الضميمة فموضع
وفاق ، وأما معها فالمشهور أنه كذلك (٤) ، وقيل : يصح استنادا إلى رواية ضعيفة (٥)
، وبالغ الشيخ فجوّز ضميمة ما في الضرع إلى ما
______________________________________________________
ـ وموثق معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا بأس أن يشتري
الآجام إذا كانت فيها قصب) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (في شراء الأجمة ليس
فيها قصب إنما هي ماء ، فقال : تصيد كذا من سمك تقول : اشتري منك هذا السمك وما في
هذه الأجمة بكذا وكذا) ، وموثق سماعة (سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع فقال : لا
، إلا أن يحلب منه سكرجة فيقول : اشتر مني هذا اللبن الذي في الأسكرجة وما في
ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في الأسكرجة) ،. وخبر إبراهيم الكرخي (قلت لأبي عبد الله ك : ما تقول في
رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما ، فقال :
لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف) ، إلى غير ذلك من الأخبار من غير تفصيل بين كونهما مقصودين
بالأصالة أو أحدهما ، هذا ونسب الشارح في المسالك إلى المتأخرين التفصيل بين ما
إذا كان المعلوم مقصودا بالبيع كالقصب مع جعل السمك تابعا له فيصح البيع ، وبين ما
لو كانا مقصودين أو قصد السمك الذي هو مجهول مع جعل القصب تابعا فلا يصح ، ثم قواه
صاحب المسالك.
وفيه : إنه على
خلاف إطلاق الأخبار المتقدمة خصوصا مع اشتمال بعضها على التعليل بأنه إذا لم يحصل
المجهول فيكون الثمن في قبال المعلوم ، ومثله مثل بيع غير المقدور على تسليمه مع
الضميمة فإنه جائز بالاتفاق كما تقدم.
(١) الخف للابل
بمنزلة الحافر لغيرها.
(٢) الظلف لما
اجترّ من الحيوانات كالبقرة والشاة وهو بمنزلة الحافر للفرس والخف للابل.
(٣) أي مع الضميمة
إلى معلوم.
(٤) أنه لا يجوز.
(٥) بل بعضها صحيح
وبعضها موثق.
__________________
يتجدد مدة معلومة
، والوجه المنع. نعم لو وقع ذلك (١) بلفظ الصلح اتجه الجواز ، وفصّل آخرون فحكموا
بالصحة مع كون المقصود بالذات المعلوم ، وكون المجهول تابعا والبطلان مع العكس
وتساويهما (٢) في القصد الذاتي وهو حسن ، وكذا القول في كل مجهول ضم إلى معلوم.
(ولا الجلود والأصواف والأشعار على الأنعام) وإن ضم إليها غيره أيضا ، لجهالة مقداره ، مع كون غير
الجلود موزونا فلا يباع جزافا ، (إلا أن يكون الصوف وشبهه مستجزا ، أو شرط جزّه فالأقرب
الصحة) ، لأن المبيع
حينئذ مشاهد ، والوزن غير معتبر مع كونه (٣) على ظهرها وإن استجزت (٤) ، كالثمرة
على الشجرة وإن استجزت.
وينبغي على هذا (٥)
عدم اعتبار اشتراط جزّه ، لأن ذلك لا مدخل له في الصحة ، بل غايته مع تأخيره أن
يمتزج بمال البائع ، وهو لا يقتضي بطلان البيع كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها ،
فيرجع إلى الصلح ولو شرط تأخيره (٦) مدة معلومة ، وتبعية (٧) المتجدد بني على
القاعدة السالفة ، فإن كان المقصود بالذات هو الموجود صح ، وإلا فلا.
(الثانية عشرة ـ يجوز بيع دود القز (٨) ، لأنه حيوان طاهر
ينتفع به) منفعة مقصودة
محللة ، (ونفس القز (٩) وإن كان الدود فيه ، لأنه كالنوى في التمر) فلا يمنع من بيعه ، وربما احتمل المنع ، لأنه إن كان حيا
عرضة
______________________________________________________
(١) أي بيع
المجهول مع الضميمة إلى المعلوم.
(٢) عطف على
العكس.
(٣) قيد لعدم اعتبار
الوزن.
(٤) فيما بعد.
(٥) من كون المبيع
مشاهدا مع عدم اعتبار وزنه حال كونه على الظهر.
(٦) عن وقت البيع.
(٧) عطف على (تأخيره)
فيكون من باب بيع المجهول المنضم إلى المعلوم كما هو واضح.
(٨) بلا إشكال
لأنه حيوان طاهر وله منفعة مقصودة محلّلة ، بل قد عرفت جواز بيع الدم وهو نجس ،
وجواز بيع الكلب وهو حيوان نجس العين إذا كان له منفعة مقصودة محلّلة.
(٩) بلا إشكال فيه
لعمومات حلية البيع بعد عدم المانع.
للفساد (١) ، وإن
كان ميتا دخل في عموم النهي عن بيع الميتة (٢) ، وهو ضعيف ، لأن عرضة الفساد لا
يقتضي المنع ، والدود لا يقصد بالبيع حتى يمنع ميته ، وإلى جوابه أشار المصنف
بقوله : لأنه كالنوى ، وقد يقال : أن في النوى منفعة مقصودة كعلف الدواب ، بخلاف
الدود الميت (٣) ، وكيف كان لا يمنع من صحة البيع (٤).
(الثالثة عشرة ـ إذا كان المبيع في ظرف جاز بيعه) مع وزنه (٥) معه (٦) (وأسقط ما جرت
العادة به للظرف) (٧) سواء كان ما جرت به زائدا عن وزن الظرف قطعا ، أم ناقصا (٨)
، ولو لم تطّرد العادة لم يجز
______________________________________________________
(١) مرفوع على أنه
خبر (إن) والمعنى : لأنه عرضة للفساد إن كان حيا ، وفيه : إنه يلزم منه المنع في
كثير من البيوعات ، لأن غالب المبيعات عرضة للفساد.
(٢) وفيه أيضا أنه
داخل بالتبع فلا يضر.
(٣) فإنه لا يصلح
لشيء.
(٤) لأنه ليس
بمقصود في بيع القز بل هو تابع.
(٥) أي وزن المبيع
، لأنه لا يجوز بيعه جزافا إذا كان موزونا.
(٦) مع الظرف.
(٧) وهذا الإسقاط
هو المسمى بالإندار ، وهذا الإسقاط للظرف من الوزن مشروط بما يحتمل أنه مساو للظرف
، فلو أراد الإسقاط بأكثر من وزن الظرف قطعا أو بالأقل فلا يجوز إلا مع التراضي
ويدل عليه موثق حنان (كنت جالسا عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال له معمّر الزيات : إنا نشتري الزيت في زقاقه ، ويحسب
لنا فيه نقصان لمكان الزقاق ، فقال : إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد
ولا ينقص فلا تقربه) ، وخبر علي بن أبي حمزة (سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد
الله عليهالسلام فقال : جعلت فداك إني رجل أبيع الزيت ـ إلى أن قال ـ قلت :
فإنه يطرح لظروف السمن والزيت لكل ظرف كذا وكذا رطلا ، فربما زاد وربما نقص ، فقال
: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس) ، وخبر علي بن جعفر بن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام (سألت عن الرجل
يشتري المتاع وزنا في الناسية والجوالق فيقول : ادفع للناسية رطلا أو أقل أو أكثر
من ذلك ، أيحلّ ذلك البيع؟ قال : إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا
تراضيا) .
__________________
إسقاط ما يزيد (١)
، إلا مع التراضي. ولا فرق بين إسقاطه بغير ثمن أصلا ، وبثمن مغاير للمظروف (٢) ، (ولو باعه مع الظرف) من غير وضع جاعلا مجموع الظرف والمظروف مبيعا واحدا بوزن واحد (فالأقرب الجواز) (٣) ، لحصول معرفة الجملة الرافعة للجهالة ، ولا يقدح الجهل
بمقدار كل منهما منفردا ، لأن المبيع هو الجملة ، لا كل فرد بخصوصه. وقيل : لا يصح
حتى يعلم مقدار كل منهما ، لأنهما في قوة مبيعين ، وهو ضعيف.
(القول في الآداب :
وهي أربعة وعشرون)
الأول ـ (التفقه فيما يتولاه) من التكسب ، ليعرف صحيح العقد من فاسده ، ويسلم من الربا (٤) ، (و) لا يشترط معرفة
الأحكام بالاستدلال كما يقتضيه ظاهر الأمر بالتفقه ، بل (يكفي التقليد) ، لأن المراد به هنا معرفتها على وجه يصح ، وقد
______________________________________________________
ـ نعم إذا كان
الإسقاط بالأقل أو بالأكثر قطعا بحسب العادة وعلم المتبايعين بذلك فيجوز لأنه مع
رضا المتبايعين يجوز تضييع المال لأحدهما.
(٨) قطعا وبشرط
علم المتبايعين حتى يتحقق رضاهما.
(١) وكذا ما ينقص.
(٢) أي بثمن مغاير
لثمن المظروف.
(٣) بلا خلاف فيه
بيننا لعمومات حلية البيع السالمة عن معارضة دليل الغرر عرفا ، والعلم بالمجموع
كاف عن معرفة وزن أبعاض المبيع ، ونسب في التذكرة إلى بعض العامة المنع لاشتراط
معرفة وزن كل واحد من الظرف والمظروف ، ولأن الظرف لا يباع وزنا مع كون وزن
المظروف غير معروف ، وفيه : أنه لا يشترط معرفة وزن كل من الظرف والمظروف بعد كون
الجميع مبيعا واحدا فيشترط معرفة المجموع وهو معلوم بحسب الفرض ، وكون الظرف لا
يباع وزنا إنما هو جار في بيعه منفردا وأما مع ضميمة ما فيه من المظروف فالعادة
جارية على بيعه كذلك فلا إشكال.
(٤) للأخبار.
منها : خبر الأصبغ
بن نباتة (سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول على المنبر : يا معشر التجار الفقه ثم المتجر ، الفقه
ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر ، والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على
الصفا ، شوبوا إيمانكم بالصدق ، التاجر فاجر ، والفاجر في النار إلا من أخذ الحق
وأعطى الحق) وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال ـ
__________________
قال علي (ع) : «من أتجر بغير
علم فقد ارتطم في الربا ، ثم ارتطم».
الثاني ـ (التسوية بين المعاملين في الإنصاف) (١) فلا يفرّق بين المماكس وغيره ، ولا بين الشريف والحقير.
نعم لو فاوت بينهم بسبب فضيلة ودين فلا بأس ، لكن يكره للآخذ قبول ذلك ، ولقد كان
السلف يوكّلون في الشراء من لا يعرف هربا من ذلك.
الثالث ـ (إقالة النادم) (٢) قال الصادق عليهالسلام : «أيّما عبد مسلم أقال مسلما في بيع أقال الله عثرته يوم
القيامة» وهو مطلق في النادم وغيره ، إلا أن ترتب
______________________________________________________
ـ أمير المؤمنين عليهالسلام : من اتّجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم) ومرسل الصدوق (كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : لا يقعدن في السوق إلا من يعقل الشراء والبيع) ومرسل المفيد عن الصادق عليهالسلام (من أراد التجارة
فليتفقه في دينه ، ليعلم بذلك ما يحلّ له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ثم
اتّجر تورط بالشبهات) ، والمراد بالتفقه معرفة الأحكام الشرعيّة المتعلقة بما
يتولاه من التكسب قبل الشروع لئلا يقع في الكثير مما يوجب فساد العقد أو يقع في
الربا ، والأخبار مطلقة تدل على التفقه ولو من التقليد.
(١) فلا يفرق بين
المماكس وغيره بزيادة السعر على الأول أو نقصه ، ولا بين الشريف والحقير لخبري
عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليهالسلام (أنه قال في رجل
عنده بيع فسعّره سعرا معلوما ، فمن سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر ، ومن
ماكسه وأبي أن يبتاع منه زاده ، قال : لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك
بأس ، فأما أن يفعله بمن أبي عليه وكايسه ، ويمنعه من لم يفعل ذلك فلا يعجبني إلا
أن يبيعه بيعا واحدا) .
نعم لا بأس كما
قيل بالمراعاة بنقصان الثمن للمرجح الشرعي كالإيمان وزيادته والعلم والورع والفقر
مما يحسّنه العقل والشرح ، مع أنه قيل ـ كما في الجواهر ـ يكره للمبذول له قبول
ذلك ولذا يحكى عن السلف أنهم كانوا يوكلون في الشراء من لا يعرف هربا من ذلك.
(٢) للأخبار.
منها : خبر
الجعفري عن بعض أهل بيته (إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأذن لحكيم بن حزام في ـ
__________________
الغاية (١) مشعر
به (٢) ، وإنما يفتقر إلى الإقالة (إذا تفرقا من
المجلس ، أو شرطا عدم الخيار) فلو كان للمشتري (٣) خيار فسخ به (٤) ولم يكن محتاجا إليها
(٥) (وهل تشرع الإقالة في زمن الخيار ، الأقرب نعم) لشمول الأدلة (٦) له (٧) ، خصوصا الحديث السابق فإنه لم
يتقيد بتوقف المطلوب (٨) عليها (٩) ، (ولا يكاد يتحقق
الفائدة) في الإقالة حينئذ
(١٠) (إلا إذا قلنا هي بيع (١١) ، فيترتب عليها أحكام البيع من الشفعة وغيرها ، بخلاف
الفسخ.
______________________________________________________
ـ تجارته حتى ضمن
له إقالة النادم وإنظار المعسر ، وأخذ الحق وافيا أو غير واف) ، وخبر هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليهالسلام (أيّما عبد أقال
مسلما في بيع أقاله الله عثرته يوم القيامة) ، وهو مطلق يشمل النادم وغيره ، نعم في مرسل المغير عن أبي
عبد الله عليهالسلام (أيّما مسلم أقال
مسلما بيع ندامة أقاله الله عزوجل عثرته يوم القيامة) .
(١) وهي إقالة
الله عزوجل عثرته يوم القيامة ، فإن العاصي يكون نادما في ذلك اليوم
لا محالة.
(٢) بالندم.
(٣) الأخبار
المتقدمة ظاهرة في إقالة المشتري ، ولكن يستحب إقالة البائع أيضا للإطلاق في خبر
سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليهالسلام (أربعة ينظر الله عزوجل إليه يوم القيامة : من أقال نادما ، أو أغاث لهفانا ، أو
أعتق نسمة ، أو زوّج عزبا) .
(٤) بالخيار.
(٥) إلى الإقالة.
(٦) أدلة مشروعية
الإقالة.
(٧) لزمن الخيار.
(٨) وهو فسخ
العقد.
(٩) على الإقالة.
(١٠) أي حين ثبوت
الخيار.
(١١) كما هو رأي
بعض العامة في الإقالة ، وإلا فعندنا من دون خلاف أنها فسخ لا بيع ، فلا فائدة في
ثبوت الإقالة في زمن الخيار لأنه قادر على الفسخ بخياره.
نعم على القول
بأنها بيع فيترتب عليها أحكامه من الشفعة وزيادة الثمن والتأجيل والتعجيل
والخيارات وغيرها.
__________________
أو قلنا : (بأن الإقالة (١) من ذي الخيار إسقاط للخيار) ، لدلالتها على الالتزام بالبيع ، وإسقاط الخيار لا يختص
بلفظ ، بل يحصل بكل ما دل عليه ، من قول ، وفعل وتظهر الفائدة حينئذ (٢) فيما لو
تبين بطلان الإقالة (٣) فليس له الفسخ بالخيار.
(ويحتمل سقوط خياره بنفس طلبها مع علمه بالحكم) (٤) لما ذكرناه من الوجه ، ومن ثم قيل بسقوط الخيار لمن قال :
لصاحبه اختر وهو مروي (٥) أيضا ، والأقوى عدم السقوط في الحالين (٦) ، لعدم دلالته
(٧) على الالتزام (٨) حتى بالالتزام (٩) ، ويجوز أن يكون مطلوبه من الإقالة (١٠)
تحصيل الثواب بها (١١) فلا ينافي إمكان فسخه بسبب آخر (١٢) وهو (١٣) من أتم
الفوائد.
الرابع ـ (عدم تزيين المتاع) (١٤) ليرغب فيه الجاهل مع عدم غاية أخرى
______________________________________________________
(١) أي طلب
الإقالة.
(٢) أي حين طلب
الإقالة.
(٣) فيما لو طلبها
من غير البائع أو المشتري اشتباها بعنوان أنه صاحبه.
(٤) بأن طلب
الإقالة إسقاط لخياره بالالتزام.
(٥) ففي الغوالي
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (البيعان بالخيار
ما لم يفترقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر) ، ولذا نسب للشيخ سقوط الخيار لمن خيّر صاحبه بذلك ، مع أن
النسبة للشيخ غير ثابتة لأن المحكي عن مبسوطه خلافه خلاف ذلك كما في مفتاح الكرامة
، على أن ذيل الخبر غير وارد من طرقنا بل هو من طرق العامة مع عدم جابر له ، فالأقوى
عدم السقوط.
(٦) حال طلب
الإقالة وحال قول أحدهما للآخر : اختر.
(٧) أي لعدم دلالة
اللفظ الصادر في الحالين.
(٨) أي الالتزام
بسقوط الخيار.
(٩) أي بالدلالة
الالتزامية.
(١٠) أي من طلب
الإقالة.
(١١) وفيه : إن
الثواب للمقيل لا للنادم الذي طلب الإقالة.
(١٢) وهو الخيار
الثابت له.
(١٣) أي تحصيل
الثواب.
__________________
للزينة ، أما
تزيينه لغاية أخرى كما لو كانت الزينة مطلوبة عادة فلا بأس.
الخامس ـ (ذكر العيب) الموجود في متاعه (إن كان) فيه عيب ظاهرا كان ، أم خفيا ، للخبر (١). ولأن ذلك من
تمام الإيمان والنصيحة.
السادس ـ (ترك الحلف على البيع والشراء) قال (ص) : «ويل للتاجر من لا والله وبلى والله» (٢) ، وقال (ص) (٣) : «من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشتري ولا
يبيع : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والمدح إذا باع ، والذم إذا اشترى» وقال
الكاظم (ع) (٤) : «ثلاثة لا ينظر الله إليهم أحدهم رجل اتخذ الله عزوجل بضاعة لا يشتري إلا بيمين ، ولا يبيع إلا بيمين» ، وموضع
الأدب الحلف صادقا ، أما الكاذب فعليه لعنة الله.
السابع ـ (المسامحة فيهما (٥) ، وخصوصا في شراء آلات الطاعات) (٦) فإن
______________________________________________________
(١٤) بحيث يكون
التزيين لإظهار محاسنه وصفاته الموجودة فيه ليرغب فيه جاهله ، وقد اعترف بعضهم
بعدم العثور في الأخبار على ما يدل على كراهة التزيين المذكور أو ما يدل على
استحباب الترك ، نعم لو كان التزيين لإظهار صفة غير موجودة فيه فهو من الغش المحرم
وقد تقدم.
(١) وهو خبر
السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترينّ ولا
يبيعنّ : الربا والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشترى) ، وقيده جماعة منهم الشهيد في الدروس بالعيب الظاهر ، لأن
كتمان العيب الخفي من الغش وهو محرم ، هذا والخبر مطلق يشمل الظاهر والخفي ، وإن
كان الحكم باستحباب ذكر العيب مختص بالعيب الظاهر ، لأن ذكر الخفي واجب.
(٢) وهو مرسل
الصدوق (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ويل لتجار أمتي من لا والله بلى والله ، وويل لصناع أمتي
من اليوم وغدا) .
(٣) وهو خبر
السكوني المتقدم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وفيه (الحمد إذا باع) كما في الوسائل ، (المدح إذا باع).
(٤) وهو خبر درست
بن أبي المنصور عن إبراهيم بن عبد الحميد .
__________________
ذلك موجب للبركة
والزيادة ، وكذا يستحب في القضاء والاقتضاء للخبر (١).
الثامن ـ (تكبير المشتري ثلاثا (٢) ، وتشهده الشهادتين بعد الشراء) (٣) وليقل بعدهما : اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك ،
فاجعل لي فيه فضلا ، اللهم إني
______________________________________________________
(١) في البيع
والشراء للأخبار.
منها : خبر الحسين
بن يزيد الهاشمي عن أبي عبد الله عليهالسلام (جاءت زينب
العطارة إلى نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلى أن قال ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا بعت فاحسني ولا تغشي ـ تعنتي خ ل ـ فإنه اتقى لله
وأبقى للمال) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : السماحة من الرباح ، قال ذلك لرجل يوصيه ومعه سلعة
يبيعها) ، وخبر إسماعيل بن مسلم عن أبي عبد الله من أبيه عليهالسلام : أوصى الله تعالى إلى بعض أنبيائه عليهمالسلام : للكريم فكارم وللسمح فسامح وعند الشكس فالتو) .
(٦) ففي خبر عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (كان علي بن
الحسين عليهالسلام يقول لقهرمانه : إذا أردت أن تشتري لي من حوائج الحج شيئا
فاشتر ولا تماكس) ، وفي مرفوع يحيى بن محمد بن عيسى عن أبي جعفر عليهالسلام (لا تماكس في
أربعة أشياء : في الأضحية والكفن وثمن النسمة والكراء إلى مكة) ومثله غيره ، وهذه الأخبار ظاهرة في بعض الطاعات ،
فالتعميم كما قاله الشارح ليس عليه دليل من الأخبار.
(١) ففي خبر حنان
عن أبيه عن أبي عبد الله عليهالسلام (سمعته يقول : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بارك الله سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء)
وفي خبر جابر (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : غفر الله لرجل كان قبلكم ، كان سهلا إذا باع ، سهلا إذا
اشترى ، سهلا إذا قضى ، سهلا إذا استقضى) .
(٢) كما في خبر
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهالسلام (إذا اشتريت متاعا
فكبّر الله ثلاثا ثم قل : اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من خيرك ، فاجعل لي فيه
خيرا ، اللهم إني اشتريته التمس فيه من فضلك ، فصل على محمد وآل محمد ، واجعل لي
فيه فضلا ، اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقا) .
(٣) لا يوجد خبر
يدل على استحباب الشهادتين بعد الشراء لأن ما ورد في الأخبار يدل على ـ
__________________
اشتريته ألتمس فيه
رزقا (١) ، فاجعل لي فيه رزقا» (٢).
التاسع ـ (أن يقبض ناقصا ، ويدفع راجحا (٣) ، نقصانا ورجحانا لا يؤدي إلى الجهالة) بأن يزيد كثيرا بحيث يجهل مقداره (٤) تقريبا ، ولو تنازعا
في تحصيل الفضيلة قدم من بيده الميزان والمكيال ، لأنه الفاعل المأمور بذلك (٥) ،
زيادة على كونه معطيا وآخذا (٦).
______________________________________________________
ـ استحباب
الشهادتين عند جلوس التاجر مجلسه كما في خبر حنان عن أبيه قال أبو جعفر عليهالسلام في حديث : (فإذا جلس مجلسه فقال حين يجلس : أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ـ إلى أن قال ـ فإذا قال ذلك
قال له الملك الموكل به : أبشر فما في سوقك اليوم أحد أوفر حظا منك) ، وقد ورد استحباب الشهادتين عند دخول السوق كما في خبر
أبي عبيدة قال الصادق عليهالسلام : (من قال في السوق : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله كتب الله له ألف حسنة) وخبر سعد الخفاف عن أبي جعفر عليهالسلام (من دخل السوق
فنظر إلى حلوها ومرها وحامضها فليقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأن محمدا عبده ورسوله ، اللهم إني أسألك من فضلك وأستجيرك من الظلم والعزم والمأثم)
، إلا أن يكون ذكر الشهادتين بعد الشراء من باب التبرك واليمن وهذا كاف في
أدلة السنن.
(١) والصحيح (من
رزقك).
(٢) كما في خبر
محمد بن مسلم المتقدم ، على أنه لم ينقل تمام الدعاء الوارد فيه فراجع.
(٣) للأخبار.
منها : مرسل ابن
أبي عمير عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يكون الوفاء
حتى يميل الميزان) .
وخبر حماد بن بشير
عن أبي عبد الله عليهالسلام : (لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان) .
(٤) أي مقدار
الزائد ، وفيه : إن العوضين معلومين على كل حال ، ولا يشترط معرفة مقدار الموهوب
فقيد الشارح مما لا دليل عليه.
(٥) بتحصيل
الفضيلة أي ، وهو المأمور بذلك كما في خبر حماد بن بشير المتقدم.
(٦) وهذا مشترك
بينه وبين المشتري فلا يصلح لترجيح البائع.
__________________
العاشر ـ (أن لا يمدح أحدهما سلعته ، و [لا] يذم سلعة صاحبه) (١) للخبر المتقدم وغيره ، (ولو ذم سلعة نفسه
بما لا يشمل على الكذب فلا بأس).
الحادي عشر ـ (ترك الربح على المؤمنين) (٢) قال الصادق عليهالسلام : «ربح المؤمن على المؤمن حرام (٣) ، إلا أن يشتري بأكثر
من مائة درهم فأربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وأرفقوا بهم»
، (إلا مع الحاجة فيأخذ منهم نفقة يوم) له ولعياله ، (موزعة على
المعاملين) في ذلك اليوم مع
انضباطهم ، وإلا ترك الربح على المعاملين بعد تحصيل فوت يومه ، كل ذلك مع شرائهم
للقوت ، أما للتجارة فلا بأس به مع الرفق كما دل عليه الخبر.
الثاني عشر ـ (ترك الربح على الموعود بالإحسان) بأن يقول له : هلم أحسن إليك فيجعل إحسانه الموعود به ترك
الربح عليه قال الصادق عليهالسلام (٤) : «إذا قال
الرجل للرجل هلم أحسن بيعك يحرم عليه الربح» ، والمراد به الكراهة المؤكدة (٥).
______________________________________________________
(١) لخبر السكوني
المتقدم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترينّ ولا
يبيعنّ : الربا والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشترى) ، ومرفوع أحمد بن محمد بن عيسى (كان أبو أمامة صاحب رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : أربع من كنّ فيه طاب مكسبه : إذا اشترى لم يعب ،
وإذا باع لم يحمد ولا يدلّس ، وفيما بين ذلك لا يحلف) .
(٢) إلا لتحصيل
قوت يومه موزعا على سائر المعاملين له من المؤمنين في ذلك اليوم للضرورة ، وإلا
إذا كان الشراء بأكثر من مائة درهم أو الشراء للتجارة فلا كراهة في الربح لخبر سليمان
بن صالح وأبي شبل جميعا عن أبي عبد الله عليهالسلام (ربح المؤمن على
المؤمن ربا ، إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه
للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم) .
(٣) وفي الخبر (ربا).
(٤) كما في خبر
علي بن عبد الرحيم عن رجل .
(٥) للأصل وفتوى
الأصحاب بعد ضعف الخبر.
__________________
الثالث عشر ـ (ترك السبق إلى السوق والتأخر فيه) ، بل يبادر إلى قضاء حاجته ويخرج منه ، لأنه مأوى الشياطين
(١) ، كما أن المسجد مأوى الملائكة فيكون على العكس ، ولا فرق في ذلك بين التاجر
وغيره ، ولا بين أهل السوق عادة ، وغيرهم (٢).
الرابع عشر ـ (ترك معاملة الأدنين) وهم الذين يحاسبون على الشيء الأدون ، أو من لا يسرّه الإحسان ، ولا تسوءه
الإساءة ، أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه (٣) ، (والمحارفين) بفتح الراء وهم الذين لا يبارك لهم في كسبهم ، قال الجوهري : رجل محارف بفتح
الراء أي محدود محروم ، وهو خلاف قولك مبارك ، وقد حورف كسب فلان إذا شدد عليه في
معاشه ، كأنه ميل برزقه عنه (٤) ،
______________________________________________________
(١) ففي مرسل
الصدوق (قال أمير المؤمنين عليهالسلام : جاء أمر أبي من بني عامر إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسأله عن شر بقاع الأرض وخير بقاع الأرض ، فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : شر بقاع الأرض الأسواق ، وهي ميدان إبليس يغدو برايته
ويضع كرسيّه ويبتّ ذريته ، فبين مطفف في قفيز أو سارق في ذراع أو كاذب في سلعة ،
فيقول : عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حيّ ، فلا يزال مع ذلك أول داخل وآخر خارج ،
ثم قال : وخير البقاع المساجد ، وأحبهم إلى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا منهم) ، وخبر جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن
آبائه عليهمالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لجبرئيل : أيّ البقاع أحبّ إلى الله تعالى؟ قال : المساجد
، وأحب أهلها إلى الله أولهم دخولا إليها وآخرهم خروجا منها ، قال : فأيّ البقاع
أبغض إلى الله تعالى؟ قال : الأسواق وأبغض أهلها إليه أولهم دخولا إليها وآخرهم
خروجا منها) .
(٢) لإطلاق
الأخبار.
(٣) وفي الفقيه
نسبة التفاسير الثلاثة إلى الأخبار كما في مفتاح الكرامة ثم قال : (وربما فسر
الأوفون بمن لا مروّة له) ، والعمدة مرسل الصدوق (قال عليهالسلام : إياك ومخالطة السفلة ، فإن السفلة لا تؤل إلى خير) بناء على أن السفلة هم الأوفون.
(٤) لخبر الوليد
بن صبيح عن أبيه (قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : لا تشتر من محارف فإن صفقته لا بركة فيها) .
__________________
(والمؤفين) أي ذوي الآفة والنقص في أبدانهم ، للنهي عنه في الأخبار (١)
، معلّلا بأنهم أظلم شيء ، (والأكراد) (٢) للحديث عن الصادق عليهالسلام ، معللا بأنهم حيّ من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء ،
ونهى فيه أيضا عن مخالطتهم (وأهل الذمة) (٣) للنهي عنه ، ولا يتعدى إلى غيرهم من أصناف الكفار للأصل ،
والفارق (٤) ، (وذوي الشبهة في المال) كالظلمة لسريان شبههم إلى ماله (٥).
الخامس عشر ـ (ترك التعرض للكيل ، أو الوزن إذا لم يحسن) (٦) حذرا من
______________________________________________________
(١) كما في خبر
ميسر بن عبد العزيز (قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا تعامل ذا عاهة فإنهم أظلم شيء) ومثله غيره.
(٢) لما في خبر
أبي الربيع الشامي (سألت أبا عبد الله عليهالسلام فقلت : إن عندنا قوما من الأكراد وأنهم لا يزالون يجيئون
بالبيع فتخالطهم وتبايعهم ، فقال : يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فإن الأكراد حيّ
من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم) .
(٣) قيل بعدم وجود
نص على كراهة البيع والشراء منهم بالخصوص ، نعم ما ورد هو مرسل الصدوق عن الصادق عليهالسلام (لا تستعن بمجوسي
ولو على أخذ قوائم شاتك وأنت تريد ذبحها) ، وهو مختص بالمجوسي ولا يدل على اختصاص الكراهة بالبيع
والشراء ، وقد ورد في خبر ابن رئاب عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا ينبغي للرجل
المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودة) ، وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (أن أمير المؤمنين
عليهالسلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارة
حاضرة لا يغيب عنها المسلم) ، وهما غير ظاهرين في اختصاص المنع بالبيع والشراء كما هو
المقصود.
(٤) الفارق هو
النص المتقدم.
(٥) أي مال من
يتعامل معهم فلذا حكم بالكراهة.
(٦) لمرسل مثنى
الخياط عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : رجل من
نيته الوفاء وهو إذا كال ـ
__________________
الزيادة والنقصان
المؤديين إلى المحرّم ، وقيل : يحرم حينئذ ، للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم
، وحمل على الكراهة.
السادس عشر ـ (ترك الزيادة في السلعة وقت النداء) عليها من الدلال ، بل يصبر حتى يسكت ثم يزيد إن أراد ،
لقول علي (ع) (١) : «إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، وإنما يحرم
الزيادة النداء ، ويحلها السكوت».
السابع عشر ـ (ترك السوم) وهو الاشتغال بالتجارة (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) لنهي النبي (ص) عنه (٢) ، ولأنه وقت الدعاء ، ومسألة الله تعالى ، لا وقت
تجارة ، وفي الخبر (٣) أن الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد.
______________________________________________________
ـ لم يحسن أن يكيل
، قال : فما يقول الذين حوله؟ قلت : يقولون لا يوفي ، قال : هذا ممن لا ينبغي له
أن يكيل) ، نعم إذا أدى إلى الزيادة والنقصان فيحرم ، فإطلاق الحرمة
كما عن البعض ليس في محله.
(١) كما في خبر
أمية بن عمرو عن الشعيري عن أبي عبد الله عليهالسلام .
(٢) كما في مرفوع
علي بن أسباط (نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) .
(٣) وهو خبر
الصدوق في الخصال مسندا عن علي عليهالسلام (من كان له إلى
ربه حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات ، ساعة في يوم الجمعة ، وساعة تزول الشمس وحين
تهب الرياح وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة ويصوّت الطير ، وساعة في آخر الليل
عند طلوع الفجر ، فإنه ملكان يناديان : هل من تائب يتاب عليه؟ هل من سائل يعطى؟ هل
من مستغفر فيغفر له؟ هل من طالب حاجة فيقضى له؟ فأجيبوا داعي الله واطلبوا الرزق
فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإنه سرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض ،
وهي الساعة التي يقسّم الله فيها الرزق بين عباده ، توكلوا على الله عند ركعتي
الفجر إذا صليتموها ، ففيها تعطوا الرغائب) .
__________________
الثامن عشر ـ (ترك دخول المؤمن في سوم أخيه) (١) المؤمن (بيعا وشراء) بأن يطلب (٢) ابتياع الذي يريد أن يشتريه ، ويبذل زيادة
عنه ليقدّمه البائع ، أو يبذل (٣) للمشتري متاعا غير ما اتفق هو والبائع عليه ،
لقول النبي (ص) : «لا يسوم الرجل على سوم أخيه» وهو خبر معناه النهي ، ومن ثم قيل : بالتحريم
، لأنه الأصل في النهي ، وإنما يكره ، أو يحرم (بعد التراضي ، أو
قربه) فلو ظهر (٤) له
ما يدل على عدمه فلا كراهة ولا تحريم.
(ولو كان السوم بين اثنين (٥) سواء دخل أحدهما على النهي ، أم لا بأن ابتدءا فيه معا قبل
محل النهي (لم يجعل نفسه بدلا من أحدهما) لصدق الدخول في السوم ، (ولا كراهة فيما
يكون في الدلالة) ، لأنها موضوعة عرفا لطلب الزيادة ما دام الدلال يطلبها ، فإذا حصل الاتفاق
بين الدلال والغريم تعلقت الكراهة ، لأنه (٦) لا يكون حينئذ في الدلالة وإن كان (٧)
بيد الدلال.
______________________________________________________
(١) لخبر الحسين
بن زيد عن أبي عبد الله عن آبائه عليهمالسلام (نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم) ، وخبر الدعائم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه نهى أن يساوم
الرجل على سوم أخيه) ، والنهي ظاهر في التحريم فلذا ذهب الشيخ في المبسوط
وجماعة إلى الحرمة.
وذهب المحقق
وجماعة وهو المشهور إلى الكراهة لضعف السند ، وهذا والمراد بالدخول في سوم أخيه
الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري ، أو بذل مبيع للمشتري غير ما بذله البائع ،
إذا كان ذلك بعد تراضيهما أو قربه ، أما لو ظهر منهما أو من أحدهما عدم الرضا كما
لو انصرف أحدهما فلا كراهة ، ثم هذا كله إذا لم يكن البيع مبنيا على المزايدة ،
أما لو كان كذلك فلا كراهة في الزيادة عند زيادة الآخرين.
(٢) هذا بيان
الدخول في سوم أخيه المشتري.
(٣) هذا بيان
الدخول في سوم أخيه البائع.
(٤) للداخل.
(٥) أي بين
مشتريين على مبيع واحد.
(٦) لأن الدخول.
(٧) أي المبيع.
__________________
(وفي كراهة طلب المشتري من بعض الطالبين الترك له نظر) من عدم (١) صدق الدخول في السوم من حيث الطلب منه ، ومن
مساواته (٢) له في المعنى حيث أراد أن يحرمه مطلوبه ، والظاهر القطع بعدم التحريم
على القول به في السّوم ، وإنما الشك في الكراهة ، (ولا كراهية في
ترك الملتمس منه) ، لأنه (٣) قضاء حاجة لأخيه ، وربما استحبت إجابته لو كان مؤمنا ، ويحتمل
الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه ، لإعانته له على فعل المكروه ، وهذه الفروع من خواص
الكتاب.
التاسع عشر ـ (ترك توكل حاضر لباد (٤) وهو الغريب الجالب للبلد وإن كان قرويا ، قال النبي (ص) : «لا يتوكل حاضر
لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» ، وحمل بعضهم النهي على التحريم وهو
حسن لو صح الحديث ، وإلا فالكراهة أوجه ، للتسامح في دليلها ، وشرطه (٥) ابتداء
الحضري به (٦) ، فلو التمسه منه الغريب فلا بأس به ، وجهل (٧) الغريب بسعر البلد ،
فلو علم به لم يكره ، بل كانت مساعدته محض الخير ، ولو باع مع النهي انعقد وإن
______________________________________________________
(١) وجه عدم
الكراهة.
(٢) أي مساواة
الطلب للدخول في سوم الغير ، وهو وجه الكراهة.
(٣) أي الترك.
(٤) المراد
بالبادي الغريب الجالب للبلد ، والمعنى أن يحمل الغريب متاعا إلى بلد فيأتيه
البلدي ويقول : أنا أبيعه لك بأعلى مما تبيعه به ، قبل أن يعرف السعر لخبر عروة بن
عبد الله عن أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : لا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم
من بعض) وخبر جابر (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يبيع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)
(.
وظاهر النهي
التحريم ولذا ذهب الشيخ وابنا إدريس والبراج والعلامة في المنتهى إلى الحرمة ، والمشهور
على الكراهة لقصور الخبرين مسندا.
(٥) أي وشرط الحكم
بالكراهة.
(٦) بأن يعرض
البلدي التوكل على الغريب ، فلو التمس الغريب ذلك لم يكن به بأس.
(٧) عطف على (ابتداء
الحضري).
__________________
قيل بتحريمه (١) ،
ولا بأس بشراء البلدي له (٢) ، للأصل.
العشرون ـ (ترك التلقي للركبان) (٣) وهو الخروج إلى الركب القاصد إلى بلد للبيع عليهم ، أو
الشراء منهم ، (وحدّه أربعة فراسخ) فما دون ، فلا يكره ما زاد ، لأنه سفر للتجارة ، وإنما يكره
(إذا قصد الخروج لأجله) (٤) ، فلو اتفق مصادفة الركب في خروجه لغرض لم يكن به بأس (٥)
، (ومع جهل البائع ، أو المشتري القادم بالسعر) في البلد ، فلو علم به لم يكره ، كما يشعر به تعليله (ص) في قوله :
______________________________________________________
(١) وقلنا أن
النهي يقتضي الفساد ، وذلك لأن النهي قد تعلق بخارج المعاملة.
(٢) للمتاع الذي
جلبه الغريب.
(٣) وهو الخروج
لتلقى القاصدين إلى بلد بتجارة فيشتري منهم ليبيعه في البلد ، ويدل عليه أخبار.
منها : خبر عروة
بن عبد الله عن أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر) وخبر منهال القصاب عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تلق ولا تشتر
ما تلقى ولا تأكل منه) وخبره الآخر عنه عليهالسلام (عن تلقي الغنم ،
فقال : لا تلق ولا تشتر ما تلقّى ، ولا تأكل من لحم ما تلقّى) .
وظاهر الأخبار
النهي عن تلقي الركبان للشراء منهم ، فتعميم الحكم كما عن الشارح للبيع عليهم لا
وجه له ، ثم إن ظاهر النهي الحرمة ولذا ذهب إليها ابنا إدريس والبراج ونسب إلى
الشيخ في الخلاف والمبسوط حيث عبّر بلفظ (لا يجوز) ، والمشهور على الكراهة لقصور
الأخبار سندا.
ثم إن حد التلقي
المكروه ما دون الأربعة فراسخ ، فلو زاد عن أربعة فراسخ فلا نهي لخبر منهال القصاب
(قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا تلق ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن التلقّي ، قال : وما حدّ التلقي؟ قال : ما دون غدوة
أو روحة ، قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : أربعة فراسخ) وقال ابن أبي عمير الذي روى هذا الخبر عن عبد الرحمن بن
الحجاج : وما فوق ذلك فليس بتلق ، ومرسل الصدوق (روي أن حد التلقي روحة ، فإذا صار
إلى أربع فراسخ فهو جلب) .
(٤) لأجل التلقي.
(٥) لانصراف
الأخبار المتقدمة عنه.
__________________
«لا يتلق أحدكم
تجارة ، خارجا من المصر ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض» ، والاعتبار بعلم من
يعامله خاصة (١).
(و) كذا ينبغي (ترك شراء ما يتلقى) ممن اشتراه من الركب بالشرائط (٢) ومن ترتبت يده على يده
وإن ترامى ، لقول الصادق (ع) : «لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه» ، وذهب جماعة إلى التحريم ، لظاهر
النهي في هذه الأخبار. وعلى القولين يصح البيع (٣) ، (ولا خيار للبائع
والمشتري إلا مع الغبن) (٤) فيتخير المغبون على الفور في الأقوى (٥) ، ولا كراهة في
الشراء منه بعد وصوله إلى حدود البلد بحيث لا يصدق التلقي ، وإن كان جاهلا بسعره (٦)
للأصل ، ولا في بيع نحو المأكول والعلف عليهم وإن تلقى (٧).
الحادي والعشرون ـ
(ترك الحكرة) (٨) بالضم وهو جمع الطعام وحبسه يتربص
______________________________________________________
(١) أي إن
الاعتبار على الجهل بسعر البلد لمن يعامله خاصة ، وإن علم بقية الركب بالسعر.
(٢) الموجبة للنهي
عنه.
(٣) لتعلق النهي
بخارج المعاملة.
(٤) كما هو
المشهور ، وعن ابن إدريس ثبوت الخيار لصاحب السلعة مطلقا للنبوي (لا تلقوا الجلب ،
فمن تلقاه واشترى منه ، فإذا أتى السوق فهو بالخيار) ، والنبوي الآخر (أنه نهى عن تلقي الركبان ، وقال : من
تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق) وفي ثالث (فإن تلقي متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل
السوق) ، وهي قاصرة السند عن تخصيص قاعدة اللزوم في المعاوضات
فضلا عن أن ثبوت الخيار حين دخول السوق إشعار بأن الخيار عند تحقق الغبن وإلا لبثت
له الخيار من حين البيع.
(٥) وقيل : إنه
على التراضي وسيأتي الكلام فيه في باب الخيارات.
(٦) بسعر البلد.
(٧) قد عرفت
اختصاص النهي بالشراء منهم لا بالبيع عليهم.
(٨) وهو حبس
الطعام والتربص به انتظارا لغلو السعر مع حاجة الناس ، وقد ورد النهي عنه
بالأخبار.
منها : صحيح
إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهالسلام (لا يحتكر الطعام
ـ
__________________
به الغلاء ،
والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه ، لصحة الخبر (١) بالنهي عنه عن النبي (ص) : «وأنه لا يحتكر
الطعام إلا خاطئ وأنه ملعون» (٢).
وإنما تثبت الحكرة
(في) سبعة أشياء (٣) (الحنطة والشعير والتمر والزبيب)
______________________________________________________
ـ إلا خاطئ) ، وقد أرسله الصدوق عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ٢ د وصحيح أبي الفضل سالم الحناط (قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : ما عملك؟ قلت : حنّاط وربما قدمت على نفاق ، وربما قدمت
على كساد فحبست ، قال : فما يقول من قبلك فيه؟ قلت : يقولون : محتكر ، فقال :
يبيعه أحد غيرك؟ قلت : ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا قال : لا بأس ، إنما كان ذلك
رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله ،
فمرّ عليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا حكيم بني حزام ، إياك أن تحتكر) ، وما ورد في النهج عن أمير المؤمنين عليهالسلام في كتابه إلى مالك الأشتر : (فامنع من الاحتكار ، فإن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منع منه ، وليكن البيع بيعا سمحا بجوازين عدل واسعا لا
يحجف بالفريقين من البائع والمبتاع ، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل وعاقب من
غير إسراف : والعقاب دليل على على الحرمة فضلا عن ظهور النهي فيها ،
ولذا ذهب المشهور إلى الحرمة ، وعن الشيخ في المبسوط والمفيد في المقنعة والمحقق
في الشرائع والعلامة في المختلف وجماعة الكراهة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الرجل
يحتكر الطعام ويتربص به هل يصلح ذلك؟ فقال : إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا
بأس به ، وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام وتبرك
الناس ليس لهم طعام) ، وفيه : إن الكراهة في لسانهم عليهمالسلام أعم من الحرمة وغيرها.
ومقتضى الأخبار
المتقدمة وغيرها حرمة احتكار الطعام مع عدم وجود باذل له مع حاجة الناس إليه.
(١) وهو خبر
إسماعيل بن أبي زياد.
(٢) وهذا خبر ثان
، وهو خبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) .
(٣) المشهور على
أن الحكرة تثبت في خمسة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن لخبر أبي ـ
__________________
(والسمن والزيت والملح) ، وإنما يكره إذا وجد باذل غيره يكتفي به الناس ، (ولو لم يوجد غيره وجب البيع) مع الحاجة (١) ، ولا يتقيد بثلاثة أيام في الغلاء ،
وأربعين
______________________________________________________
ـ البختري عن جعفر
بن محمد عن أبيه عليهالسلام (إن عليا عليهالسلام كان ينهي عن الحكرة في الأمصار فقال : ليس الحكرة إلا في
الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن) ، وخبر غيّاث بن إبراهيم برواية الكافي عن أبي عبد الله عليهالسلام (ليس الحكرة إلا
في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن) ، نعم برواية الصدوق قال (والزبيب والسمن والزيت) بزيادة
الزيت ، ولذا زاده الصدوق في المقنع والعلامة في التحرير فضلا عن خبر السكوني عن
جعفر بن محمد عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (الحكرة في ستة
أشياء في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب) وعن المبسوط والوسيلة والتذكرة ونهاية الأحكام والدروس
والمسالك وزيادة الملح ولعله لشدة الحاجة ـ كما في الجواهر ـ إلا لم نجده في شيء
من النصوص الواردة إلينا.
هذا والأقوى جعل
مورد الاحتكار هو الطعام كما هو مقتضى الأخبار السابقة وفيها الصحيح وغيره ، لا
خصوص هذه المذكورات لأن هذه الأخبار الحاصرة بالأمور الخمسة أو الستة محمولة على
حصر الطعام فيها في زمن المعصوم عليهالسلام أو بلده.
(١) حد الحكرة هو
الحبس مع حاجة الناس للتعليل في صحيح الحلبي المتقدم (ويترك الناس ليس لهم طعام) ،
وعن الشيخ وجماعة حد الحكرة ثلاثة أيام في الشدة والغلاء وأربعين يوما في الرخاء
والرخصة لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (الحكرة في الخصب
أربعون يوما ، وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب
فصاحبه ملعون ، وما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون) ، وخبر أبي مريم عن أبي جعفر عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّما رجل اشترى طعاما فكسبه أربعين صباحا يريد به غلاء
المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع) وهي محمولة على عدم تحقق الحاجة إلا بهذين الحدين كما هو
الغالب.
وإذا حرم الاحتكار
عند حاجة المسلمين فيجب عليه البيع ولو امتنع فيجبر على البيع من قبل الحاكم بلا
خلاف فيه بين الأصحاب ولكن لا يسعّر له كما هو المشهور لخبر ابن حمزة عن أبيه عن
جده عن علي بن أبي طالب عليهالسلام (أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّ بالمحتكرين ـ
__________________
في الرخص ، وما
روي من التحديد بذلك محمول على حصول الحاجة في ذلك الوقت ، لأنه مظنّها (ويسعّر) عليه حيث يجب
عليه البيع (إن أجحف) في الثمن لما فيه من الإضرار المنفي ، (وإلا فلا) ، ولا يجوز التسعير في الرخص مع عدم الحاجة قطعا ، والأقوى أنه مع الإجحاف
حيث يؤمر به (١) لا يسعّر عليه أيضا ، بل يؤمر بالنزول عن المجحف (٢) ، وإن كان في
معنى التسعير ، إلا أنه لا يحصر في قدر خاص (٣).
______________________________________________________
ـ فأمر بحكرتهم أن
تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الأبصار إليها ، فقيل لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو قوّمت عليهم فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى عرف الغضب في وجهه فقال : أنا أقوّم عليهم ، إنما
السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء) ، ومرسل الصدوق (قيل للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو سعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد وتنقص ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما كنت لألقى الله ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا ، فدعوا
عباد الله يأكل بعضهم من بعض ، وإذا استنصحتم فانصحوا) ، وقيل يسعّر عليه كما عن المفيد وهو واضح الضعف ، نعم إذا
سعر سعرا فيه إجحاف بالعامة فلا يبعد رده وإجباره على الأقل منه من دون تحديد كما
عن ابن حمزة والفاضل في المختلف والشارح وجماعة لنفي الضرر ، ولأنه لو لا ذلك لانتفت
فائدة الإجبار ، وعن جماعة عدم جواز رده بل يترك له الخيار مطلقا لخبر عبد الله بن
سليمان عن أبي عبد الله عليهالسلام في (تجار قدموا أرضا فاشتركوا في البيع على أن لا يبيعوا
بيعهم إلا بما أحبّوا ، قال : لا بأس بذلك) ، وخبر حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليهالسلام (نفد الطعام على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأتاه المسلمون فقالوا : يا رسول الله قد نفد الطعام ، ولم
يبق منه شيء إلا عند فلان ، فمره ببيعه ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا
فلان ، إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيء عندك ، فأخرجه وبعه كيف شئت
ولا تحبسه) ، والثاني محمول على عدم الإجحاف جمعا بينه وبين قاعدة نفي
الضرر ، والأول محمول على عدم وجود الحكرة فيما أرادوا بيعه.
(١) بالبيع.
(٢) أي السعر
المجحف.
(٣) بل يؤمر
بالأقل منه ، وبهذا يجمع بين الأخبار الناهية عن التسعير وبين دليل نفي الضرر.
__________________
الثاني والعشرون ـ
(ترك الربا في المعدود على الأقوى) (١) ، للأخبار الصحيحة الدالة على اختصاصه بالمكيل والموزون ،
وقيل : يحرم فيه أيضا ، استنادا إلى رواية ظاهرة في الكراهة ، (وكذا في النسيئة) في الربوي ، (مع اختلاف الجنس) كالتمر بالزبيب (٢) ، وإنما كره فيه ، للأخبار الدالة على
النهي عنه ، إلا أنها في الكراهة أظهر ، لقوله (ص) : «إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف شئتم» ، وقيل : بتحريمه ،
لظاهر النهي السابق.
______________________________________________________
(١) ذهب المشهور
إلى حصر الربا المعاوضي في المكيل والموزون مع اتحاد الجنس للأخبار الكثيرة.
منها : صحيح زرارة
عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يكون الربا
إلا فيما يكال أو يوزن) ، وصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن) ، وصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، وعن المفيد وسلّار وأبي علي من أن أن المعدود كالموزون
والمكيل لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع ، والبعير بالبعيرين
والدابة بالدابتين ، فقال : كره ذلك عليّ عليهالسلام فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان) ، وفيه : لا تصلح لمقاومة ما تقدم من الحصر في المكيل وزنا
على أنها لا تأبى عن الحمل على الكراهة.
(٢) والمعنى بيع
المكيل أو الموزون بالآخر مع اختلاف المتجانسين نسيئة فعن القديمين والمفيد وسلّار
وابن البراج والشيخ في أحد قوليه المنع لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (ما كان من طعام
مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما
نظرة فلا يصلح) ، ومثله خبر زياد بن أبي غياث عنه عليهالسلام إلا أنه في آخره (فأما نسيئة فلا يصلح) ، وعن المشهور الحمل على الكراهة جمعا بينها وبين إطلاق
أخبار.
منها : النبوي (إذا
اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) .
__________________
الثالث والعشرون ـ
(ترك نسبة الربح والوضيعة (١) إلى رأس المال (٢) بأن يقول : بعتك بمائة وربح المائة عشرة ، أو وضيعتها (٣)
، للنهي عنه ، ولأنه بصورة الربا ، وقيل : يحرم عملا بظاهر النهي ، وترك نسبته (٤)
كذلك (٥) أن يقول : بعتك بكذا وربح كذا ، أو وضيعته.
الرابع والعشرون ـ
(ترك بيع ما لا يقبض مما يكال ، أو يوزن (٦) ، للنهي عنه
______________________________________________________
(١) أي النقصان.
(٢) بأن ينسب
الربح إلى أصل المال فيقول : بعتك المتاع بمائة ، وربح المائة عشرة ، أو ربح كل
عشرة درهم ، أو يقول : بعتك المتاع المائة ووضيعة المائة عشرة في المواضعة ، وقد
ذهب الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وسلار في المراسم والقاضي إلى عدم الجواز
لخبر جراح المدائنيّ قال أبو عبد الله عليهالسلام (إني أكره البيع
بده يازده ودوازده ، ولكن أبيعه بكذا وكذا) ، وخبر حنان بن سدير (كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال له جعفر بن حنان : ما تقول في العينة في رجل يبايع
رجلا فيقول : أبايعك بده دوازده ، وبده يازده ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : هذا فاسد ولكن يقول : اربح عليك في جميع الدراهم كذا
وكذا ، ويساومه على هذا فليس به بأس) ومثلها غيرها.
للأخبار.
ولكن المشهور
حملوها على الكراهة جمعا بينها وبين صحيح العلاء (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يبيع البيع فيقول : أبيعك بده دوازده ، أو ده
يازده ، فقال : لا بأس إنما هذه المراوضة ، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة) وذيله صريح في أن يكون البيع من دون النسبة بأن يقول :
بعتك هذا المتاع بأحد عشر وهو عليّ بعشرة فهو من أدلة المنع لا الجواز ، نعم استدل
للمشهور بإطلاق خبر علي بن سعيد (سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن رجل يبتاع ثوبا فيطلب مني مرابحة ، ترى ببيع المرابحة
بأسا إذا صدق في المرابحة وسمّى ربحا دانقين أو نصف درهم؟ فقال : لا بأس) .
(٣) أي وضيعة
المائة عشرة.
(٤) نسبة الربح.
(٥) إلى رأس
المال.
(٦) ذهب العماني
إلى عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه وتبعه عليه الشارح في ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ المسالك والروضة
والمحدث البحراني للأخبار.
منها : صحيح منصور
بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا اشتريت متاعا
فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن تولّيه ، فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن
فبعه) المروي في الفقيه والتهذيب ، وخبر علي بن جعفر المروي في قرب الإسناد عن أخيه موسى بن
جعفر عليهالسلام (سألته عن رجل
اشترى بيعا كيلا أو موزونا هل يصلح بيعه مرابحة؟ قال : لا بأس ، فإن سمّى كيلا أو
وزنا فلا يصلح بيعه حتى تكيله أو تزنه) ، وصحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : ما لم يكن كيل
أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن تولّيه الذي قام عليه) .
وعن الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في التذكرة والإرشاد بل والصدوق
والقاضي إلى أن ذلك إذا كان المبيع طعاما لجملة من الأخبار.
منها : صحيح
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يبتاع
الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال ، قال : لا يصلح له ذلك) ، وخبر علي بن جعفر (سأل أخاه موسى بن جعفر عليهالسلام عن الرجل يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ فقال :
إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وإن كان يولّيه فلا بأس ، وسألته عن الرجل يشتري
الطعام أيحلّ له أن يولّي منه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه شيئا فلا بأس
، فإن ربح فلا بيع حتى يقبضه) ومثلها غيرها.
وذهب المشهور إلى
الكراهة جمعا بين ما تقدم وبين أخبار.
منها : خبر جميل
بن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه ، قال : لا بأس) وخبر ابن حجاج الكرخي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : اشتري الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار منّي بعد ما
اشتريته قبل أن أقبضه ، قال : لا بأس أن تبيع إلى أجل اشتريت ، وليس لك أن تدفع
قبل أن تقبض) ويشهد للكراهة خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله ، قال : لا
يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يولّيه كما اشتراه إذا
لم يربح فيه أو يضع) . ـ
__________________
في أخبار صحيحة
حملت على الكراهة ، جمعا بينها ، وبين ما دل على الجواز والأقوى التحريم ، وفاقا
للشيخ رحمهالله في المبسوط مدعيا الإجماع ، والعلامة رحمهالله في التذكرة والإرشاد ، لضعف روايات الجواز المقتضية لحمل
النهي في الأخبار الصحيحة على غير ظاهره (١).
(الفصل الثالث : في
بيع الحيوان)
وهو قسمان أناسيّ
وغيره ، ولما كان البحث عن البيع موقوفا على الملك ، وكان تملك الأول موقوفا على
شرائط نبّه عليها أولا ، ثم عقبه بأحكام البيع.
والثاني وإن كان
كذلك إلا أن لذكر ما يقبل الملك منه محلا آخر (٢) بحسب ما اصطلحوا عليه ، فقال : (والأناسي تملك بالسبي مع الكفر الأصلي) (٣) ، وكونهم غير ذمة ، واحترز
______________________________________________________
ـ والشارح لم يعمل
بأخبار الجواز لضعفها ففي الأول علي بن حديد وهو ضعيف ، وابن حجاج الكرخي في
الثاني مجهول ولذا قال (لأن أخبار المنع صحيحة متظافرة ، وخبرا التسويغ في طريق
أولهما علي بن حديد وهو ضعيف والآخر مجهول فالقول بالمنع أوضح ، وهو خيرة العلامة
في التذكرة والإرشاد والشيخ في المبسوط ، بل ادعى عليه الإجماع وجماعة من الأصحاب).
وفيه : إن أخبار
الجواز منجبرة بعمل المشهور مع اعتضادها بخبر أبي بصير المتقدم وغيره.
(١) ظاهرة الحرمة
، ويحمل على الكراهة جمعا بينه وبين أخبار الجواز.
(٢) وهو كتاب
الصيد والذباحة.
(٣) الكفر الأصلي
سبب لجواز استرقاق الكافر المسمى بالمحارب لأنه خارج عن طاعة الله ورسوله بلا خلاف
فيه للأخبار.
منها : صحيح رفاعة
النخاس (قلت لأبي الحسن عليهالسلام إن الروم يغزون على الصقالبة والروم ، فيسرقون أولادهم من
الجواري والغلمان ، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ، ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى
التجار ، فما ترى في شرائهم ، ونحن نعلم أنهم قد سرقوا ، وإنما أغاروا عليهم من
غير حرب كانت بينهم؟ فقال : لا بأس بشرائهم إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الإسلام)
وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليهالسلام (في ـ
__________________
بالأصلي عن
الارتداد ، فلا يجوز السبي وإن كان المرتد بحكم الكافر في جملة من الأحكام ، (و) حيث يملكون بالسبي
(يسري الرق في أعقابهم) (١) وإن أسلموا (بعد) الأسر ، (ما لم يعرض لهم سبب محرّر) من عتق ، أو كتابة ، أو تنكيل ، أو رحم على وجه (٢).
(والملقوط في دار الحرب رقّ إذا لم يكن فيها مسلم) صالح لتولده منه (٣) ،
______________________________________________________
ـ شراء الروميات
فقال : اشترهن وبعهن) ، وخبر زكريا بن آدم (سألت الرضا عليهالسلام عن قوم من العدو ـ إلى أن قال ـ وسألته عن سبي الديلم يسرق
بعضهم من بعض ويغير المسلمون عليهم بلا إمام أيحلّ شراؤهم؟ قال : إذا أقروا لهم
بالعبودية فلا بأس بشرائهم) ، وخبر عبد الله اللحام (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها ، قال :
لا بأس) .
ومقتضى الأخبار
جواز الاسترقاق بغير الحرب من سرقة أو شراء ، وجواز الاسترقاق سواء كان في دار
الحرب أو دار الإسلام ، وسواء كان المسترق مسلما أو كافرا نعم بشرط أن لا يكون
الكافر معتصما بذمة أو عهد ويشهد له خبر زكريا بن آدم (سألت الرضا عليهالسلام عن قوم من العدو إلى أن قال ـ وسألته عن أهل الذمة أصابهم
جوع فأتاه رجل بولد ، فقال : هذا لك أطعمه وهو لك عبد ، فقال : لا تبتع حرا فإنه
لا يصلح لك ولا من أهل الذمة) .
وقيدنا الكفر
الأصلي لإخراج المرتد ، لانصراف النصوص السابقة عنه ، ولإخراج المنتحل للإسلام
المتحض به عن الاسترقاق للانصراف أيضا.
(١) لأنهم نماء
الملك الذي قد فرض حصوله ما لم يحصل سبب محرّر من عتق أو كتابة أو تنكيل أو غيره
على ما سيأتي بيانه في كتاب العتق.
(٢) فإن القرابة
لا تفيد العتق على جميع الوجوه ، بل تختص في عدم ملك الولد للعمودين من الأبوين
وإن علوا ، ومن الأولاد وإن نزلوا.
(٣) بلا خلاف فيه
، إلحاقا له بأصل الدار الذي وجد فيه ، كما أنه لا يملك إذا كان فيها مسلم يمكن
تولده منه بلا خلاف فيه لأصالة الحرية.
__________________
بخلاف) لقيط (دار الإسلام) (١) فإنه حر ظاهرا ، (إلا أن يبلغ) ويرشد على الأقوى ، (ويقرّ على نفسه
بالرق) ، فيقبل منه على
أصح القولين (٢) ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز. وقيل : لا يقبل ، لسبق
الحكم بحريته شرعا فلا يتعقبها الرق بذلك. وكذا القول في لقيط دار الحرب إذا كان
فيها مسلم. وكل مقر بالرقّية بعد بلوغه ورشده (٣) وجهالة نسبه مسلما كان ، أم
كافرا ، لمسلم أقر ، أم
______________________________________________________
(١) لا يملك لقيط
دار الإسلام بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر زرارة
عن أبي عبد الله (اللقيط لا يشترى ولا يباع) ، وصحيح محمد بن مسلم سألت أبا جعفر عليهالسلام عن اللقيط ، فقال : حر لا يباع ولا يوهب) .
(٢) من حكم بحريته
ظاهرا لكونه ملقوطا في دار الإسلام ثم أقر بالرق بعد بلوغه ففي قبول إقراره قولان
: العدم لسبق الحكم بحريته شرعا فلا يتعقبها الرق كما عن ابن إدريس ناسبا له إلى
محصلي الأصحاب والآخر حد القبول لعموم النبوي (إقرار العقلاء أنفسهم جائز) .
وصحيح ابن سنان عن
أبي عبد الله عليهالسلام (كان علي بن أبي
طالب عليهالسلام يقول : الناس كلهم أحرار إلا من أقرّ على نفسه بالعبودية
وهو مدرك من عبد أو أمة ، ومن شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا) .
وقال الشارح في
المسالك : (ولا يخفي أن ذلك في غير معروف النسب وإلا لم يقبل قطعا ، وكذا القول في
كل من أقرّ على نفسه بالرقية مع بلوغه وجهل نسبه ، سواء كان مسلما أم كافرا ،
وسواء كان المقر له مسلما أم كافرا وإن بيع عليه قهرا.
(٣) قال الشارح في
المسالك : (وهل يعتبر مع ذلك رشده ، يظهر من المصنف ـ أي المحقق في الشرائع ـ عدمه
، لعدم اشتراطه ، واختلف كلام غيره ، فمنهم من اشترطه ، ومنهم لم يشترطه من غير
تعرض لعدمه ، وفي التذكرة في هذا الباب اشتراطه ، وفي باب اللقطة اكتفى بالبلوغ
والعقل ، ووجه اشتراطه واضح لأن غير الرشيد لا يعتبر قوله في المال ، وهو نفسه مال
، ووجه العدم أن إقراره بالرقية ليس إقرارا بنفس المال وإن ترتب عليه ، كما يسمع
إقراره بما يوجب القصاص وإن أمكن رجوعه إلى المال بوجه ، ويشكل فيما لو كان بيده
مال فإن إقراره على نفسه بالرقية يقتضي كون المال للمقر له ، إلا أن يقال ثبوته
تبعا لثبوت الرقية ، لا لأنه إقرار بالمال ، والأقوى اعتبار الرشد) انتهى.
__________________
لكافر ، وإن بيع
على الكافر لو كان المقر مسلما ، (والمسبي حال
الغيبة (١) يجوز تملكه ولا خمس فيه) للإمام (ع) ، ولا لفريقه (٢) ، وإن كان حقه (٣) أن يكون للإمام (ع) خاصة ، لكونه
مغنوما بغير إذنه (٤) إلا أنهم (ع) أذنوا لنا في تملكه كذلك (٥) (رخصة) منهم لنا (٦) ، وأما غيرنا فتقرّ ، يده عليه ، ويحكم له
بظاهر الملك ، للشبهة (٧) كتملك الخراج (٨) والمقاسمة ، فلا يؤخذ منه بغير رضاه
مطلقا (٩).
(ولا يستقر للرجل ملك الأصول) وهم الأبوان وآباؤهما وإن علوا (والفروع) وهم الأولاد
ذكورا وإناثا وإن سفلن ، والإناث المحرمات كالعمة والخالة والأخت (١٠) ، ......................
______________________________________________________
(١) إذا كان السبي
بحرب ، وكانت الحرب بغير إذن الإمام عليهالسلام.
(٢) وهو بنو هاشم.
(٣) أي حق المسبي.
(٤) فيكون للإمام
خاصة كما تقدم في باب الخمس.
(٥) من دون الخمس.
(٦) لأخبار
التحليل وقد تقدم عرضها في باب الخمس.
(٧) أي شبهة
اعتقادهم بالملكية.
(٨) مع أن الخراج
والمقاسمة للإمام عليهالسلام.
(٩) أي لا غلبة
ولا قهرا ولا غيلة ولا سرقة.
(١٠) وبنات الأخ
وبنات الأخت بلا خلاف في ذلك كله ، واقتصار البعض على ذكر البعض ليس خلافا في
المقام قطعا كما في الجواهر للأخبار.
منها : صحيح ابن
مسلم عن أبي جعفر الأول عليهالسلام (إذا ملك الرجل
والديه أو أخته أو خالته أو عمته عتقوا ، ويملك ابن أخيه وعمه وخاله ، ويملك أخاه
وعمه وخاله من الرضاعة) ، وصحيح عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عما يملك الرجل من ذوي قرابته ، قال : لا يملك والده ولا
والدته ولا أخته ولا ابنة أخيه ولا ابنة أخته ولا عمته ولا خالته ، ويملك ما سوى
ذلك من الرجال من ذوي قرابته ، ولا يملك أمه من الرضاعة) ، وصحيح أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلهم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا ـ
__________________
(نسبا) إجماعا ، (ورضاعا) على أصح القولين (١) ، للخبر الصحيح (٢) معللا فيه بأنه
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولأن الرضاع لحمة كلحمة النسب (٣).
______________________________________________________
ـ ملك الرجل
والديه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته ، وذكر أهل هذه الآية من
النساء عتقوا جميعا ، ويملك عمه وابن أخيه وابن أخته والخال ، ولا يملك أمه من
الرضاعة ولا أخته ولا عمته ولا خالته ، إذا أمكن عتقي ، وقال : ما يحرم من النسب
فإنه يحرم من الرضاع ، وقال : يملك الذكور ما خلا والدا أو ولدا ، ولا يملك من
النساء ذات رحم محرم ، قلت : يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال : نعم يجري في الرضاع
مثل ذلك) .
(١) بل هو المشهور
لصحيح أبي بصير وأبي العباس وعبيد المتقدم ، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب) ، وصحيح الحلبي وابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (في امرأة أرضعت
ابن جاريتها فقال : تعتقه) ومثلها غيرها.
وعن القديمين
والمفيد والديلمي وابن إدريس أنه يملك هؤلاء من الرضاع ، لخبر ابن سنان عن أبي عبد
الله عليهالسلام (إذا اشترى الرجل
أباه أو أخاه فملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع) وصحيح الحلبي عنه عليهالسلام (في بيع الأم من
الرضاع؟ قال : لا بأس بذلك إذا احتاج) ، وهما لا يصلحان لمعارضة ما تقدم لأنه أكثر وأشهر.
(٢) وهو صحيح ابن
سنان ـ كما في المسالك ـ عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن امرأة ترضع
غلاما لها من مملوكة حتى تعظمه ، يحلّ لها بيعه؟ قال : لا ، حرم عليها ثمنه ، أليس
قد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، أليس قد صار ابنها؟
فذهبت أكتبه فقال : ليس مثل هذا يكتب) .
(٣) قال في
المسالك في هذا المقام (وبقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الرضاع لحمة كلحمة النسب) ، وقال المحقق الثاني في جامعه
في هذا المقام من بيع الحيوان : ولظاهر قوله : الرضاع لحمة كلحمة النسب) ، ولم
أعثر على هذه الرواية من كتبنا ، نعم ورد في الوسائل (الولاء لحمة كلحمة النسب) .
__________________
(ولا) يستقر (للمرأة ملك العمودين) (١) الآباء وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ، ويستقر على
غيرهما وإن حرم نكاحه كالأخ والعم والخال وإن استحب لها اعتاق المحرم ، وفي إلحاق
الخنثى هنا (٢) بالرجل ، أو المرأة نظر ، من الشك (٣) في الذكورية التي هي سبب عتق
غير العمودين فيوجب الشك في عتقهم ، والتمسك (٤) بأصالة بقاء الملك ، ومن إمكانها (٥)
فيعتقون ، لبنائه (٦) على التغليب ، وكذا الإشكال لو كان (٧) مملوكا ، وإلحاقه
بالأنثى في الأول (٨) ، وبالذكر في الثاني (٩) لا يخلو من قوة ، تمسكا بالأصل (١٠)
فيهما.
والمراد بعدم
استقرار ملك من ذكر أنه يملك ابتداء بوجود سبب الملك آنا قليلا لا يقبل غير العتق
، ثم يعتقون ، إذ لو لا الملك لما حصل العتق (١١). ومن
______________________________________________________
(١) بلا خلاف فيه
للأخبار منها : خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن المرأة ما
تملك من قرابتها ، فقال : كل أحد إلا خمسة : أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها) وعدم تملكها لزوجها من ناحية بقاء العلقة الزوجية إلا إذا
ملكته بما هي زوجه يبطل العقد وتحرم عليه ما دام بعدها كما سيأتي في باب النكاح ،
ولازم هذا الحصر جواز تملكها لمن يحرم نكاحه كالأخ والعم والخال.
(٢) في صورة
المالكية.
(٣) دليل عدم
انعتاق ما يملكه الخنثى من النساء المحارم.
(٤) دليل ثان لعدم
الانعتاق.
(٥) دليل الانعتاق
، والضمير راجع إلى الذكورية ، والمعنى : أن الذكورية ممكنة في الخنثى فانعتاق ما
يملكه من النساء المحارم ممكن.
(٦) لبناء العتق.
(٧) أي الخنثى
بحيث لو ملكه من ينعتق عليه لو كان أنثى ، كما لو ملكه الرجل ودار أمر الخنثى بين
كونه عما للمالك أو عمة ، فالشك في أنوثته موجبا للشك في انعتاقه مع التمسك بأصالة
بقاء الملك ، ومن إمكان الأنوثية في المملوك فيعتق لبناء العتق على التغليب ، ولا
يخفى ضعف الثاني في الموردين.
(٨) في المالكية.
(٩) في المملوكية.
(١٠) وهو أصالة
بقاء الملك.
(١١) إذ لا عتق أي
في ملك كما سيأتي في بابه.
__________________
عبّر من الأصحاب
بأنهما (١) لا يملكان ذلك (٢) تجوز في إطلاقه (٣) على المستقر (٤) ، ولا فرق في
ذلك (٥) كله بين الملك القهري والاختياري (٦) ، ولا بين الكل والبعض (٧) ، فيقوّم
عليه باقيه إن كان مختارا (٨) على الأقوى ، وقرابة الشبهة بحكم الصحيح ، بخلاف
قرابة الزنا على الأقوى ، لأن الحكم الشرعي يتبع الشرع لا اللغة (٩) ، ويفهم من
إطلاقه ـ كغيره ـ الرجل والمرأة : أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم ذلك (١٠) لو
ملكوه إلى أن يبلغوا ، والأخبار مطلقة في الرجل والمرأة كذلك (١١) ويعضده أصالة
البراءة ، وإن كان خطاب الوضع غير مقصور على المكلف (١٢).
______________________________________________________
(١) أي الرجل
والمرأة.
(٢) أي العمودين ،
وكذا من يحرم نكاحه من النساء بالنسبة للرجل.
(٣) أي إطلاق
الملك.
(٤) وملكية
العمودين ملك غير مستقر لتعقبه بالعتق فلذا عبّر البعض بعدم الملكية.
(٥) أي في عدم
استقرار ملك الرجل للعمودين ومن حرم نكاحه من النساء ، وفي عدم استقرار ملك المرأة
للعمودين.
(٦) لإطلاق الأدلة
السابقة.
(٧) لإطلاق الأدلة
السابقة.
(٨) وبشرط إيساره
أيضا ، لا إذا كان الملك قهريا كالارث على ما سيأتي تفصيله في باب العتق.
(٩) فولد الزنا
وإن كان من مائة ويتبعه لغة لكن الشارع قد نفاه عنه ولم يذهب إلى العكس أحدق ولكنه
احتمال قد يتوهم.
(١٠) العمودان
والنساء المحارم بالنسبة للرجل.
(١١) أي كقول
الفقهاء.
(١٢) وفيه : إن
النصوص السابقة المتضمنة للفظ (الرجل والمرأة) لم تكن بصدد اشتراط بلوغ المالك
ليخرج الصبي ، بل إنما كان ذكر (الرجل والمرأة) باعتبار أن المالك غالبا ما يكون
رجلا أو امرأة ، وإلا فنصوص أم الولد كافية في انعتاق العمودين على المسالك وإن
كان صغيرا ، وهي كثيرة.
للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : أيّما رجل ترك سرية لها ولده أو في بطنها ، أو لا ولد
لها ، فإن كان أعتقها ربها عتقت وإن لم يعتقها حتى توفي فقد سبق فيها كتاب الله ،
وكتاب الله أحق ، فإن كان لها ولد وترك ـ
(ولا تمنع الزوجية من الشراء (١) فتبطل) الزوجية ويقع الملك ، فإن كان المشتري الزوج استباحها
بالملك ، وإن كانت الزوجة حرم عليها وطء مملوكها مطلقا (٢) ، وهو موضع وفاق ،
وعلّل ذلك (٣) بأن التفصيل في حلّ الوطء يقطع الاشتراك بين الأسباب ، وباستلزامه (٤)
اجتماع علتين على معلول واحد ، ويضعف بأن علل الشرع معرّفات وملك البعض كالكل ،
لأن البضع لا يتبعّض.
(والحمل يدخل) في بيع الحامل (مع الشرط) (٥) أي شرط دخوله لا بدونه
______________________________________________________
ـ مالا جعلت في
نصيب ولدها) ، ولذا ادعى الإجماع على عدم الفرق كاشف الغطاء في شرحه
على القواعد على ما في الجواهر
(١) يجوز أن يملك
أحد الزوجين صاحبه بالشراء أو الاتهاب أو غيرهما ، ويستقر الملك وتبطل الزوجية ،
فإن كان المالك هو الزوجة حرم عليه وطئ مملوكها للأخبار.
منها : خبر إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (في امرأة لها زوج
مملوك فمات مولاه فورثته ، قال : ليس بينهما نكاح) وخبر سعيد بن يسار (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال
: نعم لأنه عبد مملوك لا يقدر على شيء) ومثلها غيرها. وإن كان المالك هو الزوج فيستبيحها بالملك
لا بالزوجية ، ويشهد له قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ
أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) والتفصيل قاطع للشركة.
علل أيضا بأن بقاء
الزوجية مع حدوث الملك يستلزم اجتماع علتين على معلول واحد شخصي وهو ممتنع وردّ
بأن علل الشرع معرفات.
وعلى كل لا فرق في
الملك بين الكل والبعض إذا البضع لا يتبعض ولا فرق بين الدائم والمنقطع والتحليل
لاتحاد المدرك.
(٢) لا تزويجا ولا
ملكا.
(٣) أي بطلان
الزوجية.
(٤) أي وباستلزام
بقاء الزوجية مع حدوث الملك.
(٥) إذا وقع البيع
على الحامل سواء كان إنسانا أو حيوانا فالولد للبائع على المشهور إذا لم يكن عرف
بالتبعية إلا أن يشترطه المشتري فهو له بلا خلاف فيه عملا بالشرط. ـ
__________________
في أصح القولين ،
للمغايرة كالثمرة ، والقائل بدخوله مطلقا (١) ينظر إلى أنه كالجزء من الأم ، وفرّع
عليه عدم جواز استثنائه كما لا يجوز استثناء الجزء المعين (٢) من الحيوان. وعلى
المختار لا تمنع جهالته من دخوله مع الشرط ، لأنه تابع ، سواء قال : بعتكها وحملها
، أم قال : وشرطت لك حملها ، ولو لم يكن معلوما (٣) وأريد ادخاله فالعبارة الثانية
ونحوها لا غير ، ولو لم يشترطه واحتمل وجوده عند العقد وعدمه (٤) فهو للمشتري ،
لأصالة عدم تقدمه (٥) ، فلو اختلفا في وقت العقد (٦) قدّم قول البائع مع اليمين ،
وعدم البينة للأصل ، والبيض تابع مطلقا (٧) ، ـ لا كالحمل ـ كسائر الأجزاء (٨) وما
يحتويه البطن.
(ولو شرط فسقط قبل القبض رجع) المشتري من الثمن (بنسبته) (٩) لفوات
______________________________________________________
ـ وعن الشيخ في
المبسوط والقاضي في المهذب والجواهر أنه للمشتري مع الإطلاق بدعوى أنه جزء من
الحامل فيدخل ، بل لا يصح استثناؤه كما لا يصح استثناء الجلد والرأس ، كما وهو
ضعيف لعدم تعلق البيع بالحامل بما هو حامل بل تعلق بالحيوان بما هو هو والحمل ليس
جزءا منه بخلاف الرأس والجلد.
وعلى المشهور لو
شرطه المشتري يدخل وإن كان مجهولا لأنه تابع للمعلوم ، ولا فرق في الاشتراط بين
قول البائع : بعتكها وحملها ، أو شرطت لك حملها ونحوه ، ولو لم يكن الحمل متحققا
عند البيع وأراد الاشتراط على تقدير تحققه واقعا فالعبارة الثانية.
(١) وإن لم يشترط.
(٢) كالرأس
والجلد.
(٣) أي متحققا عند
البيع وأراد إدخاله على تقدير تحققه.
(٤) بأن ولدته في
وقت يحتمل وجوده عند البيع.
(٥) أي عدم تقدم
الحمل على العقد.
(٦) مع العلم بزمن
تحقق الحمل ، والبائع يدعي البيع بعد هذا الزمن ليكون الحمل له ، والمشتري يدعي
البيع قبله ليكون الحمل له ، فيقدم قول البائع مع اليمين عند عدم البينة لأصالة
عدم تأخر العقد عن الحمل.
(٧) سواء شرط
دخوله أم لا ، لأن البيض كسائر أجزاء الحيوان.
(٨) أي كما أن
الأجزاء وما يحتويه البطن يدخل في المبيع وإن لم يشترط المشتري ذلك كذلك البيض.
(٩) أي بنسبة
الحمل من الثمن ، وطريق ذلك أن تقوّم الأمة حاملا ومجهضا لا حائلا ويرجع بنسبة
التفاوت من الثمن.
بعض المبيع (بأن يقوّم حاملا ومجهضا) أي مسقطا لا حائلا للاختلاف (١) ، ومطابقة الأول (٢)
للواقع ، ويرجع بنسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن.
(ويجوز ابتياع جزء مشاع من الحيوان) كالنصف والثلث (٣) ، (لا معين) كالرأس والجلد (٤) ، ...
______________________________________________________
(١) بين الجهض
والحائل ، إذ الإجهاض في الأمة عيب ربما نقّص القيمة.
(٢) أي كونهما
مجهضا.
(٣) بلا خلاف ولا
إشكال كما في الجواهر لوجود مقتضى الصحة مع عدم المانع فتشمله عمومات صحة البيع
وحليته والوفاء بالعقود ، نعم قال في الجواهر : (أما المذبوح فقد جزم بعض مشايخنا
بعدم جواز بيع البعض المشاع منه ، وأولى منه المسلوخ ، وهو مبني على أنه بالذبح
يكون موزونا وفيه بحث).
(٤) وقع الخلاف
فيه على أقوال :
الأول : القول
بالصحة مطلقا كما عن السيد في الانتصار وابن الجنيد.
الثاني : البطلان
مطلقا للجهالة ، ولم يعرف قائله.
الثالث : البطلان
إلا في المذبوح فالصحة كما عن العلامة في القواعد والتذكرة ، وفي المختلف زيادة ما
يقصد به الذبح وهو الذي قواه الشارح في المسالك والروضة.
الرابع : الصحة
مطلقا ، غايته فيما لا يقصد به الذبح يكون شريكا بنسبة القيمة بحيث يقوّم ثمن
الجزء المعين إلى تمام قيمة الحيوان فلو كانت النسبة ربعا مثلا فهو شريك بهذه
النسبة.
الخامس : الصحة
وهو شريك بنسبة القيمة مطلقا فيما أريد الذبح وغيره وهو قول ابن سعيد.
والعمدة في
المسألة خبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (اختصم إلى أمير
المؤمنين عليهالسلام رجلان ، اشترى أحدهما من الآخر بعيرا ، واستثنى البيع ـ البائع
ـ في الرأس أو الجلد ثم بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير
على قدر الرأس والجلد) ، وخبر هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل شهد بعيرا
مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ،
فقضى أن البعير برأ فبلغ ثمانية دنانير فقال عليهالسلام : لصاحب ـ
__________________
ولا يكون شريكا
بنسبة قيمته (١) على الأصح ، لضعف مستند الحكم بالشركة ، وتحقق الجهالة ، وعدم
القصد إلى الإشاعة فيبطل البيع بذلك (٢) ، إلا أن يكون مذبوحا ، أو يراد ذبحه ،
فيقوى صحة الشرط.
(ويجوز النظر إلى وجه المملوكة إذا أراد شراءها ، وإلى
محاسنها) وهي مواضع الزينة
كالكفين ، والرجلين ، والشعر وإن لم يأذن المولى (٣) ، ولا تجوز الزيادة عن
______________________________________________________
ـ الدرهمين خمس ما
بلغ ، فإن قال أريد الرأس والجلد فليس له ذلك ، هذا الضرار ، وقد أعطي حقه إذا
أعطي الخمس) .
وإطلاق الخبرين
بدل على القول الخامس ، إلا أن المستند ضعيف والجهالة متحققة والشركة المشاعة غير
مقصودة فالقول بالبطلان مطلقا ، أو في غير ما يراد ذبحه أو يكون مذبوحا متجه تبعا
للقواعد المقررة ، وأما الاستثناء فصحيح لإمكان تسليمه إلى المشتري.
(١) قيمة الجزء
المعين.
(٢) أي بالجهالة
وعدم القصد إلى الإشاعة.
(٣) لإطلاق
الأخبار.
منها : خبر حبيب
بن المعلّى الخثعمي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إني اعترضت جواري المدينة فأفديت ، فقال : أما لمن يريد
الشراء فليس به بأس ، وأما لمن لا يريد أن يشتري فإني أكرهه) وخبر عمران الجعفري عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا أحبّ للرجل أن
يقلب إلا جارية يريد شراءها) : ، وخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها ، قال : لا بأس بأن ينظر
إلى محاسنها ، ويمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه) .
ومقتضى الإطلاق
جواز النظر إلى محاسنها من دون إذن المولى ، ومقتضاه أن الجواز المذكور مختص بمن يريد
الشراء ، والخبر الأخير صريح في النظر إلى المحاسن وهي الوجه والكفان والشعر
والساقان ولذا ورد في خبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن عليهمالسلام (أنه كان إذا أراد
أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها) .
وعن العلامة في
التذكرة جواز النظر إلى ما دون العورة ومال إليه في الحدائق ، لإطلاق الأخبار أو
خصوص خبر أبي بصير المتقدم ، وفيه : إنها صريحة في جواز النظر إلى محاسنها
المكشوفة ، نعم يزاد عليها الساق لخبر الحسين بن علوان.
__________________
ذلك إلا بإذنه ،
ومعه (١) يكون تحليلا يتبع ما دل عليه لفظه حتى العورة ، ويجوز مس (٢) ما أبيح له
نظره مع الحاجة ، وقيل : يباح له النظر إلى ما عدا العورة بدون الإذن ، وهو بعيد.
(ويستحب تغيير اسم
المملوك عند شرائه (٣) أي بعده ، وقوى في الدروس اطراده في الملك الحادث مطلقا (٤) ، (والصدقة عنه بأربعة دراهم (٥) شرعية ، (وإطعامه) شيئا (حلوا ، ويكره وطء) الأمة (المولودة من الزنا بالملك ، أو بالعقد ، للنهي) عنه في الخبر (٦) ،
______________________________________________________
(١) مع إذن
المولى.
(٢) لخبر أبي بصير
المتقدم.
(٣) لصحيح زرارة (كنت
جالسا عند أبي عبد الله عليهالسلام إذ دخل عليه رجل ومعه ابن له ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : ما تجارة ابنك؟ فقال : التنخس ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : ولا تشتر شيئا ولا عيبا ، وإذا اشتريت رأسا فلا ترينّ
ثمنه في كفة الميزان ، فما من رأس يرى ثمنه في كفة الميزان فأفلح ، وإذا اشتريت
رأسا فغيّر اسمه ، وأطعمه شيئا حلوا إذا ملكته ، وتصدق عنه بأربعة دراهم) .
(٤) بالشراء
وغيره.
(٥) لصحيح زرارة
المتقدم ، وهو مستند استحباب إطعامه شيئا حلوا.
(٦) والأخبار
كثيرة.
منها : صحيح
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن الرجل
تكون له الخادم ولد زنا ، هل عليه جناح أن يطأها؟ قال : لا ، وإن تنزه عن ذلك فهو
أحبّ إليّ) وهو ظاهر في الكراهة ، وخبر عبد الله بن سنان (قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام : ولد زنا ينكح؟ قال : نعم ولا تطلب ولدها) وخبر محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليهالسلام : الخبيثة يتزوجها الرجل ، قال : لا ، وقال : إن كان له
أمة وطئها ولا يتخذها أم ولده) وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (في الرجل يشتري
الجارية أو يتزوجها لغير رشدة ويتخذها لنفسه ، قال : إن لم يخف العيب على ولده فلا
بأس) ، وخبر ثعلبة وعبد الله بن هلال عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يتزوج
ولد الزنا ، قال : لا بأس ، إنما يكره ذلك ـ
__________________
معلّلا بأن ولد
الزنا لا يفلح (١) ، وبالعار (٢) ، وقيل : يحرم بناء على كفره ، وهو ممنوع ،
(والعبد لا يملك شيئا (٣)
______________________________________________________
ـ مخافة العار ،
وإنما الولد للصلب وإنما المرأة وعاء ، قلت : الرجل يشتري خادما ولد زنا فيطأها؟
قال : لا بأس) ، وعن ابن إدريس المنع بناء على كفر ولد زنا وتحريم وطئ
الكافرة والمقدمتان ممنوعتان ، أما الأولى فلما تقدم في كتاب الطهارة وأما الثانية
فلما سيأتي في كتاب النكاح.
(١) هذا خبر رواه
في الغوالي (ولد الزنا لا يفلح أبدا) وهو لا يتضمن النهي عن التزويج بولد الزنا ، فلو قال
الشارح هنا كما قال في المسالك لكان أجود قال في المسالك : (بعد حكم المحقق بكراهة
وطئ من ولدت من الزنا : (هذا هو الأجود حملا للنهي على الكراهة ، وعلّل بأن ولد
الزنا لا يفلح ، وبالعار).
(٢) كما في خبر
ثعلبة وابن هلال المتقدم.
(٣) كما عليه
الأكثر كما عن التذكرة لقوله تعالى : (ضَرَبَ اللّٰهُ
مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْءٍ وَمَنْ
رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا
وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) ووصف العبد بعدم القدرة بمنزلة الحكم عليه بذلك فهو غير
قادر حتى على التملك ، وقد نسب الشارح في المسالك والروضة هنا هذا القول إلى جماعة
وجعل التملك في الجملة فذهب الأكثر ، وعليه فقيل : إنه يملك فاضل الضريبة التي
يضربها عليه مولاه وهو المنسوب للشيخ والقاضي لصحيح عمر بن يزيد (سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه
ضريبة فرضها عليه في كل سنة فرضي بذلك ، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوء ما كان
يعطي مولاه من الضريبة ، فقال : إذا أدّى إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد
الفريضة فهو للملوك) الحديث.
وقيل : يملك أرش
الجناية خاصة ، وقيل : ما ملكه مولاه مع أرش الجناية وفاضل الضريبة ، وقيل : ما
ملك مولاه خاصة ، ولم يعرف القائل بها كما في الجواهر.
وذهب الصدوق وتبعه
المحقق على أنه يملك مطلقا ولكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى جمعا بين
الأخبار الدالة على تملكه وهي كثيرة ومبثوثة في أكثر من باب وسيأتي ـ
__________________
مطلقا (١) على
الأقوى ، عملا بظاهر الآية ، والأكثر على أنه يملك في الجملة ، فقيل : فاضل
الضريبة وهو مروي ، وقيل : أرش الجناية ، وقيل : ما ملّكه مولاه معهما ، وقيل :
مطلقا ، لكنه محجور عليه بالرق ، استنادا إلى أخبار يمكن حملها على إباحة تصرفه في
ذلك بالإذن جمعا.
وعلى الأول (٢) (فلو اشتراه ومعه مال فللبائع (٣) ، لأن الجميع مال المولى ، فلا يدخل في بيع نفسه (٤) ،
لعدم دلالته عليه ، (إلا بالشرط ، فيراعى فيه شروط المبيع) من كونه معلوما لهما ، أو ما في حكمه (٥) ، وسلامته من
الربا بأن يكون
______________________________________________________
ـ التعرض لها في
كتاب العتق. وبين الآية ، وقد استحسنه الشهيد في حواشيه ، مع أن الشارح في المسالك
والروضة هنا حمل أخبار التملك على إباحة تصرفه في ذلك مع إذن المولى من دون ملكه
لرقبة المال لدلالة الآية على عدم قدرته على الملك.
(١) في قبال
التفصيلات الآتية.
(٢) وهو عدم
التملك.
(٣) الذي هو
المولى لأن المال له مع عدم اندراج المال في اسم العبد بل إضافته إليه إنما هي
لأدنى ملابسة والبيع قد وقع على العبد فقط ، ولصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام (سألته عن رجل باع
مملوكا فوجد له مالا فقال : المال للبائع إنما باع نفسه ، إلا أن يكون شرط عليه أن
ما كان له مال أو متاع فهو له) وخبر الزهري عن سالم عن أبيه (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع)
.
وعن ابن البراج
التفصيل بأنه إن لم يعلم به البائع فالمال له ، وإن علم فالمال للمشتري لصحيح
زرارة (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يشتري المملوك وله مال ، لمن ماله؟ فقال : إن كان
علم البائع أن له مالا فهو للمشتري ، وإن لم يكن علم فهو للبائع) ، ويضعف بأن الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من
دون صيغة تدل عليه ، مع إمكان حمل هذا الصحيح على اشتراط المال للمشتري عند علم
البائع فلا تعارض ، وهذا الجمع من دون شاهد ولكنه أولى من الطرح.
(٤) نفس العبد.
(٥) بأن يكون
مشاهدا مما يكفي فيه المشاهدة.
__________________
الثمن مخالفا
لجنسه (١) الربوي ، أو زائدا عليه (٢) ، وقبض مقابل الربوي في المجلس وغيرها.
(ولو جعل العبد) لغيره (جعلا على شرائه لم يلزم (٣) ، لعدم صحة تصرفه بالحجر ، وعدم الملك ، وقيل : يلزم إن
كان له مال ، بناء على القول بملكه ، وهو ضعيف (٤) ،
(ويجب) على البائع (استبراء الأمة قبل
بيعها (٥) إن كان قد وطئها
وإن
______________________________________________________
(١) أي جنس المال
الموجود عند العبد.
(٢) على المال
الموجود عند العبد ، والمعنى : أن الثمن الذي دفع في قبال العبد بشرط ماله فالبيع
صحيح إذا كان الثمن مخالفا لجنس المال الموجود عند العبد ، وإلا فيجب أن يكون
زائدا عليه لتكون الزيادة في قبال العبد ، وفي هذه الصورة الأخيرة عند توافق الثمن
للمال الموجود عند العبد بالجنس فما وقع من الثمن في قبال هذا المال يجب قبضه في
المجلس وغير ذلك من شروط بيع الصرف كما هو واضح ، لأن المال منحصر في الذهب والفضة
سابقا.
(٣) لعدم الملك ،
وعلى القول بملكه فهو محجور عليه فيتوقف جعله على إذن المولى ، وعن الشيخ وأتباعه
أنه يلزم إذا كان له مال لخبر الفضيل (قال غلام سنديّ لأبي عبد الله عليهالسلام : إني كنت قلت لمولاي : بعني بسبعمائة درهم وأنا أعطيك
ثلاثمائة درهم ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : إن كان لك يوم شرطت أن تعطيه شيء فعليك أن تعطيه ، وإن
لم يكن لك يومئذ شيء فليس عليك شيء) .
(٤) أي القول
بالملك.
(٥) بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : صحيح حفص
بن البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام (وقال في رجل يبيع
الأمة من رجل : عليه أن يستبرئ من قبل أن يبيع) وخبر ربيع بن القاسم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الجارية التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل قال :
يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمسة وأربعين ليلة ، والذي يشتريها بخمسة وأربعين ليلة)
، وموثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام (الاستبراء على
الذي يبيع الجارية واجب إن كان يطأها ، وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا) ، وموثق سماعة (سألته عن رجل اشترى ـ
__________________
عزل ، (بحيضة ، أو مضيّ خمسة وأربعين يوما فيمن لا تحيض ، وهي في سن من تحيض ، ويجب
على المشتري أيضا استبراؤها ، إلّا أن يخبره الثقة بالاستبراء (١).
والمراد بالثقة
العدل ، وإنما عبّر به (٢) تبعا للرواية (٣) ، مع احتمال الاكتفاء بمن
______________________________________________________
ـ جارية وهي طامث أيستبرئ
رحمها بحيضة أخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟ قال : لا بل تكفيه هذه الحيضة فإن استبرأها
أخرى فلا بأس ، هي بمنزلة فضل) ومثلها غيرها ، والحاصل وجوب الاستبراء على البائع وعلى
المشتري وأن استبرائها بحيضة إن كانت ممن تحيض ، وإلا فلو كانت في سن من تحيض ولا
تحيض فخمسة وأربعون يوما ، وأن الاستبراء واجب إذا وطئها البائع لموثق عمار
المتقدم وإلا فلا يجب لصحيح حفص عن أبي عبد الله عليهالسلام (الرجل يشتري
الأمة من رجل فيقول : إني لم أطأها ، فقال : إن وثق به فلا بأس أن يأتيها) .
ثم إن المشهور على
عدم اختصاص الاستبراء بالبيع ، بل كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك من بيع أو
هبة أو إرث أو صلح أو استرقاق أو غير ذلك وجب عليه قبل وطئها الاستبراء خلافا لابن
إدريس حيث خصّه بالبيع فقط للأصل ، وهو ضعيف لأن ذكر البيع في النصوص المتقدمة من
باب المثال حيث هو الغالب من أسباب التملك ولخبر الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام (نادى منادي رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الناس يوم أوطاس : أن استبرءوا سباياكم بحيضة) .
(١) لخبر محمد بن
حكيم عن العبد الصالح عليهالسلام (إذا اشتريت جارية
فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس بأن تقع عليها) ، ومرسل المفيد في المقنعة روي أن لا بأس أن يطأ الجارية
من غير استبراء لها إذا كان بايعها قد أخبره باستبرائها وكان صادقا في ظاهره
مأمونا) ، والفقه الرضوي (فإن كان البائع ثقة وذكر أنه استبرأها
جاز نكاحها من وقتها ، وإن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة) .
(٢) بالثقة.
(٣) وهي صحيح حفص
بن البختري المتقدم ، ولكنها واردة فيما لو أخبره بعدم وطئه لها لا باستبرائها ،
والأمر سهل لاتحاد الحكم فيهما.
__________________
تسكن النفس إلى
خبره (١) ، وفي حكم إخباره له بالاستبراء إخباره بعدم وطئها (٢).
(أو تكون لامرأة) (٣) وإن أمكن تحليلها لرجل ، لإطلاق النص ، ولا يلحق بها (٤)
العنين والمحبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطء وإن شارك (٥) فيما ظن كونه علة
، لبطلان القياس (٦) ، وقد يجعل بيعها من امرأة ثم شراؤها منها وسيلة إلى إسقاط
الاستبراء (٧) ، نظرا إلى اطلاق النص ، من غير التفات إلى التعليل بالأمن من وطئها
لأنها (٨) ليست منصوصة ، ومنع العلة المستنبطة وإن كانت
______________________________________________________
(١) وهو قوي.
(٢) كما في صحيح
حفص المتقدم.
(٣) أي يسقط
استبراؤها على المشتري لو كانت الجارية لامرأة على المشهور للأخبار.
منها : خبر رفاعة (سألت
(سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها ، قال : لا بأس بأن يطأها من
غير أن يستبرأها) .
وعن ابن إدريس
والفخر وجوب الاستبراء لاحتمال وطئها بالتحليل وهو مندفع لإطلاق الخبر ، وهل يلحق
بها أمة العنين والمجبوب والصغير الذي لا يملك في حقه الوطء؟ فقد ذهب الشارح في
المسالك والروضة هنا إلى عدم الإلحاق لأنه قياس وهو باطل عندنا ، وذهب صاحب
الجواهر وغيره إلى الإلحاق لا للقياس الباطل في مذهبنا بل لما تقدم من أن
الاستبراء من أجل العلم بوطئها من قبل المالك فلذا لو كان أمينا وأخبر بعدم وطئها
سقط استبراؤها ، فكذا هنا لعدم العلم بوطئها ولو بالتحليل.
(٤) بالمرأة.
(٥) أي شارك
المذكور من العنين والمجبوب والصغير المرأة فيما ظن كونه علة لعدم الاستبراء ، وهو
الأمن من الوطي لعدم تحقق الدخول من قبل المالك المذكور.
(٦) تعليل لعدم
الإلحاق.
(٧) كما لو وطئها
المالك ثم باعها لامرأة فيجوز شراؤها حينئذ من غير استبراء ، لاندراجها في أمة
المرأة فيشملهما النص المتقدم من أن أمة المرأة لا استبراء عليها إذا اشتريت ،
والنص مطلق غير مقيد بكون سقوط الاستبراء عند الأمن من وطئها.
(٨) هذه العلة
المذكورة.
__________________
مناسبة (١) ، (أو تكون يائسة أو صغيرة (٢) ، أو حائضا (٣) إلا زمان حيضها (٤) وإن بقي منه لحظة.
(واستبراء الحامل بوضع الحمل) (٥) .......
______________________________________________________
(١) أي وتعليل عدم
وجوب الاستبراء بالأمن من وطئها إنما هي علة مستنبطة فلا تصلح مدركا للحكم الشرعي
وإن كانت مناسبة في المقام.
(٢) فالصغيرة التي
لم تبلغ التسع ، واليائسة التي بلغت هو اليأس فلا استبراء لها بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : صحيح عبد
الرحمن بن عبد الله (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض وإذا قصدت من
المحيض ما عدتها؟ وما يحلّ للرجل من الأمة حتى يستبرئها قبل أن تحيض؟ قال : إذا
قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة لها ، والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر) .
(٣) فيسقط
استبراؤها ويجوز له وطئها إلا زمان حيضها ، لموثق سماعة (سألته عن رجل اشترى جارية
وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة ، قال : بل تكفيه هذه
الحيضة فإن استبرأها بحيضة أخرى فلا بأس ، هي بمنزلة فضل) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن رجل
اشترى جارية وهي حائض ، قال : إذا طهرت فليمسّها إن شاء) ، وعدم جواز الوطء حال الحيض لا لأنه استبرأ بل لعدم جواز
الوطء فيه بما هو حيض.
وعن ابن إدريس عدم
الاكتفاء بإتمام الحيضة وكأنه اجتهاد في مقابلة النص كما في الجواهر.
(٤) أي وإن سقط
الاستبراء عن الحائض ولكنه لا يجوز له وطؤها في زمن الحيض وإن بقي منه مقدار لحظة.
(٥) اختلف كلام
الأصحاب في تحريم الأمة الحامل ومدته بسبب اختلاف الأخبار ، ففي بعضها النهي عن
وطيها حتى تضع كخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (في الوليدة
يشتريها الرجل وهي حبلى قال : لا يقربها حتى تضع ولدها) وموثق مسعدة بن ـ
__________________
مطلقا (١) ،
لإطلاق النهي عن وطئها في بعض الأخبار حتى تضع ولدها ، واستثنى في الدروس ما لو
كان الحمل عن زنا فلا حرمة له ، والأقوى الاكتفاء بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام
لحملها ، وكراهة وطئها بعدها إلا أن يكون من زنا فيجوز مطلقا (٢) ، على كراهة ،
جمعا بين الأخبار الدال بعضها على المنع مطلقا (٣) كالسابق ، وبعض على التحديد
بهذه الغاية (٤) ، بحمل الزائد على الكراهة.
______________________________________________________
ـ صدقة (قال أبو
عبد الله عليهالسلام : يحرم من الإماء عشر : لا تجمع بين الأم والبنت ، ولا بين
الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع) ومثلها غيرها.
وفي بعضها لا بأس
بنكاحها إذا جاز أربعة أشهر وعشرة أيام كصحيح رفاعة (سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام قلت : اشتري الجارية ـ إلى أن قال ـ فإن كان حمل فمالي
منها إن أردت؟ قال : لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام
، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج .
فبعض الأصحاب حمل
الطائفة الأولى فيما لو كان الحمل من حل أو شبهة أو كان مجهولا ، وحمل الطائفة
الثانية على الحمل من الزنا ، ومنهم من الحق المجهول بالزنا ، ومنهم من أسقط
اعتبار الزنا ، ومنهم من حمل الطائفة الثانية على التحريم والأول على الكراهة ، وهو
الذي استقر به الشارح في المسالك والروضة مع عدم اعتبار الزنا فيجوز فيه الوطي قبل
المدة المذكورة وبعدها.
هذا وقد اضطرب
فيها كلام الأساطين حتى أن العلامة في القواعد ذهب إلى ثلاثة أقوال فيها ، ففي
كتاب بيع الحيوان أنه يحرم الوطء الحامل قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ويكره بعده
إن كان عن زنا ، وفي غيره إشكال ، وفي كتاب النكاح يحرم الوطي إلى الوضع فيما عدا
الزنا ومجهول الحال ، مع الحكم بالكراهة في المجهول بعد أربعة أشهر وعشرة أيام
ونفي البأس عن الزنا ، وفي كتاب الطلاق جعل الوطي مكروها بعد أربعة أشهر وعشرة أيام
إذا كان الحمل من زوج أو مولى أو شبهة وقبل ذلك حراما مع سكوته عن الزنا والمجهول.
(١) سواء كان من
حل أو شبهة أو زنا أو مجهول الحال.
(٢) حتى قبل مضي
أربعة أشهر وعشرة أيام.
(٣) حتى تضع
ولدها.
(٤) وهي أربعة
أشهر وعشرة أيام.
__________________
(ولا يحرم في مدة الاستبراء غير الوطء) (١) قبلا ودبرا (٢) من الاستمتاع على الأقوى ، للخبر الصحيح (٣)
، وقيل : يحرم الجميع ، ولو وطئ (٤) في زمن الاستبراء أثم وعزّر مع العلم بالتحريم
، ولحق به الولد ، لأنه فراش كوطئها حائضا ، وفي سقوط الاستبراء حينئذ وجه ،
لانتفاء فائدته حيث قد اختلط الماءان ،
______________________________________________________
(١) على المشهور
للأخبار.
منها : صحيح رفاعة
(سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام فقلت : اشتري الجارية ـ إلى أن قال ـ فإن كانت حبلى فمالي
منها إذا أردت؟ قال : لك ما دون الفرج) وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (قلت له : الرجل
يشتري الجارية وهي حامل ما يحلّ له منها؟ فقال : ما دون الفرج) ، وعن الشيخ في المبسوط حرمة جميع الاستمتاع لموثق إبراهيم
بن عبد الحميد (سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطؤها؟ قال : لا ، قلت :
فدون الفرج؟ قال : لا يقربها) وهو محمول على الكراهة جمعا.
(٢) كما عن المحقق
الكركي وجماعة لإطلاق بعض الأخبار ، كخبر محمد بن قيس المتقدم (لا يقربها حتى تضع
ولدها) ، وخبر الرازي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهمالسلام (نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن وطي الحبالى حتى يضعن) ، والنهي عن المقاربة يشمل الدبر.
وعن المحقق وجماعة
اختصاص حرمة الوطي بالفرج فقط ، وهو الظاهر من صحيح رفاعة وخبر أبي بصير المتقدمين
وغيرهما ، حيث علّق النهي على الفرج وهو ظاهر في خصوص القبل.
(٣) وهو صحيح محمد
بن بزيع كما في المسالك ، وقد رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار (سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الجارية ـ إلى أن قال ـ قلت : يحلّ للمشتري ملامستها؟ قال
: نعم ولا يقرب فرجها) .
(٤) أي وطئها
المشتري في زمن الاستبراء أثم لمخالفته النهي عن مقاربتها حال الاستبراء ، وعزّر
مع العلم بالتحريم على حسب ما يراه الحاكم ، ويلحق به الولد لأنها فراشه حينئذ كما
لو وطئها حائضا ، وقال الشارح في المسالك : (وهل يسقط الاستبراء حينئذ نظر ، من
انتفاء فائدته وحكمته حيث قد اختلط الماءان ، ولحق به الولد الذي يمكن تجدده ، ومن
إطلاق الأمر بالاجتناب في المدة وهي باقية.
__________________
والأقوى وجوب
الاجتناب بقية المدة ، لإطلاق النهي فيها ، ولو وطئ الحامل بعد مدة الاستبراء عزل (١)
، فإن لم يفعل كره بيع الولد (٢) ، واستحب له عزل قسط من ماله يعيش به ، للخبر (٣)
معللا بتغذيته بنطفته ، وأنه شارك في إتمامه (٤) ، وليس في الأخبار تقدير القسط ،
وفي بعضها (٥) أنه يعتقه ويجعل له شيئا يعيش به ، لأنه غذاه بنطفته.
وكما يجب
الاستبراء في البيع يجب في كل ملك زائل وحادث بغيره من العقود ، وبالسبي والإرث (٦)
، وقصره على البيع ضعيف ، ولو باعها من غير
______________________________________________________
(١) عزل استحبابا
، لموثق إسحاق بن عمار (سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجل اشترى جارية حاملا قد استبان حملها فوطأها ، قال :
بئس ما صنع ، فقلت : ما تقول فيها؟ قال : عزل عنها أم لا؟ قلت : أجبني في الوجهين
، قال : إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعد ، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك
الولد ، ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به فإنه غذّاه بنطفته) .
(٢) المحكي عن
الشيخين والحليين والطوسي والديلمي حرمة البيع لظاهر النهي في الموثق المتقدم ،
وفيه : إنه ظاهر بالكراهة بقرينة قوله (ولا يورثه) فيكون ظاهرا أنه بمنزلة الولد
لا أنه ولد حقيقة ليحرم بيعه.
(٣) وهو الموثق
المتقدم.
(٤) كما في خبر
غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام (من جامع أمة حبلى
من غيره فعليه أن يعتق ولدها ولا يسترق ، لأنه شاركنا فيه الماء تمام الولد) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن رسول الله
صلّى الله عليه و
آله وسلّم دخل على
رجل من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف ، فسأل عنها ، فقال : اشتريتها يا
رسول الله وبها هذا الحبل قال : أقربتها؟ قال : نعم ، قال : اعتق ما في بطنها ،
قال : يا رسول الله بم استحق العتق؟ قال : لأن نطفتك غذّت سمعه وبصره ولحمه ودمه) .
(٥) وهو موثق
إسحاق بن عمار المتقدم.
(٦) على المشهور ،
وقصر ابن إدريس وجوب الاستبراء في البيع فقط وهو ضعيف وقد تقدم البحث فيه فراجع.
__________________
استبراء أثم وصح
البيع (١) ، وغيره (٢) ، ويتعين حينئذ تسليمها إلى المشتري ومن في حكمه إذا طلبها
، لصيرورتها ملكا له ، ولو أمكن إبقاؤها برضاه (٣) مدة الاستبراء ، ولو بالوضع في
يد عدل وجب (٤) ، ولا يجب على المشتري الإجابة.
(ويكره التفرقة بين الطفل والأم قبل سبع سنين) في الذكر والأنثى (٥) ،
______________________________________________________
(١) اثم لأنه خالف
النهي ، وصحّ البيع لأن النهي قد تعلق بأمر خارج عن حقيقته.
(٢) أي غير البيع
من بقية العقود.
(٣) برضا المشتري.
(٤) للاستصحاب.
(٥) ذهب المشهور
إلى حرمة التفرقة بين الأطفال المماليك وأمهاتهم المملوكة قبل استغنائهم عنهن
للنبوي (من فرّق بين والدة وولدها ، فرّق الله بينه وبين أحبائه في الجنة) ، وصحيح معاوية بن عمار (سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : أتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بسبي من اليمن ، فلما بلغوا الحجفة نفدت نفقاتهم فباعوا
جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سمع بكاءها فقال : ما هذه؟ قالوا : يا رسول الله احتجنا
إلى نفقة فبعنا ابنتها فبعث بثمنها فأتي بها ، وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما
جميعا) ، وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليهالسلام (أنه اشتريت له
جارية من الكوفة ، قال : فذهبت لتقوم في بعض الحاجة ، فقالت : يا أماه ، فقال لها
أبو عبد الله عليهالسلام : ألك أم؟ قالت : نعم ، فأمر بها فردت ، وقال : ما آمنت لو
حبستها أن أرى في ولدي ما أكره) ، وخبر عمرو بن أبي نصر (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الجارية الصغيرة يشتريها الرجل ، فقال : إن كانت قد
استغنت عن أبويها فلا بأس) .
وعن الشيخ في باب
العتق من النهاية والحلي والفاضل في جملة من كتبه وأول الشهيدين وابن فهد واستظهره
المحقق في الشرائع أنه مكروه جمعا بين ما تقدم وبين عموم تسلط الناس على أموالهم.
هذا وترتفع الحرمة
أو الكراهة مع رضاهما لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
الغلام أو الجارية وله أخ أو أخت أو أب أو أم بمصر من الأمصار قال : لا يخرجه إلى
مصر آخر إن كان صغيرا ولا يشتريه ، وإن كان له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت)
، بل لا ترتفع الحرمة أو الكراهة برضا الأم بل لا بد من ـ
__________________
وقيل : يكفي في
الذكر حولان وهو أجود ، لثبوت ذلك في حضانة الحرة ، ففي الأمة أولى ، لفقد النص
هنا ، وقيل : يحرم التفريق في المدة ، لتضافر الأخبار بالنهي عنه ، وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من فرّق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته».
(والتحريم أحوط) ، بل أقوى. وهل يزول التحريم ، أو الكراهة برضاهما ، أو
رضى الأم وجهان ، أجودهما ذلك (١) ، ولا فرق بين البيع وغيره على الأقوى ،
______________________________________________________
ـ رضاهما معا
مراعاة لحق الولد.
والأخبار قد
اقتصرت على ذكر البيع ، وقد صرح جماعة بعدم الفرق بينه وبين غيره من النواقل للعين
كالهبة وغيرها لأن المستفاد أن علة المنع هي التفرقة ، فيكون ذكر البيع من باب
المثال ولأنه الأغلب في النواقل. وعلى فرض المنع فهل النهي هنا يقتضي فساد البيع
بناء على أمة متعلق بوصف خارج عن حقيقته كالبيع وقت النداء ، أو يقتضي الفساد كما
صرح به جماعة بل عن التذكرة ما يشعر بدعوى الإجماع عليه كما في الجواهر لظاهر
الأخبار المتقدمة المتضمنة لرد الثمن فيكون التفريق موجبا لخروج الولد عن صلاحية
المعاوضة وهذا ما استجوده الشارح.
ثم هل يختص النهي
بالتفريق بين الولد وأمه ، أم يعلم غيرها من الأرحام المشارك لها في الاستئناس
والشفقة ، وعن العلامة في التذكرة استقرب الأول وحكم بالكراهة في الثاني ، والشارح
وثاني المحققين إلى الثاني وقد صرّح بالتعميم صحيح ابن سنان المتقدم.
ثم إن محل الخلاف
قبل الاستغناء ، أما بعده فلا إشكال في الجواز ، والاستغناء يحصل ببلوغ سبع سنين
من غير فرق بين الذكر والأنثى على المشهور بين الأصحاب ، وذهب الشيخان في المقنعة
والنهاية وابن حمزة في المراسم إلى أن الاستغناء هو استغناؤه عن الرضاع ، وهذا
الخلاف ليس له مستند بخصوصه كما في المسالك ، نعم جعل ابن فهد أن الخلاف هنا مترتب
على الخلاف في الحضانة الآتي في باب النكاح ، وسيأتي أن الأخبار في الحضانة مختلفة
ففي بعضها سبع مطلقا ، وفي بعضها مدة الرضاع وكل منهما قائل ، وجمع جماعة بين
الروايات بحمل السبع على الأنثى والحولين الذين هما مدة الرضاع ـ على الذكر ،
لمناسبة الحكمة في احتياج الأنثى إلى تربية الأم زيادة على الذكر ، وإذا كان هذا
هو حكم الحرة فليكن مثله في الأمة لأن حقها لا يزيد على الحرة.
ثم إن موضع الخلاف
بعد سقي الأم اللبن ، أما قبله فلا يجوز قطعا لأنه سبب لهلاك الولد كما عن جماعة ،
نعم في الحدائق أنه رأى كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك ، بل ربما يتعذر اللبن
من أمه لمرض أو موت ، بل قيل إنه قد لا يوجد اللبن في كثير من النساء.
(١) أي يزول الحكم
برضاهما أو رضا الأم.
وهل يتعدى الحكم
إلى غير الأم من الأرحام المشاركة لها في الاستئناس والشفقة كالأخت ، والعمة ،
والخالة قولان ، أجودهما ذلك ، لدلالة بعض الأخبار (١) عليه ، ولا يتعدى الحكم إلى
البهيمة للأصل (٢) ، فيجوز التفرقة بينهما بعد استغنائه عن اللبن مطلقا (٣) ،
وقبله إن كان مما يقع عليه الذكاة ، أو كان له ما يمونه من غير لبن أمه ، وموضع
الخلاف بعد سقي الأم اللبأ ، أما قبله فلا يجوز مطلقا (٤) ، لما فيه من التسبب إلى
هلاك الولد ، فإنه لا يعيش بدونه على ما صرح به جماعة.
(مسائل)
الأولى ـ (لو حدث في الحيوان عيب (٥) قبل القبض فللمشتري الرد والأرش) ، أما الرد فموضع وفاق ، وأما الأرش فهو أصح القولين ،
لأنه عوض عن جزء فائت ، وإذا كانت الجملة مضمونة على البائع قبل القبض فكذا
أجزاؤها ، (وكذا) لو حدث (في زمن الخيار) (٦) المختص بالمشتري ، أو المشترك بينه وبين البائع ، أو غيره
(٧) ، لأن الجملة فيه مضمونة على البائع أيضا (٨) ، أما لو كان الخيار
______________________________________________________
(١) وهو صحيح ابن
سنان المتقدم.
(٢) قال الشارح في
المسالك : (ولا يتعدى الحكم إلى البهيمة اقتصارا بالمنع على مورد النص فيجوز
التفرقة بينها وبين ولدها ، بعد استغنائه عن اللبن ، وقبله إن كان من يقع عليه
الذكاة ، أو كان له ما يموّنه من غير لبن أمه).
(٣) سواء وقع عليه
الذكاة أم لا.
(٤) سواء قلنا
بالكراهة أم بالحرمة ، وأيضا سواء كان الولد آدميا أو لا.
(٥) بل لا خصوصية
في الحيوان ، فلو حدث في المبيع مطلقا عيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري الرد
بلا خلاف فيه ، ولكن هل يثبت له الأرش لو أمضاه فالمشهور على ذلك لأن ضمان الجملة
يقتضي ضمان الأجزاء ، والأول ثابت في التلف قبل القبض كما سيأتي في مسألة ما لو
تلف المبيع بعد العقد وقبل القبض فإنه من مال البائع فيكون الثاني مثله ، وذهب
الشيخ وابن إدريس إلى عدم الأرش لأصالة اللزوم في العقود ، وتلف الجملة قد قام
الدليل عليه أما تلف البعض عند حدوث العيب فلا دليل عليه فالأصل براءة البائع فيه.
(٦) ولو كان بعد
قبض المشتري.
(٧) غير البائع
وهو الأجنبي.
(٨) فكذا أجزاؤها
وسيأتي دليله مفصلا في تحقيق القبض من مبحث الأحكام.
مختصا بالبائع ،
أو مشتركا بينه ، وبين أجنبي فلا خيار للمشتري (١) ، هذا إذا كان التعيّب من قبل
الله تعالى ، أو من البائع ، ولو كان من أجنبي فللمشتري عليه (٢) الأرش خاصة (٣) ،
ولو كان بتفريط المشتري فلا شيء (٤).
(وكذا) الحكم (في غير الحيوان) (٥) ، بل في تلف المبيع أجمع (٦) ، إلا أن الرجوع فيه بمجموع
القيمة (٧) ، فإن كان التلف (٨) من قبل الله تعالى والخيار للمشتري ولو بمشاركة
غيره (٩) فالتلف من البائع ، وإلا (١٠) فمن المشتري ، وإن
______________________________________________________
(١) أي خيار الرد
بل له أخذ الأرش من قبل البائع أو الأجنبي إذا كان التعيب من قبل أحدهما.
(٢) على الأجنبي.
(٣) قيد للأرش بلا
رد على البائع ولو كان للمشتري خيار.
(٤) من أرش أو ورد
لأنه ملكه وقد أتلفه سواء كان للمشتري خيار أو كان الخيار لغيره.
(٥) إذا لا خصوصية
للحيوان في هذه الأحكام وسيأتي التعرض لها مفصلا في مبحث الأحكام عند تحقيق معنى
القبض ، ويأتي التعرض لها في مبحث خيار العيب أيضا.
(٦) قبل القبض أو
في زمن الخيار.
(٧) لا الثمن هذا
مع عدم الفسخ فيكون مجموع القيمة هنا بدلا للأرش هناك ، ومع الفسخ يرجع بالثمن
فقط.
(٨) قال الشارح في
المسالك : (إذا تلف المبيع بعد القبض في زمن الخيار سواء كان خيار الحيوان أم
المجلس أم الشرط فلا يخلو إما أن يكون التلف من المشتري أو من البائع أو من
الأجنبي ، وعلى التقادير الثلاثة فإما أن يكون الخيار للبائع خاصة أو للمشتري خاصة
أو لأجنبي ، أو للثلاثة ، أو للمتبايعين ، أو للبائع وللأجنبي ، أو للمشتري
وللأجنبي ، فجملة أقسام المسألة أحد عشرون ، وضابط حكمها أن التلف إن كان من
المشتري فلا ضمان على البائع مطلقا لكن إذا كان له خيار أو للأجنبي واختار الفسخ
رجع على المشتري بالمثل أو القيمة ، وإن كان التلف من البائع أو من أجنبي تخير
المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة إن كان له
خيار.
وإن كان الخيار
للبائع والمتلف أجنبي تخير كما مرّ ورجع على المشتري أو الأجنبي ، وإن كان التلف
بآفة من عند الله تعالى فإن كان الخيار للمشتري أو له ولأجنبي فالتلف من البائع
وإلا فمن المشتري) انتهى.
(٩) بايعا كان أو
أجنبيا.
(١٠) أي وإن لم
يكن الخيار للمشتري.
كان التلف من
البائع ، أو من أجنبي وللمشتري خيار واختار الفسخ والرجوع بالثمن (١) ، وإلا (٢)
رجع على المتلف بالمثل ، أو القيمة ، ولو كان الخيار للبائع ، والمتلف أجنبي ، أو
المشتري تخير (٣) ، ورجع على المتلف (٤).
(الثانية. لو حدث
في الحيوان (عيب من غير جهة المشتري (٥) في زمن الخيار (٦) فله (٧) الرد بأصل الخيار) (٨) ، لأن العيب الحادث غير مانع منه (٩) هنا (١٠) ، لأنه (١١)
مضمون على البائع فلا يكون (١٢) مؤثرا في رفع الخيار ، (والأقرب جواز الرد بالعيب أيضا) ، لكونه مضمونا (١٣).
(وتظهر الفائدة (١٤) لو أسقط الخيار الأصلي (١٥) والمشترط)
(١٦) فله الرد بالعيب.
______________________________________________________
(١) فيرجع بالثمن
على البائع وهو يرجع على الأجنبي لو كان هو المتلف.
(٢) أي وإن لم
يفسخ.
(٣) أي البائع.
(٤) فيرجع بالمثل
أو القيمة.
(٥) سواء كان
التلف من قبل الله تعالى أو من البائع أو الأجنبي.
(٦) سواء كان
الخيار خيار حيوان أو غيره ، وسواء كان الخيار مختصا للمشتري أو مشتركا بينه وبين
غيره.
(٧) للمشتري.
(٨) لأن التلف في
زمن الخيار هو ممن لا خيار له كما سيأتي بحث مفصلا في مبحث الخيارات.
(٩) من الرد
بالخيار.
(١٠) أي في زمن
الخيار.
(١١) أي لأن
الحيوان.
(١٢) أي لا يكون
العيب الحادث.
(١٣) أي لكون
الحيوان مضمونا على البائع ، فالعيب الحادث فيه من مال البائع حينئذ.
(١٤) أي فائدة
ثبوت جواز الرد بالخيار وجواز الرد بالعيب.
(١٥) كخيار
الحيوان أو خيار المجلس.
(١٦) وهو خيار
الاشتراط.
وتظهر الفائدة
أيضا في ثبوت الخيار (١) بعد انقضاء الثلاثة (٢) وعدمه (٣) ، فعلى اعتبار خيار
الحيوان خاصة (٤) يسقط الخيار (٥) ، وعلى ما اختاره (٦) المصنف رحمهالله يبقى (٧) ، إذ لا يتقيد خيار العيب بالثلاثة (٨) وإن اشترط
حصوله (٩) في الثلاثة فما قبلها (١٠) ، وغايته ثبوته فيها بسببين (١١) وهو غير
قادح ، فإنها (١٢) معرّفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد ، كما في خيار
المجلس والحيوان والشرط والغبن ، إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرق (١٣).
(وقال الفاضل نجم الدين أبو القاسم) جعفر بن سعيد رحمهالله
(في الدرس) على ما نقل عنه : (لا يردّ إلا
بالخيار (١٤) ، وهو (١٥) ينافي حكمه في الشرائع بأن)
______________________________________________________
(١) خيار الرد
بالعيب.
(٢) وهي ثلاثة
أيام التي هي مدة خيار الحيوان.
(٣) أي عدم ثبوت
خيار الرد بالعيب.
(٤) من دون اعتبار
جواز الرد بالعيب كما نقل عن المحقق في مجلس درسه.
(٥) أي خيار الرد
بالعيب.
(٦) من جواز الرد
بالعيب أيضا.
(٧) أي يبقى خيار
الرد بالعيب.
(٨) أي بثلاثة
أيام التي هي خيار الحيوان ، لأن خيار العيب ليس فوريا كما سيأتي ذلك في بابه.
(٩) أي حصول
العيب.
(١٠) أي ما قبل
الثلاثة ، وهو عبارة عما قبل العقد عند ما يكون الحيوان في ملك البائع.
(١١) أي وغاية
الكلام ثبوت الخيار في الثلاثة أيام بسببين ، من خيار الحيوان وخيار العيب ، وهو
غير ضائر لأن الخيار قد يكون له أكثر من سبب كما في اجتماع خيار المجلس والحيوان
والشرط والغبن في عين واحدة ، وذلك لأن الأسباب الشرعية معرفات فيجوز اجتماعها على
واحد وليست هي علل تامة حتى يمتنع اجتماع اثنين منها على واحد.
(١٢) أي الأسباب
الشرعية.
(١٣) قيد لثبوت
خيار المجلس.
(١٤) أي خيار
الحيوان.
(١٥) أي حكمه بعد
الرد إلا بالخيار.
الحدث) الموجب لنقص الحيوان (في الثلاثة من مال
البائع) (١) ، وكذا التلف (٢) ، (مع حكمه) فيها (٣) بعد ذلك بلا فصل (بعدم الأرش فيه (٤) ، فإنه إذا كان مضمونا على البائع (٥) كالجملة لزمه (٦)
الحكم بالأرش (٧) ، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا إلا ثبوت أرشه ، لأن الأرش عوض
الجزء الفائت ، أو التخيير بينه (٨) وبين الرد (٩) كما أن ضمان الجملة يقتضي
الرجوع بمجموع عوضها (١٠) وهو الثمن (١١).
______________________________________________________
(١) لأنه مضمون
عليه.
(٢) أي لو تلف
الحيوان في الأيام الثلاثة فهو من مال البائع كما سيأتي دليله في بحث الخيارات.
(٣) في الشرائع.
(٤) أي في العيب
الحادث على الحيوان في الثلاثة ، قال المحقق في الشرائع في بحث بيع الحيوان (إذا
حدث في الحيوان عيب بعد العقد وقبل القبض كان المشتري بالخيار بين رده وإمساكه ،
وفي الأرش تردد ، ولو قبضه ثم تلف أو حدث فيه حدث في الثلاثة كان من مال البائع ما
لم يحدث فيه المشتري حدثا.
ولو حدث فيه عيب
من غير جهة المشتري لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد بأصل الخيار ، وهل يلزم البائع
أرشه؟ فيه تردد ، والظاهر لا) وحيث حكم المحقق بضمان البائع في الثلاثة ثم حكم
بعده بعدم الأرش لزمه القول بثبوت الرد بالعيب الحادث ؛ إذ لا معنى لضمان البائع
إلا جواز الرد عليه بذلك أو أخذ الأرش منه ، وإذا انتفى الثاني ثبت الأول ، فلذا
يكون حكمه في الشرائع على التفصيل المذكور منافيا لما أفتى به في الدروس.
(٥) كما حكم به في
الشرائع أولا.
(٦) أي لزم
المحقق.
(٧) على التفصيل
المتقدم ، مع أنه مناف لما حكم به في الشرائع أخيرا.
(٨) بين الأرش.
(٩) أي الرد
بالعيب مع أنه قد جزم بنفي الأرش فيتعين الرد بالعيب وهو مناف لما أفتى به في
الدروس.
(١٠) أي عوض
الجملة.
(١١) إذا ردّ وفسخ
، ومع عدم الرد فالرجوع بالمثل أو القيمة.
والأقوى التخيير
بين الرد ، والأرش كالمتقدّم (١) ، لاشتراكهما (٢) في ضمان البائع ، وعدم المانعية
من الرد ، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين بن نما رحمهالله ، ولو كان حدوث العيب بعد الثلاثة منع الرد بالعيب السابق
، لكونه (٣) غير مضمون على البائع ، مع تغير المبيع ، فإن رده (٤) مشروط ببقائه
على ما كان فيثبت في السابق (٥) الأرش خاصة.
(الثالثة. لو ظهرت
الأمة مستحقة (٦) فأغرم)
المشتري (الواطئ العشر) إن كانت بكرا ، (أو نصفه) إن كانت ثيبا ، لما
______________________________________________________
(١) أي كالعيب
المتقدم على البيع والقبض فإذا ظهر بعد القبض فإنه يوجب يوجب التخيير المذكور ،
وهذا ما تقدم في المسألة السابقة.
(٢) أي العيب
المتقدم والعيب في الثلاثة.
(٣) أي لكون
الحيوان بعد الثلاثة غير مضمون على البائع ، فالعيب الحادث فيه حينئذ ليس من مال
البائع هذا من جهة ومن جهة أخرى فلو كان فيه عيب سابق في الثلاثة ثم طرأ عيب بعد
الثلاثة كان العيب اللاحق مانعا من الرد بالعيب السابق لتغير المبيع ويتعين على
المشتري الرجوع بالأرش خاصة.
(٤) أي رد المبيع
، وهو تعليل لعدم جواز الرد بالعيب اللاحق مع ثبوت العيب السابق.
(٥) أي العيب
السابق وهو العيب الذي ثبت في الثلاثة.
(٦) من أولد جارية
قد اشتراها مثلا ثم بانت أنها مستحقة للغير ، وثبت للاستحقاق ببينة شرعية أو غيرها
، جاز للمالك انتزاعها من المشتري بلا إشكال ولا خلاف ، ويجب على الواطئ على
المشهور عشر قيمتها بدخول أرش الجناية عليها إن كانت بكرا بمعنى عدم ذهاب عذرتها
ونصف العشر إن كانت ثيبا لصحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل تزوج
امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها له ، فقال : إن كان الذي زوّجه إياها من غير
مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال : إن وجد مما أعطاها
شيئا فليأخذه وإن لم يجد شيئا فلا شيء له عليها ، وإن كان الذي زوّجه إياها ولي
لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن
كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها ، وتعتدّ منه عدة الأمة.
قلت : وإن جاءت
منه بولد ، قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى) ـ
__________________
تقدم من جواز رجوع
المالك على المشتري ، عالما كان أم جاهلا بالعين ، ومنافعها المستوفاة ، وغيرها (١)
، فإن ذلك (٢) هو عوض بضع الأمة ، للنص الدال على ذلك ، (أو مهر المثل) (٣) لأنه (٤) القاعدة الكلية في عوض البضع بمنزلة قيمة المثل
في غيره (٥) ، واطّراحا للنص الدال على التقدير بالعشر أو نصفه ، وهذا الترديد
توقف من المصنف في الحكم ، أو إشارة إلى القولين ، لا تخيير بين الأمرين
______________________________________________________
ـ وصحيح الفضيل بن
يسار ـ الوارد في التحليل ـ (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ـ إلى أن قال ـ قلت : أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج
فغلبته الشهوة فاقتضها ، قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فإن فعل أيكون زانيا؟ قال
: لا ولكن يكون خائنا ويغرّم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن لم تكن فنصف
عشر قيمتها) ، وخبر ابن سنان (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطأها ، قال :
يردها على الذي ابتاعها منه ، ويرد معها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها) ، ومثلها غيرها ، واختلاف مورد الأخبار مع المقام لا يضر
بعد اتحاد طريق المسألتين من أن نكاحه إياها إذا بانت مستحقة للغير موجب للعشر إذا
كانت بكرا ونصف العشر إذا كانت ثيبا.
وعن الشيخ في
المبسوط وابن إدريس أنه يجب عليه مهر أمثالها الذي هو عوض منفعة البضع عند عدم
التسمية من غير فرق بين الحرة والأمة ، وهو اجتهاد في مقابلة النصوص المتقدمة.
(١) قد تقدم أنه
لا يرجع بالمنافع غير المستوفاة ويدل عليه خبر زرارة (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه
فولدت منه أولادا ، ثم إن أباها يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة ، قال : يقبض
ولده ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها) وذكر المنافع المستوفاة فقط مع أنه في مقام البيان دليل
على عدم ضمان غيرها.
(٢) أي العشر إذا
كانت بكرا ونصفه إذا كانت ثيبا.
(٣) كما هو قول
الشيخ وابن إدريس.
(٤) أي مهر المثل.
(٥) غير البضع.
__________________
والمشهور منهما
الأول ، (و) أغرم (الأجرة) عما استوفاه من منافعها ، أو فاتت تحت يده.(وقيمة الولد) (١) يوم ولادته لو كان قد أحبلها وولدته حيا (رجع بها) أي بهذه
المذكورات جمع (على البائع مع جهله) بكونها مستحقة (٢) ، لما تقدم (٣) من رجوع المشتري الجاهل
بفساد البيع على البائع بجميع ما يغرمه.
والغرض من ذكر هذه
هنا التنبيه على مقدار ما يرجع به مالك الأمة على مشتريها الواطئ لها ، مع
استيلادها ، ولا فرق في ثبوت العقر (٤) بالوطء بين علم الأمة بعدم صحة البيع ،
وجهلها على أصح القولين (٥) ، وهو الذي يقتضيه إطلاق
______________________________________________________
(١) سواء قلنا أنه
يغرّم بالعشر ونصفه أو يغرّم بأجرة المثل فالولد حر لتبعيته لإشراف الأبوين ،
ولصريح صحيح الوليد بن صبيح المتقدم ، ولكن على أبيه قيمته يوم ولد حيا للأخبار.
منها : مرسل جميل
عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى
جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال : يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده
بقيمته) ، وصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية ، قال : يأخذ الجارية المستحق ،
ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي
أخذت منه) .
هذا ويرجع المشتري
الجاهل بالاستحقاق على البائع بما اغترمه من مهر أو أجرة أو قيمة الولد كما هو
مفاد صحيح جميل المتقدم ، وقد تقدم البحث فيه في مبحث الفضولي فراجع.
(٢) أما لو كان
عالما بالاستحقاق فالولد رق للمالك والوطي زان ويلزمه عوض البضع ولا يرجع به ولا
بما اغترمه على البائع.
(٣) في البيع
الفضولي.
(٤) هو ما يؤخذ
بإزاء الوطي.
(٥) لإطلاق
الأخبار المتقدمة ، وذهب الشهيد في الدروس إلى ثبوت المهر عند الإكراه ، ولازمه
أنها لو علمت ورضيت فلا مهر لها قال في الدروس في بحث بيع الحيوان (ولو كان عالما
بالاستحقاق والتحريم فهو زان ، وولده رق وعليه المهر إن أكرهها) وحكي ـ
__________________
العبارة (١) ، لأن
ذلك (٢) حق للمولى (وَلٰا تَزِرُ
وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) (٣) ، ولا تصير
بذلك (٤) أم ولد ، لأنها في نفس الأمر ملك غير الواطئ.
وفي الدروس لا
يرجع عليه (٥) بالمهر إلا مع الإكراه (٦) ، استنادا إلى أنه لا
______________________________________________________
ـ ذلك عن المحقق
الثاني وجماعة في باب الغصب.
واستدل له بأنه (لا
مهر لبغي) ومع علمها وعدم الإكراه فهي بغي.
هذا وقال الشهيد
في الدروس في باب الغصب في وطئ الغاصب للأمة (ولو طاوعته عالمة ، قيل : بسقوط
المهر للنهي عن مهر البغي ، ويحتمل ثبوته ، لأن السقوط في الحرة مستند إلى رضاها ،
ورضي الأمة لا يؤثر في حق السيد) .
وقد شاع في الكتب
المتأخرة أنه قد ورد (لا مهر لبغي) مع أنني لم أعثر عليه في كتب الحديث ، وكلام
الشهيد في الدروس صريح في أن المستند هو النهي عن مهر البغي كما في حديث القاسم بن
عبد الرحمن عن محمد بن علي عن الحسين بن علي عن أبيه عليهالسلام (إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن خصال تسعة : عن مهر البغي ، وعن عسيب الدابة ـ يعني
كسب الفحل ـ وعن خاتم الذهب ، وعن ثمن الكلب ، وعن مياثر الأرجوان ، وعن ثياب
القسي ـ وهي ثياب تنسج بالشام ، وعن أكل لحوم السباع ، وعن صرف الذهب بالذهب
والفضة بالفضة وبينهما فضل ، وعن النظر في النجوم) وهو ظاهر في النهي عن أكل أجرة الزانية وهو أجنبي عن
المقام.
وعلى كل فعلى فرض
وروده فهو مختص بالحرة ، لأن اللام في (لبغي) ظاهرة في الاستحقاق ، والحرة هي التي
تستحق المهر دون الأمة إذ هو لمولاها ، وكذا لفظ المهر فهو ظاهر باختصاصه بالحرة ،
ولذا أطلق على الحرة المهيرة لذلك ، على أن العقر هنا هو حق للمولى فعلم الأمة
بعدم صحة البيع لا يسقط حقه.
(١) أي عبارة
اللمعة هنا.
(٢) أي العقر.
(٣) الأنعام آية :
١٦٤.
(٤) أي
بالاستيلاء.
(٥) على الواطئ.
(٦) عند علمها
بعدم صحة البيع.
__________________
مهر لبغي ، ويضعف
بما مر (١) ، وأن المهر المنفي (٢) مهر الحرة بظاهر الاستحقاق (٣) ، ونسبة المهر (٤)
، ومن ثمّ يطلق عليها (٥) المهيرة ، ولو نقصت بالولادة ضمن نقصها مضافا إلى ما
تقدم (٦) ولو ماتت ضمن القيمة.
وهل يضمن مع ما
ذكر أرش البكارة لو كانت بكرا ، أم يقتصر على أحد الأمرين (٧) وجهان ، أجودهما عدم
التداخل ، لأن أحد الأمرين عوض الوطء ، وأرش البكارة عوض جناية فلا يدخل أحدهما في
الآخر (٨) ، ولو كان المشتري عالما باستحقاقها حال الانتفاع لم يرجع بشيء (٩) ،
ولو علم مع ذلك بالتحريم كان زانيا ، والولد رق ، وعليه المهر مطلقا (١٠) ، ولو
اختلفت حاله بأن كان جاهلا عند البيع ، ثم تجدد له العلم رجع بما غرمه حال الجهل ،
وسقط الباقي (١١).
(الرابعة ـ لو اختلف
مولى مأذون)
وغيره (في عبد أعتقه المأذون عن الغير ، ولا بينة) (١٢) لمولى المأذون ولا
______________________________________________________
(١) من أن العقر
حق للمولى فلا يسقط وإن علمت الأمة بعدم صحة البيع.
(٢) أي المنفي في (لا
مهر لبغي).
(٣) المستفاد من
اللام.
(٤) أي : إن
الضمير في (بغي) راجع إلى ذات المهر ، وذات المهر هي الحرة ولذا أطلق عليها
المهيرة.
(٥) على الحرة.
(٦) من العشر
ونصفه والمنافع المستوفاة وقيمة الولد يوم ولادته.
(٧) من العشر أو
مهر المثل.
(٨) بل الأقوى
التداخل ، لأن التفاوت بين عقر البكر والثيب إنما هو للبكارة ، وإلا للزم عدم
التفاوت بينها.
(٩) لأنه غير
مغرور.
(١٠) علمت الأمة
أو جهلت بعدم صحة البيع.
(١١) يظهر حكمه
مما تقدم.
(١٢) أصل المسألة
هو : لو كان عبد مأذون بالتجارة من قبل سيده ، وقام آخر ودفع لهذا العبد مالا
ليشتري به نسمة ويعتقها ويحج عنه بالباقي فاشترى أباه ودفع إليه بقية المال فحج به
، ومات الآمر واختلف مولى العبد المأذون وورثة الآمر وموالي الأب بحيث يقول كل ـ
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ طرف أنه اشتري بماله.
فعن الشيخ في
النهاية والقاضي أن المعتق يردّ إلى مولاه رقا ثم يحكم به لمن أقام البينة استنادا
إلى رواية علي بن أشيم عن أبي جعفر عليهالسلام (عن عبد لقوم
مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم ، فقال : اشتر بها نسمة وأعتقها عنّي
وحجّ عني بالباقي ، ثم مات صاحب الألف ، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت
ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه ، وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت
جميعا ، فاختصموا جميعا في الألف ، فقال موالي العبد المعتق : إنما اشتريت أباك
بما لنا ، وقال الورثة : إنما اشتريت أباك بما لنا ، وقال موالي العبد : إنما
اشتريت أباك بما لنا ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : أما الحجة فقد مضت بما فيها لا تردّ ، وأما المعتق فهو
ردّ في الرق لموالي أبيه ، وأي الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من
أموالهم كان له رقا) .
وابن أشيم غال كما
عن المحقق الثاني في جامعه والشارح في مسالكه ، وهو مجهول عند غيرهما ، ومتنها
مخالف لأصول المذهب من حيث الحكم برد العبد المعتق إلى مواليه مع أنهم معترفون
ببيعه وإن ادعوا فساد البيع حيث يدعون أنه اشتراه بمالهم فيكون تبديلا لمال بماله
وفي مثله يفسد البيع ولكن بقية الأطراف تدعى صحته ، ودعوى الصحة مقدمة على دعوى
الفساد.
ومن حيث الحكم
يمضي الحج مع أن الآمر قد أمر المأذون بأن يحج بالباقي ولم يفعل إذ وقع الباقي إلى
المعتق وهو الذي حج عن الآمر.
ومن حيث الحكم
بصحة الحج وهو مناف لعوده رقا ، لأنه يستلزم وقوع حجه بغير إذن سيده.
ومن حيث أن ظاهر
الخبر هو الاذن في التجارة للمولى فكيف تصح معاملة العتق من العبد المأذون في
التجارة فقط ويترتب عليه صحة الحج ومن حيث أن الظاهر هو كون المأذون وكيلا عن
الآمر والوكالة تبطل بموت الموكل فيبطل البيع والعتق والحج.
هذا واعتذر
العلامة عن المخالفة الأولى بحمل الرواية على أن موالي المعتق ينكرون البيع لا
أنهم يدعون فساده حتى يقدم عليهم قول مدعى الصحة ، ويرده أنه على خلاف ظاهر الخبر
حيث ادعوا أنه اشتراه بمالهم.
وحاول الشهيد في
الدروس لدفع المخالفة الأولى بحمل الرواية على أن المأذون بيده مال ـ
__________________
للغير (حلف المولى) أي مولى المأذون واسترق العبد المعتق ، لأن يده (١) على ما بيد المأذون فيكون
قوله مقدما (٢) على من خرج عند عدم البينة (٣).
(ولا فرق بين كونه) أي العبد الذي أعتقه المأذون (أبا للمأذون أولا) وإن كانت الرواية تضمنت كونه أباه ، لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول
ذي اليد (٤).
______________________________________________________
ـ لمولى الأب
المعتق ولغيره ، وبتصادم الدعاوى المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه
فلذا حكم برد المعتق إلى الرق ، ولا يعارض الأصل المذكور فتواهم بتقديم مدعى الصحة
على مدعى الفساد ، لأن دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فتسقطان.
وفيه : على تقدير
التسليم أن يكون بيده مال للجميع لأن ظاهر الخبر ينفي ذلك ، فإن ما عدا مولى
المأذون خارج والمولى داخل ، لأن ما بيد المأذون تحت يد مولاه ، والداخل تقدم عند
تعارض الدعويين فيسقط كلام مولى الأب المعتكف وكلام ورثة الميت ، ومع تقديم كلام
مولى المأذون لا يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه.
ودعوى الصحة
المشتركة بين متكافئين مردودة لأن موالي المعتق يدعون أنه اشتراه بمالهم فيكون
البيع فاسدا ، على أن لو سلمت الصحة في جميع الدعاوى فلا بد من تقديم دعوى الداخل
دون الخارج.
ثم لو سلم أن يكون
بيده مال للجميع ، فلا يقبل إقرار المأذون فيها لغير مولاه مع تكذيب المولى له ،
لأنه مأذون من قبل المولى بالتجارة فقط فيقبل إقراره فيها فقط لا مطلقا.
ولهذه المخالفات
مع ضعف السند فلا بد من طرح الرواية والرجوع إلى أصول المذهب وقواعده المقررة ،
وهي تقتضي اطراح دعوى مولى الأب المعتق لاشتمالها على الفساد ، وتبقى المعارضة بين
مولى العبد المأذون وبين ورثة الآمر لاشتراكهما في دعوى الصحة ، فيقدم قول مولى
المأذون لأنه ذو يد.
ومنه تعرف ضعف ما
ذهب إليه المحقق في النافع من أن مقتضى الأصول هو إمضاء ما فعله المأذون ، وذلك
لأن المأذون يقبل قوله فيما أذن له فيه وهو خصوص التجارة لا مطلقا.
(١) يد مولى
المأذون.
(٢) لأنه داخل
بخلاف غيره فيكون خارجا.
(٣) هذا الحكم على
طبق أصول المذهب وقواعده بعد اطراح والرواية.
(٤) وهو مولى
المأذون.
(ولا بين دعوى مولى الأب شرائه من ماله) بأن يكون قد دفع (١) للمأذون ما لا يتجر به فاشترى أباه من
سيده (٢) بماله (٣) ، (وعدمه) (٤) ، لأنه على التقدير الأول يدعى فساد البيع ، ومدعي صحته (٥)
مقدم ، وعلى الثاني خارج ، لمعارضة يده القديمة يد المأذون الحادثة فيقدم ،
والرواية تضمنت الأول ، (ولا بين استئجاره على حج وعدمه) ، لأن ذلك (٦) لا مدخل له في الترجيح ، وإن كانت الرواية
تضمنت الأول.
والأصل في هذه
المسألة رواية علي بن أشيم عن الباقر عليهالسلام في من دفع إلى مأذون ألفا ليعتق عنه نسمة ، ويحج (٧) عنه
بالباقي فأعتق أباه ، وأحجه بعد موت الدافع ، فادعى وارثه ذلك (٨) ، وزعم كل من
مولى المأذون ومولى الأب أنه اشتراه بماله فقال (٩) : إن الحجة تمضي ، ويردّ رقا
لمولاه (١٠) حتى يقيم الباقون بينة ، وعمل بمضمونها الشيخ ومن تبعه ، ومال إليه في
الدروس ، والمصنف (١١) هنا ، وجماعة اطّرحوا الرواية ، لضعف سندها ، ومخالفتها
لأصول المذهب في رد
______________________________________________________
(١) أي دفع مولى
الأب.
(٢) أي سيد الأب.
(٣) أي بمال سيد
الأب ، وهذه الدعوى فاسدة لأن مولى الأب يدعى شراء ماله بماله وهو فاسد ، ولفسادها
لا تقبل دعوى مولى الأب.
(٤) بأن يدعي مولى
الأب أنه لم يبعه ، وأنه باق على ملكه ولكن يد المأذون عليه فيقدم يد مولى المأذون
لأنها حارثة بخلاف يد مولى الأب فإنها قديمة ، والحارث داخل والقديم خارج وقد عرفت
تقديم قول الداخل.
(٥) أي صحة البيع
، والذي يدعي الصحة هو مولى المأذون وورثة الآمر.
(٦) من الاستئجار
وعدمه.
(٧) أي يحج نفس
المأذون عن الدافع.
(٨) أي يدعي وارث
الدافع ما ذكرنا من أن المأذون قد اشترى العبد بمال مورثهم وأ حجة بعد موت الدافع
بالباقي.
(٩) أي الباقر عليهالسلام.
(١٠) أي مولى
الأب.
(١١) الواو
استئنافية أي والمصنف وجماعة اطرحوا الرواية.
العبد إلى مولاه
مع اعترافه ببيعه (١) ، ودعواه (٢) فساده ، ومدعى الصحة مقدم ، وهي (٣) مشتركة بين
الآخرين (٤) ، إلّا أن مولى المأذون أقوى (٥) يدا فيقدم.
واعتذر في الدروس
عن ذلك (٦) بأن المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره (٧) ، وبتصادم الدعاوي
المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه ، قال (٨) : ولا يعارضه (٩) فتواهم
بتقديم دعوى الصحة على الفساد ، لأنها (١٠) مشتركة بين متقابلين متكافئين فتساقطا (١١).
وفيهما نظر (١٢) ،
لمنع تكافؤهما (١٣) ، مع كون من عدا مولاه (١٤) خارجا (١٥) ، والداخل مقدم فسقطا (١٦) دونه (١٧) ، ولم يتم الأصل (١٨) ، ومنه يظهر
______________________________________________________
(١) أي مع اعتراف
مولى الأب ببيع الأب.
(٢) أي ودعوى مولى
الأب فساد البيع لأنه يدعي أنه اشترى الأب الذي هو عبده بماله ولا يملك أن يكون
العوضان من مالك واحد.
(٣) أي دعوى
الصحة.
(٤) وهما مولى المأذون
وورثة الآمر.
(٥) لأن الأب تحت
يد المأذون ، ويد المأذون يد مولاه لأن العبد لا يملك.
(٦) أي عن رد
العبد إلى مولاه الأصلي.
(٧) وهو مولى
المأذون وورثة الآمر.
(٨) أي الشهيد في
الدروس.
(٩) أي لا يعارض
فتواهم الأصل المذكور من بقاء العبد على مالكه.
(١٠) أي الصحة.
(١١) وليست إحدى
الدعاوى فاسدة لترجح الأخرى عليها.
(١٢) أي في كلا
قوليه.
(١٣) أي لمنع
تكافئ الدعويين ، وذلك لأن دعوى مولى الأب فاسدة ودعوى غيره صحيحة كما عرفت ، وهو
ردّ على قوله الأول.
(١٤) أي من عدا
مولى المأذون.
(١٥) لأن يد
المأذون على العبد المعتق.
(١٦) أي سقط قول
مولى الأب وقول ورثة الآمر.
(١٧) أي دون مولى
المأذون.
(١٨) وهو بقاء
العبد على مالكه الأصلي.
عدم تكافؤ
الدعويين الأخريين (١) ، لخروج الآمر (٢) وورثته عما في يد المأذون التي هي (٣)
بمنزلة يد سيده ، والخارجة لا تكافئ الداخلة فتقدم (٤) ، وإقرار المأذون بما في
يده لغير المولى غير مسموع (٥) فلزم اطراح الرواية ، ولاشتمالها على مضيّ الحجة (٦)
، مع أن ظاهر الأمر حجة بنفسه ولم يفعل (٧) ، ومجامعة صحة الحج لعوده رقا وقد حج
بغير إذن سيده ، فما اختاره (٨) هنا أوضح.
ونبّه بقوله : ولا
بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله وعدمه على خلاف الشيخ ومن تبعه ، حيث حكموا بما
ذكر (٩) ، مع اعترافهم بدعوى مولى الأب فساد البيع (١٠) ، وعلى خلاف العلامة حيث
حملها (١١) على إنكار مولى الأب البيع لإفساده (١٢) ، هربا (١٣) من تقديم مدعى
الفساد (١٤) ، والتجاء إلى تقديم منكر بيع
______________________________________________________
(١) حتى تسقطا ،
وهما دعوى مولى المأذون ودعوى ورثة الآمر.
(٢) وهو الذي أمر
بالعتق.
(٣) أي يد
المأذون.
(٤) أي الداخلة
وهي يد مولى المأذون.
(٥) لأن ما في يده
لمولاه ، فإقراره بأنه لغير مولاه غير مسموع.
(٦) أي صحة الحج.
(٧) حيث أصبح
أباه.
(٨) أي المصنف من
اطراح الرواية والحكم على مقتضى الأصول والقواعد المقررة من كون المعتق لمولى
المأذون هو الأوضح.
(٩) أي بما ذكر في
الرواية من رد العبد إلى مولاه.
(١٠) مع أنه يجب
تقديم قول مدعي الصحة عليه ، وحيث ذكر المصنف عدم الفرق بين دعوى مولى الأب شراءه
من ماله وعدمه ، فيكون لو ادعى الشراء من ماله فقد ادعى الفساد فلذا كان كلام
المصنف تعريضا بخلاف الشيخ.
(١١) أي حمل
الرواية.
(١٢) تعليل لإنكار
مولى الأب البيع.
(١٣) مفعول له
لقوله (حملها).
(١٤) لأن تقديمه
ضعيف ، بل مولى الأب قد أنكر البيع من رأس والعبد عبده فيقدم قوله لأصالة بقاء ملك
العبد على مالكه ، وفيه : إن هذا يتم لو كان يد مولى الأب على المعتق مع أن
المفروض هو يد المأذون عليه وقد ادعى شراءه فيقوم قول مولى المأذون لأنه داخل ـ
عبده ، وقد عرفت (١)
ضعف تقديم مدعى الفساد ، ويضعف الثاني (٢) بمنافاته لمنطوق الرواية الدالة على
دعوى كونه أشتري بماله.
هذا كله مع عدم
البينة ، ومعها (٣) تقدم إن كانت لواحد ، وإن كانت لاثنين ، أو للجميع بني على
تقديم بينة الداخل ، أو الخارج عند التعارض ، فعلى الأول (٤) الحكم كما ذكر (٥) ،
وعلى الثاني (٦) يتعارض الخارجان (٧). ويقوى تقديم ورثة الآمر بمرجّح الصحة (٨).
______________________________________________________
ـ بخلاف مولى الأب
فإنه خارج ، ولذا عند ما ذكر المصنف عدم الفرق بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله
وعدمه ، فيكون لو ادعى عدم الشراء فقد أنكر البيع ، وقد عرفت تقديم قول مولى
المأذون حتى مع دعوى إنكار البيع فلذا كان قول المصنف تعريضا بخلاف العلامة.
هذا بالإضافة إلى
أن دعوى أن مولى الأب قد أنكر البيع مخالف لمنطوق الرواية المتقدمة ولمفروض كلام
الأصحاب الذين تعرضوا لهذه المسألة.
وقد ذكر الشارح
الرد الأول سابقا وسيذكر الرد الثاني فلا تغفل.
(١) شروع في الرد
على قول الشيخ.
(٢) شروع في الرد
على قول العلامة.
(٣) أي مع البينة
فإن كانت لواحد فيحكم له ، وإن كانت لاثنين أو ثلاثة فقد تقدم في مبحث القضاء
النزاع في تقديم بينة الداخل أو الخارج عند التعارض وعرفت أن الأقوى تقديم بينة
الخارج لأنه مدع والبينة من وظائف المدعي.
وعلى كل فالداخل
هنا هو مولى المأذون لأن المعتق تحت يد المأذون فلا تسمع بينته هذا من جهة ومن جهة
أخرى فالخارج هنا اثنان ، وهما مولى الأب وورثة الآمر ولا بد من تعارض بيناتهما
ولكن لا بد من تقديم بينة ورثة الآمر لأن مولى الأب يدعي فساد البيع بخلاف ورثة
الآمر الذين يدعون الصحة ، ومدعي الصحة تقوم على مدعي الفساد فيكون هذا مرجحا
لبينة ورثة الآمر.
(٤) من تقديم بينة
الداخل.
(٥) من كون المعتق
لمولى المأذون لأنه هو الداخل.
(٦) من تقديم بينة
الخارج وهو الأقوى.
(٧) وهما مولى
الأب وورثة الآمر.
(٨) لأنهم يدعون
صحة البيع بخلاف مولى الأب فيدعي فساده.
واعلم أن الاختلاف
يقتضي تعدد المختلفين ، والمصنّف اقتصر على نسبته إلى مولى المأذون (١) ، وكان حقه
إضافة غيره معه ، وكأنه اقتصر عليه (٢) لدلالة المقام على الغير ، أو على ما اشتهر
من المتنازعين في هذه المادة (٣).
(الخامسة ـ لو تنازع
المأذونان (٤) ....
______________________________________________________
(١) والاختلاف لا
يقع من واحد.
(٢) على مولى
مأذون.
(٣) أي في هذه
المسألة.
(٤) المملوكان
المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كل واحد منهما صاحبه من مولاه ، فتارة يشتريه
لنفسه بناء على ملك العبد وأخرى يشتريه لسيده.
فعلى الأول يحكم
بصحة العقد السابق لأنه صدر من أهله ووقع في محله بخلاف المتأخر لعدم صحة تملكه
سيده ، وإن اتفقا في وقت واحد بطل العقدان لعدم صحة ترتب أثر كل منهما مع أن ترجيح
أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح ، ويتحقق التقارن باتحاد الزمان للجزء الأخير من
قبولهما ، وإذا تحقق السبق ولم يعلم السابق اتجه استخراجه بالقرعة لأنها لكل أمر
مشكل ، وتحتاج القرعة هنا إلى رقيقين يكتب في إحداهما اسم أحدهما وأنه السابق وفي
الأخرى اسم الآخر ، وإذا شك في السبق والاقتران مع عدم العلم بالسابق فتحتاج
القرعة إلى ثلاث رقع يكتب في الثالثة الاقتران ، وعلى فرض خروجها يحكم بالبطلان
هذا هو مقتضى القواعد ولكن قد ورد في خبر أبي سلمة عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجلين مملوكين
مفوّض إليهما يشتريان ويبيعان بأموالهما ، فكان بينهما كلام فخرج هذا يعدو إلى
مولى هذا ، وهذا إلى مولى هذا ، وهما في القوة سواء ، فاشترى هذا من مولى هذا
العبد ، وذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر ، وانصرفا إلى مكانهما وتشبث كل
منهما بصاحبه ، وقال له : أنت عبدي قد اشتريتك من سيدك ، قال : يحكم بينهما من حيث
افترقا بذرع الطريق ، فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد ، وإن كانا سواء
فهما ردا على مواليهما جاءا سواء وافترقا سواء ، إلا أن يكون أحدهما سبق صاحبه
فالسابق هو له إن شاء وباع وإن شاء أمسك ، وليس له أن يضربه) وقال الكليني والشيخ بعد روايتهما هذا الخبر : (وفي رواية
أخرى إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما ، فأيهما وقعت القرعة به كان عبده) .
والرواية الثانية
محمولة بل هي ظاهرة على ما لو اشتبه السابق وهذا هو مقتضى القواعد ـ
__________________
(بعد شراء كل منهما
صاحبه في الأسبق (١)
منهما ليبطل بيع
المتأخر ، لبطلان الإذن بزوال الملك ، (ولا بينة) لهما ، ولا لأحدهما بالتقدم.
(قيل : يقرع) والقائل بها (٢) مطلقا (٣) غير معلوم (٤) ، والذي نقله
المصنف ، وغيره عن الشيخ : القول بها ، مع تساوي الطريقين ، عملا برواية وردت بذلك
،
______________________________________________________
ـ كما تقدم ،
فحملها على ما لو علم الاقتران ليس في محله.
والرواية الأولى
محمولة بل هي ظاهرة على ما لو اشتبه السابق وقد عمل بها الشيخ في النهاية وبعض
اتباعه ، ولكنها معارضة بالقواعد القاضية بالقرعة لا بذرع الطريق ولذا أعرض الأكثر
عنها ولم يعمل بها كما في الجواهر ، إلا أن يكون ذرع الطريق مفيدا للعلم بالسابق
فيرتفع موضوع القرعة حينئذ ، وتحمل الرواية على هذا المورد جمعا بينها وبين
القواعد القاضية بالقرعة وهو أحسن من طرحها.
هذا وليس في
الروايتين دلالة أو إشعار أن موردهما صورة الاقتران ، فما عن ظاهر الشرائع من
الحكم بالبطلان في صورة الاقتران ثم القول أن الروايتين واردتان في هذا المورد ليس
في محله.
وعلى الثاني وهو
ما لو كان الشراء لسيدهما فعقد السابق منهما صحيح لأنه صدر من أهله ووقع في محله ،
والآخر محتاج إلى الإجازة بناء على انقطاع الاذن عنه بزواله عن ملك سيده ، فعقده
حينئذ فضولي محتاج إلى إذن سيده السابق ، وإن اقترنا فالظاهر الصحة لو أجيز عقدهما
لأن الإذن الذي انقطع قد تجدد ، ولو علم السبق اشتبه السابق وقد حصل الرد من
أحدهما فالقرعة لتعيين السابق.
هذا كله إذا كان
العبدان مأذونين ، وأما لو كانا وكيلين فيصح العقدان على كل حال لعدم انقطاع
الوكالة بالخروج عن الملك بخلاف الاذن فإنه ينقطع.
(١) متعلق بقوله (لو
تنازع).
(٢) أي بالقرعة.
(٣) سواء اشتبه
السبق أو الاقتران ، واشتبه السابق على فرض السبق.
(٤) لأن القائلين
بالقرعة منهم من خصها بصورة تساوي الطريقين كما عن الشيخ في الاستبصار ، ومنهم من
خصّها بصورة اشتباه السبق والسابق كما عن العلامة في المختلف ، وعن الشيخ في النهاية
أنه خصّها بصورة الاقتران مع عدم ذكر حكم صورة الاشتباه ، فالقول بها من دون تقييد
غير معلوم.
وقيل بها مع
اشتباه السابق أو السبق.
(وقيل : يمسح الطريق (١) التي سلكها كل واحد منهما إلى مولى الآخر ، ويحكم بالسبق
لمن طريقه أقرب مع تساويهما في المشي (٢) ، فإن تساويا (٣) بطل البيعان ، لظهور
الاقتران (٤).
هذا إذا لم يجز
الموليان ، (ولو أجيز عقدهما فلا إشكال) في صحتهما (٥).
(ولو تقدم العقد من أحدهما صح خاصة) من غير توقف على إجازة (إلا مع إجازة
الآخر) فيصح العقدان ،
ولو كانا وكيلين صحا معا (٦).
والفرق بين الإذن
والوكالة أن الإذن ما (٧) جعلت تابعة للملك (٨) ، والوكالة ما أباحت التصرف
المأذون فيه مطلقا (٩) ، والفارق بينهما مع اشتراكهما في مطلق الإذن إما تصريح
المولى بالخصوصيتين ، أو دلالة القرائن عليه (١٠) ، ولو تجرد اللفظ عن القرينة
لأحدهما فالظاهر حمله على الإذن ، لدلالة العرف عليه.
واعلم أن القول
بالقرعة مطلقا (١١) لا يتم في صورة الاقتران ، لأنها (١٢) لإظهار المشتبه ، ولا
اشتباه حينئذ ، وأولى بالمنع تخصيصها في هذه الحالة (١٣) ،
______________________________________________________
(١) وهي رواية أبي
سلمة المتقدمة.
(٢) قوة وضعفا.
(٣) الطريق
والمشي.
(٤) بحسب العادة والعرف.
(٥) وإن اقترنا
كما تقدم.
(٦) بناء على أن
توكيل العبد لا يبطل ببيعه.
(٧) موصولة.
(٨) فتزول بزواله
بالبيع ونحوه.
(٩) من غير تقييد
بالتبعية للملك.
(١٠) من كل واحد
من الخصوصيتين.
(١١) حتى مع
الاقتران.
(١٢) أي القرعة.
(١٣) أي حالة
الاقتران والمخصص هو الشيخ في النهاية.
والقول بمسح
الطريق مستند إلى رواية ليست سليمة الطريق ، والحكم للسابق مع علمه (١) لا إشكال
فيه ، كما أن القول بوقوفه (٢) مع الاقتران كذلك (٣) ، ومع الاشتباه تتجه القرعة ،
ولكن مع اشتباه السابق يستخرج برقعتين لإخراجه ، ومع اشتباه السبق والاقتران ينبغي
ثلاث رقع في إحداها (٤) الاقتران (٥) ليحكم بالوقوف معه (٦).
هذا إذا كان
شراؤهما لمولاهما ، أما لو كان لأنفسهما كما يظهر من الرواية (٧) ، فإن أحلنا ملك
العبد بطلا ، وإن أجزناه صح السابق ، وبطل المقارن واللاحق حتما ، إذ لا يتصور ملك
العبد لسيده.
(السادسة ـ الأمة
المسروقة من أرض الصلح لا يجوز شراؤها)
لأن مال أهلها
محترم به (٨) ، (فلو اشتراها) أحد من السارق (جاهلا) بالسرقة ، أو الحكم (ردّها) على بائعها ، (واستعاد ثمنها) منه ، (ولو لم يوجد الثمن) بأن أعسر البائع ، أو امتنع عن ردّه ولم يمكن اجباره ، أو بغير
ذلك من الأسباب (ضاع) على دافعه ، (وقيل : تسعى) الأمة (فيه (٩) لرواية) مسكين السمان عن الصادق (١٠) عليهالسلام.
ويضعف بجهالة
الراوي ، ومخالفة الحكم للأصول ، حيث إنها ملك للغير ،
______________________________________________________
(١) أي مع
معلوميته.
(٢) أي وقوف العقد
على الإجازة.
(٣) أي مما لا
إشكال في صحته.
(٤) وهي الثالثة.
(٥) أي الوقوف على
الإجازة.
(٦) مع الاقتران.
(٧) حيث قال فيها
: (أنت عبدي).
(٨) أي بالصلح.
(٩) في ثمنها.
(١٠) وهي رواية
مسكين السمان عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن رجل
اشترى جارية سرقت من أرض الصلح ، قال : فليردها على الذي اشتراها منه ولا يقربها
إن قدر عليه ـ
وسعيها كذلك (١) ،
ومالكها لم يظلمه في الثمن ، فكيف يستوفيه (٢) من سعيها ، مع أن ظالمه (٣) لا
يستحقها ولا كسبها ، ومن ثم نسبه المصنف إلى القول ، تمريضا له.
ولكن يشكل حكمه (٤)
بردها إلّا أن يحمل ردها على مالكها لا على البائع ،
______________________________________________________
ـ أو كان موسرا ،
قلت : جعلت فداك فإنه مات ومات عقبه ، قال : فليستسعها) .
وعمل بها الشيخ
واتباعه ، ولكن الرواية ضعيفة السند لجهالة مسكين ، ومتنها مخالف للقواعد الشرعية
من جهة رد الجارية على بايعها مع أنه ليس مالكا لها ولا وكيلا عن المالك ، ومن جهة
استسعائها في ثمنها مع أن كسبها لمولاها ، فكيف يؤخذ منه مع أن الثمن لم يصل إليه
، وفي الدروس استقرب العمل بالرواية واعتذر عن الإشكالين بأن ردها على البائع لأنه
تكليف له بردها إلى أهلها إما لأنه سارق أو لأنه قد ترتبت يده عليها ، وباعتبار أن
يده أقدم فخطابه بالرد يكون ألزم خصوصا مع بعد دار الكفر ، وبأن استسعائها في
ثمنها جمع بين حق المشتري وحق صاحبها ، وصاحبها وإن كان حربيا ولا احترام لماله
لكن بالصلح أصبح محترما بالعرض : وفيه : أما عن الأول فكون البائع سارقا أو قد
ترتبت يده عليها لا يقتضي انحصار الرد به وإلا لكان الغاصب من الغاصب مما يجب عليه
الرد على الغاصب الأول وهو باطل بالاتفاق ، بل يجب ردها على مالكها فقط وأما عن
الثاني فحق المشتري عند البائع وليس عند مولى الجارية حتى تستسعي في ثمنها.
ولذا ردت الرواية
عند الأكثر هذا من جهة ومن جهة أخرى ذهب الحلبي إلى أنها بمنزلة اللقطة ، وعن أكثر
المتأخرين أنها تسلم إلى الحاكم بعد تعذر إيصالها إلى مالكها ووكيله أو وارثه ولا
تستعسي وهو أشبه بالقواعد ، نعم يجوز للمشتري مطالبة البائع بالثمن مع بقائه ، ومع
تلفه فإن كان المشتري جاهلا بسرقتها فكذلك ، وإلا فلا لأنه هو الذي سلطه على
الإتلاف لعلمه بالسرقة ، ولا تستسعي الجارية مطلقا لأن كسبها لمولاها فلا يجوز
أخذه بغير رضاه وإن ضاع الثمن ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه المصنف هنا من وجوب
ردها على البائع ، إذ كيف يردها على البائع وهو غير مالك لها.
(١) ملك للغير.
(٢) أي المشتري.
(٣) وهو البائع.
(٤) حكم المصنف.
__________________
طرحا للرواية
الدالة على ردّها عليه (١) ، وفي الدروس استقرب العمل بالرواية المشتملة على ردّها
على البائع واستسعائها في ثمنها لو تعذر على المشتري أخذه من البائع ووارثه مع
موته.
واعتذر عن الردّ
إليه (٢) بأنه تكليف له ليردها إلى أهلها ، إما لأنه سارق ، أو لأنه ترتبت يده
عليه ، وعن استسعائها بأن فيه جمعا بين حق المشتري وحق صاحبها ، نظرا إلى أن مال
الحربي فيء في الحقيقة وإنما صار محترما بالصلح احتراما عرضيا فلا يعارض ذهاب مال
محترم (٣) في الحقيقة (٤).
ولا يخفى أن مثل
ذلك (٥) لا يصلح لتأسيس مثل هذا الحكم ، وتقريبه للنص إنما يتم لو كانت الرواية
مما تصلح للحجة ، وهي بعيدة عنه (٦) ، وتكليف البائع بالرد لا يقتضي جواز دفعها
إليه كما في كل غاصب ، وقدم يده لا أثر له في هذا الحكم ، وإلا لكان الغاصب من
الغاصب يجب عليه الرد إليه ، وهو باطل. والفرق في المال بين المحترم بالأصل
والعارض لا مدخل له في هذا الترجيح ، مع اشتراكهما في التحريم ، وكون المتلف للثمن
ليس هو مولى الأمة ، فكيف يستوفي من ماله ، وينتقض بمال أهل الذمة فإن تحريمه عارض
ولا يرجّح عليه مال المسلم المحترم بالأصل عند التعارض.
والأقوى اطراح
الرواية بواسطة مسكين ، وشهرتها لم تبلغ حد وجوب العمل بها ، وإنما عمل بها الشيخ
على قاعدته (٧) ، واشتهرت بين أتباعه ، وردها المستنبطون لمخالفتها للأصول.
والأقوى وجوب رد
المشتري لها على مالكها ، أو وكيله ، أو وارثه ومع
______________________________________________________
(١) على البائع.
(٢) إلى البائع.
(٣) وهو مال
المشتري.
(٤) أي في الأصل.
(٥) وهو عدم
معارضة احترام المال المحترم عرضا لاحترام المال المحترم ذاتا.
(٦) عن صلاحها
للحجة.
(٧) وهي العمل بها
إذا الوثوق بها في الجملة.
التعذر على الحاكم
، وأما الثمن فيطالب به البائع مع بقاء عينه مطلقا (١) ، ومع تلفه إن كان المشتري
جاهلا بسرقتها ، ولا تستسعي الأمة مطلقا (٢).
(السابعة ـ لا يجوز
بيع عبد من عبدين)
من غير تعيين (٣)
، سواء كانا متساويين في القيمة والصفات ، أم مختلفين لجهالة المبيع المقتضية
للبطلان ، (ولا) بيع (عبيد) كذلك ، للعلة (٤) ، وقيل : يصح مطلقا (٥) ، استنادا إلى
ظاهر رواية ضعيفة ، وقيل : يصح مع تساويهما من كل وجه ، كما يصح بيع قفيز من صبرة
متساوية الأجزاء ، ويضعف بمنع تساوي العبدين على وجه يلحق بالمثلي ، وضعف الصحة
مطلقا (٦) واضح.
(ويجوز شراؤه) أي شراء العبد (موصوفا) على وجه ترتفع الجهالة (سلما) ، لأن ضابط المسلم فيه ما يمكن ضبطه كذلك (٧) ، وهو منه (٨)
، كغيره من الحيوان إلا ما يستثنى (٩) ، (والأقرب جوازه) موصوفا (حالا) لتساويهما (١٠) في المعنى
______________________________________________________
(١) سواء كان
المشتري عالما أو جاهلا بسرقتها.
(٢) سواء كان
المشتري عالما أم جاهلا ، سواء تعذر استرداد الثمن أم لا ، وسواء تلف الثمن أم لا.
(٣) على المشهور
لجهالة المبيع ، وعن الشيخ في الخلاف الجواز عملا بخبر محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام وسيأتي ذكره فيما بعد ، وهو خبر ضعيف السند ، مخالف للقواعد
، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان باطلا ، وعن العلامة في المختلف جواز بيع أحدهما
من غير تعيين بشرط تساويهما من كل وجه حتى يكون ذلك كالصاع من الصبرة ، والأقوى
المنع مطلقا لجهالة المبيع ، بعد عدم كون التساوي متحققا في العبدين على نحو يلحقه
بالمثلي.
(٤) وهي جهالة
المبيع.
(٥) مع التساوي
وعدمه ، وهو قول الشيخ.
(٦) حتى في
المتساوي.
(٧) أي على وجه
ترتفع الجهالة.
(٨) أي والعبد
الموصوف من المسلم فيه.
(٩) كالسلف في
الجارية الحامل أو ذات الولد أو الشاة كذلك وسيأتي دليل المنع فيها في بابه.
(١٠) أي الحال
والسلم.
المصحح للبيع (فلو باعه) عبدا كذلك (١) (ودفع إليه (٢) عبدين للتخيير) أي ليتخير ما شاء منهما (فأبق أحدهما) من يده (٣) (بني) ضمان الآبق (على ضمان المقبوض
بالسوم) ، وهو الذي قبضه
ليشتريه فتلف في يده بغير تفريط ، فإن قلنا بضمانه كما هو المشهور (٤) ضمن هنا ،
لأنه (٥) في معناه (٦) ، إذ الخصوصية (٧) ليست لقبض السوم ، بل لعموم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (٨) ، وهو (٩) مشترك بينهما
وإن قلنا بعدم ضمانه (١٠) لكونه مقبوضا بإذن المالك والحال أنه لا تفريط فيكون
كالودعي لم يضمن هنا (١١) ، بل يمكن عدم الضمان هنا وإن قلنا به ثمة (١٢) ، لأن
المقبوض بالسوم مبيع بالقوة ، أو مجازا بما يؤول إليه (١٣) ، وصحيح المبيع وفاسده
مضمون (١٤).
بخلاف صورة الفرض (١٥)
، لأن المقبوض ليس كذلك (١٦) لوقوع البيع سابقا ، وإنما هو محض استيفاء حق ، لكن يندفع
ذلك (١٧) بأن المبيع لما كان أمرا
______________________________________________________
(١) أي موصوفا
سلما أو حالا.
(٢) إلى المشتري.
(٣) أي يد المشتري
من غير تفريط منه.
(٤) بل قيل بعدم
الخلاف فيه كما سيأتي دليله في أبحاث القبض.
(٥) لأن القبض
هنا.
(٦) أي معنى
السوم.
(٧) أي خصوصية
الضمان.
(٨) سنن البيهقي ج
٦ ص ٩٠ ، كنز العمال ج ٥ ص ٥٢٧ ، مغني ابن قدامة ج ٥ ص ١٩٨.
(٩) والعموم.
(١٠) أي بعدم ضمان
السوم.
(١١) في القبض
للتخيير.
(١٢) أي في السوم.
(١٣) إلى البيع.
(١٤) قد تقدم أن
ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فراجع.
(١٥) وهو المقبوض
للتخيير.
(١٦) أي ليس بيعا
بالقوة أو مجازا بعلاقة الأول.
(١٧) أي بأن
المقبوض هنا ليس بيعا.
كليا ، وكان كل
واحد من المدفوع صالحا لكونه فردا له (١) كان في قوة المبيع ، بل دفعهما للتخيير
حصر له (٢) فيهما ، فيكون (٣) بمنزلة المبيع حيث إنه (٤) منحصر فيهما ، فالحكم هنا
(٥) بالضمان أولى منه (٦).
(والمروي) عن الباقر عليهالسلام بطريق ضعيف (٧) ، ولكن عمل به الأكثر
______________________________________________________
(١) أي فردا
للكلي.
(٢) أي حصر لكلي
في العبدين المدفوعين.
(٣) أي فيكون
القبض هنا.
(٤) حيث إن المبيع
الكلي.
(٥) في الفردين.
(٦) أي أولى من
المقبوض بالسوم ، ووجه الأولوية : تحقق البيع هنا بخلاف السوم فإنه سيتحقق.
(٧) قد روى
الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي حبيب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن رجل
اشترى من رجل عبدا وكان عنده عبدان ، فقال للمشتري : اذهب بهما فاختر أيهما شئت
وردّ الآخر ، وقد قبض المال ، وذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده ، قال :
ليردّ الذي عنده منهما ، ويقبض نصف الثمن مما أعطى من البيع ـ البائع خ ل ـ ويذهب
في طلب الغلام ، فإن وجده اختار أيهما شاء ورد النصف الآخر الذي أخذ ، وإن لم يوجد
كان العبد بينهما نصفه للبائع ونصفه للمبتاع) .
والخبر صريح بكون
التالف بينهما ويرتجع نصف الثمن ، فإن وجده اختار ، وإلا كان الموجود لهما بناء
على انحصار حق المشتري فيهما ، وقد عمل به الشيخ في النهاية وابن ابراج ، بل في
الدروس نسبته إلى الأكثر ، وهو خبر ضعيف لجهالة ابن أبي حبيب ، ومخالف للقواعد
الشرعية من انحصار الحق الكلي قبل تعيينه في فردين ، وثبوت المبيع في نصف الموجود
المقتضي للشركة مع عدم الموجب لها ، ثم الرجوع إلى التخيير ولو وجد الآبق ، ونزّل
الخبر على تساويهما قيمة ومطابقتهما للمبيع الكلي وصفا ، وانحصار حق المشتري فيهما
حيث دفعهما إليه وعيّنهما للتخيير كما لو حصر الحق في واحد ، وعدم ضمان الآبق إما
بناء على عدم ضمان المقبوض بالسوم ، أو تنزيل هذا التخيير منزلة الخيار ـ
__________________
(انحصار حقه فيهما) على سبيل الإشاعة ، لا كون حقه أحدهما في الجملة. (وعدم ضمانه) أي الآبق (على المشتري فينفسخ نصف المبيع) ، تنزيلا للآبق منزلة التالف قبل القبض ، مع أن نصفه مبيع (ويرجع) المشتري (بنصف الثمن على البائع) وهو عوض التالف (ويكون) العبد (الباقي بينهما) بالنصف ، (إلا أن يجد الآبق
يوما فيتخير) (١) في أخذ أيهما شاء ، وهو (٢) مبني على كونهما بالوصف
المطابق للمبيع وتساويهما في القيمة.
ووجه انحصار حقه
فيهما كونه عيّنهما (٣) للتخيير ، كما لو حصر الحق في واحد ، وعدم ضمان الآبق إما
لعدم ضمان المقبوض بالسوم ، أو كون القبض على هذا الوجه يخالف قبض السوم ، للوجه
الذي ذكرناه (٤) أو غيره (٥) ، أو تنزيلا لهذا
______________________________________________________
ـ الذي لا يضمن
المشتري ما يتلف فيه.
للأخبار.
وهذا التنزيل مشكل
، أما انحصار الحق فيهما ففيه بأن المبيع أمر كلي لا يتشخص إلا بتشخيص البائع ،
ودفعه الاثنين ليتخيّر المشتري أحدهما ليس تشخيصا وإن حصر الأمر فيهما لأصالة بقاء
الحق في الذمة إلا أن يثبت شرعا كون ذلك كافيا وهو غير ثابت.
وأما تساويهما
قيمة ليلحقا بمتساوي الإجزاء كما عن العلامة في المختلف حتى استوجه جواز بيع عبد
منهما من غير تعيين كما تقدم كما يجوز بيع الصاع من الصبرة ، مع تنزيله على نحو
الإشاعة فيكون التالف منهما والباقي لهما ، ففيه منع تساوي العبدين على وجه يلحقان
بالمثلي ومنع بيع الصاع من الصبرة على نحو الإشاعة وقد تقدم سابقا في محله ، ومع
ذلك فاللازم لو كانت الإشاعة متحققة عدم ارتجاع نصف الثمن.
وأما عدم ضمان
الآبق فقد عرفت ما فيه ، فاللازم طرح الخبر لضعفه ومخالفته للقواعد والرجوع إلى
أصول المذهب وقواعده ، فلا بد ـ كما صرح به غير واحد من الأصحاب كما في الجواهر ـ من
الحكم بضمان المشتري للتألف لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، ومن الحكم
باستحقاقه المبيع فله المطالبة بالعبد الثابت في الذمة.
(١) أي المشتري.
(٢) أي حكم
الرواية.
(٣) أي البائع.
(٤) من وقوع البيع
سابقا.
(٥) كدعوى الإجماع
على ضمان المقبوض بالسوم.
التخيير منزلة
الخيار الذي لا يضمن الحيوان التالف في وقته (١).
ويشكل بانحصار
الحق الكلي قبل تعيينه في فردين ، ومنع ثبوت الفرق بين حصره في واحد ، وبقائه كليا
(٢) ، وثبوت المبيع في نصف الموجود المقتضي للشركة ، مع عدم الموجب لها (٣) ، ثم
الرجوع إلى التخيير لو وجد الآبق ، وأنّ دفعه الاثنين ليس تشخيصا وإن حصر الأمر
فيهما لأصالة بقاء الحق في الذمة إلى أن يثبت المزيل شرعا ، كما لو حصره في عشرة
وأكثر. هذا مع ضعف الرواية عن إثبات مثل هذه الأحكام المخالفة للأصول.
(وفي انسحابه (٤) في الزيادة على اثنين إن قلنا به) في الاثنين ، وعملنا بالرواية ، (تردد) (٥) من صدق (٦) العبدين في الجملة ، وعدم ظهور تأثير الزيادة
،
______________________________________________________
(١) قال الشارح في
المسالك : (وأما بناؤه على التالف في زمن الخيار فليس بشيء إذ لا خيار هنا).
(٢) قال الشيخ
أحمد التوني أحد المحشين على الروضة في هذا المورد : (ظاهره أن بناء كلام المستدل
على منع ثبوت الفرق بين حصر الحق في واحد وبقائه كليا ، وأن ذلك يكفيه في إلحاق
تعيين الحق في اثنين بتعينه في واحد ، وإجراء حكم الواحد في اثنين ، فأشكل ذلك
المنع إذ الفرق ثابت ، ولا يخفى ما فيه ، فإن الاستدلال مبني على ثبوت عدم الفرق
كما يقتضيه المنع ، والذي يخطر ببالي أن العبارة كانت هكذا : ويشكل الحكم بانحصار
الحق الكلي قبل تعيينه في فردين مع ثبوت الفرق ... ، وذلك لأن الحكم بانحصاره في
فردين لعله يعينهما للتخيير للإلحاق بتعيين الواحد الموجب لحصر الحق فيه ، ومع
ثبوت الفرق لا يتم الإلحاق ، فاشتبه على الناسخين من الأصل ، ويؤيده أن في بعض
النسخ العبارة كذلك) انتهى.
(٣) للشركة.
(٤) أي جريان حكم
الرواية.
(٥) قال الشارح في
المسالك : (وعلى الرواية لا يتعدى إلى غير انسحاب العبيد اقتصارا فيما خالف الأصل
على المنصوص لبطلان القياس ، وبه قطع الشيخ ، ولو تعددت العبيد ففي انحساب الحكم
وجهان ، من صدق العبدين في الجملة ، والخروج عن نفس المنصوص ، فإن قلنا به ـ أي
بالانسحاب ـ وكانوا ثلاثة فابق واحد فات ثلث المبيع وارتجع ثلث الثمن ، مع احتمال
بقاء التخيير لبقاء محله ، وعدم فوات شيء.
ولو كانا أمتين أو
عبدا أو أمة ففيه الوجهان ، وقطع في الدروس بانسحاب الحكم هنا ، ولو هلك أحد
العبدين ففي انسحاب الحكم الوجهان ، والأولى العدم في ذلك كله لو قلنا به ـ أي
بحكم الرواية ـ لما ذكرنا). أي لكونه غير منصوص.
(٦) دليل
الانسحاب.
مع كون محل
التخيير زائدا عن الحق (١). والخروج (٢) عن المنصوص المخالف للأصل ، فإن سحبنا
الحكم وكانوا ثلاثة فأبق واحد فات ثلث المبيع وارتجع ثلث الثمن إلى آخر ما ذكر (٣)
، ويحتمل بقاء التخيير (٤) وعدم فوات شيء (٥) ، سواء حكمنا بضمان الآبق أم لا ،
لبقاء محل التخيير الزائد عن الحق.
(وكذا لو كان المبيع غير عبد كأمة (٦) فدفع إليه أمتين أو إماء ، وقطع في الدروس بثبوت الحكم هنا
، (بل) في انسحاب الحكم (في أي عين كانت) كثوب وكتاب ، إذا دفع إليه منه اثنين ، أو أكثر ، التردد ،
من المشاركة (٧) فيما ظن كونه علة الحكم وبطلان (٨) القياس. والذي ينبغي القطع هنا
بعدم الانسحاب ، لأنه قياس محض لا نقول به ، ولو هلك أحد العبدين ففي انسحاب الحكم
الوجهان ، من أن (٩) تنزيل الإباق منزلة التلف يقتضي الحكم مع التلف بطريق أولى (١٠)
، ومن ضعفه (١١) بتنجيز (١٢) التنصيف من غير رجاء لعود التخيير ، بخلاف
______________________________________________________
(١) أي إعطاء
الاثنين للمشتري حتى يختار هو زيادة عن الحق ، فكذلك إعطاؤه أكثر من اثنين
للاختيار يكون زيادة عن الحق بلا فرق في المقامين فما يجري في الأول يجري في
الثاني.
(٢) دليل عدم
الانسحاب.
(٣) من كون
المشتري شريكا في الباقي ، ثم إذا وجد الآبق يكون المشتري بالخيار بين أخذ الآبق
أو أخذ غيره.
(٤) أي تخيير
المشتري بين أخذ أحد الاثنين الباقيين ، من دون انسحاب حكم الرواية إلى المقام ،
وذلك لأن حكم الرواية في مورد ما لو دفع إليه اثنين وآبق أحدهما فقد فات كل
التخيير ، وأما هنا فمحل التخيير باق.
(٥) أي من المبيع
إذ له اختيار عبد تام الأوصاف بخلاف المروي في صورة الاثنين.
(٦) في الأمة لعدم
خصوصية ذكورية العبد المذكور في الرواية.
(٧) دليل
الانسحاب.
(٨) دليل العدم.
(٩) دليل
الانسحاب.
(١٠) ووجهه واضح
من عبارة الشارح.
(١١) أي ومن ضعف
الانسحاب.
(١٢) أي بتعيين.
الإباق (١)
والأقوى عدم اللحاق هذا كله على تقدير العمل بالرواية ، نظرا إلى انجبار ضعفها بما
زعموه من الشهرة.
والذي أراه منع
الشهرة في ذلك (٢) ، وإنما حكم الشيخ بهذه ونظائرها على قاعدته (٣) ، والشهرة بين
أتباعه خاصة كما أشرنا إليه في غيرها. والذي يناسب الأصل (٤) أن العبدين إن كانا
مطابقين للمبيع تخير بين اختيار الآبق والباقي ، فإن اختار الآبق ردّ الموجود ولا
شيء له ، وإن اختار الباقي انحصر حقه فيه ، وبني ضمان الآبق على ما سبق (٥) ، ولا
فرق حينئذ بين العبدين ، وغيرهما من الزائد والمخالف (٦). وهذا هو الأقوى.
(الفصل الرابع : في
بيع الثمان ولا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها (٧)
______________________________________________________
(١) فيحتمل العود
ويرجع التخيير.
(٢) أي في
الرواية.
(٣) من العمل
بالخبر إذا حصل الوثوق به في الجملة.
(٤) أي أصل المذهب
وقواعده المقررة الثابتة من صحاح الأخبار.
(٥) من إلحاقه
بضمان السوم أو لا.
(٦) أي المخالف
للعبد كالأمة والثوب والكتاب.
(٧) لا يجوز بيع
الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا بلا ضميمة ، بلا خلاف فيه كما في المسالك ، ولذا
نسبه بعضهم إلى الضرورة كما في الجواهر للأخبار.
منها : خبر أبي
الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليهالسلام (كان أبو جعفر عليهالسلام يقول : إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا
يباعنّ حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه
شيء من الخضرة ـ الخضر ـ خ) ، وخبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الكرم متى
يحلّ بيعه؟ قال : إذا عقد وصار عروقا) ، وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تشتر النخل
حولا واحدا حتى يطعم ، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل) ، ومثله خبر أبي بصير ، وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن النخل والثمرة
يبتاعها الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر ، قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة
، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام ، وإن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل) .
__________________
وهو بروزها إلى
الوجود وإن كانت (١) في طلع ، أو كمام (٢) (عاما) واحدا.
______________________________________________________
ـ وعن الحدائق
الجزم بالصحة قبل ظهورها ، وقال (وإلى هذا يميل كلام جملة من محققي المتأخرين
كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني) ، اعتمادا على أخبار ظاهرة في الكراهة كصحيح
بريد بن معاوية (سألت أبا جعفر عليهالسلام ـ إلى أن قال ـ.
فأمرت محمد بن
مسلم أن يسأل أبا جعفر عليهالسلام عن قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في النخل ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسمع ضوضاء ، فقال : ما هذا؟ فيقل له : تبايع الناس النخل
، فقصد النخل العام ، فقال عليهالسلام : أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه الشيء
ولم يحرمه) ، وصحيح الحلبي (سئل أبو عبد الله عليهالسلام ـ إلى أن قال ـ وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض
فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها ، فقال : قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكانوا يذكرون ذلك ، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن
ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم) ، وصحيح ربعي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمّي الثمن وأستثني الكر من
الثمر أو أكثر ، أو العدد من النخل ، فقال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك ، بيع
السنتين ، قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم ، قال : أما إنك إن
قلت ذلك لقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحلّ ذلك فتظالموا ـ فتظلموا يب ـ فقال عليهالسلام : لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها) ، ولكن لا بد من تأويلها أو طرحها لمعارضتها للنصوص
السابقة وللقواعد المقررة من كون الثمرة المعدومة غير قابلة للنقل والانتقال قبل
وجودها ، لأن المبيع لا بد أن يكون موجودا.
(١) قيد للبروز
إلى الوجود ، قال في المسالك : (والمراد بظهور الثمرة خروجها إلى الوجود وإن كانت
في طلعها ، وفي حديث سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج
طلعها ، فقال : لا ، إلا أن يشتري معها غيرها ، رطبة أو بقلا ، وإن لم تخرج الثمرة
كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل) ، تنبيه على أن المراد بالظهور ما يشمل خروجه في الطلع ،
وفيه دليل على جواز بيعه عاما مع الضميمة ، إلا أنه مقطوع ، وحال سماعة مشهور ،
والمراد بالعام هنا ثمرة العام ، وإن وجدت في شهر واحد أو أقل) انتهى.
(٢) هو غلاف الطلع
والنور.
__________________
بمعنى ثمرة ذلك
العام وإن وجدت في شهر ، أو أقل ، سواء في ذلك ثمرة النخل ، وغيرها ، وهو موضع
وفاق ، وسواء ضم إليها شيئا (١) ، أم لا (ولا) بيعها قبل ظهورها أيضا (أزيد) من عام (على الأصح) (٢) ، للغر ، ولم يخالف فيه إلا
______________________________________________________
(١) أما مع عدم
الضميمة فلا خلاف فيه كما عرفت ، وأما مع الضميمة فالمشهور على المنع ـ كما في
المسالك ـ حيث لا تكون الضميمة هي المقصودة بالبيع لأنه بيع غرري ، وأما لو كانت
الضميمة مقصودة بالبيع كالثمرة فالظاهر الصحة وعليه تحمل موثقة سماعة المتقدمة.
(٢) ففي جواز
بيعها قبل ظهور التمرة عامين فصاعدا خلاف ، فالمشهور على عدم الجواز ، للانعدام
الموجب لعدم تحقق البيع مع أنه يشترط في البيع أن يكون موجودا ، وللغرر والجهالة
المانعين عن صحة البيع ، ولجملة من الأخبار.
منها : خبر أبي
بصير المتقدم عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن النخل
والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر ، قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها
من الآفة ، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام ، وإن شئت مع ذلك العام أو أكثر ، من
ذلك وأقل) ومفهوم ذيله ظاهر في المنع ، وخبر أبي الربيع السامي
المتقدم (وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة ـ
الخضر خ ل) ، وكذا الاستدلال بالمفهوم ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله
عليهالسلام (تقبل الثمار إذا
تبين لك بعض حملها سنة ، وإن شئت أكثر وإن لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجر) .
ولكن قيل لم يصرح
بالمنع أحد من القدماء قبل الفاضل ، بل ذهب إلى الجواز جماعة وقواه المحقق الثاني
والشارح في المسالك بل نسب إلى الصدوق القول به لجملة من الأخبار الصحيحة.
منها : صحيح
الحلبي (سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين فقال
: لا بأس ، تقول : إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل ، وإن اشتريته في سنة
واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس) ، وصحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شراء النخل ، فقال : كان أبي يكره شراء النخل قبل أن
يطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث كان ـ
__________________
الصدوق لصحيحة
يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام الدالة على الجواز ، ولا يخلو من قوة إن لم يثبت الإجماع
على خلافه (١).
(ويجوز) بيعها (بعد بدو صلاحها) (٢) إجماعا ، (وفي جوازه قبله
(٣) بعد
______________________________________________________
ـ يقول : إن لم
يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى ، قال يعقوب : وسألته عن الرجل يبتاع النخل
والفاكهة قبل أن يطلع سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا ، قال : لا بأس إنما يكره شراء
سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام (سألته عن شراء
النخل سنتين أيحلّ؟ قال : لا بأس يقول : إن لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إن شاء
الله) ومثلها غيرها.
واشتمالها على
التعليل والصراحة في الدلالة وصحة أسانيدها وكثرة عددها يوجب ترجيحها على الطائفة
الأولى.
(١) حيث ادعى ابن
إدريس الإجماع على المنع وقال (وقد اشتبه على بعض من أصحابنا ذلك ، ويظنون أنه
يجوز بيعها سنتين وإن كانت فارغة لم تطلع بعد وقت العقد ، وهذا خلاف ما يجدونه في
تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم وأخبار أئمتهم وفتاواهم) انتهى ، ولكن في الجواهر : (وإجماع
ابن إدريس مردود عليه بما عن غاية المراد للشهيد من أن الأصحاب لم يذكروه صريحا ،
ولا تعرض للمنع إلا جماعة منهم ، ونحو ذلك في المختلف).
(٢) يجوز بيع
الثمرة بعد ظهورها وبدو صلاحها ، بلا خلاف فيه لوجود المبيع حال البيع فتشمله أدلة
حلية البيع ، ثم لا فرق فيه بين بيعه عاما واحدا أو عامين ، وبشرط القطع وغيره ،
منفردة بيعت أو منضمة إلى شيء متمول مقصود بالبيع أو غيره للإطلاق.
(٣) أي هل يجوز
بيع الثمرة عاما قبل بدو الصلاح وبعد ظهورها من غير ضم ما يجوز بيعه إليها وبدون
شرط القطع أو لا ، فعن الإسكافي والصدوق في المقنع والتقي والمفيد والطوسي والقاضي
وابن حمزة والفاضل أنه لا يصح ، وعن الشيخ في التهذيب والاستبصار والحلي والآبي
والفاضل في جملة من كتبه وولده فخر المحققين والشهيدين والكركي والميسي والقطيفي
أنه يكره ، وعن سلار أنه يراعى في الصحة وعدمها السلامة ، وحجة الأول الأخبار.
ومنها : صحيح
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تشتر النخل
حولا واحدا
__________________
الظهور) من غير ضميمة ، ولا زيادة عن عام ، ولا مع الأصل ولا بشرط
القطع (خلاف ، أقربه الكراهة) ، جمعا بين الأخبار بحمل ما دل منها على النهي على الكراهة
، والقول الآخر للأكثر المنع ، (وتزول) الكراهة (بالضميمة) (١) إلى ما يصح إفراده بالبيع ، (أو شرط القطع) (٢) وإن لم يقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه (٣) ، (أو بيعها مع الأصول) (٤) وهو في معنى الضميمة ، (وبدو الصلاح) (٥) المسوغ
______________________________________________________
ـ حتى يطعم ، وإن
شئت أن تبتاعه سنتين فافعل) ومثله خبر أبي بصير ، وخبر أبي الربيع الشامي المتقدم .
وحجة الثاني هو الجمع بين هذه الأخبار
وبين ما دل على الجواز كصحيح الحلبي المتقدم (إلى أن قال ـ قد اختصموا في ذلك إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فكانوا يذكرون ذلك ، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ
الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم)
، وصحيح ربعي المتقدم ،
وغيرهما ، وهذه الطائفة ظاهرة في الكراهة ، ومما تقدم تعرف ضعف القول الثالث
لسلّار ولذا لم يلتفت إليه في بعض الكتب لأنه بلا دليل.
(١) قد تقدم
الكلام فيه فيما لو كانت قبل الظهور ، فبعده من باب أولى.
(٢) قال في
الجواهر : (لا خلاف عندهم في الجواز مع اشتراط القطع ، حيث لا تكون المعاملة معه سفها
، بل حكي عليه الإجماع مستفيضا أو متواترا ، مع أنه لا أثر له في النصوص ، فليس
ذلك إلا لأن اشتراط القطع يعيّن كون مراد المتبايعين هذا الموجود في هذا الحال ،
ولا ريب في أنه مال مملوك يجوز بيعه ، ولا يعتبر في الصحة تحقق القطع ، بل لو رضي
المالك بعد ذلك بالبقاء مجانا أو بأجرة جاز إجماعا في التذكرة.
(٣) على عدم
القطع.
(٤) لأن هذا البيع
هو بيع الثمرة مع الضميمة فيصح بالاتفاق ، ثم لو باعها عامين فصاعدا بعد ظهورها
وقبل بدو صلاحها فقد عرفت جوازه عند البحث في جواز بيعها عامين فصاعدا قبل ظهورها
، بل هو أدلى.
(٥) بدو الصلاح
الذي هو شرط الصحة أو لرفع الكراهة على الخلاف المتقدم هو احمرار البسر أو اصفراره
على المشهور بين الأصحاب لخبر الوشاء (سألت الرضا عليهالسلام : هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ قال : لا يجوز بيعه حتى يزهو
، قلت : وما الزهو جعلت فداك؟ ـ
__________________
للبيع مطلقا (١) ،
أو من غير كراهة وهو (احمرار التمر) بالمثناة من فوق مجازا (٢) في ثمرة النخل ، باعتبار ما
يؤول إليه ، (أو اصفراره) فيما يصفر ، (أو انعقاد ثمرة
غيره (٣) من شجر الفواكه (وإن كانت في كمام) بكسر الكاف جمع أكمّة ، بفتح
______________________________________________________
ـ قال : يحمرّ
ويصفرّ وشبه ذلك) ، وخبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ، ليس فيه غيره بسرا ـ غير
بسر ـ أخضر ، قال : لا حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : حتى يتلوّن) ، وخبر المناهي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (ونهى أن يبتاع
الثمار حتى تزهو ، يعني تصفرّ أو تحمرّ) والنبوي الآخر (ونهى عن بيع الثمر قبل أن يزهو ، وزهوه أن
يحمرّ أو يصفرّ) .
وزاد المحقق في
الشرائع والعلامة في الإرشاد بأن بدو الصلاح بأن تبلغ الثمرة مبلغا يؤمن عليها
العامة ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (سئل عن النخل
والثمرة يبتاعها الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر ، قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها
من العاهة) ، وللنبوي العامي (نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة) والنبوي العامي الآخر (لا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها
، قيل : وما بدو الصلاح؟ قال تذهب عاهتها ويخلص رطبها) ، والمرجع فيه إلى العرف ، ويحتمل أن الاحمرار والاصفرار
هو الحد الذي يؤمن عليها من العاهة فلا خلاف بين الأخبار ، نعم نقل العلامة في
التذكرة عن البعض أن بدو الصلاح حين طلوع الثري لما روته العامة (أن ابن عمر روى
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة ، فقال له عثمان بن
عبد الله سراقة : ومتى ذلك؟ قال : إذا طلعت الثريا) وردّ بأن هذه التتمة من كلام ابن عمر لا قول للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(١) من دون أي قيد
بناء على الحرمة قبل بدو الصلاح.
(٢) إذ لا يقال
حين الاحمرار أنه تمر بل يقال : بسر ، ولكن صح إطلاق الثمر عليه باعتبار أنه يؤول
إليه.
(٣) اعلم أن البحث
المتقدم مختص في ثمرة النخل ، ولكن ظاهر النصوص والفتاوى ـ كما في الجواهر ـ اتحاد
حكم ثمرة النخل مع ثمرة باقي الأشجار بالنسبة إلى ما قبل الظهور
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وبعده ، ولكن
نقل عن العلامة الفرق بين ثمرة النخل وثمرة غيره ، فجوّز بيع الأول بعد ظهورها قبل
بدو الصلاح عامين ، ومنعه في الثانية وقال في الجواهر : (إن الذي وقعنا عليه من
كلامه صريح في خلافه).
وعلى كل فلا يجوز
بيع ثمرة الأشجار قبل ظهورها عاما ، وفي العامين ومع الضميمة ما تقدم من الجواز ،
وبعد الظهور وقبل بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع أو الضميمة أو عامين ، وبدون ذلك
ففيه البحث السابق في ثمرة النخل ، ولكن حدّ الصلاح فيها أن ينعقد الحب من غير شرط
الزيادة على الأشهر كما عن الكفاية ، وعن الشيخ في النهاية وجماعة أن حده انعقاد
الحب وتناثر الورد ، وعن الشيخ في المبسوط قال (وبدو الصلاح يختلف ، فإن كانت
الثمرة مما تحمرّ أو تسودّ أو تصفرّ فبدو الصلاح فيها حصول هذه الألوان ، وإن كانت
مما تبيض فبأن تتموّه ، وهو أن يتموّه فيها الماء الحلو ويصفو لونها ، وإن كانت
مما لا تتلون مثل التفاح فبأن يحلو ويطيب أكله ، وإن كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه
النضج ، قال : وقد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة ، فأما ما
يتورد فبدو صلاحه أن ينتثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وإن كان
مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه ، فإن ذلك يؤكل صغارا فبدو صلاحه
أن يتناهى عظم بعضه) انتهى.
هذا وقد تقدم عرض
نصوص التلون من الاحمرار والاصفرار في ثمرة النخل ، وقد تقدم أن التلون المذكور
شرط في بيع ثمرة غيره كما في حديث المناهي المتقدم (ونهى أن يبتاع الثمار حتى تزهو
، يعني تصفرّ أو تحمرّ) والنبوي الآخر (ونهى عن بيع الثمر قبل أن يزهو ، وزهوه أن
يحمرّ أو يصفرّ) فما عن الشيخ في المبسوط في كلامه المتقدم أن المروي هو
اعتبار التلون في ثمرة النخل فقط ليس في محله.
هذا من جهة ومن
جهة أخرى يشهد للقول الأول موثق عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الكرم
متى يحلّ بيعه؟ قال : إذا عقد وصار عروقا) كما في الكافي ، (وصار عقودا) كما في التهذيب ، والعروق والعقود هو اسم للحصرم بالنبطية
على ما قيل ، وبناء عليه لا واسطة بين بدو الصلاح والانعقاد بخلاف ثمرة النخل إذ
قد تنعقد ـ ـ ولا تحمر ولا تصفر إلا بعد مدة.
__________________
الهمزة وكسر الكاف
وفتح الميم مشددة ، وهي غطاء الثمرة والنّور كالرمان ، وكذا لو كانت في كمامين
كالجوز واللوز ، وهذا هو (١) الظهور المجوّز للبيع أيضا.
وإنما يختلف بدوّ
الصلاح والظهور في النخل ، ويظهر (٢) في غيرها (٣) عند جعله (٤) تناثر الزهر بعد
الانعقاد ، أو تلون الثمرة (٥) ، أو صفاء لونها ، أو الحلاوة ، وطيب الأكل في مثل
التفاح ، أو النضج في مثل البطيخ أو تناهي عظم بعضه في مثل القثاء كما زعمه الشيخ رحمهالله في المبسوط.
(ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها) (٦) وإن لم يتناه عظمها (لقطة ولقطات)
______________________________________________________
ويشهد للثاني خبر
ابن شريح عن أبي عبد الله عليهالسلام (وبلغني أنه قال
في ثمر الشجر : لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته ، فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال :
إذا عقد بعد سقوط ورده) ، إلا أن يقال كما في الجواهر : (ولعل الانعقاد دائما يكون
بعد تناثر الورد كما هو ظاهر الخبر) فيتحد القولان ، والجمع بين هذين الخبرين وبين
أخبار التلون والزهو الواردة في بيع الثمار غير ثمرة النخل وقد تقدمت يفيد أن
الصلاح في كل ثمرة بحسب شأنها ، فلا بد أن يختلف باختلاف الثمار ولذا يقرب قول
الشيخ في المبسوط وتبعه عليه ابن البراج في المهذب وغيره ، وعلى هذا القول هناك
واسطة بين بدو الصلاح وبين الانعقاد.
(١) أي الانعقاد ،
وعليه فالانعقاد محقق لبدو الصلاح فلا واسطة بينهما.
(٢) أي الاختلاف.
(٣) غير ثمرة
النخل.
(٤) أي جعل بدو
الصلاح كما هو رأي الشيخ في النهاية.
(٥) كما هو رأي
الشيخ في المبسوط.
(٦) يجوز بيع
الخضر كالخيار والبطيخ والقثاء والباذنجان بعد انعقادها وإن لم يتناهى عظم بعضها ،
بناء على أن الانعقاد هو بدو صلاحها ، وكذلك يجوز بيع البقول بعد ظهوره وبيع ما
يخرط بعد تحققه ، ويجوز بيعها لقطة ولقطات بالنسبة للخضر ، وجزه وجزات بالنسبة
للبقول ، وخرطة وخرطات بالنسبة لما يخرط ورقه كالحنا والتوت ، بلا خلاف فيه كما
يشهد له موثق سماعة (سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات؟ ـ
__________________
معينة) أي معلومة العدد ، (كما يجوز شراء
الثمرة الظاهرة ، وما يتجدد في تلك السنة ، وفي غيرها) مع ضبط السنين ، لأن الظاهر منها (١) بمنزلة الضميمة إلى
المعدوم ، سواء كانت المتجددة من جنس الخارجة ، أم غيره.
(ويرجع في اللقطة إلى العرف) فما دل على صلاحيته للقطع يقطع وما دل على عدمه لصغره ، أو
شكّ فيه لا يدخل ، أما الأول فواضح وأما المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه
، وعدم دخوله فيما أخرج باللقط ، (فلو امتزجت
الثانية) بالأولى (٢)
لتأخير المشتري (٣) قطعها في أوانه (تخير المشتري بين
الفسخ والشركة) ، للتعيب بالشركة ، ولتعذر تسليم المبيع منفردا ، فإن اختار الشركة
______________________________________________________
ـ فقال : إذا رأيت
الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت منه من خرطة) وخبر معاوية بن ميسرة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا جزة بعدها ، قال :
لا بأس به ، ثم قال : قد كان أبي يبيع الحناء كذا وكذا خرطة) .
والمرجع في اللقطة
والجزة والخرطة إلى العرف سواء كانت اللقطات وما بعدها موجودة حال البيع ، أو لم
يكن موجودا غير الأول ، وانعدام ما عدا الأولى بعد ضمه إليها لا يضر بصحة البيع
لأنه بمنزلة المتجدد من الثمرة في السنة أو في العام المقبل ، نعم لو باع الثانية
خاصة أو ما بعدها مما لم يوجد لم يصح للجهالة.
(١) من الثمرة.
(٢) بحيث لو اشترى
لقطة من الخضراوات فامتزجت بالمتجددة من غير تمييز ، فقد ذهب العلامة في القواعد
إلى ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشراكة عند مماحكة البائع من دون فرق بين أن
يكون تجدد ذلك قبل القبض أو بعده وسواء كان الاختلاط بتفريط المشتري أم لا ، وثبوت
الخيار للمشتري للتعيب بالشركة وتعذر تسليم المبيع منفردا.
وأشكل عليه المحقق
الثاني في جامعه بأن هذا الحكم يثبت لو كان التجدد قبل القبض مع عدم التفريط من
المشتري ، وأما إذا كان بعد القبض فلا خيار له لاستقرار البيع وبراءة البائع من
دركه ، بل قيل : بأن للبائع الفسخ حينئذ لعيب الشركة إذا لم يكن تأخير القطع بسببه
، ومنه تعرف ما لو كان التأخير بتفريط المشتري قبل القبض فلا يكون مضمونا على
البائع لأن عيب الشركة إنما جاء من جهة المشتري.
(٣) هذا القيد لا
داعي له بعد ملاحظة كلام الماتن.
__________________
فطريق التخلص
بالصلح (ولو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ ، لعيب الشركة نظر ،
أقربه ذلك (١) إذا لم يكن تأخر القطع بسببه) بأن يكون قد منع المشتري منه.
(وحينئذ) أي حين إذ يكون الخيار للبائع (لو كان الاختلاط بتفريط المشتري مع تمكين البائع ، وقبض المشتري أمكن عدم
الخيار للمشتري) ، لأن التعيب جاء من قبله فيكون دركه عليه ، لا على البائع كما لو حصل مجموع
التلف من قبله ، (ولو قيل (٢) : بأن الاختلاط إن كان قبل القبض تخير المشتري) مطلقا (٣) ، لحصول النقص مضمونا على البائع كما يضمن
الجملة كذلك (٤).
(وإن كان بعده (٥) ، فلا خيار لأحدهما) ، لاستقرار البيع بالقبض ، وبراءة البائع من دركه بعده (كان قويا) وهذا القول لم يذكر في الدروس غيره جازما به ، وهو حسن إن لم يكن الاختلاط
قبل القبض بتفريط المشتري ، وإلا فعدم الخيار له أحسن ، لأن العيب من جهته فلا يكون
مضمونا على البائع (٦). وحيث يثبت الخيار للمشتري بوجه لا يسقط ببذل البائع له ما
شاء ، ولا الجميع على الأقوى (٧) ، لأصالة بقاء الخيار وإن انتفت العلة (٨)
الموجبة له (٩) ، كما لو بذل للمغبون التفاوت ، ولما (١٠) في قبول المسموح به من
المنّة.
______________________________________________________
(١) أي الفسخ.
(٢) هذا القول
مبني على القبض ، والقول السابق مبني على التفريط.
(٣) سواء كان
التفريط من المشتري أم لا.
(٤) أي قبل القبض.
(٥) بعد القبض.
(٦) وهذا جمع بين
عدم القبض والتفريط ، فالمبيع مضمون على البائع قبل القبض لكن بشرط أن لا يكون
هناك تفريط من المشتري وإلا فدركه عليه.
(٧) وفي قباله
احتمال سقوط الخيار لانجبار النقص المتصور من القسمة والضرر الحاصل من الشركة ببذل
البائع ، والمعلول ينتفي بانتفاء علته.
(٨) وهي الشركة.
(٩) للخيار ،.
(١٠) دليل ثان
لعدم سقوط خيار المشتري ببذل البائع له ما يشاء أو بذله الجميع.
(وكذا يجوز بيع ما يخرط) (١) أصل الخرط أن يقبض باليد على أعلى القضيب ثم يمرّها عليه
إلى أسفله ليأخذ عنه الورق ، ومنه المثل السائر «دونه خرط القتاد» (٢) ، والمراد
هنا ما يقصد من ثمرته ورقه (كالحناء والتوت) بالتاءين المثناتين من فوق (خرطة وخرطات ، وما
يجزّ كالرطبة) (٣) بفتح الراء وسكون الطاء وهي الفصّة (٤) والقضب (٥) ، (والبقل) كالنعناع (جزّة وجزّات ، ولا تدخل الثمرة) بعد ظهورها (في بيع الأصول) مطلقا (٦) ، ولا غيره من العقود ، (إلا في) ثمرة (النخل) فإنها تدخل في
بيعه (٧) خاصة (بشرط عدم التأبير) ، ولو نقل أصل النخل
______________________________________________________
(١) قد تقدم
الكلام فيه.
(٢) والقتاد شجر
له شوك لا يتيسر خرطه لذلك.
(٣) قد تقدم
الكلام فيه.
(٤) نبات تعلفه
الدواب ، ويسمّى بذلك ما دام رطبا كما في المنجد.
(٥) كل نبت اقتضب
وأكل طريا.
(٦) من أي ثمرة
كانت ، هذا ويجوز بيع التمرة بعد ظهورها وبدو صلاحها على ما تقدم ، ويجوز بيعها
منضمة إلى الأصول وإن لم يبد صلاحها لأنها مباعة مع الضميمة وقد عرفت جوازه ، ولو
باع الأصول قبل ظهور الثمرة فلا إشكال ، ولو باعها بعد ظهور الثمرة وانعقادها ، لم
تدخل الثمرة في البيع إلا بالشرط بلا خلاف فيه للأصل بعدم عدم التبعية بين الثمرة
وأصلها ، وكذا لو نقل الأصول بغير البيع.
وحيث لا تدخل
الثمرة في بيع أصولها وجب على المشتري إبقاؤها مجانا إلى أوان بلوغها إذا كان
المعتاد قطعها عنده وإلا قبله تبعا للعرف ، ولو اضطرب العرف فالأغلب ، ومع التساوي
يجب التعيين ، فإن أطلق احتمل البطلان ، واحتمل التنزيل على أقل المراتب لأنه
المتيقن ، واحتمل التنزيل على أعلاها صيانة لمال البائع ، هذا مع أنه ما يحدث من
الثمرة بعد الابتياع فهو للمشتري بلا خلاف ولا إشكال لأنها نماء ملكه ، ولو امتزجا
فيأتي فيه الكلام المتقدم عند امتزاج المتجدد في الخضراوات.
(٧) أي في بيع
النخل ، على خلاف الأصل لأن النخلة لا تتناول ثمرتها ، ولكن الحكم المذكور مما قد
دلت عليه الأخبار وهي : خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن ثمر النخل للذي أبرّها إلا أن يشترط المبتاع) ، وخبر يحيى ـ
__________________
بغير البيع فكغيره
من الشجر.
(ويجوز استثناء ثمرة شجرة معينة ، أو شجرات) (١) معينة ، (وجزء مشاع)
______________________________________________________
ـ بن العلاء عن
أبي عبد الله عليهالسلام (من باع نخلا قد
لقح فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : من باع نخلا قد أبره فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع
، ثم قال : قضى به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، ومنطوقها أن النخل المؤبر ثمرته للبائع ، ومفهومها إن لم
يؤبر فثمرته للمشتري ، والسند غير نقي ودلالة المفهوم ضعيفة لكن يجبر ذلك بفهم
الأصحاب حيث أفتوا بهذا الحكم ، أعني أن النخل غير المؤبر فثمرته للمشتري مع أن
الأصل يقتضي بقاء الملك لمالكه وعدم انتقاله إلى المشتري بعد عدم تناول اسم النخلة
لثمرتها ، ولم يخالف إلا ابن حمزة حيث جعل الثمرة للبائع بعد بدو الصلاح وللمشتري
قبله وهو ضعيف لوجود هذه الأخبار ولمخالفته للأصل المقتضى لبقاء الثمرة على ملك
البائع ولو بعد الصلاح.
ثم لا خلاف عندنا
لو انتقل النخل بغير البيع فالثمرة للناقل سواء كانت مؤبّرة أو لا ، وسواء كان
النقل بعقد معاوضة كالإجارة والنكاح أو بغير عوض كالهبة وشبهها وذلك لأن الحكم
بكون الثمرة قبل التأبير للمشتري على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص وهو
البيع ، وخالف الشافعي حيث الحق بالبيع ما شابهه من عقود المعاوضات قياسا عليه ،
ونقل التعميم عن الشيخ في المبسوط والقاضي ، وهو ضعيف لحرمة القياس.
ثم إن التأبير هو
تشقيق طلع الإناث وذرّ طلع الذكور فيه ليجيء رطبها أجود مما لم يؤبر ، والعادة
الاكتفاء بتأبير البعض والباقي بتشقق بنفسه ويهب ريح الذكور إليه ، وقد لا يؤبر شيء
ويتشقق الكل ويتأبر بالرياح ، خصوصا إذا كانت الذكور في ناحية الصبا فهبّ الصبا
وقت التأبير كما في المسالك.
(١) بعينها بلا
خلاف فيه ولا إشكال ، وكذا يجوز استثناء جزء معين من الشجرة كعذق معين منها ، نعم
لو أبهم في شيء من ذلك بطل بلا خلاف فيه للجهالة في المبيع.
وكذا يجوز استثناء
حصة مشاعة من الثمرة كالثلث والربع بلا خلاف فيه ، ويجوز استثناء أرطال معينة على
المشهور شهرة عظيمة لصحيح ربعي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام (إن لي نخلا
بالبصرة فأبيعه وأسمّي الثمن ، وأستثني الكر من الثمر أو أكثر أو العدد من النخل ،
ـ
__________________
كالنصف ، والثلث ،
(وأرطال معلومة ، وفي هذين) الفردين ، وهما استثناء الجزء المشاع ، والأرطال المعلومة (يسقط من الثنيا (١) وهو المستثنى (بحسابه) أي نسبته (٢) إلى الأصل (لو خاست الثمرة) بأمر من الله تعالى.
(بخلاف المعيّن) كالشجرة والشجرات (٣) ، فإن استثناءها كبيع الباقي منفردا
، فلا يسقط منها (٤) بتلف شيء من المبيع شيء (٥) ، لامتياز حق كل واحد منهما عن
صاحبه ، بخلاف الأول (٦) لأنه حق شائع في الجميع فيوزّع الناقص عليهما (٧) إذا
______________________________________________________
ـ فقال : لا بأس) ، وخبره الآخر عنه عليهالسلام (في الرجل يبيع
الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا ، قال : لا بأس به ، وكان مولى له عنده جالسا فقال
المولى : إنه ليبيع ويستثني أوساقا يعني أبا عبد الله عليهالسلام ، قال : فنظر إليه ولم ينكر ذلك من قوله) .
خلافا لأبي الصلاح
منا والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل من غيرنا ، فلم يجوزوه لأدائه إلى جهالة
مقدار المبيع من المشاهد الذي طريق معرفته المشاهدة ، وهو اجتهاد في قبال النص.
(١) بالضم اسم من
الاستثناء.
(٢) أي نسبة
المستثنى ، فلو خاست الثمرة فيسقط من المستثنى إذا كان حصة مشاعة أو أرطالا معلومة
بحسابه ، وقد نفى فيه الخلاف في الجواهر ، وطريق التوزيع : فإذا كان المستثنى حصة
مشاعا فيقدر المجموع بالتخمين على فرض السلامة ثم يقاس إلى المجموع الناتج على فرض
النقصان ، ويؤخذ من المستثنى بهذه النسبة ، فمثلا لو قدّر المجموع سليما بمائة وهو
خمسون على تقدير النقصان فالنسبة النصف ، وبهذه النسبة يسقط من المستثنى ـ أعني
النصف ـ.
وإذا كان المستثنى
أرطالا معلومة فيقدر المجموع على فرض السلامة ثم يقدر على فرض النقصان فإذا كانت
النسبة ثلثا أو نصفا مثلا فيسقط منه الأرطال المعلومة بمقدار هذه النسبة.
(٣) فلو خاست
الثمرة فلا يسقط من المستثنى شيء ، باعتبار امتياز المبيع عنها.
(٤) من ثمرة
الشجرة والشجرات المعينة.
(٥) فاعل لقوله (فلا
يسقط).
(٦) وهو ما لو كان
المستثنى مشاعا أو أرطالا معلومة.
(٧) على المستثنى
والمستثنى منه.
__________________
كان التلف بغير
تفريط.
قال المصنف رحمهالله في الدروس (١) : وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع
من الصبرة على الإشاعة ، وقد تقدّم ما يرجّح عدمه ، ففيه سؤال الفرق.
وطريق توزيع النقص
على الحصة المشاعة (٢) : جعل الذاهب عليهما ، والباقي
______________________________________________________
(١) قال المصنف في
الدروس في بحث بيع الثمار : (وللبائع استثناء حصة مشاعة من الثمرة وأرطال معلومة
فيحمل على الإشاعة ، حتى لو تلف شيء سقط من الثنيا مقابلها إذا كان بغير تفريط في
الموضعين ، أما لو استثنى ثمر شجرات بعينها فلا ، وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل
شراء صاع من الصبرة على الإشاعة) انتهى.
ومراده أن توزيع
الخسارة عليهما بالنسبة دليل على أن استثناء حصة مشاعة أو أرطال معلومة من المبيع
توجب الشراكة في كل جزء من أجزاء المبيع بنسبة المستثنى ، فكذلك يجب الحكم
بالشراكة في بيع الصاع من الصبرة ، بحيث يكون كل جزء من أجزاء الصبرة مشتركا بنسبة
الصاع إلى الصبرة ولازمه كون النقص عليهما.
وقال الشارح ما
مضمونه : إنه قد تقدم في مسألة بيع الصاع من الصبرة ـ وقد تعرض لها الماتن والشارح
هنا في المسألة السابعة من مسائل شرائط المبيع ـ أنه بيع كلي في معين كما هو
المشهور وليس بيعا على أنه جزء من الصبرة على نحو الإشاعة. ، وقد تقدم الدليل عليه
من أنه المنسبق إلى الفهم ولصحيح بريد بن معاوية المتقدم ، ولازمه أن التلف إنما يكون من البائع ولا خسارة على
المشتري.
ثم تسأل الشارح
بالفرق بين بيع الصاع من الصبرة وأن الخسارة على البائع وبين استثناء حصة مشاعة من
التمرة وأن الخسارة عليهما بالنسبة ، والفرق واضح حيث إن بيع الصاع من الصبرة هو
من باب الكلي في المعيّن كما تقدم ، فهو في الذمة لا في الصبرة فالخسارة اللاحقة
على الصبرة واقعة في مال البائع فقط ، وأما الحصة المشاعة أو الرطل من الثمرة كما
في مقامنا فهو ليس في الذمة بل في ضمن ثمرة هذه الشجرات الموجودة خارجا فلا محالة
إذا وقع عليها خسارة أن تكون عليهما معا ، فالفرق واضح بين الصورتين فلا وجه للسؤال.
(٢) قد تقدم
بيانه.
__________________
لهما على نسبة
الجزء.
وأما في الأرطال
المعلومة فيعتبر الجملة (١) بالتخمين ، وينسب إليها المستثنى ، ثم ينظر الذاهب
فيسقط (٢) منه بتلك النسبة.
(مسائل)
(الأولى ـ لا يجوز بيع الثمرة بجنسها) (٣) أي نوعها الخاص كالعنب بالعنب
______________________________________________________
(١) أي مجموع
الثمرة على تقدير الصحة.
(٢) من المستثنى.
(٣) يجوز بيع ثمرة
النخل أو غيره إذا كانت على أصولها بالأثمان أو بالعروض أو بهما معا ، أو بغيرهما
من المنافع والأعمال ونحوهما ، كغيرها من أفراد المبيع بلا خلاف فيه ولا إشكال
للأصل.
نعم لا يجوز بيع
الثمر في رءوس النخل بالثمر بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح عبد
الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام (نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المحاقلة والمزابنة قلت : وما هو؟ قال : أن يشتري حمل
النخل بالثمر والزرع بالحنطة) وموثقه الآخر عن عليهالسلام (نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المحاقلة والمزابنة ، فقال : المحاقلة بيع النخل بالتمر
، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة) وخبر القاسم بن سلام مسندا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (نهى عن بيع
المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة بيع ٤ الزرع وهو في سنبله بالبر ، والمزابنة بيع
الثمر في رءوس النخل بالتمر) .
هذا وبيع ثمرة
النخل بالثمر تسمى المزابنة ، وهي مفاعلة من الزبن ، بمعنى الدفع ، ومنه الزبابنة
لأنهم يدفعون الناس إلى النار ، وهذه المعاملة سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين
، ويكثر فيها الغبن ، وكل منها يريد دفعه عن نفسه إلى الآخر فيتدافعان ، وهل بيع
التمر في رءوس النخل بالتمر تسمى المزابنة أو لا ، فالمشهور بين الأصحاب مع نص أهل
اللغة على ذلك ويشهد له خبر ابن سلام المتقدم ، وعن سلار أن بيع التمر في رءوس
النخل بالتمر تسمى محاقلة ، ومال إليه الكاشاني والبحراني ويشهد لهم موثق عبد
الرحمن المتقدم (المحاقلة بيع النخل بالتمر والمزابنة بيع السنبل بالحنطة) ، ولا
بد من حمله على المجاز لما سمعت ومنه تعرف أن صحيح عبد الرحمن المتقدم مبني على
اللف والنشر غير المرتبين حيث ذكر المحاقلة أولا وفسرها أخيرا وذكر المزابنة ثانيا
وفسرها أولا. ـ
__________________
والزبيب ، والرطب
بالرطب والتمر (على أصولها) ، أما بعد جمعها فيصح مع التساوي (١) (نخلا كان) المبيع ثمره ، (أو غيره) من الثمار إجماعا في الأول (٢) ، وعلى المشهور في الثاني (٣)
، تعدية (٤) للعلة المنصوصة (٥) في المنع من بيع الرطب
______________________________________________________
ـ ثم هل المزابنة
تختص ببيع تمر النخل بتمر منه فقط وهو القدر المتيقن من المزابنة أو يشمل بيعه
بتمر ولو كان موضوعا على الأرض على المشهور لإطلاق الأخبار المتقدمة.
ثم هل يجوز ذلك في
غير ثمرة النخل من شجر الفواكه كما قد صرح به جماعة لاختصاص المزابنة بالنخل فيبقى
غيره على القواعد ، وعن المشهور وهو غير متحقق كما في الجواهر أنه لا يجوز ، لأنه
لا يؤمن الربا ، وفيه : إن الثمرة على الشجرة ليست ربوية ، لأنها تباع بالمشاهدة
والربا مختص بالمكيل والموزون ، ومنه تعرف ضعف الاستدلال بالربا على حرمة المزابنة
في ثمرة النخل أيضا.
(١) لأنه بعد
الجمع تكون الثمرة من الموزون أو المكيل على حسب اختلاف الأزمان والبلدان فيشترط
التساوي بين العوضين حذرا من البيع الربوي.
(٢) وهو بيع ثمرة
النخل بالتمر.
(٣) وهو بيع ثمرة
غير النخل من شجر الفواكه بجنسها.
(٤) تعليل للحكم
المشهوري في الثاني.
(٥) قد ورد في
الأخبار النهي عن بيع التمر اليابس بالرطب مثلا بمثل لأنه بعد يسبه ينقص فيدخل
الربا كما ورد في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يصلح الثمر
اليابس بالرطب من أجل أن الثمر يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث : (أن أمير المؤمنين عليهالسلام كره أن يباع الثمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل ، من
أجل أن الثمر ييبس فينقص من كيله) ، وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يصلح الثمر
بالرطب ، إن الرطب رطب والثمر يابس ، فإذا يبس الرطب نقص) ، وإذا ثبتت العلة المنصوصة للمنع من بيع الرطب باليابس ،
وهي نقصان الرطب عند الجفاف ، فهي تشمل المقام لو بيع الثمرة في رءوس شجر الفواكه
بجنسها ، لأن الثمرة رطبة والثمن يابس كبيع العنب بالزبيب فلا يصلح بيعه مثلا بمثل
لدخول الربا.
وفيه : عدم ثبوت
العلة المنصوصة لو بيع عنب الكرم بعنب مطروح على الأرض لا بالزبيب ، على أن العلة
المنصوصة مختصة في الرطب والتمر إذا بيعا بالكيل أو الوزن ، ومقامنا يباع
بالمشاهدة فلا تجري فيه أدلة البيع الربوي.
__________________
بالتمر وهي (١)
نقصانه عند الجفاف إن بيعت (٢) بيابس ، وتطرق (٣) احتمال الزيادة في كل من العوضين
الربويين. ولا فرق في المنع بين كون الثمن منها (٤) ، ومن غيرها (٥) وإن كان الأول
أظهر منعا (٦).
(ويسمى في النخل مزابنة) وهي مفاعلة من الزبن ، وهو الدفع ومنه الزبانية ، سميت
بذلك (٧) لبنائها على التخمين المقتضي للغبن ، فيريد المغبون دفعه ، والغابن خلافه
فيتدافعان ، وخصّ التعريف بالنخل للنص عليه بخصوصه مفسرا به المزابنة في صحيحة عبد
الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليهالسلام : وألحق به (٨) غيره لما ذكرناه (٩) وفي إلحاق اليابس وجه (١٠)
، والرطب نظر.
(ولا بيع السنبل بحب منه (١١) ، أو من غيره من جنسه ،
ويسمّى محاقلة) (١٢)
______________________________________________________
(١) أي العلة
المنصوصة.
(٢) أي الثمرة حال
كونها رطبة.
(٣) دليل ثان
للمنع ، لأن ما على الشجرة يباع بالتخمين فيأتي احتمال الزيادة في كل من العوضين ،
وهما ربويان فلا يجوز ، وفيه : قد عرفت أن الثمرة على الشجرة ليست ربوية.
(٤) من نفس الشجرة
، وهو القدر المتيقن من المزابنة بمعنى بيع الثمرة في رءوس النخل بمقدار منها.
(٥) أي من شجرة
أخرى.
(٦) لاتحاد الثمن
والمثمن.
(٧) أي سميت هذه
المعاملة بالمزابنة.
(٨) بالنخل.
(٩) من تعدية
العلة المنصوصة وتطرق احتمال الزيادة.
(١٠) أي إلحاق غير
النخل بالنخل له وجه في اليابس ، كما لو بيعت ثمرة الشجر باليابس كبيع عنب الكرم
بالزبيب تعدية للعلة المنصوصة ، ولكنه في الرطب كبيع عنب الكرم بالعنب نظر بل يجوز
لعدم تطرق احتمال الزيادة ، وفيه : قد عرفت أنه جائز مطلقا إلا في النخل للنص.
(١١) أي من نفس السنبل.
(١٢) قد تقدم دليل
المنع عند الكلام في المزابنة ، والمحاقلة هي بيع حب السنبل بالحب سواء كان الثمن
من نفس حب السنبل الذي وقع مثمنا أم من غيره من جنس الحنطة لإطلاق ـ
مأخوذ من الحقل
جمع حقلة وهي الساحة التي تزرع ، سميّت بذلك لتعلقها بزرع في حقلة ، وخرج بالسنبل
بيعه قبل ظهور الحب فإنه جائز ، لأنه حينئذ غير مطعوم (١) ، (إلا العريّة (٢):) هذا استثناء من تحريم بيع المزابنة ، والمراد بها النخلة
______________________________________________________
ـ الأخبار
المتقدمة أيضا ، هذا والمحاقلة مفاعلة من الحقل والحقل جمع حقلة وهي الساحة التي
تزرع ، سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقلة ، وأطلق اسم الحقل على الزرع مجازا من باب
إطلاق المحل على الحال أو من باب المجاورة ، فكأنه عند بيع الزرع بالزرع قد باع
حقلا بحقل لإطلاق الحقل على الزرع فلذا سميت محاقلة.
هذا ويطلق على
المبيع هنا الزرع كما في صحيح عبد الرحمن وخبر ابن سلام المتقدمين ويطلق عليه
السنبل كما في موثق عبد الرحمن المتقدم ، ولذا عبّر بعض الفقهاء بالزرع وبعضهم
كالماتن هنا بالسنبل.
(١) قال في
المسالك : (قال في التذكرة : لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه
حشيش وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا ، ولا يشترط التقابض في
الحال) وهو لا مخالف فيه كما في الجواهر للأصل بعدم عدم جريان الربا فيه لأنه ليس
من المكيل أو الموزون لأنه يباع بالمشاهدة.
(٢) لو كانت نخلة
شخص في دار آخر فيجوز لمالك الدار أن يشتري ثمر هذه النخلة بتمر من غيرها ، وهذه
هي مسألة العرية المشهورة ، وهي مستثناة من تحريم بيع المزابنة بلا خلاف فيه بيننا
للأخبار.
منها : خبر
السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام (رخّص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في العرايا بأن تشتري بخرصها تمرا ، قال : والعرايا جمع
عرية وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا ولا
يجوز ذلك في غيره) ، وخبر القاسم بن سلام مسندا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه رخّص في
العرايا ، واحدها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء أن
يبتاع تلك النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته ، قال : وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا بعث الخرّاص قال : خففوا الخرص فإن في المال العرية
والوصية) ، وكون العرية في دار الرجل موضع اتفاق بين الأصحاب كما في
المسالك ، وقد نص أهل اللغة على أنها (أو في بستانه) ، وهو حسن لأن أهل اللغة يرجع
إليهم في مثل ذلك ولمسيس الحاجة إليها كالتي في الدار كما في المسالك هذا من جهة
ومن جهة ـ
__________________
تكون في دار
الإنسان ، أو بستانه ، فيشتري مالكهما ، أو مستأجرهما ، أو مستعيرهما رطبها (بخرصها (١) تمرا من غيرها) مقدرا (٢) موصوفا حالا ، وإن لم
______________________________________________________
ـ أخرى سواء كان
الدار لمالك أو مستأجر أو مستعير مغاير لمالك العرية ، بلا فرق في ذلك لأن الحاجة
عامة في الجميع ، وذلك لأن مالك الدار من يشق عليه الدخول إلى نخلة في داره لو
كانت النخلة لغيره فكذلك مستأجر الدار أو مستعيرها.
هذا وبيع العرية
يراد منه بيع ثمرها ، وهذا البيع مشروط بأمور.
أولا : كون النخلة
واحدة ، فلو تعددت في دار أو بستان واحد فلا يجوز بيع ثمرها بالتمر لصدق المزابنة
بعد قصر أخبار الرخصة على النخلة الواحدة على ما فهمه الأصحاب ، ولكن الأخبار
المتقدمة صريحة في كون الرخصة للأعم من نخلة أو نخلات بدليل قوله عليهالسلام في خبر السكوني المتقدم (رخص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في العرايا).
ثانيا : كون الثمن
من غيرها لئلا يتحد الثمن والمثمن على المشهور ، واحتمل العلامة في المختلف الجواز
لإطلاق أخبار الرخصة ، ولكنها منصرفة إلى غير هذا الفرض وجعل العرية هي بيع ثمرها
بتمر غيرها ، وأنها مستثناة من المزابنة لدليل على أن المزابنة تشمل بيع تمر رءوس
النخل بتمر من غيره ، كما تقدم والخلاف في ذلك يجعل المزابنة هي بيع تمر رءوس
النخل بتمر منه فقط ضعيف.
ثالثا : كون البيع
حالا لئلا يدخل الربا ، بل عن الشيخ اشتراط التقابض قبل التفرق تخلصا من الربا ،
وفيه : إن الربا يدخل في المكيل والموزون وهذا يباع مشاهدة منها فلا ربا فيه.
رابعا : عدم
المفاضلة حين العقد لئلا يلزم الربا ، وقد تقدم ما فيه ، قال الشارح في بيعها بما
يقتضيه ظن الخارص لها تمرا بقدره ، بمعنى أنها تقدر رطبا أو بسرا أو نحوهما لم
يبلغ تمرا إذا جفت ، فيباع ثمرها بهذا المقدار ثمرا ، ثم لا يجب مطابقة هذا
التقدير للثمن عند الجفاف ، فلو زادت عند الجفاف عما خرصتها به أو نقصت لم يكن ذلك
قادحا في الصحة عملا بإطلاق النص ، وقيل : تعتبر المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان
البيع وهو ضعيف ، بل لا يجب جعل ثمرتها ثمرا ولا اعتباره بعد ذلك بوجه لأصالة عدم
الاشتراط ، هذا هو المشهور من معنى عدم وجوب المماثلة بين ثمرتها وثمنها ، وفي
التذكرة أن المعتبر المماثلة بين ما عليها رطبا وبين الثمن تمرا ، فيكون بيع رطب
بتمر متساويا ، وجعل هذا مستثنى من بيع الرطب بالتمر متساويا) انتهى. ثم إن الرخصة
مقصورة على النخلة ، فلا يتعدى إلى غيرها من الشجر اقتصارا فيما خالف الأصل في
تحريم المزابنة على مورد النص.
(١) الخرص هو
التخمين ما على النخل من تمر.
(٢) أي يجب كون
الثمن مقدرا موصوفا حالا ، وقد تقدم.
يقبض في المجلس ،
أو بلغت (١) خمسة أوسق ، ولا يجوز بتمر منها (٢) لئلا يتحد العوضان ، ولا يعتبر
مطابقة ثمرتها جافة لثمنها في الواقع ، بل تكفي المطابقة ظنا ، فلو زادت عند الجفاف
عنه ، أو نقصت لم يقدح في الصحة ، ولا عريّة في غير النخل ، فإن ألحقناه (٣)
بالمزابنة ، وإلا لم يتقيد (٤) بقيودها (٥).
(الثانية ـ يجوز بيع
الزرع قائما)
على أصوله (٦) ،
...
______________________________________________________
(١) أي بلغت
العرية خمسة أوسق وهذا ردّ على الشافعي حيث لم يجوز بيعها إذا كانت ثمرتها خمسة
أوسق ، وإطلاق الأخبار المتقدمة تدفعه ، وقال الآقا جمال في حاشيته تعقيبا على قول
الشارح : إشارة إلى ما ذكره ابن الأثير في نهايته حيث خصّ الرخصة بما إذا كانت دون
خمسة أوسق ، ووجه الرد إطلاق ما دل على الجواز من غير تقدير تعبدا) انتهى.
(٢) منها : من العرية
، أي لا يجوز بيع ثمرها بتمر منها.
(٣) أي فإن ألحقنا
غير النخل بالنخل في الحرمة ، فعدم تعدي العرية الواردة في النخل إلى غيره من سائر
الأشجار في محله ، وإن لم نلحقه فنفي العرية حينئذ أنه لا خصوصية لها حتى يتقيد
بقيودها ، فيجوز بيع تمر غير النخل سواء اتحد الشجر أم تعدد في دار أو بستان أو
غيرهما بجنس ثمرها حينئذ.
(٤) أي لم يتقيد
غير النخل.
(٥) أي بقيود
العرية.
(٦) يجوز شراء
الزرع قائما على أصوله بشرط التبقية إلى أوان بلوغه أو مطلقا على المشهور لصحيح
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا بأس بأن تشتري
زرعا أخضر ، ثم تتركه حتى تحصده إن شئت ، أو تعلفه من قبل أن يسنبل وهو حشيش) ومثله غيره.
وعن الصدوق في
المقنع المنع من بيع الزرع إلا بشرط الفصل لعدم الأمن من الآفة ، ولخبر أبي بصير (سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الحنطة والشعير اشتري زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش؟ قال
: لا إلا أن يشتري القصيل يعلفه الدواب ثم تتركه حتى يسنبل) ، وموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا تشتر الزرع ما
لم يسنبل ، فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك) .
__________________
سواء أحصد ، (١)
أم لا ، قصد قصله (٢) ، أم لا ، لأنه (٣) قابل للعلم مملوكا فتناولته الأدلة (٤) ،
خلافا للصدوق حيث شرط كونه سنبلا ، أو القصل (٥) ، (وحصيدا) أي محصودا وإن لم يعلم مقدار ما فيه ، لأنه (٦) حينئذ (٧)
غير مكيل ولا موزون ، بل يكفي في معرفته المشاهدة ، (وقصيلا) أي مقطوعا بالقوة ، بأن شرط قطعه قبل أن يحصد لعلف الدواب
، فإذا باعه كذلك وجب على المشتري قصله بحسب الشرط.
(فلو لم يقصله المشتري فللبائع قصله) (٨) وتفريغ أرضه منه ، لأنه (٩) حينئذ
______________________________________________________
ـ وفيه : إن عدم
الأمن من الآفة لا يمنع من بيع الموجود ، والخبران لا يصلحان لمعارضة الطائفة
الأولى ، على أنهما محمولان على بيع الحب فقط وهو ممنوع لعدم وجوده قبل أن يسنبل ،
بل الخبر الثاني ظاهر في ذلك ، وعلى كل فلا بأس بشراء نفس الزرع في جميع أحواله
حتى إذا كان محصودا اكتفاء بالمشاهدة في مثله.
(١) أي حان أوان
حصاده.
(٢) والقصل هو
القطع.
(٣) أي الزرع
القائم.
(٤) أي المعلومية
التي هي شرط صحة البيع.
(٥) أي اشتراط
قطعه.
(٦) أي الزرع.
(٧) أي حين كونه
قائما أو حصيدا يباع بالمشاهدة.
(٨) إذا شرط قطعه
قصيلا وعيّن للقطع مدة تعيّن قطعه فيها ، وإن أطلق قطع في أول أوقات قطعه عادة ،
وإن لم يقطعه المشتري فللبائع قطعه لأنه لا حق لعرق ظالم ولنفي الضرر والضرار ، ولكن يقطعه بإذن المشتري إن أمكن وإلا رفع أمره إلى
الحاكم ، فإن تعذر جاز له حينئذ مباشرة القطع دفعا للضرر المنفي.
وللبائع تركه
والمطالبة بأجرة أرضه مدة بقاء الزرع عن الزمن الذي تأخر فيه القطع عن وقته ، سواء
طالب بالقطع أو لا ، وسواء تمكن من القطع أولا ، لأن أجرة الأرض ثابتة لمشغولية
أرض المالك بالزرع وهي متحققة على كل حال ، بل للبائع أرش الأرض إن نقصت بسببه إذا
كان التأخير بغير رضاه ، لتحقق الغصبية التي تسلطه على أرش النقصان لو حصل بسبب
البقاء.
(٩) أي المشتري.
__________________
ظالم ، ولا حق
لعرق ظالم ، (وله المطالبة بأجرة أرضه) عن المدة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق (١) ،
وبعد المدة التي شرطا قصله فيها مع التعيين ، ولو كان شراؤه قبل أوان قصله وجب على
البائع الصبر إلى أوانه مع الإطلاق (٢) ، كما لو باع الثمرة والزرع للحصاد.
ومقتضى الإطلاق (٣)
جواز تولي البائع قطعه مع امتناع المشتري منه (٤) وإن قدر على الحاكم ، وكذا أطلق
جماعة.
والأقوى توقفه (٥)
على إذنه حيث يمتنع المشتري مع إمكانه (٦) فإن تعذر جاز له حينئذ مباشرة القطع ،
دفعا للضرر المنفي ، وله (٧) إبقاؤه والمطالبة بأجرة الأرض عن زمن العدوان ، وأرش
الأرض إن نقصت بسببه (٨) ، إذا كان التأخير بغير رضاه (٩).
(الثالثة ـ يجوز أن
يتقبل (١٠) ...
______________________________________________________
(١) أي لم يعين
لقصله وقتا معينا.
(٢) أي مع عدم ذكر
المدة ، للانصراف.
(٣) أي إطلاق
عبارة المصنف حيث قال (فللبائع قصله) ولم يقيده بإذن الحاكم.
(٤) من القطع.
(٥) أي توقف قطع
البائع على إذن الحاكم.
(٦) أي إمكان إذن
الحاكم.
(٧) أي للبائع.
(٨) بسبب بقاء
الزرع.
(٩) أي بغير رضا
البائع.
(١٠) لو كان نخل
أو شجر بين اثنين فيجوز بعد تخمين ثمر المجموع أن يشتري حصة صاحبه بشيء معلوم ولو
كان من نفس الثمرة ، وهذه هي القبالة ، والأصل فيها الأخبار.
منها : صحيح يعقوب
بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر
، إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل إما زاد أو
نقص ، وإما أن آخذه أنا بذلك ، قال : نعم لا بأس به) ، ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وصحيح الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام (أن أباه حدّثه أن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها ، فلما أدركت الثمرة بعث
عبد الله بن رواحة فقوّم عليه قيمة وقال لهم : إما أن تأخذوه وتعطوني نصف الثمر ،
وإما أعطيكم نصف الثمر ، فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض) ، ومرسل محمد بن عيسى (قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إن لنا أكرّة فنزارعهم فيجيئون فيقولون : إنا قد حرزنا
هذا الزرع بكذا وكذا فاعطونا ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصتكم على هذا الحرز ، قال :
وقد بلغ؟ قلت : نعم ، قال : لا بأس بهذا ، قلت : إنه يجيء بعد ذلك فيقول : إن
الحرز لم يجيء كما حرزت وقد نقص ، قال : فإذا زاد يردّ عليكم؟ قلت : لا ، قال :
فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما أنه إن زاد كان له كذلك إذا نقص كان عليه) ، ومثلها غيرها.
وهذه القبالة كما
تجوز في النخل وغيره من الأشجار تجوز في الزرع للمرسل المتقدم ، وهذه القبالة
مستثناة بالخصوص من حرمة المزابنة والمحاقلة معا لهذه النصوص.
وظاهر الأصحاب ـ كما
في المسالك ـ أنها معاملة تقع بلفظ القبالة ، وأن لها حكما خاصا زائدا على البيع
والصلح وهو كون الثمن والمثمن واحدا مع عدم ثبوت الربا لو زاد أو نقص مع وقوعه
بلفظ التقبيل ، وهو خارج عن صيغتي العقدين في ، وعن الدروس أنها نوع من الصلح ،
واحتمل العلامة في التذكرة أنها نوع من البيع ، وعن الدروس أيضا أنها مشروطة
بالسلامة في
الثمرة بحيث لو هلكت بأجمعها فلا شيء على المتقبل ووجّه بأن العوض هنا إذا كان من
المعوض ورضي به الآخر فقد رضي بكون حقه في العين لا في الذمة ، فإذا تلفت العين
بغير تفريط احتاج ثبوت بدله في الذمة إلى دليل وهو مفقود ، نعم لو كان النقص لغير آفة
بل لنقصان الخرص فلا نقصان كما أنه مع الزيادة يملك الزائد ، هذا وتردد في التذكرة
في سقوط شيء من المال لو تلفت الثمرة بآفة سماوية ، وكذلك تردد في لزوم العقد.
والذي أوجب عدم
الوضوح في هذه الأحكام أن النصوص المتقدمة قد تعرضت لأصل القبالة من دون تعرض إلى
هذه الأحكام ، بل إثباتها بمجرد الاحتمال لا يخلو من مجازفة ، ولذا اقتصر جماعة
منهم المحقق في الشرائع على أصل الجواز ، بل عن ابن إدريس أنه أشكل على أصل
القبالة بأنها إن كانت بيعا فلا تصح لكونها مزابنة ، وإن كانت صلحا فلا تصح لكون
العوض من نفس الثمرة وهذا يوجب الغرر ، ولو كان العوض في الذمة ـ
__________________
(أحد الشريكين بحصة
صاحبه (١) من الثمرة)
بخرص معلوم (٢)
وإن كان منها (٣) ، (ولا يكون) ذلك (بيعا) ومن ثمّ لم يشترط فيه (٤) شروط البيع ، بل معاملة مستقلة ،
وفي الدروس أنه نوع من الصلح ، (و) يشكل بأنه (٥) (يلزم بشرط السلامة) فلو كان صلحا للزم مطلقا (٦).
وظاهر المصنف رحمهالله والجماعة أن الصيغة بلفظ القبالة (٧) ، وظاهر الأخبار
تأدّيه (٨) بما دلّ على ما اتفقا عليه ، ويملك المتقبل الزائد (٩) ويلزمه لو نقص ،
وأما الحكم بأن قراره (١٠) مشروط بالسلامة فوجهه غير واضح ، والنص خال عنه ،
وتوجيهه (١١) بأن المتقبل (١٢) لمّا رضي بحصة معينة في العين صار بمنزلة الشريك ،
فيه (١٣) : أن العوض غير لازم كونه منها (١٤) ، وإن جاز ذلك
______________________________________________________
ـ لزم سواء بقيت
الثمرة أم لا ، بعد رمي هذه الأخبار بأنها آحاد لا توجب علما ولا عملا فلا يصح
العمل بها لعدم حجية الخبر الواحد على مبناه ، وفيه : إن المبنى ضعيف ، ولا بد من
العمل بها ولكن لا يثبت بها إلا أصل القبالة فلا تغفل.
(١) وهي المعوض.
(٢) أي قدر معلوم
وهذا هو العوض.
(٣) من نفس
الثمرة.
(٤) في التقبل.
(٥) بأن التقبل.
(٦) سواء سلمت
الثمرة أم لا.
(٧) فيقول أحدهما
: أتقبل حصتك من الثمرة بكذا وكذا ، فيقول الآخر : قبلت وشبهه ، وهو مما لا دليل
عليه في الأخبار المتقدمة.
(٨) أي تأدي
التقبل.
(٩) لأن التقبل
مبني على خرص المجموع فعليه أن يدفع لصاحبه ما ذكر في لفظ القبالة سواء كان حامل
الثمرة بمقدار التخمين أو أزيد أو أنقص.
(١٠) أي استقرار
العقد ولزومه كما عليه الماتن هنا.
(١١) أي توجيه شرط
السلامة.
(١٢) وهو الطرف
الآخر.
(١٣) ردّ من
الشارح.
(١٤) من العين.
فالرضا بالقدر ،
لا به مشتركا (١) إلا أن ينزّل على الإشاعة كما تقدم ، ولو كان النقصان لا بآفة بل
لخلل في الخرص لم ينقص شيء (٢) ، كما لا ينقص لو كان بتفريط المتقبل (٣) ، وبعض
الأصحاب (٤) سدّ باب هذه المعاملة ، لمخالفتها للأصول الشرعية (٥).
والحق أن أصلها
ثابت ، ولزومها مقتضى العقد (٦) ، وباقي فروعها لا دليل عليه.
(الرابعة ـ يجوز الأكل مما يمر به من ثمر النخل والفواكه
والزرع (٧) ...
______________________________________________________
(١) أي وليس الرضا
بالقدر المعلوم مشتركا على نحو الإشاعة كما تقدم عند استثناء جزء مشاع أو أرطال
معلومة.
(٢) من العوض.
(٣) وهو الطرف
الآخر.
(٤) وهو ابن
إدريس.
(٥) لأنها إن كانت
بيعا فهي من المزابنة المحرمة ، وإن كانت صلحا فلا تصح لكون العوض من نفس التمرة ،
ولو كان العوض في الذمة لزم سواء بقيت الثمرة أو لا فالقول بنقصان العوض لو تلفت
الثمرة أو نقصت بآفة سماوية ليس في محله.
(٦) لقوله تعالى :
(أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) .
(٧) إذا مرّ
الإنسان بشيء من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع فيجوز له أن يأكل منها للأخبار.
منها : مرسل ابن
أبي عمير عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الرجل
يمرّ بالنخل والسنبل والثمر فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو
غير ضرورة؟ قال : لا بأس) ، وخبر محمد بن مروان (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أمرّ بالثمرة فآكل منها ، قال : كلّ ولا تحمل ، قلت :
جعلت فداك ، إنّ التجار اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم) ومثلها غيرها.
وعن المرتضى في
المسائل الصيداوية والفاضل في مكاسب المختلف والمحقق الثاني والشيخ الكبير كاشف
العطاء من المنع لصحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليهالسلام عن ـ
__________________
(بشرط عدم القصد (١)
وعدم الإفساد)
أما أصل الجواز
فعليه الأكثر ، ورواه ابن أبي عمير مرسلا عن الصادق عليهالسلام ، ورواه غيره ، وأما اشتراط عدم القصد فلدلالة ظاهر المرور
عليه ، والمراد كون الطريق قريبة منها (٢) بحيث يصدق المرور عليها عرفا ، لا أن
يكون طريقه على نفس الشجرة (٣).
وأما الشرط الثاني
فرواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام ، قال يأكل منها ، ولا يفسد ، والمراد به أن يأكل كثيرا
بحيث يؤثر فيها أثرا بينا ويصدق
______________________________________________________
ـ الرجل يمرّ
بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر ، أيحلّ له أن
يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة ، أو أمره
القيّم فليس له ، وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : لا يحل له أن يأخذ منه
شيئا) ، مؤيدا بقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.
وحملت الصحيحة على
النهي عن الحمل معه لا الأكل جمعا بين الأخبار ، وهو جمع حسن ، ولا قبح في التصرف
في مال الغير مع إذن الشارع.
هذا وجواز الأكل
مشروط بشروط :
أحدها : كون
المرور اتفاقا ، فلو كان الأكل مقصودا من رأس لم يجز اقتصارا على المتيقن ، بل هو
الظاهر من خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا بأس بالرجل
يمرّ على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد) .
ثانيها : عدم
الإفساد والمراد منه عدم الأكل الكثير بحيث يؤثر فيها أثرا بيّنا وهذا يختلف
باختلاف كثرة الثمرة وقلتها وكثرة المارة وقلتهم ، أو يهدم حائطا أو يكسر غصنا
يتوقف الأكل عليه ، ومما يدل على عدم الإفساد خبر ابن سنان المتقدم.
ثالثها : أن لا
يحمل معه شيئا ، بل يأكل في موضعه وهذا الشرط مما دل عليه خبر محمد بن مروان
المتقدم صريحا ، وصحيح ابن يقطين حملا.
(١) أي عدم القصد
إلى الأكل.
(٢) من الثمرة.
(٣) فلا يصدق
المرور فلا يجوز الأكل كما عليه جماعة.
__________________
معه (١) الإفساد
عرفا ، ويختلف ذلك (٢) بكثرة الثمرة والمارة وقتلهما ، وزاد بعضهم عدم علم الكراهة
ولا ظنها (٣) ، وكون الثمرة على الشجرة (٤).
(ولا يجوز أن يحمل) معه شيئا منها وإن قلّ ، للنهي عنه صريحا في الأخبار ،
ومثله أن يطعم أصحابه ، وقوفا فيما خالف الأصل على موضع الرخصة ، وهو أكله بالشرط
(٥).
(وتركه (٦) بالكلية أولى) ، للخلاف فيه ، ولما روي أيضا من المنع منه ، مع اعتضاده
بنص الكتاب (٧) الدال على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل ، وبغير تراض ، ولقبح
التصرف في مال الغير ، وباشتمال أخبار النهي (٨) على الحظر ، وهو مقدم (٩) على ما
تضمن الإباحة والرخصة ، ولمنع كثير من العمل بخبر الواحد (١٠) فيما وافق الأصل
فكيف فيما خالفه (١١).
______________________________________________________
(١) مع التأثير
البين.
(٢) أي الإفساد.
(٣) فلو علم
الكراهة أو ظنها فلا يجوز الأكل ، وفيه : إن خبر محمد بن مروان المتقدم مشعر بل
ظاهر بعدم اعتبارهما.
(٤) فلو كانت
الثمرة على الأرض فلا يجوز اقتصارا في مورد الرخصة على القدر المتيقن.
(٥) وهو ما ذكر من
الشروط الثلاثة أو الخمسة.
(٦) أي ترك الأكل.
(٧) وهو قوله
تعالى : (يٰا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) .
(٨) كصحيح ابن
يقطين.
(٩) عند التعارض ،
وقد عرفت أنه لا تعارض مع إمكان الجمع ، وقد حملت أخبار النهي على الحمل لا الأكل.
(١٠) كالسيد وابن
إدريس والطبرسي.
(١١) كالمقام ،
ولكن ابن إدريس قد عمل بهذه الأخبار.
__________________
(الفصل الخامس ـ في
الصرف (١) وهو بيع الأثمان)
وهي الذهب والفضة (بمثلها ، ويشترط فيه) زيادة على غيره من أفراد البيع (التقابض في المجلس) الذي وقع فيه العقد ، (أو اصطحابهما) في المشي عرفا وإن فارقاه (٢) (إلى) حين (القبض) ، ويصدق الاصطحاب
بعدم زيادة المسافة التي بينهما عنها (٣) وقت العقد ، فلو زادت ولو خطوة بطل (٤) ،
(أو رضاه) (٥) أي رضا
______________________________________________________
(١) الصرف لغة
الصوت ، وشرعا أو متشرعيا بيع الذهب والفضة بالذهب والفضة ، سواء كانا مسكوكين
أولا ، وسمي الذهب والفضة بالأثمان لوقوعهما مقرونين بياء العوض عن الأشياء غالبا
كما قيل ، وسمي هذا البيع بالصرف لمناسبة اشتمالهما على الصوت عند تقليبهما بالبيع
والشراء.
ويشترط في بيع
الصرف زيادة عما اشترط في سائر البيوع ، وزيادة عما اشترط في الربويات إذ بيع
الصرف منها ، اشترط التقابض في المجلس فلو افترقا قبل التقابض بطل البيع على
المشهور للأخبار.
منها : صحيح محمد
بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا
بفضة إلا يدا بيد) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا اشتريت ذهبا
بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وإن نزى حائطا فانز معه) ومثلها غيرها ، وعن الصدوق عدم الاشتراط لأخبار :
منها : خبر عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : الرجل
يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة ، قال : لا بأس) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (لا بأس أن يبيع
الرجل الدنانير نسيئة بمائة ، أو أقل ، أو أكثر) وهذه الطائفة ضعيفة السند غير منجبرة فلا تعارض الطائفة
الأولى التي عليها عمل الطائفة.
(٢) أي فارقا مجلس
العقد مصطحبين قبل أن يتقابضا لم يبطل الصرف بلا خلاف فيه لخصوص صحيح منصور
المتقدم (وإن نزى حائطا فانز معه) ، فالمعتبر هو التقابض قبل التفرق.
(٣) أي عن المسافة
التي كانت بينهما حالة العقد.
(٤) لتحقق
الافتراق ، وهذا التقدير مما لا نص عليه ، بل ظاهر النصوص على الاصطحاب والافتراق
ولا بدّ من حملهما على المعنى العرفي ، وسيأتي ماله النفع في تحقيق معنى الافتراق
في خيار المجلس.
(٥) لو كان لزيد
دنانير في ذمة عمرو فأمره بأن يحوّلها إلى دراهم أو بالعكس صح وإن تفرقا
__________________
الغريم الذي هو
المشتري ، كما يدل عليه آخر المسألة (١) (بما في ذمته) أي ذمة المديون الذي هو البائع (قبضا) أي مقبوضا ، أقام
المصدر مقام المفعول (بوكالته (٢) إياه (٣) (في القبض) ، لما في ذمته (٤).
وذلك (فيما إذا اشترى) من له (٥) في ذمته نقد (بما (٦) في ذمته) من النقد (نقدا آخر) ، فإن ذلك (٧) يصير بمنزلة المقبوض.
______________________________________________________
ـ قبل القبض لصحيح
إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : تكون للرجل عندي من الدراهم الوضح فيلقاني فيقول : كيف
سعر الوضح اليوم ؛ فأقول له : كذا ، فيقول : أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضحا؟
فأقول : بلى ، فيقول لي : حوّلها دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك ، فما ترى في
هذا؟ فقال لي : إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت : إني لم
أوازنه ولم أناقده ، إنما كان كلام مني ومنه ، فقال : أليس الدراهم من عندك
والدنانير من عندك؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس بذلك) ، وموثق عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول : حوّلها دنانير
من غير أن أقبض شيئا ، قال : لا بأس ، قلت : يكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول
حوّلها دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئا ، قال : لا بأس) .
واستشكل وفي هذا
البيع باعتبار عدم التقابض ، وردّ بأن ما في الذمة مقبوض ، هذا من جهة ، ومن جهة
أخرى فالمديون وكيل عن الدائن بالقبض لما أمره بتحويل ما في ذمته إلى دنانير أو
دراهم فيكون العوض أيضا مقبوضا ولكن بواسطة وكيله ، ولذا لا مخالفة بين هذه النصوص
وبين القواعد المقررة في بيع الصرف ، ومنه تعرف ضعف ما عن ابن إدريس من إنكار ذلك
من حيث عدم التقابض.
(١) حيث قال
الماتن : (إذا اشترى بما في ذمته نقدا آخر) ، وهذا كاشف عن أن الغريم هو المشتري.
(٢) أي وكالة
الغريم الذي هو المشتري.
(٣) للبائع الذي
هو المديون.
(٤) لما في ذمة
المديون.
(٥) أي الغريم.
(٦) جار ومجرور
منصوب على المفعولية محلا لقوله (اشترى).
(٧) أي إبقاء
النقد الآخر في ذمة المديون بمنزلة المقبوض.
__________________
مثاله : أن يكون
لزيد في ذمة عمرو دينار فيشتري زيد من عمرو بالدينار عشرة دراهم في ذمته ويوكله في
قبضها في الذمة بمعنى رضاه بكونها في ذمته ، فإن البيع والقبض صحيحان ، لأن ما في
الذمة بمنزلة المقبوض بيد من هو في ذمته ، فإذا جعله وكيلا في القبض صار كأنه قابض
لما في ذمته ، فصدق التقابض قبل التفرق.
والأصل في هذه
المسألة ما روي فيمن قال لمن في ذمته دراهم : حوّلها إلى دنانير ، أن ذلك يصح وإن
لم يتقابضا ، معلّلا بأن النقدين من واحد (١) ، والمصنف رحمهالله عدل عن ظاهر الرواية (٢) إلى الشراء بدل التحويل ،
والتوكيل (٣) صريحا في القبض والرضا فيه بكونه (٤) في ذمة الوكيل القابض ، لاحتياج
الرواية (٥) إلى تكلف إرادة هذه الشروط (٦) بجعل الأمر بالتحويل توكيلا في تولّي
طرفي العقد ، وبنائه على صحته (٧) ، وصحة القبض إذا توقف البيع عليه (٨) بمجرد
التوكيل في البيع ، نظرا إلى أن التوكيل في شيء إذن في لوازمه (٩) التي يتوقف
عليها (١٠). ولمّا كان ذلك أمرا خفيا عدل المصنف رحمهالله إلى التصريح بالشروط.
(ولو قبض البعض) خاصة قبل التفرق (صح فيه (١١) أي في ذلك البعض
______________________________________________________
(١) كما في صحيح
إسحاق بن عمار المتقدم.
(٢) حيث ظاهرها
بالتحويل.
(٣) عطف على (الشراء)
، والمعنى أن الشراء والتوكيل في القبض صريحان في القبض والرضا ببقاء العوض في ذمة
المديون ليصير بمنزلة المقبوض.
(٤) أي بكون
العوض.
(٥) تعليل لعدول
المصنف.
(٦) وهي الشراء
والقبض والرضا بكون العوض في ذمة الوكيل القابض.
(٧) أي وبناء صحة
التوكيل على صحة تولي طرفي العقد بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن غيره.
(٨) على القبض.
(٩) أي لوازم الشيء.
(١٠) على اللوازم.
(١١) لحصول مقتضى
الصحة مع عدم المانع.
المقبوض وبطل في
الباقي (١) (وتخيرا) معا في إجازة ما صح فيه وفسخه (٢) ، لتبعض الصفقة (إذا لم يكن من أحدهما تفريط) في تأخير القبض ، ولو كان تأخيره (٣) بتفريطهما فلا خيار
لهما ، ولو اختص أحدهما به (٤) سقط خياره ، دون الآخر ، (ولا بد من قبض الوكيل) في القبض عنهما ، أو عن أحدهما (في مجلس العقد قبل تفرق المتعاقدين) (٥).
ولا اعتبار بتفرق
الوكيل وأحدهما (٦) ، أو هما (٧) ، أو الوكيلين (٨) ، وفي حكم مجلس العقد ما تقدم (٩)
، فكان يغني قوله (١٠) : قبل تفرق المتعاقدين عنه (١١) ، لشمول الثاني (١٢) لما في
حكم المجلس (١٣) ، هذا إذا كان وكيلا في القبض ، دون الصرف (١٤).
______________________________________________________
(١) لحصول مقتضى
البطلان وهو التفرق قبل التقابض.
(٢) لثبوت عيب
تبعض الصفقة ، وهذا العيب يوجب الخيار لغير المفرّط.
(٣) أي تأخير
القبض.
(٤) بالتأخير.
(٥) قال الشارح في
المسالك وقد أجاد : (الضابط في ذلك أن المعتبر حصول التقابض قبل تفرق المتعاقدين ،
فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين اعتبر قبضه قبل تفرق المتعاقدين ، ولا
اعتبار بتفرق الوكيلين ، ومتى كان المتعاقدان وكيلين اعتبر تقابضهما في المجلس أو
تقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين) انتهى.
(٦) فيما لو كان
وكيل أحد المتعاقدين جالسا عند المتعاقد الآخر حين العقد ، فقام الوكيل وفارقه فلا
يضر ما دام وكيلا في القبض فقط لأن المدار على تفرق المتعاقدين.
(٧) أي تفرق
الوكيل عن المتعاقدين معا ، ما دام وكيلا في القبض فقط.
(٨) أي تفرق
الوكيلين ، وهما موكلان في القبض فقط.
(٩) وهو اصطحابهما
في المشي عرفا وإن فارقا مجلس العقد ، لأن المدار على عدم التفرق بأبدانهما.
(١٠) قول المصنف.
(١١) عن مجلس
العقد.
(١٢) وهو قبل تفرق
المتعاقدين.
(١٣) وهو الاصطحاب
في الشيء عرفا.
(١٤) أي دون بيع
الصرف.
(ولو كان وكيلا في الصرف) سواء كان مع ذلك وكيلا في القبض ، أم لا (فالمعتبر مفارقته) لمن وقع العقد معه ، دون المالك. والضابط أن المعتبر التقابض قبل تفرق
المتعاقدين ، سواء كانا مالكين ، أم وكيلين.
(ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد) (١) ، لأنه حينئذ يجمع حكم الربا والصرف فيعتبر فيه التقابض
في المجلس نظرا إلى الصرف ، وعدم التفاضل نظرا إلى الربا ، سواء اتفقا في الجودة
والرداءة والصفة ، أم اختلفا ، بل (وإن كان أحدهما
مكسورا ، أو رديئا) والآخر صحيحا أو جيد الجوهر.
(وتراب معدن أحدهما يباع بالآخر ، أو بجنس غيرهما) لا بجنسه ، لاحتمال زيادة أحد العوضين عن الآخر ، فيدخل
الربا ، ولو علم زيادة الثمن عما في التراب من جنسه لم يصح هنا (٢) وإن صح في
المغشوش بغيره ، لأن التراب لا قيمة له ليصلح في مقابلة الزائد.
______________________________________________________
(١) كبيع الذهب
بالذهب والفضة بالفضة ، فهو بيع صرف لأنه بيع الأثمان بالأثمان فيشترط فيه شروط
الصرف من التقابض في المجلس وغيره ، ويشترط فيه شروط البيع الربوي لأنهما موزونان
، بل لا يجوز التفاضل هنا ولو تم التقابض ، بلا فرق بين المصوغ والمكسور وجيد
الجوهر ورديئه لصدق اتحاد الجنس فيه ، نعم لو شرطت الصياغة لكانت زيادة فيصح بذل
شيء في قبالها بالإضافة إلى العوض الذي هو بمقدار المعوض وزنا.
ويجوز التفاضل إذا
كانا من جنسين كبيع الذهب بالفضة وكذا العكس ، ومنه تعرف عدم جواز بيع تراب معدن
الفضة بالفضة الخالصة ولا بترابها من باب الاحتياط عن الوقوع في الربا لعدم العلم
بالمساواة ، وكذا لا يباع تراب معدن الذهب بالذهب الخالص ولا بترابه ، نعم يجوز
بيع تراب أحدهما بالآخر لعدم اتحاد الجنس ، ولو مزج الترابان وجمعا في صفقة جاز
بيعهما بالذهب والفضة معا لانصراف كل جنس إلى ما يخالفه.
(٢) كما لو باع
تراب الذهب مثلا بالذهب ، وعلم أن الذهب الذي وقع عوضا هو أكثر من الذهب المخلوط
بالتراب والواقع معوّضا ، وذلك لأن الزيادة في العوض لا شيء في قبالها من المعوض
، إذ الزائد في المعوض عن الذهب هو التراب وهو لا قيمة له.
بخلاف ما لو باع
الدينار المغشوش مثلا وهو ذهب مختلط بغيره ، فباعه بأكثر مما فيه من الذهب فيجوز ،
لأن الزائد في العوض يكون في قبال الغش في المعوض ، وهو مما له قيمة لأن الذهب عند
ما يغش يخلط بالنحاس غالبا.
(وتراباهما) إذا جمعا ، أو أريد بيعهما معا (يباعان بهما (١) فينصرف كل إلى مخالفه ، ويجوز بيعهما (٢) بأحدهما (٣) مع زيادة الثمن على
مجانسه (٤) بما يصلح عوضا في مقابل الآخر ، وأولى منهما بيعهما بغيرهما (٥) ، (ولا عبرة باليسير من الذهب في النحاس) بضم النون ، (واليسير من الفضة
في الرصاص) بفتح الراء ، (فلا يمنع من صحة البيع بذلك الجنس) (٦) وإن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير ، ولم يقبض في
المجلس ما يساويه ، لأنه مضمحل ، وتابع غير مقصود
______________________________________________________
(١) بالذهب والفضة.
(٢) تراب الذهب
والفضة لو مزجا.
(٣) من الذهب أو
الفضة.
(٤) من الذهب أو
الفضة الواقعين في المعوض.
(٥) أي بغير الذهب
والفضة.
(٦) من الذهب
والفضة ، والمعنى أنه يجوز بيع الرصاص بالفضة وإن كان في الرصاص فضة يسيرة ، ويجوز
بيع النحاس بالذهب وإن كان في النحاس ذهب يسير ، فيجوز البيع من دون اشتراط
التقابض في المجلس لعدم صدق بيع الصرف لأنه ليس بيع أثمان بمثلها ، وهو ليس ببيع
مجانس بمثله فلا يجري فيه حكم الربا وإن لم تعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير ، لأنه
مضمحل وتابع غير مقصود بالبيع ، ولصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الأسرب يشترى
بالفضة ، قال : إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس به) والأسرب هو الرصاص ، وخبر معاوية عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن جوهر
الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة ، أيصلح أن يسلّم الرجل فيه الدراهم المسماة ،
فقال : إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك ، يعني لا يعرف إلا بالأسرب) ، ولأنه تابع غير مقصود بالبيع ألحق به الحلية التي يزيّن
بها السقف والجدران فإنه يجوز بيع هذه السقف والجدران المزينة بالذهب ويكون عوضها
ذهبا ، وإن لم يكن الذهب الذي وقع عوضا أكثر من الذهب الذي هو الحلية حتى تكون
الزيادة في قبال نفس السقف والجدران ، وذلك لأن الذهب الذي هو جزء من السقف
والجدران لم يكن مقصودا بالبيع بل كان تابعا ، فيصدق أنه بيع سقف أو جدار بالذهب
وهو ليس بيع مجانس بمثله حتى يجري فيه حكم الربا ولا بيع صرف حتى يشترط فيه التقابض
في الجلس.
__________________
بالبيع ، ومثله
المنقوش منهما على السقوف والجدران بحيث لا يحصل منه شيء يعتدّ به على تقدير
نزعه.
ولا فرق في المنع (١)
من الزيادة في أحد المتجانسين بين العينية وهي الزيادة
______________________________________________________
(١) سيأتي في باب
الربا حرمة الزيادة في بيع المتجانسين إذا كانا من المكيل أو الموزون ، بلا فرق في
الزيادة بين العينية أو الحكمية سواء كانت الحكمية شرطا له مال أو نفع ، بل حتى
اشتراط الأجل في أحد العوضين يوجب الزيادة المحرمة.
ولازم ذلك عدم
جواز بيع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، لأن هذا الشرط من الربا ، ولكن ورد
جواز ذلك في خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يقول
للصائغ : ضع لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طازجا بدرهم غلة ، قال : لا بأس) ، وعمل بها الشيخ في النهاية وجماعة بعد حملها على بيع
درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، وعلّل ابن إدريس الجواز بأن الربا هو الزيادة
في العين إذا كان العوضان من جنس واحد ، وهنا لا زيادة عينية ، هذا وقيل إنه يقتصر
بها على موردها وهو بيع الدرهم بالدرهم بشرط الصياغة المذكورة لأنها مخالفة
للقواعد ، وذهب الشيخ في النهاية إلى تعميم ذلك البيع ، أعني بيع الدرهم بالدرهم
مع أي شرط لعدم الفرق بين الصياغة وغيرها ، ولازم مبنى ابن إدريس من أن المحرم هو
الزيادة العينية جواز أي بيع من متجانسين ولا داعي للاقتصار على بيع الدرهم
بالدرهم ، مع اشتراط أي شرط حكمي دون العيني.
هذا من جهة ومن
جهة أخرى قيل : إن الرواية لا تدل على مدعاهم المذكور من بيع الدرهم بالدرهم مع
اشتراط الصياغة ، بل تدل على الصياغة المذكورة بشرط البيع وهذا ليس من بيع أحد
المتجانسين مع الزيادة في شيء.
والانصاف أن
الرواية صريحة في بيع الدرهم الطازج بدرهم غلة مع اشتراط الصياغة ، والطازج هو
الخالص كما نص عليه بعض أهل اللغة كما في المسالك ، والغلة هو المغشوش أو المكسر ،
وعليه فالزيادة هنا لا توجب الربا لأن بيع الخالص بالمغشوش مع الزيادة على أساس أن
تكون الزيادة في قبال ما زاد عن المغشوش من الخالص ليس مخالفا للقواعد ، ولذا
فالرواية موافقة للقواعد ولا داعي لردها كما عن ابن حمزة ولا للتردد فيها كما عن
المحقق وغيره إذا سلم سندها.
__________________
في الوزن ،
والحكمية كما لو بيع المتساويان وشرط مع أحدهما شرطا وإن كان صنعة.
(وقيل : يجوز اشتراط صياغة خاتم في شراء درهم بدرهم ،
للرواية) التي رواها أبو
الصباح الكناني رحمهالله عن الصادق عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم ،
وأبدل لك درهما طازجيا بدرهم غلّة. قال عليهالسلام : «لا بأس». واختلفوا في تنزيل الرواية فقيل : إن حكمها
مستثنى من الزيادة الممنوعة ، فيجوز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة الخاتم ، ولا
يتعدّى إلى غيره ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص ، وهو القول الذي حكاه
المصنف رحمهالله ، وقيل (١) يتعدّى إلى كل شرط ، لعدم الفرق (٢) ، وقيل :
إلى كل (٣) شرط حكمي.
والأقوال كلها
ضعيفة ، لأن بناءها على دلالة الرواية على أصل الحكم (٤).
(وهي غير صريحة في المطلوب) ، لأنها تضمنت إبدال درهم طازج بدرهم غلّة مع شرط الصياغة
من جانب الغلّة.
وقد ذكر أهل اللغة
أن الطازج هو الخالص ، والغلّة غيره وهو المغشوش ، وحينئذ فالزيادة الحكمية وهي
الصياغة في مقابلة الغش ، وهذا لا مانع منه مطلقا (٥) وعلى هذا يصح الحكم ويتعدّى (٦)
، لا في مطلق الدرهم (٧) كما ذكروه ونقله عنهم المصنف رحمهالله ، (مع مخالفتها) أي الرواية (للأصل) لو حملت على الاطلاق (٨) كما ذكروه ، لأن الأصل المطّرد
عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين حكمية كانت ، أو عينية ، فلا يجوز الاستناد فيما
خالف الأصل إلى هذه الرواية ،
______________________________________________________
(١) وهو قول الشيخ
في النهاية ولكن خصها ببيع الدرهم بالدرهم.
(٢) بين الصياغة
وغيرها من الشروط.
(٣) وهو قول ابن
إدريس مع تعميم المورد إلى كل بيع وإلى كل شرط غير عيني.
(٤) وهو بيع
الدرهم بالدرهم مع الزيادة.
(٥) سواء كانت
الزيادة عينية أم حكمية.
(٦) إلى كل زيادة.
(٧) بل في خصوص
إبدال الطازج بالغلة.
(٨) أي على
الاطلاق في الدراهم.
مع أن في طريقها
من لا يعلم (١) حاله.
(والأواني المصوغة من النقدين إذا بيعت بهما (٢) معا (جاز) مطلقا (٣) ، (وإن
______________________________________________________
(١) وهو محمد بن
فضيل وهو مشترك بين جماعة ، بعضهم مجهول ، نعم احتمل صاحب نقد الرجال أنه محمد بن
القاسم بن الفضيل الثقة فراجع.
(٢) أي بالنقدين
من ذهب وفضة ، هذا والمجتمع من جنسين ـ وهما الذهب والفضة ـ يجوز بيعه بغير جنسهما
مطلقا ، وبهما معا لانصراف كل إلى ما يخالفه ، سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم
لا ، مع معرفته قدر المجموع ، وسواء أمكن تخليصهما أم لا.
ويجوز بيع المجتمع
بكل واحد من الذهب والفضة ، إذا علم زيادة العوض عما يوجد في المجتمع من جنسه بحيث
يصلح الزائد ثمنا للآخر وإن قلّ سواء أمكن تخليصهما أم لا ، هذا هو مقتضى القواعد
في بيع المتجانسين مع عدم الزيادة حذرا من الربا.
هذا وذهب الشيخ في
النهاية وتبعه عليه جماعة منهم المحقق في الشرائع إلى أن الأواني المصنوعة من
الذهب والفضة ـ وهي المراد من المجتمع في الكلام السابق ـ يجوز بيع كل واحد منهما
بجنسه من غير زيادة مع العلم بمقداره ، وبغير الجنس مع الزيادة ، وإذا لم يعلم
المقدار وأمكن تخليصهما لم تبع هذه الأواني بأحدهما بل بيعت بهما أو بغيرهما ، وإن
لم يعلم المقدار وأمكن التخليص وكان أحدهما أغلب بيعت هذه الأواني بالأقل منهما
خاصة ، وإن تساويا بيعت بهما ، استنادا إلى أخبار.
منها : خبر
إبراهيم بن هلال (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جام فيه فضة وذهب أشتريه بذهب وفضة؟ فقال : إن كان يقدر
على تخليصه فلا ، وإن لم يقدر على تخليصه فلا بأس) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن شراء
الذهب فيه الفضة بالذهب قال : لا يصلح إلا بالدنانير والورق) ، وخبر أبي عبد الله مولى عبد ربه عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن الجوهر
الذي يخرج من المعدن ، وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا ، كيف نشتريه؟ قال : اشتر بالذهب
والفضة جميعا) ، وهي ضعيفة السند غير وافية بتمام ما ذكره الشيخ في
النهاية ، مع عدم الدلالة فيها على التفصيل بين التخلص وعدمه ، على أنها محمولة
على عدم العلم بمقدار كل منها فلو بيعت الأواني المصنوعة منهما بهما فلا مخالفة
للقواعد المقررة في باب الربا والمستفادة من صحاح الأخبار والمعمول بها بين
الأصحاب ، لانصراف كل جنس إلى ما يخالفه.
(٣) سواء كان كل
من الذهب والفضة الموجودين في الأواني مساويا لجنسهما في العوض أو زائدين أو
مختلفين ، لانصراف كل منهما إلى ما يخالفه.
__________________
بيعت بأحدهما) خاصة (اشترطت زيادته على جنسه) ، لتكون الزيادة في مقابلة الجنس الآخر ، بحيث تصلح ثمنا
له (١) وإن قلّ ، ولا فرق في الحالين (٢) بين العلم بقدر كل واحد منهما ، وعدمه ،
ولا بين إمكان تخليص أحدهما عن الآخر ، وعدمه ، ولا بين بيعها بالأقل مما فيها من
النقدين ، والأكثر.
(ويكفي غلبة الظن) في زيادة الثمن على مجانسه من الجوهر ، لعسر العلم اليقيني
بقدره غالبا ، ومشقة التخليص الموجب له (٣). وفي الدروس اعتبر القطع بزيادة الثمن
وهو أجود (٤).
(وحلية السيف والمركب يعتبر فيها العلم إن أريد بيعها) (٥) أي الحلية (بجنسها) ، والمراد بيع الحلة والمحلّى ، لكن لمّا كان الغرض التخلص
من الربا والصرف خصّ الحلية ، ويعتبر مع بيعها بجنسها زيادة الثمن عليها ، لتكون
الزيادة في مقابلة السيف والمركب إن ضمهما إليها (فإن تعذر) العلم (كفى الظن الغالب بزيادة الثمن عليها).
والأجود اعتبار
القطع (٦) ، وفقا للدروس وظاهر الأكثر ، فإن تعذر (٧) بيعت
______________________________________________________
(١) أي بحيث تصلح
الزيادة ثمنا للجنس الآخر ، وإن قلّ.
(٢) هذا رد الشارح
على الشيخ ، والمراد من الحالين حال بيع الأواني بهما أو بأحدهما خاصة ، ومن هذا
الرد تعرف الضعف في كلام الشيخ المتقدم.
(٣) أي للعلم
اليقيني.
(٤) بل متعين ومع
تعسر التخليص فيتعذر تحصيل العلم فيتعين بيع الذهب أو الفضة الموجود في الأواني
بغير مجانسه.
(٥) المراكب
والسيوف المحلاة بالذهب أو الفضة إذا أريد بيعها ، فإن علم ما فيها من ذهب أو فضة
فيجوز بيعها بغير جنسها مطلقا ولو مع عدم الزيادة ، وبجنسها مع الزيادة لتكون
الزيادة في قبال نفس المحلّى من سيف أو مركب.
وإن جهل مقدار
الحلية فيجوز بيعها بغير جنسها ولو مع عدم الزيادة ، ويجوز بيعها بجنسها بشرط
القطع بزيادة الثمن عنها وإن لم يعلم مقدارها ليكون الزائد في قبال المحلّى ، من
دون فرق بين إمكان نزع الحلية وعدمه.
(٦) بل هو
المتعين.
(٧) أي القطع.
بغير جنسها ، بل
يجوز بيعها بغير الجنس مطلقا (١) كغيرها ، وإنما خصّ المصنف موضع الاشتباه (٢) ،
(ولو باعه بنصف دينار فشقّ (٣) أي نصف كامل مشاع ، لأن النصف حقيقة في ذلك (٤) ، (إلا أن يراد) نصف (صحيح عرفا) بأن يكون هناك نصف مضروب (٥) بحيث ينصرف الإطلاق إليه ، (أو نطقا) بأن يصرّح بإرادة الصحيح وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه فينصرف إليه (٦) ،
وعلى الأول (٧) فلو باعه بنصف دينار آخر تخير بين أن يعطيه شقي دينارين ويصير
شريكا فيهما ، وبين أن يعطيه دينارا كاملا عنهما ، وعلى الثاني (٨) لا يجب قبول
الكامل (٩).
(وكذا) القول (في نصف درهم) وأجزائهما (١٠) غير النصف.
______________________________________________________
(١) ولو بغير
زيادة تعذر العلم أو لا ، وأما إذا بيعت بجنسها فلا بد من الزيادة ، ولا يجوز
بيعها بالأقل لأنه موجب للربا.
(٢) وهو بيع
الحلية بجنسها.
(٣) الشق بفتح
الشين وتشديد القاف هو النصف من كل شيء ، وأصل المسألة لو باع خمسة دراهم مثلا
بنصف دينار كان للبائع شق دينار على نحو الاشاعة بمقتضى الحقيقة اللغوية ، ولا يلزم
المشتري بشق دينار صحيح بمعنى تنصيف الدينار نصفين وإعطاء البائع نصفا منه على نحو
التعيين.
إلا أن يصرح
بالصحيح بالمعنى المتقدم أو يكون هناك عرف حاكم فيقدم على المعنى اللغوي ، ولو
اختلف العرف حمل الاطلاق على الشق بالمعنى المشاع بسبب عدم انضباط العرف خلافا للتذكرة
حيث حكم بالبطلان هنا مع عدم التعيين للجهالة.
(٤) في النصف
المشاع.
(٥) أي نصف منقسم
عن النصف الآخر.
(٦) تفريع على كون
الاطلاق محمولا عليه.
(٧) أي صورة
الاطلاق المحمول على الشق بمقتضى الحقيقة اللغوية.
(٨) أي صورة
الاطلاق المحمول على الصحيح إما للتصريح وإما لإرادة ذلك وقد علم ذلك من القرائن
كالعرف.
(٩) بل له
المطالبة بنصفين صحيحين.
(١٠) أي اجزاء
الدينار والدرهم.
(وحكم تراب الذهب والفضة عند الصّياغة) بفتح الصاد وتشديد الياء جمع صائغ (١) (حكم) تراب (المعدن) في جواز بيعه مع
اجتماعهما بهما (٢) ، وبغيرهما (٣) ، وبأحدهما (٤) مع العلم بزيادة الثمن عن
مجانسه ، ومع الانفراد (٥) بغير جنسه.
(ويجب) على الصائغ (الصدقة به مع جهل
أربابه) (٦) بكل وجه. ولو علمهم
______________________________________________________
(١) جمعه صاغة لا
صياغة هذا من جهة ومن جهة أخرى فلعل اللفظ الوارد في كلام الماتن هو بكسر الصاد مع
تخفيف الياء فيكون مصدرا ويبقى الكلام دالا على تحرير موضوع المسألة بل عبّر
بالمصدر غيره من الفقهاء كالمحقق في الشرائع وغيره.
وعلى كل فالذهب
والفضة المجتمعان عند الصائغ بعد صياغة ذهب الناس وفضتها لهما نفس حكم الأواني
المصنوعة من الذهب والفضة ، من بيع المجتمع بالذهب والفضة مطلقا لانصراف كل منهما
إلى ما يخالفه سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا مع معرفة قدر المجموع ،
وسواء أمكن تخليصهما أم لا ، ويجوز بيع المجتمع بكل واحد من الذهب والفضة إذا علم
زيادة العوض عما يوجد في المجتمع ليكون الزائد في قبال الجنس الآخر ، سواء أمكن
تخليصهما أم لا.
(٢) بالذهب والفضة
معا ولو مع الزيادة لانصراف كل إلى ما يخالفه.
(٣) أي غير الذهب
والفضة.
(٤) من الذهب
والفضة.
(٥) أي كتراب
الذهب أو تراب الفضة فقط ، فإنه يجوز بيعه بغير جنسه مع الزيادة وهذا ما صرح به
الشارح ، ويجوز بيعه بجنسه مع المساواة حذرا من الربا.
(٦) فيتصدق به أو
يبيعه ثم يتصدق به لأنه مجهول المالك لا يعرف أربابه كما هو الغالب وعليه يحمل خبر
علي بن ميمون الصائغ (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عما يكنّس من التراب فأبيعه فما اصنع به؟ قال : تصدق به ،
فإمّا لك وإمّا لأهله ، قلت : فإن فيه ذهبا وفضة وحديدا فبأي شيء أبيعه؟ قال :
بعه بطعام ، قلت : فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال : نعم) ، نعم لو علم صاحبه وجب إرجاعه إليه لأنه ماله ، ولو علم
صاحبه ضمن عدد محصور وجب التحلل منه ولو بالصلح ونحوه ، لأن الصدقة بمال الغير
مشروطة باليأس من معرفته ، وعلى هذا فيجب التخلص من كل غريم يعلمه وذلك عند ـ
__________________
في محصورين وجب
التخلص منهم ، ولو بالصلح مع جهل حق كل واحد بخصوصه ، ويتخير مع الجهل بين الصدقة
بعينه وقيمته (١).
(والأقرب الضمان لو ظهروا ولم يرضوا بها) أي بالصدقة لعموم الأدلة الدالة على ضمان ما أخذت اليد ،
خرج منه ما إذا رضوا ، أو استمر الاشتباه فيبقى الباقي.
ووجه العدم إذن
الشارع له في الصدقة فلا يتعقب الضمان ، ومصرف هذه الصدقة الفقراء والمساكين ،
ويلحق بها (٢) ما شابهها من الصنائع الموجبة لتخلف أثر المال ، كالحدادة والطحن
والخياطة والخبازة.
(ولو كان بعضهم معلوما وجب الخروج من حقه) وعلى هذا (٣) يجب التخلص من كل غريم يعلمه ، وذلك (٤)
يتحقق عند الفراغ من عمل كل واحد ، فلو أخّر حتى صار مجهولا أثم بالتأخير ، ولزمه
حكم ما سبق.
(خاتمة ـ الدراهم
والدنانير يتعينان بالتعيين (٥)
عندنا (في الصرف وغيره) ، لعموم الأدلة الدالة على التعيين ، والوفاء بالعقد ،
______________________________________________________
ـ الفراغ من العمل
، فلو أخّر حتى صار مجهولا أثم بالتأخير ولزمه الحكم السابق.
ثم إن مصرفه مصرف
الصدقات الواجبة هذا من جهة ومن جهة أخرى لو ظهر بعض المستحقين بعد الصدقة ، ولم
يرض بها ضمن حصته لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، ويحتمل العدم لأن الشارع قد
أمره بالصدقة فهو إذن شارعي لا يتعقبه الضمان وهو الأقوى.
(١) بأن يبيعه ثم
يتصدق بالثمن.
(٢) بالصياغة.
(٣) من وجوب
الخروج من مال الذي عرف شخصه.
(٤) أي التخلص.
(٥) الدراهم
والدنانير يتعينان بالتعيين ، وهذا موضع وفاق بيننا لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، فإذا اشتملت على التعيين لم يتم الوفاء بها إلا بجميع
مشخصاتها ، ولأن ـ
__________________
ولقيام المقتضي في
غيرها (١) ، (فلو ظهر عيب في المعين) (٢) ثمنا كان ، أم مثمنا (من غير جنسه) بأن ظهرت الدراهم نحاسا ، أو رصاصا (بطل) البيع (فيه) ، لأن ما وقع
عليه العقد غير مقصود بالشراء ، والعقد تابع له (٣) ، (فإن كان بإزائه مجانسه بطل البيع من أصله) إن ظهر الجميع كذلك (٤) ، وإلا (٥) فبالنسبة (كدراهم بدراهم ، وإن كان) ما بإزائه (مخالفا) في الجنس (٦) (صح) البيع (في السليم (٧) وما قابله ، ويجوز) لكل منهما (الفسخ مع الجهل) بالعيب ، لتبعض الصفقة.
______________________________________________________
ـ المقتضي لتعيين
غيرهما هو العقد ، وهو حاصل هنا ، ولذا لا بد من دفع نفس الدراهم والدنانير
المعيّنة فلا يجوز دفع غيرهما ولو تساوت الأوصاف ، وإن تلف المعين قبل القبض انفسخ
البيع ولم يكن له دفع بدله وإن ساواه ، ولو كان في المعين عيب فلا يستبدل بل إما
أن يرضى به أو يفسخ العقد.
وغالب مخالفينا
على ذلك إلا أبو حنيفة حيث ذهب إلى أنها لا تتعين بالعقد بل بالقبض ، وأثبت نقيض
هذه الأحكام.
(١) في غير
الدراهم والدنانير ، والمقتضي هو العقد.
(٢) والمعنى : ما
لو اشترى دراهم بمثلها معينة ، ووجد جميع ما صار إليه من الثمن من غير جنس الدراهم
، بل هي رصاص ونحوه كان البيع باطلا بلا خلاف ولا إشكال ، وكذا في غير الصرف فيما
لو باعه ثوبا مثلا كتانا فبان صوفا ، بطل البيع لتخلف العقد عما وقع عليه العقد ،
إذ وقع العقد على العين الخارجية وهي رصاص أو صوف مع أن القصد هو الفضة أو الكتان
، وليس له الإبدال لوقوع العقد على عين شخصية فلا يتناول غيرها ، ولا الأرش لعدم
وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين ، بلا فرق في ذلك كله بين كون المعين ثمنا أو
مثمنا.
وكذا الحكم فيما
لو وجد بعض المعين من غير جنس الدراهم فيبطل البيع في هذا البعض فقط ، وللذي انتقل
إليه المعيّن خيار تبعض الصفقة وله الإمضاء مع أخذ البعض الآخر ولكن يأخذه بحصته
من مجانسه من دون زيادة لئلا يلزم الربا.
(٣) أي للقصد.
(٤) أي معيبا بحيث
ظهر من غير جنسه.
(٥) فإن ظهر العيب
في البعض.
(٦) كبيع دراهم
بدنانير معينة.
(٧) فيما لو ظهر
العيب في البعض فقط ، وأما لو ظهر العيب في الجميع فقد عرفت بطلان البيع من رأس في
المجانس ، ومثله في غير المجانس.
(ولو كان العيب من الجنس) (١) كخشونة الجوهر ، واضطراب السكة ، (وكان بإزائه مجانس (٢) ، فله الرد بغير أرش) ، لئلا يلزم زيادة جانب المعيب المفضي إلى الربا ، لأن هذا
النقص حكمي ، فهو في حكم الصحيح (٣) ، (وفي المخالف (٤) بإزاء المعيب (إن كان صرفا) كما لو باعه ذهبا بفضة فظهر أحدهما معيبا من الجنس (فله الأرش في المجلس (٥) ، والرد).
أما ثبوت الأرش
فللعيب ، ولا يضر هنا زيادة عوضه للاختلاف (٦) ، واعتبر كونه في المجلس للصرف.
ووجه الرد ظاهر ،
لأنه مقتضى خيار العيب بشرطه (٧).
______________________________________________________
(١) أي لو اشترى
دراهم بمثلها معينة فوجد جميع ما صار إليه من جنس الدراهم ولكن به عيب كخشونة
الجوهر أو اضطراب السكة كان له رد الجميع أو إمساكه ، وليس له رد البعض فقط لتبعض
الصفقة ، وليس له الإبدال للتعيين.
وإن كان العيب
مختصا بالبعض تخيّر أيضا بين رد الجميع وإمساكه ، ولكن هل له رد المعيب وحده ، قيل
: لا لإفضائه إلى تبعض الصفقة على الآخر فيمتنع الرد ، كما لو كان المعيب جميعه
وأراد ردّ بعضه وهذا ما قطع به المحقق وجماعة ، وقيل : له الاقتصار على ردّ المعيب
لانتقال الصحيح بالبيع وثبوت الخيار في الباقي لعارض العيب ، وهو لا يوجب فسخ
البيع وهذا ما رجحه العلامة في التذكرة.
وأما الأرش فهو
منفي سواء كان العيب في الجميع أو البعض ، لأن المفروض أن البيع بين دراهم ودراهم
وهما من جنس الفضة الموزونة وهما متساويان قدرا ، فلو أخذ أرش المعيب لزم زيادة
قدر المعيب على الصحيح وهذا مما يوجب الربا ، مع ضميمة أن جيد الجوهر ورديّه جنس
واحد ، نعم لو كانا مختلفين كالدراهم والدنانير جاز له أخذ الأرش ما داما في
المجلس ، فإن فارقاه لم يجز أن يأخذ الأرش لئلا يعدّ صرفا بعد التفرق.
(٢) كبيع الدرهم
بالدرهم.
(٣) لأن الجوهر
الرديء كالجيد ما داما في الوزن سواء.
(٤) كبيع الدرهم
بالدينار.
(٥) والتقييد
بالمجلس لئلا يلزم الصرف بعد المجلس مع أنه يشترط التقابض فيه في المجلس.
(٦) أي الاختلاف
في الجنس.
(٧) أي شرط الخيار
المذكور ، وشرطه ما لو كان جاهلا.
(وبعد التفرق له الرد ، ولا يجوز أخذ الأرش من النقدين) ، لئلا يكون صرفا (بعد التفرق ، ولو
أخذ) الأرش (من غيرهما (١) قيل) والقائل العلامة رحمهالله : (جاز) ، لأنه (٢) حينئذ كالمعاوضة بغير الأثمان (٣) فيكون جملة
العقد بمنزلة بيع وصرف ، والبيع ما أخذ عوضه بعد التفرق.
ويشكل (٤) بأن
الأرش جزء من الثمن ، والمعتبر فيه النقد الغالب فإذا اختار الأرش لزم النقد حينئذ
(٥) ، واتفاقهما على غيره (٦) معاوضة (٧) على النقد الثابت في الذمة أرشا لا نفس
الأرش.
ويمكن دفعه (٨) ...
______________________________________________________
(١) أي غير
النقدين بعد التفرق ، أي لو باع أحد النقدين بالآخر ثم ظهر أحدهما معيبا في الجنس
كخشونة الجوهر واضطراب السكة وتمّ التفرق فهل يجوز أخذ أرش المعيب بعد المجلس من
غير النقدين ، قال الفاضل في التحرير والشهيدان في الدروس والمسالك بجوازه لعدم
كون الأرش صرفا لأنه ليس من النقدين ، بل هو معاوضة بغيرهما ويكون جملة العقد الذي
وقع بمنزلة بيع وصرف ، فصرف باعتبار ما وقع من التقابض في المجلس بالنسبة للسليم ،
وبيع باعتبار الأرش بالنسبة للمعيب الذي وقع بعد المجلس.
(٢) أي الأرش من
غير النقدين.
(٣) أي بغير
النقدين.
(٤) والماتن هنا
قد توقف في الحكم والشارح جزم بعدمه هنا ، لأن المعروف كون الأرش جزءا من الثمن ،
والمعتبر في الثمن هو النقد ، على أن الحقوق المالية يرجع فيها إلى النقدين ، وعلى
كل فلو اختار الأرش للزم النقد ، فيثبت بيع الصرف ولازمه عدم الجواز لتفرق المجلس
، واختيارهما هنا غير النقدين إنما هو من باب المعاوضة عن الأرش الثابت في الذمة
والذي عرفت أنه نقد.
(٥) أي حين اختيار
الأرش ويلزم أنه صرف فيبطل لكونه بعد التفرق.
(٦) أي غير النقد
وهذا هو المفروض في المسألة.
(٧) خبر لقوله : (واتفاقهما).
(٨) أي يمكن دفع
دليل العدم الموجب لعدم جواز قبض الأرش من غيرهما بعد تفرق المجلس الذي أتى به
الشارح هنا ، وحاصل الدفع : أن الثابت من الأرش هو النقد لما تقدم ولكن لا يثبت
الأرش في ذمة الذي دفع المعيب إلا حين اختيار صاحب الخيار ـ
بأن الثابت (١)
وإن كان هو النقد لكن لمّا لم يتعين (٢) إلا باختياره الأرش ، إذ لو ردّ لم يكن
الأرش ثابتا كان ابتداء تعلقه (٣) بالذمة الذي هو بمنزلة المعاوضة اختياره (٤)
فيعتبر حينئذ قبضه قبل التفرق (٥) ، مراعاة للصرف ، وكما يكفي في لزوم معاوضة
الصرف دفع نفس الأثمان قبل التفرق كذا يكفي دفع عوضها (٦) قبله (٧) ، بل مطلق (٨)
براءة ذمة من يطلب منه (٩) منه (١٠) ، فإذا اتفقا على جعله من غير النقدين جاز ،
وكانت المعاوضة كأنها واقعة به (١١).
وفيه (١٢) : أن
ذلك يقتضي جواز أخذه في مجلس اختياره من النقدين أيضا ،
______________________________________________________
ـ ذلك ، إذ له
الرد وأن لا يختار الأرش ، وإذا اختار الأرش بعد مجلس العقد فيثبت الأرش حينئذ في
ذمة الطرف الآخر ، وقد عرفت أن الثابت من الأرش هو النقد ، فيثبت النقد حينئذ في
ذمة الطرف الآخر في مجلس الاختيار وعليه فلا بد من قبض نقد الأرش في هذا المجلس.
ومما تقدم تعرف
أنه وإن جاز قبض الأرش من غير النقدين في غير مجلس العقد لكن لا بدّ من قبضه في
مجلس الاختيار.
(١) أي الثابت من
الأرش.
(٢) أي لم يتعين
الأرش.
(٣) أي ابتداء
تعلق النقد الذي هو بمنزلة المعاوضة عن الأرش.
(٤) أي اختيار
الأرش.
(٥) عن مجلس
الاختيار.
(٦) عوض الأثمان.
(٧) أي قبل التفرق
عن مجلس الاختيار.
(٨) أي بل يكفي في
لزوم المعاوضة مطلق براءة ذمة من يطلب منه عوض الصرف من ذلك العوض قبل التفرق ،
حتى لو كان الابراء بهبة.
(٩) أي من يطلب
منه العوض ، ولفظ (منه) متعلق بيطلب.
(١٠) أي من العوض
وهو متعلق ب (براءة).
(١١) أي بغير
النقدين.
(١٢) أي وفي الدفع
، وحاصل ما فيه أن ذلك يقتضي جواز أخذ الأرش في مجلس اختياره من النقدين أيضا ، ما
دام المدار على القبض في مجلس اختيار الأرش مع أنهم لا يقولون بذلك لما تقدم من
عدم جواز أخذ الأرش من النقدين بعد مجلس العقد.
ولا يقولون به ،
ولزومه (١) وإن كان موقوفا على اختياره (٢) إلا أن سببه (٣) العيب الثابت حالة
العقد فقد صدق التفرق (٤) قبل أخذه وإن لم يكن (٥) مستقرا (٦).
والحق أنا إن
اعتبرنا في ثبوت الأرش السبب (٧) لزم بطلان البيع فيما قابله (٨) بالتفرق (٩) قبل
قبضه (١٠) مطلقا (١١) ، وإن اعتبرنا (١٢) حالة اختياره (١٣) ، أو جعلناه (١٤) تمام
السبب (١٥) على وجه النقل لزم جواز أخذه (١٦) في مجلسه (١٧) مطلقا (١٨) ، وإن جعلنا ذلك (١٩) كاشفا عن ثبوته (٢٠) بالعقد لزم البطلان فيه (٢١)
______________________________________________________
(١) أي لزوم
الأرش.
(٢) أي اختيار
الأرش.
(٣) سبب الأرش.
(٤) باعتبار أن
سبب الأرش حاصل حالة القعد ، وأخذ الأرش قد تم بعده ولو في مجلس الاختيار.
(٥) أي الأرش.
(٦) أي مستقرا في
ذمة البائع.
(٧) وهو العيب.
(٨) أي قابل السبب
الذي هو العيب ، والمراد بمقابله هو الأرش.
(٩) أي بسبب
التفرق.
(١٠) أي قبل قبضه
حين ثبوت السبب ، وهو قبضه حالة العقد.
(١١) سواء كان
الأرش من النقدين أم من غيرهما.
(١٢) أي اعتبرنا
ثبوت الأرش.
(١٣) أي حال
اختيار الأرش.
(١٤) أي جعلنا
اختيار الأرش.
(١٥) أي تمام
السبب لثبوت الأرش ، إذ سببه مؤلف من العيب واختيار الأرش.
(١٦) أخذ الأرش.
(١٧) أي مجلس
الاختيار.
(١٨) سواء كان من
النقدين أم من غيرهما.
(١٩) أي اختيار
الأرش.
(٢٠) أي ثبوت
الأرش.
(٢١) أي الأرش.
أيضا (١) ، وعلى
كل حال فالمعتبر منه (٢) النقد الغالب ، وما اتفقا على أخذه أمر آخر (٣) ، والوجه
الأخير (٤) أوضح ، فيتجه مع اختياره (٥) البطلان فيما قابله (٦) مطلقا (٧) ، وإن
رضي بالمدفوع لزم (٨).
فإن قيل (٩) :
المدفوع أرشا ليس هو أحد عوضي الصرف ، وإنما هو عوض صفة فائتة في أحد العوضين ،
ويترتب استحقاقها (١٠) على صحة العقد ، وقد حصل التقابض في كل من العوضين فلا
مقتضي للبطلان ، إذ وجوب التقابض إنما هو في عوضي الصرف ، لا فيما وجب بسببهما (١١).
قلنا : الأرش وإن
لم يكن أحد العوضين ، لكنه كالجزء من الناقص منهما ، ومن ثم حكموا بأنه جزء من
الثمن ، نسبته إليه (١٢) كنسبة قيمة الصحيح إلى المعيب ، والتقابض الحاصل في العوضين
وقع متزلزلا ، إذ يحتمل رده (١٣) رأسا ، وأخذ (١٤) أرش النقصان الذي هو كتتمة
العوض الناقص ، فكان (١٥) بمنزلة بعض
______________________________________________________
(١) أي كما في
الوجه الأول إذ يشترط القبض في مجلس العقد ولم يتم.
(٢) من الأرش.
(٣) بل معاوضة على
ما ثبت بالأرش.
(٤) من كون اختيار
الأرش كاشفا عن ثبوته بالعقد.
(٥) أي اختيار
الأرش.
(٦) أي قابل الأرش
، ووجه البطلان لأنه غير مقبوض في مجلس العقد.
(٧) سواء كان
الأرش من النقدين أم لا.
(٨) أي وإن أمضى
البيع ورضي بالمعيب المدفوع إليه من غير أرش للزم العقد.
(٩) وهو قول
للمحقق الثاني في جامعه وحاصله أن الأرش يعطى في قبال صفة فائتة في أحد العوضين
وهذا لا يحتاج إلى التقابض في المجلس ، إذ التقابض شرط في عوضي الصرف لا في
صفاتهما.
(١٠) أي استحقاق
الصفة الفائتة.
(١١) أي بسبب عوضي
الصرف كصفة فائتة فيهما.
(١٢) أي نسبة
الأرش إلى الثمن.
(١٣) أي رد
المبيع.
(١٤) معطوف على
قوله (يحتمل رده).
(١٥) أي الأرش.
العوض ، والتخيير
بين أخذه والعفو (١) عنه ورد المبيع لا ينافي ثبوته (٢) ، غايته ، التخيير بينه ،
وبين أمر آخر (٣) ، فيكون ثابتا ثبوتا تخييريا بينه وبين ما ذكر (٤).
(ولو كان) العيب الجنسي (في غير صرف) (٥) بأن كان العوض الآخر عرضا (فلا شك في جواز
الرد والأرش) ، إعطاء للمعيب
حكمه شرعا (٦) ، ولا مانع منه هنا (مطلقا) سواء كان قبل التفرق ، أم بعده.
(ولو كانا) أي العوضان (غير معينين (٧)
فله الإبدال) مع ظهور العيب
______________________________________________________
(١) أي العفو عن
الأرش مع إمضاء البيع.
(٢) أي ثبوت
الأرش.
(٣) وهو الرد أو
العفو.
(٤) من الرد أو
العفو.
(٥) بأن اشترى
متاعا بدراهم ، ووجد عيبا جنسيا في الدراهم كاضطراب السكة فلا شك في جواز الرد
بالعيب ، والأرش والامضاء بلا إشكال فيه قبل التفرق أو بعده لعدم كونه صرفا حتى
يشترط فيه التقابض في المجلس ، هذا وكل متاع يسمى عرضا سوى الدرهم والدينار فهما
أثمان.
(٦) من الرد أو
الأرش أو الامضاء من دون شيء آخر وهو المسمى بالعفو.
(٧) ما تقدم كان
شراء دراهم معينة بمثلها ، وهنا لو اشترى دراهم في الذمة بمثلها ، ووجد جميع ما
صار إليه غير فضة قبل التفرق ، كان له المطالبة بالبدل قطعا ، لأن العوض في الذمة
وهو أمر كلي والمدفوع لما لم يكن من الجنس امتنع أن يكون فردا للمبيع ، وعليه
فيطالب بحقه من حيث لم يحصل التفرق قبل القبض.
وإن كان قد ظهر
ذلك بعد التفرق بطل الصرف لعدم القبض في المجلس ، ولو كان قد ظهر ذلك في البعض
طالب بالبدل قبل التفرق ، وأما بعده فيبطل الصرف فيه لعدم التقابض ويصح في الباقي
لوجود المقتضي وكان له خيار تبعض الصفقة.
ولو خرج المدفوع
معيبا بالجنس لأنه مضطرب السكة ونحوه وفرض كون العيب في الجميع كان مخيرا بين الرد
للعيب والامساك من غير أرش لئلا يلزم الربا ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان له
المطالبة بالإبدال قبل التفرق لأن العوض أمر كلي في الذمة وهو محمول على الصحيح
فله المطالبة به حينئذ ، وأما بعد التفرق ففيه تردد وخلاف ، وعن الشيخ وابن حمزة
والفاضل والمحقق الثاني والشهيد الثاني أن له ذلك ، وعن الشهيد في الدروس أنه لا
يجوز وهو ظاهر اللمعة هنا أيضا باعتبار أن الابدال يقتضي عدم الرضا ـ
جنسيا (١) كان ،
أم خارجيا (٢) ، لأن العقد وقع على أمر كلي والمقبوض غيره ، فإذا لم يكن (٣)
مطابقا لم يتعين لوجوده في ضمنه (٤) ، لكن الإبدال (ما داما في المجلس
في الصرف) ، أما بعده (٥)
فلا ، لأنه يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق وأن الأمر الكلي باق في الذمة
فيؤدي إلى فساد الصرف (٦).
هذا إذا كان العيب
من الجنس ، أمّا غيره (٧) فالمقبوض ليس ما وقع عليه العقد مطلقا (٨) فيبطل بالتفرق
، لعدم التقابض في المجلس.
ويحتمل قويا مع
كون العيب جنسيا جواز إبداله بعد التفرق ، لصدق التقابض في العوضين قبله (٩) ،
والمقبوض محسوب عوضا وإن كان معيبا ، لكونه (١٠) من الجنس فلا يخرج عن حقيقة العوض
المعين ، غايته كونه مفوتا لبعض الأوصاف فاستدراكه ممكن بالخيار ، ومن ثمّ لو رضي
به (١١) استقر ملكه عليه ،
______________________________________________________
ـ بالمقبوض قبل
التفرق وأن المبيع حقيقة إنما هو البدل ، وقد حصل التفرق قبل قبضه فيكون الصرف
باطلا.
ووجه الجواز أن
التقابض تحقق في العوضين قبل التفرق ، وكونه معيبا لا يخرجه عن الجنسية ولا يخرجه
عن حقيقة العوض غايته بالعيب المذكور يثبت له الخيار ولكنه أصبح ملكا له ونماؤه له
من حين العقد إلى حين الرد ، ثم لو فسخ رجع الحق إلى الذمة فيتعين أن المقبوض أولا
عوض قد قبضه قبل التفرق وبه يتحقق شرط الصحة لهذا البيع.
(١) كاضطراب
السكة.
(٢) كأن يظهر
كونها من الرصاص.
(٣) أي المقبوض.
(٤) أي لوجود
الكلي في فرده ، والمقبوض ليس من أفراده.
(٥) بعد المجلس أي
بعد التفرق.
(٦) وسيأتي منه
تقوية عكسه.
(٧) كأن يكون
العيب خارجيا بأن ظهر أنه من الرصاص مثلا.
(٨) أي أصلا.
(٩) أي قبل التفرق
، وقد تقدم منا شرحه.
(١٠) أي لكون
المعيب.
(١١) أي بالمعيب.
ونماؤه له على
التقديرين (١).
بخلاف غير الجنسي (٢)
وحينئذ (٣) فإذا فسخ (٤) رجع الحق إلى الذمة ، فيتعين حينئذ (٥) كونه (٦) عوضا
صحيحا ، لكن يجب قبض البدل (٧) في مجلس الرد ، بناء على أن الفسخ رفع العوض ، فإذا
لم يقدح في الصحة سابقا يتعين القبض حينئذ ليتحقق التقابض.
ويحتمل قويا سقوط
اعتباره أيضا ، لصدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحة ، وللحكم بصحة الصرف
بالقبض السابق فيستصحب إلى أن يثبت خلافه ، وما وقع (٨) غير كاف في الحكم بوجوب
التقابض (٩) ، لأنه حكم طارئ بعد ثبوت البيع.
(وفي غيره) أي غير الصرف له الإبدال ، (وإن تفرقا) ، لانتفاء المانع منه (١٠) مع وجود المقتضي له (١١) ، وهو
العيب في عين لم يتعين عوضا.
______________________________________________________
(١) تقدير الرضا
به ، وتقدير الرد لأن نماء المقبوض المعيب للقابض.
(٢) فلا يستقر
ملكه عليه على تقدير الرضا ، ولا يكون نماؤه له على التقديرين لعدم وقوع العقد
عليه أصلا.
(٣) أي حين
الإبدال مع كون العيب جنسيا.
(٤) أي فسخ في
العوض المعيب لا فسخ أصل البيع.
(٥) أي حين الفسخ.
(٦) كون المقبوض
أولا.
(٧) قال الشارح في
المسالك : (ولكن هل يجب قبض البدل في مجلس الرد بناء على أن الفسخ رفع العوض وصيّر
عوض الصرف غير مقبوض ، فإذا لم يقدح في صحة السابقة يتعين القبض حينئذ لتحقق
التقابض ، أو يسقط اعتباره من حيث صدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحة ،
والأصل براءة الذمة من وجوب قبض آخر ، ولأن الصرف قد حكم بصحته بالقبض السابق
فيستصحب إلى أن يثبت المزيل ، وجهان أجودهما الثاني).
(٨) أي ما وقع
ثانيا من الرد.
(٩) في مجلس الرد.
(١٠) من الإبدال
بعد جواز القبض فيه بعد مجلس العقد.
(١١) للإبدال.
(الفصل السادس : في
السلف (١)
وهو بيع (مضمون) (٢) في الذمة ، مضبوط بمال معلوم مقبوض (٣) في المجلس إلى أجل
معلوم (٤) بصيغة خاصة ، (وينعقد بقوله) أي قول المسلم وهو المشتري (أسلمت إليك ، أو
أسلفتك) ، أو سلّفتك بالتضعيف
، وفي سلّمتك وجه (٥) ، (كذا (٦) في كذا (٧) إلى كذا (٨) ، ويقبل المخاطب) وهو المسلم إليه وهو البائع بقوله : قبلت وشبهه ، ولو جعل
الإيجاب منه جاز بلفظ البيع والتمليك ، واستلمت منك واستلفت وتسلفت ونحوه (٩).
(ويشترط فيه (١٠) شروط البيع بأسرها (١١) ، ويختص بشروط (ذكر الجنس) (١٢) ، والمراد به هنا الحقيقة النوعية كالحنطة والشعير ، (والوصف الرافع
______________________________________________________
(١) وهو السلم ،
وكلاهما بفتح السين واللام ، وهو ابتياع كلي بثمن حال عكس النسيئة ، ويقال للمشتري
المسلم بكسر اللام ، وللبائع المسلم إليه ، وللثمن المسلم ، وللمبيع المسلم فيه ،
وهو نوع من أنواع البيع فلا بد فيه من إيجاب وقبول ، وينعقد بلفظ أسلمت إليك أو
أسلفتك كذا في كذا هذا من المشتري ، ويقول البائع المسلم إليه : قبلت وشبهه بلا
خلاف فيه ، وصدور الايجاب من المشتري هنا من جملة أحكام السلف التي اختص بها عن
باقي أفراد البيع.
(٢) أي بيع كلي في
الذمة.
(٣) لاخراج بيع
الدين بالدين فله حكم وسيأتي البحث فيه.
(٤) سيأتي دليله.
(٥) لدلالته صريحا
على المقصود هذا بحسب اللغة ، ولكن في التذكرة (ويجيء سلّمت إلا أن الفقهاء لم
يستعلموه).
(٦) وهو الثمن.
(٧) وهو المبيع.
(٨) أي إلى أجل معلوم.
(٩) والقبول من
المسلم وهو المشتري بقوله : قبلت ونحوه.
(١٠) في السلف.
(١١) وقد تقدمت في
الأبحاث السابقة.
(١٢) وكذا الوصف
لأن كلما يختلف لأجله الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله فلا بد من ذكره ، ولذا لا بد
من ذكر الجنس والمراد به الحقيقة النوعية ، ولا بد من ذكر الوصف الموجب لاختلاف
الثمن.
للجهالة) الفارق بين أصناف ذلك النوع ، لا مطلق الوصف ، (بل الذي يختلف لأجله الثمن اختلافا ظاهرا) لا يتسامح بمثله عادة ، فلا يقدح الاختلاف اليسير غير
المؤدي إليه (١) ، والمرجع في الأوصاف إلى العرف وربما كان العامي أعرف بها من
الفقيه ، وحظ الفقيه منها الإجمال ، والمعتبر من الوصف ما يتناوله الاسم المزيل
لاختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعين (٢) ، (ولا يبلغ فيه
الغاية) فإن بلغها وأفضى
إلى عزة الوجود بطل ، وإلا صح (٣).
(واشتراط الجيد والرديء جائز) (٤) ، لإمكان تحصيلهما بسهولة ، والواجب أقل ما يطلق عليه اسم
الجيد ، فإن زاد عنه زاد خيرا ، وما يصدق عليه اسم الرديء ، وكلما قلّل الوصف فقد
أحسن.
(و) شرط (الأجود والأردإ ممتنع) ، لعدم الانضباط ، إذ ما من جيد إلا ويمكن وجود أجود منه ،
وكذا الأردإ ، والحكم في الأجود وفاق ، وأما الأردأ فالأجود أنه كذلك.
______________________________________________________
(١) إلى اختلاف
الثمن.
(٢) من أفراد
النوع الواحد.
(٣) أي ولا يبلغ
في الوصف الغاية لأنه يكفي ذكر الوصف المزيل لاختلاف الأثمان فقط ، ولو استقصى في
الأوصاف ووجد الموضوع صح السلم وإن عزّ وجوده بطل كما هو واضح لتعذر المبيع غالبا.
(٤) بلا خلاف فيه
، بل قد يقال ـ كما في الجواهر ـ بكونهما من الأوصاف التي يتوقف رفع الجهالة على
ذكرهما ومن هنا حكي عن المبسوط والتذكرة وجوب التعرض لهما.
نعم لو شرط الأجود
لم يصح لتعذره بلا خلاف فيه لأنه ما من فرد جيد إلا ويمكن أن يكون فوقه ما هو أجود
منه فلا يتحقق كون المدفوع من أفراد الحق.
وكذا لو شرط
الأردأ لأنه ما من رديء إلا وهناك أردأ منه ، هذا على المشهور ، وعن المحقق في
الشرائع أنه يصح اشتراط الأردإ لإمكان التخلص بدفع الرديء فإن كان هو الأردأ فهو
عين الحق وإلا فيكون قد دفع الجيد عن الرديء وهو جائز.
وفيه : أنه لا
يكفي هذا في صحة العقد بل يجب مع ذلك تعيّن المسلّم فيه بالضبط بحيث يمكن الرجوع
إليه عند الحاجة ، ويمكن تسليمه ولو بالقهر بأن يدفعه إلى الحاكم من مال المسلّم
إليه عند تعذر تسليمه مع أن هذين الأمرين منتفيان عن الأردإ لأنه غير متعين.
وربما قيل بصحته ،
والاكتفاء بكونه في المرتبة الثانية من الرديء لتتحقق الأفضلية ثم إذا كان الفرد
المدفوع أردأ فهو الحق ، وإلا فدفع الجيد عن الرديء جائز ، وقبوله لازم ، فيمكن
التخلص بخلاف الأجود.
ويشكل بأن ضبط
المسلم فيه معتبر على وجه يمكن الرجوع إليه عند الحاجة مطلقا (١) ، ومن جملتها ما
لو امتنع المسلم إليه من دفعه فيؤخذ من ماله بأمر الحاكم قهرا ، وذلك غير ممكن هنا
، لأن الجيد غير متعين عليه فلا يجوز لغيره دفعه فيتعذر التخلص ، فعدم الصحة أوضح
، وتردد المصنف في الدروس.
(وكل ما لا يضبط وصفه يمتنع السلم فيه (٢) ، كاللحم والخبز
والنبل المنحوت) ويجوز قبله (٣) ، لإمكان ضبطها (٤) بالعدد والوزن ، وما يبقى فيه (٥) من
الاختلاف غير قادح ، لعدم اختلاف الثمن بسببه (٦) بخلاف المعمول (٧) ، (والجلود) (٨) لتعذر ضبطها ، وبالوزن لا يفيد الوصف المعتبر ، لأن أهم
أوصافها
______________________________________________________
(١) سواء امتنع
وجوده أم لا.
(٢) قد تقدم أن
ذكر الجنس والوصف الرافعين للجهالة لازم ، ومنه تعرف أن كل شيء مما لا ينضبط
بالوصف على وجه ترتفع جهالته ولا يؤدي إلى عزة وجوده لا يصح السلم فيه قطعا بلا
خلاف فيه كاللحم نيّة ومشويه ويشهد له خبر جابر عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن السلف
في اللحم ، قال : لا تقربنّه فإنه يعطيك مرة السمين ومرة التاوي ، ومرة المهزول ،
اشتره معاينة يدا بيد ، قال : وسألته عن السلف في رؤيا الماء ، فقال : لا تقربنّها
فإنه يعطيك مرّة ناقصة ومرة كاملة ، ولكن اشترها معاينة يدا بيد فهذا أسلم لك وله)
، ومثله الخبز.
(٣) أي قبل النحت.
(٤) أي ضبط النبل.
(٥) أي وما يبقى
في المسلم فيه وهو النبل.
(٦) بسبب الاختلاف
غير القادح.
(٧) أي المنحوت.
(٨) المشهور على
المنع للجهالة واختلاف الخلقة وتعذر الضبط حتى بالوزن لأن القيمة لا ـ
__________________
السمك ولا يحصل به
(١) ، وقيل : يجوز ، لإمكان ضبطه بالمشاهدة ، وردّ بأنه خروج عن السلم ، لأنه دين
، ويمكن الجمع بمشاهدة جملة يدخل المسلم فيه في ضمنها من غير تعيين ، وهو غير مخرج
عن وضعه (٢) ، كاشتراطه ، من غلة قرية معينة لا تخيس عادة ، وحينئذ فيكفي مشاهدة
الحيوان عن الإمعان في الوصف ، والمشهور المنع مطلقا (٣).
(والجواهر واللآلي الكبار (٤) ، لتعذر ضبطها) على وجه يرفع بسببه اختلاف الثمن ، (وتفاوت الثمن فيها) تفاوتا باعتبارات لا تحصل بدون المشاهدة ، أما اللآلي الصغار التي لا تشتمل
على أوصاف كثيرة تختلف القيمة باختلافها فيجوز مع ضبط ما يعتبر فيها سواء في ذلك
المتخذة للدواء ، وغيرها ، وكذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت الثمن
باعتبارها تفاوتا بينا كبعض العقيق ، وهو خيرة الدروس.
(ويجوز السلم في الحبوب والفواكه (٥) ، والخضر ، والشحم ،
والطيب ،)
______________________________________________________
ـ ترتبط به ، وعن
الشيخ والقاضي الجواز مع المشاهدة ، وهي تدفع المحاذير السابقة ، وفيه ـ كما عن
المحقق ـ أنه بالمشاهدة يخرج عن السلم الذي عرفت كونه كليا مضمونا في الذمة.
وانتصر لهما
الشارح في المسالك وهنا بأنه يخرج عن السلم بالمشاهدة مع تعيين المبيع ، وكلام
الشيخ أعم منه فيمكن حمله على مشاهدة جملة كثيرة يكون المسلم فيه داخلا في ضمنها ،
وهذا القدر لا يخرج عن السلم كما لو شرط الثمرة من بلد معيّن أو الغلة من قرية
معينة لا تخيس عادة.
(١) بالوزن.
(٢) أي وضع السلم.
(٣) حتى مع
المشاهدة لجملة يدخل فيها المسلم فيه.
(٤) لم يفرق
المحقق في الشرائع بين اللئالي الكبيرة والصغيرة لاشتراكهما في علة المنع ، وهي
تعذر ضبطها بحيث ترتفع جهالتها ، وفرّق جماعة بينهما فجوزوه في الصغار لأنها تباع
وزنا ولا يعتبر فيها صفات كثيرة توجب تفاوت القيمة بخلاف الكبار ، وعن بعضهم
التفريق بين ما يتخذ للتداوي فيجوز وبين ما يتخذ للزينة فلا ، وذلك لأن المأخوذ
للتداوي يراد منه الوزن فقط دون الأوصاف ، والأولى من الجميع إناطة ذلك إلى العرف.
(٥) بعد ما عرفت
جواز السلم فيما يمكن ضبطه بالوصف المعلوم تعرف جوازه في الخضر والفواكه والحبوب
وكل ما تنبته الأرض ، والشحم والطيب والملابس والأشربة والأدوية ـ
(والحيوان كلّه) ناطقا ، وصامتا ، (حتى في شاة لبون) ، لإمكان ضبطها ، وكثرة وجود مثلها ، وجهالة مقدار اللبن
غير مانعة على تقدير وجوده ، لأنه تابع ، (ويلزم تسليم شاة
يمكن أن تحلب في مقارب زمان التسليم) ، فلا يكفي الحامل وإن قرب زمان ولادتها ، (ولا يشترط أن يكون اللبن حاصلا بالفعل حينئذ (١) ، فلو حلبها وسلّمها أجزأت) ، لصدق اسم الشاة اللبون عليها بعده (٢).
(أما الجارية الحامل ، أو ذات الولد ، أو الشاة كذلك (٣)
فالأقرب المنع) (٤) ، لاعتبار وصف كل واحد منهما (٥) ، فيعز اجتماعهما في
واحد (٦) ، ولجهالة الحمل وعدم إمكان وصفه. وقيل : يجوز في الجميع ، لإمكانه (٧)
من غير عسر ، واغتفار الجهالة في الحمل لأنه تابع ، وفي الدروس جوز في الحامل
مطلقا (٨) ، وفي ذات الولد المقصود بها الخدمة ، دون التسري والأجود الجواز مطلقا (٩)
، لأن عزة وجود
______________________________________________________
ـ والألبان والسمن
والحيوان الاناسي منه وغيره ، حتى شاة اللبون خلافا للشافعي في أحد قوليه فمنعه
لمجهولية اللبن مع أن اللبن من التوابع ويكفيه في الشاة اللبون ما كان من شأنها
ذلك فيجوز تسليم شاة ليس فيها لبن ، بل لو كان فيها لبن لجاز له حلبها وتسليمها
بلا لبن ، وإذا كان المدار في الشاة اللبون على الشاة التي من شأنها ذلك فلا يجوز
تسليم الحامل وإن قرب زمن ولادتها.
(١) أي حين
التسليم.
(٢) بعد الحلب.
(٣) أي الشاة
الحامل أو ذات الولد.
(٤) كما عن الشيخ
في مبسوطه والماتن هنا في لمعته ، أما في الحامل لجهالة أوصاف الحمل وأما في ذات
الولد لعزة الوجود ، والمشهور على الجواز لاغتفار الجهالة في الحمل لأنه تابع ،
ولامكان وصف الولد في ذات الولد على نحو لا يلزم إلى عسر الوجود ، والغريب من
الماتن أنه استقرب المنع في الجارية الحامل هنا مع أنه قائل بالجواز فيها في الدروس
سواء كانت حسناء أو شوهاء.
(٥) من الأم
وولدها.
(٦) بالنسبة لذات
الولد.
(٧) أي إمكان وصف
كل واحد من الأم وولدها من غير استلزام عزة الوجود.
(٨) سواء كان
الجارية للخدمة أم للتسري.
(٩) في الحامل
وذات الولد ، وسواء كان ذلك للخدمة أم للتسري.
مثل ذلك (١) غير واضح
، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد يقتضيه.
(ولا بد من قبض الثمن قبل التفرق (٢) ، أو المحاسبة به (٣)
من دين عليه) أي على المسلم (٤)
(إذا لم يشترط ذلك في العقد) بأن يجعل الثمن نفس ما في الذمة ،
______________________________________________________
(١) وهو اجتماع
وصفي الأم والولد.
(٢) وهذا من شرائط
السلم بحيث لو افترقا قبل القبض بطل العقد ، وعليه الاجماع كما عن التذكرة ، وظاهر
ابن الجنيد جواز تأخير القبض ثلاثة أيام وهو متروك كما في الدروس والمسالك.
(٣) بالثمن.
(٤) أي البائع
الذي هو مديون للمشتري بحيث يفرض الثمن وفاء للدين ، وأصل المسألة هكذا : لو شرط
المشتري أن يكون الثمن من دين له على البائع ، وكان شرطا في العقد فالمشهور على
البطلان لأنه بيع دين بدين فيشمله خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يباع الدين بالدين) ومثله غيره.
وذهب المحقق
وتلميذه الآبي والفاضل في التحرير والقطيفي إلى الجواز لأن النهي عن بيع الدين
بمثله لا يشمله إلا إذا كان دينا قبل العقد لا لما صار دينا في العقد ولأن ما في
الذمة بمنزلة المقبوض ويشهد له خبر إسماعيل بن عمر (أنه كان له على رجل دراهم فعرض
عليه الرجل أن يبيعه بها طعاما إلى أجل ، فأمر إسماعيل يسأله ، فقال : لا بأس بذلك
، فعاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك وقال : إني كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت لا
بأس ، فقال : ما يقول فيها من عندكم؟ قلت : يقولون : فاسد ، فقال : لا تفعله فإني
أوهمت) ، والاعتذار بالوهم من جهة التقية ولذا تعرف أن الحكم الواقعي
هو الجواز ولكن الجماعة حكموا بالكراهة خروجا عن شبهة الخلاف ليس إلا.
ثم لو اشترى
الدائن من المديون مبيعا إلى أجل ولم يعين كون الثمن من الدين ولكنهما تقاصا في
المجلس مع اتفاق الجنس والوصف أو تحاسبا مع الاختلاف ، على أنه لو اتحد الجنس
والوصف فالتقاص قهري وإلا فالتحاسب متوقف على التراضي وعلى كل فهو غير مشمول للنهي
عن بيع الدين بالدين فلا بد من الحكم بالصحة لأن ذلك استيفاء محض قبل التفرق مع
عدم ورود العقد على ما في الذمة ، ومع ذلك قيل بالبطلان لأن الثمن قد تشخص بما في
الذمة فيكون بيع دين بمثله ، ولأن هذا معاوضة على ثمن السلم قبل ـ
__________________
(ولو شرطه) كذلك (١) (بطل ، لأنه بيع
دين بدين) أما كون المسلم
فيه دينا فواضح ، وأما الثمن الذي في الذمة فلأنه دين في ذمة المسلم فإذا جعل عوضا
للمسلم فيه صدق بيع الدين بالدين ، لأن نفس الدين قد قرن بالباء (٢) فصار ثمنا ،
بخلاف المحاسبة عليه قبل التفرق إذا لم يشترط ، لأنه استيفاء دين قبل التفرق ، مع
عدم ورود العقد عليه ، فلا يقصر عما لو أطلقاه ثم أحضره قبل التفرق ، وإنما يفتقر
إلى المحاسبة مع تخالفهما (٣) جنسا أو وصفا ، أما لو اتفق ما في الذمة والثمن
فيهما (٤) وقع التهاتر قهريا ولزم العقد.
ولكن المصنف في
الدروس استشكل على هذا (٥) صحة العقد ، استنادا إلى أنه يلزم منه (٦) كون مورد
العقد دينا بدين ، ويندفع بأن بيع الدين بالدين لا يتحقق إلا إذا جعلا معا في نفس
العقد متقابلين في المعاوضة ، قضية للباء (٧) ، وهي (٨) منتفية هنا ، لأن الثمن
هنا أمر كلي ، وتعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه
العقد ، ومثل هذا التقاصّ والتحاسب استيفاء ، لا معاوضة ولو أثر مثل ذلك (٩) لأثر
مع إطلاقه (١٠) ، ثم دفعه في
______________________________________________________
ـ قبضه ، وهما
فاسدان ، أما الأول لأن الثمن هنا أمر كلي وتعيينه في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن
الذي جرى عليه العقد ، والثاني لا يضر بعد قبضه قبل التفرق.
(١) أي في متن
العقد.
(٢) في قولك : بعت
هذا بهذا.
(٣) أي الثمن وما
في الذمة.
(٤) في الجنس
والوصف.
(٥) أي على اتفاق
ما في الذمة والثمن المحقق للتهاتر فأورد المصنف على صحة العقد بأنه من بيع الدين
بالدين.
(٦) من التهاتر.
(٧) وهي الباء
الداخلة على العوض والقاضية بوجود العوض والمعوض معا ، ولذا لا يصدق بيع الدين
بالدين إلا إذا كانا كذلك قبل العقد.
(٨) أي المقابلة
بين الدينين.
(٩) أي مثل
الاستيفاء والتقاص والتهاتر.
(١٠) أي إطلاق
الثمن في العقد.
المجلس ، لصدق بيع
الدين بالدين عليه ابتداء ، بل قيل (١) بجواز الصورة الثانية أيضا ، وهي (٢) ما لو
جعل الدين ثمنا في العقد ، نظرا إلى أن ما في الذمة بمنزلة المقبوض.
(وتقديره) (٣) أي المسلم فيه (٤) ، أو ما يعم الثمن (٥) (بالكيل ، أو الوزن المعلومين) في ما يكال ، أو يوزن ، وفيما لا يضبط إلا به (٦) ، وإن
جاز بيعه جزافا كالحطب والحجارة ، لأن المشاهدة ترفع الغرر ، بخلاف الدين ، واحترز
بالمعلومين عن الإحالة على مكيال ، أو صنجة مجهولين فيبطل ، (أو العدد) (٧) في المعدود ،
______________________________________________________
(١) عن المحقق
والآبي والفاضل والمقداد والقطيفي على ما تقدم.
(٢) أي الصورة
الثانية.
(٣) من شروط السلف
أو السلم تقدير المبيع بالكيل أو الوزن المعروفين إذا كان مما يكال أو يوزن بلا
خلاف فيه ضرورة توقف معرفته عليهما إذا كان كذلك في المشاهدة ففي الغياب من باب
أولى ، ولازم ذلك لو عوّلا على صخرة مجهولة أو مكيال مجهول لم يصح السلم لأنه غرر
، نعم لو كان المبيع مما تكفي مشاهدته في حال الحضور بأن يباع جزافا فقد صرح غير
واحد بوجوب تقديره بالكيل أو الوزن في بيع السلم لعدم المشاهدة فيه حتى ترتفع
الجهالة والغرر.
(٤) وهو المبيع.
(٥) أي الضمير في (تقديره)
شامل للمثمن والثمن وإن كان على خلاف عبارة الماتن.
(٦) أي بالكيل أو
الوزن ، وهو الذي يباع جزافا في المشاهدة فلا يمكن ضبطه في حال الغياب كما هو المفروض
في السلم إلا بأحدهما.
(٧) بحيث يباع في
المشاهدة عدا كالثوب ، فلا بد من عدّه في السلم لرفع الغرر ، وكذا لو كان يباع
جزافا في حال الحضور فلا بدّ من بيعه بالعدّ إذا كان العدّ رافعا للجهالة كالبيض
والجوز ، دون الرمان لعدم ارتفاع الغرر إلا بالعدّ والمشاهدة ولذا يتعين بيعه وزنا
في السلم.
وعن الشيخ والمحقق
وابني زهرة وإدريس والعلامة في التذكرة أنه لا يجوز السلف في المعدود لعدم ارتفاع
الجهالة به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر والصغر وغيرهما ، والاكتفاء بالعدّ في
المشاهدة لارتفاع الغرر بها لا به.
وعن الفاضل في
جملة من كتبه والشهيدين وجماعة التفصيل المتقدم بين ما لا يكثر فيه التفاوت فيصح
فيه العدّ كالجوز واللوز وبين ما يكثر فيه التفاوت كالرمان فلا ، والحق أن المدار
على الانضباط الرافع للجهالة واختلاف الثمن ، وهذا ما يختلف باختلاف الأمصار
والاعصار والأشياء المعدودة فالاحالة إلى العرف هو الأولى.
(مع قلة التفاوت) كالصنف الخاص من الجوز واللوز ، أما مع كثرته كالرمان فلا
يجوز بغير الوزن.
والظاهر أن البيض
ملحق بالجوز في جوازه مع تعيين الصنف ، وفي الدروس قطع بإلحاقه بالرمان الممتنع به
، وفي مثل الثوب يعتبر ضبطه بالذرع وإن جاز بيعه بدونه مع المشاهدة كما مر ، وكان
عليه أن يذكره أيضا ، لخروجه عن الاعتبارات (١) المذكورة ، ولو جعلت هذه الأشياء
ثمنا فإن كان مشاهدا لحقه حكم البيع المطلق ، فيكفي مشاهدة ما يكفي مشاهدته فيه ،
واعتبار ما يعتبر (٢).
(وتعيين الأجل (٣) المحروس من التفاوت) بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان إن أريد موضوعه (٤) ، ولو
أريد به مطلق البيع لم يشترط (٥) وإن وقع بلفظ السلم.
______________________________________________________
(١) من الكيل
والوزن والعدّ ، وخروجه لأن الثوب يباع جزافا بالمشاهدة.
(٢) من الكيل أو
الوزن.
(٣) فلو ذكر أجلا
مجهولا أو يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج ، أو إلى أوان الحصاد ، كان بيع
السلم باطلا بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : النبوي (من
أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) ، وخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يضع في البلد
الذي أنت به ، قال : نعم إذا كان إلى أجل معلوم) .
(٤) أي موضوع
السلم.
(٥) أي لم يشترط
الأجل لو ذكر السلم وأراد مطلق البيع ، لأن الأجل شرط في السلم لا في مطلق البيع.
وأصل المسألة فيما
لو ذكر السلم وأراد به نفس السلم لا مطلق البيع ، وكان المثمن حالا فهل يبطل لعدم
الأجل كما عن جماعة ، أو يصح لصحيح ابن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا
، قال : ليس به بأس ، قلت : إنهم يفسدونه عندنا ، قال : وأيّ شيء يقولون في السلم؟
قلت : لا يرون به بأسا ، يقولون : هذا إلى أجل ، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند
صاحبه فلا يصلح ، فقال : فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود ، ثم قال : لا بأس بأن ـ
__________________
(والأقرب جوازه) أي السلم (حالا مع عموم
الوجود) أي وجود المسلم
فيه (عند العقد) ، ليكون مقدورا على تسليمه حيث يكون مستحقا.
ووجه القرب (١) أن
السلم بعض جزئيات البيع (٢) ، وقد استعمل لفظه (٣) في نقل الملك على الوجه المخصوص
(٤)
فجاز استعماله في
الجنس (٥) لدلالته عليه حيث يصرح بإرادة المعنى العام (٦) ، وذلك عند قصد الحلول ،
كما ينعقد البيع
______________________________________________________
ـ يشتري الطعام
وليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا ، إلا أن يكون بيعا لا يوجد
مثل العنب والبطيخ في غير زمانه ، فلا ينبغي شراء ذلك حالا) ، وظاهر جواز وقوع السلم للثمن بشرط أن يكون عام الوجود
وقت العقد كما هو صريح ذيل الخبر ، وهذا ما مال إليه المحقق في الشرائع والعلامة
في القواعد والشهيد الأول في الدروس واللمعة هنا ، إلا أن الشارح حمل عبارته على
ما لو أراد مطلق البيع من لفظ السلم ، وقد تبع بذلك المحقق الثاني حيث فسر عبارة
القواعد بذلك ، مع أن عبارة القواعد كعبارة اللمعة هنا ظاهرة في إرادة السلم من
لفظ السلم لا مطلق البيع ، ولذا سيعترف الشارح فيما بعد أن الظاهر من عبارة اللمعة
ما ذكرناه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فلو أراد مطلق البيع من لفظ السلم وكان
المثمن حالا فالنزاع فيه ليس من ناحية حالية المثمن في مطلق البيع ، لأن الحالية
هو الأصل في البيع المعروف بل النزاع في جواز إرادة مطلق البيع من لفظ السلم ، وقد
ذكر الشارح للجواز دليلا ، وحاصله أن مطلق البيع عام والسلم خاص وإرادة العام من
الخاص جائز بعد عدم إرادة الخاص لقرينة الحلول في المثمن.
(١) استدلال من
الشارح لجواز استعمال لفظ السلم في بيع ما يكون تسليمه حالا ، لا أنه استعمل في
السلم حقيقة.
(٢) أي أحد أفراد
البيع.
(٣) أي لفظ السلم.
(٤) وهو كون
المثمن حالا.
(٥) وهو مطلق
البيع.
(٦) لأنه مع قصد
الحلول في المثمن لا يعقل أن يقصد السلم ، فيكون ذلك قرينة على أنه مستعمل في مطلق
البيع الذي هو الجنس.
__________________
بملكتك كذا بكذا (١)
، مع أن التمليك موضوع لمعنى آخر ، إلا أن قرينة العوض المقابل عينته للبيع ، بل
هذا (٢) أولى (٣) ، لأنه بعض أفراده ، بخلاف التمليك المستعمل شرعا في الهبة بحيث
لا يتبادر عند الإطلاق غيرها (٤) ، وإنما صرفه عنها القيود الخارجية.
ومثله القول فيما
لو استعملا (٥) السلم في بيع عين شخصية (٦) ، وأولى بالجواز (٧) ، لأنها أبعد عن
الغرر.
والحلول أدخل في
إمكان التسليم من التأجيل (٨).
ومن التعليل (٩)
يلوح وجه المنع فيهما (١٠) حيث إن بناءه (١١) على البيع المؤجّل مثمنه الثابت في
الذمة ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، أو وزن معلوم ، أو أجل
معلوم».
______________________________________________________
(١) مع أن التمليك
أعم من البيع ، لكن ذكر العوض دليل على عدم إرادة الهبة ، وهو الدليل على إرادة
البيع.
(٢) أي ذكر البيع
من لفظ السلم.
(٣) وجه الأولوية
أن اسلم بعض أفراد البيع بخلاف التمليك الذي يستعمل في الهبة ، وهي مباينة لمعنى
البيع ، فإذا جاز استعمال المباين في مباينه فاستعمال الخاص في العام أولى.
(٤) غير الهبة.
(٥) أي
المتعاقدان.
(٦) وكانت حاضرة.
(٧) لأنها مشاهدة
، ومشاهدة المبيع تنفي الغرر.
(٨) لأن المثمن
إذا كان حالا فالبائع له قدرة على تسليمه أكثر من قدرته على تسليم المؤجل ، ولذا
يصح بيع العين الكلية مع الحلول بلفظ السلم وكذا بيع العين الشخصية.
(٩) أي كون السلم
بعض أفراد البيع فيصح استعماله في مطلق البيع إذا كان المثمن حالا سواء كان كليا
أو عينا شخصية.
غير أن هذا
التعليل ممنوع لأن السلم موضوع لغة وشرعا لبيع المؤجل فاستعماله في الحال بحاجة
إلى دليل ولا دليل ثمة ، مع أن النبوي قد شرط الأجل في السلم.
(١٠) في بيع الحال
إذا كان كليا أو شخصيا.
(١١) بناء السلم.
وأجيب بتسليمه (١)
حيث يقصد السلم الخاص ، والبحث فيما لو قصدا به (٢) البيع الحال.
واعلم أن ظاهر
عبارة المصنف هنا وفي الدروس وكثير أن الخلاف مع قصد السلم (٣) ، وأن المختار
جوازه مؤجلا وحالا مع التصريح بالحلول ولو قصدا ، بل مع الإطلاق أيضا ، ويحمل على
الحلول ، والذي يرشد إليه التعليل (٤) والجواب (٥) أن الخلاف فيما لو قصد به (٦)
البيع المطلق واستعمل السلم فيه (٧) بالقرائن ، أما إذا أريد به (٨) السلف المطلق (٩)
اشترط ذكر الأجل (١٠).
(ولا بد من كونه (١١) عام الوجود عند رأس الأجل إذا شرط
الأجل) في
______________________________________________________
(١) أي نسلم أن
معنى السلم هو كون المبيع مؤجلا ، ولكن هذا ينفع فيما لو أطلق لفظ السلم وقصد به
السلم ، أما لو أطلق لفظ السلم وأريد به بيع الحال فالاستعمال مجازي ولا يشترط في
المعنى المجازي شروط المعنى الحقيقي.
(٢) بالسلم.
(٣) ولذا لا داعي
لحمل عبارة الماتن على ما لو قصد مطلق البيع كما فعله الشارح هنا.
(٤) وهو كون السلم
بعض أفراد البيع ،
(٥) وهو قول
الشارح : (وأجيب بتسليمه).
(٦) بالسلم.
(٧) في البيع
المطلق.
(٨) بالسلم.
(٩) أي المعنى
الموضوع له أصلا.
(١٠) فيكون الشارح
قد حكم ببطلان ما لو أراد السلم بلفظ السلم مع كون المثمن حالا وهو على خلاف ظاهر
صحيح ابن الحجاج المتقدم ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتعليل والجواب الواردان
سابقا لم يذكران إلا في كلام المحقق الثاني في جامعه فقط ، فلا يكونان دليلا على
ما ذكره الشارح ، على أن المحقق الثاني قد سبق الشارح في هذا الاشتباه ، وقد ذكرنا
سابقا أن أصل المسألة عندهم فيما لو قصد السلم بلفظ السلم وقد حملت عندهما على ما
لو قصد مطلق البيع.
(١١) أي يشترط كون
المثمن موجودا بحسب العادة وقت الحلول ولو كان معدوما وقت العقد لصدق القدرة على
التسليم بذلك ، إذ العاديات بمنزلة الموجودات.
البلد الذي شرط
تسليمه فيه ، أو بلد العقد حيث يطلق (١) على رأي المصنف هنا ، أو فيما قاربه (٢)
بحيث ينقل إليه عادة ، ولا يكفي وجوده فيما لا يعتاد نقله منه إليه إلا نادر (٣) ،
كما لا يشترط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجلا ، ولا فيما بينهما (٤) ، ولو عين غلة
بلد لم يكف وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه (٥) ، ولو انعكس بأن عيّن غلة غيره (٦)
مع لزوم التسليم به (٧) شارطا نقله إليه (٨) فالوجه الصحة (٩) ، وإن كان يبطل مع
الإطلاق (١٠) ، والفرق (١١) أن بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر (١٢) ، والمعتبر
هو بلد (١٣) المسلم فيه.
______________________________________________________
(١) سيأتي أنه لو
أطلق مكان التسليم فيحمل على بلد العقد على مذهب المصنف ، وعليه فيشترط أن يكون
المثمن عام الوجود فيه عند حلول الأجل حتى تصدق القدرة على التسليم.
(٢) أي قارب بلد
التسليم أو بلد العقد بأن كان المثمن عام الوجود في أمكنة قريبة من هذين البلدين
مع إمكان نقل المثمن إلى مكانه إلى هذين البلدين تحقيقا لصدق القدرة على التسليم
تنزيلا للعاديات منزلة الموجودات.
(٣) فلا تصدق
القدرة على التسليم لعدم العادة المنزل على عدم الوجود.
(٤) أي بين وقت
العقد ووقت الحلول إذ المدار على صدق القدرة على التسليم وقت الحلول.
(٥) إذ المثمن
المسلم فيه هو غلة البلد لا غلة غيره المنقولة إليه فلا تغفل.
(٦) أي غلة غير
بلد العقد.
(٧) أي ببلد
العقد.
(٨) أي نقل المثمن
من مكان وجوده إلى بلد العقد.
(٩) لأنه مع تعارف
نقله بعد تنزيل العاديات منزلة الموجودات يطمئن بصدق القدرة على التسليم التي هي
المناط في صحة العقد هنا.
(١٠) أي أطلق
الغلة فتنصرف إلى غلة بلد العقد والمفروض أنه لا غلة فيه ، وإنما الموجود غلة غير
البلد ولو في مكان آخر يتعارف نقله إليه ، فيبطل البيع لتعذر وجود المثمن حينئذ.
(١١) أي الفرق بين
ما لو عيّن غلة بلد ولم تكن الغلة موجودة فيه بل في غيره ، وبين ما لو عيّن غلة
غير البلد وشرط التسليم في البلد الذي لم تكن الغلة فيه ، فلا يكفي وجود الغلة في
الغير على الأول فلا يصح البيع لتعذر وجود المثمن إذ المثمن هو غلة البلد ، لا غلة
غيره المنقولة إليه ، وهو كاف على الثاني فيصح البيع.
(١٢) فلذا يصح في
الثاني المتقدم في شرحنا.
(١٣) والأولى
القول (والمعتبر هو غلة بلد المسلم فيه) ولذا لا يصح في الأول المتقدم في شرحنا.
(والشهور يحمل) إطلاقها (على الهلالية) (١) مع إمكانه كما إذا وقع العقد في أول الشهر ، ولو وقع في
أثنائه ففي عدّه هلاليا بجبره مقدار ما مضى منه ، أو إكماله ثلاثين يوما (٢) ، أو
انكسار الجميع لو كان معه غيره (٣). وعدّها (٤) ثلاثين يوما أوجه ، أوسطها الوسط ،
وقوّاه في الدروس ويظهر من العبارة الأول (٥).
(ولو شرط تأجيل بعض الثمن بطل في الجميع) (٦) أما في المؤجل فظاهر ،
______________________________________________________
(١) يحمل الشهر
عند الإطلاق على العدة بين الهلالين ، مع الإمكان وذلك فيما لو وقع العقد في أول
ليلة الهلال وكان الأجل إلى شهر ، بلا خلاف فيه ، لأنه هو المعنى الحقيقي للشهر ،
نعم لو تعذر الهلالي لقرينة أو كان العقد في الأثناء وقد فرض الأجل المتصل بالعقد
إلى شهر فلا بد من حمله على ثلاثين يوما ، لأنه هو المنساق بعد تعذر الحقيقي ، هذا
وقال الشارح في المسالك : (الأصل في الشهر عند الاطلاق الهلالي ، وإنما يعدل عنه
إلى العددي عند تعذر حمله على الهلالي ، فمتى كان الأجل شهرا واحدا وكان العقد في
أوله اعتبر الهلالي ، وإن كان في أثنائه فالعددي ، ولو كان الأجل شهرين فصاعدا
ووقع في أثنائه ، ففي اعتبار الشهر بأيهما ثلاثة أقوال ـ إلى أن قال ـ : أحدها :
اعتبار الشهرين بالهلالية أما الثاني فظاهر لوقوعه بأجمعه هلاليا ، وأما الأول
فلصدق مضي القدر الحاصل منه عرفا كنصفه وثلثه مثلا فيتم من الثالث قدر ما فات منه
، حتى لو كان ناقصا كفى إكمال ما يتم تسعة وعشرين ، لأن النقص جاء في آخره وهو من
جملة الأجل ، والفائت من الأول لا يختلف بالزيادة والنقصان ، وهذا هو الذي حكاه
المصنف ـ أي المحقق في الشرائع ـ أولا.
وثانيها : اعتبار
ما عدا الأول هلاليا ، ويتم الأول ثلاثين ، أما الأول فلصدق الشهر الهلالي عليه ،
وأما الثاني وهو الأول المنكسر فلأنه بإهلال الثاني لا يصدق عليه أنه شهر هلالي
فيكون عدديا ـ إلى أن قال ـ وهذا هو قول الأكثر.
وثالثها : انكسار
الجميع بكسر الأول ، فيعتبر الكل بالعدد ، وجهه أن الشهر الثاني لا يعقل دخوله إلا
بعد انقضاء الأول ـ إلى أنه قال ـ وإلى هذا القول ذهب الشيخ في أحد قوليه) انتهى.
(٢) لا نزاع ظاهرا
في أن الأجل إذا كان شهرا وتعذر حمله على الهلالي فلا بد من حمله على العددي الذي
هو ثلاثون يوما.
(٣) كما لو كان
الأجل شهرين فصاعدا.
(٤) أي عد جميع
الشهور.
(٥) وفيه منع ، إذ
عبارة الماتن محمولة على إمكان الحمل.
(٦) لو شرط
التأجيل في بعض الثمن بطل البيع فيه قطعا كما في الجواهر ، لأنه بيع دين ـ
لاشتراط قبض الثمن
قبل التفرق المنافي له ، وعلى تقدير عدم منافاته لقصر الأجل (١) يمتنع من وجه آخر
، لأنه بيع الكالئ بالكالىء (٢) فقد فسره أهل اللغة بأنه بيع مضمون مؤجل بمثله ،
وأما البطلان في الحال على تقدير بطلان المؤجل فلجهالة قسطه من الثمن وإن جعل كلا
منهما قدرا معلوما كتأجيل خمسين من مائة ، لأن المعجل يقابل من المبيع قسطا أكثر
مما يقابله المؤجل ، لتقسيط الثمن على الأجل أيضا ، والنسبة عند العقد غير معلومة.
وربما قيل بالصحة
للعلم بجملة الثمن ، والتقسيط غير مانع ، كما لا يمنع لو باع ماله ومال غيره فلم
يجز المالك ، بل لو باع الحر والعبد بثمن واحد مع كون بيع الحر باطلا من حين العقد
كالمؤجل هنا (٣).
(ولو شرط موضع التسليم لزم) (٤) ، لوجوب الوفاء بالشرط السائغ (وإلا)
______________________________________________________
ـ بدين وهو منهي
عنه ، ولاشتراط قبض الثمن في السلم قبل التفرق ، وفي القواعد والتذكرة بطلان البيع
في الجميع ، أما في المؤجل فلما تقدم ، وأما في المعجّل فلأن الثمن المؤجل يقابل
من المبيع قسطا أكثر مما يأخذه المعجل لأن للأجل قسطا مع أن التفاوت بين المعجل
والمؤجل غير معلوم ، وإذا بطل في المؤجل يجهل حينئذ ما قابل المعجل من المبيع
فيبطل البيع ، وفي الدروس احتمل الصحة ، والتقسيط بعد العقد كما لو باع سلعتين فظهرت
إحداهما أنها مستحقة ، فإن التقسيط اللاحق كاف وإن جهل ما يخص كل واحدة حين العقد.
(١) بحيث يحلّ
الأجل قبل التفرق.
(٢) قال في
الجواهر : (وبيع الكالي بالكالي وإن لم يكن موجودا في طرقنا وإنما هو من طرق
العامة ، ولكن قد عمل به الأصحاب) وقال في مصباح المنير : (وكلأ الدين يكلأ ،
مهموز بفتحتين كلءا ، تأخره فهو كالئ بالهمز ، ويجوز تخفيفه فيصير مثل القاضي ،
وقال الأصمعي : وهو مثل القاضي ولا يجوز همزه ، ونهى عن بيع الكالئ بالكالىء أي
بيع النسيئة بالنسيئة ، قال أبو عبيدة : وصورته أن يسلم الرجل الدراهم في طعام إلى
أجل ، فإذا حلّ الأجل ، يقول الذي عليه الطعام : ليس عندي طعام ، ولكن يعني إياه
إلى أجل) انتهى.
(٣) فالبيع باطل
فيه من حين العقد كذلك.
(٤) لعموم (المؤمنون
عند شروطهم) ، وفي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ
__________________
يشترط (اقتضى) الإطلاق التسليم (في موضع العقد) (١) كنظائره من المبيع المؤجل
______________________________________________________
ـ (المسلمون عند
شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل) ، ومثله.
(١) قال الشارح في
المسالك : (اختلف الأصحاب في اشتراط ذكر موضع التسليم في العقد ، مع اعترافهم بأنه
لا نص فيه على الخصوص ، على أقوال : أحدها : عدمه مطلقا كما اختاره المصنف ـ أي
المحقق ـ والشيخ في النهاية والعلامة في التحرير والارشاد وجماعة ، لأصالة البراءة
من اشتراطه ، وإطلاق الأوامر بالوفاء بالعقود ، وحل البيع ، وللاجماع على عدم
اشتراطه في باقي أنواع البيع ، وإن كان مؤجلا ، بل ادعى ابن إدريس الاجماع عليه
هنا ، وهو دعوى في محل النزاع.
ثانيها : اشتراطه
مطلقا ، اختاره الشيخ في الخلاف وتبعه عليه جماعة ، واستقربه الشهيد رحمهالله ، ووجّهه أن مكان التسليم مما يختلف فيه الأغراض ـ إلى أن
قال ـ فإنه قد يكون بعيدا عن المشتري فلا يرغب في تكثير الثمن ولا في الشراء على
بعض الوجوه ، وقد يكون قريبا فينعكس الحكم ، وكذا القول في البائع ، ولأن المطالبة
بالمبيع فرع ثبوته في الذمة واستحقاق المطالبة به ، وذلك في السلم المؤجل غير
معلوم ، لأنه إنما يكون عند الحلول ، ولا يعلم في أيّ مكان تحقق الحلول على البائع
، وبهذا يفرق بينه وبين القرض ، حيث انصرف إلى مكان العقد ، وكذا البيع ، ولا يلزم
مثله في بيع النسيئة لخروجه بالاجماع على عدم اشتراط تعيين محله ، وإلا لكان
الدليل قائما فيه ، فلا يلحق به المختلف فيه.
ثالثها : التفصيل
، فإن كان في حمله مئونة وجب تعيين محله ، وإلا فلا ، اختاره الشيخ في المبسوط ،
ووجهه يعلم مما تقدم ، فإن الأغراض إنما تختلف في محل يفتقر إلى المئونة ، أما
غيره فلا.
ورابعها : أنهما
إن كانا في بريّة أو بلد غربة ، قصدهما مفارقته اشترط تعيينه ، وإلا فلا وهو اختيار
العلامة في القواعد والمختلف ، ووجهه أنه متى كان البلد كذلك لم يمكن التسليم في
مكان العقد ، وليس أحد الأمكنة في غيره أولى من الآخر فيفضي إلى التنازع لجهالته ،
بخلاف ما إذا كانا في بلد يجتمعان فيه ، فإن إطلاق العقد يقتضي التسليم في بلده.
وخامسها : إن كان
بحمله مئونة أو لم يكن المحل صالحا كالقرية اشترط تعيينه وإلا فلا ، وهو خيرة
العلامة في التذكرة ، ووجهه مركب من القولين السابقين عليه. ـ
__________________
هذا أحد الأقوال
في المسألة ، والقول الآخر : اشتراط تعيين موضعه (١) مطلقا (٢) ، وهو اختياره في
الدروس ، لاختلاف الأغراض باختلافه (٣) الموجب لاختلاف الثمن والرغبة ، ولجهالة
موضع الاستحقاق ، لابتنائه (٤) على موضع الحلول المجهول (٥) وبهذا فارق القرض
المحمول على موضعه ، لكونه معلوما.
وأما النسيئة فخرج
بالإجماع على عدم اشتراط تعيين محله ، وفصّل ثالث باشتراطه (٦) إن كان في حمله
مئونة ، وعدمه بعدمه ، ورابع بكونهما في مكان قصدهما مفارقته وعدمه وخامس باشتراطه
فيهما (٧) ، ووجه الثلاثة (٨) مركب من
______________________________________________________
ـ ولكل من الأقوال
وجه ، إلا أن الأخير يضعّف السابقين عليه ، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الثلاثة ،
فأصالة البراءة وحمل الاطلاق في نظائره على موضع العقد يرجّح الأول ، واختلاف
الأغراض وعدم الدليل الدال على تعيين موضع العقد في المتنازع يؤيد الثاني ، ووجه
الأخير ظاهر ، ولا ريب أن التعيين مطلقا أولى ، وإنما الإشكال في ترجيح أحدها من
المترددين ، بقي هنا أمور :
الأول : موضع
الخلاف ما لو كان السلم مؤجلا ، فلو كان حالا لم يعتبر تعيين المحل قطعا ، بل كان
كغيره من البيوع يستحق المطالبة به في محل العقد ، أو في محل المطالبة إن فارقاه.
الثاني : على
القول بعدم اشتراط تعيينه مطلقا أو على بعض الوجوه فمكانه موضع العقد أيضا إلا أن
يعيّن موضع آخر فيتعين) انتهى كلامه زيد في علو مقامه ، ولا نزيد عليه شيئا لأنه
واف بعرض الأقوال في المسألة مع أدلتها.
(١) أي موضع
التسليم.
(٢) في قبال
التفصيلات في بقية الأقوال.
(٣) باختلاف موضع
التسليم.
(٤) أي ابتناء موضع
الاستحقاق.
(٥) وهذا يوجب
التنازع.
(٦) أي باشتراط
تعيين موضع التسليم.
(٧) في لزوم
المئونة أو البلد الذي قصد مفارقته من المتبايعين.
(٨) أي الأقوال
الثلاثة الأخيرة ، أما الخامس فمركب من الرابع والثالث كما هو واضح ، وأما الرابع
والثالث فوجه إثبات الاشتراط فيهما آت من القول الثاني لأن مكان التسليم مما يوجب
اختلافه اختلاف الثمن والأغراض فإن كان في حمله مئونة فهو يوجب اختلاف ـ
الأولين ولا ريب
أن التعيين مطلقا أولى.
(ويجوز اشتراط السائغ في العقد) (١) كاشتراط حمله إلى موضع معين ، وتسليمه كذلك (٢) ، ورهن (٣)
وضمين (٤) ، وكونه من غلة أرض ، أو بلد لا تخيس (٥) فيها غالبا ، ونحو ذلك ، (و) كذا يجوز (بيعه بعد حلوله) ، وقبل قبضه (٦)
______________________________________________________
ـ الثمن فيه كما
هو القول الثالث ، وكذا إذا كانا فى بلد من قصدهما مفارقته فهو موجب لاختلاف الثمن
باختلافه كما هو القول الرابع.
ووجه النفي فيهما
ناشئ من القول الأول لأنه إذا لم يكن في حمله مئونة أو كانا في بلدهما فلا دليل
بخصوصه على التعيين فتجري أصالة البراءة.
(١) أي يجوز
اشتراط الشرط غير المخالف لكتاب الله في عقد بيع السلم ، كاشتراطه في بقية أنواع
البيع وبقية العقود ، لعموم المؤمنون عند شروطهم المتقدم.
(٢) أي في موضع
معين.
(٣) بأن يطالب
المشتري الرهن من البائع.
(٤) بمعنى الضامن
فيجوز أن يطالب المشتري البائع بالضامن له.
(٥) أي لا تخيس
الغلة بمعنى لا تفسد أو لا تنقص ، لأنه يشترط في السلم أن لا يتخلف المثمن بحسب
العادة.
(٦) أما قبل حلوله
فلا يجوز للاجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرها ، وليس
المنع لعدم ملكيته قبل الأجل ضرورة عدم مدخليته في ذلك إذ العقد هو السبب في الملك
والأجل إنما هو للمطالبة ، وليس المنع لعدم القدرة على التسليم إذ من المعلوم أنها
في المؤجل عند الأجل.
أما بعد الحلول
وقبل القبض فمقتضى الأصول والقواعد وعموم أو إطلاق الأخبار جواز بيعه قبل القبض
على الغريم وعلى غيره بجنس الثمن وغيره ، بزيادة أو نقصان أو مساواة ، كان ذلك
مكيلا أو موزونا ما لم يستلزم الربا أو غيرهما ، ولنصوص.
منها : مرسل أبان
عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يسلم
الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول : ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته
فخذ مني ثمنه ، فقال : لا بأس بذلك) ، وموثق ابن فضال (كتبت إلى أبي الحسن عليهالسلام : الرجل يسلفني في الطعام فيجيء الوقت وليس عندي طعام ،
أعطيه بقيمته دراهم؟ فقال : نعم) ومثلها ـ
__________________
...
______________________________________________________
ـ غيرها ، من غير
فرق بين الغريم كما هو مورد الأخبار وغيره لعدم القائل بالفرق بين الطائفة كما في
الرياض.
وعن الأكثر كما في
الدروس المنع في صورة التفاوت بزيادة إذا كان البيع بجنس الثمن لأخبار.
منها : صحيح محمد
بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : من اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه
إلا الورق ، وإن قال : خذ مني بسعر اليوم ورقا فلا يأخذ إلا شرطه طعامه أو علفه
فإن لم يجد شرطه وأخذ ورقا ، لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله ، (لٰا تَظْلِمُونَ وَلٰا
تُظْلَمُونَ)) ، وصحيحه الآخر عنه عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصف إلى أجل مسمى ، فقال له
صاحبه : لا نجد لك وصيفا ، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا ، فقال : لا يأخذ إلا
وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة ، لا يزداد عليه شيئا) ، وصحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يسلف في الحنطة والثمرة مائة درهم فيأتي صاحبه
حين يحلّ الذي له فيقول : والله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ مني إن شئت بنصف الذي
لك حنطة وبنصفه ورقا ، فقال : لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه) .
ونسب إلى الشيخ في
التهذيب المنع فيما لو باعه غير جنسه لخبر علي بن جعفر (سألته عن رجل له على آخر
تمرا أو شعيرا أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : إذا قدّمه دراهم فسد ، لأن الأصل
الذي اشترى به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم) وهو ضعيف السند ولم تثبت دعوى العمل به للشيخ فهو معرّض
عنه بين الأصحاب.
هذا كله في السلم
وأما في غيره فالأخبار فيه متعارضة ، فبعضها دال على الجواز كخبر جميل بن دراج عن
أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه ، قال : لا بأس) وخبر الكرخي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : اشترى الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار بعد ما اشتريته
قبل أن أقبضه ، قال : لا بأس أن تبيع إلى أجل اشتريت ، وليس لك أن تدفع قبل أن
تقبض) .
وبعضها دال على
المنع مطلقا إلا تولية كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ
__________________
(على الغريم ، وغيره على كراهة) ، للنهي عن ذلك في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تبيعنّ شيئا
______________________________________________________
ـ (عن الرجل يبيع
البيع قبل أن يقبضه فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا
أن تولّيه الذي قام عليه) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا اشتريت متاعا
فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن تولّيه ، فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن
فبعه) وبعضها دال على المنع مطلقا كخبر حزام بن حكيم بن حزام قال : (ابتعت طعاما من
طعام الصدقة فأربحت فيه قبل أن اقبضه فأردت بيعه ، فسألت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : لا تبعه حتى تقبضه) ، وخبر عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجلا من أصحابه واليا فقال له : إني بعثتك إلى أهل الله ـ يعني
أهل مكة ـ فانههم عن بيع ما لم يقبض) ولذا ذهب بعضهم للكراهة فيما يكال أو يوزن إذا باعه قبل
القبض كما عن المفيد والشيخ في النهاية بل هو المشهور بين المتأخرين للجمع بين
أخبار الجواز وأخبار المنع في المكيل والموزون ، وبعضهم ذهب إلى الكراهة في الطعام
كما عن المبسوط والخلاف والغنية والصدوق والقاضي جمعا بين أخبار الجواز وأخبار
المنع في الطعام كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يبتاع
الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتاله ، قال : لا يصلح له ذلك) .
هذا والشارح كما
يظهر من المسالك قد جعل المسألتين من سنخ واحد وحكم لضعف أخبار الجواز الواردة هنا
ـ أعني خبر جميل وخبر الكرخي ـ أما خبر جميل فلاشتمال سنده على عليّ بن حديد وهو
ضعيف ، والآخر مجهول ، ولذا ذهب إلى الحرمة وهذا ما ذهب إليه العماني أيضا.
وفيه إن الفرق بين
مسألة السلم وغيره واضح ولو بملاحظة النصوص الواردة في المسألتين ولذا قال صاحب
الجواهر في مسألة بيع المشاع قبل قبضه ولم يكن سلما ، بعد ما استعرض أخبار الجواز
: (مضافا إلى النصوص الدالة على جواز بيع السلم بعد حلوله وقبل قبضه ، بل لا خلاف
أجده فيه هناك إلا من بعضهم إذا كان البيع بجنس الثمن مع الزيادة ، بناء على أن
المسألتين من واد واحد كما صرح به في الروضة والمسالك ، واختار فيهما معا الحرمة ،
إلا أن النصوص شاهدة بخلافه) انتهى.
__________________
حتى تقبضه» (١) ،
ونحوه المحمول على الكراهة ، وخصها بعضهم بالمكيل والموزون ، وآخرون بالطعام ،
وحرمه آخرون فيهما وهو الأقوى ، حملا لما ورد صحيحا من النهي على ظاهره ، لضعف
المعارض الدال على الجواز (٢) الحامل للنهي على الكراهة ، وحديث النهي عن بيع مطلق
ما لم يقبض لم يثبت (٣) ، وأما بيعه قبل حلوله فلا ، لعدم استحقاقه (٤) حينئذ. نعم
لو صالح عليه (٥) فالأقوى الصحة (٦).
(وإذا دفع) المسلم إليه (فوق الصفة (٧) وجب
القبول) ، لأنه خير
وإحسان ،
______________________________________________________
(١) وهو خبر حزام
بن حكيم بن حزام المتقدم.
(٢) وهو خبر جميل
وخبر الكرخي.
(٣) لأن خبر حزام
وخبر عمار الدالان على النهي عن بيع ما لم يقبض مطلقا ضعيفان.
(٤) قد عرفت أنه
يملكه بمجرد العقد ، وإنما المانع هو الاجماع فقط.
(٥) أي المسلم
فيه.
(٦) بناء على أن
الصلح عقد مستقل كما يظهر من المسالك هنا ، فالصحة متجهة للأصل ، نعم لو قلنا بأنه
نوع من البيع في مورد البيع فيشمله أدلته حينئذ.
(٧) البائع الذي
سلم إليه الثمن لو دفع المثمن فإما أن يكون المثمن دون الصفة أو المقدار المشترطين
في العقد أو مطابقا لهما أو زائدا عليهما.
فإن كان دون الصفة
أو المقدار فلا خلاف ولا إشكال من أنه لا يجب على المسلّم ـ أي المشتري ـ القبول ،
وإن كان أجود من وجه آخر ، لأنه ليس نفس حقه ، نعم لو رضي المشتري به صح وبرئت ذمة
المسلّم إليه الذي هو البائع.
وإن كان مطابقا
لهما وجب على المسلّم ـ أي المشتري ـ القبول لأنه الحق الذي يطالبه به ، ولا يجب
على البائع أكثر منه ولا أحسن صفة منه.
وإن كان زائدا
فتارة تكون الزيادة في الصفة وأخرى في المقدار ، فإن كانت بالصفة وجب قبوله بلا
خلاف معتدّ به كما في الجواهر إلا من ابن الجنيد اعتمادا على صحيح سليمان بن خالد (سئل
أبو عبد الله عليهالسلام عن رجل يسلم في وصف أسنان معلومة ولون معلوم ، ثم يعطي فوق
شرطه ، فقال : إذا كان على طيبة نفس منك ومنه فلا بأس به) ، ومثله غيره وهذا صريح بعدم وجوب القبول إلا مع التراضي.
وحجة المشهور أن
المعطى فيه خير وإحسان فالامتناع منه عناد ، ولو وجب على البائع تقديم عين الوصف
لاستحال هنا إزالة الوصف الزائد مع مساواة المثمن المدفوع لما في ـ
__________________
فالامتناع منه
عناد ، ولأن الجودة صفة لا يمكن فصلها فهي تابعة ، بخلاف ما لو دفع أزيد قدرا يمكن
فصله ولو في ثوب ، وقيل : لا يجب ، لما فيه من المنة (ودونها) أي دون الصفة
المشترطة (لا يجب) قبوله وإن كان أجود من وجه آخر لأنه ليس حقّه مع تضرره به
، ويجب تسليم الحنطة ونحوها عند الاطلاق (١) نقية من الزوان والمدر (٢) ، والتراب
، والقشر غير المعتاد (٣) ، وتسليم التمر والزبيب جافين (٤) ، والعنب والرطب
صحيحين (٥) ، ويعفى عن اليسير المحتمل عادة (٦).
(ولو رضي المسلم به) أي بالأدون صفة (لزم) ، لأنه أسقط حقه من الزائد برضاه ، كما يلزم لو رضي بغير
جنسه ، (ولو انقطع) المسلم فيه (عند الحلول) (٧)
______________________________________________________
ـ العقد جنسا
ونوعا وعددا ، ولا ينقضي تعجبي من ترك العمل بهذه الأخبار لدليل اعتباري ، مع أن
الاحسان لا يجب قبوله فالامتناع حينئذ لا يكون عنادا محرما ، نعم يجب على البائع
تقديم عين الموصوف فإن لم يكن في يده فلا يجب عليه إزالة الزائد بل يشتري غيره
المطلوب.
وإن كانت الزيادة
في المقدار كما لو قدم ثوبين والعقد على واحد فلا يجب قبول الزيادة للأصل والمنة
التي لا يخفى ما في تحملها من المشقة.
(١) أي إطلاق
الحنطة ونحوها في العقد.
(٢) وهو قطع
التراب اليابس.
(٣) حملا للشيء
على المتعارف.
(٤) تحقيقا
لمعناهما.
(٥) للانصراف.
(٦) كما هو
المتعارف بين أهل العرف.
(٧) بحيث يكون
المثمن غالب الوجود وقت العقد ، وبحسب الطبع سيستمر إلى حين الأجل ، ولكن لعارض
انعدم المثمن عند الأجل ، قال الشافعي في أحد قوليه بفسخ البيع لكونه كالمبيع
التالف قبل قبضه ، ويدفعه النص الآتي ، بل يجوز للمشتري الصبر بلا خلاف فيه ولا
إشكال لموثق ابن بكير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار ، فذهب
زمانها ولم يستوف سلفه ، قال عليهالسلام : فليأخذ رأس ماله أو لينظره) .
والتعبير بأخذ رأس
ماله هو تعبير آخر عن الفسخ ، وللمشتري الفسخ أيضا لأن العقد ـ
__________________
حيث يكون مؤجلا
ممكن الحصول بعد الأجل عادة فاتفق عدمه (تخيّر) المسلم (بين الفسخ) فيرجع برأس ماله ، لتعذر الوصول إلى حقه ، وانتفاء الضرر ،
(و) بين (الصبر) إلى أن يحصل ، وله أن لا يفسخ ولا يصبر (١) ، بل يأخذ
قيمته حينئذ (٢) ، لأن ذلك هو حقه. والأقوى أن الخيار ليس فوريا (٣) فله الرجوع
بعد الصبر إلى أحد الأمرين (٤) ما لم يصرّح بإسقاط حقه من الخيار ، ولو كان
الانقطاع بعد بذله (٥) له ورضاه (٦) بالتأخير سقط خياره ، بخلاف ما لو كان بعدم
المطالبة (٧) ، أو بمنع البائع مع إمكانه.
______________________________________________________
ـ مبني على تأجيل
المثمن إلى أجل معلوم ، وقد حلّ الأجل والبائع غير مستطيع للتسليم فالانتظار حتى
الاستطاعة ضرر على المشتري فلذا له حق الفسخ.
وعن ابن إدريس أنه
ليس له الفسخ لأصالة اللزوم في العقود ، وهو كالاجتهاد في قبال النص بل عن العلامة
في المختلف في مقام الرد عليه قال : (إنه لم يوافقه عليه أحد من علمائنا ، ولا أظن
أحدا أفتى به) انتهى.
(١) عن حواشي
الشهيد عن السيد العميد أن له مضافا إلى الفسخ والصبر المطالبة بقيمة المسلم فيه
عند الأداء ، واستحسنه في المسالك ومحكي الميسية ، بل جزم به الشارح هنا في الروضة
، كما مال إليه سيد الرياض ، لأنها البدل عند تعذر الحق ، فهو كتلف المثلي الذي
يتعذر مثله الموجب للانتقال للقيمة ، وفيه : إن ظاهر موثق ابن بكير المتقدم على
خلافه.
(٢) حين التعذر
وهو وقت حلول الأجل كما هو المفروض.
(٣) للأصل وإطلاق
النص.
(٤) من الفسخ أو
القيمة وقت الحلول.
(٥) أي بعد بذل
البائع للمسلم فيه للمشتري.
(٦) أي رضى
المشتري ، ثم انقطع المسلم فيه فعدمه مستند إلى تقصير المشتري بعدم قبضه فلا خيار
له ، لأنه رضي بتأخير حقه ولو فات ، ولا ينافيه إطلاق النص المتقدم لعدم شموله
لمحل الفرض.
(٧) حق العبارة
المتقدمة مع هذه العبارة أن يقال : لو طالب المشتري فبذل البائع ثم رضي المشتري
بالتأخير فانعدم المسلم فيه سقط خياره ، أما لو لم يطالب بالأداء فمنع البائع
فيثبت للمشتري الخيار المذكور ، وكذلك يثبت الخيار لو منع البائع دفع المثمن مع
إمكانه حتى عدم ، ولقد أجاد في المسالك في عرض هذه الصور الثلاث بقوله : (لو كان
التأخير اقتراحا من البائع خاصة ، والحق حينئذ أن الخيار يثبت للمشتري ، كما لو
كان التأخير لعارض لاشتراكهما في المعنى بالنسبة إليه ، ولا فرق حينئذ بين أن
يطالب بالاداء وعدمه ، نعم لو رضي بالتأخير ثم عرض المانع فالمتجه سقوط خياره).
وفي حكم انقطاعه
عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل (١) ، وقبل وجوده ، لا العلم قبله بعدمه
بعده (٢) ، بل يتوقف الخيار على الحلول على الأقوى ، لعدم وجود المقتضي له الآن ،
إذ لم يستحق شيئا حينئذ ، ولو قبض البعض تخير أيضا (٣) بين الفسخ في الجميع ،
والصبر بين أخذ ما قبضه ، والمطالبة بحصة غيره من الثمن (٤) ، أو قيمة المثمن على
القول الآخر (٥) ، وفي تخير المسلم إليه (٦) مع الفسخ (٧) في البعض وجه قوي (٨) ،
لتبعض الصفقة عليه ، إلا أن يكون الانقطاع من تقصيره فلا خيار له.
______________________________________________________
(١) لو مات البائع
قبل الأجل فحكمه حكم الصورة السابقة فيما لو انقطع المثمن عند الحلول الموجب لخيار
المشتري بين الفسخ والصبر ، مع ضميمة المطالبة بالقيمة عند الحلول كما هو رأي
الشارح ، وكان الحكم واحدا في الصورتين لأن المثمن دين في ذمة البائع فيشمله عموم
ما دل على حلول ما على الميت من دين بالموت كما سيأتي بحثه في بابه ، ولا ينتظر
فيه الأجل فلو كان المثمن معدوما حين الموت يجري فيه الخيار المذكور.
(٢) أي لو علم
المشتري قبل حلول الأجل بعدم المثمن بعد الأجل ، فهل يثبت له الخيار بين الفسخ
والانتظار ، قال في الجواهر : (لم يرجح أحدهما في القواعد والتذكرة والدروس وغيرها
، ولكن الأولى العدم ـ عدم الخيار ـ وفاقا للروضة والمسالك وغيرهما اقتصارا فيما
خالف الأصل الدال على اللزوم على المتيقن ، والتفاتا إلى عدم وجود المقتضي الآن إذ
لم يستحق عليه شيئا).
(٣) لو قبض
المشتري بعض المثمن وقد انعدم البعض الآخر كان له حق الصبر إلى وجوده كما له حق
الصبر عند تعذر الكل ، وكان له أيضا الفسخ ، إما فسخ العقد بالنسبة للمتعذر لتفويت
حقه ، وإما فسخ جميع العقد لتبعض الصفقة عليه عند انعدام بعض المثمن بلا خلاف في
شيء من هذا ، ثم من قال في تعذر الكل : إن للمشتري حق المطالبة بقيمة المعدوم وقت
الحلول كالشارح ، كذلك يقول هنا بأن له المطالبة بقيمة البعض المعدوم.
(٤) أي الفسخ في
الباقي.
(٥) وهو قول
الشارح كما عرفت عند ما قال : (وله أن لا يفسخ ولا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذ لأن
ذلك هو حقه).
(٦) وهو البائع.
(٧) من قبل
المشتري في بعض المثمن المعدوم.
(٨) لأنه مع فسخ
المشتري لبعض المثمن تتبعض الصفقة على البائع ، لأنه أقدم على بيع تمام المثمن ولم
يسلم له بل سلم به بيع البعض فله الخيار.
(الفصل السابع : في
أقسام البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن (١)
وعدمه ، وهو أربعة
أقسام)
لأنه إما أن يخبر
به ، أو لا ، والثاني المساومة ، والأول إما أن يبيع معه (٢) برأس المال ، أو
بزيادة عليه ، أو نقصان عنه ، والأول التولية ، والثاني المرابحة ، والثالث
المواضعة ، وبقي قسم خامس (٣) وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله (٤) ، ولم يذكره
كثير وذكره المصنف هنا وفي الدروس ، وفي بعض الأخبار (٥) دلالة عليه وقد تجتمع
الأقسام في عقد واحد ، بأن اشترى خمسة ثوبا بالسوية (٦) ، لكن ثمن نصيب أحدهم
عشرون ، والآخر خمسة عشر ، والثالث عشرة ، والرابع خمسة ، والخامس لم يبيّن (٧) ،
ثم باع من عدا الرابع نصيبهم بستين (٨) بعد إخبارهم بالحال ،
______________________________________________________
(١) هذا هو جهة
التقسيم ، وإلا يمكن تقسيمه باعتبارات أخرى كبيع السلف والنسيئة وهكذا.
(٢) مع الإخبار
بالثمن.
(٣) قال في
الجواهر : (وزاد أول الشهيدين التشريك ، وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله ، بأن
يقول : شركتك في هذا المتاع نصفه مثلا بنصف ثمنه بعد العلم بقدره ، وتبعه عليه
ثاني الشهيدين بعد اعترافه بأنه لم يذكره كثير ، وقال : وفي بعض الأخبار دلالة
عليه ـ إلى أن قال ـ يمكن اندراجه في التولية بدعوى تعميمها حينئذ للجميع والبعض ،
فتكون قسمة الأصحاب حينئذ بحالها) انتهى.
(٤) أي برأس مال
هذا البعض.
(٥) وهو خبر وهيب
بن حفص عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن الرجل
يشارك الرجل على السلعة ويولّيه عليها ، قال : إن ربح فله وإن وضع فعليه) .
(٦) فيكون لكل
واحد خمس الثوب ، وقد اشترى كل واحد هذا الخمس بالمساومة ، وهذا ليس هو المثال ،
بل المثال في بيعهم فلا تغفل.
(٧) بكم اشترى
خمسه.
(٨) فيكون كل واحد
قد باع خمسه من الثوب بخمسة عشر.
__________________
والرابع شرّك في
حصته ، فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة (١) ، والثاني تولية (٢) ، والثالث مرابحة (٣)
، والرابع تشريك (٤) ، والخامس مساومة (٥) ، واجتماع قسمين ، وثلاثة ، وأربعة منها
على قياس ذلك ، والأقسام الأربعة :.
(أحدها. المساومة)
(٦) وهي البيع بما يتفقان عليه من غير تعرض للإخبار بالثمن ،
سواء علمه المشتري ، أم لا وهي أفضل الأقسام.
(وثانيها. المرابحة :
ويشترط فيها العلم)
أي علم كل من
البائع والمشتري (بقدر الثمن ، و) قدر (الربح) (٧) والغرامة ، والمؤن (٨) ...
______________________________________________________
(١) لأنه باع خمس
الثوب بخمسة عشر وهذا أقل مما اشتراه سابقا مع أخباره برأس المال فيكون مواصفة.
(٢) لأنه باعه
بمقدار ما اشتراه مع أخباره برأس ماله فيكون تولية.
(٣) لأنه باعه
بخمسة عشر وقد اشتراه بعشرة مع أخباره برأس ماله فيكون مرابحة.
(٤) بحيث شرّك في
حصة من خمسة كما لو باع نصفها بنصف ثمنها.
(٥) لأنه لم يخبر
بأي ثمن قد اشترى خمسه من الثوب إلا أنه باعه بخمسة عشر فيكون مساومة.
(٦) وهي أفضل
الأقسام للأخبار.
منها : خبر محمد
بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إني لأكره بيع
عشرة بإحدى عشرة ، وعشرة باثني عشر ونحو ذلك من البيع ، ولكن أبيعك بكذا وكذا
مساومة ، وقال عليهالسلام : وأتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك ، وعظم عليّ
فبعته مساومة) ، والمساومة أبعد عن الكذب والتدليس والتغرير.
(٧) قال في
الجواهر : (ولا بد أن يكون رأس ماله معلوما وقدر الربح معلوما عندهما حال البيع
بلا خلاف أجده فيه).
(٨) قيل : إن
المئونة للاستيفاء والغرامة للاسترباح ، أو أن المئونة بعد التحصيل لما يمونه ـ
__________________
إن ضمها (١) ، (ويجب على البائع الصدق) (٢) في الثمن ، والمؤن ، وما طرأ من موجب النقص (٣) والأجل
وغيره (فإن لم يحدث فيه زيادة (٤) قال : اشتريته ، أو هو عليّ ، أو
تقوّم) بكذا ، (وإن زاد بفعله) من غير غرامة مالية (أخبر) بالواقع ، بأن يقول : اشتريته بكذا ، وعملت فيه عملا يساوي
كذا ، ومثله ما لو عمل فيه متطوع (٥).
(وإن زاد باستئجاره) عليه (ضمّه فيقول : تقوّم عليّ) بكذا (لا اشتريت به) ، لأن الشراء لا يدخل فيه إلا الثمن ، بخلاف تقوّم عليّ
فإنه يدخل فيه الثمن ، وما
______________________________________________________
ـ والغرامة قبله
لأجل تحصيله ، وقد يطلق أحدهما على الآخر كالفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا وإذا
افترقا اجتمعا ، وقيل : إن المؤن ما يلزم الاسترباح كأجرة البيت الذي يحفظ المتاع
فيه والغرامة أعم بحسب المفهوم لأن المراد منها ما غرمه من أجرها وغيرها.
(١) أي ضم المؤن
والغرامة إلى رأس المال.
(٢) لحرمة أكل
أموال الناس بالباطل.
(٣) كالعيب.
(٤) قال في
الجواهر : (إذا كان البائع لم يحدث في المبيع حدثا ولا غيره عما كان عليه عند البائع
ـ أي البائع الأول ـ ولا حصل ذلك من غير المشتري ، بل كان المبيع على الحال الذي
انتقل إليه فيها فالعبارة عن الثمن أن يقول : اشتريته بكذا ، أو رأس ماله كذا ، أو
تقوّم عليّ ، أو هو عليّ ، أو نحو ذلك من العبارات المفيدة للمطلوب.
وإن كان قد عمل
فيه ما يقتضي الزيادة في قيمته ، قال : رأس ماله كذا وعملت فيه بكذا ، ونحوه
اشتريته أو تقوم عليّ أو هو عليّ ، ضرورة عدم الفرق هنا بين الجميع بعد أن ذكر
العمل بعبارة مستقلة) انتهى.
(٥) فلا يصح القول
اشتريته بمائة مع أنه قد اشترى المتاع بتسعين وعمل المتطوع عشرة ، بل عليه أن يقول
: اشتريته بتسعين وعمل المتطوع عشرة كما هو الواقع لوجوب الصدق كما تقدم ، نعم ذهب
جماعة إلى جواز إضافة عمل المتطوع إلى رأس المال كما يجوز إضافة عمل نفسه إلى رأس
المال أو عمل الأجنبي إذا كان باستئجار وأشكل عليه بأن ما يصح إضافته إلى رأس
المال هو الغرامات وعمل المتطوع لا غرامة فيه ، وهو إشكال ضعيف إذ لا دليل على حصر
المضاف بالغرامة فقط ، بل المدار على الأخبار عن رأس المال الحالي مع بيان الربح
سواء كان رأس المال الحالي مشتملا على عمل نفسه أو غيره ، بتطوع أو باستئجار.
يلحقه من أجرة
الكيّال ، والدلّال والحارس ، والمحرس (١) ، والقصّار (٢) ، والرفاء (٣) ، والصباغ
، وسائر المؤن المرادة للاسترباح (٤) ، لا ما يقصد به استيفاء الملك (٥) ، دون
الاسترباح ، كنفقة العبد ، وكسوته ، وعلف الدابة نعم العلف الزائد على المعتاد
للتسمين يدخل ، والأجرة وما في معناها (٦) لا تضمّ إلى اشتريت بكذا ، (إلا أن يقول : واستأجرت بكذا) فإن الأجرة تنضم حينئذ إلى الثمن للتصريح بها.
واعلم أن دخول
المذكورات ليس من جهة الإخبار ، بل فائدته إعلام المشتري بذلك ليدخل في قوله :
بعتك بما اشتريت ، أو بما قام عليّ ، أو بما اشتريت واستأجرت وربح كذا.
(وإن طرأ عيب وجب ذكره) (٧) ، لنقص المبيع به عمّا كان حين شراه ، (وإن أخذ أرشا) بسببه (أسقطه) (٨) لأن الأرش جزء من الثمن ، فكأنه اشتراه بما عداه ،
______________________________________________________
(١) وهو المكان
المحروس الذي يوضع فيه المتاع.
(٢) قال في مصباح
المنير : (قصرت الثوب قصرا بيضته ، والقصارة بالكسر الصناعة والفاعل قصّار).
(٣) قال في
المصباح ما حاصله : (رفوت الثوب رفوا ورفيا ، وهي لغة بني كعب ، وفي لغة : رفأته ،
مهموز ، إذا أصلحته ، ومنه يقال : بالرفاء والبنين ، أي بالاصلاح ، وبين القوم
رفاء ، أي التحام واتفاق).
(٤) فكل شيء ينفق
على المتاع من أجل الربح فإذا حسب مع الثمن وأخبر عن الجميع بلفظ : تقوم عليّ ،
فيكون التعبير صادقا.
(٥) فلفظ (تقوم
عليّ) لا يشمله حتى يدخل تحته من دون تصريح.
(٦) لو اشترى
متاعا واستأجر عليه غيره ، أو وقام هو بنفسه بالعمل ، فلا تنضم هذه الأجرة وما في
معناها إلى الثمن بلفظ اشتريت ، نعم يصح أن يقول : تقوم عليّ أو هذا عليّ.
(٧) بلا فرق في
العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي ، لأن المشتري يبني العقد على العقد
الأول ويتوهم بقاء المبيع على الحالة التي اشتراها البائع ، والحال أنه ليس كذلك
لنقصه بحدوث العيب عما كان عليه حين شراء البائع.
(٨) وأخبر بالباقي
لأن الأرش جزء من الثمن فيكون الثمن الذي اشترى به المتاع هو الباقي فقط ، ثم لو
قال : اشتريته بكذا الذي هو مجموع الثمن الذي رجع بعضه بالأرش فهو وإن كان صادقا
من ناحية الصيغة إلا أن ظاهر العبارة أنه دفع المجموع ولم يرجع إليه شيء والمفروض
ليس كذلك فيكون كذبا.
وإن كان قوله :
اشتريته بكذا حقا (١) لطروء النقصان الذي هو بمنزلة الجزء ، ولو كان الأرش بسبب
جناية (٢) لم يسقط من الثمن ، لأنها حق متجدد لا يقتضيها العقد كنتاج الدابة ،
بخلاف العيب وإن كان حادثا بعد العقد (٣) حيث يضمن ، لأنه بمقتضى العقد أيضا فكان
كالموجود حالته (٤). ويفهم من العبارة (٥) إسقاط مطلق الأرش (٦) وليس كذلك ، وبما
قيدناه صرح في الدروس كغيره.
(ولا يقوّم أبعاض الجملة) (٧) ويخبر بما يقتضيه التقسيط من الثمن وإن كانت
______________________________________________________
(١) من ناحية
الصيغة كما عرفت.
(٢) لو فرضنا أن
السيد اشترى عبدا بثمن ثم جني على العبد بجناية فأخذ السيد قيمة الجناية فإنه لا
يسقط من الثمن ، بلا خلاف فيه ولا إشكال كما في الجواهر ، لأن قيمة الجناية نماء
متجدد وقد حدث في ملك السيد كالنتاج ، والفرق بين الجناية والعيب أن العيب قد ثبت
أرشه بالعقد فلو كان معيبا فينقص من الثمن بقدره بخلاف الجناية فإنها حق أمر متجدد
بعد العقد كنتاج الدابة فلا تكون جزءا من الثمن ، فلو أراد السيد أن يبيعه ويخبر
برأس ماله فلا يسقط منه قيمة الجناية كما لا يسقط نمائه الحاصل بعد العقد.
(٣) وقبل القبض ،
أو بعد القبض في زمن الخيار ، لأن التالف فيهما جزئيا أو كليا على البائع فيكون
العيب فيهما مضمونا.
(٤) حالة العقد.
(٥) عبارة المصنف.
(٦) حتى ما لو كان
بجناية الغير بعد الملك ، وهو ليس كذلك لأن أرش جناية الغير لا يسقط من الثمن
كالنماء المتجدد.
(٧) لو اشترى
الإنسان أمتعة متعددة صفقة واحدة بثمن ، ثم قوّم الثمن على هذه الأمتعة ، وهي لا
تخلو إما أن تكون متساوية في الثمن وإما لا ، فالأول أن يشتري خمسة أثواب صفقة
واحدة بمائة درهم ثم يقسّط الثمن فيكون قد اشترى الثوب الواحد بعشرين درهما ،
والثاني أن يشتري عبدا وثوبا بمائة درهم ثم يقسط الثمن فعلى العبد تسعون وعلى
الثوب عشرة ، وعلى كلا الحالتين لا يجوز أن يبيع الثوب بقوله : اشتريته بعشرين أو
بعشرة وأريد ربح كذا ، على المشهور شهرة عظيمة للأخبار.
منها : خبر أبي
حمزة عن أبي جعفر عليهالسلام (سألته عن الرجل
يشتري المتاع جميعا بالثمن ، ثم يقوّم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله جميعا
، أيبيعه مرابحة؟ قال : لا ـ
متساوية ، أو أخبر
بالحال (١) ، لأن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع ، لا الأفراد وإن (٢) يقسّط
الثمن عليها في بعض الموارد ، كما لو تلف بعضها ، أو ظهر مستحقا.
(ولو ظهر كذبه) (٣) في الإخبار بقدر الثمن ، أو ما في حكمه (٤) أو جنسه (٥) ،
أو وصفه (٦) ، (أو غلطه) ببينة ، أو إقرار (تخير المشتري) بين رده ،
______________________________________________________
ـ حتى يبين له
إنما قوّمه) .
وقال في المسالك :
(والمستند مع النص أن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد ، وإن تقوم بها
ـ أي وإن تقوم الثمن بالأفراد ـ وقسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف بعضها
أو ظهر مستحقا ، وهذا التعليل شامل للمماثلة والمختلفة ، وردّ بالتسوية على ابن
الجنيد حيث جوّزه في المماثلة لقفيزي حنطة وهو ضعيف). لأنه اجتهاد في قبال النص.
(١) هذا استثناء ،
بأن يقول : اشتريت المجموع بكذا وقوّمت الثمن عليه فأصاب هذه القطعة من المبيع كذا
من الثمن ، وهو جائز لدلالة الرواية عليه ، وتكون (أو) هنا بمعنى إلا أن يخبر
بالحال ، أو بمعنى : إلى أن يخبر بالحال.
(٢) إن وصلية
والمعنى : وإن قسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف قبل قبض المشتري أو ظهر
مستحقا لغير البائع فيقسط ، والتقسيط هنا لا يقتضي التقسيط هناك للنص وللاعتبار
المتقدم.
(٣) لو باع مرابحة
فبان أن رأس ماله أقل مما أخبر ، إما بالاقرار وإما بالبينة ، فالبيع صحيح بلا
خلاف للأصل بعد عموم (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) ، نعم لمكان الكذب في الإخبار كان المشتري بالخيار بين رده
وفسخ العقد ، أو امضائه بالثمن الذي وقع عليه العقد. وعن ابن الجنيد ، والشيخ أن
المشتري يأخذ المبيع باسقاط الزيادة التي كذّب فيها البائع ، وفيه : إن العقد قد
وقع على الثمن الذي كذّب فيه البائع.
ومثله ما لو أخبر
البائع بالأزيد عن رأس ماله غفلة واشتباها لا كذبا ، ومثله ما لو أخبر بما هو بحكم
رأس ماله كأجرة الدلال وغيره من المؤن والغرامة.
(٤) كأجرة الدلال
والكيّال وغيرهما.
(٥) بأن يكون جنس
الثمن من الدنانير فأخبر أنه اشتراه بدراهم تساوي الدنانير التي دفعها.
(٦) بأن يكون قد
اشتراه بدراهم من الجنس الرديء فأخبر أنه اشتراه بدراهم من الجنس الجيد.
__________________
(١) الوسائل الباب
ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٥.
(٢) سورة المائدة
، الآية : ١.
وأخذه بالثمن الذي
وقع عليه العقد ، لغروره (١). وقيل : له أخذه بحط الزيادة وربحها (٢) ، لكذبه مع
كون ذلك (٣) هو مقتضى المرابحة شرعا ، ويضعف بعدم العقد على ذلك فكيف يثبت مقتضاه.
وهل يشترط في ثبوت
خيار المشتري على الأول (٤) بقاؤه على ملكه وجهان ، أجودهما العدم ، لأصالة بقائه
مع وجود المقتضي ، وعدم صلاحية ذلك للمانع ، فمع التلف ، أو انتقاله عن ملكه
انتقالا لازما ، أو وجود مانع من رده كالاستيلاد يرد مثله ، أو قيمته إن اختار
الفسخ ، ويأخذ الثمن ، أو عوضه (٥) مع فقده.
(ولا يجوز الإخبار بما اشتراه من غلامه) الحر ، (أو ولده) ، أو غيرهما (حيلة (٦) ، لأنه
خديعة) وتدليس ، فلو فعل
ذلك أثم وصح البيع ، لكن يتخير
______________________________________________________
(١) أي لغرور
المشتري.
(٢) أي يحط
الزيادة وما يلحقها من الربح.
(٣) أي الحط
المذكور.
(٤) وهو القول
المشهور ، لأن القول الثاني لا خيار فيه ، فهل يشترط ببقاء الخيار بقاء العين تحت
يد المشتري وجهان ، وجه اشتراط بقاء العين أن الخيار قد ثبت لإزالة الضرر ، والفسخ
مع عدمها عند المشتري ضرر على البائع لعدم عود ملكه إليه عند عدمه ، فلا يثبت
الفسخ هنا كما لا يثبت الفسخ مع تلف المبيع المعيب في يد المشتري.
ووجه عدم الاشتراط
أن الخيار قد ثبت قبل تلف العين ، وبعد التلف يستصحب مع وجود المقتضي لثبوت الخيار
الذي هو الكذب أو الغلط ، والقول بأن الفسخ موجب للضرر على البائع لعدم عوده إلى
ملكه مدفوع بأنه إن كان مثليا فيرد مثله ، وإن كان قيميا فترد القيمة ، هذا كله
إذا لم يمكن للمشتري إرجاع المبيع كما لو تلف أو نقل عن ملكه بالعقد اللازم ، أو
كان تحت يده ولكن هناك مانعا من رده كالاستيلاد ، أما إذا أمكن للمشتري إرجاعه لأن
العقد غير لازم فيجب الرد بعينه.
(٥) أي عوض الثمن
وهو قيمته عند فقد الثمن على تقدير الفسخ.
(٦) كما لو باع
الرجل ولده سلعة بشرط أن يبيعه إياها بزيادة فقبل الولد ثم باعها لأبيه بالزيادة ،
فلا يجوز للأب أن يبيع السلعة برأس مال وهو الثمن الذي دفعه لابنه المشتمل على
الزيادة المشترطة ، بلا خلاف فيه ، لأنه خيانة عرفا وتدليس ، لأن المشتري للسلعة
من الأب لم يترك المماكسة إلا اعتمادا على مماكسة الأب لنفسه وثوقا باستقصائه في
النقيصة لنفسه فكان ذلك خيانة.
المشتري إذا علم
بين رده ، وأخذه بالثمن ، كما لو ظهر كذبه في الإخبار.(نعم لو اشتراه) من ولده ، أو غلامه (ابتداء من غير سابقة بيع عليهما) ، ولا مواطأة على الزيادة ، وإن لم يكن سبق منه بيع (جاز) ، لانتفاء المانع
حينئذ إذ لا مانع من معاملة من ذكر ، (و) كذا (لا) يجوز (الإخبار بما قوّم عليه التاجر) (١) على أن يكون له الزائد من غير أن يعقد معه البيع ، لأنه
كاذب في إخباره ، إذ مجرد التقويم لا يوجبه ، (والثمن) على تقدير بيعه كذلك (٢) (له) أي للتاجر ، (وللدلال الأجرة)
(٣) ،
______________________________________________________
ـ ولا فرق بين أن
يشترط الرجل على ابنه أو خادمه الحر أو الأجنبي ، نعم لو اشترى الرجل منهم سلعة
بزيادة عما باعها لهم من غير تواطؤ بينهم ، أو اشترى سلعة منهم ابتداء ثم أخبر
بالثمن الذي دفعه إليهم جاز البيع مرابحة لعدم الخيانة قطعا.
(١) لو قال التاجر
للدلال : هذا المتاع بألف ، ولو بعته بأزيد منه فالزائد لك ، فلا يجوز للدلال بيع
المتاع مرابحة وأن يقول : هذا تقوّم عليّ أو اشتريته بألف وأريد ربع كذا ، بلا
خلاف فيه ، لأن التاجر لم يواجب الدلال البيع ، فلا شراء بالنسبة للدلال ، والمتاع
الذي تحت يده إنما هو لغيره ، فلا معنى لقول الدلال : اشتريته أو تقوم عليّ بألف ،
بل يكون كاذبا ، وللأخبار.
منها : خبر سماعة
عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يحمل
المتاع لأهل السوق ـ أي الدلال ـ وقد قوّموا عليه قيمة ، فيقولون : بع فما ازددت
فلك ، قال عليهالسلام : لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة) .
(٢) أي بزيادة.
(٣) أي أجرة المثل
عما فعله من البيع ليس إلا لأنه عمل محترم أقدم عليه لا بداعي التبرع ، ولا يملك
الدلال الزائد ، لأن الثمن بتمامه في قبال المثمن الذي هو ملك التاجر فإذا تم
البيع انتقل الثمن بتمامه إلى التاجر ، ولا يجب على التاجر إعطائه الزائد لأن
الزائد مجهول فلا تصح جعالة ولا إجارة فيتعين أن له أجرة المثل سواء كان باستدعاء
التاجر للدلال أو أن الدلال ابتدأه ، وعن الشيخ المفيد والطوسي في المقنعة
والنهاية أنه إذا كان باستدعاء التاجر فالدلال يملك الزائد دون صورة ابتداء الدلال
لأخبار.
منها : صحيح محمد
بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل قال لرجل
: بع لي ثوبا بعشرة ، فما فضل فهو لك ، قال : ليس به بأس) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام ـ
__________________
لأنه عمل عملا له
أجرة عادة فإذا فات المشترط رجع إلى الأجرة ، ولا فرق في ذلك بين ابتداء التاجر له
به ، واستدعاء الدلال ذلك منه ، خلافا للشيخين رحمهماالله حيث حكما بملك الدلال الزائد في الأول (١) استنادا إلى
أخبار صحيحة يمكن حملها على الجعالة ، بناء على أنه لا يقدح فيها (٢) هذا النوع من
الجهالة.
(وثالثها ـ المواضعة)
(٣)
([وهي] كالمرابحة في الأحكام) ، من الإخبار على الوجوه المذكورة (إلا أنها بنقيصة معلومة) فتقول : بعتك بما اشتريته ، أو تقوّم عليّ ووضيعة كذا ، أو
حطّ كذا. فلو كان قد اشتراه بمائة فقال : بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة
فالثمن تسعون (٤) ، أو لكل عشرة (٥) ، زاد عشرة أجزاء من أحد عشر جزء من
______________________________________________________
ـ (سألته عن الرجل
يعطى المتاع فيقال له : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ، قال عليهالسلام : لا بأس) ومثلها غيرها ، وحملت الأخبار كما في المسالك : (ويمكن
تنزيلها على كون الواقع من التاجر على تقدير ابتدائه جعالة ، فيلزم ما عيّنه ، ولا
يقدح فيها الجهالة ، كما اعترضه ابن إدريس ، لأن الجهالة في مال الجعالة إذا لم
تؤد إلى النزاع غير قادح).
(١) في صورة
استدعاء التاجر للدلال.
(٢) أي في الجعالة
، والمعنى أن الزائد المجهول لا يضر بالجعالة.
(٣) وهي مفاعلة من
الوضع بمعنى الحط ، وهي النقصان قدرا من رأس المال ، ولا ريب في جوازها بعد عموم
تسلط الناس على أموالهم.
(٤) إذ لا ريب في
ظهور العبارة المذكورة من أن الموضوع هو بعض العشرة ، فالمائة عشرة أعشار والموضوع
من كل عشرة درهم ، فيكون الموضوع عشرة والباقي تسعون ، هذا وتكون من تبعيضية من
قوله : (درهم من كل عشرة) ، وذكر بعضهم احتمال أن تكون (من) لابتداء الغاية ،
والمعنى وضيعه درهم عند كل عشرة فيكون في كل أحد عشر درهما وضيعة درهم ، وفيه :
إنه على خلاف ظاهر العبارة.
(٥) فالعشرة لا
ينقص منها شيء بل ينقص عندها درهم والمعنى في كل أحد عشر درهما درهم وضيعة ،
فالثمن يكون تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ، والوضيعة تسعة دراهم
وجزء من أحد عشر جزءا من درهم ، وفي هذه الصورة قد زاد ـ
__________________
الدرهم ، لأن
الموضوع في الأول من نفس العشرة ، عملا بظاهر التبعيض. وفي الثاني من خارجها (١) ،
فكأنه قال : من كل أحد عشر ، ولو أضاف الوضيعة إلى العشرة (٢) احتمل الأمرين ،
نظرا إلى احتمال الإضافة للّام ومن.
والتحقيق هو الأول
، لأن شرط الإضافة بمعنى من كونها تبيينية ، لا تبعيضية بمعنى (٣) كون المضاف
جزئيا من جزئيات المضاف إليه بحيث يصح إطلاقه على المضاف وغيره ، والإخبار به عنه (٤)
كخاتم فضة ، لا جزء من كل (٥) كبعض القوم ، ويد زيد ، فإن كل القوم لا يطلق على
بعضه ، ولا زيد على يده ، والموضوع هنا بعض العشرة (٦) ، فلا يخبر بها عنه (٧)
فتكون بمعنى اللام (٨).
______________________________________________________
ـ الثمن عشرة
أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم على الثمن في الصورة السابقة ، لأن الثمن تسعون
والوضيعة تسعة لو كان رأس المال تسع وتسعين بناء على وضيعة الدرهم في كل أحد عشر
درهما ، والدرهم الباقي من المائة يقسّم أحد عشر جزءا ، وعشرة أجزاء منه ثمن
والباقي وضيعة.
(١) أي خارج
العشرة.
(٢) بأن قال :
بعتك بمائة ووضيعة العشرة درهم ، فيحتمل أن يكون المعنى من كل عشرة درهم ، ويحتمل
أن يكون لكل عشرة درهم ، لأن الإضافة تحتمل أن تكون بمعنى اللام ، وتحتمل أن تكون
بمعنى من.
هذا وذهب الشيخ
وجماعة إلى أنها هنا بمعنى من التبعيضية لأنه المنساق إلى الذهن ، ولكن في المسالك
تبعا للميسية أن الإضافة بمعنى من لا تكون إلا في من البيانية لا التبعيضية ، نحو
خاتم فضة وباب ساج وهو منتف هنا فيتعين كونها بمعنى اللام.
(٣) بيان لمن البيانية.
(٤) أي والأخبار
عن المضاف إليه بالمضاف.
(٥) التي هي من
التبعيضية.
(٦) حيث قال :
بعتك بمائة ووضيعة العشرة درهم ، فالموضوع هنا بعض العشرة.
(٧) أي فلا يخبر
بالعشرة عن بعضها.
(٨) وفيه : إن
الزمخشري قد صرح في كشافه في تفسير قوله تعالى : (وَمِنَ
النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) : أنه يجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، وكأنه
قال : ومن ـ
__________________
(ورابعها ـ التولية)
(١)
(وهي الإعطاء برأس المال) فيقول بعد علمهما بالثمن وما تبعه : وليتك هذا العقد (٢) ،
فإذا قبل لزمه مثله (٣) جنسا ، وقدرا ، وصفة ، ولو قال : بعتك ، أكمله (٤) بالثمن
، أو بما قام عليه (٥) ونحوه (٦) ، ولا يفتقر في الأول (٧) إلى ذكره ، ولو قال :
وليتك السلعة (٨) ...
______________________________________________________
ـ الناس من يشتري
بعض الحديث ، الذي هو اللهو منه ، وكذا نقل ذلك عن غيره.
ثم إن هناك جماعة
توقفوا في الترجيح بين كون الإضافة بمعنى اللام أو بمعنى من ، بل صرح بعضهم
بالبطلان مع عدم القرينة لتكافؤ الاحتمالين ، وقد عرفت أن المنساق هو حملها على من
التبعيضية.
(١) قد ورد جوازها
في عدة أخبار.
منها : خبر أبي
بصير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله ، قال : لا
يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، إلا أن يولّيه كما اشتراه ،
إذا لم يربح فيه أو يضع) .
(٢) قال في
الجواهر : (وعلى كل حال فيقول إذا أراد عقدها ـ أي التولية ـ وليتك أو بعتك أو ما
شاكله من الألفاظ الدالة على النقل ـ الذي هو البيع ـ) انتهى.
(٣) أي مثل رأس
مال المتاع ، لأنه يشترط في التولية مثلية رأس المال جنسا وصفة وقدرا.
(٤) قال في
الجواهر : (نعم في جامع المقاصد والمسالك أنه إذا كان العقد بغير لفظ وليتك وجب
ذكر الثمن ، وإن كان بها لم يحتج ـ إلى أن قال ـ ولعل الاستغناء عن الثمن فيما
سمعته لصراحة لفظ التولية في البيع برأس المال ، بل أصل المعنى في وليتك العقد
إعطاء السابق بمعنى تمليك المولى البيع بما ملكه المولى في العقد السابق) انتهى
بتلخيص.
(٥) بأن يقول :
تقوّم عليّ إذا كان هناك غرامة ومؤن.
(٦) أي وغير هذا
من الألفاظ الدالة على ذلك.
(٧) أي في
التولية.
(٨) بدل القول :
وليتك العقد ، هذا فلو كان مفعولها السلعة فقد يقال بعدم الصحة لأن المولى يوليه
العقد السابق لا ما وقع عليه العقد المذكور.
وفيه : ليس هذا
بمانع لأن المولى يوليه البيع السابق أي ما ملكه بالبيع السابق ، ولذا قال في
الجواهر : (لا يبعد الاجتزاء بجعل المفعول السلعة ، بل في كثير من نصوصها وقعت ـ
__________________
احتمل في الدروس
الجواز ، (والتشريك (١) جائز) وهو أن يجعل له فيه (٢) نصيبا بما يخصه من الثمن بأن (يقول : شرّكتك) بالتضعيف (بنصفه بنسبة ما اشتريت مع علمهما) بقدره ، ويجوز تعديته بالهمزة (٣) ، ولو قال : أشركتك
بالنصف كفى (٤) ولزمه نصف مثل الثمن ، ولو قال : أشركتك في النصف (٥) كان له الربع
، إلا أن يقول : بنصف الثمن (٦) فيتعين النصف ، ولو لم يبين الحصة كما لو قال : في
شيء منه أو أطلق (٧) بطل ، للجهل بالمبيع ويحتمل حمل الثاني على التنصيف (وهو) أي التشريك (في الحقيقة بيع الجزء المشاع برأس المال (٨) لكنه يختص (٩) عن مطلق البيع (١٠) بصحته بلفظه (١١).
______________________________________________________
ـ مفعولا للتولية
، وإن لم تكن في صورة العقد ، بل ولا إشعار في شيء من النصوص بجعل المفعول العقد
، فجعل المفعول السلعة إن لم يكن أولى من كون المفعول العقد في الاستغناء عن الثمن
فلا ريب في مساواته له) انتهى.
(١) هذا هو القسم
الخامس الذي أضافه الشهيد الأول وتبعه الثاني فيه.
(٢) أن يجعل
البائع للمشتري في المبيع نصيبا كالنصف مثلا بما يخصه من الثمن وهو نصف الثمن ،
هذا وقد عرفت أنه من أقسام ومصاديق التولية وليس قسيما لها.
(٣) لأن التضعيف
والهمزة يجعلان الفعل المتعدي إلى مفعول متعديا إلى مفعولين.
(٤) أي ولم يذكر
نسبة الثمن مع نسبة المثمن التي باعها ، لأنه قال : أشركتك بالنصف أي نصف المتاع
ولم يذكر نصف ثمنه ، والكفاية ناشئة من علمهما بتمام الثمن وهو القرينة على كون
نصف المتاع بنصف الثمن المعلوم وهذا ليس بحاجة إلى قرينة لفظية مع وجود القرينة
العقلية الدالة على المراد.
(٥) أي نصف المتاع
على أن يكون شركة بينه وبين المشتري ، وعليه فيكون البائع قد جعل النصف الآخر
مختصا به ، والنصف الأول مشتركا بينهما من دون ذكر النسبة إلا أنها محمولة على
التنصيف بينهما ، فيكون للمشتري نصف النصف الذي هو الربع.
(٦) فإنها قرينة
لفظية على كون المبيع هو نصف المتاع لا ربعه.
(٧) بأن قال :
شركتك في المتاع ولم يذكر شيئا بطل لمجهولية المبيع مع احتمال حمل لفظ (شركتك في
المتاع) على التنصيف بينهما ، لأن مقتضى الشركة كونه نصفين بينهما.
(٨) أي برأس مال
الجزء لا برأس مال الجميع.
(٩) أي التشريك.
(١٠) الذي هو
التولية.
(١١) على أن التشريك
تولية في الجزء والتولية بيع الكل.
(الفصل الثامن ـ في
الربا) (١)
بالقصر وألفه بدل
من واو (٢) (ومورده) (٣) أي محل وروده (المتجانسان إذا
______________________________________________________
(١) قال في مصباح
المنير : (الربا : الفضل والزيادة ، وهو مقصور على الأشهر ، ويثنى ربوان بالواو
على الأصل ـ إلى أن قال ـ وربا الشيء يربو إذا زاد) ، ومنه قوله تعالى : (فَلٰا يَرْبُوا عِنْدَ
اللّٰهِ) .
(٢) فيقال : ربا
يربو ، ولذا يكتب في المصاحف بالواو على أصله ، وإن كان الرسم يقتضي كتابته
بالألف.
(٣) ففي خبر محمد
بن سنان (أن علي بن موسى الرضا عليهالسلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : وعلة تحريم الربا لما
نهى الله عزوجل عنه ، ولما فيه من فساد الأموال ، لأن الإنسان إذا اشترى
الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا ، فبيع الربا وشراؤه وكس
على كل حال ، على المشتري وعلى البائع ، فحرّم الله عزوجل على العباد الربا لعلة فساد الأموال ، كما حظر على السفيه
أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتى يونس منه رشد ، فلهذه العلة حرّم
الله عزوجل الربا ، وبيع الدرهم بالدرهمين ، وعلة تحريم الربا بعد
البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرّم ، وهي كبيرة بعد البيان ـ إلى أن قال
ـ وعلة تحريم الربا بالنسيّة لعلّة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في
الربح وتركهم القرض ، والقرض ضائع المعروف ، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء
الأموال) .
وفيه تصريح بكون
الربا على قسمين : ربا في البيع وربا في القرض ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالربا
في البيع لا يكون إلا في المكيل والموزون للأخبار.
منها : خبر زرارة
عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يكون الربا
إلا فيما يكال أو يوزن) وخبر عبيد بن زرارة (سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (كل شيء يكال أو
يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فلا
بأس به اثنين بواحد) ، فلذا تحرم الزيادة في بيع المتجانسين إذا كانا من المكيل
أو الموزون.
__________________
قدّر بالكيل ، أو الوزن وزاد أحدهما) عن الآخر قدرا ولو بكونه مؤجلا (١).
وتحريمه مؤكد (٢)
، وهو من أعظم الكبائر ، (والدرهم منه أعظم) وزرا (من سبعين زنية) بفتح أوله وكسره (٣) كلها بذات محرم ، رواه هشام بن سالم
عن الصادق عليهالسلام.
(وضابط الجنس) (٤) هنا : (ما دخل تحت اللفظ الخاص (٥) كالتمر (٦)
______________________________________________________
(١) بأن يكون
أحدهما معجلا والآخر مؤجلا لصدق الزيادة على المتجانسين.
(٢) فقد ورد
تحريمه في الكتاب بقوله تعالى : (وَأَحَلَّ
اللّٰهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبٰا) وقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ
الرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا
بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَلٰا تُظْلَمُونَ) .
والأخبار كثيرة
منها : خبر ابن بكير (بلغ أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسمّيه اللبأ فقال : لئن
أمكنني الله منه لأضربنّ عنقه) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام (درهم ربا أشدّ من
سبعين زينة كلها بذات محرم) ، وخبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد
عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في وصيته لعليّ عليهالسلام (يا علي ، الربا
سبعون جزء فأيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام ، يا علي درهم ربا
أعظم عند الله من سبعين زينة كلها بذات محرم في بيت الله الحرام) .
(٣) قال في مصباح
المنير : (المقصود لغة الحجاز ـ أي الزنا ـ. والممدود لغة نجد ـ أي الزناء ـ ، وهو
ولد زنية بالكسر والفتح لغة ، وعن ابن السكيت زنية وغية بالكسر والفتح).
(٤) لما كان الربا
لا يقع إلا في المتجانسين مما يكال أو يوزن ، فيناسب أن نبحث عن معنى الجنس وما
يندرج تحت الجنس الواحد ، والمراد منه هو النوع المنطقي وهو الذي يندرج تحت لفظ
خاص لأنه هو الذي تتحد الذات في جميع أفراده بخلاف الجنس المنطقي فإن الذات بين
أفراده مختلفة ومتنوعة بتنوع الأنواع ثم إن أهل اللغة يسمون النوع المنطقي جنسا
ولا مشاحة في الاصطلاح.
(٥) بحيث يكون
مفهومه نوعا كما عرفت.
(٦) فإنه منطبق
على أصنافه وأفراده وعليه فيحرم بيع أصنافه بالبعض الآخر مع زيادة ، وكذا الزبيب.
__________________
والزبيب واللحم ، (فالتمر) جنس ، لجميع
أصنافه ، (والزبيب جنس) كذلك (١) (والحنطة والشعير) هنا (جنس) واحد (في المشهور) (٢) وإن اختلفا لفظا واشتملا على أصناف ، لدلالة الأخبار
الصحيحة على اتحادهما الخالية عن المعارض ، وفي بعضها أن الشعير من الحنطة فدعوى
اختلافهما نظرا إلى اختلافهما صورة وشكلا ولونا وطعما وإدراكا وحسا واسما غير
مسموع. نعم هما في غير الربا كالزكاة جنسان إجماعا ، (واللحوم تابعة
للحيوان) (٣) فلحم الضأن والمعز جنس (٤) ، لشمول الغنم لهما ، والبقر
والجاموس جنس (٥) ، والعراب والبخاتي جنس (٦).
(ولا ربا في المعدود) (٧) مطلقا على أصح القولين ، نعم يكره ، (ولا بين)
______________________________________________________
(١) أي لجميع
أصنافه.
(٢) للأخبار منها
: صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (الحنطة والشعير
رأسا برأس ، لا يزاد واحد منهما على الآخر) ، وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز إلا
مثلا بمثل ، ثم قال : إن الشعير من الحنطة) ، وخالف ابن إدريس مستدلا بأنه لا خلاف بين المسلمين
العامة والخاصة ، ولا بين أهل اللغة واللسان في أنهما جنسان ، ويرده أن الشارح قد
اعتبرهما هنا بحكم الجنس الواحد وإن كانا جنسين لغة وعرفا.
(٣) بمعنى أن لفظ
اللحم ليس جنسا بما هو حتى ينطبق على جميع مصاديق اللحم ، بل يكون جنسا باعتبار
إضافته للحيوان فيقال : لحم البقر ولحم الغنم وهكذا ، ولذا يجوز بيع لحم الغنم
بلحم البقر متفاضلا لأنهما من جنسين.
(٤) بلا خلاف
لدخولهما تحت لفظ الغنم الظاهر في أنه اسم للنوع الذي لا يقدح في اتحاد الحقيقة
فيه مثل هذا الاختلاف بين الماعز والضأن كالاختلاف بين أفراد الإنسان.
(٥) بلا خلاف فيه
لدخولهما تحت لفظ البقر لغة.
(٦) لصدق الإبل
عليهما ، غايته البخاتي بفتح الباء مع تشديد الياء وهو الإبل الخراسانية وقال في
المصباح : (والعراب من الإبل خلاف البخاتي).
(٧) لا ربا إلا في
المكيل أو الموزون فقط على المشهور شهرة عظيمة للأخبار.
منها : خبر زرارة
عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يكون الربا
إلا فيما يكال أو يوزن) ـ
__________________
الوالد وولده) (١) فيجوز لكل منهما أخذ الفضل على الأصح (٢) ، والأجود
______________________________________________________
ـ وظاهره الحصر ،
وخبر منصور (سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن
كيلا أو وزنا) وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليهالسلام (سألته عن البيضة
بالبيضتين ، قال : لا بأس به ، والثوب بالثوبين ، قال : لا بأس به ، والفرس
بالفرسين فقال : لا بأس به ، ثم قال : كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل
إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد) ومثلها غيرها ، وعن ابن الجنيد وسلّار أن المعدود كالمكيل
والموزون فلا يجوز التفاضل فيه ، لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين
والدابة بالدابتين فقال : كره ذلك علي عليهالسلام فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان) ، وصحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الرجل يقول :
عاوضني بفرسي فرسك وأزيدك ، قال : لا يصلح ولكن يقول : اعطني فرسك بكذا وكذا
وأعطيك فرسي بكذا وكذا) وهما محمولتان على الكراهة جمعا.
(١) على المشهور
إلا من السيد المرتضى في المسائل الموصليات ، مع أنه في الانتصار وافق جمهور
الأصحاب ، وحجة مذهب المشهور أخبار.
منها : صحيح زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (ليس بين الرجل
وولده ، وبينه وبين عبده ، ولا بينه وبين أهله ربا) ، وخبر عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيد وعبده ربا) .
وأما السيد
المرتضى فقد قال في الانتصار : (قد كتبت قديما في جواب مسائل وردت عليّ من الموصل
وتأولت الأخبار التي يرويها الأصحاب المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه ـ إلى أن
قال ـ واعتمدنا على نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن ، ثم لما تأملت ذلك رجعت
عن هذا المذهب ، لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين من ذكرنا ، وغير
مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة ويخص به ظاهر
القرآن) انتهى.
(٢) بلا خلاف إلا
من ابن الجنيد ، وقال في المسالك : (ونبّه بقوله : ويجوز لكل واحد منهما
__________________
اختصاص الحكم
بالنسبي مع الأب (١) ، فلا يتعدى إليه مع الأم ، ولا مع الجد ولو للأب ، ولا إلى
ولد الرضاع ، اقتصارا بالرخصة على مورد اليقين ، مع احتمال التعدي في الأخيرين ،
لإطلاق اسم الولد عليهما شرعا ، (ولا) بين (الزوج وزوجته) (٢) دواما ومتعة على الأظهر ، (ولا بين المسلم
والحربي (٣) ، إذا أخذ المسلم الفضل) ، وإلا ثبت (٤) ، ولا فرق في الحربي بين المعاهد وغيره ، ولا
بين كونه في دار الحرب والإسلام.
______________________________________________________
ـ أخذ الفضل على
خلاف ابن الجنيد حيث نفى الربا بين الوالد وولده بشرط أن يأخذ الوالد الفضل ، وأن
لا يكون للولد وارث ولا عليه دين ، وإطلاق النص حجة عليه) انتهى ، وقال في الجواهر
: (وهو اجتهاد في مقابل النص).
(١) أي نفي الربا
بين الوالد والولد مختص بالولد النسبي ، ولا يتعدى الحكم إلى الأم ، ولا إلى الجد
، ولا إلى ولد الرضاع ، لحرمة القياس وللوقوف على ما خالف الأصل على المتيقن.
ولا يوجد مخالف
لكن قد يحتمل صدق الولد على ولد الرضاع ولفظ الوالد على الجد ، وفيه : إن الأخبار
المتضمنة للولد والوالد منصرفة إلى الولد النسبي والوالد دون الجد.
(٢) بلا خلاف فيه
للأخبار.
منها : صحيح زرارة
ومحمد بن مسلم المتقدم ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليهالسلام (ليس بين المسلم
وبين الذمي ربا ، ولا بين المرأة وبين زوجها ربا) .
وكما عن الأكثر
عدم الفرق بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها لإطلاق النص ، وذهب الفاضل المقداد
والصيمري والعلامة في التذكرة إلى أنها مختصة بالدائمة ، لأن لفظ الأهل الوارد في
صحيح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم ينساق منه خصوص الدائمة التي هي أهل لها دون
المتمتع بها.
(٣) بلا خلاف فيه
إذا أخذ المسلم الفضل لما تقدم من الأخبار هنا ، ولخبر عمرو بن جميع عن أبي عبد
الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم ألف ألف درهم
بدرهم ، ونأخذ منهم ولا نعطيهم) ، ولا فرق في الحربي بين المعاهد وغيره ، ولا بين كونه في
دار الإسلام أو الحرب.
وعن القاضي أنه
يجوز لكل من المسلم والحربي أخذ الربا من الآخر ، وقال في الجواهر : (ولا ريب في
ضعفه لعدم ما يصلح للخروج به عن عموم التحريم).
(٤) أي لو عكس
الأمر فأخذ الحربي الزيادة فيثبت حكم الربا وهو الحرمة.
__________________
(ويثبت بينه) أي بين المسلم ، (وبين الذمي) على الأشهر (١) ، وقيل : لا يثبت كالحربي ، للرواية
المخصّصة له كما خصّصت غيره. وموضع الخلاف ما إذا أخذ المسلم الفضل ، أما إعطاؤه
إياه فحرام قطعا ، (ولا في القسمة (٢) لأنها ليست بيعا ، ولا معاوضة ، بل هي تمييز الحق عن غيره
، ومن جعلها بيعا مطلقا (٣) أو مع اشتمالها على الرد (٤) أثبت فيها الربا.
(ولا يضر عقد التبن والزوان) (٥) بضم الزاي وكسرها وبالهمز وعدمه (اليسير) في أحد العوضين ،
دون الآخر ، أو زيادة عنه ، لأن ذلك لا يقدح في
______________________________________________________
(١) بل قال في
الجواهر : (بل عليه عامة المتأخرين إلا النادر ، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما سمعته
من المرتضى ، وحكي عن ابني بابويه والمفيد والقطيفي) انتهى ، ودليل المخالف
الاجماع المدعى من قبل السيد المرتضى ، والمرسل المتقدم عن الصادق عليهالسلام (ليس بين المسلم
وبين الذمي ربا) .
وفيه : إن الاجماع
ممنوع مع مخالفة المشهور ، والمرسل لا جابر له مع ذهاب المشهور أيضا على خلافه ،
على أنه محمول على الذمي الخارج من شرائط الذمة ، جمعا بينه وبين الأخبار المتقدمة
التي حصرت نفي الربا بالحربي.
(٢) أي لا ربا في
القسمة ، كما لو كانت العين مما تكال أو توزن ، وهي مشتركة بين شخصين وأراد أن
يأخذ كل شريك حصته ، فيصح التقسيم حتى لو أخذ أحدهما أكثر من الآخر برضاه ولا يكون
الزائد ربا ، لأن القسمة هي تمييز أحد الحقين وليست بيعا ولا معاوضة ، بل في
المسالك دعوى الاتفاق عليه وقال : (هذا موضع وفاق ، ونبّه به ـ أي بذكره ـ على
خلاف الشافعي في أحد قوليه حيث جعلها مبيعا ، يثبت فيه الربا كالبيع) انتهى.
(٣) أي مع عدم
الرد ، وذلك فيما لو كانت العين قابلة للانقسام على حصص الشركاء.
(٤) وذلك فيما لو
كانت العين المشتركة غير قابلة للانقسام على حصص الشركاء بالسوية ، فيأخذ أحد
الشركاء أزيد من حصته ويرد قيمة الزائد على شريكه.
(٥) إذا كانا
يسيرين ، وكذا لا يضر اليسير من التراب ، لصدق بيع الحنطة بالحنطة في بيع
المتجانسين تنزيلا لهذا اليسير منزلة العدم عرفا ، هذا من جهة ومن جهة أخرى قال في
المصباح (الزوان حبّ يخالط البر فيكسبه الرداءة ، وفيه لغات ، ضم الزاي مع الهمز
وتركه فيكون على وزان غراب ، وكسر الزاي مع الواو).
__________________
إطلاق المثلية
والمساواة قدرا ، ولو خرجا عن المعتاد ضرّا ، ومثلهما يسير التراب وغيره مما لا
ينفك الصنف عنه غالبا كالدردي (١) في الدبس والزيت.
(ويتخلص منه) أي من الربا إذا أريد بيع أحد المتجانسين بالآخر متفاضلا (٢)
(بالضميمة) إلى الناقص منهما ، أو الضميمة إليهما ، مع اشتباه الحال (٣)
، فتكون الضميمة في مقابل الزيادة.
(ويجوز بيع مدّ عجوة (٤) ودرهم بمدّين ، أو درهمين (٥) ،
وبمدّين ودرهمين (٦)
______________________________________________________
(١) وهو ما يترسب
في أسفل الزيت والدبس.
(٢) كأن يبيع
الدرهم بدرهمين فلا بد من إضافة ضميمة من غير جنسهما إلى الناقص ، كأن يبيع الدرهم
ودينارا بدرهمين ، بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر عبد
الرحمن بن الحجاج (سألته عن الصرف ـ إلى أن قال ـ فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا
وخمسين منها بألف من الدمشقية والبصرية ، فقال : لا خير في هذا ، فلا يجعلون فيها
ذهبا لمكان زيادتها ، فقلت له : اشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم ، فقال : لا
بأس بذلك ، إن أبي كان أجرأ على أهل المدينة مني ، فكان يقول هذا ، فيقولون إنما
هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف
دينار ، وكان يقول لهم : نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا بأس بألف درهم
ودرهم بألف درهم ودينارين ، إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به) .
وعليه فإذا كانت
الضميمة في أحدهما فلا بد من كونها مع الناقص كبيع درهم ودينار بدرهمين ، لتكون
الضميمة في قبال الزائد ، وإذا كانت الضميمة في كليهما كما في صحيح الحلبي المتقدم
كما لو باع درهما ودينارا بدرهمين ودينارين فلا بد من كون الدرهم في قبال
الدينارين ، والدينار في قبال الدرهمين حتى لا يقع التفاضل في الجنس الواحد وإن لم
يقصد المتبايعان ذلك لإطلاق الأخبار.
(٣) بأن لا يعلم
زيادة أحد العوضين عن الآخر ولكن مع الضميمة في كليهما فيصح البيع على كل حال
لذهاب الضميمة من كل جانب إلى نفس الجنس في الجانب الآخر.
(٤) العجوة على ما
في مجمع البحرين : (هي ضرب من أجود التمر ، يضرب إلى السواد من غرس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة).
(٥) أي بيع مدّ
عجوة ودرهم بدرهمين.
(٦) أي ويجوز بيع
مدّ عجوة ودرهم بمدين ودرهمين ، ويذهب كل جنس إلى ما يخالفه.
__________________
وأمداد ودراهم (١) ، ويصرف كل إلى مخالفه) وإن لم يقصده (٢) ، وكذا لو ضمّ غير ربوي (٣) ، ولا يشترط
في الضميمة أن تكون ذات وقع (٤) في مقابل الزيادة ، فلو ضمّ دينارا إلى ألف درهم
ثمنا لألفي درهم جاز ، للرواية ، وحصول التفاوت عند المقابلة (٥) ، وتوزيع الثمن
عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه لا يقدح ، لحصوله حينئذ بالتقسيط ، لا
بالبيع ، فإنه إنما وقع على المجموع بالمجموع ، فالتقسيط غير معتبر ولا مفتقر
إليه.
نعم لو عرض سبب
يوجبه (٦) كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض أو
______________________________________________________
(١) أي يجوز بيع
مدّ عجوة ودرهم بأمداد ودراهم ، ومناط هذه الأمثلة واحد ، وقد تقدم.
(٢) أي يصرف كل
إلى ما يخالفه وإن لم يقصده كل من المتعاقدين.
(٣) بأن ضمّ إلى
المدّ من العجوة ثوبا بمدين ، أو بمدّ وثوب.
(٤) أي ذات قيمة
سوقية تساوي الزيادة لصريح خبر عبد الرحمن المتقدم.
(٥) هذه الفروع
محل وفاق بين أصحابنا كما في المسالك ، وخالف الشافعي في بيع مدّ عجوة ودرهم بمدين
، وجعله ربا لحصول التفاوت عند المقابلة على بعض الوجوه ، وذلك فيما لو كان الدرهم
ثمنا لمد ونصف مد بالقيمة السوقية فيكون نصف المد الباقي في قبال المدّ لا محالة
فيقع الربا.
والجواب أن
الزيادة حصلت بمقتضى التقسيط بعد البيع ولم تحصل بالبيع ، لأن البيع قد أوقع
المجموع في قبال المجموع ولا يصدق عليهما أنهما من جنس واحد مع زيادة في أحد
الطرفين ليقع الربا.
(٦) أي لو عرض سبب
كالتلف في أحد العوضين يوجب التقسيط شرعا ، فقال الشارح في المسالك : (ويشكل الحكم
لو احتيج إلى التقسيط شرعا كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض أو ظهر مستحقا
مطلقا ـ قبل القبض أو بعده ـ وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا ،
فإنه يحتمل بطلان البيع من رأس ، للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، كما لو باع مدا
ودرهما بمدين ودرهمين مثلا فإن الدرهم التالف من الثمن إذا كان نصف المبيع بأن
كانت قيمة المدّ من المدين درهما يبطل البيع في نصف الثمن فيبقى النصف الآخر ،
وحيث كان منزلا على الاشاعة كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف
الدرهمين في مقابلة المدّ فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان.
ويحتمل البطلان في
مخالف التالف خاصة والصحة في مخالف الباقي ، لأن كلا من الجنسين في البيع قوبل به
مخالفه من الثمن فإذا بطل أحد الجزءين بطل فيما قوبل به ، ـ
ظهر مستحقا وكان
في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا احتمل بطلان البيع حينئذ ، للزوم
التفاوت في الجنس الواحد ، والبطلان (١) في مخالف التالف خاصة ، لأن كلا من
الجنسين قد قوبل بمخالفه فإذا بطل ما قوبل به خاصة وهذا هو الأجود والموافق لأصول
المذهب ، والمصحح لأصل البيع ، وإلا كان مقتضى المقابلة لزوم الربا من رأس.
ويتخلص من الربا
أيضا (٢) (بأن يبيعه بالمماثل ، ويهبه الزائد) في عقد واحد ، أو بعد البيع (من غير شرط) للهبة في عقد البيع ، لأن الشرط حينئذ زيادة في العوض
المصاحب له ، (أو) بأن (يقرض كل منهما صاحبه ويتبارءا) بعد التقابض الموجب لملك كل منهما ما اقترضه وصيرورة عوضه
في الذمة.
ومثله ما لو وهب
كل منهما الآخر عوضه ، ولا يقدح في ذلك كله كون هذه العقود غير مقصودة بالذات (٣)
، مع أن العقود تابعة للقصود ، لأن قصد التخلص من الربا الذي لا يتم إلا بالقصد
إلى بيع صحيح ، أو قرض ، أو غيرهما
ـ لأن صحة البيع
منزلة على ذلك ، فكذا بطلانه ، والمرجح لذلك نص الأصحاب على أن كل جنس في مقابل ما
يخالفه) انتهى ، وما ذكره أخيرا هو المتعين.
(١) أي واحتمل
البطلان.
(٢) بعد ما ثبت
مشروعية الاحتيال في التخلص من الربا وأنه فرار من الباطل إلى الحق فيصح كل بيع أو
معاوضة أو عقد لا يقع التقابل بين متجانسين مع زيادة في أحدهما ، ولذا قال في
الجواهر : (وقد يتخلص من الربا أيضا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس
غير جنسها ، ثم يشتري من الآخر سلعته بالثمن الذي باع به سلعته ، وحينئذ يسقط
اعتبار المساواة
ضرورة عدم بيع كل منهما بالآخر حتى يشترط ذلك تخلصا من الربا ، فلو باع مثلا وزنة
من الحنطة بعشرة دراهم ، ثم اشترى منه وزنتين بذلك ـ أي بعشرة دراهم ـ صح ، وكذا
لو وهبه أحدهما سلعته ثم وهبه الآخر الأخرى من غير معاوضة ـ إلى أن قال ـ أو أقرض
سلعته صاحبه ثم أقرضه هو وتبارءا ، وكذا لو تبايعا متساويا ووهبه الزيادة إلى غير
ذلك مما يخرج عن بيع المجانس بمثله متفاضلا) انتهى.
(٣) وهي قصد الهبة
وغيرها ، وهي غير مقصودة بالذات لأن المقصود بالذات هو التخلص من الربا ولا مانع
منه لأن قصد التخلص من الربا يوجب القصد إلى الهبة فيكون من قبيل الداعي إلى
الداعي ، وهذا لا يضر في صحة الداعي الثاني الناشئ من الداعي الأول.
كاف في القصد
إليها (١) ، لأن ذلك (٢) غاية مترتبة على صحة العقد مقصودة ، فيكفي جعلها غاية ،
إذ لا يعتبر قصد جميع الغايات المترتبة على العقد (٣).
(ولا يجوز بيع الرطب بالتمر) (٤) للنص المعلل بكونه ينقص إذا جفّ ، (وكذا كل ما ينقص مع الجفاف) (٥) كالعنب بالزبيب تعدية للعلة المنصوصة إلى ما
______________________________________________________
(١) إلى العقود.
(٢) أي التخلص من
الربا وحاصله : أن التخلص من الربا مترتب على العقد الصحيح أو الهبة ، فإذا أردت
التخلص لا بد أن تريد العقد وإذا أردت العقد فلا بد أن تريد النقل والانتقال
المحققين للبيع الصحيح أو الهبة ، ومن هنا تعرف من أن المقصود بالذات وهو التخلص
من الربا لا يمنع من صحة العقد لأنه يولّد قصدا آخر وهو النقل والانتقال الذي صدر
العقد بداعيه.
(٣) قال الشارح في
المسالك : (فإن من أراد شراء دار مثلا ليؤجرها ويتكسب بها فإن ذلك كاف في الصحة ،
وإن كان لشراء الدار غايات أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء) انتهى.
(٤) على المشهور
شهرة عظيمة للأخبار.
منها : النبوي (سئل
عن بيع الرطب بالتمر ، قال : أينقص إذا جفّ؟ فقيل له : نعم ، فقال : لا إذا) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (لا يصلح التمر
اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب ، إذا يبس نقص) .
وعن الشيخ في
المبسوط وابن إدريس الكراهة اعتمادا على خبر سماعة (سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن العنب بالزبيب ، قال : لا يصلح إلا مثلا بمثل ، قال :
والتمر والرطب مثلا بمثل) ٣ والخبر لا يصلح لمعاوضة ما تقدم من الأخبار.
(٥) كبيع العنب
بالزبيب ، وعلى المشهور المنع نظرا إلى تحقق النقصان عند الجفاف فلا تجدي المساواة
وقت الابتياع ، والأخبار المتقدمة قد صرحت بالعلة ، وهي تعمم وتخصص ، فتكون شاملة
لهذه الموارد.
وذهب جماعة منهم
المحقق إلى الجواز في غير التمر والرطب لحرمة القياس واقتصارا على المنصوص بعد
خلوه من العلة المنصوصة ، وفيه : أن العرف يسقط خصوصية التمر
__________________
يشاركه فيها ،
وقيل : يثبت في الأول من غير تعدية ردا لقياس العلة ، وقيل بالجواز في الجميع ردا
لخبر الواحد ، واستنادا إلى ما يدل بظاهره على اعتبار المماثلة بين الرطب واليابس.
وما اختاره المصنف أقوى ، وفي الدروس جعل التعدية إلى غير المنصوص أولى.
(ومع اختلاف الجنس) في العوضين (يجوز التفاضل (١)
نقدا) إجماعا (ونسية) على الأقوى ،
للأصل ، والأخبار. واستند المانع إلى خبر دل بظاهره على الكراهة ونحن نقول بها.
(ولا عبرة بالأجزاء المائية في الخبز ، والخلّ ، والدقيق) (٢) بحيث يجهل
______________________________________________________
ـ والرطب في
الأخبار المتقدمة فمدار المنع على نقصانه حال جفافه فلا بد من تعدية الحكم حينئذ ،
هذا وعلى مبنى ابن إدريس لا بد من القول بالجواز هنا من باب أولى.
(١) بلا خلاف فيه
للنبوي (إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) ، وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (إذا اختلف
الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد) ومثلها غيرها.
والأخير صريح في
جواز التفاضل نقدا ، ولكن هل يجوز التفاضل بين الشيئين المختلفين نسيئة أو لا ،
ولا بد من تحرير محل النزاع فنقول : لو كان العوضان من النقدين كبيع الذهب بالفضة
أو بالعكس فلا يصح نسيئة لاشتراط التقابض في المجلس ، ولو كان أحد العوضين من
النقدين والآخر من الأعراض كبيع المتاع بذهب أو فضة فهو جائز بلا خلاف ، ولو كان
كلا العوضين من الأعراض كبيع مدّ من حنطة بمدين من عنب فهو محل النزاع ، والمشهور
على الجواز للأصل ، ولعموم النبوي المتقدم وغيره.
وذهب ابن الجنيد
والمفيد وسلار وابن البراج إلى عدم الجواز لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (ما كان من طعام
مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما
نظرة فلا يصلح) ، ومثله خبر زياد بن غياث ، وحملت على الكراهة جمعا بينها وبين ما تقدم فضلا عن أن
التعبير بنفي الصلاح ظاهر بالكراهة.
(٢) فيراد به
العجين أو الدقيق الموضوع في مكان نديّ اكسبه رطوبة.
__________________
مقداره في كل من
العوضين الموجب لجهالة مقدارهما ، وكذا لو كانت مفقودة من أحدهما كالخبز اليابس واللبن
، لإطلاق الحقيقة عليهما ، مع كون الرطوبة يسيرة غير مقصودة ، كقليل الزوان والتبن
في الحنطة ، (إلا أن يظهر ذلك للحس ظهورا بينا) بحيث يظهر التفاوت بينهما فيمنع ، مع احتمال عدم منعه
مطلقا (١) ، كما أطلقه في الدروس وغيره لبقاء الاسم الذي يترتب عليه تساوي الجنسين
عرفا.
(ولا يباع اللحم بالحيوان مع التماثل (٢) كلحم الغنم بالشاة) إن كان مذبوحا ، لأنه (٣) في قوة اللحم فلا بد من تحقق
المساواة ، ولو كان حيا فالجواز قوي (٤) ، لأنه حينئذ غير مقدّر بالوزن (ويجوز) بيعه به (٥) (مع الاختلاف) (٦) قطعا ، لانتفاء المانع (٧) مع وجود المصحح (٨).
______________________________________________________
(١) سواء ظهر للحس
أم لا.
(٢) كبيع لحم
الغنم بالشاة إذا كان الحيوان حيا بلا خلاف فيه إلا من ابن إدريس ، وحجة المشهور
خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهالسلام (أن عليا عليهالسلام كره بيع اللحم بالحيوان) ، وخبر الدعائم عن أبي عبد الله عليهالسلام (أنه نهى عن بيع
اللحم بالحيوان) وليس دليل المشهور تحقق الربا لأن الحيوان الحي غير موزون
بل يباع بالمشاهدة كما هو الغالب فدليلهم ما سمعته من الأخبار إلا أن ابن إدريس لم
يعمل بها لأنها خبر واحد وهي ضعيفة السند فلا بد من الذهاب إلى الجواز وقد قواه
الشارح هنا وفي المسالك. وقد صرح في كون النزاع في الحيوان الحي العلامة في
التذكرة والشارح في المسالك وغيرهما في غيرهما.
نعم لو أراد بيع
لحم الغنم بالشاة المذبوحة فلا بد من المساواة وإلا لتحقق الربا لأن المذبوح في
قوة اللحم.
(٣) أي المذبوح.
(٤) تبعا لابن
إدريس.
(٥) أي بيع اللحم
بالحي.
(٦) كبيع لحم
الغنم بالبقر الحي.
(٧) المانع :
لكونهما من جنسين فينتفي اتحاد الجنس المانع من التفاضل.
(٨) وهو اطلاقات
حلية البيع.
__________________
(الفصل التاسع ـ في
الخيار (١) وهو أربعة عشر قسما)
وجمعه بهذا القدر
من خواص الكتاب.
(الأول ـ خيار المجلس) (٢) أضافه إلى موضع الجلوس مع كونه (٣) غير معتبر في ثبوته (٤)
، وإنما المعتبر عدم التفرق (٥) إما تجوزا (٦) في إطلاق بعض أفراد الحقيقة ، أو
حقيقة عرفية.
______________________________________________________
(١) قال في مصباح
المنير : (الخيرة اسم من الاختيار ، مثل الفدية من الافتداء ، والخيرة بفتح الياء
بمعنى الخيار ، والخيار هو الاختيار ، ومنه يقال له خيار الرؤية ، ويقال هي اسم من
تخيرت الشيء مثل الطيرة اسم من تطيّر) انتهى ، ولذا قال في الجواهر (في الخيار
الذي هو بمعنى الخيرة ، أي المشيئة في ترجيح أحد الطرفين ، إلا أن المراد به هنا
ملك إقرار العقد وإزالته بعد وقوعه مدة معلومة ، ولا ريب في ثبوته في الجملة بل هو
كالضروري).
(٢) لكل من
المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس أي لم يفترقا ، بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح ابن
مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : البيّعان بالخيار حتى يفترقا) ومثله صحيح زرارة عنه عليهالسلام ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (أيّما رجل اشترى
بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا ، فإذا افترقا وجب البيع) إلى غير ذلك من النصوص المصرحة بعدم الافتراق ولذا لو تم
البيع بدون اجتماع لم يكن هناك خيار للمجلس ، فإذا لم يجتمعا حال البيع فلا يتحقق
معنى الافتراق ، ثم إن الاجتماع منصرف إلى اجتماع الأبدان ، والاجتماع بالأبدان
مستلزم لمكان ما ، وهذا المكان هو مجلس العقد لذا أطلق على هذا الخيار خيار المجلس
، غير أنه إطلاق في عبارة الفقهاء فقط ، وأما الأخبار فقد سمعت صريحها بأنه خيار
عدم الافتراق.
(٣) أي المجلس.
(٤) أي ثبوت
الخيار.
(٥) كما هو صريح
الأخبار المتقدمة.
(٦) أي إطلاق خيار
المجلس على خيار عدم التفرق إما إطلاق مجازي من باب إطلاق أظهر أفراده على العام ،
لأن أظهر أفراد عدم التفرق هو حال كونهما في مجلس واحد ، وإما أنه منقول عرفي.
__________________
(وهو مختص بالبيع) (١) بأنواعه (٢) ، ولا يثبت في غيره (٣) من عقود المعاوضات
وإن قام مقامه. كالصلح (٤).
ويثبت للمتبايعين (٥)
ما لم يفترقا ، (ولا يزول بالحائل) بينهما (٦) ، غليظا كان أم رقيقا ، مانعا من الاجتماع (٧)
أم غير مانع ، لصدق عدم التفرق معه ، (ولا بمفارقة) كل واحد منهما (المجلس مصطحبين) (٨) وإن طال الزمان ما لم يتباعد ما بينهما (٩) عنه (١٠) ...
______________________________________________________
(١) بلا خلاف فيه
لأن النصوص السابقة قد خصته بالبيع ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم المتقدم : البيعان بالخيار.
(٢) كبيع السلم
والنسيئة والمرابحة والمساومة لاندراج الجميع تحت لفظ البيع.
(٣) أي غير البيع
من عقود المعاوضات اللازمة والجائزة ، كالإجارة والوكالة.
(٤) بحيث كان أثره
نفس أثر البيع من تحقق النقل والانتقال إلا أنه لا يندرج تحت مفهوم البيع.
(٥) قال في
المسالك : (إطلاق المتبايعين يشمل المالكين والوكيلين والمتفرقين ، لأن المتبايعين
من فعلا البيع) انتهى.
(٦) فلو ضرب
بينهما حائل أو حفر نهر لا يتخطى أو نحو ذلك ، مع بقائهما على حال العقد لم يبطل
الخيار لعدم صدق التفرق الموجب لرفع الخيار ، بلا فرق في الحائل بين الغليظ
والرقيق أو كان جدارا من طين أو جص ، بلا خلاف في ذلك كله ما عدا ما حكي عن
الشافعية في الغليظ وأن فيه قولين أصحهما عدم السقوط.
(٧) قال في
المسالك : (لا فرق في الحائل بين الرقيق كالستر والغليظ كالحائط والمانع من
الاجتماع كالنهر العظيم وغيرها ، لعدم صدق الافتراق بذلك ، فإن المفهوم منه
تباعدهما عن الحد الذي كانا عليه) انتهى.
(٨) لعدم صدق
الافتراق ، هذا وقد عرفت سابقا أن نفس المجلس ليس له مدخلية في ثبوت الخيار ، فلا
ينتفي الخيار بانتفائه.
(٩) والمراد به هو
المسافة حال الاصطحاب.
(١٠) أي عن ما
بينهما حال العقد ، فلا تباعد أحال الاصطحاب أكثر من التباعد بينهما حال العقد ولو
بخطوة لارتفع خيار المجلس ، وهذا معناه أن التباعد متحقق بخطوة بلا خلاف في ذلك ،
لعدم تحديد الافتراق بالشرع فيكتفي بمسماه الحقيقي والعرفي ، وهو متحقق بالخطوة
قطعا ، ويؤيده صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (بايعت رجلا فلما
بايعته ـ
حالة العقد ،
وأولى بعدم زواله (١) لو تقاربا عنه (٢).
(ويسقط باشتراط سقوطه في العقد) (٣) عنهما ، أو عن أحدهما بحسب الشرط ، (وبإسقاطه بعده) (٤) بأن يقولا : أسقطنا الخيار ، أو أوجبنا البيع ، أو
التزمناه ، أو اخترناه ، أو ما أدّى ذلك.
(وبمفارقة أحدهما صاحبه) ولو بخطوة اختيارا ، فلو أكرها أو أحدهما عليه (٥) لم يسقط
، مع منعهما من التخاير (٦) ، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال (٧) ،
ولو لم يمنعا من التخاير لزم العقد (٨).(ولو التزم به
أحدهما
______________________________________________________
ـ قمت فمشيت خطا
ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا) .
(١) زوال الخيار.
(٢) أي عما كان
بينهما حال العقد.
(٣) بلا خلاف فيه
لعموم (المؤمنون عند شروطهم) ، فلو كان الاشتراط بالسقوط من كليهما سقط خيارهما ، ومن
أحدهما سقط خيار صاحبه فقط.
(٤) بعد العقد ،
وذلك بأن يوجبا العقد أو بأن يوجب أحدهما العقد ويرضى الآخر ، وهو المسمى بالتخاير
، وصورته : بأن يقولا : اخترنا العقد أو ألزمناه أو أسقطنا الخيار أو نحو ذلك من
الألفاظ الدالة على سقوطه بإحدى الدلالات ، أو أن تصدر هذه الألفاظ من أحدهما
ويرضى الآخر بذلك ، بلا خلاف في ذلك كله ، لأن كل ذي حق له حق اسقاطه ، وكما أن له
حق التسلط على ما له فله حق التسلط على حقوقه.
(٥) على التفرق
فلا يسقط الخيار بلا خلاف فيه ، للأصل بعد تبادر الاختيار من النصوص الدالة على
سقوط الخيار بالافتراق ، ولذا يصح أن يقال : لم يفترقا بل فرّقا.
(٦) من اختيار
العقد ، ثم لا فرق في المنع من التخاير بين سدّ أفواههما أو التهديد إن تكلما.
(٧) قال في
الجواهر : (ولو زال الإكراه ففي فورية الخيار وتراخيه إلى حصول الافتراق قولان ،
أقواهما الثاني للأصل ، ولأن خيار المجلس موضوع على التراخي ، وهذا منه أو بدل عنه)
انتهى وهذا ما ذهب إليه الشيخ وجماعة ، وذهب العلامة في التذكرة إلى أن الخيار على
الفور عند زوال المانع ، بامتداد مجلس الزوال لأن الفورية هي القدر المتيقن من
ثبوته بعد ارتفاع مجلس العقد بالاكراه.
(٨) فلو أكرها على
التفرق من دون الاكراه على عدم الكلام في اختيار العقد ، وتفرقا سقط ـ
__________________
سقط خياره خاصة) إذ لا ارتباط لحق أحدهما بالآخر (١).
(ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدّم الفاسخ) (٢) وإن تأخر عن الإجازة ، لأن إثبات الخيار إنما قصد به
التمكن من الفسخ ، دون الإجازة ، لأصالتها (٣) ، (وكذا) يقدم الفاسخ على المجيز (في كل خيار مشترك) ، لاشتراك الجميع في العلة التي أشرنا إليها.
(ولو خيّره فسكت (٤) فخيارهما باق) أما الساكت فظاهر إذا لم يحصل منه ما يدل على سقوط الخيار
، وأما المخيّر فلأن تخييره صاحبه أعمّ من اختياره العقد فلا يدل عليه ، وقيل :
يسقط خياره استنادا إلى رواية لم تثبت عندنا.
(الثاني ـ خيار الحيوان (٥) وهو ثابت للمشتري خاصة) على المشهور (٦) وقيل :
______________________________________________________
ـ حق الخيار
لأنهما لو أرادا استعمال حقهما بالخيار لاستطاعا بالكلام لأنهما غير مكرهين على
عدم الكلام.
(١) كما هو واضح
إذ لا ارتباط بين خيار أحدهما وخيار الآخر.
(٢) لأن الفسخ رفع
للعقد الثابت ، ولذا يقدّم ولو تأخر عن الإجازة ، بل الإجازة إبقاء عقد البيع إلى
حين تحقق الرافع ، والمفروض أن الفسخ رفع له ، فلا يضره تقدم الاجازة عليه.
(٣) بمعنى أن ما
يتحقق بالاجازة هو متحقق بالأصالة من حين وقوع العقد.
(٤) لو خيّر
أحدهما الآخر بأن قال له : اختر امضاء العقد أو فسخه ، فسكت الآخر ، فخيار الساكت
باق بلا خلاف فيه للأصل ، وإطلاق الأدلة ، ولأن السكوت أعم من الرضا فلم يصدر منه
قول أو فعل يدل على سقوط خياره وخيار القائل فباق أيضا ، لأن ما صدر منه أمر
بالاختيار وهو لا يدل على إسقاط خيار نفسه.
وعن الشيخ كما في
المسالك وإن قال في الجواهر : (ولكن لم نعرف القائل وإن نسب إلى الشيخ إلا أن
المحكي عن مبسوطه وخلافه خلاف الحكاية) أنه يسقط للنبوي (البيّعان بالخيار ما لم
يفترقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر) ، وهذه الزيادة لم تثبت من طرقنا فليست بحجة.
(٥) من ضروريات
المذهب كما في الجواهر.
(٦) للأخبار
الكثيرة منها : صحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن رجل اشتري ـ
__________________
لهما ، وبه رواية
صحيحة ولو كان حيوانا بحيوان (١) قوي ثبوته لهما كما يقوى ثبوته للبائع وحده لو
كان الثمن خاصة. وهو ما قرن بالباء. حيوانا (٢).
ومدة هذا الخيار (ثلاثة أيام (٣) مبدأها من حين العقد) على الأقوى (٤) ، ولا
______________________________________________________
ـ جارية لمن
الخيار ، للمشتري أو للبائع ، أو لهما كلاهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام
نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الحيوان كله
شرط ثلاثة أيام للمشتري ، وهو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط) ، وصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : ما
الشرط في الحيوان؟ قال : ثلاثة أيام للمشتري) وعن السيد المرتضى في الانتصار أن الخيار ثابت للمشتري
والبائع معا لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (المتبايعان
بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا) ، وحمل على بيع الحيوان بالحيوان كما سيأتي.
(١) قيل بثبوت
الخيار لهما ، لأن الحكمة من ثبوت هذا الخيار هي أن الحيوان يشتمل على أمور باطنة
لا يطلع عليها غالبا إلا بالتروي والاختبار مدة ، وهذه الحكمة موجودة هنا في الثمن
لأنه حيوان ، وبهذا يجمع بين صحيح محمد بن مسلم المتقدم وبقية الأخبار على ما تقدم
، وهذا ما احتمله العلامة والمحقق الثاني وجماعة منهم الصيمري.
وقيل : بعدم ثبوت
الخيار للبائع هنا ، لأن الخيار ثابت للمشتري فقط سواء كان الثمن حيوانا أو لا
تمسكا بإطلاق الأخبار المتقدمة ، والحكمة المستدل بها غير منصوصة فلا يجوز اطرادها
، والجمع المتقدم بين الأخبار جمع تبرعي لا شاهد له من الأخبار.
(٢) كما لو باع
الدار بحيوان ، فالثمن هو الحيوان ، وقد احتمل العلامة ثبوت الخيار للبائع فقط
واختاره الشارح هنا وفي المسالك وتبعه عليه غيره تمسكا بالحكمة السابقة ، وقد عرفت
ما فيها.
(٣) على المشهور
للأخبار المتقدمة سواء كان الحيوان أنسيا كالأمة أو لا ، وعن أبي الصلاح الحلبي أن
مدة الخيار في الأمة هي مدة الاستبراء ، وليس له مستند صالح بشهادة صاحب الجواهر
وغيره.
(٤) أي من حين
تمام العقد لتبادر اتصال الخيار بالعقد من النصوص السابقة ، وذهب الطوسي كما في
الرياض إلى أن خيار الحيوان من حين التفرق وبعد ارتفاع خيار المجلس لئلا يلزم
اجتماع خيارين في زمن واحد لكون الثاني في ظرف الأول لغوا ، ولأنهما متماثلان ـ
__________________
يقدح اجتماع
خيارين فصاعدا وقيل : من حين التفرق ، بناء على حصول الملك به (١) (ويسقط باشتراط سقوطه) في العقد ، (أو إسقاطه بعد العقد) كما تقدم (٢) ، (أو تصرفه (٣) أي تصرف ذي الخيار سواء كان لازما كالبيع أم لم يكن كالهبة
قبل القبض (٤) ، بل مطلق الانتفاع كركوب الدابة ولو في طريق الرد ، ونعلها وحلب ما
يحلب ، [ولبس الثوب ، وقصارته ، وسكنى الدار] (٥).
______________________________________________________
ـ فاجتماعهما
محال.
وفيه : إن الخيار
واحد بالذات مختلف بالاعتبار والحيثية كخيار المجلس وخيار الرؤية فليس هما
متماثلان من كل حيثية حتى يمتنع اجتماعهما ، وثبوت الخيار الثاني في ظرف الأول
يفيد أنه لو سقط أحدهما بمسقط يبقى الآخر فلا يكون ثبوته لغوا على أن الأسباب
الشرعية معرّفات لا مؤثرات حتى يشكل علينا بامتناع اجتماع سببين على مسبّب واحد.
(١) بالتفرق.
(٢) في خيار
المجلس.
(٣) لا خلاف في أن
التصرف مسقط للخيار ، لأن التصرف دليل الرضا بالعقد ، وللأخبار.
منها : صحيح علي
بن رئاب عن أبي عبد الله عليهالسلام (الشرط في الحيوان
ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل
الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : إن لامس أو قبّل
أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء) ، ومكاتبة الصفّار (كتبت إلى أبي محمد عليهالسلام في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر
أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، أله أن يردّها في الثلاثة الأيام التي له فيها
الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها ، أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقّع عليهالسلام : إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله) ، والحدث مطلق فيشمل التصرف اللازم كالبيع أو غير لازم
كالهبة بل يشمل مطلق الانتفاع كركوب الدابة وتحميلها وحلب ما يحلب ووطئ الجارية
ونحو ذلك.
(٤) قيّد الهبة
بذلك وإن كانت الهبة جائزة بعد القبض أيضا ، ولكن قيّد لأن بعض أنواع الهبة يلزم
بعد القبض كالمعوّضة والواقعة بين الرحم.
(٥) قال سلطان
العلماء في وجه إيراد هذه الأمثلة لخيار الحيوان مع أنها ليست تصرفا ـ
__________________
ولو قصد به
الاستخبار ولم يتجاوز مقدار الحاجة (١) ففي منعه من الرد وجهان ، أما مجرد سوق
الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا يعد تصرفا عرفا فلا أثر له ، وإن كان
بعيدا مفرطا احتمل قويا منعه ، وبالجملة فكل ما يعد تصرفا عرفا يمنع (٢) ، وإلا
فلا.
(الثالث ـ خيار الشرط (٣) وهو بحسب الشرط (٤) إذا كان الأجل
مضبوطا) (٥)
______________________________________________________
ـ وانتفاعا
بالحيوان : (هذا بناء على أن كون الخيار للطرفين ، يعني إذا كان ثمن الحيوان الثوب
أو الدار فتصرف فيهما البائع بما ذكر سقط خياره ، وإلا فلا ربط لهما بخيار الحيوان
الثابت للمشتري) انتهى.
وقال آخر : (إلا
أن يكون الفرض التمثيل للتصرف المسقط للخيار مطلقا ولو لم يكن في خيار الحيوان)
انتهى ، وقال ثالث : (إن هذه الأمثلة مضروب عليها في نسخة الأصل كما عن بعض
الحواشي) وهو الأصح.
(١) أي مقدار حاجة
الاستخبار ، وفيه وجهان ، وجه السقوط أنه قد تصرف وإن كان للاستخبار فتشمله أدلة
كون التصرف مسقطا للخيار ، ووجه عدم السقوط أن أدلة التصرف المسقط للخيار منصرفة
إلى التصرف المالكي الذي يصدر منه بما هو مالك لا بما هو مستخبر.
(٢) المستفاد من
الأخبار أن التصرف الكاشف عن الرضا بالعقد هو المسقط للخيار ، لا مطلق التصرف
كركوب الدابة وحلبها ونحو ذلك ، ويؤيده بعض الأخبار وهو خبر الحلبي عن أبي عبد
الله عليهالسلام (في رجل اشترى شاة
فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، فقال : إن كان في تلك الثلاثة أيام يشرب لبنها ردّ
معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء) .
(٣) قال في
الجواهر : (بالضرورة بين علماء المذهب) ، للأخبار.
منها : صحيح ابن
سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (المسلمون عند
شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل) .
(٤) فلا يتقدر
بمدة ، بل هو تابع لما اشترط في العقد خلافا للشافعي وأبي حنيفة فلم يجوزا اشتراط
أزيد من ثلاثة أيام.
(٥) لا يحتمل
النقصان ولا الزيادة ، لأن الأجل بغير المضبوط كقدوم الحاج غرر ، وهو منهي عنه.
__________________
متصلا بالعقد أم
منفصلا (١) ، فلو كان منفصلا صار العقد جائزا بعد لزومه مع تأخره عن المجلس.
(ويجوز اشتراطه لأحدهما ولكل منهما ، ولأجنبي عنهما (٢) ،
أو عن أحدهما) (٣) ولأجنبي مع أحدهما عنه (٤) ، وعن الآخر (٥) ، ومعهما (٦)
، واشتراط الأجنبي تحكيم لا توكيل (٧) عمن جعل عنه (٨) فلا اختيار له معه (٩).
(واشتراط المؤامرة) (١٠) وهي مفاعلة من الأمر بمعنى اشتراطهما أو أحدهما
______________________________________________________
(١) قال في
الجواهر : (ولا يعتبر فيها الاتصال بالعقد كما هو صريح بعض وظاهر إطلاق آخرين ،
للعموم ، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه ، واحتمله الفاضل تفاديا من انقلاب اللازم
جائزا ، وفيه : إنه جائز وواقع في خيار التأخير وغيره) انتهى.
(٢) بلا خلاف فيه
للعموم ، والأجنبي هنا له حق استعمال الخيار عن كليهما.
(٣) والأجنبي هنا
له حق استعمال الخيار عن أحدهما فقط.
(٤) بمعنى أن يكون
الخيار للبائع مثلا وللأجنبي عن البائع ، فالأجنبي له حق استعمال الخيار عن نفس
الذي ثبت له الخيار.
(٥) بمعنى أن يكون
الخيار للبائع مثلا وللأجنبي عن المشتري.
(٦) بمعنى أن يكون
الخيار للمتعاقدين وللأجنبي ، بحيث يستعمل حق الخيار عن كليهما ، من دون فرق بين
أن يكون لكل متعاقد أجنبي أو عن كليهما أجنبي واحد.
(٧) بمعنى أن جعل
الخيار للأجنبي لا يجوّز للمتعاقد أن يعزله ، وهذا هو المراد بلفظ التحكيم الوارد
هنا ، للزوم الوفاء بالشرط من كلا المتعاقدين ، وقد ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي
في أحد قوليه إلى أنه توكيل.
(٨) عن أحد المتعاقدين.
(٩) أي لا اختيار
لأحد المتعاقدين مع الأجنبي ذي الخيار.
(١٠) وهي مفاعلة
من الأمر ، بمعنى اشتراط البائع أو المشتري أو هما استئمار من سميّاه في العقد ،
والرجوع إلى أمره ، وهو لا خلاف فيه بيننا ، لعموم الوفاء بالشرط.
نعم لا بدّ من
تعيين مدة معلومة لهذا الشرط وإلا لكان مجهولا فلا يصح ، وعليه فالعقد من جهة
المتعاقدين لازم كما هو واضح إذ الشرط ليس لهما ، والعقد متوقف على أمر الأجنبي
المستأمر ، ولكن الأجنبي يأمر بالفسخ فيفسخ أحد المتعاقدين الذي هو مشروط عليه
الاستئمار ، وليس للأجنبي الفسخ من تلقاء نفسه وكذلك أحد المتعاقدين.
نعم إذا أمر
الأجنبي بالفسخ بعد طلب أحد المتعاقدين أمره فهل يجب على المشروط عليه ـ
استئمار من سمّياه
والرجوع إلى أمره مدة مضبوطة ، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقف على أمره ، فإن أمر
بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخ والظاهر أنه لا يتعين عليه ، لأن الشرط مجرد
استئماره ، لا التزام قوله.
وإن أمره
بالالتزام (١) لم يكن له الفسخ قطعا ، وإن كان الفسخ أصلح عملا بالشرط ، ولأنه لم
يجعل لنفسه خيارا.
فالحاصل أن الفسخ
يتوقف على أمره (٢) لأنه (٣) خلاف مقتضى العقد (٤) ، فيرجع إلى الشرط ، وأما
الالتزام بالعقد فلا يتوقف (٥).
وظاهر معنى
المؤامرة وكلام الأصحاب : أن المستأمر. بفتح الميم. ليس له الفسخ ولا الالتزام ،
وإنما إليه الأمر والرأي خاصة فقول المصنف رحمهالله : (فإن قال المستأمر : فسخت أو أجزت فذاك ، وإن سكت فالأقرب
اللزوم ، ولا يلزم المستأمر الاختيار) إن قرئ المستأمر بالفتح. مبنيا للمجهول. أشكل بما ذكرناه (٦).
______________________________________________________
ـ الفسخ؟ قال في
الجواهر : (لا يتعين عليه امتثال أمره قطعا) وعلّل بأنه لا معنى لوجوب الفسخ عليه
غايته يصير المشروط عليه مع أمر الأجنبي مالكا للفسخ.
(١) فلو أمر
الأجنبي أحد المتعاقدين المشروط عليه الاستئمار أمره بالالتزام لم يجز للمشروط
عليه الفسخ ، لأن حق الفسخ موقوف على أمر الأجنبي به ولم يحصل ، ومنه تعرف أن
المشروط عليه لا يجوز له أن يفسخ لو سكت الأجنبي.
(٢) أي أمر
الأجنبي.
(٣) أي الفسخ.
(٤) فلا بد من
الرجوع إلى الشرط لو أراد الفسخ ، والشرط هو أن يأمر الأجنبي بالفسخ ، ولم يأمر به
بل أمر بالالتزام.
(٥) لا على أمر
الأجنبي ولا على غيره ، بل لو سكت الأجنبي فلا يجوز للمشروط عليه الفسخ كما عرفت.
(٦) اشكال الشارح
هنا على عبارة المصنف التي تكرر فيها لفظ المستأمر ، فإن قرئ بالفتح ، فالمراد منه
الأجنبي ، ومعنى العبارة حينئذ أن الأجنبي إذا فسخ أو أجاز فهو ، وإن سكت فالعقد
لازم وللسكوت مجال إذ لا يجب عليه اختيار الفسخ أو العقد.
وهذا المعنى
للعبارة معارض بما ثبت من المؤامرة عند الأصحاب من أن الأجنبي ليس له حق الفسخ ولا
حق الإجازة ولا حق الاختيار. ـ
...
______________________________________________________
ـ وإن قرئ بالكسر
فالمراد منه أحد المتعاقدين المشروط له الخيار بأمر غيره ، ومعنى العبارة حينئذ أن
المشروط له لو قال : فسخت بعد أمر الأجنبي بالفسخ ، أو قال : أجزت بعد أمر الأجنبي
بالإجازة فهو ، ولو سكت المشروط له بعد أمر الأجنبي له سواء أمره بالفسخ أو
الإجازة فيلزم العقد ، لأن السكوت ليس فيه دلالة على الفسخ لينفسخ العقد ، ولا
دلالة على الامضاء ليلزم العقد ، ولا يجب على المشروط له الاختيار بمعنى أنه لا
يجب عليه قبول قول الأجنبي كما تقدم سابقا.
وهذا المعنى
للعبارة موافق لما ثبت من المؤامرة عند الأصحاب ، ولكن المعنى الأول أرجح بالنسبة
لظاهر عبارة المصنف كما احتمله الشارح بدليلين :
الأول : قول
المصنف : (ولا يلزم المستأمر الاختيار) وهو ظاهر في الأجنبي لأن الأجنبي لا يلزم
باختيار الفسخ أو العقد ، وهو غير ظاهر في المشروط له لأنه يلزمه الاختيار بعد ما
يأمر الأجنبي بالإجازة فلا يجوز له الفسخ.
الثاني : قوله : (وكذا
كل من جعل له الخيار) ، وهو ظاهر في الأجنبي لأن له الاختيار بمعنى أن يختار الفسخ
أو العقد ، وهذه الجملة معطوفة على جملتنا هذه ، وحكم المعطوف والمعطوف عليه واحد
، فلا بد أن يكون الموضوع فيهما واحدا ، وبما أن الموضوع في الثانية هو الأجنبي
فلا بدّ من كون الموضوع في الأولى هو الأجنبي ، فيتعين قراءة الفتح ولهذين
الدليلين إن قرئ المستأمر بالفتح فيلزم منه ما تقدم أن الأجنبي ليس له حق الفسخ
ولا الإجازة ، بل له حق الأمر فقط.
هذا ما اشكله
الشارح هنا على عبارة الماتن ، وفيه : أن المراد من العبارة هو المشروط له الخيار
فلا بد من قراءة الكسر ولا تعارض حينئذ بين العبارة وبين معنى المؤامرة عند
الأصحاب ، غايته يكون معناه أن المشروط له إن قال : فسخت بعد أمر الأجنبي له
بالفسخ ، أو قال : أجزت ، بعد أمر الأجنبي له بالإجازة ، فهو ، وإن سكت بعد ما
أمره الأجنبي سواء أمره بالفسخ أو العقد فالعقد على لزومه ولسكوته مجال إذ لا يجب
على المشروط له اختيار قول الأجنبي إذ لا يجب عليه القبول كما تقدم.
هذا من جهة ومن
جهة أخرى فالقرينة الأولى التي أتى بها الشارح ، تكون دليلا له إن فسرناها بأنه لا
يلزم على المشروط له الاختيار أي اختيار العقد أو الفسخ ، وأما لو فسرناها بأنه لا
يلزم على المشروط له اختيار قول الأجنبي فلا تكون دليلا كما هو واضح ، ثم لو سلمنا
أن المراد بالاختيار اختيار العقد أو الفسخ فهو غير متوهم ثبوته للأجنبي حتى ينفى
، لأن الأجنبي ليس له إلا الأمر فقط ، فيتعين أن يكون النفي للاختيار متوجها
للمشروط له. ـ
وإن قرئ بالكسر.
مبنيا للفاعل. بمعنى المشروط له المؤامرة لغيره ، فمعناه : إن قال : فسخت بعد أمره
له بالفسخ ، أو أجزت بعد أمره له بالإجازة لزم ، وإن سكت ولم يلتزم ولم يفسخ سواء
فعل ذلك بغير استئمار أم بعده ولم يفعل مقتضاه لزم لما بيناه من أنه لا يجب عليه
امتثال الأمر ، وإنما يتوقف فسخه على موافقة الآمر.
وهذا الاحتمال
أنسب بالحكم ، لكن دلالة ظاهر العبارة على الأول أرجح ، خصوصا بقرينة قوله : ولا
يلزم الاختيار ، فإن اللزوم المنفي ليس إلا عمن جعل له المؤامرة ، وقوله : (وكذا كل من جعل له الخيار) فإن المجعول له هنا الخيار هو الأجنبي المستشار ، لا
المشروط له إلا أن للمشروط له حظا من الخيار عند أمر الأجنبي [له] بالفسخ.
وكيف كان فالأقوى
أن المستأمر بالفتح ليس له الفسخ ولا الإجازة ، وإنما إليه الأمر ، وحكم امتثاله
ما فصلناه ، وعلى هذا (١) فالفرق بين اشتراط المؤامرة لأجنبي ، وجعل الخيار له
واضح ، لأن الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره ، لا جعل الخيار له ، بخلاف من
جعل له الخيار.
وعلى الأول (٢)
يشكل الفرق بين المؤامرة ، وشرط الخيار.
والمراد بقوله :
وكذا كل من جعل له الخيار ، أنه إن فسخ أو أجاز نفذ ، وإن سكت إلى أن انقضت مدة
الخيار لزم البيع ، كما أن المستأمر هنا (٣) لو سكت عن الأمر ، أو المستأمر بالكسر
لو سكت عن الاستئمار لزم العقد ، لأن الأصل فيه اللزوم إلا بأمر خارج وهو منتف.
______________________________________________________
ـ والقرينة
الثانية وإن كانت معطوفة على الجملة الأولى ويلزم الاتحاد بينهما ، لكن يلزم
الاتحاد بينهما في الحكم لا في الموضوع ، وعليه فلا بد من إبقاء موضوع الجملة
الأولى هو المشروط له ، وموضوع الجملة الثانية هو كل من له الخيار.
(١) من كون
الأجنبي ليس له حق الفسخ وله الإجازة وإنما إليه الأمر فقط فالفرق واضح بين
المؤامرة وبين جعل الخيار للأجنبي.
(٢) أي على قراءة
الفتح فلا يكون هناك فرق.
(٣) أي في قول
المصنف : (وإن سكت فالأقرب اللزوم).
(ويجب اشتراط مدة المؤامرة) بوجه منضبط (١) ، حذرا من الغرر خلافا للشيخ حيث جوّز
الإطلاق.
(الرابع ـ خيار التأخير) (٢) أي تأخير إقباض الثمن والمثمن (عن ثلاثة) أيام
______________________________________________________
(١) قد تقدم أنه
مع عدم التعيين يلزم الغرر هذا على المشهور ، وخالف الشيخ في المبسوط والخلاف
والشافعي في أحد قوليه أنه مع إطلاق المدة يثبت على التأبيد مع انتفاء التحديد.
(٢) قال العلامة
في التذكرة : (من باع شيئا ولم يسلمه إلى المشتري ولا قبض الثمن ولا شرط تأخيره
ولو ساعة ، لزم البيع ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق
بالعين ، وإن مضت الثلاثة ولم يأت بالثمن تخيّر البائع بين فسخ العقد والصبر
والمطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع ، والجمهور أطبقوا على عدم ثبوته ، ودليلنا
الاجماع) انتهى ، ولأن الصبر من قبل البائع مطلقا حتى يأتي المشتري بالثمن مظنة
الضرر وهو منفي في الإسلام ، وللأخبار.
منها : صحيح زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام (قلت له : الرجل
يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول : حتى آتيك بثمنه ، قال : إن جاء فيما
بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له) ، وصحيح علي بن يقطين (سأل أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن ، قال
: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام ، فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما) .
وظاهر الأخبار أن
العقد ينفسخ من تلقائه وهذا ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط وصاحب الحدائق ،
والمشهور على أن نفي البيع بينهما هو إثبات خيار الفسخ للبائع جمعا بين هذه
الأخبار وبين عموم تسلط الناس على أموالهم ، إذ قد يرضى البائع بالصبر.
وشروط هذا الخيار
ثلاثة :
الأول : عدم قبض
الثمن وهو مما لا خلاف فيه وهو ظاهر النصوص.
الثاني : عدم قبض
المبيع وعليه الإجماع إلا أن النصوص غير ظاهرة في ذلك لأن صحيح زرارة المتقدم ظاهر
في كون المشتري قبضه وأودعه عند البائع فالعمدة الاجماع.
الثالث : الحلول
وعدم شرط التأخير ليخرج بيع النقد والنسيئة وبيع السلف ، وشرطية الحلول مما لا
خلاف فيها بل هي الظاهرة من النصوص أيضا.
__________________
(فيمن باع ولا قبض) الثمن ، (ولا أقبض) المبيع ، (ولا شرط التأخير) أي تأخير الإقباض والقبض فللبائع الخيار بعد الثلاثة في
الفسخ (وقبض البعض كلا قبض) (١) لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن (٢) مجتمعا ومنفردا (٣)
، ولو قبض الجميع (٤) أو أقبضه (٥) فلا خيار وإن عاد إليه بعده (٦).
وشرط القبض المانع
كونه (٧) بإذن المالك فلا أثر لما يقع بدونه ، وكذا لو
______________________________________________________
(١) بلا خلاف فيه
لصدق عدم اقباض الثمن بتمامه ، ولخبر عبد الرحمن بن الحجاج (اشتريت محملا فأعطيت
بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ، ثم احتبست أياما ، ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه ،
فقال : قد بعته فضحكت ، ثم قلت : لا والله لا أدعك أو أقاضيك ، فقال لي : ترضى
بأبي بكر بن عيّاش؟ قلت : نعم فأتيته فقصصنا عليه قصتنا ، فقال أبو بكر : بقول من
تريد أن اقضى بينكما ، بقول صاحبك أو غيره؟ قلت : بقول صاحبي ، قال : سمعته يقول :
من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له) .
(٢) أي وكذا قبض
بعض المثمن كلا قبض ، وهو معطوف على (قبض الثمن).
(٣) أي أن قبض
البعض في الثمن والمثمن كلا قبض سواء تحقق بعض القبض في كليهما أو أحدهما ،
وعبارته هنا غير واضحة على مراده ، وأحسن منها عبارته في المسالك حيث قال : (وقبض
بعض كل واحد منهما كلا قبض مجتمعا ومنفردا لصدق عدم قبض الثمن واقباض المثمن
فيتناوله النص) انتهى.
(٤) في الثمن.
(٥) أي المثمن ،
فلا خيار حينئذ لانتفاء شرط خيار التأخير.
(٦) أي وإن عاد
المثمن إلى البائع بعد الإقباض بنحو الوديعة فلا خيار له لعدم تحقق شرط خيار
التأخير.
(٧) أي أن القبض
إن تحقق يمنع ثبوت الخيار ولكن هل قبض الثمن مشروط بإذن المشتري بحيث لو استلمه
البائع بدونه فيكون كلا قبض لأنه تصرف غير مأذون ، وهذا ما ذهب إليه جماعة لظهور
الأخبار في كون القبض مشروطا بإذن صاحبه ، أو أنه غير مشروط وإن كان قبض المثمن
مشروطا بإذن البائع لأن الوارد في الأخبار إقباض المثمن وقبض الثمن ، وهما ظاهران
فيما قلنا ، وهذا هو المستفاد من صحيح علي بن يقطين المتقدم (سأل ـ
__________________
ظهر الثمن مستحقا
أو بعضه (١) ، ولا يسقط بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة (٢) وإن كان قرينة
الرضا بالعقد.
ولو بذل المشتري
الثمن بعدها (٣) قبل الفسخ ففي سقوط الخيار وجهان (٤): ومنشأهما الاستصحاب ، وزوال
الضرر.
(وتلفه) أي المبيع (من البائع مطلقا) في الثلاثة وبعدها (٥) ، لأنه غير
______________________________________________________
ـ أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن ...) .
وفيه : أن الاقباض
والقبض واردان في كلام السائل لا في كلام الإمام عليهالسلام.
(١) فبعد ظهور أن
جميع الثمن أو بعضه ليس من مال المشتري يصدق أنه لم يقبضه تمام الثمن فيتحقق شرط
الخيار.
(٢) هل مطالبة
البائع بالثمن بعد الثلاثة مسقطة للخيار لأن المطالبة دالة على الالتزام بالعقد
وهذا ما عليه الشيخ والديلمي والحلي ، أو أن المطالبة لا تدل على الالتزام لأعمية
المطالبة منه ، إذ قد يطالب وهو ناو على الفسخ مع رضاه بأصل العقد بحيث هو راض
بأصل العقد وليس براض باستمراريته ، ولا أقل من الشك في سقوط الخيار بالمطالبة
فيستصحب ، ولإطلاق الأدلة ، وهذا ما ذهب إليه جماعة منهم الشارح.
(٣) بعد الثلاثة.
(٤) وجه السقوط
لانتفاء الضرر عن البائع حينئذ ببذل المشتري للثمن ، ذهب إليه العلامة في التذكرة
، ووجه عدم السقوط أن هذا دليل اعتباري لا يصلح لتأسيس حكم بعد كون خيار التأخير
ثابتا بالأخبار فإذا شككنا بسقوطه بعد البذل فيجري الاستصحاب لإبقائه.
(٥) بلا خلاف فيه
بعد الثلاثة لقاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه) ، وهذه القاعدة مضمون
النبوي (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو مال بائعه) ، وهي متصيدة من الأخبار أيضا.
منها : خبر عقبة
بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى
متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غدا إن شاء
الله ، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى
يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يردّ
ماله إليه) .
__________________
مقبوض ، وكل مبيع
تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ، ونبّه بالإطلاق على خلاف بعض الأصحاب حيث زعم أن
تلفه في الثلاثة من المشتري ، لانتقال المبيع إليه ، وكون التأخير لمصلحته وهو غير
مسموع في مقابلة القاعدة الكلية الثابتة بالنص والإجماع.
(الخامس ـ خيار ما يفسد ليومه (١) ، وهو ثابت بعد دخول
الليل) (٢) هذا هو
______________________________________________________
ـ وأما في الثلاثة
فكذلك على المشهور للقاعدة المتقدمة ، وعن المفيد والمرتضى وابن زهرة وسلّار أنه
من مال المشتري ، لأن المبيع ملك للمشتري ولا تقصير من قبل البائع فيكون التلف على
المشتري بل كما أن له النماء فعليه الضمان ، والأقوى ما عليه المشهور.
(١) لو اشترى شيئا
ما يفسد من يومه ، وتركه عند البائع حتى يأتيه بالثمن ، فإن جاء بالثمن فهو وإلا
يثبت خيار للبائع الفسخ ، ومستند هذا الخيار مرسل محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد
الله عليهالسلام أو عن أبي الحسن عليهالسلام (في الرجل يشتري
الشيء الذي يفسد من يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن ، قال : إن جاء فيما بينه وبين
الليل بالثمن وإلا فلا بيع له) ، وارساله منجبر بعمل الأصحاب ، وبخبر زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث (أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا ضرر ولا ضرار) ، نعم ظاهر الخبر انفساخ العقد من تلقائه لنفيه بلام الجنس
، والكلام فيه كالكلام في أخبار خيار التأخير.
(٢) أي أن الخيار
ثابت بعد دخول الليل وهو الظاهر من الخبر ، وعبارات القدماء بالتعبير عن هذا رديئة
، قال الشيخ في النهاية (وإذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر وغيرها
، ولم يقبض المبتاع ولا قبض الثمن ، كان الخيار فيه يوما فإن جاء المبتاع بالثمن
في ذلك اليوم وإلا فلا بيع له) انتهى.
وهو ظاهر في ثبوت
الخيار في بياض النهار مع أنه على خلاف ظاهر الخبر ، إلا أن الأمر سهل بعد وضوح
المراد أن الخيار يثبت عند أول الليل ، ولذا عدل المحقق في الشرائع فقال (وإن
اشترى ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن قبل الليل وإلا فلا بيع له) ، وأحسن منها
عبارة الشهيد في الدروس حيث قال : (خيار ما يفسده المبيت وهو ثابت للبائع عند
انقضاء النهار) انتهى. هذا وهناك إشكال على عبارة القدماء وعبارة الشرائع وحاصله
أن الخيار لا يثبت إلا بعد تحقق الفساد في المبيع نهارا كما هو الظاهر من عباراتهم
مع أن ثبوت الخيار إنما يكون لدفع الضرر والفساد ، ولا معنى لثبوت الخيار في ـ
__________________
الموافق لمدلول
الرواية. ولكن يشكل بأن الخيار لدفع الضرر وإذا توقف ثبوته (١) على دخول الليل مع
كون الفساد يحصل في يومه (٢) لا يندفع الضرر ، وإنما يندفع بالفسخ قبل الفساد.
وفرضه المصنف في الدروس خيار ما يفسده المبيت وهو حسن ، وإن كان فيه خروج عن النص (٣)
، لتلافيه (٤) بخبر الضرار ، واستقرب تعديته (٥) إلى كل ما يتسارع إليه الفساد عند
خوفه ولا يتقيد بالليل.
واكتفى في الفساد
بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في الخضراوات واللحم والعنب وكثير من الفواكه ،
واستشكل فيما لو استلزم التأخير فوات
______________________________________________________
ـ مبيع قد فسد ،
ومن هنا تعرف أن أجود عبارة هي عبارة الشهيد في الدروس حيث جعل الفساد ناشئا من
بيته عنده ليلا ولذا حكم بثبوت الخيار قبل تحقق الفساد وعند أول الليل.
(١) أي ثبوت
الخيار.
(٢) أي في بياض
النهار.
(٣) يكون خروجا عن
النص إن حملنا لفظ (اليوم) الوارد في الخبر على بياض النهار فقط ، وأما لو حملناه
على اليوم والليلة فلا ، ولا بدّ من حمله على ذلك لئلا يثبت الخيار بعد تحقق
الفساد في المبيع ، وهذا ما احتمله سيد الرياض وغيره.
(٤) أي تلافي فساد
المبيت ، وهو تعليل لحسن ما قاله في الدروس ، وقد عرفت أن الخبر يصلح مستندا لما
قاله في الدروس فلا داعي لتركه والتمسك بخبر الضرار.
(٥) أي الشهيد في
الدروس حيث قال : (خامسها : خيار ما يفسده المبيت وهو ثابت للبائع عند انقضاء
النهار ، ويتفرع عليه كثير مما سلف ، والأقرب اطراد الحكم في كل ما يسارع إليه
الفساد عند خوف ذلك ولا يتقيد بالليل ، ويكفي في الفساد نقص الوصف وقلة الرغبة كما
في الخضراوات والرطب واللحم والعنب وكثير من الفواكه ، وهل ينزّل خوف فوات السوق
منزلة الفساد ، فيه نظر ، من لزوم الضرر بنقص السعر ، ومن اقتضاء العقد اللزوم
والتفريط من البائع حيث لم يشترط النقد) وما قاله الشهيد عند خوف التلف والفساد في
محله ولا لخبر الضرار ، وعند خوف نقص الوصف أو فوات الرغبة فقد ذهب إلى ذلك الشارح
في المسالك والمحقق الثاني وغيرهما لخبر الضرار أيضا ، ويحتمل العدم اقتصارا فيما
خالف الأصل على المتيقن ، هذا واعلم أن فوات السوق هو الخوف من نقص الثمن وإن بقيت
الرغبة فيه ، وأن فوات الرغبة يتحقق عند انعدام أو قلة راغبيه وإن بقي ثمنه على
حاله وبهذا بان الفارق بين فوات السوق وفوات الرغبة.
السوق ، فعلى هذا (١)
لو كان مما يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه. وهذا كله متجه ،
وإن خرج عن مدلول النص الدال على هذا الحكم ، لقصوره عن إفادة الحكم متنا (٢)
وسندا (٣) ، وخبر الضرار المتفق عليه يفيده في الجميع.
(السادس ـ خيار الرؤية (٤) وهو ثابت لمن لم ير) إذا باع أو اشترى بالوصف.
ولو اشترى برؤية
قديمة (٥) فكذلك يتخير لو ظهر بخلاف ما رآه ، وكذا من
______________________________________________________
(١) أي بناء على
التعدية التي استقر بها المصنف فلو كان مما يفسد في يومين فيتأخر الخيار عن الليل
إلى خوف تحقق الفساد ، ولا يضر خروجه عن مورد النص لأن الدليل هو خبر الضرار لا
نفس المرسل السابق ، واحتمل العلامة في التذكرة أن الخيار هنا يثبت من الليل وإن
كان خوف تحقق الفساد بعد يومين ، وهو ضعيف كما في المسالك وغيره.
(٢) لأنه دال على
ثبوت الخيار بعد تحقق الفساد وهذا لا معنى له ، واعلم أن هذا يتم لو حملنا لفظ
اليوم الوارد في الخبر على بياض النهار ، وقد عرفت ما فيه.
(٣) لأنه مرسل ،
وفيه : أنه منجبر بعمل الأصحاب ولذا قال في المسالك : (مع أن السند مرسل لكنه لا
رادّ له).
(٤) وهو خيار ثابت
في بيع الأعيان الشخصية من غير مشاهدة ، إلا أنها موصوفة بوصف رافع للضرر ، ويدل
على ثبوته بالإضافة إلى خبر (لا ضرر ولا ضرار) المتقدم خصوص صحيح جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلما أن
نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله ، فقال أبو عبد
الله عليهالسلام : إنه لو قلّب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها
قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية) .
ووجه الاستدلال أن
المشتري اعتقد أن ما لم يره مثل ما رآه فوقعت المعاملة صحيحة ، وبعد المعاملة تبين
أن ما لم يره لم يكن موافقا لبقية أجزاء الضيعة فندم من المعاملة ، أو أنه رأى
أكثرها وقد وصف له الباقي ثم تبين أن الموصوف لم يكن حائزا على الوصف.
(٥) أي سابقة على
العقد ثم ظهر المبيع على خلاف الرؤية القديمة ، وكذا الثمن بالنسبة للبائع ، وهذا
الفرد من الخيار لا يدخل في كلام المصنف ، لأن كلامه مخصوص في العين التي لم تر ،
والمرئي قديما خارج عن ذلك كما هو واضح.
__________________
طرف البائع إلا
أنه ليس من أفراد هذا القسم بقرينة قوله : ولا بد فيه من ذكر الجنس : إلى آخره (١)
، فإنه مقصور على ما لم ير [أصلا] ، إذ لا يشترط وصف ما سبقت رؤيته.
وإنما يثبت الخيار
فيما لم ير (إذا زاد في طرف البائع ، أو نقص في طرف المشتري (٢) ولو وصف لهما فزاد ونقص باعتبارين تخيرا (٣) ، وقدّم
الفاسخ منهما (٤).
وهل هو على الفور (٥)
أو التراخي وجهان : أجودهما الأول وهو خيرته في الدروس.
(ولا بد فيه) (٦) أي في بيع ما يترتب عليه خيار الرؤية وهو العين الشخصية
______________________________________________________
(١) وبقرينة قوله
السابق (لمن لم ير).
(٢) إذا اشترى رجل
عينا خارجية موصوفة لرفع الغرر ، فإن خرجت العين مطابقة للأوصاف لزم البيع لعموم
الوفاء بالعقود ، وإن خرجت ناقصة عن بعض الأوصاف فيثبت خيار الرؤية للمشتري كما هو
واضح ، وهذا معنى قوله : (أو نقص في طرف المشتري).
وإذا كان البائع
قد رأى العين قديما فوصفها للمشتري على أساس الرؤية القديمة ، ثم بعد المعاملة
خرجت زائدة بعض الأوصاف فيثبت خيار للبائع لحديث (لا ضرر) المتقدم.
(٣) بحيث كانت
العين تحت يد وكيل البائع ، والبائع والمشتري كل منهما لم ير العين فوصفها الوكيل
لكليهما ، فباعها البائع على أساس ذلك الوصف للمشتري كذلك ، ثم خرجت زائدة وناقصة
من جهتين ، كما لو وصف الوكيل الثوب بأن طوله عشرون ذراعا وعرضه ذراع فظهر أنه
خمسة عشر ذراعا بالطول ، وأنه نصف ذراع بالعرض ، فيثبت لهما الخيار ، وعن الحدائق
أنه موضع وفاق ، لحديث (لا ضرر) المتقدم.
(٤) فإذا كان
الخيار لهما وقد أجاز أحدهما وفسخ الآخر ، قدّم الفاسخ وإن تأخر عن الاجازة كما
تقدم في خيار المجلس.
(٥) على المشهور ،
لأن الفسخ على خلاف مقتضى العقد فيقتصر فيه على مورد اليقين وهو الفورية ، بل ظاهر
التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد ، وذهب بعضهم منهم صاحب الجواهر إلى
أنه على التراخي ، لإطلاق صحيح جميل المتقدم .
(٦) قد عرفت أن
الخيار هنا مخصوص بالعين الشخصية التي لم يرها المشتري ، مع أنه لا يجوز ـ
__________________
الغائبة (من ذكر الجنس ، والوصف) الرافعين للجهالة ، (والإشارة إلى
معيّن (١) فلو انتفى الوصف
بطل (٢) ، ولو انتفت الإشارة كان المبيع كليا لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع
، بل عليه إبداله ، (ولو رأى البعض ووصف الباقي تخير في الجميع (٣) مع عدم
المطابقة) وليس له الاقتصار
على فسخ ما لم ير ، لأنه مبيع واحد.
(السابع ـ خيار الغبن) (٤) بسكون الباء وأصله الخديعة ، والمراد هنا البيع ، أو
______________________________________________________
ـ للمشتري الإقدام
على شراء شيء مجهول لأنه بيع الغرر ، فلا بد من سبب يرفع جهالته ، وإذا عدمت
الرؤية فلم يبق إلا وصف البائع لها ، ولا بد من ذكر نوع العين ومن أي صنف ، ويعبر
عن النوع بالجنس وعن الصنف بالصفة عند الفقهاء ، ولذا قال الشارح في المسالك : (إن
الجنس المصطلح عليه عند الفقهاء ليس هو الجنس المنطقي بل اللفظ الدال على الحقيقة
النوعية ، وبالوصف اللفظ الدال على أصناف ذلك النوع ، ولا مشاحة في الاصطلاح)
انتهى ، ومن الواضح أن ذكر نوعها وصنفها كاف في رفع الجهالة كما هو واضح.
(١) قيد في ثبوت
خيار الرؤية لأنه إذا لم يشر إلى معيّن كان الموصوف كليا في الذمة ، وعليه فإن
خرجت العين وقت التسليم مطابقة للوصف فهو ، وإلا أرجعها المشتري وطالب بما ثبت له
في ذمة البائع ، ولا يثبت له هنا خيار.
(٢) أي البيع ،
والمراد بالوصف ما هو الأعم من الوصف والجنس لعدم الفرق بينهما هنا.
(٣) في جميع
المبيع بالفسخ أو الامضاء ، وليس له فسخ البيع في البعض الناقص فقط دون غيره لتبعض
الصفقة على البائع حينئذ وهو ضرر منفي بحديث (لا ضرر) المتقدم.
(٤) قال في
الجواهر : (بلا خلاف بين من تعرض له عدا ما يحكي عن المصنف من انكاره في حلقة درسه
، والموجود في كتابه خلاف هذه الحكاية ، واستظهره في الدروس من كلام الاسكافي ،
لأن البيع مبني على المغالبة ، ولا ريب في ضعفه) انتهى.
هذا واستدل على
المشهور بقوله تعالى : (إلا أن نكون تجارة عن تراض) ومن المعلوم أن المغبون لو عرف الحال لا يرضى ، ولحديث (لا
ضرر ولا ضرار) ، ولخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (غبن المسترسل سحت)
، وخبر ميسّر عن أبي عبد الله عليهالسلام (غبن المؤمن حرام)
، وخبر أحمد بن محمد بن يحيى عن أبي عبد ـ
__________________
الشراء بغير
القيمة (١) (وهو ثابت) في المشهور لكل من البائع والمشتري (مع الجهالة) (٢) بالقيمة (إذا كان الغبن) وهو الشراء بزيادة عن القيمة ، أو البيع بنقصان عنها (بما لا يتغابن) أي يتسامح (به غالبا) والمرجع فيه إلى العادة ، لعدم تقديره شرعا ، وتعتبر
القيمة وقت العقد ويرجع فيها إلى البينة عند الاختلاف (٣) ، وفي الجهالة إليها (٤)
للمطّلع على حاله. والأقوى قبول قوله فيها بيمينه مع إمكانها (٥)
______________________________________________________
ـ الله عليهالسلام (ولا تغبن
المسترسل فإن غيبته لا يحلّ) .
(١) أي بغير قيمته
الواقعية ، لا أنه بلا قيمة أبدا لأنه حينئذ ليس بيعا.
(٢) لهذا الخيار
شرطان :
الأول : جهل
المغبون القيمة وقت العقد ، وهو بلا خلاف فيه ، لأنه الظاهر من الأخبار المتقدمة ،
وأما لو كان عالما بالغبن وأقدم على المعاملة فلا يكون مخدوعا ولا مغبونا ، ويجوز
له الاقدام لتسلط الناس على أموالهم.
أن يكون في البيع
زيادة أو نقيصة مما لا يتسامح بها عادة عند العرف حتى يصدق معنى الغبن ، وإلا فلو
كانت الزيادة أو النقيصة مما يتسامح بها عرفا وكان وجودها كالعدم بنظر العرف فلا
يعدّ مخدوعا ولا مغبونا ، ولذا قال في المسالك : (فلو تبين التفاوت اليسير الذي
يتسامح به في العادة كالدرهم في المائة بل الخمسة دراهم فيها فلا غبن ، وبالجملة
فلا تقدير لذلك شرعا ، وما هذا شأنه يرجع فيه إلى العادة) انتهى.
(٣) أي يرجع في
تحديد القيمة وقت العقد إلى البينة لو اختلفا ، إذا لم يعترف الغابن بما يقوله
المغبون ، وإلا فيؤخذ بإقراره.
(٤) إلى القيمة
وقت العقد ، بحيث يقول المغبون : كنت جاهلا بالقيمة وقت العقد ، والغابن يقول :
كنت عالما ، فإذن الخلاف في الشرط الأول ولقد أجاد الشارح في المسالك حيث قال : (وأما
الأول ـ أي الشرط الأول ـ فإن أمكن إقامة البينة عليه فواضح ، ولكن هل يقبل قول
مدعيه في الجهالة حيث يمكن في حقه ، الظاهر ذلك لأصالة عدم العلم ، ولأن العلم
والجهل من الأمور التي تخفى غالبا فلا يطلع عليها إلا من قبل من هي به ، ويحتمل
عدم قبول قوله لأصالة لزوم العقد ، ووجوب الوفاء به فيستصحب إلى أن يثبت المزيل ،
ويشكل بأنه ربما تعذر إقامة البينة ولم يمكن معرفة الخصم بالحال ، فلا يمكن الحلف
على عدمه فتسقط الدعوى بغير بينة ولا يمين ، نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك
الزمان والمكان بحيث لا يخفى عليه قيمته لم يلتفت إلى قوله (انتهى.
(٥) أي إمكان
الجهالة.
__________________
في حقه ، ولا يسقط
الخيار ببذل الغابن التفاوت وإن انتفى موجبه (١) ، استصحابا لما ثبت قبله. نعم لو
اتفقا على إسقاطه بالعوض صح كغيره من الخيار.
(و) كذا (لا يسقط بالتصرف) (٢) سواء كان المتصرف الغابن أم المغبون ، وسواء خرج به عن
الملك كالبيع أم منع مانع من رده كالاستيلاد ، أم لا (إلا أن يكون المغبون المشتري ، وقد أخرجه عن ملكه) (٣) فيسقط خياره ، إذ لا يمكنه ردّ العين المنتقلة إليه ليأخذ
الثمن ، ومثله ما لو عرض له ما يمنع من الرد شرعا كالاستيلاد وإن لم يخرج عن الملك
هذا هو المشهور وعليه عمل المصنف رحمهالله في غير الكتاب.
(وفيه نظر للضرر) على المشتري مع تصرفه فيه على وجه يمنع من رده لو قلنا
بسقوط خياره به (مع الجهل) بالغبن ، أو بالخيار والضرر منفي بالخبر ، بل هو مستند
خيار الغبن ، إذ لا نص فيه بخصوصه (وحينئذ فيمكن
الفسخ) مع تصرفه كذلك (وإلزامه بالقيمة) إن كان قيميا ، (أو المثل) إن كان مثليا جمعا بين الحقين
______________________________________________________
(١) لم يستشكل في
هذا الحكم ـ على ما قيل ـ إلا الفاضل من أنه إذا بذل الغابن التفاوت فقد زال الضرر
فيجب أن يزول الخيار ، ويرده أن الخيار قد ثبت فلا يزول إلا بدليل ، ومع الشك يجري
استصحابه.
(٢) والمراد
بالتصرف هو السابق على ظهور الغبن ، وهو الواقع من صاحب ذي الخيار وحينئذ فتصرفه
لا يكون فيه دلالة على اسقاط الخيار ، نعم لو كان التصرف بعد ظهور الغبن فيكون
مسقطا للخيار لأنه يدل على الرضا بالعقد.
ثم إن تصرف الغابن
سواء كان قبل ظهور الغبن أو بعده لا يسقط الخيار ، لأن تصرفه لا يدل على رضا صاحبه
ـ الذي هو المغبون ـ بالعقد.
(٣) استثناء مما
تقدم فلو تصرف المشتري المغبون بالمبيع تصرفا يمنعه من رده كبيعه أو كالاستيلاد ،
فإنه تصرف مسقط لخياره وإن كان قبل ظهور الغبن لتعذر إرجاع المبيع الموجب لإسقاط
حقه في الخيار ، وعن جماعة ـ كما في الرياض ـ التنظر في هذا الاستثناء إذ لو سقط
حقه في الخيار عند تعذر إرجاع المبيع للزم الضرر المنفي ، بل الضرر هو المثبت
لخيار الغبن فكيف يسقط الخيار والضرر ما زال باقيا. نعم لو كان البائع الغابن هو
الذي تصرف بالثمن تصرفا يمنعه من رده كبيعه أو الاستيلاد فلا يسقط خيار المغبون
للاستصحاب ، فلو فسخ المغبون يرجع البائع إلى المثل أو القيمة في الثمن.
(وكذا لو تلفت العين (١) ، أو استولد الأمة) ، كما يثبت ذلك (٢) لو كان المتصرف المشتريّ ، والمغبون
البائع ، فإنه (٣) إذا فسخ ولم يجد العين (٤) يرجع إلى المثل أو القيمة ، وهذا
الاحتمال (٥) متوجه لكن لم أقف على قائل به ، نعم لو عاد إلى ملكه بفسخ (٦) ، أو
إقالة ، أو غيرهما ، أو موت الولد جاز له الفسخ إن لم يناف الفورية.
واعلم أن التصرف (٧)
مع ثبوت الغبن إما أن يكون في المبيع المغبون فيه ،
______________________________________________________
(١) فالمشتري
المغبون لا يسقط خياره لو تلفت عين المبيع ، بل يبقى له حق الخيار وإن فسخ رجع إلى
المثلي أو القيمة كما لو خرج عن ملكه بالبيع ، وكذا لو استولد الأمة فقد عرفت أنه
تصرف مانع من ردها شرعا.
(٢) أي يثبت
الخيار للمغبون لو تصرف الغابن تصرفا ناقلا أو مانعا من الرد.
(٣) أي البائع.
(٤) العين هنا هي
المبيع عند المشتري الغابن.
(٥) وهو الوارد في
المتن تحت قوله (وفيه نظر للضرر) ، وقد عرفت أنه منسوب لجماعة كما في الرياض على
ما تقدم.
(٦) أي إذا أخرج
المشتري المغبون المبيع عن ملكه بالبيع ثم فسخ فيجوز استعمال حقه في الخيار لزوال
المانع ، وكذا لو مات الولد فيجوز إخراج الأمة شرعا عن ملكه حينئذ ، ثم هذا كله إن
لم يناف الفورية ، وقد وقع الخلاف في كونه على الفورية للأصل لأن الفسخ على خلاف
مقتضى العقد فيقتصر فيه على مورد اليقين وهو الفور قضاء لحق لا ضرر ، وهذا ما ذهب
إليه ثاني المحققين والشهيدين ، أو أنه على التراخي للاستصحاب وهذا ما استظهره
صاحب الجواهر.
(٧) قال في
المسالك : (وتحرير أقسام المسألة أن التصرف إما أن يكون في المبيع خاصة أو في
الثمن خاصة أو فيهما ، وعلى التقادير الثلاثة فالمغبون إما البائع أو المشتري أو
هما ، وعلى التقادير التسعة فالتصرف إما أن يخرج عن الملك أو ما بحكمه وهو المانع
من الرد أو لا ، ثم المخرج وما في حكمه إما أن يزول بحيث يعود الملك إلى الناقل
بغير مانع أو يستمر ، ثم التصرف المانع من الرد إما أن يرد على العين أو المنفعة
كالإجارة ، وزوال المانع من الرد إما أن يكون قبل العلم بالغبن أو بعده ، فأقسام
المسألة خمسة وأربعون قسما) انتهى ، ومن الواضح أن ضرب التقادير التسعة الأول
بالتقادير الأربعة للتصرف فتكون ستة وثلاثين قسما ثم أضاف تسعة أقسام ناشئة من أحد
التقادير وهو التصرف المانع من الرد ، وهذه الأقسام التسعة ما قبل العلم بالغبن
وما بعده ، مع كون التصرف واردا على ـ
أو في ثمنه ، أو
فيهما ، ثم إما أن يخرج عن الملك ، أو يمنع من الرد كالاستيلاد ، أو يرد على
المنفعة خاصة كالإجارة ، أو يوجب تغيّر العين بالزيادة العينية كغرس الأرض ، أو
الحكمية كقصارة الثوب ، أو المشوبة كصبغه ، أو النقصان بعيب ونحوه ، أو بامتزاجها
بمثلها بما يوجب الشركة بالمساوي ، أو الأجود ، أو الأردإ أو بغيرها (١) ، أو بهما
على وجه الاضمحلال كالزيت يعمل صابونا ، أو لا يوجب شيئا من ذلك.
ثم إما أن يزول
المانع من الرد قبل الحكم ببطلان الخيار (٢) ، أو بعده ، أو لا
______________________________________________________
ـ العين أو
المنفعة ولم يستقص جميع التقادير.
غير أنه في الروضة
فصّل بنحو أعمق فجعل التصرف إما أن يكون في المبيع أو في الثمن أو في كليهما ،
وعلى التقادير الثلاثة فالتصرف إما ناقل عن الملك أو لا ، وعلى الثاني إما أن يرد
على العين وإما على المنفعة ، وإذا ورد على العين فتارة يمنع من الرد شرعا
كالاستيلاد وأخرى يوجب زيادة العين زيادة عينية كغرس الأرض أو حكيمة كغسل الثوب أو
مشوبة بالعينية والحكمية كصبغه ، وثالثة يوجب نقصانا بعيب كقطع عضو الحيوان أو
بنحو العيب كترك علف الحيوان السمين حتى صار مهزولا ، ورابعة يوجب امتزاجا ، وهذا
الامتزاج إما امتزاج بجنس العين أو بغيره أو بكليهما ، والامتزاج بجنس العين تارة
يكون بالمساوي وأخرى بالأردإ وثالثة بالأجود ، والامتزاج بغيره كخلط الحنطة
بالشعير ، والامتزاج بهما فهو على نحو الاضمحلال كمزج الزيت بالزيت وبشيء آخر
ليعمل منه صابونا.
وإذا ورد التصرف
على المنفعة فتارة على نحو اللزوم كالإجارة وأخرى لا يوجب شيئا كركوب الدابة ولبس
الثوب مثلا ، والحاصل أن أقسام التصرف ثلاثة عشر ، لأن الأخير وهو ما لا يوجب شيئا
وجوده كالعدم ، فإذا ضربت هذه الأقسام بالثلاثة أعني المبيع والثمن وكلاهما
فالحاصل تسعة وثلاثين ، هذا وأعلم أن تقسيم التصرف غير حاصر لأنه يمكن تقسيم
التصرف الوارد على المنفعة تارة بعقد لازم وأخرى بجائز ، وتقسيم الامتزاج تارة مع
التمييز وأخرى مع عدمه وثالثه مع الاضمحلال وهكذا.
ثم إن مطلق التصرف
الذي هو مانع إما أن يزول قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعده أو لا يزول فترتقى
الأقسام إلى مائة وسبعة عشر قسما ، وعلى الجميع فالمغبون إما البائع أو المشتري أو
هما معا فالأقسام واحد وخمسون وثلاثمائة.
(١) أي غير العين.
(٢) المراد من
بطلان الخيار هو بطلانه الموجب لأخذ العين ، وذلك عند الحكم بالعوض.
يزول ، والمغبون
إما البائع ، أو المشتري أو هما.
فهذه جملة أقسام
المسألة ، ومضروبها يزيد عن مائتي مسألة وهي مما تعم بها البلوى ، وحكمها غير
مستوفي في كلامهم.
وجملة الكلام فيه
أن المغبون إن كان هو البائع (١) لم يسقط خياره بتصرف المشتري مطلقا (٢) فإن فسخ
ووجد العين باقية على ملكه لم تتغير تغيرا يوجب زيادة القيمة ، ولا يمنع من ردها
أخذها ، وإن وجدها متغيرة بصفة محضة (٣) كالطحن والقصارة فللمشتري أجرة عمله. ولو
زادت قيمة العين بها (٤) شاركه في الزيادة بنسبة القيمة ، وإن كان (٥) صفة من وجه
، وعينا من آخر كالصبغ (٦) صار شريكا بنسبته كما مرّ ، وأولى هنا (٧) ، ولو كانت الزيادة
عينا محضة كالغرس (٨) أخذ المبيع
______________________________________________________
(١) وقد تصرف
المشتري بمطلق التصرفات السابقة فلا يسقط خيار البائع ، لأصالة بقاء الخيار
بالاستصحاب ، مع عدم الدليل الدال على سقوطه إذ فعل المشتري بالتصرف لا يدل على
رضا البائع بالعقد ، ثم إذا فسخ البائع فإن وجد العين باقية عند المشتري ولم تتغير
تغيرا يوجب زيادة قيمتها ولا مانع من ردها أخذها البائع لأنها ملكه وهذا مما لا شك
فيه.
(٢) مهما كان
تصرفه.
(٣) وهي الموجبة
للزيادة الحكمية ، قال في المسالك : (وفي استحقاق المشتري أجرة عمله وجه قوي) ،
وفي الروضة هنا جزم به لأنها عمله وعمله محترم ، وردّ عليه صاحب الجواهر بأن عمله
قد وقع في ملكه فلا يستحق عليه عوضا ، نعم لو وقع في ملك غيره فيستحق حينئذ أجرة
إذا لم يكن بداعي التبرع.
(٤) أي لو زادت
قيمة العين بالزيادة الحكمية كحرث البستان ، وكان المشتري شريكا لأن الزيادة مال
للمشتري ، والفرق بين هذا الفرع وبين الفرع السابق أن الزيادة الحكمية هنا لها
مالية ، بخلاف الزيادة الحكمية في الفرع السابق فلا قيمة لها معتدّ بها عند العرف
كغسل الثوب.
(٥) أي تصرف
المشتري.
(٦) فهو من ناحية
تغير الثوب فهو صفة ، ومن ناحية كونه عوضا موجودا فهو عين ، وهذا مثال للزيادة
المشوبة ، وهذا الصبغ ملك للمشتري فهو شريك مع البائع بنسبته.
(٧) لعينية الصبغ
هنا بخلاف الزيادة في السابق فإنها صفة محضة.
(٨) وهو مثال
للزيادة العينية ، فلو أخذ البائع العين هنا وهي الأرض بحسب المثال ـ كان ـ
وتخير بين قلع
الغرس بالأرش وإبقاءه بالأجرة ، لأنه وضع بحق ، ولو رضي ببقائه بها (١) واختار
المشتري قلعه فالظاهر أنه لا أرش له ، وعليه تسوية الحفر حينئذ ، ولو كان زرعا وجب
إبقاؤه (٢) إلى أوان بلوغه بالأجرة.
وإن وجدها ناقصة (٣)
أخذها مجّانا كذلك إن شاء ، وإن وجدها ممتزجة بغيرها (٤) فإن كان بمساو ، أو أردأ
صار شريكا إن شاء وإن كان بأجود ففي
______________________________________________________
ـ جزء منها وهو
الغرس ملكا للمشتري فيتخير البائع بين قلعه مع ضمان الأرش إذا نقص أو يبقيه بأجرة
على المشتري جمعا بين الحقين ، لأن المشتري قد وضعه بحق حال كون الأرض ملكه.
(١) أي رضي البائع
ببقاء الغرس بالأرض فاختار المشتري قلعه فلا أرش للمشتري حينئذ ، لأنه هو الذي
اختار القلع فيكون راضيا بما يرد عليه من النقصان فلا ضمان على البائع ، بل يجب
على المشتري تسوية الحفر حينئذ لأنها بسبب عمله.
(٢) ولا يتخير
البائع بين قلعه وإبقائه بالأجرة بخلاف الغرس ، لأن الزرع يتلف بمجرد القلع بخلاف
الغرس ، مع أن الزرع له أحد ينتظر بخلاف الغرس.
(٣) فتارة يكون
النقص في العين المبتاعة من فعل المشتري وأخرى من فعل غيره ، وعلى الثاني يأخذ
البائع المغبون العين ولا شيء على المشتري لأن النقصان ليس من فعله ، وعلى الأول
فكذلك لأن التصرف الواقع من المشتري قد وقع في ملكه وهو تصرف مأذون فيه فلا يتعقبه
ضمان.
وأشكل عليه بأن
النقص كالتلف ، لأن النقص تلف البعض ، وبالتلف يرجع البائع عند الفسخ على المشتري
بالقيمة فكذا هنا.
(٤) أي بغير العين
المبتاعة ، ومراده ما لو تم الامتزاج بجنس العين كخلط الحنطة بالحنطة ، وهو تارة
يكون بالمساوي أو بالأردإ أو بالأجود ، فإن كان بالمساوي أن بالأردإ فالبائع
بالخيار بين عدم الفسخ مع رضاه بالبيع وبين الفسخ وكون المشتري شريكا بنسبة الزائد
لاختلاط المالين ، وهذا كله على تقدير التمييز بين المالين.
وأشكل عليه بأن
المزج بالأردإ يوجب نقصان مال البائع فيجري فيه ما جرى في الفرع السابق.
وإن كان بالأجود
ففيه احتمالات ، سقوط خياره لأن المشتري شريك بالأجود فلو فسخ البائع المغبون لدخل
الضرر على المشتري لنقص الأجور بالخلط ، وعدم سقوط خياره ، لأن الضرر على المشتري
بسبب فعله فيستصحب بقاء الخيار ، والجمع بين الحقين بالصلح ، وبأن يصالح البائع
المشتري على أن يبقى العين عند المشتري فلا ضرر على المشتري.
سقوط خياره ، أو
كونه شريكا بنسبة القيمة ، أو الرجوع إلى الصلح أوجه ، ولو مزجها بغير الجنس (١)
بحيث لا يتميز فكالمعدومة ، وإن وجدها منتقلة عن ملكه (٢) بعقد لازم كالبيع والعتق
رجع إلى المثل ، أو القيمة ، وكذا لو وجدها على ملكه مع عدم إمكان ردها كالمستولدة
(٣). ثم إن استمر المانع استمر السقوط (٤) ، وإن زال قبل الحكم بالعوض (٥) بأن
رجعت إلى ملكه ، أو مات الولد أخذ العين مع احتمال العدم (٦) ، لبطلان حقه بالخروج
فلا يعود ، ولو كان العود بعد الحكم بالعوض ففي رجوعه إلى العين وجهان (٧) من
بطلان حقه من
______________________________________________________
(١) لو مزج زيت
الزيتون بزيت الذرة ، فالحكم كالحكم بأنها كالمعدومة وقد خرجت عن ملك المشتري بعقد
لازم لأنه لا يمكن التمييز بينهما ، فيرجع إلى المثل أو القيمة كما سيأتي ، وأشكل
عليه بأن المزج لا يوجب خروج العين عن البائع غايته له الشركة ، إلا أن يكون المزج
مستهلكا كوضع القليل من زيت الزيتون بزيت الذرة الكثير بحيث يعدّ عند العرف كأنه
معدوم فهنا يرجع إلى المثل أو القيمة.
(٢) ولا بد من
التقييد بكون الخروج بعقد لازم كما فعل الشارح ، وإلا لو كان الخروج بعقد جائز
فيجب على المشتري الفسخ لترجع العين إلى البائع لأنها ملكه ، وعلى كل فلو خرجت
بعقد لازم فيرجع البائع هنا إلى المثل أو القيمة وهذا هو مقتضى القاعدة إذ العين
للبائع عند الفسخ فمع وجودها يرجع إليها ، ومع عدمها المسبّب بفعل المشتري فيثبت
في ذمته مثلها أو قيمتها.
(٣) لأن الممنوع
منه شرعا كالممتنع عقلا ، فيرجع إلى المثل أو القيمة.
(٤) أي إذا استمر
المانع الذي يمنع من الرجوع إلى العين إما لكونها منتقلة بعقد لازم أو مستولدة
فيستمر سقوط الخيار الموجب لأخذ العين فقط ، وإلا فالخيار الموجب لأخذ المثل أو
القيمة ثابت كما ذكره الشارح.
(٥) أي إذا زال
المانع ، وزواله برجوع العين المبتاعة إلى المشتري إما بفسخ أو إقالة أو شراءها أو
موت الولد في الأمة المستولدة ، فإذا زال المانع قبل أن نحكم بوجود عوض العين أخذ
البائع العين لوجود المقتضي لأنها ملكه ، وعدم المانع لأن الفرض أن المانع قد
ارتفع.
(٦) أي عدم جواز
أخذ البائع العين ، لأن حق البائع قد بطل في العين حين وجود المانع ، فلو رجعت إلى
يد المشتري نشك برجوع حق البائع إليها فيستصحب العدم.
(٧) من أن حق
البائع قد بطل في العين عند الحكم بالعوض فلو رجعت العين إلى يد المشتري فلا يعود
حق البائع إليها استصحابا ، ومن أن حق البائع قد بطل وحكم ـ
العين ، وكون
العوض للحيلولة وقد زالت.
ولو كان الناقل
مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار ألزم بالفسخ (١) ، فإن امتنع فسخه الحاكم ، فإن تعذر
فسخه المغبون ، وإن وجدها منقولة المنافع (٢) جاز له الفسخ ، وانتظار انقضاء المدة
، وتصير ملكه من حينه وليس له فسخ الإجارة ولو كان النقل جائزا كالسكنى المطلقة
فله الفسخ (٣).
هذا كله إذا لم
يكن تصرّف في الثمن تصرفا يمنع من رده (٤) وإلا سقط خياره ، كما لو تصرف المشتري
في العين ، والاحتمال السابق (٥) قائم فيهما فإن قلنا به (٦) دفع مثله ، أو قيمته (٧).
______________________________________________________
ـ بالعوض للحيلولة
والمانع ، فإذا زال المانع فلا بد أن يزول الحكم ، نعم قال في الجواهر : (أنه لا
يعقل للحكم بالعوض بعد الفسخ معنى معتبر يترتب عليه ما ذكره ، بل المدار على حال
الفسخ الذي به يتشخص ما للفاسخ من العين أو المثل أو القيمة) انتهى ، ولقد أجاد
فيما أفاد ، رحمهالله تعالى.
(١) لإرجاع الحق
إلى أهله ، وهو دليل فسخ الحاكم أو المغبون أيضا.
(٢) فيما لو أوقع
المشتري على العين إجارة لازمة ، فإما أن يفسخ البائع وينتظر مدة الإجارة ، وإما
أن يرضى بالبيع ولا يستعمل حقه بالخيار ، وإذا فسخ لأن له حق الخيار صارت العين
ملكه من حين الفسخ ويجب عليه الانتظار مع عدم جواز فسخه للإجارة اللازمة الواقعة
على منافع العين ، لأن الإجارة من فعل المشتري التي وقعت منه في حال كونها ملكا
للمشتري وفعله مأذون فيه فلا يتعقبه الضمان.
(٣) أي للبائع
الذي فسخ عقد البيع بخيار الغبن فله ففسخ العقد الجائز الواقع على منافع العين.
(٤) أي يجوز
للبائع في جميع الصور المتقدمة أن يفسخ ما لم يتصرف تصرفا مانعا في الثمن وإلا
فيسقط خياره ، وقد جعله احتمالا قويا في المسالك ، والدليل عليه أن المشتري
المغبون لو تصرف في العين تصرفا مانعا لسقط خيار المشتري حينئذ لأنه تصرف دال على
الرضا بالعقد واستمراره كما تقدم ، فكذا تصرف البائع في الثمن.
(٥) أي وجه التنظر
السابق من المصنف يأتي عليهما ، لأن سقوط الخيار بالتصرف الناقل موجب للضرر على
المغبون مع أن الضرر مستند خيار الغبن.
(٦) بالاحتمال
السابق.
(٧) إذا فسخ
المغبون بعد تصرفه الناقل فيما تحت يده فلا بد من دفع مثله أو قيمته.
وإن كان المغبون
هو المشتريّ لم يسقط خياره بتصرف البائع في الثمن مطلقا (١) فيرجع إلى عين الثمن ،
أو مثله ، أو قيمته ، وأما تصرفه فيما غبن فيه فإن لم يكن ناقلا عن الملك على وجه
لازم ، ولا مانعا من الرد ، ولا منقصا للعين فله ردها. وفي الناقل والمانع ما تقدم
(٢).
ولو كان قد زادها
فأولى بجوازه (٣) ، أو نقصها ، أو مزجها ، أو آجرها فوجهان ، وظاهر كلامهم أنه غير
مانع (٤) ، لكن إن كان النقص من قبله ردّها مع الأرش ، وإن كان من قبل الله تعالى
فالظاهر أنه كذلك كما لو تلفت (٥).
ولو كانت الأرض
مغروسة فعليه قلعه (٦) من غير أرش إن لم يرض البائع بالأجرة ، وفي خلطه بالأردإ
الأرش (٧). وبالأجود (٨) إن بذل له بنسبته فقد
______________________________________________________
(١) سواء كان
تصرفا مانعا أو لا ، لأن تصرف أحدهما لا يدل على رضا الآخر باستمرار العقد.
(٢) من سقوط
الخيار لتعذر إرجاع العين مع تنظر المصنف السابق.
(٣) فالرد أولى
لأن العين قد زادت فيرجع البائع المغبون لو فسخ على عين ماله مع زيادة بخلاف الصور
السابقة من كون التصرف غير ناقل ولا مانع فإنه يرجع على عين ماله فقط.
(٤) أي أن التصرف
بالنقص أو المزج أو الإجارة غير مانع ، لأنه تصرف مأذون فيه وإن غيّر العين ،
واحتمال عدم الرد أنه لو فسخ وجب أن يرجع على نفس العين لا غير ذلك وهي متعذرة.
(٥) فمع التلف
يضمن مثلها أو قيمتها ، وهو رد بدل العين ، فكذلك مع النقصان فعليه أن يرد العين
وبدل النقص فيها.
(٦) أي على
المغبون الذي تصرف فيما غبّن فيه ، فإذا اختار الفسخ فلا بد من تخليص ماله من مال
صاحبه الذي هو البائع.
(٧) لأن المشتري
هنا قد انقص العين عند ما خلطها بالأردإ فعليه أرش النقصان.
(٨) فمع الفسخ فلو
بذل البائع له نسبة ما زاده فقد أنصفه وإلا فإشكال من أنه مزج العين بغيرها فيسقط
خياره لتعذر إرجاع المبيع ، ومن أنه زاد في المبيع فيكون شريكا للبائع.
هذا وقال الشارح
في المسالك : (واعلم أن هذه المسألة من المهمات وفروعها متكثرة ، والأصحاب لم
يحرروها على وجهها ، وفي كثير من فروعها اشكال ، ناشئ من عدم النص والفتوى) انتهى.
أنصفه ، وإلا
فإشكال.
(الثامن ـ خيار العيب (١) ، وهو كل ما زاد عن الخلقة
الأصلية) (٢) وهي خلقة أكثر النوع (٣) الذي يعتبر فيه ذلك ذاتا وصفة (٤)
، (أو نقص) عنها (عينا كان) الزائد والناقص (كالإصبع) زائدة على الخمس ، أو ناقصة منها ، (أو صفة)
______________________________________________________
(١) لو ظهر عيب
سابق في العين على العقد فالمشتري خاصة بالخيار بين فسخ العقد وبين أخذ الأرش ،
بلا خلاف فيه لحديث (لا ضرر ولا ضرار) ، ولمرسل جميل عن أحدهما عليهالسلام (في الرجل يشتري
الثوب أو المتاع فيجد به متاعا ، قال : إن كان قائما رده على صاحبه وأخذ الثمن ،
وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب) ومثله غيره.
(٢) والضابط في
العيب أن كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، والزيادة كالإصبع الزائد
والنقصان كفوات عضو ، والمستند في ذلك ما رواه في الكافي عن الحسين بن محمد عن
السيّاري (روى عن ابن أبي ليلى أنه قدّم إليه رجل خصما له فقال : إن هذا باعني هذه
الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمت أنه لم يكن لها قط ، فقال له ابن
أبي ليلى : إن الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به ، فما الذي كرهت؟ قال :
أيها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به ، قال : اصبر حتى اخرج إليك فإني أجد أذى في
بطني ، ثم دخل وخرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له : أي شيء تروون
عن أبي جعفر عليهالسلام في المرأة لا يكون على ركبها شعرا ، يكون ذلك عيبا؟ فقال محمد
بن مسلم : أما هذا نصا فلا أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر عليهالسلام عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ،
فقال له ابن أبي ليلى : حسبك ثم رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب) . وقال في مصباح المنير : (والركب بفتحتين ، قال ابن السكيت
: هو منبت العانة ، وعن الخليل هو للرجل خاصة ، وقال الفراء : للرجل والمرأة).
(٣) أي أكثر أفراد
النوع ، حتى يعلم أنه من لوازم النوع.
(٤) أي هذا أصل
الخلقة بحسب الذات أو بحسب الصفة.
__________________
(كالحمّى ولو يوما) (١) بأن يشتريه فيجده محموما ، أو يحمّ قبل القبض وإن برئ
ليومه ، فإن وجد ذلك في المبيع سواء أنقص قيمته ، أم زادها (٢) فضلا عن المساواة (فللمشتري الخيار مع الجهل) بالعيب عند الشراء (بين الرد والأرش ،
وهو (٣) جزء) من الثمن نسبته
إليه (٤) (مثل نسبة التفاوت بين القيمتين) فيؤخذ ذلك (من الثمن) بأن يقوّم المبيع صحيحا ومعيبا ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة
، لا تفاوت ما بين المعيب والصحيح ، لأنه قد يحيط بالثمن ، أو يزيد عليه (٥) فيلزم
______________________________________________________
(١) قال في
المسالك : (ولو كحمى يوم المعروف من حمى يوم ، أنها التي تأتي في يوم من الأيام
وتذهب فيه ، ثم لا تعود ، فلو عادت كل يوم لم تسم حمى يوم بل حمى الورود ، أو حمى
بعد يوم فحمى الغب إلى آخر الأسبوع ، وحينئذ فثبوت العيب بحمى اليوم يتحقق بأن
يشتريه فيجده محموما أو يحمّ قبل القبض فإنه يجوز له الفسخ وإن ذهب عنه الحمى في
ذلك اليوم ، وليس المراد بها ما ينوب يوما معينا من الأسبوع كما فسره بعضهم ، فإن
تلك لا تسمى حمى ، ولا ما تأتي كل يوم كما مرّ) انتهى ، وكلامه ظاهر في أن الحمى
عيب سواء كانت حمى يوم أو حمى الورود أو حمى الغب ، وهي كذلك في الأخيرين ، وأما
في الأول فمحل اشكال لعدم صدق العيب عليها عرفا.
(٢) ذهب الفاضل
ويحيى بن سعيد أنه يجب في العيب نقصان المالية ، وعن غيره الاطلاق بأن العيب لا
يجب أن يكون موجبا للنقص ، بل قد يزيد الثمن كعدم الشعر على الركب كما في خبر
السيّاري المتقدم.
(٣) أي الأرش.
(٤) أي نسبة هذا
الجزء ـ وهو الأرش ـ إلى الثمن كنسبة التفاوت بين القيمتين ، قيمة العين صحيحة
وقيمة العين معيبة ، فمثلا عين تساوي مائة بالقيمة السوقية لكنها بيعت بعشرين ، ثم
تبين فيها عيب ، ومع العيب كانت قيمتها السوقية ثمانين ، فنسبة التفاوت بين
القيمتين السوقيتين عشرون ، والعشرون خمس المائة التي هي القيمة السوقية حال كونها
صحيحة ، فيكون الأرش خمس قيمتها الشرائية أو خمس الثمن فيرجع المشتري على البائع
بخمس العشرين التي دفعها ثمنا فيرجع بأربعة دراهم.
ولا يعقل أن يكون
الأرش هو التفاوت بين القيمة السوقية حال كونها صحيحة وبين القيمة السوقية حال
كونها معيبة ، لأن التفاوت حينئذ مقداره عشرون بحسب المثال ، فلو رجع المشتري على
البائع بعشرين لرجع عليه بتمام الثمن الذي دفعه ، فيكون قد أخذ المبتاع ولم يدفع
في قباله شيئا وقد جمع بين العوض والمعوض وهذا مما لا يمكن الالتزام به.
(٥) كما لو اشترى
عينا بعشرة وقيمتها السوقية مائة إذا كانت صحيحة وثمانين إذا كانت ـ
أخذه العوض
والمعوّض ، كما إذا اشتراه بخمسين وقوّم معيبا بها وصحيحا بمائة ، أو أزيد ، وعلى
اعتبار النسبة يرجع في المثال (١) بخمسة وعشرين وعلى هذا القياس.
(ولو تعدّدت القيم) (٢) إما لاختلاف المقوّمين ، أو لاختلاف قيمة أفراد ذلك النوع
المساوية للمبيع ، فإن ذلك (٣) قد يتفق نادرا (٤) ، والأكثر منهم المصنف رحمهالله في الدروس عبروا عن ذلك (٥) باختلاف المقوّمين (أخذت قيمة واحدة (٦) متساوية النسبة إلى الجميع (٧) أي منتزعة منه نسبتها إليه (٨) بالسوية (فمن القيمتين) يؤخذ(نصفهما) ، ومن الثلاث ثلثها ، (ومن الخمس خمسها) وهكذا.
______________________________________________________
ـ معيبة ، وقيمة
التفاوت بين القيمتين السوقيتين عشرون ، فلو رجع المشتري بالعشرين لرجع إليه الثمن
وزيادة.
(١) وهو عند ما
اشترى العين بخمسين وقيمتها السوقية مائة لأنها صحيحة ، وخمسين إذا كانت معيبة
فنسبة التفاوت بين القيمتين السوقيتين النصف فيرجع المشتري بنصف الثمن الذي دفعه
وهو خمسة وعشرون.
(٢) بحيث اختلف
أهل الخبرة في التقويم ، ففي الجواهر يعمل بالصلح ، وعن المفيد والمحقق والفاضل
والشهيدين يعمل على الأوسط ، وقال في المسالك : (والمراد بالأوسط قيمة منتزعة من
مجموع القيم ، نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم ، فمن تلك القيمتين نصف
مجموعهما ، ومن الثلاثة ثلثه وهكذا ، وإنما اعتبروا ذلك لانتفاء الترجيح لقيمة على
أخرى ، ولانتفاء الوسط في نحو القيمتين والأربعة فلم يبق إلا أن يراد بالوسط معنى
آخر ، وهو انتزاع قيمته من المجموع بحيث لا تكون القيمة المنتزعة أقرب إلى واحدة
منها ، وطريقه أن يجمع القيم الصحيحة على حدة والمعيبة كذلك ، وينسب إحداها إلى
الأخرى ، ويأخذ بتلك النسبة ، ولا فرق في ذلك بين اختلاف المقوّمين في القيمة
الصحيحة والمعيبة معا وفي احداهما) انتهى.
(٣) أي اختلاف
قيمة أفراد ذلك النوع.
(٤) فيما إذا
اختلفت الأسواق وتعددت فيكون للصنف سعران أو ثلاثة بحسب تعدد الأسواق.
(٥) أي تعدد
القيم.
(٦) أي قيمة
منتزعة من مجموع القيم.
(٧) أي جميع
القيم.
(٨) أي نسبة
القيمة المنتزعة إلى مجموع القيم.
وضابطه أخذ قيمة
منتزعة من المجموع نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم (١) ، وذلك لانتفاء
الترجيح (٢).
وطريقه (٣) أن
تجمع القيم الصحيحة على حدة ، والمعيبة كذلك وتنسب إحداهما إلى الأخرى ويؤخذ بتلك
النسبة (٤).
ولا فرق بين
اختلاف المقوّمين في قيمته صحيحا ومعيبا ، وفي إحداهما (٥).
______________________________________________________
(١) فلو كانت
القيم ثلاثة أخذ ثلثها وهكذا.
(٢) أي انتفاء
ترجيح قيمة على أخرى فلا بد من أخذ قيمة منتزعة من الجميع.
(٣) أي طريق
انتزاع قيمة واحدة تكون نسبتها إلى المجموع بالسوية.
(٤) فلو قالت إحدى
البينتين أن قيمة المبيع بالقيمة السوقية اثنا عشر صحيحا وعشرة معيبا ، وقالت بينة
أخرى : ثمانية صحيحا وخمسة معيبا ، فمجموع القيمتين الصحيحتين عشرون ، ومجموع
القيمتين المعيبتين خمسة عشر ، والتفاوت بينهما خمسة ، وهو الربع بلحاظ المجموعين
، فيرجع بربع الثمن حينئذ فلو كان الثمن اثنى عشر فالأرش هو ثلاثة ، لأنها ربع
الاثني عشر.
وعن الشهيد الأول
بل عن إيضاح النافع أنه الحق أنه ينسب معيب كل قيمة إلى صحيحها ويجمع قدر النسبة ،
ويؤخذ من المجتمع بنسبة القيم ، ففي المثال المتقدم تفاوت ما بين المعيبة والصحيحة
على قول البينة الأولى السدس ، لأن الفرق بين الاثني عشر والعشرة اثنان ، والاثنان
سدس الاثني عشر ، وعلى قول البينة الثانية هو ثلاثة أثمان لأن الفرق بين الثمانية
والخمسة ثلاثة ، والثلاثة من الثمانية ثلاثة أثمان.
ومجموع النسبتين
من الثمن الذي هو اثنا عشر بحسب الفرض ستة ونصف ، لأن سدس الاثني عشر اثنان ، وثمن
الاثني عشر واحد ونصف وثلاثة أثمانه أربعة ونصف ، فإذا جمع ثلاثة أثمانه مع سدسه
فيرتقى الحاصل إلى ستة ونصف ، وهذا المجتمع ـ أعني ستة ونصف ـ لا بدّ أن يؤخذ نصفه
، لأنه حاصل على قيمتين والعين لها قيمة واحدة فيكون الحاصل ثلاثة وربع ، وهذا هو
الأرش الذي يرجع به المشتري على البائع إذا كان الثمن اثني عشر ، مع أنه على
الطريقة الأولى رجع بثلاثة وهنا رجع بثلاثة وربع.
هذا كله إذا
اختلفت البينات في قيمته صحيحا ومعيبا ، وأما لو اختلفت في احداهما فسيأتي الكلام
فيه.
(٥) أن تتفق
البينتان على القيمة الصحيحة وتختلف في المعيبة ، فتتفق على أن قيمته اثنا عشر
صحيحا ، ثم قالت أحدهما : عشرة معيبا ، وقالت الأخرى : ستة. ـ
وقيل : ينسب معيب
كل قيمة إلى صحيحها ويجمع قدر النسبة ويؤخذ من المجتمع بنسبتها (١) ، وهذا الطريق
منسوب إلى المصنف ، وعبارته هنا وفي الدروس لا تدل عليه.
وفي الأكثر يتحد
الطريقان (٢). وقد يختلفان في يسير ، كما لو قالت إحدى البينتين : إن قيمته اثنا
عشر صحيحا ، وعشرة معيبا ، والأخرى : ثمانية صحيحا ،
______________________________________________________
ـ فمجموع القيمتين
الصحيحتين أربعة وعشرون ، ومجموع القيمتين المعيبتين ستة عشر ، والتفاوت بين
المجموعين ثمانية ، ونسبته إلى مجموع الصحيحتين الثلث ، فيرجع المشتري بثلث الثمن
حينئذ ، فلو كان الثمن اثني عشر كما هو المفروض فيرجع بأربعة.
وعلى قول الشهيد
فالتفاوت بين الصحيح والمعيب على قول الأول اثنان ونسبته السدس ، وعلى قول الثانية
ستة ونسبتها النصف.
ومجموع النسبتين ـ
أعني النصف والسدس ـ من الثمن ـ الذي هو اثنا عشر ـ ثلثان ، ولا بد من تنصيفه لأن
العين لها قيمة واحدة ، فيكون الأرش من الثمن هو الثلث ، فيرجع المشتري على البائع
بثلث الثمن وهو أربعة.
وفي هذه الصور ،
اتفق التقدير على الصورتين.
ولو ارتفقت
البينتان على المعيبة دون الصحيحة ، كأن اتفقت على أن قيمته معيبا ستة ، وقالت
إحدى البينتين : قيمته ثمانية صحيحا ، والأخرى قالت : عشرة.
فعلى طريقة الأكثر
: فمجموع الصحيحتين ثمانية عشرة ، ومجموع المعيبتين اثنا عشر ، والتفاوت ستة ،
ونسبته إلى مجموع الصحيحتين الثلث ، فيرجع المشتري على البائع بثلث الثمن ، وهو
أربعة إذا كان الثمن اثني عشر كما هو المفروض. وعلى طريقة الشهيد فالتفاوت بين
الصحيح والمعيب على قول الأولى اثنان ، ونسبته الربع ، والتفاوت على قول الثانية
أربعة ونسبته خمسان. ومجموع النسبتين من الثمن هو (٨ ، ٧) ، ولا بد من تنصيفه لأن
العين لها قيمة واحدة فيكون الأرش هو (٩ ، ٣) من اثني عشر الذي هو الثمن.
وهذه صورتان ،
فالمجموع ثلاث صور مع ضميمة ما لو اختلفت البينتان في قيمته صحيحا ومعيبا على ما
تقدم ، وهذا كله إذا كان الاختلاف بين بينتين ، وأما لو تعددت البينات بأن كانت
ثلاثة أو أكثر فيعرف حكمها مما تقدم.
(١) أي بنسبة
القيم فلو كانت ثلاثة أخذ ثلث المجموع وهكذا.
(٢) أي طريق
الأكثر وطريق الشهيد ، والاتحاد بالنتيجة كما هو واضح ، كما في الصورة الثانية
المتقدمة في الشرح ، والأولى بالشارح أن يقول : وفي الأكثر يختلف الطريقان وقد
يتحدان في يسير.
وخمسة معيبا (١) ،
فالتفاوت بين القيمتين الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع فيرجع بربع الثمن ، وهو
ثلاثة من اثني عشر لو كان كذلك (٢) ، وعلى الثاني (٣) يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين
على قول الأولى وهو السدس ، وعلى قول الثانية ثلاثة أثمان. ومجموع ذلك من الاثني
عشر ستة ونصف. يؤخذ نصفها : ثلاثة وربع. فظهر التفاوت.
ولو كانت ثلاثا (٤)
فقالت إحداها : كالأولى والثانية : عشرة صحيحا وثمانية معيبا ، والثالثة : ثمانية
صحيحا وستة معيبا. فالصحيحة ثلاثون ، والمعيبة أربعة وعشرون والتفاوت ستة هي الخمس
، وعلى الثاني (٥) يجمع سدس الثمن وخمسه وربعه ويؤخذ ثلث المجموع وهو يزيد عن
الأول بثلث خمس.
______________________________________________________
(١) هذه هي الصورة
الأولى المتقدمة.
(٢) أي لو كان
الثمن اثني عشر.
(٣) أي قول
الشهيد.
(٤) أي كانت
البينات ثلاثة فقالت إحداها كالأولى في الصورة المتقدمة من كلام الشارح : بأن
قيمته اثنا عشر صحيحا وعشرة معيبا ، وقالت الثانية : قيمته عشرة صحيحا وثمانية
معيبا ، والثالثة : ثمانية صحيحا وستة معيبا ، فعلى طريقة الأكثر فالقيم الصحيحة
ثلاثون ، والمعيبة أربعة وعشرون ، والتفاوت بينهما ستة ، وهي خمس مجموع القيم
الصحيحة ، فيرجع المشتري بخمس الثمن الذي دفعه ، فلو كان الثمن اثني عشر فيرجع ب ٥
/ ٢ ٢. وعلى قول الشهيد فالتفاوت بين الصحيح والمعيب على الأولى اثنان ونسبته السدس
، وعلى الثانية اثنان ونسبته الخمس ، وعلى الثالثة اثنان ونسبته الربع ، ومجموع
النسب من الثمن الذي هو اثنان عشر بحسب الفرض هو : ٢ / ٥ ٧ ، لأن السدس اثنان ،
والخمس ٢ / ٥ ٢ ، والربع ثلاثة.
ولا بد من تقسيم
هذا المجموع على ثلاثة ، لأن العين لها قيمة واحدة فالحاصل بعد التقسيم هو : ٧ /
١٥ ٢.
والفرق بين
النتيجتين هو ثلث الخمس ، لأن الحاصل على الطريقة الأولى ٢ / ٥ ٢ ، والحاصل على
الطريقة الثانية ٧ / ١٥ ٢ ، والفرق بينهما ١ / ١٥ ، وإليك البيان : إن الكسر إذا
ضربنا مخرجه بعدد وكذلك صورته بنفس العدد تبقى قيمته على ما هي عليه من دون تغيير
، وعليه فلو ضربنا ٢ / ٥ بثلاثة فالحاصل ٦ / ١٥ ، من دون تغيير للقيمة ، لأن
القيمة في كليهما هي خمسان ، فلو طرحنا ٦ / ١٥ ٢ من ٧ / ١٥ ٢ فيبقى ١ / ١٥ ، وهذا
ثلث الخمس ، لأن الخمس هو ٣ / ١٥ ، وثلثه ١ / ١٥ كما هو واضح.
(٥) أي قول
الشهيد.
ولو اتّفقت على
الصحيحة كاثني عشر (١) ، دون المعيبة فقالت إحداهما : عشرة ، والأخرى : ستة ،
فطريقه تنصيف المعيبتين (٢) ، ونسبة النصف إلى الصحيحة ، أو تجمع المعيبتين مع
تضعيف الصحيحة وأخذ مثل نسبة المجموع إليه (٣) وهو الثلث. وعلى الثاني (٤) يؤخذ من
الأولى (٥) السدس ، ومن الثانية النصف ، ويؤخذ نصفه (٦) وهو الثلث أيضا (٧).
ولو انعكس (٨) بأن
اتفقتا على الستة معيبا وقالت إحداهما : ثمانية صحيحا ، وأخرى : عشرة ، فإن شئت
جمعتهما وأخذت التفاوت وهو الثلث ، أو أخذت نصف الصحيحتين ونسبته إلى المعيبة وهو
الثلث أيضا. وعلى الثاني (٩) يكون التفاوت ربعا (١٠) وخمسين (١١) فنصفه وهو ثمن
وخمس (١٢) ، ينقص عن الثلث
______________________________________________________
(١) هذه هي الصورة
الثانية المتقدمة في شرحنا.
(٢) قد تقدم شرح
هذه الصورة وشرحها قائم على جمع القيمتين المعيبتين وتكرار الصحيحتين ، وأخذ نسبة
المجموع إلى المجموع ، وهو الثلث ، وهناك طريق آخر بتنصيف المعيبتين ونسبة التنصيف
إلى الصحيحة فيظهر الثلث.
فالمعيبتان : ١٠+
٦ ١٦ ، ونصفها ثمانية ، ونسبة الثمانية إلى الاثني عشر التي هي قيمة الصحيحة على
اختلاف البينتين هي الثلث ، فيرجع المشتري بثلث الثمن على البائع ، وثلث الثمن
أربعة.
(٣) أي نسبة مجموع
المعيبتين إلى مضاعف الصحيحة.
(٤) أي قول
الشهيد.
(٥) أي البينة
الأولى.
(٦) أي نصف
المجموع من السدس والنصف ، والمجموع ثلثان ونصفه ثلث.
(٧) كالثلث على
طريقة الأكثر وفي هذه الصورة اتحدت الطريقتان.
(٨) هذه هي الصورة
الثالثة المتقدمة في شرحنا.
نصف الصحيحتين :
فالصحيحتان تساوي ثمانية عشر ناشئة من ٨+ ١٠ ، ونصفها تسعة ، ونسبة التسعة إلى
الستة ـ التي هي قيمة المعيبة ـ هي : الثلث.
(٩) أي قوال
الشهيد.
(١٠) هو التفاوت
في البينة الأولى.
(١١) وهو مقدار
التفاوت في البينة الثانية.
(١٢) فالثمن نصف
الربع ، والخمس نصف الخمسين ، هذا وقد عرفت سابقا أن الأرش من ـ
بنصف خمس. وعلى
هذا القياس.
(ويسقط الرد بالتصرف) (١) في المبيع ، سواء كان قبل علمه بالعيب أم بعده (٢) ،
وسواء كان التصرف ناقلا للملك أم لا ، مغيرا للعين أم لا ، عاد إليه بعد خروجه عن
ملكه أم لا. وما تقدم في تصرف الحيوان آت هنا (٣) ، (أو
______________________________________________________
ـ الثمن الذي هو
اثنا عشر هو : ٩ و ٣ ، وهو يساوي ثمنا وخمسا ، لأن ثمن الاثني عشر واحد ونصف ،
وخمس الاثني عشر اثنان وأربعة من عشرة ، فالمجموع : ٥ و ١+ ٤ و ٢ ٩ و ٣.
وهو ينقص عن ثلث
الاثني عشر بنصف الخمس ، لأن ثلث الاثني عشر أربعة ، وطرح ٩ و ٣ من أربعة يبقى ١ و
٠ ، وهذا نسبته إلى الواحد الصحيح عشر ، والعشر نصف الخمس.
(١) فالتصرف هنا
مسقط لخيار العيب أما الأرش فباق ، كما كان التصرف مسقطا لخيار الحيوان ، فيشمل ما
لو كان ناقلا أو مانعا من الرد ، أو مغيّرا للعين بزيادة أو نقيصة أو امتزاج أو
غير ذلك.
بلا خلاف فيه
لمرسل جميل عن أحدهما عليهالسلام (في الرجل يشتري
الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا ، فقال : إن كان الشيء قائما بعينه ردّه على صاحبه
وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (أيّما رجل اشترى
شيئا ، وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم
علم بذلك العوار وبذلك الداء أنه يمض عليه البيع ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك
الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به) .
وفهم الأصحاب من
الحدث في خبر زرارة مطلق التصرف حتى ركوب الدابة كما في خيار الحيوان ، وقد عرفت
أن مطلق التصرف الدال على الرضا باستمرارية العقد هو المسقط للخيار فضلا عن الحدث
الموجب للتغيير.
(٢) ولم يخالف في
ذلك إلا ابن حمزة حيث جعل التصرف بعد العلم مانعا من الأرش كما يمنع من الرد ،
وردّ عليه الشارح في المسالك بقوله : (وهو ضعيف إذ لا دلالة للتصرف على اسقاطه ـ أي
الأرش ـ والأصل يقتضي بقاءه ، نعم يدل على الالتزام بالعقد فيسقط الرد) انتهى.
(٣) وأن التصرف
للاستخبار مسقط أو لا وهكذا.
__________________
حدوث عيب بعد القبض) (١) مضمون على المشتري ، سواء كان حدوثه من جهته أم لا.
واحترزنا بالمضمون
عليه عما لو كان حيوانا وحدث فيه العيب في الثلاثة (٢) من غير جهة المشتري (٣) ،
فإنه حينئذ لا يمنع من الرد ولا الأرش ، لأنه مضمون على البائع.
ولو رضي البائع
برده (٤) مجبورا بالأرش ، أو غير مجبور جاز.
وفي حكمه (٥) ما
لو اشترى صفقة متعددا وظهر فيه (٦) عيب وتلف أحدها ، أو اشترى اثنان صفقة (٧)
فامتنع أحدهما من الرد فإن الآخر يمنع منه وله الأرش ،
______________________________________________________
(١) فإنه يسقط
خيار المشتري ، لأنه بعد قبض المشتري لا ضمان على البائع فلو ارجعه بالعيب القديم
للزم الضرر على البائع من جهة العيب الحادث ، بلا فرق بين كون العيب الحادث من جهة
المشتري أو من جهة أجنبي.
(٢) فيجوز للمشتري
الفسخ حينئذ وإن كان المبتاع معيوبا بعيبين ، العيب القديم قبل العقد وهو مضمون
على البائع بحسب الفرض ، والعيب الحادث بعد العقد في الثلاثة بالنسبة للمبتاع إذا
كان حيوانا ، وهو مضمون على البائع أيضا لأنه وقع في زمن خيار المشتري.
(٣) أما لو كان من
جهته فهو يسقط خياره.
(٤) قد تقدم أن
العيب الحادث بعد قبض المشتري مسقط لخيار الفسخ لأنه غير مضمون على البائع ، نعم لو
رضي البائع بالرد ورضي بالمبيع مع الأرش لنقصانه أو بدونه يجوز ، لأن الناس مسلطون
على أموالهم.
(٥) أي حكم سقوط
الرد بالعيب بعد القبض.
(٦) أي في المبيع
وذلك ما لو اشترى شيئين صفقة واحدة بثمن واحد ، ثم تبين وجود عيب في أحدهما فلا
يجوز للمشتري رد المعيب فقط لتبعض الصفقة على البائع وهو ضرر منفي ، فالمشتري إما
أن يردهما معا أو يأخذ الأرش ، فلو تلف غير المعيب فيسقط الرد حينئذ لتلف بعض
المبيع فيتعذر إرجاع المبيع على البائع لو فسخ المشتري فيتعين كذلك أخذ الأرش
العيب فقط.
(٧) بأن اشترى
شخصان شيئين على نحو الشركة بينهما ، وكان بيع الشيئين صفقة أي بثمن واحد ، فإن
ظهر عيب في أحد الشيئين فللمشتريين الرد أو الامساك مع الأرش وهو مما لا خلاف فيه
، نعم ليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه على المشهور ، لأن الرد المذكور موجب لتبعض
الصفقة على البائع وهو ضرر منفي. ـ
وإن (١) أسقطه (٢)
الآخر سواء اتحدت العين أم تعددت ، اقتسماها أم لا.
وأولى بالمنع من
التفرق الورّاث عن واحد (٣) ، لأن التعدد هنا طارئ على العقد. سواء في ذلك خيار
العيب وغيره.
وكذا الحكم لو
اشترى شيئين فصاعدا (٤) فظهر في أحدهما عيب ، فليس له ردّه ، بل ردّهما ، أو
إمساكهما بأرش المعيب.
وكذا يسقط الرد ،
دون الأرش إذا اشترى من ينعتق عليه ، لانعتاقه بنفس الملك ، ويمكن رده إلى التصرف
، وكذا يسقط الرد بإسقاطه (٥) مع اختياره الأرش أو لا معه.
(و) حيث يسقط الرد (يبقى الأرش ، ويسقطان) أي الرد والأرش معا (بالعلم به) أي بالعيب (قبل العقد) (٦) ، فإن قدومه عليه عالما به رضا بالمعيب ،
______________________________________________________
ـ وعن الشيخ
والقاضي والحلي وفخر المحققين أنه يجوز لأحدهما الرد دون صاحبه لإطلاق أدلة خيار
العيب ، ولأن هذا العقد بمنزلة عقدين لأنه باع شخصين مع العلم بجواز رد أحدهما دون
الآخر في العقدين ، وهو ضعيف لوجود الفرق الواضح.
(١) إن وصلية
والمعنى أن الآخر الذي هو الممتنع من الرد لو أسقط أرشه فإن الأرش ثابت للأول ،
لأنه ماله والناس مسلطون على أموالهم لا على أموال غيرهم.
(٢) والمعنى أنه
لو اشترى شيئا وظهر فيه عيب سابق على العقد فيثبت له خيار العيب ، فلو مات وكان له
ورثة متعددون فيرثون هذا الخيار ، فلو امتنع بعض الورثة عن الرد فليس لبقية الورثة
الرد لتبعض الصفقة على البائع ، بل إن الحكم هنا أولى من الفرع السابق وهو ما لو
لا اشترى شريكان شيئين صفقة واحدة ، ووجه الأولوية أن التعدد في السابق كان قبل
العقد ، وهنا التعدد بعد العقد طارئ عليه ولم يكن حاصل قبله.
(٣) قد تقدم
الكلام فيه.
(٤) كما لو اشترى
أباه الذي ينعتق عليه ، ثم بان فيه عيب ، فيمنع المشتري من الرد ، لأن رده إرجاع
الأب إلى الرقية مع أنه أصبح حرا بمجرد دخوله في ملك المشتري.
بل يمكن إرجاع هذا
الفرع إلى صورة التصرف المانع من الرد لأنه موجب للنقل عن الملك.
(٥) لأن الناس
مسلطون على أموالهم وهم مسلطون على حقوقهم أيضا ، والخيار حق.
(٦) فعلم المشتري
بالعيب قبل العقد موجب لرضاه به فلا يكون له خيار بلا خلاف فيه.
(وبالرضا به بعده (١) غير مقيد بالأرش ، وأولى منه (٢) إسقاط الخيار ، (وبالبراءة (٣) أي براءة البائع (من العيوب ولو إجمالا) كقوله : برئت من جميع العيوب على أصح القولين (٤) ، ولا
فرق بين علم البائع والمشتري بالعيوب وجهلهما (٥) ، والتفريق ، ولا بين الحيوان
وغيره ، ولا بين العيوب الباطنة وغيرها ، ولا بين الموجودة حالة العقد والمتجددة (٦)
، حيث تكون مضمونة على البائع ، لأن
______________________________________________________
(١) بعد العقد ،
ورضاه به تنازل عن حقه فلا يثبت له فسخ ولا أرش.
(٢) أي وأولى من
الرضا ما لو صرح بإسقاط الخيار ، ووجه الأولوية أن الرضا بالعيب غير صريح في إسقاط
الأرش بخلاف إسقاط الخيار لأن الخيار أمر يقتضي جواز إرادة كل من الرد والأرش
صريحا ، فيكون إسقاطه تصريحا بإسقاطهما.
(٣) بأن يقول
البائع : بعتك هذا وأنا بريء من كل عيب أو نحو ذلك ، فهو مسقط للفسخ والأرش بلا
خلاف فيه ، لأن المشتري رضي بهذا الاسقاط في متن العقد ، وهو شرط يجب الوفاء به ،
ولمفهوم خبر زرارة المتقدم ، وخبر جعفر بن عيسى (كتبت إلى أبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك ، المتاع يباع فيمن يزيد ، فينادي عليه
المنادي ، فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق
إلا نقد الثمن فربما زهد ، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها ، فيقول
المنادي : قد برئت منها ، فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدق فلا يجب
عليه الثمن ، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟ فكتب عليهالسلام : عليه الثمن) .
(٤) وهذا ما عليه
الأكثر ، وذهب الاسكافي والقاضي أنه لا يكفي التبري اجمالا بل لا بد من التفصيل
للجهالة ، وهو قول مردود للأخبار المتقدمة.
(٥) لإطلاق الأدلة
، والاطلاق شامل للمبيع سواء كان حيوانا أم لا ، وسواء كانت العيوب باطنة أم لا.
(٦) بل ظاهر
التذكرة الاجماع عليه وهو الحجة ، ولا يقدح في الثاني أنه براءة مما لا يجب فيكون
كإسقاط ما لم يثبت لأن التبري من العيب الموجب للخيار ، وهو العيب الذي يوجبه بحسب
أصل العقد ، وما هذا شأنه لا يكون إلا العيب الموجود حال العقد ، لا المتجدد.
__________________
الخيار بها ثابت
بأصل العقد وإن كان السبب (١) حينئذ (٢) غير مضمون (٣).
(والإباق) عند البائع (٤) (وعدم الحيض) ممن شأنها الحيض (٥) بحسب سنها
______________________________________________________
ـ وفيه : إن العيب
المتجدد بعد العقد وكان مضمونا على البائع كعيب الحيوان في الثلاثة مما يوجب
الخيار بحسب أصل العقد أيضا.
(١) أي سبب الخيار
وهو العيب.
(٢) أي حين العقد.
(٣) لأنه غير
موجود.
(٤) لو أبق العبد
عند المشتري بعد القبض وحيث لا يكون مضمونا على البائع وذلك بعد الثلاثة ، فلا
يثبت للمشتري بهذا الإباق حق الفسخ ولا الأرش كما في سائر العيوب الحادثة عند
المشتري كفقد عينه ونحو ذلك وهو مما لا خلاف فيه ، لمرسل ابن أبي حمزة عن أبي جعفر
عليهالسلام (ليس في الإباق
عهدة) ، وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام (قضى عليّ عليهالسلام أنه ليس في إباق العبد عهدة إلا أن يشترط المبتاع) .
نعم لو أبق عند
البائع قبل قبض المشتري كان للمشتري فسخ العقد بخيار العيب ، لأن الإباق عيب بلا
خلاف فيه لخبر أبي همام (سمعت الرضا عليهالسلام يقول : يردّ المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام
والبرص ، فقلت : كيف يردّ من أحداث السنة؟ قال : هذا أول السنة فإذا اشتريت مملوكا
فحدث به حدث من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه ، فقال له محمد
بن علي : فالإباق؟ قال : ليس الإباق من ذا ، إلا أن يقيم البينة أنه كان أبق عنده
ـ أي البائع ـ) .
(٥) على مذهب
الأكثر ، لأن عدم الحيض لا يكون حينئذ إلا لعارض ، ويترتب عليه عدم قبولها للحمل وانحراف
مزاجها ، ويدل عليه صحيح داود بن فرقد (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة
أشهر ، وليس بها حمل ، فقال : إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ
منه) (.
وخالف ابن إدريس
بناء على أصله من المنع بالعمل بخبر الواحد وهو ضعيف.
__________________
(عيب) ويظهر من العبارة الاكتفاء بوقوع الإباق مرّة قبل العقد (١)
، وبه صرح بعضهم ، والأقوى اعتبار اعتياده ، وأقل ما يتحقق بمرتين ، ولا يشترط
إباقه عند المشتري (٢) ، بل متى تحقق ذلك عند البائع جاز الرد ، ولو تجدد عند
المشتري في الثلاثة (٣) من غير تصرّف فهو كما لو وقع عند البائع ، ولا يعتبر في
ثبوت عيب الحيض مضي ستة أشهر (٤) كما ذكره جماعة ، بل يثبت بمضي مدة تحيض فيها
أسنانها (٥) في تلك البلاد ، (وكذا الثفل (٦) بضم المثلثة وهو ما استقر تحت المائع من كدرة (في الزيت) وشبهه (غير المعتاد) (٧). أما المعتاد منه فليس بعيب ،
______________________________________________________
(١) كما ذهب إليه
العلامة في التذكرة والمحقق في الشرائع وثاني المحققين في جامعه لظهور الأخبار
المتقدمة في أن مطلق الإباق عيب ، وهو يتحقق بالمرة ، ولأن الإقدام عليه يوجب
الجرأة عليه ويصير للشيطان عليه سبيل ، وشرط بعض الأصحاب اعتياده وهو اللائح من
مبسوط الشيخ كما قيل ومال إليه الشارح في المسالك وقواه هنا ، وأقل ما يتحقق
بمرتين.
(٢) قد تقدم
الكلام فيه.
(٣) أي ثلاثة أيام
التي هي خيار الحيوان.
(٤) ن سب ذلك إلى
جماعة لوروده في الخبر المتقدم ، وردّ بأن هذا قد ورد في السؤال فقط ، والجواب لم
يتقيد به ولم يجعل الحكم دائرا مداره ليكون قيدا فيه.
(٥) أي نظيراتها.
(٦) قال في مصباح
المنير : (الثفل مثل قفل حثالة الشيء ، وهو الثخين الذي يبقى أسفل الصافي).
(٧) فهو عيب بلا
خلاف فيه لكونه عيبا عرفا ، ولخبر ميسّر بن عبد العزيز عن أبي عبد الله عليهالسلام (قلت له : رجل
اشترى زق زيت فوجد فيه درديا ، فقال : إن كان يعلم أن ذلك يكون في الزيت لم يردّه
، وإن لم يكن يعلم أن ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه).
وهو صريح بأنه مع
العلم بالثفل غير المعتاد لا خيار له ، لأن اقدامه مع العلم رضا منه بالمعيب ،
ويستثنى من ذلك ما لو جرت العادة بكون الزيت فيه مقدار من الثفل ، فلا شبهة أن
الزيت مع هذه العادة تكون له طبيعة ثانية فلو خرج الزيت وفيه ثفل متعارف فلا عيب
لتطابقه مع هذه الطبيعة الثانوية.
لاقتضاء طبيعة
الزيت وشبهه كون ذلك فيه غالبا ، ولا يشكل صحة البيع مع زيادته عن المعتاد (١)
بجهالة قدر المبيع المقصود بالذات فيجهل مقدار ثمنه لأن مثل ذلك غير قادح مع معرفة
مقدار الجملة كما تقدم في نظائره.
(التاسع ـ خيار التدليس) (٢) وهو تفعيل من الدلس محركا (٣) ، وهو الظلمة كأنّ المدلّس
يظلم الأمر ويبهمه حتى يوهم غير الواقع ، ومنه (٤) اشتراط صفة فتفوت (٥) ، سواء
كان من البائع أم من المشتري (فلو شرط صفة كمال كالبكارة ،)
______________________________________________________
(١) قال في
المسالك : (وربما أشكل الحكم فيما لو كان ـ الثفل ـ كثيرا وعلم به باعتبار الجهل
بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر ، والمشاهدة في مثل ذلك غير كافية ، وربما اندفع
بأن معرفة الجميع كافية كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم
بالتفصيل) انتهى.
(٢) قال في مصباح
المنير : (دلس البائع تدليسا ، كتم عيب السلعة من المشتري وأخفاه قاله الخطابي
وجماعة ، ويقال أيضا : دلس دلسا من باب ضرب ، والتشديد أشهر في الاستعمال ، قال
الأزهري : سمعت أعرابيا يقول : ليس في الأمر ولس ولا دلس ، أي لا خيانة ولا خديعة
، والدلسة بالضم الخديعة أيضا ، وقال ابن فارس : وأصله من الدلس وهو الظلمة)
انتهى.
(٣) على قول ابن
فارس.
(٤) أي من التدليس
، هذا واعلم أن صريح عبارة الخطابي وغيره من أهل اللغة ، وغيره من الفقهاء
كالمسالك أن التدليس هو إخفاء عيب السلعة ، وأن عبارة الأزهري أن التدليس هو
الخدعة والخديعة ، والثاني أعم لأن الخديعة كما تتحقق بإخفاء عيب في السلعة تتحقق
بإظهار السلعة على صفة كمالية ليست فيها ، فالخديعة في الثاني بالإظهار ، وفي
الأول بالاخفاء.
وبما أن الأول من
موارد خيار العيب خصّ التدليس بالثاني وهو إظهار شيء في السلعة على خلاف واقعها.
فالتدليس إيهام
المشتري أن السلعة على صفة كذا ثم يتبين أنها ليست كذلك ، وايجاب العقد على
المشتري ضرر عليه وهو منفي بالإضافة إلى النصوص الواردة في بعض موارد التدليس
كالشاة على ما سيأتي بيانه ، فالتدليس يوجب له خبار الفسخ ، وبتسلطه على الفسخ
يرتفع عنه الضرر ، ولا دليل على الأرش هنا بل يظهر من الجواهر الاجماع عليه.
(٥) فلو اشترط
المشتري صفة كمال في المثمن ، أو البائع صفة كمال في الثمن ففاتت كان ـ
(أو توهمها) المشتري كمالا ذاتيا (١) (كتحمير الوجه ،
ووصل الشعر فظهر الخلاف ، تخير) بين الفسخ والإمضاء بالثمن ، (ولا أرش) لاختصاصه (٢) بالعيب ، والواقع ليس بعيب ، بل فوات أمر
زائد ، ويشكل ذلك في البكارة (٣) من حيث إنها بمقتضى الطبيعة وفواتها نقص يحدث على
الأمة ويؤثر في نقصان القيمة تأثيرا بينا فيتخير بين الرد والأرش ، بل يحتمل
ثبوتهما وإن لم يشترط (٤) ، لما ذكرناه خصوصا
______________________________________________________
ـ للمشترط خيار
الاشتراط ، وهو يوجب الفسخ أو الامساك من دون أرش ، إلا أن هذا المورد أيضا من
موارد خيار التدليس ، والفرق بينهما على ما قاله سيد الرياض : (والفرق بين خيار
التدليس وخيار الاشتراط ، أي تخلف الشرط ، أن خيار التدليس إنما هو فيما شرط صفة
كمال للمبيع فظهر خلافه ، والاشتراط إنما هو فيما شرط غير ما هو كمال ، ولو كان
وصفا ، أو شرط ما ليس بوصف أصلا ، هذا مع الاشتراط ، وأما بدونه فالفرق ظاهر).
(١) كما لو
اشتراها أنها محمرة أو ذات شعر بدون اشتراط ، فبانت أنها ليست كذلك ، فالمشهور على
أنها تدليس فيثبت له خياره ، وذهب الشيخ في الخلاف أنه لا خيار له ، لأنه لا دليل
عليه ، ووجوب الوفاء بالعقد ينفيه ، وردّ بأن الأغراض تختلف في ذلك فربما رغب
المشتري فيما شاهد أولا ولم يسلم له فيكون مخدوعا بما رأى.
(٢) أي اختصاص
الأرش ، وقد تقدم الكلام فيه.
(٣) أي يشكل عدم
ثبوت الأرش في البكارة ، لأن البكارة أمر تقتضيه الطبيعة الأنوثية ، ففواتها عيب ،
فلا بد من إثبات خيار العيب له الموجب للفسخ أو الامساك مع الأرش ، وثانيا أن فوات
البكارة نقص في الأمة ولذا ينقص من قيمتها شيء بيّن من المالية ، وهذا كاشف عن
كون عدم البكارة عيبا ، فلا بد من ثبوت من خيار العيب للمشتري لينجبر الضرر الواقع
عليه.
(٤) أي يحتمل ثبوت
الرد والأرش وإن لم يشترط البكارة لما تقدم ، هذا وذهب المشهور أن الثيبوبة ليست
عيبا في الإماء ، لأن أكثر الإماء لا يوجدن إلّا ثيبات ، فتكون الثيبوبة بمنزلة
الخلقة الأصلية وإن كانت عارضة.
وفيه : إن هذا
ثابت في خصوص المجلوب من بلاد الشرك فلا يوجب كون الطبيعة في الجميع قائمة على عدم
البكارة ، وأيضا لو سلم كون الطبيعة في الإماء على عدم البكارة فلا تجري في
الصغيرة التي ليست محل الوطء ، فإن أصل الخلقة والغالب فيها البكارة فتكون
الثيبوبة عيبا.
وذهب ابن البراج
وصاحب الجواهر إلى أن عدم البكارة مطلقا عيب باعتبار أن كلما زاد ـ
في الصغيرة التي
ليست محل الوطء ، فإن أصل الخلقة والغالب متطابقان في مثلها على البكارة فيكون
فواتها عيبا وهو في الصغيرة قويّ وفي غيرها متّجه إلا أن الغالب لمّا كان على
خلافه في الإماء كانت الثيوبة فيهن بمنزلة الخلقة الأصلية وإن كانت عارضة.
وإنما يثبت الحكم
مع العلم (١) بسبق الثيبوبة على البيع بالبينة ، أو إقرار البائع ، أو قرب زمان
الاختيار إلى زمان البيع بحيث لا يمكن تجدّد الثيبوبة فيه عادة ، وإلا فلا خيار ،
لأنها قد تذهب بالعلة والنزوة وغيرهما (٢) ، نعم لو تجددت في زمن خيار الحيوان ،
أو خيار الشرط ترتب الحكم (٣).
ولو انعكس الفرض
بأن يشترط الثيبوبة فظهرت بكرا فالأقوى تخيره (٤) أيضا بين الرد والإمساك بغير أرش
، لجواز تعلّق غرضه بذلك فلا يقدح فيه كون البكر أتم غالبا.
______________________________________________________
ـ عن الخلقة
الأصلية أو نقص فهو عيب ، والخلقة الأصلية تقتضي البكارة ، فعدمها يكون عيبا وهو
الأقوى.
(١) لو شرط
المشتري صفة البكارة ففاتت ، فلا بدّ أن تفوت عند البائع ليكون للمشتري خيار
التدليس أو العيب ، وإنما يثبت فواتها عند البائع بالبينة أو بالاقرار من البائع
أو قرب زمان اختبارها لزمن البيع بحيث لا يمكن تجدد الثيبوبة ، أما لو تأخر زمان
الاختبار فبانت ثيبا فلا يعلم أن الثيبوبة مضمونة على البائع لاحتمال ذهاب البكارة
في ملك المشتري وإن لم يكن بفعله ، كذهابها بقفزة أو بغير ذلك ، ومع الاحتمال لا
يكون العيب مضمونا على البائع.
(٢) فالنزوة هي
الوثبة من نزا أي وثب ، وغيرهما كالحرقوص ، وهو على ما في الصحاح بضم الحاء دويبة
تأكل البيض وتدخل في فروج النساء فتأكل بكارتها.
(٣) فذهاب البكارة
وإن وقع في ملك المشتري ، لكن وقع في زمن خياره فيكون العيب مضمونا على البائع
حينئذ.
(٤) ذهب جماعة من
الفقهاء أن المشترط بالخيار بين الرد والإمساك مجانا عملا بقاعدة الشرط ضرورة أن
هذا منه ، إذ قد يتعلق للمشترط غرض بالثيبوبة لعجزه عن افتضاض البكر.
وذهب الشيخ في
المبسوط والفاضل في التحرير أنه لا خيار له ، لكون المعطى له أزيد قيمة مما اشترط.
(وكذا التصرية) (١) وهو جمع لبن الشاة وما في حكمها في ضرعها بتركها بغير حلب
، ولا رضاع فيظن الجاهل بحالها كثرة ما تحلبه فيرغب في شرائها بزيادة وهو تدليس
محرم ، وحكمه ثابت (للشاة) إجماعا ، (والبقرة والناقة) على المشهور (٢) ، بل قيل : إنه إجماع ، فإن ثبت فهو الحجة
، وإلا فالمنصوص الشاة ،
______________________________________________________
(١) ففي مصباح
المنير : (صريت الناقة صرى فهي صرية ، من باب تعب ، إذا اجتمع لبنها في ضرعها ،
ويتعدى بالحركة فيقال : صريتها صريا ـ إلى أن قال ـ فيقال : صرّيتها تصرية ، إذا تركت
حلبها فاجتمع لبنها في ضرعها) وكذا عن القاموس ، وفي الصحاح : (صريت الشاة تصرية
إذا لم تحلبها أياما) ولم يذكر غير الشاة.
وهو تدليس محرم ،
وفي المسالك أنه موضع وفاق ، وعليه أخبار.
منها : خبر الصدوق
في معاني الأخبار بإسناده عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (لا تصروا الإبل
والبقر والغنم ، من اشترى مصري فهو بآخر النظرين ، إن شاء ردها وردّ معها صاعا من
تمر) وقال الصدوق عقيبه : (المصراة يعني الناقة أو البقرة أو الشاة قد صرى اللبن
في ضرعها ، يعني : حبس وجمع ولم يحلب أياما) وروى الصدوق في خبر آخر (من اشترى
محفلة فليرد معها صاعا ، وسميت محفلة لأن اللبن جعل في ضرعها واجتمع ، وكل شيء
كثرته فقد حفلته) ، ومن القريب أن يكون التفسير من الصدوق عليه الرحمة.
والنبوي المروي في
الدعائم (أنه نهى عن التصرية وقال : من اشترى مصراة فهي خلابة ـ أي مخادعة ـ فليردها
إن شاء إذا علم ويرد معها صاعا من تمر) ، والنبوي المروي في الغوالي (من اشترى شاة مصراة فهو
بالخيار ثلاثة أيام ، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من التمر) .
(٢) أما في الشاة
فقطعا بلا خلاف وللنصوص المصرّحة بالشاة ، وأما في الناقة والبقرة فعلى المشهور ،
بل عن الشيخ دعوى الاجماع عليه ، وللنبوي المروي في معاني الأخبار المتقدم ،
والنبوي المروي في الدعائم والمتقدم أيضا (من اشترى مصراة) ، وللعلة الموجبة
للخيار في الشاة فهي مشتركة بينها وبين غيرها من الناقة والبقرة.
وتردد المحقق
وجماعة لعدم النص عندنا وإنما النصوص المتقدمة عامية ولذا قيل إن خبر ـ
__________________
وإلحاق غيرها بها
قياس ، إلا أن يعلّل بالتدليس العام فيلحقان بها. وهو متجه ، وطرّد بعض الأصحاب (١)
الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي ، وفي الدروس أنه ليس بذلك البعيد للتدليس.
وتثبت التصرية (٢)
إن لم يعترف بها البائع ولم تقم بها بينة (بعد اختبارها
ثلاثة أيام) فإن اتفقت فيها
الحلبات عادة ، أو زادت اللاحقة فليست مصرّاة وإن اختلفت في الثلاثة فكان بعضها
ناقصا عن الأولى نقصانا خارجا عن العادة ، وإن
______________________________________________________
ـ الصدوق إنما هو
من طرق الجمهور ، والقدر المتيقن منها الشاة ، لأن المنصوص عندنا هو الشاة فقط كما
في خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى شاة
فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، فقال : إن كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها ردّ
معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء) (.
وفيه : إن خبر
الحلبي لا يدل على التصرية ، بل على خيار الحيوان وحكم الانتفاع بلبنها في زمن
الخيار وهو أجنبي عن المدعى ، وإنما عمدة الحكم في التصرية النصوص العامية التي
تقدم بعضها وهي منجبرة بعمل الأصحاب ، وكون بعضها قد اقتصر على ذكر الشاة فقط ،
فالبعض الآخر قد صرّح بالناقة والبقر وبعض ثالث قد أطلق ، والاطلاق يشمل الشاة
وغيرها.
(١) وهو ابن الجنيد
حيث طرّد الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي ، وفي بعض الأخبار المتقدمة مثل
النبوي المروي في الدعائم (من اشترى مصراة) ما يدل عليه ، والخيار مناسب للتدليس ،
وفي الدروس أنه ليس ببعيد.
(٢) قال في
الجواهر : (وكيف كان فتختبر المصراة للعلم تبصريتها التي لم يقرّ بها البائع ولا
قامت بها البينة ثلاثة أيام ، كما في القواعد والتذكرة واللمعة والارشاد ، فإنها
غالبا بها ينكشف حالها ، وأنها مصراة أو لا ، بل أغلب أحوال عيوب الحيوان تنكشف
فيها فضلا عن التصرية ، ولذا وضع الشارع إرفاقا بالمشتري ثلاثة أيام خيار فيه)
انتهى ، والنبوي المروي في الغوالي المتقدم يدل على ثلاثة أيام فلا داعي للتمسك
بالاعتبار كما في الجواهر.
هذا من جهة ومن
جهة أخرى فكيفية الاختبار أن تختبر ثلاثة أيام فإن اتفقت الحلبات اتفاقا تقريبيا
لا يخرج عن العادة بحسب حالها ونفسها ومكانها فليست مصراة ، وإن ـ
__________________
زاد بعدها في
الثلاثة يثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور ، ولو ثبتت بالإقرار ، أو
البينة جاز الفسخ من حين الثبوت مدة الثلاثة ، ما لم يتصرف (١) بغير الاختبار بشرط
النقصان (٢) فلو تساوت ، أو زادت هبة من الله تعالى فالأقوى زواله ، ومثله (٣) ما
لو لم يعلم بالعيب حتى زال.
(ويردّ معها) إن اختار ردّها (اللبن) الذي حلبه منها (٤) (حتى المتجدد) منه
______________________________________________________
ـ اختلفت الحلبات
في الثلاثة بحيث كانت ما عدا الأولى أقل فهي مصراة ، وهذا كله إذا لم يثبت كونها
مصراة إلا بالاختبار ، وإلا فيثبت تصريتها أيضا بإقرار البائع وبالبينة ، وإذا ثبت
تصريتها بالاقرار أو البينة فله الخيار قبل مضي الثلاثة ، وإذا ثبت بالاختبار فله
الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور ، لأن الفسخ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على
القدر المتيقن وهو الفورية ، نعم لا داعي لتوقف ثبوت الخيار على مضي ثلاثة أيام بل
يثبت الخيار عند تحقق التصرية بالاختبار ، فلو تحقق التصرية فيثبت له الخيار حينئذ
، إلا أن يكون الاختبار لا يفيد التصرية إلا في مدة ثلاثة أيام وهو بعيد.
(١) فلو تصرف بغير
الاختبار يسقط خياره ، لأن التصرف مسقط للخيار على ما تقدم في خيار الحيوان وغيره
، والكلام المتقدم هناك جار هنا.
(٢) أي لو ثبتت
التصرية باقرار البائع أو بالبينة فله الخيار بشرط نقصان الحلبات المتأخرة عن
الحلبة الأولى ، وإلا فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى فالمشهور على زوال خياره
حينئذ لزوال الموجب له ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى بقاء الخيار لإطلاق النصوص
المتقدمة.
(٣) فيسقط الخيار
حينئذ لزوال سببه كسقوط خيار التدليس بانتفاء التصرية عند ما حلبها من أول حلبة.
(٤) أما اللبن
الموجود حال العقد فيجب رده بحسب القواعد ، لأنه بعض المبيع ، لأن المشتري إذا فسخ
عليه رد جميع المبيع ، واللبن منه في المقام ، ولازمه لو تلف يردّ مثل اللبن أو
قيمته على المشهور ، لأن اللبن مثلي فمع تلفه يضمن مثله ، ومع تعذره يضمن قيمته ،
لأن القيمة هي الأقرب إلى العين حينئذ.
وعن الاسكافي
والشيخ والقاضي وأبي المكارم وابن سعيد أنه يرد صاعا من تمر للأخبار المتقدمة.
وعن الشيخ أيضا
وجماعة أنه يرد ثلاثة أمداد من الطعام لخبر الحلبي المتقدم ، وقد عرفت أن خبر
الحلبي المتقدم ناظر إلى خيار الحيوان لا إلى خيار التدليس ، بل هو غير ناظر إلى
اللبن الموجود في ضرعها حال العقد ، بل إلى المتجدد فراجع. ـ
بعد العقد ، أو (مثله لو تلف). أما رد الموجود فظاهر لأنه جزء من المبيع ، وأما المتجدد فلإطلاق النص بالرد
الشامل له.
ويشكل بأنه نماء
المبيع الذي هو ملكه والعقد إنما ينفسخ من حينه والأقوى عدم رده ، واستشكل في
الدروس ، ولو لم يتلف اللبن (١) لكن تغير في ذاته أو صفته بأن عمل جبنا ، أو مخيضا
ونحوهما ففي رده بالأرش إن نقص (٢) ، أو مجانا (٣) ، أو الانتقال إلى بدله (٤)
أوجه : أجودها الأول.
واعلم أن الظاهر
من قوله : بعد اختبارها ثلاثة : ثبوت الخيار المستند إلى الاختبار بعد الثلاثة كما
ذكرناه سابقا ، وبهذا يظهر الفرق بين مدة التصرية ، وخيار الحيوان ، فإن الخيار في
ثلاثة الحيوان فيها ، وفي ثلاثة التصرية بعدها ، ولو
______________________________________________________
ـ والأول هو
الأقوى إعمالا للقواعد بعد ضعف أخبار التصرية لأنها عامية ، وانجبارها بعمل
الأصحاب لا يوجب العمل بكون الصاع مكان اللبن مطلق لاحتمال أن يكون الصاع هو
القيمة الفعلية للبن الموجود في ضرعها عادة عند التصرية في زمن صدور هذه الأخبار.
وأما اللبن
المتجدد بعد العقد فعن الفخر أنه كاللبن الموجود حال العقد فلا بد من رده وإلا ضمن
مثله أو قيمته ، ونسب الحكم إلى الأصحاب ، وفيه : إن الفسخ فسخ للعقد من حينه
فاللبن المتجدد هو نماء المبيع الذي هو ملك المشتري قبل الفسخ ، ولذا لو امتزج
المتجدد وبالموجود حال العقد ثم فسخ المشتري ، صار البائع والمشتري شريكين فيه
ورجعا إلى الصلح.
(١) أي لم يتلف
اللبن الذي وجب رده إلى البائع ، بل تغير في ذاته أو صفته ، والتغير في الأول لو
دخل اللبن في جنس آخر بحيث لا يسمى لبنا بل جنبا أو أقطا أو سمنا ، والتغير في
الثاني كالحلاوة والطراوة.
(٢) أما رده لأنه
عين ماله ولا ينتقل إلى البدل إلا مع تعذر العين ، والمفروض عدمه ، وأما الأرش مع
النقصان فلأنه نقص حصل في مال الغير بسببه فلا بد من جبره كما في سائر المتلفات.
(٣) لأن النقص
الحاصل في مال البائع وإن كان بسبب المشتري ، إلا أن البائع هو الذي أدخل النقص
على نفسه حيث دلّس المبيع بالتصرية فكان سبب النقص.
(٤) لأن العين غير
موجودة على ما كانت عليه فلا بد من مثلها وإلا فالقيمة.
ثبت التصرية بعد
البيع بالإقرار ، أو البينة فالخيار ثلاثة (١) ، ولا فورية فيها على الأقوى (٢)
وهو اختياره في الدروس.
ويشكل حينئذ الفرق
(٣) ، بل ربما قيل : بانتفاء فائدة خيار التصرية حينئذ (٤) لجواز الفسخ في الثلاثة
بدونها (٥).
ويندفع بجواز تعدد
الأسباب وتظهر الفائدة فيما لو أسقط أحدهما ، ويظهر من الدروس تقييد خيار التصرية
بالثلاثة مطلقا (٦). ونقل عن الشيخ أنها (٧) لمكان خيار الحيوان.
ويشكل بإطلاق
توقفه (٨) على الاختبار ثلاثة فلا يجامعها حيث لا تثبت بدونه (٩) ، والحكم بكونه
يتخير في آخر جزء منها يوجب المجاز في الثلاثة (١٠).
______________________________________________________
(١) ويدل عليه
النبوي المروي في العوالي وقد تقدم.
(٢) للاقتصار على
القدر المتيقن.
(٣) بين الخيار
الثابت بالتصرية التي ثبتت بالاقرار أو البينة. وبين خيار الحيوان.
(٤) حين ثبوت خيار
الخيار.
(٥) بدون التصرية.
(٦) سواء ثبتت
التصرية بالاختبار أم بالاقرار أو البينة.
(٧) أي التصرية
والمراد بها خيار التصرية ، والمعنى أن خيار التصرية مكان خيار الحيوان وعليه فهو
مقيد بالأيام الثلاثة.
(٨) أي أن خيار
التصرية ثلاثة أيام مطلقا ينافي القول بكون مدة الاختبار ثلاثة ، لأن مفاد القول
الأول سقوط الخيار بانقضاء الثلاثة ، ومفاد القول الثاني أنه يثبت بعد الثلاثة ،
فإطلاق توقف خيار التصرية على الاختبار ثلاثة أيام لا يجامع مع هذه الأيام التي هي
مدة الاختبار.
(٩) حيث لا تثبت
التصرية بدون الاختبار.
(١٠) لأن التخيير
في آخر جزء من الثلاثة فإطلاق الثلاثة عليه إطلاق مجازي ، ويوجب المجاز أيضا في
ثلاثة أيام الاختبار ، إذ تطلق ويراد منها ما عدا الجزء الأخير الذي هو زمن
الخيار.
__________________
[العاشر ـ خيار
الاشتراط] (العاشر ـ خيار الاشتراط (١) حيث لا يسلم الشرط لمشترطه بائعا ومشتريا ، (ويصح اشتراط سائغ في العقد (٢) إذا لم يؤدّ إلى جهالة في أحد العوضين ، أو
يمنع منه الكتاب والسنة) ، وجعل ذلك شرطا بعد قيد السائغ تكلف (٣) (كما لو شرط تأخير
المبيع) في يد البائع ، (أو الثمن) في يد المشتري (ما شاء) كل واحد منهما ، هذا مثال ما يؤدي إلى جهالة في أحدهما ،
فإن الأجل له قسط من الثمن ، فإذا كان مجهولا يجهل الثمن ، وكذا القول في جانب
المعوّض ، (أو عدم وطء)
______________________________________________________
(١) بحيث شرط
أحدهما على الآخر شرطا ولم يف المشترط عليه بالشرط ، والفرق بينه وبين خيار الشرط
أن هنا يشترط شيئا ثم يفوت ، وبفواته يثبت له الخيار ، وهناك يشترط نفس الخيار على
أن يكون له ، ويدل عليه عموم (المسلمون عند شروطهم) .
(٢) وضابط السائغ
أن لا يكون مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن ، ولا مخالفا للكتاب أو السنة ، وقد
نسب هذا المعنى للضابطة إلى الأصحاب.
أما الأول كاشتراط
تأجيل أحدهما مدة مجهولة ، ويدل على بطلانه أن العوضين مما يشترط معلوميتهما ،
وللأجل قسط من الثمن وهو مجهول ، فيتجهل العوضان أو أحدهما.
وأما الثاني فيدل
عليه أخبار.
منها : صحيح عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (المسلمون عند
شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز) ، وخبره الآخر عنه عليهالسلام (من اشتراط شرطا
مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند
شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل) ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث : (وإن كان شرطا يخالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ إلى كتاب الله عزوجل) ، وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهالسلام (أن عليا بن أبي
طالب كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليفه لها به ، فإن المسلمين عند شروطهم إلا
شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما) .
(٣) أي جعل ـ عدم
مخالفة الكتاب أو السنة ، وعدم التأدية إلى الجهالة ـ شرطا بعد قوله (سائغ) تكلف ،
لأن لفظ السائغ هو غير الممنوع شرعا ، وهما ممنوعان شرعا.
__________________
(الأمة ، أو) شرط (وطء البائع إياها) بعد البيع مرة ، أو أزيد ، أو مطلقا ، هذه أمثلة ما يمنع
منه الكتاب والسنة.
(و) كذا (يبطل) الشرط (باشتراط غير المقدور) (١) للمشروط عليه (كاشتراطه حمل
الدابة فيما بعد ، أو أنّ الزرع يبلغ السنبل) (٢) ، سواء شرط عليه أن يبلغ ذلك بفعله أم بفعل الله (٣) ،
لاشتراكهما في عدم المقدورية.
(ولو شرط تبقية الزرع) في الأرض إذا بيع أحدهما دون الآخر (إلى أوان السنبل جاز) ، لأن ذلك مقدور له ، ولا يعتبر تعيين مدة البقاء (٤) بل يحمل على المتعارف
من البلوغ ، لأنه منضبط.
(ولو شرط غير السائغ بطل) الشرط (وأبطل العقد) (٥) في أصح القولين ،
______________________________________________________
(١) لأن شرط مخالف
للكتاب لقوله تعالى : (لٰا يُكَلِّفُ
اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا) .
(٢) أي يجعل الزرع
سنبلا والرطب تمرا.
(٣) فجعل الزرع
سنبلا بفعل البائع هو غير مقدور له كما هو واضح ، وأما جعل الله الزرع سنبلا فهو
مقدور لله جل وعلا ، إلا أن فعل الله لا يقع تحت قدرة البائع.
(٤) قال في
المسالك : (وهل يشترط تعيين المدة أم يحال على المتعارف من البلوغ لأنه مضبوط عرفا
، الظاهر الاكتفاء بالثاني ، وإطلاقهم يدل عليه) انتهى.
(٥) أما بطلان
الشرط فمحل اتفاق وقد تقدم دليله لأنه غير سائغ ، وأما إبطال العقد المشتمل عليه
فقولان ، ففي الإسكافي والشيخ والقاضي وابني سعيد وزهرة وجماعة صحة العقد ، لأن
التراضي قد تعلق بكليهما فإذا امتنع أحدهما بقي الآخر ، ويؤيده صحيح الحلبي عن أبي
عبد الله عليهالسلام (عن أمة كانت تحت
عبد فاعتقت الأمة قال : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت
نفسها منه ، وقال : وذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة
وأعتقها فخيّرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : إن شاءت أن تقر عند زوجها ، وإن شاءت فارقته ، وكان
مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولائها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الولاء لمن اعتق) وظاهر الخبر صحة عقد البيع مع فساد الشرط.
وعن الفاضل وولده
والشهيدين وجماعة فساد البيع بفساد الشرط لأن التراضي لم يقع إلا ـ
__________________
لامتناع بقائه
بدونه ، لأنه غير مقصود بانفراده ، وما هو مقصود لم يسلم ، ولأن للشرط قسطا من
الثمن فإذا بطل يجهل الثمن. وقيل : يبطل الشرط خاصة لأنه الممتنع شرعا دون البيع ،
ولتعلق التراضي بكل منهما. ويضعف بعدم قصده منفردا ، وهو شرط الصحة.
(ولو شرط عتق المملوك) الذي باعه منه (جاز) (١) ، لأنه شرط سائغ ، بل راجح ، سواء شرط عتقه عن المشتري أم
أطلق (٢) ، ولو شرط عنه (٣) ففي صحته قولان : أجودهما المنع ، إذ لا عتق إلا في
ملك ، (فإن أعتقه) فذاك ، (وإلا تخير البائع) (٤) بين فسخ البيع ، وإمضائه ، فإن فسخ استرده ، وإن انتقل
قبله عن ملك المشتري (٥) ، وكذا يتخير لو مات قبل العتق فإن فسخ رجع بقيمته يوم
التلف ،
______________________________________________________
ـ على المجموع من حيث
هو مجموع ، فإذا بطل بعضه انتفى متعلق التراضي فيكون الباقي تجارة لا عن تراض ،
وبعبارة أخرى فالتراضي وقع على المقيد ومع انتفاء القيد ينتفي المقيد ، والعقود
تابعة للقصود فالعقد المقيد لم يقع وهو مقصود ، وما وقع هو غير المقيد وهو غير
مقصود.
(١) لو شرط البائع
على المشتري أن يبيعه العبد وإذا أصبح العبد ملكا للمشتري أن يعتق المشتري العبد
حينئذ عن نفسه ، وهو جائز بلا خلاف لأنه شرط غير مخالف للكتاب والسنة فيجب الوفاء.
(٢) فلو أطلق
البائع فينصرف عتق العبد على المشتري لأنه (لا عتق إلا في ملك) والعبد ملك المشتري فعتقه المشروط منصرف إلى كونه عن
المشتري.
(٣) عن البائع ،
وفي التذكرة : (يجوز اشتراطه عتقه عن البائع عندنا خلافا للشافعي ، لأنه شرط لا
ينافي الكتاب والسنة) وذهب الفاضل في القواعد والمقداد والشهيدان إلى عدم الجواز (لأنه
لا عتق إلا في ملك) كما تقدم ، وهو يوجب كون العبد في ملك من يعتق عنه مع أن العبد
قد خرج عن ملك البائع ، وفيه : إن الخبر دال على كون المعتق هو المالك ، ولا يدل
على كون المعتق عنه هو المالك فلا تغفل.
(٤) إذا لم يلتزم
المشتري بالشرط المشروط عليه من العتق فللبائع خيار الاشتراط بين الفسخ والإمضاء من
دون أرش ، لأن الأرش مختص بالعيب وهو منفي هنا.
(٥) أي وإن انتقل
العبد عن ملك المشتري ببيع مثلا قبل الفسخ ، فمع الفسخ تبطل تلك ـ
__________________
لأنه وقت الانتقال
إلى القيمة ، وكذا لو انعتق قهرا (١) ، (وكذا كل شرط لم
يسلم) لمشترطه فإنه (يفيد تخيره) بين فسخ العقد المشروط فيه ، وإمضائه ، (ولا يجب على
المشترط عليه فعله) (٢) ، لأصالة العدم ، (وإنما فائدته جعل
البيع عرضة للزوال) بالفسخ (عند عدم سلامة الشرط ، ولزومه) أي البيع (عند الإتيان به) ، وقيل : يجب الوفاء بالشرط ولا يتسلط المشروط له على
الفسخ إلا مع تعذر وصوله إلى شرطه (٣) ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقد الدال على
الوجوب ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : المؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله (٤) ، فعلى هذا لو
امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط ولم يمكن إجباره رفع أمره إلى الحاكم ليجبره
عليه إن كان مذهبه ذلك ، فإن تعذر (٥) فسخ حينئذ إن شاء.
وللمصنف رحمهالله في بعض تحقيقاته تفصيل (٦) : وهو أن الشرط الواقع
______________________________________________________
ـ العقود المترتبة
على العبد فلكونه في ملك المشتري ، وفيه : إنه يمكن القول بصحة العقود الواقعة في ملك
المشتري وإن فسخ البائع ، غايته مع الفسخ يرجع البائع إلى القيمة كما لو كان
تالفا.
(١) فيرجع البائع
إلى القيمة حينئذ.
(٢) أي فعل الشرط
، والمعنى أنه لو امتنع المشترط عليه من فعل الشرط وكان المشروط له القدرة على
اجباره فهل يجبره على الشرط ، قيل : ولم ينسب إلا إلى الشهيد أنه لا يجبره ، لأن
المشترط عليه لا يجب عليه الوفاء بالشرط لاصالة العدم ، مع كون المشروط له صاحب
وسيلة إلى التخلص بالفسخ ، وتكون فائدة الشرط حينئذ جعل البيع اللازم عرضة للزوال.
وعن المشهور بل عليه الاجماع كما عن الغنية أن المشروط له يجبر المشترط عليه
بالوفاء بالعقد ، لوجوب الوفاء بالشرط لعموم (المسلمون عند شروطهم) المتقدم.
(٣) فلو قدر على
اجباره لزم ولا يثبت له الخيار.
(٤) هذه الزيادة
لم أجدها في الوسائل ومستدركه.
(٥) أي الحاكم ،
وكذا إذا لم يكن مذهبه ذلك فسخ المشروط له إن شاء.
(٦) هذا التفصيل
قائم على التفريق بين شرط النتيجة وشرط الفعل ، فالأول ما كان العقد المتضمن للشرط
كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده إلى صيغة كما لو باعه العبد بشرط الوكالة عنه ،
فإنه يصير وكيلا بمجرد البيع ، والثاني ما كان العقد المتضمن للشرط غير ـ
__________________
في العقد اللازم
إن كان العقد كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به
كشرط الوكالة في العقد وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق
فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا ، وجعل السرّ فيه أن اشتراط «ما العقد
كاف في تحققه (١)» كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ،
واشتراط «ما سيوجد (٢)» أمر منفصل عن العقد ، وقد علّق عليه العقد والمعلّق على
الممكن ممكن وهو معنى قلب اللازم جائزا.
والأقوى اللزوم
مطلقا (٣) ، وإن كان تفصيله أجود مما اختاره هنا (٤).
(الحادي عشر ـ خيار الشركة (٥) ، ..).
______________________________________________________
ـ كاف في تحققه بل
يحتاج بعد العقد إلى عقد حتى يتحقق كما لو باعه العبد بشرط أن يعتق العبد عنه ،
فهذا بحاجة إلى صيغة العتق بعد البيع ، أو أن يبيعه العبد بشرط أن يوكله ، لا أن يصير
وكيلا.
وعلى كل فالشرط
الأول لازم لأن اشتراطه في العقد كاف في تحققه ، لأنه حينئذ جزء من الايجاب
والقبول فيكون تابعا لهما في اللزوم والجواز ، والشرط الثاني ليس بلازم بل يقلب
العقد اللازم جائزا ، لأن العقد قد علّق عليه ، والمعلّق على الممكن ممكن وهو معنى
قلب اللازم جائزا ، وفيه : إنه قد عرفت لزوم الوفاء بالشرط على المشترط عليه فلا
معنى لهذا التفصيل ، هذا فضلا عن أن حصول شرط النتيجة من دون صيغته محل تأمل
وإشكال ، بالإضافة إلى أن شرط الفعل ليس أمرا ممكنا بل أصبح لازما عند تمام العقد
فالقول أن العقد قد علق على الممكن وما هذا شأنه يكون جائزا ليس في محله.
(١) شرط النتيجة.
(٢) شرط الفعل.
(٣) في قبال تفصيل
الشهيد.
(٤) من عدم اللزوم
مطلقا.
(٥) فلو اختلط
المبيع بغيره في يد البائع وقبل قبض المشتري اختلاطا لا يتميز فالمجموع شركة بين
البائع والمشتري ، فلو دفع البائع الجميع إلى المشتري جاز ، ولا كلام مع قبول
المشتري ، وعن الشيخ أنه يجب عليه القبول لأنه زاده فضلا ، وفيه منع ، لأن في قبول
المشتري منة وضررا إذ قد يريد المبيع منفصلا لا مختلطا.
ولو امتنع البائع
من دفع الجميع ، فعن الشيخ أن البيع ينفسخ لتعذر التسليم ، ولأنه كالتلف قبل القبض
، وفيه : أن المبيع أصبح كجزء مشاع ، ويمكن تسليم الجزء المشاع ، ـ
سواء قارنت العقد (١)
، كما لو اشترى شيئا فظهر بعضه مستحقا ، أو تأخرت بعده (٢) إلى قبل القبض كما لو
امتزج المبيع بغيره بحيث لا يتميز فإن المشتري يتخير بين الفسخ لعيب الشركة والبقاء
فيصير شريكا بالنسبة (٣) ، وقد يطلق على الأول (٤) تبعض الصفقة أيضا (٥) (وقد يسمى هذا (٦) عيبا مجازا) لمناسبته للعيب في نقص المبيع بسبب الشركة ، لاشتراكهما في
نقص وصف فيه (٧) ، وهو هنا منع المشتري من التصرف في المبيع كيف شاء ، بل يتوقف
على إذن الشريك فالتسلط عليه ليس بتام ، فكان كالعيب بفوات وصف فيجبر بالخيار ،
وإنما كان إطلاق العيب في مثل ذلك على وجه المجاز ، لعدم خروجه به (٨) عن خلقته
______________________________________________________
ـ وهو ليس كالتالف
وجدانا فالبيع صحيح ، إلا أن المشتري له خيار الشركة لحصول ضرر عليه بخلط ما
اشتراه بغيره إذ قد يريده منفصلا ، وقد يوجب الاختلاط نقصان القيمة السوقية للمبيع
، والضرر منفي فيثبت للمشتري خيار بين الفسخ والإمساك وبه يرتفع الضرر ، ولا حاجة
إلى إثبات الأرش.
(١) أي قارنت
الشركة العقد ، كما لو اشترى شيئا واحدا أو متعددا وظهر بعضه على نحو المشاع
مستحقا لغير البائع ، فالشركة بين المشتري وذلك الغير حاصلة من حين العقد.
(٢) بعد العقد كما
لو امتزج المبيع بغيره في يد البائع وقبل قبض المشتري.
(٣) أي بنسبة ما
اشتراه إلى الجميع.
(٤) أي ما ظهر بعض
المبيع مستحقا.
(٥) كما يطلق عليه
الشركة فالاسم متعدد والخيار واحد لأنه في كليهما قد ثبت من نفي الضرر.
(٦) أي أن الأمر
الذي أوجبته الشركة في الموردين يسمى عيبا مجازا ، ثم بيّن العلاقة المجازية
المصححة للإطلاق بقوله : لمناسبته للعيب في نقص المبيع ، والمعنى أن الشركة توجب
منع المشتري من التصرف كيفما شاء ، بل يتوقف على إذن الشريك فالتسلط من قبل
المشتري غير تام ، وعدم التسلط نقص في وصف المبيع كما كان العيب نقص في وصف المبيع
لفوات جزء من الخلقة الأصلية.
ولاشتراكهما في
أنهما نقص في وصف المبيع صح إطلاق لفظ أحدهما على الآخر فلذا صح إطلاق لفظ العيب
على الشيء الذي أحدثته الشركة.
(٧) في المبيع.
(٨) أي لعدم خروج
المبيع بما أحدثته الشركة من عدم التسلط التام.
الأصلية (١) ،
لأنه قابل بحسب ذاته للتملك منفردا ومشتركا فلا نقص في خلقته ، بل في صفته على ذلك
الوجه.
(الثاني عشر ـ خيار تعذر التسليم (٢) ، فلو اشترى شيئا ظنّا
إمكان تسليمه) بأن كان طائرا يعتاد عوده ، أو عبدا مطلقا (٣) ، أو دابة مرسلة (٤) (ثم عجز بعده (٥) بأن أبق وشردت ولم يعد الطائر ونحو ذلك (تخير المشتري) ، لأن المبيع قبل القبض مضمون على البائع ، ولمّا لم ينزل
ذلك منزلة التلف (٦) ، لإمكان الانتفاع به على بعض الوجوه جبر بالتخيير فإن اختار
التزام البيع صح.
وهل له الرجوع بشيء
(٧) يحتمله (٨) ، لأن فوات القبض نقص حدث على
______________________________________________________
(١) بخلاف العيب
الذي هو نقصان أو زيادة في الخلقة الأصلية.
(٢) لو تبايعا على
شيء ظنا منهما أنه مقدور على تسليمه ، ثم عجز البائع عن التسليم كما لو غصبت
العين المبتاعة وعرف الغاصب ولا يستطيع البائع انتزاعها منه ، أو أنه باع عبدا
مطلقا بحيث يذهب بغير رقيب ، أو دابة مرسلة ترعى كيفما شاءت ثم عجز البائع عن
تسليمهما ، فإيجاب العقد حينئذ على المشتري وأن ينتظر حتى يستطيع البائع التسليم
ضرر عليه ، وهو منفي ، فيثبت له الخيار بين الإمساك والرد.
(٣) أي يذهب بغير
رقيب.
(٤) ترعى كيفما
شاءت.
(٥) بعد الشراء.
(٦) قد تقدم أن
التلف في المبيع من مال البائع قبل القبض ، ولا بدّ حينئذ من انفساخ العقد من حين
التلف ويرجع المشتري على ثمنه ، غير أن المتعذر تسليمه لم ينزل عندهم منزلة التالف
لينفسخ العقد ، لأن المشتري يمكن له أن يتصرف بالمبيع بما لا يتوقف على قبضه ،
كعتق العبد مثلا في كفارة ، أو بيع المتعذر تسليمه مع الضميمة أو المصالحة ، فلا
ينفسخ العقد ، نعم باعتبار الضرر على المشتري كما تقدم يجبر بالخيار.
(٧) أي لو التزم
المشتري بالعقد فهل يرجع بالأرش ، لأن المبيع المتعذر تسليمه انقص قيمة من غيره.
(٨) أي يحتمل
الرجوع ، لأن النقصان في القيمة الناشئ من تعذر التسليم قد وقع في يد البائع وقبل
قبض المشتري كما هو المفروض ، وهو مضمون على البائع ما دام في يده.
وفيه : إن الأرش
قد ثبت في خيار العيب عملا بالنصوص الخاصة المتقدمة هناك ، وأما هنا فقد ثبت
الخيار بحديث نفي الضرر ، وإثبات الخيار للمشتري بين الفسخ والامساك ـ
المبيع قبل القبض
فيكون مضمونا على البائع. ويضعف بأن الأرش ليس في مقابلة مطلق النقص ، لأصالة
البراءة ، وعملا بمقتضى العقد (١) ، بل في مقابلة العيب المتحقق بنقص الخلقة ، أو
زيادتها كما ذكر ، وهو هنا منفي.
(الثالث عشر ـ خيار تبعّض الصفقة (٢) ، كما لو اشترى سلعتين
فتستحقّ إحداهما) فإنه يتخير بين التزام الأخرى بقسطها من الثمن والفسخ فيها ، ولا فرق في
الصفقة المتبعضة بين كونها متاعا واحدا فظهر استحقاق بعضه ، أو أمتعة كما مثل هنا (٣)
، لأن أصل الصفقة : البيع الواحد سمّي البيع بذلك ، لأنهم كانوا يتصافقون بأيديهم
إذا تبايعوا ، يجعلونه دلالة على الرضاء به (٤) ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعروة البارقي لما اشترى الشاة : «بارك الله لك في صفقة
يمينك» (٥)
______________________________________________________
ـ جابر لهذا الضرر
، لأنه بالفسخ وإرجاع الثمن عليه يرتفع الضرر عنه فلا داعي إلى إثبات الأرش له بعد
ما ارتفع الضرر بالخيار.
وكون تعذر التسليم
موجبا لنقصان قيمة المبيع فصحيح ولكن ليس كل نقصان يوجب الأرش بل النقص في الخلقة
الأصلية أو زيادتها كما هو ضابط العيب.
(١) ومقتضاه
الوفاء به لقوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) .
(٢) لو اشترى شيئا
واحدا أو متعددا ثم ظهر أن بعض المبيع مستحق للغير ، أو تلف بعض المبيع في يد
البائع بحيث كان للتالف قسط من الثمن ، فالمشتري له خيار تبعض الصفقة لأن إيجاب
العقد عليه ضرر إذ أقدم على أن يسلم له المجموع ولم يسلم وحديث (لا ضرر ولا ضرار) ينفيه فيثبت له الخيار.
(٣) وكذلك لو
اشترى سلعة أو سلعتين وتلف بعض المبيع.
(٤) أي بالبيع ،
قال في المصباح المنير : (وصفقت له بالبيعة صفقا ، ضربت بيدي على يده ، وكانت
العرب إذا وجب البيع ضرب أحدهما يده على يد صاحبه ، ثم استعملت الصفقة في العقد ،
فقيل : بارك الله لك في صفقة يمينك ، قال الأزهري : وتكون الصفقة للبائع والمشتري)
وظاهره أن التصافق بعد البيع ، نعم في الرياض قال في مقام تسمية البيع بالصفقة : (اعتبارا
بما كانوا يصفونه من وضع أحدهما يده في يد صاحبه حال البيع ، أو أنه يصفق أحدهما
يده يد الآخر عند انتهاء العقد).
(٥) وهو خبر عروة
البارقي قال (قدم جلب فاعطاني النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دينارا فقال : اشتر بها شاة، ـ
__________________
وإنما خص تبعض
الصفقة هنا بالسلعتين لإدخاله الواحدة في خيار الشركة ، ولو جعل موضوع تبعض الصفقة
أعم (١) كما هو كان أجود ، وإن اجتمع حينئذ في السلعة الواحدة خياران بالشركة ،
وتبعض الصفقة (٢) ، فقد تجتمع أنواع الخيار أجمع في مبيع واحد ، لعدم التنافي.
(الرابع عشر ـ خيار التفليس) إذا وجد غريم المفلس متاعه فإنه يتخير بين أخذه مقدما على
الغرماء ، وبين الضرب بالثمن معهم.(وسيأتي تفصيله) في كتاب الدين ، (ومثله غريم الميت
مع وفاء التركة) بالدين.
وقيل : مطلقا (٣).
وكان المناسب جعله قسما آخر حيث تحرّى الاستقصاء (٤) هنا لأقسام الخيار بما لم
يذكره غيره.
(الفصل العاشر في
الأحكام : وهي خمسة)
(الأول ـ النقد والنسيئة) أي البيع الحالّ والمؤجل ، سمّي الأول نقدا باعتبار كون
ثمنه منقودا (٥) ...
______________________________________________________
ـ فاشتريت شاتين
بدينار ، فلحقني رجل فبعت أحدهما منه بدينار ، ثم أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بشاة ودينار ، فرده عليّ وقال : بارك الله لك في صفقة
يمينك) .
(١) من السلعتين
والواحدة.
(٢) وقد تقدم أن
مدرك الخيار هو نفي الضرر ، ولا يوجد إلا ضرر واحد وهو خلط ماله بمال مخيره فهو
يوجب خيارا واحدا وإن أوجب عنوانين : الشركة وبنقص الصفقة عليه ، إلا أن يقال : أن
عليه ضررين ، ضرر من ناحية عدم تسلطه التام وضرر من ناحية لم يسلم له جميع المبيع.
(٣) أي وإن لم تف
التركة بالدين.
(٤) فلا بد من جعل
غريم الميت قسما للسجدة على حدة لأنه في صدد الاستقصاء ، وفيه : إن إدراج غريم
الميت مع غريم المفلس في قسم واحد لا ينافي الاستقصاء ، وإنما الذي ينافيه عدم
الذكر لا عدم جعله عنوانا.
(٥) أي مقبوضا قال
في مصباح المنير : (ونقدت الرجل الدراهم بمعنى أعطيته ، فيتعدى إلى ـ
__________________
ولو بالقوة (١) ،
والثاني مأخوذ من النسيء (٢) وهو تأخير الشيء تقوطل : أنسأت الشيء إنساء : إذا
أخّرته ، والنسيئة : اسم وضع موضع المصدر (٣).
واعلم أن البيع
بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق أربعة أقسام :
فالأول «النقد (٤)»
، والثاني «بيع الكالئ بالكالىء» (٥) ، بالهمز اسم فاعل أو مفعول من المراقبة ،
لمراقبة كل واحد من الغريمين صاحبه لأجل دينه (٦).
______________________________________________________
ـ مفعولين ،
ونقدتها له على الزيادة أيضا فانتقدها ، أي قبضها) ، وقال في المسالك : (النقد
مأخوذ من قولك : نقدته الدراهم ، ونقدت له ، أي أعطيته ، فانتقدها أي قبضها ،
والمراد به البيع بثمن حالّ ، فكأنه مقبوض بالفعل أو القوة) انتهى.
(١) فيما لو كان
البيع حالا ، ولم يقبض الثمن بعد ، فيطلق عليه النقد ، لأن قبض الثمن لا مانع من
قبضه من شرط وغيره.
(٢) قال في
المسالك : (والنسيئة مأخوذة من النسيء ، وهو تأخير الشيء ، قال الهروي : سمعت
الأزهري يقول : انسأت الشيء إنساء ونسيا ، اسم وضع موضع المصدر الحقيقي ، والمراد
بها البيع مع تأجيل الثمن وتأخيره) انتهى.
(٣) فالنسيئة
مأخوذة من النسيء ، والنسيء اسم وضع موضع المصدر الذي هو الإنساء.
(٤) وهو فيما لو
كان الثمن والمثمن حالين في البيع.
(٥) قال في مصباح
المنير : (وكلأ الدين يكلأ مهموز بفتحتين كلوءا ، أي تأخر فهو كالئ ، بالهمز ويجوز
تخفيفه مثل القاضي ، وقال الأصمعي : هو مثل القاضي ولا يجوز همزه ، ونهي عن بيع
الكالئ بالكالىء ، أي بيع النسيئة بالنسيئة) انتهى وظاهر عبارته أن بيع الكالئ هو
بيع المتأخر ، وكذا في القاموس والنهاية الأثيرية.
نعم في الصحاح أن
كلأ الدين أي حرسه وراقبه ، فالكالئ هو الحارس والمراقب ، ولذا قال الشارح في
المسالك : (على ما فسره جماعة من أهل اللغة اسم فاعل من المراقبة ، كأن كل واحد من
المتبايعين يكلأ صاحبه ، أي يراقبه لأجل ماله الذي في ذمته ، وفيه إضمار ، ـ أي في
بيع الكالئ ـ أي بيع مال الكالئ بمال الكالئ ، أو اسم مفعول كالدافق فلا إضمار)
انتهى ، والدافق اسم فاعل ويراد به اسم مفعول أي مدفوق ، كمثل : عيشة راضية ، أي
مرضية.
(٦) وفيه : أنه
بهذا المعنى يحتاج إلى الاضمار ، وأما إذا قلنا أنه من كلأ بمعنى تأخر كما صرّح به
جماعة من أهل اللغة فلا حاجة إلى الاضمار ، فيستقيم ظاهر اللفظ بلا تكلف وتقدير.
و «مع حلول المثمن
وتأجيل الثمن» هو «النسيئة».
وبالعكس «السلف».
وكلها صحيحة عدا البيع الثاني (١) ، فقد ورد النهي عنه وانعقد الإجماع على فساده.
(وإطلاق البيع يقتضي كون الثمن حالا (٢) وإن شرط تعجيله) في متن العقد (أكّده) (٣) ، لحصوله بدون الشرط ، (فإن وقّت التعجيل) بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلا (تخير) البائع (لو لم يحصل) الثمن (في الوقت) المعين (٤) ، ولو لم يعين له زمانا لم يفد سوى التأكيد في
المشهور (٥) ، ولو قيل : بثبوته مع الإطلاق أيضا لو أخل به عن أول وقته كان حسنا ،
للإخلال بالشرط (٦).
______________________________________________________
(١) أي بيع الكالئ
بالكالىء وقال في الجواهر (وكلها صحيحة عدا الثاني فقد ورد النهي عنه بلفظ «بيع
الدين بالدين» ، وانعقد الاجماع بقسميه على فساده والرواية التي أشار إليها هي
رواية طلحة بن زيد عن أب عبد الله عليهالسلام (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يباع الدين بالدين) ، وسيأتي له تتمة في بابه.
(٢) وكذا المثمن
بحيث لم يشترط التأجيل في أحد العوضين ، للانصراف عرفا إلى الحالّ ، ولموثق عمار
عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى
جارية بثمن مسمى ثم افترقا ، فقال عليهالسلام : وجب البيع والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد) .
(٣) لأن التعجيل
حاصل بدون الشرط بمقتضى العقد ، فإن اشترط التعجيل فيكون قد أكد مقتضى العقد.
(٤) مثال لاشتراط
تأجيل الثمن ، فلو عيّن البائع مدة الشرط بأن يأتيه بالثمن في يوم ما ، فإن لم يف
المشتري ولم يمكن إجباره على الوفاء كما تقدم فيثبت تسلط البائع على الفسخ بخيار
الشرط.
(٥) بحيث لم يشترط
البائع تعجيل الثمن ولم يوقته بوقت ، فعلى المشهور أنه للتأكيد لما مرّ.
(٦) أي لو قيل :
بتسلط البائع على الفسخ عند اشتراط التعجيل من دون توقيت له إذا أخلّ المشتري
بالشرط عن أول وقته كان حسنا لتخلف الشرط ، هذا وأول وقته هو أول أوقات إمكانه بعد
العقد متصلا به.
__________________
(وإن شرط التأجيل اعتبر ضبط الأجل (١) ، فلا يناط) أي لا يعلق (بما يحتمل الزيادة
والنقصان كمقدم الحاج) أو إدراك الغلّة ، (ولا بالمشترك) بين أمرين (٢) ، أو أمور حيث لا مخصّص لأحدهما (كنفرهم) من منى ، فإنه
مشترك بين أمرين (وشهر ربيع) المشترك بين شهرين فيبطل العقد بذلك ، ومثله التأجيل
______________________________________________________
(١) اعلم أن
اشتراط التعجيل والتأجيل اشتراط لأمر مسائغ فيجب الوفاء به ، ولا خلاف فيهما ، بل
سواء طالت المدة أم قصرت في الثاني لإطلاق الأدلة على المشهور ، وعن الاسكافي منعه
إذا طالت المدة أكثر من ثلاث سنين لخبر أحمد بن محمد (قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إني أريد الخروج إلى بعض الجبال ـ إلى أن قال ـ إنا إذا
بعناهم بنسية كان أكثر للربح ، قال : فبعهم بتأخير سنة ، قلت : بتأخير سنتين ، قال
: نعم ، قلت : بتأخير ثلاث؟ قال : لا) ، وخبره الآخر أنه قال لأبي الحسن الرضا عليهالسلام (إن هذا الجبل قد
فتح على الناس منه باب رزق ، فقال : إن أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة ، وليس
للناس بدّ من معاشهم فلا تدع الطلب ، فقلت : إنهم قوم ملاء ، ونحن نحتمل التأخير
فنبايعهم بتأخير سنة ، قال : بعهم ، قلت : سنتين؟ قال : بعهم ، قلت : ثلاث سنين؟
قال : لا يكون لك شيء أكثر من ثلاث سنين) .
وقد حمل الخبران
على الإرشاد وبذل النصح لا على النهي المولوي المترتب على مخالفته الاثم ، ولذا
قال في الرياض : (ولا فرق في المدة بين القصيرة والطويلة ـ إلى أن قال ـ بلا خلاف
يعلم منا في ذلك إلا ما حكي عن الاسكافي من منعه التأجيل زيادة ثلاث سنين ، والأصل
والعمومات وخصوص إطلاقات الباب يدفعه مع عدم وضوح مستنده) انتهى.
هذا وإذا جاز
اشتراط التأجيل مهما كانت مدته فلا بدّ من ضبط الأجل ، بلا خلاف فيه ، لأنه مع عدم
الضبط يكون بيعا غرريا ، لأن للأجل قسطا من الثمن فمع عدم تعيينه يلزم الجهالة في
نفس الثمن.
(٢) كأن يؤجل
الثمن إلى شهر ربيع ، وهو مشترك بين ربيع الأول وربيع الثاني ، وكذا في جمادي ،
وكذا تأجيل الثمن للنفر من منى ، وهو مشترك بين يوم الثاني عشر من ذي الحجة وبين الثالث
عشر منه.
__________________
إلى يوم معين من
الأسبوع كالخميس (١).
(وقيل (٢) : يصح و (يحمل على الأول) في الجميع (٣) ، لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق
بالأول ، لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد (٤) ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط فلا
يكفي ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما ، أو أحدهما به ، ومع القصد لا إشكال في الصحة وإن
لم يكن الإطلاق محمولا عليه (٥) ، ويحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في
ذلك ، قصداه أم لا ، نظرا إلى كون الأجل الذي عيناه مضبوطا في نفسه شرعا ، وإطلاق
اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعية (٦).
(ولو جعل لحالّ ثمنا ، ولمؤجل أزيد منه (٧) ، أو فاوت بين
أجلين (٨) في
______________________________________________________
(١) هذا مثال
للمشترك بين أمور ، فإنه قد عيّن الخميس ولم يعين أنه من أي أسبوع ، وبتعيين اليوم
لا يتعين الأسبوع.
(٢) وقال في
الجواهر : (لم نظفر بقائله).
(٣) أي جميع أمثلة
المشترك التي ذكرها الشارح ووافقه صاحب الجواهر ، غير أن سيد الرياض قد جعل الخلاف
في المثال الأخير فقط.
(٤) أي يعلما بأن
هذا الاسم المشترك يتحقق بالأول ، وفيه : أن هذا العلم قصد منهما على التعيين ،
وهو قرينة معينة على المعنى الخاص من المشترك فيكون النزاع لفظيا.
(٥) لا عرفا ، لأن
العرف لا يحملون الخميس على أول خميس ، ولا شرعا.
(٦) والمعنى أن
الأجل محدد إلى خميس ، وهو تحديد منضبط فينزل على الحقيقة الشرعية الثابتة في لسان
الشارع ، وهو أول خميس سواء قصداه أم لا ، واشكل عليه في الجواهر : (أنه لا حقيقة
شرعية في المقام ضرورة أن الشارع هنا لو حكم بالانصراف إلى أولهما ، فليس إلا
لاقتضاء العرف فيه ذلك ، وحينئذ فمع الانصراف عرفا متجه) انتهى.
(٧) بأن قال :
بعتك هذا بدرهم نقدا ، وبدرهمين إلى شهرين.
(٨) بأن قال :
بعتك هذا بدرهم إلى شهر ، وبدرهمين إلى شهرين ، فقيل والقائل الشيخ في المبسوط
والحلي في السرائر والفخر والفاضل المقداد والآبي والعلامة والشهيدان أنه يبطل
العقد للغرر ، والإبهام الناشئ من الترديد القاضي بعدم وقوع الملك على أحدهما بالخصوص
، ولخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال : نهى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ،
وعن ربح ما لم ـ
الثمن بأن قال :
بعتك حالا بمائة ، ومؤجلا إلى شهرين بمائتين ، أو مؤجلا إلى شهر بمائة ، وإلى
شهرين بمائتين (بطل) ، لجهالة الثمن بتردده بين الأمرين ، وفي المسألة قول ضعيف
بلزوم أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين ، استنادا إلى رواية ضعيفة ، (ولو أجّل البعض المعين) من الثمن وأطلق الباقي (١) ، أو جعله حالا (صح) ، للانضباط ،
ومثله (٢) ما لو باعه سلعتين في عقد بثمن إحداهما نقد ، والأخرى نسيئة ، وكذا لو
جعله أو بعضه نجوما معلومة (٣).
______________________________________________________
ـ يضمن) ، وقد فسر قوله «بيعين في بيع» بذلك.
وقد ذهب جماعة من
الأصحاب منهم المفيد والشيخ في النهاية وابن البراج إلى صحة البيع وأن للبائع أقل
الثمنين لخبر محمد بن قيس ـ وهو صحيح السند ـ عن أبي جعفر عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : من باع سلعة فقال : إن ثمنها كذا وكذا يدا بيد ، وثمنها
كذا وكذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت ، وجعل صفقتها واحدة فليس له إلا أقلهما ، وإن
كانت نظرة) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام (أن عليا عليهالسلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين ، بالنقد كذا وبالنسية
كذا ، فأخذ المتاع على ذلك الشرط ، فقال : هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين) والخبران وإن كانا ناظرين إلى أن أحدهما نقدا والآخر نسية
، لكن من عمل بهما عداهما إلى ما لو باع إلى وقتين متأخرين عن العقد وفاوت بين
الأجلين لعدم الفرق حينئذ.
(١) فالباقي
المطلق منصرف إلى الحالّ.
(٢) أي مثله في
الصحة ما لو باع سلعتين في عقد واحد إحداهما بنقد ، والأخرى بنسيئة فيصح البيع
لوجود المقتضي مع عدم المانع من جهالة وغرر ، لأن الأجل منضبط بالنسبة للنسيئة.
(٣) النجوم جمع
نجم ، قال في مصباح المنير : (وكانت العرب توقت بطلوع النجوم ، لأنهم ما كانوا
يعرفون الحساب ، وإنما يحفظون أوقات السنة بالانواء ، وكانوا يسمون الوقت الذي
يحلّ فيه الأداء نجما تجوزا ، لأن الأداء لا يعرف إلا بالنجم ، ثم توسعوا حتى سموا
الوظيفة نجما لوقوعها في الأصل في الوقت الذي يطلع فيه النجم ، واشتقوا منه فقالوا
: ـ
__________________
(ولو اشتراه البائع) في حالة كون بيعه الأول (نسيئة صح) البيع الثاني (قبل الأجل ، وبعده
(١) بجنس الثمن وغيره بزيادة) عن الثمن الأول ، (ونقصان) عنه ،
______________________________________________________
ـ نجمت الدين
بالتثقيل ، إذا جعلته نجوما) انتهى ، وهو صحيح لوجود المقتضى مع عدم المانع من
الغرر والجهالة ، لأن الأجل منضبط.
(١) إذا اشترى
شيئا نسيئة وقبض المشتري المبتاع ولم يدفع الثمن لعدم حلول الأجل فيجوز للمشتري أن
يبيع المبتاع للبائع الأول ولغيره قبل حلول الأجل بزيادة على الثمن أو نقصان ،
نقدا أو نسيئة ، بجنس الثمن أو بغيره ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لعدم دليل
على المنع مع أن مقتضى أدلة صحة البيع جوازه ، ولإطلاق صحيح بشار (سأل أبا عبد
الله عليهالسلام عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه
منه ، قال : لا بأس به ، فقلت له : اشتري متاعي ، فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك
ولا غنمك) ، وإطلاق خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (سألته عن رجل باع
ثوبا بعشرة دراهم ، ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحلّ؟ قال : إذا لم يشترط ورضيا فلا
بأس) ، ومثلها غيرها.
ولو كان بعد حلول
الأجل ، فلو كان البيع الثاني بغير جنس الثمن بزيادة أو نقصان حالا أو مؤجلا صح
أيضا لعدم الدليل على المنع مع إطلاق الخبرين السابقين وخصوص صحيح ابن منصور (قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه ، فأتى
الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب : أبيعك هذا الغنم بدراهمك التي لك عندي
فرضي ، قال : لا بأس بذلك) ، وإطلاق موثق يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام : عن رجل باع طعاما بدراهم ، فلما بلغ ذلك الأجل تقاضاه ،
فقال : ليس عندي خذ مني طعاما ، قال : لا بأس ، إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء) ولو كان البيع الثاني بعد حلول الأجل بمثل الثمن جنسا ومن
غير زيادة ولا نقصان فيصح بلا خلاف لعدم المانع مع إطلاق أدلة صحة البيع ، ولو كان
البيع بجنس الثمن بزيادة أو نقصان فالمشهور على الجواز لعدم المانع مع إطلاق أدلة
صحة البيع ، وإطلاق صحيح بشار المتقدم وموثق شعيب المتقدمين والشاملين لهذه الصورة
وذهب الشيخ في النهاية إلى المنع لخبر خالد بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليهالسلام : عن ـ
__________________
لانتفاء المانع في
ذلك كله ، مع عموم الأدلة على جوازه. وقيل : لا يجوز بيعه بعد حلوله بزيادة عن
ثمنه الأول ، أو نقصان عنه مع اتفاقهما في الجنس ، استنادا إلى رواية قاصرة السند
والدلالة ، (إلا أن يشترط في بيعه) الأول (ذلك) (١) أي بيعه (٢) من البائع (فيبطل) البيع الأول ، سواء كان حالا أم مؤجلا ، وسواء شرط بيعه من
______________________________________________________
ـ رجل بعته طعاما
بتأخير إلى أجل مسمى ، فلما حلّ الأجل أخذته بدراهمي ، فقال : ليس عندي دراهم ولكن
عندي طعام فاشتره مني ، قال عليهالسلام : لا تشتره منه فإنه لا خير فيه) .
والخبر شامل لما
كان البيع بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة أو مساواة ، إلا أن الصورة الأخيرة مخصصة
لعدم الخلاف فيها.
وفيه : إن الخبر
مختص بالطعام فتعديته إلى غيره مشكل مع احتمال قوي أنها للإرشاد أو الكراهة جمعا
بينه وبين ما دل على الجواز ، مع أن إطلاقها شامل للصور الثلاثة من زياد أو نقصان
أو مساواة فتخصيصها بغير الأخيرة لا وجه له ، على أن الطعام الذي يريد بيعه ثانيا
غير صريح في كونه نفس الأول المبتاع ، بالإضافة إلى أن خالد بن الحجاج لم يمدح ولم
يذم.
(١) أي يشترط
البائع في العقد الأول أن يبيعه المشتري نفس المتاع ثانية ، فلا يصح الشرط بلا
خلاف فيه كما في الرياض ، وإذا فسد الشرط أفسد العقد سواء كان حالا أم مؤجلا ،
وسواء شرط البيع الثاني بعد حلول أجل الأول أو قبله ، وقال في المسالك : (واختلف
كلامهم في تعليل البطلان ـ أي بطلان البيع ـ مع الشرط المذكور ، فعلّله في التذكرة
باستلزامه الدور ، لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه ، وردّ بأن
الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال ، ويمنع توقف تملك المشتري على تملك
البائع ، بل تملكه موقوف على العقد المتأخر عن ملك المشتري ، ولأنه وارد في باقي الشروط
كشرط العتق والبيع للغير مع صحته إجماعا) انتهى. توضيحه : أن تحقق الشرط وهو بيع
المشتري ثانيا للبائع موقوف على ملكية المشتري للمبيع ، وملكية المشتري للمبيع
متوقفة على تحقق الشرط الذي هو بيع المشتري ثانيا للبائع فيلزم توقف الشيء على
نفسه.
وردّ بتسليم التوقف
الأول ومنع التوقف الثاني ، لأن الموقوف في الثاني هو لزوم البيع لا أصل الملكية
فاختلفت جهة التوقف فلا دور.
(٢) أي بيعه
ثانيا.
__________________
البائع بعد الأجل
أم قبله على المشهور ، ومستنده غير واضح.
فقد علل (١)
باستلزامه الدور ، لأن بيعه له (٢) يتوقف على ملكيته له (٣) المتوقفة (٤) على
بيعه.
وفيه : أن المتوقف
على حصول الشرط (٥) هو لزوم البيع لا انتقاله إلى ملكه (٦) ، كيف لا (٧) واشتراط
نقله إلى ملك البائع من المشتري مستلزم لانتقاله إليه (٨) ، غايته (٩) أن تملك
البائع (١٠) موقوف على تملك المشتري (١١) ، وأما أن تملك المشتري موقوف على تملك
البائع (١٢) فلا ، ولأنه وارد في باقي الشروط (١٣) خصوصا شرط بيعه للغير مع صحته
إجماعا ، وأوضح لملك المشتري (١٤) ما لو
______________________________________________________
(١) أي علل بطلان
البيع.
(٢) أي بيع
المشتري للمبيع للبائع الذي هو الشرط.
(٣) أي ملكية
المشتري للمبيع.
(٤) أي وملكية
المشتري للمبيع متوقفة على بيع المشتري للبائع ثانيا لأنه هو الشرط.
(٥) وهو التوقف
الثاني.
(٦) أي ملك
المشتري.
(٧) أي كيف لا
يكون اللزوم هو المتوقف على الشرط وليس أصل الملكية ، مع أن البائع قد اشترط نقل
المبيع من ملك المشتري إلى ملك البائع ثانيا ، وهذا لا يتحقق إلا بملكية المشتري
قبل ملكية البائع ثانيا.
(٨) أي فالشرط
مستلزم لانتقال المتاع إلى المشتري.
(٩) أي غاية الشرط
توقف الشرط الذي هو بيع البائع ثانيا على ملكية المشتري ، وهذا توقف المقدمة الأولى
، وأما التوقف في المقدمة الثانية فممنوع كما تقدم.
(١٠) أي تملكه
ثانيا وهذا هو الشرط.
(١١) كما في
المقدمة الأولى.
(١٢) وتملك البائع
ثانيا هو الشرط ، وتوهم توقف تملك المشتري على الشرط كما في المقدمة الثانية ممنوع
كما عرفت.
(١٣) أي لزوم
الدور يرد في باقي الشروط كالعتق والبيع على الغير ، فيقال : عتق العبد الذي هو
شرط في العقد الأول متوقف على ملكية المشتري له ، وملكية المشتري له متوقفة على
عتقه لأنه شرط.
(١٤) فلو جعل
البائع الشرط بأن يبيعه إياه ثانيا بعد حلول الأجل ، فمن حين العقد إلى حلول ـ
جعل الشرط بيعه من
البائع بعد الأجل لتخلل ملك المشتري فيه.
وعلل (١) بعدم
حصول القصد إلى نقله عن البائع. ويضعّف بأن الغرض حصول القصد إلى ملك المشتري
وإنما رتب عليه نقله ثانيا ، بل (٢) شرط النقل ثانيا يستلزم القصد إلى النقل الأول
(٣) لتوقفه (٤) عليه.
ولاتفاقهم (٥) على
أنهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صح وإن كان من
______________________________________________________
ـ الأجل قد خرج
المتاع عن ملك البائع فلو فرضنا أن المشتري لا يملك المتاع إلا عند تحقق الشرط
للزم كون المتاع في مدة الأجل من غير مالك وهذا باطل.
وهذا دليل واضح
على بطلان الدور وهو أوضح من الأدلة الدالة على حصول ملكية المشتري قبل الوفاء
بالشرط وإنما الذي يترتب على الشرط حينئذ هو لزوم الملكية ، ووجه الأوضحية أن
المتاع في زمن الأجل قد خرج عن ملك البائع قطعا بالبيع الأول فلا بدّ من القول
بتخلل ملك المشتري وثبوته فيه.
(١) أي علّل بطلان
البيع وهو معطوف على قوله : (فقد علل باستلزامه الدور) ، والمعنى أن بعضهم قال :
إن البائع لما اشترط بيعه له فهو غير قاصد لخروج المتاع عن ملكه ، بل يريد إبقاء
المتاع عنده ، ومع عدم قصد الخروج والانتقال تكون ألفاظ البيع التي وقعت منه لغوا
، لأنه غير قاصد لمعناها ، لأن البيع هو مبادلة مال بمال.
وهو ضعيف لأن
الواقع من البائع هو قصد نقل المتاع إلى المشتري بالبيع الأول ، نعم رتّب نقله
إليه ثانيا كشرط وهذا مغاير لقصد عدم خروج المتاع من رأس والعرف واللغة شاهدان
بالفرق ، بالإضافة إلى أن اشتراط نقله ثانيا مستلزم لقصد البائع لنقل المتاع إلى
المشتري أولا ، وإلا لو لم يقصد النقل المذكور كيف يشترط على المشتري أن يبيعه
إياه ثانيا.
(٢) بل للترقي.
(٣) وهو نقل
المتاع من البائع إلى المشتري.
(٤) أي نقل المتاع
من المشتري إلى البائع ثانيا متوقف على نقل المتاع من البائع إلى المشتري أولا.
(٥) هذا وجه ثان
للتضعيف ، وحاصله أنه لو قصد كلّ من البائع والمشتري ، أن يبيع المشتري المتاع
للبائع بعد العقد الأول من غير أن يكون هذا القصد شرطا في العقد الأول ، فيصح
العقد بلا خلاف فيه ، ولم يقل أحد أن العقد المسبوق بهذا القصد معناه عدم إخراج
المتاع من البائع ، لأنه لو قال به لحكم بالبطلان مع أن الجميع قد حكم بالصحة.
قصدهما رده ، مع
أن العقد يتبع القصد ، والمصحّح له ما ذكرناه من أن قصد رده بعد ملك المشتري له
غير مناف لقصد البيع بوجه (١) ، وإنما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري
أصلا (٢) بحيث لا يترتب عليه حكم الملك.
(ويجب قبض الثمن لو دفعه إلى البائع) (٣) مع الحلول مطلقا (٤) ، (وفي الأجل) (٥) أي بعده ، (لا قبله) (٦) ، لأنه غير مستحق حينئذ ، وجاز تعلق غرض البائع بتأخير
القبض إلى الأجل ، فإن الأغراض لا تنضبط ، (فلو امتنع) البائع من
______________________________________________________
(١) سواء شرط ذلك
أم لا.
(٢) وهذا المانع
مفقود هنا.
(٣) بلا خلاف فيه
كما في الجواهر لحديث (لا ضرر) ، لأن إبقاء ذمة المشتري مشغولة قد يحقق الضرر فيما إذا
تلف الثمن ولم يقبضه البائع.
(٤) سواء كان
مقتضى العقد هو الحلول أم حلّ الثمن بعد الأجل.
(٥) أي بعد الأجل
ويكون من باب عطف الخاص على العام ، ومنه تعرف أنه لا حاجة إلى قول الشارح (مطلقا)
فلو قال : (إلى البائع مع الحلول وفي الأجل أي بعده) فلا يلزم منه تكرار.
(٦) أي لا قبل
تمامية حلول الأجل ، وهنا لا يجب على المشتري دفع الثمن قبل حلول الأجل بلا خلاف
فيه لحديث (المسلمون عند شروطهم) ، وإن طولب المشتري بالدفع.
نعم لو دفعه تبرعا
لم يجب على البائع أخذه وإن لم يكن عليه ضرر بأخذه ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر
، وفي جامع المقاصد نسبة الخلاف إلى بعض العامة وأنه يجب على البائع القبول ، لأن
فائدة التأجيل هي الرخصة للمشتري بالتأخير لا عدم وجوب الأخذ على البائع ، والحاصل
أن مصلحة التأخير مختصة بالمشتري فلو أسقطها ودفع وجب على البائع القبض لأنه ماله
المدفوع إليه.
وفيه منع انحصار
فائدة الشرط في مصلحة الرخصة للمشتري ، بل قد يتعلق للبائع بالتأخير مصلحة أيضا ،
لأن الأغراض لا تنضبط ، مع أنه لو سلم انحصار المصلحة بالمشتري فقط فهذا لا يدل
على وجوب الأخذ على البائع ، بل هذا الوجوب منفي بالأصل بعد كونه غير مستحق.
__________________
قبضه حيث يجب (١) (قبضه الحاكم) إن وجد ، (فإن تعذر) قبض الحاكم ولو بالمشقة البالغة في الوصول إليه ، أو
امتناعه من القبض (فهو أمانة في يد المشتري لا يضمنه لو تلف بغير تفريط ، وكذا
كل من امتنع من قبض حقه).
ومقتضى العبارة (٢)
أن المشتري يبقيه بيده مميّزا على وجه الأمانة ، وينبغي مع ذلك أن لا يجوز له
التصرف فيه ، وأن يكون نماؤه للبائع تحقيقا لتعينه له.
وربما قيل (٣) :
ببقائه على ملك المشتري وإن كان تلفه من البائع ، وفي الدروس أن للمشتري التصرف
فيه فيبقى في ذمته ، (ولا حجر (٤) في زيادة الثمن ونقصانه) على البائع والمشتري (إذا عرف المشتري
القيمة) (٥) ، وكذا إذا لم يعرف (٦) ، لجواز بيع الغبن إجماعا. وكأنه
أراد نفي الحجر على وجه لا يترتب عليه
______________________________________________________
(١) أجبره الحاكم على القبض ومع تعذره
قبضه الحاكم لأنه نائب البائع الممتنع ، ومع تعذر الحاكم فلو تلف الثمن من غير
تفريط ولا تصرف من المشتري كان التالف من مال البائع بلا خلاف فيه كما في الجواهر
، لحديث (لا ضرر) المتقدم.
(٢) أي بعد ما دفعه إلى البائع وامتنع
فقد تشخص الثمن في المعيّن المدفوع ، ويكون أمانة بيد المشتري ، ولازم الأمانة أن
لا يتصرف بها ، ويجب عليه حفظها ويكون نماء الأمانة للبائع وتلفها عليه.
(٣) قال في المسالك : (قيل : ويجوز
للمشتري التصرف فيه بعد تعيينه ، فيرجع إلى ذمته ، ولو تجدد له نماء فهو له ،
ومقتضى ذلك أنه لا يخرج عن ملكه وإنما يكون تلفه من البائع عقوبة له) انتهى.
وفيه : أنه لو كان التلف من مال البائع
لكان مالكا له ، ومعه كيف جاز التصرف للمشتري بغير إذنه المالك ، وكيف يكون نماء
الغير له.
(٤) أي لا منع.
(٥) لو باع المتاع بزيادة عن قيمته
السوقية مع علم البائع والمشتري بالقيمة السوقية ، وكذا لو باعه بنقصان عنها مع
علمهما بها ، فالبيع صحيح ولا مانع للبائع من البيع ولا للمشتري من الشراء ، بلا
خلاف فيه ولا إشكال ، لوجود المقتضى من إطلاق أدلة صحة البيع ، وعدم المانع من
الغبن وغيره مع علمهما بالقيمة السوقية.
(٦) أي إذا لم يعرف المشتري القيمة
السوقية فيجوز للبائع زيادة الثمن ، لأن بيع المغبون جائز بالاتفاق ، غايته يثبت
للمغبون خيار الغبن عند علمه بالغبن.
خيار فيجوز بيع
المتاع بدون قيمته وأضعافها ، (إلا أن يؤدي إلى السفه) (١) من البائع ، أو المشتري فيبطل البيع ، ويرتفع السفه بتعلق
غرض صحيح بالزيادة والنقصان ، إما لقلتهما (٢) أو لترتب غرض آخر يقابله (٣) كالصبر
بدين حال (٤) ونحوه.
(ولا يجوز تأجيل الحال بزيادة فيه (٥) ، ولا بدونها (٦) ، إلا أن يشترط الأجل في عقد لازم فيلزم
الوفاء به (٧) ، ويجوز تعجيله بنقصان منه بإبراء ، أو صلح (٨).
______________________________________________________
(١) كأن يبيع
الدار المساوي لألف دينار بدرهم ، أو يشتري الشيء المساوي لدرهم بألف دينار ، فهو
سفه وبيع السفه ممنوع شرعا كما سيأتي في بابه ، نعم السفه هو كل فعل يفعله الإنسان
لغير غرض صحيح عند العقلاء.
(٢) أي قلة
الزيادة والنقصان بنظر العرف ، فينزلان منزلة العدم.
(٣) أي يقابل
الزائد كما لو اشترى الشيء المساوي درهما بألف دينار لأنه نادر.
(٤) كأن يشتري ما
يساوي دينارا بدينارين بشرط أن يصبر البائع الدائن على المشتري بدين حال.
(٥) لو ثبت على
المشتري الثمن وهو عشرة دراهم ، فلا يجوز تأجيل دفع العشرة الآن إلى آخر الشهر
بدفع اثني عشر درهما ، لأنه ربا وهو محرم ، بعد كون التأجيل بيع عشرة باثني عشر.
(٦) أي لا يجب على
البائع القبول بالتأخير ولا يلزمه التأخير لو طلبه المشتري ، لأن التعجيل حقه.
(٧) ويدل عليه
أخبار.
منها : خبر محمد
بن إسحاق بن عمار (قلت لأبي الحسن عليهالسلام : يكون لي على الرجل دراهم فيقول : أخرني بها وأنا أربحك ،
فابيعه جبة تقوم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرين ألفا وأدخّره
بالمال ، قال : لا بأس) .
(٨) بلا خلاف فيه
وإذا كان على جهة الصلح فيسمى بصلح الحطيطة ، ويدل عليه أخبار.
منها : مرسل أبان
عن أبي عبد الله عليهالسلام : (سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين ، فيقول له قبل
أن يحلّ الأجل : عجّل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحلّ ذلك لواحد
منهما؟ قال : نعم) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام (في الرجل يكون
عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول : أنقدني ـ
__________________
(ويجب) على المشتري إذا باع ما اشتراه مؤجلا (ذكر الأجل في غير المساومة (١) فيتخير المشتري بدونه) أي بدون ذكره بين الفسخ والرضاء به حالا ، (للتدليس) وروي أن للمشتري من الأجل مثله.
(الثاني ـ في القبض : إطلاق العقد) (٢) بتجريده عن شرط تأخير أحد العوضين ، أو تأخيرهما إذا كانا
عينين (٣) ، أو أحدهما (٤) (يقتضي قبض العوضين)
______________________________________________________
ـ من الذي لي كذا
وكذا وأضع لك بقيته ، أو يقول : انقد لي بعضا وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك ،
قال : لا أرى به بأسا ما لم يزدد على رأس ماله شيئا ، يقول الله : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ
لٰا تَظْلِمُونَ وَلٰا تُظْلَمُونَ)) .
(١) لو اشترى شيئا
بثمن مؤجل ، ثم أراد بيعه بغير مساومة من تولية أو مرابحة أو مواضعة فعليه كما أن
يذكر الثمن أن يذكر الأجل ، لأن للأجل قسطا من الثمن ، بلا خلاف فيه ، وعليه فلو
باعه من غير ذكر الأجل فقد ذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة والاسكافي إلى أن
المشتري الثاني يثبت له من الأجل ما كان للمشتري الأول ـ الذي هو بائع الآن ـ عند
ما اشتراه ، ويدل عليه أخبار.
منها : صحيح هشام
عنه أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
المتاع إلى أجل ، فقال : ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إلى الأجل الذي اشتراه ، فإن
باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك) .
والمشهور على أن
المشتري الثاني لا يكون له مثل أجل الأول بل له خيار التدليس فقط ، لأن الفائت ما
هو إلا كشرط صفة الكمال في الثمن ، والأخبار المتقدمة وإن كان بعضها صحيح السند
إلا أنها مهجورة عند الأصحاب ، لأن بظاهرها تثبت الأجل للمشتري الثاني وإن كان
البيع حالا ، وهو مخالف للقواعد.
(٢) الإطلاق في
العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع والثمن حالا بحسب العرف ، ولو لم يطالب كل منهما
الآخر بذلك ، فإبقاء أحد العوضين في يد الآخر بحاجة إلى إذن.
واحترز بالإطلاق
عما لو شرط تأجيل أحدهما أو تسليمه قبل الآخر ، فإنه حينئذ يختص وجوب التسليم
بالحالّ ومن شرط تقديمه.
(٣) ولو شرط
تأخيرهما وهما في الذمة لصدق أنه بيع الكالئ بالكالىء وهو منهي عنه كما تقدم.
(٤) فلو كان
أحدهما عينا خارجيا لما صدق بيع الكالئ بالكالىء المنهي عنه.
__________________
(فيتقابضان معا لو تمانعا) (١) من التقدم ، (سواء كان الثمن
عينا ، أو دينا). وإنما لم يكن أحدهما أولى بالتقديم لتساوي الحقين في وجوب تسليم كل منهما
إلى مالكه.
وقيل : يجبر
البائع على الإقباض أولا ، لأن الثمن تابع للمبيع.
ويضعف باستواء
العقد في إفادة الملك لكل منهما ، فإن امتنعا أجبرهما الحاكم معا مع إمكانه ، كما
يجبر الممتنع من قبض ماله ، فإن تعذر (٢) فكالدين إذا بذله المديون فامتنع من
قبوله.
(ويجوز اشتراط تأخير إقباض المبيع مدة معينة) (٣) كما يجوز اشتراط تأخير الثمن ، (والانتفاع به منفعة معينة) لأنه شرط سائغ فيدخل تحت العموم (٤) ، (والقبض (٥) في المنقول) كالحيوان والأقمشة والمكيل والموزون والمعدود
______________________________________________________
(١) لو تقدم
أحدهما بدفع ما في يده قبل الآخر فهو ، وإن تمانعا من التقدم يلزمان بالتقابض معا
ويجبران على ذلك ، ولو كان أحدهما ممتنعا أجبر الممتنع خاصة لاختصاصه بالعصيان ،
كل ذلك لتساوي الحقين في وجوب ايصال كل منهما المال إلى مالكه ولا رجحان لأحدهما
على الآخر بالتقدم أو التأخر ، وعن الشيخ في المبسوط وابن زهرة والقاضي والحلي
يجبر البائع أولا على دفع المبيع إذا تمانعا ، لأن الثمن تابع للمبيع فيجب تقديم
المتبوع على التابع ، ولأن البائع بتسليم المبيع يستقر البيع ، وفيه منع ، أما
الأول لاستواء العقد في إفادة الملك لكل منهما من دون تبعية لأحدهما على الآخر ،
وأما الثاني فالاستقرار مترتب على تسليم المبيع والثمن معا لا على أحدهما.
(٢) أي تعذر إجبار
الحاكم للممتنع من إقباض ما في يده كان للآخر حبس العوض عنه حتى يجبر الممتنع ،
وإن تلف العوض تحت يد الآخر فهو من مال الممتنع كما تقدم في النقد والنسيئة لنفس
الأدلة السابقة.
(٣) لأن الشرط لا
يؤدي إلى الجهالة وليس مخالفا للكتاب فيكون سائغا ، كاشتراط المشتري تأخير الثمن
مدة معينة كذلك.
(٤) وهو عموم (المسلمون
عند شروطهم) .
(٥) إن القبض مما
يترتب عليه آثار شرعية كصحة بيع الصرف ولزوم العقد إن أسقط الخيار ، والقبض لغة هو
الأخذ كما في المصباح المنير ، وفي النهاية الأثيرية القبض بجميع ـ
__________________
(نقله (١) ، ...
______________________________________________________
ـ الكف ، وعن
جماعة من أهل اللغة كما في الرياض القبض باليد لكن الفقهاء اختلفوا فيه على أقوال
: إن القبض هو التخلية فيما لا ينقل ، وهو النقل فيما ينقل ذهب إليه الماتن هنا
وتبعه الشارح وذهب إليه أيضا وأبو المكارم ، وقيل : إن القبض هو التخلية مطلقا
سواء كان مما ينقل أو لا ، وذهب إليه المحقق في الشرائع ، وقيل : إن القبض هو
التخلية فيما لا ينقل ، وفي المنقول هو القبض باليد ، أو الكيل والوزن فيما يوزن
ويكال ، أو النقل إن كان حيوانا ، وهو المحكي عن المبسوط وابن البراج وابن حمزة.
إلى غير ذلك من الأقوال بعد اتفاقهم على أن القبض هو التخلية في غير المنقول ،
وإنما اختلافهم في معنى القبض في المنقول ، وبما أن الشارع لم يحدد معنى القبض فلا
بد من الرجوع إلى العرف ، وقد يختلف معناه باختلاف المقبوض.
نعم ورد في معنى
القبض صحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : ما لم يكن كيل
أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن توليه الذي قام عليه) ، وخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (في رجل اشترى
متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غدا إن شاء
الله ، فسرق المتاع ، من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته
حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يردّ
ماله إليه) .
وصريح الثاني أن
القبض هو النقل فلذا ذهب الشهيدان هنا إلى أن القبض في المنقول هو النقل ، وصريح
الأول ـ كما قيل ـ إن القبض هو الكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن ، وفي الدروس
إلحاق العدّ فيما يعدّ ، وقد جمع بينه وبين المعنى العرفي فقيل إن القبض هو الكيل
أو الوزن أو العد فيما يكال أو يوزن أو بعدّ ، وفي غيرها من المنقول هو القبض
باليد تحكيما للمعنى العرفي ، أو النقل تحكيما لخبر عقبة ، أو في خصوص الحيوان.
والأقوى أن القبض
هو تحويل السلطنة على المبتاع من المنقول منه إلى المنقول إليه ، وهذا التحويل
يتحقق بالتخلية في غير المنقول ، وفي المنقول مختلف باختلاف نوعية المبتاع هذا من
جهة ومن جهة أخرى فسيأتي الكلام في دلالة الخبرين السابقين.
(١) استدل عليه
بخبر عقبة بن خالد بالإضافة إلى المعنى العرفي ، وفيه : أن خبر عقبة ضعيف ـ
__________________
(وفي غيره التخلية) بينه وبينه (١) بعد رفع اليد عنه وإنما كان القبض مختلفا
كذلك لأن الشارع لم يحدّه فيرجع فيه إلى العرف ، وهو دال على ما ذكر.
وفي المسألة أقوال
أخر هذا أجودها : فمنها ما اختاره في الدروس من أنه في غير المنقول التخلية وفي
الحيوان نقله. وفي المعتبر كيله ، أو وزنه ، أو عده ، أو نقله.
وفي الثوب وضعه في
اليد ، واستند في اعتبار الكيل ، أو الوزن في المعتبر بهما (٢) إلى صحيحة معاوية
بن وهب عن الصادق (ع) وفي دلالتها عليه نظر (٣).
وإلحاق المعدود
بهما (٤) قياس. والفرق بين الحيوان وغيره (٥) ضعيف.
ومنها الاكتفاء
بالتخلية مطلقا (٦) ، ونفى عنه البأس في الدروس بالنسبة إلى نقل الضمان (٧) ، لا
زوال التحريم ، والكراهة عن البيع قبل القبض ، والعرف
______________________________________________________
ـ السند ، والعرف
لا يدل على كون القبض هو النقل في كل مصاديق المنقول إذ يتحقق النقل عرفا في كثير
من الموارد بالأخذ ، ومنه تعرف ما في كلام الشارح فيما بعد حيث قال : (فيرجع إلى
العرف وهو دال على ما ذكر).
(١) أي بين المبيع
والمشتري ، هذا والمراد من التخلية هو رفع البائع كل مانع يمنع المشتري من
الاستيلاء عليه مع الإذن له فيه ، والقبض هو التخلية في غير المنقول تحكيما للمعنى
العرفي بعد عدم ورود أمر من الشارع بتحديده.
(٢) بالكيل أو
الوزن.
(٣) إذ يحتمل أن
يكون الخبر بصدد النهي عن بيعه قبل كيله أو وزنه وإن تحقق قبضه بوضع اليد عليه ،
إلا إذا كان تولية فيجوز بيعه من دون كيل أو وزن اعتمادا على كيل أو وزن البائع
الأول هكذا قيل.
(٤) كما عن
الدروس.
(٥) بحيث يكون
القبض في الحيوان نقله ، وفي غيره كالثوب وضعه في اليد ضعيف لعدم مطابقة المعنى
العرفي للقبض.
(٦) في المنقول
وغيره كما عن الشرائع.
(٧) قال في الدروس
: (وقيل : التخلية مطلقا ، ولا بأس به في نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو
الكراهة عن البيع قبل القبض) والمعنى أن البائع بالتخلية يرفع الضمان عنه لو تلف
المبيع وإن لم يقبضه المشتري ، ولكن لا يسمى هذا قبضا حتى يجوز بيع المتاع بعد
التخلية ، لأنه بيع ما لم يقبض ، وسيأتي الخلاف فيه أنه محرم أو مكروه ، وتقدم
بعضه في بحث بيع السلف فراجع.
يأباه (١) ،
والأخبار تدفعه.
وحيث يكتفى بالتخلية
فالمراد بها رفع المانع للمشتري من القبض بالإذن فيه ، ورفع يده ، ويد غيره عنه إن
كان ، ولا يشترط مضي زمان يمكن وصول المشتري إليه (٢) إلا أن يكون في غير بلده
بحيث يدل العرف على عدم القبض بذلك (٣) ، والظاهر أن اشتغاله (٤) بملك البائع غير
مانع منه وإن وجب على البائع التفريغ ، ولو كان مشتركا (٥) ففي توقفه على إذن
الشريك قولان : أجودهما العدم ، لعدم استلزامه التصرف في مال الشريك. نعم لو كان
منقولا توقف على إذنه لافتقاره قبضه إلى التصرف بالنقل (٦) ، فإن امتنع من الإذن (٧)
نصب الحاكم من
______________________________________________________
(١) قال في
المسالك بعد ما أورد صحيحة معاوية بن وهب أولا ثم خبر عقبة بن خالد : (والثاني حجة
على من اكتفى بالتخلية في نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو الكراهة قبل القبض
كالشهيد في الدروس ، حيث نفى عنه البأس ، فإن الخبر مصرّح بأنه لا يخرج عن ضمان
البائع حتى ينتقل ، نعم يمكن رده نظرا إلى سنده ، فبقي الكلام في تسميتها قبضا ،
والأجود الرجوع في معناه إلى العرف) انتهى.
(٢) إلى المبيع ،
لأن ذلك لا مدخل له في معنى القبض عرفا.
(٣) بنفس التخلية
، قال في المسالك : (نعم لو كان بعيدا بحيث يدل العرف على عدم قبضه بالتخلية كما
لو كان ببلاد أخرى ، اتجه اعتبار مضي الزمان ، والحاصل أن مرجع الأمر إلى العرف
حيث لم يضبطه الشرع) انتهى.
(٤) لو كان المبيع
مشغولا وهو في يملك البائع فرفع اليد عنه يحقق التخلية ، قال في المسالك : (لو كان
المبيع مشغولا بملك البائع ، فإن كان منقولا كالصندوق المشتمل على أمتعة البائع
واعتبرنا نقله ، فنقله المشتري بالأمتعة كفى في نقل الضمان مطلقا ، ويحتمل توقفه
على إذن البائع في نقل الأمتعة ، وإن كان عقارا كالدار ففي الاكتفاء بالتخلية قبل
نقل المتاع وجهان ، أجودهما ذلك وهو خيرة التذكرة) والوجه الآخر احتمال منه ـ كما
في الجواهر ـ وهو ضعيف لصدق التخلية الموجبة للقبض وإن كان مشغولا.
(٥) أي كان المبيع
مشتركا بين البائع وغيره ، وقد باع البائع حصته ، فإن كان المبيع منقولا وكان
القبض متوقفا على التصرف في حصة الشريك كوضعه في اليد أو نقله فلا بد من إذن
الشريك حينئذ ، وإلا فلا.
وإن كان المبيع
غير منقول فقبضه بالتخلية ورفع يد البائع عنه لا يوجب تصرفا في حصة الشريك فلا
داعي لإذنه.
(٦) حيث ذهب
الشارح هنا إلى أن القبض في المنقول هو النقل.
(٧) أي يمتنع
الشريك من الإذن حيث يطلب إذنه فيقبضه الحاكم لدفع الضرر عن المشتري ـ
يقبضه أجمع بعضه
أمانة ، وبعضه لأجل البيع ، وقيل (١) : يكفي حينئذ التخلية وإن لم يكتف بها قبله (٢)
، (وبه) أي بالقبض كيف فرض (ينتقل الضمان إلى
المشتري (٣) إذا لم يكن له خيار) مختص به ، أو مشترك بينه وبين أجنبي ، فلو كان الخيار لهما
(٤) فتلفه بعد القبض زمنه (٥) منه (٦) أيضا وإذا كان انتقال الضمان مشروطا بالقبض (فلو تلف قبله فمن البائع) مطلقا (٧) ، (مع أن النماء) المنفصل المتجدد بين العقد والتلف (للمشتري (٨) ولا بعد في ذلك ، لأن التلف لا يبطل البيع من أصله ، بل يفسخه من حينه كما لو
انفسخ بخيار.
هذا إذا كان تلفه
من الله تعالى ، أما لو كان من أجنبي (٩) ، أو من البائع
______________________________________________________
(١) غايته وقبض
بعضه عن المشتري لأجل البيع ، والبعض الآخر بعنوان الأمانة لأنه مال الشريك ،
وبقبض الحاكم يتحقق القبض ويكون المشتري شريكا مع ذلك الشريك.
(٢) وهو العلامة
في المختلف وأنه مع امتناع الشريك يكتفى بالتخلية فقط في تحقق معنى القبض ، لأن
نقله ممنوع شرعا ، لأن النقل متوقف على إذن الشريك وهو غير موجود ، والممنوع شرعا
كالممتنع عقلا فينتقل إلى التخلية.
(٣) قبل امتناع
الشريك.
(٤) المبيع ما قبل
قبضه إذا تلف فهو من مال البائع ، وإذا تلف بعد القبض وكان للمشتري خيار فهو من
مال البائع أيضا ، وقد تقدم الدليل عليهما ، ولو تلف المبيع بعد القبض ولم يكن
للمشتري خيار أو كان وقد تلف بعد الخيار فهو من مال المشتري لخروجه عن عهدة البائع
كما هو واضح.
(٥) للبائع
والمشتري وقد تحقق القبض فالتلف من مال المشتري بلا خلاف فيه كما في الرياض ، لأن
الملك قد حصل بمجرد العقد والتلف يكون على المالك حينئذ.
(٦) أي زمن
الخيار.
(٧) أي من
المشتري.
(٨) سواء كان
للمشتري خيار أو لا ، والتلف من البائع لأنه قبل القبض.
(٩) لأن الأصل
ملكه والنماء تابع لأصله ، ومما قاله الشارح تعرف أن التلف مبطل للعقد من حينه لا
من أصله.
(١٠) وهو قبل
القبض كما هو المفروض ، فالمشتري مخيّر بين الفسخ والمطالبة بالثمن لأن التلف قبل
القبض من مال البائع ، وبين إمضاء العقد ومطالبة المتلف بالمثل أو القيمة لأن له
الحق عليه لأنه جان ، والرجوع إلى المثل أو القيمة لأنهما بدل المعوض ، نعم لو رجع
على ـ
تخير المشتري بين
الرجوع بالثمن كما لو تلف من الله تعالى ، وبين مطالبة المتلف بالمثل ، أو القيمة
، ولو كان التلف من المشتري (١) فهو بمنزلة القبض (وإن تلف بعضه ،
أو تعيّب) من قبل الله ، أو
قبل البائع (٢) (تخير المشتري في الإمساك مع الأرش والفسخ) ، ولو كان العيب من قبل أجنبي فالأرش عليه للمشتري إن
التزم ، وللبائع إن فسخ (٣) ، (ولو غصب من يد البائع) قبل إقباضه (٤) (وأسرع عوده) بحيث لم يفت من منافعه ما يعتد به عرفا ، (أو أمكن) البائع (نزعه بسرعة) كذلك (فلا خيار) للمشتري ، لعدم موجبه ، (وإلا) يمكن تحصيله بسرعة (تخير المشتري) بين الفسخ ، والرجوع على البائع بالثمن إن كان دفعه ،
والالتزام بالمبيع
______________________________________________________
ـ المتلف لا يجوز
له الفسخ ، لأنه لو فسخ سيجمع بين العوض والمعوض وهو منهي عنه وقد تقدم دليله في
الأبحاث السابقة ، وقال في الجواهر : (ظاهرهم الاتفاق عليه) ، ومثله لو كان المتلف
هو البائع فيرجع عليه بالثمن إن فسخ ، وبالمثل أو القيمة إن أمضى العقد.
(١) والمتاع تحت
يد البائع كما هو المفروض ، فإتلافه بمنزلة القبض سواء كان عالما أو جاهلا ، لأنه
ملكه قد أتلفه بنفسه.
(٢) أو الأجنبي
كان للمشتري الفسخ بلا خلاف ، لئلا تتبعض عليه الصفقة ، ولو لم يفسخ فهل له الأرش
أو لا ، فإذا كان العيب أو تلف البعض من قبل الله تعالى فتردد كما في المسالك ،
فقد اختار الشيخ في المبسوط أنه من المشتري ، والأقوى أنه من البائع لأن جميعه
مضمون على البائع فأجزاؤه أولى بالضمان ، وإذا كان العيب أو النقصان من البائع أو
الأجنبي فله الحق بالرجوع بالأرش على الجاني كما هو واضح.
(٣) بحيث لو فسخ
المشتري فله الثمن ، ويرجع المبيع المعيوب أو الذي تلف بعضه إلى البائع ، والبائع
يرجع إلى الأجنبي بالأرش لأنه جان حينئذ.
(٤) فإن أمكن
استعادته من يد الغاصب وجبت الاستعادة على البائع ، لأن التسليم واجب عليه وما لا
يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فتجب الاستعادة من باب وجوب المقدمة.
ثم إن استعاده في
الزمن اليسير أو رجع المبيع لأن الغاصب قد تاب في الزمن اليسير بحيث لم يستلزم ذلك
فوات منفعة ولا فوات غرض ، فلا يثبت للمشتري خيار الفسخ للأصل بعد الشك في ثبوت
الخيار له ولو لم يستطع البائع استعادته بسرعة ، سواء لم يستطع أبدا أو لم يستطع
حتى تطاولت المدة كان للمشتري خيار الفسخ للضرر الحاصل عليه بفوات منافعه في المدة
الطويلة.
نعم لو لم يرجع
المبيع وأراد المشتري الامضاء كان له ذلك لأنه يمكن الانتفاع بالعين بما لا يتوقف
على القبض كعتق العبد ونحو ذلك.
وارتقاب حصوله
فينتفع حينئذ بما لا يتوقف على القبض كعتق العبد.
ثم إن تلف في يد
الغاصب (١) فهو مما تلف قبل قبضه فيبطل البيع ، وإن كان قد رضي بالصبر (٢) ، مع
احتمال كونه قبضا ، وكذا لو رضي بكونه في يد البائع ، وأولى بتحقق القبض هنا (٣) ،
(ولا أجرة على البائع في تلك المدة) التي كانت في يد الغاصب وإن كانت العين مضمونة عليه (٤) ،
لأن الأجرة بمنزلة النماء المتجدد وهو غير مضمون ، وقيل يضمنها ، لأنها بمنزلة
النقص الداخل قبل القبض ، وكالنماء المتصل.
______________________________________________________
(١) وقبل القبض
كما هو المفروض فهو من مال البائع ، ويبطل البيع لأن الانفساخ قهري حينئذ.
(٢) أي لو غصب
المتاع وقد رضي المشتري بالبيع وصبر ولم يفسخ ثم تلف تحت يد الغاصب ، فهل رضاه
بالصبر هو قبض منه بحيث يكون تلفه في يد الغاصب تلفا للمبيع بعد القبض ويكون من
حال المشتري ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (وإن كان قد رضي المشتري بالصبر ،
واحتمال أن هذا الرضا قبض ضعيف ، بل لو تصرف بالمبيع بنظر أو لمس ونحوه وهو في يد
الغاصب لم يكن قبضا عرفا ، بل الرضا بالبقاء في يد البائع ليس قبضا ، فضلا عن يد
الغاصب كما صرح به خبر عقبة بن خالد) انتهى ، وقد تقدم الخبر فراجع.
(٣) أي إذا كان
الصبر على المتاع في يد الغاصب قبضا فالصبر على المتاع في يد البائع قبضا من باب
أولى ، ووجه الأولوية أن الصبر على يد العدوان قبض فالصبر على يد الاستئمان قبض من
باب أولى.
(٤) قد تقدم أن
المتاع لو غصب من يد البائع وقبل قبض المشتري فهو مضمون على البائع ، بحيث لو تلف
كان من ماله ، ولكن لو فاتت منافع من العين المسروقة فهل يثبت على البائع أجرة
المنافع الفائتة أو لا ، قيل : لا أجرة على البائع ، لأن المضمون عليه هو العين
وتوابعها من النماء المتصل ، والمنفعة الفائتة ليست من هذا القبيل ، بل هي نماء
المبيع المتجدد ، فتكون على الغاصب فقط.
وقيل : عليه
الأجرة ، لأن المنافع الفائتة بمنزلة النقص الداخل على المبيع قبل القبض كما لو
باع حيوانا سمينا فهزل قبل القبض ، ولأنها بمنزلة النماء المتصل المضمون ، غايته
يرجع المشتري هنا على البائع ، والبائع على الغاصب.
وفيه : منع ضمان
كل نقص على المبيع بعد العقد وقبل القبض ، مع أن جعله من النماء المتصل واضح
الفساد.
والأقوى اختصاص
الغاصب بها (إلا أن يكون المنع منه) (١) فيكون غاصبا إذا كان المنع بغير حق (٢) ، فلو حبسه
ليتقابضا ، أو ليقبض الثمن حيث شرط تقدم قبضه فلا أجرة عليه (٣) ، للإذن في إمساكه
شرعا (٤) ، وحيث يكون المنع سائغا (٥) فالنفقة على المشتري ، لأنه ملكه ، فإن
امتنع من الإنفاق رفع البائع أمره إلى الحاكم ليجبره عليه ، فإن تعذر أنفق بنية
الرجوع ورجع كنظائره.
(وليكن المبيع) عند إقباضه (مفرّغا) (٦) من أمتعة البائع وغيرهما مما لم يدخل في المبيع ، ولو كان
مشغولا بزرع لم يبلغ وجب الصبر (٧) إلى أوانه إن اختاره (٨) البائع ، ولو كان فيه
ما لا يخرج إلا بهدم وجب أرشه على البائع ، والتفريغ وإن
______________________________________________________
(١) أي من البائع
بحيث غصب المتاع وأراد الغاصب ارجاعه فمنعه البائع ، فيعدّ البائع حينئذ هو السبب
في فوات المنافع فيضمنها ، أو أنه لم يسرق المتاع وقد امتنع البائع من التسليم
فكذلك.
(٢) أما لو كان
المنع من البائع بحق كما لو حبس المتاع ليتقابضا ، لأن المشتري امتنع من إقباض ما
في يده مقارنا لإقباض البائع ما في يده ، فقد تقدم أن التلف من مال الممتنع ، وعن
جامع المقاصد احتمال الضمان مع جواز المنع ، لأن جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة ،
ولا يلزم من ثبوت الأول ثبوت الثاني ، وهو ضعيف نظرا إلى أن جواز الحبس معناه
الإذن شرعا ، وهو لا يتعقبه الضمان فيلزم من ثبوت الأول الثاني.
(٣) على البائع في
قبال المنافع الفائتة.
(٤) فلا يتعقبه
الضمان.
(٥) أي بحق ،
فالنفقة على المتاع كعلف الدابة وصيانة المتاع إنما تكون من مال المشتري ، لأن
المتاع ملكه فالغرم عليه كما له الغنم ، ولا تكون على البائع لأن يده يد استئمان
شرعا.
(٦) قال في المسالك
: (ولا ريب في وجوب الإخراج والتفريغ لتوقف التسليم عليه) ، وعليه فإن كان في
المبيع أمتعة وجب نقلها ، أو زرع حان حصاده وجب حصاده وتسوية الحفر ، ولو كان في
المبيع شيء لا يخرج إلا بتغيير شيء من أبنية المبيع وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم
، كل ذلك من باب وجوب المقدمة.
(٧) أي وجب الصبر
على المشتري إلى حين البلوغ جمعا بين الحقين ، لأن إخراج الزرع قبل بلونه ضرر على
البائع ، وعدم تسليم العين ضرر على المشتري ، فيسلّم العين ويؤمر بترك الزرع إلى
أوانه.
(٨) أي اختار
البقاء.
كان واجبا (١) إلا
أن القبض لا يتوقف عليه ، فلو رضي المشتري بتسلمه مشغولا تم القبض ويجب التفريغ
بعده.
(ويكره بيع المكيل والموزون قبل قبضه) (٢) للنهي عنه المحمول على الكراهة
______________________________________________________
(١) أي إن تفريغ
المبيع من مال البائع واجب على البائع من باب وجوب المقدمة غير أن المشتري لو رضي
بتسليمه مشغولا تم القبض ، لأن المعنى العرفي للقبض لا يوجب التفريغ المذكور ، نعم
لو تحقق القبض كان على البائع فيما بعد التفريغ ليتمكن المشتري من الانتفاع في
ملكه.
(٢) ذهب العماني
إلى عدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ، وتبعه عليه الشيخ والعلامة في
التذكرة والارشاد والشارح في المسالك والروضة والمحدث البحراني للأخبار.
منها : صحيح منصور
بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (إذا اشتريت متاعا
فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن توليه ، فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن
فبعه) كما هو المروي في الفقيه والتهذيب ، وخبر علي بن جعفر المروي في قرب الاسناد عن أخيه موسى عليهالسلام (سألته عن رجل
اشترى بيعا كيلا أو وزنا هل يصلح بيعه مرابحة؟ قال : لا بأس ، فإن سمّى كيلا أو
وزنا فلا يصلح بيعه حتى تكيله أو تزنه) ، وصحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن كيل
أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن تولّيه الذي قام عليه) .
وعن الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في التذكرة والارشاد ، بل والصدوق
والقاضي أنه كذلك إذا كان المبيع طعاما لجملة من الأخبار.
منها : صحيح الحلبي
عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يبتاع
الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال ، قال : لا يصلح له ذلك) ، وخبر علي بن جعفر (سأل أخاه موسى عليهالسلام عن الرجل يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ فقال :
إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وإذا كان يولّيه فلا بأس ، وسألته عن الرجل يشتري
الطعام أيحلّ له أن يولّي منه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه شيئا فلا بأس
، فإن ربح فلا يبع حتى يقبضه) .
وذهب المشهور إلى
الكراهة جمعا بين ما تقدم وبين أخبار دالة على الجواز.
منها : خبر جميل
بن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يشتري
الطعام ثم يبيعه ـ
__________________
جمعا ، (وقيل : يحرم إن كان طعاما) وهو الأقوى ، بل يحرم بيع مطلق المكيل والموزون ، لصحة
الأخبار الدالة على النهي ، وعدم مقاومة المعارض لها على وجه يوجب حمله (١) على
خلاف ظاهره (٢) ، وقد تقدم (٣).
(ولو ادعى المشتري نقصان المبيع) (٤) بعد قبضه (حلف إن لم يكن حضر
______________________________________________________
ـ قبل أن يقبضه ،
قال : لا بأس) وخبر ابن حجاج الكرخي (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : اشتري الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار منّي بعد ما
اشتريته قبل أن أقبضه ، قال : لا بأس أن تبيع إلى أجل اشتريت ، وليس لك أن تدفع
قبل أن تقبض) ، ويشهد للكراهة خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله ، قال : لا
يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، إلا أن يولّيه كما اشتراه إذا
لم يربح فيه أو يضع) .
والشارح لم يعمل
بأخبار الجواز لضعفها ، أما الأول فبعلي بن حديد وهو ضعيف ، والثاني بالكرخي وهو
مجهول ولذا قال في المسالك : (لأن أخبار المنع صحيحة متظافرة ، وخبر التسويغ في
طريق أولهما علي بن حديد وهو ضعيف ، والآخر مجهول ، فالقول بالمنع أوضح وهو خيرة
العلامة في التذكرة والإرشاد والشيخ في المبسوط ، بل ادعى عليه الاجماع وجماعة من
الأصحاب) انتهى.
(١) حمل النهي.
(٢) فظاهره الحرمة
، وخلافه الكراهة.
(٣) في آداب البيع
وفي بيع السلف.
(٤) إذا قبض
المشتري المبيع وكان مما يكال أو يوزن ، لكن لم يحضر كيله ولا وزنه ، ثم ادعى
نقصان المبيع فالقول قوله مع يمينه ، لأنه منكر لأصالة عدم وصول حقه إليه ، بلا
فرق بين كون النقصان قليلا أو كثيرا. نعم لو حضر كيله أو وزنه وقبضه ثم ادعى
النقصان فالقول قول البائع مع يمينه لأن قول البائع موافق للظاهر وهو أن صاحب الحق
إذا حضر استيفاد حقه يحتاط لنفسه.
وقول المشتري هنا
وإن كان موافقا للأصل من عدم وصول حقه إليه ، لكنه مخالف لهذا الظاهر والعرف لا
يأخذون بالأصل مع هكذا ظاهر.
بل المشتري في
الصورة الثانية قوله مخالفا للظاهر والأصل معا ، أما الظاهر فقد تقدم ، وأما الأصل
فهو وصول حقه إليه ، لأنه قبضه بعد ما حضر وزنه أو كيله ولم يعترض ـ
__________________
الاعتبار) ، لأصالة عدم وصول حقه إليه ، (وإلا يكن) كذلك بأن حضر الاعتبار (أحلف البائع) عملا بالظاهر من أن صاحب الحق إذا حضر اعتباره يحتاط لنفسه
ويعتبر مقدار حقه ، ويمكن موافقة الأصل للظاهر باعتبار آخر ، وهو أن المشتري لما
قبض حقه كان في قوة المعترف بوصول حقه إليه كملا ، فإذا ادعى بعد ذلك نقصانه كان
مدعيا لما يخالف الأصل ، ولا يلزم مثله في الصورة الأولى ، لأنه إذا لم يحضر لا
يكون معترفا بوصول حقه ، لعدم اطلاعه عليه ، حتى لو فرض اعترافه فهو مبني على
الظاهر بخلاف الحاضر ، (ولو حوّل المشتري الدعوى) حيث لا يقبل قوله في النقص (١) (إلى عدم إقباض الجميع) من غير تعرض لحضور الاعتبار وعدمه ، أو معه (حلف) ، لأصالة عدم وصول حقه إليه (ما لم يكن سبق
بالدعوى الأولى) فلا تسمع الثانية لتناقض كلاميه ، وهذا من الحيل التي يترتب عليها الحكم
الشرعي ، كدعوى براءة الذمة من حق المدعي لو كان قد دفعه إليه بغير بينة فإنه لو
أقر بالواقع (٢) لزمه.
______________________________________________________
ـ فيكون قبضه
اعترافا ضمنيا بوصول حقه إليه.
لا يقال : لو كان
القبض اعترافا ضمنيا بوصول حقه إليه لكان جاريا في الصورتين ، لأنه يقال : هناك
فرق ، نفي الصورة الثانية لما حضر الاعتبار وقبض ولم يعارض ولم يطالب ببقية حقه
كان قبضه اعترافا ضمنيا بوصول حقه كما هو واضح بخلاف الصورة الأولى فإن عدم
المطالبة عند القبض لا يكون اعترافا بوصول حقه ، لأنه جاهل بقيمة ما قبض.
ثم لو سلم أن قبض
المبتاع مع عدم المطالبة هو اعتراف ، ففي الصورة الأولى هو اعتراف اعتمادا على
الغير لا على حضوره ، وهذا معناه أنه اعترف بوصول حقه إليه إن صدق الغير بما قدّم
، ولكنه تبين أن الغير لم يكن صادقا فيجوز له دعوى النقصان ويكون قوله موافقا في
الصورة الأولى للأصل من عدم وصول حقه إليه.
(١) أي في الصورة
الثانية عند ما حضر الاعتبار ، فلو ادعى عدم قبض جميع حقه ولم يدعى نقصان المبيع
وقد حضر كيله أو وزنه ، وعلى كل فلو برّز دعواه بهذه الكيفية فهو منكر لموافقة
قوله للأصل من عدم وصول حقه إليه ، ولا يكون مخالفا للظاهر ، إذ حضوره أعم من قبض
جميع حقه ، بخلاف ما لو ادعى نقصان المبيع فهو يدعى أن المبيع عند ما كيل كان انقص
مما في ذمة البائع مع أن حضوره يستلزم عدم النقصان ، لأن الإنسان يحتاط لنفسه.
(٢) أي لو اعترف
بوجود حق للمدعى ثم ادعى أنه قد دفعه إليه فهو مدع مطالب بالبينة ، ومع عدمها فالقول
قول خصمه مع يمينه ولازمه إلزامه بالواقع حينئذ.
(الثالث فيما يدخل في المبيع) عند إطلاق لفظه [في أنه يراعى فيه اللغة والعرف]
(و) الضابط أنه (يراعى فيه اللغة والعرف) (١) العام ، أو الخاص ، وكذا يراعى الشرع بطريق أولى ، بل هو
مقدم عليهما ، ولعله أدرجه في العرف لأنه عرف خاص ، ثم إن اتفقت (٢) ، وإلا قدّم
الشرعي (٣) ، ثم العرفي ، ثم اللغوي (٤) (ففي بيع البستان) بلفظه (٥) (تدخل (٦) الأرض
والشجر) قطعا (والبناء) (٧) كالجدار وما أشبهه من الركائز المثبتة في داخله لحفظ
التراب عن الانتقال. أما البناء المعد للسكنى ونحوه ففي دخوله وجهان (٨):
______________________________________________________
(١) المعروف بينهم
ـ كما في الجواهر ـ أن الضابطة في ذلك الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة أو عرفا
، هذا والعرف مقدم على اللغة لأن المتبايعين من أصل العرف والمحاورة بينهم محكومة
بالعرف السائد ، فكذا ألفاظ المبيع ، ثم إن العرف عام أو خاص ، ولا يراد العرف
الخاص إلا مع القرينة ، هذا هو الأصل في حمل الألفاظ على المعاني عند إطلاقها إلا
إذا كان للفظ حقيقة شرعية فتقدم على العرف العام المقدم على اللغوي ، غير أن ثبوت
الحقيقة الشرعية في ألفاظ المبيع شبه معدوم.
(٢) أي اللغة مع
العرف العام والعرف الخاص وهذا نادر.
(٣) مع قصد
المتبايعين وإلا فمع عدم القصد يقدم العرف العام لأنه هو الأصل عند التبادر.
(٤) لأنه إذا عدم
المعنى العرفي عاما أو خاصا فلا بد من حمل اللفظ على معنى ، فلو لم يكن له إلا
المعنى اللغوي فلا بدّ من حمله عليه.
(٥) حيث ورد لفظ
البستان في عقد البيع ، هذا والنزاع هنا صغروي ، وقد بحث فيه الفقهاء بما هم من
أهل العرف واللغة ، وخصوا البحث بالألفاظ التي يكثر دورانها في عقود البيع.
(٦) فيدخل في
البيع الشجر والنخل والأرض بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن معنى البستان عرفا ولغة
هو الأرض المشجرة ، قال في المصباح : (البستان هو الجنة).
(٧) فلا ريب في
دخول السور في معنى البستان كما نص عليه جامع المقاصد وغيره ، لأنه معناه عرفا ،
وكذا ما أشبهه من الركائز المبنية في داخله لحفظ التراب.
(٨) من أنه من
توابعه ، ومن إطلاق البستان عليه ظاهرا إذا قيل باع فلان بستانه وفيه بناء ، ووجه
العدم عدم دخوله في مسماه لغة وعرفا ولذا يسمى بستانا وإن لم يكن فيه بناء بخلاف
ما لو لم يكن فيه شجر ، وقال في المسالك : (والأقوى في ذلك الرجوع إلى العرف فإن
عدّ أنه جزء منه أو تابع له دخل وإلا فلا ، ويختلف ذلك باختلاف البقاع والأزمان
وأوضاع البناء) وهو متين.
أجودهما اتباع
العادة.(ويدخل فيه الطريق ، والشرب) (١) للعرف ، ولو باعه بلفظ الكرم (٢) تناول شجر العنب ، لأنه
مدلوله لغة ، وأما الأرض والعريش والبناء والطريق والشرب فيرجع فيها إلى العرف ،
وكذا ما اشتمل عليه من الأشجار وغيره ، وما شكّ في تناول اللفظ له لا يدخل.
ويدخل (في الدار (٣) الأرض والبناء أعلاه وأسفله ، إلا أن ينفرد الأعلى عادة) فلا يدخل إلا بالشرط ، أو القرينة ، (والأبواب) (٤) المثبتة وفي المنفصلة كألواح الدكاكين وجهان : أجودهما
الدخول ، للعرف. وانفصالها للارتفاق (٥) فتكون كالجزء وإن انفصلت. واطلاق العبارة
يتناولها. وفي الدروس قيدها بالمثبتة فيخرج (والأغلاق المنصوبة)
(٦) ، دون المنفصلة كالأقفال (٧) (والأخشاب المثبتة) (٨)
______________________________________________________
(١) بالكسر مورد
الماء كالمشرب ، قال في المسالك : (وكذا يدخل الطريق والشرب بدلالة العرف وإن لم
يدخل في مفهومه).
(٢) أي باع
البستان المزروع بشجر العنب بلفظ الكرم ، دخل شجر العنب قطعا لدلالة لفظ الكرم
عليه بالتطابق ، وقال في المسالك : (وأما الأرض والعريش والطريق والشرب والبناء
فيرجع فيها إلى العرف ، فإن أفاد دخولها في مسماه دخل ، وإلا فلا ، ولو أفاد دخول
بعضها خاصة اختص به ، وكذا القول في باقي الأشجار النابتة معه ، ومع الشك في تناول
العرف لها لا يدخل) انتهى.
(٣) لو باع بلفظ
الدار دخل فيها الأرض والأبنية الأعلى والأسفل ، بلا خلاف ولا إشكال ـ كما في
الجواهر ـ إلا أن يكون الأعلى مستقلا بما تشهد العادة بخروجه مثل أن يكون الأعلى
مساكن منفردة ولها طريق خاص ومرافق مستقلة كما في عصورنا الحاضرة.
(٤) أما المثبتة
فتدخل بلا خلاف ولا إشكال قضاء للعرف ، وأما المنفصلة كألواح الدكاكين فتدخل قضاء
للعرف ، ويحتمل عدم دخولها لأن اسم الدار لا ينطبق عليها وهو ضعيف.
(٥) قال في
المسالك : (ألواح الدكاكين المجعولة أبوابا منقولة للارتفاق لسعة الباب) انتهى.
(٦) بلا خلاف ولا
إشكال قضاء لحق العرف ، ولأنهما جزء الباب الداخل في بيع الدار.
(٧) فلا تدخل قضاء
للعرف.
(٨) هي الأخشاب
المستدخلة في البناء ، فإن لم تستدخل بل سمرت فهي رفوف ، والأخشاب المثبتة تدخل
لأنها من أجزاء الدار ، وأما التي سمرت فتدخل لأنها من توابع الدار بحسب العرف ،
وفي التذكرة نفي دخول السلالم المستقرة والرفوف والأوتاد لخروجها عن اسم الدار.
كالمتخذة لوضع
الأمتعة وغيرها ، دون المنفصلة وإن انتفع بها في الدار ، لأنها كالآلات الموضوعة
بها ، (والسلّم المثبت) في البناء لأنه حينئذ بمنزلة الدرجة (١) ، بخلاف غير
المثبت ، لأنه كالآلة ، وكذا الرفّ. وفي حكمها الخوابي المثبتة في الأرض والحيطان (٢)
، (والمفتاح) (٣) وإن كان منقولا لأنه بمنزلة الجزء من الأغلاق المحكوم
بدخولها.
والمراد غير مفتاح
القفل ، لأنه تابع لغلقه ولو شهدت القرينة بعدم دخوله لم يدخل ، وكذا يدخل الحوض
والبئر والحمام المعروف بها (٤) والأوتاد (٥) ، دون الرحى وإن كانت مثبتة (٦) ،
لأنها لا تعد منها ، وإثباتها لسهولة الارتفاق بها.
(ولا يدخل الشجر) الكائن بها (إلا مع الشرط (٧)
، أو يقول : بما أغلق عليه
______________________________________________________
(١) فإن كان ثابتا
فهو من توابع وإلا كان كبقية الأمتعة.
(٢) فإن كانت
مثبتة فتدخل لأنها من توابع الدار عرفا وإلا فلا ، والعلّامة في أكثر كتبه نفي
دخول الخوابي مطلقا.
(٣) ويريد به
مفتاح الاغلاق المنصوبة لا مفتاح الأقفال المنفصلة وغير الثابتة ، وقال في المسالك
: (وجه التردد من خروجها عن اسم الدار وكونها منقولة فتكون كالآلات المنتفع بها
فيها ، ومن أنها من توابع الدار ، وكالجزء من الأغلاق المحكوم بدخولها ، والأقوى
الدخول إلا أن يشهد العرف بغيره كمفاتيح الأقفال) انتهى.
(٤) أي بالدار ،
والدخول لأنها من توابع الدار عرفا.
(٥) فتدخل لأنها
من توابع الدار عرفا ، وقد عرفت خلاف العلامة فيها سابقا.
(٦) قال في
المسالك : (التي ثبت حجرها الأسفل ، وإنما لم تدخل لأنها لا تعدّ من الدار لغة ولا
عرفا ، وإنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كي لا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال ،
وللشيخ قول بدخول الرحى المثبتة لصيرورتها من أجزاء الدار وتوابعها بالتثبت ،
والأعلى تابع للأسفل) انتهى.
(٧) لو كان في
الدار نخل أو شجر لا يدخل في بيع الدار بلفظ الدار ، وفي التذكرة (ولو كان وسطها
أشجار لم تدخل عندنا) ، والأقوى الرجوع إلى العرف.
نعم لو قال : بعت
الدار بحقوقها ، فعنى الشيخ في المبسوط أن الأشجار تدخل لأنها من حقوق الدار ،
وردّ بأنها ليست من حقوق الدار ، ولذا قال في الجواهر : (بل لو فرض ذلك في بعض
الأشجار والزرع المقصود منها نزهة الدار وحسنها ، كان خارجا عن محل النزاع ، ويكون
من قبيل الدخول بالقرائن ، بل لا يحتاج فيه إلى التصريح بالحقوق) ـ
بابها ، أو ما دار عليه حائطها) ، أو شهادة القرائن بدخوله كالمساومة عليه (١) ، وبذل ثمن
لا يصلح إلا لهما (٢) ، ونحو ذلك ، (و) يدخل (في النخل الطلع إذا لم يؤبر (٣) بتشقيق طلع الإناث ، وذر طلع الذكور فيه ليجيء ثمرته أصلح
، (ولو أبرّ فالثمرة للبائع) ، ولو أبر البعض فلكل حكمه على الأقوى (٤) ، والحكم مختص
______________________________________________________
ـ انتهى ، هذا وفي
عرفنا الحالي دخول الأشجار في بيع الدار.
ثم لو قال : بعتك
هذه الدار على ما دار عليه حائطها أو على ما اغلق عليه بابها ، فإنها تدخل قطعا ،
ويشهد له مكاتبة الصفّار إلى أبي محمد عليهالسلام (في رجل اشترى من
رجل أرضا بحدودها الأربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا
الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها
والخارجة منها ، أيدخل النخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا ، فوقّع عليهالسلام : إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع
ما فيها إن شاء الله) .
(١) على الشجر.
(٢) أي لا يدخل
الشجر في بيع الدار إلا مع الشرط أو القرائن ، ومن جملة القرائن مساومة المشتري
على الشجر كمساومته على الدار ، ومن جملتها أن يبذل المشتري ثمنا يصلح للدار
والشجر بحيث لو لم يقصد الشجر فلا يدفع هذا الثمن بحسب العرف.
(٣) التأبير هو
تشقيق طلع الإناث وذرّ طلع الذكور فيه ، ليجيء رطبها أجود مما لم يؤبر ، والعادة
قائمة على الاكتفاء بتأبير البعض ، والباقي يتشقق بنفسه وتهب ريح الذكور إليه ،
وقد لا يؤبر شيء ويتشقق الكل ويتأبر بالرياح ، خصوصا إذا كانت الذكور في ناصية
الصبا وقد هبّ الصبا وقت التأبير.
هذا والنخل إذا لم
يؤبر وقد باعه فيدخل في المبيع طلعه ، مع أن الأصل عدم دخول الثمرة في بيع الشجرة
، ودخول الطلع هنا للأخبار.
منها : خبر غياث
بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : من باع نخلا قد أبّره فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع
، ثم قال : قضى به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ومثله غيره ، والاستدلال بالمفهوم.
(٤) بحيث أبّر
البعض والباقي غير مؤبر ولو بسبب الرياح ، وعن العلامة في التذكرة أنه يصدق أنه
باع نخلا مؤبرة فثمره للبائع ، وفيه : أنه باع نخلا مؤبرا أو غير مؤبر فلا بد أن
يكون لكل حكمه.
__________________
بالبيع فلو انتقل
النخل بغيره (١) لم يدخل الطلع مطلقا (٢) متى ظهر كالثمرة.
(و) حيث لا يدخل في البيع (يجب تبقيتها إلى أوان أخذها) (٣) عرفا بحسب تلك الشجرة ، فإن اضطرب العرف (٤) فالأغلب ،
ومع التساوي (٥) ففي الحمل على الأقل ، أو الأكثر ، أو اعتبار التعيين ، وبدونه
يبطل أوجه.
(وطلع الفحل) للبائع متى ظهر (٦) ، (وكذا باقي الثمار
مع الظهور) (٧) وهو
______________________________________________________
(١) بغير البيع
سواء كان بمعاوضة لازمة أو لا فيرجع إلى القواعد من أن الثمرة لا تدخل في الشجرة
إلا لغة ولا عرفا ، وعليه فالثمرة للبائع سواء أبرت أو لا ، بلا خلاف فيه بيننا ،
خلافا للشافعي حيث سرّى الحكم إلى جميع المعاوضات.
(٢) سواء أبرّ أم
لا.
(٣) قال في
المسالك عند قول المحقق : ويجب على المشتري تبعيته نظرا إلى العرف ، فقال : (ظاهر
العبارة أن النظر إلى العرف دليل وجوب التبقية على المشتري وليس ببعيد ، فإن
الثمرة المقطوعة قبل أوانها لا قيمة لها في الأغلب ، خصوصا ثمرة النخل ، فالعادة
تقتضي إبقاءها للبائع إذا باع الشجر ، ويمكن أن يريد به وجوب تبقيته بما دل العرف
عليه بحسب تلك الشجرة في ذلك المحل ، فما كانت عادته أن يؤخذ بسرا يبقى إلى أن
يتناهى حلاوته ، وما يؤخذ رطبا إذا تناهى ترطيبه ، وما يؤخذ تمرا إذا انتهى نشافه)
انتهى.
(٤) بحيث قال
بعضهم تبقى لمدة ، وقال البعض الآخر : تبقى لمدة أخرى ، فيحمل على الأغلب بحيث كان
الانقسام بين أهل العرف وذهب أكثرهم إلى قول والباقي إلى قول ثان فالحمل على قول
الأكثر.
(٥) ولا توجد
أكثرية فهنا أوجه ، حمله على الأقل اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتيقن ،
والأصل هو تسلط المشتري على ملكه ومنع غيره من الانتفاع به ، وحمله على الأكثر
لثبوت أصل الحق للبائع وبعد انقضاء المدة القليلة يستصحب حق البائع إلى أن يثبت
المزيل ، والاحتمال الثالث هو وجوب تعيين مدة الابقاء بحيث لو لم تذكر مدة الابقاء
للزم الجهالة في أحد العوضين فيبطل العقد.
(٦) قد تقدم أن
ثمرة النخل قبل التأبير للمشتري وبعده للبائع ، وهذا لا يشمل طلع الذكور من الفحل
فهي للبائع مطلقا ، قال في المسالك : (لما تقدم من أن الحكم معلق على التأبير ،
ولا يتحقق في الذكور ، لأنه على ما عرفت ذرّ طلع الفحل في كمام الأنثى بعد شقه ،
والعكس وإن كان ممكنا ، إلا أنه الغالب خلافه ، والإطلاق محمول على الغالب ، بل
منزّل عليه ، فعلى هذا متى ظهرت أكمة الفحول فهي للبائع) انتهى.
(٧) لما تقدم أن
الثمرة لا تدخل في الشجرة ، فتبقى على ملك البائع.
انعقادها ، سواء
كانت بارزة (١) أم مستترة في كمام (٢) ، أو ورد (٣) وكذا القول فيما يكون المقصود
منه الورد (٤) ، أو الورق (٥) ، ولو كان وجوده على التعاقب (٦) فالظاهر منه حال
البيع للبائع ، والمتجدد للمشتري ، ومع الامتزاج يرجع إلى الصلح.
(ويجوز لكل منهما) أي من البائع الذي بقيت له الثمرة والمشتري (٧) (السقي) (٨) مراعاة لملكه (إلا أن يستضرا) معا فيمنعان (٩) ، (ولو تقابلا في
الضرر والنفع (١٠) رجحنا مصلحة المشتري) ، لأن البائع هو الذي أدخل الضرر على نفسه
______________________________________________________
(١) كالتين.
(٢) كالجوز.
(٣) أي أن الثمرة
ظهرت ولكن مستترة في ورد ، وهو المسمى بالزهر كالتفاح والليمون.
(٤) كالأزهار.
(٥) كشجر الحناء
والتوت فإنه طعام لدود القز.
(٦) أي لو كانت
الثمرة ظاهرة في بعض الأشجار ، وباع الجميع ، ظهرت الثمرة في باقي الأشجار ، فما
كان من الثمرة قبل العقد فهو للبائع ، وما كان بعد العقد فهو للمشتري لأنه نماء
متجدد ، ومع الامتزاج فلا بد من الصلح.
(٧) الذي له
الشجرة.
(٨) أي سقي الشجرة
، أما جواز السقي للبائع فلأن الثمرة لا تصلح إلا بسقي الشجرة فيجوز له لحقه في
صلاح الثمرة ، وأما جواز السقي للمشتري فلأن الشجرة ملكه فيجوز له سقيها لصلاحها
ونموها وهذا واضح ، ثم إذا منع أحدهما الآخر من
السقي أجبر المانع
على القبول لعدم تسلطه على منع تصرف الآخر لصلاح ماله.
(٩) أي إذا كان
مطلق السقي يضر الأصل والثمرة فيمنع كل منهما من السقي ، وإن كان لأحدهما التسلط
على ماله ويجوز له أن يضرّ ماله بالسقي غير أنه لا يجوز له إدخال الضرر على الآخر.
(١٠) بأن كان
أحدهما يتضرر من السقي والآخر يتضرر من عدم السقي فتقدم مصلحة المشتري ، لأن
البائع هو الذي أدخل الضرر على نفسه ببيع الأصل وتسليط المشتري عليه ، واحتمل في
الدروس تقديم البائع لأن حقه أسبق ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز فسخ العقد
بينهما مع التشاح ، ولكن الأول هو الأشهر ولكن يشكل عليه فيما لو كان نقص الأصل
يحيط بقيمة الثمرة وزيادة فإنه حينئذ ينبغي تقديم مصلحته مع ضمانه لقيمة الثمرة
جمعا بين الحقين.
ببيع الأصل ،
وتسليط المشتري عليه الذي يلزمه جواز سقيه ، وتوقف في الدروس حيث جعل ذلك احتمالا
ونسبه إلى الفاضل ، واحتمل تقديم صاحب الثمرة ، لسبق حقه ، ويشكل تقديم المشتري
حيث يوجب نقصا في الأصل يحيط بقيمة الثمرة وزيادة فينبغي تقديم مصلحة البائع (١)
مع ضمانه لقيمة الثمرة جمعا بين الحقين.
(و) يدخل (في القرية البناء) (٢) المشتمل على الدور وغيرها (والمرافق) كالطرق والساحات ، لا الأشجار والمزارع (٣) إلا مع الشرط ،
أو العرف كما هو الغالب الآن ، أو القرينة ، وفي حكمها الضيعة في عرف الشام (٤) ، (و) يدخل (في العبد) والأمة (ثيابه الساترة للعورة) (٥) ، دون غيرها ، اقتصارا على المتيقن دخوله ، لعدم دخولها
في مفهوم العبد لغة. والأقوى دخول ما دل العرف عليه من ثوب ، وثوبين ، وزيادة وما
يتناوله بخصوصه من غير الثياب كالحزام والقلنسوة والخف وغيرها ، ولو اختلف العرف
بالحر والبرد دخل ما عليه حال البيع ، دون غيره وما شك في دخوله لا يدخل للأصل ،
ومثله الدابة فيدخل فيها النعل (٦) ، دون آلاتها ، إلا مع الشرط والعرف.
______________________________________________________
(١) وهو اشتباه بل
المشتري ، وقد حاول المحشون تصحيح عباراته بما لا ينفع فراجع.
(٢) قضاء لحق
العرف فتدخل الدور والساحات والطرق.
(٣) المزارع هي
بقاع تزرع وفيها بيوت يسكنها الفلاحون وقت الزراعة فهي والأشجار خارجة لو بيعت
القرية المجاورة لهما ، إلا أن يشترط دخولهما أو تكون هناك قرينة.
(٤) أي وفي حكم
القرية الضيعة في عرف الشام ، حيث يعبرون عن القرية بالضيعة ، قال في الدروس : (ثانيها
: القرية والدسكرة والضيعة في عرف أهل الشام يتناول دورها وطرقها وساحاتها لا
أشجارها ومزارعها إلا مع الشرط ، أو القرينة أو يتعارف ذلك كما هو الغالب الآن)
انتهى.
(٥) قضاء للعرف ،
بل وللقدر المتيقن من المبيع إذ لا يمكن تقديمهما عريانين للمشتري ، بل القول
بدخول ما دل عليه العرف من ثيابهما هو الأقوى ، بل يدخل الحزام والقلنسوة والخف
وغيرها للعرف أيضا.
(٦) لأنه من
أجزائها عرفا ، ولا يدخل المقود والرحل إلا مع الشرط ، وقال في الجواهر : (ولعل
العرف الآن على خلافه خصوصا في المقود).
(الرابع. في اختلافهما :) (ففي قدر الثمن (١) يحلف البائع
مع قيام العين ، والمشتري مع تلفها) على المشهور ، بل قيل : إنه إجماع. وهو بعيد ، ومستنده
رواية مرسلة ، وقيل : يقدم قول المشتري مطلقا (٢) لأنه ينفي الزائد ، والأصل عدمه
، وبراءة ذمته. وفيه (٣) قوة إن لم يثبت الإجماع على خلافه ، مع أنه (٤) خيرة
التذكرة ، وقيل : يتحالفان ويبطل البيع ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، لتشخّص العقد
بكل واحد من الثمنين. وهو خيرة المصنف في قواعده ، وشيخه فخر الدين في شرحه ، وفي
الدروس نسب القولين إلى الندور ، وعلى المشهور لو كانت العين قائمة لكنها قد
انتقلت عن المشتري انتقالا لازما كالبيع والعتق ففي تنزيله (٥) منزلة التلف
______________________________________________________
(١) بحيث يدعي
المشتري ثمنا أقل مما يدعيه البائع ، فالمشهور أن القول قول البائع مع يمينه إن
كان المبيع قائما ، وهو قول المشتري إن كان تالفا ، وادعى عليه الاجماع في الغنية
والخلاف وكشف الرموز ، لمرسل البزنطي عن أبي عبد الله عليهالسلام (في الرجل يبيع
الشيء فيقول المشتري : هو بكذا وكذا بأقل مما قال البائع ، فقال عليهالسلام : القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه) ، ومفهومه إن لم يكن قائما فالقول قول المشتري.
وهذا القول مخالف
للقواعد لأن القول قول المشتري مطلقا سواء كان المبيع قائما أو تالفا لاتفاقهما
على وقوع المبيع والبائع يدعى الزائد والمشتري ينكره ولا بد بحسب القواعد من تقديم
قول المنكر مع يمينه ، وهذا القول لم يذكره أحد من أصحابنا وقد ذكره العلامة في
القواعد احتمالا ونقله في التذكرة عن بعض العامة وقواه كما في المسالك.
وقد احتمل العلامة
في الكثير من كتبه أنهما يتحالفان ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، لأن العقد الذي
تضمن الأقل يدعيه المشتري وينكره البائع ، والعقد الذي تضمن الأكثر يدعيه البائع
وينكره المشتري فيتحالفان ويبطل البيع ، وقد اختاره فخر المحققين في الايضاح
واختاره الشهيد في قواعده.
(٢) أنهما متفقان
على عقد واحد مع ثبوت الأقل على كل حال وإنما الخلاف في الزائد وأحدهما يدعيه
والآخر ينكره فلا بد من تقديم المنكر ولا وجه للتحالف.
(٣) سواء كان
المبيع قائما أو تالفا.
(٤) أي لو كان
الاجماع قائما لما خالف العلامة في التذكرة.
(٥) تنزيل
الانتقال.
__________________
قولان (١) :
أجودهما العدم ، لصدق القيام عليها (٢) وهو البقاء ، ومنع مساواته للتلف في العلة
الموجبة للحكم ، ولو تلف بعضه (٣) ففي تنزيله منزلة تلف الجميع أو بقاء الجميع ،
أو إلحاق كل جزء بأصله أوجه ، أوجهها الأول لصدق عدم قيامها الذي هو مناط تقديم
قول البائع ، ولو امتزج بغيره (٤) فإن بقي التمييز وإن
______________________________________________________
(١) وجه تنزيل
النقل منزلة التلف أن المبيع فيهما يخرج عن ملك المشتري ، ولا يمكن له الانتفاع فيه
، فإذا كان هذا المعنى هو الذي أوجب تقديم قول المشتري في التلف لوجب تقديم قوله
أيضا فيما هو المساوي له من التلف الحكمي وهو النقل اللازم ، ووجه عدم التنزيل
أننا نمنع كون تقديم قول المشتري إنما كان لخروج المتاع عن حد الانتفاع بالنسبة
إليه ، بل من الجائز كون التلف الحقيقي علة لقبول قول المشتري نظرا إلى امتناع
الرجوع بالمبيع عقلا ، وهذا غير متحقق بالنقل اللازم ، إذ يمكن فسخه أو الإقالة
منه ، مع صدق كون المبيع قائما مع النقل اللازم فلا بد من التمسك بإطلاق الخبر
ويكون القول قول البائع.
وفي المسالك : جعل
الوجه الأول قولا ، والوجه الثاني إشكالا عليه ، ومن هنا قال بعض المحشين على
الروضة : (المناسب أن يقال وجهان ، فإن هذا الفرع غير مذكور فيما رأيناه من الكتب
المبسوطة فضلا عن الخلاف فيه) انتهى. والحق هو تقديم قول المشتري كما عرفت بمقتضى
القواعد ، نخرج عنها بتقديم قول البائع إذا كان المتاع قائما عند المشتري عملا
بالخبر ولا نتعدى إلى النقل اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتيقن.
(٢) أي على العين.
(٣) لو قلنا بأن
النقل اللازم بمنزلة التلف ، فلو تلف بعضه أو انتقل بعضه فهل ينزّل تلف الجميع
أوجه :
الأول : أنه ينزل
منزلة تلف الجميع ويكون القول قول المشتري ، لأن الخبر قدم قول البائع مع قيام
المبيع وهو ظاهر في قيام جميع المبيع ، وبما أن الخبر على خلاف القواعد فيقتصر فيه
على القدر المتيقن وهو قيام الجميع ، وفي غيره يرجع إلى القواعد فلا بد من تقديم
قول المشتري.
أنه ينزل منزلة بقاء
الجميع ، لأن قول المشتري ـ كما في الخبر ـ مقدم عند تلف الجميع ، فلو تلف البعض
فلا يقدم حينئذ.
إلحاق كل جزء
بأصله ، فيقدم قول المشتري بالنسبة إلى التالف ، وقول البائع بالنسبة إلى الباقي.
(٤) قال في
المسالك : (ولو امتزج المبيع بغيره ، فإن بقي التمييز فعينه قائمة ، وإن لم يتميز
ـ
عسر التخليص
فالعين قائمة ، وإلا (١) فوجهان وعدمه (٢) أوجه ، لعدم صدق القيام عرفا ، فإن
ظاهره (٣) أنه أخص من الوجود.
(ولو اختلفا في تعجيله) (٤) أي الثمن (وقدر الأجل) (٥) على تقدير اتفاقهما عليه في الجملة (وشرط رهن ، أو ضمين عن البائع يحلف البائع) (٦) ، لأصالة عدم ذلك كله. وهذا مبني على الغالب من أن البائع
يدعي التعجيل وتقليل الأجل حيث يتفقان على أصل التأجيل ، فلو اتفق خلافه فادعى هو
الأجل ، أو طوله لغرض يتعلق بتأخير القبض قدّم قول المشتري للأصل ، (وكذا) يقدم قول البائع
لو اختلفا (في قدر المبيع) (٧) للأصل.
______________________________________________________
ـ احتمل بقاؤه
كذلك ، لأنه موجود في نفسه وإنما عرض له عدم التمييز من غيره ، والمفهوم من قيام
عينه وجوده خصوصا عند من جعل التلف في مقابلته ـ أي مقابلة قيام العين ـ فإنه ليس
بتالف قطعا ، ويحتمل عدمه نظرا إلى ثبوت الواسطة وعدم ظهور عينه في الحسن ، ويمنع
إرادة الوجود من قيام العين ، وهذا كله مع مزجه العين بجنسه كالزيت يخلط بمثله ،
والنوع الواحد من الحنطة كالصفراء تخلط بمثلها ، أما لو خلط بغير جنسه بحيث صارا
حقيقة أخرى كالزيت يعمل صابونا فإنه حينئذ بمنزلة التالف ، وأما تغير أوصافه بزيادة
ونقصان فلا يقدح في قيام عينه بوجه) انتهى.
(١) وإن لم يبق
التمييز واقعا واندمجا ولكن لم تتألف منهما حقيقة ثالثة كخلط الزيت الجيد بالرديء.
(٢) أي عدم قيام
العين.
(٣) أي ظاهر
القيام بمعنى أن يكون للعين وجود شخصي مميّز.
(٤) بحيث يدعى
المشتري تأخير الثمن والبائع ينكره فيقدم قوله مع يمينه لأنه منكر ، حيث أن قول
البائع موافق لمقتضى العقد القاضي بالتعجيل.
(٥) فالمشتري يدعى
أن الأجل شهر مثلا ، والبائع يدعيه أنه أسبوع ، فيكون ما زاد عن أسبوع مما يدعيه
المشتري وينكره البائع فيقدم قول المنكر مع يمينه.
(٦) بحيث يدعي
المشتري أن البيع قد تم بشرط وجود ضامن عن البائع بحيث لو تبين فساد المبيع أو
مستحقا للغير فيضمنه الضامن ، أو يدعى المشتري أن البيع قد تم بشرط وجود مال من
البائع تحت يد المشتري يكون رهنا لسلامة المبيع ، والبائع ينكر ذلك في الصورتين ،
فيقدم قوله مع يمينه.
(٧) بأن قال
البائع : بعتك ثوبا بدرهم فقال المشتري : بل ثوبين بدرهم ، فالمشتري يدعى ثوبا
زائدا في المبيع والبائع ينكره فيقدم قول المنكر مع يمينه.
وقد كان ينبغي مثله في قدر الثمن
بالنسبة إلى المشتري لو لا الرواية. ولا فرق بين كونه (١) مطلقا ، أو معينا كهذا
الثوب فيقول : بل هو والآخر. هذا إذا لم يتضمن الاختلاف في الثمن (٢) كبعتك هذا
الثوب بألف فقال : بل هو والآخر بألفين.
وإلّا قوي التحالف
، إذ لا مشترك هنا يمكن الأخذ به.
(وفي تعيين المبيع) كما إذا قال : بعتك هذا الثوب فقال : بل هذا (يتحالفان) (٣) ، لادعاء كل منهما ما ينفيه الآخر بحيث لم يتفقا على أمر
ويختلفا فيما زاد ، وهو ضابط التحالف (٤) فيحلف كل منهما يمينا واحدة على نفي ما
يدعيه الآخر ، لا على إثبات ما يدعيه (٥) ، ولا جامعة بينهما (٦) فإذا حلفا انفسخ
______________________________________________________
(١) كون المبيع.
(٢) كأن يقول
البائع : بعتك هذا الثوب بدرهم ، فقال المشتري : بل بعتني هذا وثوبا آخر بدرهمين ،
فهنا التحالف ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، فالبائع يدعى استحقاق درهم بذمة المشتري
عوضا عن هذا الثوب والمشتري ينكره ، والمشتري يدعى استحقاق ثوبين بدرهمين والبائع
ينكره ، وعليه لا بد أن يتحالفان هذا على قول الشارح.
وفيه : أن هنا
قدرا متيقنا وأمرا مشتركا بينهما ، لأنهما متفقان على الثمن الأقل وأحد المبيعين ،
واختلافهما في الزائد ، والمشتري يدعيه والبائع ينكره فالقول قول البائع مع يمينه.
(٣) بأن قال
البائع : بعتك هذا الثوب بكذا ، فقال المشتري : بل هذا الثوب الآخر ، فهنا دعويان
ولا مشترك بينهما ، لأن البائع يدعي بيع الثوب الأول والمشتري ينكره ، والمشتري
يدعي بيع الثوب الثاني والبائع ينكره فيتحالفان وتبطل دعواهما ويترادان للنبوي
المروي عند العامة (المتبايعان إذا اختلفا تحالفا وترادا) .
(٤) بحيث كان لكل
واحد منهما دعوى ولا مشترك بينهما ، أما لو اتفقا على أمر واختلفا في الزائد فمدعي
الزيادة مدع ومنكرها منكر ، ويقدم قول المنكر حينئذ مع يمينه.
(٥) لأنه مطالب
بيمين المنكر فقط وليس مطالبا بيمين المدعي حتى يكون يمينه لاثبات ما يدعيه.
(٦) بين نفي ما
يدعيه الآخر وإثبات ما يدعيه هو!
__________________
العقد ، ورجع كل
منهما إلى عين ماله (١) ، أو بدله (٢) ، والبادي منهما باليمين من ادّعي عليه أولا
(٣) ، فإن حلف الأول ونكل الثاني (٤) وقضينا بالنكول يثبت ما يدعيه الحالف ، وإلّا
حلف يمينا ثانية على إثبات ما يدعيه.
ثم إذا حلف البائع
على نفي ما يدعيه المشتري بقي على ملكه (٥) ، فإن كان الثوب في يده ، وإلا انتزعه
من يد المشتري ، وإذا حلف المشتري على نفي ما يدعيه البائع وكان الثوب في يده لم
يكن للبائع مطالبته به لأنه لا يدعيه ، وإن كان في يد البائع لم يكن له التصرف فيه
(٦) ، لاعترافه بكونه للمشتري وله ثمنه في ذمته ، فإن كان قد قبض الثمن رده على
المشتري وله (٧) أخذ الثوب قصاصا ، وإن
______________________________________________________
(١) لأنهما
يترادان كما في النبوي المتقدم.
(٢) مثليا أو
قيميا على تقدير تلف العين.
(٣) قال في
الجواهر : (ويبتدأ باليمين من ادعى عليه أولا كما في المسالك ، بل هو مقرّب
التذكرة ، ونفى عنه البعد في جامع المقاصد ، ولو تساويا في ابراز الدعوى ، فإن
قلنا بتقديم من كان على يمين صاحبه اتجه حينئذ اليمين على الآخر ، وإلا فالقرعة ،
لكن في الدروس البادي باليمين من يتفقان عليه ، فإن اختلفا عيّن الحاكم).
(٤) فبحلف الأول
تسقط دعوى خصمه عليه ، ومع نكول الثاني فدعوى خصمه الذي هو الأول لم تسقط ، فإن
قضينا بالنكول ـ على الخلاف المتقدم في باب القضاء ـ ثبت للأول حقه ، وإن لم نقض
بالنكول ورددنا على خصمه يمين المدعى ، فعلى الخصم هنا الذي هو الأول أن يحلف
ثانيا ، إلا أنها يمين على إثبات ما يدعيه ، بعد ما حلف أولا عينيا على نفي ما
يدعيه خصمه.
(٥) هذا بعد
تحالفهما معا فتسقط دعوى كل منهما في حق خصمه ، والثمن الذي دفعه المشتري لا بدّ
أن يرجع إلى المشتري هذا من جهة ومن جهة أخرى فالثوب الذي يدعيه المشتري لا بد من
رده إلى البائع لأنه ملكه بعد التحالف للأبدية التراد كما تقدم ، والثوب الذي
يدعيه البائع وأنه باعه للمشتري فهو للمشتري لأن هذه الدعوى اعتراف من البائع
بملكية المشتري لهذا الثوب ، غايته يثبت للبائع ثمنه في ذمة المشتري ، وأما الثمن
المسمى في متن العقد فقد عرفت لأبدية رده على المشتري.
(٦) أي لم يكن
للبائع التصرف في الثوب الذي يدعيه البائع ، وهو أمانة في يده.
(٧) أي للبائع
والمعنى أن الثوب الذي يدعيه البائع وقد حكمنا أنه للمشتري فللبائع أخذه من باب
القصاص عن ثمنه الذي ثبت في ذمة المشتري.
لم يكن قد قبض
الثمن أخذ الثوب قصاصا أيضا (١) ، فإن زادت قيمته عنه (٢) فهو مال لا يدعيه أحد ،
وفي بعض نسخ الأصل.
(وقال الشيخ والقاضي : يحلف البائع كالاختلاف في الثمن) (٣) وضرب عليه في بعض النسخ المقروءة على المصنف رحمهالله.
(و) حيث يتحالفان (يبطل العقد من حينه) أي حين التحالف ، لا من أصله (٤) ، فنماء الثمن المنفصل
المتخلل بين العقد والتحالف للبائع ، وأما المبيع
______________________________________________________
(١) كالفرع السابق
فيأخذ الثوب قصاصا عن الثمن الذي ثبت له في ذمة المشتري ، غاية الفرق بين الفرعين
أن في السابق قد قبض الثمن المسمى في العقد وهنا لم يقبض ، وسابقا قد حكمنا عليه
برد الثمن المسمى.
(٢) أي زادت قيمة
الثوب عن الثمن المسمى ، وهو الثمن الذي يدعيه البائع والمشتري ، فهذه الزيادة لا
يدعيها أحد ، أما المشتري فهو منكر لوقوع البيع على هذا الثوب الذي هذه الزيادة
منه ، وأما البائع فلأنه معترف بأن الثوب بما فيه هذه الزيادة هو للمشتري ، نعم
يملك البائع من هذا الثوب مقدار قيمته التي ثبتت في ذمة المشتري من باب القصاص.
(٣) أي مع قيام
العين يحلف البائع ، كما يحلف البائع لو اختلفا في قدر الثمن للرواية المرسلة
سابقا ، وفيه : أن هناك كان النزاع في قدر الثمن وهنا في التعيين وليس في القدر.
(٤) كما في
القواعد والدروس ، وعن التذكرة أنه من أصله ، أحتج للأول بأنهما متفقان على وقوع
العقد الناقل للملك فلا بد من القول بوقوع العقد غايته مع التحالف فيفسخ العقد من
حين التحالف ويشهد له النبوي المتقدم (ويترادا).
وأحتج للثاني بأن
اليمين أسقطت الدعوى من رأسها فلا يثبت العقد حتى يحكم بانفساخه.
وتظهر الفائدة
فيما لو وقع التحالف بعد ملكية المشتري للعين وقد أخرجها عن ملكه بعقد لازم كالعتق
والبيع ، فعلى الثاني فالعقد اللازم الذي طرأ ينزل منزلة العدم لأن بالتحالف يتبين
أن المشتري غير مالك فتبطل العقود التي أجراها ، وعلى الأول فالمشتري مالك وتصرفه
فيما يملك صحيح ، غايته مع التحالف ووجوب الترادّ يرجع البائع على المشتري بالقيمة
وقت الفسخ. وتظهر الفائدة أيضا بأن نماء الثمن على القول الأول للبائع ونماء
المثمن للمشتري ، وعلى القول الثاني نماء الثمن للمشتري ونماء المثمن للبائع ، نعم
هناك إشكال وهو أن المثمن غير معيّن ، لأن المشتري يدعى ثوبا والبائع ثوبا آخر ،
فكيف قبضه المشتري حتى يختلف في نمائه.
فيشكل حيث لم
يتعين. نعم لو قيل به (١) في مسألة الاختلاف في قدر الثمن توجه حكم نماء المبيع ، (و) اختلافهما (في شرط مفسد (٢) يقدّم مدعي الصحة) ، لأنها الأصل في تصرفات المسلم ، (ولو اختلف الورثة (٣) نزّل كل وارث منزلة مورّثه) فتحلف ورثة البائع لو كان الاختلاف في قدر المبيع ، والأجل
، وأصله ، وقدر الثمن مع قيام العين ، وورثة المشتري مع تلفها ، وقيل : يقدم قول
ورثة المشتري في قدر الثمن مطلقا ، لأنه الأصل ، وإنما خرج عنه مورثهم بالنص
فيقتصر فيه على مورده المخالف للأصل وله وجه ، غير أن قيام الوارث مقام المورث
مطلقا (٤) أجود (٥) ، ...
______________________________________________________
(١) أي بالتحالف ،
فلو قيل به في قدر الثمن بحيث قال البائع أن هذا الثوب بكذا ، وقال المشتري : أنه
بأقل ، وقد حكمنا بالتحالف فالمبيع هنا متعين ويكون نماؤه للمشتري إذا كان الفسخ
من حينه ، وللبائع إذا كان من أصله.
(٢) كأن يتفقا على
التأخير ، وقال أحدهما : بأنه إلى مدة معينة ، وقال الآخر : بأنه إلى زمن مجهول ،
فيقدم قول مدعي الصحة مع يمينه ، لأن الصحة هي الأصل في تصرفات مال المسلم ،
لقاعدة حمل فعل المسلم على الصحة.
(٣) فلو اختلف
ورثة البائع مع ورثة المشتري ، فإن اختلفوا في قدر المثمن مع وجود قدر مشترك بحيث
تدعى ورثة المشتري الزيادة وورثة البائع تنكرها ، أو اختلفوا في الأجل بحيث تدعي
ورثة المشتري وجوده وورثة البائع تنكره من أصله ، أو اختلفوا في مدة الأجل بحيث
تدعي ورثة المشتري زمنا وورثة البائع أقل منه ، قدم ورثة البائع لأنهم منكر.
وكذا يقدم قول
ورثة البائع عند الاختلاف في قدر الثمن مع قيام العين للرواية كما قدم قول البائع
كذلك.
نعم لو اختلفوا في
قدر الثمن مع تلف العين فالقول قول ورثة المشتري ، لأن القول ثابت لمورثهم.
(٤) مع قيام العين
وتلفها ، أما مع التلف فقد تقدم ، وأما مع القيام لأنه مقتضى القواعد حيث أنهم
منكرون للزيادة التي تدعيها ورثة البائع ، ولو عملنا بالرواية المتقدمة في البائع
، لأن الرواية مخالفة للقواعد فيقتصر على القدر المتيقن ، وهو وجود البائع دون
ورثته.
(٥) قال في
الجواهر : (ودعوى أن كل ما ثبت للمورث ينتقل للوارث مسلّمة في المال والحقوق التي
تنتقل ، بخلاف الفرض الذي هو من الأحكام لا من الحقوق ، فما عن ـ
لأنه بمنزلة ولو
قلنا : بالتحالف (١) ثبت بين الورثة قطعا.
(الخامس ـ إطلاق الكيل والوزن) والنقد (٢) (ينصرف إلى المعتاد) في بلد العقد لذلك المبيع إن اتحد ، (فإن تعدد فالأغلب) استعمالا وإطلاقا (٣) ، فإن اختلفا في ذلك ففي ترجيح أيهما نظر ، ويمكن حينئذ
وجوب التعيين (٤) كما لو لم يغلب ، (فإن تساوت) في الاستعمال في المبيع الخاص (وجب التعيين) ، لاستحالة الترجيح بدونه ، واختلاف الأغراض ، (ولو لم يعين بطل
البيع) لما ذكر (وأجرة اعتبار المبيع) (٥) بالكيل ، أو الوزن ، أو النقد (على البائع) لأنه لمصلحته ، (واعتبار
______________________________________________________
ـ جماعة من أن حكم
الوارث حكم المورث مطلقا في غير محله ، وإن استحسنه في المسالك) انتهى.
(١) عند اختلافهم
في قدر الثمن ، وقد تقدم أن التحالف أحد الأقوال.
(٢) عادة الفقهاء
يتكلمون في النقد ويحيلون الكيل والوزن عليه ، وفي النقد إذا عين البائع والمشتري
نقدا مخصوصا وجب الوفاء لوجوب الوفاء بالعقود ، وإن أطلقا النقد وكانا من أهل بلد
واحد انصرف الإطلاق إلى نقد بلدهما ، فإن كان نقد البلد واحدا فهو ، وإن كان
متعددا فإن غلب أحدهما حمل عليه ، وتكون الأغلبية قرينة لتعيين أحد أفراد المشترك
، وإن تساوى النقدان ولم يكن أحدهما أغلب ، ولم يكن هناك تعيين من قصد أو غيره بطل
البيع لجهالة الثمن.
وكذا القول في
الوزن والكيل ، غايته فلو تعدد الوزن أو الكيل ولم يكن أحدهما أغلب بطل المبيع
لجهالة المثمن.
(٣) قال في
المسالك : (ثم الغلبة قد تكون في الاستعمال وقد تكون في الإطلاق ، بمعنى أن الاسم
يغلب على أحدهما ، وإن كان غيره أكثر استعمالا كما يتفق ذلك في زماننا في بعض
أسماء النقود ، فإن اتفقت الغلبة فيها فلا إشكال في الحمل عليه ، وإن اختلفت بأن
كان أحدهما أغلب استعمالا والآخر أغلب وصفا ، ففي ترجيح أحدهما أن يكون بمنزلة
التساوي نظرا إلى تعارض المرجحين نظر ، وإن كان ترجيح أغلبية المتعارف أوجه).
(٤) أي يجب
التعيين عند كون أحدهما أغلب استعمالا والآخر أغلب تعارفا كما تساوى النقدان ولم
يغلب أحدهما على الآخر لا استعمالا ولا إطلاقا.
(٥) لا خلاف في أن
أجرة الكيّال ووزّان المتاع والعدّاد والذّراع على البائع ، وكذا أجرة النقّاد
الذي ينقد الذهب والفضة ليعرف الصحيح من الفاسد إذا كان المثمن منهما.
الثمن على المشتري ، وأجرة الدلال على الآمر) (١) ولو أمراه فالسابق (٢) إن كان مراد
______________________________________________________
ـ وكذا لا خلاف في
كون أجرة ناقد الثمن ووزّانه على المشتري ، كل ذلك لأن تسليم المثمن أو الثمن
متوقف على اعتباره وتشخيصه ، فمئونة التشخيص تكون على من وجب عليه التسليم من باب
وجوب المقدمة.
(١) قال في
المسالك : (المراد أن أجرة الدلال على من يأمره ، فإن أمره الإنسان ببيع متاع
فباعه له فأجرته على البائع الآمر لا على المشتري ، وإن أمره إنسان أن يشتري له
متاعا ولم يأمره مالكه ببيعه فأجرته على المشتري الآمر ، وإنما استحق الأجرة وإن
لم يشارط عليها لأن هذا العمل مما يستحق عليه أجره في العادة ، والدلال أيضا ناصب
نفسه للأجرة فيستحق على آمره الأجرة) انتهى.
(٢) شاع بين
الفقهاء هذه العبارة : أجرة الدلال على الآمر إما بائعا وإما مشتريا ، ولا
يتولاهما الواحد ، وقال في المسالك : (ولا يتولاهما الواحد فظاهر سياق العبارة أن
المراد بذلك أن الشخص الواحد لا يتولى العملين في متاع واحد ، بحيث يستحق أجرة على
البائع الذي أمره بالبيع ، والمشتري الذي أمره بالشراء ، بل لا يستحق إلا أجرة
واحدة لأنه عمل واحد ، ولأن البيع مبني على المكايسة والمغالبة ولا يكون الشخص
الواحد غالبا ومغلوبا ، والعمل بالحالة الوسطى خارج عن مطلوبهما غالبا فيتوقف على
رضاهما بذلك ، وحينئذ فمن كايس له استحق عليه الأجرة خاصة.
لكن يشكل إطلاقه
بما لو كان السعر مضبوطا عادة بحيث لا يحتاج إلى المماكسة أو كانا قد اتفقا على
قدر معلوم وأرادا توليه طرفي العقد ، وحينئذ يكون عليهما أجرة واحدة بالسوية سواء
اقترنا في الأمر أم تلاحقا ، مع احتمال كون الأجرة على السابق.
هذا إذا جوزنا
للواحد تولي طرفي العقد ، وإلا فعدم استحقاق الواحد لهما أوضح ، ويحتمل على بعد أن
يكون الضمير في «يتولاهما» عائدا إلى الايجاب والقبول المدلول عليهما بالمقام أو
بالبيع أو الشراء ـ الواردين قبل في عبارة المحقق ـ تضمنا ، فيكون ذهابا إلى المنع
، أو يعود الضمير إلى الأجرتين بناء على المنع من تولي الطرفين ، وعلى ذلك نزّل
الشهيد رحمهالله كلام الأصحاب في هذه العبارة ، لأنها عبارة متداولة بينهم.
ويضعّف بأن المصنف
ـ أي المحقق في الشرائع ـ وكثير ممن عبّر بذلك لا يرى المنع من تولي أحد الطرفين ،
فتنزيل كلامه على ما لا يوافق مذهبه المعروف به بمجرد احتمال إرادته ، مع إمكان
تنزيله على غيره بعيد جدا ، وحيث كان تولي الطرفين من الواحد جائزا عند المصنف لم
يمنع استحقاق أجرتين عليهما ، لأنهما عملان متغايران ، أعني الايجاب عن البائع
والقبول عن المشتري ، فلو صرحا له بذلك استحق على كل واحد بحسبه ، وهو راجع عرفا
إلى أجرة واحدة على المبيع موزّعة عليهما) انتهى.
كل منهما المماكسة
معه ، ولو أمراه بتولي الطرفين الإيجاب والقبول (فعليهما) أجرة واحدة بالتنصيف ، سواء اقترنا أم تلاحقا ، ولو منعنا
من تولي الطرفين من الواحد امتنع أخذ أجرتين ، لكن لا يتجه حمل كلام الأصحاب : أنه
لا يجمع بينهما لواحد عليه (١) ، لأنه قد عبّر به من يرى جوازه (٢) ، بل المراد
أنه لا يجمع بينهما لعمل واحد وإن أمره البائع بالبيع ، والمشتري بالشراء ، بل له
أجرة واحدة عليهما (٣) ، أو على أحدهما كما فصلناه (٤).
(ولا يضمن الدلال) (٥) ما يتلف بيده من الأمتعة (إلا بتفريط). والمراد به (٦) ما يشمل التعدي مجازا أو اشتراكا (فيحلف على عدمه) لو ادعى عليه التفريط ، لأنه أمين فيقبل قوله في عدمه (فإن ثبت) التفريط في حقه
وضمن القيمة (حلف على) مقدار (القيمة لو خالفه البائع) فادعى أنها أكثر مما اعترف به ، لأصالة البراءة من الزائد
، ولا ينافيه التفريط وإن أوجب الإثم كما يقبل قول الغاصب فيها (٧)
______________________________________________________
(١) على امتناع
أخذ أجرتين.
(٢) أي جواز تولي
الطرفين من واحد.
(٣) موزّعة.
(٤) بحيث أمراه
بالدلالة التي فيها مماكسة ، فالآمر للسابق عند التقارن.
(٥) لأنه أمين بلا
خلاف ولا إشكال ، والأمين لا يضمن ، وأما عموم النبوي (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)
فمختص بيد العدوان كما سيأتي بيانه في باب الغصب إن شاء الله تعالى.
(٦) أي بالتفريط ،
والتفريط من فرّط في الأمر أي قصّر فيه فضيعه كما في مصباح المنير ، وهنا ينشأ وهم
وحاصله أن المصنف حصر ضمان الدلال في التفريط وهو التقصير لغة كما عرفت ، مع أن
الافراط من جملة أسباب الضمان ، إذ يضمن الدلال مع التعدي أيضا.
هذا وأراد الشارح
دفع هذا الوهم عن المصنف وأنه قد استعمل لفظ التفريط وأراد الأعم من التقصير
والتعدي على نحو عموم المجاز.
أو أن نقول إن
التفريط كما يستعمل في التقصير يستعمل أيضا في التعدي ، ولذا يقال : أفرط في الأمر
أي أسرف فيه وجاوز الحد فيكون بمعنى التعدي ، وعليه فالمصنف قد استعمل لفظ التفريط
وأراد كلا المعنيين على نحو عموم الاشتراك.
(٧) في القيمة.
على أصح القولين (١).
(خاتمة : الإقالة فسخ
لا بيع) (٢)
عندنا ، سواء وقعت
بلفظ الفسخ أم الإقالة (في حق المتعاقدين والشفيع) وهو الشريك ، إذ لا شفعة هنا بسبب الإقالة ، وحيث كانت
فسخا لا بيعا (فلا يثبت بها شفعة) للشريك ، لاختصاصها (٣) بالبيع ، ونبه بقوله : في حق
المتعاقدين : على خلاف بعض العامة (٤) حيث جعلها (٥) بيعا في حقهما ، وبقوله :
والشفيع ،
______________________________________________________
(١) فالمشهور على
تقديم قول الغاصب لأنه منكر ، وخالف الشيخ في النهاية وقدم قول المالك وإن ادعى
الزيادة ، وهو ضعيف ، وسيأتي بيانه في باب الغصب إن شاء الله تعالى.
(٢) لا ريب في
رجحان الإقالة ومشروعيتها للأخبار.
منها : خبر ابن
حمزة عن أبي عبد الله عليهالسلام (أيّما عبد أقال
مسلما في بيع أقال الله عثرته يوم القيامة) .
وصيغتها أن يقول
كل منهما : تقايلنا أو تفاسخنا ، أو يقول أحدهما : أقلتك فيقبل الآخر ، سواء كانت
إقالة أحدهما عن التماس أم لا ، لتحقق معنى الإقالة في الجميع عرفا ولغة.
وهي عند الإمامية
فسخ سواء وقعت بلفظ الإقالة أو الفسخ ، وسواء وقعت قبل قبض المبيع أم بعده ، وسواء
كان المبيع عقارا أم غيره ، كل ذلك لإطلاق لفظ الإقالة.
وخالف بعض العامة
فبعضهم قال : إن الإقالة بيع ، وآخر أنها بيع إذا كان المبيع عقارا ، وثالث : إذا
كانت بعد القبض ، ورابع إذا كانت بلفظ الإقالة ، وخامس إذا كانت في حق الشفيع.
ولا ريب في ضعف
الجميع لعدم قصد البيع عند الإقالة ، بل المقصود خلافه ، لأنها رد ملك وليس تمليكا
جديدا ، ولذا ذهبت الإمامية إلى أن الإقالة فسخ وليست بيعا ولو وقعت بلفظ البيع
لعدم قصد معنى البيع حينئذ.
(٣) أي الشفعة.
(٤) وهو الشافعي.
(٥) أي الإقالة.
__________________
على خلاف آخرين ،
حيث جعلوها بيعا في حقه (١) دونهما (٢) ، فيثبت له بها (٣) الشفعة ، (ولا تسقط أجرة الدلال) على البيع (بها (٤) ، لأنه استحقها بالبيع السابق فلا يبطله الفسخ اللاحق ،
وكذا أجرة الوزّان ، والكيال ، والناقد بعد صدور هذه الأفعال ، لوجود سبب
الاستحقاق ، (ولا تصح بزيادة في الثمن) الذي وقع عليه البيع سابقا ، (ولا بنقيصته (٥) ، لأنها فسخ ومعناه رجوع كل عوض إلى مالكه ، فإذا شرط فيها
ما يخالف مقتضاها فسد الشرط وفسدت بفساده ، ولا فرق بين الزيادة العينية والحكمية
كالانتظار بالثمن.
(ويرجع) بالإقالة (كل عوض إلى مالكه) إن كان باقيا ، ونماؤه المتصل تابع له (٦). وأما المنفصل
فلا رجوع به وإن كان حملا لم ينفصل (٧) ، (فإن كان)
______________________________________________________
(١) أي حق الشفيع.
(٢) دون المتعاقدين
وهو مذهب أبي حنيفة.
(٣) أي يثبت
للشفيع بالإقالة.
(٤) بالإقالة ،
ولا أجرة الوزّان والناقل وغيرهم ، فلا تسقط أجرتهم بالتقايل لسبق الاستحقاق على
سعيه السابق قبل التقابل ، والإقالة الطارئة والتي هي فسخ من حين وقوعها لا تنافي
ما ثبت بسبب العقد.
(٥) بلا خلاف فيه
إلا من الاسكافي ، ودليلهم صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن رجل اشترى
ثوبا ولم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ، ثم رده على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة
، قال عليهالسلام : لا يصلح أن يأخذه بوضيعة) ، بالإضافة إلى أن الإقالة فسخ ، ومقتضاه رجوع كل عوض إلى
صاحبه ، فإذا شرط في أحد العوضين زيادة أو نقيصة فقد شرط في الإقالة ما يخالف
مقتضاها فيفسد الشرط ، ويترتب عليه فسادها ، لأنهما لم يتراضيا على الفسخ إلا على
ذلك الوجه ولم يسلم لهما ، هذا ولا فرق في المنع من الزيادة بين كونها عينية أو
حكمية كأن يقيله على أن ينظره بالثمن.
(٦) للاجماع
المدعى ، وإلا فحسب القواعد أن يكون نماء المبيع للمشتري ونماء الثمن للبائع لأن
الإقالة فسخ من حينها.
ومنه تعرف أن
النماء المنفصل فهو للمشتري إذا كان نماء المبيع ، وللبائع إذا كان نماء الثمن ،
لأنه نماء ملكه ، والفسخ بالإقالة يقع من حينه.
(٧) لأن الحمل
بنظر العرف منفصل.
__________________
(تالفا (١) فمثله) إن كان مثليا ، (أو قيمته) يوم التلف إن كان قيميا ، أو تعذر المثل ، ولو وجده معيبا
رجع بأرشه (٢) لأن الجزء ، أو الوصف الفائت بمنزلة التالف. وألفاظها تفاسخنا
وتقايلنا ، معا ، أو متلاحقين من غير فصل يعتد به ، أو يقول أحدهما : أقلتك فيقبل
الآخر وإن لم يسبق التماس (٣).
واحتمل المصنف في
الدروس الاكتفاء بالقبول الفعلي (٤).
______________________________________________________
(١) أي وجود
المبيع ، يرجع نفس المبيع إلى البائع ، ومع تلفه يرجع بمثله إن كان مثليا وإلا
بقيمته ، وعن بعضهم أنه بقيمة يوم التلف ، لأن الضمان متعلق بالعين ما دامت موجودة
، فإذا تلفت تعلق الضمان بقيمتها يومئذ ، وليس المراد من الضمان اشتغال الذمة
بالقيمة يوم التلف ، إذ لا يعقل اشتغال ذمة المالك بقيمة ماله ، بل المراد قيام
القيمة يوم التلف مقام العين في صحة تعلق الإقالة بها ، وربما احتمل القيمة يوم
القبض ، لأنه ابتدأ الضمان ، وصفقه ظاهر ، لأن الضمان مع قيام العين يكون بنفس
العين لا بقيمتها ، وقيل بضمان أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف أو يوم
الإقالة ، وهو ضعيف لأنه مع قيام العين لا يتعلق الضمان بالقيمة.
(٢) أي أرش العيب
، لأن الجزء الفائت بمنزلة التالف فيضمن كما يضمن الجميع.
(٣) قد تقدم
الكلام فيه.
(٤) بأن يقول
أحدهما : أقلتك ، ويدفع ما عنده فيقبض الآخر ، وقبض الآخر قبول فعلي ، وهو قوي
لخبر هذيل بن صدقة الطحان (سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق به إلى منزله ، ولم
ينقد شيئا فيبدو له فيرده ، هل ينبغي ذلك له ، فقال عليهالسلام : لا ، إلا أن تطيب نفس صاحبه) .
واحتمل الشارح ـ كما
في المسالك ـ أن طيب النفس يتحقق إذا انكشف من اللفظ ، ولا أقل من أنه القدر
المتيقن فيقتصر عليه.
هذا وليس ضعف قول
المصنف من جهة كون الإقالة من العقود ، بل هذا باطل ، لأن الأكثر على أنها ليست من
العقود ، وإلا لو كانت من العقود لوجب فيها ايجاب وقبول ، ولوجب الحكم بالبطلان لو
قالا تقايلنا معا ، لعدم تقديم أحدهما على الآخر ولعدم صدور القبول من أحدهما ، مع
أنه صحيح بالاتفاق.
__________________
الفهرس
ـ كتاب الكفارات
|
٥
|
|
بيع الحيوان
|
٤٣١
|
ـ كتاب النذر وتوابعه
|
٣٩
|
|
مسائل في بيع
الحيوان
|
٤٥٣
|
العهد واليمين
|
٥٥
|
|
بيع الثمار
|
٤٣٢
|
ـ كتاب القضاء
|
٦٧
|
|
مسائل في الثمار
|
٤٩٥
|
كيفية الحكم
|
٩١
|
|
بيع الصرف
|
٥٠٩
|
اليمين
|
١١٧
|
|
بيع السلف
|
٥٣١
|
الشاهد واليمين
|
١٢٣
|
|
المرابحة
|
٥٥٥
|
التعارض
|
١٣٣
|
|
المواضعة
|
٥٦٣
|
القسمة
|
١٤٥
|
|
التولية
|
٥٣٥
|
ـ كتاب الشهادات
|
١٥١
|
|
الربا
|
٥٦٧
|
الشاهد
|
١٥٥
|
|
خيار المجلس
|
٥٧٩
|
تفصيل الحقوق
|
١٨١
|
|
خيارالحيوان
|
٥٨١
|
الشهادة على الشهادة
|
١٩٥
|
|
خيار الشرط
|
٥٨٥
|
الرجوع
|
٢٠١
|
|
خيار ما يفسد ليومه
|
٥٩٣
|
ـ كتاب الوقف
|
٢٠٩
|
|
خيار الرؤية
|
٥٩٢
|
مسائل في الوقف
|
٢٤١
|
|
خيار الغبن
|
٥٩٧
|
ـ كتاب العطية
|
٢٤٩
|
|
خيار العيب
|
٦٠٧
|
الصدقة
|
٢٥١
|
|
خيار التدليس
|
٦١٩
|
الهبة
|
٢٥٧
|
|
خيار الإشتراط
|
٦٢٧
|
السكنى
|
٢٦٧
|
|
خيار الشركة
|
٦٣١
|
التحبيس
|
٢٧١
|
|
خيار تعذر التسليم
|
٦٣٣
|
ـ كتاب المتاجر
|
٢٧٣
|
|
النقد والنسيئة
|
٦٣٥
|
موضوع التجارة
|
٢٧٧
|
|
القبض
|
٦٤٩
|
المكاسب المحرمة
|
٢٧٩
|
|
فيما يدخل في المبيع
|
٦٦١
|
المكاسب المكروهة
|
٣٢٣
|
|
في أختلاف المتابعين
|
٦٦٧
|
عقد البيع
|
٣٢٧
|
|
إطلاق الكيل والوزن
|
٦٧٥
|
مسائل في البيع
|
٣٧١
|
|
الإقالة
|
٦٧٧
|
الآداب
|
٤٠٩
|
|
|
|
|