بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة

الحمد لله الذى فضل الكعبة البيت الحرام فى الأرض على البنيان ، كما فضل فى السماء عرشه المجيد الأركان ، أحمده على جميع إنعامه ـ الجلىّ والخفىّ ـ غاية الوسع والإمكان ، وأشكره طول الدهر والأزمان.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له فى السّر والإعلان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نبىّ الرحمة وحبيب الملك الديان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله وأصحابه وأهل بيته نجوم الأكوان.

وبعد :

فهذا مختصر لتاريخ مكّة والبيت الحرام على مرّ الأزمان ، نهديه لحجاج بيته والمعتمرين المتوجهين إليه من كل مكان ، وهو بحق كما أسماه مؤلفه زهور قد أينعت على الأغصان ، نقدمه للمكتبة الإسلامية طلبا لمرضات رب الأكوان ، وابتغاء لرحمته التى عمت الإنس والجان.

وأسأل الله أن يجعله فى حسناتى يوم يشيب الولدان ، وأن يمتعنى برؤية وجه العظيم فى نعيم الجنان ، بفضله وكرمه إنه الكريم المنّان.


ترجمة المصنف (١)

اسمه :

هو محمد بن أحمد بن على بن محمد بن عبد الرحمن الحسنى الفاسى ، ثم المكّى ، يرجع نسبه إلى الإمام على بن أبى طالب كرمّ الله وجهه.

كان الفاسى يلقب بتقى الدين ويكنى أبا الطيب ، وكان قاضى المالكية بالحرم الشريف ، وقد ولد فى ليلة الجمعة العشرين من ربيع الأول عام ٧٧٥ ه‍ بمكّة المكرمة.

نشأته :

نشأ الفاسى ـ رحمه‌الله ـ بمكّة المكرمة ، وتتلمذ على يد الصفوة من علمائها وأهل الفضل فيها ، وعنى بالحديث ، فقرأ وسمع كثيرا ، وقد أجازه كثير من العلماء الأعلام ، وقرأ عليهم ، وأخذ عنهم.

شيوخه :

١ ـ الإمام قاضى مكّة جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة القرشى المخزومى.

٢ ـ الإمام قاضى القضاة كمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد النويرى.

٣ ـ قاضى الحرمين محب الدين النويرى.

٤ ـ الإمام عبد الله بن عمر الصوفى.

٥ ـ الإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى الفيرروز آبادى.

٦ ـ الإمام المؤرخ ابن خلدون.

٧ ـ الإمام الشهاب أحمد العلائى ، وغيرهم كثير.

__________________

(*) انظر ترجمته فى : العقد الثمين ١ / ٢٣١ ، إنباء الغمر ٨ / ١٨٧ ، الدليل الشافى ٢ / ٥٨٥ ، الضوء اللامع ٧ / ١٨ ، طبقات الحفاظ للسيوطى ص : ٥٤٤ ، ذيل تذكرة الحفاظ ٣٧٧.


أعماله :

ولى الفاسى قضاء مكّة للمالكية ، وهو أول مالكى ولى القضاء بها استقلالا ، وباشر تدريس الفقه المالكى فى مدرسة السلطان الملك المنصور عام ٨١٤ ه‍ فى بدء إنشائها ، وكان يقوم بالتدريس فيها بين الظهر والعصر من يومى الأربعاء والخميس من كل أسبوع.

مؤلفاته :

صنف الفاسى كتبا جليلة وقيمة منها :

١ ـ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (مطبوع).

٢ ـ العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (مطبوع).

٣ ـ تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام.

٤ ـ هادى ذوى الأفهام إلى تاريخ البلد الحرام.

٥ ـ الزهور المقتطفة فى تاريخ مكّة المشرفة ، وهو كتابنا هذا.

٦ ـ عجالة القرى للراغب فى تاريخ أم القرى.

٧ ـ الجواهر السنية فى السيرة النبوية.

٨ ـ المقنع من أخبار الملوك والخلفاء وولاة مكة الشرفاء.

٩ ـ وذيّل على «العبر» للذهبى و «التقييد» لابن نقطة.

١٠ ـ فهرست مروياته.

وفاته :

بعد حياة علمية حافلة توفى الفاسى ليلة الأربعاء ٢٣ من شوال عام ٨٣٢ ه‍ بمكّة المشرفة ، رحمه‌الله ونفع بعلمه.


أصل الكتاب

اعتمدت فى تحقيق الكتاب على نسختين خطيتين :

الأولى : وحصلت على مصورة منها من مكتبة الأوقاف الكويتية برقم ٢٩٦ مجاميع ، وعدد أوراقها (١١٣) ورقة ، متوسط كل ورقة (١٨) سطرا ، ومتوسط كلمات كل سطر (٩) كلمات ، وقد كتبت بخط نسخ.

الثانية : مصورة من المتحف العراقى ببغداد ، وتحمل رقم ١٣٨٥ ، وتوجد صورة منها فى معهد المخطوطات برقم ١٧٠٩ تاريخ ، وعدد أوراقها (٧٥) ورقة ، ومتوسط عدد الأسطر (٢٥) سطرا فى الصفحة الواحدة ، وقد كتبت بخط نسخ معتاد.

هذا وقد طبع الكتاب ضمن الجزء الأول من «العقد الثمين» للفاسى ، بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقى ، وبه بعض التحريف والتصحيف ، والتى لم أشر إليها ـ اكتفاء بهذا التنويه ـ ويبدو أنه طبع على نسخة سقيمة.

منهج التحقيق

يتلخص عملى فى تحقيق الكتاب فى النقاط التالية :

١ ـ ضبطت نص الكتاب ، وأصلحت ما به من أخطاء نحوية ، وأغفلت الإشارة إلى الفروق بين النسختين ، والتى تنشأ عن التحريف ، وأخطاء الكتابة إذ ليس لها وزن علمى.

٢ ـ عزوت الآيات القرآنية إلى سورها وأرقامها.

٣ ـ خرجت الأحاديث والآثار الواردة فى الكتاب.

٤ ـ التعريف بالمواضع ، والبلدان ، والأماكن الوارد ذكرها فى الكتاب ، مستعينا بالمراجع المتداولة فى هذا الفن.

٥ ـ وثقت النصوص الواردة في ثنايا الكتاب وعزوتها إلى مصادرها الأصلية.


٦ ـ وضعت فهارس فنية للكتاب على النحو التالى :

* فهرس الآيات القرآنية حسب ترتيب سورها.

* فهرس للأحاديث والآثار.

* فهرس للأماكن والبلدان المترجم لها.

* فهرس للمصادر والمراجع.

* فهرس موضوعات الكتاب.

وكل هذه الفهارس علي ترتيب حروف المعجم إلا فهرس الآيات القرآنية.

والمرجوّ من الله تعالى أن يكون هذا الكتاب تحفة لمحبى مكّة ومن سكن بها أو زارها من الأخيار ، وقد بذلت الجهد فى ضبطه وتحقيقه ، رجاء دعوة تمحو الأوزار ، وتقيل العثار ، ونظرة رضى من نبينا المختار ، صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأبرار.

والله أسأل أن يحرم شعرى وبشرى ولحمى ودمى على النار ، وأن يغفر لى ما قدمت وما أخرت إنه الرحيم الغفار.

القاهرة في ٢٥ من ذى الحجة ١٤١٧ ه

دكتور

مصطفى محمد حسين الذهبى





بسم الله الرحمن الرحيم

[مقدمة المؤلف]

الحمد لله الذى جعل لمكّة فى الفضل مزايا ، وخصها ببيته الذى هو قبلة للبرايا ، وبحجه الذنب مغفور ، وبالطواف به تكثر الأجور.

أحمده على ما من به من النزول فى حماه ، وأساله دوام ذلك مدة المحياة.

وأشهد أن لا إله إلا الله الذى منح شارب ماء زمزم بنيل المنى ، وأشهد أن نبينا محمدا أفضل من حج ورمى الجمار بمنى ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما وقف واقف بعرفات والمشعر ، ورضى الله عن آله وأصحابه ما سعى ساع بين الصفا والمروة ، وبين الميلين الأخضرين أحضر.

أما بعد :

فهذا ما وعدت بذكره فى كتابى «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» من أخبار مكّة المشرفة ، وحكم بيع دورها ، وإجارتها ، وأسمائها ، وحرمها ، وحدوده ، وشئ مما يختص بذلك من المسائل ، وفضل الحرم ومكّة ، والصلاة فيها على غيرها ، وغير ذلك من فضلها ، وحكم المجاورة بها ، وفضل الموت فيها ، وفضل أهلها ، وفضل جدة ، والطائف ، وغير ذلك من خبرهما.

وأخبار الكعبة المعظمة وفضلها ، وفضل الحجر الأسود ، والركن اليمانى ، وفضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، وخبر الحجر الأسود ، والحجر ـ بسكون الجيم ـ ومقام الخليل ـ عليه‌السلام ـ والأماكن التى صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها حول الكعبة ، والأماكن التى يستجاب الدعاء فيها بمكة ، وحرمها.

وخبر المسجد الحرام وزمزم ، وسقاية العباس رضى الله عنه ، والأماكن المباركة بمكّة وحرمها ، والأماكن التى تتعلق بها المناسك ، وما علمته من المآثر بمكّة ، وحرمها.


وأخبار جاهلية وإسلامية ، لها تعلق بالحاج ، وغير ذلك ، وما علمته من ولاة مكّة فى الإسلام على سبيل الإجمال.

وهذا الأمر لم أر من عنى بجمعه قبلى ، وجميع ذلك ملخص من تأليفى «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» وجعلته أربعين بابا كأصله ، وسميته : «الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرفة».

* * *


الباب الأول

فى ذكر مكّة المشرفة وحكم بيع دورها وإجارتها

مكّة المشرفة : بلدة مستطيلة كبيرة ، تسع من الخلائق ما لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فى بطن واد مقدس ، والجبال محدقة بها كالسور لها.

ولها ـ مع ذلك ـ ثلاثة أسوار : سور فى جهة المشرق ، يعرف بسور باب المعلّاة ؛ لأنه فى أعلاها ، وسور فى جهة المغرب والمدينة النبوية ، يعرف بسور باب الشبيكة ، وسور فى جهة اليمن ، ويعرف بسور باب اليمن وباب الماجن.

وكان جدر هذا السور وجدر سور باب المعلّاة : غير كاملين بالبناء ، وكانا قصيرين عن القامة ، فعمرا حتى زادا على القامة ، وتكمل بناؤهما إلا موضعا فى سور باب المعلّاة ، لأن ما تحته مهواة.

وهذه العمارة فى النصف الثانى من سنة ست عشرة وثمانمائة ، من قبل السيد حسن بن عجلان ، بعد أن هجم مكّة ـ فى غيبته عنها ـ ابن أخيه السيد رميثة بن محمد بن عجلان فى جمادى الآخرة من السنة المذكورة (١).

ثم أخربت من سور باب المعلّاة مواضع ، وأحرق بابه ، لفتنة كانت بين أميريها المذكورين ، فى خامس عشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة (٢).

ثم أعيد بناء ما تخرب ، وعمل باب حديد ، وذلك فى شوال وذى القعدة من السنة المذكورة (٣).

ثم خرب جانب من سور باب المعلّاة بين البابين اللذين فى السور المذكور.

ثم [خرب] جانب من سور باب الماجن ، من سيل كان بمكّة فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة (٤).

وعمّر ذلك كله فى أوائل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

__________________

(١) إتحاف الوري ٣ / ٥٠٤ ، العقد الثمين ٤ / ١١٧.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥٣٢.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٣٤ ، السلوك ٤ / ١ : ٣٧١ ، إنباء الغمر ٣ / ٩٢.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٦٠٧ ، السلوك ٤ / ٢ : ٦٦٣.


وكان الخراب فى سور باب المعلّاة فى آخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة (١).

ذرع مكّة من باب المعلّاة إلى باب الماجن : أربعة آلاف ذراع وأربعمائة ذراع واثنان وسبعون ذرعا ـ بتقديم السين ـ بذراع اليد ، وذلك على خط الردم ، والمسعى ، وسوق العلافة.

ومن باب المعلّاة إلى الشبيكة : مثل ذلك ، بزيادة مائتى ذراع وعشرين ذراعا باليد ، وذلك فى الطريق المشار إليها ، إلا أنه يعدل إلى الشبيكة من الزقاق المعروف بابن عرفة.

ومن الجبال المحدقة بمكّة : أخشباها.

وهما : أبو قبيس ، والأحمر المقابل له ، على ما ذكر الأزرقى والفاكهى.

وقيل : أبو قبيس وقعيقعان. ذكر ذلك ياقوت.

وعرف أبو قبيس بالأخشب الشرقى ، وقعيقعان بالغربى ، والأخشب الجبل الغليظ.

وفى تسمية أبى قبيس أقوال : أحدها : أنه يسمى برجل من إياد.

وذكر الوراق : أنه يقال له : أبو قابوس ، وشيخ الجبال .. انتهى.

و «أبو قبيس» اسم لحصن بحلب قبالة شيزر ، على ما ذكر ياقوت.

و «قعيقعان» اسم لمواضع ذكرها ياقوت ، ولموضعين لم يذكرهما ، أحدهما : يليّة من عمل الطائف ، والآخر باليمن.

وسيأتى إن شاء الله تعالى شئ فى سبب تسميته بقعيقعان.

وبمكّة أبنية كثيرة ، وعين جارية ، وآبار غالبها مسبل ، وبرك مسبّلة ، وحمامان.

وكان بها ستة عشر حماما ، على ما ذكر الفاكهى (٢).

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٨٨ ، ٥٨٩.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٠.


وبعض الدور التى بمكّة : علامة لحد المعلّاة والمسفلة ؛ لأن دار الخيزران ـ عند الصفا ـ علامة لحد المعلّاة من شق مكّة الأيمن ، ودار العجلة علامة لحد المعلّاة من شق مكّة الأيسر.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى تفضيل المعلّاة على المسفلة (١).

وذكر الفاكهى شيئا مفيدا فى مخاليف مكّة ؛ لأنه قال : وآخر أعمالها ـ مما يلى طريق المدينة ـ موضع يقال له : جنابذ بن صيفى (٢) فيما بين عسفان ومرّ ، وذلك على يوم وبعض يوم.

وآخر أعمالها ـ مما يلى طريق الجادة فى طريق العراق ـ : العمير ؛ وهو قريب من ذات عرق ، وذلك على يوم وبعض يوم.

وآخر أعمالها ـ مما يلى اليمن على طريق تهامة اليوم ـ موضع يقال له : ضنكان ، وذلك على عشرة أيام من مكّة.

وقد كان آخر أعمالها فيما مضى : بلاد عكّ.

وآخر أعمالها ـ مما يلى اليمن فى طريق نجد ، وطريق صنعاء ـ موضع يقال له «نجران» على عشرين يوما من مكّة (٣) .. انتهى.

وذكر ابن خرداذبة فى «مخاليف مكّة» ما يوافق ما ذكره الفاكهى ، وصرح فيهما بما لم يصرح به الفاكهى (٤).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٩٩.

(٢) لم يذكرها ياقوت فى معجم البلدان ، ولا البلاذرى فى معجم معالم الحجاز ، وذكرها الحربى فى مناسكه (ص : ٤٦٤) فقال : ومن عسفان إلى جنابذ بنى ـ هكذا قال ـ صيفى : تسعة عشر ميلا. وقبل ذلك بميل : بثر ابن ضبيع ، وقبله : بثر القرشى ، ثم قال : ومن الجنابذ إلى مرّ (يعنى مرّ الظهران) : أربعة أميال ، وبعد الجنابذ : بميل خشونة وصعوبة ، وطريق ضيق بين الجبلين يقال أنه الموضع الذى أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العباس أن يحبس فيه أبا سفيان حتى تمر الجيوش .. انتهى.

والمراد بالجنابذ : القباب التى أقيمت على سقايات فى هذا الموضع فاشتهرت به ، وصيفى ـ المشار إليه ـ هو الذى يقال له : أبا السائب بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم (انظر عنه : نسب قريش ص : ٣٣٣) وجمهرة أنساب العرب (١ / ١٢٨).

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٠٦ ، ١٠٧.

(٤) المسالك والممالك (ص : ١٣٣).


وليس كل ما ذكراه معدودا اليوم فى أعمال مكّة ؛ لأن كثيرا من ذلك ليس لأمير مكّة الآن فيه كلام.

وأبعد مكان عن مكّة لأميرها الآن فيه كلام : «الحسنة» وهى بلدة بينها وبين «قنونا» (١) يوم ، وبين «حلى» (٢) يومان.

وكلامه فيها باعتبار أن له على مزارعها كل سنة مائة غرارة مكية ، فيما قيل ، وله أيضا رسم على أهل «دوقة» (٣) و «الواديين» و «الليث» (٤).

وأبعد مكان ـ بعد هذه الأماكن عن مكة لأميرها فيه كلام الآن ـ وادى الطائف ، ووادى «ليّة» (٥) ، ولأمير مكة فيهما من الكلمة والعادة على أهلهما أكثر مما له فى الأماكن السابق ذكرها.

ولقاضى مكّة نواب بوادى الطائف ، و «ليّة».

وصرّح جماعة من فقهاء الشافعية بأن الطائف ووجّ وما ينضاف إليهما منسوبة إلى مكّة ومعدودة فى أعمالها ، وهذا فى «الروضة» للنووى.

ومن أعمال مكّة فى صوب الطائف : وادى نخلة الشامية ، واليمانية. ونخلة على ليلة من مكّة.

وأبعد مكان عن مكّة فى صوب المدينة لأمير مكّة الآن فيه كلام : وادى

__________________

(١) قنونا : هى بلدة القنفذة ، وهى ميناء من موانئ الحجاز الجنوبية (جغرافية شبه جزيرة العرب ، لعمر رضا كحالة : (ص : ٢٨) ، ومعجم البلدان (٤ / ٢٠٩) : قنوتى : بالفتح ونونين ، بوزن : فعوعل.

(٢) حلى : بحاء مهملة مفتوحة ولام ساكنة (انظر : معجم شبه جزيرة العرب للهمدانى ص : ١٢٠).

(٣) دوقة : واد على طريق الحاج من صنعاء إذا سلكوا ، بينه وبين «يلملم» : ثلاثة أيام (معجم البلدان ٢ / ٤٨٥).

(٤) الليث : بكسر اللام ثم ياء ساكنة ، وينطقها أهل الحجاز : الّليت ـ بالكسر المشدد فى أوله ، وإبدال الثاء تاء ـ وهو واد بأسفل السراة يدفع فى البحر (معجم البلدان ٥ / ٢٨).

(٥) لية : لا يزال هذا الوادى يعرف بهذا الاسم إلى الآن ، وهو واد كبير من أودية الطائف له روافد كثيرة ، وهو إلى جنوب الطائف بحوالى (١٥) كم ، ويشتهر منذ القدم بجودة رمانه وخيراته ، ومن الآثار التاريخية فى هذا الوادي : حصن مالك بن عوف قائد هوازن يوم حنين (انظر : معجم معالم الحجاز ٧ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣).


«الهدة» ـ هدة بنى جابر ـ وهى على مرحلة من «مرّ الظهران» ، ومر الظهران على مرحلة من مكّة ، وهو والهدة معدودان من أعمالها.

وولاة مكّة الآن يأخذون ما يغرق فى البحر فيما بين جدة ورابغ ، ويرون أن ذلك يدخل فى عملهم.

و «جدة» من أعمال مكّة فى تاريخه وفيما قبله ، وهى على مرحلتين من مكّة.

وليس كل ما ذكره ابن خرداذبة والفاكهى فى مخاليف مكّة داخلا فى الحجاز ، الذى هو : مكّة ، والمدينة ، واليمامة ، ومخاليفها.

وقد عرّف الحجاز بذلك الإمام الشافعى رضى الله عنه وغيره.

وقيل فى الحجاز غير ذلك.

وسمى حجازا : لحجزه بين تهامة ونجد.

وقيل فيه غير ذلك ، والله أعلم.

ذكر حكم بيع دور مكّة وإجارتها

اختلف فى ذلك قول مالك ، فروى عنه : أنه كره بيعها وكراء دورها ، فإن بيعت أو أكريت : لم يفسخ.

وروى عنه منع ذلك.

وليس سبب الخلاف عند المالكية : هل فتحت عنوة ، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة ، وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك : الخلاف فى مكّة : هل منّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها على أهلها ، فلم تقسم ، ولا سبى أهلها ، لما عظم الله من حرمتها ، أو أقرت للمسلمين؟ أشار إلى ذلك ابن رشد (١).

وعلى الأول : ينبنى جواز بيع دورها وإجارتها.

وينبنى منع ذلك على القول بأنها أقرت للمسلمين.

وفى هذا القول نظر ، فقد بيعت دور مكّة فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمر ،

__________________

(١) البيان والتحصيل ٣ / ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، وهداية السالك لابن جماعة ٢ / ٩٥٨.


وعثمان ـ رضى الله عنهما ـ وبأمرهما اشتريت دور لتوسعة المسجد الحرام ، وكذلك فعل ابن الزبير ـ رضى الله عنهما ـ (١).

وفعل ذلك غير واحد من الصحابة ، وهم أعرف الناس بما يصلح فى مكّة.

وهذا مذكور فى تاريخ الأزرقى ، ما عدا بيعها فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ؛ فإن ذلك مذكور فى كتاب الفاكهى عن عبد الرحمن بن مهدى (٣).

ولا يعارض هذا حديث علقمة بن نضلة الكنانى ـ وقيل الكندى ـ : كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ لا تكرى ولا تباع ، ولا تدعى إلا السوائب ، ومن احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن. وهذا لفظ الأزرقى ، وفى ابن ماجه معناه (٤).

لأن حاصل حديث علقمة : شهادة على النفى ، وفى مثل هذا يقدم المثبت ، والله أعلم.

واختلف الحنفية فى جواز بيع دور مكّة ، واختيار الصاحبين ـ أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ـ جواز ذلك ، وعلى قولهما الفتوى ، فيما ذكر الصدر الشهيد ، ومقتضى قولهما بجواز البيع : جواز الكراء ، والله أعلم.

واختلف رأى الإمام أحمد فى ذلك ، فعنه روايتان فى جواز بيع دور مكّة وإجارتها ، ورجح كلا منهما مرجح من أتباعه المتأخرين (٥).

ولم يختلف مذهب الشافعى فى جواز بيع دور مكّة وكرائها ؛ لأنها عنده فتحت صلحا.

وقال بعضهم عنه : فتحت بأمان ، وهو فى معنى الصلح.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٢٥٦ ، والروض الأنف ٣ / ١٠٢.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٦٤.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٢٥٦.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٦٣ ، وسنن ابن ماجه (٣١٠٧) ، وسنن الدار قطنى (٢٢٨) وفيهما زيادة هى : «من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن».

(٥) هداية السالك ٢ / ٩٥٨ ـ ٩٥٩.


وقال الماوردى ـ من أئمة الشافعية ـ : عندى أن أسفلها دخله خالد بن الوليد رضى الله عنه عنوة ، وأعلاها فتح صلحا.

قال النووى : والصحيح الأول ، يعنى أنها فتحت صلحا كلها.

ومن أصرح الأخبار الدالة على أن فتح مكّة عنوة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خطبته بمكّة يوم فتحها : «يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اذهبوا فأنتم الطلقاء» (١) وهذه الخطبة فى سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام (٢).

قال ابن الأثير فى «النهاية» فى حديث حنين : «خرج إليها ومعه الطلقاء الذين خلّا عنهم يوم فتح مكّة ، أطلقهم ولم يسترقهم» إلى آخر كلامه.

وإذا كان هذا معنى الطلقاء ، فخطاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقريش ـ هذا الخطاب ـ يقتضى أنهم كانوا حين خوطبوا بذلك فى الأسر المقتضى للاسترقاق ، لو لا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفضل عليهم بالإطلاق ، ولو لا ذلك لم يكن لاستعلامه قريشا عما يتوقعونه منه محل ، كما لا محل لخطاب قريش بذلك بعد تأمينهم.

ويبعد الانفصال عن هذا الدليل بجواب شاف ، إلا أن يقال : إنه مرسل.

وفى أصل هذا الكتاب ـ فيما يتعلق بفتح مكة ـ فوائد أخرى ، مع بيان النظر فيما أجاب به النووى ـ رحمه‌الله ـ عن الأحاديث المقتضية لفتح مكّة عنوة.

وفيما ذكره حجة للإمام الشافعى فى فتح مكّة صلحا.

وفى أن دورها مملوكة لأهلها ، والله أعلم بالصواب.

وهذا من النووى : تأييد لقول الشافعى : إن مكّة فتحت صلحا.

وفى شرح مسلم للقاضى عياض ، والمازرى ما يقتضى أنه انفرد بذلك ، ولم ينفرد به ؛ لموافقة مجاهد وغيره له على ذلك ، على ما وجدت بخط سليمان بن خليل إمام المقام الشريف بمكّة ، فى حاشية فى المهذب ، نقلها عن «الشامل» ، ولم يقل فيها «لابن الصباغ» وهو له ـ فى غالب الظن ـ ، والله أعلم.

__________________

(١) السيرة لابن هشام ٢ / ٤١٢.

(٢) السيرة لابن هشام ٢ / ٤١٢.



الباب الثاني

فى أسماء مكّة

لمكّة المشرفة : أسماء كثيرة ، بعضها مأخوذ من القرآن العظيم ؛ وذلك ثمانية : «مكّة» بالميم ، و «بكة» بالباء ، و «أم القرى» ، و «القرية» ، و «البلد» ، و «البلد الأمين» ، و «البلدة» ، و «معاد». ومواضعها فى القرآن العظيم ظاهرة.

وقد جمع شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى ـ قاضى اليمن ـ فى أسماء مكّة أكثر مما جمعه غيره ، وذكرنا ذلك فى أصله.

وقد أغرب فى كثير مما ذكر ، وفاته مع ذلك أسماء أخر ،منها : «برة» ذكره سليمان بن خليل.

ومنها : «بساق» ذكره ابن رشيق فى «العمدة فى الأدب».

ومنها : «البيت العتيق» ذكره الأزرقى.

ومنها : «الرأس» ذكره السهيلى وغيره.

ومنها : «القادسية» ذكره ابن جماعة فى «منسكه» (١) ، ولم يعزه.

ومنها : «المسجد الحرام».

ومنها : «المعطشة» ذكرهما ابن خليل.

ومنها : «المكّتان» ذكره القيراطى فى ديوانه ، وذكر السهيلى ما يشهد له فى غير موضع.

ومنها : «النابية» بالنون والباء ، ذكره الشيخ عماد الدين بن كثير فى تفسيره

ومنها : «أم روح» ذكره ابن الأثير فى كتابه «المرصع».

ومنها : «أم الرحمن».

__________________

(١) هداية السالك ٢ / ٧٣٧ ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٢٣٠) ، وسبل الهدى والرشاد ١ / ٢٢٥ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٧٩.


ومنها : «أم كوثى» ذكرهما عبد الله بن عبد الملك المرجانى فى تاريخه للمدينة النبوية ، وعزا الأول لابن العربى ، وقال فيه ، بعد ذكره لأسماء مكّة : ومن الخواص ، قيل إذا كتب بالدم على الجبين : «مكّة وسط الدنيا ، والله رءوف بالعباد» انقطع الدم .. انتهى.

وقد اختلف فى «مكّة» و «بكة» هل هما بمعنيين ، أو بمعنى واحد؟ واختلف القائلون بالأول.

فقيل : بكة : بالباء : موضع البيت ، وبالميم : القرية.

وقيل : بالباء : موضع البيت ، وبالميم : الحرم كله (١).

وقيل غير ذلك ، والله أعلم.

* * *

__________________

(١) القرى (ص : ٦٥٠ ، ٦٥١) ، والأحكام السلطانية (ص : ١٥٧) ، وأخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٨٠ ـ ٢٨٢ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٧٩ ، والمناسك للحربى (ص : ٤٧٢) ، وتهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ، والروض الأنف ٢ / ٢٢ ـ ٢٦ ، وسبل الهدى والرشاد ١ / ٥٢٢ ـ ٢٢٦.


الباب الثالث

فى ذكر حرم مكة ، وسبب تحريمه ، وتحديده ،

وعلاماته ، وحدوده وما يتعلق بذلك من ضبط ألفاظ

فى حدوده ، ومعانى بعض أسمائها

حرم مكّة : ما أحاط بها ، وأطاف بها من جوانبها ، جعل الله ـ تعالى ـ حكمه حكمها فى الحرمة ، تشريفا لها ، أشار إلى ذلك الماوردى ، وابن خليل ، والنووى (١).

وسبب تحريمه ـ على ما قيل ـ : أن آدم ـ عليه‌السلام ـ خاف على نفسه حين أهبط إلى الأرض ، فبعث الله ـ تعالى ـ ملائكة لحراسته. فوقفت فى مواضع أنصاب الحرم من كل جانب ، فصار ما بين آدم وموقف الملائكة حرما ، وقيل غير ذلك فى سبب تحريمه (٢).

وللحرم علامات بينة ، وهى أنصاب مبنية من جميع جوانبه ، إلا من جهة الجعرانة ، وجدة ، فلا بناء فيهما.

والخليل ـ عليه‌السلام ـ أول من نصبها ، بدلالة جبريل عليه‌السلام ، ثم قصىّ بن كلاب ، ثم نصبتها قريش ، بعد أن نزعتها قبل هجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمر عليه الصلاة والسلام بنصبها عام الفتح ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم معاوية ـ رضى الله عنهم ـ ، ثم عبد الملك بن مروان (٣).

هذا ما ذكره الأزرقى فيمن نصبها (٤).

وقيل : إن إسماعيل نصبها (٥).

__________________

(١) الأحكام السلطانية (ص : ١٥٧) ، وتهذيب الأسماء ق ٢ / ١٥٦.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٧٤ ، وهذا الخبر مروى فى : مسند أحمد ١ / ٢٦٢ ، ٢٩١ ، والدارمى ٢ / ٤٢ ، وابن ماجة فى سننه ٢ / ٩٨٢ ، وابن خزيمة فى صحيحه ٤ / ٢٢٠ ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٨).

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٧٣ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٩ ، والاستيعاب لابن عبد البر ١ / ٨٠ وابن حجر فى الإصابة ١ / ٤٤ ـ ٤٥ ، والقرى (ص : ٦٥٢).

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٩.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٢٥.


وقيل : إن عدنان بن أدد أول من نصبها. ونصبها المهدى العباسى.

وفى خلافة الراضى العباسى : عمّر العلمان الكبيران اللذان فى جهة التّنعيم ـ بالأرض لا الجبل ـ وذلك فى سنة خمس وعشرين وثلاثمائة (١).

وفى سنة ست عشرة وستمائة : عمر العلمان اللذان هما حدّ الحرم من جهة عرفة ، من قبل المظفر صاحب إربل.

وعمرا فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة من قبل المظفر صاحب اليمن (٢).

وجميع حدود الحرم مختلف فيها ؛ لأن فى حدة من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن «نمرة» (٣) أربعة أقوال :

نحو ثمانية عشر ميلا ، على ما ذكر أبو الوليد الباجى المالكى.

وأحد عشر ميلا على ما ذكره الأزرقى (٤) ، والفاكهى (٥) ، وابن خرداذبة الخراسانى فى كتابه «المسالك والممالك» (٦).

وتسعة أميال ـ بتقديم التاء ـ ذكره ابن أبى زيد المالكى فى «النوادر».

وسبعة ـ بتقديم السين ـ ذكره الماوردى والشيخ أبو إسحاق الشيرازى والنووى (٧).

وفيما قالوا نظر قوى ، يقتضى بعد استقامة قولهم ، كما سيأتى بيانه.

وذكر النووى : أن الأزرقى تفرد بما قاله فى ذلك.

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٨.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١١٧.

(٣) نمرة : بفتح أوله ، وكسر ثانيه : ناحية بعرفة نزل بها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : الحرم من طريق الطائف على طريق عرفة من نمرة على أحد عشر ميلا ، وقيل غير ذلك (معجم البلدان ٥ / ٣٠٤ ، ٣٠٥).

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣١.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٨٧.

(٦) المسالك والممالك (ص : ١٣٢).

(٧) الأحكام السلطانية (ص : ١٦٤ ، ١٦٥) ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ق ٢ / ٨٢.


ولم يتفرد به ، لموافقة الفاكهى ، وابن خرداذبة له عليه ، ولا أعلم له فى ذلك مخالفا قبل من ذكرنا ، والله أعلم.

وفى حدة من جهة العراق أربعة أقوال : سبعة أميال ـ بتقديم السين ـ ، وثمانية ، وعشرة ، وستة (١).

وفى حدة من جهة الجعرانة قولان : تسعة ـ بتقديم التاء ـ ، وبريد (٢).

وفى حدة من جهة التنعيم أربعة أقوال : ثلاثة ، ونحو أربعة ، وأربعة ، وخمسة (٣).

وفى حدة من جهة جدة قولان : عشرة ، ونحو ثمانية عشر ، على ما ذكره الباجى (٤).

وفى حدة من جهة اليمن قولان : سبعة ـ بتقديم السين ـ ، وستة ، على ما وجدت بخط المحب الطبرى فى كتابه «القرى» رأيته فى غير نسخة منه (٥).

ووقع لبعض الحنفية فى حدود الحرام ما يستغرب جدا ، وذلك مذكور فى أصله.

وقد اعتبرت مقدار الحرم من جهته المعروفة بحبل مقدر على ذراع اليد ، وهو المعتبر فى مسافة القصر ، على ما ذكره المحب الطبرى ، فنذكر ذلك ، وهو : أن من جدر باب المسجد الحرام ـ المعروف بباب بنى شيبة ـ إلى العلمين اللذين هما علامة حد الحرم فى جهة عرفة : سبعة ـ بتقديم السين ـ وثلاثين ألف ذراع ومائتى ذراع وعشرة أذرع وسبعى ذراع باليد. ومن عتبة باب المعلّاة إلى العلمين ـ المشار إليهما ـ : خمسة وثلاثون ألف ذراع وثلاثة وثمانون ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد.

__________________

(١) المسالك والممالك (ص : ١٣٢) ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣١.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣٠ ، ١٣١ ، والمسالك والممالك (ص : ١٣٢) ، والأحكام السلطانية (ص : ١٦٤).

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣١ ، والأحكام السلطانية (ص : ١٦٥).

(٥) القرى (ص : ٦٥١) ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣١.


وأما حد الحرم من جهة العراق : فإن من جدر باب بنى شيبة إلى العلمين اللذين بجادة طريق وادى نخلة : سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع واثنين وخمسين ذراعا باليد.

ومن عتبة باب المعلّاة إلى العلمين المشار إليهما : خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذراعا باليد.

وأما حد الحرم من جهة التنعيم : فإن من جدر باب المسجد الحرام ـ المعروف بباب العمرة ـ إلى أعلام الحرم فى هذه الجهة التى بالأرض ، لا التى بالجبل : اثنا عشر ألف ذراع وأربعمائة وعشرين ذراعا باليد.

ومن عتبة باب الشبيكة إلى الاعلام المشار إليها : عشرة آلاف ذراع وثمانمائة ذراع واثنى عشر ذراعا.

وأما حد الحرم من جهة اليمن : فإن من جدر باب المسجد الحرام ـ المعروف بباب إبراهيم ـ إلى علامة حد الحرم فى جهة الثمن : أربعة وعشرين ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع ـ بتقديم التاء ـ وأربعة أسباع ذراع.

ومن عتبة باب الماجن إلى حد الحرم فى هذه الجهة : اثنان وعشرون ألف ذراع وثمانمائة ذراع وستة وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ وأربعة أسباع ذراع.

وقال ابن خرداذبة : طول الحرم حول مكّة ـ كما يدور ـ : سبعة وثلاثثون ميلا ، وهى التى تدور بأنصاب الحرم .. انتهى.

وهى فائدة حسنة ، إن صحت ، والله أعلم.

و «نفار» المذكورة فى جهة التنعيم : بنون وفاء وألف وراء مهملة.

ووقع فى حد الحرم من جهة العراق : «خل» بخاء معجمة.

وقال النووى : فيه «جل» بجيم ، ولعله تصحيف.

ووقع فى حد الحرم «لبن» وهى بكسر اللام وإسكان الباء الموحدة ، وضبطها ابن خليل بفتح اللام والباء.

* * *


الباب الرابع

فى ذكر شىء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة

مكّة وحرمها وشىء من الأحكام المختصة بذلك ،

وذكر شىء مما ورد فى تعظيم الناس لمكّة وحرمها ،

وفى تعظيم الذنب فى ذلك ، وفى فضل الحرم

روينا عن مجاهد قال : «إن هذا الحرم حرّم حذاؤه من السموات والأرضين السبع» أخرجه الأزرقى (١).

وروينا من حديث ابن عباس ، وأبى هريرة ، وأبى شريح الخزاعى ـ رضى الله عنهم ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث تقتضى أن الله ـ عزوجل ـ حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وأنه لا يحل اختلاء خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف (٢).

وهذه الأمور مما اختصت بها مكّة ، إلا أن الصحيح من مذهب مالك : أن لقطة مكّة كغيرها ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، وأحمد.

ومن تنفير صيد مكة أن يصاح فينفر ، قاله المحب الطبرى.

ونقل عن عكرمة أنه قال لرجل : أتدرى ما تنفير صيدها؟ هو أن تنحيه من الظل ، وتنزل مكانه .. انتهى.

وإذا امتنع تنفير صيدها فيمتنع اصطياده من باب أولى.

والمدينة النبوية تشارك مكة فى تحريم صيدها ، ولكن لا جزاء فى صيد المدينة على مشهور المذهب (٣).

وأما مكة فلا خلاف فى وجوب الجزاء فى صيدها ، فتمتاز بذلك ، وبما سبق (٤) ، وبأن صلاة العيد تقام بمكة فى المسجد الحرام ، وفى غيرها تقام فى

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٢٤ ، ١٢٥.

(٢) أخرجه البخارى (١٥٨٧) ، ومسلم (الحح : ٤٤٥) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٠٧) ، وأبو يعلى (٦٩٢٨) ، وأبو داود (٢٠١٨) ، والنسائى (٢٨٧٤) ، والترمذى (١٥٩٠).

(٣) هداية السالك ٣ / ١٤٠٣. (٤) القرى (ص : ٢١٩ ، ٢٢٠).


الصحراء ، وبأن الإنسان يؤاخذ بهمّه بالسيئة فيها ، وأن كان نائيا عنها ، كما هو مقتضى حديث ابن مسعود فى مسند ابن حنبل وغيره.

وتمتاز عند الشافعى وطائفة من العلماء بتضاعف الصلاة فيها على غيرها (١) ، وبعدم كراهية صلاة النافلة فيها فى وقت الكراهة وغير ذلك.

ومما تمتاز به : تضاعف السيئة بها عند مجاهد وابن حنبل ، والصحيح خلافه (٢).

ولمكّة أحكام أخر تخصها ، وأحكام أخر تشاركها فيها المدينة ، وقد استوفينا ذلك كله فى أصله.

وحرم مكّة فيما ذكر مساو لها ، ويستثنى من نباته : الإذخر والسنا ، والإذخر فى الحديث ، والسنا مقيس عليه ؛ للحاجة إليه فى الدواء ، نص عليه فى «المدونة» و «الموازية».

ويستثنى من عضد شجر الحرم : العصا والعصاتين ، فإن مالكا أرخص فى ذلك.

وأما تعظيم الناس لمكّة وحرمها : ففى الأزرقى من ذلك أخبار.

منها : أن الرجل كان يلقى قاتل أبيه وأخيه فى الكعبة ، أو فى الحرم ، فى الشهر الحرام ، فلا يعرض له.

ومنها : أن احتكار الطعام بها للبيع إلحاد ، وهذا يروى عن عمر وابنه.

ومنها : ما يروى عن عمر رضى الله عنه : لأن أخطىء سبعين خطيئة بركبة أحبّ إلىّ من أن أخطىء خطيئة واحدة بمكة (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ / ٤٧٦ ، وأحمد فى مسنده ٢ / ٢٩ ، ١٥٥ ، وأبو يعلى (٥٧٦٠) ، وابن ماجه (١٤٠٥) ، والقرى (ص : ٦٥٦) ، وهداية المسالك ٣ / ١٣٨٧.

(٢) القرى (ص : ٦٥٨).

(٣) أخرجه : عبد الرازق فى مصنفه ٥ / ٢٨ ، وأخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٢٥٦. وركبة : أرض تبعد عن مكة ب (١٦٠) كم. (انظر : معجم البلدان ٣ / ٦٣ ، ومعجم معالم الحجاز ٤ / ٦٨).


ومنها : أن الشيخ أبا عمرو الزجاجى ـ أحد كبار مشايخ الصوفية ـ أقام بمكّة أربعين سنة لم يبل ولم يتغوط فى الحرم.

وجاء فى النجاة من الذنب بالالتجاء إلى الحرم حديث لجابر فى نجاة أبى رغال والد ثقيف ، مما أصاب قوم ثمود لعقرهم الناقة ، فلما خرج من الحرم أصيب ، وهذا الحديث فى مسلم وغيره.

* * *



الباب الخامس

فى الأحاديث الدالة على أن مكّة المشرفة أفضل من

غيرها من البلاد ، وأن الصلاة فيها أفضل من غيرها ،

وغير ذلك من فضلها

أما الأخبار الواردة فى تفضيل مكّة : فإن منها ما روينا عن عبد الله بن عدى بن الحمراء رضى الله عنه : أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو على راحلته بالحزورة بمكّة ـ يقول لمكّة : «والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلىّ ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت» أخرجه الترمذى (١) ، وحسنه.

وأخرجه ابن حبان فى صحيحه (٢).

وروينا نحوه من حديث أبى هريرة : ففى سنن النسائى (٣) ، وأنكر صحته الحافظ أبو الفضل ابن حجر ـ صاحبنا ـ وبرهن على ذلك ، وذكرنا برهانه فى الأصل.

وحديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : فى الترمذى ، وقال : حسن صحيح غريب.

وحديث عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ : فى كتاب الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه.

و «الحزورة» (٤) مخففة على وزن قسورة.

وأما الأحاديث الواردة فى تفضيل الصلاة فى المسجد الحرام على غيره من المساجد فعدة أحاديث ، ومن أصحها حديثان : حديث جابر بن عبد الله الأنصارى (٥) ، وحديث عبد الله بن الزّبير رضى الله عنهم.

__________________

(١) أخرجه : الترمذي (٣٩٢٥) ، وأحمد فى مسنده ٤ / ٣٠٥ ، وابن ماجه (٣١٠٨) ، وابن حبان (٣٧٠٨) ، والحاكم فى المستدرك ٣ / ٤٣١ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٥٤ ، وعبد الرازق فى مصنفه (٨٨٦٨).

(٢) صحيح ابن حبان (٣٧٠٨).

(٣) لم نجده فى سنن النسائى ولا عزاه له فى جامع الأصول ٩ / ٢٢٩٢.

(٤) الحزورة : سوق مكّة آنذاك. ذكر فى نور النبراس : وقد دخلت الحزورة فى المسجد لما زيد فيه ، والحزورة : هى الرابية الصغيرة.

(٥) أحمد ٣ / ٣٩٧ ، وابن ماجه (١٤٠٦).


وحديث جابر فى ابن ماجه بإسناد صحيح ، وفى مسند أحمد.

وحديث ابن الزّبير فى مسند الطيالسي ، وفيه : «أن الصلاة فى المسجد الحرام تفضل على الصلاة فى غيره بمائة ألف» (١) وفى بعض طرقه «تفضل بمائة صلاة» وفى بعضها «بألف صلاة».

وحديث جابر كحديث ابن الزّبير الذى فى الطيالسى.

وحديث ابن الزّبير فى صحيح ابن حبان ، وصححه ابن عبد البر ، وقال : إنه الحجة عند التنازع (٢).

وقد حسب النقاش المفسر فضل الصلاة فى المسجد الحرام : على مقتضى تفضيل الصلاة فيه على غيره بمائة ألف ، فبلغت عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة ، وصلاة يوم وليلة ـ وهى خمس صلوات فى المسجد الحرام ـ عمر مائتى سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال .. انتهى.

وهذا الفضل يعم الفرض والنفل بمكّة ، كما هو مذهب الشافعى ، ويختص بالفرض على مشهور المذهب.

ولا يسقط هذا التضاعف شيئا من الفوائت ، كما يتخيله كثير من الجّهال ، نبه على ذلك النووى.

وللعلماء خلاف فى المسجد الحرام : هل المراد به مسجد الجماعة الذى يحرم على الجنب الإقامة فيه ، أو المراد به الحرم كله ، أو الكعبة؟

ذكر هذه الأقوال المحب الطبرى (٣).

وجاء فى حديث فى تفضيل الصوم بمكّة على غيرها من البلاد ، رويناه فى سنن ابن ماجه وغيرها بإسناد غير ثابت من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما.

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢٥ ، والنسائى ٥ / ٢١٣ ، وابن ماجه (١٤٠٥).

(٢) هداية السالك ١ / ٤٦ ، وموارد الظمآن (ص : ٢٥٤) ، وأحمد ٤ / ٥ ، ورواه ابن خزيمة أيضا ، والبزار بنحوه ، وإسناده صحيح أيضا (الترغيب ٢ / ٢١٤).

(٣) القرى (ص : ٦٥٧).


ورويناه من حديثه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج من مكّة ماشيا حتى يرجع إليها ؛ كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم». فقال بعضهم لابن عباس : وما حسنات الحرم؟ قال : كل حسنة بمائة ألف حسنة. أخرجه الحاكم ، وصحح إسناده (١).

وروى عن الحسن البصرى أنه قال : صوم يوم بمكّة بمائة ألف يوم ، وصدقة درهم بمائة ألف ، وكل حسنة بمائة ألف (٢) .. انتهى.

وقال المحب الطبرى : إن فيما تقدم من أحاديث مضاعفة الصلاة والصوم بمكّة دليلا على اطراد التضعيف فى جميع الحسنات ، إلحاقا بهما ، قال : ويؤيد ذلك قول الحسن (٣) .. انتهى.

* * *

__________________

(١) أخرجه البيهقى فى الشعب (٣٩٨١) ، وفى السنن ٣ / ٣٣١ ، والحاكم فى المستدرك (١٦٩٢) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبى : ليس بصحيح ، وأخشى أن يكون كذبا.

(٢) فضائل مكة للحسن البصرى (ص : ٢١) ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٢٣٥).

(٣) القرى (ص : ٦٥٨).



الباب السادس

فى المجاورة بمكة ، والموت فيها ، وشىء من فضل أهلها ،

وفضل جدة ساحل مكة ، وشىء من خبرها ، وفضل

الطائف وشىء من خبره

اختلف العلماء فى استحباب المجاورة بمكّة.

فذهب إلى استحبابها : الشافعى ، وأحمد ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ـ صاحبا أبى حنيفة ـ وابن القاسم صاحب مالك ، فيما نقله عنه ابن الحاج.

وذهب أبو حنيفة إلى عدم استحبابها (١).

وفهم ذلك ابن رشد من كلام وقع لمالك ؛ وذلك لخوف الملل ، وقلة الاحترام لمداومة الأنس بالمكان ، وخوف ارتكاب ذنب هنالك.

وذكر النووى فى «الإيضاح» : أن المختار استحباب المجاورة بمكة .. انتهى.

وأما الموت بمكّة :فروى من حديث ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مات بمكّة فكأنما مات بسماء الدنيا» (٢). وإسناده ضعيف.

وروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مرسلا ـ أنه قال : «من مات بمكّة بعثه الله فى الآمنين يوم القيامة» (٣).

أما فضل أهل مكّة : فروينا من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة ، فقال له : «هل تدرى إلى من أبعثك؟ أبعثك إلى أهل الله». أخرجه الزّبير بن بكّار فى كتاب «النسب» والفاكهى. ورواه الأزرقى مرسلا ، وزاد فيه : «فاستوص بهم خيرا» يقولها ثلاثا (٤).

__________________

(١) القرى (ص : ٦٦٠ ، ٦٦١) ، وهداية السالك ١ / ٢٦.

(٢) أخرجه : ابن عدى فى الكامل ٥ / ١٩٩٢.

(٣) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٣١٩ ، وعزاه للطبرانى فى الصغير والأوسط ، وفيه عبد الله بن المؤمل ، وثقه ابن حبان وغيره ، وضعفه أحمد وغيره.

(٤) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٣٣٩ ـ ٤٠٠ من طريق : العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه ، عن الأوزاعى ، عن عمرو بن شعيب ، والأزرقى ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، والفاكهى ٣ / ٦٤.


ووجدت بخط بعض أصحابنا ـ فيما نقله من خط الشيخ أبى العباس الميورقى ـ وزاد : «إن سفهاء مكة حشو الجنة».

واتفق بين عالمين فى الحرم منازعة فى تأويل الحديث وسنده ، فأصبح الذى طعن فى الحديث ومعناه : قد طعن أنفه واعوج ، وقيل له : إى والله ، سفهاء مكّة من أهل الجنة ، سفهاء مكة من أهل الجنة ، فأدركه روع ، وخرج إلى الذى يكابره فى الحديث من علماء عصره ، وأقر على نفسه بالكلام فيما لا يعنيه ، وفيما لم يحط به خبرا (١) .. انتهى.

وأما فضل جدة :

فيروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «مكّة رباط ، وجدة جهاد» (٢) ، إسناده ضعيف.

وعن عباد بن كثير : أنه قال : إن الصلاة فيها بسبعة عشر ألف ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم ، وأعمالها بقدر ذلك ، يغفر للناظر فيها مد بصره مما يلى البحر (٣). ذكرها الفاكهى بسنده.

وذكر ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن فيها قبر حواء.

ونقل ابن جبير : أن بجدة موضعا يقال : إنه الموضع الذى نزلت فيه حواء.

وأما فضل الطائف :

فروينا عن الزّبير بن العوام رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن صيد وجّ وعضاهه حرم محرم».

__________________

(١) لم يذكر له سندا حتى ينظر فى رجاله ، ونقله لهذه الحكاية التى جرت بين العالمين لا تدل على صحة الحديث ، بل الظاهر خلاف ذلك ؛ لأن المعصية تعظم بعظم الزمان والمكان ، ولذلك رغب كثير من الأئمة عن الإقامة فى مكة ، خوف اقتراف الذنوب فيها ، فلو كانوا يعلمون أن سفهاء مكة حشو الجنة ما كرهوا الإقامة فيها ، مع أنهم أقرب للتقوى من المتأخرين ، والله أعلم

(٢) أخرجه الفاكهى فى أخبار مكة ٣ / ٥٢ ، وقال عنه محققه : إن إسناده ضعيف لأن فيه : سليم بن مسلم ، هو : الطائفى ، سيىء الحفظ ، والمثنى بن الصباح : ضعيف (التقريب ٣ / ٢٢٨).

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٥٣ ،


أخرجه أحمد وأبو داود (١). وإسناده ضعيف على ما قال النووى.

ونقل عن الحازمى أن «وجّا» اسم لحصون الطائف. وقيل : لواحد منها .. انتهى.

ومذهب الشافعى رحمه‌الله تعالى : تحريم صيد «وج» ، ونفى الضمان فيه ، ولا أعلم فى تحريمه نصّا فى المذهب ، والله تعالى أعلم.

* * *

__________________

(١) أخرجه : أحمد ١ / ١٦٥ ، وأبو داود ٢ / ٢٩٠ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٥ / ٩٩ ، والحديث إسناده حسن ، ووج : واد من أودية الطائف يسمى أعلاه المخاضة ، ووسطه المثناة ، وأسفله العرج (معجم معالم الحجاز ٩ / ١٢١).



الباب السابع

فى أخبار عمارة الكعبة المعظمة

بنيت الكعبة المعظمة مرات ، وفى عدد بنائها خلاف ، ويتحصل من مجموع ما قيل فى ذلك أنها بنيت عشر مرات.

منها : بناء الملائكة.

ومنها : بناء آدم.

ومنها : بناء أولاده.

ومنها : بناء الخليل. على جميعهم السلام (١).

ومنها : بناء العمالقة.

ومنها : بناء جرهم.

ومنها : بناء قصىّ بن كلاب.

ومنها : بناء قريش.

ومنها : بناء عبد الله بن الزّبير رضى الله عنهما.

ومنها : بناء الحجاج بن يوسف الثقفى. وفى إطلاق العبارة بأنه بنى الكعبة تجوز ؛ لأنه ما بنى إلا بعضها ، ولو لا أن السهيلى والنووى ذكرا ذلك لما ذكرته (٢).

وجميع ما ذكرناه من بناء الكعبة ذكره الأزرقى ، إلا بناء قصىّ ، فإنه لم يذكره.

وذكره الزّبير بن بكّار فى موضعين من كتابه ، والفاكهى ، وابن عابد وغيرهم.

__________________

(١) حقق الحافظ ابن كثير وغيره أن أول من أقام قواعد البيت هو إبراهيم وابنه إسماعيل.

(٢) انظر عن ذلك كله : الروض الأنف ٢٢١١ وما بعدها ، تهذيب الأسماء واللغات ق ٢ / ١٢٤ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢ ـ ٣٧ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٣٨ ، ٢٢٧ ـ ٢٢٩.


وهو أول من سقّفها. وقريش أول من رفع بابها ليدخلوا من شاءوا ، ويمنعوا من شاءوا.

وابن الزّبير ـ رضى الله عنهما ـ أول من جعل لها بابين. وبناؤه لها ثابت (١). وكذلك بناء قريش والخليل.

وما عدا ذلك غير ثابت ؛ لضعف سند الأخبار الواردة به.

وكلام السهيلى يقتضى : أن شيث بن آدم أول من بناها (٢).

وفى الأزرقى : ما يدل لتقدم بناء أدم على بناء الملائكة (٣).

وسبب بناء ابن الزّبير : أنها أصابها حريق من جهة فى المسجد أيام حصره الحصين بن نمير السكونى لمعاندته الخليفة يزيد بن معاوية ، وما أصابها من حجر المنجنيق الذى كان يرمى به الحصين ابن الزّبير فى حال حصره ، فإنه كان يصيب الكعبة ، وذلك فى أوائل سنة أربع وستين من الهجرة (٤) ، فلما أدبر الحصين بن نمير من مكة راجعا الى الشام ـ فى ربيع الآخر من هذه السنة ، بعد أن بلغه موت يزيد ـ استشار ابن الزّبير الناس فى هدم الكعبة وبنائها. فأشار بذلك قوم ، وكرهه آخرون ؛ منهم : ابن عباس رضى الله عنهما.

فلما اجتمع له ما يحتاج إليه من آلات العمارة : هدمها وبناها على أساس إبراهيم عليه‌السلام ؛ لأنه أدخل فيها ما كانت قريش أخرجته منها من الحجر ، بعد أن كشف على أساس إبراهيم حتى ظهر له ، وأوقف عليه الناس ، وجعل لها بابين متقابلين لاصقين بالأرض ، أحدهما : شرقى ، والآخر : غربى. واعتمد فى ذلك وفى إدخاله فيها ما أخرجته منها قريش : على حديث يقتضى ذلك ، أخبرته به خالته أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥). وزاد

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٢٩.

(٢) الروض الأنف ١ / ٢٢١.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٤.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٦٢.

(٥) الحديث هو : «يا عائشة ، لو لا أن قومك حديث عهد بشرك لهدمت الكعبة ، فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين : بابا شرقيا ، وبابا غربيا ...» الحديث. وقد أخرجه مسلم (الحج :١٣٣٣).


فى طولها تسعة أذرع. هذا هو المشهور فيما زاد (١).

وقيل : زاد فيه عشرا. وهذا فى مسلم عن عطاء.

وعبد الله بن الزّبير ـ رضى الله عنهما ـ هو الذى وضع الحجر الأسود فى الكعبة لما بنيت فى زمنه.

وقيل : وضعه ابنه عبّاد. وقيل : ابنه حمزة.

وقيل : الحجبة مع ابنه حمزة ، والله أعلم.

والذى بناه الحجاج فى الكعبة : هو الجدار الذى يلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ والباب الذى صنعه ابن الزّبير ـ رضى الله عنهما ـ فى دبر الكعبة ، وما تحت عتبة الباب الشرقى. وكبس أرضها بالحجارة التى فضلت من أحجارها. وباقيها على بناء الزّبير رضى الله عنهما.

وقد صنعت فيها أمور بعد ابن الزّبير والحجاج.

فمن ذلك : عمارة فى الجزء الذى بناه الحجاج ، لانفتاحه. وهذا لم يذكره الأزرقى ، وذكره الخزاعى.

ومن ذلك : عمارة رخام غير مرة فى سنة إحدى ـ أو اثنين (٢) ـ وأربعين ومائتين (٣) ، وفى عشر الخمسين وخمسمائة ـ فى غالب الظن ـ من قبل الجواد الأصبهانى وزير صاحب الموصل.

وفى سنة تسع وعشرين وستمائة ـ فى غالب الظن ـ من قبل المستنصر العباسى.

وفى سنة ثمانين وستمائة : من قبل الملك المظفر صاحب اليمن. وفيما بعد ذلك وقبله.

ومن ذلك : عمارة فى سطحها بعد سنة مائتين. ذكر ذلك الأزرقى.

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ٤ / ٨٧ ، ودرر الفرائد (ص : ١٩٨) ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٨ ، وتاريخ الطبرى ٧ / ٥٦ ، والجامع اللطيف (ص : ٣٤) ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٤ ، وأخبار الكرام للأسدى (ص : ١٠٨) ، والقرى (ص : ٦٢٢).

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٣١٥.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٣٢٢.


ومن ذلك : عمارة سطحها والدرجة التى بباطنها فى سنة إثنين وأربعين وخمسمائة.

ومن ذلك : مواضع فى سقفها فى رمضان فى سنة أربع عشرة وثمانمائة (١).

ومن ذلك : فى آخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة : [إصلاح رخام كثير بجوفها] ، وإصلاح الروازن (٢) بسطحها ، ورخامة تلى ميزابها ، لتخرب ما تحتها ، والأخشاب التى بسطحها المعدة لشد كسوة الكعبة ، قلعت لتخريبها ، وعوضت بخشب غيرها ، وأحكم وضعها بسطحها (٣).

ومن ذلك ـ فى سنة ست وعشرين وثمانمائة ـ : إصلاح رخام كسر بأرض الكعبة بين جانبها الغربى وأساطينها ، وفى جدرانها عدة أيام ، وإقامة الإسطوانة التى تلى باب الكعبة لميلها ، وأحكمت فى موضعها وتنقلها (٤).

ومن ذلك : عتبة الباب السفلى لرثاثتها ، وجعل عوضها عتبة قطعة ساج ، فى سنة إحدى وأربعين ومائتين (٥) ، أو فى التى بعدها. ثم غيرت بعتبة حجر منحوت ، وهى الآن على ذلك ، وما علمت متى جرى ذلك.

ومن ذلك : إسطوانة فيها ؛ لأن الفاكهى قال : حدثنى أبو على الحسن بن مكرم قال : حدثنا عبد الله بن بكر ، قال : حدثنى أبو بكر بن حبيب قال : جاورت بمكة ، فعابت أسطوانة من أساطين البيت ، فأخرجت ، وجىء بأخرى ليدخلوها مكانها ، فطالت عن الموضع ، فأدركهم الليل ، والكعبة لا تفتح ليلا ، فتركوها مائلة ليعودوا من غد فيصلحوها ، فجاءوا من غد فأصابوها أقوم من القدح .. انتهى.

وهذا غريب. وفيه للبيت كرامة.

ومن ذلك ميزاب عمله رامشت ، وصل به خادمه مثقال فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٨٧.

(٢) الروازن : هى الطاقات الصغيرة التى كانت تصع للتهوية والإضاءة.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٨٧ ، وتاريخ الكعبة المعظمة (صص : ٢٦١).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٥٩٨.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣١٧ ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٢٠.


وميزاب عمله المقتفى العباسى ، وركّب فى الكعبة بعد قلع ميزاب رامشت ، فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة أو التى بعدها.

وميزاب عمله الناصر العباسى ، وهو الآن فى الكعبة ، وظاهره فيما يبدو للناس محلىّ بفضة ، وأحدث عهد حلى فيه : سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (١).

ومن ذلك : باب عمله الجواد الوزير فى سنة خمسين وخمسمائة. وركب فيها سنة إحدى وخمسين ، وكتب عليه إسم المقتفى ، وحلّاه حلية حسنة (٢).

وكلام ابن الأثير يوهم : أن المقتفى عمل للكعبة بابا. وما عمله إلا الجواد ، والله أعلم.

وباب عمله الملك المظفر صاحب اليمن ، وكانت عليه صفائح فضة زنتها ستون رطلا ، فأخذها السّدنة.

وباب عمله الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر من السنط الأحمر ، وحلّاه بخمسة وثلاثين ألف درهم وثلاثمائة درهم. وركب فى الكعبة فى ثامن عشرى ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة (٣).

وباب الناصر حسن ، من ساج ، عمله بمكة فى دولة ابن الناصر المذكور فى سنة إحدى وستين وسبعمائة ، وركّب عليها فى التاريخ المذكور. فهو فيها إلى الآن (٤).

واسم السلطان الملك الأشرف برسباى ، صاحب الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين ـ زاده الله نصرا وتأييدا ـ مكتوب بحائط الكعبة اليمانى بسبب ما أنفق فى سلطنته من العمارة فى الكعبة الشريفة.

واسم الأشرف شعبان بن حسين صاحب مصر مكتوب فى أحد جانبى باب الكعبة فى الفيارين ، لتحليته فى زمنه.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٣٤ ، السلوك ٣ / ١ : ٣٥٧ ، وتاريخ الكعبة المعظمة (ص : ١٧٤)

(٢) رحلة ابن جبير (ص : ١٠٢) ، وإتحاف الورى ٢ / ٥١٥ ، والعقد الثمين ٧ / ٣٣.

(٣) البداية والنهاية ١٤ / ١٦٢ ، والسلوك ٢ / ٢ : ٣٦٢.

(٤) النجوم الزاهرة ١٠ / ٣١٦ ، والعقد الثمين ٤ / ١٨١.


واسم الملك المؤيد صاحب مصر ـ أبى النصر شيخ ـ مكتوب فى أحد فيارين الباب ، لتحليته فى زمنه.

وفى باب الكعبة مكتوب اسم الملك الناصر محمد بن قلاوون.

وفى مفتاحها مكتوب اسم الملك المظفر صاحب اليمن.

هذا ما علمته مما عمل فى الكعبة بعد ابن الزّبير والحجاج ، ولا أعلم أن أحدا غيّر بنائهما.

ونختم هذا الباب بفائدة تتعلق بباب الكعبة ، وهى أنه اختلف فى أول من بوّب الكعبة ، فقيل : أنوش بن شيث بن آدم ـ عليهم‌السلام ـ.

وقيل : تبّع الثالث الذى كساها ونحر لها.

وقيل : جرهم بوّبته (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) الروض الأنف ١ / ١٤ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٣٤ ، ٢٥٠


الباب الثامن

فى صفة الكعبة المعظمة ، وذرعها ، وشاذروانها ،

وحليتها ، ومعاليقها ، وكسوتها ، وطيبها ، وخدامها ،

وأسمائها ، وهدم الحبشى لها ، ووقت فتحها فى

الجاهلية والإسلام ، وبيان جهة المصلين إلى الكعبة

من سائر الآفاق ، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها

[صفة الكعبة]

أما صفة الكعبة : فإن أرضها مرخمة برخام ملون ، وكذلك جدرانها.

وأول من رخم ذلك : الوليد بن عبد الملك بن مروان ، فيما ذكر الأزرقى ، نقلا عن ابن جريج ، ثم غيّر ما توهن منه بعد ذلك مرات.

وفيها ثلاث دعائم من ساج على ثلاثة كراسى ، وفوقها ثلاث كراسى ، وعلى هذه الكراسى ثلاث جوايز من ساج ، ولها سقفان بينهما فرجة ، وفى السقف أربعة روازن للضوء نافذة إلى أسفلها.

وفى ركنها الشامى : درجة يصعد منها إلى سطحها ، وعدد درجها : ثمان وثلاثون درجة.

وسقفها الأعلى مما يلى السماء : مرخم برخام أبيض ، وكان طلى بالنورة فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (١) ، ثم كشط ذلك فى سنة إحدى وثمانمائة (٢).

وبطرف سطحها إفريز مبنى بحجارة ، ويتصل بهذا الإفريز أخشاب فيها حلق من حديد تربط فيها كسوة الكعبة.

وبابها من ظاهره مصفح بصفائح فضة مموهة بالذهب ، وكذلك فيارين الباب وعتبته العليا مطلية بفضة.

__________________

(١) تاريخ الكعبة المعظمة (ص : ١٥٨).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢ / ٤


[ذرع الكعبة]

أما ذرع الكعبة : فقد ذكره الأزرقى ، وابن جماعة (١).

وحررت أنا ذلك أيضا ، فكان من سقفها إلى أرضها : سبعة عشر ذراعا ـ بتقديم السين ـ ونصف ذراع إلا قيراطا فى الجهة الشرقية ، وكذلك باقى الجهات ، إلا أن الجهة الشامية : تنقص عن الشرقية نصفا إلا قيراطا ، والجهة الغربية تنقص عن الشرقية : قيراطين ، واليمانية تزيد على الشرقية : ثمن ذراع.

وعرض الجهة الشرقية ـ على التقريب ـ : ثمانية عشر ذراعا وسدس.

والجهة الشامية ـ على التقريب أيضا ـ : أربعة عشر ذراعا إلا قيراطين.

والجهة الغربية : ثمانية عشر ذراعا وثلث ذراع.

واليمانية : أربعة عشر ذراعا وثلثا ذراع.

وطول فتحة الباب من داخله مع الفيارين : ستة أذرع.

وطوله من خارجه بغير الفيارين : ستة أذرع إلا ربع.

وذرع فتحة الباب من داخل الكعبة ـ مع الفيارين ـ : ثلاثة أذرع وثلث إلا قيراط.

وأما ذرع الكعبة من خارجها : فإن من أعلى الشاخص فى سطحها فى الجهة الشرقية إلى أرض المطاف : ثلاثة وعشرين ذراعا وثمن ذراع ، وكذلك الجهة اليمانية ، والجهة الغربية ، إلا أن الغربية تتقص ثمن ذراع.

وأما الجهة الشامية : فتنقص عن الشرقية واليمانية ربع ذراع.

وعرض الجهة الشرقية : أحد وعشرون ذراعا وثلث.

وكذلك الغربية بزيادة ثلث.

وأما الشامية فعرضها ثمانية عشر ذراعا إلا ربع ذراع.

وكذلك اليمانية بزيادة نصف إلا قيراطين.

ومن عتبة باب الكعبة إلى أرض الشاذروان تحتها : ثلاثة أذرع ونصف ، وارتفاع الشاذروان تحتها : ربع ذراع وقيراط.

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٣٣٤ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ١٨٩.


والذراع الذى حررنا به : هو ذراع الحديد.

وكذلك ما حرر به ابن جماعة ، وبين ما ذكره وذكرناه اختلاف ، بيناه فى أصله.

والذراع الذى حرر به الأزرقى : ذراع اليد.

وأما شاذروان الكعبة :

فهو الأحجار اللاصقة بها التى فوقها بناء مسنّم مرخّم فى الجانب الشرقى والغربى واليمانى.

وفى الجانب الشرقى : حجارة لا بناء عليها ، هى شاذروان.

وأما الأحجار التى تلى جدر الكعبة الشامى : فليست شاذروانا ؛ لكون موضعها من البيت ، بلا ريب.

والشاذروان : هو ما نقصته قريش من عرض أساس جدار البيت حين ظهر على الأرض ، كما هو عادة الأبنية.

أشار إلى ذلك الشيخ أبو حامد الإسفرائينى ، وغيره من أئمة الشافعية.

وأما حكمه : فإن طواف من كان شئ من بدنه فيه : [فهو] غير صحيح على مذهب الشافعى.

وصرح بذلك ابن شاش ، وابن الحاجب ، وشارحه خليل ، وتلميذه صاحب «الشامل» وغيرهم من متأخرى المالكية.

وأنكر ذلك بعض متأخريهم ، ولم يثبته فى المذاهب.

ويصح طواف من لم يحترز منه فى طوافه عند الحنفية والحنابلة ، والله أعلم.

وطول الشاذروان فى السماء : ستة عشر إصبعا ، وعرضه : ذراع ، ذكر ذلك الأزرقى.

وقد نقص عرضه فى بعض الجهات عما ذكره الأزرقى ، فأفتى عالم الحجاز المحب الطبرى بإيجاب إعادة مقداره على ما ذكره الأزرقى (١).

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٣٣٤ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ١٨٩.


[حلية الكعبة]

وأما حلية الكعبة المعظمة : فأول من حلّاها فى الجاهلية ـ على ما قيل ـ : عبد المطلب جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأما فى الإسلام ، فقيل : الوليد بن عبد الملك.

وقيل : أبوه.

وقيل : ابن الزّبير رضى الله عنه ، والله أعلم.

وحلّاها الأمين العباسى.

وحلّاها المتوكل العباسى.

هذا ما ذكره الأزرقى من حلية الكعبة (١).

وحلّاها بعده المعتضد العباسى فى سنة إحدى وثمانين ومائتين (٢). وأم المقتدر العباسى ، فى سنة عشر وثلاثمائة (٣) ، والوزير الجواد ، فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة (٤) ، وحلّاها الملك المجاهد صاحب اليمن.

[معاليق الكعبة]

وأما معاليق الكعبة ، وما أهدى لها فى معنى الحلية : فذكر الأزرقى منها جانبا ذكرناه فى أصله ، مع أشياء لم يذكرها الأزرقى ، بعضها كان فى عصره ، وأكثر ذلك بعده ، ونشير هنا لشئ منه.

فمما أهدى لها فى عصر الأزرقى ـ ولم يذكره ـ : قفل فيه ألف دينار ، أهداه المعتصم العباسى فى سنة تسع عشرة ومائتين على ما ذكره الفاكهى (٥).

__________________

(١) القرى (ص : ٦٥١).

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥٢ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ١١٢.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٣٦٨ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٩١.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٥١٤ ، والعقد الثمين ٢ / ٢١٢.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٣٦ ، وإتحاف الورى ٢ / ٩٠ ، وأخبار الكرام للأسدى (ص : ١٣٧) ، ودرر الفرائد (ص : ١٢٧).


ومن ذلك : طوق ذهب فيه مائة مثقال مكلل بالزمرد والياقوت والماس ، وياقوتة خضراء وزنها أربعة وعشرين مثقالا ، بعث بذلك ملك من ملوك السند لما أسلم فى سنة تسع وخمسين ومائتين (١).

ومن ذلك : حلقتان من ذهب مرصعتان باللؤلؤ والبلخش ، كل حلقة وزنها ألف مثقال ، وفى كل حلقة ستة لؤلؤات فاخرات ، وفيها ست قطع بلخش فاخر ، بعث بذلك الوزير على شاه وزير السلطان أبى سعيد بن خربندا ملك التتار ، فى موسم سنة ثمان عشرة وسبعمائة (٢).

وكان أمير الركب المصرى عارض فى تعليق ذلك ، فلوطف حتى أذن فى تعليقهما ، ثم أزيلا بعد قليل.

ومن ذلك ـ على ما ذكر لى بعض فقهاء مكّة ـ : أربعة قناديل ، كل قنديل منها قدر الدورق بمكّة ، اثنان ذهبا ، واثنان فضة ، بعث بذلك السلطان شيخ أويس صاحب بغداد ، وعلق ذلك فى الكعبة ، ثم أخذ عن قريب.

وكان إرساله بذلك فى أثناء عشر السبعين وسبعمائة ، على مقتضى ما أخبرنى به الفقيه المذكور.

وقد أهدى لها من هذا المعنى بعد ذلك أشياء.

وبالجملة : فلا يجوز أخذ شئ من حلية الكعبة ، لا للحاجة ، ولا للتبرك ؛ لأن ما جعل لها وسبّل لها يجرى مجرى الأوقاف ، ولا يجوز تغييرها عن وجوهها.

أشار إلى ذلك المحب الطبرى فى كتابه «القرى» قال : وفيه تعظيم للإسلام وترهيب على العدو (٣) .. انتهى.

[كسوة الكعبة]

وأما كسوة الكعبة : فإنها كسيت فى الجاهلية والإسلام أنواعا من الكساء ، وذكر الأزرقى من ذلك جانبا ذكرناه فى أصله.

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٣٦.

(٢) السلوك للمقريزى ٢ / ١ : ١٩٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٩٦).

(٣) القرى (ص : ٦٥١).


وكسيت الكعبة ـ بعد الأزرقى ـ أنواعا من الكساء.

فمن ذلك : الديباج الأبيض الخراسانى ، والديباج الأحمر الخراسانى ، على ما ذكر صاحب «العقد».

ومن ذلك : الديباج الأبيض ، فى زمن الحاكم العبيدى ، وحفيده المستنصر ، كساها ذلك فى زمن المستنصر الصليحى صاحب اليمن ومكّة.

وكسيت فى سنة ست وستين وأربعمائة الديباج الأصفر ، وهذه الكسوة عملها السلطان محمود بن سبكتكين ، صاحب الهند (١).

ثم ظفر بها نظام الملك وزير السلطان ملك شاه السلجوقى ، فأنفذها إلى مكّة وجعلت فوق كسوة كساها لها فى هذه السنة أبو النصر الأسترابادى ، وكانت كسوته بيضاء من عمل الهند.

وكسيت فى خلافة الناصر العباسى كسوة خضراء وسوداء.

واستمرت تكسى السواد حتى الآن ، وفيها طراز أصفر ، وكان قبل ذلك أبيض.

وقد أحدث فى كسرة الكعبة من الجانب الشرقى جامات منقوشة بالحرير الأبيض من نحو عشر سنين ، ثم أعيد فى تاريخه ، وهى سنة تسع عشرة وثمانمائة.

وكسيت ثيابا من القطن مصبوغة بالسواد ؛ لأنها عريت من ريح عاصفة هاجت بمكّة فى سنة ثلاث وأربعين وستمائة (٢).

وقيل : فى سنة أربع وأربعين.

ولم يكن عند شيخ الحرم ـ العفيف منصور بن منعة البغدادى ـ شئ يقوم بكسوتها ، فاقترض ثلاثمائة دينار واشترى بها ثيابا بيضاء وصبغها بالسواد وركب عليها الطرز العتيقة.

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٥ / ٩٥ ، إتحاف الوري ٢ / ٤٧٦.

(٢) البداية والنهاية ١٣ / ١٧١ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٧٧) ، وإتحاف الوري ٣ / ٦٢.


وممن كساها : رامشت صاحب الرباط بمكّة فى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ، كساها من الحبرات وغيرها ، وقوّمت كسوته بثمانية عشر ألف دينار مصرية ، على ما ذكر ابن الأثير. وقيل : بأربعة آلاف.

وأول من كساها من الملوك ـ بعد انقضاء الخلافة من بغداد ـ : المظفر يوسف صاحب اليمن فى سنة تسع وخمسين وستمائة (١).

وأول من كساها من ملوك الترك بمصر : الملك الظاهر بيبرس فى سنة إحدى وستين وستمائة (٢).

وكان المظفر يكسوها معه ، ومع من عاصره من ملوك مصر ، وربما انفرد بذلك.

ثم انفرد ملوك مصر بكسوتها بعد المظفر ، فيما أحسبه ، وإلى تاريخه.

وكسوتها ـ فى تاريخه ، وفيما قبله من نيف وسبعين سنة ـ من وقف وقفه صاحب مصر الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون على كسوة الكعبة فى كل سنة ، والحجرة النبوية والمنبر النبوى فى كل خمس سنين مرة.

وكساها أخوه الناصر حسن ، الكسوة التى هى الآن فى جوفها ، وكانت تصل إلى الأرض ، والباقى منها الآن نحو نصفها الأعلى ، وهى كسوة حسنة ، وهى حرير مذهب ، وكان ذلك فى سنة إحدى وستين وسبعمائة (٣).

وكان قبلها فى جوفها كسوة للمظفر ـ صاحب اليمن ـ فيما بلغنى.

وللعلماء من الشافعية وغيرهم خلاف فى جواز بيع كسوة الكعبة ، وذكر الحافظ صلاح الدين العلائى فى قواعده : أنه لا يتردد فى جواز ذلك الآن.

[طيب الكعبة]

وأما طيب الكعبة : فروينا عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : طيبوا البيت ، فإن ذلك من تطهيره.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٨٤ ، والعقود اللؤلؤية ١ / ١٣٣ ، وغاية الأمانى ١ / ٤٥٠.

(٢) إتحاف الوري ٣ / ٨٧ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٠).

(٣) النجوم الزاهرة ١٠ / ٣١٦ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٨٠ ، والعقد الثمين ٤ / ١٨١.


وروينا عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : طيبوا البيت ، فإن ذلك من تطهيره.

وروينا عنها أنها قالت : لأن أطيب الكعبة أحب إلى من أهدى لها ذهبا وفضة.

ولا يجوز أخذ شئ من طيب الكعبة ، لا للتبرك ولا لغيره ، نص عليه النووى.

وأما إخدام الكعبة : فإن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه أخدمها عبيدا ، ثم اتبعت ذلك الولاة بعده.

[أسماء الكعبة]

وأما أسماء الكعبة : فالكعبة ، وبكة ، والبيت الحرام ، والبيت العتيق ، وقادس ، ونادر ، والقرية القديمة.

وهذه الأسماء الثلاثة الأخيرة مذكورة فى تاريخ الأزرقى.

ومن أسمائها : البنية ، ذكره القاضى عياض فى «المشارق».

[هدم الحبشى للكعبة]

وأما هدم الحبشى للكعبة : فروينا فى ذلك حديثا عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من رواية أبى هريرة رضى الله عنه فى الصحيحين (١) ، وحديثا من رواية ابن عباس رضى الله عنه فى صحيح البخارى (٢) ، وتخريبه لها يكون بعد رفع القرآن على ما ذكر السهيلى ، وذلك بعد موت عيسى عليه‌السلام.

وقيل : فى زمن عيسى ، والله أعلم.

[فتح الكعبة فى الجاهلية والإسلام]

وأما وقت فتح الكعبة فى الجاهلية : فيوم الاثنين والخميس والجمعة.

__________________

(١) صحيح البخارى (الحج : هدم الكعبة) ٢ / ١٤٩ ، ومسلم (الفتن : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) ٨ / ١٨٣.

(٢) البخارى ٢ / ١٤٩ ونصه : كأنى به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا.


وأما فى الإسلام : فيوم الجمعة ، وكانت تفتح يوم الاثنين ، وفعل ذلك فى عصرنا فى رمضان وشوال وذى القعدة من سنة إحدى وثمانمائة (١).

وتفتح فى أوقات أخر من كل سنة.

منها : فى بكرة الثانى عشر من ربيع الأول ، وفى بكرة تاسع عشرى رجب الفرد ؛ لغسلها.

وتفتح فى سادس عشر من ذى القعدة لغسلها.

وفى بعض أيام الموسم فى الثمان الأول من ذى الحجة وفى لياليها.

وفتحها فى هذا التاريخ لأجل البر المأخوذ ممن يدخلها من الحجاج ، وهو لا يحل إلا بطيب نفس ممن يدفعه.

وذكر المحب الطبرى : أنه لا يحل منع أحد من دخول البيت.

وأما بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها ، فأخبرنى به خالى قاضى الحرمين محب الدين النويرى ـ رحمه‌الله تعالى ـ سماعا عن القاضى عز الدين بن جماعة ـ سماعا ـ أنه نقل ذلك من خط والده القاضى بدر الدين فى الدائرة التى ذكر فيها صفة الكعبة ، وما يحتاج إلى معرفة تصويره ، وأن والده قال : إنه كتبها فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وستمائة ، وذكرنا كلامه فى أصله بزيادة فوائد.

* * *

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥١٢.



الباب التاسع

فى بيان مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة المعظمة ، وقدر

صلاته فيها ووقتها ، ومن رواها من الصحابة ، ومن نفاها

منهم رضى الله عنهم أجمعين ، وترجيح رواية من أثبتها

على رواية من نفاها ، وما قيل من الجمع بين ذلك ،

وعدد دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة بعد هجرته إلى المدينة ،

وأول وقت دخلها فيه بعد هجرته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

أما موضع صلاته فى الكعبة : فقد بينه ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ ؛ لأن فى البخارى ـ من رواية موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه حين يدخل ، ويجعل الباب قبل الظهر ، يمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذى قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع ، فيصلى ، يتوخى المكان الذى أخبره بلال رضى الله عنه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه (١).

وروينا فى الأزرقى : أن معاوية رضى الله عنه سأل ابن عمر رضى الله عنه عن مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة؟ فقال : بين العمودين المقدمين ، اجعل بينك وبين الجدار ذراعين ، أو ثلاثة (٢).

وأما قدر صلاته هذه : فركعتان ، كما فى كتاب الصلاة من صحيح البخارى ، من حديث مجاهد عن ابن عمر رضى الله عنه.

وأما من روى صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ـ يوم فتح مكّة ـ من الصحابة : فبلال ، وشيبة بن عثمان الحجبى ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ـ ولا يصح عنه ـ وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن صفوان القرشى ، وعثمان بن طلحة الحجبى ، وعمر بن الخطاب ، وأبو هريرة ـ وإسناد حديثه ضعيف ـ وعائشة ، رضى الله عنهم أجمعين.

__________________

(١) صحيح البخارى (٤٢٨٩).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٧١.


وأما الذين نفوها : فأسامة بن زيد ، والفضل بن العباس ، وأخوه عبد الله ، رضى الله عنهم.

وأما ترجيح رواية من أثبت صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة على رواية من نفاها : فلإثباته ما نفاه غيره ، وفى مثل هذا يؤخذ بقول المثبت.

وقد أشار إلى الترجيح بذلك جماعة ، منهم : النووى ، رحمه‌الله.

وأقرب ما قيل فى الجمع بين الاختلاف فى إثبات صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ونفيها ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى الكعبة لما غاب عنه أسامة من الكعبة لأمر ندبه إليه ، وهو : أن يأتى بما يمحو به الصور التى كانت فى الكعبة ؛ لأن فى مسند الطيالسى ـ من حديث أسامة بن زيد ـ : أنه أتى إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدلو من ماء ، فجعل يمحو به الصور ، وإسناد الطيالسى فيه تقوم به الحجة ، فلذلك كان هذا الوجه أقرب ما قيل فى الجمع بين هذا الاختلاف.

ويجمع أيضا بين حديث بلال والفضل بمثل هذا الجمع ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث الفضل ـ بعد دخوله معه إلى الكعبة ـ ليأتيه بماء يطمس به الصور التى فى الكعبة ، على ما قيل ، فصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غيبته.

وهذا رويناه فى تاريخ الأزرقى عن عبد الحميد بن أبى رواد عن الزهرى (١).

وحديث بلال أرجح من حديث عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ ؛ لأن بلالا رضى الله عنه شهد صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ، وابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ لم يشهدها ، وإنما اعتمد فى نفيها على أخيه ، وأسامة ـ رضى الله عنهما ـ ، والله أعلم.

[عدد دخول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة]

وأما عدد دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الكعبة بعد هجرته : فروينا فيه أخبارا يتحصل من مجموعها دخوله إليها أربع مرات : يوم فتح مكّة ، وهذا لا ريب فى صحته.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٦٥.


وفى ثانيه ، كما هو مقتضى حديث ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ ، وحديث أسامة ـ رضى الله عنه ـ ، الذى جمع به ابن جماعة.

وفى حجة الوداع ، كما هو مقتضى حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ ، وسيأتى ذكره قريبا فى أول الباب الذى بعده.

وفى عمرة القضية ، كما يقتضيه كلام المحب الطبرى (١) ، وفى صحة ذلك نظر.

[أول وقت دخلها فيه]

وأما أول وقت دخل فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة بعد هجرته : فيوم فتح مكّة.

وقد نقل الأزرقى عن جده عن سفيان بن عيينة عن غير واحد من أهل العلم ، سمع منهم : يذكرون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ، ثم حج ولم يدخلها (٢) .. انتهى.

وهذا يدل على أنه لم يدخل فى ثانى الفتح ، ولا فى حجة الوداع ، والله أعلم.

__________________

(١) القرى (ص : ٢٥٣ ، ٢٥٤).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٦٥.



الباب العاشر

فى ثواب دخول الكعبة المعظمة ، وفيما جاء من

الأخبار الموهمة لعدم استحباب ذلك ، وفيما يطلب

فيها من الأمور التى صنعها فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر

الصلاة فيها وآداب دخولها

[ثواب دخول الكعبة]

وأما ثواب دخولها : فروينا فيه من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت وصلى فيه ، دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفور له» (١) أخرجه الطبرانى.

وروى الفاكهى من حديث ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : «من دخله ـ يعنى البيت ـ فصلى فيه ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

وقد اتفق الأئمة على استحباب دخولها ، واستحسن مالك كثرة دخولها.

وأما ما ورد موهما بخلاف ذلك : فحديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : «خرج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عندى ، وهو قرير العين ، طيب النفس ، فرجع إلىّ وهو حزين ، فقلت له ، فقال : إنى دخلت الكعبة ، ووددت أنى لم أكن فعلت ، إنى أخاف أن أكون أتعبت أمتى من بعدى» (٢) أخرجه الترمذى ، والحاكم فى مستدركه من حديث إسماعيل بن عبد الله بن عبد الملك بن أبى الصفير المكى ، عن ابن أبى مليكة عن عائشة رضى الله عنها.

وإسماعيل : وهّاه ابن مهدى ، وذلك يقتضى توهين حديثه ، والله أعلم.

وقال المحب الطبرى ـ بعد إخراجه لهذا الحديث ـ : وقد استدل بهذا الحديث من كره دخول البيت ، ولا دلالة فيه ، بل نقول : دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دليل

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١٥٨ ، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٣ للطبرانى فى الكبير.

(٢) أخرجه : أحمد ٦ / ١٥٣ ، وأبو داود ٢ / ٢١٥ ، والترمذى ٣ / ٢٢٣ ، وابن ماجة (٣٠٦٤) ، والحاكم ١ / ٤٧٩.


على الاستحباب ، وتمنيه عدم الدخول : قد علله بالمشقة على أمته ، وذلك لا يرفع حكم الاستحباب .. انتهى.

[ما يطلب فى الكعبة]

وأما ما يطلب فى الكعبة من الأمور التى صنعها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فحمد الله ، والثناء عليه ، والدعاء ، والذكر ، وغير ذلك مما ذكرناه فى أصله.

[حكم الصلاة فى الكعبة]

فإن النافلة فيها مستحبة عند المالكية ، وجمهور العلماء ، وخالف فى ذلك بعض العلماء ، فقال : لا يصح فيها فرض ولا نفل ، وهذا ضعيف ، والله أعلم.

ويستثنى من النوافل فيها ـ على مقتضى مشهور مذهب مالك رحمه‌الله ـ النفل المؤكد : كالعيدين ، والوتر ، وركعتى الفجر ، والطواف الواجب ، فإن ذلك لا يصح فيها.

وأما الفرض : فمشهور المذهب : عدم صحته فيها ، وهو الأصح من مذهب الحنابلة ، ويصح على مذهب أبى حنيفة والشافعى.

وسطحها فى الفرض كجوفها ، على مقتضى ما سبق من مذهب الأئمة الأربعة ؛ إلا أن صحة الصلاة فى سطحها ـ على مذهب الشافعى ـ مشروطة بأن يكون بين يدى المصلّى شاخص من نفس الكعبة قدر ثلثى ذراع تقريبا على الصحيح ، والشاخص الآن بسطحها يزيد على ثلثى ذراع ؛ لأنه فى الجهة الشرقية : ذراع إلا ثمن. والشامية : ذراع وثمن. وفى الغربية : ذراع ، واليمانية : ثلثا ذراع.

[آداب دخولها]

وأما آداب دخولها : فالاغتسال ، ونزع الخف والنعل ، وأن لا يرفع بصره إلى السقف ، وأن لا يزاحم زحمة يتأذى بها ، أو يؤذى غيره ، وأن لا يكلم أحدا إلا لضرورة ، أو أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، وأن يلزم قلبه الخشوع والخضوع ، وعينيه الدموع إن استطاع ذلك ، وإلا حاول صورهما ، ذكر ذلك المحب الطبرى.

والنساء يساوين الرجال فى دخولها من غير خلاف فيما أعلم.

***


الباب الحادى عشر

فى ذكر شئ من فضائل الكعبة

وفضائل ركنيها : الحجر الأسود واليمانى

فأما فضل الكعبة : فكثير ثابت فى القرآن العظيم ، وفى السنة الشريفة ، ولم نورده إلا للتبرك.

قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١).

وأما الأحاديث : فروينا عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن هذا البيت دعامة الإسلام ، ومن خرج يؤم هذا البيت ـ من حاج أو معتمر ـ كان مضمونا على الله عزوجل ، إن قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة» (٢) أخرجه الأزرقى بإسناد صالح.

وأما فضل الحجر الأسود : فكثير ؛ لأنا روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ؛ طمس الله نورهما ، ولو لا أن طمس الله نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب» (٣) أخرجه ابن حبان فى صحيحه ، والترمذى ، وقال : غريب.

__________________

(١) سورة آل عمران آية : ٩٦ ، ٩٧.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣ ، ٤ عن الزنجى ، عن أبى الزبير ، عن جابر. ورواه الطبرانى فى الأوسط بنحوه. وفيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، وهو متروك. ورواه الحارث بن أبى أسامة فى مسنده عن داود بن المحبر ، وهو متروك (انظر المطالب ١ / ٣٢٥).

(٣) أخرجه : ابن حبان (٣٧١٠) ، وابن خزيمة (٢٧٣٢) ، وعبد الرزاق (٨٩٢١) ، والحاكم (١٦٧٩) ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٧٥ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٠.



الباب الثانى عشر

فى فضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، كالطواف بها ،

والنظر إليها ، والحج والعمرة وغير ذلك

أما فضل الطواف من غير تقييد بزمن : فروينا من حديث أنس رضى الله عنه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأنصارى سأله عن الطواف بالبيت؟ : «وأما طوافك بالبيت ، فإنك لا تضع قدما ولا ترفعها إلا كتب الله ـ عزوجل ـ لك بها حسنة ، ومحا عنك بها خطيئة ، ورفعك بها درجة ، وأما ركعتيك بعد الطواف : فكعتق رقبة ، وأما طوافك بعد ذلك : فإنك تطوف ولا ذنب عليك» (١) أخرجه ابن حبان فى صحيحه مطولا.

وروينا فى الطبرانى من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ مرفوعا : «من طاف بالبيت خمسين أسبوعا ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٢) وهو فى الترمذى إلا أنه قال : «مرة» بدل «أسبوع».

والمراد بذلك : وجوده فى صحيفة حسناته ، لا الإتيان به فى وقت واحد.

نصّ على ذلك المحب الطبرى فى «القرى» (٣).

وللعلماء خلاف فى الطواف ، والصلاة بمكة : أيهما أفضل؟

وفى المسألة قول ثالث : أن الطواف للغرباء أفضل ؛ لعدم تأتيه لهم ، والصلاة لأهل مكّة أفضل ؛ لتمكنهم من الأمرين (٤).

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان فى صحيحه (٣٦٩٧) ، والبيهقى فى سننه ٥ / ١١٠ ، وأحمد فى مسنده ٢ / ٣ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣.

(٢) أخرجه : الترمذي (٨٦٦) وقال : حديث غريب. والأصبهانى فى الترغيب (١٠٣٨) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٥ ، وابن الجوزى فى العلل (٩٤٢).

(٣) القرى (ص : ٣٢٣ ، ٣٢٤).

(٤) هداية السالك ٢ / ٩٢٦.


ويدل لفضل الطواف على الصلاة حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فى تنزل الرحمات ؛ لأن فيه «للطائفين ستين ، وللمصلين أربعين».

وقد ذكر دلالته على ذلك المحب الطبرى ، وأفاد فيما ذكر ، والله أعلم.

واختلف أيضا فى الطواف والعمرة : أيهما أفضل؟

وللمحب الطبرى فى ذلك تأليف ، سماه : «عواطف النصرة فى تفضيل الطواف على العمرة» ، وذكر ما يوافق ذلك فى كتابه «القرى» (١).

ووافقه على ذلك القاضى عز الدين بن جماعة (٢) ، والشيخ أبو أمامة بن النقاش ، فيما بلغنى عنه.

وقال بتفضيل العمرة : الشيخ عبد الله اليافعى شيخ مكّة ، وشيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيتى وغيرهما ، والله أعلم.

وجاء فى الطائفين : ما رويناه عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يباهى بالطائفين» (٣). أخرجه الآجرىّ فى «ثمانينه».

وأما ثواب النظر إلى الكعبة : ففيه عشرون رحمة ، كما فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما (٤).

وفيه ما رويناه عن سعيد بن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه (٥).

وهذا فى الأزرقى ، وفيه غير ذلك.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٢٢).

(٢) هداية السالك ٢ / ٩٢٤.

(٣) أخرجه : أبو يعلى (٤٥٨٩) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٩٧) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٤ ، وابن عدى فى الكامل ٥ / ٢٩٩٢ ، والأصبهانى فى الترغيب (١٠٦٢).

(٤) القرى (ص : ٣٤١).

(٥) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٩.


وأما ثواب الحج والعمرة : ففيه ما رويناه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (١) متفق عليه.

وروينا من حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الحج يهدم ما قبله» (٢) أخرجه مسلم.

وفى المعنى أحاديث أخر.

***

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١١٧٣) ، ومسلم (٤ / ١٠٧) ، وابن خزيمة (٣٠٧٢) وأحمد ٢ / ٢٤٦ ، ٤٦١ ، ٤٦٢ ، والترمذى (٩٣٣) ، والنسائى (٢٦٢١) ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٢٦١ ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٩١) ، وابن ماجة (٢٨٨٨) ، وعبد الرازق فى مصنفه (٨٧٩٨) ، ومالك فى الموطا ٢ / ٢٦٨.

(٢) أخرجه : مسلم فى حديث طويل ذكره عمرو بن العاص عندما حضره الموت (كتاب الإيمان : باب كون الإسلام يهدم ما قبله) ١ / ٧٨.



الباب الثالث عشر

فى الآيات المتعلقة بالكعبة المعظمة

للكعبة آيات بينات منها : بقاء بنائها الموجود الآن ، وهو لا يقتضى أن يبقى هذه المدة ، على ما بلغنى عن بعض مهندسى عصرنا قال : وإنما بقاؤها آية من آيات الله .. انتهى.

ولعمرى إنه لصادق ، فإن من المعلوم ضرورة : أن الريح والمطر إذا تواليا أياما على بناء تخرّب.

ومن المعلوم ضرورة : أن الكعبة المعظمة ما زالت الرياح العاصفة ، والأمطار الكثيرة المهولة تتوالى عليها منذ بنيت وإلى تاريخه ، وذلك سبعمائة سنة ونيف وخمسون سنة ، ولم يحدث فيها ـ بحمد الله ـ تغير أدى إلى خللها.

ومن آياتها : حفظها ممن أرادها بسوء ، وهلاك من أرادها بذلك ، كما جرى لتبّع والهذليين ، وأصحاب الفيل.

أما قصة تبع : فإنه لما أقبل من المدينة حسّن له نفر من هذيل هدم الكعبة ، وأن يبنى عندها بيتا يصرف إليه الحج ، فعزم على ذلك ، فدفت بهم دوابهم ، وغشيتهم ظلمة شديدة وريح ، ثم رجع عن عزمه ، ونوى تعظيم الكعبة ، فانجلت عنهم الظلمة ، وسكنت الريح ، وانطلقت بهم دوابهم ، وأمر بضرب رقاب الهذليين ، فضربت ، وسار إلى مكّة ، فأقام بها أياما ينحر كل يوم مائة بدنة للصدقة ، وكسى البيت الحرام أنواعا من الكسوة ، وهذا الخبر فى الأزرقى مطولا (١).

وفى رواية : أنه لما أصغى لقول الهذليين بات صحيحا ، فأصبح وقد سالت عيناه ، فلما نوى كرامة البيت وأهله رجعت عيناه ، فارتد بصيرا. وهذا الخبر فى الفاكهى (٢).

وقيل : أصابه غير ذلك.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٣٢ ، ١٣٣.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٦٠.


وأما أصحاب الفيل : فإن أبرهة بن الصباح الأشرم ـ ملك اليمن من قبل كنيسة بناها أبرهة بصنعاء ، وكان يعظمها ، ويريد أن يصرف الحج إليها ، وساق معه الفيل ، فلما بلغ المغمّس (١) عبّأ جيشه ، وقدّم الفيل ، فكانوا إذا وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح ، وإذا وجهوه إلى اليمن ـ أو إلى غيره من الجهات ـ هرول ، فأرسل الله تعالى طيرا سوداء ـ وقيل : خضراء ، وقيل : بيضاء ـ مع كل طائر حجر فى منقاره ، وحجران فى رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة ؛ فكان يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره ، ففروا ، وهلكوا فى كل طريق ، وتساقطت أنامل أبرهة ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشى ، فقص عليه القصة ، فلما أتمها وقع عليه الحجر ، فخر ميتا بين يديه.

وخبر أصحاب الفيل أطول من هذا ، وهذا ملخص منه (٢).

__________________

(١) المغمس : بفتح الميم الأولى وبضمها : واد قريب من مكة من ناحية الشرق (الروض الأنف ١ / ٦٨).

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ١٠٥ ، الروض الأنف ١ / ٦٨ وما بعدها ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ١٣٧ ـ ١٥٤ ، وتفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٣ ـ ٥١١.


الباب الرابع عشر

فى ذكر شئ من أخبار الحجر الأسود

روينا فى تاريخ الأزرقى عن ابن إسحاق وغيره : أن الله ـ عزوجل ـ استودع الركن أبا قبيس حين غرقت الأرض زمن نوح ـ عليه‌السلام ـ ، وقال : «إذا رأيت خليلى يبنى بيتى فأخرجه له» ، فلما بنى الخليل البيت جاءه جبريل ـ عليه‌السلام ـ بالحجر الأسود ، فوضعه موضعه من البيت .. (١). انتهى.

وقيل : إن إلياس بن مضر أول من وضع الحجر للناس بعد الغرق (٢) ، ذكره الزّبير بن بكّار ، وهذا مخالف لما سبق.

ولما خرجت جرهم من مكّة ، خرج عمرو بن الحارث بن مضاض بغزالىّ الكعبة وبحجر الركن ، فدفنهما فى زمزم.

وفى بعض الأخبار : أن جرهما لما خرجت دفنت الحجر بأسفل مكّة ، وأن قصىّ بن كلاب بحث عنه حتى أظهره للناس (٣).

وفى بعض الأخبار : أن بنى إياد دفنوه لما خرجوا من مكّة. هذا ما علمت من خبره فى الجاهلية.

وأما خبره فى الإسلام : فإنه أزيل من موضعه اثنين وعشرين سنة ، إلا أربعة أيام ، والمزيل له القرامطة.

وشدّ بالفضة لتصدعه ، وكان تصدعه ثلاث مرات ، الأولى : من الحريق الذى أصابه فى زمن ابن الزّبير ، وانشظت منه شظية فشدت بالفضة ، ثم تغيرت هذه الفضة ، فأحكمت فى سنة تسع وثمانين ومائة (٤).

والمرة الثانية : أن بعض القرامطة ضرب الحجر الأسود بدبوس فتكسر ، ثم

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤٢.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٢١٢.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٧٤ ، ١٧٥.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٢٤٦ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٨ ، ٢٠٩.


قلع يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثلثمائة بأمر أبى طاهر القرمطى ، وذهب به معه إلى هجر (١) ، فأقام عند القرامطة إلى أن رد فى يوم الثلاثاء يوم النحر من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (٢).

وكان الذى وضعه فى الكعبة ـ بعد رده ـ : شبر بن الحسن القرمطى ، وشده الصائغ بجص أحضره شبر.

وكان على الحجر ـ حين أحضر فى هذا التاريخ ـ ضبات فضة قد عملت من طوله وعرضه ، وتضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه.

ثم قلع فى سنة أربعين وثلاثمائة ، وعمل له طوق محكم من فضة ليشدة (٣).

والمرة الثالثة : أن بعض الملاحدة ـ أيضا ـ : ضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات بدبوس ، فتبخش وجهه ، وتساقطت منه شظايا ، ثم أصلح ما تشعث منه ، وطلى ، وكانت هذه الحادثة فى يوم النفر الأول سنة ثلاث عشر وأربعمائة (٤).

وقيل : سنة أربع عشرة (٥) ، والله أعلم.

ومن آيات الحجر الأسود : بقاؤه مع ما عرض له من الذهاب غير مرة ، وغير ذلك ، وقد ذكرناه فى أصله.

***

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٧٥ ، والمنتظم ٦ / ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، والعقد الثمين ٦ / ١٤٣ ، والنجوم الزاهرة ٣ / ٢٢٤ ، وسمط النجوم العوالى ٣ / ٣٦٠.

(٢) النجوم الزاهرة ٣ / ٣٠٢ ، وتاريخ الخلفاء (ص : ٣٩٩) ، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٦) ، ودول الإسلام (١ / ٢١٠).

(٣) النجوم الزاهرة ٣ / ٣٠٥ ، وتاريخ الخلفاء (ص : ٣٩٩) ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٩٦.

(٤) دول الإسلام ١ / ٢٤٦ ، والمنتظم ٨ / ٨ ، ٩ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٣ ، ١٤ ، والعقد الثمين ٤ / ٧٩ ، والنجوم الزاهرة ٤ / ٢٥٠ ، وإتحاف الورى ٢ / ٤٤٨.

(٥) الكامل لابن الأثير ٩ / ١٢٨ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٥٣) ، وإتحاف الورى ٢ / ٤٤٨.


الباب الخامس عشر

فى الملتزم ، والمستجار ، والحطيم ، وما جاء فى ذلك من

استجابة الدعاء فى هذه المواضع ، وغيرها من الأماكن

بمكّة المشرفة وحرمها

أما الملتزم :فهو ما بين الباب ـ باب الكعبة ـ والحجر الأسود ، على ما روينا عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ ، وروينا عنه حديثا مرفوعا مسلسلا فى استجابة الدعاء فيه (١) ، وجرب ذلك من زمنه إلى عصرنا.

وأما المستجار :فهو ما بين الركن اليمانى والباب المسدود فى دبر الكعبة ، وروينا فى استجابة الدعاء فيه خبرا فى «مجابى الدعوة» لابن أبى الدنيا.

وأما الحطيم :فهو ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم ، والحجر بسكون الجيم (٢).

وقيل : إن «الحطيم» هو الموضع الذى فيه الميزاب ، وهذا فى كتب الحنفية ؛ وعليه فيكون «الحطيم» الحجر ، بسكون الجيم.

وقيل فيه غير ذلك.

وسمى «بالحطيم» ؛ لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان ، فقلّ من دعى هنالك على ظالم إلا هلك ، وقل من حلف هناك آثما إلا عجلت له العقوبة (٣).

وقيل فى سبب تسميته بالحطيم غير ذلك.

وأما بقية المواضع التى يستجاب فيها الدعاء فكثير منها مذكور فى رسالة الحسن البصرى ؛ لأن فيها أن الدعاء يستجاب فى خمسة عشر موضعا.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٦٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤٨.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٣ ، ٢٤.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٤.


أولها عند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وعند الركن اليمانى ، وعلى الصفا ، وعلى المروة ، وبين الصفا والمروة ، وبين الركن والمقام ، وفى جوف الكعبة ، وبمنى ، وبجمع ، وبعرفات ، وعند الجمرات الثلاث ، هكذا وجدت فى نسختى من هذه الرسالة ، وهى تقتضى أن تكون المواضع أربعة عشر ، والظاهر : أنه سقط منها موضع ، لعله أن يكون خلف المقام.

ويحتمل أن يكون فى الطواف ؛ لأنه روى عن الحسن البصرى (١) ـ رحمه‌الله تعالى : ـ أن الحجر الأسود يستجاب عنده الدعاء ، فتصير المواضع ستة عشر .. انتهى.

وذكر شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى مواضع أخر بمكّة وحرمها وقربه يستجاب فيها الدعاء.

وذكرنا ذلك فى أصله ، وبيّنا ما فى ذلك من الوهم والإجمال.

ومن المواضع التى يرجى فيها استجابة الدعاء فى المسجد الحرام : باب بنى شيبة ، وباب إبراهيم ، وباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو باب المسجد الذى يعرف الآن بباب الجنائز (٢).

***

__________________

(١) انظر رسالة الحسن البصرى.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧٨ ، ٨٧.


الباب السادس عشر

فى ذكر شىء من أخبار المقام ،

مقام الخليل عليه‌السلام

هذا المقام : هو الحجر الذى وقف عليه الخليل لما بنى الكعبة.

وقيل : لما أذن بالحج.

وقيل : لما غسلت زوجة ابنه إسماعيل رأسه (١).

وقال القاضى عز الدين ابن جماعة ـ فيما أخبرنى به عنه خالى ـ : أن مقدار ارتفاعه من الأرض نصف ذراع وربع ذراع.

قال : وأعلى المقام : مربع من كل جهة : نصف ذراع وربع ذراع ، وموضع عرض القدمين : ملبس بفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط ونصف قيراط (٢) .. انتتى.

والذراع المشار إليه ذراع الحديد.

وأول ما حلى المقام : فى خلافة المهدى ، فى سنة إحدى وستين ومائة (٣) ، ثم فى خلافة المتوكل فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين (٤).

وفى خلافة المهدى سنة ست وخمسين ومائتين ، وكان قد توهن فى هذه السنة كثيرا ، فأحكم إلصاقه.

والمقام الآن فى قبة من حديد ، ثابت فيها ، والقبة ثابتة فى الأرض ، وهى بين أربعة شبابيك من حديد ، وفوق الشبابيك قبة من خشب مبنى فوقها ، ويتصل بهذه القبة ساباط يصلّى فيه الإمام الشافعى ، وظاهره ـ كظاهر القبة ـ مبنى بحجارة منورة ، وباطنه وباطن القبة ـ فيما يبدو للناس ـ مزخرف بالذهب (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٨٨ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٤٥ ـ ٤٥٠.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٣٥١ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٢١٢ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٣٠٢ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

(٥) العقد الثمين ٦ / ١٥٢ ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٣٣.


وأحدث عهد صنع فيه ذلك سنة عشر وثمانمائة (١).

وموضع المقام اليوم : هو موضعه فى الجاهلية ، وفى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ ، إلا أن السيل ذهب به فى خلافة عمر ـ رضى الله عنه ـ ، فجعل فى وجه الكعبة ، وذكر عن عمر بن دينار ، عن ابن عيينة ما يوافقه (٢).

وذكر الفاكهى أخبارا تدل على أن المقام كان عند الكعبة.

وفى بعضها ما يشعر بتقرير بيان موضعه عند الكعبة (٣).

وصرح ابن سراقة بموضعه عند الكعبة ، وهو على مقتضى ما ذكر : يكون على نصف الحفرة المذكورة التي تلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ والله أعلم بالصواب.

وذكر ابن سراقة : أن مقدار ما بين موضع المقام ـ الآن ـ ووجه الكعبة عشرون ذراعا ، وذلك غير مستقيم ؛ لأن من وسط جدر الكعبة الشرقى إلى وسط الصندوق ، الذى المقام فى جوفه ـ المقابل لوجه الكعبة ـ : اثنين وعشرين ذراعا إلا ربع ذراع بالحديد ، وهو أزيد من ذراع اليد الذى ذكره ابن سراقة بثمن ذراع.

وللمقام فضائل سبق ذكرها فى فضل البيت ، وفضل الحجر الأسود ، فى الباب الحادى عشر.

وروينا عن مجاهد : «يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبى قبيس ، يشهدان لمن وافاهما بالموافاة» أخرجه الأزرقى (٤) ، والله أعلم.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٥٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٣.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٥٤.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٣ ، وهداية السالك ١ / ١٦.


الباب السابع عشر

فى ذكر شىء من أخبار الحجر المكرم ـ حجر إسماعيل

عليه‌السلام ـ وفيه بيان المواضع التى صلّى فيها

النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة

روينا فى تاريخ الأزرقى عن أبى إسحاق ، قال : وجعل إبراهيم الحجر ـ أى : جنب البيت ـ عريشا من أراك تقتحمه العنز ، وكان زربا لغنم إسماعيل (١) .. انتهى.

وقد تقدم فى خبر عمارة الكعبة : أن قريشا أدخلت فى الحجر منها أذرعا لقصر النفقة الحلال التى أعدوها لعمارتها ، وأن ابن الزّبير أدخل ذلك فيها ، وأن الحجاج أخرج ذلك منها ، ورده إلى ما كان عليه في عهد قريش والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستمر ذلك إلى الآن ، فصار بعض الحجر من الكعبة وبعضه ليس منها.

وقد اختلفت الروايات عن عائشة ـ رضى الله تعالى عنها ـ فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة (٢).

ففى رواية : قريب من تسعة أذرع.

وفى رواية : ستة أذرع أو نحوها.

وفى رواية : ستة أذرع.

وفى رواية : خمسة أذرع.

وفى رواية : أربعة أذرع.

وهذه الرواية الأخيرة فى كتاب الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه ، وما عدا ذلك من الروايات صحيح الإسناد.

واختلاف الروايات عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ فى قدر ما فى الحجر من الكعبة لا يقتضى ترك العمل بما روى عنها من أن بعض الحجر من البيت ، وإنما

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٦ ، ٦٥.

(٢) يبحث عن ذلك فى : هداية السالك ٢ / ٧٨٨ ، وصحيح البخارى كتاب فضل مكة وبنيانها ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ، وصحيح مسلم : نقض الكعبة وبنائها ٤ / ٢١٠ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١٠.


يقتضى أن يعمل فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة بأكثر الروايات فى ذلك ، والله أعلم.

وقد جزم بصحة طواف من طاف فى الحجر خارجا عن سته أذرع من البيت إمام الحرمين ووالده الشيخ أبو محمد الجويني ، والبغوى.

وذكر الرافعي : أن هذا المذهب هو الصحيح ، وقال به اللخمى من المالكية.

وجزم به الشيخ خليل الجندى المالكى فى مختصره الذى صنفه لبيان ما به الفتوى ، والله أعلم.

والحجر : هو ما بين الركن الشامى الذى يقال له : العراقى ، والركن الغربي ، وهو عرصه مرخمة لها جدار منقوش علي نصف دائرة.

وقد ذكرنا ذرعه من داخله وخارجه ، وشىء من خبر عمارته فى أصل هذا الكتاب.

وجاء في فضله وفضل الصلاة فيه والدعاء فيه أخبار.

منها : ما رواه الفاكهى بسنده عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبى هريرة : «يا أبا هريرة ، إن على باب الحجر ملكا يقول لمن دخل فصلي ركعتين : مغفورا لك ما مضى ، فاستأنف العمل ، وعلي باب الحجر الآخر ملك منذ خلق الله الدنيا إلى يوم يرفع البيت ، يقول لمن صلي وخرج : مرحوما إن كنت من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقيا» (١) .. انتهي.

وروينا عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : «صلوا في مصلي الأخيار» وسئل عن ذلك ، فقال : «تحت الميزاب» (٢) ، أخرجه الأزرقي.

[حكم الصلاة في الحجر من الكعبة :]

وحكم الصلاة فيما في الحجر من الكعبة : حكم الصلاة فيها ؛ لكون ذلك منها ، فلا يصح فيه على مشهور مذهب مالك فرض ولا نفل مؤكد ، والله أعلم.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٣٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣١٨.


وروينا عن عطاء قال : من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا ، استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وروينا عنه : من قام تحت مثغب الكعبة ، يعنى ميزابها ، أخرجه الأزرقى (١).

وروى عن عثمان رضى الله عنه : أنه وقف تحت الميزاب يدعو ، وقال : ما زلت قائما على باب الجنة (٢).

وفى الحجر قبر إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ مع أمه هاجر (٣) ، وقيل : إنه فى الحطيم (٤) ، والله أعلم.

وينبغى توقّى النوم فيه ، والاحتراز من بدعتين أحدثهما الناس لا أصل لهما على ما ذكر ابن جماعة (٥).

إحداهما : وقوفهم فى فتحتى الحجر للصلاة والسلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والأخرى : استقبالهم جهة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتحتى الحجر للدعاء واستدبارهم للقبلة.

والمعروف فى آداب الدعاء : استقبالها ، هذا معنى كلامه ، قال : والله يوفقنا لا جتناب البدعة واتباع السنة بمنّه وكرمه.

وأما المواضع التى صلّى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة : فذكرها المحب الطبرى فى كتابه «القرى» بدلالتها ، ونشير هنا لشئ من ذلك.

الموضع الأول : خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام.

الثانى : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

الثالث : قريب من الركن الشامى مما يلى الحجر ، بسكون الجيم.

الرابع : عند باب الكعبة.

__________________

(١) أخرجه الأزرقى ١ / ٣١٨ ، ولفظه : «مثغب الكعبة» ومثغب الكعبة : هو مجرى مائها ، وهو الميزاب كما فى رواية أخرى.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٩٢.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣١٣.

(٤) فى كل هذه الأثار نظر.

(٥) هداية السالك ٢ / ٩٤٦ ، ٩٤٧.


الخامس تلقاء الركن الذى يلى الحجر من جهة المغرب جانحا إلى جهة المغرب قليلا ، بحيث يكون باب المسجد ـ الذى يقال له اليوم باب العمرة ـ خلف ظهره.

السادس : فى وجه الكعبة.

السابع : بين الركنين اليمانيين.

الثامن : الحجر.

واستدل المحب الطبرى للمصلّى الثالث ، بحديث عبد الله بن السائب رضى الله عنه.

واستدل للسادس بحديث لأسامة بن زيد رضى الله عنهما.

والمصلّى الذى ذكره ابن السائب ، والذى ذكره أسامة : واحد ـ فيما أحسب ـ لأنهما فى وجه الكعبة ، فيما بين الباب والحجر ـ بسكون الجيم ـ وقد أوضحنا ذلك فى أصله (١) ، والله أعلم.

وأما الحفرة المرخمة فى وجه الكعبة : فقد سبق فى الباب الذى قبله ما يقتضى أن نصفها الذى يلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ موضع المقام عند البيت ، ويقال : إنها الموضع الذى صلّى فيه جبريل ـ عليه‌السلام ـ بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرضت الصلاة.

واستبعد ذلك القاضى عز الدين بن جماعة (٢).

ويقال : إنها موضع مصلّى آدم عليه‌السلام.

ذكر ذلك الأقشهرى ـ رحمه‌الله ـ عن شيخه الشيخ رضى الدين الطبرى إمام المقام.

وسبق فى الباب الثامن : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى بين الركنين اليمانيين ، وهو موضع الرخامة فى وسط هذا الجانب المكتوب فيها : «عمارة المنصور لا جين للمطاف» وهذا لا يفهم مما ذكره المحب الطبرى فى هذا المصلّى.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٤٨ ـ ٣٥٠) ، وهداية السالك ١ / ٧٣ ، ٧٤.

(٢) هداية السالك ١ / ٧٤.


الباب الثامن عشر

فى ذكر شىء من أخبار توسعة

المسجد الحرام وعمارته وذرعه

أما خبر توسعة المسجد الحرام : فإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أول من وسعه بدور اشتراها ، ودور هدمها على من أبى البيع وترك ثمنها لأربابها فى خزانة الكعبة.

وكان فعله لذلك فى سنة سبع عشرة (١) ، وكذلك فعل عثمان رضى الله عنه ، وكان فعله لذلك فى سنة ستة وعشرين من الهجرة (٢).

وقد وسعه عبد الله بن الزّبير ـ رضى الله عنهما ـ من جانبه الشرقى والشامى واليمانى.

ثم وسعه المنصور العباسى من جانبه الشامى ، ومن جانبه الغربي.

وكان ما زاده مثل ما كان من قبل.

وكان ابتداء عمله فى المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة ، والفراغ منه فى ذى الحجة سنة أربعين (٣).

ثم وسعه المهدى بن المنصور من أعلاه ، ومن الجانب اليمانى ، ومن الجانب الغربى حتى صار على ما هو عليه اليوم خلال الزيادتين ، فإنهما أحدثنا بعده.

وكانت توسعته له فى نوبتين :

الأولى : فى سنة إحدى وستين ومائة (٤).

والثانية : فى سنة سبع وستين (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٦٨ ، ٦٩ ، وتاريخ الطبرى ٤ / ٢٠٦ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٢٢٧ ، الذهب المسبوك (ص : ١٤).

(٢) تاريخ الطبرى ٢ / ٦٩ ، والكامل لابن الأثير ٣ / ٣٦ ، وإتحاف الورى ٣ / ٣٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ١٧٣ ، وذكر أن ذلك فى سنة ١٣٨ ه‍ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧٢ ، وذكر أن ذلك سنة ١٣٩ ه‍.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٢٠٨ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧٦.

(٥) إتحاف الورى ٢ / ٢١٧ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٨٠.


وليس لأحد من الأثر فى النفقة فى عمارته مثل ما للمهدى ، فالله يثيبه ، واسمه إلى الآن فى سقف المسجد الحرام قريبا من منازة الميل.

وممن عمره من غير توسعة عبد الملك بن مروان ، رفع جدرانه وسقفه بالساج.

وعمره ابنه الوليد ، وسقفه بالساج المزخرف ، وأزّره من داخله بالرخام.

وذكر السهيلى فى خبر عمارته ما يستغرب ؛ لأنه قال : فلما كان ابن الزّبير ، زاد فى إتقانه لا فى سعته.

والمستغرب من هذا كون ابن الزّبير لم يوسع المسجد الحرام (١) ، لاشتهار خبر توسعته له.

ومما زيد فى المسجد الحرام بعد المهدى : زيادة دار الندوة بالجانب الشمالى ، والزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربى.

وكان إنشاء زيادة دار الندوة فى زمن المعتضد العباسى.

وكان ابتداء الكتابة إليه فيها فى سنة إحدى وثمانين ومائتين (٢) ، والفراغ منها فى سنة أربع وثمانين فيما أظن ، وكان أبوابها إلى المسجد الكبير على غير صفتها اليوم ، ثم عملت على الصفة التى عليها اليوم فى سنة ست وثلثمائة (٣).

وكان عمل زيادة باب إبراهيم فى سنة ست وسبعين وثلثمائة.

ووقع فى المسجد الحرام بعد الأزر فى عمارات كثيرة جدا ، وقد ذكرنا من ذلك طرف فى أصله.

وعمّر منه فى عصرنا جانب كبير ؛ وسبب ذلك أنه فى ليلة السبت الثامن والعشرين (٤) من شوال سنة اثنين وثمانمائة ظهرت نار من رباط رامشت ، فتعلقت بسقف المسجد الحرام ، وعمت بالحريق الجانب الغربى ، وبعض

__________________

(١) الروض الأنف ١ / ٢٢٤.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥١ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ١١١ ، ١١٢.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٣٦٦.

(٤) فى إتحاف الورى ٣ / ٤٢٠ : «ثامن عشر».


الرواقين المقدمين من الجانب الشامى إلى محاذاة باب دار العجلة بما فى ذلك من السقوف والأساطين ، وصارت قطعا ، ثم عمّر ذلك كما كان فى مدة يسيرة على يد الأمير بيسق المالكى الظاهرى ، وكان ابتداء عمل ذلك بعد الحج من سنة ثلاث وثمانمائة (١) ، وفرغ منه فى شعبان سنة أربع وثمانمائة إلا سقف ذلك ، فإنه لم يعمل إلا فى سنة سبع وثمانمائة ؛ لتعذر خشب الساج ، ولما لم يحصل سقف بخشب العرعر ، ولتكسر أساطين الرخام عمل عوضها أساطين من حجارة منحوتة واستحسنت (٢).

وعمرت بعد ذلك أماكن بالمسجد الحرام ، وسقوفه ، فمن ذلك : فى سنة خمس عشرة وثمانمائة عقدان يليان سطح المسجد قبالة المدرسة البنجالية ، وأماكن فى سقفه (٣).

ومن ذلك : فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة باب الجنائر على صفته اليوم ؛ لانهدام بعضه قبل ذلك ، فهدم ما بقى منه ، والحاجز الذى بين البابين ، وبنى ذلك مع ما انهدام من جدر المسجد الحرام المتصل بهذا الباب ، وإلى منتهى رباط المراغى بهذا الجانب وهو الشرقى.

وعمّر ذلك واستحسنت عمارته ، وكتب فيه اسم مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى صاحب مصر والشام ، زاده الله نصرا وتأييدا وخلّد ملكه (٤).

وعمّر من هذا الجانب أماكن بين باب علىّ والعباس ، وفى باب العباس وعند المدرسة الأفضلية.

وعمّر فى سنة ست وعشرين وثمانمائة عدة عقود بالرواق المقدم والجانب الشرقى ، وفى المؤخر منه ، وهى : سبعة فى المؤخر ، وسبعة فى المقدم ، وثمانية فى التى تلى المقدم ، وثلاثة فى التى تليه ، وهى تلى المؤخر.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٢٠ ، والسلوك للمقريزى ٣ / ٣ : ١٠١٩ ، ونزهة النفوس ٢ / ٦١ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٦ ، ٣١٧).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤٢٣ ، والسلوك للمقريزى ٣ / ٣ : ١٠٦٤.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٤٨٥.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٥٨٨ ، ٥٨٩.


وعمّر ما تحتها من الأساطين لخللها حتى أحكم ذلك كله.

وعمّر من سقوف المسجد الحرام ـ ما كان متخربا ـ ونور سطحه أو أكثره.

وعملت أبوبا للمسجد الحرام جديدة ، منها : بابان فى باب الجنائر ، وثلاثة فى باب العباس ، وثلاثة فى باب علىّ ، والباب الأوسط من باب الصفا ، وباب العجلة ، وباب زيادة دار الندوة المنفرد ، وأصلح غير ذلك من باقى الأبواب (١).

ومن المعمول فى هذه السنة عقدان عند باب الجنائز.

وكل ذلك مع ما ذكر من عمارة الكعبة المعظمة على يد الأمير سيف الدين مقبل القديدى [المكى الأشرفى] أثابه الله.

[وفى سنة ثلاثين وثمانمائة عمرت عدة عقود بالجانب الشمالى ، مما يلى صحن المسجد ، وهى ثمانية : ستة تلى الأسطوانة الحمراء إلى صوب باب العمرة ، واثنان يليانها إلى صوب باب بنى شيبة ، وفرغ من ذلك فى شعبان من السنة المذكورة.

وأما ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين : فذكره الأزرقى باعتبار ذراع اليد (٢)].

وحررت أنا ذلك بذراع الحديد ، ومنه يظهر تحريره بذراع اليد كما سبق بيانه.

فكان طوله من جدره الغربى إلى جدره الشرقى المقابل له : ثلثمائه ذراع وستة وخمسين ذراعا وثمن ذراع بالحديد.

ويكون ذلك بذراع اليد : أربعمائة ذراع وسبعة أذرع ، وذلك من وسط جدره الغربى ـ الذى هو جدر رباط الخوزى ـ إلى وسط جدره الشرقى عند باب الجنائز يمر به فى الحجر ملا صقّا لجدر الكعبة الشامى.

وكان عرضه من جدره الشامى إلى جدره اليمانى : مائتى ذراع وستة وستين ذراعا بذراع الحديد.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٩٨ ، ٥٩٩ ، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ٢١٠) ، والعقد الثمين ١ / ٨٥.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٨١ ، ٨٢.


يكون ذلك بذراع اليد : ثلثمائة ذراع وأربعة أذرع ، وذلك من وسط جداره القديم عند العقود إلى وسط جداره اليمانى فيما بين الصفا وباب أجياد تمر به فيما بين مقام إبراهيم والكعبة ، وهو إلى المقام أقرب.

حرر لى ذلك من أعتمد عليهم من أصحابنا ، أثابهم الله.

وذرع المسجد الحرام الآن مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع ، هكذا قال الأزرقى.

وأما ذرع زيادة دار الندوة : فهو أربعة وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ إلا ربع ذراع بالحديد ، وذلك من جدر المسجد الكبير إلى الجدر المقابل له الشامى منها ، وعنده باب منارتها ، وهذا ذرعها طولا.

وأما ذرعها عرضا ، فسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ ونصف ذراع ، وذلك من وسط جدرها الشرقى إلى وسط جدرها الغربى.

وأما زيادة باب إبراهيم : فذرعها طولا : تسعة وخمسون ذراعا إلا سدس ، وذلك من الأساطين التى فى وزان جدر المسجد الكبير إلى العتبة التى فى باب هذه الزيادة.

وأما ذرعها عرضا : فاثنان وخمسون ذراعا وربع ذراع ، وذلك من جدر حائط رباط الخورى إلى جدر رباط رامشت.

وذكرنا فى أصله ذرع صحن هاتين الزيادتين طولا وعرضا ، وحرر ذلك بحضورى (١).

***

__________________

(١) يبحث عن ذلك فى : أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٦٢ ـ ٨٢ ، والمسالك والممالك (ص : ١٣٢ وما بعدها) ، والأحكام السلطانية (ص : ١٥٢ وما بعدها) ، وهداية السالك ٣ / ١٣٣٤ ، ١٣٣٥ ، وأخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٨٠ ـ ١٩٩.



الباب التاسع عشر

فى عدد أساطين المسجد الحرام ، وصفتها ،

وعدد عقودها ، وشرفاته ، وقناديله ، وأبوابه ،

وأسمائها ، ومنابره ، وفيما صنع فيه لمصلحته ،

أو لنفع الناس به ، وفيما فيه الآن من المقامات ،

وكيفية صلاة الأئمة بها وحكمها

وأما عدد أساطين المسجد الحرام ـ غير ما فى الزيادتين ـ فأربعمائة أسطوانة وتسعة وستون أسطوانة فى جوانبه الأربعة ، وعلى أبوابه من داخله وخارجه تسعة وعشرون أسطوانة ، فيصير الجميع أربعمائة أسطوانة وستة وتسعين أسطوانة ـ بتقديم التاء (١).

وهذه الأساطين رخام إلا مائة وتسعة وعشرون أسطوانة فهى حجارة منحوتة ، إلا ثلاثة أساطين ، فهى آجر مجصص ، وفى صحن المسجد حول المطاف أساطين ، وهى اثنان وثلاثون أسطونة (٢).

وأما عدد أساطين زيادة باب إبراهيم : فسبعة وعشرون أسطوانة حجارة منحونة (٣).

وأما عدد طاقات المسجد الحرام التى بجوانبه الأربعة غير الزيادتين ، فأربعمائة طاقة وأربعة وثمانون طاقا.

وأما عدد طاقات زيادة دار الندوة : فثمانية وستون طاقا.

وأما عدد طاقات زيادة باب إبراهيم : فستة وثلاثون طاقا.

والطاقات هى العقود التى على الأساطين (٤).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٨١ ، ١٨٢ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٨٢.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٨٢.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٨٤.

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٨٥ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٨٤.


وأما عدد شرفاته التى تلى بطن المسجد : فأربعمائة وثلاثة عشر شرفة ، وسبعة أنصاف شرافات.

وأما عدد الشرفات التى بزيادة دار الندوة : فاثنان وسبعون شرافة.

وأما عدد الشرفات التى بزيادة باب إبراهيم : فبضع وأربعون شرافة (١).

وأما عدد قناديله الآن ـ المرتبة فيها غالبا ـ فثلاثة وتسعون قنديلا ـ بتقديم التاء ـ وهى نحو الخمس من عدد قناديله التى ذكرها الأزرقى (٢).

وأما عدد أبوابه : فتسعة عشر ـ بتقديم التاء ـ تفتح على ثمانية وثلاثين طاقا (٣).

وأما أسماؤها الآن : فذكرناها فى أصله ، وفى أصل هذا الكتاب زيادة بيان فيما يتعلق بالصلاة على الموتى فى المسجد الحرام ، وفى الخروج بهم منه.

وأما عدد منائره : فخمس : أربع فى جوانبه الأربعة ، والخامسة : بزيادة دار الندوة ، وبزيادة باب إبراهيم منارة مهدوم أعلاها ، وقد أشار إليها ابن جبير ، وأشار إلى منارة أخرى كانت على باب الصفا ، ولا أثر لها الآن.

وأما ما صنع فى المسجد الحرام لمصلحته : فقبة كبيرة بين زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه ، وكانت موجودة فى القرن الرابع على مقتضى ما ذكر ابن عبد ربه فى «العقد».

ومزولة بصحن المسجد يعرف بها الوقت : عملها الوزير الجواد ، وتسمى ميزان الشمس.

ومنابر للخطبة ، وقد ذكرنا منها جملة فى أصله (٤).

وأول من خطب على منبر بمكّة معاوية رضى الله عنه.

والمنبر الذى يخطب عليه الآن بمكّة أنفذه الملك المؤيد أبو النصر صاحب مصر فى موسم سنة ثمان عشرة وثمانمائة مع درجة الكعبة الموجودة الآن (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكى ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠١ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٠٤ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٩٨ ـ ٩٩.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧٨ ، ورحلة ابن جبير (ص : ٨٢).

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٩٧ ـ ٩٨ ، ورحلة ابن جبير (ص : ٦٨) (٥) إتحاف الورى ٣ / ٥٢٨.


وأما المقامات التى هى الآن بالمسجد الحرام : فأربعة ، وهى أسطوانتان من حجارة عليهما عقد مشرف من أعلاها ، وفيه خشبة معترضة فيها خطاطيف للقناديل ، إلا مقام الخليل : فإنه أربعة أساطين عليها سقف مدهون مزخرف ، وكان عمله على هذه الصفة فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، وكمل فى أول التى تليها ، وكان عمل المقامات الأخرى على ما ذكر فى سنة سبع وثمانمائة رغبة فى بقائها ، وما ذكر من صفاتها الآن هى غير صفاتها السابقة.

وقد أفتى جماعة من العلماء من المذاهب الأربعة ، منهم : شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى (١) ، وابنه مولانا شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين (٢) : بوجوب هدم مقام الحنفية المشار إليه لما فيه من الحدث وغير ذلك ، ورسم ولى الأمر بهدمة ، ثم ترك لمعارضة حصلت فى ذلك.

ومقام الشافعى : يلى مقام إبراهيم.

ومقام الحنفى : يلى الحجر ، يسكون الجيم.

ومقام المالكى : يلى دبر الكعبة.

ومقام الحنبلى : يلى الحجر الأسود.

وفى أصل هذا الكتاب ذرع ما بين كل مقام والكعبة.

وأما كيفية صلاة الأئمة بها : فإن الشافعى يصلى أولا ، ثم الحنفى ، ثم المالكى ، ثم الحنبلى.

وتقديم الحنفى على المالكى حدث بعد التسعين وسبعمائة ، إلا صلاة المغرب فقط فيصلونها مجتمعين.

وقد انفرد الشافعى بصلاة المغرب فى أيام الموسم من سنة إحدى عشرة وثمانمائة إلى موسم سنة ستة عشر وثمانمائة.

__________________

(١) هو : عمر بن رسلان بن نصير : برع فى الفقه وأصوله ، وتولى القضاء ، وتأهل للتدريس والفتيا ، توفى سنة ٨٠٥ ه‍ (الضوء اللامع ٦ / ٩٠٦).

(٢) هو : عبد الرحمن بن عمر بن رسلان ، توفى سنة ٨٢٤ ه‍ (الضوء اللامع ٤ / ١٠٦ ـ ١١٣).


وأما حكم صلاة الأئمة ما عدا الشافعى على الترتيب الذى يفعلونه : فإن ذلك لا يجوز على ما أفتى به أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الحباب المالكى (١) ، وله فى ذلك تأليف حسن.

وأفتى بجواز ذلك شداد بن المقدم ، وعبد السلام بن عتيق ، وأبو الطاهر بن عوف الزهرى ، وهم من فقهاء المالكية بالأسكندرية ، ورد عليهم ابن الحباب ذلك ، فى تأليفه ، ونقل ما يوافق فتواه عن جماعة من الشافعية والحنيفة والمالكية.

وفى أصل هذا الكتاب زيادة فوائد فى هذا المعنى.

***

__________________

(١) لم نعثر على ترجمته ، وانظر الخبر فى : إتحاف الورى ٢ / ٥١٦.


الباب العشرون

فى ذكر شىء من خبر زمزم

وسقاية العباس رضى الله عنه

أما زمزم : فإن أول من أظهرها الأمين جبريل ـ عليه‌السلام ـ سقيا لإسماعيل ـ عليه‌السلام ـ عندما ظمى ، ولو لم تحوض عليه أم إسماعيل لكانت عينا تجرى ، على ما فى البخارى (١).

وذكر الفاكهى أن الخليل ـ عليه‌السلام ـ حفر زمزم بعد جبريل ـ عليه‌السلام ـ ثم غلبه عليها ذو الفرس.

وقد غيبت بعد ذلك زمزم لاندراس موضعها ، ثم منحها الله ـ تعالى ـ عبد المطلب جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكرامته ، فحفرها بعد أن أعلمت له فى المنام بعلامات استبان له بها موضعها ، فلم تزل ظاهرة حتى الآن ، وعولجت فى الإسلام غير مرة ، وذلك مذكور فى أصله (٢).

وزمزم الآن فى بيت مربع فى جدرانه تسعة أحواص تملأ من زمزم للتوضئ منها.

وأعلا البيت مسقوف ما خلا الموضع الذى يحاذى البئر.

وهذه الصفة تخالف الصفة التى ذكرها الأزرقى (٣) فى صفة موضع زمزم.

وفى سنة اثنين وعشرين وثمانمائة هدمت ظلة المؤذنين التى فوق البيت الذى فيه زمزم ؛ لإفساد الأرضة لها ، وسلخ من هذا البيت الجدار الغربى والشامي من أعلاهما إلى أسفلهما ، وبنى ذلك بنورة وحجارة منحوتة وغيرها ، وسلخ من أعلا جدر هذا البيت الشرقى إلى عتبة الباب العليا فى هذا الجدار ، وبنى

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٣١٩ ـ ٣٢١) ، السيرة الشامية ١ / ٢١٨ ، والبيهقى فى دلائل النبوة ١ / ٩٣ ، وطبقات ابن سعد ١ / ٨٣ ، وسيرة ابن هشام ١ / ١٤٥ ، وأخبار مكة للفاكهى ٢ / ٥ ـ ٧ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١١ ، ١٢ ، والسيرة لابن هشام ١ / ١٥٥.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٦١ ، ٦٢.


ذلك بآجر ونورة ، وأخرجوا من سقف هذا البيت الخشب المتخرب وأبدلوه بغيره ، وبنوا فوق هذا الجدار أسطوانتين من آجر ونورة ، لشد الدرابزين فى ذلك ، وأصلحوا جميع سقف هذا البيت بالنورة والآجر ، وجعلوا له درابزين من خشب مخروط يطيف بجوانبه خلا اليمانى.

وجعلوا فوق بئر زمز شباكا من حديد ، ولم يكن قبله هناك شبّاك من حديد ، وبنوا خمسة أساطين دقيقة من آجر بالنورة : ثلاثة فى الجدار الذى بالكعبة ، وواحدة فى الشامى ، وواحدة فى اليمانى ، وجعلوا بين هاتين الأسطوانتين أسطوانة من خشب ، وأخشابا بين هذه الأساطين ، وسقفا من خشب مدهون ساترا لما بين هذه الأساطين الست ، يكون ظلة للمؤذنين ، خلا بعض ما بين الاسطوانة الوسطى والخشب ، فجعلوا فيه قبة من خشب مدهونة ، وجعلوا فوق هذه القبة قبة ساترة لها من خشب وجريد وقصب ، وطلوها من أعلاها بالجبس ، وجعلوا فوق السقف المدهون سقفا آخر ودكوه بالآجر والنورة ، ورفرفا من خشب مدهون يطيف بجوانب هذا السقف ، وأحكموا شده وشد السقف والقبة بالمسامير والكلاليب الحديد.

وجعلوا درابزين من خشب يطيف بجوانب هذا البيت خلا اليمانى ، ودرابزين آخر يطيف بجانبى ظلة المؤذنين اليمانى والشرقى ، ولم يكن فى هاذين الجانبين درابزين قبل ذلك.

وأوسعوا فى الأحواض التى فى الجدارين الغربى والشامى من داخل البيت الذى فيه زمزم ، وأوسعوا فى الدرجة التى يصعد منها إلى سقف بيت زمزم فاستحسنت ، وكذا ظلة المؤذنين ، وكذا ما عمل فى سطح هذا البيت وجدرانه.

وفرغ من ذلك فى أثناء رجب سنة اثنين وعشرين وثمانمائة (١) ، والمتولى لهذه العمارة : الجانب العالى العلائى خواجا شيخ على الكيلانى نزيل مكّة (٢) ، زاده الله رفعة وتوفيقا.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٦.

(٢) انظر ترجمته فى الضوء اللامع ٥ / ٣١٣ رقم ١٠٣٤.


وكان إلى جانب هذا الموضع خلوة فيها بركة تملّا من ماء زمزم ، ويشرب منها من دخل إلى الخلوة.

وكان لها باب إلى جهة الصفا ، ثم سد وجعل فى موضع الخلوة بركة مقبوة ، وفى جدارها الذى يلى الصفا زبازيب يتوضأ الناس منها على أحجار نصبت عند الزبازيب ، وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة ، وشباك إلى جهة الصفا ، وطابق صغير إلى البركة.

وكان عمل ذلك على هذه الصفة فى سنة سبع وثمانمائة (١) ، ثم هدم ذلك حتى بلغ الأرض فى العشر الأول من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة لما قيل : إن بعض الجهلة يستنجى هنالك ، وعمّر عوض ذلك سبيل للسلطان الملك المؤيد أبى النصر شيخ ، نصره الله ، ينتفع الناس بالشرب منه ، فيتضاعف له الدعاء ولمن كان سببا فى ذلك ، وجاءت عمارته حسنة ، وفرغ منها فى رجب سنة ثمان عشرة وثمانمائة (٢).

وابتدئ فى عمله بإثر سفر الحاج.

وفى موضع هذه الخلوة : كان مجلس عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ على مقتضى ما ذكر الأزرقى والفاكهى (٣).

أسماء زمزم

ولزمزم أسماء كثيرة ذكرها الفاكهى (٤).

منها ستة وعشرون اسما ذكرناها فى أصله ، مع أحد عشر اسما لزمزم لم يذكرها الفاكهى.

وفى أصله فوائد تتعلق بأسماء زمزم.

ولزمزم فضائل مروية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ منها : «خير ما على الأرض : ماء زمزم» (٥) ، أخرجه ابن حبان فى صحيحه والطبرانى بإسناد جيد.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٤٣ ، والعقد الثمين ١ / ٩١.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥٢٢ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٩٢.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٦ ، وأخبار مكة للفاكهى ٦٥ / ٦٦.

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٦٧.

(٥) أخرجه : ابن حبان ٢ / ٢٠٩ ، والطبرانى فى الكبير ١١ / ٩٨ رقم (١١٦٧) ، وعبد الرازق فى مصنفه ٥ / ١١٦ ـ ١١٧ ، وأخبار مكة للفاكهى ٢ / ٣٤ ، وأخبار مكة للأزرقى ٥٣١٢ ، وهداية السالك ١ / ٨٦.


وصح لى عن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى أنه قال : إن ماء زمزم أفضل من الكوثر ؛ لأن به غسل صدر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه .. انتهى بالمعنى.

ومنها : ما رويناه عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم (١).

أخرجه الحافظ شرف الدين الدمياطى بسنده ، وقال ـ فيما أنبئت به عنه ـ : إسناده صحيح.

ومنها : «أنه لما شرب له» (٢) وهذا مروى من حديث ابن عباس ، وجابر ـ رضى الله عنهم ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحديث ابن عباس رويناه فى سنن الدارقطنى ، وقد حسن شيخنا الحافظ العراقى حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ من هذه الطريق ، وقال فى «نكته على ابن الصلاح» : إن حديث ابن عباس أصح من حديث جابر .. انتهى.

وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمقاصد جليلة فنالوها ، وروينا فى ذلك أخبار.

منها : أن أحمد بن عبد الله الشريفى الفراش بالحرم الشريف المكى شربه للشفاء من العمى ، فشفى ، على ما أخبرنى به شيخنا المفتى عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى ، وفى هذا دليل لصحته.

ولزمزم خواص ، منها : أن ماءها يبرد الحمى (٣).

__________________

(١) أخرجه : أحمد ١ / ٢٩١.

(٢) أخرجه : ابن ماجه (٣٠٦٢) ، وأحمد ٣ / ٢٢٠ ، والبيهقى فى سننه ٥ / ١٤٨ ، والحاكم فى المستدرك (١٧٣٩) ، والطبرانى فى الأوسط (٨٥٣) ، والديلمى فى الفردوس (٣١٧١) ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٥٢ ، والعقيلى ٢ / ٣٠٣ ، وابن عدى ٤ / ١٤٥٥ ، والبيهقى فى الشعب (٤١٢٧) ، وابن أبى شيبة ٦ / ٢١٩ ، وفيه عبد الله بن المؤمل ، وقد اختلف فى توثيقة وتضعيفه ، لكن للحديث متابعات وشواهد يتقوى بها فيرتقى إلى مرتبة الحسن ، والله أعلم. انظر طرقه والكلام عليه فى : المقاصد الحسنة (٣٥٧) ، وكشف الخفاء ٢ / ٢٢٩ ، والتمييز (١١٥٢) ، وأسنى المطالب (١٢٢١).

(٣) أحمد ١ / ٢٩١ ، وأخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٨.


ومنها : أنه يذهب بالصداع وغير ذلك.

وفى أصله زيادة فى فضل ماء زمزم وخواصه.

ويصح التطهر بماء زمزم بالإجماع ، على ما ذكر الرويانى فى «البحر» ، والماوردى فى «الحاوى» ، والنووى فى «شرح المهذب».

وقد اتفق العلماء الأئمة الأربعة على جواز نقله.

[سقاية العباسى]

وأما سقاية العباسى رضى الله عنه : فهى الآن على غير الصفة التى ذكرها الأزرقى ، وصفتها الآن والأولى مذكورتان فى أصله.

وأحدث عهد عمّرت فيه هذه السقاية : سنة سبع وثمانمائة بعد سقوط القبة التى كانت بها ، وكانت من خشب من عمل الجواد الأصفهانى (١) فعملت من حجر (٢).

وممن عمرها : الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر ، والله أعلم.

__________________

(١) هو : الجواد : محمد بن على بن أبى منصور الأصبهانى ، الوزير جمال الدين ، والمعروف بالجواد (انظر ترجمته فى : العقد الثمين ٢ / ٢١٢ رقم ٣٣٠).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤٤٣ ، والعقد الثمين ٢ / ٢١٢.



الباب الحادى والعشرون

فى ذكر الأماكن المباركة التى ينبغى زيارتها

الكائنة بمكّة المشرفة ، وحرمها وقربه

هذه الأماكن ، مساجد ودور ، وجبال ومقابر.

[المساجد التي ينبغى زيارتها في مكّة المشرفة وحرمها :] والمساجد أكثر من غيرها ، إلا أن بعضها مشتهر باسم المولد ، وبعضها باسم الدور ، وسيأتى ذكر هذين الأمرين قريبا.

والمقصود ذكره هنا ما اشتهر من ذلك بالمسجد.

فمن ذلك : مسجد بقرب المجزرة الكبيرة من أعلاها ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه المغرب على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى مسند مكّة وموثقها.

وفيه : أنه عمّر فى رجب سنة ثمان وخمسمائة ، وعمّر سنة سبع وأربعين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد فوقه ، يقال له : مسجد الراية ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

وعمّره عبد الله بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ، ثم عمّر فى سنة أربعين وستمائة ، وفى سنة إحدى وثمانمائة.

ومن ذلك : مسجد بسوق الليل بقرب المولد النبوى ، يقال له : المختبى ، يزوره الناس فى يوم المولد.

ومن ذلك : مسجد بأسفل مكّة ينسب للصديق رضى الله عنه يقال : إنه من داره التى هاجر منها.

ومن ذلك : مساجد خارج مكّة من أعلاها.

منها : المسجد الذى يقال له مسجد الإجابة فى شعب بقرب ثنية أذاخر ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.


ومن ذلك : مسجد البيعة ـ وهى بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار ـ وهذا المسجد بقرب عقبة منى ، بينه وبين العقبة غلوة أو أكثر ، وهو على يسار الذاهب إلى منى.

وعمّر فى سنة أربع وأربعين ومائة ، وفى سنة تسع وعشرين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار النحر ، بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه ، وما عرفت من خبر عمارته سوى أنه بنى فى سنة خمس وأربعين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد خلف ثبير بمنى ، يقال له : مسجد الكبش ـ وهو الكبش الذى فدى به إسماعيل بن إبراهيم ، أو إسحاق بن إبراهيم ، على الخلاف فى أيهما الذبيح.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أن هذا الكبش نحر بين الجمرتين بمنى ، وهذا يخالف ما سبق ، والله أعلم.

ومن ذلك : مسجد الخيف بمنى ، وهو مشهور عظيم الفضل ؛ لأن فيه صلى سبعون نبيّا ، وفيه قبر سبعين نبيّا ، على ما رويناه مرفوعا فى البزار ، والأول فى الطبرانى الكبير مرفوعا.

وممن قبر فيه على ما قيل : آدم عليه‌السلام.

وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه : أنه أحد المساجد التى تشد إليها الرحال ، وإسناد الحديث إليه ضعيف (١).

وجاء عنه ما يقتضى استحباب زيارته كل سبت (٢).

ومصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيه أمام المنارة قريبا منها ، وعمّر مرات ، وفى أصله طرف من ذلك.

ومن ذلك : المسجد الذى اعتمرت منه عائشة أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ فى حجة الوداع.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٦٧ ، والقرى (ص : ٥٣٩) ، والأزرقى ٢ / ١٧٤.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٤.


وهذا المسجد بالتنعيم. واختلف فيه ، فقيل : إنه المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة ـ شجرة كانت فيه ـ وهو المتعارف عند أهل مكة ؛ على ما ذكر سليمان ابن خليل.

ومنها : مولد جعفر رضى الله عنه فى دار أبى سعيد ، عند دار العجلة. وبعض الناس ينسب هذا المولد إلى جعفر بن أبى طالب. وعلى بابه حجر مكتوب فيه : إنه مولد جعفر الصادق. ودخله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا منافاة بين كونه مولد جعفر الصادق ، وبين دخول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه ؛ لإمكان أن يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخله قبل أن يولد فيه جعفر (١) ، والله أعلم.

وأما الدور المباركة بمكة ، فمنها : دار أم المؤمنين خديجة ـ رضى الله عنها ـ ويقال لها الآن : مولد فاطمة ـ رضى الله عنها ـ وفيها ثلاثة مواضع تقصد بالزيارة متلاصقة.

أحدها : الموضع الذى يقال له : مولد فاطمة.

والموضع الذى يقال له : قبة الوحى.

والموضع الذى يقال له : المختبأ.

وبها موضع آخر على هيئة المسجد.

وهذه الدار أفضل الأماكن بمكة بعد المسجد الحرام ، على ما ذكر المحب الطبرى (٢) ؛ ولعل ذلك لسكن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها سنين كثيرة ، من حين تزوج خديجة ، وإلى حين هاجر ، ولكثره نزول الوحى فيها ، وفيها : بنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخديجة. وفيها : ولدت أولادها منه. وفيها : ماتت رضى الله عنها.

ومنها : دار تنسب للصديق رضى الله عنه بالزقاق الذى فيه دار خديجة ـ رضى الله عنها ـ ويعرف الآن بزقاق الحجر ، ويقال له فيما مضى : زقاق العطارين. ذكر ذلك الأزرقى.

وفى هذه الدار مسجد عمّره المنصور صاحب اليمن قبل سلطنته فى حال نيابته على مكة للمسعود سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤١.

(٢) القرى (ص : ٦٦٥).


ومقابل هذه الدار حجر ناتئ فى جدار من الدار المقابلة لها يقال إنه الذى كلم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما حكى الميانشى عن كل من لقيه بمكة. وذكر ذلك ابن جبير (١) ، فإن صح كلامه للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلعله الحجر الذى كان يسلم عليه ليالى بعث بمكة.

وقيل : إن الذى كان يسلم عليه فى هذا التاريخ هو الحجر الاسود ، والله أعلم.

ومنها : دار الخيزران عند باب الصفا. وهى دار الأرقم المخزومى ، والمقصود بالزيارة منها مسجد مشهور فيها ، ويقال له : المختبأ ؛ لأن فيه كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو الى الإسلام مستخفيا. وهناك أسلم جماعة من جلة الصحابة ؛ منهم : عمر الفارق رضى الله عنه.

ولعل دار الأرقم هذه أفضل الأماكن بمكة بعد دار خديجة أم المؤمنين ، رضى الله عنها ، والله أعلم.

ومنها : دار العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه ، وهى الآن رباط للفقراء ، وبها علم يهرول منه وإليه الساعى.

ومنها : رباط الموفق بأسفل مكة ؛ لأنه بلغنى عن الشيخ خليل المالكى أن الدعاء مستجاب فيه أو عند بابه.

ومنها : معبد الجنيد ـ شيخ الطائفة الصوفية ـ وهو بلحف الجبل الأحمر ، أحد أخشبى مكة.

وأما الجبال المباركة بمكة وحرمها : فأبو قبيس ؛ لأن الركن الأسود كان مستودعا فيه عام الطوفان ، فلما بنى الخليل الكعبة نادى أبو قبيس : الركن منّى بمكان كذا وكذا. فجاء به جبريل إلى الخليل ، فوضعه موضعه فى الكعبة ، ولذا قيل لأبى قبيس : الأمين.

__________________

(١) رحلة ابن جبير (ص : ٩٢).


وفيه على ما يقال : قبر آدم ـ عليه‌السلام ـ فى غار يقال له : غار الكنز ، فيما قال وهب بن منبه ، وهذا الغار غير معروف. وقد سبق أن قبر آدم بمسجد الخيف. وقيل : قبره عند مسجد الخيف. وقيل : فى الهند فى الموضع الذى نزل فيه من الجنة. وصححه ابن كثير (١).

وفى تاريخ الأزرقى ما يوهم أنه ببيت المقدس (٢) ، فيتحصل فى موضع قبره خمسة أقوال.

وفى أبى قبيس ، على ما يقال : قبر شيث ، وأمه حواء ، على ما وجدت بخط الذهبى.

وفى أبى قبيس ، انشق القمر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما يروى عن ابن مسعود رضى الله عنه ، فيما ذكر الفاكهى (٣). ولم أر ما يدل لما يقال فى موضع الانشقاق بأبى قبيس ، والله أعلم.

ومن فضائل أبى قبيس : أن الدعاء يستجاب فيه ، وهذا فى الفاكهى (٤).

وهو أول جبل وضع فى الأرض ، وهذا فى الأزرقى عن ابن عباس ، رضى الله عنهما (٥).

ومن خواصه ـ على ما ذكر القزوينى فى عجائب المخلوقات ـ ما قيل : إن من أكل عليه الرأس المشوى يأمن من أوجاع الرأس (٦). قال القزوينى : وكثير من الناس يفعل ذلك .. انتهى.

وكان بعض مشايخنا يفضل جبل أبى قبيس على جبل حراء ، ويحتج فى

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٢ / ٢٦٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٢٢.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٤٧ ، والحديث فى صحيح مسلم (٢٨٠٠).

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٤٧.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٤٦ ، والحديث ذكره البسنوى فى محاضرة الأوائل (ص : ١١٩) وقال عنه إن إسناده متروك ؛ لأن فيه سليم بن مسلم ، وهو الخشاب ، قال عنه ابن معين : ليس بثقة ، وفيه عبد الوهاب بن مجاهد : متروك الحديث كذبه الثورى.

(٦) عجائب المخلوقات (ص : ١٢٦).


ذلك بكونه أقرب إلى الكعبة من حراء. وفى النفس من ذلك شىء ؛ لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحراء ، وما نزل فيه من الوحى عليه ، ولم يتفق له مثل ذلك فى أبى قبيس ، فلا يكون أفضل من حراء ، والله أعلم.

ومنها : جبل الخندمة (١) ؛ لأن الفاكهى روى بسنده إلى ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : ما مطرت مكة قط إلا كان للخندمة عزة ، وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا (٢).

والخندمة معروفة عند الناس بقرب أبى قبيس.

ومنها : جبل حراء بأعلى مكة ، لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ، وما خصه الله به فيه من الكرامة بالرسالة إليه ، ونزول الوحى فيه على ، وذلك فى غار مشهور فى هذا الجبل ، يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة ، وبين حراء ومكة ثلاثة أميال ، قاله صاحب «المطالع» وغيره.

وقيل : ميل ونصف ، قاله البكرى ، وهو بعيد.

وقيل : أربعة أمثال. كذا فى تفسير ابن عطيه ، والله أعلم.

ومنها : جبل ثور بأسفل مكة ؛ لاختفاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصديق رضى الله عنه فى غار به ، وهو الغار الذى ذكره الله فى كتابه العزيز حيث يقول : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ.)

وهذا الغار مشهور عند الناس ، ويدخلونه من بابه المتسع والضيق ، وقد وسع بابه الضيق لانحباس بعض الناس فيه ، وذلك فى سنة ثمانمائة أو قبلها أو بعدها بيسير.

وما ذكرناه فى تسمية هذا الجبل «بثور» هو المعروف. وسماه البكرى «بأبى ثور» وذكر أنه على ميلين من مكة ، وأن ارتفاعه نحو ميل ، وذكر ابن الحاج أنه من مكة على ثلاثة أميال.

__________________

(١) هو ما بين حرف السويداء إلى الثنية التى عليها بئر ابن أبى سمير ، فى شعب عمرو ، وهى مشرفة على أجياد الصغرى ، وعلى شعب ابن عامر فى طريق منى (معجم البلدان ٢ / ٣٩٢).

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٣٤.


ومنها : جبل ثبير بمنى ؛ لأنا روينا من حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما تجلى للجبل تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة ، وثلاثة أجبل فوقعت بالمدينة ، فوقع بمكة : حراء وثبير وثور ، وبالمدينة : أحد وورقان ورضوى (١). أخرجه الأزرقى.

وقال القزوينى : إنه جبل مبارك يقصده الزوار (٢).

وذكر النقاش المفسر : أن الدعاء مستجاب فى ثبير.

ومنها : الجبل الذى يلحقه مسجد الخيف ؛ لأن فيه غارا يقال له : غار المرسلات يأثره الخلف عن السلف. ويدل له حديث ابن مسعود رضى الله عنه «بينا نحن مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار بمنى ، إذا نزلت عليه سورة المرسلات» (٣) أخرجه البخارى فى باب : ما يقتل المحرم من الدواب.

وفى بعض نسخ مسند ابن حنبل من مسند ابن مسعود رضى الله عنه ما يقتضى أن هذه السورة نزلت بحراء (٤) ، فإن لم يكن ذلك تصحيفا فهو مخالف لما قيل فى هذا الغار ، والله أعلم.

وأما مقابر مكة ، فمنها : المقبرة المعروفة بالمعلاة ، وهى مشهورة كثيرة الفضل والبركة لما حوته من سادات الصحابة والتابعين ، وكبار العلماء والصالحين ، ولما جاء فيها من الفضل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنا روينا من حديث ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نعم المقبرة هذه ، مقبرة أهل مكة» (٥). أخرجه الأزرقى.

قال : وكان أهل مكة يدفنون موتاهم فى جنبتى الوادى يمنه وشامه ، فى الجاهلية وفى الإسلام ، ثم حول الناس جميعا قبورهم فى الشعب الأيسر لما جاء فيه من الرواية (٦) .. انتهى.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٨٠.

(٢) عجائب المخلوقات (ص : ١٢٧).

(٣) صحيح البخارى ٤ / ٢٩ (كتاب الحج : باب ما يقتل من الدواب).

(٤) مسند أحمد ١ / ٤٥٨.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥٠ ، والحديث أخرجه البخارى فى الكبير ١ / ٨٤ ، وأحمد ١ / ٣٦٧ ، والطبرانى فى الكبير ١١ / ١٣٧ ، وعبد الرازق فى مسنده ٣ / ٥٧٩ ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٣٩٧ ، وعزاه لأحمد ، والبزار ، والطبرانى فى الكبير.

(٦) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٩.


وهذا الشعب هو الذى فيه ـ على ما قيل ـ قبر خديجة أم المؤمنين ، رضى الله عنها.

والرواية التى جاءت فيه هى ما يروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نعم الشعب ونعم المقبرة» (١) .. انتهى.

ومن فضائل مقبرة المعلاه : ما حكاه بعض الصالحين عن بعض الموتى بالمعلاة أنهم قالوا : ما يقف حال أحد فى هذا المكان ، وأنهم غير محتاجين إلى ما يهدى إليهم من قراءة أو نحوها.

ومنها : المقبرة العليا. وهى على ما ذكر الأزرقى عند ثنية أذاخر (٢).

وقال فى موضع آخر : إن آل أسيد ، وآل سفيان بن عبد الأسد يدفنون بالمقبرة العليا بحائط خرمان .. انتهى.

وحائط خرمان هو الموضع المعروف بالخرمانية ، وهو وديان بأعلى المعابدة ، وثنية أذاخر فوق ذلك.

ومنها : مقبرة المهاجرين بالحصحاص ، وهى على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفها : عند الثنية التى يتوجه منها إلى المعلاة ، وتسميها الناس الحجون الأول ، والله أعلم.

ومنها : مقبرة بأسفل مكة دون باب الشبيكة ، وقريب منه ، وهى مشهور عند الناس لما حوته من أهل الخير ؛ الغرباء وغيرهم.

وذكر الفاكهى : أن الأحلاف كانوا يدفنون بأسفل مكة ، والمطيبين بأعلا مكة ، والظاهر أن المقبرة التى كان يدفن بها الأحلاف هى مقبرة الشبيكة ، والله أعلم.

والأحلاف : طوائف من قريش. وكذلك المطيبون ، وهم مذكورون فى أصله.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٤١١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠٩.


ومن القبور المباركة التى ينبغى زيارتها : قبر ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ بسرف ، وهو مشهور عند الناس ، يأثره الخلف عن السلف.

وكان بناء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بميمونة فى سرف ، وسرف من مكة على أميال ، قيل : ستة ، وقيل : سبعة ، وقيل : تسعة ـ بتقديم التاء ـ وقيل : بريد ، والله أعلم.

***



الباب الثاني والعشرون

فى ذكر أماكن بمكّة المشرفة وحرمها

وقربه لها تعلق بالمناسك

وهى ستة وعشرون موضعا ، مرتبة على ترتيب حروف المعجم.

الأول : باب بنى شيبة (١) الذى يستحب للمحرم دخول المسجد الحرام منه ، وهو أول باب فى الجانب الشرقى بين رباط الشرابى ورباط السدرة ، وعليه منارة المسجد الحرام.

وأما الباب الذى يخرج منه المسافر إلى بلده من المسجد الحرام فينبغى أن يكون باب الحزورة ، أو باب إبراهيم ، أو باب العمرة ، وقد أوضحنا دليل ذلك فى أصله ، والله أعلم.

الثانى : التنعيم ، المذكور فى حد الحرم من جهة المدينة المنورة ، وهو أمام أدنى الحل ، على ما ذكر المحب الطبرى. قال : وليس بطرف الحل ، ومن فسره بذلك تجوز وأطلق اسم الشىء على ما قرب منه (٢) .. انتهى.

وهو أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة (٣) عند الأربعة إلا أبا حنيفة ، رحمة الله عليه.

الثالث : ثبير (٤) ، الذى إذا طلعت عليه الشمس سار الحاج من منى إلى عرفة ، وهو على ما قال المحب الطبرى فى شرح التنبيه : بثاء مثلثة مفتوحة ، ثم باء موحدة مكسورة ، أعلى جبل بمنى.

ثم قال : وهو يشرف على منى من جمرة العقبة التى تلقاء مسجد الخيف ، وأمامه قليلا على يسار الذاهب إلى عرفة .. انتهى.

__________________

(١) يعرف الآن بباب السلام ، وكان ينسب لآل شيبة سدنة الكعبة.

(٢) القرى (ص : ٦٦٤).

(٣) الجعرانة : بئر شرقى مكة ذات ماء عذب ، وأهل مكة يكثرون الاعتمار منها فى رمضان ، ويتخذون منها منتزها لما فى وادى الجعرانة من إشراق وبهجة ، ولما فى مائها من عذوبة ، وقد نزل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها عند تقسيمه هوازن بعد غزوة حنين.

(٤) ثبير : جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب فيها إلى منى.


وكلام النووى يقتضى أن ثبير المراد فى مناسك الحج بالمزدلفة ، وليس ذلك بمستقيم على ما ذكر شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى اللغوى.

الرابع : الجعرانة (١) الموضع الذى أحرم منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من الطائف بعد فتح مكّة ، هو موضع مشهور على بريد من مكّة فيما ذكر الفاكهى (٢).

وقال الباجى المالكى : إن بينه وبين مكّة نحو ثمانية عشر ميلا ، والله أعلم.

وذكر الواقدى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحرم من المسجد الأقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى من الجعرانة ؛ وكان مصلّى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان بالجعرانة ، وذكر أن إحرامه من الجعرانة ليلة الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة (٣).

ومن فضائل الجعرانة : ما رويناه عن يوسف بن ماهك ، قال : اعتمر من الجعرانة ثلثمائة نبى (٤) ، أخرجه الجندى.

وهى أفضل مواقيت العمرة من مكّة ، على مقتضى مذهب مالك والشافعى وابن حنبل.

الخامس : الجمار ، المذكورة فى صفة الحج ، وهى بمنى.

ونقل عن ابن سيده اللغوى (٥) ، ما يقتضى أنهاه بعرفة ؛ نقل ذلك عنه السهيلى (٦) ، وهو وهم ذكرناه للتنبيه عليه. وهذه الجمار مشهورة بمنى.

السادس : الحجون المذكور فى حدّ المحصّب ؛ هو جبل بالمعلّاة مقبرة أهل مكّة على يسار الداخل إلى مكّة ، ويمين الخارج منها إلى منى ، على مقتضى ما

__________________

(١) الجعرانة : بكسر الجيم ، وإسكان العين المهملة ، وقد يكسران مع تشديد الراء : موضع بين مكة والطائف ، وهو إلى مكة أقرب ، وهو من الحل.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٦٢ ، ٦٣.

(٣) أى فى السنة التاسعة للهجرة النبوية.

(٤) هداية السالك ٣ / ١٢٦٤.

(٥) هو الحافظ أبو الحسن على بن إسماعيل الأندلسى ، كان إماما فى اللغة العربية حافظا لها ، وتوفى سنة ٤٥٨ ه‍.

(٦) الروض الأنف ١ / ١٣٨.


ذكر الأزرقى والفاكهى فى تعريفه ؛ لأنهما ذكراه فى شق معلاة مكّة اليمانى ، وهو الجهة التى ذكرناها (١).

وإذا كان كذلك : فهو يخالف لما يقوله الناس من أن الحجون : الثنية التى يهبط منها إلى مقبرة المعلّاة ؛ وكلام المحب الطبرى يوافق ما يقوله الناس.

ولعل الحجون على مقتضى قول الأزرقى والفاكهى والخزاعى : الجبل الذى يقال فيه قبر ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أو الجبل المقابل له ، الذى بينهما الشعب المعروف بشعب العفاريت ، والله أعلم.

السابع : الحديبية ، الموضع الذى نزل عنده النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم من المدينة محرما ، فعاقه المشركون عن دخول مكّة ، يقال : إنه الموضع الذى فيه البئر المعروفة ببئر شميس بطريق جده ، والله أعلم.

وقد ذكره غير واحد من العلماء. وما قالوه لا يعرف الآن.

وهى بتخفيف الياء الثانية على الصواب فيها. وقيل : بتشديدها.

واختلف فى كونها فى الحل أو فى الحرم.

وهى أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة والتنعيم على ما قال الشافعية ؛ إلا أن الشيخ أبا حامد ـ منهم ـ فضلها على التنعيم ، والله أعلم.

الثامن : ذو طوى : الموضع الذى يستحب الاغتسال فيه للمحرم إذا قدم مكّة ، هو ما بين الثنية التى يهبط منها إلى المعلّاة ، والثنية الأخرى التى إلى جهة الزاهر ، على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفه ، وفى صحيح البخارى ما يؤيده.

وقال النووى : إنه الموضع المعروف بآبار الزاهر بأسفل مكّة (٢) .. انتهى.

وقيل : هو الأبطح ؛ نقله صاحب «المطالع» عن الداودى ، وهو بعيد. وطاؤه مثلثة.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠٩ ، وأخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥٠ ، ٥١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠١.


التاسع : الردم ، الذى ذكر بعض الشافعية أن المحرم يقف فيه للدعاء إذا قدم مكّة ، وهو ردم بأعلى مكّة مشهور عند الناس ، ردمه عمر [بن الخطاب] رضى الله عنه صونا للمسجد من السيل فى سنة سبع عشرة من الهجرة (١).

العاشر : الصفا ، الذى هو مبدأ السعى ، وهو فى أصل جبل أبى قبيس على ما ذكر البكرى والنووى وغيرهم. وهو مكان مرتفع من جبل ، له درج ، وفيه ثلاثة عقود.

والدرج من أعلى العقود وأسفلها ، وبعض الدرج الذى تحت العقود مدفون ، وذلك ثمان درجات ، ثم فرشة مثل بعض الفرشات الظاهرة تحت العقود ، ثم درجتان ، وما عدا ذلك فهو ظاهر ، وهو درجة تحت العقود ، ثم فرشة كبيرة ، ثم ثلاث درجات ، ثم فرشة كبيرة إلا أن هذه الفرشة السفلى ربما غيبت بما يعلو عليها من التراب.

وما ذكرناه من الدرج المدفون شاهدناه بعد حفرنا عنه فى شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وهذا المدفون ليس محلا للسعى ، ومحله : الظاهر.

ويتأيد كون الظاهر محلا للسعى بأن الأزرقى قال : ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا : مائتان ذراع ، اثنان وستون ذراعا وثمانية عشر إصبعا (٢) .. انتهى.

وحررنا ما بين الحجر الأسود ، وبين الفرشة السفلى التى يعلو عليها التراب ، فجاء مثل ما ذكر الأزرقى فى ذرع ما بين الحجر الأسود والصفا.

ولم يذكر الأزرقى ذرع ذلك إلا ليبين أن ما وراء ذلك محل للسعى.

والفرشة السفلى المشار إليها من وراء الذرع المذكور ، فتكون محلا للسعى على هذا ، ويصح ـ إن شاء الله ـ سعى من وقف عليها فلا يقصر الساعى عنها ، ولا يجب عليه الرقى على ما وراءها ، والله أعلم.

ومن محاذاة نصف العقد الوسط من عقود الصفا إلى الدرج الذى بالمروة من داخله : سبعمائة ذراع وسبعون ذراعا وسبع ذراع ـ بتقديم السين ـ فى

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٨ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٤ ، ١٧٠.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١١٨.


السبعمائة ، وفى السبعين ، وفى السبع ؛ وذلك يزيد على ما ذكره الأزرقى فى ذرع ذلك نحو أربعة أذرع (١).

الحادى عشر : طريق ضبّ (٢) ، التى يستحب للحاج سلوكها إذا قصد عرفة ، وهى طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة فى أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة. هكذا عرفها الأزرقى (٣).

وإنما استحب للحاج سلوكها ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلكها لما راح من منى إلى عرفة ؛ على ما نقل الأزرقى عن بعض المكيين.

وروى عن عطاء : أنه سلكها ، وقال : هى طريق موسى بن عمران.

الثانى عشر : عرفة ـ بالفاء ـ موضع الوقوف : وهى خارج الحرم قريب منه ، وقد ذكر حدها ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ لأنه قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبل عرفة إلى ملتقى وصيف ، ووادى عرفة. أخرجه الأزرقى (٤).

وقوله : ووادى عرفة : اختلف فى ضبطه ؛ ففى بعض نسخ الأزرقى بالفاء ، وفى بعضها بالنون.

وممن ضبطه بالنون : ابن الصلاح ، واعترض عليه فى ذلك المحب الطبرى ؛ لأنه قال بعد أن ذكر ضبط ابن الصلاح : قلت : وفيما ذكره نظر ؛ لأنه أراد تحديد عرفة ـ بالفاء ـ ؛ لأن وادى عرنة لا ينعطف على عرفة ، بل هو ممتد مما يلى مكّة يمينا وشمالا. فكان التقييد بوادى عرفة أصح (٥) ، والله أعلم.

__________________

(١) انظر تفاصيل ذلك فى أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٢) طريق ضبّ يمر عليه اليوم طريق السيارات رقم (٣) ، (٤) ، وإذا سلكت هذا الطريق من مزدلفة إلى عرفات ؛ جعلت ذات السّليم (جبل مكسّر) على يمنيك ، ومأزم عرفات الجنوبى على يسارك ، وتوجهت إلى عرفات ، وعلى يسارك فى هذا الطريق تجد بناء لمجرى عين زبيدة لاصقا بالجبل.

(٣) انظر تفاصيل ذلك فى أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٣.

(٥) القرى (ص : ٣٨٤ ـ ٣٨٥).


قال : وهذا التحديد يدخل عرنة فى عرفة .. انتهى.

وحد عرفة من جهة مكّة ـ الذى فيه هذا الاختلاف ـ قد صار معروفا بما بنى فى موضعه من الأعلام ، وهى ثلاثة : سقط منها واحد ، وبقى اثنان. وفيها أحجار مكتوب فى بعضها أن المظفر صاحب إربل أمر بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عرفة ، ووادى عرنة ، لا يجوز لحاج بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس ، وفيه مكتوب بتاريخ شعبان سنة خمس وستمائة (١).

والمسجد الذى يصلى فيه الإمام بالناس فى يوم عرفة ليس من عرفة ـ بالفاء ـ ؛ على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح والنووى.

وكلام المحب الطبرى يقتضى أنه منها.

وقيل : إن مقدمه من عرنة ـ بالنون ـ ، ومؤخره ـ بالفاء ـ من عرفة.

ويظهر ثمرة هذا الخلاف فى إجزاء الوقوف بهذا المسجد.

وتوقف مالك فى ذلك ، ولأصحابه قولان فيه : بالإجزاء ، وعدمه.

وأفضل المواقف بعرفة : الموضع الذى وقف فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو قريب فى الموضع الذى تقف فيه المحامل التى تصل من مصر والشام والعراق ، فى غالب السنين ، وهو مكان معروف عند الناس.

وسميت عرفة عرفة : لتعارف آدم وحواء فيها ؛ لأن آدم أهبط إلى الهند ، وحواء إلى جدة ، فتعارفا بالموقف.

وقيل : لتعريف جبريل المناسك بها للخليل.

وقيل : لاعتراف الناس فيها بذنوبهم.

إلى غير ذلك من الأقوال التى ذكرناها فى أصله الأكبر.

الثالث عشر : عُرَنة ـ بالنون ـ ، الموضع الذى يجتنب الحاج فيه الوقوف ، وهو بين العلمين اللذين هما حد عرفة ، والعلمين اللذين هما حد الحرم من هذه الجهة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٨ ، والعقد الثمين ٧ / ١٠٠ ، ١٠١.


وقد اختلف فيها ؛ فقيل : إنها من الحرم ، وهذا يروى عن ابن حبيب المالكى.

وقيل : إنها من عرفة ، حكاه ابن المنذر عن مالك. وفى صحته عنه نظر ؛ لمخالفته ما فى كتب المالكية ، والله أعلم.

ومذهب الشافعى : أنها ليست من عرفة.

وعرنة ـ بضم العين وفتح الراء المهملتين ـ هذا هو المشهور فيها.

الرابع عشر : قَزح ، الموضع الذى يستحب للحاج أن يقف عنده للدعاء غداة النحر ، وهو مكان مشهور بالمزدلفة ، وهو الموضع الذى يسمونه المشعر الحرام ، أشار إلى ذلك المحب الطبرى (١).

وذكر ابن الصلاح : أن قزح جبل صغير فى آخر المزدلفة ، ثم قال : وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذى ذكرناه بناء محدثا فى وسط المزدلفة ، ولا تتأدى به هذه السنة.

قال المحب الطبرى : والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدم ، والمشاهدة تشهد لصحة ذلك ، ولم أر ما ذكره لغيره (٢) ... انتهى.

وذكر النووى : أن الأظهر أن الحاج يتحصل السّنّة بالوقوف على البناء المستحدث ؛ قاله فى «الإيضاح».

الخامس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب للمحرم دخول مكّة منه ، وهو الثنية التى تهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالمعلّاة والأبطح ؛ على مقتضى ما ذكره الفاكهى (٣) ، وسليمان بن خليل ، والمحب الطبرى.

وقال المحب الطبرى : هى بالفتح والمد ، تصرف على إرادة الموضع ، وتركه على إرادة البقعة ؛ وما ذكره من أنها بالفتح هو المعروف. وقيل : إنها بالضم.

وسهل بعض المجاورين طريقا فيها غير الطريق المعتادة ، ووسعها بعد أن

__________________

(١) القرى (ص : ٤١٧).

(٢) القرى (ص : ٤١٧).

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٧٩ ، ١٨٠.


كانت حزنة ضيقة ، وصار الناس يسلكونها أكثر من الأولى ، وذلك فى النصف الثانى من سنة سبع عشرة وثمانمائة (١).

السادس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب الخروج منه لمن كان فى طريقه ، وهو الثنية التى بنى عليها باب مكّة المعروف بباب الشبيكة ، على مقتضى ما ذكر المحب الطبرى فى شرح «التنبيه».

وذكر القاضى بدر الدين بن جماعة ما يقتضى أنها الثنية التى عندها الرجم المعروف بقبر أبى لهب ، والله أعلم بالصواب.

وهى بضم الكاف ، والقصر والتنوين ؛ على ما هو مشهور فيها.

وقيل : إنها بفتح الكاف.

وإنما استحب الدخول من كداء ـ ثنية المقبرة ـ ، والخروج من كداء ، التى إلى جهة المدينة ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل ذلك فى حجة الوداع (٢).

وأما فى الفتح : فقيل : إنه دخل من كداء ـ ثنية المقبرة ـ. وقيل : من ثنية أذاخر.

وأما فى عمرة الجعرانة : فدخل وخرج من أسفل مكّة ، كما فى خبر ذكره الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه (٣) ، والله أعلم.

السابع عشر : المأزمان ، اللذان يستحب سلوكهما للحاج إذا رجع من عرفة ، وهو الموضع الذى يسميه أهل مكّة الآن المضيق ؛ بين مزدلفة وعرفة.

وذكر النووى ما يقتضى أن هذين المأزمين فى غير هذا المحل ؛ لأنه قال فى «الإيضاح» : والسنة أن يسلك فى طريقه إلى المزدلفة على طريق المأزمين ، وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية .. انتهى.

وهذا بعيد ؛ لمخالفته فيه قوله وقول غيره كما بيناه فى أصله.

والمأزم فى اللغة : الطريق الضيق بين جبلين.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٢٢.

(٢) هداية السالك ٢ / ٧٤٤ ، ٧٤٥.

(٣) هداية السالك ٢ / ٧٤٥.


الثامن عشر : محسر : الموضع الذى يستحب للحاج الإسراع فيه ، هو واد عند المكان الذى يقال له : المهلل ؛ لأن الناس إذا وصلوا إليه فى حجهم هللوا وأسرعوا السير فى الوادى المتصل به.

والمهلل المشار إليه : مكان مرتفع عنده بركتان معطلتان بلحف قرن جبل عال ، ويتصل بهما آثار حائط ، ويكون ذلك كله عن يمين الذاهب إلى عرفة ، ويسار الذاهب إلى منى.

التاسع عشر : المحصب ، الذى يستحب النزول فيه للحاج بعد انصرافه من منى ، وهو مسيل بين مكّة ومنى ، وهو أقرب إلى مكّة بكثير ، وحده من جهة مكّة : الحجون على ما ذكر الأزرقى.

ولا يعارض ذلك ما وقع لابن الصلاح ، والنووى ، والمحب الطبرى ، وغيرهم من أن المقبرة ليست من المحصب ؛ لأن مراد هؤلاء الأئمة استثناء المقبرة من عرض المحصب لا من طوله لحزونة موضعها.

وذلك يخالف صفة المحصب ؛ فإن المحصب ما سهل من الأرض ، على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح وغيره فى تفسير المحصب.

وأما حده من جهة منى : فجبل العيرة على ما وجدته منقولا عن الشافعى فيما حكاه سليمان بن خليل. وجبل العيرة بقرب السبيل ، الذى يقال له : سبيل الست ، بطريق منى على ما ذكر الأزرقى فى تعريفه.

العشرون : المروة ، الموضع الذى هو منتهى السعى ، وهو فى أصل جبل قعيقعان ، على ما قال أبو عبيد البكرى.

وقال النووى : إنها أنف من جبل قعيقعان.

وذكر المحب الطبرى أن العقد الذى بالمروة جعل علما لحد المروة ، ثم قال : فينبغى للساعى أن يمر تحته ، ويرقا على البناء المرتفع. انتهى.

والعقد الذى بالمروة الآن جدد فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، أو فى أول التى بعدها بعد سقوطه.


وكان بالمروة خمس عشرة درجة على ما ذكر الأزرقى ، وليس بها الآن غير واحدة.

الحادى والعشرون : المزدلفة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله والمبيت فيه بعد دفعه من مزدلفة ليلا ، وهو ما بين مأزمى عرفة ـ اللذين يسميهما أهل مكّة : المضيق ـ وبين محسر. وقد حدّ مزدلفة بما ذكرناه غير واحد من الأئمة.

وسميت بالمزدلفة : لازدلاف الناس إليها ، ـ وهو اقترابهم ـ.

وقيل : لمجيئهم إليها فى زلف من الليل ، أى ساعات.

ويقال لها : جمع ؛ لاجتماع الناس بها. وقيل : لاجتماع آدم وحواء فيها.

وقيل : لجمع الصلاتين بها.

وطول المزدلفة من طرف وادى محسر الذى يليها إلى أول المأزمين مما يليها : سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعا وأربعة أسباع ذراع.

ومن جدر باب بنى شيبة إلى حد المزدلفة من جهة منى : عشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وسبعة أذرع ـ بتقديم السين ـ وثلاثة أسباع ذراع.

الثانى والعشرون : المشعر الحرام ، الئى يستحب الوقوف عنده للحاج كى يدعو ويذكر عنده غداة النحر ، وهو موضع معروف من المزدلفة ؛ وهو قزح السابق ذكره.

وأما قول ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : المشعر الحرام المزدلفة كلها ، ومثله فى كثير من كتب التفسير : فهو محمول على المجاز ، أشار إلى ذلك المحب الطبرى وغيره (١).

وأحدث وقت بنى فيه المشعر الحرام سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، أو فى التى بعدها (٢).

الثالث والعشرون : المطاف المذكور فى كتب الفقهاء ، وهو ما بين الكعبة ومقام الخليل ـ عليه‌السلام ـ ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة.

__________________

(١) القرى. ص : ٣٦٨).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢٧٤ ، والعقد الثمين ٥ / ٤٠.


وأشار إلى تعريفه بما ذكرناه : الشيخ أبو محمد الجوينى فيما نقله عنه ابن الصلاح ، وقد ذكرنا كلامه مع ذرع ذلك فى أصله.

وهذا الموضع كله مفروش بحجارة منحوتة ، وفى سنة ست وستين وسبعمائة فرغ من عمله ، وفيها عمل منها جانب كبير (١).

وهذه العمارة من قبل صاحب مصر الأشرف شعبان.

وعمره من الملوك : لاجين المنصورى ، ومن الخلفاء : المستنصر العباسى.

وأول من فرش الحجارة حول البيت : عبد الله بن الزّبير رضى الله عنه ، على ما ذكر الفاكهى.

وينبغى للطائف أن لا يخرج فى حال طوافه عن هذا المكان ؛ لأن فى صحة طواف من خرج عنه مختارا اختلافا فى مذهب المالكية.

الرابع والعشرون : منى ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله يوم التروية والإقامة به حتى تطلع الشمس على ثبير من يوم عرفة ، وفى يوم النحر وما بعده من أيام التشريق ، والمبيت بها فى لياليها لأجل رمى الجمار.

وهو من أعلى العقبة التى فيها الجمرة المعروفة بجمرة العقبة إلى وادى محسر.

وقد حدّ منى بما يوافق ما ذكرناه : عطاء بن أبى رباح ، فيما ذكره عنه الفاكهى ، وما ذكره الفاكهى عن عطاء فى حد منى يفهم أنه أعلى العقبة من منى (٢).

وذكر الإمام الشافعى والنووى أن العقبة ليست من منى.

وذكر المحب الطبرى ما يقضتى أنها من منى.

وطول منى على ما ذكر الأزرقى : سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع (٣).

ومنى علم لمكان آخر فى بلاد بنى عامر ؛ ذكره صاحب «الأغانى».

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٠٤ ، والعقد الثمين ٥ / ١٠ ، ١١.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٤٦.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٢.


وجاء حديث فى النهى عن البناء بمنى من رواية عائشة ـ رضى الله عنها ـ أخرجه الترمذى وحسنه ، وأبو داود (١) وسكت عليه ؛ فهو صالح.

وجزم النووى فى «المنهاج» ـ من زوائده ـ بأن منى ومزدلفة لا يجوز إحياء مواتهما كعرفة ، والله أعلم.

وذكر أبو اليمن ابن عساكر ما يوافق ذلك.

ولمنى آيات منها : رفع ما تقبل من حصى الجمار بمنى ؛ ولو لا ذلك لسد ما بين الجبلين.

وممن شاهد رفع ذلك : شيخ الحرم نجم الدين بشير التبريزى ، وبلغنى أنه رأى ذلك فيما رمى هو به من الحصى ؛ وهذه منقبة عظيمة.

ومنها : اتساعها للحاج فى أيام الحج مع ضيقها فى الأعين عن ذلك.

ومنها : كون الحدأة لا تخطف اللحم بمنى أيام التشريق ، وذلك على خلاف عادتها فى غير هذه الأيام.

ومنها : أن الذباب لا يقع فى الطعام ، وإن كان لا ينفك عنها غالبا كالعسل.

ذكر هاتين الآيتين المحب الطبرى ، وذكر الأزرقى الأولتين (٢).

ومن باب بنى شيبة إلى أعلى العقبة التى فى حد منى : ثلاثة عشر ألف ذراع وثلثمائة ذراع ، وثمان وستون ذراعا باليد ، وذكرنا ذلك فى أصله بالأميال.

وذكر الرافعى : أن بين منى ومكّة ستة أميال ، وتعقب النووى عليه فى ذلك ، وقال : بينهما ثلاثة ، والله أعلم.

الخامس والعشرون : الميلان الأخضران اللذان يهرول الساعى بينهما فى سعيه بين الصفاء والمروة ، وهما : العلمان اللذان أحدهما بركنى المسجد الحرام ، الذى فيه المنارة التى يقال لها : منارة باب على ، والآخر : فى جدر باب المسجد الذى يقال له : باب العباس.

__________________

(١) أخرجه أحمد ٦ / ١٨٧ ، والدارمى ٢ / ٧٣ ، وأبو داود ٢ / ٢٨٦ ، وابن ماجه ٢ / ١٠٠٠ ، والحاكم ١ / ٤٦٦.

(٢) القرى (ص : ٤٣٦) وعزاه لسعيد منصور ، ووردت عدة أحدايث فى ذلك فى سنن البيهقى ٥ / ١٢٨ ، ١٣١ ، وسنن ابن أبى شيبة ٤ / ٣٢.


والعلمان المقابلان لهذين العلمين : أحدهما : فى دار عباد بن جعفر ، ويعرف اليوم بسلمة بنت عقيل.

والآخر : فى دار العباس. ويقال له : رباط العباس.

ويسرع الساعى إذا توجه من الصفا إلى المروة إذا صار بينه وبين العلم فى المنارة ، والمحاذى له نحو ستة أذرع ، على ما ذكر صاحب «التنبيه» وغيره.

قال المحب الطبرى : وذلك لأنه أول محل الأنصاب فى بطن الوادى ، وكان ذلك الجبل موضوعا على بناء ، ثم على الأرض فى الموضع الذى يشرع منه ابتداء السعى (١) ، وكان السيل يهدمه ويحطمه ، فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد ، ولم يجدوا على السنن أقرب من ذلك الركن ، فوقع متأخرا عن محل ابتداء السعى بستة أذرع ... انتهى.

ومقتضى هذا : أن الساعى إذا قصد الصفا من المروة ما يزال يهرول حتى يجاوز هذين العلمين بنحو ستة أذرع ؛ لأجل العلة التى شرع لأجلها الإسراع فى التوجه إلى المروة ، والله أعلم.

وذكر الأزرقى ما يقتضى أن موضع السعى فيها بين الميل الذى بالمنارة ، والميل المقابل له لم يكن مسعى إلا فى خلافة المهدى العباسى ؛ لتغيير موضع السعى قبله فى هذه الجهة ، وإدخاله فى المسجد الحرام فى توسعة المهدى له ثانيا (٢).

والظاهر : إجزاء السعى فيما بين الميلين ـ المشار إليهما ـ ؛ لتوالى الناس من العلماء وغيرهم على السعى بينهما ، ولا خفاء فى تواليهم على ذلك ، ولم يحفظ عن أحد ممن يقتدى به إنكار على من سعى بينهما ، ولا أنه سعى خارجا عنهما ، والله أعلم.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٦١ ، ٣١٢).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٢٧.


السادس والعشرون : نمرة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله إذا توجه من منى فى يوم عرفة ، وهو بطن عرنة ـ بالنون ـ على ما ذكر سليمان بن خليل.

ونقل المحب الطبرى عن الصباغ أنها من عرفة ؛ قال : والمعروف أنها ليست منها (١).

وروينا فى تاريخ الأزرقى ما يقتضى أن نمرة من الحرم (٢) ، والله أعلم.

***

__________________

(١) القرى. ص : ٣٨٠).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٢٧.


الباب الثالث والعشرون

فيما بمكّة من المدارس ، والربط ، والسقايات ،

والبرهك المسبلة ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ،

وغير ذلك من المآثر ، وما فى حرمها من ذلك

أما المدارس الموقوفة : فإحدى عشر ، منها : مدرسة الملك الأفضل عباس ابن المجاهد ـ صاحب اليمن ـ بالجانب الشرقى من المسجد الحرام ، على الفقهاء الشافعية ، وقفت قبيل سنة سبعين وسبعمائة ، وفى هذه السنة ابتدء التدريس بها (١).

ومنها : مدرسة بدار العجلة القديمة على يسار الداخل إلى المسجد [الحرام] ، عملها الأمير أرغون النائب الناصرى للخليفة ، قبل العشرين وسبعمائة أو بعدها بقليل.

ومنها : مدرسة الأمير فخر الدين الزنجيلى نائب عدن على باب العمرة للحنفية ، وقفها سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وتعرف اليوم بدار السلسلة (٢).

ومنها : مدرسة الملك المنصور عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، على الفقهاء الشافعية ، وبها درس أظنه من عمل ولده المظفر ، وتاريخ عمارتها سنة إحدى وأربعين وستمائة.

ومنها : مدرسة طاب الزمان الحبشية عتيبة المستضىء العباسى على عشرة من فقهاء الشافعية ، تاريخ وقفها سنة ثمانين وخمسمائة فى شعبان ، وهى من دار زبيدة (٣).

ومنها : مدرسة الملك المنصور غياث الدين أبى المظفر أعظم شاه صاحب بنجاله من بلاد الهند على الفقهاء من المذاهب الأربعة ، وكان ابتداء عمارتها فى

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٠٩.

(٢) رحلة ابن جبير (ص : ١٤٦ ـ ١٤٩) ، والعقد الثمين ٦ / ٣٥ ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٤٨ ، ٥٤٩.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٦٠ ، والعقد الثمين ٦ / ٣٤٨.


رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، والفراغ من ذلك فى جمادى الأولى سنة أربع عشرة (١) ، وفى المحرم من هذه السنة وقفت ودرست بها للمالكية. ولها وقف بالركانى أصيلتان ، وأربع وجاب ماء.

ومنها : مدرسة الملك المجاهد صاحب اليمن ، بالجانب الجنوبى من المسجد الحرام على الفقهاء الشافعية ، وتاريخ وقفها فى ذى القعدة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة (٢).

ومنها : مدرسة أبى على بن أبى زكرى ، وهو الموضع المعروف بأبى الطاهر العمرى المؤذن ، بقرب المدرسة المجاهدية ، وتاريخ وقفها سنة خمس وثلاثين وستمائة (٣).

ومنها : مدرسة الأرسوفى العفيف عبد الله بن محمد ، بقرب باب العمرة ؛ ولعلها وقفت فى تاريخ وقف رباطه الآتى ذكره ، وسيأتى تاريخه.

ومنها : مدرسة ابن الحداد المهدوى ، على المالكية ، بقرب باب الشبيكة ، وتعرف بمدرسة الأدارسة ، وتاريخ وقفها سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

ومنها : مدرسة النهاوندى ، بقرب الدريبة ، ولها نحو مائتى سنة.

وأما الربط : فمنها : رباط السدرة ، وكان موقوفا فى سنة أربعمائة.

ومنها : رباط المراغى إلى جانبه ؛ ويعرف بالكيلانى ، وتاريخ وقفه سنة خمس وسبعين وخمسمائة (٤).

ومنها : رباط الأمير إقبال الشرابى المستنصرى العباسى ، تحت منارة باب بنى شيبة ، وتاريخ عمارته سنة إحدى وأربعين وستمائة (٥).

ومنها : رباط أم الخليفة الناصر العباسى ، وتاريخ عمارته سنة تسع وسبعين وخمسمائة ؛ ويعرف الآن بالعطيفية (٦).

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٥٥٣ ، ٢٦١.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤١٨ ، ٣ / ٤٨٥ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٢١.

(٣) العقود اللؤلؤية ٢ / ٦٨ ، والعقد الثمين ٦ / ١٥٨.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٥٤ ، والعقد الثمين ١ / ١١٨.

(٥) إتحاف الورى ٢ / ٥٤٣ ، والعقد الثمين ٢ / ٦٧.

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٦٠ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٢٤.


ومنها : رباط الحافظ ابن منده الأصفهانى. ويعرف بالبرهان الطبرى ، على باب الزيادة : زيادة دار الندوة.

ومنها : رباط الميانشى فى شارع السويقة.

ومنها : رباط يعرف برباط صالحة ، عند باب الزيادة المنفردة.

ومنها : رباط عنده أيضا يعرف بالفقاعية ، وقف فى سنة اثنين وتسعين وأربعمائة (١).

ومنها : رباط القزوينى ، على باب السدّة خارج المسجد الحرام.

ومنها : رباط آخر قبالته يعرف بالخاتون ، وبابن محمود ، وقف سنة سبع وسبعين وخمسمائة (٢).

ومنها : رباط الزنجيلى مقابل مدرسته عند باب العمرة ، وتاريخهما واحد.

ومنها : رباط الخوزى لسكناه به ، وقفه قرامرز الأفرزى الفارسى سنة سبع عشرة وستمائة (٣).

ومنها : رباط الشيخ أبى القاسم رامشت عند باب الحزورة ، وقف فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة (٤).

وفى أوائل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة أزيل جميع ما فيه من الشعث ، وعمّر عمارة حسنة من مال صرفه الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة (٥) ، أثابه الله.

ومنها : رباط الشريف حسن بن عجلان صاحب مكّة ؛ وهو الذى أنشأ عمارته ، ووقفه فى سنة ثلاث وثمانمائة ، وله عليه أوقاف بمكّة ومنى والوادى ، وما عرفت مثل هذه الحسنة لغيره من الأشراف ولاة مكّة (٦).

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٥٥٢ ، والعقد الثمين ٨ / ٢٣٨.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٤٨٩.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥٤٤ ، العقد الثمين ٤ / ٣٨٥.

(٤) درر الفرائد (ص : ٢٧٣) ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٢٤٩ ، والعقد الثمين ١ / ١١٩.

(٥) إتحاف الورى ٢ / ٥٠٤ ، والعقد الثمين ٤ / ٣٨٥.

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٣٤٩ ، والعقد الثمين ٢ / ٢٥٤.


ومنها : رباط الجمال محمد بن فرج ، المعروف بابن بعلجد ، وتاريخ وقفه سنة سبع وثمانين وسبعمائة (١).

ومنها : رباط بأول زقاق أجياد الصغير قبالة باب المسجد الحرام ، أمر بإنشائه وزير مصر تقى الدين عبد الوهاب بن أبى شاكر ، ومات قبل تمام عمارته ، فاستصاره الأمير فخر الدين بن أبى الفرج ، الاستادار الملكى المؤيدى ، وأمر بتكميل عمارتة ، فعمر من ذلك جانب كبير ، ومات الآخر قبل تمام عمارته فى نصف شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، والفقراء به ساكنون.

ومنها : رباط السلطان شاه شجاع ، صاحب بلاد فارس ، وقف سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ؛ وينسب للشيخ غياث الدين الأبرقوهى لتوليه لأمره وعمارته (٢).

ومنها : رباط البانياسى ، بقرب هذا الرباط عند باب الصفا ، وقف فى سنة خمس وعشرين وستمائة (٣).

ومنها : الدار المعروفة بدار الخيزران.

ومنها : الرباط المعروف برباط العباس ، وكان المنصور لاجين عمله مطهرة ، ثم عمله ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون رباطا.

ومنها : رباط أبى القاسم بن كلالة الطيبى ، وقف سنة أربع وأربعين وستمائة (٤).

ومنها : رباط : بقرب المروة ، وقفه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مطرف التميمى ، ووقف عليه الحمام الذى بأجياد.

ومنها : رباط على بن أبى بكر بن عمران العطار ، وقف سنة إحدى وثمانمائة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣١٢ ، والعقد الثمين ٥ / ٣.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤٤ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٣٨.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٦٤ ، والعقد الثمين ١ / ١٢٠.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٥٤٥ ، والعقد الثمين ٧ / ٨٤.


ومنها : رباط يعرف برباط أبى سماحة ؛ لسكناه به ، بقرب المجزرة الكبيرة ، وقف فى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

ومنها : ربط الأخلاطى : ثلاثة ، بعضها وقف على نساء الحنفية ، وبعضها على أهل مدينة أخلاط ، وبعضها وقف سنة تسعين وخسمسائة ، وبعضها فى التى بعدها.

ومنها : رباط الوتش ، وقف فى آخر القرن الثامن.

ومنها : رباط لعطية بن خليفة المطيبين أحد تجار مكّة فى عصرنا.

ومنها : بزقاق الحجر رباطان : أحدهما : للسيدة أم الحسين بنت قاضى مكّة شهاب الدين الطبرى ، وقفته فى سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، والآخر : للعز إبراهيم بن محمد الأصفهانى ، وقف فى سنة تسع وأربعين وسبعمائة (١).

وبسوق الليل عدة ربط ؛ منها : رباط سعيد الهندى.

ومنها : بيت المؤذنين ، وواقفه هو واقف رباط الحوزى على شرطه فى تاريخه.

ومنها : زاوية أم سليمان المتصوفة ، تاريخها سنة اثنين وسبعين وسبعمائة (٢).

وبأجياد عدة ربط ؛ منها : رباط الزيت.

ومنها : رباط غزى ـ بغين وزاى معجمتين ـ وقف فى سنة اثنين وأربعين وستمائة (٣).

ومنها : رباط السياحة ، وقفه عدة نساء ؛ منهن : أم القطب القسطلانى.

ومنها : رباط ربيع ، وهو واقفه عن موكلة الملك الأفضل على بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وتاريخ وقفه سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

ومنها : رباط بنت التاج ؛ وله أزيد من مائتى سنة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٢٣٨ ، والعقد الثمين ٣ / ٢٤٠.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٣١٣ ، والعقد الثمين ٨ / ٣٤٣ ، وكانت هذه الزاوية بسوق الليل.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥٦٤.


ومنها : رباط بقرب رباط ربيع ، أمر بإنشائه الشريف حسن بن عجلان فى سنة ست عشرة وثمانمائة (١) ، وقد عمر منه جانب كبير.

ومنها : رباط المسيكينة.

ومنها : بالحزامية ـ بحاء مهملة وزاى معجمة ـ الرباط المعروف برباط الدمشقية ، وقف سنة تسع وعشرين وخمسمائة (٢).

ومنها : رباط الدورى (٣) ، وله أزيد من ثلثمائة سنة.

ومنها : رباط السبتية ؛ وكان موجودا فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

ومنها : رباط للنسوة خلف رباط الدورى ، وكان موجودا فى القرن السابع.

ومنها : رباط بنت الحرابى ؛ بمهملتين وموحدة.

ومنها : رباط الوراق ، بقرب باب إبراهيم.

ومنها : رباط الموفق ، وقفه الموفق علىّ بن عبد الوهاب الإسكندرى سنة أربع وستمائة (٤).

وبأسفل مكّة إلى جهة الشبيكة عدة ربط ؛ منها : رباط أبى رقيبة (٥) ؛ لسكناه به ، ويقال له : رباط العفيف ؛ وهو عبد الله بن محمد الأرسوفى صاحب المدرسة السابقة ، وقفه عنه وعن موكله : القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيشانى ، وقف من هذا الرباط نصفه عن نفسه ، ونصفه الآخر عن موكله القاضى الفاضل فى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (٦).

ومنها : رباط الطويل ، بنى فى عشر السبعين وسبعمائة ، فيما أظن.

ومنها : رباط الجهة ؛ جهة السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٠٨.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٠٤.

(٣) فى شفاء الغرام ٢ / ٥٣٥ «الزرندى».

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٦ ، والعقد الثمين ٦ / ٢٠٤.

(٥) فى شفاء الغرام ٢ / ٥٣٦ : «أبى قتيبة».

(٦) درر الفرائد (ص : ٢٦٧) ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٩٢.


صاحب اليمن ، وأم أولاده ، ويعرف برباط الشيخ على السعدانى لتوليه لأمره ، وقف فى سنة ست وثمانمائة (١).

ومنها : رباطان عند الدوريبة : أحدهما : يعرف بابن السوداء ؛ لسكناه به ، وقف فى سنة تسعين وخمسمائة.

والآخر : يعرف بابن غنايم ، وقفه السلطان الملك العادل ملك الجبال والغور والهند محمد بن أبى على فى سنة ستمائة (٢).

فهذه الربط المعروفة الآن بمكّة ـ فيما علمت ـ أجزل الله ثواب واقفيها ، ومن أحسن النظر فيها ، وقد ذكرنا كثيرا من شروط واقفيها ، وأسماء جماعة منهم ، وأوضحنا ذلك أكثر فى أصله «شفاء الغرام» (٣).

وبمكّة أوقاف كثيرة على جهات من البر غالبها الآن لا يعرف لتوالى الأيدى عليها.

ومن المعروف منها : البيمارستان بالجانب الشمالى من المسجد الحرام ، وقفه المستنصر العباسى ، وتاريخ وقفه سنة ثمان وعشرين وستمائة (٤) ، ثم عمره السيد حسن بن عجلان عمارة حسنة ، وأحدث فيها ما يحصل به النفع ؛ وذلك : إيوانان ، وصهريج ، وغير ذلك ، بعد استئجاره له مائة عامة من القاضى الشافعى ، ووقف ما عمره وما يستحقه من منعته على الضعفاء والمجانين فى صفر سنة ست عشر وثمانمائة (٥).

وأما السقايات ـ وهى السبل ـ فهى كثيرة ؛ منها بمكّة خمسة.

ومنها : بين مكّة ومنى : سبعة ؛ منها : سبيل بالمعلاة للمقر الأشرف الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الشريفة ، والدعاء له بسببه متكاثر من البادى والحاضر ؛ لأن النفع به جزيل ـ عامله الله بلطفه الجميل ـ وله ـ حفظه الله ـ بديار مصر والشام مآثر حسنة مشهورة ، وأفعال مشكورة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٣٨.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٧٠ ، والعقد الثمين ١ / ١٥٣.

(٣) انظر شفاء الغرام ٢ / ٥٣٧.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٤٩ ، والعقد الثمين ١ / ١٢٣ ، وغاية المرام ٢ / ٢٩٣.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٥٠٧.


ومنها : السبيل المعروف بسبيل الست ـ وهى أخت الملك الناصر حسن ـ وتاريخ عمارتها له : سنة إحدى وستين وسبعمائة (١).

وبمنى عدة سبل

ومنها : فيما بين منى وعرفة عدة سبل متخربة.

ومنها : فى جهة التنعيم فيما بينها وبين مكّة عدة سبل ؛ منها : سبيل المنصور صاحب اليمن.

ومنها : سبيل الجوخى ، وهو الآن معطل لخرابه.

ورأيت مكتوبا فى حجر ملقى فيه : أن المقتدر العباسى ووالدته أمرا بعمارة هذه السقايات والآثار التى وراءها ، وتصدقا بها فى سنة اثنين وثلثمائة (٢).

وأما البرك المسبلة : فهى كثيرة بمكّة وحرمها وبعرفة ، وقد أوضحنا أمر السبل والبرك المشار إليها أكثر من هذه فى أصله.

وفى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عمرت البركتان اللتان بالمعلّاة على يمين الداخل إلى مكة ويسار الخارج منها عمارة حسنة (٣).

أما الآبار التى بمكة :فهى ثمانية وخمسون بئرا ؛ وذلك فيما حوته أسوار مكة ، وكلها مسبلة إلا بئرا فى بيت لعطية المطيبين بأعلى مكة ، وبئرا فى بيت القائد زين الدين بن سكر مولى الشريف حسن بن عجلان ، وبئرا فى بيت أحمد بن عبد الله الدورى العراس ، وبئرا بقربه تنسب للينبعى. ولم نذكر الآبار التى لا ماء فيها. وقد أوضحنا أمر الآبار كثيرا فى «شفاء الغرام».

وأما الآبار التى فيما بين مكّة ومنى : فستة عشر بئرا فيها الماء ؛ منها : البئر المعروفة ببئر ميمون بن الحضرمى أخى العلاء بن الحضرمى ، وهى التى فى السبيل المعروف بسبيل الست ؛ على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٢٨٦.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٣٦٣ ، والعقد الثمين ٣ / ٤١٦ ، وغاية المرام ٢ / ٥٣٧.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٠.


فى حجر فى هذه البئر ، يتضمن عمارتها فى سنة أربع وستمائة من قبل المظفر صاحب إربل (١).

وأما الآبار التى بمنى : فخمسة عشر بئرا ؛ وذكرنا فى أصله مواضعها ، وما تعرف به ، وبلغنى أن بمنى غير ذلك فى بعض البيوت.

وأما الآبار التى بمزدلفة :فثلاثة.

وأما الآبار التى بعرفة :فكثيرة ، والذى منها فيه الماء الآن : ثلاثة.

وفيما بين عرفة ومزدلفة بئر يقال لها : السقيا ؛ على يسار الذاهب إلى عرفة.

وأما الآبار التى بظاهر مكّة من أعلاها فيما بين بئر ميمون والأعلام التى هى حد الحرم فى طريق نخلة : فخمسة عشر بئرا ؛ منها : أربعة آبار تعرف بآبار العسيلة ، وفى رأس طى بعضها ما يقتضى أن المقتدر العباسى أمر بحفر بئرين منها ، وفى طى بعضها ما يقتضى : أن العجوز ـ والدة المقتدر العباسى ـ عمرتها مع سقايات هناك ومسجد لا يعرف منه الآن شىء.

وبقية هذه الآبار لا ماء فيها ، إلا بئرا لأبى بكر الحصار ، وهى تلى آبار العسيلة.

وأما الآبار التى بأسفل مكّة فى جهة التنعيم : فثلاثة وعشرون بئرا بجادة الطريق ؛ منها : بئر الملك المنصور صاحب اليمن عند سبيله ، وتعرف بالزاكية.

ومنها : الآبار المعروفة بآبار الزاهر الكبير.

وبعض هذه الآبار من عمارة المقتدر العباسى.

وبقرب باب الشبيكة ـ من خارجه ـ آبار يقال لها : آبار الزاهر الصغير ، وهى ثلاثة آبار ، وبقرب هذه الآبار بئر ببطن ذى طوى على مقتضى ما ذكره الأزرقى فى تعريف ذى طوى (٢).

وبأسفل مكّة بئر يقال لها : الطنبداوية.

وبأسفل مكّة مما يلى باب الماجن عدة آبار ؛ منها : بئر بقربه من خارجه.

وبئر بالشعب الذى يقال له خم ، وهو غير خم الذى يروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال عند غديره «من كنت مولاه فعلى مولاه» ؛ لأن خما هذا عند الجحفة.

__________________

(١) أخبار مكّة للأزرقى ٢ / ٤٢٢ ، والعقد الثمين ٧ / ١٠١.

(٢) أخبار مكّة للأزرقى ٢ / ١٠٧.


وآما العيون التى أجريت بمكّة وبظاهرها : فكثيرة ، وليس منها الآن جار غير العين المعروفة بعين بازان ؛ وهى فى غالب الظن من عمل زبيدة ، ولها فى عينها نفقة عظيمة ، يقال : إنها ألف ألف وسبعمائة ألف دينار ـ فيما قيل ـ ، نقل ذلك المسعودى عن محمد بن على الخراسانى الأخبارى (١).

وقد عمرت عين بازان مرات كثيرة من قبل جماعة من الخلفاء والملوك والأعيان ، ومنهم : المستنصر العباسى فى سنة خمس وعشرين وستمائة (٢) ، وفى سنة أربع وثلاثين وستمائة (٣) ، ومنهم : الأمير جوبان نائب السلطنة بالعراقين عن السلطان أبى سعيد بن خربندا ملك التتر. وذلك فى سنة ست وعشرين وسبعمائة (٤) ، ووصلت إلى مكّة فى العشر الأخير من جمادى الأولى منها ، وعظم نفعها.

وكان الناس بمكّة قبل ذلك فى شدة لقلة الماء.

وممن عمرها من الملوك : مولانا السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ صاحب الديار المصرية والشامية والحرمين من مال تطوع به على يد علاء الدين القائد ، وكانت عمارته لذلك فى الجمادى ، ورجب ، وشعبان من سنة إحدى وعشرين وثمانمائة (٥) فى النصف الثانى من شعبان منها.

ثم قل جريان الماء فى العين المذكورة ، فوفق الله القائد علاء الدين لعمارتها ثانيا ، فجرت جريا حسنا كثر به للناس النفع فى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، وبلغت فى عمارتها الثانيه إلى بركة الماجن بأسفل مكّة فلله الحمد ، وعم نفعها ، وعظم ، وذلك مستمر إلى تاريخه.

ومن العيون التى أجريت بمكّة : عين أجراها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر فى مجرى عين بازان ، وتعرف العين التى أجراها المذكور : بعين جبل ثقبة ؛ وذلك فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.

وعين أجراها الأمير المعروف بالملك نائب السلطنة بمصر ، من منى إلى بركة السلم بطريق منى ؛ وذلك فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة (٦).

__________________

(١) مروج الذهب ٤ / ٣١٧.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤٤.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٢.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ١٨١.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٠

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٢٢٨ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٣١.


وأما المطاهر :فمطهرة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، عمرت فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (١) ، وفيها وقفت ، وهى التى عند باب بنى شيبة.

ومطهرة الأمير صرغتمش الناصرى ، بين العطيفية والبيمارستان بالجانب الشمالى من المسجد الحرام ، وتاريخ عمارتها سنة تسع وخمسين وسبعماذة (٢).

ومطهرة طنيفا (٣) الطويل بقرب باب العمرة ، عمرت فى أول عشر السبعين وسبعمائة ، فيما أظن.

ومطهرة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر ، بالمسعى قبالة باب علىّ ، عمرت فى سنة ست وسبعين وسبعمائة.

ومطهرة خلفها للنسوة ، وعمرتها أم سليمان المتصوفة فى سنة ست وتسعين وسبعمائة (٤).

ومطهرة تنسب للواسطى عند باب الحزورة ، وما عرفت واقفها ، ولا متى وقفت.

وأعظمهم نفعا : مطهرة الملك الناصر ، وبعض هذه المطاهر معطل لخرابه.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ١٨٧.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢٧٣.

(٣) فى المطبوع من الشفاء ٢ / ٥٦٠ : «الطّنبفا».

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٣٩١.



الباب الرابع والعشرون

فى ذكر شىء من خبر بنى المحض بن جندل ملوهك

مكة ونسبهم ، وذكر شىء من أخبار العماليق ملوهك

مكة ونسبهم ، وذكر ولاية طسم للبيت الحرام

أما بنو المحض :فقال المسعودى : وقد كان عدة ملوك تفرقوا فى ممالك متصلة ومنفصلة ؛ فمنهم المسمى : بأبى جاد ، وهوّز ، وحطّى ، وكلمن ، وسعفص ، وقرشت. وهم على ما ذكرنا بنو المحض بن جندل.

وأحرف الجمل هى أسماء هولاء الملوك ، وهى الأربعة والعشرون حرفا التى عليها حساب الجمل.

ثم قال المسعودى : وكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز ، وكان هوز ، وحطى : ملكين ببلاد وجّ ؛ وهى أرض الطائف ، وما اتصل بذلك من أرض نجد ، وكلمن وسعفص وقرشت : ملوكا بمدين. وقيل : ببلاد مصر ، وكان كلمن على ملك مدين.

ومن الناس من رأى أنه كان ملك جميع من سميناه مشاعا متصلا على ما ذكرنا.

وذكر المسعودى فى نسب بنى المحض أكثر من هذا ؛ إلا أنه قال ـ لما ذكر الخلاف فى نسب قوم شعيب ـ : ومنهم من رأى أنهم من ولد المحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم (١).

وأما العماليق :فهم من ولد عملاق ، وقيل : عمليق بن لاود ، ويقال : لود ابن سام بن نوح ، وقيل : إنهم من ولد العيص ، ويقال : عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وهذا القول ذكره المسعودى (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٢) مروج الذهب ٢ / ١٤٣.


وفى تاريخ الأزرقى خبران فيهما : أن العماليق من حمير. وأحد الخبرين عن ابن عباس رضى الله عنهما (١).

وفى كون العماليق من حمير نظر بيناه فى أصله.

وذكر الفاكهى أخبارا تتعلق بالعماليق ، فى بعضها : أنهم كانوا بمكة لما قدم وقد عاد للاستسقاء.

وفى بعضها : أنهم كانوا بعرفة لما أخرج الله زمزم لإسماعيل ، وأنهم تحولوا إلى مكة لما علموا بذلك.

وفى بعضها : أنهم كانوا ولاة الحكم بمكة ، فضيعوا حرمة البيت ، واستحلوا منه أمورا عظاما ، ونالوا ما لم يكونوا ينالون ، فوعظهم رجل منهم يقال له : عملوق. فلم يقبلوا ذلك ، فأخرجهم قطورا وجرهم من الحرم ، وكانوا لا يدخلونه (٢).

وأما ولاية طسم : فذكرها الأزرقى فيما رواه بسنده إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وذكر أنهم استحلوا حرمة البيت فأهلكهم الله ، ثم وليه بعدهم جرهم ، وطسم أخو عملاق ، وقد تقدم نسبه (٣).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٨٩.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٥ / ١٣٧ ، ١٣٨.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٨٠.


الباب الخامس والعشرون

فى ذكر شىء خبر جرهم ولاة مكّة ونسبهم ، وذكر

من ملك مكة من جرهم ، ومدة ملكهم لها ، وما وقع

فى نسبهم من الخلاف ، وفوائد تتعلق بذلك ، وذكر

من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها ،

وغير ذلك من خبرهم

أما نسبهم :فقال ابن هشام : إن جرهما هو ابن قحطان بن عابد بن سالح ابن أرفخشذ بن سام بن نوح.

وقيل : إن جرهما : ابن ملك من من الملائكة أذنب ذنبا فأهبط إلى مكة ، فتزوج امرأة من العماليق ، فولدت له جرهما ؛ فذلك قول الحارث بن مضاض الجرهمى :

اللهم إن جرهما عبادك

الناس طرف وهم تلادك (١)

وأما من ملك مكّة من جرهم ومدة ملكهم لها ونسبهم فذكره المسعودى ؛ لأنه قال : ووجدت فى وجه آخر من الروايات بأن أول من ملك من ملوك جرهم : مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى بن بنت بن جرهم بن قحطان : مائة سنة.

ثم ملك بعده ابنه عمرو بن مضاض مائة وعشرون سنة.

ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة ، وقيل : دون ذلك.

ثم ملك بعده عمرو بن الحارث مائتى سنة.

ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن الأصفر بن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن هنى بن نبت بن جرهم بن قحطان أربعين سنة .. انتهى.

وذكر المسعودى ما يقتضى أن مدة ملك جرهم لمكّة دون ذلك.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٣٩.


وذكر أيضا ما يقتضى أن أول ملوكهم غير مضاض بن عمرو بن سعد ؛ لأنه ذكر أن الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هنى بن نبت بن جرهم كان على جرهم حين أتوا من اليمن إلى مكة ، وذكر أن قدومهم إليها كان بعد أن سمعوا بما حصل بها من الخصب لمن تقدمهم من العماليق ، فقال : وعلى جرهم يومئذ الحارث المذكور ، وعلى العماليق السميدع المذكور.

ثم قال : فكانت على الجرهميين ، فافتضحوا ، وصارت ولاية البيت إلى العماليق ، ثم كانت لجرهم عليهم ، فأقاموا ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة (١) ..

وذكر ابن إسحاق ما يخالف ذلك ؛ لأنه ذكر ما يقتضى أن جرهما لما قدموا إلى مكّة كان عليهم مضاض بن عمرو ، وأنه وقومه تقاتلوا مع السميدع وقومه ، فقتل السميدع ، وصار ملك مكّة لمضاض (٢).

وما ذكره ابن إسحاق هو المعروف ، وما ذكره المسعودى غريب ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وما ذكره فى نسب ملوك جرهم ذكر السهيلى ما يخالفه ، وكذلك فتح الأندلسى ؛ لأنه ذكر خبرا يتعلق بجرهم ؛ وفيه : أن الحارث بن مضاض الذى طالت غربته ، قال لإياد بن نزار بعد أن أوصله إلى مكة : أنا الحارث بن مضاض بن عبد المسيح بن نفيلة بن عبد الدان بن خشرم بن عبد يا ليل بن جرهم بن قحطان بن هود عليه‌السلام .. انتهى ، والله أعلم.

وأما من أخرج جرهما من مكّة وكيفية خروجهم منها : فقد اختلفت الأخبار فى ذلك ؛ ففى بعضها : أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان بن خزاعة لما رأوا استحلال جرهم لحرمة البيت ، وظلمهم بها ، قاتلوا جرهم ، فغلبهم بنو بكر وغبشان ، ونفوا جرهم من مكة.

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٥١.

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ١١١.


وفى بعضها : أخرجهم ثعلبة بن عمرو بن عامر ماء السماء.

وفى بعضها غير ذلك.

ومما قيل من الشعر عند خروج جرهم من مكّة الأبيات التى أولها :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر (١)

والأبيات التى أولها :

يا أيها الناس سيروا إن مصيركم

أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٤٤.



الباب السادس والعشرون

فى ذكر شىء من خبر إسماعيل عليه‌السلام ،

وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام

كان إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ حمل إسماعيل ـ وهو رضيع ـ مع أمه هاجر إلى مكّة ، وأنزلهما عند الكعبة ، وليس بها يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، وفارقهما بعد أن وضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، فجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء ، حتى نفد ما فى السقاء ، عطشت وعطش إسماعيل ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أو قال : يتلبط ـ فمنّ الله عليهما بزمزم ، سقيا لهما ، فشربت وأرضعت ولدها ، وقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ؛ فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله.

ثم نزل عليهما ناس من جرهم بإذن هاجر ؛ على أن لا حقّ لهم فى الماء.

وشبّ إسماعيل وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، ثم طلقها بإشارة من أبيه ؛ لشكواها فى المعيشة ، ثم تزوج منهم أخرى ، وزاره أبوه فلم يجده أيضا ، وأمره بإمساك زوجته ، لشكرها فى المعيشة ، ثم زاره الثالثة ، فبنيا البيت ؛ فكان إبراهيبم يبنى ، وإسماعيل ينقل الحجارة ويناولها له ، وهما يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١).

وما ذكره من خبر إسماعيل وأمه وأبيه ؛ ذكر البخارى ما يوافقه (٢).

وفى بعض الأخبار الواردة فى هذا المعنى ما يخالف بعض ذلك ، وقد بينا شيئا من ذلك فى أصله.

وأما ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام : فذكر الفاكهى فيه خبرا طويلا عن ابن إسحاق يقتضى أن إبراهيم لما أراد ذبح ابنه ، قال : أى بنى ، خذ الحبل

__________________

(١) سورة البقرة آية : ١٢٧.

(٢) صحيح البخارى ٦ / ٢٨١ ـ ٢٨٨ ، كتاب الأنبياء باب قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً.)


والمدية ـ وهى الشفرة ـ ثم امض بنا إلى هذا الشّعب لتحطب لأهلك منه ، قبل أن يذكر له ما أمر به ، فعرض لهما إبليس ليصدهما عن طاعة الله فى ذلك ، فلم يقبلا منه ، فلما خلا إبراهيم فى الشّعب ـ ويقال ذلك إلى ثبير ـ قال له :(يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(١) ثم أدخل الشفرة فى حلقه ، فقلبها جبريل عليه‌السلام لقفاها فى يده ، ثم اجتذبها إليه ونودى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، فهذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها دونه (٢).

وقد تقدم الخلاف فى موضع ذبح هذا الفداء من منى فى الباب الحادى والعشرين.

واختلف فى الذبيح : هل هو إسماعيل بن إبراهيم ، أو أخوه إسحاق بن إبراهيم ؛ والصحيح أنه إسماعيل على ما قال الحافظ عماد الدين بن كثير (٣).

ونقل ذلك النووى عن الأكثرين.

وكلام السهيلى يقتضى ترجيح أنه إسحاق (٤) ، وكذلك المحب الطبرى ، والله أعلم.

وإسماعيل أول من ذلّلت له الخيل العراب ، وأول من ركب الخيل ، وأول من تكلم بالعربية.

وقيل فى أول من تكلم بالعربية غير ذلك (٥) ، والله أعلم.

وقال الفاكهى فى الأوليات بمكّة : وأول من أحدث الأرحية يطحن بها بمكّة : إسماعيل بن إبراهيم النبى عليه‌السلام.

__________________

(١) سورة الصافات آية : ١٠٢.

(٢) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٢٢ ـ ١٢٤.

(٣) انظر فى ذلك : البداية والنهاية ١ / ١٥٩ ، وأخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٢٧ ، والروض الأنف ١ / ١٧٧ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ١٦٦.

(٤) الروض الأنف ١ / ١٧.

(٥) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٣٠ ، والروض الأنف ١ / ١٣٥.


الباب السابع والعشرون

فى ذكر شىء من خبرها جرأم إسماعيل عليه‌السلام ،

وذكر أسماء أولاد إسماعيل ، وفوائد تتعلق بهم ،

وذكر شىء من خبر بنى إسماعيل ، وذكر ولاية

نابت بن إسماعيل للبيت الحرام

أما هاجر :فقال ابن هشام ـ بعد أن ذكر أن قبرها وقبر ابنها إسماعيل فى الحجر عند الكعبة : تقول العرب : هاجر وآجر ، فيبدلون الألف من الهاء ، كما قالوا : هراق الماء ، وأراق الماء ، وغيره.

وهاجر من أهل مصر.

وقال السهيلى : وهاجر أول امرأة ثقبت أذناها ، وأول من خفض من النساء ، وأول من جرت ذيلها ؛ وذلك : أن سارة غضبت عليها ، فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها ، فأمرها إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ أن تبر قسمها بثقب أذنيها ، وخفاضها ؛ فصارت سنة فى النساء.

وكانت هاجر أمة لبعض الملوك ، فوهبها لسارة زوج الخليل ، وهى ابنة عمه ، فوهبتها للخليل ، فولدت له إسماعيل ، وشجر بين سارة وهاجر أمر ، وساء بينهما ، فحمل الخليل هاجر مع ابنها إلى مكّة على ما سبق (١).

وذكر الفاكهى عن بعضهم أنه أوحى إليها ، وهذا غريب (٢) ، والله أعلم بصحته.

وسنّ للمحرم السعى بين الصفا والمروة ؛ لسعى هاجر بينهما لما طلبت الماء لابنها حين اشتد به الظمأ ، وخبرها فى ذلك عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فى صحيح البخارى (٣).

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ١ / ١٠٢.

(٢) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٣٢.

(٣) صحيح البخارى ٦ / ٢٨٢ ـ ٢٨٦.


وأما أولاد إسماعيل عليه‌السلام : فقال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبد الله البكائى ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ولد إسماعيل بن إبراهيم اثنى عشر رجلا : نابتا ـ وكان أكبرهم ـ ، وقيدار ، وأربل ، ومشا ، وصمعا ، وماشى ، وذما ، وآزر ، وطسما ، وبطور ، ونيشا ، وقيدما ، وأمهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمى (١) .. انتهى.

وذكر الأزرقى والفاكهى وغير هما فى أسماء أولاد أسماعيل ما يخالف هذا ، وذكرنا ذلك مع فوائد تتعلق بمعانى بعض أسمائهم وضبطها ، وغير ذلك فى أصل هذا الكتاب (٢).

وأما خبر بنى إسماعيل عليه‌السلام : فمنه : أن بنى إسماعيل والعماليق من سكان مكة ، ضاقت عليهم البلاد ، فتفسحوا فى البلاد والتمسوا المعاش ، فخلف الخلوف بعد الخلوف ، وتبدلوا بدين إسماعيل وغيره ، وسلخوا إلى عبادة الأوثان ، فيزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة فى بنى إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتملوا معهم من حجارة الحرم تعظيما للحرم وصيانة لمكّة والكعبة ، حيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة ، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة ، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به ، والحج والعمرة ، والوقوف على عرفة والمزدلفة ، وهدى البدن ؛ مع إدخالهم فيه ما ليس منه.

وكان أول من غير دين إسماعيل : عمرو بن لحى ، وهذا الذى ذكرناه فى خبر بنى إسماعيل ذكره ابن إسحاق (٣).

وإلياس بن مضر : هو الذى رد بنى إسماعيل إلى سنن آبائهم حتى رجعت سننهم تامة على أولها. ذكر ذلك الزّبير بن بكّار.

وأما ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام : فذكرها ابن إسحاق ، وقال : وليه ما شاء الله أن يليه (٤).

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ١٥.

(٢) انظر المطبوع من الشفا ٢ / ٢٩ ، وأخبار مكّة للأزرقى ١ / ٨١ ، وأخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٣٣.

(٣) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٣٤ ، ١٣٥.

(٤) أخبار مكّة للأزرقى ١ / ٨١.


الباب الثامن والعشرون

فى ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة ،

وشىء من خبره وذكر ولاية بنى إياد بن نزار الكعبة ،

وشىء من خبرهم ، وخبر مضر ، ومن ولى الكعبة

من مضر قبل قريش

أما ولاية إياد :فقال الزّبير بن بكّار : حدثنا عمر بن أبى بكر الموصلى ، عن غير واحد من أهل العلم بالنسب ، قالوا : لما حضرت نزار الوفاة آثر إيادا بولاية الكعبة ، وأعطى مضر ناقة حمراء ؛ فسميت : مضر الحمراء ، وأعطى ربيعة الفرس فرسه ؛ فسمى : ربيعة الفرس ، وأعطى أنمار جارية تسمى بجيلة ، فحضنت بنيه ؛ فسموا : بجيلة أنمار (١).

ويقال : أعطى إيادا عصاه وحلّته.

ورأيت لإياد بن نزار وإخوته ـ المشار إليهم ـ خبرا يستظرف فى ذكائهم ومعرفتهم بما أخبروا به من صفة البعير الذى سئلوا عنه مع كونهم لم يروه ، وغير ذلك.

وأما ولاية بنى إياد بن نزار الكعبة : فذكر الفاكهى فيها خبرا طويلا ، فيه : ثم وليت حجابة البيت إياد ، وكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له : وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد. ثم قال ـ بعد أن ذكر شيئا من خبره ـ : ثم إن مضر أديلت بعد إياد ، وكان أول من ديل منهم : عدوان وفهم ، وأن رجلا من رياد ورجلا من مضر خرجا يتصيدان ، فمرت بهما أرنب ، فاكتنفاها يرميانها ، فرماها الإيادى ، فزل سهمه ، فنظم قلب المضرى فقتله.

فبلغ الخبر مضر ، فاستغاثت بفهم وعدوان يطلبون لهم قود صاحبهم ، فقالوا : إنما أخطأه ، فأبت فهم وعدوان إلا قتله ، فتناوش الناس بينهم بالمدور ـ

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ٢ / ٢٩ ، وتاريخ الطبرى ٢ / ٢٦٨ ، والميدانى فى مجمع الأمثال ١ / ١٦.


وهو مكان ـ ، فسمت مضر من إياد ظفرا ، فقالت لهم إياد : أجلونا ثلاثا ، فلن نساكنكم أرضكم ، فأجلوهم ثلاثا ، فظعنوا قبل المشرق ؛ وكانوا حسدوا مضر على ولاية الركن الأسود فدفنوه ، بعد أن لم يحملوه على شىء إلا رزح.

وافتقدت مضر الركن بعد يومين ، فعظم فى نفسها ، ثم تخلوا عن حجابة البيت لخزاعة على أن يدلوهم على الركن ، فدلوهم عليه ؛ لأن امرأة من خزاعة نظرت بنى إياد حين دفنوه ، وأعادوه فى مكانه .. انتهى بالمعنى فى كثير منه.

وممن ولى الكعبة من مضر : أسد بن خزيمة بن مدركة جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

***

__________________

(١) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٤٥ ـ ١٤٧ ، ومروج الذهب ٢ / ٥١.


الباب التاسع والعشرون

فى ذكر من ولى الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة

ومنى من العرب فى ولاية جرهم ، وفى ولاية خزاعة

وقريش على مكة

قال ابن إسحاق : وكان الغوث (١) بن مدين ـ أو ابن طابخة ـ بن إلياس بن مضر ، يلى الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده ، وكان يقال له ولوالده : صوفه.

ثم قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمى الجمار فأرادوا النّفر من منى :أخذت صوفة بجانبى العقبة ، فحبسوا الناس ، وقالوا : أجيزوا بنى صوفة ، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ؛ فإذا نفدت صوفة ومضت خلى سبيل الناس ، فانطلقوا بعدهم ؛ فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالتعدد : بنو سعد بن زيد مناة بن تميم ، وكان من بنى سعد : فى آل صفوان بن الحارث بن شحنة.

قال ابن إسحاق : فكان صفوان هو الذى يجيز الناس بالحج من عرفة ، ثم بنوه من بعده ، حتى كان آخرهم الذى قام عليه الإسلام : كرز بن صفوان.

وذكر ابن هشام : أن الإفاضة من المزدلفة : كانت فى عدوان ؛ فيما حدثنى زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق : يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم الذى قام عليه الإسلام أبو سيارة عميرة بن الأعزل .. انتهى باختصار.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أن أبا سيارة من بنى عبد بن معيص بن عامر بن لؤى ، وقيس أخواله.

وذكر أيضا ما يقتضى أن الإجازة صارت من صوفة إلى عدوان ؛ وهذا مع ما قبله يخالفان ما سبق ، والمعروف ما سبق (٢) ، والله أعلم.

__________________

(١) فى أصل الكتاب" العون" والصحيح ما أئبتناه.

(٢) تهذيب سيرة ابن هشام (ص : ١٨).


وذكرنا فى أصله فوائد تتعلق بهذه الأخبار (١) ، منها : أن الناس إذا نفروا من منى فأجازوا إلى الأبطح ؛ اجتمعت كندة إلى بنى بكر بن وائل ، فأجازوا بهم حتى يبلغوا البيت. ذكر الفاكهى ، وهو غريب (٢).

***

__________________

(١) انظر فى ذلك : الروض الأنف ١ / ١٤٣ ـ ١٤٦ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ١٨٦ ـ ١٨٨ ، وتهذيب سيرة ابن هشام (ص : ١٨).

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٠٣ ، ٢٠٤.


الباب الثلاثون

فى ذكر من ولى إنساء الشهور من العرب

بمكة ، وذكر صفة الإنساء ، وذكر الحمس ،

والحلة ، والطلس

اختلفت الأخبار فى أول من أنسأ ؛ ففى بعضها : أنه مالك بن كنانة. وهذا فى تاريخ الأزرقى (١).

وفى بعضها : أنه القلمّس ؛ وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدى بن عامر ابن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة. وهذا فى السيرة لابن إسحاق «تهذيب ابن هشام».

وفى بعضها غير ذلك (٢).

وآخر من أنسأ : أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وقيل : إنه أنسأ أربعين سنة (٣) ، والله أعلم.

وأما صفة الإنساء : فذكره الأزرقى مطولا ، والسهيلى مختصرا مفيدا ؛ لأنه قال : وأما نسؤهم الشهر الحرام : فكان على ضربين : أحدهما : ما ذكره ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر ؛ لحاجتهم إلى شن الغارات ، وطلب الثأر.

والثانى : تأخيرهم الحج عن وقته ؛ تحريا منهم للسنة الشمسية ؛ فكانوا يؤخرونه فى كل عام أحد عشر يوما أو أكثر قليلا حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة ، فيعود إلى وقته (٤) .. انتهى.

وفى الأزرقى ما يقتضى أن الحج يستدير فى كل أربع وعشرين سنة (٥) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٨٢.

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ٦٣ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٠٤.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٠٥.

(٤) الروض الأنف ١ / ١٦٤.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٨٣ ، والأمالى لأبى على القالى ١ / ٤.


وأما الحمس :فروى الزّبير بسنده إلى مجاهد ، قال : الحمس : قريش ، وبنو عامر بن صعصعة ، وثقيف ، وخزاعة ، ومدلج ، وعدوان ، والحارث بن عبد مناة. وعضل أتباع قريش ، وسائر العرب : الحلّة.

وفى تاريخ الأزرقى ما يقتضى : أن من الحمس ناسا غير هؤلاء. وذلك مذكور فى أصله.

واختلف فى سبب تسميتهم بالحمس ؛ فقيل : سموا بالكعبة ؛ لأنها حمساء ، حجرها أبيض يضرب إلى السواد.

وقيل : لشدتهم فى دينهم.

وقيل : لشجاعتهم (١) ، والله أعلم.

وكان للحمس سيرة ؛ منها : أنهم لا يقفون إلا بالمزدلفة ، ولا يطوفون بالبيت عراة.

فكانت الحلّة تقف بعرفة مع وقوفها بالمزدلفة ، وتطوف بالبيت عراة. وقد ذكرنا من سيرتهم الباطلة غير هذا.

وأما الطّلس : فقوم كانوا يأتون من أقصى اليمن طلسا من الغبار ، فيطوفون بالبيت فى تلك الثياب الطلس ؛ فسموا بذلك. ذكره محمد بن حبيب فيما نقله عنه السهيلى (٢).

***

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٧٥ ، والروض الأنف ١ / ٢٢٩ ـ ٢٣١.

(٢) الروض الأنف ١ / ٢٣١.


الباب الحادى والثلاثون

فى ذكرى شىء من خبر خزاعة ولاة مكة فى الجاهلية

ونسبهم ، ومدة ولايتهم لمكة ، وأول ملوكهم لها ،

وغير ذلك من خبرهم ، وشىء من خبر عمرو بن عامر ماء

السماء الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل ، وشىء من

خبر بنيه وغير ذلك

أما نسب خزاعة :فمنهم من ولد قمعة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بن عدنان ؛ هكذا قال جماعة من أهل العلم بالنسب ، منهم : ابن حزم ، واحتج لذلك بأحاديث تقوم بها الحجة.

وقيل : إنهم من ولد الصلت بن النضر بن كنانة. ذكر هذا القول ابن قتيبة (١).

وقيل : إنهم من قحطان ؛ وخزاعة تقول ذلك ؛ لأن ابن هشام قال : وتقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ، وخندف أمنا فيما حدثنى أبو عبيدة وغيره من أهل العلم.

ويقال : خزاعة بنو حارثة بن عمرو بن عامر.

وإنما سميت خزاعة ؛ لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران ، فأقاموا بها .. انتهى.

وإذا كانت خزاعة من مضر فلا تظهر تسميتها بخزاعة معنى ، وإذا كانوا من قحطان ؛ فذلك لانخزاعهم عن قومهم بمكة.

والانخزاع : هو المفارقة ؛ وفى ذلك يقول القائل :

فلما هبطنا بطن مرّ تخزّعت

خزاعة منا فى حلول كراكر (٢)

وأما ولاية خزاعة لمكّة : فسبق فى باب أخبار جرهم ـ وهو الباب الخامس

__________________

(١) المعارف لابن قتيبة (ص : ٦٥ ، ٦٧).

(٢) جمهرة أنساب العرب (ص : ٢٣٤ ، ٢٣٥).


والعشرون ـ أن بنى بكر بن عبد مناة وغبشان من خزاعة قاتلوا جرهما وأخرجوهم من مكّة ؛ وهذا يقتضى : أنهم وليوا البيت ومكة بالقوة.

وسبق فى الباب الثامن والعشرون أن سبب ولايتهم للبيت : إعلامهم لمضر بموضع الحجر الأسود لما دفنته بنو إياد.

وفى الخبر الذى فيه ذلك : ووليت خزاعة عند ذلك البيت ، ولم يبرح فى أيديهم حتى قدم قصىّ ، فكان أمره ما كان. وهذا يخالف ما سبق فى سبب ولايتهم ، والله أعلم.

وذكر ابن إسحاق ما يقتضى أن غبشان ـ من خزاعة ـ انفردت بولاية البيت دون بكر بن عبد مناة.

ولم تزل خزاعة تلى البيت كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية.

وأما مدة ولاية خزاعة لمكّة : فروينا عن ابن إسحاق وابن جريج ، قالا :قامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكّة ثلثمائة سنة.

وروينا عن أبى صالح ، قال : وكان عمرو بن لحى يلى البيت وولده من بعده خمسمائة سنة ، حتى كان آخرهم حليل بن حبشية بن سلول ، وكانوا هم حجّابه ، وخزّانه ، والقوّام به ، وولاة الحكم بمكّة (١) .. انتهى باختصار.

وعمرو بن لحى ـ المذكور فى هذا الخبر : هو عمرو بن لحى ؛ واسمه : ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. كذا فى الخبر الذى فيه ذلك.

وأما أول من ولى البيت ومكة :ففى بعض الأخبار : أنه عمرو بن لحى ، المذكور.

وفى بعضها : أنه أبوه ربيعة.

وفى بعضها : أنه عمرو بن الحارث الغبشانى ، والله أعلم.

وأما آخر من ولى ذلك من خزاعة :فحليل بن حبشية. كما سبق (٢).

__________________

(١) أخبار مكّة للأزرقى ١ / ١٠٢.

(٢) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٥٨.


وذكر الزبير ما يقتضى أن حليلا جعل إلى أبى غبشان فتح البيت وإغلاقه ، وأن قصيّا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بزق خمر أو قعود ، وقيل : بكبش وزق خمر ؛ فقال الناس : أخسر من صفقة أبى غبشان ، فصارت مثلا (١).

وأما خبر عمرو بن عامر ـ الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل ـ وخبر بنيه :فمنه : أنه كان يقال له : مزيقيا ؛ لأنه كان يلبس فى كل يوم حلّتين ، ثم يمزقهما لئلا يلبسهما غيره ، وكان ملك مأرب ـ وهى بلاد سبأ المذكورة فى القرآن العظيم ـ ثم تحول منها بعد أن باع أمواله بها ، لما أخبرته به طريفة الكاهنة من خرابها بسيل العرم.

وكان تحوله عنها بولده وولد ولده ، وساروا حتى نزلوا بلاد عك ، وكان بينهم وبين عك حروب ، ثم رحلوا عنها ، فتفرقوا فى البلاد على ما ذكر ابن هشام (٢).

وفى بعض الأخبار ما يقتضى أن تفرقهم كان بمكّة لما أصابهم من الحمى ، والله أعلم.

وخبر عمرو بن عامر وبنيه وخبر خزاعة أكثر من هذا (٣).

***

__________________

(١) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٥٩ ، ١٦٠ ، ومجمع الأمثال للميدانى رقم (١١٦٧).

(٢) تهذيب سيرة ابن هشام (ص : ٢٤٣ ، ٢٤٤).

(٣) ينظر فى هذا : أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٥٨ ـ ١٦٢ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٢٨ ، وأخبار مكّة للأزرقى ١ / ٩٥ وما بعدها.



الباب الثانى والثلاثون

فى ذكر شىء من أخبار قريش بمكّة فى الجاهلية ،

وشىء من فضلهم ، وما وصفوا به ، وبيان نسبهم وسبب

تسميتهم بقريش ، وابتداء ولايتهم الكعبة وأمر مكّة

أما فضلهم : فمنه : قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ...» الحديث (١).

وهو فى مسلم من رواية واثلة بن الأسقع ، عنه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا الأمر فى قريش ، ولا يعاديهم أحد إلا كبه الله تعالى على وجهه ، ما أقاموا الدين». وهذا فى صحيح البخارى (٢).

وأما ما وصفت به بطون قريش فإن بعضهم يعرف (بقريش البطاح) ؛ وهم (بنو كعب بن لؤى) ؛ لأن قريشا حين قسموا بلادهم أصابت كعب الأباطح.

وبعضهم يعرف بقريش (الظواهر) ؛ وهم : محارب والحارث ابنا فهر ، وبنو عامر بن لؤى ، والأدرم بن غالب. وبقية قريش ؛ إلا أن الحارث بن فهر دخل مكة فهى من البطاح.

وبعضهم يعرف (بقريش العاربة) ؛ وهم : ولد سامة بن لؤى بن غالب بن فهر.

وبعضهم يعرف (بقريش العائدة) ؛ وهم : بنو خزيمة بن لؤى بن غالب بن فهر (٣).

وأما نسب قريش : فاختلف فيه ؛ فقيل : إنهم من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ورجحه الزّبير بن بكّار وغيره.

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٦ / ٣٨٩ (كتاب الأنبياء : باب مناقب قريش) ، ومسلم (الحج : ٢٢٧٦).

(٢) البخارى ٦ / ٣٨٩.

(٣) انظر عن ذلك : نسب قريش (ص : ٤٤٢) ، والروض الأنف ١ / ١١٩.


وقيل : إنهم من ولد النضر بن كنانة. ورجحه النووى (١) ، والله أعلم.

وأما سبب تسميتهم بقريش :فقيل : سموا قريشا من التقرش ؛ والتقرش : التجارة والاكتساب. وقيل : لتفتيشهم عن حاجة الناس ، وسدهم لها.

وقيل : لتجمعها من تفرقها.

وقيل : غير ذلك (٢) ، والله أعلم.

وأما ابتداء ولاية قريش للكعبة المعظمة وأمر مكة : فسببه قصىّ بن كلاب بن مرة بن لؤى بن غالب ؛ وذلك : أن حليل بن حبشية جعل ذلك لقصىّ حين حضرته الوفاة ، وكان قصىّ قد تزوج ابنته حبّى ، وولد له منها : عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد بنو قصىّ ، ولما مات حليل أبت خزاعة أن تدع قصيّا وذاك ، وأخذوا المفتاح منه ، فاستنصر قصىّ برجال من قريش وكنانة فأجابوه ، واستنصر أيضا بأخيه لأمه رزاح بن ربيعة ، فخرج إليه إخوته ومن معهم من قضاعة ، فقاتل بهم قصىّ خزاعة بعد انقضاء الحج بمفضى مأزمى منى ؛ فسمى ذلك المكان (المفجر) ؛ لما فجر فيه وسفك من الدماء ، بسبب الجراحات فى الفريقين ، وكثرت القتلى فيهما.

ثم تداعوا إلى الصلح ، فحكّموا يعمر بن عوف بن كعب بن الليث بن بكر بين عبد مناة بن كنانة ـ وكان شريفا ـ فحكم : بأن لا تباعة لأحد على أحد فى دم ، وحكم : بحجابة البيت وولاية أمر مكة لقصىّ دون خزاعة ؛ لما جعل له حليل ، وأن لا تخرج خزاعة من مساكنها من مكّة ؛ فسمى يعمر يومئذ الشدّاخ ؛ لأنه لما حكم ، قال : ألا إنى قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمىّ هاتين.

وولى قصى حجابة البيت وأمر مكّة ، وجمع قومه من قريش من منازلهم

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص : ١٢) ، والروض الأنف ١ / ١١٦ ، والسيرة لابن هشام ١ / ١١٥.

(٢) انظر فى ذلك : السيرة لابن هشام ١ / ١١٦ ، والزاهر لابن الأنبارى ٢ / ١٢١ ، ونسب قريش (ص : ١٢) ، وجمهرة أنساب العرب (ص : ١١)


إلى مكة ليستعز بهم ، وتملك على قومه فملكوه ؛ وخبر ولايته طويل فى تاريخ ، وقد سبق فى الباب الذى قبله أن قصيّا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بما سبق ذكره.

وذكر الزّبير بن بكّار خبرا يقتضى أن قصىّ بن كلاب أول من ثرد الثريد فأطعمه بمكة ، وسقى اللبن بعد نبت بن إسماعيل.

وذكر أيضا خبرا يقتضى أن قصيّا كان يعشر من دخل مكة من غير أهلها.

ومن خبر قصىّ بن كلاب : أنه أحدث وقود النار بالمزدلفة ؛ ليراها من دفع من عرفة.

وأنه بنى قزح : موضع الوقوف بالمزدلفة.

وأنه : اتخذ لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ؛ ففيها كانت تقضى قريش أمورها.

وأن أمره فى قومه كالدين المتبع لا يعمل بغيره فى حياته ومن بعده.

وأنه مات بمكة فدفن بالحجون ، فتدافن الناس بالحجون بعده.

وأنه أول بنى كعب بن لؤى أصاب ملكا أطاع له به قومه (١) ، والله أعلم.

***

__________________

(١) انظر عن ذلك كله : أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٧٠ ـ ١٧٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ١٠٨ وما بعدها ، والمعارف لابن قتيبة (ص : ١١٧).



الباب الثالث والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر بنى قصيّ بن كلاب ، وتوليتهم

لما كان بيده من الحجابة ، والسّقاية ، والرّفادة ، والنّدوة ،

واللواء ، والقيادة ، وتفسير ذلك

اختلف فيما صنعه قصىّ فيما كان بيده من الأمور المشار إليها ؛ فقيل : إنه جعل ذلك لابنه عبد الدار بن قصىّ ؛ ليلحقه فى الشرف بأخيه عبد مناف ، ثم إن بنى مناف بن قصىّ : عبد شمس ، وهاشما ، والمطلب ، ونوفلا ، أجمعوا على أن يأخذوا ذلك من أيدى بنى عبد الدار ؛ لشرفهم وفضلهم فى قومهم على بنى عبد الدار ، وكاد أن يقع بين الفريقين قتال ، ثم اصطلحوا على أن يعطوا بنى عبد مناف السّقاية والرّفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والنّدوة لبنى عبد الدار.

فولى السّقاية والرّفادة : هاشم بن عبد مناف ؛ ليساره. واسمه : عمرو.

ويقال : ما سمى هاشما إلا لهشمه الخبز بمكّة لقومه.

ويقال : إنه أول من أطعم الثريد بمكّة.

وأنه أول من سن لقريش الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف.

ومات بغزة بالشام تاجرا ، فولى السّقاية والرّفادة بعده عبد المطلب بن عبد مناف ؛ وكان يسمى : الفيض ؛ لسماحته وفضله ، ومات بردمان باليمن ، فولى ذلك بعده عبد المطلب بن هاشم (١).

هذا ملخص بالمعنى مختصر مما ذكره ابن إسحاق فى خبر هذه الأمور.

وذكر الزّبير بن بكّار خبرا يقتضى أن قصىّ بن كلاب أعطى ابنه عبد مناف السّقاية والنّدوة ، وأعطى عبد الدار الحجابة واللواء ، وأعطى عبد العزى الرّفادة وأيام منى.

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ١٥٢ ـ ١٦٤.


قال المروانى ـ شيخ الزبّبير ـ فى هذا الخبر : والرّفادة : الضيافة ، وأيام منى : كان الناس لا يجوزون إلا بأمره.

وأعطى عبد بن قصىّ : جلهتى الوادى ، ولم أسمع فى جلهتى الوادى بشىء .. انتهى باختصار.

وقيل : إن قصىّ بن كلاب عبد مناف السّقاية والرّفادة والقيادة ، وأعطى عبد الدار السّدانة ـ وهى الحجابة ـ ودار الندوة ، واللواء. وهذا فى خبر ذكره الأزرقى ، عن ابن جريج ، وابن إسحاق. وفيه شىء من خبر هذه الأمور. وقد ذكرنا ذلك فى أصله.

وقد ذكرنا فى أصل هذا الكتاب أخبارا مفيدة تتعلق ببنى عبد مناف وعبد المطلب. ومنها ما يخالف ما ذكرناه من خبر هذه الأمور ، ومنها ما يوافق ذلك (١) ، والله أعلم.

***

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٠٩ ـ ١١٥ ، والروض الأنف ١ / ١٥٣ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ١٥ ، ومروج الذهب ٢ / ١٣١ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٨٢.


الباب الرابع والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر الفجار والأحابيش

كان الذى هاج حرب الفجار : أن عروة الرجّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، أجاز لطيمة للنعمان بن المنذر.

فقال له البراض بن قيس ـ أحد بنى حمزة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ـ : أتجيزها على كنانة؟

قال : نعم ، وعلى الخلق.

فخرج عروة الرجّال ، وخرج البراض يطلب عزنة ؛ حتى إذا كان بتيمن ذى ظلال بالعالية ، غفل عروة ، فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام ؛ فلذلك سمى : الفجار.

فأتى آت قريشا ، فقال : إن البراض قد قتل عروة وهم فى الشهر الحرام بعكاظ ، فارتحلوا ، وهوازن لا تشعر ، ثم بلغهم الخبر فأتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم ، فاقتتلوا حتى جاء الليل ، ودخلوا الحرم ، فأمسكت عنهم هوازن ، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما.

وهذا الذى ذكرناه من خبر الفجار فى سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام.

وذكر ابن هشام أن حرب الفجار هاجت لما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرين سنة ، أو خمس عشرة سنة (١).

وذكر ابن إسحاق : أنها هاجت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة.

وشهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض أيام الفجار ؛ وهى على ما ذكر الفاكهى : خمسة أيام فى أربع سنين ، وبينها الفاكهى ، وذكرنا كلامه فى أصله (٢).

__________________

(١) تهذيب سيرة ابن هشام (ص : ٤٣) ، والسيرة لابن هشام ١ / ٢٠٩ ـ ٢٢١.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٨٣ ـ ١٨٨.


وقال مغلطاى فى : «سيرته» وأيام الفجار أربعة. قاله السهيلى ؛ والصواب : أنها ستة (١).

وأما الأحابيش : فهم بنو الحارث بن مناة بن كنانة ؛ والحيّا والمصطلق من خزاعة ، والقارة : بنو الهون بن خزيمة ، وكانوا حلفاء لقريش ، وكانت قريش والأحابيش ندا. وقد أوضحنا من خبرهم أكثر من هذا فى أصله.

***

__________________

(١) الروض الأنف ١ / ٢٠٩


الباب الخامس والثلاثون

فى ذكر حلف الفضول ، وخبر ابن جدّعان الذى كان

هذا الحلف فى داره ، وذكر أجواد قريش وحكامهم

فى الجاهلية ، وتملك عثمان بن الحويرث ابن أسد بن

عبد العزى بن قصى عليهم ، وشىء من خبره

كان سبب حلف الفضول : أن رجلا من بنى زبيد قدم مكّة معتمرا فى الجاهلية ، ومعه تجارة له ، فباعها من العاض بن وائل السهمى ، فآواها إلى بيته ، ثم تغيب ، وابتغى الزبيدى متاعه فلم يقدر عليه ، فجاء إلى بنى سهم يستعين بهم على العاص ، فأغلظوا عليه ، فعرف أن لا سبيل إلى ماله ، فطوف فى قبائل قريش يستعين بهم ، فتخاذلوا عنه ، فلما رأى ذلك أشرف على أبى قبيس حين أخذت قريش مجالسها ، ثم قال أبياتا.

فما نزل من الجبل أعظمت ذلك قريش وتكلموا فيه ، ثم اجتمع بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة ، وبنو تميم ؛ فى دار عبد الله بن جدعان ، وعمل لهم طعاما ، وتحالفوا بالله ألا يظلم أحد بمكّة إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم ، حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه ؛ شريفا أو وضيعا ، منا أو من غيرنا.

ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل ، فقالوا : والله لا نفارقك حتى تؤدى إليه حقه. فأعطى الرجل حقه. فمكثوا كذلك لا يظلم أحد بمكّة إلا أخذوه له.

وشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الحلف قبل أن يوحى إليه ، واغتبط به ؛ فيما قيل.

وما ذكرناه من خبر حلف الفضول لخصناه من خبرين ذكر هما الزبّبير بن بكّار ، وذكر ما يوهم أن سبب حلف الفضول غير ذلك. وقد أشرنا إلى شىء من ذلك فى أصله ، والمشهور ما ذكرناه هنا (١).

__________________

(١) يراجع فى ذلك : السيرة لابن هشام ١ / ١٥٥ ـ ١٦٠ ، وأخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٩٠ ـ ١٩٦.


وكان حلف الفضول فى شوال بعد انصراف قريش من الفجار. كذا فى خبر ذكره الفاكهى ؛ قال : ويقال بعد فراغهم من بنيان الكعبة (١) .. انتهى.

وأما ابن جدعان المشار إليه : فهو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى التيمى المكى ، يكنى أبا زهير ، من رهط أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وكان من رؤساء قريش وأجوادهم ، وله فى الجود أخبار مشهورة ، منها : أنه كانت له جفنة للأضياف يستظل بظلها فى الهاجرة.

ومنها : أنه كان له مناديان بأعلى مكّة وبأسفلها ؛ أحدهما يقول : ألا من أراد اللحم والشحم فليأت دار ابن جدعان ، والآخر يقول : ألا من أراد الفالوذج فليأت دار ابن جدعان.

وهو أول من أطعمه بمكّة.

والفالوذج هو : لباب البر يلبك بالعسل.

ولما مات ابن جدعان ، نعاه بعض الجن بأبيات إلى رفقة من أهل مكّة مسافرين إلى الشام ؛ وذلك فى خبر ذكره الفاكهى ، وذكرناه فى أصله (٢).

ومن خبر ابن جدعان : أنه دخل شقّا فى بعض شعاب مكّة يرجو أن يكون فيه حية تقتله فيستريح من تعب الفقر وغيره ، فظفر فيه بكنز عظيم.

وكان فى قريش أجواد منهم المعروفون : بأزواد الركب ؛ لكفايتهم من معهم المؤنة فى السفر ، منهم : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، وأخوه زمعة بن المطلب ، ومسافر بن عمرو بن أمية بن المغيرة المخزومى.

وأما حكام قريش بمكّة فى الجاهلية : فمنهم : عبد المطلب بن هاشم ، وإبناه : الزبير ، وأبو طالب ، وآخرون ذكرناهم فى أصله ؛ ولم يكن أحد منهم متملكا على بقية قريش ، وإنما ذلك بتراضيهم عليه حسما لمادة الشر ، وسيأتى ما يؤيد ذلك قريبا.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٩٥.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٩٦ ـ ١٩٨.


وأما تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى على قريش : فإن قيصر ملكه عليهم وكتب له إليهم ، فتلطف بهم عثمان وخوفهم فى تجارتهم من قيصر إن لم يطيعوه ، فوافقوه على أن يعقدوا التاج على رأسه عشية ، وتملكوه ، ثم انتقضوا عن ذلك ؛ لتنفير ابن عمه أبى زمعه لقريش عن ذلك ، فلحق عثمان بقيصر فأعلمه الخبر ، فأمر قيصر عمرو بن جفنه الغسانى أن يحبس لعثمان من أراد حبسه من تجار قريش بالشام ، ففعل ذلك عمرو ، ثم مات عثمان بالشام مسموما ، وكان من أظرف قريش وأعقلها (١).

وخبر تملكه وما جرى له بعد رجوعه إلى قيصر ، أطول من هذا.

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ١٥٥ وما بعدها ، والروض الأنف ١ / ١٥٦ ـ ١٦٠.



الباب السادس والثلاثون

فى ذكر شىء من فتح مكّة المشرفة ،

وفوائد تتعلق بذلك

كان سبب فتح مكّة أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكّة يقال له الوتير ، فأصابوا منهم رجلا ، وتحاوزوا واقتتلوا ، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.

ثم خرج ناس من خزاعة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستنصرونه ؛ لأن خزاعة فى صلح الحديبية دخلت فى عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخلت بنو بكر فى عقد قريش ، فوعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخزاعيين بالنصر.

وقدم المدينة أبو سفيان بن حرب ليشهد العقد ، ويزيد فى المدة ، فلم ينل قصدا ، ورجع إلى مكة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهله أن يجهزوه ، ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتأهب ، وقال : «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها» ، فتحفز الناس ، ولما أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسير إلى مكّة ، كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأمر فى المسير إليهم ، ثم أعطاه امرأة ـ قيل : إنها من مزينة. وقيل : إنها سارة ، مولاة لبعض بنى عبد المطلب ـ وأعلم الله بذلك رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث على بن أبى طالب ، والزبّير بن العوام لإحضار الكتاب ، فأتيا به.

ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسفره ، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان ، فصام ، وصام الناس ، حتى إذا كان بالكديد (١) ؛ بين عسفان وأمج (٢) : أفطر ،

__________________

(١) الكديد : ماء فى طريق مكة ـ المدينة ، بعد عسفان ، وهى مرحلة من مراحل الطريق بين مكة والمدينة ، مشهورة بهذا الاسم حتى الآن.

(٢) أمج : بلد ، أو جبل غربى المدينة المنورة ، ولعلها البلدة المسماة الآن : أملج (معجم البلدان ٤ / ٤٤٢ ، ومعجم ما استعجم ٣ / ١١١٩).


ثم مضى حتى نزل مر الظهران (١) فى عشرة آلاف من المسلمين ، وقريش لا تعلم بذلك.

ثم إن أبا سفيان بن حرب حضر عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمر الظهران فأسلم ـ وكان خرج يتجسس الأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دخل دار أبى سفيان ، ومن أغلق عليه بابه ، ومن دخل المسجد ، فلما جاء قومه أخبرهم الخبر ، وأن النبى قد جاءهم بما لا قبل لهم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد.

ولما انتهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذى طوى ، أمر الزبّير بن العوام أن يدخل فى بعض الناس من كداء (٢) ، وكان الزّبير على المجنبة اليسرى.

وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كداء.

وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكّة فى بعض الناس ، وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى ، وفيها : أسلم ، وسليم ، وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب.

وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكّة بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ودخل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أذاخر (٣) حتى نزل بأعلى مكّة ، وضربت هنالك قبته.

وكان صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبى جهل ، وسهيل بن عمرو ، قد جمعوا ناسا بالخندمة (٤) ليقاتلوا ؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من قتال ، فقتل كرز بن جابر أحد بنى محارب بن فهر ، وحنيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم ـ حليف بنى منقذ ـ وكانا فى خيل خالد

__________________

(١) مرّ الظهران : هو الوادى المسمى بوادى فاطمة اليوم ، ويعرفه بهذا الاسم كل الحجازيين.

(٢) كداء : هى الثنية التى ينحدر منها إلى الأبطح ومقابر مكة ، وهى اسم جبل على مشارف مكة ، والحكمة فى الدخول منها ـ كما قال بعض العلماء ـ استقبال الداخل منها وجه الكعبة.

(٣) أذاخر : هو جبل أذاخر المشرف على المعابدة من ناحية الشمال.

(٤) الخندمة : هو جبل الخندمة المشرف على سوق الليل ، والمتصل بجبل أبى قبيس.


ابن الوليد ، فشذّا عنه ، فسلكا طريقا غير طريقه ، فقتلا جميعا ، وأصيب من جهينة سلمة بن الميلا من خيل خالد ، وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر ، ثم انهزموا.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ـ حين أمرهم أن يدخلوا ـ أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ؛ إلا أنه قد عهد فى نفر سماهم أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، فقتل بعضهم ، واستؤمن لبعضهم.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل مكّة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن فى يده ، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له ، فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ، ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفّ له الناس فى المسجد ، فخطب خطبته المشهورة ؛ وفيها : «يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل فيكم؟» قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم. قال : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد ، فقام إليه على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ومفتاح الكعبة فى يده ، فقال : يا رسول الله : اجمع لنا الحجابة مع السقاية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين عثمان بن طلحة؟».

فدعى له. فقال : «هاك مفتاحك يا عثمان ، إن اليوم يوم بر ووفاء» وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا أن يؤذن (١).

وكان أبو سفيان بن حرب ، وعتّاب بن أسيد ، والحارث بن هشام جلوسا بفناء الكعبة ، فقال عتّاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيد أن لا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه.

وقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لا تبعته.

فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا ؛ لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصا.

__________________

(١) رواه : مسلم (الحج : ٣٩٠) ، ورواه البخارى (٨ / ١٤ المغازى : أين ركز النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح).


فخرج عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «قد علمت الذى قلتم» ، ثم ذكر ذلك لهم.

فقال الحارث وعتّاب : نشهد إنك رسول الله ، والله ما اطّلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك.

ولما طاف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح على راحلته ، كان حول البيت أصنام مشددة بالرصاص ، فجعل النبى يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام ويقول : «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقى منها صنم إلا وقع (١) ، فقال تميم بن أسد الخزاعى :

وفى الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقاب

وأقام رسول الله بمكّة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة ، وكان فتح مكّة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.

وخبر فتح مكّة أكثر مما ذكرناه ، وما ذكرناه ملخص مختصر مما ذكره أبو إسحاق فى «سيرته» ، بعضه بالمعنى ، وكثير منه باللفظ (٢).

وأما الفوائد المتعلقة بخبر فتح مكة : فإن بعضها يخالف ما ذكره ابن إسحاق وابن هشام من خبر الفتح ، وبعضها يوضح بعض ما أبهماه فى ذلك ، فمنها : أن الفاكهى قال : الوتير : ماء بأسفل مكة ، فى المشرق عن يمين ملكان ؛ على ستة أميال منها.

وهذا بيّن الوتير أكثر مما فى كلام ابن إسحاق.

ومنها : أن ابن عقبة ذكر فى «مغازية» ما يقتضى أن إغارة بنى كنانة على خزاعة ـ التى هى سبب فتح مكّة ـ كانت بعرنة ؛ وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

__________________

(١) البخارى (٤٢٨٧) ، ومسلم (٣ / ١٤٠٨) ، والترمذى (٣١٣٨) ، والبغوى (٣٧٠٧).

(٢) انظر فتح مكة فى : السيرة لابن هشام ٢ / ٣٨٩ ، وتاريخ الطبرى ٢ / ١٥٢ ، وزاد المعاد ٢ / ١٦٠ والبداية والنهاية ٤ / ٢٧٨ ، والروض الأنف ٧ / ٤٩ ، والسيرة الشامية ٥ / ٣٠٤ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ٥٧ ، وإمتاع الأسماع ١ / ٣٥٧ ، وغيرها.


ومنها : أن الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى ، ذكر فى «مبهماته» حديثا فيه : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عليّا ، وعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهما ـ لإحضار كتاب حاطب ، وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن فى البخارى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث لإحضار كتاب حاطب أبا مرثد مع علىّ والزّبير.

وفى رواية فيه : المقداد ، بدل أبى مرثد ؛ وكلام ابن إسحاق لا يفهم شيئا من هذا.

ومنها : أن الحافظ عبد الغنى ذكر ما يقتضى أن حاملة كتاب حاطب : أم سارة مولاة لقريش ، وكلام ابن إسحاق يقتضى : أنها سارة.

وذكر مغلطاى أنها سارة «كنود المزينية» ، والله أعلم.

ومنها : أن السهيلى ذكر شيئا فى بيان ما كتبه حاطب ؛ قال : وقد قيل إنه كان فى الكتاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم ؛ فإنه منجز له ما وعده (١).

وفى «تفسير» ابن سلام ، إنه كان فى الكتاب الذى كتبه حاطب : أن محمدا قد نفر ؛ إما إليكم ، وإما إلى غيركم ، فعليكم الحذر .. انتهى.

وكلام ابن إسحاق : ليس فيه شىء من هذا.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صام حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج.

وروى الفاكهى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ : أنه صام حتى بلغ عسفان.

وروى أيضا عن جابر رضى الله عنه : أنه صام حتى بلغ كراع الغميم (٢).

__________________

(١) الروض الأنف ٤ / ٩٧.

(٢) كراع الغميم : موضع بين مكة والمدينة ، ويقال له اليوم : كراع ، فقط ، وهو موضع مشهور حتى الآن بهذا الإسم (معجم البلدان ٤ / ٤٤٣).


وهذان الخبران مخالفان لما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكّة يوم فتحها من أذاخر.

وذكر ابن عقبة ما يقتضى أنه دخلها من ثنية كداء ، بأعلى مكة.

وذكر الفاكهى ، عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ : ما يوافق ذلك.

ومنها : أن ابن عقبة قال : وقتل من بنى بكر قريبا من عشرين ، ومن هذيل :ثلاثة ، أو أربعة ، وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد.

وقال ابن سعد : قيل : أربعة وعشرون رجلا من قريش ، وأربعة من هذيل.

وروى الفاكهى خبرا فيه : فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة.

وجميع هذه الأقوال يخالف ما ذكره ابن إسحاق من أن المقتولين من المشركين قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر .. والله أعلم.

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى أن الكعبة فتحت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح.

وفى صحيح مسلم ـ رحمه‌الله تعالى ـ ما يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحها بنفسه يوم الفتح (١).

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى أن على بن أبى طالب سأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجمع لبنى هاشم الحجابة مع السقاية.

وذكر الأزرقى عن الواقدى ما يقتضى أن العباس بن عبد المطلب هو الذى سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذلك.

ومنها : أن ابن هشام ذكر أن أبا سفيان ، وعتّاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، كانوا جلوسا بفناء الكعبة لما أذّن بلال ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم وأخبر هم بقولهم (٢).

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أنهم كانوا جلوسا فى الحجر ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) صحيح مسلم (الجهاد : ٨٦).

(٢) السيرة لابن هشام ٤ / ٩٤.


استدعاهم إلى الصفا وأخبرهم بقولهم ؛ إلا أن الخبر الذى ذكره الفاكهى ليس فيه ذكر الحارث بن هشام ؛ وفيه ذكر سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية مع عتّاب بن أسيد ، وأبى سفيان.

ولا يصح ما فيه من أن صفوان كان معهم لفراره إلى جده فى يوم الفتح.

وفى الأزرقى ما يقتضى أن عتّاب بن أسيد لم يكن معهم ، وإنما كان معهم أخوه خالد بن أسيد ، مع الحارث ، وأبى سفيان ، وسهيل ، والحكم بن أبى العاص (١) ، والله أعلم.

ومنها : أن ابن عقبة ذكر أنه كان مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتح مكّة اثنى عشر ألفا ـ على ما قيل ـ ونقل ذلك مغلطاى عن الحاكم جزما.

وما ذكره ابن إسحاق يقتضى أنهم عشرة آلاف (٢) ، والله أعلم.

ومنها : أنه اختلف فى مدة إقامة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتحها ؛ ففى البخارى : وأقام بها خمس عشر ليلة (٣) ، وفى رواية : تسع عشرة.

وفى «الإكليل» : أصحها بضع عشرة ؛ يصلى ركعتين .. انتهى.

نقل هذه الروايات مغلطاى إلا الأولى التى فى البخارى.

ورأيت فى ذلك غير ما سبق ؛ لأن الفاكهى روى بسنده عن أنس رضى الله عنه ، قال : أقمنا بمكّة عشرا ، يعنى زمان الفتح .. انتهى.

وقد أتينا فيما يتعلق بخبر الفتح الذى ذكره ابن إسحاق وابن هشام بفوائد أكثر من هذا فى أصله ، ومثل ذلك لا يوجد مجموعا فى كتاب ، ويتعلق به مسائل كثيرة من الفقه ، واللغة ، والعربية ، تركنا ذكرها لكونها غير مقصودة بالذكر فى هذا التأليف ، وخيفة من التطويل ، ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٢) السيرة لابن هشام ٤ / ١٠٦.

(٣) صحيح البخارى (٤٢٨٧).



الباب السابع والثلاثون

فى ذكر ولاة مكّة المشرفة فى الإسلام

لما فتح الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكّة : استخلف عليها عتّاب بن أسيد ـ بفتح الهمزة ـ بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى ، أميرا على من تخلف عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الناس حين خرج إلى حنين ، وذلك فى العشر الأول من شوال سنة ثمان من الهجرة.

ولم يزل عتّاب أميرا على مكة إلى أن توفى بها بعد موت الصديق رضى الله عنه أو يوم جاء نعى الصديق إلى مكة.

وفى تاريخ ابن جرير ، وابن الأثير ما يقتضى أنه ولى مكّة لعمر رضى الله عنه (١). وفى الاستيعاب ما يقتضى أن الصديق عزله عن مكة ، وولاها للحارث ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم (٢).

وفى مغازى موسى بن عقبة ما يقتضى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف معاذ بن جبل على مكّة لما خرج إلى حنين.

وفى الاستيعاب : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف على مكّة هبيرة بن شبل بن العجلان الثقفى.

والمعروف : استخلاف عتّاب ، ودوام ولايته حتى مات ، والله أعلم.

وولى مكّة : المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس نيابة عن عتّاب فى سفرة سافرها.

ثم وليها فى أول خلافة عمر رضى الله عنه : المحرز المذكور ، ثم قنفذ بن عمير بن جدعان التيمى ، ثم نافع بن عبد الحارث الخزاعى ، ثم خالد بن العاص ، ثم هشام بن المغيرة المخزومى.

وممن ولى مكّة فى خلافة عمر رضى الله عنه : طارق بن المرتفع بن الحارث

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٤ / ٣٩ ، ٩٤ ، ١٦٠ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٣٨٩ ، ٥٠٨.

(٢) الاستيعاب لابن عبد البر ٣ / ٤٨٣.


ابن عبد مناة ، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعى ـ مولاهم ـ نيابة عن نافع بن عبد الحارث لما خرج للقاء عمر رضى الله عنه إلى عسفان ، وأنكر عليه عمر رضى الله عنه استخلافه لابن أبزى ، وعزل نافعا لكونه استخلف على أهل الله مولى.

وقيل : إن الحارث بن نوفل ـ السابق ذكره ـ ولى مكّة لعمر رضى الله عنه.

ثم ولى مكة فى أول خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه : على بن عدى ابن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، ثم خالد بن العاص ـ السابق ـ ودامت ولايته إلى أن عزله منها على بن أبى طالب رضى الله عنه.

ووليها لعثمان رضى الله عنه أيضا : الحارث بن نوفل ـ السابق ـ وعبد الله ابن خالد بن أسيد ، وهو ابن أخى عتّاب ، وعبد الله بن عامر الحضرمى ، على ما ذكر ابن الأثير.

ووليها أيضا ، فيما قيل : نافع بن عبد الحارث ، السابق ذكره.

ثم ولى مكّة فى خلافة على رضى الله عنه : أبو قتادة الأنصارى ، فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد عزل خالد بن العاص ، ثم قثم بن العباس بن عبد المطلب ، ودامت ولايته إلى أن قتل على رضى الله عنه.

وقيل : إن معبد بن العباس بن عبد المطلب وليها لعلى رضى الله عنه.

ثم ولى مكّة فى خلافة معاوية بن أبى سفيان : أخوة عتبة بن أبى سفيان ، ومروان بن الحكم بن أبى العاص ، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ، وابنه عمرو بن سعيد ، المعروف : بالأشدق ، وخالد بن العاص ، وعبد الله بن خالد بن أسيد ـ السابق ذكرهما.

ثم ولى مكّة فى خلافة يزيد بن معاوية جماعة ؛ أولهم : عمرو بن سعيد الأشدق ، والوليد بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب ، وعثمان بن محمد بن أبى سفيان الأمويون. والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ـ المقدم ذكر أبيه ـ وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوى ، ابن أخى عمر رضى الله عنه ، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحى.


ثم ولى مكة : عبد الله بن الزبّير بن العوام ـ رضى الله عنهما ـ بعد موت يزيد بن معاوية.

وبويع له بالخلافة فى الحجاز والعراق واليمن وغير ذلك حتى كادت الأمة تجمع عليه.

ودامت ولايته على مكّة حتى استشهد فى جمادى الأولى أو الآخرة سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، بعد أن حاصره الحجاج بن يوسف الثقفى أزيد من نصف سنة. وابن الزبّير ينتصف منهم ويفضل عليهم.

وكان قد حارب قبل أن يلى الخلافة : الحصين بن نمير أشهرا بمكة ، ثم تخلى الحصين عن الحرب لوصول نعى يزيد.

وولى مكة لعبد الله الزبّير ـ رضى الله عنهما ـ : الحارث بن حاطب الجمحى.

ثم ولى مكّة بعد قتل ابن الزبّير فى خلافة عبد الملك بن مروان جماعة ؛ أولهم : الحجاج بن يوسف الثقفى ، والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ، وخالد بن عبد الله القسرى ، وعبد الله بن سفيان المخزومى ، وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص ـ المقدم ذكر أبيه ـ ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ، ونافع بن علقمة الكنانى ، ويحيى بن الحكم بن أبى العاص الأموى.

وولى مكّة فى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان : الإمام العادل عمر ابن عبد العزيز بن مروان ، ثم خالد بن عبد الله القسرى.

ثم ولى مكة فى خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان ثلاثة نفر : خالد ابن عبد الله القسرى ، ثم طلحة بن داود الحضرمى ، ثم عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد بن أسيد ـ السابق ذكره.

ثم ولى مكّة فى خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان : عبد العزيز بن عبد الله بن خالد ـ السابق.

وقيل : وليها لعمر بن عبد العزيز : محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد


الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وعروه بن عياض بن عدى بن الخيار النوفلى ، وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ، وعثمان بن عبد الله بن سراقة العدوى.

ووليها : ابن سراقة لغير عمر ـ قبله ـ ولعل ولايته لعمر على مكّة لما كان واليا عليها للوليد ، والله أعلم.

ثم ولى مكّة فى خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان ثلاثة نفر ؛ أولهم : عبد العزيز بن عبد الله ـ السابق ـ ثم عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهرى ، ثم عبد الواحد بن عبد الله النصرى ـ بالنون ـ.

ثم ولى مكّة فى خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان جماعة ؛ أولهم : عبد الواحد ـ المذكور ـ ثم إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى ـ خال هشام ابن عبد الملك ـ ثم أخوه محمد بن هشام.

وولى مكّة فى خلافة هشام : نافع بن علقمة الكنانى.

وممن ولى مكّة فى خلافة عبد الملك ، أو فى خلافة أحد من أولاده المذكورين أو فى خلافة عمر بن عبد العزيز : أبو جراب محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر القرشى ، وكان على مكّة فى زمن عطاء بن أبى رباح.

ثم ولى مكّة فى خلافة الوليد بن عبد الملك : خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفى ، ودامت ولايته إلى انقضاء خلافته.

ثم ولى مكّة فى خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك : عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز ـ فيما أظن ـ والله أعلم.

ثم وليها فى خلافة مروان بن محمد بن مروان ـ آخر الخلفاء الأمويين ـ عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ـ المقدم ذكره ـ ثم عبد الواحد بن سليمان ابن عبد الملك ، ثم أبو حمزة المختار بن عوف الخارجى الأباضى بالتّغلّب بعد الحج من سنة تسع وعشرين ومائة.

وسار أبو حمزة إلى المدينة ، واستخلف على مكّة أبرهة ابن الصباح


الحميرى ، وسار لحربه من الشام : عبد الملك بن محمد بن عطية السعدى ، فالتقوا بالأبطح واقتتلوا إلى نصف النهار. وقتل : أبرهة ، وأبو حمزة وخلق من جيشه.

وقيل : إن أبا حمزة قتل بوادى القرى ، قتله جيش ابن عطية. وقتل ابن عطية فى آخر هذا العام ، وهو عام ثلاثين ومائة ، راجعا من اليمن ليقيم الحج ، بعد قتله لطالب الحق الذى يدعو إليه أبو حمزة.

وكان قد استخلف على مكة ـ إذ سار إلى اليمن ـ رجلا من أهل الشام يقال له ابن ماعز.

وولى مكّة لمروان ـ السابق ذكره ـ : الوليد بن عروة السعدى ـ ابن أخى عبد الملك ـ ودامت ولايته إلى انقضاء خلافة مروان.

ورأيت فى نسخة من كامل ابن الأثير : أن محمد بن عبد الملك بن مروان كان على مكّة والمدينة والطائف فى سنة ثلاثين ومائة ، وأنه حج بالناس فيها.

ولم أر ما يدل إلا لحجة بالناس دون ولايته ، والله أعلم.

ثم ولى فى خلافة أبى العباس السفاح ـ أول الخلفاء العباسيين ـ : عمه داود بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ثم زياد بن عبد الله الحارثى خال السفاح ، ثم العباس بن عبد الله بن معبد العباس بن عبد المطلب.

وممن وليها للسفاح على ما قيل : عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.

ثم وليها فى خلافة أبى جعفر المنصور : العباس بن عبد الله بن معبد ـ السابق ذكره ـ ثم زياد بن عبد الله الحارثى ، ثم الهيثم بن معوذة العتكى الخراسانى ، ثم السرى بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب ، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ لما خرج بالمدينة على المنصور استعمله على مكة ، واستعمل على اليمن القاسم بن إسحاق ، فسار إلى مكة ، فلقيهما السرى بأذاخر ، فهزماه.

ودخل محمد مكة ، وأقام بها يسيرا ، ثم سار عنها إلى المدينة لنصر محمد ابن عبد الله بن الحسن ، فأتاه بنواحى قديد نعى محمد بن عبد الله.


وفى كتاب الزبّير بن بكّار ما يقتضى : أن الذى ولاه محمد بن عبد الله بن الحسن مكّة هو : الحسن بن معاوية ـ والد محمد بن الحسن السابق ذكره ـ والله أعلم.

ثم عاد السرى لولاية مكة.

ثم وليها بعده عبد الصمد بن على عم المنصور.

ثم وليها بعده محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس.

ثم وليها فى خلافة المهدى بن المنصور : إبراهيم بن يحيى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، بوصية من المنصور ، ثم جعفر بن سليمان بن على ابن عبد الله بن عباس ، ثم عبيد الله بن قثم بن العباس بن عبد الله بن عباس.

وممن وليها للمهدى : محمد بن إبراهيم الإمام ـ السابق ذكره ـ وكذا فيما أظن : قثم بن العباس ، والد عبيد الله بن قثم.

وولايته لمكّة ذكرها ابن حزم ، إلا أنه لم يذكر تاريخها.

ثم ولى مكّة فى خلافة الهادى بن المهتدى : عبيد الله بن قثم ـ السابق ـ والحسين بن على بن الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم بالتّغلب ؛ لأنه ثار بالمدينة ، واستولى عليها ، ثم سار إلى مكة واستولى عليها.

وقتل فى حرب كان بينه وبين أصحاب الهادى بفخ ـ وهو وادى الزاهر ـ يوم التروية من سنة تسع وستين ومائة. ولم يسهل بالهادى قتله. وكان كريما شجاعا ، وقبره معروف فى قبة عالية ، والمقتولون من أصحابه أزيد من مائة نفر.

وممن ولى أمر مكّة فى خلاف الهادى ـ أو خلافة أخيه الرشيد ـ : محمد ابن عبد الرحمن السفيانى.

ثم ولى مكّة فى خلافة الرشيد بن المهدى جماعة ؛ وهم : أحمد بن إسماعيل بن على بن عبد الله بن عباس ، وحماد البربرى ، وسليمان بن جعفر


ابن سليمان بن على ، والعباس بن موسى بن عيسى بن موسى ، والعباس بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم التيمى ، وعبيد الله بن قثم بن العباس ـ السابق ـ وعبيد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعلى بن موسى بن عيسى ـ أخو العباس السابق. والفضل بن العباس ابن محمد بن على ، ومحمد بن إبراهيم الإمام ، ومحمد بن عبد الله بن المغيرة ابن عمر بن عثمان بن عفان ، وموسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن على.

ثم ولى مكّة فى خلافة الأمين بن راشد : داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على.

ثم ولى مكّة فى خلافة المأمون بن الرشيد : داود بن عيسى ـ المذكور.

ثم وليها بالتّغلب : الحسين بن الحسن بن على بن على بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب المعروف : بالأفطس ، وفى أيام الحج من سنة تسع وتسعين ومائة ، بعد فرار داود ـ المذكور ـ ودامت ولايته إلى أن بلغه قتل مرسله أبى السرايا داعية ابن طباطبا. وبدا من الحسين وأصحابه ما لا يحمد.

ثم ولى مكّة بعده : محمد بن على بن أبى طالب الحسينى ، الملقب بالديباجة لجمال وجهه.

وبويع له فيها بالخلافة فى ربيع الأول سنة مائتين ، ودامت ولايته إلى جمادى الآخر سنة مائتين.

واستولى عليها أصحاب المأمون بعد قتال جرى بينهم وبين العلوين ، انهزم العلويون لأجله ، وفارق الديباجة مكّة بأمان ، ثم عاد إليها بأمان ثانى ، وطلع المنبر واعتذر عما وقع منه ، واستغفر ، وخلع نفسه ، ولحق بالمأمون ، فعفى عنه.

وولى مكّة ـ بعد هزيمة العلويين ـ عيسى بن يزيد الجلودى.

ووليها للجلودى ابنه محمد ، ويزيد بن محمد بن حنظلة المخزومى.

ووليها بعد عزل الجلود : هارون بن المسيب.


ووليها فى خلافة المأمون : حمدون بن على بن عيسى بن ماهان ، وإبراهيم ابن موسى بن جعفر الحسينى ـ أخو على بن موسى الرضا ـ وعبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ وصالح بن العباس بن على بن عبد الله بن العباس ، وسليمان بن عبيد الله بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس. وابنه محمد بن سليمان.

وممن وليها للمأمون : الحسن بن سهل ، إلا أنه لم يباشر ولايتها ، وإنما عقد له عليها الولاية.

ثم وليها فى خلافة المعتصم بن الرشيد : صالح بن العباس ـ السابق ـ ثم محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبيد الله بن عباس الملقب : ترنجة. ولعل ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل ، والله أعلم.

وأشناس التركى ـ أحد قواد المعتصم ـ وولايته كانت عليها وعلى غيرها عقدا لا مباشرة.

ثم وليها فى خلافة المتوكل بن المعتصم : على بن عيسى بن جعفر بن أبى جعفر المنصور ، ثم عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى ـ المقدم ذكر أبيه ، ثم عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهي الإمام ، ثم محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، المعروف : بالزينبى.

وولى مكّة فى خلافة المتوكل : ابنه محمد المنتصر. وما أظنه باشر ذلك ، وإنما عقد له بالولاية عليها مع غيرها ـ وإيتاخ الخوزى ـ أحد قواد المتوكل ، وولايته عليها وعلى غيرها ـ عقد لا مباشرة.

ثم ولى مكّة فى خلافة المنتصر بن المتوكل : محمد بن سليمان الزينبى ـ السابق ـ فيما أظن ، والله أعلم.

ووليها فى خلافة المستعين : أحمد بن محمد بن المعتصم بن عبد الصمد بن موسى ـ السابق ـ ثم جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف بشاشان ، ثم إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب ، بالتغلب والإحراق ، وحصر أهل مكّة حتى ماتوا جوعا وعطشا. وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين.


وقيل : إن قصته كانت فى سنة اثنين وخمسين ، وفيها أهلكه الله بالجدرى.

وولى مكّة فى خلافة المستعين : ابنه العباس ، ومحمد بن عبد الله بن طاهر ابن الحسين ، ولم يباشرا الولاية على مكّة وإنما عقد لهما عليها الولاية مع بلاد أخر.

ثم ولى مكّة فى خلافة المعتز بن المتوكل : عيسى محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المخزومى.

وممن ولى مكّة فى خلافة المهتدى محمد بن الواثق ـ أو فى خلافة المعتمد أحمد بن المتوكل ـ : محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الملقب : كعب البقر.

وممن ولى مكّة فى خلافة المهتدى : على بن الحسن الهاشمى.

ثم ولى مكّة فى خلافة المعتمد ابن المتوكل جماعة ، وهم : أخوه أو أحمد الموفق بن المتوكل ، وإبراهيم بن محمد بن إسماعيل العباسى. الملقب : بزيه ، وأبو المغيرة محمد بن عيسى بن محمد المخزومى. ـ السابق ذكر أبيه ـ وأبو عيسى محمد بن يحيى بن محمد بن عبد الوهاب المخزومى ، والفضل بن العباس بن الحسين بن إسماعيل العباسى ، وهارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن على ، وأحمد بن طولون صاحب مصر ، ومحمد بن أبى الساج ، وأخوه يوسف بن أبى الساج.

وباشر من هؤلاء ولاية مكة : إبراهيم ، وأبو المغيرة ، وأبو عيسى ، وهارون ، والفضل ، ويوسف. والشك فى الموفق ، هل باشر ولاية مكّة أم لا؟

وأما ابن طولون ، ومحمد بن أبى الساج : فلم أر ما يدل على مباشرتهما.

ثم ولى مكّة فى خلافة المعتضد : ابن أبى أحمد الموفق بن المتوكل.

وفى خلافة أولاده : المكتفى ، والمقتدر ، والقاهر.

وفى خلافة الراضى : ابن المقتدر.

وفى خلافة المتقى : ابن المقتدر.


وفى خلافة المستكفى : ابن المكتفى.

وفى خلافة المطيع بن المقتدر جماعة ، وما عرفت منهم إلا عج بن حاج ، ومؤنس بن المظفر ، وابن ملاحظ ، وابن مخلب ، وابن محارب ـ على الشك منى ـ ومحمد بن طغج الأخشيد صاحب مصر ، وابنيه : أبا القاسم أو نجور ـ ومعنى أو نجور : محمود ـ وأبا الحسن عليا ، والقاضى أبا جعفر محمد بن عبد العزيز العباسى ، وولايته فى زمن ولاية الإخشيد بمكة.

وما عرفت أن أحدا من هؤلاء باشر ولاية مكّة غير عج بن حاج ، وابن ملاحظ ، وابن محارب ، أو ابن مخلب ـ على الشك فيما يعرف به.

ثم ولى مكّة بالتغلب : جعفر بن محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى. هكذا نسبه ابن حزم فى «الجمهرة» ، وذكر أنه غلب على مكة أيام الإخشيدية. وأظن ذلك بعد موت كافور الإخشيدى وقبل استيلاء القائد جوهر خادم المعز العبيدى على مصر ، والله أعلم.

وولى مكّة بعد جعفر هذا : ابنه عيسى. ودامت ولايته على مكّة إلى سنة أربع وثمانين وثلثمائة على ما ذكر بعض مشايخنا ، وذكر أن أخاه أبا الفتوح الحسن بن جعفر ولى مكّة فى هذا التاريخ ، والله أعلم.

وولاية أبى الفتوح لمكّة مشهورة ، ودامت ولايته عليها فيما علمت إلى أن مات فى سنة ثلاثين وأربعمائة ، إلا أن صاحب مصر الحاكم العبيدى عزله.

وولى مكّة عوضه ابن عم له يقال له أبو الطيب ؛ لأن أبا الفتوح خرج عن طاعة الحاكم. وبويع فى الحرمين بالخلافة ، وتلقب بالراشد ، وسار فى ألف عبد إلى الرملة ؛ لأن آل الجراح مالؤه على ذلك ، ثم تخلوا عنه لاستمالة الحاكم لهم عنه بأموال عظيمة ، وشفعوا له عند الحاكم ، فأعاده إلى ولاية مكة.

وكان ذلك من أبى الفتوح فى سنة إحدى وأربعمائة.

وقيل : فى سنة اثنين وأربعمائة.


ووليها بعده ابنه : شكر بن أبى الفتوح ، ودامت ولايته ـ فيما علمت ـ إلى أن مات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ، وآل أمر مكّة بعد شكر إلى عبد له ، على ما ذكر ابن حزم فى «الجمهرة».

وفى المرآة : ما يقتضى أنه ولى مكّة بعد شكر : بنو أبى الطيب الحسنيون ، ثم على بن محمد الصليحى صاحب اليمن ، ثم محمد بن جعفر بن أبى هاشم عن الصليحى. ومحمد بن جعفر هذا آخر أمراء مكّة المعروفين بالهواشم ، وهو أبو هاشم محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبى هاشم محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى.

وكان تأمير الصليحى له فى سنة ست وخمسين وأربعمائة.

ودامت ولاية ابن أبى هاشم ثلاثين سنة ، إلّا أن بنى سليمان الحسينيين قصدوه مع حمزة بن وهاس ففر إلى ينبع ؛ لأنه لم يكن له بهم طاقة ، وذلك بعد سير الصليحى من مكّة.

وكان مسيره بعد يوم عاشوراء ، أو فى ربيع الأول من سنة ست وخمسين وأربعمائة.

وكان ملك الصليحى لمكّة فى سادس ذى الحجة سنة خمس وخمسين ، وهرب ابن أبى هاشم فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة إلى بغداد لما وصل إلى مكّة التركمان ، وهو أول من أعاد الخطبة العباسية بمكّة بعد قطعها من الحرمين نحو مائة سنة.

وولى مكّة بعده : ابنه قاسم ، ثم أصبهيد بن سارتكين.

ثم عاد قاسم المذكور لولايتها فى شوال سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، بعد أن هزم أصبهيد.

واستمر قاسم حتى مات ـ فيما علمت ـ وكان موته فى سنة ثمان عشرة وخمسمائة.

وولى بعده : ابنه فليتة. ويقال : أبو فليتة. واستمر ـ فيما علمت ـ حتى مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة.


وولى بعده : هاشم ابنه. واستمر ـ فيما علمت ـ إلى سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وقيل : إلى سنة إحدى وخمسين.

وولى بعده : قاسم ابنه إلى وقت الموسم من سنة ست وخمسين.

ثم ولى عوضه : عمه عيسى بن فليتة.

ثم ولى قاسم مكّة فى شهر رمضان سنة سبع وخمسين ، ثم قتل بعد أيام يسيرة ، وعاد عمه عيسى إلى ولايتها ، واستمر فيما علمت حتى مات سنة سبعين وخمسمائة ، إلّا أن أخاه مالك بن فليتة استولى على مكّة نحو نصف يوم. وخرج من مكة : مالك بعد قتال جرى بين عسكره وعسكر أخيه. وذلك يوم عاشوراء من سنة ست وستين وخمسمائة.

ووليها بعد عيسى : ابنه داود ، ثم أخوه مكثر بن عيسى فى نصف رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.

ثم وليها فى هذه السنة : الأمير قاسم بن مهنا الحسينى أمير المدينة ثلاثة أيام بعد الحج من هذه السنة ، ثم رأى فى نفسه العجز عن القيام بذلك ، فولى أمير الحاج طاشتكين ، داود بن عيسى. وكان الأخوان بعد ذلك يتداولان إمره مكّة ، يليها كل منهما زمنا ، ثم انفرد بها مكثر نحو عشر سنين متوالية ، وبها انقضت ولاية الهواشم.

ووليها ـ فى ولاية أحدهما ـ سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، صاحب مصر والشام ، فى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

وولى مكّة بعد مكثر : أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم ابن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى الينبعى فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وقيل : فى سنة ثمان وتسعين. وقيل : سنة تسع وتسعين.


واستمر حتى مات فى سنة سبع عشرة وستمائة. وقيل : سنة ثمان عشر.

وامتدت ولايته إلى ينبع وإلى حلى. وحارب صاحب المدينة ، وغلب كل منهما الآخر حينا.

وولى مكّة فى ولاية قتادة : أقياش الناصرى العباسى ، ولم يباشر ولايتها ، وإنما عقد له مولاه الولاية على الحرمين ، وإمرة الحاج.

وولى مكّة بعد قتادة : ابنه حسين بن قتادة ، ودامت ولايته إلى سنة تسع عشرة وستمائة. وقيل : إلى سنة عشرين.

ووليها بعده : الملك المسعود ـ واسمه يوسف ، ويلقب : أقسيس ـ ابن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوم صاحب اليمن ، بعد أن حارب حسن بن قتادة بالمسعى ، وانهزم حسن.

ونهب عسكر الملك المسعود مكّة إلى العصر ، ودامت ولايته عليها حتى مات فى سنة ست وعشرين وستمائة.

ووليها نيابة عنه : نور الدين عمر بن على بن رسول الدين الذى صار سلطانا باليمن بعده ، والأمير حسام الدين ياقوت بن عبد الله المسعودى.

ووليها بعد المسعود : والده الكامل صاحب مصر ، ودامت له ولايته إلى شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وستمائة.

ثم وليها الملك المنصور نور الدين ـ المذكور ـ بعد أن بويع بالسلطنة ببلاد اليمن ؛ لأنه أنقذ جيشا إليها فيهم راجح بن قتادة ، فهرب منها طغتكين متوليها من قبل الكامل.

ثم استولى عليها مع جيش أمده به الكامل فى شهر رمضان سنة تسع وعشرين ، وسمى ابن محفوظ المكى أمير مكّة الكامل فى هذا التاريخ شجاع الدين ، والله أعلم.

وقيل : إن فخر الدين بن الشيخ كان على مكّة لما وصلها جيش المنصور فى سنة تسع وعشرين.


ثم وليها جيش المنصور مع راجح بغير قتال فى صفر سنة ثالثين.

ثم وليها فى آخرها عسكر الكامل ، وأقام بها أمير من جهة الكامل يقال له ابن مجلى.

ثم وليها : عسكر المنصور مع راجح فى سنة إحدى وثلاثين.

ثم وليها فى سنة اثنين وثلاثين : عسكر الكامل ، وكان ألف فارس ـ وقيل : سبعمائة. وقيل : خمسمائة ـ وخمسة من الأمراء يقدمهم الأمير جفريل ، ودامت ولاية الكامل عليها إلى أن استولى عليها المنصور فى سنة خمس وثلاثين وستمائة ، وكان قد سار إليها بنفسه فى ألف فارس ، فيما قيل.

ودامت ولايته عليها إلى سنة سبع وثلاين ، ترك بها مائة وخمسين فارسا ، قدّم عليهم ابن الوليد وابن التغرى.

ثم وليها : الملك الصالح أيوب بن الكامل صاحب مصر ؛ لأنه أنفذ إليها مع الشريف شيخة ـ صاحب المدينة ـ جيشا فيه ألف فارس ، فاستولى على مكّة بغير قتال فى سنة سبع وثلاثين.

ثم وليها : عسكر المنصور بعد مفارقة شيحة ، ومن معه لمكّة.

ثم وليها : عسكر الصالح فى سنة ثمان وثلاثين ، وممن وليها له الأمير فخر الدين أحمد بن التركمانى.

ثم وليها المنصور فى سنة تسع وثلاثين وستمائة ، وسافر إليها بنفسه ، ودامت ولايته عليها حتى مات ، وأمر عليها فى هذه السنة مملوكه الأمير فخر الدين الشلاح ، وابن فيروز ، وجعل الشريف أبا سعد بن على بن قتادة بالوادى مساعدا لعسكره.

واستمر الشلاح على ولاية مكّة إلى سنة ست وأربعين وستمائة ، على ما ذكر بعض مؤرخى اليمن فى عصرنا.

ووجدت بخط الميورقى : أن ابن المسيب قدم مكّة لعزل الشلاح فى منتصف ربيع الأول سنة خمس وأربعين ، والله أعلم بالصواب.


وولى مكّة بعد ابن المسيب : أبو سعد بن على ـ السابق ـ بعد قبضه على ابن المسيب فى ذى القعدة.

وقيل : فى شوال سنة سبع وأربعين وستمائة ، واستمر إلى أن قتل سنة إحدى وخمسين فى شعبان ، وقيل : فى رمضان منها.

ثم وليها بعده ـ أحد قتلته ـ : جماز بن حسن بن قتادة ، واستمر إلى آخر يوم من ذى الحجة سنة إحدى وخمسين.

ثم وليها بعده : راجح بن قتادة ، واستمر إلى ربيع الأول سنة اثنين وخمسين.

ثم وليها بعده : إدريس بن قتادة ، وأبو نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بعد قتال مات فيه ثلاثة نفر.

ثم وليها : المبارز على بن الحسين بن برطاس ، وكان المظفر صاحب اليمن قد أنفذه إلى مكّة فى مائتى فارس ، فقاتل إدريس وأبا نمى ، وظهر عليهما فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة اثنين وخمسين.

ثم ولياها فى آخر المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة بعد قتالها لابن برطاس ، وكان أسر ففدا نفسه ، وفارق مكّة بمن معه.

ثم انفرد أبو نمى بإمرتها ، ثم عاد إدريس لمشاركته فى ولايتها.

ثم وليها : أولاد حسن بن قتادة ستة أيام من سنة ست وخمسين ، ثم أخرجهم منها أبو نمى ، ودامت ولايته وولاية إدريس إلى سنة سبع وستين.

ثم انفرد بها أبو نمى قليلا ثم عاد إدريس إلى ولايتها ، واستمر إلى ربيع الأول سنة تسع وستين.

ثم انفرد إدريس بولايتها أربعين يوما.

ثم قتل فى هذه السنة بخليص فى حرب كانت بينه وبين أبى نمى ، وانفرد أبو نمى بولايتها إلى سنة سبعين.


ثم وليها فى صفر : جماز بن شيحة صاحب المدينة ، وغانم بن إدريس بن حسن بن قتادة صاحب ينبع ، ثم عاد أبو نمى إلى ولايتها بعد أربعين يوما ، واستمر إلى سنة سبع وثمانين وستمائة.

ثم عاد جماز بن شيحه إلى ولاية مكّة ، وأقام بها إلى آخر السنة ، وذلك مدة يسيرة.

ثم وليها أبو نمى ، واستمر إلى أوئل صفر سنة إحدى وسبعمائة ، وفى رابعه مات.

وكان وليها فى حال ولاية نمى وإدريس أمير يقال له : شمس الدين مروان ، نائب الأمير عز الدين أمير خازندار ، بأمر من الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر فى سنة سبع وستين وستمائة ، بسؤال من إدريس وأبي نمى للظاهر فى ذلك.

ثم أخرج مروان من مكّة فى سنة ثمان وستين.

ووليها ـ قبل موت أبى نمى بيومين ـ ابناه حميضة ، ورميثة ، واستمر إلى أن قبض عليهما فى موسم سنة إحدى وسبعمائة.

وقيل : وليها بعدهما أبو الغيث ، ومحمد بن إدريس بن قتادة.

ثم وليها حميضة ورميثة فى سنة ثلاث وسبعمائة ، وقيل : فى سنة أربع وسبعمائة ، بولاية من الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر ، واستمرا إلى موسم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.

ثم وليها : حميضة بعد قتال كان بينه وبين أبى الغيث ، ثم ظفر به فى حرب آخر فقتله ، واستمر حميضة إلى أن هرب إلى الحلف والخليف فى شعبان سنة خمس عشرة.

ووليها بعده : أخوه رميثة بولاية من الناصر المذكور ، واستمرا إلى أن قبض عليه بعد إنقضاء الحج من سنة ثمان عشرة وسبعمائة ، إلا أن حميضة استولى على مكّة فى أوائل هذه السنة ، أو بعد الحج من التى قبلها ، بموافقة رميثة على ما قيل.

ووليها : عطيفة بن أبى نمى فى أوائل سنة تسع عشرة وسبعمائة ، بولاية من الناصر المذكور ، وجهز معه عسكرا. واستمر فى الولاية إلى أوائل سنة إحدى


وثلاثين وسبعمائة ، إلا أن رميثة شاركه فى ولاية مكّة فى بعض سنى عشر الثلاثين.

ثم وليها : رميثة بمفرده فى ربيع الآخر أو جمادى الأولى ، من سنة إحدى وثلاثين ، واستمر إلى سنة أربع وثلاثين.

ثم وليها : عطيفة شريكا لرميثة.

ثم انفرد رميثة بإمرتها ليلة رحيل الحاج من السنة المذكورة.

ثم وليها : عطيفة شريكا لرميثة فى الموسم من سنة خمس وثلاثين ، واستمر إلى أثناء سنة ست وثلاثين.

ثم سافر فأقام عطيفة بمكة ، ورميثة بالحديد ، فقصد رميثة مكّة ودخلها ، وخرج منها غير ظافر ، وذلك فى رمضان من السنة المذكورة. وفى سنة سبع وثلاثين اصطلحا وتشاركا فى الإمرة.

ثم انفرد فيها رميثة ، واستمر متوليا إلى أن ترك ولايتها فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة لولديه عجلان ، وثقبة ، وأبى ذلك ولاة الأمر بمصر ، وكتبوا له بالولاية ، فاستمر رميثة إلى سنة ست وأربعين وسبعمائة.

ثم وليها فيها : ابنه عجلان فى حياة أبيه. وفيها مات أبوه ، واستمر عجلان إلى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.

ثم وليها معه أخوه ثقبة ، ثم صارا يتداولان ولايتها كل منهما وقتا.

ثم ولياها معا باتفاقهما على ذلك فى أيام الموسم من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.

ثم وليها بعدهما : أخوهما سند بن رميثة ، وابن عمهما محمد بنه عطيفة فى أثناء سنة ستين وسبعمائة ، بولاية من الناصر حسن بن محمد بن قلاوون صاحب مصر ، وجهز من مصر عسكرا لتأييدهما. واستمرا على ولايتهما حتى انقضى الحج من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

ثم وليها ـ عوض ابن عطيفة شريكا لسند ـ : أخوه ثقبة بن رميثة ؛ لأن


الترك الذين قدموا فى موسم هذه السنة إلى مكّة للإقامة بها عوض الأولين خرجوا من مكّة على وجه مؤلم بسبب ما نالهم من فتك بنى حسن فيهم بالقتل والنهب.

وكان ابن عطيفة تخلى عن نصرة الترك فلم يستطع المقام بمكّة بعد خروجهم منها ، فخرج منها بعدهم خائفا يترقب.

ووجدت بخط بعض أصحابنا ما يقتضى : أنه أقام بمكّة بعد الترك ، ولعله أقام قليلا ثم رحل.

ثم ولى عجلان إمرة مكّة ـ عوض سند ـ شريكا لثقبة ، وكان بمصر حين ولايته لذلك ، فما وصل إلى وادى مرّ إلا وثقبه عليل مدنف ، فلما مات ثقبة فى شوال سنة اثنين وستين وسبعمائة ولى عجلان عوضه : ابنه أحمد بن عجلان ، وجعل له ربع الحاصل. ثم زاده بعد ذلك ربعا آخر ، ثم ترك عجلان الإمرة لابنه : أحمد ، على أمور اشترطها ، منها : دوام الدعاء له مدة حياته ، فوفى له بذلك ابنه.

واستمر منفردا بالإمرة حتى أشرك معه فيها ابنه محمد بن أحمد بن عجلان فى سنة ثمانين وسبعمائة بولاية من صاحب مصر ، ولم يظهر لذلك أثر لصغر ابنه واستبداده هو بالأمور ، واستمرا شريكين فى الإمرة ، حتى مات الأب فى العشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.

ثم انفرد بها الولد مائة يوم ، ثم قتل فى مستهل الحجة من السنة المذكورة لما حضر لخدمة المحمل المصرى.

فوليها عوضه : عنان بن مغامس بن رميثة ، واستولى على مكّة بعد قتال وقع بينه وبين بعض جماعة الأمير المقتول ، واستولى على جدة أيضا ، ثم انتزعت منه فى أوائل سنة تسع وثمانين ، وأشرك معه فى الإمرة : ابنى عميه أحمد بن ثقبة ، وعقيل بن مبارك بن رميثة ، ثم على بن مبارك ليستظهر بهم على أعدائه ، فما وجد بذلك راحة.

ونمى الخبر إلى السلطان «الملك الظاهر برقوق» بمصر فعزله ، وولى على بن عجلان بن رميثة.


وتحارب عنان وجماعته مع آل عجلان ومن معهم بأذاخر فى سلخ شعبان سنة تسع وثمانين ، فكان الظفر لعنان وأصحابه.

ثم استولى على مكة : على بن عجلان فى موسم هذه السنة بعد مفارقة عنان وأصحابه لمكة ، ونزلوا بعد الموسم فى الوادى ، وكان لهم أمر جدة. ثم فارقهم عنان ، وتوجه إلى مصر ، فأقام بها مدة ، مطلقا ومعتقلا.

ثم ولى بعد إطلاقه : نصف إمرتها شريكا لعلى بن عجلان ، ووصل مكّة فى نصف شعبان من سنة اثنين وسبعين. ودخل مكّة بموافقة مع على بن عجلان وجماعته ، واستمرا على الولاية إلى الرابع والعشرين من صفر سنة أربع وتسعين وسبعمائة.

ثم استبد بها علىّ وأصحابه بعد أنه همّ بعضهم بالفتك بعنان بالمسعى ، فنجى ، ثم دخلها بعد أن أخليت له من جماعتهم لما عزم إلى التوجه إلى مصر مطلوبا ، وتوجه بعده : على بن عجلان ، واجتمعا بمصر عند الملك الظاهر ، فعزل عنان.

وأقام بمصر حتى مات فى ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة بالفالج.

وولى مكة علىّ بمفرده ، ووصل إلى مكّة فى موسم سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وقبض فى آخر يوم منها على جماعة من وجوه الأشراف والقواد ، ثم خودع فيهم فأطلقهم ، ثم شوشوا عليه كثيرا ، فقصد التجار ينبع لقلة الأمن بمكّة وجدة.

وآخر أمره أنه قتل ، ففاز بالشهادة فى تاسع شوال سنة سبع وسبعمائة.

ثم وليها عوضه : أخوه السيد حسن بن عجلان ، وكان حين ولايته بمصر ، فدخل مكّة فى رابع عشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة.

فوجد المجاورون والحاج بولايته راحة ونفعا ؛ لأنه لمصالحهم يرعى.

واستمر منفردا بالإمرة إلى أن أشرك معه فيها : ابنه السيد بركات فى سنة تسع وثمانمائة بولاية من الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر.


ثم سعى لابنه السيد أحمد فى نصف الإمرة الذى كان بيده ، فأجيب لسؤاله ، وولى هو نيابة السلطنة ببلاد الحجاز ، وذلك فى ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثمانمائة.

وولى هو فى إمره المدينة النبوية : عجلان بن نمير بن منصور بن جماز ابن شيحة الحسينى.

وكان يقدم فى الخطبة بالمدينة على أميرها عجلان ، ثم قطعت خطبته منها لما زال عجلان عن ولايتها فى العشر الأخير من ذى القعدة سنة اثنتى عشرة وثمانمائة.

وفى شوال من هذه السنة عزل السيد حسن وابناه عن ولاياتهم ، وأسرّ السلطان بمصر ذلك. ثم ـ رضى عليهم ـ وأعادهم إلى ولاياتهم فى ثانى عشر ذى القعدة من السنة المذكورة ، وبعث إليهم بالعهد والميثاق والتشاريف مع خادمه الخاص فيروز الساقى ، فلبسوا ذلك ، وقرأ العهد بولايتهم فى أول ذى الحجة من السنة المذكورة. وأخمد الله بذلك فتنة عظيمة كادت أن تقع بين المذكورين وبين أمير الحاج المصرى بيسق.

واستمروا على ولاياتهم إلى أوائل سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، فالله يبقيهم ، ومن الأسواء يقيهم ، ثم عزلوا عن ذلك.

ووليه : السيد رميثه بن محمد بن عجلان بن رميثه فى هذا التاريخ ، ودخل مكّة فى مستهل ذى الحجة سنة ثمان عشرة ، وفيه قرىء توقيعه ودعى له على المنبر فى الخطبة فى سابع ذى الحجة ، فالله يسدده وإلى الخير يرشده ، ثم عزل عن ذلك فى ثامن عشر رمضان سنة تسع عشرة وثمانمائة.

وولى عمه السيد حسن : إمره مكّة ـ عوضه ـ ودخلها لابسا لخلعة الولاية بها بكرة يوم الأربعاء سادس عشرين شوال ، بعد حرب كان بين عسكر حسن وابن أخيه فى اليوم الذى قبله ، استظهر فيه عسكر السيد حسن على من قاتلهم وفارقوا مكة.

وفى أول سنة أربع وعشرين وثمانمائة فوضت إمرة مكّة للسيد حسن بن


عجلان وابن السيد زين الدين بركات ، ووصل بذلك عهد من الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد.

وقد ذكرنا من حال ولاة مكّة أكثر من هذا فى أصله ، وبسطنا ذلك أكثر فى «العقد الثمين» ، ومختصره «عجالة القرى». فمن أراد ذلك فليراجعهما ، يرى فيهما من هذا المعنى وفى غيره أخبارا مستعذبة وفوائد مستغربة ، ونحمد الله على ما منّ به من ذلك من الإرشاد ونسأله فى ذلك السداد.

***



الباب الثامن والثلاثون

فى ذكر شىء من الحوادث المتعلقة بمكّة فى الإسلام

لا ريب فى كثرة الأخبار فى هذا المعنى ، وأكثر ذلك خفى علينا لعدم العناية بتدوينه فى كل وقت ، وقد سبق مما علمناه أمور كثيرة فى مواضع من هذا الكتاب ، ويأتى ـ إن شاء الله تعالى ـ شىء من ذلك بعد هذا الباب.

والمقصود ذكره فى هذا الباب : أخبار تتعلق بالحجاج لها تعلق بمكّة أو باديتها ، وحج جماعة من الخلفاء والملوك فى حال ولايتهم ، ومن خطب له بمكّة من الملوك وغيرهم فى خلافة بنى العباس ، وما جرى بسبب الخطبة بمكّة بين ملوك مصر والعراق ، وما أسقط من المكوسات المتعلقة بمكة.

فمن الأخبار المقصود ذكرها هنا : أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه ، حج بالناس سنة اثنتى عشرة من الهجرة (١).

ومنها : أن الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حج بالناس فى جميع خلافته إلا السنة الأولى منها (٢).

ومنها : أن ذا النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه حج بالناس فى جميع خلافته إلا السنة الأولى والأخيرة (٣).

ومنها : أن فى سنة أربعين من الهجرة : وقف الناس بعرفة فى اليوم الثامن من ذى الحجة ، وضحوا فى اليوم التاسع ، وليس كل إنسان اتفق له ذلك ، والذين اتفق لهم ذلك طائفة كانوا مع المغيرة بن شعبة رضى الله عنه (٤).

ونسب إليه تعمده لذلك ؛ ليتم له التقديم فى أمر الحج ، ولعله صحّ عنده

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٤ / ٢٨ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ١٦٨.

(٢) تاريخ الطبرى ٤ / ١٥٢ ، ١٦٨ ، ١١٨ ، ٢٢٢ ، ٢٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٣١ ، ٢٥٠ ، ٢٦٧ ، ٥ / ٤٢ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٢٠٧ ، ٢١٥ ، ٢٢٢ ، ٢٣٨ ، ٢٤٠ ، ٣ / ٩ ، ١٦ ، ٣٢.

(٣) الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٣ ، ٣٦ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٧٣ ، وتاريخ الطبرى ٥ / ٤٧ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٤ ، ٥٧ ، ٦٨ ، ٩٢ ، ٩٨ ، ١٣٩.

(٤) تاريخ الطبرى ٦ / ٩٢ ، والكامل لابن الأثير ٣ / ١٧٤.


رؤية هلال ذى الحجة على وفق ما فعل ، ولم يصح ذلك عند من تخلف عنه ، وهم الجمهور من الناس ، والله أعلم.

ومنها : أن معاوية بن أبى سفيان ـ رضى الله عنهما ـ حج بالناس سنتين (١).

ومنها : أن عبد الله بن الزّبير ـ رضى الله عنهما ـ حج بالناس فى جميع خلافته إلا السنة الأخير منها ؛ وهى سنة اثنتين وسبعين ، لحصر الحجاج بن يوسف الثقفى له فيها ، وحج بالناس سنة ثلاث وستين ؛ فيكون حجه بالناس تسعا بتقديم التاء (٢).

ومنها : أن عبد الملك بن مروان حج بالناس سنتين (٣).

ومنها : أن الوليد بن عبد الملك حج بالناس سنتين ، على ما قيل.

ومنها : أن سليمان بن عبد الملك ، حج بالناس مرة ؛ وكذلك أخوه هشام بن عبد الملك.

ومنها : أن فى سنة تسع وعشرين ومائة : وافى بعرفة أبو حمزة الخارجى على غفلة من الناس فخافوا منه ، فسأله عامل مكّة فى المسالمة ، فوقع الاتفاق على أنهم جميعا آمنون حتى ينقضى الحج ، ثم استولى ـ بغير قتال ـ أبو حمزة على مكّة بعد الحج لفرار عاملها عنها (٤).

ومنها : أن أبا جعفر المنصور ـ ثانى خلفاء العباسيين ـ حج بالناس أربع سنين ، ورام الحج فى سنة ثمان وخمسين ، فما ناله لموته ببئر ميمون ظاهر مكّة (٥).

__________________

(١) كان ذلك فى سنة ٤٤ ه‍ ، و ٥٠ ه‍. انظر فى ذلك : تاريخ الطبرى ٦ / ١٢٣ ، ١٣٤ ، والكامل لابن الأثير ٣ / ١٩٢ ، ٢٠٢ ، والبداية والنهاية ٨ / ٢٨ ، والذهب المسبوك (ص : ٢٤) ومروج الذهب ٤ / ٣٩٨.

(٢) تاريخ الطبرى ٧ / ١٣٩ ، ١٨١ ، ١٩٠ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ١٠٩ ، ١٢٨.

(٣) كان ذلك فى عامى ٧٥ ه‍ ، و ٨١ ه‍ ، وانظر فى ذلك : تاريخ الطبرى ٧ / ٢١٠ ، ٨ / ١١ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ١٥٥ ، ومروج الذهب ٤ / ٣٩٩.

(٤) تاريخ الطبرى ٩ / ٩٥ ، والكامل لابن الأثير ٥ / ١٩١ ، والعقد الثمين ٧ / ١٥٣.

(٥) تاريخ الطبرى ٩ / ٣٢٤ ، والكامل لابن الأثير ٦ / ١٣.


ومنها : أن المهدى بن المنصور العباسى حج بالناس سنة ستين ومائة ، وقيل : إنه حج بالناس سنة أربع وستين أيضا.

وفى حجته الأولى : أنفق فى الحرمين أموالا عظيمة ، يقال : إنها ثلاثون ألف ألف درهم ، وصل بها من العراق ، وثلثمائة ألف دينار وصلت إليه من مصر ، ومائتا ألف دينار وصلت إليه من اليمن ، ومائة ألف ثوب وخمسون ألف ثوب (١).

ومنها : أن الرشيد هارون بن المهدى العباسى حج بالناس تسع حجج (٢) ـ بتقديم التاء ـ ولم يحج بعده خليفة من العراق ؛ إلا أن الذهبى ذكر فى «العبر» فى أخبار سنة اثنتى عشرة ومائتين : أن المأمون بن هارون الرشيد حج فى هذه السنة ، ولم أر ذلك لغيره ، والله أعلم.

وفرق الرشيد فى حجاته أموالا كثيرة جدا فى الحرمين.

ومنها : أنه فى سنة تسع وتسعين ومائة ، وقف الناس بعرفة بلا إمام ، وصلّوا بلا خطبة ؛ لفرار أمير مكّة عنها ، متخوفا من حسين الأفطس العلوى ، وكان وصوله إلى مكّة فى نفر يوم عرفة ، وبها وقف ليلا (٣).

ومنها : أن فى سنة مائتين من الهجرة نهب الحاج بستان ابن عامر ، وأخذت كسوة الكعبة ، ثم استنفدها الجلودى مع كثير من الأموال المنهوبة ، وبستان ابن عامر هو بطن نخلة ؛ على ما ذكر أبو الفتح بن سيد الناس عند ذكر سرية عبد الله بن جحش رضى الله عنه إلى نخلة (٤).

ومنها : أنه فى سنة إحدى وخمسين ومائتين لم يقف الناس بعرفة لا ليلا ولا

__________________

(١) المحبر (ص : ٣٦) ، ومروج الذهب ٤ / ٤٠٢ ، والكامل لابن الأثير ٦ / ١٨ ، وتاريخ الخميس ٢ / ٣٣.

(٢) تاريخ الطبرى ١٠ / ٥٣ ، ٦٢ ، ٦٩ ، ٧٦ ، ٩٥ ، والكامل لان الأثير ٦ / ٤٣ ، ٥٠ ، ٦٨ ، ومروج الذهب ٤ / ٤٠٣ ، والقرى (ص : ٥٨) ، والبداية والنهاية ١٠ / ١٧١ ، ١٧٧ ، ١٨٦ ، ٢٠٠.

(٣) تاريخ الطبرى ١٠ / ٢٢٩ ، والكامل لابن الأثير ٦ / ١١٣ ، والعقد الثمين ٤ / ١٩٦.

(٤) تاريخ الطبرى ١٠ / ٢٣٢ ، والكامل لابن الأثير ٦ / ١١٥.


نهارا ؛ لأن إسماعيل بن يوسف العلوى وافى الموقف بعرفة فى يومها ، وقتل من الحجاج نحو ألف ومائة ، وسلب الناس ، وهربوا إلى مكّة (١).

ومنها : أن فى سنة خمس وتسعين ومائتين وقع بمنى قتال بين الأجناد ، وبين عج بن حاج أمير مكّة ؛ لطلبهم جائزة بيعة المقتدر ، فقتل منهم جماعة ، وفر الناس إلى بستان ابن عامر (٢).

ومنها : أن فى سنة سبع عشرة وثلثمائة وافى مكّة أبو طاهر القرمطى ، فأسرف فى قتل الحاج وأسرهم مع هتكه لحرمه الكعبة ؛ وذلك زنه قتل فى المسجد الحرام نحو ألف وسبعمائة من الرجال والنساء ، وهم متعلقون بالكعبة ، وردم بهم زمزم ، وفرش بهم المسجد ، وما يليه ، وقتل فى سكك مكّة وشعابها من أهل خراسان ، والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفا ، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك (٣).

وقد بطل الحج من العراق بسبب القرمطى ثلاث سنين متوالية قبل هذه السنة ، وبطل بعدها سنين كثيرة فى عشر الثلاثين ، وفى عشر الأربعين ؛ وأوضحنا هذه السنين فى أصل هذا الكتاب ، وليس كل البطالة فيها لأجل القرمطى.

ومنها : أنه فى سنة إحدى وأربعين وثلثمائة ، أو فى التى قبلها ؛ جرى قتال بين أصحاب ابن طغج والعراقيين بسبب الخطبة بمكة ، وجرى مثل ذلك فى سنة اثنين وأربعين (٤) ، وفى سنة ثلاث وأربعين (٥).

__________________

(١) تاريخ الطبرى ١١ / ١٣٦ ، والكامل لابن الأثير ٧ / ٥٨ ، والبداية والنهاية ١١ / ٩ ، ومروج الذهب ٤ / ٤٠٦.

(٢) تاريخ الطبرى ١١ / ٤٠٤ ، والكامل لابن الأثير ٨ / ٤.

(٣) النجوم الزاهرة ٣ / ٢٢٤ ، والمنتظم ٦ / ٢٣٠ ، ودول الإسلام ١ / ١٩٢ ، والبداية والنهاية ١١ / ١٦٤ ، وسمط النجوم العوالى ٣ / ٣٦٠ ، ومرأة الجنان ٢ / ٢٧٤ ، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٣).

(٤) المنتظم ٦ / ٣٧٢ ، والكامل لابن الأثير ٨ / ١٨٢.

(٥) إتحاف الورى ٢ / ٣٩٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٤٣) ، وحسن الصفا والابتهاج (ص : ١٠٩).


ومنها ـ أعلى سنة ثلاث ـ : خطب بمكّة والحجاز لركن الدولة ، ولولده عز الدولة بختيار ، وبعدهم لابن طغج.

وذكر بعضهم أن فى هذه السنة : منع أصحاب معز الدولة أصحاب الإخشيد من الصلاة بمنى والخطبة ، وأن أصحاب الإخشيد منعوا أصحاب معز الدولة الدخول إلى مكّة والطواف (١) .. انتهى بالمعنى.

ومنها : أن كافور الإخشيدى صاحب مصر ، كان يدعى له على المنابر بمكّة والحجاز أجمع.

ومنها : أن فى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة خطب بالحرمين واليمن لصاحب مصر المعز العبيدى ، وقطعت خطبة بنى العباس ، وفيها فرق قائد من جهته أموالا عظيمة فى الحرمين (٢).

ومنها : أن فى سنة تسع وخمسين وثلثمائة خطب بمكّة للقرامطة الهجريين مع المطيع العباسى ، وقطعت خطبة المعز من مكة ، وخطب له بالمدينة (٣) ، وخطب للمطيع بظاهرها ، ثم خطب للمعز بالحرمين فى الموسم سنة ثلاث وستين (٤).

ومنها : أن فى سنة خمس وستين خطب بالحرمين لصاحب مصر العزيز ابن المعز العبيدى ، وضيق جيشه بالحصار فيها على أهل مكة ، ودامت الخطبة له ولولده ، ولولد ولده ، ولولد ولد ولده ، نحو مائة سنة ، كما سيأتى مبينا إن شاء الله تعالى (٥).

__________________

(١) درر الفرائد (ص : ٢٤٣) ، وحسن الصفا والابتهاج (ص : ١٠٩) ، واتحاف الورى ٢ / ٣٩٩.

(٢) النجوم الزاهرة ٤ / ٣٢ ، وإتحاف الورى ٢ / ٤٠٦ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٤٤).

(٣) المنتظم ٧ / ٥٣ ، والكامل ٨ / ٢٢٠ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٦٨ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٤٥).

(٤) المنتظم ٧ / ٧٥ ، والكامل ٨ / ٢٣٣ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٧٧ ، ومرآة الجنان ٢ / ٣٧٩ ، وتاريخ الخلفاء (ص : ٤٠٦).

(٥) المنتظم ٧ / ٨٠ ، والمختصر فى أخبار البشر ٢ / ١١٦ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٨٣. وفى الكامل لابن الأثير ٨ / ٤١ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٤٦) : أن الذى خطب له هو «العزيز» وليس «المعز».


ومنها : أن فى سنة ست وستين وثلثمائة : حجت جميلة بنت ناصر الدولة ابن حمدان ، حجا يضرب به المثل فى التجمل وأفعال البر ؛ لأنه كان معها ـ على ما قيل ـ : أربعمائة كجاوة ، فلم يدر فى أيها هى لتساويها فى الحسن والزينة ، ونثرت على الكعبة لما رأتها ـ وقيل : لما دخلتها ـ عشرة آلاف دينار ، وأغنت المجاورين بالحرمين (١).

ومنها : أن فى سنة أربع عشرة وأربعمائة ، حصل فى الحجاج قتل ونهب بمكّة وبظاهرها ؛ وسبب ذلك : أن بعض الملاحدة تجرأ على الحجر الأسود فضربه ثلاث ضربات بدبوس ، فقتل وقطع وأحرق ، وقتل ممن اتهم بمعاونته جماعة ، وكثر النهب فى المغاربة والمصريين وغيرهم ؛ وهذه الحادثة أبسط من هذا فى أصله ، وذكرها الذهبى فى سنة ثلاث عشرة ، ونقل ذلك عن غيره (٢) ، والله أعلم.

ومنها : أن فى سنة خمس وخمسين وأربعمائة حج على بن محمد الصليحى ، صاحب اليمن ، وملك فيها ، وفعل فيها أفعالا جميلة من العدل والإحسان ، ومنع المفسدين ، فأمن الناس أمنا لم يعهدوه ، ورخصت الأسعار ، لأمره بجلب الأقوات ، وكثر الثناء عليه.

ومنها : أن فى سنة اثنين وستين وأربعمائة أعيدت الخطبة العباسية بمكة.

وذكر ابن كثير ما يقتضى أن الخطبة العباسية أعيدت بمكّة فى سنة سبع وخمسين.

وذكر بعض مشايخنا : ما يقتضى أن ذلك وقع فى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة.

ومنها : أن فى سنة سبع وستين أعيدت الخطبة بمكّة لصاحب مصر المستنصر العبيدى ، ثم خطب للمقتدر العباسى بمكّة فى ذى الحجة سنة ثمان وستين.

ومنها : أن فى يوم عرفة من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، تحارب بعض

__________________

(١) درر الفرائد (ص : ٢٤٦) ، وإتحاف الورى ٢ / ٤١٣.

(٢) المنتظم ٨ / ١٣.


الحجاج الشاميين والعراقيين فى عرفة. فغلب العراقيون الشاميين ، وقتلوا منهم جماعة ونهبوهم (١).

ومنها : أن فى سنة ثمان وستمائة حصل فى الحجاج العراقيين قتل ونهب فاحش ، حتى قيل : إنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألفا ألف دينار ؛ حكى ذلك أبو شامة ، وكانت هذه البلية بمكّة ومنى ، وهى بمنى أعظم (٢).

وذكر ابن محفوظ : أنه كان بين العراقيين وأهل مكّة فتنة بمنى فى سنة سبع وستمائة ؛ ولم أر ما يدل لذلك ، والله أعلم.

ومنها : أن صاحب دمشق المعظم عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب : حج فى سنة إحدى عشرة وستمائة ، وتصدق فيها بالحرمين صدقة كبيرة.

ومنها : أنه كان يخطب بمكّة لوالده السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب أخ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام (٣).

ومنها : أن فى سنة سبع عشرة وستمائة منع صاحب مكّة حسن بن قتادة الحجاج العراقيين من دخول مكة ، ثم أذن لهم فى ذلك بعد قتل أصحابه لأمير الحاج العراقى إقباش الناصرى مملوك الخليفة الناصر لدين الله ؛ لاتهامه بأنه يريد أن يولى راجح بن قتادة أخا حسن مكّة عوضه ، وكان حسن متوليا لها بعد أبيهما قتادة.

وفيها : مات قتادة ونصب رأس إقباش بالمسعى عند دار العباس ، ثم دفن مع جسده بالمعلّاة (٤).

__________________

(١) الروضتين ٢ / ١٢٣ ، والمختصر فى أخبار البشر ٣ / ٧٣ ، والعقد الثمين ٢ / ١٢٨ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣٢٩ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ١٠٥ ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٥٥.

(٢) الكامل ١٢ / ١٢٣ ، وإتحاف الورى ٣ / ١١ ، والعقد الثمين ٤ / ٤٧ ، ودرر الفرائد (ص : ٧٠٣).

(٣) الذيل على الروضتين (ص : ٨٧) ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٢١١ ، والعقد الثمين ٧ / ٤٢ ، وإتحاف الورى ٣ / ١٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٧٢).

(٤) الكامل لابن الأثير ١٢ / ١٦٦ ، والعقد الثمين ٤ / ١٦٧ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٧ ـ ٢٩.


ومنها : أن جماعة من الحجاج ماتوا بالمسعى من الزحام فى سنة سبع عشرة وستمائة (١).

ومنها : أن المسعود صاحب اليمن حجّ من اليمن فى سنة تسع عشرة وستمائة ، وبدا منه ما لا يحمد ، من رميه حمام مكّة بالبندق فوق زمزم ، ومن منعه اطلاع علم الخليفة الناصر العباسى جبل الرحمة بعرفة ، وقيل : إنه أذن فى ذلك اليوم قبيل الغروب ، وغير ذلك من الأمور المنسوبة إليه ، وذكر ابن الأثير ما يقتضى : أنه حج سنة ثمان عشرة (٢) ، والله أعلم.

وسبق فى الباب قبله أنه ولى مكة ، وكان حال الناس بها حسنا فى ولايته لهيبته ، وإليه ينسب الدرهم المسعودى المتعامل به بمكة.

ومنها : أنه كان يخطب بها لوالده الملك الكامل ناصر الدين أبى المعالى محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب صاحب مصر ؛ ولعل ذلك بعد ملك ولده المسعود لمكّة ، والله أعلم.

ومنها : أن الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن خطب له بمكّة فى سنة تسع وعشرين وستمائة ، وفيها ولى مكّة بعد مبايعته بالسلطنة فى بلاد اليمن فى هذه السنة.

وحج الملك المنصور ـ المذكور ـ فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة على النجب حجا هينا. وحج أيضا فى سنة تسع وثلاثين وستمائة ، وصام رمضان فى هذه السنة بمكة.

ومنها : أن فى سنة سبع وثلاثين وستمائة خطب بمكّة لصاحب مصر الصالح أيوب بن الكامل (٣).

وممن خطب له بمكّة من بنى أيوب : صاحب مصر الأشرف موسى بن الناصر يوسف بن المسعود أقسيس بن الكامل فى سنة اثنين وخمسين وستمائة (٤).

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣١ ، والعقد الثمين ١ / ١٩٠.

(٢) الكامل ١٢ / ١٦٥.

(٣) العقد الثمين ٥ / ٤٩٩ ، ودرر القرائد (ص : ٧٧١).

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٧٦.


وفيها : خطب معه لأتابكة المعز أيبك التركمانى الصالحى.

وفيها : تسلطن المعز ـ المذكور ـ فى شعبان.

وممن خطب به بمكّة من ملوك مصر : الظاهر بيبرس الصالحى ، ومن بعده من ملوك مصر ، إلى تاريخه ، إلا المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق ؛ لكونه لم يصل له نجاب (١) ، وأشك فى الخطبة بمكّة لابنى الظاهر بيبرس ، ولعادل كتبغا ، والمنصور لاجين ، وأكبر ظنى أنه خطب لهم ، والله أعلم.

وكان للناصر محمد بن قلاوون من نفوذ الكلمة بمكّة واستبداده بأمر الولاية فيها ما لم يكن لمن قبله من ملوك الترك بمصر. واستبد من بعده من ملوك مصر بالولاية بمكة.

ومنها : أن فى سنة تسع وثلاثين وستمائة أسقط السلطان الملك المنصور صاحب اليمن عن مكّة سائر المكوسات والجنايات والمظالم ، وكتب بذلك مربعة ، وجعلت قبالة الحجر الأسود ، ودامت هذه المربعة إلى أن قلعها ابن المسيب لما ولى مكّة فى سنة ست وأربعين وستمائة ، وأعاد الجنايات والمكوسات بمكّة (٢).

ومنها ـ على ما وجدت بخط الميورقى ـ لم يحج سنة خمس وخمسين وستمائة من الآفاق ركب سوى حجاج الحجاز (٣) .. انتهى.

ومنها : أن الملك المظفر يوسف بن المنصور صاحب اليمن حج فى سنة تسع وخمسين وستمائة ، وغسل الكعبة بنفسه وطيبها ، وما كساها بعد انقضاء الخلافة من بغداد ملك قبله. وقام أيضا بمصالح الحرام وأهله ، وأوسع فى الصدقة حين حج ، ومن أفعاله الجميلة بمكة : أنه نثر على الكعبة الذهب والفضة ، وكان يخطب له بمكّة فى غالب سلطنته ، وخطب من بعده لملوك اليمن من ذريته بعد الخطبة لصاحب مصر (٤).

__________________

(١) النجاب : هو رسول البريد.

(٢) السلوك ١ / ٢ : ٣١٢ ، وغاية الأمانى ١ / ٤٢٥ ، والعقود الؤلؤية ١ / ٦٩.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٧٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٧٩).

(٤) العقد الثمين ٧ / ٤٨٩ ، والعقود الؤلؤية ١ / ١٣٣ ، وغاية الأمانى ١ / ٤٥٠ ، وإتحاف الورى ٣ / ٨١ ـ ٨٤.


ومنها ـ على ما قال الميورقى ـ : لم ترفع راية لملك من الملوك سنة ستين وستمائة. كسنة خمس وخمسين وستمائة .. انتهى منقولا من خطه ؛ وأراد بذلك : وقت الوقوف بعرفة (١).

ومنها : أن الحجاج العراقيين توجهوا إلى مكّة فى سنة ست وستين وستمائة ، وما علمت لهم بتوجه قبل ذلك من بغداد بعد غلبة التتار عليها (٢).

ومنها : أن الملك الظاهر بيبرس الصالحى ، صاحب مصر ، حج سنة سبع وستين وستمائة ، وغسل الكعبة وأمر بتسبيلها فى كل سنة ، وأحسن كثيرا إلى أميرى مكّة بسبب ذلك ، وعظمت صدقته فى الحرمين (٣).

ومنها : أن العراقيين حجوا من بغداد فى سنة تسع وستين وستمائة ، ولم يحج فيها من مصر أحد.

وحج من العراق ركب كبير فى سنة ثمان وثمانين وستمائة (٤).

ومنها : أن الحجاج ازدحموا فى خروجهم إلى العمرة من باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة ؛ فمات فى الزحمة منهم جمع كثير يبلغون ثمانين نفرا على ما قيل ؛ وذلك بعد الحج من سنة سبع وسبعين وسبعمائة (٥).

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة صد الحاج عن دخول مكة ، ثم دخلوها هجما فى يوم الترويه ، بعد ثقبهم السور وإحراقهم لباب المعلاة ، وفرار أبى نمى أمير مكّة منها ، وهو : الصاد لهم ؛ لوحشة كانت بينه وبين أمير الحاج المصرى ، ثم اصطلحا ، وقيل فى سبب هذه الفتنة غير ذلك (٦) ، والله أعلم.

ومنها : أن الحاج وأهل مكّة تقاتلوا فى المسجد الحرام ، فقتل من الفريقين ـ

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٨٧ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٠).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٩٢ ، ودرر الفرائد (٢٨١).

(٣) النجوم الزاهرة ٧ / ١٤٦ ، والذهب المسبوك (ص : ٨٩).

(٤) السلوك ١ / ٢ : ٥٩٦ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٣).

(٥) إتحاف الورى ٣ / ١٠٩.

(٦) السلوك ١ / ٣ : ٧٢٤ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٥).


على ما قيل ـ فوق أربعين نفرا ، وشهر فيها فى المسجد الحرام من السيوف نحو عشرة آلاف ، وانتهبت الأموال ، وتثبت أبو نمى فى الأخذ ، ولو قصد الجميع لتم له ذلك. ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه الشيخ تاج الدين ابن الفركاح. وذلك فى سنة تسع وثمانين وستمائة (١).

ومنها : أن الخليفة بمصر ، الملقب بالحاكم ، حج فى سنة سبع وتسعين وستمائة ؛ وهو أول خليفة عباسى بويع بمصر ، وثانى خليفة عباسى بويع بعد المستعصم ، ونسبه يتصل بالمسترشد ؛ فإنه : أحمد بن أبى على بن على بن أبى بكر بن المسترشد ، وأعطاه لاجين المنصورى صاحب مصر سبعمائة ألف درهم لأجل حجه (٢).

ومنها : أن صاحبى مكّة حميضة ورميثة ابنى أبى نمى أسقطا بعض المكوس فى سنة أربع وسبعمائة ، وفى التى قبلها (٣).

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر : حج فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة ، ومعه نحو أربعين أميرا ، وستة آلاف مملوك على الهجن ، ومائة فرس ، وحج أيضا فى سنة تسع عشرة وسبعمائة ، وفى سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة (٤).

وكان معه لما حج فى سنة تسع عشرة وسبعمائة نحو خمسين أميرا ، وأكثر فيها من فعل المعروف فى الحرمين ، وفيها : غسل الكعبة بيده.

وكام معه لما حج فى سنة اثنين وثلاثين نحو سبعين أميرا ، وتصدق فيها بعد حجه.

ويقال : إن خطبته قطعت من مكة ، وخطب عوضه بها لأبى سعيد بن

__________________

(١) البداية والنهاية ١٣ / ٣١٧ ، والسلوك ١ / ٣ : ٧٦٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٦).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١٣٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٩).

(٣) إتحاف الورى ٣ / ١٤٢ ، والعقود الؤلؤية ١ / ٣٦٢ ، ودرر الفرائد (ص : ٤ / ٢٣٤).

(٤) السلوك ٢ / ١ : ١١٩ ، والعقود الؤلؤية ١ / ٤٠٢ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٩٤).


خربندا ملك العراقيين ، بأمر حميضة بن أبى نمى ، بعد أن رجع من العراق فى آخر سنة ست عشرة وسبعمائة ، أو فى التى بعدها (١) ، والله أعلم.

ومنها : أن الحجاج فى سنة عشرين وسبعمائة صلوا خمس صلوات بمنى ؛ أولها : الظهر من يوم الترويه ، وآخرها : الصبح من يوم عرفة ، وساروا إليها بعد طلوع الشمس ، وأحيوا هذه السّنة بعد تركها ، وفعل مثل ذلك : الشاميون فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة (٢).

ومنها : أن فى هذه السنة شهد الموقف بعرفة عالم عظيم من جميع البلاد.

وكان مع العراقيين محمل عليه حلى من الجوهر والؤلؤ والذهب ، قوّم بمائتى ألف دينار وخمسين ألف دينار من الذهب المصرى ، ذكر ذلك البرزالى.

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون ، صاحب مصر : أسقط المكس المتعلق بالمأكول بمكة ، وعوض أميرها عطيفة بن أبى نمى عن ذلك : ثلثى دماميل (٣) ـ من صعيد مصر ـ وذلك سنة اثنين وعشرين وسبعمائة (٤).

ومنها : أن موسى ملك التكرور : حج فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة فى أزيد من خمسة عشر ألف تكروريا (٥).

ومنها : أن العراقيين حجوا فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، ومعهم تابوت جوبان نائب السلطنة العراقية ـ الذى أجرى عين بازان إلى مكّة ـ وأحضر تابوته الموقف بعرفة ، وطيف به حول الكعبة ليلا.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الرابع عشر من ذى الحجة سنة ثلاثين وسبعمائة حصل بين الحجاج المصريين وبنى حسن ـ أهل مكّة ـ فتنة قتل فيها أمير الركب المصرى : آلدمر وابنه ، وغيرهما ، ونهب للناس أمولا كثيرة ، وذكر النويرى فى تاريخه : أن الخبر بهذه الحادثة وقع بمصر فى يوم وقوعها بمكة.

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٩ / ١٠٤ ، والسلوك ٢ / ٢ : ٣٥٥ ، وإتحاف الورى ٣ / ١٩٨.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١٧٠.

(٣) دماميل : هى بلدة من مركز الأقصر بمحافظة قنا ، تقع على الشاطىء الغربى للنيل (الخطط التوفيقية لعلى مبارك ١١ / ٢٠).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٢٠).

(٥) البداية والنهاية ١٤ / ١١٢ ، ومرآة الجنان ١٤ ، ٢٧١ ، ودرر الفرائد (ص : ٣٠٠).


ومنها : أن فى سنة ثلاثين وسبعمائة حج العراقيون بفيل بعث به ملكهم أبو سعيد بن خربندا ، فحضروا به المواقف كلها ، ومضوا به إلى المدينة ، فمات بالفرش الصغير بقرب المدينة ، بعد أن لم يستطع التقدم إليها خطوة (١).

ومنها : أن صاحب اليمن ، الملك المجاهد على بن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر حج فى سنة اثنين وأربعين وسبعمائة ، فأطلع علمه جبل عرفات ، وكان بنو حسن فى خدمته حتى انقضى الحج (٢).

وحج الملك المجاهد أيضا فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وقبض عليه المصريون بمنى فى النفر الأول بعر حرب كانت بينهم وبين بعض عسكره ، وتوقف هو عن الحرب رعاية لحرمه الزمان والمكان ، وسلم إليهم نفسه بأمان.

فساروا به إلى مصر ، وتوجه إلى مصر ، وتوجه منها على طريق عيذاب إلى ملكه ، فوصله فى آخر سنة اثنين وخمسين وسبعمائة (٣).

ومنها : أن الحجاج وأهل مكّة تحاربوا كثيرا بعرفة فى يومها من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، فقتل من الترك نحو ستة عشر ، ومن بنى حسن ناس قليل ، ولم يتعرضوا للحاج بنهب ، وسافر الحاج أجمع فى النفر الأول ، وسلك أهل مكّة فى نفرهم من عرفة طريق البئر المعروفة بالمظلمة ، فعرفت هذه الوقعة عندهم : بسنة المظلمة (٤).

ومنها : أن الحجاج العراقيين كانوا كثيرا فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وكان لهم أحد عشر سنة لم يحجوا من العراق ، ولم يحجوا أيضا سنة خمس وخمسين وسبعمائة (٥) ، وحجوا بعد ذلك خمس سنين متوالية ، وكانوا كثيرين جدا فى سنة سبع وخمسين (٦) ، وتصدق فيها بعض الحجاج من العجم على أهل الحرمين بذهب كثير.

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٩ / ٢٨٢ ، والدرر الكامنة ١ / ٤٣٤ ، والسلوك ٢ / ٢ : ٣٢٣.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢٢٠ ، والعقود الؤلؤية ٢ / ٧٠.

(٣) السلوك ٢ / ٣ : ٨٧٩ ، والعقود الؤلؤية ٢ / ٨٨ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٥٤.

(٤) العقد الثمين ٢ / ١٤٦ ، والسلوك ٢ / ٣ : ٦٣٦ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٢٤.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٢٦٦ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٠).

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٢٧٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٠).


ومنها : أن فى آخر جمادى الآخرة ، أو فى أول رجب من سنة ستين وسبعمائة أسقط المكس المأخوذ من المأكولات بمكّة بعد وصول العسكر المجهز من مصر إلى مكّة لتأييد أميرها مسند بن رميثة ، ومحمد بن عطيفة ، ودام هذا الحال إلى رحيل الحاج من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة ست وستين وسبعمائة : أسقط المكس المأخوذ بمكّة فى المأكولات جميعا ، وعوض صاحب مكّة عن ذلك بمائة وستين ألف درهم من بيت المال ، وألف أردب قمح (١).

ومنها : أن فى اثنا عشر السبعين ـ بتقديم السين ـ وسبعمائة ، خطب بمكّة للسلطان أويس ابن الشيخ حسن الكبير ـ صاحب بغداد وغيرها ـ بعد أن وصلت منه قناديل حسنة للكعبة ، وهدية طائلة إلى أمير مكّة عجلان ، وهو الآمر لخطيب مكّة بالخطبة له ، ثم تركت الخطبة لصاحب العراق ، وما عرفت وقت ابتداء تركها.

ومنها : أن الحجاج المصريين قلوا كثيرا جدا فى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ؛ لرجوع جزيلهم من عقبة أيلة إلى مصر ؛ بسبب قيام الترك بها على صاحب مصر الملك الأشرف شعبان ؛ وكان قد توجه فيها للحج.

وكان من خبره : أنه رجع إلى مصر واختفى بها ؛ لأن الذين تركهم بها قاموا أيضا عليه بمصر ، وسلطنوا ولده عليا ، ولقبوه بالمنصور ، وظفر به بعد ذلك ، فأذهبت روحه ، وفاز بالشهادة (٢).

ومنها : أن فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة حج بالناس من اليمن فى البر ـ مع محمل جهزه صاحب اليمن ـ الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس بن المجاهد.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٠٢ ، والسلوك ٣ / ١ : ٧٢.

(٢) النجوم الزاهرة ١١ / ٧٣ ، وإتحاف الورى ٣ / ٣٢٨ ، وبدائع الزهور ١ / ٢ : ١٧١.


وجهز الأشرف ـ أيضا ـ محملا إلى مكّة فى سنة ثمانمائة ، وحج الناس معه أيضا ، وأصاب بعضهم شدة من العطش بقرب مكّة ، مات بها جماعة منهم ، ولم يصل بعدها إلى تاريخه محمل من اليمن.

وكان محمل اليمن منقطعا عن مكّة فيما علمت نحو ثمانين سنة قبل سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (١).

ومنها : أن فى يوم التروية من سنة سبع وتسعين وسبعمائة حصل فى المسجد الحرام جفلة ؛ بسبب منافرة حصلت بين بعض أهل مكّة والحاج ، فثارت الفتنة ، فنهبت أموال كثيرة للحاج ، وقتل بعضهم وتعرض الحرامية للحاج فنهبوهم فى طريق عرفة عند مأزميها وغير ذلك. ونفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

وفيها : وصل مع الحجاج الحلبيين : محمل على صفة المحامل ، وهذا لم يعهد (٢).

ومنها : حج العراقيون فى غاية القلة بمحمل على العادة بعد انقطاعهم مدة يسيرة.

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانمائة لم يحج أحد من الشام على طريقهم المعتادة لما أصاب أهل دمشق ؛ من القتل والعذاب ، والأسر ، وإحراق دمشق. والفاعل لذلك : أصحاب تيمور لنك الخارجى (٣).

ودام انقطاع الحجاج الشاميين من هذه الطريق سنتين ، ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة ست وثمانمائة ، وفى سنة سبع ، وانقطعوا عن الحج منها فى سنة ثمان وثمانمائة ، ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة تسع وثمانمائة ، واستمر ذلك إلى تاريخه (٤).

ومنها : أن الحجاج العراقيين حجوا من بغداد بمحمل على العادة فى سنة

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٣٥.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٣٤٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٣).

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٤٢٣ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٧).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٤٥٤ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٨).


سبع وثمانمائة بعد انقطاعهم عن الحج منها تسع سنين ـ بتقديم التاء ـ متوالية. والذى جهزهم فى هذه السنة متوليها من قبل تيمور لنك.

وفى شعبان منها : مات تيمور لنك.

وحج العراقيون من هذه الطريق بعد هذه السنة خمس سنين متوالية بمحمل على العادة ، ثم انقطعوا منها ثلاث سنين متوالية : أولها : سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بموت سلطان بغداد أحمد بن أويس ، فى هذه السنة مقتولا (١) ؛ وهو الذى جهز الحجاج من بغداد فى بعض السنين السابقة بعد سنة سبع وثمانمائة.

ثم حج الناس من بغداد محمل على العادة سنة ست عشرة وثمانمائة (٢) ، وفى أربع سنين متوالية بعدها ، ولم يحجوا من بغداد فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، ولا فى ثلاث سنين بعدها (٣).

والذى جهزهم فى هذه السنين : متولى بغداد من قبل قرا يوسف التركمانى ، وهو المنتزع للملك من أحمد بن أويس.

ومنها : أن الحجاج المصريين ـ غير قليل منهم ـ : تخلفوا عن زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لمبادرة أميرهم بيسق بالمسير إلى مصر ؛ متخوفا من أن يلحقه أحد من أمراء الشام فيما بين عقبة أيلة ومصر ، فإنه كان قبض بمكّة على أمير الركب الشامى فى موسم هذه السنة ، وهى سنة عشر وثمانمائة (٤).

وفيها : نفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

ومنها : أن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة حصل فى الحجاج المصريين قتل ونهب ، وتعدى النهب إلى غيرهم ، ومعظم النهب وقع فى حال توجه الناس إلى عرفة ، وفى ليلة النحر بمنى عقرت جمال كثيرة ، وعند مأزمى عرفة ،

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٨٢ ، والضوء اللامع ٦ / ٢١٦.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥١٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٣٢٠).

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٢ ، والسلوك ٤ / ١ : ٤٧٨ ، ودرر الفرائد (ص : ٣٢١).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٤٥٩ ، والسلوك ٤ / ١ : ٦٨.


والفاعل لذلك جماعة من غوغاء العرب ، والذى جرأهم على ذلك أن صاحب مكّة السيد حسن بن عجلان ، لم يحج فى هذه السنة ؛ وإنما لم يحج فيها لوحشة كانت بينه وبين أمير الركب المصرى بيسق ، فإنه أعلن للناس فى ينبع أن صاحب مكّة معزول ، وأنه يريد محاربته.

ثم إن صاحب مصر [الناصر فرج] ، منعه من حرب صاحب مكّة ، وأعاده وأعاد بنيه إلى ولايتهم. ولو لا أمر صاحب مكّة بالكف عن إيذاء الحاج لكان أكثرهم رفاتا ، وأموالهم شتاتا ، فالله يقيه النوائب ، ويجزل له المواهب ، وهذه الحادثة أبسط من هذا بكثير فى أصله (١).

ومنها : أن فى هذه السنة أقام الحاج بعرفة يومين ؛ لاختلاف وقع فى أول ذى الحجة ، وأوقفت المحامل بعرفة على العادة ، ونفروا بها وقت النفر المعتاد إلى قرب العلمين ، ثم ردت إلى مواضعها.

وهذا الوقوف فى اليوم الأول ، وفيه وصلوا عرفة ، وهو يوم التروية على مقتضى رؤية أهل مكّة لذى الحجة (٢).

ومنها : أن الحجاج لم ينفروا من منى فى سنة ثلاث عشرة إلا وقت الزوال من اليوم الرابع عشر من ذى الحجة لرغبة التجار فى ذلك ؛ فازدادوا فى الإقامة بمنى يوما ملفقا.

وفى هذه السنة : حج صاحب كلوه ، وأحسن إلى أعيان الحرم وغيرهم ، وزار المدينة النبوية.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانمائة خطب بمكّة للإمام المستعين بالله أبى الفضل العباس ابن المتوكل محمد بن المعتضد أبى بكر من المستكفى سليمان بن الحاكم أحمد ـ المقدم ذكر جده ـ ؛ لما أقيم فى مقام السلطنة بالديار المصرية والشامية ، بعد قتل الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر ، ودعى له على زمزم فى ليلة الخميس الحادى والعشرين من الشهر المذكور ، عوض صاحب مصر (٣).

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٧٠.

(٢) إتحاف الوريى ٣ / ٤٧٢.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٤٩٧ ، والسلوك ٤ / ١ : ٢٥١.


ودام الداعاء له عوض السلطان بمصر إلى أن وصل الخبر بأن الملك المؤيد أبا النصر شيخ بويع بالسلطنة بالديار المصرية فى مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فدعى للملك المؤيد فى الخطبة وعلى زمزم فى شوال من السنة المذكورة.

ودعى قبله للمستعين دعاء مختصرا بالصلاح ، ثم قطع الدعاء للمستعين بعد سنة ، ثم أعيد بعد أربعين يوما ، ثم قطع بعد نحو خمسة أشهر.

ومنها : أن فى يوم الجمعة خامس ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة حصل بين أمير الحاج المصريين ومن انضم إليه ، وبين القواد العمرة قتال فى المسجد الحرام ، وخارجه بالمسفلة ، واستظهر الترك على القواد ، وأدخل أمير الحاج خيله إلى المسجد الحرام وجعلها بالجانب الشرقى قريبا من منزله. وأوقدت فيه مشاعل ، وأوقدت أيضا مشاعل المقامات ، ودام الحال على ذلك إلى الصباح.

وفى ضحوة يوم السبت سكنت الفتنة واطمأن الناس (١).

وسبب هذه الفتنة : أن أمير الحاج المصرى ، أدب غلاما للقواد على حمله السلاح بمكّة ، لنهى الأمير عن ذلك. فطلب مواليه أن يطلقه من السجن فأبى ، فكان من الفتنة ما ذكرناه ، فلما أطلقه ، سكنت الفتنة.

ومات بسببها جماعة من الفريقين ، وكثر بسببها انتهاك حرمة المسجد الحرام ؛ لما حصل فيه من القتال والدم ، وروث الخيل ، وسمرت أبوابه إلا باب بنى شيبة ، والدريبة ، والمجاهدية.

ومنها : أن فى هذه السنة أيضا حصل خلاف فى هلال ذى الحجة : هل أوله الاثنين أو الثلاثاء؟ فحصل الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة فى بكرة يوم الثلاثاء تاسع ذى الحجة ـ وعلى مقتضى قول من قال : إنه رئى بالاثنين ـ ؛ وأن يقيموا بها ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء ، ففعل معظم الناس ذلك ، ودفعوا من عرفة بعد الغروب ليلة الخميس إلى المزدلفة ، وباتوا بها إلى قرب الفجر.

ثم رحلوا إلى منى بعد رحيل المحامل ، والمعهود أنها لا ترحل إلا بعد

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥١٧.


الفجر ، وكذا غالب الناس ، ففاتهم هذه الفضيلة ، وما تعرض لهم فى سيرهم من عرفة إلى منى أحد بسوء فيما علمناه ؛ لعناية أمير الحاج بحراستهم ، وتعرض الحرامية للحجاج المكيين وغيرهم عند مأزمى عرفة فى توجههم إليها.

وحصل للحجاج هؤلاء قتل ونهب وعقر فى جمالهم ، وحصل بمنى نهب كثير فى ليلة الأربعاء وليلة الخميس.

ومنها : أن فى سنة ثمان عشرة وثمانمائة أقام الحجاج بمنى غالب يوم التروية وليلة التاسع ، ثم مضوا من منى بعد طلوع الشمس إلى عرفة ، وأحيوا هذه السّنة بعد إماتتها دهرا طويلا (١).

ومنها : أن فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة بات غالب الحجاج بمنى فى ليلة التاسع ، ومضوا منها لعرفة بعد طلوع الشمس بصحبة محمل مصر والشام.

ومما ينبغى إحياؤه من السنن بمنى : الخطبة بها فى أيام الحج ، فالله يثيب الساعى فى ذلك.

ومنها : أنه لم يخطب بمكّة ولا فى غيرها لملك أصغر سنا من الملك المظفر أحمد ابن الملك المؤيد شيخ ؛ لأنه بويع له بالسلطنة بمصر والشام وله من العمر سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام ـ بتقديم السين ـ على ما وجدت فى تاريخ بعض أصحابنا ؛ وكانت البيعة له فى ثامن المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، بعد موت أبيه (٢).

واستمر حتى خلع فى السابع والعشرين من شعبان ، من السنة المذكورة بدمشق.

ومنها : أن الملك الظاهر أبا الفتح ططر ، لم يخطب له بمكّة وهو حى إلا جمعة واحدة ؛ لأنه خطب له بمكّة فى يوم الجمعة ثانى ذى الحجة ، أو ثالثه سنة أربع وعشرين وثمانمائة (٣) ، ومات فى الرابع من ذى الحجة ، من السنة

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ١٨٠.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥٨٠.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٨١.


المذكورة ؛ واستمرت الخطبة له بمكّة حتى وصل الخبر بموته فى أثناء شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، ولم يتفق ذلك لغيره.

وخطب بعد ذلك بمكّة لولدة الملك الصالح محمد.

وفى موسم سنة أربع وعشرين وثمانمائة أبطل الملك الظاهر ططر بعض المكوسات المأخوذة بمكّة فى الخضر وغير ذلك من المأكولات وغيرها ، وألزم به أمير مكّة الشريف حسن بن عجلان ، فوافق على ذلك ، وكتب ذلك فى أساطين المسجد الحرام قبالة باب بنى شيبة وغيره.

وابتدأ مولانا السلطان الملك الأشرف ـ نصر الله دولته الشريفة ـ بشئ حسن ، وهو : أنه منع من تقبيل الناس له الأرض بين يديه ، تدينا وتعظيما لله سبحانه وتعالى ، ولم يتفق ذلك لغيره من ملوك مصر.

وامتاز أيضا ـ نصره الله ـ بغزوة الفرنج فى بلادها بنواحى قبرص وغيرها ، وأظفره الله بهم ؛ لأن عسكر المنصور أسروا كثيرا من الفرنج ، وغنموا من أموالهم طائلا ، ووصلوا بذلك إلى مصر فى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وهابه الفرنج كثيرا ، ورغبوا أن يكون لهم من السوء مجيرا ، وبعثوا إليه بالهدية ليسعفهم بالأمنية.

ومن مزاياه على ملوك مصر ـ بعد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ـ أنه أرسل إلى مكّة المشرفة عدة عساكر برا وبحرا واستولوا عليها ، ولم يقاومهم أحد من بنى حسن ولا غيرهم ، وساروا من مكّة حتى قاربوا بلاد حلى ، فلم يتعرض لقتالهم أحد من الناس هيبة له ، وعادوا إلى مكّة المشرفة سالمين ؛ وذلك فى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

وفى ربيع الآخر منها : وصل طائفة من عسكره المنصور من مصر إلى مكّة.

وفى سادس جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة كان وصول طائفة من عسكره المنصور إلى مكّة ؛ فاستولوا عليها كما سبق ذكره فى آخر الباب قبله.

وفى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة وصل طائفة من عسكره المنصور فى


موكبين عظيمين إلى مرسى زبيد باليمن ـ على ليلة منها ـ وفى أحدهما هدية لصاحب اليمن ، فقوبل الرسول بالكرامة.

ومنها : أن فى سنة تسع وعشرين وثمانمائة تخوف الناس فى أيام الموسم حصول فتنة بمكّة ، وفى أيام الحج ، وسلم الله ، وله الحمد.

وسبب ذلك : أنه قدم إلى مكّة جماعة من الأمراء المقدمين وغيرهم من المماليك السلطانية الأشرفية فى أوائل العشر الأخير من ذى القعدة ، وكان الشريف حسن عجلان غائبا عن مكّة بناحية الخريفين فى جهة اليمن ، واستدعوه إلى مكّة فلم يحضر لتخوفه ، وحضر إليهم ولده الشريف بركات وأكرموه.

ولما أيسوا من حضور الشريف حسن ، استدعوا سرا إلى مكّة الشريف رميثة ابن محمد بن عجلان ، وأطمعوه ولاية مكّة ؛ وذلك فى يوم عرفة أو يوم التروية ، فلم يستطع الوصول إليهم ؛ لأنه كان مقيما عند عمه ، ولعظم هيبة الأمراء وجماعتهم لم يتظاهر الحرامية بنهب فى طرقات الحج بمكّة.

وخرج الأمراء والترك والحجاج من مكّة إلى منى فى يوم التروية ، وباتوا بها إلى الفجر من اليوم التاسع أو قربه ، وساروا إلى عرفة ، فأقاموا بها إلى الغروب ، ودفعوا إلى مزدلفة ، فلم يستطع أحد من الحرامية التعرض للحاج بسوء فى مأزمى عرفة ولا غيره ؛ لعناية الأمراء وجماعتهم بحراسة الحاج ، وانقضت أيام الحج وأحوال الناس من الحاج وغيرهم مستقيمة.

وكان الأمراء يرجعون فى مصالح الحاج والرعية بمكّة إلى رأى مولانا المقر الأشرف الكريم الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الشريفة ـ أعلى الله قدره وبلغه وطره ـ لحسن تدبيره وجودة رأيه.

وكان مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى صاحب مصر والشام ـ نصره الله ـ قد فوض إليه أمر مكّة ، وعمل المصلحة فيها ؛ لكفايته وعظم رتبته ،


فمشت الأحوال بمكّة على السداد ـ بلغه الله المراد ـ وبدت منه على عادته بمكّة صدقات مبرورة وأفعال مشكورة.

وهذه حجته الثانية ، وحج قبلها فى سنة سبع عشر وثمانمائة ، تقبل الله منه العمل وبلغه الأمل وفسح له فى الأجل.

وهذا آخر ما قصدنا ذكره من الحوادث فى الباب.

ونسأل الله تعالى أن يجزل لنا على ذلك الثواب ، ولو لا مراعاتنا للاختصار فى ذكرها ، لطال شرح أمرها.

***


الباب التاسع والثلاثون

فى ذكر شئ من أمطار مكّة وسيولها فى الجاهلية

والإسلام ، وشئ من أخبار الصواعق بمكّة ، وذكر شئ

من أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكّة

أما أمطار مكّة وسيولها ، فى الجاهلية والإسلام : فذكر الأزرقى شيئا من ذلك : منها فى الجاهلية : سيلان ؛ أحدهما كان عظيما ؛ ويعرف بسيل فارة ، على عهد خزاعة.

والآخر : كسا ما بين الجبلين ، ولم يبين زمنه (١).

ومنها : سيول فى الإسلام ، وهى السيل المعروف بأم نهشل ؛ وهو الذى ذهب بالمقام من موضعه إلى أسفل مكّة ؛ وكان فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وبعده عمل الردم الذى بأعلى مكّة صونا للمسجد الحرام (٢).

والسيل المعروف : بسيل الجحاف فى يوم التروية سنة ثمانين من الهجرة ، ذهب بناس من الحجاج وبمتاعهم ، وخرب دورا كثيرة شارعة على الوادى ، فهلك فيها أناس كثير (٣).

وسيلان عظيمان ؛ أحدهما : يعرف بالمخبل ؛ لأنه أصاب الناس بعده شبه الخبل ، وكان فى سنة أربع وثمانين ومائة (٤).

وسيلان عظيمان كانا فى خلافة المأمون ؛ أحدهما : يعرف : بسيل ابن حنظلة ، فى سنة اثنين ومائتين (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٦٦.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٦٧.

(٣) تاريخ الطبرى ٨ / ٢٥ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ١٨٩ ، والبداية والنهاية ٩ / ٢٢ ، ومروج الذهب ٤ / ٣٩٩.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٠ ، وإتحاف الورى ٢ / ٢٣٣.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٧٩ ، وإتحاف الوري ٢ / ٢٧٩ ، وأخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٩.


والآخر : فى شوال سنة ثمان ومائتين (١).

وكل هذه السيول دخلت المسجد الحرام ، وحالها أبسط من هذا فى أصله.

وفى تاريخ الأزرقى من سيول مكّة فى الجاهلية والإسلام سوى ما ذكرناه.

ومن سيولها فى الإسلام مما كان قبل الأزرقى ، ولم يذكره : سيل عظيم كان فى سنة ثمان وثمانين من الهجرة ؛ ذكره ابن جرير الطبرى (٢).

وسيل يعرف : بأبى شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك ؛ لأنه جاء فى سنة عشرين ومائة ، عقب حجه بالناس (٣) ، وحج أبو شاكر فى التى قبلها.

وسيل اللّبيرى فى آخر المحرم سنة ستين ومائة (٤). ذكر هذه السيلين الفاكهى (٥).

وذكر سيولا أخرى ثلاثة ، تحتمل أن تكون فى زمن الأزرقى ، وأن يكون بعده واحد سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، وواحد فى سنة اثنين وستين ومائتين ، وواحد فى سنة ثلاث وستين ومائتين (٦) ؛ وكلها دخلت المسجد الحرام وأثرت فيه ، وأوضحنا من خبرها فى أصله أكثر من هذا.

ومن أمطار مكّة وسيولها بعد الأزرقى : أمطار كثيرة سال بها وادى مكّة أسيالا عظاما ، وكثر فى بعضها ماء زمزم حتى لم يبق بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها ، وعذبت جدا حتى كانت أعذب مياه مكّة إذ ذاك ؛ وذلك فى سنة تسع وسبعين ومائتين ، وسنة ثمانين ومائتين (٧) ؛ ذكر ذلك : إسحاق الخزاعى راوى تاريخ الأزرقى ، وأدخله فيه.

ومنها : ما ذكره المسعودى ؛ لأنه قال فى أخبار سنة سبع وتسعين ومائتين :

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧١ ، وإتحاف الورى ٢ / ٢٨٢.

(٢) تاريخ الطبرى ٨ / ٦٦.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣١١ ، وإتحاف الوري ٢ / ١٥٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣١١ ، والعقد الثمين ١ / ٢٠٦.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٨.

(٦) إتحاف الورى ٢ / ٣٣١ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩.

(٧) إتحاف الورى ٢ / ٣٤٧ ، ٣٤٨.


ورد الخبر إلى مدينة السلام بأن أركان البيت الحرام الأربع غرقت حتى جرى الغرق فى الطواف ، وفاض بئر زمزم. وذلك لم يعهد فيما سلف من الزمان (١) .. انتهى.

ومنها : مطر فى جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ، أقام سبعة أيام ، فسقطت الدور ، وتضرر الناس به كثيرا (٢).

ومنها : مطر فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، سال منه وادى إبراهيم ، ونزل برد بقدر البيض وزن مائة درهم (٣).

ومنها : مطر فى سنة تسع وستين وخمسمائة ، جاء بسيل كثير ، ودخل السيل من باب بنى شيبة ، ودخل دار الإمارة عنده ، ولم ير مثله فى دخوله من هذه الجهة (٤).

ومنها : فى سنة تسعين وخمسمائة أمطار كثيرة وسيول ، سال فيها وادى إبراهيم خمس مرات (٥).

ومنها : فى ثامن صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة سيل دخل الكعبة ، وأخذ أحد فرضتى باب إبراهيم ، وحمل المنبر ودرجة الكعبة. ورأيت بخط بعضهم ما يقتضى أن هذا السيل دخل الكعبة ، فبلغ قريبا من الذراع ، وحمل فرضتى باب إبراهيم وسار بهما. وهذا لا يفهم مما ذكرناه أولا.

ومنها : فى منتصف ذى القعدة سنة عشرين وستمائة سيل عظيم قارب دخول الكعبة ، ولم يدخلها (٦).

__________________

(١) مروج الذهب ٤ / ٣٠٧ ، والمنتظم ٦ / ٩٠ ، والبداية والنهاية ١١ / ١١٠ ، وأخبار مكة للأزرقى ـ الملحق ـ ٢ / ٣١٢.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٠٤ ، والعقد الثمين ٧ / ٤٤٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥١٤.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٥٣٥ ، والعقد الثمين ٦ / ٤٦٩.

(٥) إتحاف الوري ٢ / ٥٦١.

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٣٧.


ومنها : سيل كبير فى سنة إحدى وخمسين وستمائة.

ومنها : سيل دخل الكعبة ، ومات فيه عالم عظيم ، بعضهم حملهم ، وبعضهم طاحت الدور عليهم. ذكره الميورقى بمعنى هذا ، وذكر أنه كان سنة تسع وستين وستمائة ، فى ليلة منتصف شعبان (١).

ومنها : سيل عظيم بلا مطر سنة ثلاثين وسبعمائة بعد الحج (٢).

ومنها : فى سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة أمطار وصواعق بمكّة (٣).

منها : صاعقة على أبى قبيس ، فقتلت رجلا ، وصاعقة بالخيف ، فقتلت رجلا ، وأخرى بالجعرانة ؛ فقتلت رجلا.

ومنها : فى ليلة الخميس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة مطر عظيم ، وسيل هائل دخل الكعبة ، وعلا الماء فوق عتبتها شبرين ، وعبر فى بعض قناديل المطاف من فوقها فأطفأها ، وقلع من أبواب الحرم أماكن ، وطاف بها الماء ، وطاف بالمنابر كل واحد إلى جهة ، وفعل أمورا أخر عجيبة ؛ وخبرة أبسط من هذا فى أصله ، ويعرف : بسيل القناديل (٤). ولم يأت بعده سيل يشبهه ـ فيما علمت ـ إلا سيلا اتفق فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة اثنين وثمانمائة ؛ لأنه دخل الكعبة وعلا فوق عتبتها ذراعا أو أكثر ـ على ما قيل ـ ورمى بدرجة الكعبة إلى باب إبراهيم ، وهدم عمودين فى المسجد ، ودور للناس كثيرة ، ومات تحت الهدم وفى الغرق منه نحو ستين نفرا ـ على ما قيل ـ فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان بعد مطر هائل كأفواه القرب (٥).

ومن العجيب : اتفاق هذين السيلين باعتبار الليلة والشهر ؛ بأن كليهما فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى. فسبحان الفعال لما يريد!!

ومنها : فى آخر ذى الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة سحرا سيل هائل ،

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ١٠٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٣).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١٩٣.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٢٠٠.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٢١٢.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٤١٩.


دخل المسجد الحرام من عدة أبواب ، وقارب باب الكعبة المعظمة ، وعام فيه بعض المنابر ، وألقى فى المسجد الحرام من الأوساخ شيئا عظيما ؛ جمع فصار أكواما كبيرة ، وأخرب فى سور باب المعلّاة جانبا بين البابين اللذين فى هذا السور (١).

ومنها : سيل كان فى ليلة ثالث جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة ؛ دخل المسجد الحرام ، وقارب الحجر الأسود ، وأخرب جانبا من سور باب الماجن ، وموضع الباب فى هذا السور (٢).

وقد أوضحنا من خبره وخبر غيره من سيول مكّة وأمطارها أكثر من هذا فى أصله ، وقد خفى علينا أشياء فى هذا المعنى لعدم ظفرنا بتأليف فى ذلك.

وأما أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكّة : فقد ذكرنا فى أصله أشياء كثيرة من ذلك لا يوجد مثلها مجموعا فى كتاب ؛ ونشير هنا لشىء من ذلك.

فمن أخبار الرخاء : أن القمح المصرى بيع الأردب منه بثمانية عشر درهما على ما ذكر ابن العديسة فيما نقله عنه المؤرخ شمس الدين الجزرى الدمشقى (٣).

ومن ذلك : أن الغرارة المكية من الحنطة ـ المعروفة : باللقيمية ـ بيعت بأربعين درهما كاملية ، وهذا أرخص شىء سمعناه فى سعر اللقيمية ؛ وما عرفت متى كان ذلك.

وأرخص ما بيعت به الذرة : الغرارة ثلاثة وثلاثين درهما كاملية وثلث درهم ، وربما بيعت بثلاثين درهما كاملية فيما بلغنى. والأول شاهدناه.

وبيع المنّ السمن باثنى عشر درهما كاملية ، وهو إثنى عشر أوقية ، كل أوقية رطلان مصريان ، ونصف رطل ، والعسل : كل منّ بدرهمين كاملين : وهو ثلاثة أرطال مصرية ، واللحم : كل منّ بأربعة مسعودية ، وهو سبعة أرطال مصرية إلا ثلث.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٨٨ ، والسلوك ٤ / ٢ : ٦٢٨ ودرر الفرائد (ص : ٣٢٢) ، وإنباء الغمر ٣ / ٢٧٤.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥٠٧ ، والسلوك ٤ / ٢ : ٦٦٣.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٢٧.


ومن أخبار الغلاء بمكّة : أن الخبر بمكّة بيع ثلاث أواق بدرهم ، واللحم بأربعة دراهم الرطل ، وكل شربة ماء بثلاثة دراهم ؛ وذلك فى سنة إحدى وخمسين ومائتين (١).

ومن ذلك : أن الخبز بلغ عشرة أرطال بدينار مغربى ، ثم تعذر وجوده ، وأشرف الحجاج والناس على الهلاك ؛ وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة (٢).

ومن ذلك : أن الناس أكلوا الدم والجلود بمكّة لغلاء شديد كان بها فى سنة تسع وستين وخمسمائة ، ومات كثير من الناس بسببه (٣).

ومنها : أن بعض الناس بمكّة أكلوا لحم بعض الحمير الميتة ـ على ما قيل ـ لغلاء شديد بمكّة ؛ وذلك فى سنة ست وستين وسبعمائة ، وتعرف هذه السنة عند المكيين بسنة أم جرب ؛ لأن المواشى عمها الجرب فيها ، وأدخلت إلى المسجد الحرام وقت الاستسقاء فيه ، وجعلت فى صوب مقام المالكية ، وما يسر الله لهم سقيا ، ولكن وفق مدير المملكة بمصر الأمير يلبغا الخاصكى ؛ فجهز إلى مكّة من القمح الطيب برا وبحرا ما أنعشهم به (٤). فالله تعالى يثيبه ويثيب من نبهه على ذلك.

ومن ذلك : غلاء فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ؛ بلغت الغرارة الحنطة خمسمائة درهم كاملية ، واختبر الناس القطانى وحب الثمام وأكلوهما ؛ وهذا أعظم غلاء شاهدناه بمكّة (٥).

ومن ذلك : أن الغرارة الحنطة بيعت بعشرين افرنتينيا ذهبا قبيل الموسم من سنة خمس عشرة وثمانمائة وبإثرة (٦).

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٣٠.

(٢) الكامل ٩ / ٢٣٠ ، وإتحاف الورى ٢ / ٤٦٤ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٥٤).

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥٣٤ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٦٣).

(٤) البداية والنهاية ١٤ / ٣٠٩ ، والسلوك ٣ / ١ : ٩٧.

(٥) درر الفرائد (ص : ٣١٥) وإتحاف الورى ٣ / ٣٧٩.

(٦) السلوك ٤ / ١ : ٢٥٣ ، ونزهة النفوس ٢ / ٣١٩ ، وإتحاف الورى ٣ / ٤٩٨.


ومن ذلك : غلاء فى النصف الثانى من سنة اثنين وعشرين وثمانمائة ؛ بلغت الغرارة عشرين إفرنتينا وأزيد ، والذرة قريبا من ذلك ، وعمّ الغلاء سائر المأكولات ، وفحش فى السمن كثيرا ؛ لأن المنّ منه بلغ سبعة إفرنتية ونصف ، فى آخر ذى القعدة ، ونسأل الله اللطف.

وفى ذى القعدة من سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة : عظم الغلاء جدا فى السمن فبلغ المنّ أحد عشر إفرنتينا وأزيد. ولم يعلم مثل ذلك (١).

ومن أخبار الوباء : أنه وقع الوباء على رأس سنة ستمائة من الهجرة (٢).

ومن ذلك : أن فى سنة إحدى وسبعين وستمائة : كان الفناء عظيما بمكّة ؛ بلغت الموتى فى بعض الأيام اثنين وعشرين جنازة ، وفى بعضها خمسين ، وعد أهل مكّة ما بين العمرتين من أول رجب إلى السابع والعشرين منه ألف جنازة (٣).

ذكر هذه الحادثة بهذا اللفظ غير قليل ؛ فبالمعنى : الميورقى ، وكذا الأزرقى.

ومن ذلك : وباء فى سنة تسع وأربعين وستمائة وكان عاما فى الغلاء ، وأعظم ما كان بديار مصر (٤).

ومن ذلك : أن فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة بلغ الموتى بمكّة أربعين نفرا (٥) فى بعض الأيام ، على ما قيل.

وقد اتضح بما ذكرناه من أخبار الرخص والغلاء والوباء أمور كثيرة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٧١ ، ٥٧٢ ، والعقد الثمين ٤ / ١٣٧.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٧١.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ١٠٢ ودرر الفرائد (ص : ٢٨٤).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٧٠.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، درر الفرائد (ص : ٣١٥).



الباب الأربعون

فى ذكر الأصنام التى كانت بمكّة وحولها وشىء من

خبرها ، وذكر شىء من خبر أسواق مكّة فى الجاهلية

والإسلام ، وذكر شىء مما قيل من الشعر فى الشوق إلى

مكّة الشريفة ، وذكر معالمها المنيفة

أما الأصنام المشار إليها : فإن منها : الصنم المعروف بهبل ؛ وكان من أعظم أصنام قريش.

ومنها : إساف ونائلة ، وهما رجل وامرأة من جرهم مسخا حجرين ؛ لأن الرجل فجر بالمرأة فى الكعبة. وقيل : بل قبّلها.

ثم كسر هما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكّة مع ما كسر من الأصنام فى هذا اليوم (١).

ومنها : الخلصة بأسفل مكّة ونهيك ؛ ويقال له : مجاور الريح ، على الصفا ، ومطعم الطير على المروة.

وكان الذى نصب هذه الأصنام الثلاثة : عمرو بن لحى.

وكان جملة ما بمكّة من الأصنام حول الكعبة فى يوم الفتح ثلثمائة وستون صنما ، على ما رويناه عن ابن عباس رضى الله عنهما ؛ ونص حديثه ، قال :دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما ، منها ما قد شد بالرصاص. وطاف على راحلته ، وهو يقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(٢) ويشير إليها ، فما من صنم أشار إلى وجهه إلّا وقع على دبره ، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه ، حتى وقعت كلها (٣).

هذا نص حديثه فى تاريخ الأزرقى ، ومنه : لخصنا باختصار ما ذكرناه من خبر الأصنام (٤).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١١٩ ، والأصنام (ص : ٢٩).

(٢) سورة الإسراء آية : ٨١.

(٣) أخرجه : البخارى (٤٢٨٧) ، ومسلم (٣ / ١٤٠٨) ، والترمذى (٣١٣٨) ، والبغوى (٣٧٧).

(٤) الأصنام (ص : ٢٩).


وفيه : عن ابن اسحاق : لما صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظهر يوم الفتح ، أمر بالأصنام التى حول الكعبة كلها فجمعت ، ثم حرقت (١).

ومها : العزّى ؛ وكانت ثلاث شجرات بنخلة ، وكان أهل الجاهلية إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة ، لم يحلوا حتى يأتوا العزّى ، فيطفون بها ويحلون عندها ، ويعكفون عندها يوما ، ثم أزال خالد بن الوليد رضى الله عنه العزّى ، بأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتح مكّة. وذلك : لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان (٢).

وخبر العزّى ، وما ذكرناه من الأصنام أبسط من هذا فى أصله ، مع كون ذلك مختصرا من تاريخ الأزرقى وغيره (٣).

وأما أسواق مكّة فى الجاهلية فذكر الأزرقى فيها خبرا طويلا ، ذكرنا طرفا منه فى أصله ، ونشير هنا إلى ما نبين به المقصود منه بلفظه فى البعض ، وبمعناه فى البعض ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يصبحون بعكاظ يوم هلال ذى القعدة ؛ ثم يذهبون منه إلى مجنّة بعد مضى عشرين يوما من ذى القعدة. فإذا رأوا هلال ذى الحجة : ذهبوا من مجنة ، إلى المجاز ، فلبثوا به ثمان ليال ، ثم يذهبون إلى عرفة ، وكانوا لا يتبايعون فى عرفة ولا أيام منى ؛ فلما أن جاء الله بالإسلام : أحل الله ـ عزوجل ـ ذلك لهم بقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ)(٤) وفى قراءة أبىّ بن كعب : (فى موسم الحج) يعنى : منى ، وعرفة ، وعكاظ (٥) ، ومجنّة (٦) ، وذى المجاز (٧) ، فهذه مواسم الحج.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٢١ ، والأصنام (ص : ٣١).

(٢) الأصنام (ص : ١٧ ، ١٨).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٢٦.

(٤) سورة آل عمران آية : ١٨٩.

(٥) عكاظ : بالقرب من نواحى ركبة إلى جهة الطائف.

(٦) مجنّة : بالفتح والتشديد والنون ، بمر الظهران ، قرب جبل يقال له : الأصفر ، وهو بأسفل مكة (معجم البدان ٥ / ٥٨).

(٧) ذو المجاز : سوق بعرفة على ناحية كبكب (جبل خلف عرفات مشرف عليه).


ثم قال : وكانت هذه الأسواق بعكاظ ، ومجنّة ، وذى المجاز قائمة فى الإسلام حتى كان حديثا من الدهر (١).

فأما عكاظ : فإنها تركت عام حجّ الحرورى بمكّة مع أبى حمزة المختار بن بن عوف الأزدى الأباضى فى سنة تسع وعشرين ومائة ، وخاف الناس أن ينتهبوا ، وخافوا الفتنة ، فتركت حتى الآن (٢).

ثم تركت مجنّة ، وذو المجاز بعد ذلك ، واستغنوا بالأسواق بمكّة ومنى وعرفة.

قال أبو الوليد الأزرقى : وعكاظ : وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء فى عمل الطائف على بريد منها ؛ وهى سوق لقيس غيلان ، وثقيف وأرضها من أرض كنانة ، وهى التى يقول فيها بلال رضى الله عنه :

ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة

بوادى وحولى إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

وشامة ، وطفيل : جبلان مشرفان على مجنة.

وذو المجاز : سوق لهذيل عن يمين الموقف من عرفة ، قريب من كبكب على فرسخ من عرفة .. انتهى.

وقد خولف الأزرقى فيما ذكره فى مجنة ، وشامة ، وطفيل ، من أوجه ، منهما : أن فى كتاب الفاكهى عن ابن إسحاق : وكانت مجنة بمر الظهران إلى جبل يقال له : الأصفر ، ومرّ الظهران : لا يقال له : أسفل مكّة .. انتهى.

ومنها أن القاضى عياض ـ رحمه‌الله ـ قال فى «المشارق» : طفيل وشامة ، جبلان على نحو من ثلاثين ميلا .. انتهى.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٨٨ ، والأصنام (ص : ١٨).

(٢) تاريخ الطبرى ٩ / ٩٥ ، والكامل لابن الأثير ٥ / ١٥١ ، وإتحاف الورى ٢ / ١٥٩ ، والعقد الثمين ٧ / ١٥٣.


وكلام الأزرقى يقتضى : أن مجنة على بريد من مكّة. فيكون الجبلان كذلك كذلك من مكّة على مقتضى قوله. وذلك يخالف ما قاله القاضى [عياض] ، والعيان يشهد لما قاله القاضى [عياض] ، والله أعلم.

ومنها : أن الخطابى قال فى شامة وطفيل : كنت أحسبهما جبلين حتى أثبت لى أنهما عينان .. انتهى.

وكلام الأزرقى : يقتضى أنهما جبلان.

ومنها : أن الأزرقى قال : شامة ـ بالميم ـ ، وقيل فيها : شابة ـ بالباء ـ ذكره ابن الأثير ، ورجحه الرضى الصغانى اللغوى.

ومجنة ـ بفتح الميم وكسرها ـ والفتح أكثر على ما ذكر المحب الطبرى.

وألفيت فى «القرى» ما صورته : ومجنة : موضع بأعلى مكّة ـ ، إلى آخر كلامه ـ وقوله : بأعلى مكّة : مشكل لمخالفته ما ذكره الناس ، والله أعلم.

[ما قيل من الشعر فى التشوق إلى مكّة المشرّفة]

وأما ما قيل من الشعر فى التشوق إلى مكّة الشريفة وذكر معالمها المنيفة ، فكثير جدا ، وقد ذكرنا منه طرفا فى أصله ، ونشير هنا لشىء من ذلك.

فمنه ما أنشدناه المسندان : محمد بن محمد بن داود الصالحى فى كتابه ، وأم الحسن بنت المفتى أبى العباس أحمد بن قاسم مشافهة ؛ أن الإمام فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان الأفريقى أنشدهما إذنا ، قال : أنشدنا أبو بكر ابن محمد بن عثمان بن عبد الله بن رشيد البغدادى من قصيدة طويلة لنفسه ، قال فيها :

على عرفات قد وقفنا بموقف

به الذنب مغفور وفيه محوناه

ومنها :

فظل حجيج الله لليل واقفا فقي

ل انفروا فالكل منكم قبلناه


أفيضوا وأنتم حامدون إلهكم

إلى مشعر جاء الكتاب بذكراه

وسيروا إليه واذكروا الله عنده

فسرنا ومن بعد العشا نزلناه

وفيه جمعنا مغربا بعشائنا

ترى عابد جمعا بجمع جمعناه

وبتنا به ومنه التقطنا جمارنا

وربّا ذكرناه على ما هداناه

ومنه أفضنا حيثما الناس قبلنا

أفاضوا وغفران الإله طلبناه

ونحو منى ملنا بها كان عيدنا

ونلنا بها ما القلب كان تمناه

فمن منكم بالله عيّد هيدنا

فعيد منى رب البرية أعلاه

وفيها رمينا للعقاب جمارنا

ولا جرم إلا مع جمار رميناه

ومنها :

وبالخيف أعطانا الإله أماننا

وأذهب عنا كل ما نحن خفناه

وردت إلى البيت الحرام وفودنا

رجعنا لها كالطير حنّ لمأواه

وطفنا طوافا للإفاضة حوله

ولذنا به بعد الجمار وزرناه

ومن بعد ما زرنا دخلناه دخلة

كأنا دخلنا الخلد حين دخلناه


ونلنا أمان الله عند دخوله

كذا أخبر القرآن فيما قرأناه

ومنها :

وبالحجر الميمون لذنا فإنه

لرب السما فى الأرض للخلق يمناه

من حبنا لإلهنا

فكم لثمة حال الطواف لثمناه

وذاك لثمة للشعث والغبر رحمة

فكم أشعث كم أغبر قد رحمناه

وذاك لنا يوم القيامة شاهد

وفيه لنا عهد قديم عهدناه

ونستلم الركن اليمانى طاعة

ونستغفر المولى إذا ما لمسناه

وملتزم فيه التزمنا لذنبنا

عهودا وعفو الله فيما لزمناه

وكم موقف فيه يجاب لنا الدعا

دعونا به والقصد فيه نويناه

وصلّى بأركان المقام حجيجنا

وفى زمزم ماء طهور وردناه

وفيه الشفا فيه بلوغ مرادنا

لما نحن ننويه إذا ما شربناه

وبين الصفا والمروة الحاج قد سعى

فإن تمام الحج تكميل مسعاه

وأنشد محمد وفاطمة المذكوران أولا إذنا ، قالا : أنشدنا الإمام فخر الدين المالكى إجازة ، قال : أنشدنا الإمام أبو اليمن بن عساكر الدمشقى ، نزيل مكّة ، لنفسه ، بقراءتى عليه بمسجد الخيف من منى :


يا جيرتى بين الحجون إلى الصفا

شوقى إليكم مجمل ومفصل

أهوى دياركم ولى بربوعها

وجد يثبطنى وعهد أول

ويزيدنى فيها العذول صبابة

فيظل يغرينى إذا ما يعدل

ويقول لى : لو قد تبدلت الهوى

فأقول : قد عز العزاة تبدل

بالله قل لى : كيف يحسن سلوتى

عنها وحسن تصبرى هل يحمل

هل فى البلاد محلة معروفة

مثل المعرف أو محل تحلل

أم فى الزمان كليلة النّفر التى

فيها من الله العوارف تجزل

أم مثل أيام تقضّت فى منى

عمر الزمان بها أغر محجل

فى جنب مجتمع الرفاق ومنزع

الأشواق حيّاها السحاب المسبل

وأنشدنى الإمام الأديب بدر الدين أحمد بن محمد بن الصاحب المصرى إذنا لنفسه :

بمكة قد طابت مجاورتى فيا

إلهى فاجعلها مدى العمر سرمدا


فأنت الذى أحللتنى ساحة الهوى

وعوّدت قلبى عادة فتعودا

والأشعار فى التشوق إلى هذه المشاعر الشريفة كثيرة (١). ونسأل الله أن يجعل أعيننا بدوام مشاهدتها قريرة.

وقد انتهى الغرض الذى أردنا جمعه فى هذا الكتاب ، ونسأل الله أن يجزل لنا الثواب ، بمحمد سيد المرسلين ، وآله وصحبه الأكرمين.

__________________

(١) فى النسخة ب : والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


فهرست الأحاديث والآثار


(٢) فهرست الأحاديث والآثار

طرف الحديث أو الأثر

 الراوى

 الصفحة

إن آدم خاف على نفسه حين أهبط الأرض

 ابن عباس

 ٢٥

إن الحج يهدم ما قبله

 على بن أبى طالب

 ٦٦

إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة

 عبد الله بن عباس

 ٦٣

إن صيد وج وعضاهه حرم محرم

 عبد الله بن عمرو

 ٣٨

إن الصلاة فى المسجد الحرام تفضل على الصلاة فى

غيره

 عبد الله بن عباس

 ٣٤

إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل

 وائل بن الأسقع

 ١٥٣

إن الله تعالى يباهى بالطائفين

 سعيد بن المسيب

 ٦٦

إن هذا الأمر فى قريش ولا يعاديهم أحد إلا كبه الله

 معاوية بن أبى سفيان

 ١٥٣

إن هذا البيت دعامة الإسلام

 جابر بن عبد الله

 ٦٣

إن هذا الحرم حرم حذاؤه من السماوات

 ابن عباس ـ أبو هريرة

 ٢٩

إنى دخلت الكعبة وودت أنى لم أكن أفعل

 عائشة

 ٦١

بينا نحن مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

 ابن مسعود

 ١٠٣

خير ماء على الأرض ماء زمزم

 عبد الله بن عباس

 ٩٣

دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة

 ابن عباس

 ٢٢٥

صلوا فى مصلى الأخيار

 عبد الله بن عباس

 ٧٨

العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما

 عمرو بن العاص

 ٦٧

كانت الدور فى مكة لا تكرى ولا تباع

 أبو هريرة

 ٢٠

لأن أخطئ سبعين خطيئة بركبة

 عبد الله بن عدى بن

الحمراء

 ٣٠

مكة رباط وجدة جهاد

 عباد بن كثير

 ٣٨

من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إليها

 عبد الله بن عباس

 ٣٥

من دخل البيت وصلى فيه دخل فى حسنة

 عبد الله بن عباس

 ٦١

من طاف بالبيت خمسين أسبوعا

 عائشة

 ٦٥


من مات بمكة بعثه الله من الآمنين

 

٣٧

من مات بمكة فكأنما مات بسماء الدنيا

 عبد الله بن عمر

 ٣٧

من نظر إلى الكعبة

 سعيد بن المسيب

 ٦٦

نعم المقبرة هذه المقبرة

 عبد الله بن عباس

 ١٠٣

هاك مفتاحك يا عثمان

 على بن أبى طالب

 ١٦٧

هل تدرى إلى من أبعثك

 عتاب بن أسيد

 ٣٧

وأما طوافك بالبيت

 أنس

 ٦٥

والله إنك لخير أرض الله

 عبد الله بن عدى بن

 ٣٣

الحمراء

يا أبا هريرة إن على باب الحجر ملكا

 على بن أبى طالب

 ٧٨

يا عائشة لو أن قومك حديث عهد بشرك

 على بن أبى طالب

 ٤٢


(٣) فهرست البلدان والأماكن المترجم لها

أذاخر

١٦٦

أمج

١٦٥

باب بنى شيبة

١٠٧

ثبير

١٠٧

جبل الخندمة

١٦٦

الحعرانة

١٠٧ ، ١٠٨

جنابذ بن صيفى

١٧

الحزورة

٣٣

حلى

١٨

الخندمة

١٠٢

دوقة

١٨

ذو المجاز

٢٢٦

طريق ضب

١١١

عكاز

٢٢٦

قنونا

١٨

كداء

١٦٦

الكديد

١٦٥

كراع الغميم

١٦٩

لية

١٨

الليث

١٨

مر الظهران

١٦٦

مجنة

٢٢٦

المغمس

٧٠

نمرة

٢٦


(٤) فهرست الأشعار

صدر البيت

ـ

القائل

الصفحة

بمكه قد طابت

 سرمدا

 أحمد بن محمد بن

الصاحب

 ٢٣١

يا أيها الناس سيروا

 لا تسيرونا

 ثعلبة بن عمرو

 ١٣٧

فلما هبطنا بطن مر

 كراكر

 ثعلبة بن عمرو

 ١٣٧

كأن لم يكن بين

 سامر

 ـ

 ١٣٧

يا حيرتى بين

 ومفصل

 أبو اليمن بن عساكر

 ٢٣١

ألا ليت شعرى

 وجليل

 بلال بن رباح

 ٢٢٧

على عرفات قد

 محوناه

 أبو بكر بن محمد بن عبدالله

 ٢٢٨

وبالخيف أعطانا

 خفناه

 أبو بكر بن محمد

 ٢٢٩


(٥) فهرست مصادر التحقيق

* إتحاف الورى بأخبار أم القرى : محمد بن محمد بن فهد المكى ـ تحقيق فهيم محمد شلتوت. نشر : مركز البحث العلمى فى جامعة أم القرى بمكة المكرمة ـ ١٤٠٤ ه‍.

* أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار : لأبى الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى ـ تحقيق : د. رشدى صالح ملحس. ط. الثانية مطابع دار الثقافة ـ مكة المكرمة ١٣٨٥ ه‍.

* أخبار مكة فى قديم الدهر وحديثه : لأبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى المكى ـ تحقيق : عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ـ مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة : ١٤٠٧ ه‍.

* الإصابة فى تمييز الصحابة : أحمد بن على بن محمد بن حجر العسقلانى ـ طبع المكتبة التجارى الكبرى ـ مصر ١٣٥٨ ه‍.

* الأصنام : هشام بن محمد بن السائب الكلبى ـ تحقيق أحمد زكى باشا.

ط. الثانية. مطبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة ـ ١٣٤٣ ه‍.

* إعلام الساجد بأحكام المساجد : بدر الدين الزركشى ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مصر.

* الأغانى : لأبى الفرج الأصفهانى ـ تحقيق جماعة من المحققين ـ طبعة دار الكتب المصرية ـ بدون تاريخ.

* البداية والنهاية : ابن كثير. ط الأولى. مكتبة الخانجى ـ ١٣٥١ ه‍.

* البيان والتبيين : لأبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ـ تحقيق : عبد السلام هارون. ط. الأولى. لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ ١٣٦٧ ه‍.

* تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام : شمس الدين محمد بن أحمد الذهبى. مكتبة القدسى ـ القاهرة ـ ١٣٦٧ ه‍.

* تاريخ الأمم والملوك : أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى ـ المطبعة الحسينية المصرية دار الفكر. بيروت ـ ١٣٩٩ ه‍.


* تاريخ بغداد : أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادى. دار الكتاب العربى ـ بيروت ـ بدون تاريخ.

* تاريخ الخلفاء : جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى ـ تحقيق : محمد محيى الدين عبد الحميد. المكتبة التجارية ـ القاهرة ـ ١٣٧١ ه‍.

* التاريخ الكبير : لأبى إسماعيل البخارى ـ تحقيق : عبد الرحمن المعلمى اليمانى ـ الطبعة الهندية ـ بيروت ـ بدون تاريخ.

* تذكرة الحفاظ : شمس الدين الذهبى ـ دار إحياء التراث ـ بيروت.

* تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر : الشيخ عبد القادر بدران ـ دار السيرة ـ بيروت ـ ١٣٩٩ ه‍.

* تهذيب التهذيب : أحمد بن على بن حجر العسقلانى ـ دار المعارف النظامية بحيدر آباد ـ ١٣٢٥ ه‍.

* الجامع الصحيح : الإمام مسلم بن الحجاج النيسابورى ـ الحلبى ـ بدون تاريخ.

* الجامع اللطيف فى فضل مكة وأهلها والبيت الشريف : جمال الدين محمد بن أبى بكر بن ظهيرة ـ المكتبة الشعبية ـ ١٣٩٣ ه‍.

* جمهرة أنساب العرب : أبو محمد على بن أحمد بن حزم الأندلسى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ١٤٠٣ ه‍.

* جمهرة نسب قريش وأخبارها : الزبير بن بكار ـ تحقيق : محمود محمد شاكر ـ مطبعة المدنى ـ القاهرة ـ ١٣٨١ ه‍.

* جمهرة النسب : هشام بن محمد بن السائب الكلبى ـ تحقيق : محمود فردوس العظم ـ دار اليقظة ـ دمشق ١٩٨٣ م.

* حلية الأولياء ، وطبقات الأصفياء ، أبو نعيم بن عبد الله الأصفهانى ـ دار الفكر ـ بيروت.

* دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى ـ تحقيق : عبد المنعم قلعجى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه‍.


* الروض الأنف فى شرح السرة النبوية : أبو القاسم عبد الرحمن السهيلى ـ تحقيق : عبد الرحمن الوكيل ـ دار النصر للطباعة القاهرة ـ بدون تاريخ.

* سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد : محمد بن يوسف الصالحى الشامى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

* سمط النجوم العوالى فى أنباء الأوائل والتوالى : عبد الملك بن حسين بن عبد الله العصامى ـ المطبعة السلفسية ـ القاهرة ـ ١٣٧٩ ه‍.

* سنن الدارمى : أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدرامى ـ مطبعة الاعتدال ـ دمشق ـ ١٣٤٩ ه‍.

* سنن الترمذى : المطبعة المصرية الكبرى ـ القاهرة.

* سنن ابن ماجة : تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقى ـ عيسى الحلبى ـ القاهرة ـ ١٣٧٢ ه‍.

* سنن الدارقطنى : مطبعة دار المحاسن ـ القاهرة ـ ١٣٨٦ ه‍.

* سنن البيهقى : طبعة دائرة المعارف بالهند ـ دار الفكر ـ بيروت.

* السير والمغازى : محمد بن إسحاق ـ تحقيق : سهيل زكار ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٣٩٨ ه‍.

* السيرة النبوية : لابن هشام ـ تحقيق : مصطفى السقا وآخرون ـ مطبعة الحلبى ـ مصر ـ ١٣٥٥ ه‍.

* شذرات الذهب فى أخبار من ذهب : لابن العماد الحنبلى ـ مكتبة القدسى ـ القاهرة ـ ١٣٥٠ ه‍.

* الطبقات الكبرى : محمد بن سعد بن منيع البصرى ـ تحقيق : إحسان عباس ـ دار صادر ـ بيروت.

* العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين : تقى الدين محمد بن أحمد الفاسى ـ تحقيق : مجموعة من المحققين ـ المطبعة المحمدية ـ القاهرة ـ ١٣٧٨ ه‍.

* عيون الأخبار : لابن قتيبة الدينورى ـ دار الكتب المصرية ـ ١٣٤٣ ه‍.


* فترح البلدان : لأبى العباس أحمد بن يحيى البلاذرى ـ تحقيق : عبد الله أنيس الطباع ـ دار النشر للجامعيين ـ ١٣٧٧.

* القرى لقاصد أم القرى : لأبى العباس أحمد بن عبد الله محب الدين

* الكامل فى التاريخ : لابن الأثير ـ دار الكتاب العربى ـ بيروت ـ ١٤٠٠ ه‍.

* لسان لعرب : لابن منظور ـ دار المعارف النظامية ـ الهند ـ ١٣٢٩ ه‍.

* المحبر : أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادى ـ دار الفكر ـ بيروت.

* مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن : أبو الفرج بن الجوزى ـ تحقيق : مصطفى محمد حسين الذهبى ـ دار الحديث ـ ١٩٩٥ ه‍.

* مروج الذهب ومعادن الجوهر : أبو الحسن على بن الحسين المسعودى ـ تحقيق : محمد محيى الدين عبد الحميد ـ المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ـ ٣٦٧ ـ ه.

* المسالك والممالك : لابن خرداذبة ـ مطبعة بريل ـ ليدن ـ ١٨٨٩ م.

* المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم النيسابورى ـ مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب.

* المسند : لأحمد بن حنبل ـ دار صادر ـ بيروت.

* المسند : أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدى ـ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى ـ المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

* المشترك وضعا والمفترق لفظا : لياقوت الحموى ـ طبعة بريل ـ ليدن ـ ١٨٦٤ م.

* معجم البلدان ـ لياقوت الحموى ـ دار صادر ـ ١٣٧٤ ه‍.

* المعجم الكبير ـ للطبرانى ـ تحقيق : حمدى عبد المجيد السلفى ـ وزارة الأوقاف ـ العراق ـ ١٩٨٣ م.


* معجم معالم الحجاز : عاتق بن غيث البلادى ـ دار مكة للنشر والتوزيع ـ مكة المكرمة ـ ١٣٩٩ ه‍.

* المغازى : محمد بن عمر الواقدى ـ تحقيق ـ مارسون جونس ـ عالم الكتب ـ بيروت.

* الموطأ ـ للإمام مالك بن أنس ـ المكتبة التجارية الكبرى ـ ١٣٥٥ ه‍.

* نسب قريش : للزبيرى ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ ١٩٥١ م.

* نهاية الأرب فى معرفة فنون الأدب : للنويرى ـ دار الكتب المصرية ـ القاهرة.

* هداية السالك إلى المذاهب الأربعة فى المناسك ـ عز الدين بن جماعة ـ تحقيق : نور الدين عتر ـ دار البشائر ـ بيروت ١٩٩٤ م.


(٦) الفهرس الموضوعى

مقدمة المحقق..................................................................... ٥

ترجمة المصنف................................................................... ٦

مقدمة المؤلف.................................................................. ١٣

الباب الأول : فى ذكر مكّة المشرفة وحكم بيع دورها وإجارتها......................... ١٥

الباب الثانى : فى أسماء مكّة...................................................... ٢٣

الباب الثالث : فى ذكر حرم مكة ، وسبب تحريمه ، وتحديده ، وعلامته ، وحدوده وما يتعلق بذلك من ضبط ألفاظ فى حدوده ، ومعانى بعض أسمائها........................................................................ ٢٥

الباب الرابع : فى ذكر شىء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكّة وحرمها وشىء من الأحكام المختصة بذلك ، وذكر شىء مما ورد فى تعظيم الناس لمكّة وحرمها ، وفى تعظيم الذنب فى ذلك ، وفى فضل الحرم............... ٢٩

الباب الخامس : فى الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد ، وأن الصلاة فيها أفضل من غيرها ، وغير ذلك من فضلها........................................................................ ٣٣

الباب السادس : فى المجاورة بمكة ، والموت فيها ، وشىء من فضل أهلها ، وفضل جدة ساحل مكة ، وشىء من خبرها وفضل الطائف وشىء من خبره....................................................................... ٣٧

الباب السابع : فى أخبار عمارة الكعبة المعظمة..................................... ٤١

الباب الثامن : فى صفة الكعبة المعظمة ، وذرعها ، وشاذروانها ، وحليتها وخدامها ، وأسمائها ، وهدم الحبشى لها ، ووقت فتحها فى الجاهلية والإسلام ، وبيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها. ٤٧


الباب التاسع : فى بيان مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ، وقدر صلاته فيها ووقتها ، ومن رواها من الصحابة ، ومن نفاها ، وما قيل من الجمع بين ذلك ، وعدد دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة بعد هجرته إلى المدينة ، وأول وقت دخلها فيه بعد هجرته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.   ٥٧

الباب العاشر : فى ثواب دخول الكعبة المعظمة ، وفيما جاء من الأخبار الموهمة لعدم استحباب ذلك ، وفيما يطلب فيها من الأمور التى صنعها فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر الصلاة فيها وآداب دخولها.................................... ٦١

الباب الحادى عشر : فى ذكر شىء من فضائل الكعبة وفضائل ركنيها : الحجر الأسود واليمانى.     ٦٣

الباب الثانى عشر : فى فضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، كالطواف بها ، والنظر إليها ، والحج والعمرة وغير ذلك.      ٦٥

الباب الثالث عشر : فى الآيات المتعلقة بالكعبة المعظمة............................. ٦٩

الباب الرابع عشر : فى ذكر شىء من أخبار الحجر الأسود........................... ٧١

الباب الخامس عشر : فى الملتزم ، والمستجار ، والحطيم ، وما جاء فى ذلك من استجابة الدعاء فى هذه المواضع ، وغيرها من الأماكن بمكّة المشرفة وحرمها................................................................. ٣٧

الباب السادس عشر : فى ذكر شىء من أخبار المقام ، مقام الخليل عليه السلام ـ وفيه بيان المواضع التى صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة............................................................................... ٧٧

الباب الثامن عشر : فى ذكر شىء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته وذرعه....... ٨١

الباب التاسع عشر : فى عدد أساطين المسجد الحرام ، وصفتها ، وعدد عقودها ، وشرفاته ، وقناديله ، وأبوابه ، وأسمائها ، ومنايره ، وفيما صنع فيه لمصلحته ، أو لنفع الناس به ، وفيما فيه الآن من المقامات ، وكيفية صلاة الأئمة بها وحكمها.        ٨٧

الباب العشرون : فى ذكر شىء من خبر زمزم وسقاية العباس.......................... ٩١


الباب الحادى والعشرون : فى ذكر الأماكن المباركة التى ينبغى زيارتها الكائنة بمكّة المشرفة ، وحرمها وقربه.      ٩٧

الباب الثانى والعشرون : فى ذكر أماكن بمكّة المشرفة وحرمها وقربه لها تعلق بالمناسك... ١٠٧

الباب الثالث والعشرون : فيما بمكّة من المدارس ، والربط ، والسقايات ، والبرك المسبلة ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ، وغير ذلك من المآثر ، وما فى حرمها من ذلك........................................................ ١٢١

الباب الرابع والعشرون : فى ذكر شىء من خبر بنى المحض بن جندل ملوك مكة ونسبهم ، وذكر شىء من أخبار العماليق ملوك مكة ونسبهم ، وذكر ولاية طسم للبيت الحرام.................................................. ١٣٣

الباب الخامس والعشرون : فى ذكر شىء من خبر جرهم ولاة مكّة ونسبهم ، وذكر من ملك مكّة من جرهم ، ومدة ملكهم لها ، وما وقع فى نسبهم من الخلاف ، وفوائد تتعلق بذلك ، وذكر من أخرج جرهما من مكّة وكيفية خروجهم منها ، وغير ذلك من خبرهم        ١٣٥

الباب السادس وبالعشرون : فى ذكر شىء من خبر إسماعيل عليه السلام ، وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام.        ١٣٩

الباب السابع والعشرون : فى ذكر شىء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه‌السلام ، وذكر أسماء أولاد إسماعيل ، وفوائد تتعلق بهم ، وذكر شىء من خبر إسماعيل ، وذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام.............................. ١٤١

الباب الثامن والعشرون : فى ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة ، وشىء من خبره وذكر ولاية بنى بإياد بن نزار الكعبة ، وشىء من خبرهم وخبر مضر ، ومن ولى الكعبة من مضر قبل قريش....................... ١٤٣

الباب التاسع والعشرون : فى ذكر من ولى الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب فى ولاية جرهم وفى ولاية خزاعة وقريش على مكة............................................................................. ١٤٥


الباب الثلاثون : فى ذكر من ولى إنساء الشهور من العرب بمكّة ، وذكر صفة الإنساء ، وذكر الحمس ، والحلّة ، والطّلس.       ١٤٧

الباب الحادى والثلاثون : فى ذكر شىء من خبر خزاعة ولاة مكّة فى الجاهلية ونسبهم ، ومدة ولايتهم لمكة ، وأول ملوكهم لها ، وغير ذلك من خبرهم وشىء من خبر عمرو بن عامر ماء السماء الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل ، وشىء من خبر بنيه وغير ذلك.       ١٤٩

الباب الثانى والثلاثون : فى ذكر شىء من أخبار قريش بمكّة فى الجاهلية ، وشىء من فضلهم ، وصفوا به ، وبيان نسبهم وسبب تسميتهم بقريش ، وابتداء ولايتهم الكعبة وأمر مكّة........................................ ١٥٣

الباب الثالث والثلاثون : فى ذكر شىء من خبر بنى قصىّ بن كلاب ، وتوليتهم لما كان بيده من الحجابة ، والسّقاية ، والرّقادة ، والنّدوة ، واللواء ، والقيادة ، وتفسير ذلك................................................ ١٥٧

الباب الرابع والثلاثون : فى ذكر شىء من خبر الفجار والأحابيش................... ١٥٩

الباب الخامس والثلاثون : فى ذكر حلف الفضول ، وخبر ابن جدعان الذى كان هذا الحلف فى داره وذكر أجواد قريش وحكامهم فى الجاهلية وتملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصى عليهم ، وشىء من خبره... ١٦١

الباب السادس والثلاثون : فى ذكر شىء من فتح مكّة المشرفة ، وفوائد تتعلق بذلك... ١٦٥

الباب السابع والثلاثون : فى ذكر ولاة مكّة المشرفة فى الإسلام...................... ١٧٣

الباب الثامن والثلاثون : فى ذكر شىء من الحوادث المتعلقة بمكّة فى الإسلام......... ١٩٥.

الباب التاسع والثلاثون : فى ذكر شىء من أمطار مكّة وسيولها فى الجاهلية والإسلام ، وشىء من أخبار الصواعق بمكّة ، وذكر شىء من أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكّة.................................................... ٢١٧

الباب الأربعون : فى ذكر الأصنام التى كانت بمكّة وحولها وشىء من................. ٢٢٥


خبرها ، وذكر شىء من خبر أسواق مكّة فى الجاهلية والإسلام ، وذكر شىء مما قيل من الشعر فى الشويق إلى مكّة الشريفة ، وذكر معالمها المنيفة............................................................................

الفهارس الفنية................................................................ ٢٣٣

فهرس الآيات القرآنية.......................................................... ٢٣٣

فهرس الأحاديث والآثار....................................................... ٢٣٤

فهرس الأماكن والبلدان........................................................ ٢٣٦

فهرس الأشعار................................................................ ٢٣٧

فهرس المراجع................................................................. ٢٣٨

فهرس المحتويات............................................................... ٢٤٣

تم به الحمدالله

الزهور المقتطفة من تاريخ مكة مشرفة

المؤلف:
الصفحات: 247