بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

بعد ما تحدث ابن شداد عن تحرير صفد من قبل السلطان الظاهر بيبرس قال :

«ثم رتب السلطان فيها واليا ... وجعل فيها أربعة وخمسين مملوكا من مماليكه ، وأقطعهم في بلدها إقطاعا ، وقدم عليهم الأمير علاء الدين كندغدي ، وولى في قلعتها مجد الدين الطوري ، وصير نيابته في بلدها إلى الأمير عز الدين أيبك العلائي» (١).

إن رواية ابن شداد هذه رواية شاهد عيان ، تفيد أن الظاهر بيبرس قرر إقامة نيابة (أو مملكة) فيها ذات كيان خاص حسب الأعراف التي سادت العصر الأيوبي ، وعين لمدينة صفد ، واليا ولقلعتها حاكما وترك فيها شحنة عسكرية.

والنائب «هو لقب على القائم مقام السلطان في عامة أموره أو غالبها» (٢) ، وجرت العادة أن يكون على النواب «مثل ما على السلطان ويزدادون أن من حقهم مراجعته إذا أمر بما يخالف المصلحة» (٣).

وبالنظر لإحداث نيابة صفد وجدتها ولطبيعة العصر المملوكي يلاحظ وجود خلاف في المصادر حول حدودها ومدى اتساع رقعتها ، وقد عدها محمد ابن أبي طالب الأنصاري المعروف بشيخ الربوة إحدى ممالك بلاد الشام الثماني في العصر المملوكي ، وهي : دمشق وحمص وحلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك وغزة ، وقد ذكر شيخ الربوة شيئا من تاريخ صفد وعدد بعض الأعمال المضافة إليها لكنه ، لم يذكر لها حدودا واضحة (٤).

وبعد شيخ الربوة تحدث ابن فضل الله العمري عن صفد وبيّن


حدودها في كتابة التعريف بالمصطلح الشريف وهو أقدم كتاب في بابه ، وخصها بقوله :

«وأما بلاد صفد : فحدها من القبلة الغور حيث جسر من وراء طبرية ومن الشرق الملاحة الفاصلة بين بلاد الشقيف وبين حولة بانياس ، ومن الشام نهر ليطاني ومن الغرب البحر ، وولاياتها : الشقيف وهو الشقيف الكبير المسمى بأرنون وهو قلعة منيفة منيعة ، ولها بر له وال ، وولاية جينين ، وولاية عكا ، وولاية الناصرة ، وولاية صور» (٥).

وعدد صدر الدين محمد بن عبد الرحمن العثماني في كتابه تاريخ صفد الذي نقدم له أعمال نيابة صفد التي تكونت منها وأفاد أن حدودها «وقد امتدت من عثليت» (٦). ونقل أحمد بن علي القلقشندي في كتابه صبح الأعشى ما ذكره ابن فضل الله العمري دونما إضافات (٧).

ووصف خليل بن شاهين الظاهري نيابة صفد في كتابه زبدة كشف الممالك لكنه لم يبين حدودها (٨). هذا ويلاحظ أن ابن فضل الله العمري حين جعل من الليطاني حد المملكة الشمالي لم يعرف أن عمل الشقيف وقع إلى الشمال من هذا النهر ، أضف إلى هذا أن طبرية كلها كانت تابعة لصفد مع معظم منطقة الناصرة ومرج ابن عامر وثلاثة أرباع عمل عثليت ، وعلى هذا فإن جسر الصنبرة لم يمثل حدها الجنوبي ، ويبدو أن ابن فضل الله العمري كان ينقل ما جاء في مصادر مبكرة ، أضف إلى هذا كله أن «حولة» بانياس مثلت الحد الجنوبي الشرقي لنيابة صفد وليس الحد الشرقي.

وعلى هذا يبدو أن حدود نيابة صفد كانت في أقصى اتساعها في العصر المملوكي كما يلي : حدها من الغرب البحر المتوسط ، ومن الشمال حوض نهر الزهراني ، ومن الشرق طرف مرجعيون امتدادا حتى نهر الحاصباني ، ثم مجرى نهر الأردن حتى جسر الصنبرة ، ومن الجنوب أطراف مرج ابن عامر حتى البحر المتوسط.


ومن الواضح أن أراضي نيابة صفد هذه قد احتلت مكانا استرتيجيا في وسط بلاد الشام ، وكانت تمتلك من الموارد والإمكانات ما يقوم بأودها ويمكنها من شغل دورها الذي أقيمت بالأصل لأدائه في مواجهة مملكة عكا وبقية الممتلكات الصليبية في ساحل الشام لكي تتفرغ دمشق للقيام بأعباء التصدي للخطر المغولي.

ومن الممكن تقسيم أراضي النيابة إلى الأقسام الجغرافية التالية :

(أ) السهل الساحلي.

(ب) الهضاب والمرتفعات الجبلية.

(ج) السهول الداخلية.

(د) منخفض الغور.

ومن المقرر أن السهل الساحلي هو جزء من سهول الشام الساحلية ، وهو يمتد باتجاه الشمال الشرقي من جانب والجنوب الغربي من الجهة المقابلة ، وتتخلله بعض الرؤوس والخلجان البحرية مثل : رأس صور ، ورأس الناقورة ، وخليج عكا ، وخليج عثليت.

وبشكل عام ، كان السهل الساحلي خصبا ، وفير المياه ، كثير المزروعات ، أضف إلى ذلك أن البحر وفر لسكانه موارد رزق من أسماكه ، ومما حمل على ظهره من تجارات وبضائع.

ونظرا لقرب المنطقة الجبلية من البحر المتوسط فقد كانت هي أيضا تملك إمكانات زراعية جيدة ، ويلاحظ أن إمكانات السهول الداخلية كانت هي أيضا جيدة تتدفق فيها المياه ، وتتمتع بمناخ مناسب لإنتاج أنواع كثيرة من المزروعات (٩).

اكتملت رقعة نيابة صفد بعد عام ٦٩٠ ه‍ / ١٢٩١ م إثر تحرير عكا وعثليت وتصفية الوجود الصليبي. وقد تألفت من الأقسام الإدارية


التالية : بر صفد (الزنار) ، الناصرة ، اللجون ، جينين ، عكا ، صور ، والشقيف ، ومرجعيون ، وأرض الجرمق ، وطبرية ، وتبنين وهونين ، والشاغورين ، ومعليا ، وعثليت ، ومرج ابن عامر ، والإقليم (١٠) ، وكان يتبع كل واحد من هذه الأقسام مجموعة من القرى (١١).

وشهدت نيابة صفد مثل غيرها من مناطق بلاد الشام نشاطا اقتصاديا زراعيا وتجاريا وحرفيا ، ذلك أن تمركز الحاميات العسكرية داخل صفد والحركات والتنقلات المستمرة للقوات ولا سيما قبل تحرير عكا شجعت على قيام تجارة نشطة وتأمين السلع والأسواق للقوات.

ولا شك أن احتياجات القوات إلى الأسلحة الفردية والجماعية والعتاد واللباس والخيول ومختلف أنواع الحيوانات قد قدمت حوافز على النشاط التجاري والصناعي. أضف إلى هذا أن قرب صفد من دمشق ومن بقية مدن فلسطين والوحدة بين بلاد الشام ومصر ، قد مكنا من نقل البضائع من الشام إلى مصر وبعض منتجات مصر إلى الشام.

ولا شك أن التوسع العمراني في صفد وتحويلها من قرية إلى بلدة كبيرة ـ مع أعمال ترميم القلعة والأسوار وبناء بعض المعاهد الدينية والمساجد ـ أوجدا فرص للعمل ويسرا وجود طائفة من محترفي صناعة البناء (١٢).

وعلى العموم ارتبطت الحياة الاقتصادية في نيابة صفد ، مثلها في بقية أجزاء الدولة المملوكية ، بالأرض إلى أبعد الحدود. وفي تاريخ الشرق في مختلف العصور كانت السلطة هي الملّاك الأكبر للأرض ، وهي بالتالي المستغل الذي يتولى إنشاء القنوات والسدود والترع وغير ذلك. وما تمتلكه الدولة لم يشكل القطاع الأعظم من الأرض فحسب بل الأحسن. وكانت الدولة تحصل على منتجات الأرض عن طريق حصص رجالاتها وعن طريق الضرائب وغير ذلك ، ومن هذه المنتجات كان إنفاق الدولة. ففي أوائل التاريخ الإسلامي كانت المواد العينية


تشكل جزءا هاما من أعطيات الجند ، واستمر هذا الحال طوال العصر الأموي والجزء الأكبر من العصر العباسي. وفي عصر التحكم البويهي عندما صار رجالات الجند هم الطبقة العليا المتصرفة بشؤون الدولة صار هؤلاء ملاكا للأرض ومستغلين لها ، إنما مقابل خدمات عسكرية بحكم الاختصاص والوظيفة ، ويعدّ هذا بداية ما عرف باسم «الإقطاع العسكري».

وتطور نظام الإقطاع العسكري وأرسيت قواعده خلال العصر السلجوقي. وقد طبق السلاجقة هذا النظام في بلاد الشام إثر دخولها في حوزتهم في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر للميلاد ، وعن السلاجقة ورث الأيوبيون ومن بعدهم المماليك هذا النظام.

وكان للسلاجقة سياسة دينية خاصة ، فاهتموا برجال الدين وبإقامة المؤسسات الدينية. وترافق هذا مع نشاط التصوف وانتشاره فقاد هذا كله إلى قيام ما يمكن دعوته باسم «الإقطاع الديني» ، حيث حصرت الوظائف الدينية بأسر محددة وباتت الوظائف والمناصب يتم توارثها بشكل منتظم. وكما سيطر الإقطاع العسكري على معظم الأراضي الصالحة للزراعة ، شاركه الإقطاع الديني وجاء بعده بالمنزلة. على أن معظم ممتلكات هذا الإقطاع عرفت باسم الأوقاف محافظة بذلك على تسمية قديمة متوارثة (١٣).

إن استيلاء الإقطاع العسكري والديني على الجزء الأعظم من الأراضي الزراعية لم يلغ الملكية الفردية الخاصة ، أضف إلى هذا أن الإقطاع العسكري لم يكن في غالب الأحيان تملكا دائما للأرض بل استغلالا. فالقاعدة قضت بإعطاء الأرض بدلا من الأعطيات ونظيرا للخدمة العسكرية ، ولهذا غالبا ما حملت في العصر المملوكي اسم «الخبز أو الأخباز».


والقاعدة في الإقطاع العسكري عدم التوريث ، لكن حدث وخرقت هذه القاعدة ، ولهذا كان بعض سلاطين المماليك يلجأون إلى إعادة مسح الأرض وحصرها في سجلات ومن ثم إعادة توزيعها ، وهذا ما كان يطلق عليه اسم «الروك» (١٤). وتشير الأخبار المرتبطة ببدايات ظهور نيابة صفد أنه في سنة ٦٦١ ه‍ / ١٢٦٢ م أغارت قوات الظاهر بيبرس على الناصرة ، وجبل طابور فحررت بعض الأراضي هناك ، وطردت المتسلطين عليها من الفرنجة ، وقام الظاهر بيبرس بمنح هذه الأراضي إقطاعا لأمراء قواته ، وكتب لهم مناشير بذلك (١٥).

وبعد تحرير صفد سنة ٦٦٤ ه‍ / ١٢٦٦ م أقطع السلطان الظاهر بيبرس صفد والأراضي المحيطة بها لمن أبقاه فيها من الأمراء والجند ، وقدرت قيمة هذا الإقطاع آنذاك بمبلغ ثمانين ألف درهم (١٦). وبعد تحرير عكا أعطى السلطان عددا من الأمراء المماليك إقطاعات من أراضيها (١٧).

وتفيد مختلف الأخبار أن المماليك طبقوا نظام الإقطاع العسكري في مختلف النيابات الشامية ومنها صفد ، وجاء التطبيق بإعطاء بعض الإقطاعات للجند والأمراء مقابل خدماتهم العسكرية. كما أن السلطنة كانت تنتزع الإقطاع من بعض الأمراء وتمنع التوريث. ففي سنة ٧٢٧ ه‍ / ١٣٢٦ م كتب الأمير سيف الدين أرقطاي نائب صفد إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون يشكو من نجم الدين فيروز ، وكان من أمراء صفد ، وأمر السلطان باعتقال فيروز في قلعة صفد وبذلك قطع خبزه ، أي انتزع منه ليعطى إلى غيره. وفي السنة نفسها نقل إلى صفد الأمير أيبك البكتوتي من القاهرة ، ومنح إقطاع فيروز (١٨). هذا ويلاحظ أن الأمراء الذين كانوا يخدمون في نيابة صفد أو سواها لم تنحصر إقطاعاتهم حيث تمركزوا ، بل غالبا ما كانت موزعة على أكثر من موقع ، وجاء هذا الإجراء لمنع التوريث والاستبداد في منطقة محددة


ولأن الأمراء كانوا يتدرجون في المناصب ، وكانت خدماتهم غير مستقرة في مكان واحد (١٩).

هذا واعتادت السلطنة المملوكية منح بعض مشايخ البدو (العشير) إقطاعات لقاء خدمات محددة أو لإسهامهم في بعض الحملات ، إنما يبدو أن هذه الإقطاعات جاءت عن طريق التمليك الذي يمكن توريثه.

ولم يقتصر هذا الإجراء على مشايخ البدو ، وإنما شمل أمراء المماليك ، فبعدما حرر الظاهر بيبرس قيسارية وأرسوف سنة ٦٦٣ ه‍ / ١٢٦٥ م «أمر بكشف قيسارية وعمل متحصلها ، فعملت بذلك أوراق ، وطلب قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال بها ، بأن يملك الأمراء المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه وتبقى للولد منهم وولد الولد ، وما يدوم إلى آخر الدهر ، ويبقى إلى الأبد» (٢٠).

ويبدو أن هذه الأراضي قد كانت ممتلكة من قبل بعض الإقطاعيين الفرنجة ، وأن هؤلاء هربوا منها مع الذين كانوا يتولون حراستها إلى يافا وعكا ، فأقدم السلطان على تمليكها حسب قاعدة الصوافي التي عرفها التاريخ الإسلامي منذ العصر الراشدي.

وعلى هذا يمكن القول : إن أراضي الامتلاك كانت إما مملّكة حديثا لأمراء المماليك وهي هنا من أحسن الأراضي أو مما توارثه أفراد من السكان تملكوه ، ومن المرجح أن الملاك والمقطعين ـ على حد سواء ـ كان يأتيهم نتاج الأراضي دونما عناء ، وأن الفلاحين وإن لم يعدوا من أقنان الأرض عاشوا ظروفا كانت بعيدة عن الإنسانية والعدل. ويقول التاج السبكي :

«ومن قبائح ديوان الجيش إلزامهم الفلاحين في الإقطاعات بالفلاحة ، والفلاح حر لا يد لآدمي عليه ، وهو أمير نفسه ، وقد جرت عادة الشام بأن من نزح دون ثلاث سنين يلزم ويعاد إلى القرية قهرا ، ويلزم بشد الفلاحة ، والحال في غير الشام أشد منه فيها» (٢١).


ويقول الشاعر الصفدي عمر بن أحمد بن عبد الله بن حلاوات واصفا أحوال صفد بعد ما توجه إليها بكتمر الحاجب كاشفا سنة ٧٠٢ ه‍ / ١٣٠٢ م :

يا قاصدا صفدا فعد عن بلدة

من جور بكتمر الأمير خراب

لا شافع تغني شفاعته ولا

جان له مما جناه مناب

حشر وميزان وشر وصحائف

وجرائد معروضة وحساب

وبها زبانية تبث على الورى

وسلاسل ومقارع وعقاب

ما فاتهم من كل ما وعدوا به

في الحشر إلا راحم وهاب (٢٢)

أما بالنسبة لأملاك الأوقاف فإنها بخلاف غيرها من أوقاف نيابات الشام أحدثت كلها في العصر المملوكي ، وظهرت مع ظهور النيابة إثر تحرير أراضيها من الصليبيين ، ولذلك فإن تاريخ جل هذه الأوقاف يعود إلى عهدي الظاهر بيبرس والأشرف خليل بن قلاوون ، وكانت الأوقاف إما بعض الأراضي الزراعية أو بعض الممتلكات في المدن وسواها ، وقصد منها تأمين التمويل اللازم لسداد نفقات الموقف عليه بشكل دائم ، وكانت الأوقاف إما خاصة تؤدي خدمات محصورة أو عامة تؤدي خدمات اجتماعية وخيرية عامة.

وقد أوقف الظاهر بيبرس عدة قرى على بعض مزارات الأنبياء والأولياء والصحابة ، فقد أوقف قرية قديتا في بر صفد على مزار الشيخ خضر ، وأوقف ثلاثة أرباع قرية الحقاب وهي إلى الجنوب من صفد ، على مزار الشيخ علي المجنون وكان ممن حضر وقائعه ، والربع الباقي على شيخ آخر حضر أيضا وقائعه اسمه إلياس ، وأوقف قرية حطين على مزار النبي شعيب ، وقرية فرعيم وهي إلى الشمال الشرقي من صفد على قبر خالد بن الوليد.

وأوقف الأشرف خليل بن قلاوون عدة قرى على قبر أبيه قلاوون في القاهرة (٢٣).


وأنتجت أراضي صفد أنواعا متعددة من المحاصيل الزراعية مما شهرت به بلاد الشام لا سيما السواحل المتوسطية من حبوب وخضار وزيتون وقطن وقصب سكر ، وتوزعت هذه المزروعات على المناطق متأثرة بالتربة والمناخ والتضاريس.

ويبدو أن الحبوب من قمح وشعير وقطاني (عدس وحمص وكرسنة) قد زرعت في جميع المناطق ، وأن القمح والشعير كانا أهم محاصيل نيابة صفد ، فالقمح هو مادة التموين الرئيسة والشعير أساسي في أعلاف الحيوانات (٢٤).

وقد زرعت بعض أراضي نيابة صفد بالرز خاصة في المناطق التي وقعت بين الحولة وطبرية مع سهل الحولة نفسه وقرب قناة صور ، وكان رز صفد يصدر إلى دمشق. وزرع القطن في مرج بني عامر ، وفي ساحل عكا ، وفي بر صفد ، وشهر قطن صفد بجودته (٢٥).

ووجدت مزارع لقصب السكر في ساحل عكا وساحل صور ، وشهرة عكا قديمة في إنتاج السكر مع جودة هذا السكر (٢٦). وشهرت أراضي نيابة صفد بزراعة الزيتون بشكل مكثف في الجليل والساحل (٢٧). وأنتجت نيابة صفد مختلف أنواع الفواكه والخضراوات والورد والرياحين التي أنتجتها بلاد الشام ، وكان من بين الفواكه : التين والعنب والرمان والقراصيا والبطيخ والبرقوق والمشمش والدراقن والتوت والتفاح والكمثرى والسفرجل والجوز واللوز والبندق والإجاص والعناب والزعرور والأترج والليمون والكباد والنارنج والموز ، ومن الرياحين الآس والورد والنرجس والبنفسج والياسمين (٢٨).

وكانت بعض هذه المنتجات تصنّع ، مثل استخراج الزيت من الزيتون وصنع الدبس وماء الورد والزهر مع تصنيع بعض الفواكه والاستفادة


من القطن في صناعة النسيج. ولم تقتصر صناعة النسيج على القطن وقد كانت هنالك الأصواف ، وكان الكتان يزرع أيضا في الجليل ، وكما أن سهل الحولة كان ينتج الحلفاء بكثرة ، وكانت تستخدم في صناعة الحصر.

وزرع بعض سكان المرتفعات الحشيشة واعتصروا مادتها وخزنوها لتباع كمادة مخدرة ، كما أن الثروة الحراجية كانت كبيرة في نيابة صفد في المناطق الساحلية (٢٩).

ويحدثنا النويري أن القاعدة في الزراعة «بسائر بلاد الشام أن كل فلاح يقسم الأراضي التي بيده إلى شطرين ، فيزرع شطرا ويريح شطرا ويتعاهده بالحرث لتقرع الشمس باطن الأرض ، ثم يزرعه في القابل ، ويريح الشطر الذي كان به الزرع ، هذا دأبهم خلافا لأراضي الديار المصرية فإنها تزرع كل سنة» وكانت غالبية الزراعات بعلية وأقلها هو الذي اعتمد على السقي وكان الزرع في نيابات الشام إما «شتويا أو صيفيا ، ويعنون بالشتوي القمح والشعير والشوفان والفول والحمص والعدس والكرسنة والجلبان والبستيلة وهي التي تسمى بمصر البسلي وبالساحل الطرابلسي الحلبة ، ويعنون بالصيفي : الذرة والدخن والسمسم والأرز والحبة السوداء ، والكسبرة والمقاثي (القثاء) والوسمة (ورق النيل للصباغة) والقرطم (حب العصفر) والقطن والقنب» (٣٠).

وكان وكلاء المقطعين يخرجون نحو الحقول والمزارع مع اقتراب نضوج المحصولات «فيحفظون الزراعة من التطرف إلى شيء منها ، ويلازمونها إلى أن تحصد وتنقل إلى البيادر ، فعند ذلك يخرج الأمر بحفظ ما يصل إلى البيادر ، ويأخذون في الدراس». ويتبع ذلك التذرية ثم قسمة الغلال ، وتتم القسمة إما «مناصفة ، وذلك في أراضي السقي ، ومثالثة ومرابعة ، وهو في غالب البلاد ، ومخامسة ومسادسة وذلك في المزارع والنواحي الخالية من السكان التي يزرعها المستكرون ، ومسابعة


ومثامنة ، وذلك في النواحي المجاورة لسواحل البحر».

ويعني هذا أن حصة الفلاح الرسمية تراوحت بين نصف المحصول إلى ثمنه وغالبا ما كانت ربعه ، لكن هذا كان نظريا فقط. فقد جرت العادة على مشاطرة الفلاح بحصته بحجة تقصيره في زراعة بعض أجزاء الأراضي وتبويره لها ، وإثر ذلك يؤخذ مما بقي له عشره كصدقة ، وبعد هذا كله يستوفى منه ما تراكم عليه من ديون سالفة ، مما يفيد بالمحصلة أن الفلاح كان يحصل على نسبة ضئيلة جدا من الغلال (٣١). ويدل هذا على أن أحوال الفلاحين كانت في غاية السوء ، وقد دفع سوء الحالة هذه الفلاحين إلى الهرب من القرى والمزارع ، والهجرة إلى المدن ، مما نجم عنه نتائج اقتصادية واجتماعية خطيرة جدا.

وأتى القلقشندي على ذكر المواشي في بلاد الشام ، فعدد «الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير» كما أشار إلى الوحوش فسمى «الغزلان والأرانب والأسود وكثيرا من أنواع الوحوش المختلفة» وقال : «وأما طيوره [الشام] ففيه الإوز والحمام وأنواع طيور الماء المختلفة الأنواع» (٣٢).

وهنالك من الأخبار ما يشير إلى وجود الإبل في نيابة صفد عند بعض أمراء الدولة وعند القبائل البدوية (العشير) ، كما أنه كثرت تربية البقر والجواميس في المناطق الساحلية ، أما تربية الأغنام فقد انتشرت في غالبية المناطق ، وملكت نيابة صفد ثروة سمكية جيدة من البحر المتوسط والبحيرات والمياه الداخلية (٣٣).

ووجدت في بعض مدن نيابة صفد صناعات لنسج الحرير والأصواف والكتان ، مع بعض الصناعات الأخرى ، مثل اللباد وسروج الخيل ، كما توفرت الطواحين التي أديرت بقوة الماء (٣٤).

وكانت عكا مقر مملكة القدس اللاتينية الثانية ولذلك كانت نشطة تجاريا إلى أوسع الحدود ، لكن السلطان الأشرف خليل أمر بهدمها إثر


تحريرها ، ولا شك أن هذا أوقف نشاطها البحري والتجاري الخارجي ، على أنه يبدو أن عكا استردت نشاطها وغدت ميناء نيابة صفد في القرن الثامن ه / الرابع عشر م ، «يقصدها تجار لفرنج بالبضائع ، ويأخذون منها القطن ، وتضمن بخمسين ألف درهم» (٣٥).

وقد كان هنالك حركة تجارية بين نيابة صفد ودمشق ، ولذلك توفرت بعض الخانات على الطرق الواصلة بينهما. وتوفرت الأسواق داخل صفد وفي بعض القرى والبقاع لتوفير الحاجيات والسلع لسكان النيابة ، إنما من الصعب الحديث عن أنواع التجارات وحجمها وكميات الأموال (٣٦).

وكانت نيابة صفد أول نيابة أنشئت في فلسطين لتأدية أغراض عسكرية وأمنية ولذلك أقيمت فيها جميع الوظائف التي عرفتها الإدارات المملوكية في النيابات وكان هيكلها الاداري مثله من النواحي العسكرية والمدنية مثل هياكل إدارات نيابة دمشق وحلب والكرك وطرابلس وحماة ، والخلاف فقط تعلق بالإدارات الدينية ، وهذا ما يلاحظه الانسان لدى دراسته للأوضاع الادارية في نيابة القدس.

وسلف أن نقلنا في مطلع هذا الفصل عن ابن شداد أن الظاهر بيبرس أحدث مع انشاء نيابة صفد ثلاث وظائف هي : النائب ، والوالي ، ووالي القلعة ، وكانت هذه الوظائف هي محور العمل الإداري في كل نيابة.

والنيابة هي الوظيفة الأولى ، يمثل صاحبها السلطان ، ويكون مسؤولا عن شؤون الدولة وتصريف أمورها ، ويتم تعيين النائب من قبل السلطان بمرسوم (تقليد شريف) يصدر في القاهرة ، وكانت صلاحيات النائب شبه مطلقة.

وكان أول من تولى نيابة صفد الأمير عز الدين أيبك العلائي بعد تحرير صفد في ١٨ شوال ٦٦٤ ه‍ / ٢١ تموز / يوليو ١٢٦٦ م (٣٧) ، وقد


تقلب على النيابة منذ هذا التاريخ وحتى سنة ٩٢٢ ه‍ / ١٥١٦ م ، تاريخ سقوط بلاد الشام للحكم العثماني ، أكثر من مئة وسبعة وعشرين نائبا ، ثلاثة عشر منهم مرتين وواحد ثلاث مرات واثنان أربع مرات. فخلال مدة قرنين ونصف القرن عاشتها نيابة صفد تم تغيير النواب فيها أكثر من مئة وستا وأربعين مرة ، ومرد هذا يعود إلى طبيعة السلطنة المملوكية بشكل عام ، وإلى ما شهدته من اضطراب مستمر وعدم استقرار ، وعلى هذا لم ترتبط أمور العزل والتعيين بالكفاءة والعجز بل ارتبطت بالتغيرات التي شهدها مركز الدولة ، فبعض الأمراء جرى تعيينهم للتخلص من معارضتهم للسلطان كالأمير سيف الدين الأبو بكري الذي رفض قبول هذا التعيين سنة ٧٣٢ ه‍ / ١٣٢٢ م (٣٨) ، والأمير أرغون شاه الذي بعث نائبا إلى صفد سنة ٧٤٧ ه‍ / ١٣٤٦ م لتعاليه على السلطان نفسه ، وتكبره على الأمراء ، وفحشه في مخاطبتهم ، وخشية من فتنة قد يحدثها في القاهرة (٣٩) ، والأمير أحمد الساقي الذي أبعد إلى نيابة صفد سنة ٧٤٩ ه‍ / ١٣٤٨ م لأنه كان صاحب فتن (٤٠).

وكان بعض الأمراء يرسلون نوابا إلى صفد غضبا عليهم لا خشية منهم مثل الأمير سيف الدين طغاي الخاصكي ، وكان ذا حظوة لدى السلطان الناصر محمد بن قلاوون فغضب عليه فنفاه نائبا إلى صفد سنة ٧١٨ ه‍ / ١٣١٨ م (٤١) ، والأمير الحاج آل ملك الذي كان نائبا للسلطنة في مصر ، فعزل وأرسل نائبا إلى دمشق ، وفي الطريق إليها لحقه أمر آخر بتعيينه نائبا لصفد ، وكان ذلك سنة ٧٤٦ ه‍ / ١٣٤٥ م (٤٢).

وجرى تعيين بعض النواب استرضاء لهم في بعض حالات العصيان ، ففي سنة ٨٦٥ ه‍ / ١٤٦١ م أقدم السلطان خشقدم على تعيين الأمير تمراز الأشرفي نائبا لصفد ذلك أنه اتفق مع الأمير جانم نائب دمشق على العصيان وحضر بالعساكر إلى مصر ، لذلك أرضي بنيابة صفد ، وبذلك أضعف السلطان حركة العصيان (٤٣).


وكان مما ابتليت به السلطنة المملوكية لا سيما في عقودها المتأخرة بيع المناصب والرشوة ، وشمل ذلك الوظائف العسكرية والإدارية والدينية.

فقد دفع مقبل الرومي سنة ٨٣٦ ه‍ / ١٤٣٣ م مبلغ ٠٠٠ ، ١٢ دينار ثمن تولي نيابة صفد (٤٤). ودفع سنة ٨٩٢ ه‍ / ١٤٨٧ م بلبان الإينالي مبلغ ٠٠٠ ، ٢٠ دينار مقابل تولي نيابة صفد (٤٥). وبذل سنة ٩١٨ ه‍ / ١٥١٢ م الأمير طرباي مبالغ كبيرة للحصول على هذا المنصب (٤٦).

ومما يثير الدهشة أن شراء المناصب أخذ منذ أيام السلطان الصالح اسماعيل بن محمد قلاوون (٧٥٣ ـ ٧٥٥ ه‍ / ١٣٥٢ ـ ١٣٥٤ م) سمة قانونية في الدولة المملوكية حيث تأسس أيام هذا السلطان ديوان خاص عرف باسم ديوان البذل.

وازدادت مكانة هذا الديوان مع ازدياد الضائقة المالية لدى السلطنة ، وهو يدل على حالة التفكك والضعف التي آلت إليها أحوال دولة المماليك قبل سقوطها. هذا وإن في ضخامة المبالغ التي بذلت في سبيل منصب نيابة صفد ما يشير إلى أهميته وحساسيته (٤٧).

وكان نائب صفد يعتمد في دخله على ما كان يصله من الإقطاعات المخصصة لمنصبه ، وإذا لم يكفه ذلك ولم يف بحاجته كان يزاد من أموال الخاص السلطاني ، فهذا ما حدث سنة ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م عندما زيد الأمير علم الدين سنجر الحموي ـ وعرف بأبي خرص ـ من الخاص السلطاني ، وتكرر في الأمر سنة ٧٣٧ ه‍ / ١٣٣٦ م عندما زيد الأمير طشتمر البدري الساقي ـ الملقب بحمص أخضر ـ من الخاص السلطاني (٤٨).

وعرف النظام المملوكي التدرج في الرتب العسكرية ، وكان أعلى الرتب إمرة مئة وتقدمة ألف ، وحامل هذه الرتب كان تحت إمرته مئة أمير وألف مقاتل ، وجرت العادة أن يتولى نيابة صفد من حمل هذه الرتبة العالية وكان آخر من وليها من مقدمي الألوف الأمير أزدمر المسرطن (٤٩).


ومر بنا أنه أحدث مع منصب النيابة منصب الولاية ، ومن المرجح أن النائب كان مسؤولا عن حكم النيابة جميعها ، لكن مسؤولية الوالي لم تتعد مدينة صفد ، وكان الذي يشغل هذا المنصب من العسكريين ذوي المراتب الدنيا وغالبا ما كان من أمراء العشرات. وعني الوالي بشؤون الأمن والإدارة ، وعندما غدت نيابة صفد تضم أكثر من مدينة ، وتتألف من عدة إدارات صار لكل إدارة واليها الخاص ، وعلى هذا تعدد الولاة في النيابة الواحدة (٥٠).

والإشارات التاريخية إلى الذين تولوا منصب ولاية مدينة صفد وغيرها من الولايات قليلة جدا ، وعلى العموم كان تعيين والي صفد يجري من قبل السلطان ، ففي سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٨٠ م نقل السلطان قلاوون الأمير سيف الدين بلبان الجوادي من ولاية مدينة صفد إلى «خزاندارية» قلعتها ، ونقل سنة ٦٧٩ ه‍ / ١٢٨١ م الأمير علم الدين سنجر الكرجي من نيابة القلعة إلى ولاية المدينة (٥١). ومثلما حصر السلطان بنفسه أمر تعيين ولاة مدينة صفد ونقلهم اندرج هذا على ولاة المناطق الإدارية التابعة للنيابة ، ففي سنة ٦٧٩ ه‍ / ١٢٨١ م ولى السلطان قلاوون الأمير بدر الدين بن درباس ولاية جينين ومرج ابن عامر ، وبعد تحرير عكا سنة ٦٩٠ ه‍ / ١٢٩١ م نقل السلطان الأشرف خليل الأمير سنجر الصوابي من ولاية صفد وعين بدلا عنه الأمير علم الدين أيدغدي الألدكزي (٥٢).

وكانت وظيفة نيابة قلعة صفد قد أحدثت مع تأسيس النيابة ، وهي نيابة مستقلة لا تخضع لصلاحيات نائب صفد ، بل تتبع السلطنة مباشرة.

وكانت الواجبات الملقاة على عاتق متوليها صيانة القلعة ، وحفظ الذخائر والأعتدة المخزونة فيها ، وعدم التصرف بها إلا بأمر السلطان بالذات ، وكان على نائب القلعة مراقبة نائب صفد وإخبار السلطان بحركاته ونواياه ، ومنعه من التمرد والاستقلال. وتمركز في القلعة عدد من الجند


كانوا تحت إمرة نائبها يتولون حمايتها ، كما حوت قلعة صفد جامعها الخاص ، وحوت سجنا كان يودع به كبار معارضي السلطنة ، ولم تكن قلعة صفد في القلعة الوحيدة في النيابة ، بل وجد إلى جانبها عدد من القلاع كان أهمها في الأراضي الفلسطينية قلعة قاقون (٥٣) ، التي شكلت الخط الدفاعي الأول عن صفد ، ضد مملكة عكا الصليبية.

ويلاحظ مستعرض تاريخ السلطنة المملوكية أن وظيفة أتابك قد شغلها الشخص التالي في المرتبة للسلطان ، وكانت هذه الوظيفة قد نشأت في العصر السلجوقي (٥٤) وتطورت لتعني في الدولة المملوكية قيادة العساكر السلطانية ، وقد عرفتها نيابة صفد ، إنما ليس بشكل دائم كما يبدو.

وكان من بين الذين شغلوا منصب الأتابك ومقدمية العساكر في نيابة صفد جمال الدين أيدغدي سنة ٦٨٨ ه‍ / ١٢٨٩ م ، والأمير غرس الدين خليل بن شاهين الشيخي سنة ٨٤٢ ه‍ / ١٤٣٩ م ، والأمير يشبك الفقيه سنة ٨٤٩ ه‍ / ١٤٤٦ م ، والأمير خاير بك النوروزي سنة ٨٥٨ ه‍ / ١٤٥٤ م ، والأمير جمال الدين يوسف بن يغمور ، والأمير قاني باي طاز في ستينات القرن التاسع ه / الخامس عشر م ، والأمير أزدمر الإبراهيمي الطويل سنة ٨٧٤ ه‍ / ١٤٧٠ م (٥٥).

وتمركز في نيابة صفد قوة عسكرية لم تكن بالكبيرة ، مهامها الأساسية الحفاظ على الأمن والدفاع قبل تحرير عكا ، وتوزعت هذه القوة بين القلاع والمدن ، وتألفت من نوعين من الجند هما : مماليك النائب والأمراء ، وشكلوا الحرس الخاص لكل منهم ، وكان عددهم ألفا. وأجناد الحلقة ، وهم فئة من الجند كانوا في البداية يشكلون جند السلطان المختارين ، ثم تطور الأمر بعد الظاهر بيبرس فصار اللفظ يدل على الجيش المملوكي عامة بعناصره المملوكية الأصل وغيرها ، وبلغ عدد هؤلاء في نيابة صفد ألفا أيضا (٥٦) ، وكان يلحق بهذين النوعين


من الجند القوات المساعدة أو الرديفة والمتطوعة ، وكانت هذه القوات تجند من قبل قبائل العرب والتركمان وقت الحاجة بشكل مؤقت لتأدية خدمات محددة (٥٧).

وعرفت نيابة صفد وظيفة الحجابة ، وكان صاحبها من حيث المبدأ من أمراء المئات ومقدمي الألوف ويساعده حاجبان كل واحد منهما برتبة «أمير عشرة» وهو ثاني نائب السلطنة في الرتبة ولا يدخل أحد دار النيابة راكبا غير النائب وغيره ، وهو نائب الغيبة إذا خرج نائب السلطنة في مهم أو متصيد أو غير ذلك ، وإليه ترد المراسيم السلطانية ، بقبض نائب السلطنة إذا أراد السلطان القبض عليه ، ويكون هو المتصدي لحال البلد إلى أن يقام لها نائب (٥٨).

وممن تولى نائب الحجابة في صفد في النصف الأول من القرن الثامن ه / الرابع عشر م الأمير صارم الدين الصفدي ، والأمير بيبرس الذي تولاها مرتين أيام الناصر محمد بن قلاوون. وكان حاجب صفد سنة ٧٥٣ ه‍ / ١٣٥٢ م اسمه ناصر الدين بن محمد البخاتي وفي سنة ٨٠٤ ه‍ / ١٤٠١ م علاء الدين علي بن بهادر بن عبد الله الدواداري ، ومن سنة ٨١٢ ه‍ / ١٤١٠ م وحتى سنة ٨٢١ ه‍ / ١٤١٨ م شاهين بن عبد العزيز ، وفي سنة ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م خاير بك النوروزي وفي سنة ٨٨٢ ه‍ / ١٤٧٧ م محمود بن الدواداري (٥٩).

وقد تدل المعلومات المتوفرة حول هؤلاء الحجاب وبعد المدد التاريخية بين واحد وآخر أن شغل هذه الوظيفة لم يكن دائما في نيابة صفد.

وعرفت نيابة صفد وظائف عسكرية أخرى كان منها منصب الدوادار وتعني «ممسك الدواة» وأطلق على حامل دواة السلطان أو الأمير ، ويبدو أن هذه الوظيفة لم تملك سمة الديمومة في صفد ، وجاء في الأخبار فقط أنه في سنة ٧٥٣ ه‍ / ١٣٥٢ م كان اسم الدوادار شهاب الدين أحمد ، وفي سنة ٧٩١ ه‍ / ١٣٨٩ م كان يلبغا السالمي (٦٠).


ومنها منصب الخزندار وهو المسؤول عن خزائن قلعة صفد ومحتوياتها من أسلحة وأعتدة وغير ذلك ، ومثل الوظيفة السالفة يبدو أنها شغلت أحيانا فقط ، فالذي ذكرته المصادر هو أن السلطان قلاوون نقل سيف الدين بلبان الجوادي سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٨٠ م من ولاية المدينة إلى خزندارية قلعة صفد.

وكان لنيابة صفد إدارتها المدنية أيضا ، وقد شغلها «أرباب الأقلام».

وتصدر هؤلاء «ناظر النظار» أو «ناظر المملكة» وكانت وظيفته الإشراف على جميع الدواوين ، ولذلك حمل لقب (وزير) أحيانا. وكان يعين من قبل السلطان ، وكانت مهامها استشارية أكثر منها تنفيذية ، تعتمد على قوة شخصية شاغل الوظيفة وحكمته وعمق تجربته ، وتولى هذه الوظيفة عماد الدين محمد بن النويري مرتين خلال العقد الثاني من القرن الثامن ه / الرابع عشر م وكريم الدين أكرم الصغير سنة ٧٢٣ ه‍ / ١٣٢٣ م (٦١).

وكان ديوان الإنشاء أهم دواوين الإدارة المدنية ، وقد تولاه موظف عرف باسم «كاتب السر». وكان يفترض فيه معرفة القرآن والحديث والسيرة والتاريخ والحكم والأمثال ، وأن يكون على درجة كبيرة من الفصاحة والبلاغة (٦٢). ومن الذين تولوا هذا الديوان في نيابة صفد : شهاب الدين أحمد بن غانم سنة ٧٠٠ ه‍ / ١٣٠٠ م ، والشيخ الزين بن العسال سنة ٨٢٥ ه‍ / ١٤٢١ م ، والشيخ جمال الدين الحسناوي سنة ٨٢٩ ه‍ / ١٤٢٥ م ، والقاضي جمال الدين الباعوني سنة ٨٣٨ ه‍ / ١٤٣٤ م (٦٣).

وكان من بين أهم الموظفين في هذا الديوان كتّاب الدرج (دست) أو الموقعون ، ولعل أشهر الذين تولوا هذا المنصب في أوائل القرن الثامن للهجرة / الرابع عشر للميلاد المؤرخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي.

وارتبط بديوان الإنشاء البريد ، وهو مرفق هام من مرافق الدولة ،


نظم بشكل دقيق جدا منذ أيام الظاهر بيبرس ، إلى حد أن الخبر كان يرد من دمشق إلى القاهرة في أربعة أيام فقط ، واعتمد هنا على نقل الخبر بوساطة الفرسان ، وأكثر المماليك أيضا من استخدم الحمام ، كما استخدموا المنائر والشارات الضوئية ، وحوت نيابة صفد ثلاث منائر في جينين ، وقاقون ، وجبل فحمة ، مع عدة أبراج للحمام في صفد وقاقون وجنين ، كما كان فيها عدة محطات للبريد تصل صفد بغزة فالقاهرة من جهة ، وبدمشق من جهة أخرى (٦٤).

وكان ديوان الجيش بين الإدارات المدنية في نيابة صفد ، وقد اهتم بشؤون العساكر المحلية وإقطاعاتهم ، وتولاه ناظر الجيش وغالبا ما كان واحدا من قضاة صفد ، كالشيخ شمس الدين محمد الحافظ القاضي الحنفي في صفد وذلك سنة ٧١٦ ه‍ / ١٣١٦ م ، والقاضي ابن القف الذي صرف عنه سنة ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م لصالح القاضي بدر الدين ابن قاضي بعلبك ، وكان ناظر هذا الديوان يعين من قبل السلطان (٦٥).

وسلفت الإشارة إلى وجود وظيفة الكاشف أحيانا في نيابة صفد ، وهي وظيفة ذات صبغة عسكرية مدنية (٦٦).

هذا ويرجح أن نيابة صفد قد وجد فيها ديوان للمال تولاه ناظر خاص كان يعينه السلطان ، وذلك مع وظائف أخرى كان النائب يتولى تعيين أصحابها (٦٧).

وفضلا عن الإدارتين العسكرية والمدنية كان في نيابة صفد إدارة دينية شملت القضاء والفتوى والحسبة ونظر الأوقاف والمساجد والمدارس الدينية.

والقضاء مؤسسة رائدة في التاريخ الإسلامي لها تاريخ عام ارتبط بتطورها العام ، وخاص ارتبط بتطورها في كل واحد من الأقاليم والأزمان ، ويهمنا هنا أن نشير إلى أن السلطنة المملوكية اعترفت بأربعة


مذاهب إسلامية فقط هي : الشافعي ، الحنفي ، المالكي ، الحنبلي ، وكان جل سكان مصر والشام شافعية ، وتلاهم الأحناف ، وكان الحنابلة والمالكية أقلية ، وفي أيام الظاهر بيبرس تأصل تعيين أربعة قضاة في القاهرة والنيابات ، قاض لكل مذهب ، وكان من اختصاص القضاة المسلمين الفصل في خصومات المسلمين وغير المسلمين ومشاكلهم إذا ما رغبوا ، ويبدو أن قاضي الشافعية كان مقدما على سواه في نيابة صفد ، وأن تعيين قاض للمالكية ، وآخر للحنابلة كان يهمل في بعض الأحيان ، وكان لكل قاض نوابه في مناطق النيابة ، ويبدو أن بعض القضاة قد خضعوا لضغوط النواب ، ومع انحطاط الدولة المملوكية وانتشار شراء المناصب ، شمل ذلك القضاء ، فقد كان جمال الدين يوسف بن الباعوني قاضيا للشافعية بصفد ، فعزل فتوجه إلى القاهرة فبذل المال فأعيد إلى منصبه سنة ٨٣٨ ه‍ / ١٤٣٥ م ، وتولى قاض آخر هو ابن الفرعمي قضاء الشافعية مرتين في صفد عن طريق البذل ، وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع للهجرة / الخامس عشر للميلاد (٦٨).

وعرفت نيابة صفد مفتيين فقط ، واحدا للشافعية وآخر للأحناف ، لكن فضلا عنهما كان بعض العلماء يتصدون للإفتاء بدون تكليف رسمي ، ذلك أن مهام المفتي تعلقت بتوضيح نصوص الشريعة والإجابة عن بعض الأسئلة الطارئة (النوازل)(٦٩).

وكان في نيابة صفد من تولى شؤون الأوقاف والإشراف على بيت المال ، وحفظ أموال الأيتام (٧٠) ، لكن أهم من هذه جميعا وأشهر كانت وظيفة الحسبة.

والأصل في عمل الحسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد تطورت هذه المؤسسة فبات القائم بها وهو المحتسب يتولى الإشراف على النظام العام ، ويشرف على الأسواق ، وعلى الآداب العامة ، ويتحقق من مراعاة الشرع في جميع مجالات الحياة (٧١).


وكانت موارد الحكم في نيابة صفد تأتي من عدة موارد للضريبة وذلك فضلا عما كانت تدره الإقطاعات وأملاك الأوقاف ، فلقد توجب على الفلاحين المسلمين دفع عشر ما يتبقى لهم من حصص الغلال والمحاصيل وذلك كصدقة أو زكاة (٧٢).

وفرضت ضرائب غير المسلمين من مسيحيين ويهود وعلى الحجاج المسيحيين الذين كانوا يأتون بحرا أو برا إلى الأرض المقدسة ، وكانت الضرائب التي تجبى في الماضي من أهل الذمة تعرف بالجزية ، لكنها باتت تعرف في العصر المملوكي باسم الجوالي ، وكانت تفرض على الرجال القادرين فقط من أهل الذمة ، كما كانت تجبى عادة في المحرم من كل سنة ، وتراوح المبلغ المفروض على الرجل ما بين بعض الدينار وأربعة دنانير (٧٣).

وفرضت الضرائب على الحجاج الذين وصلوا إلى الأرض المقدسة عبر ميناء عكا ، وهذه مسألة وقفت عندها بشيء أكثر من التفصي ، ووثقتها في عدد من مجلدات موسوعتي هذه عن الحروب الصليبية.

وجبت سلطات نيابة صفد ضرائب أخرى فرضتها على الممتلكات من دور وحوانيت وحمامات وأفران وطواحين ، وكانت تجبى شهريا أو كل شهرين ، كما جبت الضرائب من صناعات الحياكة وغيرها من الحرف ، وكانت هنالك ضرائب مفروضة على المراعي ، والأغنام والأبقار والجواميس ، وعلى البضائع المصدرة ، وكل السلع التي كانت تباع يوميا في الأسواق إما من البائع أو من المشتري أو من الاثنين معا.

وعمدت السلطات المملوكية في أوقات الطوارىء والأزمات إلى فرض المزيد من الضرائب لتمويل الحملات العسكرية ، وكان هذا كثير التكرار والوقوع (٧٤).

ولم يكن لنيابة صفد دار سكة خاصة بها ، وعلى هذا تعامل سكانها


بالنقود نفسها التي راجت في السلطنة المملوكية واعتمدت ، وذلك من دنانير ودراهم وفلوس ، وتأثروا بالتالي بأزمات النقد ومشاكل «زغل العملة» وغيرها مما عانى منه العصر المملوكي ، ولا سيما في المدد المتأخرة (٧٥).

ومثلما تعامل سكان نيابة صفد بنقود السلطنة المملوكية ، اعتمدوا أيضا موازين الشام ومكاييلها ومقاييسها بشكل عام ، وارتبطت أوضاع النيابة الاقتصادية بأوضاع مدن الشام بشكل خاص ومدن السلطنة المملوكية بشكل عام (٧٦).

بعد هذا العرض العام لأوضاع نيابة صفد بقي علينا ـ قبل استعراض أهم ما شهدته من حوادث سياسية وما شاركت به ـ أن نتعرض للأوضاع الثقافية والحضارية فيها والاجتماعية ، لكن بما أن الأوضاع الثقافية والاجتماعية لم تلتزم بالحدود والتقسيمات الإدارية ، فإنني تناولتها بشكل إجمالي في فلسطين ضمن إطار بلاد الشام والسلطنة المملوكية مع عالمي العروبة والإسلام وذلك بشكل خاص في كتابي فلسطين في العصر المملوكي.

لقد أنشئت نيابة صفد لتقوم بدور التصدي للصليبيين في عكا والمناطق الأخرى ، ولهذا وضعت فيها حامية عسكرية كبيرة ، وكانت رتبة المتولي لها أعلى رتبة في الجيش المملوكي ، وبالفعل شاركت عساكر صفد مع المتطوعة من سكانها في النشاطات العسكرية الدفاعية والهجومية ضد الصليبيين حتى تمت تصفية وجودهم نهائيا ، وفي تلك الأثناء وبعدها شاركت قوات صفد في الأعمال العسكرية العامة للسلطنة المملوكية من تصد للمغول إلى الحملات الخارجية لا سيما ضد مملكة أرمينيا الصغرى وقوى آسيا الصغرى. أضف إلى هذا أن بلاد الشام شهدت خلال العصر المملوكي عددا من أعمال العصيان والثورات والصراعات على السلطنة ، وكان لعساكر صفد دورها في هذا كله ، ولقد كان من المهام الملقاة على


عساكر صفد ضبط الأمن في ديار النيابة والحفاظ على الاستقرار ، وبما أن نيابة صفد مثلها مثل غيرها من نيابات الشام قد حوت زعامات محلية طموحة وقوية ونشطة ، فإن حامية صفد اصطدمت بهذه الزعامات أو تدخلت لفض الخصومات بين فئاتها.

حول هذه المحاور دار التاريخ السياسي لنيابة صفد ، وهو بالواقع سجل أعمال عسكرية بالدرجة الأولى ، وليس هذا بالمستغرب فتلك هي الصورة التي يعكسها التاريخ المملوكي.

لقد شاركت عساكر صفد في الحملات المملوكية التي زحفت شمالا ضد سيس عاصمة مملكة أرمينيا الصغرى (كليكيا) في السنوات ٦٩١ ه‍ / ١٢٩٢ م ، ٦٩٧ ه‍ / ١٢٩٨ م ، ٧٠٣ ه‍ / ١٣٠٣ م ، ولم تنفرد خلال ذلك بدور متميز فيذكر (٧٧).

وكان لعساكر صفد قوات رديفة جندت من البدو وسواهم وكان للمتطوعة من الشعب وجود ومشاركة في الجيوش المملوكية التي تولت الدفاع عن بلاد الشام ضد الخطر المغولي في مطلع القرن الثامن ، عندما كانت السلطنة المملوكية تحكم من قبل المماليك الأتراك ، وليس في المصادر ما يوحي بحجم القوات الصفدية أو النفقات المالية التي تحملتها النيابة وآثار ذلك عليها (٧٨).

وكان تاريخ المماليك الأتراك قد ارتبطت بدايته بموجة الحملات المغولية الأولى ، والمدهش حقا أن انحسار سلطان هؤلاء المماليك وحلول المماليك الشركس محلهم قد ارتبطت بداياته بوصول الموجة المغولية الثانية بقيادة تيمورلنك ، وقد أخفقت السلطنة المملوكية في التصدي له ، ولم يكن هنالك أي نوع من الانتصارات يشبه ما حدث في عين جالوت ، بل هزائم وتخاذل مخز.

ففي رجب سنة ٧٩٦ ه‍ / أيار / مايو ١٣٩٣ م خرج نائب صفد الأمير


أرغون شاه الإبراهيمي مع عساكر مملكته وانضم إلى نواب الشام الذين توجهوا إلى حلب للمرابطة بها ، والدفاع عنها ضد تيمورلنك (٧٩) ، ولم يزحف تيمورلنك هذه السنة ضد بلاد الشام بل فعل ذلك بعد سبع سنوات في سنة ٨٠٣ ه‍ / ١٤٠٠ م ، وفي ربيع الأول ٨٠٣ ه‍ / تشرين الثاني / نوفمبر ١٤٠٠ م خرج الطنبغا العثماني نائب صفد مع قواته وانضم إلى نواب الشام الذين زحفوا نحو حلب للتصدي لجيوش تيمورلنك ، وكان تيمورلنك قد عقد العزم على الاستيلاء على بلاد الشام ومصر والشمال الإفريقي أيضا وأعد العدة في سبيل ذلك ، وأخفقت العساكر المملوكية في الدفاع عن حلب وانسحبت إلى دمشق ، ودخل تيمورلنك حلب مدمرا وقاتلا بشكل وحشي لا نظير له ، وبعد هذا زحف ضد بقية مدن الشام فاستولى عليها كما استولى على دمشق نفسها. إلا أنه تجددت أمامه ظروف حالت بينه وبين التوجه نحو مصر (٨٠).

وبعد تيمور تعاظمت الضغوط على السلطنة المملوكية ولا سيما بحريا ، ولهذا عزمت السلطات المملوكية على الاستيلاء على قبرص ، وبالفعل أعدت الأساطيل لهذا الغرض ، ونشطت لاحتلالها ، وشاركت نيابة صفد في هذا المقصد ، ففي سنة ٨٢٧ ه‍ / ١٤٢٤ م صدرت أوامر السلطنة إلى نائب صفد الأمير سيف الدين مقبل الرومي ، بتجهيز سفينة حربية لتشترك مع العمارة البحرية المملوكية المرسلة لاحتلال قبرص ، وقد تعين للاشتراك في هذه الحملة أتابك عساكر صفد مع مماليك النائب ومقدمهم (٨١).

ولقد حركت حملات تيمورلنك المختلفة قبائل تركستان وسواها وسببت دفع قبائل تركية جديدة نحو المناطق الحدودية لبلاد الشام ولا سيما في الشمال ، وكان من بين أهم القبائل مجموعة عرفت باسم الشاة البيضاء (الآق ـ قونيلو). واضطرت السلطنة المملوكية إلى تجديد الحملات ضد الآق ـ قونيلو ، ومن بين الحملات واحدة قادها


السلطان الأشرف برسباي سنة ٨٣٦ ه‍ / ١٤٣٣ م ، وقد شاركت عساكر نيابة صفد في هذه الحملة (٨٢).

وكان المماليك الأوائل قد ركزوا نشاطاتهم في شمالي بلاد الشام ضد دولة أرمينيا الصغرى ، وبعد زوال هذه الدولة ظهر في بعض مناطقها السالفة دويلة تركمانية جديدة اسمها «دلغادر» (ذولقادر) في «أبلستان».

وقد هددت هذه الدولة حلب وأراضي شمالي بلاد الشام ، وجردت السلطنة المملوكية جيوشها ضدها ، وشاركت عساكر صفد في الحملات المملوكية التي جردت في المدة المحصورة فيما بين ٨٧٠ ـ ٨٧٥ ه‍ / ١٤٦٥ ـ ١٤٧٠ م (٨٣).

وحاولت السلطنة المملوكية وضع دويلات التركمان في مناطق الحدود الشمالية تحت نفوذها مستهدفة من وراء ذلك استخدامها كحاجز بينها وبين الدولة العثمانية المتنامية القوى والمطامح في آسيا الصغرى وأوربا الشرقية ، لكن السياسة المملوكية أخفقت ، وحدثت صدامات مباشرة مع العثمانيين ، كان الحاسم فيها معركة مرج دابق في ٢٥ رجب سنة ٩٢٢ ه‍ / ٢٤ آب / أغسطس ١٥١٦ م. وكانت عساكر صفد ضمن جيش السلطنة المملوكية ، وقتل في هذه المعركة الأمير طراباي نائب صفد ، ودخلت بلاد الشام ، ومن ثم مصر تحت السلطان العثماني ، وانتهى بهذا العصر المملوكي (٨٤).

لقد عاشت نيابة صفد وسط دوامة أحداث بلاد الشام في العصر المملوكي وشاركت بشكل أو آخر في حركات التمرد التي قام بها نواب الشام ، ولا سيما في دمشق ، فعندما تمرد الأمير سنقر الأشقر على السلطان قلاوون سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٨٠ م وأعلن نفسه سلطانا في بلاد الشام مال نحوه الأمير علاء الدين الكبكي نائب صفد ، فأقره سنقر في منصبه ، وشارك بعد ذلك في القتال الذي دار ضد قلاوون أولا قرب غزة ثم قرب الكسوة في أحواز دمشق وانتصر قلاوون وعادت بلاد الشام إلى


حوزته ، ولهذا تناول العزل نائب صفد علاء الدين الكبكي ، وحل محله الأمير علم الدين الألدكزي (٨٥).

وسعى في سنة ٧٤٧ ه‍ / ١٣٤٦ م الأمير يلبغا اليحياوي الناصري نائب دمشق إلى خلع الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون ، وتعيين أخيه حاجي بن محمد مكانه ، لأن شعبان كان يكثر من اعتقال الأمراء بدون مسوغ ، وحاول يلبغا استمالة نواب الشام إلى جانبه ، فانضم إليه نائب صفد الأمير سيف الدين آراق الفتاح ، ونواب : حمص ، وحماة ، وطرابلس ، وأخفقت هذه المحاولة ، وعزل نائب صفد آراق الفتاح في ٢٥ شعبان ٧٤٧ ه‍ / ١١ كانون الأول ـ ديسمبر ١٣٤٦ م ، وعين موضعه أرغون شاه (٨٦).

وبعد مضي خمسة أعوام عزم الأمير بيبغا روس نائب حلب على خلع السلطان الناصر حسن ، فمال إليه عدد من نواب الشام كان من بينهم الأمير الطنبغا برناق نائب صفد ، وقد دخلت القوات المتحالفة ، ومنها قوات صفد ، دمشق في ٢٤ رجب ٧٥٣ ه‍ / ١٤ ايلول / سبتمبر ١٣٥٢ م.

ونشب بعد هذا خلاف بين زعماء الحركة قاد إلى القضاء عليها من قبل القوات الموالية للسلطان في دمشق. وألقي القبض على عدد من هؤلاء الزعماء وجرى قتلهم في رمضان ٧٥٤ ه‍ / تشرين أول ـ أكتوبر ١٣٥٣ م وكان الطنبغا برناق نائب صفد بين القتلى (٨٧).

وفي سنة ٧٧٩ ه‍ / ١٣٧٧ م قام نائبا السلطنة في دمشق وحلب بحركة عصيان احتجاجا على تحكم الأمير اينبك بشؤون السلطنة ، وفي تلك الأثناء صدر أمر بعزل تمرباي الدمرداشي نائب صفد ، فرفض إطاعة الأمر ، وانضم إلى نائبي دمشق وحلب ، وانتهت هذه الحركة بنجاح ، فتم طرد اينبك من منصبه ، وحل محله طشتمر نائب دمشق ، وزعيم التمرد ، فصار أتابكا للعساكر في القاهرة (٨٨).


وتورطت نيابة صفد في الصراعات التي قامت أثناء انتقال مقاليد السلطة من المماليك الأتراك إلى المماليك الشراكسة ، وحدث صراع بين السلطان الظاهر برقوق ، وبين الأميرين : تمربغا الأشرفي ، الذي عرف باسم منطاش ، ويلبغا الناصري (٨٩) ، وخلع برقوق واعتقل بالكرك سنة ٧٩١ ه‍ / ١٣٨٩ م ، واستبد إثر هذا منطاش بالسلطة واعتقل شريكه يلبغا الناصري ، وتخلص برقوق من سجنه وتوجه نحو دمشق فحاول نائبها منعه.

وعندما وصلت أخبار ذلك إلى صفد ، خرج نائبها قطلوبغا على رأس قواتها ، وتوجه نحو دمشق لمساعدة نائبها ضد برقوق ، وكانت فرصة اغتنمها واحد من مماليك برقوق واسمه يلبغا السالمي ، فاستمال طائفة من مماليك صفد ، فتمكنت من الإفراج عن الأمراء الموالين لبرقوق ، الذين كانوا مودعين في سجن قلعة صفد ، وتمكن من صفد وبات يديرها باسم برقوق. ودخل برقوق إلى صفد في ٧ محرم ٧٩٢ ه‍ / ٢٦ كانون الأول / ديسمبر ١٣٨٩ م ، واستناب فيها واحدا من الأمراء الموالين له ، وكان اسمه إياس الجرجاوي (٩٠).

وعاد برقوق إلى السلطنة ، وهرب منطاش نحو دمشق ، ومنها أخذ يسعى لاسترداد السلطنة ، فأرسل في عام ٧٩٢ ه‍ / ١٣٩٠ م جيشا بقيادة قطلوبغا إلى مصر ، حيث وضع نفسه تحت تصرف السلطان برقوق.

وبعد مضي شهرين جدد منطاش محاولته ضد صفد ، فأخفق ، واستمرت حامية المدينة في موقفها الموالي لبرقوق ولم تتبدل حتى انتهى الصراع سنة ٧٩٥ ه‍ / ١٣٩٣ م وقضي على منطاش (٩١).

إن ما قامت به صفد خلال هذه الأحداث يشير إلى مدى أهميتها ، فقد غدت محطة للانطلاق إلى دمشق ، وللتوجه نحو مصر ، أو لمنع أية قوات تريد مصر من الشام من التقدم.


وتوفي برقوق سنة ٨٠١ ه‍ / ١٣٩٩ م ، وولي السلطنة بعده ابنه فرج بوصية منه ، وسرعان ما اضطربت الأحوال وبات الصراع على السلطة في مصر وغيرها حادا ودمويا بين صفوف المماليك الشراكسة أنفسهم ، وبينهم كجماعة ، وبين المماليك الأتراك ، ولهذا عانت بلاد الشام ككل ، ونيابة صفد بمفردها من هذه الصراعات كثيرا.

وفي هذه الأثناء كان الضعف قد ألم بالكيان المملوكي وبالبناء العسكري للسلطنة ، ونشطت الميليشيات المحلية (زعر ـ حرافيش) في المدن الشامية الكبرى ، وفي الوقت نفسه تهيأت الفرصة مجددا أمام عشائر البدو لتسهم في الصراعات على السلطة ولتتصارع محليا (٩٢).

وبعدما تولى فرج بن برقوق السلطة خرج عليه الأمير تنم الحسني نائب دمشق ، وسعى إلى استمالة نواب الشام إلى جانبه ، وبالفعل انضم إليه نائب صفد الأمير الطنبغا العثماني ، لكنه تخلى عنه وعاد إلى طاعة السلطان بعدما هزمت عساكره أمام جيوش فرج بن برقوق قرب غزة سنة ٨٠٢ ه‍ / ١٤٠٠ م (٩٣).

وفي سنة ٨٠٧ ه‍ / ١٤٠٤ م خرج الأمير جكم نائب حلب عن الطاعة للسلطان ، وما لبث أن أيده الأمير شيخ المحمودي نائب دمشق مع عدد آخر من أمراء الشام ، ورفض نائب صفد الأمير بكتمر شلق الانضمام إلى حركة العصيان ، فحاول شيخ المحمودي أخذ صفد على حين غرة فأخفق ، وهنا قرر أخذها عنوة فجهز المعدات الثقيلة والأسلحة الجماعية ، وحشد قوات دمشق وعشائرها وزحف ضد صفد ، ونزل عليها محاصرا في ٢٠ شعبان ٨٠٧ ه‍ / ٢٢ شباط / فبراير ١٤٠٥ م ، وطالب أن تسلم له المدينة ، فرفض بكتمر شلق ، واتخذ موقف الدفاع فقصف شيخ قلعتها وأجزاء من المدينة مما عرضها للهدم كما قطع أشجار المدينة ، وبعد مضي قرابة الشهر وصل جكم إلى دمشق فرفع شيخ الحصار عن صفد وتوجه إلى دمشق حيث اجتمع بحليفه وقررا معا الزحف نحو


مصر لخلع فرج بن برقوق ، وبينما هما في طريقهما إلى مصر بعثا بقوة ضد صفد فأخفقت من جديد ، فعادت وانضمت إلى وحداتهما ، هذا وأخفقت أيضا جهود جكم وشيخ في خلع فرج بن برقوق (٩٤).

ولم يطل الأمر حتى نشب خلاف بين شيخ المحمودي وجكم وبناء عليه مال شيخ إلى الطاعة ، وظل جكم على موقفه في العصيان ، وقاد هذا إلى الحرب بينهما ، وكانت أهم المعارك بينهما واحدة وقعت قرب الرستن على العاصي بين حمص وحماة في سنة ٨٩٨ ه‍ / ١٤٠٦ م ، وانتصر جكم فسيطر على دمشق وصفد والصبيبة (قلعة بانياس) وغزة والكرك ، وعين جكم لحكم هذه النيابات الأمير نوروز الحافظي (٩٥).

واقتضت الأحوال الآن قدوم فرج بن برقوق إلى بلاد الشام حيث تمكن من استعادتها ، فعين مجددا الأمير شيخ المحمودي نائبا لدمشق ، ولم يمكث السلطان الناصر فرج بن برقوق طويلا في الشام بل عاد إلى القاهرة ، فعادت الصراعات إلى أرض الشام ، وخلال ذلك استولى الأمير سودون الحمزاوي على مدينة صفد لصالح جكم ونوروز الحافظي ، ذلك أنهما عادا إلى دمشق وطردا شيخا المحمودي منها ، ولجأ شيخ إلى نيابة صفد في جمادى الآخرة ٨٠٩ ه‍ / تشرين الثاني / نوفمبر ١٤٠٦ م ، واستقر في مدينة صفد بينما تحصن سودون الحمزاوي في القلعة ، وهرب سودون إلى غزة ، وانفرد شيخ المحمودي بحكم نيابة صفد (٩٦).

وفي رمضان من سنة ٨٠٩ ه‍ / شباط فبراير ١٤٠٧ م أعلن جكم في حلب نفسه سلطانا باسم «الملك العادل أبو الفتوح عبد الله جكم» وضربت السكة باسمه «وتغلب نوروز على الشام من جهة جكم ، وخطبوا باسمه من غزة إلى أقصى بلاد حلب ، ما خلا صفد لوجود شيخ فيها» (٩٧).


ولم يطل الوفاق بين فرج بن برقوق وشيخ المحمودي ، وعزم شيخ على خلع السلطان الناصر فرج وتنصيب نفسه مكانه ، وهكذا ما أن انتهى الصراع بين فرج بن برقوق وجكم حتى تفجر بشدة أعظم بين شيخ المحمودي وفرج بن برقوق ، وكانت أرض الصراع بينهما جميع النيابات الشامية بما في ذلك صفد ، فقد ظلت صفد في حوزة الناصر فرج بن برقوق ، وفي سنة ٨١٢ ه‍ / ١٤٠٩ م حاول شيخ الاستيلاء على صفد بقوة السلاح فأخفق ، فعمل على استمالة الأمير علان العثماني نائب قلعة صفد إلى جانبه ، فاعتقل له الطنبغا العثماني نائب صفد ، وتولى شؤون النيابة وحكمها باسم شيخ المحمودي.

وتحرك الناصر فرج من القاهرة يريد الشام ، ولدى وصوله إلى غزة ثار أهل صفد بالأمير علان العثماني وطردوه منها ، وما لبث شيخ أن بعث إلى صفد سودون المحمدي نائبا لها ، لكن سودون هذا ذهب إلى دمشق وآثر الانضمام إلى صفوف السلطان فرج بن برقوق ، فبعث شيخ من جديد نائبا له إلى صفد اسمه الأمير سودون بقجة (٩٨).

وتوجه سودون بقجة نحو صفد ففوجىء أن السلطان الناصر فرج بن برقوق قد بعث بالأمير شاهين الزردكاش نائبا عنه إلى صفد ، وأن هذا النائب قد تسلم عمله فيها ، وطبعا أقدم على منع سودون بقجة من الدخول إليها ، وبناء عليه حشد شيخ المحمودي قواته الخاصة مع أنصاره من القبائل العربية (العشير) وبعث بالجميع ضد صفد في سنة ٨١٢ ه‍ / ١٤١٠ م ، وبذلت قوات شيخ جهدا كبيرا للاستيلاء على صفد ، لكنها أخفقت لما لقيته من مقاومة ولوصول نجدات إلى حاميتها من غزة ، وأفاد من هذا الصراع والفوضى الناجمة عنه قوات (العشير) فعاثت فسادا ونهبا في المناطق الشمالية من نيابة صفد (٩٩).

وانتهى الصراع المدمر بين فرج بن برقوق وشيخ المحمودي بإقصاء فرج عن السلطنة في سنة ٨١٥ ه‍ / ١٤١٢ م ، وحلول شيخ المحمودي


محله ، لكن هذا الأمر لم ينه الصراع المدمر في بلاد الشام ، ففي الوقت الذي اعترفت فيه نيابة صفد بسلطنة شيخ ، وفي أن يتولاها الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش ، رفض نوروز الحافظي نائب دمشق الاعتراف بشيخ ، وسعى إلى الانفراد ببلاد الشام ، ولذلك هاجمت قوات نوروز الحافظي صفد لكنها أخفقت في أخذها ، ثم مالبث أن تبددت قوى نوروز وقدم السلطان المؤيد شيخ المحمودي إلى الشام حيث وضعها تحت سلطانه (١٠٠).

لقد لحق نيابة صفد أضرارا جسيمة أثناء تولي فرج بن برقوق للسلطنة ، فقد كانت أراضيها مسرحا للمعارك بين القوى المتصارعة مما أدى إلى تدهور الأمن فيها ، وعم الفساد وعظمت المضار الاقتصادية ، وخربت القرى ، وتعاظمت نشاطات «العشير» ، وهكذا كتب لنيابة صفد أن تتدهور الأوضاع فيها أسوة بما لحق ببلاد الشام أجمع (١٠١).

وسعى السلطان المؤيد شيخ المحمودي إلى إعادة تنظيم السلطنة المملوكية ، وبعث الحياة فيها من جديد ، وإعادة الاستقرار إلى بقاعها ، وقد حقق بعض النجاحات ، لكنه أخفق كما أخفق من سبقه في إيقاف الصراعات على السلطنة بين أمراء المماليك ، ولم تتوقف أيضا أعمال العصيان في بلاد الشام مما كان له آثاره على نيابة صفد.

وفي سنة ٨٢٧ ه‍ / ١٤٢٥ م خرج الأمير تنبك البجاسي نائب دمشق على طاعة الأشرف برسباي ، وقد شارك نائب صفد مقبل الحسامي الرومي وعساكر مملكته في القضاء عليه (١٠٢).

وفي سنة ٨٤٢ ه‍ / ١٤٣٨ م خرج الأمير إينال الجمكي نائب دمشق على الطاعة ، وقد حاول استمالة الأمير إينال الأجرود نائب صفد إلى جانبه فأخفق ، وعلى العكس شاركت عساكر صفد في القضاء على هذا العصيان ، ثم شاركت مجددا سنة ٩٠٣ ه‍ / ١٤٩٧ م في القضاء أيضا على عصيان نائب دمشق (١٠٣).


ويلاحظ أن المشاركات المذكورة من قبل قد جاءت المبادرة فيها من خارج نيابة صفد ، لكن الأمر لم يقتصر على هذا بل حدث وفجر بعض نواب صفد أعمال عصيان خاصة بمبادرة منهم ، من ذلك أنه في سنة ٧٤٢ ه‍ / ١٣٤٢ م عين السلطان أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون الأمير بيبرس الأحمدي نائبا للسلطنة في صفد ، ثم قام في العام التالي ـ وكان قد جاء إلى قلعة الكرك ـ بمحاولة القبض على هذا النائب ، فأصدر تعليماته إلى بعض أمراء صفد بإلقاء القبض عليه ، فبلغ بيبرس الخبر ففر من صفد إلى دمشق ، وهنا كتب السلطان أحمد إلى أمراء دمشق بالقبض عليه ، فتمنع بيبرس وأعلن أن الطاعة للسلطان عندما يكون مقيما في مصر ، لكنه هو مقيم الآن في الكرك لا طاعة له وبخاصة لأنه يسعى فقط في سبيل قتل أمراء الدولة أو طردهم من الخدمة.

وأصغى أمراء دمشق إلى ما قاله بيبرس ، وانقلبوا على السلطان أحمد ، وكتبوا إلى مصر بضرورة خلعه ، وبالفعل جرى خلع هذا السلطان ، وأرسلت القوات ضده إلى الكرك ، وقد شاركت عساكر صفد بذلك حتى سقط نهائيا (١٠٤).

وحدث ثانية في سنة ٧٥١ ه‍ / ١٣٥١ م أن وثب نائب صفد الأمير أحمد الساقي على قلعة المدينة واعتصم بها ، وفعل ذلك بعدما بلغه أن النية معقودة على عزله وسجنه ، وأرسلت قوات دمشق ضده وحاصرته حتى ألقي القبض عليه في محرم ٧٥٢ ه‍ / آذار / مارس ١٣٥١ م وأرسل ليسجن في الإسكندرية (١٠٥).

كما حدث في سنة ٨٢٤ ه‍ / ١٤٢١ م أن أعلن الأمير ططر نفسه سلطانا ، لكن ما لبث أن داهمه المرض فتنازل عن السلطنة لابنه ومات ، فقام إثر ذلك الأمير برسباي بخلع ابن ططر ، وأحل نفسه محله بالسلطنة ، وكان ططر أثناء سلطنته قد عين الأمير إينال الظاهري نائبا للسلطنة بصفد ومعه أخوه نائبا في القلعة.


ولدى سماع إينال بخلع ابن سيده ططر وسلطنة برسباي شق عليه ذلك ، فرفض الاعتراف بما حدث ، واتفق مع أخيه فأخرجا الأمراء المساجين بالقلعة واعتقلا من لم يوافقهما ، وكان هذا في ٨٢٥ ه‍ / ١٤٢٢ م.

وحاول إينال استمالة «العشير» في منطقة صفد فأخفق فاصطدم به وهزم ، فتخلى عنه الأمراء الذين أطلق سراحهم من سجن قلعة صفد والتحقوا بدمشق.

وبلغ السلطان الجديد «برسباي» ما حدث فبعث إلى نائب دمشق يأمره بتجريد قواته ضد إينال ، وعين حاجب دمشق الأمير مقبل الحسامي نائبا جديدا لصفد ، وسارت عساكر دمشق نحو صفد فحاصرتها مع القلعة حتى استسلم إينال ، فألقي القبض عليه وعلى أعوانه ، وأرسلوا إلى القاهرة ، وتسلم مقبل الحسامي نيابة صفد (١٠٦).

لعل أهم ما تشير إليه هذه الحادثة هو دور القبائل البدوية «العشير» في تقرير مستقبل نيابة صفد ، ومفيد أن نولي هذا الجانب الاهتمام اللائق به.

ظل البداة العرب يملكون القدرة على إحداث التغيير السياسي في بلاد الشام حتى أواخر القرن الخامس هجري / الحادي عشر ميلادي ، حيث أزاحهم عن مسرح الأحداث المهاجرون البداة من الغز والتركمان ، وتواءم هذا مع قيام الحروب الصليبية والتحولات التي ألمت بالإدارة العسكرية المسلمة في بلاد الشام ، حيث سارت نحو الاحتراف المطلق والحصر الكامل بأيدي مجموعات من العسكريين التركمان ، ثم الأكراد ، وأخيرا المماليك ، واحتكر المماليك العمل العسكري وحاولوا الاستبداد بكل شيء ، ومنع غيرهم من النشاط الذي له صبغة عسكرية ، لأنهم أدركوا أن في ذلك تهديدا لوجودهم ، ومنزعا نحو الاستقلال من قبل أهل الشام.


وعلى الرغم من جميع الجهود التي بذلها المماليك فإن الروح العسكرية لم تمت لا بين سكان المدن ، ولا بين العشائر البدوية ، فالنزعة القتالية متأصلة لدى البداة ، وروح الجهاد متمكنة لدى المسلمين من سكان المدن ، وكان لشعب المدن مشاركة فعالة في معارك التحرير وتصفية الوجود الصليبي ، وعندما بدأ الضعف يدب في أوصال المؤسسة العسكرية المملوكية ازدادت بالمقابل قوة الطوائف المحلية ولا سيما البدوية منها.

قال شيخ الربوة أثناء حديثه عن أعمال صفد : «ومن أعمالها كفركنا ، وهي قرية كبيرة بها مقدمو العشائر ورؤساء الفتن والهوى ، يسمون قيس الحمراء ... ومن أعمال صفد مدينة اللجون وهي مضافة إلى العشير والهوى. واليمن أهل الناصرة ، كما أن أهل كفركنا هي قيس» (١٠٧).

ومثل هذا ما نلحظه لدى القاضي العثماني ، فقد قال أثناء حديثه عن الناصرة : «إن أهلها في هذا الزمن رأس عشير يمن ، كما أن أهل كفر كنا رأس عشير قيس» ثم قال : «وبكفر كنا مقدمو العشران أمراء طبلخانات ، وهم رأس قيس أهل فتن وأهواء» ووصف الوضع في اللجون بقوله : «وهو من عشير يمن ، وكذلك جميع مرج بني عامر» (١٠٨).

على هذا كان في نيابة صفد عدد من القبائل العربية انتسبت إما إلى قيس (عدنان) أو إلى يمن (قحطان) حسب القاعدة الموروثة في تاريخ العرب ، لكن شيخ الربوة والعثماني لم يعطيانا شيئا من التفاصيل عن أسماء كل مجموعة قبلية ، وإلى من انتسبت من قيس أو يمن عدا عن أماكن توطنها وأسلوب عيشها وإدارتها ومدى حجمها وقوتها ، ولعل سبب ذلك هو طبيعة النظام المملوكي وكون نشاط القبائل العربية كان محدودا لم يصل إلى مسامع مؤرخي السلطنة في مصر بل عرف به الشاميون فقط.


لكن هذه الصورة تبدلت مع مطلع القرن التاسع ه / الخامس عشر م ، حيث أخذت تتوفر لدينا معلومات أكثر تفصيلا ولا سيما حول عشيرتين هما : حارثة وبشارة ، وبتنا نقف على أخبار بعض مشاركاتهما لا سيما في عهد السلطان الناصر فرج بن برقوق ، أثناء الصراع بينه وبين شيخ المحمودي ، فلقد وجدت القوى المتصارعة أنها بحاجة إلى من يردفها ويقدم لها العون ، فأقبلت على تجنيد القوى البدوية ، ولنحاول إلقاء بعض الأضواء على هاتين المجموعتين الرئيسيتين :

(أ) حارثة : سلف وذكرنا أن قبيلة طيء كانت قد اتخذت من فلسطين ديارا لها ، ويبدو أن حارثة التي قطنت نيابة صفد كانت من طيء ، فهذا ما توحي به المواد التي أثبتها القلقشندي في كتابه قلائد الجمان في التعريف بقبائل الزمان (١٠٩). ويرجح أن حارثة قد كانت بين «عشير» جبال صفد واللجون وقاقون ، الذي تولى نهب القوات المملوكية المتراجعة أمام ضغط تيمورلنك سنة ٨٠٣ ه‍ / ١٤٠١ م ، والذي أغار على الرملة ونهبها منتهزا فرصة الفوضى الناجمة عن حملة تيمورلنك (١١٠).

ووقع في هذا العام صدام بين حارثة وسلطات صفد المملوكية ، فقد أغارت حارثة بقيادة أميرها متيريك بن قاسم بن متيريك على صفد ، ونهبت أموالها وأموال الأمراء والجند والمماليك الذين فروا من دمشق إليها ، وفي تلك الآونة قدم إلى صفد الأمير دقماق المحمدي نائبا لها ، فهاجم متيريك فهزم من قبله مما دفعه إلى الاستنجاد بشيخ المحمودي ، وكان نائبا لطرابلس ، وهاجمت القوة المملوكية الموحدة متيريك ، فهزمته وقتلت عددا من أتباعه وأسرت اثنين من أولاده فقتلتهما ، وسلبت له ستة آلاف بعير ، وسمع بهذا الأمير جكم ، فكاتب النائبين يطلب منهما الصفح عن متيريك وإعادة ما نهب له ، ومعروف أن جكم كان آنذاك خارجا على السلطان ، ولا شك أنه كان متحالفا مع متيريك أو يهدف إلى التحالف معه (١١١).


وعلى الرغم مما حل بمتيريك ، فإنه تابع نشاطه وغاراته حتى اعتقله سودون الحمزاوي نائب صفد في شوال سنة ٨٠٤ ه‍ / أيار / مايو ١٤٠٢ م ، ثم قام في صفر من العام التالي ٨٠٥ ه‍ / ايلول / سبتمبر ١٤٠٢ م بقتله والتمثيل بجثته (١١٢).

ولا ندري من خلف متيريك في إمارة حارثة ، وكل ما وصلنا هو أنه في سنة ٨٠٩ ه‍ / ١٤٠٧ م ، جرى صلح بين فرج بن برقوق وشيخ المحمودي ، وغلب على دمشق الأمير نوروز الحافظي ، وبلغ نوروز تحرك برقوق نحو الشام فجهز الأمير سودون المحمدي في عسكر إلى الرملة ، وأمره بشنق فواز أمير عرب حارثة فشنق (١١٣).

ولعل الأمير فواز هذا كان من أولاد متيريك ، ويبدو أن إمارة حارثة صارت من بعده إلى الحسن بن قاسم بن متيريك ، وورد ذكر الحسن بن قاسم في أخبار الصراع الذي دار حول صفد بين السلطان فرج بن برقوق وشيخ المحمودي سنة ٨١٢ ه‍ / ١٤١٠ م ، وقد وقف إلى جانب فرج بن برقوق ، ولعله نتيجة لذلك منح لقب «مقدم» فهذا ما قرن به اسمه لدى الحديث عنه (١١٤).

ليس في المصادر بعد هذا إشارات لبني حارثة ، ولا نعرف بالتأكيد ما آل إليه أمرها ، فقد تكون قد جلت عن ديار صفد أو تغير اسمها.

(ب) بشارة : وأما بالنسبة لقبيلة بني بشارة فليس لدينا خبر موثق حول أصلها وإلى من انتمت ، وأول ظهور مدون لها جاء في أحداث سنة ٨٥٧ ه‍ / ١٤٠٥ م لدى ذكر حملة شيخ المحمودي على صفد ، فقد كان بصحبته «أحمد بن بشارة» وعشرانه (١١٥). ولعل في وقوف هذه القبيلة في الصف المعارض للذي وقفت حارثة إلى جانبه ما يوحي أنها كانت من أصل قيسي.

وبعد تصالح شيخ المحمودي والسلطان فرج بن برقوق ، أيد بنو


بشارة ذلك ووقفوا موقف المعارض لنوروز الحافظي المتغلب على دمشق ، فخرج «ومعه العسكر إلى قصد قتال ابن بشارة» (١١٦).

وثابر بنو بشارة على موقفهم فقد كانوا سنة ٨١٠ ه‍ / ١٤٠٨ م بقيادة ثلاثة إخوةهم : حسين ومحمد وحسن بصحبة قوات نائب صفد الأمير بكتمر شلق التي تصدرت لنوروز الحافظي لدى محاولته الاستيلاء على صفد (١١٧).

واستغل بنو بشارة حالة الفوضى والاضطراب التي سادت الشام ، وديار صفد ، فعاثوا سنة ٨١١ ه‍ / ١٤٠٩ م فسادا في الأجزاء الشمالية من نيابة صفد وأضروا بالسكان ، وهزموا الجند الذين خرجوا ضدهم (١١٨).

واشترك بنو بشارة سنة ٨١٢ ه‍ / ١٤١٠ م إلى جانب فرج بن برقوق في حربه ضد جماعة شيخ المحمودي بعدما تفجر الخلاف بينهما من جديد ، وكان مع فرج في حربه من البداة بنو حارثة بقيادة الحسن بن القاسم وغيرهم من أبناء العشائر ، وانتصر فرج هذا العام ، الأمر الذي استغله بنو بشارة فنهبوا المنطقة وعاثوا فسادا في الأجزاء الشمالية الشرقية من النيابة (١١٩).

وكانت قد تأصلت في بلاد الشام مناصب بين القبائل البدوية ، كان منها إمرة عرب الشام ، ومقدمية عرب منطقة من المناطق ، وهذا ما عمل به في نيابة صفد ، فقد وجد منصب سمي مقدميه عرب صفد أو «تقدمة العشير» ويرجح قيام تنافس بين حارثة وبشارة على هذا المنصب ، فلقد رأينا الحسن بن قاسم بن متيريك يحمل هذا اللقب في حين حمل سلفه لقب أمير ، والإمارة كما هو معلوم أعلى مرتبة وأهم مكانة ، وقد احتلت تقدمة العشير في النظام المملوكي المرتبة الرابعة والأخيرة بين وظائف أصحاب السيوف ، ويبدو أنه توجب على مقدم العربان في نيابة صفد أن


يقوم بعدد من المهام لصالح الدولة ، مثل الحفاظ على طرق المواصلات وحفظ الأمن والمشاركة في حملات السلطنة ، والمساهمة في القضاء على حركات التمرد والعصيان ، والمساعدة على جمع الضرائب (١٢٠).

ويروى أنه في سنة ٨١١ ه‍ / ١٤٠٩ م كتب ناصر الدين محمد ، وبدر الدين حسن ابنا أحمد بن بشارة إلى السلطان يطلبان تقدمة العشير في نيابة صفد حسب عادتهما مقابل مبلغ ثمانية آلاف دينار يحملانها إليه ، ووافق السلطان ، وكتب مرسوما باستقرارهما «في تقدمة العشير بمعاملة صفد ... ففرضا على أهل النواحي مالا كبيرا جبوه لنفسيهما ولم يصل منه شيء إلى السلطان» (١٢١).

ولم تؤد تقدمة العشير هذه إلى جباية الأموال بغير حق فحسب ، بل إلى الصدام بين زعماء آل بشارة أنفسهم ، وفي صفر ٨١٨ ه‍ / آذار / مارس ١٤١٥ م طلب حسن بن أحمد ابن بشارة أن ينفرد بتقدمة العشير مقابل مبلغ ثلاثين ألف دينار ، فأرسل إليه مرسوم سلطاني بذلك ، وأمر أن يدفع إلى حامل مرسوم التشريف إليه مبلغ ثلاثة عشر ألف دينار ، وإلى أستاذ دار دمشق عشرة آلاف ، الأمر الذي أغضب أخاه محمد بن بشارة «وجمع على حسن واقتتلا ، فانكسر محمد وفر إلى البقاع ، ونزل بالزبداني خارج دمشق ، ومر على وجهه يريد العراق» (١٢٢).

وظهر في هذه الآونة أمير جديد من آل بشارة اسمه محمد بن سيف بن عمر بن محمد بن بشارة ، وشرع يقطع الطرق وعاث فسادا في عدد من المناطق مما دفع السلطات المملوكية في نيابة دمشق إلى ملاحقته حتى ألقي القبض عليه في ربيع الآخر ٨١٩ ه‍ / حزيران / يونيو ١٤١٦ م فاعتقل في دمشق ثم بعث به إلى القاهرة حيث أعدم في ذي الحجة سنة ٨١٩ ه‍ / شباط / فبراير ١٤١٧ م (١٢٣).

وعاد محمد بن أحمد بن بشارة من العراق ، واستمر في منافسته لحسن ابن أحمد المقدم المعترف به من قبل السلطنة ، وهكذا انقسمت العشائر


إلى قسمين قسم والى محمد ، والآخر والى الحسن ، وكان الحسن عام ٨٢٠ ه‍ / ١٤١٧ م برفقة نائب صفد خليل الدشاري لدى استقبال السلطان شيخ المحمودي عند قدومه إلى الشام ، واستمر في منصبه مقدما للعشير في نيابة صفد حتى وفاته في ذي الحجة ٨٢٥ ه‍ / تشرين الثاني / نوفمبر ١٤٢١ م ، وذلك بعدما بلغ درجة عالية من النفوذ والقوة مكنته من التقدم على عشائر الشام ، وذلك بالإضافة إلى كونه مقدم العشير في نيابة صفد (١٢٤).

ودأبت السلطنة في العمل على القضاء على محمد بن أحمد بن بشارة ، وتمكنت من ذلك سنة ٨٢٢ ه‍ / ١٤١٩ م ، فبعد أن لاحقته وضغطت عليه حتى اضطرته إلى الجلاء إلى نيابة دمشق أرسل السلطان الأمير : «محمد بن منجك إلى دمشق ، وأمره أن يحتال على ابن بشارة وأرسله إلى أن ضمن له من السلطان الرضى ، فلما كان ذلك أرسل إليه أمان السلطان وحلفه له ، وجهز له خلعة فلبسها ، وأقبل إلى دمشق فتلقاه وبالغ في إكرامه فأمن له ، فبينما هو في سوق الخيل تلقاه ابن منجك فدخلا جميعا إلى بيت الأمير نكباي نائب الغيبة ، فلم يستقر به المجلس حتى قبض عليه ، فدافع عن نفسه بسيفه ، فتكاثرت على رأسه السيوف ، وقبض على عشرين من أعوانه وأصحابه فوسط [قتل] أربعة عشر نفسا واعتقل ابن بشارة بقلعة دمشق ، ثم أمر السلطان بإحضاره ، فأحضروه إلى القاهرة» (١٢٥).

بيد أن اعتقال محمد بن أحمد بن بشارة لم ينه المعارضة البدوية للسلطنة نظرا لطبيعة البداة ولأحوال السلطنة والصراعات المستمرة ، وهكذا ظهرت شخصية جديدة من آل بشارة هي علي بن بشارة ، فقد حاول علي سنة ٨٢٤ ه‍ / ١٤٢١ م الثأر لاعتقال محمد بن بشارة ، فهاجم صفد وحاصر نائبها الأمير قطلوبغا التنمي حتى أرغمه على الفرار إلى دمشق ، إنما يبدو أن مدينة صفد لم تسقط له (١٢٦).


وبعد وفاة حسن بن أحمد بن بشارة لا ندري إلى من آلت المقدمية ، حيث ليس في المصادر المتوفرة حديث حول ذلك ، فقد وردت إشارة إلى وقوف آل بشارة إلى جانب تنبك البجاسي نائب دمشق في عصيانه على السلطان الأشرف برسباي سنة ٨٢٧ ه‍ / ١٤٢٥ م ، وأن وقائع الصراع قامت في البداية حول صفد (١٢٧).

واستمر بنو بشارة يشغلون مكانة عالية بين قبائل نيابة صفد يهادنون السلطات المملوكية حينا ويهاجمونها حينا آخر ، ويقومون بأعمال النهب وتعريض الأمن للاضطراب ، ففي سنة ٨٥٣ ه‍ / ١٤٤٩ م صدرت أوامر السلطان بقتل نجم الدين حسن ابن بدر الدين محمد بن ناصر الدين بن بشارة وذلك بعدما أمضى مقدما للعشير أربع سنوات ، أثار خلالها غضب السلطان ونقمته لما قام به من سلب ونهب (١٢٨).

واستمر التعامل بين آل بشارة والسلطنة بين مد وجزر ، وامتد نفوذ آل بشارة حتى تجاوز نيابة صفد ، وقد أوكلت السلطنة إليهم حماية السواحل وكشفها ، وحدث في سنة ٨٥٥ ه‍ / ١٤٥١ م أن قامت البحرية الإسبانية بمهاجمة صور فتولى ابن بشارة مقدم العشير في بلاد صفد صدها (١٢٩).

وتمركزت قوى بشارة في منطقة جبل عاملة ، ومع نهاية العصر المملوكي اشتبكت بصراعات مع قبائل أخرى ، وباتت هذه الصراعات تتعلق بتاريخ لبنان في بدايات العصر العثماني وليس بتاريخ نيابة صفد (١٣٠).

لقد وجد إلى جانب حارثة وبشارة قبائل أقل شأنا أسهمت بدور في إحداث الصراعات ووردت إشارات عابرة إليها ، لكن هذه الإشارات لا تمكن الباحث من معرفة أوضاعها ولا أماكن استقرارها وإلى من انتسبت ، هذا ولا نعلم المذاهب التي انتمت إليها هذه العشائر خاصة


آل بشارة ، ويرجح أنهم كانوا من السنة ، لكنهم بعدما استقروا بجبل عاملة تأثروا بالتشيع ثم أخذوا به (١٣١).

وكان في نيابة صفد بعض المجموعات العشائرية من التركمان ، والأكراد ، وبقايا المغول ، ويمكن أن نضيف إليهم أفراد المماليك من ترك وشركس ، ويبدو أن أعداد هؤلاء جميعا كانت قليلة ، وأنهم ذابوا بشكل طبيعي بين صفوف سكان النيابة العرب (١٣٢).

ولقد اتضح مما تقدم مدى أهمية نيابة صفد في العصر المملوكي ، وقد دفع هذا إلى جعلها موضوعا لرسائل جامعية ، وهذا ما تحقق في لبنان والأردن ، وفي أثناء البحث في تاريخ هذه النيابة نجد أن بداية هذا التاريخ قد ارتبط بالسلطان بيبرس ، وجاء اهتمام بيبرس بها لمكانتها قبيل أيامه ، فهو كان البطل الشريك في معركة جالوت ، وكان أثناء توجهه إلى عين جالوت وصل إلى مدينة عكا ، ودخل إليها ، وامتلك معرفة مباشرة بأحوال مملكة عكا الصليبية ، وتعرف عن قرب إلى دفاعاتها الهائلة ، وإلى مدى أهمية قلعة صفد العسكرية ومنافعها للصليبيين ، ومضارها على المسلمين وخاصة في دمشق.

وكان نصر عين جالوت ، ثم وصول بيبرس إلى عرش السلطنة ، الذي وضع استراتيجيات جديدة ، استهدفت ان تتفرغ دمشق إلى أبعد الحدود لمواجهة مخاطر المغول ، ولصعوبة فتح عكا وطرابلس ، ركز بيبرس جهوده ضد قلعة صفد ، وتمكن من فتحها ، فبادر إلى جعلها مقر نيابة تقف من جانب في وجه عكا ، ومن جانب آخر ضد طرابلس إلى حد ما ، وكان الصليبيون قد بنوا قلعة صفد منذ مدة قصيرة فقط ، ولحسن الحظ أننا نمتلك نصا لاتينيا نادرا وفريدا تحدث عن أعمال انشاء قلعة صفد ، وقبل ذلك عن أهداف الصليبيين من وراء ذلك ، هذا وعاصر فتح صفد مؤرخ صليبي ، يعرف باسم الداوي الصوري ، وبما أن فتح صفد كان انجازا جهاديا للسلطان بيبرس ، وبحكم أن هناك مواد


مخطوطة لم تنشر بعد حول هذا السلطان ، عمدت إلى جمع ذلك كله ، وكان محرضي حصولي بعد سعي دام أكثر من عشرين عاما على مخطوط حمل اسم «تاريخ صفد» هناك نسخة عنه في مكتبه ديار بكر ، وقد حصلت على نسخة مصورة عن هذا المخطوط منذ وقت قصير ، وذلك بفضل الصديق جنكيز تومار ، وصاحب هذا المخطوط هو محمد بن عبد الرحمن الحسيني العثماني» [ت ٧٨٠ ه‍ / ١٣٧٨ م] ، ويقع المخطوط في / ٤٤ / ورقة ، في كل صفحة ما يقارب الأربعمائة وخمسين كلمة ، ويحتوي المخطوط على معلومات جيدة عن المؤلف وعن أسرته التي انتسبت إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، ويمكننا الوقوف على عقلية المؤلف ونوعية تصوفه ، ومكانه المنامات لديه ، وكذلك على أوضاع عصره ، ويبين كيف أن صفد الناشئة حديثا عرفت حركة علمية مزدهرة ، وكتاب تاريخ صفد ليس كتاب حوليات ، بل كتاب اداري وسياسي ، وكتاب وتراجم مختصره كثيرا ، فيه أفضل قائمة بأسماء نواب صفد وكبار العلماء الذين أنجبتهم ، وقد قام واحد من أهل صفد بالحاق قائمة بأسماء النواب حتى سنة ٨٥٥ ه‍ / ١٤٤١ ، وتكميلا للفائدة ألحقت الكتاب بقائمة بأسماء النواب حتى قيام الحكم العثماني ، وكان المستشرق المعروف برنارد لويس قد نشر عام ١٩٥٣ قطعه كان قد عثر عليها من تاريخ صفد في دورية معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة لندن ، وتاريخ نسخ المخطوطة التي حصلت عليها هو سنة / ١٠٩٦ / ه ، والنسخة جيدة الخط ، وبحالة جيدة على العموم ، لكن لحق النص تصفيحات كثيرة ، تمكنت من تداركها ، يضاف إلى هذا تصرف الناسخ ـ كما أعتقد ـ أو سواه بالنص فبات مليئا بالأخطاء النحوية ، وقد آثرت بقاء النص كما هو ، حتى لا يفقد وثائقيته ، أو لنقل وثائقية العصر الذي نسخ به أخيرا.

واكمالا للفائدة ألحقت بالنص بعض الملاحق المفيدة ، لا سيما حديث


خليل الظاهري عن نيابة صفد ، حيث حصلت على صورة نسخة مخطوطة تقع في جزئين ، لكتاب له سماه «كوكب الملك وموكب الترك» ، وأنا الآن لا أعرف المصير الذي آلت إليه نسخة هذا المخطوط ، لكنني أسعى لتحقيق الكتاب لأهميته القصوى.

كلي أمل بأن تحصل الفائدة من اخراج تاريخ صفد ، وأن يكون ذلك مقدمه لاخراج كتاب عن تاريخ القدس عبر التاريخ يكون في عشرة مجلدات ، وفيما لا يقل عن خمسة آلاف صفحة ، لا سيما وأن القدس في العام المقبل هي عاصمة للثقافة العربية.

من الله جلت قدرته أستمد العون والتوفيق ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وأصحابه أجمعين.

دمشق ٢١ / ٤ / ٢٠٠٨

سهيل زكار


حواشي القسم الأول

(١) ابن شداد ، الأعلاق الخطيرة ، ص ١٥٠.

(٢) أحمد بن علي القلقشندي ، صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، ج ٥ ، ص ٤٥٣.

(٣) تاج الدين عبد الوهاب السبكي ، معيد النعم ومبيد النقم ، ص ٢١ ـ ٢٢.

(٤) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ١٩٢ ـ ٢١٤.

(٥) شهاب الدين ابن فضل العمري ، التعريف بالمصطلح الشريف ، ص ١٨٢.

(٦) انظر تاريخ صفد للعثماني الذي نقدم له.

(٧) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٥١.

(٨) خليل بن شاهين الظاهري ، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك ، ص ٤٤ هذا وعثر على كتاب كشف الممالك للظاهري لكنه لم ينشر بعد ، وللظاهري كتاب مهم آخر هو كوكب الملك وموكب الترك ، أخرجت منه ما ذكره عن صفد.

(٩) الدباغ ، بلادنا فلسطين ، ج ١ ، ق ١ ، ص ٢٨ ـ ٥٠.

(١٠) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١٠ ـ ٢١٢ ، والعمري ، التعريف ... ، ص ١٨٢ ، والقلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٥٠.

(١١) الطراونة ، مملكة صفد ، ص ٨٤ ـ ١٣٦.

(١٢) انظر : لابيدوس ، مدن الشام ، ص ٤١ ـ ٤٨.

(١٣) عالجت هذه القضايا في كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ، ص ٦٥ ـ ٢١٥.

(١٤) يروى أن أول روك تم في العصر المملوكي أيام السلطان لاجين سنة


٦٩٦ ه‍ / ١٢٩٧ م ، وتم الروك الثاني ـ وهو الأشهر ـ أيام الناصر محمد بن قلاوون سنة ٧١٧ ه‍ / ١٣١٧ م ، انظر المقريزوي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٨٤١ ج ٢ ، ص ١٢٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ٨ ، ص ٩٠ ، الطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٥١ ـ ١٥٢.

(١٥) المقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٤١٥.

(١٦) ابن شداد ، الأعلاق ... ، ص ١٥١ ، وابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ٧ ، ص ١٣٩ ، وابن عبد الظاهر ، تشريف الأيام ص ٢٦٣.

(١٧) الطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٥٣.

(١٨) المقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٥٣.

(١٩) المقريزي ، الذهب المسبوك ، ص ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٢٠) المقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٤٣٠ ـ ٥٣٤ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٥٩.

(٢١) ابن حجر ، الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ١٥١ ـ ١٥٢ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٦١ ، والكاشف أمير وظيفته الإشراف على الجسور الزراعية وله ضرائب مقررة على كل بلد من الجراريف والأبقار ، القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٣ ، ص ٤٤٥.

(٢٣) المقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٥٤٨ ، ٧٦٩ ، وابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٨ ، ص ١٢١ ـ ١٢٢.

(٢٤) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١١ ، وصالح بن يحيى ، تاريخ بيروت ، ص ١٧٣

(٢٥) الطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٦٦

(٢٦) ابن عبد الظاهر ، الروض الزاهر ، ص ٢٦٧ ، والمقريزي ، السلوك ج ١ ، ص ٥٥٤ ، ورنسيمان ، تاريخ الحروب ... ، ج ٣ ، ص ٦٠٢ ، وزكار ، مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ، ص ٣٠٤ ، والنويري ، نهاية الأرب ، ج ٨ ، ص ٢٦٤ ـ ٢٧٢.

(٢٧) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١١ ، والنويري ، نهاية الأرب ، ج ١٨ ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.


(٢٨) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١١ ـ ٢١٣ ، القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٨١٦ ـ ٨١٧ ، والنويري ، نهاية الأرب ، ج ٨ ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

(٢٩) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١١ ـ ٢١٣ ، ومحمد كرد علي ، خطط الشام ، ج ٤ ، ص ١٧١ ، والنويري ، نهاية الأرب ، ج ٨ ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨

(٣٠) النويري ، نهاية الأرب ، ج ٨ ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

(٣١) المصدر نفسه ، ص ٢٥٨ ـ ٢٦٢.

(٣٢) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٨٨.

(٣٣) المقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٥٥٤ ، وج ٣ ، ص ١٠٦٦ ـ ١٠٦٧ ، وابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٦٥ ، ١٤٧ ، وابن عبد الظاهر ، الروض الزاهر ، ص ١٥٧ ، ٢٥٣ ، ٢٦٧ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٧٠.

(٣٤) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١١ ـ ٢١٣ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٧٠ ـ ١٧٤.

(٣٥) ابن شاهين ، زبدة كشف الممالك ، ص ٤٤ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٧٥ ـ ١٧٧.

(٣٦) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٥٠ ، وابن شاهين ، زبدة كشف ... ، ص ٤٤ ، ١٨

(٣٧) ابن عبد الظاهر ، الروض الزاهر ، ص ٢٦١ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ـ ٥٤٨ ، وابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ٣ ، ص ١٣٩ ، وأورد ابن فضل الله العمري صيغة مخاطبة كان يخاطب بها نائب صفد بشكل رسمي إثر تعيينه : العمري ، التعريف بالمصطلح الشريف ، ص ١٧٠ ـ ١٧٣.

(٤١) ابن أيبك ، الدر الفاخر ، ص ٢٩٣.

(٤٢) المقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٦٨١ ـ ٦٨٢ ، ٦٩٧ ـ ٦٩٩ ، وابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ١٠ ، ص ١١٨ ـ ١٢٥ ، والعريني ، المماليك ، ص ١٥٤ ـ ١٥٥.


(٤٣) ابن إياس ، بدائع الزهور ، ج ٢ ، ص ٣٩٠.

(٤٤) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٨٨٦ ـ ٨٨٧.

(٤٥) ابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١١ ، ص ٢٩٣.

(٤٦) ابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٧ ، ص ٩٠.

(٤٧) ابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١١ ، ص ٢٩٢. وتناول د. أحمد عبد الرزاق أحمد ، موضوع الرشوة في العصر المملوكي ببحث مفيد في كتاب اسمه البذل والبرطلة زمن السلاطين المماليك.

(٤٨) ابن الفرات ، تاريخ ابن لفرات ، ج ٧ ، ص ٩٠ ، المقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٤٠٣ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ٩ ، ص ١٤٥ ـ ١٤٧.

(٤٩) انظر : القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٤ ، وابن إياس ، بدائع الزهور ، ج ٤ ، ص ٤٦١ ـ ٤٦٢ ، وج ٥ ، ص ٤ ، والعريني ، المماليك ، ص ١٤٧ ـ ١٤٩.

(٥٠) السبكي ، معيد النعم ، ص ٤٣ ـ ٤٥ ، والقلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٨٧ ، والعريني ، المماليك ، ص ١٥٢.

(٥١) ابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٧ ، ص ١٥٨.

(٥٢) المقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٦٣٨ ، ٧٣٢ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ٨ ، ص ٩.

(٥٣) ابن عبد الظاهر ، الروض الزاهر ، ص ٢٦٠ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ، وج ٢ ، ص ٧١٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ٧ ، ص ١٣٨ ، وج ١٠ ، ص ١٣٥ ـ ١٣٧ ، وج ١٥ ، ص ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، والعمري ، التعريف ، ص ١٤٩ ، والقلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٨٥ ، والطراونة ، مملكة صفد ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٦.

(٥٤) عبارة أتابك كلمة تركية الأصل مركبة من كلمتين هما «أتا» و «بك» ومعنى «أتا» عم أو أب و «بك» مقدم أو أمير ، ونظرا لسيطرة القبائل على السلطنة السلجوقية


ولأسباب أخرى كان السلطان السلجوقي يجد نفسه مضطرا للزواج بأكثر من أربع حرائر ، ونظرا لتحريم الإسلام الجمع بين أكثر من أربع زوجات حرائر كان السلطان يقدم على تطليق واحدة من زوجاته أو أكثر بعد إنجابها له ولدا ذكرا ، ويزوجها بواحد من كبار أمراء جيشه وبلاطه ، ويعهد للزوج الجديد بتربية ابنه وصيانة حقوقه ، وبناء عليه حمل الأمير الجديد اسم «أتابك» أي الأمير العم أو الأب ، وأسس بعض الأتابكة دولا خاصة بهم مثلما عمل عماد الدين زنكي في الموصل وحلب ، وطغتكين في دمشق ، في العصر نفسه.

(٥٥) ابن عبد الظاهر ، تشريف الأيام ، ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، وابن حجر ، الضوء اللامع ، ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، وج ٣ ، ص ١٩٥ ، ١٩٧ ، ٢١٠ ، وج ٦ ، ص ١٩٤ ، وج ١٠ ، ص ٢٧٠ ـ ٢٧٢ ، ٣٣٨ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٦ ، ص ١٩ ـ ٢٠ ، وابن إياس ، بدائع الزهور ، ج ٣ ، ص ٣٥٢.

(٥٦) ابن شاهين ، زبدة كشف الممالك ، ص ١٠٤ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، والعريني ، المماليك ، ص ١٥٩ ـ ١٦٥.

(٥٧) الطراونة ، مملكة صفد ، ص ٢٤٠.

(٥٨) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٢١٨.

(٥٩) ابن حجر ، الدرر الكامنة ، ج ٢ ، ص ٤٢ ، وج ٤ ، ص ١٢ ، ٢٤٣ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٨٦٦ ، وج ٤ ، ص ٤٤١ ، وابن حجر ، انباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٤٢٧ ، والسخاوي ، التبر المسبوك ، ص ٢٢١ ، وابن إياس ، بدائع ، ج ٢ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٩٣.

(٦٠) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٥ ، ص ٤٦٢ ، وابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٩ ، ق ١ ، ص ٩٥ ، ١٥٨ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٨٦٦ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٠ ، ص ٢٧٦ ، وج ١١ ، ص ١ ـ ٣٥.

(٦١) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٨٨ ، ٢٣٤ ، والصقاعي ، تالي وفيات الأعيان ، ص ١٨١ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٢٤٧.


(٦٢) ابن شاهين ، زبدة الكشف ، ص ٩٨ ، وحسن الباشا ، الألقاب الإسلامية ، ص ١٠ ، ٢١.

(٦٣) الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ج ٨ ، ص ١٩ ـ ٢٠ ، وابن شاكر الكتبي ، فوات الوفيات ، ج ١ ، ص ١٢٨ ، ومجهول ، حوليات دمشقية ، ص ١٨ ، ١٢٤.

(٦٤) الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ج ٤ ، ص ٧٦ ـ ٧٧ ، وابن عبد الظاهر ، الروض الزاهر ، ص ٩٥ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٤٤٦ ، وصالح بن يحيى ، تاريخ بيروت ، ص ٣٥ ، والعمري ، التعريف ، ص ١٨٩ ـ ١٩٢ ، وابن شاهين ، زبدة كشف ... ، ص ١١٧.

(٦٥) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٩٥ ، ٢٣٤ ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، ج ٢ ، ص ١٩ ، ٦٤ ـ ٦٥ ، ج ٤ ، ص ٢٦٥.

(٦٦) ابن شاهين ، زبدة كشف الممالك ، ص ١٣٤.

(٦٧) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٩١ ، وابن شاهين ، زبدة كشف ... ، ص ١٠٩.

(٦٨) ابن شاهين ، زبدة كشف ... ، ص ١٣٤ ، واليونيني ، ذيل مرآة الزمان ، ج ٢ ، ص ٣٢٤ ، والقلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٤٢ ، وابن قاضي شهبة ، تاريخ ابن قاضي شهبة ، ج ١ ، ص ١٣٩ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ٢ ، ص ٢١٥.

(٦٩) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٩٢ ، والعليمي ، الأنس الجليل ، ج ٢ ، ص ١٥٦ ، وابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٥٧ ـ ٥٨ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ٤ ، ص ٣٣٨.

(٧٠) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ١٩٢ ، والعمري ، التعريف ... ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣ ، وابن حجر ، الدرر الكامنة ، ج ٤ ، ص ١٧٩ ـ ١٨٠ ، والصفدي ، الوافي ... ، ج ٥ ، ص ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٧١) أكثر المصنفون في العصر المملوكي في الكتابة عن الحسبة. من ذلك كتاب الحسبة لابن تيمية وكتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيزري وكتاب معالم القربة لابن الإخوة ، وكتاب نهاية الرتبة لابن بسام.


(٧٢) النويري ، نهاية الأرب ، ج ٨ ، ص ٢٥٩.

(٧٣) الطراونة ، مملكة صفد ، ص ١٨١ ـ ١٨٢.

(٧٤) ابن عبد الظاهر ، الروض الزاهر ، ص ٧٧ ، وأبو الفداء ، تقويم البلدان ، ص ٢٥٩ ، والنويري ، نهاية الأرب ، ج ٨ ، ص ٣٢٨ ، ٢٦٣ ، ٢٧١ ، وابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ٩ ، ص ٤٩ ، وابن طولون ، أعلام الورى ، ص ٥٨.

(٧٥) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٣ ، ص ٤٦٣ ـ ٤٤٠. وعالج المقريزي مسألة النقود في كتابيه شذور العقود بذكر النقود وإغاثة الأمة بكشف الغمة ، كما تعرض لها علاء الدين علي اللبودي في كتابه فضل الاكتساب وأحكام الكسب وآداب المعيشة ، مخطوطة مكتبة تشستربيتي دبلن ، نسخة مصورة لدي ، ٢٧ ظ ـ ٢٩ و، وانظر أيضا كتاب كشف الأسرار العملية بدار الضرب المصرية لمنصور بن بعرة الذهبي.

(٧٦) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٣ ، ص ٤٤٢. وانظر : لابيدوس ، مدن الشام ، ص ٦٩.

(٧٧) ابن خلدون ، العبر ، ج ٥ ، ص ٨٢٢ ـ ٨٢٣ ، وصالح بن يحيى ، تاريخ بيروت ، ص ٩٦ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٨٣٧ ـ ٨٣٨ ، ٩٤٩.

(٧٨) المقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٩٤٦ ـ ٩٤٩ ، وابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ٨ ، ص ٢٠ ، وابن خلدون ، العبر ، ج ٥ ، ص ٨٩٠ ـ ٨٩٩.

(٧٩) ابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٩ ، ق ٢ ، ص ٣٨٢ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ٨١٤ ، ومظهر شهاب ، تيمورلنك ، (أطروحة دكتوراه غير منشورة) ، ص ٢٦٨ ـ ٢٧٦.

(٨٠) ابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٩ ، ق ٢ ، ص ٣٨٢ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ٨٦٤ ، ١٠٣١ ـ ١٠٣٥ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ٢ ، ص ٧٤ ، وشهاب ، تيمورلنك ، ص ٢٨٠ ـ ٣٢٣ ، وعبد الرحمن بن خلدون ، التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا ، ص ٣٦٦ ـ ٣٨٤.

(٨١) صالح بن يحيى ، تاريخ بيروت ، ص ٢٤٣.


(٨٢) ابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٥ ، ص ١٥ ، وشبولر ، العالم الإسلامي ، ص ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٨٣) محمد بن محمود بن خليل الحلبي ، تاريخ الأمير يشبك الظاهري ، ص ٢٩ ، وشبولر ، العالم الإسلامي ، ص ١٤١ ـ ١٤٢.

(٨٤) ابن طولون ، أعلام الورى ، ص ٢١٣ ـ ٢١٥ ، وابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٣٥٠ ، وشبولر ، العالم الإسلامي ، ص ١٤١ ـ ١٤٢.

(٨٥) ابن عبد الظاهر ، تشريف ... ، ص ٦٣ ، ٦٦ ، واليونيني ، ذيل مرآة الزمان ، ج ٤ ، ص ٨ ، ١١ ، ٤٠ ـ ٤١ ، وابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٧ ، ص ١٦٧.

(٨٦) الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ج ٨ ، ص ٣٥٢ ، وابن الوردي ، تتمة المختصر ، ج ٢ ، ص ٤٩١ ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ٤ ، ص ٢٢٢ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٧٠٨ ، ٧٢٠ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٠ ، ص ١٢٥ ، ١٣٤ ، ١٣٥.

(٨٧) ابن حجر ، الدرر الكامنة ، ج ٥ ، ص ٤٤ ـ ٤٥ ، وابن خلدون ، العبر ، ج ٥ ، ص ٩٦٦ ، وصالح بن يحيى ، تاريخ بيروت ، ص ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٤ ، ص ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٠ ، ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٨٨) المقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ٣١٠ ـ ٣١٥.

(٨٩) ابن حجر ، الدرر الكامنة ج ٥ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٦ ، وابن صصرى ، الدرة المضيئة ، ص ٢٣ ، وابن خلدون ، العبر ، ج ٥ ، ص ١٠٣٦ ـ ١٠٤٢ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١١ ، ص ٣٢٨ ، وعبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، ص ٥٨ ، ٩٠.

(٩٠) ابن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، ج ٩ ، ق ١ ، ص ١٠٧ ، ١٥٥ ، ١٨٣ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ٦٣٢ ، ٦٤٧ ، ٦٦٩ ـ ٦٧٠ ، ٦٩٥ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١١ ، ص ٣٢٨ ، ٣٥٨ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ١ ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، وابن قاضي شهبة ، تاريخ ابن قاضي شهبة ، ج ١ ، ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، وعبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، ص ٧٧ ـ ٩٤.


(٩١) ابن قاضي شهبة ، تاريخ ابن قاضي شهبة ، ج ١ ، ص ٣٢٨ ـ ٣٣٥ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ٧١٢ ـ ٧١٤ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ١ ، ص ٣٠٣ ، وابن حجر ، الدرر الكامنة ، ج ٥ ، ص ١٣٦ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ١٠ ، ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، وعبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، ص ٩٤ ـ ١٠٣.

(٩٢) أسهم نعير بن حيار أمير عشائر الفضل بدور كبير في حسم عصيان منطاش بالشام ، كما أن برقوق أقدم في سلطنته الثانية على تجنيد بعض البداة العرب في جيوشه : عبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، ص ١٠٢ ـ ١٠٦. ومن أجل الزعر والحرافيش ، انظر ، لابيدوس ، مدن الشام ، ص ٢٣٥ ـ ٢٥٦.

(٩٣) المقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ٩٨٣ ـ ٩٨٦ ، ٩٩٠ ـ ٩٩٣ ، ١٠٠٧ ـ ١٠١٢ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٢ ، ص ١٠٤ ، ١٨٠ ـ ١٨١ ، ٢٠٣ ، وعبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، ص ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٩٤) المقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ١١٤٧ ـ ١١٦٤ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٢ ، ص ٣١١ ـ ٣٢١ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ١٠ ، ص ٣٠٤ ، والبدر العيني ، السيف المهند ، ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، وعبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، ص ١٠٩ ـ ١١٠.


(٩٥) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٣١ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٣ ، ص ٥٤ ، والبدر العيني ، السيف المهند ، ص ٢٤٧.

(٩٦) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٣٣ ـ ٣٩ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٣ ، ص ٥٨ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ٣ ، ص ٢٧٨ ، والبدر العيني ، السيف المهند ، ص ٢٤٨.

(٩٧) البدر العيني ، السيف المهند ، ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٤٦ ـ ٤٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٣ ، ص ٥٨.

(٩٨) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ١٠٩ ـ ١٢١ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٣ ، ص ٥٨ ـ ٩٦ ، والبدر العيني ، السيف المهند ، ص ٢٤٩ ـ ٢٦٠.

(٩٩) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ١١٩ ـ ١٢١ ، وابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٤٢٧.

(١٠٠) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، ٢٦٨.

(١٠١) المقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ١١٤٧ ـ ١١٤٨ ، وج ٤ ، ص ٦٧ ـ ٦٨ ، ١٢١ ، وابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٣٩٥ ، ٤٢٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ٢ ، ص ٣١١ ، والبدر العيني ، السيف المهند ، ص ٣١٤ ـ ٣٢٧.

(١٠٢) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٦٥٧ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ٣ ، ص ٤٣ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٤ ، ص ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، وج ١٥ ، ص ٣١٧ ـ ٣١٩.

(١٠٣) ابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٥ ، ص ٣١٧ ـ ٣١٩ ، وابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ١٦٩ ، وج ٢ ، ص ١٨٤ ، وابن طولون ، أعلام الورى ، ص ٨٥ ، وزكار ، مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ، ص ١٧٢ ـ ١٧٨ ـ ١٩٦ ، ٢١١ ـ ٢١٢.

(١٠٤) المقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٦٢٦ ـ ٦٢٨ ، وعدنان البخيت ، مملكة الكرك ، ص ١٠٣ ، وغوانمة ، تاريخ شرقي الأردن ، ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩.


(١٠٥) المقريزي ، السلوك ، ج ٢ ، ص ٧٦١ ـ ٧٦٢ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٠ ، ص ٩٢ ، ٢٢٢ ـ ٢٢٥ ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٤ ، ص ٢٣٨ ، وابن خلدون ، العبر ، ج ٥ ، ص ٩٦٤ ـ ٩٦٧.

(١٠٦) ابن تغري بردي ، النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٤٨ ـ ٢٥٠ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٦١٤ ـ ٦٢٨ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ٢ ، ص ٥٠٩ ، وج ٣ ، ص ٨ ، والبدر العيني ، البدر الزاهر ، ص ٣٨ ـ ٤٠.

(١٠٧) شيخ الربوة ، نخبة الدهر ، ص ٢١٢.

(١٠٨) تاريخ صفد العثماني.

(١٠٩) أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي ، قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ، ص ٨٠.

(١١٠) الصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ٢ ، ص ٨٥ ، ٩٤.

(١١١) ورد في ابن حجر ، إنباء الغمر ... ، ج ٢ ، ص ١٤٧ في حوادث سنة ٨٠٣ الأمير متير يك ، وفي عقد الجمان العيني ، ج ٢٥ ، ق ١ ، ورقة ١٥٧ ، ورد اسمه مثير بك ، وانظر أيضا المقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ١٠٦٦ ـ ١٠٦٧.

(١١٢) ابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(١١٣) المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٣٥٢.

(١١٤) المقريزي ، السلوك ... ، ج ٤ ، ص ١٢١.

(١١٥) المصدر نفسه ، ج ٣ ، ص ١١٤٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٢ ، ص ٣١١.

(١١٦) ابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٣٥٢.

(١١٧) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٣٧.

(١١٨) المصدر نفسه ، ص ٧٢.

(١١٩) المصدر نفسه ، ص ١٢١ ـ ١٢٣ ، وابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٤٢٧.


(١٢٠) القلقشندي ، صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٦٧ ، وج ٥ ، ص ٤٩٧ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٧٢ ، ٧٧ ، ١٢٧ ، ٤٩٦ ، ٤٩٧.

(١٢١) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٧٢ ، ٧٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ٢ ، ص ٣١١.

(١٢٢) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٣٠٩.

(١٢٣) المصدر نفسه ، ص ٣٧٩.

(١٢٤) المصدر نفسه ، ص ٣٩٨ ، ٦٢٧ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ٢ ، ص ٣٨٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم ، ج ١٥ ، ص ١١٥ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ٣ ، ص ١٣٨.

(١٢٥) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٤٩٦ ـ ٤٩٧ ، والصيرفي ، نزهة النفوس ، ج ٢ ، ص ٤٥٤.

(١٢٦) المقريزي ، السلوك ، ج ٤ ، ص ٥٧٢ ، ابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ٤ ، ص ١٨١.

(١٢٧) ابن تغري بردي ، النجوم ... ، ج ١٤ ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(١٢٨) المصدر نفسه ، ج ١٥ ، ص ٤٠٤.

(١٢٩) السخاوي ، التبر المسبوك ، ص ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(١٣٠) الطراونة ، مملكة صفد ، ص ٢٢٣.

(١٣١) المقريزي ، السلوك ، ج ٣ ، ص ١١٤٧ ، وج ٤ ، ص ٦٢٧ ، وابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة ، ج ١٢ ، ص ١٣٨ ، وابن حجر ، إنباء الغمر ، ج ٢ ، ص ٤٢٦.

(١٣٢) ابن الوردي ، تتمة المختصر ، ج ٢ ، ص ٢٤٤ ، والمقريزي ، السلوك ، ج ١ ، ص ٨١٢ ـ ٨١٣ ، ٥٦٥ ، ٦٠٠ ، ٨١٣ ، والبدر العيني ، البدر الزاهر ، ص ٢٩٣ ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٣ ، ص ٢٦١.


إعادة بناء قلعة صفد

يعد عصر الحروب الصليبية عصر القلاع ، ذلك أن الصليبيين لم يشعروا قط بالأمان ، وعاشوا دوما خلف حصون وقلاع ومدن مسورة ، واهتم العلماء المعاصرون بالقلاع في عصر الصليبيين ، وقد اطلعت على عدد من الدراسات المهمة في هذا الميدان نشرت أحدثها وأكثرها أهمية في الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية ، وكانت صفد بين أهم القلاع التي أعاد الصليبيون عمارتها ، بعد هدمها من قبل المسلمين في أعقاب معركة حطين ، وكان الشروع في اعادة البناء هذه في العام ١٢٤٠ م وجاء ذلك ضمن ظروف كان الصليبيون يأملون فيها في إعادة سلطان لهم على أراضي كبيرة داخل فلسطين ، قد تمهد لاسترداد القدس ، عندما ستأتي الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا ، والمهم هنا أننا نمتلك حول اعادة بناء صفد رواية هي الأكثر تفصيلا حول بناء أية قلعة صليبية في الشرق ، وكاتب هذا الوصف هو غير معروف ، ولكنه كان شاهد عيان ، وصحيح أن صفد لم تشهد قلعتها أعمال كشف أثرية حديثة ، يرفد مواد هذا الشاهد ، ما جاء حول فتحها ، وما ورد في كتاب تاريخ صفد.

وكان صاحب الشخصية المحورية في إعادة بناء صفد ، وصاحب الفكرة التي رست خلف المشروع هو بيندكت أوف ألينان Benedict of Alignan أسقف مرسيليا (١٢٢٩ ـ ١٢٧٧) ، ومن المحتمل أن الكاتب كان في بطانته ، ومهما كان أصله ، لقد كانت له علاقات وشيجة مع الداوية الذين كانت الرسالة دعاية لهم عظيمة جدا ، ووفقا لما رواه المؤلف ، كان بعض الصليبيين من جيش الكونت ثيوبولد أوف شامبين قلقين يريدون تخليص أنفسهم من جرمهم الذي اقترفوه ، عند هزيمة ، وموت ، وأسر عدد كبير من رفاقهم ، على أيدي المصريين عند غزة في العام ١٢٣٩ ، لذلك اقترحوا أن يسهموا بدفع مبلغ سبعة آلاف مارك ،


في سبيل إعادة بناء صفد ، ولكن وعدهم بالتبرع لم يتحقق مطلقا ، وفي الوقت نفسه استغل الأسقف بيندكت فرصة وجود هدنة مع دمشق من أجل زيارة كنيسة سيدتنا في صيدنايا قرب المدينة ، وعندما كان ينتظر هناك من أجل مرافقة اطلع على المدى الذي خافه أهل دمشق من إعادة بناء صفد ، حيث أخبروه بأنه لو حدث «فإن أبواب دمشق سوف تنغلق» ، ولدى عودته وجد الأسقف صفد «عبارة عن مجرد كومة كبيرة من الحجارة ، من دون أية أبنية ، مع أن ذلك كان فيما مضى قلعة جميلة ومشهورة» ، وعاشت الحامية الداوية الصغيرة بشظف في هذه المحيطات المدمرة ، ومع هذا لقد لاحظ أن القلعة الإسلامية القوية في المنطقة كانت قلعة الصبيبة قرب بانياس ، وبدا له أنه لو أعيد بناء صفد ، فإن السلطان سوف يفقد دخله من قرى ذلك الجوار «بما أنه لن يتجرأ على زراعة الأرض خوفا من القلعة المذكورة» ، ولسوف ترتفع نفقاته ، لأنه سيحتاج لأن يدفع للمرتزقة للدفاع عن دمشق ..

وبناء عليه ذهب الأسقف إلى المقدم أرماند أوف بيريغوردArmand of perigord الذي كان آنذاك طريح الفراش بسبب المرض ، وعلى الرغم من شكوك المقدم حول قابلية الفكرة للتطبيق أقنعه الأسقف بتقدير هذه الفكرة ، وجرى عقد اجتماع للهيئة الكهنوتية العامة للرهبانية حيث ألقى الأسقف خطابا حماسيا مثيرا ، وقد سعى لإقناع الداوية بالضرورة الملحة للمشروع خاصة وأن الهدنة ما تزال قائمة ، فجرى جمع عدد كبير من العمال والرقيق ، وتم تنظيم قطر مجموعات من حيوانات التحميل ، ووصل الأسقف نفسه «ونصب خيمته حيث كان هناك كنيسا لليهود ، ومسجدا للمسلمين ، من أجل أن يعطي إشارة ، ويظهر بشكل مكشوف بأن قلعة صفد قد بنيت من أجل طرد الكفار غير المؤمنين ، ولتمتين عقيدة مولانا يسوع المسيح والدفاع عنها» ، وأقام الأسقف قداسا ، أعقبه عظة قصيرة ، وفي ١١ ـ كانون أول ١٢٤٠ «توجه بالدعاء


وطلب نعمة الروح القدس ... ووضع الحجر الأول ، تشريفا لمولانا يسوع المسيح ، وفي سبيل تمجيد الإيمان المسيحي ، وقدم فوق الحجر كأسا مذهبا كان مليئا بالمال للمساعدة على إنجاز الأعمال المقبلة» ، وما أن بدأت أعمال البناء حتى أظهر الرب موافقته ، عندما قام عجوز مسلم بقيادة الأسقف إلى نبع ماء عذب ، بين الشعاب الجبلية ، وذلك مقابل إعطائه رداء ، وكان هذا النبع مغطى بكومة من النفايات ، ومع الوقت الذي غادر فيه الأسقف متوجها إلى وطنه ، كان راضيا برؤية صفد وهي محصنة ، ومنح القلعة هدية مغادرة : هي جميع مراكبه ، وخيمه ، وأثاثه ، «وذلك كمنحة للابن الصغير الأكثر محبة وإيثارا».

وبعد مضي عشرين عاما عاد الأسقف إلى الأرض المقدسة ، وكان طبيعيا أن اهتمامه الأول كان أحوال صفد ، فقد رأى القلعة «بهية ورائعة البناء ، وكأنها لم تصنع بوساطة الإنسان وحده ، بل بالحري من خلال قدرة الرب» ، وكان الذي رآه خطا مزدوجا من الأسوار شكل قطعا ناقصا ، تماشيا مع موقع «مغلق من كل جانب بجبال وهضاب ، وشعاب منحدرة ، وجروف وصخور» ، ووفقا لأفضل التقديرات الحديثة ، كان حجمها الكلي ٣٣٠ / ١٧٠ / م ، بما في ذلك الإطار ، ومن ضمن ذلك الخندق الخارجي الذي بلغ طوله ٨٥٠ م ، جاعلا إياها أوسع قلعة في المملكة ، وانتصبت أبراج أسطوانية قد بنيت على طول السور الداخلي ، ومن المحتمل أنه كان هناك برج حفظ مستدير كبير في الجزء الجنوبي الشرقي للساحة الداخلية ، وشحنت القلعة بسلسلة كاملة من آلات الحرب ، والقسي العقارة والأشياء التي تتوفر الحاجة إليها في أيام السلم ، لألف وسبعمائة رجل يزدادون إلى ألفين ومائتين في أوقات الحرب ، وكان خمسون من هؤلاء من فرسان الداوية ، وثلاثون متطوعين رهبان أو سيرجندية ، وكانوا يعززون بخمسين من التوركبلية (عساكر من الخيالة الخفاف غالبا ما كانوا يجندون من السكان المحليين) ، وثلاثمائة من


رماة القسي العقارة ، وعناصر أخرى بلغ عددهم ثمانمائة وعشرين ، كما كان هناك أربعمائة من الرقيق ، لابد أنهم كانوا من الأسرى المسلمين ، وبلغت نفقات البناء في العامين والنصف الأولين مبلغ مليون ومائة ألف دينار إسلامي ، وهو أعلى وأكثر من الموارد المعتادة التي جبيت من الأراضي المجاورة المتعلقة بها ، «وقد استهلكوا هناك سنويا حمولة قرابة اثني عشر ألف حمل بغل من الشعير والقمح ، عدا عن الأطعمة الأخرى ، والأعطيات التي منحت إلى المرتزقة والناس المستأجرين ، والخيول والمطايا ، والأسلحة والضروريات الأخرى ، فهذه كلها لم يكن من الممكن تعدادها» ، وجمعت الإمدادات من الأراضي الزراعية المجاورة ، ومن الأطعمة التي جمعها الصيادون التابعون للقلعة ، مع صيادي الأسماك ، وجلبت الأسماك طازجة يوميا من بحيرة طبرية ومن نهر الأردن ، وملحت ، وكان بين التجهيزات التي استخدمت لإعداد الأطعمة : الريح ، والماء ، والطاقة الحيوانية التي تدير الطواحين ، وشملت الأراضي التي اعتمدت عليها قرى كبيرة على الجانب الغربي للقلعة ، التي امتلكت سوقها الخاص ، وأكثر من مائتين وستين قرية أخرى (كاساليا) ، التي ادعى الكاتب بأنها احتوت حوالي عشرة آلاف رجل قادر.

ومع أنه من الصعب ـ إن لم يكن من المستحيل ـ أن تتمكن أية قلعة من إغلاق أي طريق بالكامل ، وفق منطق الدفاعات المعاصرة ، لقد كان لإعادة بناء صفد مؤثرات بالغة على سلامة المنطقة ورخائها ، ففي حين كانت من قبل تجري غارات متوالية كان يقوم بها : «المسلمون ، والبدو ، والخوارزمية ، والتركمان» ، نجد أن قلعة صفد «وضعت هناك دفاعا ، وعائقا ، لذلك لم يعودوا يتجرأون على إلحاق الأذى ، بعبور نهر الأردن بشكل مكشوف والتوغل بعيدا حتى عكا ، ما لم يكن معهم جيشا كبيرا جدا ، وذهبت من عكا إلى صفد خيول النقل المحملة


والعربات بسلام من قبل الجميع» ، وبالمقابل تعرضت المناطق التي وقعت خلف الأردن باتجاه دمشق للدمار ، وخضعت لغارات مستمرة قام بها فرسان داوية من حامية القلعة ، ولعل الشيء الذي كان أكثر أهمية من كل شيء بالنسبة للأسقف هو حقيقة أنه بات من الممكن التبشير بحرية بالعقيدة المسيحية ، في منطقة كانت خاضعة من قبل «لتجديفات محمد» (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والأماكن المشهورة بالجليل التي أصبح المؤمنون معتادين عليها من خلال الكتاب المقدس ، غدت الآن من جديد يمكن الوصول إليها ، وكان بين هذه الأماكن صهريج فيه جرى بيع يوسف من قبل إخوانه ، وكفرنا حوم ، المكان الذي وعظ يسوع فيه ، ووجد بطرس مال الجزية في فم سمكه ، وحيث ترك متى بيت التعشير للالتحاق بالرسل ، وطرف الهضبة ، حيث أطعم يسوع خمسة آلاف ، «وفضل من الطعام اثني عشر زبيلا مليئة بالفتات» ، و «مائدة الرب» حيث تجلى يسوع بنفسه إلى تلاميذه بعد الفصح ، وبعد بحيرة طبريا نفسها كانت هناك قرية بيت صيدا ، مسقط رأس : بطرس ، وأندرو ، وفيليب ، وجيمس الأصغر ، وقرية مجدلون ، مسقط رأس المجدلانية ، وعلاوة على ذلك بات الآن من الممكن بحرية الزيارة مجددا : للناصرة ، وجبل الطور ، وقانا الجليل ، وأكدت المصادر الإسلامية على قيمة القلعة التي أقامها الفرنجة ، فقد وصفها المؤرخ المصري ابن الفرات من القرن الرابع عشر ، والذي اعتمد على مصادر معاصرة بأنها كانت غصة في حلق الشام ، وشوكة في صدر الإسلام ، وقد بقيت هكذا إلى أن جلب بيبرس نهايتها.

واستمرت زيارة بيندكت الثانية للأرض المقدسة حتى العام ١٢٦٢ ، وقد مات هو نفسه في العام ١٢٦٧ ، ولابد أنه عاش ما كان فيه كفاية ليسمع الأخبار عن سقوط «هذه القلعة التي لا ترام ، والتي لا يمكن الوصول إليها» ، فقد حاول بيبرس ثلاث مرات في تموز العام ١٢٦٦ ،


أن يستولي عليها ، لكن من دون نجاح ، إلى أن اعتمد على خطة زرع الشقاق بين الداوية والمسيحيين السريان في داخلها ، وكانت هذه حركة بارعة ، بحكم الحجم الصغير نسبيا للحامية الداوية ، وذلك بالمقارنة مع العدد الأكبر من العساكر المحليين والعبيد ، ذلك أنه ما لبث أن تم إقناع العدد الأكبر من السريان بترك القلعة ، بناء على وعد بالأمان ، ولذلك باتت جدوى الاستمرار بالدفاع موضع سؤال ، وأقنع هذا الداوية لإرسال سيرجندي سرياني اسمه الراهب ليون كيزليرLeon cazelier للتباحث بالاستسلام ، ذلك أنه عرف العربية ، ويبدو أنه نجح في ترتيب إخلاء القلعة ، وتأمين الصليبيين حتى الوصول إلى عكا ، ولكن حدث ـ على كل حال ـ أنه عندما باتت الأبواب مفتوحة أرسل بيبرس النساء والأطفال إلى حياة العبودية ، ومثلما حدث لأسلافهم قبل ثمانين عاما جرى إعدام الداوية ، وقال المؤرخ المعروف باسم «الداوي الصوري» ، بأن ليون امتلك معلومات جيدة عن الحوادث ، لأنه عمل ـ كما يبدو ـ في أمانة سر الداوية في الشرق ، وقد أقدم «خوفا من الموت على اقتراف هذه الخيانة» ، وقد استثير بورتشارد أوف جبل صهيون بصفد مثلما أثارته عثليت ، فقال : «هذه بحكمي خيانة مهينة بحق أجمل وأمنع جميع القلاع التي رأيتها» ، وفتحت خسارتها ليس منطقة الجليل فقط ، ولكن البلاد امتدادا حتى : عكا ، وصور ، وصيدا ، وكان هيوج رافيل مقدم الاسبتارية أقل تملقا ، حين علق بشكل لاذع بأن صفد «التي تحدث الداوية عنها كثيرا» ، لن يكون بإمكانها الصمود أكثر من ستة عشر يوما ، وانتشرت الأخبار بسرعة في الغرب ، ويقول مؤرخ سينت مارتيل أوف ليموغيزMartial of Limoges المجهول بأن خسارة صفد أقنعت الملك لويس التاسع ، أن عليه أن يجدد ميثاقه الصليبي ، ورأى ـ في الوقت نفسه ـ مؤرخ دير القديس بطرس في إيرفورت Er ـ furt في سكسونيا ، واعتقد بأن بيبرس كان قادرا على إخضاع البلاد كلها ، لأنه استولى على هذه القلعة.


مدخل :

(نص الداوي المجهول)

تروي هذه الكراسة الموجزة خبر إعادة بناء قلعة صفد ، منذ العام ١٢٤٠ فصاعدا ، وذلك من قبل داوي ، وتتمحور الرواية حول بنيويت دي ألنان Benoit d'Alignan أسقف مرسيليا من العام ١٢٢٩ إلى العام ١٢٦٧ ، والذي زار الأرض المقدسة مرتين في العام ١٢٣٩ ـ ١٢٤٠ ، والعام ١٢٦٠ ـ ١٢٦٢ ، ويبدو أنه كان هو صاحب فكرة إعادة بناء القلعة ، حسبما هو واضح في الكراسة ، والنص موجود في مخطوطتين أولاهما في باريس من القرن الرابع عشر ، والأخرى مخطوطة إيطالية غير مؤرخة موجودة في تورين Turin ، وكلتاهما مجلدتان مع نصوص صليبية بما في ذلك «تاريخ الغرب» لجاك دي فيتري ، ولابد أن الكراسة قد كتبت فيما بين العام ١٢٦٠ ـ عندما زار بنيويت صفد للمرة الثانية ـ والعام ١٢٦٦ عندما سقطت القلعة للمسلمين ، ومن المحتمل أن مؤلفها المجهول قد صنفها ببساطة لتخليد ذكرى عمل الأسقف ، لكن من المرجح أكثر أنها كانت رسالة جمع تبرعات صممت حتى تقرأ ، أو لتكون أساسا لقداسات ولإلتماسات ، وقد ألحت على نفقات وتكاليف القلعة ، ومنفعتها المستمرة للصليبيين ، وفي القسم الأخير دورها في حماية الأماكن المقدسة المعروفة بشكل جيد ، وهذه كلها احتمالات قوية ، ومهما كان الوازع لدى المؤلف تبقى الرسالة ـ على كل حال ـ أكمل رواية وأكثرها إحاطة نحن نمتلكها حول الظروف التي أحاطت ببناء أية قلعة في العصور الوسطى ، فهذه الرواية تزودنا برؤية نافذة داخل ما فكر به المعاصرون واعتقدوه حول الموضوع.

بناء قلعة صفد

بما أن نيتنا هي دائمة ثابتة وملتزمة دوما بالغيرة والحماسة حول جميع


الأشياء من أجل تشريف الرب ، وهي مركّزة باستمرار وبشكل رئيسي على الأشياء التي نقدر أنها من أجل رفع شأن الإيمان والكنيسة ، وتنوير الذين من حولنا ، وخلاص أنفسنا ، وتأييد الأرض المقدسة نحن نقترح بأن ننطلق نحو الأمام خاصة وبشكل رئيسي حول : متى ، ولماذا كان الشروع ببناء قلعة صفد ، وكيف بنيت؟.

لماذا ومتى وكيف بدأ بناء قلعة صفد

وصل جيش من الصليبيين كبير كان بينهم : ملك نافار ، وكونت شامبين ، ودوق بيرغندي ، وكونت بريتاني ، وكونت نافار وفوريزFo ـ rez ، وكونت أوف مونتفورت ، وكونت أوف بار ، وكونت أوف ماكون ، وعدد كبير آخر من الكونتات والبارونات لتأييد الأرض المقدسة ، وفي هذا الجيش كان عدد الفرسان مع التجهيزات العسكرية أكثر من ألف وخمسمائة ، وذلك بالإضافة إلى الذين لم يكن لديهم ما يكفي من تجهيزات عسكرية ، وحشد لا يمكن تعداده تقريبا من رماة القسي العقارة ، والجنود الرجالة ، وعند ما وصلوا إلى يافا وعسقلان ، تناقشوا حول كيف ينبغي أن يسيروا ، وقام بعض النبلاء الذين وثقوا بقوتهم ، ولم يقيموا وزنا لنصائح الداوية والاسبتارية ، ورجال الكنيسة الآخرين ، ونبلاء البلاد بمغادرة الجيش أثناء الليل ، وبما أنهم لم يعطوا المجد للرب الذي إليه يعود النصر ، بل حاولوا عوضا عن ذلك أن ينالوه لأنفسهم لحقت بهم هزيمة مهينة ، فكثير منهم وقع بالأسر ، وقتل ، ودفع الجيش مهزوما إلى يافا في حالة فوضى كبيرة ، وهنا وفي سبيل تخفيف الألم وتلطيف وقع المأساة تقرر إعادة بناء قلعة صفد ، وبما أنهم لن يستطيعوا بناء مثل هذا العمل الجيد في جميع البلاد ، ولكي يكون بإمكان مقدم الداوية أن يبدأ بالعمل ، وعدوه بأن يدفعوا له مبلغ سبعة آلاف مارك حتى يدفع من أجل العمارة ، وأن الجيش سوف يقف هناك لمدة شهرين ، وبذلك يمكن أن تبنى بأمان أكبر وبسهولة.


ولكنهم عندما عادوا إلى عكا الرملية نسيوا وعودهم ، ولم يذهبوا للبناء ، كما أنهم لم يسهموا بأي شيء من أجله ، وعندما عقدت هدنة مع سلطان دمشق عاد الملك ورجال الجيش الكبير إلى بلادهم ، وذهب أسقف مرسيليا بالحقيقة باسم البابا بندكتوس إلى القديسة مريم في صيدنايا ، وذلك بقصد الحج بناء على إذن السلطان ، وعندما كان ينتظر في دمشق لعدة أيام بناء على أوامر من السلطان سأله كثير من الناس مرارا ، واستوضحوا منه عما إذا كانت صفد سوف تعاد عمارتها ، وعندما سألهم لماذا يتقصون عن ذلك بإلحاح واستمرار ، أجابوه أنه مع بناء قلعة صفد سوف تغلق أبواب دمشق.

ولذلك عندما عاد الأسقف من دمشق فحص بدقة البلاد حتى صفد ، فلم ير أية قلعة باستثناء الصبيبة التي كانت بيد ابن أخي السلطان ، وعندما وصل إلى صفد وجد هناك كومة من الحجارة من دون وجود أي بناء ، وذلك حيث كان مرة قلعة مهمة ومشهورة ، واستقبل هناك بسرور كبير من قبل الراهب رينهاردوس دي كاروRainhardus de caro الذي كان القسطلان هناك في ذلك الوقت ، لكنهم لم يجدوا أي مكان هناك ليناموا فيه باستثناءgarbelarias (أردية منسوجة من الصوف والكتان ، أو ربما حشايا) حملهم خدم الراهب ، وعليهم عملوا أسرة لسادتهما.

وعندما تقصى الأسقف بعناية حول المحيط وحول منطقة القلعة ، ولماذا كان المسلمون خائفون إلى هذه الدرجة من بنائها ، وجد أنه لو بنيت القلعة سوف تكون دفاعا وأمانا ، ومثل الترس بالنسبة للصليبيين بعيدا حتى عكا ، ضد المسلمين ، ولسوف تكون قاعدة قوية وهائلة من أجل الهجوم ، ولتأمين الحاجيات والفرص للقيام بأعمال الانقضاض والغارات داخل أراضي المسلمين بعيدا جتى دمشق ، وبسبب بناء هذه القلعة سوف يفقد السلطان مبالغ ضخمة من المال ، وسوف يحتاج إلى


نفقات كبيرة ، وخدمات للرجال والممتلكات للذين من دون ذلك سوف يكونوا للقلعة ، وسوف يخسر في أراضيه أيضا قرى ومناطق مزروعة ومراعي ، وإسهامات أخرى ، بما أنهم لن يتجرأوا على زراعة الأرض خوفا من القلعة ، وكنتيجة لذلك سوف تتحول أراضيه للدمار والخراب ، وسوف يكون أيضا مرغما على أن يتحمل نفقات كبيرة ، وأن يستخدم كثيرا من الجنود المأجورين (Stipendiarios) من أجل الدفاع عن دمشق والمناطق المحيطة بها ، وباختصار لقد وجد من التقرير العام أنه لم يكن هناك حصن في البلاد ، مثله : منه سوف يتضرر المسلمون كثيرا ، والصليبيون سوف يلقون مساعدة كبيرة ، والمسيحية سوف تنتشر.

وعندما سمع الأسقف هذا وآراء مشابهة وصل إلى عكا ، وزار مقدم الداوية أرماند دي بيريغورد الذي كان متمددا مريضا ، وسأله المقدم عن الذي رآه في دمشق وسمعه ، وأخبره الأسقف عما بدا له أكثر أهمية ، وذلك مما رآه وسمعه حول كيف كان المسلمون في حالة رعب ، ويرتجفون ، ويبحثون عن إعادة تأكيد حول بناء قلعة صفد ، وبناء عليه ، وفي إشارة إلى ما قد قاله بدأ في إقناعه بقوة وإصرار بأن عليهما أن يكرسا جميع قواهما لبنائها بسرعة في أيام الهدنة ، لكن المقدم قال له وهو يتنهد :

«أيها السيد الأسقف إنه ليس من السهل أن تبني قلعة صفد ، أو لم تسمع أنت نفسك بالذي وعد به : ملك نافار ، ودوق بيرغندي وكونتات وبارونات الجيش حول الذهاب إلى صفد على أساس أنها من الممكن أن تبنى بأمن أكبر ، وبسرعة أعظم ، وكيف أنهم كانوا سيقيمون هناك لمدة شهرين ، وأن يدفعوا مبلغ سبعة آلاف مارك من أجل البناء؟ وفي النهاية هم لم يدفعوا بنسا واحدا من أجل البناء ، وأنت تقول بأن علينا أن نبني القلعة من دون مساعدة أحد؟».


ثم إن الأسقف قال : «أيها المقدم إبق مرتاحا في فراشك ، وقدم إرادتك الصالحة ، وتأييدك الفعلي إلى الرهبان ، وأنا لدي إيمان بالرب بأنك سوف تفعل من فراشك أكثر من جيش كامل ، مع حشد من الرجال المسلحين ، وثرواتهم الوافرة» ، وبما أن الأسقف أصر قال الرجال الكبار الذين كانوا هناك : «أيها السيد الأسقف ، لقد قلت ما بدا جيدا بالنسبة لك ، ولسوف يقوم المقدم بالتشاور ، ويرد عليك» ، وعندما انسحب الأسقف من عند المقدم دعا أعيان أعضاء المجلس الاستشاري للداوية وأقنعهم بالذي قاله للمقدم ، وأرضاهم تماما ، وأجابوه بأن عليه القدوم في اليوم التالي ، وأن يجعل المقدم يعرض هذا أمامهم في الاجتماع.

كيف أقنع أسقف مرسيليا مقدم الداوية ومجلسه ببناء قلعة صفد

وجاء في اليوم التالي الأسقف إلى عند المقدم وطلب منه دعوة مجلسه الاستشاري بسبب أنه رغب في أن يتحدث إليهم حول شيء مهم بالنسبة له ، وعندما قدموا قال الأسقف لهم :

«أيها السادة أنا أفهم بأن رهبانيتكم ، قد بدأت أولا بفرسان مقدسين قد كرسوا أنفسهم كليا من أجل حماية الصليبيين ، والهجوم على المسلمين ، وبما أنهم التزموا بذلك بثبات وإخلاص ، مجّد الرب رهبانيتكم ، وجعلها ذات حظوة لدى الكرسي الرسولي ، ولدى الملوك والأمراء ، واليوم إن رهبانيتكم مشهورة كثيرا ، ومعروفة تماما لدى الرب والناس ، ويبدو لي أن عليكم الآن أن تتبعوا مثل هؤلاء الفرسان المقدسين ، وعندما كنت في دمشق تبين لي من كثير من الناس أنه ليس هناك شيئا سوف يخاف المسلمون منه خوفا عظيما مثل بناء صفد ، ولهذا لقد قيل : إنه مع بناء تلك القلعة سوف تنغلق أبواب دمشق ، ونحن أنفسنا رأينا الموقع وتفحصناه ، وأنه معروف بشكل عام إنه من غير الممكن أن تبني قلعة أو حصنا في هذه البلاد بوساطته يمكن حماية المسيحية بشكل جيد جدا ، وكفر المسلمين به يحارب ، مثل صفد ، ولهذا


السبب قمت وأنا صديقكم المخلص ، وأنا متنبه لتشريف الرب ، ولخلاص الأنفس ، ولرفع شأن رهبانيتكم ، فسألت ونصحت وطلبت أن تقوموا ، وأنتم العبيد المخلصون للرب ، والمكرسون والفرسان الأقوياء بالنظر إلى الخلف إلى مثل أولئك الفرسان الأوائل الذين أسسوا رهبانيتكم ، وأنه باتباعكم مثل مؤسسيكم بأن تمنحوا أنفسكم ومالديكم لبناء قلعة صفد التي سوف تبقى دوما تهديدا للمسلمين ، ودفاعا عظيما للمؤمنين الصليبيين ، وأنا ـ على كل حال ـ ليس لدي المال الذي سيكون كافيا لهذا العمل ، لكن أنا أعرض للقيام بحج إلى هناك إذا أردتم عمارتها ، وإذا كنتم لا تريدون سوف أبشر بين الحجاج للذهاب إلى هناك معهم للبناء بالمخلفات ، لأنه يوجد هناك كومة كبيرة من الحجارة ، ولسوف أشيد هناك سورا من الحجارة الغشيمة لحماية الصليبيين من هجمات المسلمين».

وعندما سمع المقدم هذا أجاب وكأنه يضحك : «أنت بوضوح قد قررت الذي ينبغي عمله» ، فأضاف الأسقف قائلا : «وأنت اعقد مشاورات جيدة ، وليكن الرب معك» ، وانسحب من عندهم ، ووجه الرب ـ على كل حال ـ اجتماعهم ، فقرروا بالإجماع بأن القلعة المذكورة ينبغي أن تعاد عمارتها الآن ، ماداموا في هدنة مع سلطان دمشق ، لأن الهدنة إذا ما ألغيت يمكن للبناء أن يتأخر بسهولة.

البهجة أثناء بناء قلعة صفد

عندما تقرر وجوب بناء صفد ، كانت هنالك بهجة عظيمة في دير الداوية ، وفي مدينة عكا ، وبين شعب الأرض المقدسة ، ومن دون تأخير جرى اختيار قوة كبيرة من الفرسان ، والسيرجندية ، ورماة القسي العقارة مع رجال مسلحين آخرين وبرفقتهم كثير من دواب التحميل لنقل الأسلحة ، والإمدادات ، والمواد الضرورية الأخرى ، وفتحت مخازن الحبوب ، والأقبية ، وخزائن الأموال ، والدوائر الأخرى بكرم وفرح من


أجل الدفع ، وأرسل إلى هناك عدد كبير من العمال والعبيد (operarii et schavi) مع الأدوات والمواد التي احتاجوها ، وفرحت البلاد لدى وصولهم ، وتمجدت المسيحية الحقيقية للأرض المقدسة.

ووصل أسقف مرسيليا نفسه مع هؤلاء الحجاج الذين تمكن من جلبهم ، ونصب خيامه فوق موقع كنيس اليهود ومسجد المسلمين ، وبذلك أشار ، وظهر بوضوح بأن قلعة صفد سوف تعاد عمارتها لإضعاف انعدام إيمان الكفار ، ولتقوية عقيدة ربنا يسوع المسيح ، والدفاع عنها ، وبعدما كان كل شيء مطلوب للشروع بالعمل في هذا المشروع المجيد جاهزا ، وبعد إقامة قداس وصل الأسقف وأعطى موعظة قصيرة لتشجيع إيمان الذين كانوا موجودين ، وتوجه بالدعاء إلى نعمة الروح القدس ، ومع المباركة ، والمهابة المطلوبة وضع الحجر الأول لتشريف ربنا يسوع المسيح ، ولرفعة شأن العقيدة المسيحية ، وعلى الحجر وضع كأسا مذهبا من الفضة كان مملوءا بالمال لدعم العمل المقبل ، وقد عمل هذا في العام ١٢٤٠ للرب في الحادي عشر من إيلول.

كيف تم العثور على بئر للماء العذب داخل قلعة صفد

بما أنه كان هناك نقص بالمياه ، وبما أن الماء كان يجلب من مسافة بعيدة بوساطة عدد كبير من دواب التحميل مع جهد ونفقات أخذ الأسقف يبحث لعدة أيام حتى يعثر على نبع صغير ، ولكي يبني بركة لتجميع الماء فيها ، فقال رجل عجوز من المسلمين لحاجب الأسقف : «إذا أعطاني سيدك ثوبا ، أنا سوف أريه نبع ماء عذب في داخل القلعة» ، وعندما وعده بالثوب أراه المكان ، حيث كان هناك ركام كبير ، وخرائب أبراج وأسوار ، وأكوام كثيرة من الحجارة ، وعندما طلبوا منه مجددا علامة واضحة ، قال : إنهم سوف يجدون سيفا وخوذة من الحديد في فم البئر ، وهكذا وجدوا الأمر كما قال ، ولهذا السبب عملوا بإصرار أكبر وبعزم إلى أن تمكنوا أخيرا من اكتشاف ماء متدفق رائع بكميات وافرة كثيرا


من أجل القلعة كلها ، وبقي الأسقف مقيما هناك إلى أن أرسيت أساسات القلعة بثبات ، وصار بإمكانها الدفاع عن نفسها ضد أعداء الإيمان ، وعندما عاد إلى الوطن ، أعطى إلى القلعة ـ وكأنها الابن المنتخب والأحب لديه ـ جميع أطعمته ، وخيامه ، وأثاثه ، وبعدما أعطى مباركته ، عهد بالوصاية على العمل وتقدمه ، وعلى العاملين ، إلى ربنا يسوع المسيح ، الذي على شرفه بدأ العمل ولاسمه جرى تكريس القلعة.

الإنشاء الرائع لقلعة صفد

عندما عاد ـ على كل حال ـ الأسقف نفسه لمساندة الأرض المقدسة ضد التتار في الرابع من تشرين أول [١٢٦٠] ، ووصل لزيارة صفد لقد وجد أنه بين الرحلة الأولى عندما عاد الأسقف إلى مرسيليا ، والرحلة الثانية التي عاد بها إلى صفد أنه بفضل نعمة الرب وحكمته ولنشاط وسمعة رهبان الداوية أن القلعة قد بنيت بصنعة عظيمة ، وروعة كبيرة ، وفخامة إلى حد أن عمارتها بدت بأبهتها وجودتها ، أنها عملت ليس من قبل الإنسان ، بل من قبل الرب القدير.

ولتفهم هذا بكمال أكبر ، ولجعل الأمر أكثر وضوحا : إن قلعة صفد قائمة تقريبا على منتصف الطريق بين مدينتي عكا ودمشق في الجليل الأعلى على قمة محاطة تماما بالجبال والهضاب ، وبجروف صرفه ، ومنحدرات شديدة ، وصخور ، وهي من معظم الاتجاهات لا يمكن الوصول إليها ، وهي لا ترام ، بسبب المصاعب ، والشدائد ، وضيق الطرقات ، وفي جنسارث (المعروفة أيضا ببحر الجليل ، وببحيرة طبريا) توفر ما يشبه المتاريس ، وهؤلاء مثل دفاعات طبيعية على مسافة ، وكان هناك ـ على كل حال ـ دفاعات داخلية وخارجية رائعة من صنع الإنسان ، وأبنية تستحق الإعجاب.


وليس من السهل أن ينقل الإنسان كتابه أو أن يعبر بالكلام فيذكر كم كان هناك من الأبنية الرائعة ، مثل : الدفاعات الكثيرة الرائعة ، والتحصينات مع الخنادق التي هي سبع قصبات [٤ ، ١٥ م لأن طول القصبة ٢ ، ٢ م] بالعمق المنحوت في الصخر ، وست قصبات بالعرض ، ومثل : الأسوار الداخلية ٢٠ قصبة [٤٤ م] بالارتفاع ، وقصبة ونصف القصبة (٣ ، ٣) بالسماكة عند الرأس ، ومثل الأسوار الخارجية (ante ـ muralia) والخنادق (Scama) عشر قصبات [٢٢ م] بالارتفاع ٣٧٥ قصبة [٨٢٥ م] بالمحيط ، والأنفاق تحت الأرض بين السور الخارجي ، والخندق [الداخلي] ، مع غرف تحت الأرض حول القلعة كلها امتداد ٣٧٥ قصبة [٨٢٥ م] ، ومثل : المنع التي تدعى باسم,Fortie cooperte والتي هي فوق الخنادق ، وتحت السور الخارجي ، حيث يمكن لرماة القسي العقارة مع كوى كبيرة من أجل الدفاع عن الخنادق والأشياء القريبة والبعيدة ، من دون أية وسائل وقاية أخرى ومثل : الأبراج والشرافات (propugnaculis) حيث هناك سبعة أبراج كل واحد منها ٢٢ قصبة [٤ ، ٤٨ م] بالارتفاع وعشر [٢٢ م] بالعرض مع أسوار سماكتها قصبتان [٤ ، ٤ م] في الذروة ، ومثل الكثير من المكاتب لجميع الضروريات ، ومثل عدد وحجم ، وأنواع من المنشآت للقسي العقارة ، والأسهم المربعة الرؤوس ، والآلات ، وكل نوع من الدروع والسلاح بذلت جهود كبيرة جدا لصنعهم ، وأنفقت أموال من أجل إعدادهم ، ومثل عدد الحراس في كل يوم ، والعدد الكبير للحامية المكونة من رجال مسلحين للحراسة وللدفاع ، ولصد الأعداء الذين كانوا دوما مطلوبين هناك ، ولكم كان عدد العاملين كبيرا مع مختلف الحرف ، وكذلك النفقات العظيمة التي عملت من أجلهم يوميا ذلك أنه ليس لائقا المرور بصمت بمثل هذه الأعمال المشهورة جدا ، والاستثنائية كثيرا ، والفائقة الروعة ، والضرورية بلا حدود ، وهي كلها كان من اللازم عملها من أجل تشريف الرب ، وتمجيد الاسم المسيحي ، وفي سبيل


تدمير الكفار ، وإعلاء شأن المؤمنين ، ثم إنه جرى الإعلان عن بعضهم لتشجيع تكريس المؤمنين وشفقتهم.

النفقات اليومية الكبيرة من أجل حراسة قلعة صفد

إنه على هذا من أجل تشريف ربنا يسوع المسيح ، ولإظهار قوة التكريس ، والحاجة العظيمة للفرسان المقدسين لرهبانية الداوية ، ولتشجيع التكريس والشفقة ، ولإلهاب محبة المؤمنين المسيحيين نحو الرهبانية والقلعة سوف نقدم تفاصيل النفقات التي عملها الداوية هناك من أجل البناء لأنني سألت ، وبعناية استفسرت من أعيان الرجال ، ومن خلال رجال دير الداوية : لقد أنفق دير الداوية في العامين الأوليين ونصف العام على بناء قلعة صفد أحد عشر ألف دينار إسلامي ، وذلك بالإضافة إلى الموارد التي جاءت من القلعة نفسها ، وأنفق في كل عام تالي ، أكثر أو أقل من أربعين ألف دينار إسلامي ، ففي كل يوم وزعت الأطعمة على ٧٠٠ ، ١ إنسان أو أكثر ، وفي أوقات الحرب على ٢٠٠ ، ٢ ، لأن ترسيخ (Stablimento cotidiano) القلعة احتاج يوميا خمسين فارسا ، وثلاثين سير جنديا ، كلهم من الرهبان ، وخمسين توركبليا مطلوبين مع خيولهم وأسلحتهم ، وثلاثمائة من رماة القسي العقارة ، والأعمال والمكاتب الأخرى إلى ثمانمائة وعشرين رجلا ، وأربعمائة من الرقيق ، ولقد استخدم هناك في كل عام معدلا يزيد عن ٠٠٠ ، ١٢ حمل بغل من الشعير والقمح فيما عدا الأطعمة الأخرى ، وذلك بالإضافة إلى رواتب الجنود المرتزقة ، والأشخاص من المأجورين يضاف إلى ذلك الخيول ، وأشياء ، وأسلحة ، وضروريات أخرى ليس من السهل تعدادها.

فخامة قلعة صفد

بذلت جهود كبيرة جدا لم تكن من دون فائدة في سبيل إظهار عظمة القلعة ، وكانت جهودا مرهقة لا يمكن الاستغناء عنها أو غير كافية ، أو


غير موائمة لسكناها ، وينبغي أن نعرف أن قلعة صفد تمتلك مناخا معتدلا وصحيا ، وبساتين غنية ، وكروم ، وأشجار ، وأعشاب لطيفة ضاحكة ، وهي غنية وكثيرة الوفرة والخصب في أنواع الثمار والفواكه ، فهناك : تين ، ورمان ، ولوز ، والزيتون ينمو هناك ويزدهر ، فالرب باركها بالمطر من السماء ، وبالثروة من التربة ، وبوفرة من القمح ، والكروم ، والزيت ، والقطاني ، والأعشاب ، وفواكه مختارة ، وكميات كبيرة من الحليب ، والعسل ، ومراعي موائمة من أجل إطعام الحيوانات ، وفضاءات ، وأشجار ، وغابات من أجل صنع الفحم ، أو من أجل طبخ كميات كبيرة من الأطعمة ، ومقاطع من أجل حجارة جيدة في المكان من أجل أعمال البناء ، وللسقاية من الينابيع ، ومن أجل برك كبيرة لسقاية الحيوانات والمزروعات ليس فقط خارج القلعة ، بل حتى في داخلها ، حيث هناك ماء عذبا بوفرة ، وعددا كبيرا ، وأنواعا من البرك المناسبة لأي غرض.

ويوجد هناك اثنتي عشر طاحون ماء خارج القلعة ، وكثيرا أكثر تستمد طاقتها من الدواب أو من الريح ، وأكثر مما إليه حاجة من الأفران ، وذلك كما ينبغي ، ولم يكن هناك أي نقص في أي شيء يحتاجه النبلاء أو القلعة ، وهناك أنواعا كثيرة من الصيد وأنواعا كثيرة من الأسماك في نهر الأردن ، وبحيرة طبرية ، ذلك أن بحيرة طبرية بحيرة كبيرة ، ومن أماكن أخرى ، حيث يمكن جلب الأسماك الطازجة أو المملحة يوميا.

وبين سمات الفخامة الكثيرة التي امتلكتها قلعة صفد هي أنه معلوم أنها يمكن الدفاع عنها بوساطة قلة ، وأن كثيرين يمكن أن يحتشدوا فيها تحت الحماية من أسوارها ، وأنه لا يمكن حصارها إلا بوساطة حشد كبير جدا ، لكن مثل هذا الحشد لن يمتلك الإمدادات لوقت طويل ، لأنه لن يجد الماء ولا الطعام ، كما أنه لا يمكن لحشد كبير أن يقترب منها


في الوقت نفسه ، وإذا ما تفرق أفراده في أماكن نائية ، فإنهم لن يستطيعوا مساعدة أحدهم الآخر.

فائدة القلعة والأماكن المحيطة والمرتبطة بها

يمكنك أن تدرك كم كانت القلعة مفيدة وضرورية لجميع الأراضي الصليبية ، وكم كانت مؤذية للكفار ، فذوي الخبرة الذين عرفوها من قبل أن تبنى عرفوا بأن : المسلمين ، والبدو ، والخوارزمية والتركمان اعتادوا على الإغارة على عكا ، والتوغل في الأراضي الأخرى التابعة للصليبيين ، لكن ببناء قلعة صفد تم وضع حصن وحاجز ، فلم يعودوا يتجرأون على الذهاب من نهر الأردن إلى عكا ، إلا إذا كانوا بأعداد كبيرة جدا ، لكن بين عكا وصفد كان يمكن لدواب النقل المحملة والعربات العبور بسلام ، وكان من الممكن تشغيل الأراضي الزراعية بحرية ، ومن جهة أخرى بقيت البلاد بين دمشق ونهر الأردن غير مزروعة ، وكانت أشبة بصحراء للخوف من قلعة صفد ، في حين أن الغارات الكبرى منها ، والسلب والنهب ، وإحداث الدمار كانت تصل بعيدا حتى دمشق ، وهناك ربح الداوية عددا كبيرا من الانتصارات الإعجازية ضد أعداء الإيمان ، وهي انتصارات ليس من السهل تعدادها ، حيث يمكن كتابة كتاب كبير حولها.

وينبغي ـ على كل حال ـ أن لا نغفل عدم ذكر أنه تحت قلعة صفد في اتجاه عكا ، هناك بلدة أو قرية كبيرة (Burgus sive villa magna) فيها هناك سوق وعدد كبير من السكان ، وهي يمكن الدفاع عنها من القلعة ، بالإضافة إلى ذلك كان تحت سيادة قلعة صفد ، وفي منطقتها أكثر من مائتين وستين قرية ، التي كانت تدعى بالفرنسية فيلات Ville ، كان فيها أكثر من عشرة آلاف رجل مع قسي وسهام ، وذلك بالإضافة إلى آخرين ، من الذين يمكن منهم جمع مبالغ كبيرة من المال ، حتى يجري تقسيمها بين قلعة صفد ، والرهبانيات العسكرية الأخرى ، والبارونات ،


والفرسان ، الذين إليهم تعود ملكية القرى ، والذين كان يجبى منهم قليلا أو لا شيء قبل بناء صفد ، كما لا يمكن جبايتها هذه الأيام ، لولا أن القلعة قد بنيت لأن الجميع كانوا في يد سلطان دمشق والمسلمين الآخرين.

وعند تقدير الفوائد والمنافع إن الشيء الأكثر أهمية ، وينبغي عدم تجاوز ذكره ، هو أنه بات الآن ممكنا التبشير بعقيدة ربنا يسوع المسيح بحرية ، في جميع هذه الأماكن ، وأن يجري النقض والنقض علنيا في القداسات تجديفات محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) الأمر الذي لم يكن ممكنا قبل بناء صفد ، ولم يعد المسلمون يقدمون ـ كما كانوا يفعلون من قبل ـ على إعلان تجديفات محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ضد عقيدة ربنا يسوع المسيح ، وصار الآن بالإمكان زيارة الأماكن المشهورة التي هي موجودة في منطقة صفد ، مثل بئر يوسف ، حيث جرى بيعه من قبل إخوته ، ومدينة كفرناحوم التي هي على حدود زبلون ، ونفتالي ، حيث عاش ربنا يسوع المسيح ، وبدأ أعمال تبشيره ، وعمل كثيرا من المعجزات ، وحيث دفع بطرس الجزية بدينار وجده في فم سمكة ، عن نفسه وعن الرب يسوع المسيح ، وحيث جلس متى على مائدة التعشير ، ومن حيث أخذ ليصبح رسولا.

ومثل هذا ، وقريب من هنا على الجبال باتجاه طبرية هناك المكان ، الذي أطعم فيه ربنا وأشبع خمسة آلاف إنسان بخمسة أرغف من الشعير ، واثنتي عشرة سمكة مع اثنتي عشرة سلة من الفتات قد زادت ، وعلى مقربة من هناك المكان الذي أظهر فيه يسوع نفسه إلى تلاميذه ، وأكل معهم حسبما نقرأ في الإنجيل من أجل الأحد الرابع بعد الفصح ، وذلك المكان الذي يدعى بشكل عام باسم مائدة الرب ، حيث هناك كنيسة ، ومحج مهيب ، ومجددا وعلى مقربة من هناك وإلى جانب بحيرة طبرية هناك قرية تدعى بيت صيدا ، حيث ولد بطرس ، وأندرو ،


وفيليب ، وجيمس الأصغر ، وحيث اختار المسيح : بطرس ، وأندرو ، وابني زبدي الاثنين ، ليكونوا رسلا ، ومرة أخرى على مقربة من هناك ، وإلى جانب بحيرة طبرية ، وباتجاه مدينة طبرية هناك مكان يدعى مجدلون ، حيث قيل إن هناك ولدت مريم المجدلية ، وهناك أماكن هي حتى أكثر قداسة مثل : الناصرة ، وجبل الطور ، وقانا الجليل ، وأماكن أخرى كثيرة من الممكن زيارتها بحرية أكبر ، وأمان ، بسبب بناء قلعة صفد ، ولهذا السبب من الممكن رؤية كم هو كثير الذي أزيل وانتزع من المسلمين الكفار ، وإلى أي مدى بعيد نمت المسيحية وتوسعت بسبب بناء قلعة صفد وتأسيسها ، لأنها عملت من أجل التضييق على المسلمين ، وإضعافهم ، وكبحهم ، ولتوسيع ، ومضاعفة وراحة الإيمان ، ولتشريف مولانا يسوع المسيح ، ولتمجيد كنيسة المولى الرب ، آمين.


فتح صفد

لشاهد العيان

المؤرخ الداوي الصوري

٣٤٥ ـ مع عام ١٢٦٦ للمسيح ، كان بيبرس هو السلطان ليس فقط لمصر ، بل لجميع المسلمين ، لأنه في أيامه لم يكن هناك سلطان آخر غيره في أي بلد من بلاد المسلمين ، وكان جميع العالم غير المسيحي تحت سلطانه.

٣٤٦ ـ ووصل السلطان إلى خارج عكا ، حيث مكث ثمانية أيام من حزيران ، ثم ذهب إلى صفد (وكانت صفد قلعة الداوية ، وكانت قلعة جميلة وحصينة جدا ، قائمة في الجبال على بعد سفر يوم من عكا) ، وقد أرسل إلى الرجال الذين كانوا في القلعة هدية ، حسب عادة المسلمين ، غير أن الرجال الذين كانوا في القلعة استخدموا المجانيق لرمي الهدايا وإعادتها ، وهذا جعل السلطان غاضبا كثيرا ، فأعدّ على الفور آلات حصاره ، وقد هاجموا القلعة ، وقام بعدة حملات عليها خلال العشرين من تموز ، وذلك عندما استولى عليها ، ولسوف أخبركم كيف استولى عليها.

٣٤٧ ـ عندما استولى رجال السلطان على التحصينات الاولى للقلعة ، عانوا من إصابات ثقيلة ، لأن الذين كانوا في الداخل كانوا جنودا جيدين : فرسانا وسير جاندية ، وخشي السلطان من أنه لن يكون قادرا على الاستيلاء عليها بالقوة من دون فقدانه لعدد كبير من رجاله ، فأوقف الهجوم ، وأمر بالمناداة بصوت مرتفع والإعلان : أنه يمكن لجميع السريان (من سيرجاندية ورماة) الخروج من القلعة بأمان منه ، وقد فعل هذا لإظهار عدم اتفاق بين الفرنجة والسريان ، لأن الفرنجة سوف يتهمون السريان بأنهم خونة ، وبذلك سوف يكون هناك صراع فيما بينهم.

ثم هاجمهم السلطان بشدة ، ولأن الذين كانوا في الداخل قد فقدوا


خطوط الدفاع الأولى ضعفوا ضعفا شديدا ، وكانوا على خلاف شديد فيما بينهم ، ولم يكن بإمكانهم تلقي أي عون من أي مكان ، لأن القلعة كانت محاطة من قبل المسلمين من جميع الجهات ، ولذلك نادوا إلى المسلمين بإيقاف القتال ، لأنهم يريدون إرسال رسول إليهم ، وجرى إعلام السلطان بهذا ، فعلق الهجوم ، وعقد الذين كانوا في القلعة اجتماعا وقرروا أن يرسلوا سرجاندي داوي راهب إلى السلطان ، كان اسمه الراهب ليو كاساليرLeo casalier ، المسؤول عن إدارة إقطاعية صفد ، وكان بارعا في التحدث بلغة المسلمين ، وقد كلفوه بطلب الأمان لنفسه وإلى الفرنجة ، أي مثل الأمان الذي منحه السلطان إلى السريان ، من خلال الاعلان الذي نودي به.

وذهب ليو هذا ، ووصل إلى السلطان ، وأعطاه الرسالة ، وأعطاه جوابا جيدا بالعلن ، لكنه تحدث بعد ذلك على انفراد مع الراهب ليو هذا ، وأخبره بأنه كان غاضبا من الرجال الذين في القلعة ، الذين رموا إليه معيدين هديته ، وقتلوا عددا كبيرا من رجاله ، وأنه يرى إعدامهم جميعا ، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية هو عازم على تقديم الأمان على يد أمير كان يشبهه ، ثم يجعلهم بعد ذلك طعمة لسيفه ، وإنه إذا ما رغب ليو بالتعاون معه وتسهيل هذا العمل ، فإن السلطان سوف يعطيه جميع الأشياء الممتازة ، لكنه إذا رفض ، فهو عندما سيستولي على القلعة ، سوف يقتله ، لكن بشكل شنيع خاص.

وعندما سمع الراهب ليو السلطان ارتعب رعبا شديدا ، فوافق على أن يعمل كما رغب ، وعاد إلى القلعة وأخبرهم بأن السلطان صدق على منح الأمان إلى كل واحد ، وأن السلطان نفسه سوف يقسم لهم على مرأى منهم ، فكان هناك سرور عارم بين الذين كانوا في القلعة على هذا.

وعندما حل الصباح التالي ، أرسل السلطان الأمير الذي يشبهه ، وجعله يذهب إلى أمام القلعة ، مع جميع الأبهة العائدة إليه شخصيا ،


وعندما رآه الذين كانوا في القلعة ، ظنوه أنه هو السلطان ، وشعروا بثقة تامة وكبيرة ، لكنهم كانوا قد خدعوا وغدر بهم.

وأقسم الأمير على منحهم أمان جيد ومضمون إلى أن يصلوا إلى عكا ، وهكذا خرجوا من القلعة مع تجهيزاتهم محملة على البغال ، وكانوا جاهزين للذهاب على الفور إلى عكا ، ذلك أنه لم يكن هناك طريق من صفد إلى عكا يستغرق أقل من سفر يوم واحد ، وأخبرهم السلطان أن عليهم الاستراحة تلك الليلة ، وأنه في الصباح سوف يرسلهم إلى عكا ، وقد أرغموا على فعل هذا.

وفي الصباح تدبر اعتقالهم جميعا ، واقتيدوا إلى مسافة ما عن صفد ، إلى رابية صغيرة على بعد حوالي نصف فرسخ ، وهناك جرى إعدامهم بقطع رؤوسهم ، ثم أمر بعمل جدار من حولهم ، وعظامهم ورؤوسهم ما يزال بالإمكان رؤيتها ، وقد قيل ـ وهذا أمر مؤكد ـ بأن نورا من السماء قد أشع فوق أجسادهم مرارا كثيرة ، وقد رأى هذا النور بعض المسلمين وبعض المسيحيين ، وكان بينهم اثنان من الفرنسيسكان اللذان أبقياهم ثابتين متمسكين بالإيمان بالوعظ إليهم ، الوعظ الذي كان مفيدا جدا لنفوسهم.

وبالنسبة للراهب ليو كاسالير ، الذي اقترف هذه الخيانة خوفا من الموت ، فقد ارتد وأصبح مسلما.

والآن سوف أخبركم عن شيء آخر ، فعله السلطان.

٣٤٨ ـ عندما استولى السلطان على قلعة صفد ، كما سمعتم الآن ، غادر وذهب إلى مملكة أرمينيا ، التي تمتلك مدخلا ضيقا جدا ، ومحروسا حراسة جيدة ، ومع ذلك شق طريقه بالقوة ، وجال مدمرا خلال المنطقة كلها ، ناهبا ومخربا كثيرا من القرى ، وآخذا عامة الناس أسرى ، وكان ملك أرمينيا غائبا ، كان قد ذهب لزيارة التتار ، وترك وراءه ابنيه ، اللذان كان اسم الأول منهما طوروس ، واسم الثاني ليون ، وقتل السلطان طوروس ، وأخذ ليون حيا ، وأحضره معه عندما عاد إلى القاهرة ، مع كثير من الناس العظماء والعاديين من رجال المملكة.


كتاب بشارة بتحرير صفد صدر باسم السلطان الظاهر بيبرس

وتم توجيهه إلى قاضي قضاة الشام شمس الدين أحمد بن

خلكان ـ نقلا عن كتاب ذيل مرآة الزمان

لليونيني (٢ / ٣٣٨ ـ ٣٤٣)

سر الله خاطر المجلس الأعلى السامي واطلع عليه وجوه البشائر سوافر ، وأمتع نواظره باستجلاء محاسنها النواضر ، وواصلها إليه متوالية تواجهه كل يوم بمراتبها الزواهي الزواهر ، وأماثلها لديه متضاهية الجمال متناسبة في حسن المبادي والأواخر ، ولم تزل وجوه البشائر أحسن وجوه تستجلى ، وألفاظه أعذب ألفاظ تستعاد وتستحلى ، وإذا كررت على المسامع أحاديث كتبها لا تمل بل تستملى ، لا سيما إذا كانت بإعزاز الدين ، وتأييد المسلمين ، ونبأ فتح نرجو أن يكون طليعة فتوحات كل فتح منها (هو الفتح المبين ، فإن أنباءها تجل وقعا وتعظم في الدنيا والآخرة نفعا ، وتود كل جارحة عند حديثه أن تكون سمعا ، لحديث) هذا الفتح الذي كرم خبرا ، وخبرا وحسن أثره في الإسلام وردا وصدرا ، وطابت أخبار ذكره فشغل به السارون حداء والسامرون سمرا ، وهو فتح صفد واستنقاذه من أسره واسترجاعه للإسلام وقد طالت عليه في النصرانية مدة من عمره ، وإقرار عين الدين بفتحه وكان قذى عينه وشجى في صدره ، وقد كنا لما وصلنا الشام بالعزم الذي نفرته دواعي الجهاد ، وأنفذته عوالي الصعاد ، وقربته أيدي الجياد ، ملنا على سواحل العدو المخذول فغرقناها ببحار عساكرنا الزاخرة ، وشنينا بها من الغارات ما ألبسها ذلا رفل بها الإسلام في ملابس عزه الفاخرة ، وهي وإن كانت غارة عظيمة شنت في يوم واحد على جميع سواحله واستولى بها النهب والتخريب على أمواله ومنازله ، واستبيح من حرمه وحرمه مصونات معاقله وعقائله ، إلا أنها كانت بين يدي عزائمنا المنصورة نشيطة نشطنا بها الغازين ، واسترهفنا بها همم المجاهدين


وقدمناها لهم كاللهنة قبل الطعام للساغبين ، وأعقبنا ذلك بما رأيناه أولى بالتقديم وأحرى ، وتبيناه أشد وطأة على الإسلام وأعظم ضرا ، وهي صفد التي باء بإثمها حاملها على النصرانية ، ومسلطها بالنكاية ، على البلاد الإسلامية ، حتى جعلها للشرك مأسدة آساده ومراد مراده ، ومجر رماحه ومجرى جياده ، كم استبيح بسببها للإسلام من حمى ، وكم استرق الكفار بواسطتها مسلمة من الأحرار ومسلما ، وكم تسرب منها جيش الفرنج إلى بلاد المسلمين فحازوا مغنما وقوضوا معلما ، فنازلناها منازلة الليل بانعقاد القساطل ، وطالعناها مطالعة الشمس ببريق المرهفات وأسنة الذوابل ، وقصدناها بجحفل لم يزحم بلدا إلا هدمه ولا قصد جيشا إلا هزمه ، ولا أم ممتنعا طغا جباره إلا سهله وقصمه ، فلما طالعتها أوائل طلائعنا منزلة وقابلتها وجوه كماتنا المقاتلة اغتر كافرها فبرز للمبارزة والقتال ووقف دون المنازلة داعيا نزال ، فتقدم إليه من فرساننا كل حديد الشبا جديد الشباب يهوى إلى الحرب فيرى منه ومن طرفه أسد فوق عقاب ، ويخف نحوها متسرعا فيقال : أهذا لقاء أعداء أم لقاء أحباب؟ فهم فوارس كمناصلهم رونقا وضياء ، تجري بهم جياد كذوابلهم علاءا ومضاء ، إذا مشوا إلى الحرب مزجوا المرح بالتيه فيظن في أعطافهم كسل ، وهزوا قاماتهم مع الذوابل فجهلت الحرب من منهم الأسل ، فحين شاهد أعداء الله آساد الله تصول من رماحها بأساودها وتبدى ظمأ لا ينقعه إلا أن ترد من دماء الأعداء محمر مواردها ، وأنها قد أقبلت نحوهم بجحافل تضيق رحب الفضاء ، وتحقق بنزولها ونزالها كيف نزول القضاء ، وأنه جيش بعثه الله بإعزاز الجمعة وإذلال الأحد ، وعقد برايته مذ عقدها أن لا قبل بها لأحد ، وأن الفرار ملازم أعدائه ولا قرار على زائر على الأسد ، ولوا مدبرين وادبروا على أعقابهم ناكصين ولجأوا إلى معقلهم معتقلين ولا متعقلين ، فعند ذلك زحفنا إليه من كل جانب حتى صرنا كالنطاق بخصره ، ودرنا به حتى عدنا كاللثام بثغره ، وأمطرنا عليه من السهام وابلا سحبت ذيول سحبه


المتراكمة ، وأجرينا حولها من الحديد بحرا غرقه أمواجه المتلاطمة ، وضايقناها حتى لو قصد وفد النسيم وصولا إليه لما تخلص ، أو رام ظل الشمس أن يعود عليه فيئا لعجز لأخذنا عليه أن يتقلص ، ثم وكلنا به من المجانيق كل عالي الغوارب عاري المناكب عبل الشوى سامي الذرى ، له وثبات تحمل إلى الحصون البوائق ، وثبات تزول دونه ولا يزول الشواهق ، ترفع لمرورها الستائر فتدخل أحجاره بغير استيذان وتوضع لنزوله رؤوس الحصون فتخر خاضعة للأذقان ، فلم يزل يصدع بثبات أركانه حتى هدمها ، وتقبل ثنيات ثغره حتى أبدى ثرمها ، وفي ضمن ذلك لصق الحجارون بجداره وتعلقوا بأذيال أسواره ففتحوها أسرابا ، وأججوها جحيما يستعر التهابا ، فصلي أهل النار بنارين من الحريق والقتال ، ومنوا بعذابين من حر الضرام وحد النصال ، هذه تستعر عليهم وقودا ، وهذه تجعل هامهم للسيف غمودا.

فعند ذلك جاءهم الموت من فوقهم ومن أسفل منهم ، وأصبح ثغرهم الذي ظنوه عاصما لا يغني عنهم ، ومع ذلك فقاتلوا قتال مستقتل لا يرى من الموت بدا ، وثبتوا متحايين يقدون بيضهم البيض والأبدان قدا ، فصبر أولياء الله على ما عاهدوا الله عليه ، وقدموا نفوسهم قبل إقدامهم رغبة إليه ، ورأوا الجنة تحت ظلال السيوف فلم يروا دونها مقيلا وتحققوا ما أعده الله لأهل الشهادة فاستحلوا وجه الموت على جهامته جميلا ، فعند ذلك خاب ظن أعداء الله وسقط في أيديهم وصار رجاء السلامة برؤوسهم أقصى تمنيهم ، فعدلوا عن القتال إلى السؤال وجنحوا إلى السلم ، وطلب النزول بعد النزال ، وتداعوا بالأمان صارخين ، وجاؤوا بدعاء التضرع لاجين ، فاغمد الصفح عنهم بيض الصفاح ، وقاتلوا من التوسل بأحد سلاح ، واستدعوا راياتنا المنصورة فشرفوا بها الشرفات ونزلوا على حكمنا ، فأقالت القدرة لهم العثرات ، وتسلم الحصن المبارك وقت صلاة الجمعة ثامن عشر شوال ،


وتحكم نوابنا على ما به من الذخائر والأموال ، ونودي في أرجائه بالواحد الأحد ، واستديل للجمعة يوم الجمعة من يوم الأحد ، ونحن نحمد الله على هذا الفتح الذي أعاد وجه الإسلام جميلا ، وأنام عين الدين في ظل من الأمن مده ظليلا وألان من جانب هذا الثغر ما لا ظن أن سيلين ، وذلل من صعبه ما شرح به صدر الملك والدين ، فإنه حصن مر عليه دهر لم يدر فتحه بالأوهام ، ولا تطاولت إليه يد الخطب ولا همة الأيام وربما كان يجد منفسا فيدعو الملوك إلى نفسها فيتصامموا ويخطبهم وممرها أدنى حرب فيرغبوا في العزلة والمسالمة فيسالموا ، ألهاهم عن فخر فتحه الرغبة في رفاهية عيشة ظنوها راضية ، ووقف بهم دون السعي فيه همة لنزول الدنايا متغاضية ، وجنح بهم مراد السلم وإرادة السلم كانت عليهم القاضية ، والمجلس أيده الله يأخذ حظه من هذه البشرى ويقر بها عينا ويشرح بها صدرا ، ويحلي وجوه بشائرها من هذه المكاتبة ، على عيون الناس من كل حاضر وباد ، ويستنطق بها ألسن المحدثين في كل محفل وناد ، والله يحرس المجلس ويسهل بهمته كل مراد ، إن شاء الله تعالى.


ترجمة بيبرس من ذيل مرآة الزمان لليونيني

بيبرس بن عبد الله أبو الفتح ركن الدين السلطان الملك الظاهر الصالحي :

قال عز الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد ـ رحمه‌الله ـ : أخبرني الأمير بدر الدين بيسري الشمسي ـ رحمه‌الله ـ أن مولد الملك الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وست مائة تقريبا ، وسبب انتقاله من وطنه إلى البلاد أن التتار لما أزمعوا على قصد بلادهم سنة تسع وثلاثين وست مائة بلغهم ذلك كاتبوا أنر قان ملك أولاق أن يعبروا بحر سوداق إليه ليجيرهم من التتار ، فأجابهم إلى ذلك وأنزلهم واديا بين جبلين له فوهة إلى البحر ، وأخرى إلى البر ، وكان عبورهم إليه سنة أربعين وست مائة ، فلما اطمأن بهم المقام غدر بهم ، وشن الغارة عليهم وقتل وسبى ، وكنت أنا والملك الظاهر فيمن أسر ، وعمره إذ ذاك أربع عشرة سنة تقديرا فبيع في حلب بخان ابن فليح ، ثم افترقنا فاتفق أن حمل إلى القاهرة فبيع إلى الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار ، وبقي في يده إلى أن انتقل عنه بالقبض عليه في جملة ما استرجعه الملك الصالح نجم الدين أيوب منه ، وذلك في شوال سنة أربع وأربعين وست مائة ، فقدمه على طائفة من الجمدارية ، فلما مات الملك الصالح نجم الدين ، وملك بعده ولده الملك المعظم ، وقتل ، وأجمعوا على عز الدين التركماني وولوه الأتابكية ، ثم استقل وقتل فارس الدين أقطاي الجمدار ، فركب الملك الظاهر والبحرية وقصدوا قلعة الجبل ، فلما لم ينالوا مقصودهم خرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للتركماني ، مهاجرين إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف ، وهم : الملك الظاهر ركن الدين ، وسيف الدين بلبان الرشيدي ، وعز الدين أيدمر السيفي ، وشمس الدين سنقر الرومي ، وشمس الدين سنقر الأشقر ، وبدر الدين بيسري الشمسي ، وسيف الدين قلاوون الألفي ، وسيف


الدين بلبان المستعرب وغيرهم ، فلما شارفوا دمشق سير إليهم الملك الناصر طيب قلوبهم فبعثوا فخر الدين إياز المقرىء يستحلفه لهم فحلف ودخلوا دمشق في العشر الآخر من شهر رمضان فأكرمهم الملك الناصر ، وأطلق للملك الظاهر ثلاثين ألف درهم ، وثلاث قطر بغال ، وثلاث قطر جمال ، وخيلا وملبوسا ، وفرق في بقية الجماعة الأموال والخلع على قدر مراتبهم ، وكتب إليه الملك المعز يحذره منهم ويغريه بهم ، فلم يصغ إليه ، وكان عين للملك الظاهر إقطاعا بحلب فالتمس منه الملك الظاهر أن يعوضه عن بعض ما كان له بحلب من الإقطاع بجينين وزرعين فأجابه إلى ذلك فتوجه إليهما ، ثم استشعر من الملك الناصر وتوجه بمن معه ومن تبعه من خشداشيته وأصحابه إلى الكرك ، فجهز صاحبها الملك المغيث عسكره مع الملك الظاهر نحو مصر ، وعدة من معه ست مائة فارس ، وخرج من عسكر مصر لملتقاه ، فأراد كسبهم ، فوجدهم على أهبة ، والتف عليه وعلى من معه عسكر مصر ، فلم ينج منهم إلا الملك الظاهر ، والأمير بدر الدين أيبك الخزندار ، وأسر سيف الدين بلبان الرشيدي.

وعاد الملك الظاهر إلى الكرك فتواترت عليه كتب المصريين يحرضونه على قصد الديار المصرية ، وجاءه جماعة كثيرة من عسكر الملك الناصر ، وخرج عسكر مصر مع الأمير سيف الدين قطز والأمير فارس الدين أقطاي المستعرب ، فلما وصل المغيث والظاهر إلى غزة انعزل إليهم من عسكر مصر عز الدين أيبك الرومي ، وسيف الدين بلبان الكافري ، وشمس الدين سنقر شاه العزيزي ، وعز الدين أيبك الجواشي ، وبدر الدين ابن خان بغدي ، وعز الدين أيبك الحموي ، وجمال الدين هارون القيمري ، واجتمعوا بالظاهر والمغيث بغزة ، فقويت شوكتهم وتوجها إلى الصالحية ، ولقوا عسكر مصر يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر سنة ست وخمسين ، فاستظهرها عسكرهما أولا ، ثم عادت الكسرة عليه ،


فانكسر ، وهرب الملك المغيث ولحقه الملك الظاهر ، وأسر عز الدين أيبك الرومي ، وركن الدين منكورس الصيرفي ، وسيف الدين بلبان الكافري ، وعز الدين أيبك الحموي ، وبدر الدين بلغان الأشرفي ، وجمال الدين هارون القيمري ، وشمس الدين سنقر شاه العزيزي ، وعلاء الدين أيدغدي الاسكندراني ، وبدر الدين ابن خان بغدي ، وبدر الدين بيليك الخزندار الظاهري ، فضرب أعناقهم صبرا خلا الخزندار الجوكندار شفع فيه ، وخيره بين المقام والذهاب ، فاختار الذهاب إلى أستاذه فأطلق ، ثم إن المغيث حصل بينه وبين الملك الظاهر وحشة أوجبت مفارقته له وعوده إلى الملك الناصر ، بعد أن استحلفه على أن يقطعه خبز مائة فارس من جملتها قصبة نابلس وجينين وزرعين فأجاب إلى نابلس لا غير ، وكان قدومه على الملك الناصر في العشر الأول من شهر رجب سنة سبع وخمسين ومعه الجماعة الذين حلف لهم الملك الناصر ، وهم : بيسري الشمسي ، والتامش السعدي ، وطيبرس الوزيري ، وأقوش الرومي الدوادار ، وكشتغدي الشمسي ، ولاجين الدرفيل ، وأيدغمش الحلبي ، وكتشغدي المشرقي ، وأيبك الشيخي ، وبيبرس خاص ترك الصغير ، وبلبان المهراني ، وسنجر الأسعردي ، وسنجر البهماني ، وألبلان الناصري ، وبلتي الخوارزمي ، وسيف الدين طمان ، وأيبك العلائي ، ولاجين الشقيري ، وبلبان الأقسيشي ، وعلم الدين سلطان الألدكزي فأكرمهم ووفى لهم.

فلما قبض الملك المظفر قطز على ابن أستاذه ، حرض الملك الظاهر للملك الناصر على التوجه إلى الديار المصرية ليملكها فلم يجبه ، فرغب إليه أن يقدمه على أربعة آلاف فارس أو يقدم غيره ليتوجه بها إلى شط الفرات يمنع التتر من العبور إلى الشام ، فلم يمكن الظاهر لباطن كان له مع التتر ، وفي سنة ثمان وخمسين فارق الملك الظاهر الملك الناصر ، وقصد الشهرزورية وتزوج منهم ، ثم أرسل إلى الملك المظفر قطز من


استحلفه له ، ودخل القاهرة يوم السبت الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ، فركب الملك المظفر للقائه ، وأنزله في دار الوزارة وأقطعه قصبة قليوب بخاصته.

ولما خرج الملك المظفر للقاء التتر سير الملك الظاهر في عسكر ليتجسس أخبارهم ، فكان أول من وقعت عينه عليهم ، وناوشهم القتال.

فلما انقضت الوقعة بعين جالوت تبعهم يقتص آثارهم ، ويقتل من وجد منهم إلى حمص ، ثم عاد فوافى الملك المظفر بدمشق ، فلما توجه الملك المظفر إلى جهة الديار المصرية ، اتفق الملك الظاهر مع سيف الدين الرشيدي ، وسيف الدين بهادر المعزي ، وبدر الدين بكتوت الجوكنداري المعزي ، وسيف الدين بيدغان الركني ، وسيف الدين بلبان الهاروني ، وعلاء الدين آنص الأصبهاني على قتل الملك المظفر ـ رحمه‌الله ـ فقتلوه على الصورة المشهورة ، ثم ساروا إلى الدهليز ، فتقدم الأمير فارس الدين الأتابك ، فبايع الملك الظاهر ، وحلف له ، ثم الرشيدي ثم الأمراء على طبقاتهم ، وركب ومعه الأتابك ، وبيسري ، وقلاوون ، والخزندار ، وجماعة من خواصه فدخل قلعة الجبل.

وفي يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة جلس في إيوان القلعة وكتب إلى جميع الولاة بالديار المصرية يعرفهم بذلك ، وكتب إلى الملك الأشرف صاحب حمص ، وإلى الملك المنصور صاحب حماة ، وإلى الأمير مظفر الدين صاحب صهيون ، وإلى الاسماعيلية ، وإلى علاء الدين ، وصاحب الموصل ، ونائب السلطنة بحلب ، وإلى من في بلاد الشام من الأعيان يعرفهم بما جرى.

ثم أفرج عمن في الحبوس من أصحاب الجرائم ، وأقر الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير على الوزارة ، وتقدم بالإفراج عن الأجناد


وزيادة من رأى استحقاقه من الأمراء ، وخلع عليهم ، وسير الأمير جمال الدين أقوش المحمدي بتواقيع الأمير علم الدين الحلبي ، فوجدوه قد تسلطن بدمشق ، فشرع الملك الظاهر في استفساد من عنده ، فخرجوا عليه ونزعوه عن السلطنة ، وتوجه إلى بعلبك فسيروا من حضره وتوجه به إلى الديار المصرية ، وصفا الشام للملك الظاهر بأسره في سنة تسع وخمسين وقد ذكرنا في سياق السنين مما تقدم جملا من أخباره وأحواله وفتوحاته وغير ذلك فأغنى عن إعادته.

ولما كان يوم الخميس رابع عشر المحرم من هذه السنة جلس الملك الظاهر بالجوسق الأبلق بميدان دمشق يشرب القمز وبات على هذه الحال ، فلما كان يوم الجمعة خامس عشرة وجد في نفسه فتورا وتوعكا ، فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر الألفي السلحدار ، فأشار عليه بالقيء فاستدعاه فاستعصى ، فلما كان بعد صلاة الجمعة ركب من الجوسق ، فلما أصبح اشتكى حرارة في باطنه ، فصنع له بعض خواصه دواء ، ولم يكن عن رأى الطبيب ، فلم ينجع وتضاعف ألمه ، فأحضر الأطباء ، فأنكروا استعمال الدواء ، وأجمعوا على استعمال دواء مسهل ، فسقوه فلم ينجع ، فحركوه بدواء آخر كان سبب الإفراط في الإسهال ، ودفع دما محتقنا ، وضعفت قواه ، فتخيل خواصه أن كبده تقطع ، وأن ذلك عن سم سقيه ، وعولج بالجوهر ، وذلك يوم عاشره ، ثم جهده المرض إلى أن قضى نحبه يوم الخميس بعد صلاة الظهر الثامن والعشرين من المحرم ، فاتفق رأي الأمراء على إخفائه وحمله إلى القلعة لئلا يشعر العامة بوفاته ، ومنعوا من هو داخل من المماليك من الخروج ، ومن هو خارج من الدخول ، فلما كان آخر الليل حمله من كبراء الأمراء سيف الدين قلاوون الألفي ، وشمس الدين سنقر الأشقر ، وبدر الدين بيسري ، وبدر الدين الخزندار ، وعز الدين الأفرم ، وعز الدين الحموي ، وشمس الدين سنقر الألفي المظفري ، وعلم الدين سنجر الحموي ، وأبو


خرص ، وأكابر خواصه وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتلقينه مهتاره الشجاع عنبر ، والفقيه كمال الدين الاسكندري المعروف بابن المنبجي ، والأمير عز الدين الأفرم ، ثم جعل في تابوت ، وغلق في بيت من بيوت البحرية بقلعة دمشق إلى أن حصل الاتفاق على موضع دفنه ، ثم كتب الأمير بدر الدين الخزندار إلى ولده الملك السعيد مطالعة بيده ، وسيرها على يد بدر الدين بكتوت الجو كنداري الحموي ، وعلاء الدين أيدغمش الحكيمي الجاشنكير ، فلما وصلا ، وأوصلا المطالعة ، خلع عليهما وأعطى كل واحد منهما خمسين ألف درهم ، على أن ذلك بشارة بعود السلطان إلى الديار المصرية.

ولما كان يوم السبت ركب الأمراء إلى سوق الخيل بدمشق على عادتهم ولم يظهروا شيئا من زي الحزن ، وكان أوصى أن يدفن على الطريق السابلة قريبا من داريا ، وأن يبنى عليه هناك ، فرأى الملك السعيد أن يدفنه داخل السور ، فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم نقرة وأن يغير معالمها ، وتبنى مدرسة للشافعية والحنفية ويبنى بها قبة شاهقة يكون بها الضريح ، ويعمل دار الحديث أيضا ، فلما تم بناء القبة ومعظم المدرسة ودار الحديث ، جهز الملك السعيد الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص ، والطواشي صفي الدين جوهر الهندي إلى دمشق لدفن والده ، فلما وصلاها اجتمعا مع الأمير عز الدين أيدمر نائب السلطنة بدمشق ، وعرفاه المرسوم فبادر إليه وحمل الملك الظاهر ـ رحمه‌الله تعالى ـ من القلعة إلى التربة ليلا على أعناق الرجال ، ودفن بها ليلة الجمعة خامس شهر رجب الفرد من هذه السنة.

وفي سادس عشر ذي القعدة وقف الملك السعيد هو وعز الدين محمد ابن شداد بإذنه وتوكيله وحضوره المدرسة المذكورة والقبة مدفنا وباقيها مسجدا لله تعالى برسم الصلوات ، وقراءة القرآن العزيز ، والاعتكاف ، وباقي الدار مدرستين إحداهما شرقي الدار هي للشافعية ، والأخرى


قبلي الدار إلى جانب القبة وهي للحنفية ، ودار حديث قبلي الإيوان المختص بالشافعية ووقف على ذلك جميع قرية الضرمان من شعراء بانياس ، وجميع قرية أم نزع من الجيدور ، وبهمين من بيت رامة من الغور ، ومزرعيتها الذراعة وشويهة ، وتسعة عشر قيراطا ونصف قيراط من قرية الأشرفية من الغوطة ، وبساتين ابن سلام الثلاثة وبستان الستسة وطاحونه والحمام على الشرف الأعلى الشمالي ، وكرم طاعة من بلد بانياس ، وخان بنت جز ، وخان بحكر الفهادين ، ورتب في التربة الملك الظاهر ناظرين في مصالح التربة ، وحفظ ما بها من الآلات لكل واحد منهما في الشهر ستين درهما ، ومؤذنا له في الشهر عشرون درهما وستة عشر مقرئا لكل واحد منهم خمسة وعشرون درهما ، منهم نفسان يزاد كل واحد منهما عشرة دراهم ، ويشتري في كل شهر شمع وزيت ، وما يحتاج إليه من التربة من الفرش والقناديل وآلات الوقيد بمبلغ ثمانين درهما ، وترتب في كل مدرسا له في الشهر مائة وخمسون درهما ، ومعيدان لكل واحد منهما أربعون درهما ، وثلاثين فقيها لأعلاهم عشرين درهما ، ولأدناهم عشرة دراهم وأن يصرف فيما تدعو الحاجة إليه من أجرة ساقي وإصلاح قنى وغير ذلك ، وثمن زيت ومسارج ، وقناديل ، وآلة الوقيد بالمدرستين في الشهر أربعون درهما ، وشاهدا ومشارفا وغلاما ، وجابيا وغيرهم لكل منهم ما يراه الناظر والنظر للملك السعيد مدة حياته ثم لولده وولد ولده.

وفي جمادى الآخرة من سنة سبع وسبعين وست مائة ، سير الملك السعيد برسم تتمة العمارة ، ومصالح الوقف إثني عشر ألف دينار ، وفي يوم السبت ثالث ذي القعدة سنة سبع وسبعين وقف عماد الدين محمد ابن الشيرازي بطريق الوكالة عن الملك السعيد جميع أحد عشر سهما وربع سهم ، وثمن سهم من قرية الطرة من ضياع الجبيل من إقليم أذرعات من عمل دمشق إلى المدرستين والتربة ، بعد أن انتقلت الحصة


إلى ملك الملك السعيد على ثماني قرى مضافين إلى القرى الست عشرة ، ويقر كل منهم خمس وعشرون ويزاد لكل مدرس رطلان خبزا مثلثا بالدمشقي ، ولكل خادم من الخادمين ، ولكل نفر بالتربة والفقهاء والمؤذنين والفراشين والبوابين في كل يوم ثلثي رطل خبزا أسوة بفراشي التربة ، ويصرف إلى مباشر الأوقاف والشاهد والمشارف لكل واحد رطلا خبز ، وأشهد الحكام على نفوسهم وسجلوا بثبوت ذلك.

في يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة سنة سبع وسبعين شرع في عمل أعزية الملك الظاهر بالديار المصرية ، وتقرر أن يكون أحد عشر موضعا نصبت فيه الخيمة العظيمة السلطانية ، وفرشت بالبسط الجليلة ، وصنعت الأطعمة الفاخرة ، واجتمع عليها الخواص والعوام ، وحمل منها إلى الربط والزوايا ، فإذا كانت ليلة اليوم الذي عمل فيه حضر القراء ، والوعاظ ، فانقضى الليل بين قراءة ووصل إلى صلاة الفجر ، وأول هذا الجمع بالبقعة المعروفة بالبقعة بجوار مسجد يعرف بالأندلسي ، والثاني بالحوش الظاهري ، والثالث بالمدرسة المجاورة لقبة الشافعي ـ رحمه‌الله تعالى ، والرابع بجامع مصر ، والخامس بجامع ابن طولون ، والسادس بالجامع الظاهري بالحسينية ، والسابع بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة ، والثامن بمدرسة الملك الصالح ، والتاسع بدار الحديث الكاملية ، والعاشر بالخانكاة برحبة العيد ، والحادي عشر بجامع الحاكم وهو يوم الأحد ، والثاني من شهر ربيع الأول ، وأنشد الشعراء المراثي ، وخلع على جماعة من الوعاظ وغيرهم ومن لم يخلع عليه أعطاه جائزة حسنة.

وله أولاد وأزواج : كان له من الأولاد : الملك السعيد ناصر الدولة محمد بركة ، كان مولده بالعشر من ضواحي مصر في صفر سنة ثمان وخمسين وستة مائة ، وأمه بنت حسام الدين بركة خان بن دولة خان الخوارزمي ، والملك نجم الدين خضر أمه أم ولد ، والملك بدر الدين سلامش ، وولد له من البنات سبع من بنت سيف الدين دماجي التتري ،


وأما زوجاته فأم الملك السعيد ، وهي بنت بركة خان ، وبنت الأمير سيف الدين نوكاي التتري ، وبنت الأمير سيف الدين كراي التتري ، وبنت الأمير سيف الدين دماجي التتري ، وشهرزورية تزوجها لما قدم غزة وحالف الشهرزورية ، فلما ملك الديار المصرية طلقها.

وأما وزراؤه : تولى السلطنة واستمر زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع ابن الزبير ، ثم صرفه واستوزر بهاء الدين علي بن محمد بن سليم ، وفي وزارة الصحبة ولده فخر الدين أبا عبد الله محمد إلى أن توفي في شعبان سنة ثمان وستين ، فرتب مكانه ولده الصاحب تاج الدين محمد ، وزر له في الصحبة أيضا أخوه الصاحب زين الدين أحمد ، ووزر له الصاحب عز الدين محمد ابن الصاحب محيي الدين أحمد ابن الصاحب بهاء الدين نيابة عن جده ، وكان له أربعة آلاف مملوك منهم أمراء أسفهسلارية ، ومقادمة ، وخاصكية داخل الدور ، وخاصكية خارجها ، وجمدارية ، وسلاح دارية وكتابية.

ومن عفته وشرف نفسه وعدله أن الملك الأشرف صاحب حمص كتب إليه يستأذنه في الحج ، وفي ضمن الكتاب شهادة عليه أن جميع ما يملكه انتقل عنه إلى الملك الظاهر ، فلم يأذن له في تلك السنة ، واتفق أنه مات بعد ذلك ، فتسلم الحصون التي كانت بيده ، ومكن ورثته من جميع ما تركه من الأثاث ، والملك ، ولم يعرج على ما أشهد به على نفسه.

ومنها أن شعراء بانياس وهي إقليم يشتمل على قرى كثيرة عاطلة بحكم استيلاء الفرنج على صفد ، فلما فتحها أفتاه بعض فقهاء الحنفية باستحقاق الشعراء فلم يرجع إلى الفتيا ، وتقدم أمره أن من كان له فيها ملك يتسلمه ، ولم يكلفهم بينة فعادت إلى أربابها وعمرت.

ومنها أن بستان سيف الإسلام بين مصر والقاهرة ، وكان ملكا لشمس الملوك أحمد ابن الملك الأعز شرف الدين يعقوب بن الملك


الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ـ رحمهم‌الله تعالى ـ فتوفي المذكور بآمد ، وبقي البستان في يد ولده شهاب الدين غازي ، فلما ملك الملك الصالح نجم الدين الديار المصرية أخرج المذكور من مصر ، واحتاط على البستان ، فلم يزل تحت الحوطة ، فلما ملك الملك الظاهر رفع ولد شهاب الدين غازي قصة أنهى فيها الحال ، فأمر بحملها على الشرع فثبت ملك المتوفى بشهادة الأمير جمال الدين موسى بن يغمور وبهاء الدين بن ملكشوا والطواشي صفي الدين جوهر النوبي ، وثبتت الوفاة ، وحضر الوراثة بشهادة كمال الدين عمر بن العديم ، وعز الدين محمد بن شداد فسلم لهما البستان ، ثم ابتاعه منهما بمائة وثلاثين ألف درهم.

ومنها أن بنت الملك المعز صاحب حلب كان عقد عليها الملك السعيد نجم الدين إيل غازي ، صاحب ماردين على صداق مبلغه ثلاثون ألف دينار مصرية ، فمات عنها ولم يدخل بها ، وكان الملك المظفر قطز ـ رحمه‌الله تعالى ـ قد احتاط على أملاك الملك السعيد بدمشق لما تملكها ، وبقيت تحت الحوطة.

فلما ملك الملك الظاهر رفعت قصة تذكر الحال وسألت حملها على الشرع ، وأن يفرج عن الأملاك لتباع في مبلغ صداقها ، فتقدم أن يثبت ما ادعته فثبت بشهادة كمال الدين ابن العديم ، ومحمد بن شداد ، ولم يكن بقي في الصداق غيرها فأفرج لها عن الأملاك فبيعت وقبضت ثمنها.

ومن حكمه أنه كان له ركابي وهو بدمشق يسمى مظفرا ، كان يأخذ الجعل من الأمراء الناصرية على نقل أخباره إليهم ، وتحقق ذلك منه ، وبقي معه إلى أن ملك واستمر به ، فدخل يوما إلى الركاب خانة ، فوجدها مختلة ، وفقد منها سروجا محلاة ، فالتفت إليه ، فقال له : نحسن في دمشق ونحسن في القاهرة ، متى عدت قربت الأسطبل شنقتك فقال : يا خوند إذا لم أقرب الأسطبل من أين آكل أنا وعيالي؟ فرق له ، وأمر أن يقطع في الحلقة بحيث لا يراه فأقطع ، وبقي إلى أن توفي السلطان.


وكان يفرق في كل سنة أربعة آلاف إردب حنطة في الفقراء ، والمساكين ، وأصحاب الزوايا وأرباب البيوت ، وكان موصفا عليه لأيتام الأجناد ما يقوم بهم على كثرتهم ، ووقف على تكفين أموات الغرباء بالقاهرة ومصر ، ووقفا يشتري به خبز ، ويفرق في فقراء المسلمين ، وأصلح قبر خالد رضي‌الله‌عنه بحمص ، ووقف وقفا على من هو راتب فيه من إمام ومؤذن وقيم ، وعلى من ينتابه من البلاد للزيارة ، ووقف على قبر أبي عبيدة ابن الجراح رضي‌الله‌عنه ، وقفا لتنويره وبسطه وإمامه ومؤذنه ، وأجرى على أهل الحرمين بالحجاز الشريف ، وأهل بدر وغيرهم ما كان قطع في أيام غيره من الملوك الذين تقدموه ، وكان يسفر ركب الحجاز كل سنة تارة عاما ، وتارة صحبة الكسوة ، ويخرج كل سنة جملة مستكثرة يستفك بها من حبسه القاضي من المقلين ، ورتب في أول ليلة من شهر رمضان المعظم بمصر والقاهرة وأعمالها مطابخ لأنواع الأطعمة ، وتفرق على الفقراء والمساكين.

وأما مهابته ومنزلته من القلوب أن يهوديا دفن بقلعة جعبر عند قصد التتر لها مصاغا وذهبا ، وهرب بأهله إلى الشام واستوطن حماة ، فلما نفد ما كان بيده كتب إلى صاحب حماة قصة يذكر أمر الدفين ، ويسأله أن يسير معه من يحفره ليأخذه ، ويدفع لبيت المال نصفه ، فلم يتمكن من إجابة سؤاله ، وطالع الملك الظاهر بذلك فورد عليه الجواب أن يوجهه مع رجلين لقضاء غرضه ، فلما توجهوا ووصلوا الفرات امتنع من كان معه من العبور فعبر هو وابنه ، فلما وصل أخذ في الحفر هو وابنه وإذا بطائفة من العرب على رأسه ، فسألوه عن حاله فأخبرهم ، فأرادوا قتله ، فأخرج لهم كتاب الملك الظاهر مطلقا إلى من عساه يقف عليه فكفوا عنه ، وساعدوه حتى استخلص ماله ثم توجهوا به إلى حماة وسلموه إلى الملك المنصور ، وأخذوا خطه أنهم سلموا اليهودي إليه سالما وما تبعه.

ومنها : أن جماعة من التجار خرجوا من بلاد العجم قاصدين أبواب


الملك الظاهر ، فلما مروا بسيس منعهم صاحبها من العبور وكتب فيهم إلى أبغا ، فكتب إليه يأمره بالحوطة عليهم وإرسالهم إليه ، واتفق أن هرب مملوك إلى حلب ، واجتمع بالأمير نور الدين علي ابن مجلي ، وأخبره بحالهم ، فكتب للملك الظاهر بذلك على البريد ، فعاد الجواب يأمره أن يكتب إلى صاحب سيس إن هو تعرض لهم في شيء يساوي درهما واحدا أخذتك عوضه ، فكتب إليه بذلك ، فأطلقهم وصانع أبغا بأموال جليلة.

ومنها : أن تواقيعه التي في أيدي التجار المترددين إلى بلاد القفجاق بإعفائهم من الصادر والوارد ، ويعمل بها حيث حلوا من مملكة بيت بركة ومنكوتمر ، وبلاد فارس وكرمان.

ومنها : أنه أعطى بعض التجار مالا ليشرى به مماليك ، وجواري من الترك ، فشرهت نفسه إلى المال فدخل به قراقرم واستوطنها ، فبحث الملك الظاهر حتى وقع على خبره ، فبعث إلى بيت منكوتمر في أمره فأحضروه إليه تحت الحوطة.

ومنها : أنه كان بجزيرة صقلية في زمان الأنبرتور مقدار خمسة عشر ألف فارس مسلمين ، وهم مهادنين لهم ، وهم في خدمته ، لهم الإقطاعات. فلما مات أشار من بها من الفرنج على من ملكها بعده بقتلهم ، فقتل منهم مفرقا نحو ثلاثة آلاف فارس ، واتصل بالملك الظاهر قتلهم والعزم على قتل الباقين ، فكتب إليهم : إن هؤلاء المسلمين أقرهم الملك الذي كان قبلكم على بلادهم وأموالهم ، فإما أن تقروهم على ما أقرهم من الهدنة ، وأما أن تؤمنوهم وتوصلوهم بأموالهم إلى بلاد المسلمين ليبلغوا مأمنهم ، فإن لم يقدروا على التوجه واختاروا الإقامة وجرى على أحد منهم أذى ، قتلت على كل من تحت يدي من أسرى الفرنج ، ومن في بلادي من تجارهم ، وقتلت ما اشتملت عليه مملكتي من طوائف النصارى ، فلما تحققوا ذلك اجتمع رأيهم على إبقائهم على عادتهم ، وكان أخذ نفسه بالاطلاع على أحوال أمرائه وأعيان دولته حتى


لم يخف عليه من حالهم شيء ، وكثيرا ما كانت ترد عليه الأخبار وهو بالقاهرة بحركة العدو ، فيأمر العسكر وهم زهاء ثلاثين ألف فارس فلا يثبت منهم فارس في بيته ، وإذا خرج لا يمكن من العود.

ومنها : ما أحدثه من البريد في سائر مملكته بحيث تتصل به أخبار أطراف بلاده على اتساعها في أقرب وقت ، والذي فتحه من الحصون عنوة من أيدي الفرنج ، خذلهم الله : قيسارية ، أرسوف ، صفد ، طبرية ، يافا ، الشقيف ، أنطاكية ، بغراس ، القصير ، حصن الأكراد ، حصن عكار ، القرين ، صافيثا ، مرقية ، حلبا ، وناصفهم على المرقب ، وبانياس ، وبلاد انطرسوس ، وعلى سائر ما بقي بأيديهم من البلاد والحصون ، وولى في نصيبه الولاة والعمال ، واستعاد من صاحب سيس درب ساك ، ودير كوش ، وبلمش ، وكفر دبين ، ورعبان والمرزبان. والذي صار إليه من أيدي المسلمين : دمشق ، وبعلبك ، وعجلون ، وبصرى ، وصرخد ، والصلت ـ وكانت هذه البلاد قد تغلب عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبي بعد قتل الملك المظفر ـ رحمه‌الله تعالى ـ وحمص ، وتدمر ، والرحبة ، وزلوبيا ، وتل باشر ، وهذه منتقلة إليه عن الملك الأشرف صاحب حمص في سنة اثنتين وستين وست مائة ، وصهيون ، وبلاطنس ، وبرزية ، وهذه منتقلة إليه عن سابق الدين سليمان بن سيف الدين وعمه عز الدين ، وحصون الاسماعيلية وهي : الكهف ، والقدموس ، والمنيقة ، والعليقة ، والخوابي ، والرصافة ، ومصيات ، والقليعة ، وانتقل إليه عن الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل : الشوبك ، والكرك ، وانتقل إليه عن التتر : بلاد حلب الشمالية ، وشيزر والبيرة ، وفتح الله على يديه بلاد النوبة ، وفيها من البلاد مما يلي أسوان جزيرة بلاق ، ويلي هذه البلاد بلاد العلى ، وجزيرة ميكائيل ، وفيها بلاد وجزائر الجنادل وانكوا ، وهي في جزيرة وإقليم مكس ، ودنقلة ، وإقليم أشوا ، وهي جزائر عامرة بالمدائن ، فلما فتحها أنعم بها على ابن عم المأخوذة منه ، ثم ناصفه عليها ووظف


عليه عبيدا وجواري وهجنا وبقرا ، وعن كل بالغ دينارا في كل سنة ، وكانت حدود مملكته من أقصى بلاد النوبة إلى قاطع الفرات ، ووفد عليه من التتر زهاء ثلاثة آلاف فارس ، فمنهم من أمره بطبلخاناة ، ومنهم من جعله أمير عشرة إلى عشرين ، ومنهم من جعله من السقاة ، وجعل منهم سلحدارية وجمدارية ، ومنهم من أضافه إلى الأمراء.

وأما مبانيه فمشهورة : منها ما هدمه التتر من المعاقل والحصون ، وعمر بقلعة الجبل دار الذهب ، وبرحبة الجامع قبة محمولة على اثني عشر عمودا من الرخام الملون ، وصور فيها سائر حاشيته وأمرائه على هيئتهم ، وعمر طبقتين مطلتين على رحبة الجامع ، وغشى لبرج الزاوية المجاور لباب السر ، وأخرج منه رواشن ، وبنى عليه قبة ، وزخرف سقفها ، وأنشأ جواره طباقا للمماليك ، وأنشأ برحبة القلعة دارا كبيرة لولده الملك السعيد ، وكان في موضعها حفير ، فعقد عليه ستة عشر عقدا ، وأنشأ دورا كثيرة برسم الأمراء ظاهر القاهرة مما يلي القلعة أسطبلات جماعة ، وأنشأ حماما بسوق الخيل لولده ، وأنشأ الجسر الأعظم والقنطرة التي على الخليج ، وأنشأ الميدان بالبورجي ، ونقل إليه النخيل من الديار المصرية ، فكانت إجرة نقله ستة عشر ألف دينار ، وأنشأ به المناظر ، والقاعات ، والبيوتات ، وجدد الجامع الأنور والجامع الأزهر ، وبنى جامع العافية بالحسينية ، وأنفق عليه فوق ألف ألف درهم ، وأنشأ قريبا منه زاوية الشيخ خضر ، وحماما ، وطاحونا ، وفرنا ، وعمر على المقياس قبة رفيعة مزخرفة ، وأنشأ عدة جوامع في أعمال الديار المصرية ، وجدد قلعة الجزيرة ، وقلعة العامودين ببرقة ، وقلعة السويس ، وعمر جسر سهم الدين بالقليوبية ، وجدد الجسر الأعظم على بركة الفيل ، وأنشأ قنطرته وبنى على جانبيه حائطا يمنع الماشي السقوط فيه ، وقنطرة على بحر ابن منجا ، لها سبعة أبواب ، وقنطرة بمنية الشيرج ، وقنطرتين عند القصير على بحر أبراس بسبعة أبواب أوسطها تعبر فيه المراكب ،


وأنشأ في الجسر الذي يسلك فيه إلى دمياط ستة عشر قنطرة ، وبنى قنطرة على خليج القاهرة يمر عليها إلى ميدان البورجي ، وبنى على خليج الاسكندرية قريبا من قنطرتها القديمة قنطرة عظيمة بعقد واحد ، وحفر خليج الاسكندرية وكان قد ارتدم بالطين ، وحفر بحر أشموم وكان قد غمر ، وحفر ترعة الصلاح وخورسرخشا ، وحفر المجايري ، والكافوري ، وترعة كنساد وزاد فيها مائة قصبة عما كانت في الأول ، وحفر في ترعة أبي الفضل ألف قصبة ، وحفر بحر الصمصام بالقليوبية ، وحفر بحر السردوس ، وتمم عمارة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمل منبره ، وأحاط بالضريح درابزينا ، وذهب سقوفه وجددها وبيض جدرانه ، وجدد البيمارستان بالمدينة النبوية ونقل إليها سائر المعاجين والأكحال والأشربة ، وبعث إليه طيبا من الديار المصرية ، وجدد قبر الخليل عليه‌السلام ، ورم شعثه ، وأصلح أبوابه وميضأته وبيضه وزاد في راتبه المجرى على قوامه ومؤذنيه وإمامه ، ورتب له من مال البلد ما يجري على المقيمين به والواردين عليه ، وجدد بالقدس الشريف ما كان قد تداعى من قبة الصخرة ، وجدد قبة السلسلة وزخرفها ، وأنشأ خانا للسبيل ، نقل بابه من دهليز كان للخلفاء المصريين بالقاهرة وبنى به مسجدا وطاحونا وفرنا وبستانا ، وبنى على قبر موسى عليه‌السلام قبة ومسجدا ، وهو عند الكثيب الأحمر قبلي أريحا ووقف عليه وقفا ، وبنى على قبر أبي عبيدة ابن الجراح رضي‌الله‌عنه مشهدا ومكانه من الغور بعمواس ووقف عليه وقفا ، وجدد بالكرك برجين كانا صغيرين فهدمهما وكبرهما وعلاهما. ووسع مسجد جعفر الطيار رضي‌الله‌عنه ، ووقف عليه وقفا زيادة على وقفه على الزائرين له والوافدين عليه ، وعمر جسرا بقرية دامية بالغور على الشريعة ، ووقف عليه وقفا برسم ما عساه يتهدم منه ، وأنشأ جسورة كثيرة بالغور والساحل ، وأنشأ قلعة قاقون وبنى بها جامعا ووقف عليه وقفا ، وبنى على طريقها حوضا للسبيل وجدد جامع مدينة الرملة وأصلح مصانعها ،


وأصلح جامعا لبني أمية ، ووقف عليه وقفا ، وأصلح جامع زرعين وماعداه من جوامع البلاد الساحلية التي كانت في أيدي الفرنج ، وجدد باشورة القلعة بصفد وأنشأها بالحجر الهرقلي ، وعمر لها أبراجا وبدنات وصنع له بغلات مسفحة ، دائر بالباشورة بالحجر المنحوت ، وعمل لأبراجها طلاقات ، وأنشأ بالقلعة صهريجا كبيرا مدرجا من أربع جهاته وبنى عليه برجا زائدا للارتفاع ، قيل : إن ارتفاعه مائة ذراع بحيث أن الواقف عليه يرى الماشي على الخندق دائر القلعة ، وبنى تحت البرج الذي للقلعة حماما ، وصنع الكنيسة جامعا ، وأنشأ ربضا ثانيا قبله بغرب ، وكان الشقيف قطعتين متجاورتين فجمع بينهما ، وبنى به جامعا وحماما ، ودارا لنائب السلطنة وكانت قلعة الصبيبة قد اختربها التتر ، ولم يبقوا منها إلا الآثار ، فجددها ، وأنشأ لجامعها منارة وبنى بها دارا لنائب السلطنة ، وعمل جسرا يمشى عليه إلى القلعة وكانت التتر هدموا شراريف قلعة دمشق ، ورؤوس أبراجها فجدد ذلك جميعه ، وبنى فوق الزاوية المطلة على الميادين ، وسوق الخيل طارمة كبيرة ، وجدد منظرة على قاعدة مستجدة على البرج المجاور لباب النصر ، وبيض البحرة وجدد دهان سقوفها وجعل بها درابزينا يمنع الوصول إليها ، وبنى حماما خارج باب النصر ، وجدد ثلاث اسطبلات على الشرف الأعلى ، وبنى القصر الأبلق بالميدان وما حوله من العمائر ، وجدد مشهد زين العابدين رضي‌الله‌عنه بجامع دمشق ، وأمر بغسل الأساطين وتدهين رؤوسها ، وأمر بترخيم الحائط الشمالي ، وتجديد باب البريد ، وفرشه بالبلاط ، ورم شعث قبة الدم وبيضها ، وبنى دور ضيافة للرسل والواردين والوافدين مجاورة للحمام ، وسوق الخيل ، وجدد البنيان لما هدموه من قلعة صرخد ، وأصلح جامعها ومساجدها ، وكذلك فعل ببصرى ، وعجلون والصلت ، وجدد ما كان التتر هدموه من قلعة بعلبك ، وجدد بابها والدركاة ، وجدد قبر نوح عليه‌السلام بقرية الكرك ، وعمل حول الضريح درابزينا ، وجدد أسوار حصن الأكراد وعمر قلعتها ، وكانت قد تهدمت


من المجانيق ، وعقدها حنايا وحال بينها وبين المدينة بخندق ، وبنى عليها أبرجة شاهقة بطلاقات ، وبنى بها جامعا وكذلك بربضه ومساجد أيضا ، وجدد خان المحدثة وجدد فيه خفرا وحماما لنقل ما يتجدد من أخبار المسافرين ، وبنى من قصير القفول شرقي دمشق إلى المناخ إلى قارا ، إلى حمص عدة أبرجة رتب فيها الحمام والخفراء ، وكذلك من دمشق إلى تدمر ، والرحبة إلى الفرات ، وجدد سفح قلعة حمص ، والدور السلطانية بها وبالبلد ، وأنشأ قلعة شميميس بجملتها ، وأصلح قلعة شيزر ، وقلعتي الشغر وبكاس ، وقلعة بلاطنس ، وأنشأ بها جامعا ، وبنى في قلاع الاسماعيلية الثمان جوامع ، وبنى ما هدمه التتر من قلعة عين تاب ، والراوندان ، وبنى بأنطاكية جامعا موضع الكنيسة ، وكذلك ببغراس ، وأنشأ القلعة بالبيرة ، وبنى بها أبرجة ووسع خندقها وجدد جامعها ، وأتقن بناءها وشيدها ، وأنشأ بالميدان الأخضر شمالي حلب مسطبة كبيرة مرخمة ، وأنشأ دارا لخبز القلعة ، وبني في أيامه ما لم يبن في أيام الخلفاء المصريين ، ولا الملوك من بني أيوب وغيرهم ، من الأبنية ، والرباع ، وغيرها والخانات ، والقواسير ، والدور ، والأساطبل ، والمساجد والحمامات ، وحياض السبيل من قريب مسجد التبر إلى أسوار القاهرة إلى الخليج وأرض الطبالة ، واتصلت العمائر إلى باب المقسم إلى اللوق إلى البورجي ، ومن الشارع إلى الكبش ، وحوض قميحة إلى تحت القلعة ومشهد الست نفيسة ـ رحمة الله عليها ـ إلى السور القراقوشي.

ذكر ما كان ينوب دولته من الكلف المصرية خاصة :

كانت عدة العساكر بالديار الصرية في الأيام الكاملية والصالحية عشرة آلاف فارس فضاعفها أربعة أضغاف ، وكان أولئك مقتصدين في الملبوس والنفقات والعدد ، وهو كان بالضد من ذلك ، وكانت كلف من يلوذ بهم من إقطاعه ، وهؤلاء كلفهم على الملك الظاهر ، وكذلك تضاعفت الكلف ، فإنه كان يصرف في كلف المطبخ الصالحي النجمي


ألف رطل لحم بالمصري كل يوم ، والمصروف في مطبخ الملك الظاهر عشرة آلف رطل في كل يوم عنها وعن توابلها عشرون ألف درهم نقرة ، ويصرف في خزانة الكسوة في كل يوم عشرون ألف درهم ، ويصرف في الكلف الطارئة المتعلقة بالرسل والوفود في كل يوم عشرون ألف درهم ، ويصرف في ثمن قرط دوابه ، ودواب من يلوذ به في كل سنة ثماني مائة ألف درهم ، ويقوم بكلف الخيل والبغال والجمال والحمير من العلوفات خمس عشر ألف عليقة في اليوم منها ست مائة أردب ، وما كان يقوم به لمن أوجب عليه نفقته وألزمها عليه بطنجير ، وتحمل إلى المخابز المعدة لعمل الجرايات خلا ما يصرف على أرباب الرواتب في كل شهر عشرون ألف أردبا ، وذلك بمصر خاصة ، وذلك الحال في العلوفات وكلف الرسل والوفود والاستعمالات في الخزائن ، والذخائر وأما الطوارىء التي كانت تطرأ عليه فلا يمكن حصرها ، وكذلك ما كان عليه من الجامكيات ، والجرايات ، لأرباب الخدم ـ رحمه‌الله تعالى.


ترجمة حياة بيبرس

من كتاب عقد الجمان للبدر العيني

ذكر وفاة السلطان الملك الظاهر أبو الفتح الأسد الضاري ركن

الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي :

تغمده الله برحمته ، وأسكنه فسيح جنته ، والكلام فيه على أنواع :

الأول في ترجمته : هو بيبرس بن عبد الله ، قفجاقي الجنس ، وقيل هو من برج أغلي قبيلة من الترك ، حضر هو ومملوك آخر مع تاجر إلى مدينة حماة ، فاستحضر هما الملك المنصور محمد صاحب حماة يشتريهما فلم يعجبه أحد منهما ، وكان أيدكين البندقداري الصالحي ، مملوك الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن السلطان الملك الكامل صاحب مصر قد غضب عليه الصالح المذكور ، وكان قد توجه أيدكين المذكور إلى جهة حماة فأرسل الملك الصالح من يقبض عليه واعتقله بقلعة حماة ، فتركه المنصور صاحب حماة في جامع قلعة حماة ، واتفق عند حضور الملك الظاهر صحبة التاجر ، فلما قلبه المنصور صاحب حماة فلم يشتره ، أرسل أيدكين البندقداري وهو معتقل ، فاشتراه ليخدمه ، وبقي عنده ، ثم أفرج الملك الصالح عن أيدكين البندقدار ، فسار من حماة وصحبته الملك الظاهر ، وبقي مع استاذه المذكور مدة ، ثم أخذه الملك الصالح نجم الدين أيوب من أيدكين المذكور ، فانتسب الملك الظاهر إلى الملك الصالح دون أستاذه ، وكان يخطب له ، وينقش على الدنانير والدراهم بيبرس الصالحي.

الثاني في صفته : كان الملك الظاهر أسمر ، أزرق العينين ، جهوري الصوت ، عليه مهابة وجلالة ، وكان إلى الطول أقرب.

الثالث في سيرته : كان شهما ، شجاعا ، سخيا ، عالي الهمة ، بعيد الغور ،


مقداما ، جسورا ، معتنيا بأمر السلطنة ، متحليا بها ، له قصد صالح في نصرة الإسلام وأهله ، وإقامة شعائر الملك.

وفي تاريخ النويري : وكان ملكا جليلا ، شجاعا ، حسن السياسة ، كثير التحيل ، وكان عسوفا جبارا ، كثير المصادرات للرعية والدواوين خصوصا لأهل دمشق ، وكان متنبها ، شهما ، لايفتر ليلا ولا نهارا عن مناجزة الأعداء ونصرة الإسلام ، وكان مقتصدا في ملبسه ومطعمه ، وكذلك جيشه.

وقد جمع له كاتبه محيي الدين بن عبد الظاهر سيرة مطولة ، وكذلك ابن شداد أيضا ، وهو الذي أنشأ الدولة العباسية بعد بقاء الناس بلا خليفة نحوا من ثلاث سنين ، وهو الذي جدد كل من مذهب قاضي قضاة مستقلا من غير مشاركة.

الرابع في فتوحاته : فتح في أيامه فتوحات كثيرة وهي : قيسارية التي على الساحل ، وأرسوف ويافا ، والشقيف ، وأنطاكية ، وبغراس ، وطبرية والقصير ، وحصن الأكراد ، وحصن عكار ، وحصن صفد ، والقرين ، وصافيتا ، وغير ذلك من الحصون المنيعة التي بأيدي الفرنج ، ولم يبق مع الإسماعيلية شيئا من الحصون ، وناصف الفرنج على : المرقب ، وبانياس ، وبلاد انطرسوس ، وسائر ما بقي بأيديهم من البلاد والحصون ، وأخذ قيسارية الروم على ما ذكرنا ، وخطب له فيها ، واستعاد من صاحب سيس بلادا كثيرة ، واسترد أيضا من المتغلبين من المسلمين : بعلبك ، وبصرى ، وصرخد ، وعجلون ، وحمص ، والصلت ، وتدمر ، والرحبة ، وتل باشر ، والكرك ، والشوبك ، وأخذ بلادا كثيرة من التتار منها : البيرة ، وغيرها ، وفتح بلاد النوبة بكمالها ، واتسعت مملكته من الفرات إلى أقصى بلاد النوبة.

وقال النويري : وأول فتوحاته قيسارية الشام بالسواحل ، وآخر


فتوحاته قيسارية الروم ، وأما عدة فتوحاته فكانت تزيد على أربعين حصنا ، وكان بيده بمصر والشام ستة وأربعون قلعة.

الخامس في عمائره : قال ابن كثير : وعمر شيئا كثيرا من الحصون ، والمعاقل ، والجسور ، والقناطر على الأنهار في بلاد الشام ومصر ، وبنى بقلعة الجبل دار الذهب ، وبنى قبة على اثني عشر عمودا ملونة مذهبة ، وصور فيها صور خاصكيته وأشكالهم ، وحفر أنهارا كبارا ، وخلجانات ببلاد مصر منها : بحر السردوس ، وبنى جوامع كثيرة ومشاهد عديدة ، وجدد مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أحرق ، ووضع الدرابزينات حول الحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وعمل فيه منبرا وسقفه بالذهب ، وجدد المارستان بالمدينة ، وجدد قبر الخليل عليه‌السلام ، وزاد في رواتبه وما يصرف إلى المقيمين ، وبنى على المكان المنسوب إلى قبر موسى عليه‌السلام قبة قبلي أريحا ، وجدد بالقدس أشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة ، ورمم شعث الصخرة وغيرها ، وبنى خانا هائلا بالقدس ، ونقل إليه باب قصر الخلفاء الفاطميين ، وعمل فيه طاحونا وفرنا وبستانا ، وجعل للواردين أشياء تصرف إليهم نفقة وإصلاح الأمتعة ، وبنى قبر أبي عبيدة رضي‌الله‌عنه بالقرب من عمتا مشهدا وأوقف عليه شيئا للواردين ، وجدد جسر فامية ، وجدد عمارة جعفر الطيار رضي‌الله‌عنه بالكرك ، وأوقف على الزائرين شيئا ، وجدد قلعة صفد وجامعها ، وجدد جامع الرملة وغيرها في كثير من البلاد التي كانت الفرنج قد عدت عليها ، وبنى بحلب دارا هائلة ، وبدمشق : القصر الأبلق ، والمدرسة الظاهرية قبالة العادلية ، وبنى بالقاهرة أيضا : المدرسة الظاهرية ، وبنى جامعا هائلا بالحسينية ، وله من الآثار والأماكن ما لم يبن في زمن الخلفاء وبني أيوب.

السادس في وفاته : قال بيبرس ـ رحمه‌الله ـ : وكان القمر قد كسف كسوفا كاملا أظلم له الجو ، وتأول ذلك المتأولون بموت رجل جليل


القدر ، نبيه الذكر ، فقيل : إن السلطان لما بلغه هذا الإرجاف حذر على نفسه وخاف ، وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره لعله يسلم من شره ، وكان بدمشق رجل من أولاد الملوك الأيوبية يسمى الملك القاهر ، بهاء الدين عبد الملك من ولد الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن نجم الدين أيوب ، وكان يسكن البر ، وتزوج من العرب ، وأقام بينهم ، يسير معهم حيث ما ساروا ، وإذا غزوا غزا معهم ، فحضر من الغزاة إلى دمشق ، فأراد على ما قيل اغتياله ، فأحضروه في مجلس شرابه ، فأمر الساقي أن يسقيه كأس قمز كان ممزوجا فيما يقال بسم ، فسقاه الساقي ذلك الكأس ، فأحس منه بالبأس فخرج من المقام وعلقت به مخاليب الحمام ، وغلط الساقي لاصابة المقدور ، وملأ على إثره الكأس المذكور وأداره ، والدائرات تدور ، فوقع في نوبة السلطان ، فشربه ولم يشعر حتى أحس بالنيران ، فكتم أمره عن الأطباء ، وأخفى حاله عن الأحباء ، ومكث أياما يشكو الليل والنهار من توقد وهج النار ، ثم اضطر إلى إطلاع الطبيب بعد استحكام دائه ، طمعا في دوائه ، فلم ينجع العلاج ، ولا نهضت قدرة الإساءة لإصلاح المزاج.

وأما القاهر فإنه حمل إلى منزله وهو مغلوب ، فمات من ليلته ليلة السبت خامس عشر المحرم من هذه السنة.

وتمرض السلطان بعده أياما حتى كانت وفاته يوم الخميس بعد صلاة الظهر السابع والعشرين من المحرم بالقصر الأبلق ، فكان ذلك يوما عظيما على الأمراء.

وقال بيبرس في تاريخه : توفي في اليوم المذكور وقت الزوال ، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الأمراء والدولة ، فصلوا عليه سرا ، وجعلوه في تابوت ، ورفعوه إلى القلعة في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته تجاه العادلية الكبيرة ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة ، وكتم موته فلم يعلم جمهور الناس به حتى كان العشر الأخير من


ربيع الأول ، وجاءت البيعة للملك السعيد من مصر ، فحزن الناس عليه وترحموا ، وكان يوما شديدا على الناس ، وجددت البيعة ، وجاء تقليد النيابة مجددا لعز الدين أيدمر.

وقال بيبرس : فكتم الأمير بدر الدين بيليك الخزندار نائبه موته عن العساكر ، وأظهر أنه مستمر المرض ، ورتب حضور الأطباء ، وعمل الأدوية والأشربة على العادة ، وحمل جسده إلى قلعة دمشق ، فبقي فيها مصبرا إلى أن بنيت له التربة المذكورة ، ثم إن الأمير بدر الدين الخزندار رحل بالعساكر المنصورة [والخزائن مصونة موفورة ، والأطلاب مرتبة منتظمة] والمحفة محمولة في الموكب [محترمة] كأن السلطان فيها مريض ولا يجسر أحد يتفوه بموته [إلا أن الظنون ترجمت ، والأفكار تقسمت ، وغلب الناس أمر وفاته على مرضه وحياته ، ولم تزل الحال مرتبة في النزول والترحال إلى أن وصلوا إلى القاهرة المحروسة ، وحصلت الخزائن ، والبيوتات والخيول والاسطبلات في قلعة الجبل] فأشيع مماته ، وأظهر للناس وفاته ، واستقر ولده الملك السعيد مكانه.

وقال المؤيد في تاريخه : وفي سنة ست وسبعين يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم توفي السلطان الملك الظاهر بيبرس الصالحي بدمشق ، وقت الزوال ، عقيب وصوله من جهة بلاد الروم إلى دمشق ، وقد ذكرنا أنه دخل دمشق في اليوم الخامس من محرم هذه السنة ، ومات في السابع والعشرين منه ، فتكون مدة إقامته بدمشق من بعد دخوله ثلاثة وعشرين يوما.

السابع في مدة سلطنته : قال بيبرس : مدة مملكته ثمانية عشرة سنة وشهرين [وعشرة أيام].

وقال النويري : وكانت مدة الملك الظاهر نحو سبع عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام لأنه ملك في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان


وخمسين وستمائة ، وتوفي في السابع والعشرين من محرم سنة ست وسبعين وستمائة ، وكذا قال المؤيد في تاريخه.

الثامن في أولاده وما رثي به : قال النويري : وخلف من الأولاد : الملك السعيد ناصر الدين بركة خان ، ونجم الدين أمير خضر ، وبدر الدين سلامش ، وثلاث بنات.

وقال غيره : خلف من الأولاد عشرة ، ثلاثة ذكور وهم المذكورون وسبع بنات.

ومما رثي به ما قاله محيي الدين ابن عبد الظاهر يرثي الملك الظاهر :

أبدا عليك تحية وسلام

يا قبر من فجعت به الإسلام

يا تربة لولا الحياء من الحيا

أمسى سجال الدمع فيك سجام

يا دمع عيني مثل دمع سحابة

هيهات بين الدمعتين زحام

فسبقت كل سحابة هطالة

يثني عليها مندل وبشام

تنهل منك نوال ساكنك الذي

من كفه فوق السماح يسام

الظاهر السلطان من بمصابه

هد الهدى وتضعضع الإسلام

وغدت دمشق بقبره وحلوله

فيها تتيه على الوجود شام

قبر به تتضاعف الأقسام من

بركاته وتوكد الأقسام

قبر به تتوسل الآمال في

حاجاتها وتصرف الأحكام

قبر الذي لو أنصفته قلوبنا

ما أصبحت لمسرة تستام

قبر الذي قلع القلاع

سكانها وله الحصون خيام

قبر الذي قهر التتار فأصبحوا

ولهم إذا ناح الحمام حمام

وقال بيبرس : قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر يرثيه أبياتا أولها :


ما مثل هذا الرزء قلب يحمل

كلا ولا صبر جميل يجمل

الله أكبر إنها لمصيبة

منها الرواسي خيفة تتقلقل

ما للرماح تخولتها رعدة

التي كنها أن ليس تعقل تعقل

لهفي على الملك الذي كانت به

الدنيا تطيب وكل قفر منزل

الظاهر السلطان من كانت له

منن على كل الورى وتطوّل

لهفي على آرائه تلك التي

مثل السهام إلى المصالح ترسل

لهفي على تلك العزائم كيف قد

غفلت وكانت قبل ذا لا تغفل

سهم أصاب وما رئي من قبله

سهم له في كل قلب مقتل

أنا إن بكيت فإن عذري واضح

ولئن صبرت فإنني أتمثل

خلف السعيد لنا الشهيد

فأدمع منهلة في أوجه تتهلل





تاريخ صفد للعثماني


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أحكم الوجود وأتقنه ، ونقل آدم إلى الأرض وأسكنه ، وبثّ ذريته فيها ونشرهم عليها ، فكلما مضى منهم قرن وذهب غيره ووقب (١) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، ومن جملة حكم الله تعالى التاريخ الموضوع لحفظ الأمم ، ومعرفة من غبر منهم ونجم ، وما مرّ من الأعوام وتصرّم من الأنام تبصرة لمن اذّكر ، وعبرة لمن اعتبر.

أحمده على ما منح من الفضل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أدّخرها ليوم الفصل ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الحاشر (٢) ، العاقب (٣) ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر أولي المناقب ..

أمّا بعد فهذه فائدة مستظرفة ، وتحفة منتخبة ، تشتمل على تاريخ مدينة صفد ، ممّا لم يسبق إلى تدوين ذلك أحد ، نقلت بها أمورا مجملة لعدم الظّفر بها مفصّلة ، وإذا فتح باب في أمر لم يتيسر لفاتحه الأقل ، ثم يتبعه أهل الفضل وينمّقونه بغرائب النقل.

وكان السبب في تأليفها ، والباعث على تصنيفها مذاكرة حصلت في ضبط نوّابها (٤) ، اقتضت تعليق هذه الفائدة ، وفتح بابها بين يدي من جعله الله تعالى في محبّة العلم الشريف وأهله علما ووهبه من فضله سيفا وقلما ، ومنحه اليمن في آرائه وتدبيره ، وقرن السعادة بثغور أساريره ، عمر لهذه المملكة بفضله وإنعامه ، وزيّنها في المجالس بوجهه ، كما شرّفها بوطىء أقدامه ، وأثر فيها آثارا محمودة ، واستضىء حكّامها في مهماتهم السعيدة سبل أن ينور فأنار ، فظهر من حسن سيرته ماسر أولو الألباب ، وكان طول ليله في الحراسة ، وجميع نهاره في السياسة ، مع المواظبة على أوراده ، والملازمة لاجتهاده.


شعر :

فياليت أنّ الله أسعد خلقه

فصيّره طول الزّمان ينوب

المقر الأشرف السّيفي علمدار ، بلّغه الله جميع الأوطار فذكرت فتحها أولا إلى أن فتحت عكا ، وتمدنت صفد ، وتوطّن أهلها وزال النّصب والنّكد ، ثم اذكر النواب على محجّة حسنة إلى آخر سنة أربع وستّين ، مدة مائة سنة ، ثم أذكر أرباب الوظائف الدينية على هذا المنوال من القضاة والخطباء ووكلاء بيت المال ، ثم أذكر من أرباب الوظائف الديوانية من يفتقر إليه من في انتظام الأمور ، من كتّاب السر ، ونظر المال ، والجيش المنصور ، من أول الفتح إلى آخر المدة على الولاء ، ولم يتيسر لي غير ذكر هؤلاء.

لكنّي أذكر بعد الفراغ من هؤلاء المذكورين فصلا لبيان الأعيان من الصفديين ، ثم أبتدي التاريخ مفصلا بالسنين على عادة المؤرخين ، من استقبال سنة خمس وستين وأختصر في مقالي لاشتغالي بمهمات أحوالي ، وما توفيقي إلا بالله ، وهو حسبي ونعم الوكيل.


مدينة صفد

أما صفد نفسها ، فحصن منيع بقمّة جبل كنعان ، كان قرية قديمة فبني عليها هذا الحصن ، وهو صفد ، وأما اليوم فالمدينة نفسها هي التي تسمّى صفد.

ولذلك معنيان : المعنى الأول إنّ الصّفد العطيّة ، وهذا هو المناسب لتسميتها عند الافرنج لأمرين : أحدهما أنّ ملوك الافرنج أعطوها لطائفة يقال لها الدّاويّة (٥) ، لا يشاركها فيها أحد فسمّوها لذلك بصفد ، الثاني أنّهم سمّوها أيضا صفت بالتّاء ، فلمّا وصفت بالصّفاء صلحت للعطاء.

المعنى الثاني أنّ الصّفد المغارة ، ومنه قوله تعالى :

(مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٦) أي في الأغلال ، وقد يكون لهذا الاسم مناسبة إمّا لأنّ صاحب الغل يمتنع من الحركة ، ويلزم موضعه ، وهذه المدينة كذلك لأنّها جبل عال وعر لا يتمكّن ساكنها من الحركة كلّ وقت ، إن ركب تعب ، وإن مشى على قدميه اختلط لحمه بدمه لصعود الرّبوة وهبوط الوهدة ، فهي لعلوّها أعظم مشرف ، فضياع الحركة فيها من السّرف ، ويستقر ساكنها بأي مكان ويقتنع فيها بالنظر وسنان.

واعلم أنّها لطيفة الهواء ، طيّبة الماء ، لها منظر بهج ، ومشرف أرج ، لا سيّما في أيّام الربيع ، فلها رونق بديع ، ومن أبيات لشيخنا قاضي القضاة جمال الدّين التبريزي (٧) رحمه‌الله تعالى :

لما قضى الفرد الصمد

أنّي أسير إلى صفد

فدخلتها متيمّنا

فوجدتها نعم البلد

ورأيت منظرها الذي

يشفي العيون من الرّمد

وهواؤها مع مائها

فأصح شيء للجسد

يا حسنهالو لم يكن

للنّاس موردها ثمد


والله يعلم السّر لي

بفراق عجلون جلد

وأهليها في مهجتي

كل أضرّ من الولد

جمر اشتياقي نحوهم

بشغاف قلبي قد وقد

وفي الجملة فهي أبيات طويلة لا ضرورة إلى إيراد ما بقي منها.

وقوله «موردها ثمد» يشير إلى قلّة مائها ، وكان ذلك قديما في أيامه ، أمّا الآن فقد كثر ماؤها ، وتجدد بها آبار وعيون.

قال القاضي الفاضل شهاب الدّين بن فضل الله العمري ، صاحب دواوين الإنشاء الشّريف بالممالك الإسلامية ، تغمّده الله برحمته في تاريخه ، المسمّى مسالك الأبصار ، وهو سبعة وعشرون مجلدا : وصفد مدينة صحيحة الهواء ، خفيفة الماء ، لها أعين ، لو أنها دمع لما بلت الآماق ، ولا ملأت الأحداق ، ولها حمامات يأنف أهلها من دخولها لقلّة مائها ، وسوء بنائها ، ولها قلعة قلّ أن يوجد لها شبيه كأنّما عليها من الذهب تمويه ، لا تروم السّحب إلا من صبب ، ويطوف عليها من الشّفق مدام عليه من مواقع النّجوم حبب ، ولا تجاوز الأرض إلا وهي إذا رامت السّماء لا يعوقها سبب.

ولمّا فتحها الملك الظّاهر عظّمها ، وهي تستحق التّعظيم ، وتستوجب الرّفعة بما رفع الله من بنائها العظيم.

وقد ذكرها ابن الواسطي الكاتب فقال : وقلعة صفد بنتها الأفرنج ، وكانت أولا تلا (٨) عليه قرية عامرة تحت برج اليتيم ، بنتها الداوية في سنة خمس وتسعين وأربعمائة. انتهى كلام ابن فضل الله.

ولصفد عشرة أعمال لكل عمل قاض ووال ، العمل الأوّل : عمل المدينة ، ويسمّى الزّنار ، لاختلاطه بالمدينة من كلّ جانب ، وبهذا العمل أرض تشبه أرض العراق يزرع فيه : الأرز ، والبطيخ ، ومغله جيد ، وأرضه مثل العنبر ، وبه بحيرة قدس يوجد فيها اللينوفر ، والسمك


المليح ، والبابير ، وهو نبت يعمل منه الحصر ، وبه قصر يعقوب عليه‌السلام ، وهو بيت الأحزان ، وجبّ يوسف عليه‌السلام ، وبهذا العمل قرية تسمى ميرون بها نواويس وأحواض في مغارة يرشح فيهم الماء قليلا قليلا ، فإذا كان يوما معلوما من السنة وهو نصف أيّار ، يجتمع إليها خلق كثير من اليهود من البلاد القريبة والبعيدة ، ويقيموا حول ذلك المكان نهارهم ، ويرشح الماء في ذلك النهار أكثر من عادته ، وتحمل اليهود من ذلك الماء إلى البلاد البعيدة ، وبالقرب من صفد بوادي دلبية عين الجن ، تفور من الأرض ، وتجري مقدار ساعة ثمّ ينقطع ويذهب ماؤها ثمّ تجري حتّى تصير نهرا ، ثم ينقطع ثمّ يجري في النّهار مرّات ، هذا دأبها دائما ، واعتقاد العوام أنّ الماء إذ انقطع وقالوا : يا مسعود عطشنا يخرج الماء.

العمل الثاني : بلاد عمل الشّقيف ، والنّحارير ، ومرج العيون ، وهي أكبر أعمال صفد وأصحّها وأطيبها ، وبها قرى عظيمة ، وبلادها عامرة ، وبها قلعة حصينة لطيفة عامرة ، حسنة البناء ، بالقرب منها تربة الشّرفاء من أحسن الأماكن وأنزهها ، وهذه القلعة فتحها الملك الظاهر ، ونهر ليطة (٩) يمرّ تحت جبلها ، وهو من الأنهار العظام ، وبهذه المعاملة قلعة هونين على حجر واحد ، وببلاد الشّقيف أشياء لطيفة منها : العسل ، ومنها المنّ ، ومنها الشّيح ، ومنها الفخار ، ومنها الجوز الفرك ، ومنها الحديد ، ومنها الخشب الصّنوبري والسّنديان السّواد ، وبها تراب الجبر ، يعمل منه كيزان ، يجبر منه الكسر في عظم الآدميين ، والخيل والطّير إذا شرب منها ، وتحمل إلى البلدان البعيدة ، وبها قرية تول بها عين يخرج منها سمك صغار ، إذا أخذ منه في شهر شباط واستعمل الذكر منه ، وله علامة ، نفع في الباه نفعا عظيما ، وهذا السّمك ذكره الأطباء في كتبهم ، وعبّروا عنه بسميكة صيدا ، وقالوا : هو بقرية من قراها ، ولكن القرية اليوم من عمل الشّقيف ، قالوا : وأجود ما يصاد في منتصف شباط ،


قالوا : وهي صنف من صغار السمك يشبه الوزغ (١٠) حار عظيم في تهييج شهوة الجماع ، وشدة الانعاظ جدا ، حتى لا يطيق مستعمله الصّبر عن الجماع لشدّة الشهوة ، وقوة توتير القضيب ، قالوا : ومقدار ما يؤخذ منه إلى مثقال مدقوق مضروب في عسل نحل.

قال الشيخ فتح الدين في كتاب الجواهر : حكى لي بعض مستعملها : أنه في ليلته لم ينم لحاجته إلى تكرار الجماع ، وأنّه لم يزل يكرر الفعل إلى أن أنزل الدّم عوضا عن المني ، ودام عليه توتير القضيب حتى كاد يحسّ بعروقه تتقطع لشدة انتصابه.

قال فعالجته بأقراص من الكافور والأغذية المبرّدة ، كالبطيخ الأخضر ، والخيار ، والخس وما شاكلها ثلاثة أيّام حتى سكن ما به ، وهذا السّمك وكثرات الخير يحمل إلى البلاد.

وبها قرية بكوزا يوجد بها عنب كبار ، في داخل العنبة عنبة عنبة ، وفيها قرية عدشيت بها شجرة بلّوط ، يوجد البلّوط على الشجرة نصفها حجر ، إذا أخذ منه ، وسحق واستعمل نفع من حصا البول.

وبقلعتها ينبت في الحيطان نبات به زهرة حمراء ، تشبه رأس الكلب وفم الحيّة ، إذا أكل منها بالعسل أبرأت من عضّة الكلب الكلب ولذغ الحيّة ، وغالب سكان هذا العمل شيعة لا جمعة ولا جماعة.

العمل الثالث : بلاد تبنين ، وهي بالقرب من الشّقيف في المجاورة والصّحبة ، وبها آثار حصون عظيمة ، وهي من أعمر البلاد الصّفدية ، بها قرية يقال لها هونين ، بها جماعة من التّجار الأغنياء ، وبهذا العمل جماعة من مشايخ الشّيعة وجميع أهلها شيعة ، وبه قرية عثرون بها جبن الطيف ، يعدّ من طرف الهدايا الصّفدية.

العمل الرابع : ولاية صور ، بلد قديم بعضه في البر ، وبعضه في البحر ، وبناؤه من أعظم أبنية الدّنيا ، وبه الكنيسة التي لا نظير لها ، بهذه الكنيسة


عامود سماقي رخام عظيم ، يذكر أنّه لا يتملّك أحد من الافرنج حتّى يجلس عليه ، وهذا أمر مشهور.

وبالقرب من صور قناة عظيمة لا يعرف خبرها ، وهي من عجائب الدّنيا ، بالقرب من البحر المالح ، وماؤها عذب فوّارة ، ينبع من الأرض ، ثم يرتفع في بناء محكم قامات كثيرة ، بزخم عظيم ، فإذا انتهى إلى أعلى البناء خرج من القناة المذكورة نهر عظيم ، يزرع عليه أرز وقصب وبساتين ويدور منه طواحين ، ومعصرة وحمام ، ثم ما فاض منها دخل البحر المالح.

وبها قرية رشمون بها غابة زيتون تضرب بها الأمثال ، تسكن بها الوحوش لسعتها وغزارتها ، وعلى ذلك كله سور محكم من أيام الرّوم ، وهذا الزيتون مقطع للجند بأخباز في الحلقة المنصورة.

العمل الخامس : ولاية عكّا ، وعكّا بناها عبد الملك بن مروان ، ثمّ غلبت النّصارى عليها ، ثمّ فتحها الملك النّاصر صلاح الدين يوسف ، ثمّ غلبت عليها النصارى حتى فتحها الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك يوسف المنصور قلاوون (١١) ، وفتح صور وحيفا وعثليت ، واسكندرية ، وصيدا ، وبيروت ، وجبلة ، كل ذلك في سبعة وأربعين يوما.

وعكّا أعظم مدائن الإفرنج بالبرّ والبحر على ما نقل جماعة من الافرنج ، وهي عزيزة عليهم ، يتأسّفون عليها إلى آخر الدّهر ، وبها العمائر العجيبة ، منها كنيسة البنات ، التي تضرب بها الأمثال.

وبها عين البقر التي ورد فيها الأثر ، جاء أنّ من شرب من أربع أعين لم تمس النّار جسده : عين زمزم التي بمكّة ، وعين سلوان التي ببيت المقدس ، وعين البقر التي بعكّا ، وعين الفلوس التي ببيسان ، فلا بأس بالشرب منها ، والاغتسال منها.

وبعكّا مسجد نبي الله صالح عليه‌السلام من المزارات المشهورة ،


وكذلك الرّملة البيضاء ، وكذلك الجامع العمري الذي يظهر فيه النّور في ليالي الجمع ، وبها مقابر الشّهداء.

وبعمل عكّا قرية إكليل ، بها مشهد أولاد يعقوب من المزارات المشهورة ، وبقرية عاينين قبر الاسكندر ، والقطن ببلادها يفضل على قطن كثير من البلاد ويرغب فيه ، وبعكّا ميناء يقصدها تجّار الافرنج بالبضائع ، ويعبوا منها القطن يضمن بخمسين ألف درهم.

وببلاد عكّا أنواع من التّين المليح الذي يرغب فيه ، وبطّيخ أصفر سلطاني.

العمل السادس : ولاية عثليت ، وهي بلاد مباركة ، وبها جبل الكرمل من المزارات ، وإليه ينسب العسل الكرملي الذي يرغب فيه ، وبهذه الولاية بحرة صغيرة بقرب قيسارية يوجد بها التماسيح ، ويتخوّف النّاس منها ، وبها قريتان حسان بها فواكه وخيرات ، وهما : الطيرة ، والسوامر ، وتتصل بلادها بقاقون ، وهي آخر البلاد الصّفدية طولا.

العمل السابع : مرج بني عامر ، وبه ولايتان : اللجون ، وجينين ، فاللجون بلد قديم ، وهو قاعدة المرج ، وهو من عشيريمن ، وكذلك جميع مرج بني عامر ، وبه مقام الخليل إبراهيم عليه‌السلام من المزارات ، وبه مصطبة السلطان ، وخان سبيل عظيم الشّان ، يأوي إليه المسافرون.

وأمّا جينين فبلد قديم أيضا وبه خان سبيل عظيم الشّان ، لا يكاد يوجد مثله في الحسن وكثرة المياه ، وبه سوق كبير ، وبالمرج قرى أمهات ، هي عمدة البلاد الصفدية في الغلات ، كزرعين ، والفوله ، ولها قلعة حسنة وبتيتين ، وبجبلها مقام دحية الكلبي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي‌الله‌عنه ، من المزارات المقصودة ، وبجينين مركز درب الشام ومصر ، لا يكاد يخلو من البريديّة في كلّ يوم ، يمر ، على جينين من التجّار والمسافرين أنواع كثيرة.


العمل الثامن : ولاية النّاصرة ، وهي بلاد مباركة ، وأهلها منسوبين إلى الخير والدّين ، والنّاصرة بلدة قديمة عبرانيّة ، تسمّى ساعير ، وهي مذكورة في التوراة ، يقال أنّ السّيد المسيح عيسى بن مريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظهر منها ونشأ ونصره الحواريون بها ، ولذلك سمّيت بالنّاصرة ، وبها حمّام قديم به جرن كبير يقال إنّ عيسى عليه‌السلام اغتسل منه ، والمقام الذي هو موضع البشارة لأمّه عليها‌السلام من الملك عليه‌السلام ، بعيسى عليه‌السلام ، يقصد للزيارة ، وبه جماعة من الرّهبان وعبّاد النّصارى يتعبّدون فيه ، وبالكنيسة التي تحت جامعها اليوم عمودان كبيران ، وقد عمل المكان زاوية للفقراء الأحمديّة فإذا حصل اجتماع ، وعمل فيه سماع للفقراء عرق العامود حتّى يظهر البلل فيه ، وللنّصارى اعتقاد في ذلك العامود كل من قصده منهم اجتهد أن يأخذ من العامود شيئا ، وأهل النّاصرة كانوا في زمن قسطنطين مفتاح دين النّصرانيّة وأساسه ، وهم في هذا الزمان رأس عشير يمن ، كما أنّ أهل كفر كنا رأس عشير قيس ، وبلاد النّاصرة قرية فرعون بلد روماني قديم لا يعرف له باني ، به مغارة مهولة معدومة في عجائب الدنيا.

حكى الأمير الذكي العارف ناصر الدّين ابن العجلوني ـ وسيأتي ذكره في ترجمته ـ أنّه دخلها وأنّه لا يعرف منتهاها طولا وعرضا وارتفاعا ، ويسمع عبرها هدير هواء ، وعلى شمال الدّاخل قبور رومانية نواويس على ما قيل أنّه فوق الألف ، وأنّهم دخلوها بمشاعل نحو ثلاثين فقطعوا نحو ميل ، ثم فزعوا من طفي المشاعل والحيرة بعد ذلك فرجعوا ، وذكر أنّهم وجدوا بها من الوطواط ما لا يحصر في مقدار الدجاج وأكبر ، وقيل أنّها تصل إلى تحت مدينة النّاصرة ومقدار ذلك بريد ، وللنّاس عنها حكايات ، ويدخل إليها من سرداب حبوا ، مقدار ثلاثة أذرع فقط.

وببلاد الناصرة قرية جيّدة بها بطّيخ أخضر يضرب به المثل بحسنه


وحلاوته ، وقلّة بزره ، وبالنّاصرة والريفة (١٢) جماعة يقرؤون القرآن في جماعة على طريقة حسنة.

العمل التاسع : ولاية الشّاغور ومعليا ، فشاغور البعنة جبل به قرى عامرة كثيرة الخير ، والبعنة بها دير عظيم يقصده الناس بمن به جنون فيبيتون ليلة على مصطبة به ، فيشفى بقدرة الله تعالى ؛ وشاغور عرابه ، بلاد عامرة وبه زيت كثير ، وبقرية كابول مقام أولاد يعقوب عليه‌السلام ، من المزارات المشهورة المعظّمة.

وأمّا معليا فلها حصن ، يسكن به القاضي ، وبلادها جبال ، وقرية البقيعة منها بها مياه تجري وأشجار سفرجل كثير ، ومنها جبل الزابود يشرف على صفد ، يمتد حوله قرى كثيرة الفواكه ، وبهذه المعاملة قلعة القرين ، حصن جيد فتحه الملك الظّاهر ، وبوادي القرين بساتين وطواحين ، وفواكه لطيفة ، وثمار مختلفة.

وأهل هذه البلاد غالبهم حاكمية دروز دهريّة ، ينكرون الشّرائع ، ويعتقدون التّناسخ ، ولا يعتقدون صلاة ولا صوما ولا زكاة ، ولا حجّا ولا بعثا ولا نشورا ، ويستحلون المحارم ، ولا يغتسلون من جنابة ، ويزرعون الحشيشة المسكرة في قرية يقال لها الزّابود ويعتصرون الخمر حتّى يبقى عندهم مخازن ، في غالب السنين يجهز إليهم ملك الأمراء إذا كان متدينا يريق خمورهم ويكتب عليهم قسامة بأن لا يعصروا شيئا ، إلّا أنّ هؤلاء القوم في البيع والشراء والأخذ والعطى جيدين ، موثّق بهم ، لا يكذبون في أيمانهم.

العمل العاشر : ولاية طبريّة ومن عملها الآن كفر كنّا ، ومنها البطّيحة ، فكفر عاقب.

فأمّا طبريّة فهي من المدن القديمة العظيمة الشأن ، يقال أنّه كان بها ثلاثمائة حمّام ، وهي مستطيلة على شاطىء البحيرة المنسوبة إليها ، ويقال


إنّها أعظم بحرة حلوة في الدنيا ، ودورها نحو يوم ، وطولها اثنا عشر ميلا ، وهو بريد كامل ، وعرضها ستّة أميال ، والجبال تكنفها ، ومنها يخرج نهر الشّريعة ولا يزال يجري في الأغوار حتّى يصب ببحيرة زغر ، وهي المعروفة ببحيرة لوط ، ويقال إنّ قبر سليمان بن داود عليهم‌السلام في بحيرة طبريّة ، وبطبريّة من الحصون والأبراج والكنائس شيء غريب كثير.

وبطبريّة مشهد السّيّدة سكينة بنت علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

وبها الحمّامات المعدودة من عجائب الدنيا ، بها مياه سخنة تنبع من الأرض ، تنفع من الرّياح والبلاغم ، والدّماميل والقروح ، والجرب ، والاستقساء ، وغير ذلك ، ومن ترهّل البدن ، ومن افراط العبالة (١٣) ويقصدها الناس ، وكذلك الحمة التي بأطراف هذه المعاملة ، على الشريعة.

وبهذه المعاملة قرية حطّين بها قبر نبي الله شعيب عليه‌السلام ، والقرية وقف على مقامه ، وله مشايخ وخدّام ومباشرين ، وبه سماط للفقراء خبز ودشيشة دائما ، ومضيف للواردين من البريدية والأعيان ، ويأتي الناس للزيارة من سائر النّواحي ، لا سيّما يوم الجمعة ، كنت أتوقف في كون سيّدي شعيب هنا حتى رأيت كأنّي جئت للزيارة وجلست عند الضّريح ، فانفرج وخرج منه شيخ مهيب حسن ، قلت : أنت نبي الله شعيب؟ فقال : نعم ، ثمّ قال : وأنا أعرفك وأحبّك ، فإن خطيبي الخطيب إسماعيل يحضر فيثني ، ويدعو ، فقلت : كان خطيب ، الإنسان له عنده مودّة ، فقال : نعم ، فقلت : وأنا خطيبك أيضا ، فقال : نعم ، ولكن أنت خطيب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ حدّثني كثيرا.

وفي هذا العمل مدينة كفركنا ، لا تخلو من جماعة من الصالحين ، وأرباب الكشوف ، وسأذكر جماعة منهم في هذا التاريخ ، إن شاء الله تعالى ، فهي معدن الصّالحين ، وموطن الأولياء ، وبكفركنا مقام أولاد


يونس عليه‌السلام ، من المزارات المشهورة ، الدّعاء به مستجاب ، وخدامه صالحون وبكفركنا مقدّمين العشرانات أمير طبل خاناه ، وهم رأس قيس أهل فتن وأهواء ، وبقربها مكان يعرف بالبطوف ، به قرى حسان ، وبه أرض تعرف بمرج الغرق ، تجتمع فيها المياه ، وليس لها مخرج ، فإنّ تلك الأرض بها جبال محيطة بها ، وفي الشتاء يجتمع فيها من الأمطار ماء عظيم ، حتّى يصير بحيرة ، ثمّ تشربها الأرض قليلا قليلا ، وكلّما جفّ منها مكان زرعوه كما يفعل أهل مصر.

وبهذا العمل جبل الطّور ، عليه حصن بديع ، وبه حصن كوكب ، وبالبطوف مقام العزير وقبره ، وبالرّومة قبر روبيل ، مزار يقصده اليهود ، والمسلمون وعليه قبّة ومقام الشيخ علي البكّاء (١٤) بتوعان ، وبه قرية الشّجرة ، بها مقام عظيم ، عليه مهابة ، يقصد بالزيارة ، والدّعاء فيه مستجاب ، فهذه ولايات البلاد الصّفدية وأعمالها.

وفي الجملة فصفد مدينة لا بأس بها ، لكنّها ليست على ترتيب المدن ، كان خلاصتها حصنها الغريب ، ثمّ بني عليه ربض يسير ، ثمّ زيد فيه تلفيقا بلا ترتيب.

قال بعض أهل الطّرف في مقام المطايبة واللطف حين سئل عنها ، وقيل له : اشهد لنا بما تعلم منها؟ فقال : صفد وما أدراك ما صفد ، مدينة الحزن والنّكد ، والفقر والحسد ، والهم والكمد ، عيشها غير رغد ، وكان سرّها حصنها ففسد ، لكثرة الصواعق والأمطار ، وتواتر الزلازل في الليل والنّهار ، وأمطارها سيول ، وصواعقها تهول ، وشتاؤها لا يزول ، وساحتها معدن الفضول ، فرجتها ثلاثة : وادي في الدّرك الأسفل ، وميدان كالسّمك الأعزل ، وحواكير عن عقاربها لا تسأل ، وعجائبها ثلاثة : مآذن بلا جامع ، وحمّام بلا ماء ، ليس للكلاب عن مصنعه مانع ، وأسطحه لا تتميز من الشوارع ، خيرها من الجلب ، ومواشيها سريعة العطب ، وكثير فيها الحسد ، وقليل فيها الذّهب ، وجامعها بلا ميضأة


للطّهارة ، ومسلخها يرمي الطير من القذارة ، وهي مفرقة للعمارة ، في الشّرق حاره ، وفي الغرب حاره ، المغضوب عليهم يجهزون للإقامة في أكنافها ، والضّالون من الدّروز والرّافضة في غالب أطرافها ، أحسن حمّاماتها سفر طويل ، من ذهب إليه خجل بالغداة والأصيل ، وعند خروجه من حره إلى الهواء الوبيل يقول : هل إلى مرد من سبيل ، لا مدرسة ولا رباط ، ولا محل نزهة ولا انبساط ، من دخلها حزن ، وضاق صدره ، ومن خرج منها فرح وسرّ قلبه ، ويكفي من البرهان أنّها بيت الأحزان ، يعقوب عليه‌السلام فيها لفرط حزنه ذهب بصره ، ويوسف عليه‌السلام ألقي في الجب ، فلم يجد من ينصره ، ليس لها باب ولا سور ، وغالب بيوتها مبنية على القبور ، ولا بها مال جزيل ، ولا من يعين على نوائب الدّهر ، فصبر جميل.

أما سمعت قول ابن حلاوات في أبياته المشهورة ، شعر :

جهنّم أصبحت لا شكّ فيها

لها من كلّ ناحية عقاب

فنهض إليه بعض الإخوان وقال : مهلا أيّها الإنسان ، فما تلاطفت ولا أنصفت ، ولا خلوت من تحمّل من فيما وصفت ، تتفوّه بصفتها ولا تتنوّه ببهجتها ، أنسيت جامعها الأحمر ، وصحنه الأنور ، موطن الإنابة ، ومحل الإجابة ، ومنهل الأوطار ، ومعدن الأخيار ، هلا ذكرت ميدانها الذي يشفي رمد العين ، ويري من به مجمع البحرين ، يمنح ويرتع طرفه مزاين الجناين ، أنسيت هواها اللطيف ، وماءها الخفيف ، حتّى كان الافرنج من جميع الأنحاء يحملون من مرض إليها لطلب الشّفاء ، هلا ذكرت أترانجها (١٥) المتّفق عليها ، والحكي عنها ، والمشار إليها ، تحمل إلى البلدان ، وتهدى إلى ملوك الزمان ، هلا ذكرت التين الماروني ، والجبن العثروني ، والعسل الشقيفي ، والكرملي ، والتفاح الأحمر الفرعمي (١٦) ،


هلا ذكرت الساتورة وغرائبها المأثورة ، وحلزون البرج الكبير ، وكيف الفارس من أسفله إلى أعلاه يسير ، أنسيت رياض اليكرا ، وما عن شقائقها الملونة يحكا ، والحواكير وبديع أزهارها ، وما يطرب في السّحر من نغمات أطيارها ، هلا ذكرت عمارة الخليفة ، ومصطبتها اللطيفة ، ومنظرها الذي يشرح الصّدور ، ويروي من به البر والبحر ، حتّى يظن الغريب أنّ البحر منه قريب ، أنسيت بركة الدّجاج ، وماؤها الثجّاج ، وسفح القلعة في زمن الربيع ، وما يظهر به من الزّهر البديع ، هلا ذكرت مغارة نبي الله يعقوب ، التي تجلي الهموم ، وتزيل الكروب ، وقد شاع بلا ارتياب أنّ الدّعاء فيه مستجاب ، أنسيت النّابل وكنعان ، وكيف يظهر فيها الأولياء بالعيان ، هلا ذكرت وادي لبيه ونزهته ، ومقام سيدي محمد الكويّس وبهجته ، وحمّامها الجديد ، وعين السّاحة التي هي بيت القصيد ، أنسيت ما قال شرف الدّين حسين بن الكمال (هو جد المؤلف) : شعر :

صفد وطني وبها وطري

روى صفد أوبل المطري

بلد ما يعد لها بلد

في طيب هوى رطب عطر

تغدو الأبدان لصحّتها

ولها نور مثل القمر

تولى ، وهو يقول : هيهات : هيهات ، وحق منى وعرفات ، إنّ هذه الأسماء على غير مسمّيات.

وكان حصنها من أجلّ حصون الافرنج ، وأمنعها ، وأشدّها ضررا على المسلمين وأشنعها ، وكان به طائفة يقال لها الداوية ، نار موقدة وبلية ، عزبان فرسان ، معدودون للغارات على البلدان ، تصل غاراتهم من جهة دمشق إلى داريّا وما يليها ، ومن جهة بيت المقدس إلى كركمة (١٧) ونواحيها ، فيسّر الله عزوجل فتحها على يد الملك الظّاهر بيبرس رحمه‌الله تعالى ، ورضي‌الله‌عنه ، وأثابه الجنّة في رابع عشر شوّال سنة أربع وستّين وستمائة ، بعد أن حصره مدّة طويلة.

ومن محاسن ما اتفق أنّ المسلمين يوم الجمعة بجامع دمشق تضرّعوا


إلى الله عزوجل وسألوه فتح صفد ، وارتفع ضجيجهم ، وابتهل خطيبهم ، وفي تلك الساعة طلب الافرنج الأمان على أن ينزلوا بأثاثهم ويتوجّهوا إلى السّاحل مجرّدين من غير حمل عدّة ولا مال ، فلمّا نزلوا خانوا ونكثوا ونقضوا العهد ، فضربت أعناقهم على تل يعرف بجبل المقتلين ، وأنّ أهل عكّا لمّا بلغهم ذلك بعثوا رسولا ، وطلبوا من السلطان أذنا في نقل هؤلاء الشّهداء المقتولين ، ليدفنوا بعكّا تبرّكا بهم ، فقال للرّسول أقم إلى غد لتعود بالجواب ، ثمّ توجّه ليلا في جماعة من الفرسان ، فأصبح بعكّا صباحا ، فقتل من أهلها جماعة ، ثمّ عاد إلى صفد من يومه ، وطلب القاصد ، وقال أخبرهم بأنّه قد صار عندهم شهداء كثيرة وتوفر عليهم كلفة النقل.

ولمّا حصل الفتح سرّ السلطان وابتهج ، ورمّم شعث الحصن ، وما فسد منه بالقتال ، ثمّ بنى على الحصن هذه الباشورة البرانيّة ، ونصب محرابا في الكنيسة ، وجعلها جامعا ، وصلّى بهم والعصابة الحرير التي بمنبر القلعة ، على رأس الخطيب اليوم ، هي التي كانت على رأس الملك الظّاهر يوم الفتح.

وقدم العلماء والصالحون من الشّام إلى صفد يهنّئون السلطان بالفتح من جملتهم الإمام النووي رحمه‌الله تعالى ، وصل وهو يبني على باب السّر شمالي الحصن ، وكان مجيئه ماله نظير إلّا فتح القلعة.

أخبرني بذلك من حضره ممّن أثق به.

ولمّا تمّ ما قصد من هذا الفتح الجليل ، وعزم على التّوجّه والرحيل ، رتّب جماعة من خواص مماليكه العزيزة عليه ، وأعطاهم الاقطاعات الثقيلة ، وعرضهم بين يديه ، وقرر لأرباب القرآن الذين أحضرهم من سائر الجهات جزيل النّفقات ، فبلغ المصروف في كل شهر ثمانين ألف درهم ، وأرصد لهذا الحصن حواصل كثيرة من القرى ، كان يخزن منها في


الحصن في كل سنة اثني عشرة ألف غرارة غلة بالدمشقي ، وتستمر مخزونة حتّى يتحصّل المغل الثاني ، ثم تصرف الغلّة المخزونة ، وتخزن الغلّة الجديدة ، حتى لا يخلو الحصن عن اثني ألف غرارة مخزونة به دائما ، والماء بالحصن كثير في آبار وصهاريج ، ولا يكاد يفرغ ، وبه ماء ينبع في مكان يعرف بالسّاتورة ، معدودة من عجائب الدنيا ، عمقها مائة وعشرة أذرع في عرض ستّة أذرع بالنجار ، مركب عليها مرمة هندسية من الخشب : بسقال ، يلتف عليها حبل سرباق مركّب فيه بتيتين (١٨) خشب ، تسع كل واحدة نحو راوية ماء ، وكل ما وصلت بتيتة إلى الماء وصلت الأخرى إلى رأس البير ، وعلى رأس البير ساعدان من حديد بكفّين وأصابع تتعلق الأصابع في حلقة البتية الملآنة ، وتجذبها الكفّان ، فينصب الماء إلى حوض ، وهذا الماء نبع ، ويذكر أنّ عمق الماء بها ستّون ذراعا.

ولمّا تمّ بناء الباشورة رسم أن يعمل برج غريب في وسط القلعة يعرف ببرج الظّاهر ، ووصفه بصفات عظيمة منها كبر الآلة جدا بحيث أنّ بابه الأسفل نحو ست حجارة ، فبني على تلك الصفة كثير منهم ، وأنّه كتب إلى السلطان الملك الظّاهر في أثناء البناء أنّ القنّب بالشام فقد ، ونقل الآلة يستدعي سرباقات كثيرة ، ولا تعمل إلّا من القنّب ، واستأذنوه في تخفيف الآلة فأجابهم بأنّ الحرير عندنا كثير ، فكبّروا الآلة ، وسيصل إليكم من الحرير ما يعمل مكان القنّب ، فرحمه‌الله ورضي عنه وأثابه جنّة النعيم ، آمين.

وارتفاع هذا البرج مائة وعشرون ذراعا ، وقطره سبعون ذراعا ، وهو ثلاث مساكن ومخازن ومنافع وطاحون تدور بالخيل ، وبير ماء جمع ، يكفي لمن يكون في هذا البرج طول الحول ، وله حلزون بغير درج ممشا عجيبا يسع ثلاث فرسان صفّا واحدا ، يصعد منه إلى سطحه ، ثمّ توجه إلى مصر المحروسة مسرورا بما منحه الله عزوجل ، وجهّز إلى نيابة صفد نائب عجلون.


النّائب الأوّل كيكاري العلائي ، وكان رجلا ديّنا خيّرا عفيفا عزيزا على الملك الظّاهر ، وكان حصن قلعة عجلون عند السلطان الملك الظّاهر من أجلّ الحصون قبل صفد ، فجهّز العلائي لمنزلته عنده ، فأقام بالقلعة ولا يستطيع أحد البناء بالمدينة ، خوفا من الافرنج من أهل عكّا وصور وعثليت ، وأقام العلائي مدّة ثمّ رحل إلى رحمة الله تعالى.

فحضر للنّيابة بصفد الأمير سيف الدين طغريل ، الرّجل الصّالح الولي صاحب الترّبة المعروفة ، والقيساريّة العتيقة الموقوفة في سنة خمس وستّين وستمائة ، فأقام مدّة يقصده النّاس للزيارة ، وطلب الدّعاء ، ثم مات ودفن في ترتبه في قبّة تجاه الجامع.

ثمّ حضر للنيابة الأمير سيف الدين بلبان العلّائي في سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، فأقام بها مدّة ، وفي أيامه تكاملت عمارة الجامع الكبير الظّاهري سنة أربع وسبعين وستمائة ، بعد الفتح بعشر سنين ، ثمّ بنيت دار الخطابة بفضلات حجارة الجامع ثمّ بني بعض بيوت بالمدينة تلفيقا بحارة الصّواوين وأطراف حارة الجامع.

ثم مات السلطان الملك الظاهر رحمه‌الله تعالى ورضي‌الله‌عنه في المحرّم سنة ست وسبعين وستماية بدمشق المحروسة ، فتملّك بعده ولده السعيد ، وسلامش كل واحد منهما نحو سنة.

ثمّ تملّك السلطان الملك المنصور قلاوون الصّالحي أبو السلاطين إلى الآن ، حفظ الله نعمتهم ، وأدام ملكهم في شهر رجب سنة ثلاث وسبعين وستمائة.

ثمّ خرج سنقر الأشقر على الملك فتملّك بالشام ، فخرج إليه الملك المنصور فكسره وهزمه ، ثمّ توجه السلطان إلى التاتار فهزمهم وكسرهم (١٩) ومثّل بهم في شهر رجب سنة ثمانين.

وجهّز إلى نيابة صفد حين مات العلائي ، الأمير علاء الدين


الالدكزي في سنة ثمانين ، ثمّ كبرت صفد حينئذ ، واتّسعت قليلا في أيامه وبنى الحمّام المعروفة به ، وسكن بالمدينة ، وبقي الحكم بدار العدل في باب القلعة ، واستمر الحال وأهل عكّا وصفد بينهما هدنة ، إلى أن فتحت طرابلس بالسّيف عنوة سنة ثمان وثمانين وستمائة ثمّ حصل من الافرنج خيانة ونقض عهد ، فعزم الملك المنصور على غزوهم ، فمات قدّس الله روحه بمصر سنة تسع وثمانين وستمائة ، وعهد إلى ولده السلطان الملك الأشرف خليل ، وأوصاه بفتح عكا وغزوها قبل كل شيء ، فلما تملك لم يكن له دأب ألّا التّوجّه إلى عكّا بجيوش عظيمة ، واحتفل لذلك احتفالا بالغا ، ولم يتخلّف عن غزو عكّا أحد ممّن أمكنه التوجّه ، وحصل الاجتهاد التّام والمصابرة على القتال حتّى يسّر الله عزوجل فتحها بالسّيف ، يوم الجمعة رابع عشر جمادى الأوّل سنة تسعين وستمائة ، ثمّ هدمها بوصيّة والده ، وظهور المصلحة في ذلك ، واجتماع الآراء على ترجيحه.

فلمّا فتحت عكّا ، ورأى الفرنج الغلبة ، وقع في قلوبهم الرّعب ، وخافوا على أنفسهم من الهلاك ، فسلّم أهل الحصون والثّغور التي بالسّواحل جميعها : أهل صور ، وحيفا ، وعثليت ، وقيساريّة ، وغير ذلك ، وطلبوا الأمان ، ودخلوا البحر ، وخلا ساحل الشام المبارك من الافرنج ، وطهّر الأرض المقدّسة منهم ، وقطع دابرهم ، وقلع آثارهم (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٠).

فلمّا صارت السواحل للمسلمين ، ومحيت آثار الكافرين ، اطمأنت الخواطر ، وطابت القلوب وابتهجت النفوس وطابت أنفس الناس على الإقامة بصفد ، وقصدوها من البلاد لطيبها وصحّتها ، وما بها من الخير في ذلك الوقت ، لقرب العهد بالفتح المبارك ، وعمل بها موضع مبارك للنيابة بها ، واستقرّ في المدينة نائب بمفرده ، وبالقلعة نائب بمفرده ، فأوّل النوّاب بالمدينة الأمير علاء الدين الالدكزي سنة تسعين وستمائة ، واستمرّ إلى سنة إحدى وتسعين وستمائة ثمّ مات.


فحضر ايدكين الصّالحي ، ثمّ مات الملك الأشرف رحمه‌الله تعالى ورضي عنه ، وتملّك أخوه السّلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، والد الملوك والسلاطين ، ومن دان له العباد والبلاد ، وأطاعه كل حاضر وباد ، تغمّده الله برحمته ورضوانه ، ثمّ مات ايدكين الصّالحي ، ودفن بتربة جدّه [المؤلف] الشيخ كمال الدين لصحبة كانت بينهما ، ورغبة في مجاورته.

ثمّ حضر الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار يوم الجمعة سابع ربيع الأول سنة اثنين وتسعين وستمائة ، كان من أهل الخير ، الراغبين في القربات ، وهو باني الجامع بحارة الأكراد ، والحمّام بعين الزيتون ، الرّبع منه وقفا للأكفان ، ثمّ خلع السلطان الملك الناصر من الملك سنة أربع وتسعين وستمائة ، وتسلطن جماعة ، ثمّ أعيد السلطان إلى الملك سنة أربع وتسعين وستمائة.

وحهز للنيابة بصفد المحروسة الأمير فارس الدين الالبكي وكان كبير القدر عظيم الحشمة ، فأقام بصفد مدّة يسيرة.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد الأمير سيف الدين كراي المنصوري ، وكان نائب الشّام في ذلك الوقت الأمير جمال الدين أقوش الأفرم ، وكان كراي من الدّينيين ، صاحب سخاء ومروءة ، وموفاة في الصّحبة ، انتفع بصحبته قبل نيابته جماعة منهم عمّي الشّيخ نجم الدين بن الكمال ، ولمّا نقل إلى نيابة الشّام أخذه معه ، وفوّض إليه أمور الشام ، وفي تلك الأيام كانت وقعة غازان سنة تسع وتسعين وستمائة ، وكان رجلا عظيما عفيفا ديّنا يحب الخير وأهله ثمّ طلب إلى مصر.

وحضر للنّيابة الأمير سيف الدين بتخاص ، وكان ظالما غاشما تجاوز الحد في الظّلم ، حتّى كان يرمي الخلق في المنجنيق ، وكان بقلعة صفد مؤذن من الصّالحين الأخيار قد جلس للفطر ، وكان صائما فرمى بتخاص رجلا في المنجنيق ، فوقع الرّجل بدار المؤذّن فتقطّع وانتشر رأسه ،


وانفجر جوفه ، فصرخ المؤذن من هول ما شاهد ، وبكى وتوجّه في بتخاص إلى الله ، فأخذه الله ، وكانت نيابته مشقة عظيمة على الخلق.

وفي تلك الأيام كانت وقعة مرج الصفر ، وذكيان وكسرت التاتار بشقحب ، وقطع دابرهم وأسلم غالبهم بعد ذلك ولله الحمد والشّكر (٢١).

ثمّ حضر للنّيابة بصفد الأمير شمس الدّين سنقر شاه ، كان يحب الفقراء ويكرمهم سنة ثلاث وسبعمائة ، وهو الذي بنى زاوية الشّيخ قليبك بعين الزيتون ، وأقام في النّيابة مدّة.

ثمّ حضر علم الدين سنقر الجوكندار النامي سنة خمس وسبعمائة ، وكان رجلا صالحا عفيفا تقيّا خيّرا ، فيه حدّة ، نقل عنه مخالفة ، فأقام بصفد إلى أن مسك بها في سنة إحدى عشرة وسبعمائة.

ثم حضر للنّيابة بصفد الأمير سيف الدين بهادراص ، في السنة المذكورة فأقام مدّة.

ثمّ حضر للنيابة بصفد المحروسة الأمير سيف الدين طرنطاي بمتسفر أرقطاي أخوه.

ثم حضر للنيابة الأمير سيف الدين طشتمر حمص أخضر ، من مصر المحروسة في نهار الأحد العصر ثالث عشرين المحرّم سنة سبع ثلاثين وسبعمائة ، من طريق حطّين ، وأقام إلى سنة أربعين وسبعمائة ، فبنى الحمّام المعروف به ، ووسّع اسطبل النّيابة ، وكان جبّارا قليل الشّفقة ، لكنّه كثير الصّدقة ، ومما يدل على عدم شفقته ، أنّ عم الشّيخ برهان الدين خطييب القلعة مرض بالفالج ، وبقي على جنبه أربع سنين ملقى ، حتّى تقوّرت أجنابه وأفخاذه ولا قوّة له ، وعائلته في تلك الحالة غير معلوم الخطابة يتقوتون به يوما بيوم ، فسعى إنسان عند طشتمر ، فكتب إلى مصر إلى ذلك ، فلمّا وصلت مطالعته اتفق حضور الأمير سيف الدين أرقطاي بين


يدي مولانا السلطان ، فقام وبكى وقال : يا مولانا السلطان هذا الخطيب من بيت صالح وفقير ، وله خمسون سنة على رؤوس المسلمين يدعو لمولانا السلطان ، وهو الآن مبتلى ، فكيف تقطع رزقه في أيامك؟ فغضب السلطان ، وكتب بأنكار ذلك إلى طشتمر ، وبعد أيام يسيرة رسم له بالتوجه لمسك تنكز.

وجاء بعده اقسنقر السلاري فولّاني الخطابة لساعته ، تغمّده الله برحمته ، وأسكنه فسيح جنته ، ومن جبروته وعدم شفقته أنّه كان مغرم بقتل الكلاب ، بالغ في ذلك وزاد ، وكان في كلّ ليلة من ليالي رمضان يذبح بقرا وغنما ، ويتصدّق على كل من يطلب ، وأمّا أيّام الأعياد والمواسم فكان يغمر الناس بالعطايا ، ويذبح هو شيئا كثيرا ، ولمّا ورد عليه المرسوم الشّريف صحبه حلاوات البريدي لمسك تنكز (٢٢) ، خاف على نفسه ، فظنّ أنّ الأمر بالعكس ، فلمّا وصل واطمأنّ ومسك تنكز تغمّده الله برحمته ورضوانه ، وكان له في نيابة الشام نحو ثلاثين سنة ، وأمّا طشتمر فإنّه رسم له بالتوجه إلى نيابة حلب المحروسة ، فكانت نيابته بصفد أربع سنين وتسعة وعشرون يوما.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد المحروسة الأمير سيف الدين أقسنقر السّلاري ، الرّجل الصالح الدين ، العفيف اللطيف ، رحمه‌الله تعالى ورضي عنه في نهار الإثنين خامس عشر صفر سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ومتسفره طاجار الدوادار فأقام بصفد سبعة شهور ونصف ، ثمّ نقل إلى ناحية السّلطنة الشريفة بالباب الشريف.

ثمّ حضر بعده للنّيابة من مصر المحروسة ، الأمير بهاء الدين اصلم في نهار الجمعة وقت التّذكير ، رابع شوّال سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، ومتسفرة محمود ابن أخت قوصون.

ثمّ مات السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان قلاوون قدّس الله روحه يوم الأربعاء عشرين الحجّة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، ودفن


بالمدينة المنصوريّة ليلة الجمعة بعد ما دانت له العباد والبلاد ، فسبحان الدائم بلا زوال وكانت مدة ملكه اثنتان وخمسون سنة وتسلطن بعده ولده الملك المنصور أبو بكر يوم الخميس ؛ ولم يقم في الملك إلّا قليلا ، ثمّ قتل ، وكانت دولته ثمانية وخمسون يوما ، ثمّ تسلطن أخوه الملك الأشرف صلاح الدين كجك أقامه قوصون في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، والأمير بهاء الدين اصلم في نيابة صفد ، ثم توجّه إلى دمشق لقتال طشتمر والفخري ، بمرسوم قوصون ، فوصل إلى قارا ثم ردّه الفخري إلى دمشق ، وحلفوا جميعا للسلطان الملك الناصر أحمد صاحب الكرك ، وجهّزوا أصلم إلى مصر ، وكانت سلطنة أحمد في نهار الخميس ثامن عشرين رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.

ثمّ حضر للنّيابة من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي الكبير ، قبل صلاة الجمعة تاسع عشر القعدة سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، ولم يدخل صفد مثل طلبه قط ، كأنهم نار موقدة بأعلام كلها حمر ، ولبس خيولا ورجالا ، فسبحان الملك العظيم ، ومتسفرة تكا الخضري ، فأقام بصفد نحو سبعة وثلاثين يوما ، ثمّ بلغه أنّه سيمسك ، فخرج بمماليكه في نهار الإثنين سادس عشرين الحجّة ، وهم دون المائة لابسين عدّة الحرب ، فركب العسكر الصّفدي خلفه ، فقال لهم : ارجعوا فلا ضرورة لكم باتّباعنا ، فتشاوروا وخافوا من الرجوع دركا ، فردّ عليهم جماعة يسيرة من غير علم الأحمدي فجرحوا جماعة منهم ، وقتل الحاجب الصغير عمر البتخاحي ، فهرب الباقون ، ورجعوا عنه شر رجوع ، فتوجه إلى دمشق على حميّة ، فلم يقف في وجهه أحد من عسكرها ، فندم الصفديون وقالوا : يا ليتنا فعلنا كما فعلوا.

ثمّ حضر نائب غيبة الأمير علاء الدين مغلطاي المرتيني من دمشق المحروسة ، فأقام ثمانية وأربعين يوما ، وكانت دولة السلطان الملك الناصر أحمد تسعة وتسعون يوما ، ثمّ هرب إلى الكرك.


ثمّ تسلطن أخوه الملك الصالح إسماعيل في خامس شهر المحرّم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، وجهّز لنيابة صفد الأمير سيف الدين طينال من نيابة طرابلس ، وكان جليل القدر عظيم الحشمة ، فأقام بصفد سبعة عشر يوما ، ثمّ مات ، ودفن بمغارة يعقوب عليه‌السلام يوم الجمعة سابع ربيع الأول.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي الصغير من مصر بمفرده ، في نهار الخميس عاشر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، فأقام في النّيابة عشرة أشهر وستة وعشرين يوما ، ثمّ نقل إلى نيابة حماة.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد الأمير سيف الدين بلك الجمدار من مصر ، في نهار الأحد سابع عشر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، ومتسفره قصرات ابن أخت بكتمر السّاقي ، فأقام مدّة ، ثمّ توجّه إلى حصار الكرك وهو حاضر وكان هناك للحصار الجاولي وأرقطاي ، فغاب بلك خمسين يوما ، ثمّ عاد إلى صفد ، ثمّ طلب إلى مصر يوم الجمعة والنّاس في الصلاة تاسع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة وكان بلك ظالما غاشما لا يخشى عارا ، عظيم الطّمع لدناءته ، كثير الغفلة عن رعيته لا يفرّج لهم همّا ، ولا يكشف عنهم ضيما ، الحقوق في أيامه ضائعة ، والمنكرات شائعة ، لا حرمة له على حاشيته ، فكثر أذاهم لرعيته ، ولمّا حضر القاضي شهاب الدين البارزي ، بعد أن جرى ما جرى للخضري ، جاء مملوك من مماليك بلك يقال له ولنجي ، فدخل في دهليز القاضي ، وعيط وخبّط فشحطوه وأخرجوه بعد ما أزعجهم وأزعجوه ، ثمّ ركب القاضي وارتحل ، فاضطرب بلك وحصل له الوجل ، فجهّز جماعة من الامراء ولحقوه عليه وردّوه ولاطفه بلك ، واعتذر إليه ، وضرب مملوكه حتّى غشي عليه ، ومن أسباب فساد أحواله أنّه كان قد فوّض الأمر إلى استداره خضر بن اقبجا الفليحي ، وهو ميشوم ظلوم


غشوم ، وهو في الأصل عديم الدين والعقل ، تنوّع في الظّلم ، وتجاوز الحد فيه ، ولم يبق له من يردّه عن ذلك ولا ينهيه ، حتّى ألهم الله عزوجل جماعة من الصالحين أن يدعو عليه برؤيا رآها بعضهم أنّ فلانا وفلانا وسمّاهم يجتمعوا غدا يوم الأربعاء بين الظهر والعصر ، ويدعو على هذا الظالم فيستجاب فيه كما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأحزاب في ذلك الوقت واليوم فاستجيب له ، فدعوا فأجيبوا ، وكان الشيخ علي القرشي من الصالحين المكاشفين يقول في بيت بلك شاب لا يخرج منه ، ثمّ جاء في بعض الأيام وقال : خرج وجاء الفرج ، وكان من أسباب عزله حكاية القاضي الخضري ، وخروجه من صفد لأجله وكان لبلك فقيه من كبار الصالحين ، لمّا رأى ما هو عليه فارقه رب العالمين ، وكان دواداره سيف الدين قطلوبك ، من أهل الخير وأرباب مكارم الأخلاق ، يقضي حوائج الناس ، والفقراء ، والضعفاء ، ويفتقد المحتاجين جزاه الله خيرا ، وأعظم له أجرا ، ولمّا خرج بلك من صفد دعا الناس حين ركب ووقف بفرسه في الساحة ، وجعل يودّع الناس ويبكي ، ويقول : حاللوني فالذّنب كان لصاحبكم الاستدار ، هو منكم وناظر الديوان ، وأنا محجوب عنكم ، ولم أكن أطّلع على ما يفعلوه فبكى الناس وحاللوه ، وتوجّه بعد ما ودّعهم ، وهذا من سلامة صدورهم ، وحسن طواعتهم ، وقلة شرورهم ، فإنّ أهل المملكة الصفدية من أحسن رعية ، لا تعرف لهم شكوى ، ولا مرافعة ، ولا عارض أحد منهم حاكما ، ولا فازعه ، بل طاعة وقول معروف ، وإن ظلموا صبروا ، وإن عدل فيهم أظهروا ونشروا ، وإن أحسن إليهم مدحوا وشكروا ، ولا جرم أنّ الله عاملهم بألطافه الخفيّة ، وقلّ أن جاءهم نائب إلّا وفي قلبه الرحمة ، وكانت نيابته سنتان وأربعة شهور وخمسة وعشرون يوما.

وفي هذه السنة توفي الملك الصالح إسماعيل في يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر ، ثمّ تسلطن أخوه الملك شعبان ، فكانت دولة الملك


الصالح ثلاث سنين وشهران ونصف ، وكانت سلطنة الملك الكامل في نهار الخميس ثاني عشرين ربيع الأول سنة ست وأربعين وسبعمائة.

ثمّ حضر بعده المقر السّيفي الحاج ملك من نيابة حمص جريدة بلا طلب (٢٣) ، نهار الخميس مستهل جمادى الأول سنة ست وأربعين وسبعمائة ، وكان رجلا صالحا عالما ورعا ، متواضعا ، كبير القدر ، جميل الذّكر ، لا يحكم إلّا بالشّرع ، وكان يأخذ الحقّ من القوي للضعيف ، فعفّى آثار بلك ومحاها ، وكشف طرائق الحق والعدل وجلاها ، وهو في غاية اللطف والدين ، يمر على العامّة فيسلّم عليهم يمينا وشمالا ، إتّباعا للسّالفين فما أحقه بقول القائل : شعر :

إذا أردتّ شريف الناس كلّهم

فانظر إلى ملك في زيّ مسكين

ذاك الذي عظمت في الناس دولته

وذاك يصلح للدنيا والدين

وله محاسن كثيرة ، ومآثر غزيرة ، وكان له ولد يسمّى بالأمير شهاب الدين ، على طريق والده ، في العفّة والدين ، والتّواضع واللين ، يقوم مع الضعفاء والمساكين ، ويتصدّق على الفقراء والمحتاجين ، ينسب إلى المكارم ، فيقصد للمغانم ، فرحم الله والده ، وأبقاه ، ودفع عنه كلّ شر ووقاه ، وكانت مدّة نيابته سبعة أشهر ، واثنان وعشرون يوما ، ثمّ طلب إلى مصر صحبة المقر السّيفي منجك فوصل إلى بعض الطريق ، وخفي خبره رحمه‌الله تعالى ، وذلك في ثامن وعشرين الحجّة.

ثمّ حضر للنّيابة بعده المقر السّيفي أراق من نيابة غزّة ، في نهار الخميس ، عاشر شهر صفر سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، فأقام بصفد إلى سلخ جمادى الآخر ، فأحسن إلى الصفديين ، وأكرمهم ، لأنّه كان منهم ، تولى قبل ذلك نيابة القلعة عندهم زمانا طويلا ، وكان فيه خير وشفقة ، وبر وصدقة ، ومع عجم لسانه وانغتامه (٢٤) كان موفقا في أحكامه ، مسددا في كلامه.


وفي شهر رجب الفرد مات السلطان الملك الكامل ، نصف شعبان ، وتسلطن أخوه الملك المظفر حاجي في شهر رجب سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، ثمّ طلب المقر السّيفي يلبغا اليحياوي نائب الشام المحروس أراق ، فحضر من صفد أكابرها ، فجرى لهم ما جرى ، ثمّ انهزم يلبغا ، وأقام أراق بدمشق ، فكانت نيابته ثمانية أشهر إلّا ستة أيام.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد المقر السّيفي أرغون شاه من مصر ، في ثاني شوال سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، وكان جبّارا شرسا ، يحكم بعقله مع جهله ، فأقام مدّة ، ثمّ نقل إلى نيابة حلب في عشرين صفر سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، صحبة طنير ، وكانت نيابته خمسة شهور إلّا عشرة أيام.

ثمّ حضر للنّيابة المقر الفخري إياس ، من حجوبية الشام ، فأقام شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما ، ثمّ نقل في ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.

ثمّ حضر للنّيابة المقر السّيفي ألاجا من نيابة حمص ، مريضا في محفة ، واستمر مريضا إلى أن توفّي في سادس شهر رمضان المعظّم سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، ودفن بمغارة يعقوب على نبينا وعليه‌السلام عند قبر الأمير سيف الدين طينال ، ولم يجلس بدار العدل الشريف ، ولا حكم بين اثنين.

ثمّ حضر بعده للنّيابة المقر السّيفي قطز اميرآخور ، من مصر على خيل البريد نهار الأحد ليلة عيد الفطر سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، وكان سيّدا عفيفا ، رجلا صالحا خيّرا ، فأقام بصفد مدّة يسيرة ، وهي إلى شهر صفر سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

ثمّ وقع الطاعون العظيم ، الذي عمّ المشارق والمغارب ، ولم يسمع بمثله من قديم الزمان ، كان يموت بصفد مع صغرها كلّ يوم جماعة


فوق المائة ، حتّى كنت أمر من الجامع الكبير ، إلى القلعة فلا أجد أحدا ، ولقد ماتت عندنا امرأة فلم نجد من يحملها إلى المقبرة ، حتّى حملت معهم بنفسي بعض الطّرق ، وعمّ هذا الطاعون البر والبحر ، والبقر والحيوان ، والطّيور ، فكانت نيابته أربعة أشهر ، ثمّ توجّه إلى دمشق فأقام بها ، وفي تلك المدّة مات السلطان الملك المظفّر ، وتسلطن أخوه الملك الناصر حسن بن محمد.

ثمّ حضر للنّيابة المقر الشّهابي أمير أحمد مشد الشّربخاناه من مصر ، يوم الإثنين في مستهلّ ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالطاعون ، وكان سيّدا جليلا ، موقرا كثير المكارم عظيم الحياء صاحب همّة عالية ، وشجاعة مشهورة ، أحسن إلى الصفديين ، وتألفهم ، وبنى بصفد مدرسة لطيفة ، مشرف حسن ، أقام مدّة ، ثمّ توجّه لمسك الجيبغا نائب طربلس ببعض العسكر ، ثمّ دخل دمشق في رابع شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة ، ثمّ عاد إلى صفد فأقام بها إلى آخر سنة إحدى ، وخمسين وسبعمائة ، ثمّ جرى له ما جرى من طلوعه إلى القلعة ، ثمّ حضرت العساكر لقتاله ، ثمّ نزل طائعا في ثامن عشر المحرّم سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ، فكانت نيابته سنتان وتسعة شهور ، وعشرون يوما.

ثمّ خلع السلطان الملك الناصر حسن وتسلطن أخوه الملك الصالح ابن محمد وهو ابن بنت تنكز ، الذي نزل إلى الشام في نوبة بيبغا روس ، وأمير أحمد ، وكانت سلطنته في ثامن عشرين جمادى الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.

وكان قد حضر لنيابة صفد المقر العلائي الطنبغا البرناق في سابع المحرّم ، ومعه العساكر ونائب طرابلس ، ونائب غزّة ، وشيخون ، وتعابي وعساكر كثيرة ، فلمّا مسك أمير أحمد جهّز إلى مصر ، واستقرّ البرناق في النّيابة ، وفي أيامه بنى الدار المعروفة بعمارة الخليفة ، وعمّروا دار السعادة بصفد ، وجدّد بها أماكن حسنة ، وفي أيامه ظهر الشخص الذي ادّعى أنّه


الملك المنصور أبو بكر في نهار الجمعة سلخ جمادى الأول ، سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، وكان أمره من العجائب العظيمة من جراءته فيما ادّعاه كيف ألقى نفسه إلى التّهلكة ، ثمّ توجّه البرناق بعسكر صفد إلى الشام على أن يلحق أرغون الكامل في طاعة المصريين ، فانقلب إلى جهة أمير أحمد وبيبغا أروس مغلوبا على رأيه في نهار الخميس ثامن شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.

وفي شعبان وصل متسلّم المقر الشّهابي ابن صبح فخر الدين استداره ، وصارت الأخبار تصل إلى قلعة صفد من مصر إلى السلطان بعد خروجه منها صحبة سعاة وكان بلبان الحسامي في نيابة القلعة بصفد ، فاجتهد وحصّن القلعة بالمناجيق والرّجال ، وجاءه رسول من بيبغا ، وكتب باستمالته ، فلم يوافق ، وصمّم على طاعة المصريين ، وسلم وقسم ، وفي عشرين شعبان انهزم بيبغا اروس ، وأمير أحمد ، وحضر ساعي إلى قلعة صفد بذلك ، وكتب بذلك وجهّز صحبة ساعي ، ثمّ بريدي إلى المخيم الشريف إلى منزلة قاقون ، وكانت حركة عظيمة شكر فيها بلبان الحسامي نائب قلعة صفد ، ونائب قلعة دمشق لم يوافق ، واجتهد في المناصحة فنالهما الإكرام (٢٥).

وهنا نكتة لطيفة ، وهي أنّ سلامة الصّدور تنفع في كثير من الأمور ، انظر كيف سلم بلبان الحسامي ، بسلامة صدره مع مخاطرته بمخالفة نائب الشام بيبغا أروس ، بعد أن قطع العقلاء وأرباب التجربة بأنّ الغلبة لبيبغا أروس ، وعطب قرمشي مع حذقه وتجربته في المناصحة والاجتهاد الزايد ، بعد أن قطع العقلاء بأنّ الدائرة على بيبغا اليحياوي فانعكس الحال فسبحان الفعّال.

ثمّ دخل السلطان الملك الصالح إلى دمشق المحروسة في نهار الخميس مستهلّ شهر رمضان المعظّم ، ورسم بتوسيط برناق ، وجماعة من الأمراء بدمشق تحت القلعة في ثالث شوّال ، ثمّ توجّه إلى مصر بعد صلاة الجمعة


سابع شوّال سنة ثلاث وخمسين ، وفي أيام الملك الصالح مسك الوزير علم الدين بن زنبور ، فوجد له جوهر ستين رطلا بالدمشقي ، كوافي مطعمه ستون قنطار بالدمشقي ، ذهب مسكوك عين ستمائة ألف دينار ، وحب لؤلؤ أردبين ، أقبية وجنبينات وكواملي وسنجاب وغيره ألفان وستمائة قطعة ، أملاك مسقف ، ما قيمته ثلاث مائة ألف دينار ، معاصر سكر خمسة وعشرون معصرة وبها من القند والسّكر والآلات ما لا يقوم ، جوار سبعمائة جارية ، عبيد مائة عبد ، طواشيه ستون ، مماليك خمسون ، وما وجد حاصلا في بعض القاعات سبعمائة ألف درهم ، وفي مكان آخر دراهم ثلاثين اردب ، حوايص ذهب ستة آلاف حياصه ، كلوتات ذهب سبعة آلاف ، مراكب كبار خمسمائة مركب ، شخاتير ماية سواقي ، أربعمائة خيول ، وبغال ألف رأس ، حمير فاره خمسمائة ، صيني قيمته خمسين ألف درهم ، شاشات مختلفة ثلاثمائة شاش ، نطوع قيمة كل نطع خمسمائة درهم ، سبعة آلاف نطع ، بسط مختلفة ستة وثلاثون ألف بساط قماش ، اسطبل القيمة عنه مائتا ألف درهم ، مخازن بها مالا يقوم ، أبقار ستة آلاف رأس ، أغنام سبعة آلاف ، وذلك خارجا عمّا اختفى من ذخائره وودائعه وكتب من السّخاوي نائب الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة (٢٦).

ثم حضر للنّيابة المقر الشّهابي ابن صبح في سابع شوال فأقام بها إلى سابع ذي الحجة سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، ثمّ نقل إلى حجوبة الشام ، وكان رجلا عظيما مهيبا ، ورعا فارس الخيل ، شفوق على الرّعية ، يقهر الظّلمة ، وينصح السلطان سرّا وجهرا ، ويحب الفقراء والعلماء ، صاحب صدقات وانفاق في الخير ، ذا ثروة عمل حسابه عن سنة فاشتمل على ألف ألف وعشرة آلاف ومائة أحد وخمسون وثلث وربع وثمن ، وغلات خمسة آلاف غرارة وتسعمائة وثمانية وخمسين غرارة وسدس وثمن غرارة ، وزيت أحد وخمسين قنطار ، وأحد وثمانين رطل ، دبس أحد عشر قنطار وأحد وخمسين رطل ، وقطن مائة ثمانية وخمسين قنطار ،


وثلاثين رطلا وثلث ، وأوز ومائتا طير وغير ذلك من الآلات والسّروج والكنابيش والخيول والبغال والجمال ، والمماليك ، صرف نفقة مائة ألف وخمسة وأربعون ألفا ، وصدقات ثلاثة وعشرون ، وثمن عمارة الجامع ستة آلاف ؛ انعامات مائة وخمسة وأربعون ألفا ، ثمن قماش للخزانة ، مائتا ألف وسبعون ألف خيل وجمال ، وطيور مائة ألف وخمسة وتسعون ألفا ، ثمن ذهب مائة ألف وسبعون ألف ، خيل وجمال ، وطيور مائة ألف وخمسة وتسعون ألفا ، ثمن ذهب مائة ألف وعشرة آلاف عن خمسة آلاف دينار ، وصار الحاصل الذهب المذكور مائتا ألف ، والغلات والأعيان المذكورة.

وفي أيامه عمّر الجامع الشّهابي بالساحة فأحيى به صفد ، وفتح عينها ، وحصل به النّفع الكثير للمصلّين ، والغرباء القادمين ، وبني به رواق برّاني برسم الفقراء لا يخلو من صالح ، وجدّد الجامع الظّاهري ورمّم شعثه ، وعمّر جامعا نافعا بعين الزّيتون ومأذنة وطهارة ، وساق الماء من عين الزيتون إليه ، وحصل به النّفع الكثير وعمّر خانا بجسر يعقوب عليه‌السلام ، حصل به النّفع الكثير صيانة للمسافرين ، وعمّر خانا بقرية حطين ، وقفا على نبيّ الله شعيب عليه‌السلام حصل به النّفع الكثير لأهل البلد والغرباء ، وعمّر جسرا على نهر الرّقاد وكانت ضرورة على المسافرين داعية إلى بنائه ، وتضرّر الناس زمانا طويلا ، حتّى أقامه الله تعالى لعمارته.

وفي أيامه جرى في صيدا ما جرى من الافرنج (٢٧) فتوجّه إليهم بنفسه وأولاده وفكّ الأسرى من أهل صيدا من الافرنج بمال جزيل قام به من ماله ، وغمر أهل صفد بإحسانه وصدقته ، وكان له صدقة بصفد كل سنة نحو عشرين ألف درهم ، ويجهز إلى مكة والمدينة وبيت المقدس ، ومدينة الخليل عليه‌السلام غير ذلك جملة كثيرة ، لا جرم أنّه نفعه الله بذلك وقت الضرورة لمّا حبس بالاسكندرية.

رأيت الخليل إبراهيم على نبيّنا وعليه‌السلام بمنامي ، فقلت : يا خليل


الله الأمير شهاب الدين ابن صبح أحسن إلينا ، وشرعت أعدّد ما فعله من الخير ، وقد جرى له ما جرى.

فقال لا بأس عليه ، فقلت : ادع له ، فقال : ادع أنت ونحن نؤمّن على دعائك ، فتوقفت تأدبا له ، فقال : إذا دعوت وأمنا فكأننا قد دعونا ، فدعوت بحضرته قائما مبتهلا ، وهو ومن بحضرته يؤمّنون ، وهذه عناية ، ولكنّ الله يمنّ على من يشاء من عباده ، فكتبت إليه إلى الاسكندرية أبشّره ففرح وأعاد جوابي في ظاهر كتابي ، وأكّد عليّ في الدعاء فلم يلبث إلّا أيام يسيرة وفرّج الله عنه وكتابه عندي ، وكانت مدّة نيابته ست سنين وثلاثة شهور وعشرة أيام.

وفي ذلك الوقت مات السلطان الملك الصالح صالح ابن بنت المرحوم تنكز ، ثمّ تسلطن وأعيد إلى الملك ثانيا أخوه الملك النّاصر حسن في ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة.

ولمّا توجه المقر الشّهابي ابن صبح إلى الشام حضر للنّيابة بصفد المقر الأشرف السّيفي منجك الهمام ، أحد ملوك الإسلام صاحب الحل والنّظام ، ذو العطايا والإنعام ، مسهّل الأرزاق مع الابتسام ، صبيح الوجه ، كريم النّفس ، عفيف الفرج ، رطب الأقلام ، كثير الصّوم ، قليل النوم ، طويل القيام وصل إليه شيء من شعر الرّسول عليه الصلاة والسلام ، فبلغ به نهاية السّؤل والمرام ، ولم يزل في وقاية وذمام ، وكان وروده من نيابة الشام بكرة الخميس ثامن عشر ذي الحجة سنة تسع وخمسين وسبعمائة ومتسفره قرابغا الخاصكي ، وكانت للمقر الأشرف السّيفي منجك إقامة بصفد قبل ذلك ، وعامل الصفديين بلطف وإحسان ، ففرحوا بنيابته ، وابتهجوا لذلك ، فأحسن إليهم ، وعاملهم بأعظم ما كان يعاملهم به من اللطف والإحسان ولين الجانب ، وكانت أيامه أيام خير ، لكنه لم يقم إلّا أياما يسيرة ثمانية وخمسين يوما ، ثمّ طلب إلى مصر فتوجّه في سابع صفر سنة ستين وسبعمائة.


ثمّ حضر للنّيابة بصفد المقر النّاصري محمد بن طوغاي ، ومتسفره الأمير سيف الدين اشتقمر ، صبحة نهار الأحد سادس عشرين جمادى الأوّل ، فكانت نيابته ثلاثة شهور ، وثلاثة أيام.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد المقر العزي ازدمر الخزندار ، يوم الإثنين ثامن جمادى الآخر سنة ستين وسبعمائة ، ومتسفره جلبان ، فظهر منه خير عظيم تامته بالحكم لعلمه وحلمه ، فحصل لأهل صفد به الخير الزائد من الإحسان والنفقة مع العفّة ، والورع والمهابة ، واللطف ، والعمل بالشّرع لا يخرج عن حكمه أصلا ، وكان ينصر الضعيف ، ويقمع المتجبّر ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ثمّ نقل إلى نيابة حماة في ثالث عشرين رجب ، وكانت نيابته خمسة وأربعون يوما ، فتأسّف الخلق عليه ، وشقّ عليهم فراقه.

ثمّ حضر بعده للنّيابة المقر العلائي أبو علي المارداني ، الرّجل الصالح ، لم يختلف فيه اثنان ، المعروف بالعدل والإحسان ، واتباع الشّرع المطهّر مدى الزمان ، الموصوف بلين الجانب ، فإذا قام في حد نهض كالأسد الغضبان ، نهاره في الحكم والعلم ، وليله في التهجّد وتلاوة القرآن ، فغمرنا بفضل كالسّحاب الهطّال ، وكانت دولته كدولة المهدي آخر الزمان ، ثمّ توجه مع السلامة إلى ناحية حماة في نهار الأحد ثالث عشرين المحرّم سنة إحدى وستين وسبعمائة ، فكانت نيابته خمسة شهور واثنين وعشرين يوما.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد المقر الرّكني أمير عمر بن أرغون ، من نيابة غزّة بكرة نهار السبت سادس صفر سنة إحدى وستين وسبعمائة ، ومتسفره أرغون المسعودي ، وكان أمير عمر كبير القدر ، محتشم ، طاهر اللسان ، ملازم التلاوة ، سخي يجمع الفقهاء والأمراء في كلّ ليلة جمعة ويعمل لهم وقت حسن ، وتألف بأهل البلد ، وأحسن إليهم.


وفي نهار الأربعاء تاسع جمادى الأول سنة اثنتين وسبعمائة قتل السلطان الملك النّاصر حسن ، ثمّ تسلطن الملك المنصور محمد بن الملك المظفّر في أيام نظام الملك يلبغا ، ونزل به إلى الشام في وقعة المقرين السّيفين ، أسدمر ، وبيدمر ، ثمّ طلب أمير عمر إلى مصر في نهار السبت حادي عشرين رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة فتوجه في سابع شعبان.

وحضر بعده للنّيابة المقر السّيفي ملكتمر المحمّدي الغتمي ، شكل حسن ، وخلق حسن ، لكنّه غتمي لا يعرف العربية ، فحصل به مشقة ، وكان إذا جاءه خصم لا يعرف بالتّركي يضحك ، ويقول : ما تعرف بالتّركي؟! فيقول : لا ، فيضرب يدا على يد ، وشنّع عليه أنّه حكم بين اثنين ، وكان أحدهما يعرف بالتّركي ، فقال هذا معه الحق لأنه قال بالتّركي الحق معي ، ثمّ لطف الله ونقل عن قريب إلى نيابة طرابلس فكانت مدّة نيابته ثلاثة وخمسون يوما في أيام وقعة المقر السّيفي بيدمر بقلعة دمشق.

ثمّ حضر للنّيابة بصفد المقر الأشرف الزيني منكملي بغا الشّمسي ، بكرة نهار الأحد ثاني شوّال سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، فظهر له من الشّهامة والشجاعة والنّزاهة والعلم والدّين والورع والعفة ، والصّيانة ، والمهابة ، واللطف ، والحزم والعزم ، وإصابة الرّأي ، وكمال العقل ، وصدق اللسان ، ووفاء الوعد ، والعفو والصّفح ، وإقامة الحدود ، وحسن السياسة واستغراق الوقت في دقائق العلوم ، وتجنّب المقت ، ورياضة النّفس بما ينفع في الحرب ، مع الفحص عن أحوال الخاصّة والعامّة ، والسؤال عن أولياء الأمور ، في هذه المملكة ، فهو رجل العالم في زماننا.

شعر :

وحيد المعاني والمعالي فريدها

يقصر عن امداحه النّظم والنّثر

فلا زال في عزّ وجاه ورفعة

وخدامه التأييد والسّعد والنّصر

فأقام في النّيابة بصفد نحو سنة ، فحصل به كل خير ، ثم نقل إلى نيابة


طرابلس في رمضان سنة ثلاث وستين وسبعمائة فكانت نيابته أحد عشر شهرا وثلاثة أيام ، ثم نقل إلى نيابة حلب ، ثمّ إلى نيابة الشام في مدّة يسيرة ، أبقاه الله تعالى للإسلام.

ثمّ عاد إلى نيابة صفد المقر العزي ازدمر الخزندار ، وهو أوّل نائب عاد إلى صفد بعد الخروج منها ، حضر في نهار الأحد سابع شهر رمضان المعظّم سنة ثلاث وستين وسبعمائة ، فسرّ الخلق بعوده ، واستبشروا برفوده ، فأحسن إليهم ، وتلطّف بهم ، وصار كواحد من أهل البلد أعظم من الأمير سيف الدين أرقطاي مع قصر المدّة ، واتّفق وقوع الطّاعون في شعبان ، ورمضان من سنة أربع وستين وسبعمائة بالبلاد المصرية والشّامية.

وفي رابع عشر شعبان من هذه السّنة خلع الملك المنصور ، فكانت دولته سنتان وثلاثة شهور ، وخمسة أيام ، وتسلطن بعده السلطان الأشرف شعبان بن حسن في أيام يلبغا ، بكرة نهار الثلاثاء منتصف شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة ، ولم يقع بصفد شيء من الطّاعون في تلك المدّة ، ورأى النّائب تلك الرّؤيا الغريبة ، وملخّصها أنّه أمر في المنام بذبح بقرة ويفرق لحمها على النّاس ، وأنّ ذلك يدفع الوباء ، فذبحها وفرّقها على النّاس ، فعملت بذلك خطبة عجيبة ، وبقي أهل البلاد الصّفدية شامة بين البلاد في أمر الطّاعون ببركته وحسن نيّته.

حكى لي أنّه في كلّ ليلة يطلع إلى مكان يشرف على البلد فيعّوذ سائر أهل البلد.

ثمّ نقل إلى نيابة حماة نهار السبت تاسع شوّال سنة أربع وستين وسبعمائة ، وكانت نيابته ستة شهور وخمسة وعشرون يوما ، وبمجرّد ذهابه وقع الطّاعون بصفد.

ثمّ حضر المقر السّيفي قشتمر المنصوري من نيابة الشام في نهار


الإثنين ثامن عشرين شوّال سنة أربع وستين وسبعمائة ، ومتسفره الدّوادار اقبغا الحجازي ، وكان قشتمر رجل كبير القدر ، كثير الخير ، عديم الشرّ إذا وعد وفى ، كثير الإنعام والإحسان ملازما لمدارسة القرآن ، وفي أيامة عمرت المأذنة بالجامع الظّاهري ، حين وقعت الصّاعقة بها فاحترقت ، وكانت صاعقة عظيمة كتب بسببها إلى المقر السّيفي يلبغا نظام الملك الشّريف ، فجهّز لها ذهبا كثيرا ، وعمرت به أحسن ما كانت ، وأقام المقر السّيفي قشتمر من ماله بألف درهم لترميم الجامع ، فعمّر الجامع في أيامه ، ثمّ كتب إلى مصر يطلب له وقفا فاشترى نظام الملك يلبغا من ماله قرية من البلاد الصفدية يقال لها سعسع ، ووقفها على الجامع أن يرصد منها في كلّ سنة برسم القناة التي أنشأها بصفد ألفا درهم ، فحصل في أيامه لهذا الجامع خاصّة ، ولأهل صفد عامّة كل خير ، ثمّ قلق المقر السّيفي قشتمر ، وتولّع بالتوجه إلى مصر ، فطلب فأجيب ، فتوجّه في ثامن شعبان المكرّم سنة خمس وستين وسبعمائة ، وكانت نيابته تسعة شهور وعشرين يوما.

فهذا ذكر نوّاب مدينة صفد المحروسة من الفتوح وإلى آخر المدّة المذكورة أربعة وأربعون نائبا من الفتح إلى أرقطاي سبعة عشر نائبا ، ومن أرقطاي إلى آخر المدّة سبعة وعشرون نائبا.

وأمّا نوّاب القلعة المنصورة :

فقد تقدّم أنّ النيابة كانت أوّلا بالقلعة إلى أن فتحت عكّة وتمدنت صفد ، ثمّ استقرّ بعد ذلك نائبان أحدهما بالقلعة ، والآخر بالمدينة ، فمن أوائل نوّاب القلعة بمفردها الجوكندار سنة خمس وسبعمائة ، ثمّ بلبان الشّمسي سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة ايدمر الشّجاعي في سنة أربع عشرة وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة الطنطاش سنة عشرين وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة طوغان سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة أقطوان سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة تلكتمر


سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة أراق سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، ثمّ كانت نيابة قرمشي بن أقطوان سنة ست وأربعين وسبعمائة ، واجتهد في عمارة القلعة ، وتحرير حواصلها ، ولم يزل يجتهد في أمرها حتى جرت الفتنة بالشّام نوبة يلبغا اليحياوي ، فطلب قرمشي إلى دمشق ، وحبس بقلعتها ، ثمّ انقطع خبره بعد ذلك ، ثمّ كانت النّيابة للأمير بدر الدين حسن المرواني سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، ثمّ استعفى فأعفي ، ثمّ حضر لنيابة القلعة شعبان السّلحدار سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، ثمّ عزله المقر الشّهابي أمير أحمد.

وكان أول المكيدة التي رتبها لأخذ القلعة ، وجعل في القلعة أميرا شيخا يقال له جركس سنة خمسين وسبعمائة ، ثمّ أخذ الأمير أحمد القلعة بمكيدة دبّرها ملخّصها : أنّه بدأ بإضافة البحريّة إلى عسكر المدينة ، ثمّ فرّق رجالها المستخدمين في الأشغال ، ثمّ خزن مغله بالقلعة على عادة النوّاب ، وجهّز طلب نائب القلعة في شغل ، وكان شيخا فانيا ، ثمّ جهّز استداره لبيع المغل ، ومعه جماعة من شداد مماليكه ، ثمّ جهّز جماعة في شغل إلى استداره ، ثمّ جهّز جماعة يطلبونه إلى المدينة ، واستمرّ أولئك بالقلعة ، ونزل استداره ، ثمّ طلع ومعه نحو عشرة ملبسين ، فشهروا السّلاح بباب القلعة ، ونزل أولئك الذين كانوا من قبل ، فلم يتمكن أحد من دفعهم ، فملكوا القلعة ، وأخرجوا منها أهلها ، فلمّا جرى ما جرى ، ونزل من القلعة حضر بلبان الحسامي في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ثمّ كانت واقعة بيبغا أروس وأمير أحمد ، وتوجّه نائب صفد البرناق وغيره من النّياب ، وصمّم بلبان الحسامي على طاعة مصر ، فكان النّصر لحزبه فناله الإكرام والشّكر والثّناء ، ثمّ توفي وهو أول نائب كان موته بالقلعة ، وكان من أهل الخير والصّلاح والعلم.

ثمّ حضر ابن لاقي الأمير شهاب الدّين أحمد من أهل دمشق (أيضا ابن لاقي جدي) ، في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، وهو من أهل الخير


والدّين والرئاسة فأقام مدة مكرها ثمّ أعفي ، وكانت نيابة طيبغا الإبراهيمي سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، وكان من أهل العلم والدّين كثير الصّدقة ، فأقام مدّة ، ثمّ كانت نيابة الأمير صلاح الدّين القرمشي ابن الخشّاب ، واجتهد في عمارة القلعة على طريق خاله قرمشي ، وجدّه أقطوان ، وجدّد جامع القلعة ، وعمل به مدرسة للمشتغلين في العلم : مدرّس وعشرة فقهاء ، وميّز لذلك معلوما جيّدا ، واستقرّ الأمر كذلك إلى آخر وقت ، وفرغ في أيامه برجين من أبراج القلعة ، وميّز جهات القلعة وغيرها ، ولم يزل مجتهدا في عمارتها ليلا ونهارا حتّى أحيى ما دثر منها ، وأثر فيها آثار الخير المشهورة ، ومكارمه المأثورة ، وهمّته العالية المشكورة وأمانته التي حكمت له باسعافه وعفته التي ورثها عن أسلافه أشبه والده في شهامته وجدّه ، وحوى عدل خاله ومعرفته ، وإحسان جدّه ، فاجتمع فيه ما تفرّق في غيره عمّه الله بإنعامه ، وخيره إلى أن طلبه المقر السّيفي بيدمر نائب الشام ، وسلّمه نابلس.

واستقرّ في نيابة القلعة طاجار شيخ كبير ، شهر الحجّة سنة إحدى وستين وسبعمائة ، فمات بها ، ثمّ كانت نيابة قطلوبغا الإبراهيمي في سنة اثنين وستين وسبعمائة ، فلم يزل بها إلى أن مات في طاعون سنة خمس وستين وسبعمائة ، ودفن بحطّين.

فهؤلاء نوّاب القلعة المنصورة إلى آخر المدة المذكورة.

وأمّا الحجّاب بصفد :

فكان أولا علاء الدين الصايغ أمير عشرة ، ثمّ حسام الدين بن درباس أمير عشرة ، ثمّ الصارم باني الحمّام ، ثمّ أقطوان أمير طبلخاناه ، وكان قبل ذلك شاد الدواوين ، ثمّ شجاع الدين غرلو ، ثمّ اقطوان مرة ثانية ، ثمّ بيبرس العلاوي أمير طبلخاناه ثمّ أمير محمود بن خطير ، ثمّ قرمشي ، ثمّ دقماق ، ثمّ ابن الخازن.


وأمّا أرباب الوظائف الدينية :

من : القضاة ، والخطباء ، ووكلاء بيت المال المعمور ، فعقيب الفتح كان بصفد القاضي جلال الدين النهاوندي ، نيابة عن قاضي القضاة إمام الدين أخي قاضي القضاة جلال الدين الخطيب الحاكم بدمشق ، فأقام مدّة طويلة ، ونهاوند بضم النّون ، ثمّ مات فولي القاضي فتح الدين العسقلاني سنة ست وسبعمائة ، نيابة عن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة الحاكم بدمشق ، ثمّ استقرّ القاضي شرف الدين النّهاوندي قام مدّة ثمّ تنقل في جهات كثيرة : نابلس ، وعجلون ، وطرابلس ، وفي تلك المدّة تولى قاضي القضاة حسام الدين القرمي استقلالا ، ورد على صفد فقيرا صوفيا مجرّدا ، فعرفه نائبها ، فكتب فيه إلى مصر ، فاستقرّ وأقام مدّة ، ثمّ نقل إلى طرابلس وتولّى فتح الدين القيلوني ، وكان كبير القدر ، وله مصنّفات ، فأقام مدّة ، ثمّ توجه إلى مصر رغبة عن القضاء باختياره ، ثمّ تولى قاضي القضاة ناصر الدين الزّرعي ، فأقام مدّة ، ثمّ نقل إلى طرابلس.

فتولى صفد شيخنا قاضي القضاة جمال الدين التبريزي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، وكان من العلماء الفضلاء المتّقين ، له مصنّفات ، فأقام مدّة ، ثمّ توجه إلى مصر ، ثمّ عاد قاضي القضاة النهاوندي إلى القضاء بصفد ، واستمر إلى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.

ثمّ تولّى شيخنا قاضي القضاة شمس الدين الخضري ، وكان فقيها عظيما جليل القدر ، جميل الذكر ، حسن السّيرة من أجلّ من لقيت ، ومن أكمل من صحبت ، لزمته نحو عشر سنين انتفعت به ، وكان مفننا في العلوم ، آية في التدريس ، دربا بالأحكام موفقا فيها ، فأقام إلى أيام بلك ، ثمّ رغب عن القضاء ، وتوجه إلى دمشق ، وكان سببه أنّ بلك طلب منه قرضا من حر مال الأيتام ، فقال : لا بد من رهن منقول ، فلمّا تحقق أنّه يأخذ منه بلا رهن ، ركب بغلته وتوجّه إلى دمشق ، ورغب عن وظيفته


ابتغاء وجه الله ، وخوفا من عقوبته ، لا جرم كان له بصفد في الشّهر أربعمائة ، فعوّضه الله كل شهر بنحو ألف وخمسمائة.

ثمّ حضر بعده للقضاء بصفد قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف القرشي من بيت علم ورئاسة لكنّه من القضاة المتساهلين ، وقع في أيامه أمور تخشى عاقبتها يوم الدين ، وفي آخر أيامه ، كنت عنده يوما فجاء فقير يسأله ، فردّه ونهره ، فأعاد سؤاله فزبره : فقال أنا فقير ، وقد أمسيت مضرورا ، فغضب فأمر به فضرب ، فشفعت فيه ، وتعلّقت به ، وهو من الغضب لا يعقل ، فتركته ومضيت وقد تأذيت ممّا سمعت ورأيت ، فرأيت في تلك الليلة بالمنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقفا تجاه دار القاضي ، وهو غضبان غير راضي ، وكان من باب القاضي إلى طرف الشارع حبلا مشدودا فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقطع حبله فعالجته فوجدته قويا شديدا ، فلما فهم الرسول أن فعلي لا يجري ، جاء إليّ ووضع يده الشّريفة فوق يدي ، فجذبت الحبل فتقطّع ، وأشار الرسول بيده ، وجعل يقول ، وأنا أسمع : قال فقير ، قال فقير ، يحكي قول القاضي وإلى بابه يشير قطعه الله ، قطعه الله ، قطعه الله ، فتيقظت مرعوبا ، وكان عزله بعد ذلك قريبا.

ثمّ حضر إلى قضاء صفد الشّيخ صدر الدين بن الخابوري ، فأفادنا عجائب ، وعلقنا عنه غرائب ، وكان حسن الخلق ، كريم النّفس ، غزير العلم عمدة الفتوى ، قدم رجل من الصفديين فتوى بدمشق إلى شيخ الإسلام فخر الدين المصري ، فقال : من أين أنت؟ فقال : من صفد ، فقال : عندكم الشيخ صدر الديين الخابوري وتسألني! فأقام مدّة ، ثمّ نقل إلى طرابلس.

وحضر إلى قضاء صفد شيخ الإسلام زين الدين عمر بن البليغاني ، فقيه المصريين ، وأجل من تولى صفد ، بل أفضل من دخلها في العلم إلى


بحثه وتدقيقه وتحقيقه المنتهى ، لزمته أنا وأخي علاء الدين ، فانتفعنا به ، وأذن لنا ، وكان وروده في المحرّم سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وفي ربيع الآخر من هذه السنة وقع الطّاعون العظيم فاستشهد به ومات فيه بعد ما صلّى الصّبح قائما ، ثمّ جلس يذكر الله ، ثمّ استند إلى صدري فمات لوقته ، وماتت زوجته قبله ، فلمّا دفنها قام يصلي فطوى فراشها وصلّى على الأرض ، فقيل له في ذلك ، فقال : بقي لي فيه شريك ، ولمّا مات حضر ملك الأمراء بصفد ، وأهلها وتكلّموا في دفنه ، ودفنته بتربة جدّي الشيخ كمال الدين طلبا لبركته ، وسهول زيارته.

ثمّ تولّى بعده القاضي شمس الدين قاضي الناصرة في جمادى الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وكان من أهل الخير والدين والعفّة عن أموال المسلمين ، كثير الصّدقة ، ظاهر الحشمة ، مأمون القايلة ، وهو باق إلى آخر المدّة المذكورة.

وأمّا الخطباء بصفد :

فعقيب الفتح كان جدّنا الشيخ كمال الدين العثماني حضر صحبة العلائي ، ثمّ توجّه إلى مصر فأقام مدّة يسيرة وخطب في تلك المدة جمال الدين عبد المنعم ، وكان رجلا صالحا متقشّفا ، ثمّ عاد الشيخ كمال الدين العثماني إلى وظيفته ، جهّزه الملك الظّاهر لذلك حين طلبه نائب صفد العلائي ، وأثنى عليه بين يديه ، وأخبر أنّه من الأولياء الأكابر ، فأحضره وعظّمه ووقره ، وأكرمه ، وطلب دعاءه رجاء بركته ، وأعاده إلى وظيفته ، وفوّض إليه أمر القلعة ورجالها ، وقرّر ولده شرف الدين حسين بن الكمال ناظرا على أموالها ، فلمّا أعاد الشيخ كمال الدين دخل إلى الجامع ، فوجد الشيخ جلال الدين فخجل ، واستحيى فتغيّب بخجله فقام إليه وعانقه وقال : الخجل بي أليق ، لأنّي تهجّمت على وظيفتك ، وإنّما كنت أنوب عنك فرحمهما‌الله ، فاستمرّ الشيخ كمال الدين خطيبا دهرا طويلا إلى أن مات في سنة احدى وسبعمائة ، فاستقرّ ولده الشيخ نجم الدين


فأقام إلى أن تولّى كراي المنصوري نيابة الشام ، فتوجّه معه واستقرّ جلال الدين البصري ، وكان رجلا صالحا عالما ، ثمّ عاد الشيخ نجم الدين إلى وظيفة الخطابة ، وكاتب السرّ ، ثمّ انقطع في الخطابة في المدينة ، وبالقلعة أيضا ، فيقيم من جهته في القلعة من يختاره ، ورغب عن كتابة السرّ ، وجدّ في العبادة ، ونفع الناس بالاشتغال في العلم ، فتخرّج به جماعة ، وصاروا أئمّة إلى أن مات في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، فاستقر ولده كمال الدين محمد العثماني ، إلى أن مات في ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، صلّى بالنّاس الصّبح بالجامع ، ثمّ دخل إلى بيته فمات من ساعته ، فاستقرّ في الخطابة مؤلفة محمد بن عبد الرّحمن الحسيني العثماني ، فهو الخطيب إلى تمام المدّة المذكورة.

وأمّا خطباء القلعة :

فالقاضي جلال الدّين النّهاوندي ، ثمّ ولده شرف الدّين ، ثمّ زين الدّين أبو حلاوات ، ثمّ الشيخ زين الدين عبد السلام ، ثمّ الشيخ نجم الدين مع خطابة المدينة ، ثمّ أخوه برهان الدين بن الكمال ، ثمّ العبد مؤلّفه ، ثمّ أخوه شرف الدين حسين إلى آخر المدة المذكورة.

وأمّا وكلاء بيت المال :

فالشّيخ علاء الدين بن طرخان ، ثمّ جمال الدين حسين البصري ، ثمّ علاء الدين بن طرخان ثانيا ، ثمّ الخطيب شمس الدين بن العماد ، وانتقل منها إلى خطابة القدس الشريف ، ثمّ الشيخ علاء الدين بن الرسّام ، ثمّ الشيخ ناصر الدين البلبيسي ، ثمّ الشيخ علاء الدين بن النّهاوندي إلى آخر المدة المذكورة.

وأمّا أرباب الوظائف الديوانية :

فأول من استقر في كتابة السرّ عمّي الشيخ نجم الدين بن الكمال ، عملت له في أيام الألبكي ، وكان قبل ذلك كتب لكلّ نائب كاتبه ،


فعمل الشيخ نجم الدين وهو شاب كلّ شهر مائة درهم ، ثمّ زيدت له قليلا حتّى صارت خمسمائة درهم ، وتخرّج به جماعة في ذلك الفن منهم : زين الدين بن حلاوات كان تاجرا ، فلزمه وانتفع ، ومهر في كتابه الأشياء ، ونظم ونثر ، فلمّا توجّه الشيخ نجم الدين إلى دمشق ، استقرّ ابن حلاوات في الوظيفة ، ثمّ عاد الشيخ نجم الدين مباشرا مع الخطابة ، ثمّ اشتركا في التوقيع والخطابة ، ثمّ انفرد الشيخ نجم الدين مباشرا مع الخطابة بسؤاله ، واستمرّ زين الدين بن حلاوات في كتابة السرّ بمفرده ، ثمّ بعده بهاء الدين بن غانم ، وكان فاضلا كبيرا ، ثمّ شمس الدين ابن منصور موقع غزّة ، ثمّ جمال الدين بن رزق الله وكان كبير القدر ، جميل الذّكر كثير الأريحيّة ، عظيم العصبية ، ما قصده أحد إلّا قام معه.

رأيته بمنامي بعد وفاته ، وهو يكتب ورقة لفقير فقلت له : لم تكتب؟ فقال : والله ما نفعني إلّا كتابة هذه الأوراق ، ثمّ رأيت رجلا من أعز أصحابي من أهل القرآن ، فأخبرني عن القاضي جمال الدين بن رزق الله أنّه من أهل الجنّة.

ثمّ ولده القاضي بدر الدين بن رزق الله العمري ، الرئيس المشهور ، والجواد المذكور ، ولم يباشر هذه الوظيفة أحد كمباشرته ، وكان له حرمة كحرمته ، النوّاب يكرمونه ، والمصريون والشّاميون يعظّمونه ، فأقام فيها زمانا طويلا حتى عرفها جملة وتفصيلا ، وله صدقات وهبات ومكارم وصلات.

ثمّ شمس الدين قاضي شهبة ، فريد وقته ، وعلامة زمانه ، ثمّ عاد القاضي بدر الدين بن رزق الله ، واستمرّ إلى آخر المدة.

وأول نظّار بيت المال :

جمال الدين بن الكريدي ، ثمّ عماد الدين ابن النويري ، ثمّ جمال الدين ابن ريّان ، ثمّ كريم الدين الصغير ، ثمّ شمس الدين بن سكرة ابن عم


ناظر الجيش ، أسن منه ، وكان فاضلا ديّنا ، ثمّ شرف الدين كسيرات لم ير مثله في زمانه في حسن الشكالة ، ثمّ فخر الدين بن المنذر ، ثمّ جمال الدين بن ريّان ثانيا ، ثمّ شرف الدين بن عطيّة ، ثمّ ناصر الدين بن مقبل ، ثمّ علاء الدين بن الموصلي ، ترك نظر الجيش ، وتولى نظر المال لأجل ابن الصّيرفي ، ثمّ عمل عليه وأفسد حاله ، ثمّ معين الدين بن الكريدي ، ثمّ تاج الدين بن مشكور ، ثمّ ناصر الدين منهال ، ثمّ علاء الدين بن مزهر ، ثمّ صلاح الدين بن المعين ، إلى آخر المدة المذكورة.

وأول نظائر الجيش :

علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن ظاهر المدني العباسي ، كان جدّه أحمد مؤذّن الحرم الشّريف النّبوي ، فأخذه نور الدين الشهيد عند توجهه للحكاية المشهورة التي رآها بالمنام (٢٨) ويعرف بابن المرستاني ، لأنّ نور الدين فوض إليه أمر المرستان في عمارته ، ثم في مباشرته ، ثم شمس الدين بن الحافظ ، ثم عماد الدين ابن المنذر ، ثمّ بهاء الدين بن سكره ، ثمّ نقل إلى وزارة الشام ، ثمّ شرف الدين حسين بن ريان ، وكان من الفضلاء ، ثمّ عماد الدين بن الموصلّي ، ثمّ بدر الدين بن رزق الله العمري ، ثمّ صلاح الدين أخوه ، قد تخرّج بأخيه ، وسار على سيرته وسيرة أبيه في الجود ، والفتوّة والعصبية ، والمروءة ، ثمّ بدر الدين بن أحمد ، ثمّ صلاح الدين العمري ثانيا إلى آخر المدّة المذكورة.


فصل لبيان الأعيان من الصفديين

إلى آخر المدّة

وهو قسمان : الأول منسوبون إلى الصّلاح والزّهد ، الثاني منسوبون إلى العلم والسيادة.

القسم الأوّل

منهم الشيخ الصالح العارف القدوة الولي عبد المحسن ، كبير القدر والسّن ، كان هنا عقيب الفتح ، واستمرّ مدّة طويلة يقصد للزّيارة والبركة ، وكان عظيم المهابة مجاب الدعوة ، أخبرني والدي رحمه‌الله تعالى قال : شاهدت له كرامات غزيرة ، وحفظت من لفظه استغفارا وجدت بركته ، وهو : «اللهم إنّي أستغفرك من كلّ ذنب تبت إليك منه ، ثمّ عدت فيه ، وأستغفرك من كلّ عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك ، وأستغفرك من كلّ نعمة أنعمت بها عليّ فعصيتك بها ، وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كلّ ذنب أتيته في ضياء النّهار وسواد الليل في ملاء وخلاء ، وسرّ وعلانية ، يا حليم».

ومنهم الشيخ كمال الدين محمد العثماني جدّي الخطيب ، كان من الأولياء الزهّاد العبّاد ، عظيم الهمّة والاجتهاد ، كافل الأرامل والأيتام ، متحرّي في طلب الحلال ، وترك الحرام ، ورزق ذريّة مباركة ، وكان عظيم المهابة ، مجاب الدعوة ، عظيم ما له نظير في زمانه ووقته في التّواضع ، ولين الجانب والشّفقة ، والرّحمة ، لا يمسك شيئا من الدّنيا ولا يبيت إلّا على فاقة ، مع سعة الرّزق لكن لكثرة أتباعه وعظيم سخائه ، ولد بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة ، ونشأ بها ، فلمّا كانت نوبه هلاؤون ، خرج بنيّة قصد الدّيار المصرية ، فأسره التتار مع جماعة من أصحابه ، فربطوهم ولم يربطوه حياء منه ، لحسن شكله ، وظهور نوره ، وقالوا : لا تهرب ، فلمّا كان الليل نام التتار والأسارى ، وقام هو يتهجّد ويتضرّع ، فقالوا : اذهب


لشأنك ، فقال : لا إلّا أن تطلقوا أصحابي معي ، فلامه أصحابه وقالوا له : انج بنفسك ، فقال : أرجو أن نذهب جميعا ، فناموا وقام يتضرّع ، فلمّا كان آخر الليل جاءت صرخة عظيمة تفرّق التتار منها ، وهربوا على وجوههم ، ولم يعلموا السّبب ، فقام الشيخ كمال الدين فحلّ بعض الأسارى ، ثمّ حلّ بعضهم بعضا ، وانصرفوا جميعا ، وتحققوا أنّ ذلك ببركته.

ومن زهده وقناعته أنّ أخاه مجد الدين كان قاضيا بقونية ، من بلاد الرّوم فمات وخصّه من إرثه بحكم الرّبع ، والثّمن مع بنت وزوجه نحو ثمانين ألف درهم ، وجاء مملوكه بمال ، وقال : تجهّز به وتوجّه معي لتقبض ما تستحقه ، فأبى وقال كيف أترك أرض الشام ، وأتوجّه لطلب الدّنيا ، ولعلّي أموت هناك ، فكرّر عليه فقال : وهبتك ما أستحقه ، فقال :

خذ ما جاء معي من المال ، فقال : لا حاجة لي به فإنّي بخير ، وما أعلم هذا المال من أين أصله ، ولا كيف جمع.

أخبرني أبي رحمه‌الله تعالى قال : رأيت الشيخ شرف الدين المنجنيقي ، وكان من الصالحين بعد موته ، فقلت : ما فعل الله بك؟ قال سامحني ، وغفر لي ، وأدخلني الجنّة ، فقلت : رأيت جدّي الشيخ كمال الدين؟

فقال : نعم ، فقلت : أين هو؟ فقال ذاك في الفردوس الأعلى ، لقيامه بالليل ، وكان الشيخ عبد المحسن الذي تقدّم ذكره يقول : الشيخ كمال الدين مقدّم الرّجال في قيام الليل.

ومن فضيلة شرف الدين نسبه واتصاله بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، فإنّه : محمد بن الحسن ، بن مفرج ، بن عمرون ، بن عبد الله ، بن عقيل ، بن يحيى ، بن علي ، بن عبد العزيز ، بن علي ، بن الحسين ، ابن محمد ، بن عبد الرحمن ، بن القاسم ، بن الوليد ، بن عبد الرحمن ، بن أبان ، بن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي‌الله‌عنه.

ومنهم الشيخ يوسف بن شمخ الحمراوي رجل كبير القدر ، مقيم بزاوية الحمراء من أيام الإفرنج وكانوا يعتقدوه ويزوروه ، بلغني أنّ


صاحب القلعة كان يحبّه ويزوره ، وسببه أنّه جاء إليه وقال : بلغني أنّكم تدخلون النار فلا تضرّكم ، فقال : لا إله إلّا الله تطفىء النار ، فسأله أن يظهر له آية ذلك ، فأمر بإيقاد نار ، ثمّ طلب ولد له في غاية اللطف ، والتوقر ، وحسن السمت ، يخجل الإنسان من النظر إليه ، فأمره بالدخول في تلك النار ، وقد تأجّجت ، فدخلها غير مكترث ولم يأبه بها ، يذكر الله حتّى طفيت ، فبهت الإفرنجي ، وصار يعتقدهم ويزورهم.

ومن غرائب أحواله أنّه أقعد في آخر عمره ، فكان إذا عمل السّماع نهض قائما ورقص كالصّحيح ، فإذا فرغ من السّماع سقط مكانه ، قيل إنّ الرّجل الذي ذكره شيخ الإسلام برهان الدين بن القرداح في كتابه «حل القناع عند حل السّماع» هو هذا الرّجل : ومن ذرّيته السّنية ، وفروضه الزّكية ، الموقوف بمقالته ، والمبرز في عدالته ، والمجمع على جلالته ، معتمد الحكام والمرجوع إليه عند الخصام ، من سار ذكره واشتهر الشيخ زين الدين عمر الحمراوي ، الشّاهد الشّافعي ، لم تعرّف له كبوة ، ولا مين ، لا جرم شهادته عندي كشهادتين ، عقله رزين ، ودينه متين ، ومروءته غزيرة ، وفضائله كثيرة ، دأبه تلاوة القرآن ، وحوائجه الإخوان ، والصّيام والقيام ، وعدم المزاحمة على الحطام ، وحياته رحمة ، ومماته نقمة.

ومنهم الشيخ عمّار العكبري ، جد المشايخ بزاوية عكبرا اليوم ، كان كبير القدر ، مقيم بزاوية عكبرا ، ومن أهم أولاده الشيخ عبد الله ، كبير القدر ، صاحب كرامات ، وللشيخ عبد الله ولد يسمّى أحمد صالح خامل ، وهو إلى الآن موجود بالزّاوية ، ومن كرامات الشيخ عمار أن بيته انهدم ، ولم يكن له ما يعمره به ، وكان به جسران في غاية الحسن ، فعمّر صاحب عكبرا في ذلك الوقت عمارة احتاج إلى مثل الجسرين ، فرآهما فأخذهما ، فقيل له عنهما ، فلم يلتفت إلى القول ، فطفر الدّم من فمه ودبره في الحال ، وأشرف على الهلاك ، فأمر بحمل الجسرين إلى مكانهما ، وعمّر البيت بنفسه ، وبنى الزّاوية وهي الآن.


وهذا الشيخ عمار ، هو خادم الشيخ ضحيان ، وكان كبير القدر ، ومرّ على عكبرا ، أيام الافرنج عند مجيىء السلطان الملك الظّاهر لفتح صفد ، فتواطىء أهل عكبرا والحقاب مع الافرنج لإحسانهم إليهم ، فلمّا فرغ الفتح قصد السلطان قتل القريتين ، فجاء إليه الشيخ ضحيان يشفع ، فشفعه وأنزله وأضافه بأرض زاوية الشيخ عمار ، ولم تكن عمرت بعد ، فأعجب به ، ومال إليه كثيرا ، فعرض عليه أن يوقف عليه عكبرا ، فلم يوافق ، وبالغ معه ، وقال : لا بدّ من ذلك ، فقال إن كان ولا بد ، فهذه الأرض التي فيها السلطان ، ثمّ أعطاها لخادمه الشيخ عمار.

وكان معه فقير آخر كبير القدر ، يقال له الشيخ علي المجنون ، فعرض عليه الحقاب ، فقبلها فوقفها عليه وعلى ذرّيته ، وهي إلى الآن وقفا عليهم.

ومن الفقراء المشهورين بصفد الشيخ عبد أسود ، موله سليم الصّدر ، جاء مرّة إلى قاضي صفد ، وقال : قد فكرت في مصلحة أشاورك فيها ، فقال : ما هي؟ قال اتفقت مع امرأة أتزوّج بها ، وأنت تزن نقدها ، وتنفق عليها ، وتكسوها ، ما هذه مصلحة؟ فقال القاضي : لا ، فعزم على الترك ، فلاطفه القاضي وزوّجه بها ، ثمّ لم تنتفع به المرأة لاشتغاله بحاله ، ومن غريب حاله أنّه كان يطير من نخلة إلى نخلة بقرية الموسر عند المعصرة.

ومنهم الشيخ علي تختم العكبري الصالح بن الصالح ، كان له أحوال غريبة حكى بعض الفقراء أنّه قصد ليلا الدخول إلى جامع عكبرا ليتهجّد به ، فوجد الشيخ على المذكور فيه ، وللجامع ثلاث أبواب ، فبقى الفقير كلّما أراد أن يدخل المسجد من أبوابه وجد الشيخ على ملأ المسجد ، ولم يجد له مدخلا يدخل منه ، ومن غرائب أحواله أنّه خرج من بيته نهارا بحضرة الخلق وهو في عافية لا مرض ولا عرض ، فوقف على بابه ونادى بأعلى صوته إخوته الموتى : يا فلان ، يا فلان ، أنا الليلة عندكم ، فسمعه الناس من كلّ جانب ، فجاؤوا إليه فوجدوه ميتا رحمه‌الله تعالى.

ومنهم الشيخ منصور ، من أهل فراديه ، له أحوال ظاهرة ، وأمور


غريبة ، منها أنّه ورد على الشيخ علي للزيارة ، وكان زرع مقثاة ، ولم تحمل بعد شيئا ، فقام إليه ليلا ، وقال : يا شيخ علي قم إلى المقثاه والقط منها ملء هذه القفة ، واطلع بها إلى المدينة ، فبعها بدرهمين وربع ، واشتري بهما لبنا وخبزا ، فقام إلى المقثاه ، فوجدها قد بدأ صلاحها ، وظهر ثمرها ، ففعل ما أمره به ، فكان كما قال ، وجاء في غيبة الشيخ علي شاب جاهل ليأخذ من المقثاة ، فنهاه الشيخ منصور ، فلم ينته ، فعيّط عليه الشيخ ، فجذب الشاب سيفا كان معه ، وشال يده على الشيخ منصور ، فوقفت يده في الهواء ، وبقي عبرة حتّى اجتمع الخلق وتضرّعوا إلى الشيخ منصور أن يستره ويطلقه ، ففعل ، ولمّا جاء الشيخ علي قال له الشيخ منصور : قد عزمت على السّفر ، ولكن أريد قطين من عند امرأتك ، فاطلب منها ، وهي ما تعطيك ولا تعطيك شيئا ، وتروح إلى بيت أخيها فيموت أخيها في الحال وما يدفن إلى يومين فإنّه قليل الصّلاة ، فكان كما قال.

ومن الفقراء الأكابر بصفد الشيخ ربيعة صاحب القبّة ، وهي من المزارات المشهورة بقرية ابنيت ، كان كبير القدر صمادي موله ، بزعم الفقراء ، بل استفاض ذلك ، أنّه كانت له فرس قصبه تأكل الشّعير ، وكان له سنجق عظيم ، فيه آثار كثيرة من الصالحين ، يزعم أصحابه ما لبسه أحد إلّا وعلت درجته فيما يناسبه ، وقد جرّب ذلك بحضوري.

ومنهم الشيخ زكريا ، أحد الأولياء ، وقبره شمالي بركة الدّجاج ، الدعاء عنده مستجاب ، أخبرني بذلك بعض الصالحين بدمشق.

ومنهم المتهجّد القانت ، الشيخ الصّامت من بقية السّلف الصالح ، وقدوة الخلف ، المعروف بالكرامات ، والموصوف بالمكاشفات ، وزاويته بصفد معروفة ، وتربته فيها للزّيارة مألوفة ، وولده الشيخ زين الدين من سادات المسلمين ، وعباد الله الصالحين ، كثير المروءة ، عظيم الفتوّة دأبه مكارم الأخلاق ، والمساعدة على صلة الأرزاق ، أبقاه الله للمسلمين خير مساعد ومعين ، آمين ، آمين.


ومنهم عظيم التهجّدات ، والتوجيهات ، قديم البركات والمكاشفات ، قليبك العجمي ، وضريحه في زاوية بعين الزيتون ، يقصده القاصدون ، وولده الشيخ محمود من أهل اللطف والجود ، له وصلة بأهل السّلوك ، وحضرة عند الأكابر والملوك.

ومنهم الحاج خليل بن بركة أحد الصالحين التائبين ، كان كثير الصلاة والصّوم ، مع التّقشّف ومجاهدة النّفس ، اطّلعت مرّة على حاله ، وهجره لأهله ، واهماله ، فتكلّمت بحضرته في حق الأهل ، والنّفس كلاما أعجبه ، وأخبرني ولده أنّه تلك الليلة أكل اللحم ونام عند أهله من حين سمع ما قلته في وصف أحوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّه كان محبّا متبعا ، ومن ثباته أنّه مات له ولد عظيم تقي بار نافع ، وكنت قد حدّثته يوما أنّ الفضيل لم ير ضاحكا إلّا يوم مات ولده ، فقيل له في ذلك ، قال : رأيت الله عزوجل أحبّ شيئا فأحببته ، فلمّا كان بعد مدّة جاءني ليلا وقال : بسم الله ، قم معي وهو يضحك ، فقمت معه دخلنا داره ، وإذا ولده المذكور ميتا مسجّى طول البيت ، وقال لي : اجلس ، ثمّ جاء بطبق فيه كنافة ومشبك ، وقال لي : كل في عرس ولدي ، ثمّ قعد يأكل ، وأعجب من ذلك أنّ والدته وإخوته نساء ورجالا ، فما سمعت لأحد بكاء ولا غيره ، ثمّ لم يزل ضاحكا حتّى دفن ، ومن ثباته أنّني دخلت إليه عند موته وهو يجود بنفسه ، ومعي جماعة ، فقال له الشيخ قاسم العكبري ، وكان من الصالحين : لا تغفل عن ذكر الله تعالى ، قال : يا أخي ما يحتاج إلى ذلك ، ثمّ شرع يقرأ سورة يس ، فما انصرفنا حتّى مات وهو جالس وحده رحمه‌الله تعالى.

ومنهم شيخنا وبركتنا الشيخ صفي الدين بن عبد اللطيف بن أمين الدولة الحلبي ، أحد الأولياء المشهورين ، والأشياخ المذكورين ، كان من بيت رئاسة ووزراء ، وأكابر بحلب ، فتركه وخدم الشيخ عماد الدين الواسطي بدمشق ، وتحرفش حتّى لبس الخلقان ، ففتح عليه منه ، ثمّ


انتقل إلى حمص ، فأقام بها مدّة سنين ، وحصل بينه وبين الأمير سيف الدين أرقطاي صحبة هناك ، فلمّا نقل أرقطاي إلى صفد ألزمه بالحضور ، فكان رحمة للنّاس عند أرقطاي تلك المدّة الطويلة ، فلمّا بنى أرقطاي مدرسته جعله إمامها وشيخها ، وسلّمها إليه ، كان يقصد للزّيارة وللبركة ، ونفع النّاس في الاقراء والميعاد ، ثمّ راق آخر عمره فانقطع واختفى حتّى مات.

جاء مرّة المقر السّيفي منكلي بغا للزيارة فهرب منه وتخبأ بين القبور ، ومن رياضته أنّه وقع غلاء بصفد ، وكان عنده قمح ، فرأى النّاس يتقاتلون على الخبز في الأسواق ، فباع القمح وشرع يسعى في تحصيل الخبز ، وقال : أساوي أمّة محمد فيما هم فيه من الشدّة.

وجرى لي معه غرائب منها أنّي نويت الانقطاع وترك الوظائف ، والأهل والفرار لتحصيل العلوم المهمة ، فقلت : أستشير الشيخ ، فجئته فوجدته يتكلم على الناس ، فجلست لسماعه ، ولم أكلّمه فقال : أراد رجل من بني إسرائيل أن يترك الدّنيا ، ويعتزل الناس ، فخرج على وجهه ، فلقي صخرة مكتوب عليها اقلبني تنتفع فعالجها فقلبها ، فوجد تحتها لوحا مكتوبا أنت لم تعمل بما علمته ، فكيف تطلب عمل ما لم تعلمه ، ثمّ شرع يذكر حالي حتّى اقشعر جلدي ، فلمّا فرغ قلت : لم يبق لك كلام معه ، فخرجت فتبعني وعانقني ، وقال : حبيبي لا فجع الله أمّة محمد فيك الزم السنة ، وكان يوم موته يوما مشهودا ، لمّا حفر قبره ، وعمل ليوضع فيه تفجّر بالماء من كلّ جانب عيونا ، فتحيّلوا حتّى وضعوا في القبر أغصان دوالي ووضع عليها.

وله محبّون ومريدون ، فمنهم : محبّ المحبّين ، وأحد الإخوان الصادقين ، صاحب الاحتمال والخدم والاحتشام ، وسلوك طريق واحد على الدوام ، ذو الكسب الحلال وملازمة الابتهال ، له أقوال وأحوال ، ومات موت الرّجال : الشيخ أحمد العجمي ، وجماعات كثيرون.


ومن أكابر السّادات شيخنا وبركتنا وقدوتنا ، أعظم من لقينا ، وفتح منه علينا ، العابد الزّاهد العالم العامل الورع المحقق الولي ، أوحد الرّجال الأبدال القائم في الله ، ولله على كلّ حال ، العلم المشهور ، ذو المهابة والنّور ، والوقت المعمور ، لقاح المهج سيّدي الشيخ فرج ، أصله من العرب ، نشأ يتيما بقرية الصّياده من البلاد الصفدية ، من عمل طرابلس ، ثمّ سافر إلى الشّرق فقرأ وتعلّم العلم ، وصحب الفقراء ففتح عليه بمواهب جزيلة ، ثمّ سلب ذلك ، وبقي مسلوبا مدّة طويلة ، ثمّ فتح عليه مرّة ثانية على يد الشيخ عبد العزيز المغربي ببلاد عجلون ، فلزمه حتّى مات ، ثم انتقل إلى قرية يقال لها السّاهلية من عمل طبريّة ، متصلة بالغور ، ولذلك يعرف بين الفقراء بالغوري ، فلمّا استقرّ بالسّاهلية ، اشتهر حاله ، وسارت بذكره الرّكائب ، وقصده الخلق من كلّ مكان لنفعه العام ، وحاله التّام ، ونشأ له أصحاب وأحباب ، وانتفع به كل من عرفه ، وفي الجملة لم تر عيني مثله ، ومثل شيخي أبي بكر بن تقيّة.

أمّا أبو بكر بن تقيّة فصحبته صغيرا ، فانتفعت به نفعا كثيرا ، وفتح عليّ من بركته ، ورأيت الخير بأدعيته ، وكان من سادات الرّجال ، جمع بين الحال والمقال ، أمره نافذ بين الخواص ، وإذا حضر مجلسا لم يبق فيه لغيره كلام ، نهاره في الصّيام ، وليله في القيام ، ضيّق الدّنيا على الشّيطان لقوّة الإيمان ، وكان كشفه ظاهرا ، ومعروفه متواترا ، إن رأى عاريا كساه ، أو ضالا هداه ، أو جائعا أطعمه ، أو غريبا أكرمه ، أو مذنبا رحمه ، أو مقربا خدمه ، يتألف للمساكين ، ويهجر المتكبّرين ، لا يتوقف في ملبس ولا يأنف ، وما رأيت أحيا منه ولا ألطف ، جمع الله الشّمل به في الآخرة ، ورفعه أعلى الدّرجات الفاخرة.

وأمّا الشّيخ فرج فصحبته أولا وآخرا ، ولحظني باطنا وظاهرا ، ففتح عليّ من بركاته ورأيت نفعه في حياته وبعد مماته ، وكان يطعم الطعام للخاصّ والعام ، ولا يأكل إلّا من زاده ، ولا يقبل هدية لعظيم اجتهاده ،


ولا يكلف أحدا الحاجة إلّا بإجرة ، يساوي الفقراء بما عنده ، وإن كان شق تمرة ، قصدته الأكابر لزيارته ، ورغبة في صحبته ، كخالد بن شبيب الغزّي ، وريحان الدمشقي ، وولي الدين المنفلوطي ، والشيخ أبي بكر بن تقيّة ، والشيخ حازم الكفر ماوي ، وإن كان حازم في الحقيقة شيخه ومربّيه ، وشهد له بالفضل جميع أهل الفضل ، قال بعض أصحابه : كنّا نجلس إليه فلا يقع لأحد منا سؤال إلّا أخبره به قبل سؤاله ونبّهه عليه ، وورد عليه الشيخ ابراهيم اليمني ، فصحبه ولزمه وذكر أنّه جلس عند ضريح الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلا ، فخرج شيخ مهاب فقال : أنت من أين؟ فقلت من أهل اليمن ، فقال : الإيمان يمان والحكمة يمانيّة ، توحيدك ضعيف ، اذهب إلى من يعرّفك التوحيد ، فقلت : من هو؟ فقال : فرج من السّاهلية ، ثمّ لزم الشيخ حتّى مات ، وقبره إلى جانب قبره ، وكان الشيخ فرج يقول : ما رأيت مثله.

يقول مؤلّفه محمد العثماني : رأيت إبليس لعنه الله في منامي ، فأخبرني بحال جماعة من رجال عصري ، فقلت : أخبرني عن الشيخ فرج ، فقال : بالله لا تذكره لي فإنّه أفسد عليّ حالي ، وآذاني إيذاء بليغا ، فقلت أخبرني عن الشيخ أبي بكر بن تقية ، فاصفرّ وجهه فقال : دعني منه فلا أستطيع أسمع له ذكرا ، وقد ضيّق عليّ الدّنيا.

وقدم على الشيخ فرج فقير كبير القدر ، وكان عند الشيخ حازم ، فقال الشيخ فرج : هذا من أهل التّمكين ، وقال الشيخ حازم : لا ، ثمّ سافر الفقير ، فرأى الشيخ فرج في منامه كأنه وحازم قدما من دمشق ، فلقيهما ذلك الفقير إلى ميدان الحصى ، فأخذ بيد حازم ورجله ورما به إلى خارج دمشق ، وقرب الشيخ فرج وأطعمه خبزا وخيارا ، ثمّ تيقظ ، ثمّ جاء الشيخ حازم إلى الشيخ فرج وقال يا فرج الفقير من أهل التّمكين ، وعن قريب يحضر وهو أمير ، ومعه ابنان يذهبان به إلى اليمن ، فقد وليها ، قال الشيخ : فدخلنا القصير لضرورة ، وإذا الفقير بها ومعه اثنان ،


فجلسنا حوله مع الفقراء ، ولم يطعمني فقلت : ما تطعمني؟ فقال : أنت أكلت نصيبك بدمشق ليلة كذا ، ثمّ ودّعهم وتوجّه إلى اليمن.

ورأى بعض الصالحين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ما تقول في الشيخ حازم؟ قال : ينطق بالحكمة ، فقال : ما تقول في الشيخ فرج؟ فقال : من أولياء الله.

ولمّا جرى لي مع طشتمر ما جرى من خطابة القلعة ، قيل له : خاطرك مع فلان ، فقال : خاطر الفقراء معه ، وساعدوه في الباطن والظّاهر ، فما تمّ كلامه حتّى جاءه إنسان من جهتي وأخبره باستقراري في الخطابة ، فسجد شكرا وحمدا لله عزوجل.

ورأيت في منامي وأنا شاب كأنّي بالجامع الكبير بصفد ، وكان يوم الجمعة ، وإذا بالشّيخ فرج طلع يخطب ، فقلت في نفسي : هذه الخطابة لنا : فكيف يخطب الشيخ ، وإذا به قد نظر إليّ ، ثمّ نزل من المنبر وجاء حتّى وقف على رأسي ، وأمسك بيدي ، ورفعني على المنبر ، وقال : اخطب ، ثمّ تيقظت ومضى نحو ثلاثين سنة ، وكنت قد استقرّيت بخطابة الجامع الكبير ، مكان ابن عمّي كمال الدين ، ثمّ سعى فيها ذلك الذي كان سعى عند طشتمر في خطابة القلعة سرّا ، لمّا ولّوني القضاء ، ووعد بذهب كثير ، عملوا حيلة ، وقيل للنّائب : هذا باتفاق القاضي ، فلمّا جاء توقيعه من مصر ، اجتمعت بالنّائب ، وقلت : هذا ما يحل ، أنا ما أخرج عن الخطابة ، وخذوا وظيفتكم ، فاعتذر وحلف ، وقال : طول روحك ، فلمّا كان بعد مدّة رأيت كأنّي دخلت الجامع ، وكان يوم جمعة ، وإذا بإنسان قد وقف بالجامع ، ومسك بكتفي وقال : يا جماعة ، النّبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أعاده إلى وظيفته ، وردّه إلى منبره ، ثمّ ألبسوني خلعة أهبة الخطابة ، فقرأت وخطبت ، ثمّ وقع أنّه الشيخ فرج ، فما مضى مدّة يسيرة إلّا منّ الله عزّ


وجلّ ، وله الحمد ، بالعود إلى وظيفة الخطابة ، فخطبت في هذا المعنى ، وذكرت الرؤيا ففسّرت رؤياي ، ونالتني بركة بعد ثلاثين سنة فما فوقها.

ومنهم الشيخ حازم الكفرماني العجلوني ، العظيم الشأن الكبير القدر ، البطل الهمام ، وقدوة الأنام ، كان من الأولياء الأكابر المشهورين بالكرامات ، صاحب كشف ظاهر وحال باهر ، وكان من العارفين التابعين السّنة ، في القول والفعل ، مع الزّهد إلى النّهاية يلبس الخلقان ويرقعها من المزابل ، وكان سلطان الفقراء يقول للشيخ فرج : كل هذا فيأكله ، لا تأكل هذا فيتركه ، منعه يوما من أكل تين فظهر أنّه لا ينام ، وسألته امرأة بخاطره عن قبض الحيات فمرّت حيّة ، فصرخ حازم فماتت ، فقال : هكذا يا فرج مسك الحيّات ، وكان كثيرا يقول : يا من قرأ وما درا ، يا من درا وما قرأ ، حكى شيخنا ابن تقيّة أنه بات عنده ليلة ، فرقى شجرة هناك ، وجعل يقول يا من يتهيأ في الفلك ما صابها إلّا من هلك ، إلى أن طلع الفجر ، وجاء كلب إلى قرب وضوءه ، فنظر إليه فمات ، وكان عنده بعض أصحابه ، فقام الرّجل ليتوضأ بالإبريق فلم يجد فيه ماء ، فوضعه ، فقام الشيخ حازم فأخذ الابريق وجلس يتوضأ ، وإذا هو ملآن فتوضأ ، ثمّ أعطاه لصاحبه فتوضّأ منه.

وجاءته امرأة بطبق من تين فجعل يعزل بعضه من بعض ويقول : هذا حلال وهذا حرام ، وكان كما قال.

قال الشيخ : وكان سيّدا عظيما ، وكان الأكابر يقولون لو أدركه القشيري لكتبه في الرسالة.

ومنهم الشيخ سراج ، كان مقيما بقلعة صفد ، ذا وله وحال عجيب ، يقرب من حال الشيخ ، واشارته وسرّه في عصا لون أحمر نحو ذراع ، وهي عندي ولله الحمد ، وكان ولده الشيخ محمد عظيم الاجتهاد في العبادة ، بلغني أنّه كان يقرأ في الليلة الواحدة ختمات لكنّه على نفسه (١).

__________________

(١) كذا بالأصل ، ولعل المراد أنه أخذت تنتابه خواطر.


وكان الحاج شرف أخو الشيخ سراج من الأخيار السّالكين المتّبعين السّنّة ، أدركته وانتفعت به وتزوجت ابنته الصالحة أم يوسف فحصل لي بها الخير ، وطلّقتها مرّة ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : اسمع منّي وردّها ، فلمّا تيقّظت راجعتها ، بعد أن سألني غالب الأكابر ، ولم أوافق ، فلمّا فهمت ذلك بكيت سرورا ، وزهدت في الدّنيا.

ومنهم الشيخ محمد الصّيواني كان من الأولياء الأكابر المتّبعين السّنّة في الباطن والظّاهر ، ملازم التّلاوة ، ودائم العزلة لا يختلط بأحد ، ولا يكلف أحدا ، ويقنع بأدنى اليسير في الملبس والمأكل ولا يستشرف ولا يسأل ، فإن حضر شيء يرضاه للضرورة يقبل ، مجاب الدعوة ، ظاهر الكرامة ، يقصده الأكابر للزيارة ، ويفهم عنه أهل المعرفة لطائف الإشارة.

وولده الشيخ صالح ولي مشهور ومقبول ، ومستور بالخمول. نفعه عظيم.

ومنهم الشيخ محمد الجبيلي كان من أكابر القوم ، ذا مهابة واجتهاد ، عمّر طويلا ، زرته وانتفعت به ، فرأيته كالأسد في المهابة والنشاط في العبادة.

ومنهم الشيخ عمر الحمراوي من الصالحين المتعبّدين ، كثير التّلاوة ، سريع الدّمعة عظيم المهابة ، تخرّج به جماعة ، وأقرأ القرآن للجمّ الغفير.

وولده الشيخ شرف الدين من أهل الخير والصّلاح ، والكرم ، والسّماح ، كثير القيام والصيام ، عظيم السّخاء والوفاء ، دائم التّلاوة والذّكر ، كثير الصّبر والشّكر ، في الجود كحاتم وعمرو ، وقد سارت الرّكبان بهذا الأمر ، زهده معروف وجوده موصوف ومقامه مألوف ، آناء الليل ساجدا وقائما ، ونهاره في الهجير صائما ، وفي الوفاء لصحبة الإخوان مواصلا ، وصل إلى الحمد (١) رتبة ، له أيادي ومكرمات وأدعية مستجابات ، كمّل الله شرفه في المحيا والممات.

__________________

(١) انظر معجم مصطلحات الصوفية لعبد المنعم الحفني (ط. بيروت ١٩٨٠) ماده : حمد.


ومنهم الشيخ إبراهيم اليونسي كان كبير القدر ، دائم الذكر ، خفيف الروح ، حسن الشّكالة واللحية ، حجّ ماشيا نحو عشر حجّات ، وله محاسن ولطائف ، وعمّر طويلا.

ومنهم صاحب النّور الظّاهر ، والمآثر والمفاخر ذو القلب العامر ، والفضل الغامر ، عظيم الصّحبة ، رفيع الرّتبة ، محبوب الأحبّة ، ملاذ الفقراء والواردين ، وأنس الأمراء والسلاطين ، بابه للقاصدين مفتوح ، وفضله للطّالبين ممنوح ، الشيخ شمس الدين ، من كراماته أنّه كان بإذنه حلقة على عادة الحيدريين ، فلمّا كان العشر الأخير من رمضان شدّ مئزره مع المتهجّدين في جامع بني أميّة ، فأغفى فرأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على هيئة بهيّة ، فحيّاه وبشّره بمآرب يتمنّاها ثم جذب الحلقة من أذنه وألقاها ، فتيقظ من رعبته لجذبته فلم يجد للحلقة أثرا ، وسار أمره في الناس خيرا.

ومنهم الشيخ عبد الله المطروف من أهل كفركنا ، من عمل طبرية ، كان كبير القدر ظاهر الكرامات ، قال الأكابر : لم يكن في زمنه مثله ، وفي الجملة هذه كفركنا خصّها الله تعالى بالصالحين المشهورين بالأحوال والكرامات ، وكان منهم جماعة كثيرة اشتهروا بالأخلاق الكريمة ، والأحوال العظيمة والطّرائق الحميدة ، والمناهج السّديدة ، وشاع ذكرهم في الأقطار واشتهر أمرهم وسار.

ومنهم الشيخ ابن عيسى من كفركنا ، قبره بها يزار ، قالوا : كان الشيخ عنتر أوحد أهل زمانه ، له كرامات وأحوال موصوفة ، أجمعوا على جلالته ، وظهور كراماته ، ودرجته ، واستجابة دعوته ، وورعه وزهده وصيانته ، وهو من قدماء المشايخ بهذه البلاد ، وولده علي أيضا من الصالحين الأخيار الأتقياء الأبرار ، اشتهر بالزّهد والصّلاح وظهر عليه الخير ولاح ، وعلم أنّه من أهل الفلاح.


ومنهم الشيخ ابن سلمان من كفركنا ، كان عظيم القوم ، ولم يتزوج قط ، فإنّه أوّاب ، نفسه في العبادة حتّى تفرّد بالسّيادة ، وشهد له من تقبل منه الشهادة بأنّه من أهل السعادة ، اشتهر بأحوال وكرامات ، ولم يزل في المجاهدة حتّى مات.

ومنهم السّيدان العظيمان خلاصة الأحباب : معتب ، وعتاب ، ولدا الشيخ سلام من كفركنا ، نشأا بها وماتا ، وكانا من أهل العرفان ، فأمرهما شائع بين أهل هذا الشّأن ، كان أول فتح معتب ، أنّه قام يصلّي فكشف له عن الحجّاج ، فشاهد أهل عرفة بعرفة ، وذهب مرّة إلى الطاحون بقمح ، فتقوّى به عليه بعض الطلبة ، ولم يمكنه من الطّحن في نوبته من الازدحام ، فطلع معتب إلى ظهر الطاحون ، ورمق بطرفه ، فوقفت الطاحون ، وتعذّر دورانها حتّى طلبه ، وفرغ القمح من الدّلو ووضع به قمح معتب فدارت ، والشّهرة بأحوال هذين السّيدين وما لهما من الكرامات تغني عن البسط في العبارات.

ومنهم السيد العظيم المبرّء من الحيف محمد بن خليف ، كان من طبقة باستواء معتب ، وعتاب قال الأكابر : ابن خليف من أحسنهم اعتقادا ، وأكثرهم اجتهادا ، وله كرامات مشهورة ، وأحوال معروفة ، ومن كرامات الشيخ خليف أنّه أقام أربعين سنة لم يطلع الفجر إلّا وهو على طهارة ، وكان كثير الاجتهاد في العبادة والورع والزّهادة.

ومنهم الشيخ الكبير الشّأن صاحب اللسان في العرفان الحاج موسى ابن عبد الرحمن ، كان من طبقة الجماعة المتقدّمين بل أكثر منهم في الورع والدّين ، وذكر أنّ الشيخ فرج لمّا كان مسلوبا ، ما كان يقبل عليه ، فلمّا عاد إليه حاله وفتح عليه جاء إلى زيارته الحاج موسى بن عبد الرحمن ، فبمجرد إقباله أظهر له البشر ورحّب به من بعيد وقال : هذا باب الفقير ففهم الشيخ فرج أنّه فهم عود حاله إليه ، وأنّ له اطّلاعا على الأسرار والبواطن ذو المهابة والأنوار.


ومنهم الشيخ محمد بن البيطار ، كان من أكابر الجماعة ، أخبر عنه الشيخ عبد الرحمن ابن مؤمن الآتي ذكره ، أنّه كان له اطّلاع وكلام على أحوال الناس ومراتبهم ، قال : وكان بعضنا ينتفع بمواعظه ، وكان يروّع جماعته لصلاته ، وكان بين الفقراء مثل الأسد فهابوه ، لاشتغاله بالله عزوجل ، وكانت امرأته من الخيّرات القانتات العابدات.

ومنهم السيد الجليل ، صاحب العبادة والتحصيل ، العالم الرّبّاني ذو الأسرار والمعاني ، اللسان الأطهر ، والقلب الأنور الخطيب عمر ، إمام المسلمين بالناصرة ، ومن له الصّفات الفاخرة ، كان من المشهورين بعلم الآخرة ، وكان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ولا يخاف ولا يحذر ، يعلّم الناس السّنّة ، ويدلهم على طريق الجنّة ، وكان من الدّاعين إلى الله بلسان الحق ، كثير الشّفقة على الخلق ، مع الفصاحة في الخطابة ، والمعرفة بالعلوم الدقيقة ، وله اليد العليا في علم الحقيقة ، دعاؤه مستجاب ، وأمره عجاب قد جمع الصّلاح ، والعلم والذّكاء والفهم ، واللطف والحلم.

ومنهم السّيد الجليل ، والقدوة الدّليل ، صاحب العلوم المفننة ، والفضائل المدوّنة ، العظيم الورع العديم الطّمع ، الشيخ ناصر بن طلحة الكفرماوي رحمه‌الله ، أقام بالناصرة مدّة ، وله مصنّفات عدّة أحسن فيها وتكلم ، وله قصائد مدح فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصحبته جماعة كثيرة ، وانتفعوا بصحبته ، وكان إذا حضره حال لا يتمكن أحد أن يقربه لهيبته ، وكان يقول : مضت عليّ مدّة ما خطر ببالي شيء إلّا فتح عليّ به.

ومنهم الشيخ سليمان السّعودي ، صاحب الزاوية المشهورة بصفد ، جليل القدر ، ذا هيبة ووقار ، وذكر في الليل والنهار ، وخدمة للفقراء وإعراض عن الأغنياء ، عفيف قانع باليسر مع عيال ، وفقر كثير ، وله عبادات ومجاهدات وتوجّهات ، مات بالطاعون الكبير بصفد ، وقبره بزاويته رحمه‌الله تعالى.


ومنهم صاحب الحال والمقال ، ومحك أبطال الرّجال ، العارف المتصرّف المتميّز المتصوّف ، ذو القدم في المحبة ، والقدم في الصّحبة ، عالي المقام والرّتبة ، صاحب القول السّايغ ، الشيخ أبو بكر الصّايغ ، كلامه مستحسن ، وقيامه في مصالح أصحابه أحسن ، وأحسن ، وله مجاهدات وعبادات ، وتوجّهات واطّلاعات ، وهو في خير وزيادة ، جعله وإيّاي من أهل السّعادة.

ومنهم الشيخ داود العكبري المقري ، من الصالحين المتورّعين ، كان إذا صلّى بكى وأبكى ، وعمّر طويلا ، شهد مع جماعة من العدول في تركة ، فأعطوا لكل عدل مائة فأخذها بحضرة رفاقه ، ثمّ جاء سرّا إلى والدة الأيتام ، وقال أجرتي عشرة ، مدّة خمسة أيام ، وهذه تسعون ، ولا تخبري أحدا بذلك ، رحمه‌الله تعالى ، فأخبرتني المرأة بعد موته ، وكان قليل الكلام ، طويل الصيام.

ومنهم الشيخ المكاشف ، السليم الصدر العارف ، أبو بكر الكردي الكوكبي المقيم بحصن كوكب ، رأيته وانتفعت به ، وكانت المكاشفة من بعض أحواله ، وكان كالأسد في مهابته وإجلاله ، عبث به بعض أصحاب الأحوال اغترارا ، فنهره وتهدّده مرارا ، فلم ينته فناله المقت وأسلبه الحال في الوقت ، وكان له صولة عظيمة على الفقراء والملوك ، والأكابر ، وكان من أهل التمكين ، فظهرت له أحوال مع التّاتار تدل على ذلك بيقين ، وكان طشتمر مع جبروته يخضع له ويقبّل أقدامه ، ودخل مرّة على أرقطاي نائب صفد وكان يحبّه فشكا إليه حمّى حصلت له فاجتمع الكردي وانتفض ، وقال : قد تحمّلت عنك فقم ، فشفي أرقطاي لوقته ، وقام يمشي من ساعته.

ومنهم الشيخ علي المهداني كان سيدا عظيما ، اجتمع عليه القاصي والدّاني ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، يقول الحق وإن كان مرّا ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر وإن كان فيه القتل ، ولم ير أحسن منه حالا


عند ورود الحال عليه ، وكان صدوق اللهجة ، عظيم الهمّة لا يهاب جبّارا ، ولا يرهب منه ، فكان سيفا مسلولا على أهل الباطل ، وإذا ظهر له الحقّ خضع.

ومن الصالحين ولده سيدي الشيخ حسين القطّان ، الكبير القدر ، العظيم الشّأن ، أزهد من رأيت ، وأقرب إلى اتّباع السّنّة ، أجمع الناس على محبته واعتقاد ولايته ، يعطي ما وجد ، ولا يأخذ شيئا من أحد ، لي عليه راتب كل شهر رغيف أتغذى كل ليلة بربعه ، أجد بركته قال الشيخ عماد الدين الباعوني : هديت له خرقة ، فقلت : صلي عليها ، فتوقف فتوسّلت وتلطّفت ، فأخذها ومكثت عنده نحو سنة ثمّ تذاكرنا فتكلّمت كلاما أعجبه ، قام وخلع عليّ تلك الخرقة ، فقطعت بأنّها مطويّة كما أخذها ثمّ زرته بعد ذلك ، واستأذنته في زيارة امرأته فحصل لي خير كثير ، ورتبت لي رغيفا كلّ شهر فصار لي من بركتها كلّ شهر رغيفا من طعام أقطع بحلّه ، ولله الحمد والشّكر ، وقلت له يوما : مالي معلوم على وقف نبيّ الله شعيب عليه‌السلام ، وهو حلال لا شبهة فيه ، وأشتهي أن أرتّب لك في كلّ سنة غرارة قمح فقال : هذا ما تعوذته ، وأنا في غنية وكفاية ، فقلت : أحبّ أن تبيّن لي ذلك فقال : عملت في هذه السّنة بيدي خمسة وثلاثين درهما فأي غذاء يعوزني بعد ذلك ، وامرأته من الصالحين ، تأمره بالزّهد والقناعة رضي‌الله‌عنهما.

ومنهم الشيخ محمود المقدسي الولي المعمّر ، الورع المستضعف ، شيخ كبير القدر ، كثير التلاوة والذّكر ، شديد الصبر على الفقر ، لقي مرّة ألف درهم ، وهو مضرور إلى درهم واحد ، فبقيت عنده سنة كاملة يعرّفها حتّى جاء صاحبها فأخذها ، وكان مجاب الدعوة ، وجدت بركة دعائه.

ومنهم الحاج داود بن جماعة التّرعاني ، فقير عالم صالح شديد الورع ، كثير الاجتهاد ، لم يسمع القرآن أحسن منه في وقته بهذه البلاد ، من مثله ،


إذا قرأ زلزل العقول ، وحرّك القلوب ، وكان الشيخ فرج يعظّمه ، ورأى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكان : داود بن جماعة بوابا له ، ويفتح فرج يدخل ويخرج في المصالح.

ومن السّادات الأكابر من طال عمره ، وهو على فعل الخير مثاب ، وشهد له بالفتوّة ذوو الألباب ، الشيخ فيض الخطاب النّاصري ، كان حسن الأخلاق ، كثير الإنفاق محتفلا يخدم الفقراء ، والواردين من الغرباء ، ويقوم الليل غالبا ، ويصبح صائما ، ثمّ يذهب فيحتطب ويبيعه ويشتري طعاما ويطعمه للناس ، من عرفه ومن لم يعرفه ، وكبر سنّه وضعف ، وهو على ذلك رحمه‌الله ورضي عنه.

ومنهم الشيخ خليل بن داود التّرعاني ، كان من السّادات ، وكان الشيخ فرج يذكر لأصحابه بطلب الدعاء ، وقال : إنّ شخصا رأى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والحاج داود يسأله الدعاء ، فقال له النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : استجاب الله دعاءك ، كان يقصد لطلب الدعاء.

ومنهم الشيخ المجذوب ، المنور المحبوب ، صاحب الهمّة العالية ، والنّفس المطمئنة الزكيّة.

والمقلة الهامية ، الرّاضي بالخمول ، والمعرض عن ما يفنى ويزول ، والهائم في الله ، والقائم بالله أخي وصاحبي ، الشيخ علي الباعوني ، كان من السّادات ، وله محاسن وكرامات ، وكان يصحب والدي في طلب العلم ، ويصحب شيخنا أبا بكر بن تقيّة في المجاهدة ، ثمّ رأيته بعد ذلك كدرة مضيئة ، نوره ظاهر ، وفضله متكاثر ، وبه تخرج ابن أخيه الشيخ عماد الدين ، وهو من الرّجال المعدودين ، صاحب عفاف ودين ، وورع وتمكين ، و (لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٢٩) جنيد العصر (٣٠) ، وحيد الدّهر ، كبير القدر ، جميل الذّكر ، نافع العباد ، دافع الفساد ، حسن الإرشاد ، كثير الإعانة والإرفاد ، ختم الله لي وله بالحسنى ، وجعلنا من عباده الذين اصطفى.


ومنهم الشّفوق الودود الوافي بالعهود ، المذكور بين الرّجال ، كثير الصيام والقيام والذّكر والسّجود ، المعروف بالمحاسن والموصوف بالجود ، الشيخ داود ، ذي الفضائل الشّهير بابن كامل ، هاجر إليّ من عجلون ، وحلف أن لا يفارقني حتّى المنون ، فصدق فيما قاله ، وهجر وطنه ورجاله ، وكان أشفق الناس عليّ ، وأعزّهم لدي ، يظهر الغنى لطيب قلبي ، ويكثر الثناء بين صحبي ، يأكل من كسبه ، ويقبل على خدمة ربّه ، رآه بعض الالزام بالمنام ، فأخبر بأنّه في الجنة ولله الحمد والمنّة.

ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن مؤمن الكفر كناوي ، العظيم الشّأن في هذا الزمان ، له كرامات مشهورة ، وأحوال عجيبة مأثورة ، ويتكلّم بأمور غريبة ، والأكابر يقولون أنّه من المتمكّنين المتصرّفين أصحاب العزل والولاية ، فتح عليّ منه مرّات ، ويحكي عن البلدان والمحلات ما لو حضرها الإنسان ووصفها وهو يشاهدها لم يتمكن أن يقول كقوله ، ومع ذلك فمعلوم أنّه لم يخرج من بلده ظاهرا قط ، وصرخ وقال : صلّيت الجمعة خلفك مرّات ، وكل وقت يجهز لي إشارة غريبة فتظهر بعد مدّة ، وكل من رآه يقول أنّه رآه مرّات وحاله موهبة ، وطريقه السّخاء وسلامة الصدر ، ويحفظ القرآن ويتكلم في العلوم على المذاهب ، وينقل من الكتب ولا يعرف له اشتغال ، وأحواله ومكاشفاته ظاهرة لكل أحد ، يتحدث بها العام والخاص.

حكى جماعة من أهل الصّدق والأمانة أنّهم جاؤوا إليه ، وقالوا : ادع لنا ، وهل لك حاجة إلى دمشق ، فقال : سلّموا على الشيخ أحمد الحبّال ، قالوا : فسألنا عنه ، فلمّا جئناه وقال : اجلسوا ، أنتم من عند الشيخ عبد الرحمن من كفركنا ، فقال : ايش حاله؟ فقلنا يطلب دعاءك ويسلم عليك ، فقال : قولوا لي بظهر الغيب ، فإنه من الأولياء ، فقالوا : أين رأيته؟ فقال : من أربعة أيام كان عندي ، وهو متوجّه إلى الرّها فهل جاء؟ فقلت : والله ما خرج من بلده قط ، فضحك وقال : سلّموا عليه.


وحكى جماعة أنّهم حجّوا ، فلمّا كانوا قريبا من منزلة هدية خرجت غارة فرسان فخرج الحاج وتصارخوا ، فقال فقير : يا شيخ عبد الرحمن ، فصرخ فقير ثاني : هذا الشيخ عبد الرحمن على هذا الجبل ، وهو يقول : لا بأس عليكم وانهزمت العرب ببركته.

ومنهم الشيخ إسماعيل بن حمام الحصيني ، عظيم الشأن ، كبير أصيل ، كان من أحسن الناس خلقا ، وأوسعهم صدرا ، وأسخاهم نفسا ، وأرضاهم بأحكام الله ، وكان الشيخ فرج يركن إلى أخباره في اليقظة والمنام ، وينوه بذكره بين الأنام.

ومنهم الشيخ عبد القادر الحصيني ، كان عظيم العبادة ، كثير المجاهدة ، شاع عنه أنّه كان يقوم الليل يتهجّد في كلّ ليلة بالقرآن كلّه ، وقالوا : لم يكن في وقته أعظم اجتهادا منه مع الورع والعزلة ، والاشتغال بالله عزوجل.

ومنهم الشيخ يعيش الصّفوري ، كان هو ووالده من الصالحين الأخيار ، والقانتين الأبرار ، فتح عليهما بالمعرفة بالله عزوجل ووفقا للأعمال الصالحة ، وأعينا على الورع والاجتهاد ، ويسرا للعبادة ، ووجوه الخير حتّى فاقا أهل زمانهما.

ومنهم السيد الجليل ذو العبادة والتّحصيل ، والمحبّة للملك الجليل ، الشّفوق على إخوانه ، القامع لنفسه وشيطانه ، ذو السّخاء والمكارم ، ومن المعروف قائم ، ومن لا يأخذه في الله لومة لائم ، الشيخ قاسم العكبري ، له كرامات وأحوال وإشارات وأقوال ، عاش سعيدا ومات شهيدا ، وأخوه الخطيب شمس الدين من الأخيار الصالحين ، صاحب صبر وعبادة ويقين ، كسبه من عمل يده ، وسرّه في انقطاعه وتفرّده ، وله منامات باهرة ، وصفات فاخرة ، سلّمه الله في الدنيا والآخرة.

ومنهم الشيخ الجليل ، والسّيّد النّبيل ، العالم الرّبّاني ، الشيخ علي


الثوراني ، كان من السّادات الأكابر الصالحين الأماثل ، عالما عابدا زاهدا ، ورعا مجتهدا ، صوّاما قوّاما ، لطيفا مهابا ، ربي على العبادة ، فاق على الاجتهاد ، بلغني أنّه كان يصلّي بين الظهر والعصر مائة ركعة ، وكان يحيي الليل بالعبادة من الصلاة والاشتغال بالعلم الشريف ، والذّكر والتّلاوة ، ومات شهيدا سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.

ومنهم أخوه الشيخ سليمان صاحب المحبّة والعرفان ، كان كبير القدر ، جميل الذّكر ، ملازم الجامع الكبير ، لإقراء القرآن على الدوام ، وله أحوال سنيّة ، وأعمال رضيّة ، واتفق له حكاية هي أعظم كرامة ، وذلك أنّي توجّهت يوما إلى الجامع الظّاهري ، فوجدته في الصحن البرّاني جالسا في الشّمس ، وعنده جماعة من أصحابنا الفقهاء والفقراء ، فجلست معهم فتحادثنا وتآنسنا وإذا بالطّواشي محسن بوّاب التّربة السيفية أرقطاي قد جاء ، وجلس إلينا فقال الشيخ سليمان : يا طواشي نحن في ضيافتك فإنّا على باب مدرستك ، فقال : ما لي بك حاجة ، فحصل للشيخ سليمان حال وبكى ، وقال : نحن في ضيافة رب العالمين الذي قال «يا عبادي كلّكم جائع إلّا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم» اللهمّ فو الله ، والله ، والله ، إنّه لفي دعائه وإذا بطائر عظيم يحمل رغيفا سخنا ، فوقف على رؤوسنا ، ثمّ ألقاه بحجره ، فتصارخنا وتباكينا وكانت ساعة ما أعظمها من ساعة ، ثمّ أشار الجماعة بأنّ التصريف بأمر الرّغيف يكون على ما أراه ثمّ وضعه في حجري ، وإذا بالشّيخ سعيد المغربي أحد السّادات المعروفين بالخيرات ، السّائرين في الفلوات قد جاء ، ولم يكن علم بما اتّفق ، وقال : أعطوني الرّغيف فقلنا : أي الرّغيف؟ فقال الذي نزل إليكم ، فقلنا : من أين علمت؟ فقال : أنا جائع وما أنا عنكم براجع ، فصالحناه على نصفه ، وقسمت الباقي بين الجماعة ، ونصيبي عندي إلى الآن في خرقة من قميص والدي ، وجبّة الشيخ فرج.


ومنهم ذو العبارة والإشارة ، الشيخ عمارة ، كان كبير القدر والشّأن ، عظيم الفتوّة والإحسان ، كثير المروءة في حقّ الإخوان ، ملازم التّلاوة للقرآن ظاهر الوضاءة ، عظيم المحبّة ، شديد الشّوق ، إذا قرأ أطرب ، وإذا ذكر رأيت منه العجب ، كان يتفضّل عليّ بالزّيارة ، فيحصل في الحال لقلبي استنارة ، ويحق اجتهادي ، وتسهل عليّ أورادي ، وتطمئنّ نفسي ويتجدد أنسي ، وله كرامات وأحوال لا تحصر ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ولا يخاف في الله لومة لائم ولا يحذر ، ولا يرهب من سلطان ولا يتكثّر بنفس ولا شيطان ، لا نفاق عنده ، ولا رياء ، والناس عنده في الحقّ سواء ، ومن كراماته حديث الجراد ، أخبرنا الشيخ شمس الدين خطيب عكبرا ، قال : كان أكابر الأولياء يعظّمونه ويكرمونه ، ويخضعون له ويحترمونه ، إن قام في أمر لم يعترضوا عليه وإن صدر منه شيء سلموا حاله إليه ، صحبته دهرا طويلا فانتفعت به سرّا وجهرا ، وحصل لي به الخير في الدنيا ، وأرجو أن يكون كذلك في الآخرة ، سمعته ينشد في بعض خلواته يترنّم وقلبه يخفق بما يتكلّم ، حتّى ظننت أنّ قلبه هو الذي يتكلّم ، وله حنين وأنين وهو يقول :

أيا ويح عذّالي على ما لاموا

وقد علموا أنّي سهرت وقد ناموا

أهيم بمحبوبي وما يعرفونه

ولو أنّهم ذاقوا الغرام ما لاموا

قضّى الله للعشاق أن يهجروا الكرى

كأنّ منام العاشقين حرام

فلو جزت بالوادي رأيت خيامهم

وأبصرت سوق الحب كيف يقام

ومات بالطاعون الكبير.

ومنهم الكبير القدر ، الجميل الذّكر ، المعمور بالنّور ، بقيّة السّلف وأنس الخلف ، صاحب الهمّة والاجتهاد ، ذو اليقظة والاستعداد ، ظاهر النّور بادي الحبور ، سيّدي الشيخ بريك المرجي اجتمعت به فأحببته ، وتحققت عندي منزلته.

ومنهم صاحب الإشارة والأسرار ، والمحبّة المزعجة عن الاستقرار


المتهتّك بين الأخيار ، والرّافع لوهمة الخجل ، والمكاشف الأستار الهمّام الطّيّار ، الشيخ يوسف الظّاهري ، ذو الكرم والسّماح والجذب والصلاح ، يتألف به الخلائق ، ويجتمع عليه أهل المذاهب والطّرائق ، لا يكلف أحدا ، ولا يأخذ منه ، ولو جاءه من جاءه قام في خدمته ولا يتأخر عنه ، فهو محبوب العلماء ، وشيخ الفقراء ، رأيته بمنام كنت فيه كاليقظان ، وهو طائر بين يدي عرش الرحمن.

ومنهم صاحب المحبّة والعرفان ، الشيخ محمد بن فتيان كان تاجرا ، وكان من السّادات الأخيار المتّقين الأبرار ، صاحب سكينة ووقار ، وبهجة وأنوار ، ووجه كالقمر ليلة التّمام ، وكلامه من ألطف الكلام ، كثير التهجّد والقيام ، والتّلاوة والصيام ، يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويتحمل الأذى والضّرر ، وكمل له ما حازه من شريف الخصال ، بأنّه مات موت الرّجال ، وهو جالس بين إخوانه ، مقبل على شأنه يوحّد الله ويثني عليه ، ويحنّ إلى لقائه ويتشوّق إليه حتّى مات ، وهو جالس يتشهّد ، ولم يتغيّر حاله ، ولم يتمدد ، وكانت له الحيازة المشهورة ، والفضائل المأثورة.

ومنهم ذو المناقب والمفاخر ، والمراتب والمآثر الشيخ محمد المصري التّاجر الكفركناوي ، كان عظيم الشّأن ، كثير الشّفقة والإحسان والمحبّة والعرفان ، جمع الخصال المحمودة ، والصّفات المقصودة ، من التّقوى والعلم والنّزاهة ، والحلم والزّهد ، والورع والعبادة ، والسّخاء وسلامة الصّدر ، وصدق اللسان والتّواضع ، والخشوع ورقة القلب والفتوّة والمروءة والعفاف ، والإنصاف وخدمة الفقراء ، والخضوع لهم كل ذلك مع الشبيبة وصغر السّن ، قال بعض الأكابر : كان ابن المصري كالكوكب الدّري ، وكالمصباح في الظّلمة ، وكالشجرة الخضراء في الهشيم ، يلازم أفعال الخير ، من الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، والبر ، والصّلة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذّكر والتّلاوة ، قال لي من أثق به : لا يعلم ببلادنا في هذا الزمان خيرا منه ، وكان له تهجّد كثير ، فربّما


يتهجّد في بعض الليالي بمائتي ركعة ، وكان يسرد الصوم ، وربّما يطوي اليومين والثلاثة يفطر فيها على الماء فقط ، وكان يطعم الطعام من عرف ، ومن لا يعرف ، ويطبخ للفقراء الطعامات المفتخرة ، وكان يحمل الفاكهة إلى بيوت الفقراء عند اختصاص المترفّهين بها ، وعمّر آبارا ، وسبلها ، واستنسخ كتبا وأوقفها ، وتنوّع في الصدقات ، وفعل الخيرات ، حجّ في بعض السّنين ، ومعه جماعة من إخوانه ، فأنفق ما كان معه ، وكان ذلك جملة ، ثمّ اقترض على ذمّته جملة كثيرة وأنفقها ، وحجّ مرّة ومعه قماش يتّجر فيه ، فتصدّق ثمّ أنفق باقيه ، وفي الجملة فقد أجمع على خيره أهل عصره ، زارني وزرته ، وشاهدت كثيرا مما ذكرته ، وتوفي شهيدا بالطّاعون سنة خمس وستين وسبعمائة ، مات ليلة الجمعة بعد فراغه من قراءة سورة الكهف ، وابتدائه بأوائل سورة الدّخان.

ومنهم صاحب المفاخر الشيخ علي التّاجر ، أحد أصحابي وأعزّ تلاميذي وأحبابي ، الولي الزّكي ، الخائف التّقي ، العارف البهي ، العالم العامل ، الحسام المشهور ، المعروف بابن قاضي صور ، صحبني دهرا فنلت به خيرا على قدم السّلف ، وأرجو أن يكون نعم الخلف.

ومنهم المحبّ الصادق صاحب الإشارات والدقائق ، قطع العلائق ، وسلك أحسن الطّرائق ، فهو حبيب الفقراء ، وطبيبهم الشيخ علي القديسي ، أحد السّادات الأعلام ، صاحب إشارة وكلام ، وكشف ظاهر ، وحال باهر ، صحب الأكابر ، وأجمع على فضله الأوائل ، والأواخر أخونا في الله وحبيبنا في الله ، رأيت له أمورا خارقة ، وأحوالا صادقة.

ومنهم الكبير المعمّر ، والطّيف المنوّر ، ذو الوجه الأزهر ، والقلب الأطهر الشيخ غزي الطّائف ، صاحب الأحوال واللطائف ، صحب الأكابر وصحبوه ، وعرفهم وعرفوه ، وكان له حال غريب ، وسر عجيب ، ثمّ ابتلي آخر عمره وتمام أمره بمرض أقعده ، وعن الخلق أبعده ، وإلى الدّرجات العاليات أصعده.


ومنهم الشيخ جمال الدين يوسف ، إمام الجامع ، ومن هو للخيرات جامع ، له لسان فصيح ، وبيان صحيح وطريق مليح ونفع ، له كلمات لطيفة ، وإشارات طريفة ، وعنده تحقيق وتدقيق ، ومنافسة لأهل الطريق ، يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ولو كان على رأسه السّيوف ، كثير التّلاوة للقرآن ، حسن المواساة للإخوان.

ومنهم الشيخ شمس الدين ، بركة المسلمين واللطف والدين ، أحد الفقهاء والصّوفيّة ، إمام المدرسة السّيفيّة ، فضائله مشهورة ، وأعماله مشكورة ، ولطفه موصوف ، وطريقه الحسن معروف صحب الشيخ صفي الدين ، فخرج به حتّى صار من المفلحين ، ولزمه طول حياته ، واستقرّ على وظائفه بعد مماته ، وأحيى المدرسة بنفسه وبأولاده ، وانقطع محصّلا لزيادة الذي ينفعه في معاده ، فليله ونهاره في تلاوة القرآن ، وطريقه نفع الإخوان ، فشكر الله مسعاه ، ونفع به وأبقاه.

ومنهم الأخ في الله ، الشّفوق والمحبّ الصّدوق ، والنّطق المستقيم ، والكشف الظّاهر ، غريب المقال ، ظاهر الحال ، سخيّ اليد ، شريف النفس ، ليس له ثقلة على أحد ، ولا يرتبط لأحد ، تألف بي بعد نفوره ، وأقام عندي لعدم اعتراضي عليه في جميع أموره ، يعطي ولا يأخذ ، ويخدم ولا يخدم ، كان في أوّل أمره مولها بلطف وظرف ، يرى في قوّة الشتاء ، إذا تراكم الثّلج وأطبق بقميص واحد ممزق ، ولو وافق في لبس ما يدانيه لتنازع أصحابه وتساهموا فيه ، ولقد مسكوه مرة بقيساريّة التّجّار ، وربّما غلقوا الأبواب حتّى ألبسوه ثوبا جديدا عمله له بعض الأصحاب ، وكان أول صحبتي معه أنّه كان يحضر معي في دروسي ، فإذا فرغنا من التّدريس وضع من كمّه في الحلقة تمرا ولوزا ونحوه ، من مأكل لطيف نفيس ، ودام ذلك مدّة ، فأخذت به أنسا ، وتأكّدت الصّحبة ، فلمّا كان بعض الأيام أخذ منّا المقر الرّكني أمير عمر الحمام ، فحصل وجعه ، فجاءني وقال : مرض أمير عمر وولده ولا يتعافيا حتّى


يرد الحمام إليكم فهل عندكم به أوراق؟ فقلت : نعم ، فقال : روح إلى زيارته وأعطه الورق يقرأه ، فقرأه فقلت كما قال ، فأثر أثرا عظيما ، وفي الحال رد الحمام ، وبالغ في الإكرام ، وقعد في الحال ، وقال هذا المرسوم بخط والدي ، ولن أخالفه ، وادخل إلى عيادة ولدي ، فذهبت فدعوت وبكيت ، وقد حصل ببركة الشيخ أحمد ما طلبت ورجوت ، ثمّ قبل موت القاضي الذي كان قبلي بيسير ، شرع يبعث ويقول بحضرة الكبير والصغير : أنت القاضي عن قريب ، فأبدي له كراهة هذا القول العجيب ، فيقول وأنا أبشرك ، الفقراء قالوا ذلك ، فأقول بيني وبينه : هذا الأمر يبلغ القاضي ، ويشق عليه ، ثمّ جاء في بعض الأيام ، وقال : القاضي مرض ، فقم إلى زيارته ، ثمّ عد إلى الجامع ، فأذا صلّيت العصر فاذهب إليه ، فإن كان باقيا فزره ، وإن كان مات ، فصلّي عليه ، وأنت القاضي بعده ، ثمّ مضى لسبيله ، فكان الأمر كما ذكر ، ومضيت مع أخي القاضي أسعى ، فتوليت فيا ليتني مت قبل ذلك يا ليت.

ومن أعجب ما اتّفق لي معه ، أنّ شخصا ذهب يسعى في القضاء عوضي بذهب كثير جمعه ، وشاع أن شغله القضاء ، ورأيت كلّا من أصحابي قد ذهب ومضى إلّا أحمد ، فإنّه ملازم لا يأكل ولا يشرب ، وليس بصائم ، فلمّا كان بعض الليالي طرق الباب بإزعاج ، وقال : مات العفيف ، وراح المال ، فكان الأمر كما أخبر ، وغرق ذلك الرّجل في البحر ، ولم يزل تظهر له أحوال لا يمكن التعبير عنها ، وأقوال يتعجّب منها ، ورأيت بمنامي كأنّه في مرجة مونقة بالأشجار محدقة وهو يتبختر في مشيه وعن يمينه وعن شماله سباع يسعون بسعيه ، ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمنام ، فتقدّمت للسلام عليه ، وإذا بالشيخ أحمد قد سبقني إليه وسلّم عليه وعانقه ، وكأنّني أنظر إليه يطبطب عليه ، ويقبّل عنقه ، وفي الجملة فأحواله ظاهرة ، وأرجو كما انتفعت به في الدّنيا أن أنتفع به في الآخرة.


ومنهم صاحب الفراسات الصادقة ، والكرامات الخارقة الشيخ صالح الشّجري ، من سادات القوم وأكابرهم ، وممّن عرف بالصّدق بين أوائلهم وأواخرهم ، ركبت مرّة على البريد مع نائب صفد المقر الشّهابي ابن صبح ، فدخلنا إلى الشجرة قرية الشيخ صالح بعد مشقة لشدّة الحرّ ، فنزل العسكر بعضه ، وحصل لهم مشقة من العطش ، ولم يتجرّأ أحد من العسكر أن يطلب ماء من البلد ، فإنّه نودي أنّ من طلب رغيفا أو بيضة أو تينا يضرب ويحمل إليه ، فما استقرّ بي الحال إلّا والشيخ صالح قد جاء إلى عندي ، ولم يكن أحد أعلمه بي ، ومعه بطّيخ أخضر يحمله ، ومع الشيخ الولي سليم الشّجري جرّة ماء ، فسلّم وسأل وقال : لو رجعت من ها هنا استرحت فضحكت ، وقلت إن كان بعد عشرين يوما ، وإذا بالنائب قد دعاني ووجدته بالقرب منّي ، وقال : قد رأيت رجوعك مصلحة ، وأنا لا أبطىء أيضا ، ولكن الساعة تسافر فلي في ذلك ضرورة ، ثمّ جهز صحبتي جماعة من مماليكه الكتابيّة ، وقال : لا تمكّنهم من النّزول إلّا في حطّين ، فو الله لقد رجعت لساعتي ، والشيخ صالح والشيخ سليم عندي لم يرجعا ، فودّعاني وانصرفا فشكرتهما على ما أسلفا ، وقد كان رحمه‌الله من أكابر الصالحين ، وولده إبراهيم أيضا من الصالحين.

وأخبرني الشيخ خليل خادم أولاد الأنبياء بقرية الشّجرة ، أنّ الشيخ صالح كان بالقدس الشريف ، وأنّه وجده بين الظّهر العصر داخلا في أراضي الشجرة ، فقال له : سألتك بالله أن تخبرني من أين قمت اليوم ، فقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ، قمت من القدس الشريف ، ولكن لا تظهر ذلك إلّا بعد موتي ، فعاش بعد ذلك سبعة أيام.

ومنهم أخوه في الله وصاحبه الشيخ سليم ، صاحب المقام العظيم ، والرّضى والتّسليم ، كبير الشّأن عظيم القدر بين الإخوان ، سليم الصّدر ، طاهر اللسان ، عجيب الأمر ، ظاهر النّور ، دائم الفكر ، كثير الذّكر ،


راسخ في الصبر والشّكر ، شديد الخشية مع السّكون والرّياضة ، والحظ الزّائد من الورع ، وكان الشيخ فرج يقول : الشّيخ سليم سليم ، ثمّ زرته في هذه الأيام ، فوجدته كالقمر عند التّمام ، قد تضاعف نوره ، وترادف خيره ، وظهر لي منه فوق ما كنت أسمع عنه ، وهو باق إلى الآن قدوة لأهل الإيمان ، ثمّ دعاه مولاه إلى جنّاته ، فانفجعنا والله لوفاته.

ومنهم السيد الكبير المعمّر الخاشع اللبيب ، المنوّر ذو المهابة والإنابة ، المعروف بالدعوة المستجابة ، صاحب الإشارات والمعاني ، الشيخ محمد الترعاني ، من ذريّة الشيخ علي البكّاء وصاحب الكرامات التي تحكى ، والعظيم الفتوّة ، خير الإخوة ، أبقاه الله لنفع المسلمين ، فإنّه ينظر إلى الخلق بعين الرّحمة.

ومنهم الأخ الصّدوق والولد الشّفوق ، صاحب المناقب والمآثر ، وصدق اللسان والقلب ، فهو مليح الباطن والظّاهر ، سيّدي الشيخ عامر الطّبري ، ذو اللفظ الجوهري ، ومن هو من الوصومة قد بري ، من أجّل أصحاب سيّدي الشيخ فرج ، وأعظمهم وأحبهم وأكرمهم يعظّمه في غيبته وحضوره ، ويتولّى بنفسه جميع أموره ، وإذا جئنا إلى زيارته ، وحظينا بمشاهدته يقول : زرتم الشيخ عامر؟ فنقول : نعم ، فيقول : الحمد لله الذي وفّق ، ثم جاء يوما إلى عندي ، فوجدني غائبا بالدّرس ، فوضع متاعه بمقصورة الخطابة للمحبة والأنس ، فجئت فوجدت قد نشر بها شحما ودهنا ، فقلت : من فعل هذا؟ فقال : أنا ولو علمت بما أبشرك لنشرت معي لعظم السّرور والهنا ، ثمّ قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنامي من أقرب زمان ، فقلت : يا رسول الله ادع لفلان ، فقال : خطيب صفد العثماني؟ فقلت : نعم ، فقال : ذاك من أصحابنا ، فبكيت سرورا ، ورجوت نيل الأماني ، ثمّ أقبلت أنشر في الدّهن معه ، وقلت يا له من دهن ما أبركه وأنفعه ، وله كرامات وعبادات ودعوات مستجابات.


ومنهم الشيخ محمد المارني الطّبري ، أحد الأولياء المقرّبين ، وعباد الله الصالحين ، من أجّل أصحاب سيّدي الشيخ فرج ، كنّا نأتيه للزيارة من صفد ، صحبة جماعة من الأخيار ، فنجده في الطريق نتلاقى ، وله أحوال عجيبة روح بلا نفس ، ويقين بلا لبس ، ميت بين الأحياء ، وهو حي بين الأموات ، إن حضر في جمع صمت ، وإن خلي تضرّع ، مجمع على محبّته ، متّفق على جلالته.

ومنهم الشيخ سيدهم الرّومي ، أحد السادة المشهورين ، والأخيار المعروفين ، له طريقة وأي طريقة ، جمع فيها بين الشّريعة والحقيقة ، وكان ولده الشيخ داود من الصالحين المشهورين الورعين المتّبعين.

ومنهم الأوحد في الورى ، والسّيّد الذي زكا ، لطيف الذّات ، جميل الصّفات ، صاحب المكانة المكينة ، الشيخ أحمد خطيب البعينة.

ومنهم التّقي الخفي ، المحب الوفي ، الصّدوق القائم بالحقوق ، من له قديم أيادي ، الشيخ أبو بكر البغدادي [الملتزم] بطريقته إلى الممات.

ومنهم السّيّد الأفضل ، الإمام المفضّل ، الجامع الأكمل الأنور الأكحل ، البريء من العيب والمقت ، الشيخ أحمد خطيب كفرسبت ، من أجلاء أصحاب سيّدي الشيخ فرج ، وعلى طريقته مشى ، وإلى درجاته درج ، فهو بقيّة السّف ، وبركة الخلف.

ومنهم الشيخ نجدة الزّيني ، كان من السّادات ، وأرباب المجاهدات ، المعروفين في إقامة حدود الله ، واتباع سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صاحب حال وقال ، يعدّ من أعيان الرّجال.

ومنهم الكبير الشّأن ، قوي الإيمان ، المعدود من الأكابر والأعيان ، الشيخ علي بن رمضان ، خادم سيدي الشيخ فرج ، ومن أجلّ أصحابه ، وهو وصيّه على أولاده ، كان لا يصدر إلّا عن رأيه واجتهاده ، وله في الورع والتدقيق مقام بمثله يليق ، اقترض من نصراني بالفيّوم درهما ، ولم


يتمكن من وفائه لغيبته فكان يبكي على ذلك دائما ، ثمّ سافر خلفه ثلاثة أقاليم حتّى ظفر به ، وبرئت ذمّته ، بالدفع والتسليم ، وكان لطيفا سخيّا ، حليما حييا ، وله مجاهدات ، وأقاويل ودخول مع المشايخ في تيه بني إسرائيل.

ومنهم صاحب العمل المبرور ، والورع المشهور ، والفضل المذكور خطيب تعنك من المرج ، المعروف بالفقيه منصور ، أجلّ أصحاب سيّدي فرج ، بل من أقرانه ، قليل المثل في عصره وزمانه ، له معرفة وقدم في الورع ، اجتمعت به بجينين وصفد ، فوجدته هائلا كالأسد ، ويقال انّه من أهل الخطوة ، وهو معروف بإجابة الدعوة ، وكاشفني بأشياء غريبة ، واطّلعت له على أسرار عجيبة معه ، وحكى الجماعة أنّ الشيخ فرج تزوّج امرأة من أحضاض ذات جمال وشبيبة فقيل له : من يحضرها من النّساء ، ومن يصحبها من الرّجال الأقارب؟ فقال الشيخ : الفقيه منصور وحده (يقوم) باحضارها ، ثمّ جهّزه فأحضرها ، لوثوقه بدينه وورعه ، وعفّته وشرف نفسه.

ومن السّادات الأعلام ، وأكابر الأقوام سلطان الفقراء ، وخاتم الأولياء ، صاحب الجود والمكارم ، زين الدين عمر بن الصّارم ، قدوة العارفين ، وأمير المتصرّفين ، يبذل ولا يقبل ، ويقنع بما بيده ، مع البر والإيثار ، في الليل والنّهار ، عظيم الزّهد ، كثير العبادة ، ظاهر المهابة ، معروف بالإجابة ، بركة عصره ، ونادرة دهره ، سخيّ اليد ، طاهر اللسان ، يقظان القلب ، دائم الخلوة والفرار ، قد آثر الله على كلّ شيء ، استغنى عن الناس لقنعه ، وافتقروا إليه لنفعه ، فسبحان من الفضل بيده (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) (٣١). الآية ...


القسم الثاني :

المنسوبون إلى العلم والسّيادة

فمنهم الشيخ نجم الدين ، والد الشيخ كمال الدين خطيب صفد ورئيسها ، وعالمها ومظهر العلم فيها ، انتهت إليه الرّئاسة في بني الكمال ، وحاز من المحاسن ما يقصر عن وصفها المقال ، مولده في رجب سنة ثمان وخمسين وستمائة بكرك الشّوبك ، أيام التّاتار ، ثمّ توجه مع والده إلى صفد ، ونشأ بها ، وقرأ القرآن الكريم ، ثمّ رحل إلى مصر في طلب العلم الشريف ، فتفقه وأتقن علم الأصول على الشيخ شهاب الدين بن النّحّاس ، وحيد عصره ، وأتقن الكتابة بالأقلام المشهورة على الشيخ عماد الدين بن العفيف ، شيخ الكتابة في عصره ، وكان يحفظ القرآن والتّنبيه في الفقه ، والمعالم في الأصلين ، وألفية ابن معطي ، والجمل للزّجّاجي ، والجزليّة في علم النّحو ، والمقامات الحريرية ، والخطب النباتية ، ويحفظ العين ، والمنطق ، ومن الحماسه نحو ألفي بيت ، إلى غير ذلك من أشعار المغاربة ورسائلهم ، ومن أشعار غيرهم مثل : أبي تمّام ، والمتنبّي وغيرهما من الشّاميين ، والمصريين ، والمشارقة ، فحضر من مصر وقد حصّل ، واجتمع بالأطواد من علماء تلك البلاد ، ثمّ رحل إلى دمشق فلقي جماعة من أئمّة العلماء : كالشيخ رضي الدين ، والنّعمان فذاكرهما ، وأخذ عنهما ما أخذ من علم المنطق ، فحصل له التّفنّن في علم الشّريعة ، والعقلية ، والأدبيّة ، وأوتى قوّة عظيمة في البحث ، فكان حسن الصّمت فصيح اللسان ، وحيدا في الخطابة لم يكن في عصره ، على ما ذكر ، أخطب منه ، ولمّا قدم الأمير فارس الدين الألبكي إلى نيابة صفد اشتمل عليه وأحبّه ، فرتبه في وظيفة كتابة السّر بصفد ، ولم يكن قبله في هذه الوظيفة أحد ، بل عملت لأجله ، فباشرها مبسوط القلم واللسان مدّة نيابة المذكور ، فلمّا كانت نيابة سيف الدين كراي المنصوري باشر معه ، فاطّلع على علمه وضبطه وديانته ، فعظم عنده ، وألقى إليه مقاليد الأمور ، واعتمد


عليه في سائر الأحوال ، فلمّا فارق النّيابة وحضر بتخاص وكان الشيخ نجم الدين المذكور قد تخرّج به جماعة ، منهم إنسان بصفد يقال له زين الدين بن حلاوات ، فدخل ابن حلاوات في بتخاص من جهة الدنيا ، ورأى بتخاص شرف نفس الشيخ نجم الدين ، وعلوّ همّته وصلابة دينه ، وثقل عليه ، فلمّا أظهر له الوحشة ، فجافاه الشيخ نجم الدين ، وأظهر له نفس (الوحشة) فوقع بينهما ، فترك الشيخ نجم الدين الوظيفة ، وتوجّه إلى دمشق فتلقاه الجوكندار ، وأكرم مثواه ، وبالغ في الإحسان إليه ، ثمّ بلغ الخبر بولاية كراي المنصوري لنيابة الشام ، وسمع بالشيخ نجم الدين ، فأرسل إليه أن يحضر لملاقاته ، فلمّا باشر نيابة الشام ، ألقى إليه مقاليد الأمور بالشام ، وصار له في أيام كراي دولة ، لكنّه سلك طريق العفاف ، وعدم المزاحمة لأكابر الشام في وظائفهم ودنياهم ، وقنع بخطابة جامع جراح ونظر مسجد النارنج ، وتوقيت دست مع وكالة نائب الشام ، فحصل على السلام في جميع أحواله ، سيما عندما مسك كراي.

أخبرني والدي أنّهم كانوا بالبستان ، فجاء شخص من أكابر الشام يدخل عليه في شغل ، أحضر بقجة فيها صوف وسنجاب ، وذهب مائة دينار ، ولم يكن يملك تلك الليلة درهما واحدا ، فردّ ذلك عليه ووعده بقضاء شغله ، قال والدي : ثمّ التفت إليّ ، وقال : يا ولدي خذ خاتمي وارهنه على زيت فإنّه لا زيت في البيت ، وإلى الآن هم في الظلمة فتوقفت غضبا ممّا جرى ، فقال : ستحمد فعلي هذا فيما بعد ، وكان قد لقيه ذلك النهار بعض الأكابر وعاتبه ، وقال : أنت رجل فقير ، ولك أهل وأقارب ، وقد حصل لك دولة ففكّر في مصلحتهم ، وأقبل هدية أصحابك ، فشكر نصيحته ، ولم يغيّر طريقته ، ثمّ مسك كراي وأمسكوا أكابر أصحابه ، ولم يتعرّض أحد إلى الشيخ نجم الدين ، لحسن طريقته فيما تقدّم ، واستمرّ في وظائفه وأحسن الشّاميون إليه ولم يقدر أنه قبل لأحد هدية من غير موقّع الرّحبة ، قدم له دواة ومرملة ، وقال :


أنت مضرور إلى ذلك ، وحلف عيه بالطّلاق لا بدّ من ذلك ، فأخذها عارية ، فلمّا مسك كراي جاء فشكا للنائب بأنه أخذ له دواة ومرملة وكان بعض الأكابر مطّلعا على الحال فحكى لنائب الشام فضرب موقع الرّحبة وعزله.

قال والدي : فقال : يا بني أبصر لو أخذنا الذهب والقماش كان صاحبه يطلبه أم لا ، وتحصل الفضيحة والتّعب فلذلك صبرت على رهن خاتمي وما ضرّنا ذلك ، ثمّ عزل بتخاص من صفد ، فاختار العود إليها على كتابة السرّ والخطابة بالجامع الظّاهري ، مكان والده ، واستقرّ أخوه برهان الدين إبراهيم الآتي ذكره في خطابة جامع جرّاح ، ثمّ وقع بينه وبين ابن حلاوات أمور يطول شرحها ، ثمّ أشرك بينهما في الوظيفتين ، وخطابة القلعة ، وطال الأمر ، فبلغ الأمير سيف الدين تنكز حين تولّى نيابة الشّام ذلك ، وكان الشيخ نجم الدين قد امتدحه بأبيات عظيمة أعجبته ، وذكر له فضله ودينه ، وورعه ، فطلبه وعرض عليه الإقامة بدمشق ، فقال : بل قصدي الخطابة ويأخذ ابن حلاوات كتابة السرّ ، فجمع بينهما بدمشق بين يديه وقال : أقرع بينكما ، فجعل كتابة السرّ بخمسمائة ، وجعل خطابة القلعة والمدينة بخمسمائة ، ثمّ خير الشيخ نجم الدين فاختار الخطابتين ، فقال لا بدّ من القرعة ، فاقرع بينهما ، فخرجت الخطابتين للشيخ نجم الدين ، فقال تنكز : الله أكبر قد جعله الله خطيبا ، فكتب إلى مصر أحضر له توقيعا بالخطابتين ، وهو عندي وأحضر أخاه برهان الدين لخطابة القلعة ، واستقرّ هو بخطابة المدينة ، ثمّ انقطع إلى الله عزوجل في طلب العلم الشريف اشتغالا واحتسابا ، حتّى وصل خبره شرق الأرض وغربها ، ولم يزل كذلك إلى أن مات ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، وسنّة خمس وستون ، مات أخوه فجاء حضر ختمة ، ثمّ قام منها ووصل إلى بيته فمات من ساعته ، ومن عجيب ما اتفق أنّ جدّنا الشيخ كمال


الدين ، وولده الشيخ برهان الدين مرضا بالفالج كل منهما أربع سنين وماتا به ، والشيخ نجم الدين وولده كمال الدين ماتا فجأة ، وأمّا الشيخ نجم الدين كما ذكرنا ، وأمّا الشيخ كمال الدين وولده فصلّى الصّبح بالناس ، ثمّ دخل إلى بيته فمات من ساعته ، وولدي وولد أخي علاء الدين ماتا بذات الجنب رحمة الله عليهم أجمعين ، ولمّا مات رثاه جماعة من أصحابه ، ومن تلاميذه ، ومن ألطفها نظم القاضي شمس الدين بن الحافظ ناظر الجيش أنشد على قبره يقول : شعر :

تجلّت له في سرّه ليلة القدر

فنقطها بالرّوح من شدّة البشر

تبدت له والليل قد فاق شطره

فلم يستطع صبرا إلى مطلع الفجر

إمام قضى في خدمة العلم عمره

فاعتقه الرّحمن في آخر العمر

يحث إلى جنّات عدن ركابه

فسارت كأمثال البروق التي تسر

فلا قلب إلّا وهو سار وراءه

ولا عين إلّا كالعيون التي تجر

ولم ينشب بابنه بعده بكت عيون

المعالي فقده أبد الدّهر

فأكرم به نجما أضاءت علومه

وكان هدى للنّاس في البرّ والبحر

لئن أوحشت من مجالسه أنسه

ومنبره فالأنس قد حلّ في القبر

على أنّه لو كان في الموت حيلة

تحيلتها من حيث أدري ولم أدر

ولكنّني في العجز عن ردّ ما جرت

عليه به الأقدار في أوسع القدر

ورآه صاحبه القاضي شهاب الدين الوكيل في منامه على هيئة حسنة ، فقال له : ما فعل الله بك؟ فقال : أحضرني بين يديه وقال لي : يا شيخ ما أنت عندنا لا بقال ولا بزّاز ، بل أنت عندنا من العلماء ، ثمّ قال لي : ادخل الجنّة ، فدخلتها.


وفي الجملة ففضائله كثيرة ، ومآثره غزيرة ، وله نظم بديع رائق يخال في الفصاحة في الأشياء من شعر العرب العرباء ، فمن قصيدة لطيفة المباني ، غزيرة المعاني أوّلها يقول : شعر :

روت حديث الهوى عنكم نسيمات

أهدت شذا فيه للأرواح راحات

حيت فأحيت بقايا أنفس تلفت

وجدا فيا حبّذا تلك التّحيّات

وهي قصيدة مطوّلة ، امتدح بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن قصيدة أخرى مطوّلة منها هذه :

رفقت بدمعك المتدفّق

لمّا تألّق بارق الأبرق

ومن قصيدة أخرى في مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

في البرق لمعت حسن من ثناياك

وفي الغمام صفات من معناك

وفي معنى نسيم الصّبا معنى كلفت به

لمّ تحمّل نشر روياك

في غصون النّقا إذ ملن من طرب

سر سرى نحوها من لطف معناك

هي قصيدة مطوّلة ، ومن قصيدة أيضا مطوّلة كتبها إلى المقر السّيفي تنكز نائب الشام ، حين عوده من الأبواب الشريفة أوّلها يقول : شعر :

بلج الحق لمّا أن أضاء لنا

وميض سيف تبدّا منه أي سنا

ومن قصيدة مطوّلة كتبها إلى القاضي محي الدين ابن فضل الله ، رحمه‌الله تعالى ، وهي هذه :

وردة صحيفة أي فضل باهر

محفوفة بمآثر ومفاخر

وبدائع زهريّة وطلائع نهريّة

حيث ينشر عاطر

عوارف علويّة ومعارف علويّة

ومشاعر ومظاهر


ولوامع قدسيّة وطوالع شمسيّة

وموارد ومصادر

فأمد نور الشّمس نير فضلها

حتّى تبلج صبحها للسّائر

جادت سحائبه بأغزر وابل

متدفّق من لجّ بحر زاخر

وردت فاذكرت العذيب وبارق

ولياليا سلفت بسفحي حاجر

مع فتية مثل البدور كوامل

كم أشرقت أنوارهم بضمائر

فلكم أناروا محفلا بفضائل

ولكم أحازوا من تعتب حائر

أعني كراما كاتبين توارثوا

رتب المعالي كابرا عن كابر

من قصيدة يرثي بها صاحبه قاضي القضاة نجم الدين بن صرصرى :

هوى النّجم فانهلّت عيون الغائم

وناحت على الأغصان ورق الحمائم

وعز عز الدين من بعد أحمد

وأمسى غريبا ماله من عواصم

وقست قلوب يالمعالي وأصبحت

كأنّ عليها الحزن ضربة لازم

ولو لا خوف التّطويل لأوردت هذه القصائد من أوّلها إلى آخرها ، ولكنّني نبّهت عليها وأشرت إليها ليطلبها من ديوانه من رغب فيها ، ولو استقصيت أحواله لطال المقال ، وله تلامذة وأصحاب ، يطول ذكرهم بهذا الكتاب ، لكن لا بدّ بذكر مشاهيرهم.

فمنهم شيخ الإسلام ، وعلم الأعلام ، إمام عصره ، الشيخ فخر الدين المصري ، كان أبوه كاتب لنائب صفد ، فغاب واستنابه ، فرأى أمورا لا تعجبه ، فانقطع عن المباشرة ، فطلبه وتهدّده ، وكان صغير السّنّ فهمّ بالهرب ، فقدم والده وعاتبه ، وقال : يا بني وما الذي جرى لك فإنّ الكتّاب يعاقبون ولا يتأثّرون ، فقال : إن باشرت عوقبت ، ثمّ خرج من ساعته ، وجاء إلى حلقة الشيخ نجم الدين فلزمه ، فوجد فيه مخايل النّجابة ، فأكرمه فاشتغل عنده حتّى برع ، وكان قد تزرع ، ثمّ طاف


البلاد ، واجتمع بالأطواد ، وبالغ في الاجتهاد حتّى صار من الأطواد ، واجتمعت به في المدينة الشريفة ، وسألته عن مسائل لطيفة ، فمرّ في الجواب كمرّ السّحاب ، كان من قوّة اجتهاده في الاشتغال ، يسهر الليل كلّه ، وإن طال ، فإذا حصل له ملال قام ومشى وقال :

يا ليل طل أو لا تطل

لا بدّ لي أن أسهرك

مذ صار عندي قمري

فلست أرعى قمرك

وكان في الحفظ (من) الأبرار ، حفظ الحاجبية في سبعة أيام ، وكان إذا ذكر الدّرس ألحقه في جزء فيه (١) الكلام ، ولو أردنا حصر صفاته وذكر مصنّفاته وتلامذته وأصحابه ، والذي أنشأ من أهل العلم وطلّابه لأدّى ذلك إلى الاسهاب المخرج عن مقصود وجودي.

ومنهم أحد المشايخ الأئمّة الأعلام الشيخ بهاء الدين ابن الإمام المعروف المشهد بدمشق المحروسة ، أخذ عن الشيخ نجم الدين ، وهو من أجلّ أصحابه المتّقين والشيوخ العالمين ، ثمّ برع وفاق ورحل إلى الآفاق وأخذ عن الأطواد ثمّ قطن بدمشق للاجتهاد فصار من مشايخها المشهورين في حياة الأئمّة المذكورين وتولى نظر الحسبة الشريفة بالشام وغيرها من الوظائف العظام ، وله تعاليق ومصنّفات وتلاميذ وأصحاب.

ومنهم صاحب المواهب ، كثير المناقب ، الجامع للغرائب ، الشيخ شمس الدين بن محمد ابن أبي طالب ، المعروف بشيخ الرّبوة ، كان من أصحابه الخصيصين ، وندمائه الملازمين ، وهو من الأفاضل المفننين كثيف ملىء علما وفهما ، وأعين عليه بالخلوات ففتح عليه بجملة من المصنّفات ، زادت على مائة مصنّف في أمور مهمّات.

__________________

(*) العبارة مطموسة بالأصل والقراءة ترجيحية.


ومنهم صاحب الذّكاء والفطنة ، والمكارم والحشمة ، القاضي زين الدين بن حلاوات صاحب التسهيل والمروءات ، كان تاجرا من أصحاب الثّروات ، فصحب الشيخ نجم الدين ، فتخرّج به سنين ، حتّى صار من فضلاء الموقعين ، زرعه الشيخ نجم الدين فقلعه وثبّته ، فانتزعه ، ودخل في النّواب ، وجعل بينه وبينهم سورا من الذّهب ، ليس له باب ، باطنه الغدر ، وظاهره العتاب ، فوفّق الله الشيخ إلى الصّواب ، وعجّل له الرّاحة في الدنيا والسلامة في المآب ، وجمع خاطره فأفاد المسلمين ونفع.

ومنهم علم الأجواد والأخيار ، وبقيّة السّلف الأبرار ، ومحلل المشكلات عند الاضرار ، الشيخ برهان الدين خطيب جامع الجوكندار ، من أصحابه وإخوانه ، وأصهاره ، وأنصاره ، وأعوانه محيي الليل بالقيام ، ومعفر الوجه في الظّلام ، كثير الاستغفار ، فتحققت أنّه من الأخيار ، وحضرته عند الموت فقال : رأيت الساعة منزلتي في الجنّة ، أنا رائح إلى رحمة العزيز الغفّار ، ثم تشهّد ، ومات من ساعته تغمّده الله برحمته.

ومنهم القاضي الفاضل الرئيس الكامل زين الدين عمر بن داود اليثني بديع الصّفات ، كثير الافادات ، متشابه كالأعلام ، وإفاداته كالغمام ، وكلماته كالحسام ، صحب الشيخ نجم الدين ، فبرع في أقرب حين ، ثمّ رحل وقد تمكّن من الفضيلة أيّ تمكين ، فوصل إلى الدّيار المصرية ، فأوى إلى الظّلال العليّة ، وخدم ابن فضل الله صاحب دواوين الانشاء بالممالك الإسلامية ، فجبره وأكرمه ورفعه وقدّمه ، وصار ممّن يشار إليه ويعوّل في المهمّات عليه ، ولكنّه كالمطلب يؤمل فيرقب ثمّ يكون كالدب لا يجلب ولا يركب ، وكل من أصحابه عليه يعتب ، إلّا أنّه عديم الأذى صبور على القذى.

ومن أخصّاء أصحابه وأعزّ أحبابه وأولى الناس به صاحب الفضائل المعروفة واللطائف الموصوفة ، الشيخ صلاح الدين ابن أيبك الصّفدي ،


شيخ الأدب في عصره ، وإمام البلاغة فى دهره وسلطان الشّعراء في زمانه ، وقدوة الإنشاء في أوانه ، تخرّج بالشيخ نجم الدين المشار إليه فكان يفتخر به ويثني عليه ، ولمّا رأى ندره ، أمره بالهجرة فهاجر إلى القاهرة ، وكان بها من العلماء نجوم زاهرة كأبي حيّان المغربي ، وابن سيّد الناس اليعمري ، وقاضي القضاة جلال الدين العجمي ، فأخذ عنهم ، واقتبس منهم ، ثمّ أقبل على التّصنيف ، وتدرّب في التّأليف ، ثمّ رغب في الشام ، فتحوّل إليه ، وأقام وتنقّل في الوظائف الكبار ، فعمل كتابة السّر بحلب ، ثمّ وكالة بيت المال المعمور بالشام ، فشاع ذكره وسار ، ثمّ جدّ في التّصنيف في الليل والنّهار ، ورحل إليه الناس ، وقصدوه من الأمصار ، فصنّف كتبا أغرب فيها وأبدع في معانيها ، فمنها «جنان الجناس» ومنها «كتاب نصرة المباير على المثل السّائر» ومنها «كتاب جلوة المحاضرة في خلوة المذاكرة» ومنها «كتاب المجاراة والمجاذاة» في مجلّدين ، ومنها «كتاب غيث الأدب» في أربعة مجلّدات ، ومنها كتاب «الكشف والتّنبيه على الوصف والتّشبيه» ، ومنها كتاب «الرّوض الباسم» ، ومنها كتاب «غوامض الصّحاح» ، ومنها «كتاب حلى النّواهد على ما في الصّحاح من الشّواهد» في خمسة مجلّدات ، ومنها : «كتاب نفوذ السّهم فيما وقع للجوهري من الوهم» في مجلّدين ، ومنها «كتاب نكت المعميان في نكت العميان» ، في مجلّدين ، ومنها «كتاب طرد السّبع عن سرد السّبع» ، في أربعة مجلّدات ، ومنها كتاب «زهر الخمائل في ذكر الأوائل» ، ومنها «كتاب توسيع التّوشيح» ومنها «كتاب التاريخ الكبير» في ستين مجلّدا ، و «التاريخ الصغير» في اثني عشر مجلّدا ، ومنها «كتاب التّذكرة» في سبعة وأربعين مجلّدا ومنها «كتاب المقترح في المصطلح» ، ومنها «كتاب حقيقة المجاز» ، وغير ذلك من المصنّفات التي يطول ذكرها.

والشيخ نجم الدين بن جماعة من التّلامذة والمحبّين.

ومنهم صاحب العلم والدين ، والتّوكّل واللطف المتين ، الخطيب


برهان الدين أخو الشيخ نجم الدين ، الفاضل النّحرير ، والفقيه الكبير ، تخرّج بأخيه الشيخ نجم الدين ، واكتسب من أبيه الشيخ كمال الدين ، ثمّ رحل إلى مصر ، فلقي أعيانا ، ثمّ إلى الشام فاشتغل بها زمانا ، وجوّد في القراءة وتنمّق في الكتابة حتّى صار له خط كالدّر الثّمين ولزم ابن البصبص سبع سنين ، وكان مع فضله الجسيم ألطف من النّسيم ، ما سبق بسلام قط ، ويمشي الحيط الحيط ، والشّط الشّط ، إن رأى صحبة جاء واقترب ، وإن رأى فتنة ذهب وهرب ، عاش بالكفاف والقناعة ، ولم يكشف لأحد قناعه ، في عزوجلالة ، وخرج من الدنيا لا عليه ولا له ، وللشيخ نجم الدين ما لا يحصى من المريدين كشيخنا الرّسّام ، وغيره من الأعلام السّادات الأماثل وصدور المحافل.

ومنهم الرئيس الأكبر ، والسّراج الأنور ، ذي الحظ الأوفر ، أحد علماء المسلمين القاضي جلال الدين النّهاوندي العجمي ، أدرك الأطواد ، وألحق بالآباء والأولاد ، صاحب كيس وظرف ، وتواضع ولطف ، اشتغل ببلاد العجم ، فلمّا نبل ونجم توجّه إلى الشام للاجتماع بالأعلام ، فوصف للملك الظّاهر لمّا فتح صفد ، ففوّض إليه القضاء ، ومنحه بالصفد ، فسار فيها أحسن السّير ، وعمّر أهلها بالجبر والخير ، حتّى أتاه اليقين ولحق برب العالمين.

وكان ولده قاضي القضاة شرف الدين ، قد اشتهر بين المتصرّفين ، فقام معه لأنّ هذين البيتين واحد عن يقين ، فسار على سير والده ، وكانت حركاته كحركات والده وأسعد ، فأقام دهرا طويلا ، ولم يدّخر كثيرا ، ولا قليلا ، فغمر رعيته بالإحسان ، حتّى أتاه الحدثان ، ثمّ ذهب وكأنّه ما كان.

ثمّ نشأ له ولدان : أحدهما الشيخ علاء الدين ناظر الحسبة الشريفة ، ووكالة بيت مال المسلمين ، وعمّر طويلا ، ولم يخلّف كثيرا ولا قليلا ، كان يؤثر الانقطاع ، وينفر عن الاجتماع ، ويرضى بالقليل ، ولا يظهر منه


إلا الجميل ، إن اضطر صبر ، وإن منح شكر ، ففاز بالرّاحة والسلامة وسلم من الحسرة والنّدامة.

والثاني : القاضي بدر الدين ، كان ذا أدب وحكمة ، وثروة ونعمة ، ورئاسة وحشمة ، ومات قبل أخيه ، فكل ما جمعه تصرّف فيه ، وكانت وفاته شهيدا بالطّاعون الكبير ، وانقرض هذا البيت الخطير ، رحمة الله عليهم أجمعين ، فلقد كانوا أهل مكارم ، وجود ورحمة في هذا الوجود.

ومنهم صاحب العلم المبين ، والورع والدين ، القاضي شرف الدين ، الحاكم بالنّاصرة ، ذو الفضائل المتكاثرة ، صحب الأكابر الأئمّة ، حتّى صار من علماء هذه الأمّة ، واجتهد في طلب الحال ، حتّى صار من أهل الثروة والمال ، ثمّ نشأ له أولاد رؤساء أجواد علماء أعلام.

ومنهم قاضي القضاة شمس الدين ، ذو الحشمة والدين ، صاحب الصّدق والمعروف والخير المألوف ، يقضي على القذا ، ويؤذى فيحتمل الأذى ، قام في قضاء القضاة بصفد دهرا طويلا ، فأفاض على الرّعيّة خيرا جزيلا ، وسار فيهم سيرة مرضيّة حتّى أتته المنيّة ، فوجد من جملة ما خلف من التّراث والحاضر من الميراث خمسة آلاف دينار مصرية ، ومن الدراهم عشرة آلاف بندقية ، إلى غير ذلك من الجاموس العديد ، والغنم المديد ، فظنّ ولده أنّ ذلك لا يفنى ولا يبيد ، فلم يلبث إلّا مدّة يسيرة ، ثمّ مات ، فظهرت عليه ديون كثيرة فأبيع جميع موجوده فلم يف بما عليه ، فيا تعب من لم يقنع بما رزقه الله ، وفوّض الأمر إليه.

ومنهم أخوه القاضي برهان الدين ، ذو الورع والدّين ، والسّكون واللطف والرحمة ، والعطف ، حسن الطريق لا يدخل فيما لا يليق ، تولّى الحكم قديما بعكّا ، والنّاصرة ، فكانت له السّيرة الحسنة الفاخرة ، ثمّ اختار الرّاحة والسلامة ، وخفّة الحساب يوم القيامة ، فجمع خاطره على الله وقنع بما عنده من فضل الله ، فلمّا مات أخوه اختاروه وعيّنوه ، فلم


يوافق وامتنع ، فعظم قدره وارتفع وكان ذلك من تمام سعادته ، وكمال سيادته ، فكأنّك بالدّنيا ولم تكن ، وبالآخرة ولم تزل ، وتولّى الخطابة بصفد ، فرأى ما اختصّ به هذا البلد من النّكد ، فرغب عن الخطابة رغبة فيما عند الله ، وآثرني بها ابتغاء لوجه الله ، رضي بالمقدور ، وقنع بالميسور ، وعلم أن الدنيا متاع الغرور ، أعانني الله على مكافأته ، وجمعني وإيّاه في جنّاته.

ومنهم الشيخ الجليل المنقطع للعبادة والتّحصيل ، الشيخ شهاب الدين أحمد بن خفاجا الفقيه الشّافعي من أئمّة الدين ، اشتغل بصفد ، ثمّ رحل في طلب العلم إلى دمشق ، فحصّل من العلوم الشّرعيّة جملا ، ثمّ عاد وأقام بقرية ابنيت ، عن النّاس معتزلا ، يجمع ويؤلّف ، ويفتي ويصنّف ، ويشتغل بمن جاءه للتعليم ، ويرشد من قصده للتّفهيم ، ويفعل كل ذلك تبرّعا واحتسابا ، ولا يطلب من الناس على ذلك جزاء ولا ثوابا ، بل هو منقطع إلى الله ، متوكّل على الله ، يزرع بنفسه لطلب الحلال ، فإذا حصل القوت ، واطمأنّت قلوب العيال ، تفرّغ لعبادة ربّه ، وتحصيل العلم وكتبه ، وكل من جاءه لاستفتاء واشتغال أضافه من ذلك الكسب الحلال ، ثمّ يشغل من اشتغل ، ويجيب من سأل ، فإذا فرغ أقبل على التّصنيف ، وانكبّ على التّأليف ، وكان لا يأكل إلّا من طعامه ، ولا يقبل شيئا مدّة أيامه ، وعمّر نحو السبعين ، وكان له مصنّفات كثيرة في علوم الدين ، شرح «كتاب التّنبيه» وسمّاه «بالمصباح» في نحو عشرة من المجلّدات ، وصنّف مختصرا في الفقه نحو مجلّدين ، جمع فيه مقاصد الرّوضة بأوجز العبارات ، وشرح «كتاب الأربعين النّواويّة» شرحا مطوّلا ، يحوي الفوائد السّنيّة ، وله غير ذلك من المصنّفات ، وكلّها بحمد الله نافعات ، ولمّا أوقفني على شرح التّنبيه سررت به ودعوت له ، وكنت آنذاك شابا صغير السّن فقلت : شعر :


نفدي بأنفسنا وبالأرواح

من قد غدا سببا لنيل فلاح

لم لا وأهل العلم تعلم أنّه

شرح الصّدور بشرحه المصباح

فسرّ ودعا لي ، وقال : عليك بملازمة الرّوضة للنّواوي ، فإنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في منامي ، في شهر رمضان ، فقلت : يا رسول الله ما تقول في النّواوي؟ قال : نعم الرّجل النّواوي ، فقلت : صنّف كتابا وسمّاه الروضة فما تقول فيها؟ قال : هي الرّوضة كما سمّاها ، ثم وقف بعد ذلك على ما علقته من شرح المنهاج ، فسّر به ودعا له بالتّيسير والإعانة ، وحثّني على الاجتهاد فيه ، ولمّا مات كانت له الجنازة العظيمة ، لم يتخلّف عنها أحد من أعيان صفد : الأمراء ، والفقهاء ، والفقراء ، وتولّيت غسله وحمله وتزاحم الأمراء على حمل جنازته ، رجاء بركته ، وأنا وضعته في اللحد ، وكان هذا به آخر العهد ، وله تلامذة به انتفعوا ، وببركته ارتفعوا.

ومنهم الشيخ علي الشّوراني وقد تقدّم ذكره.

ومنهم الشيخ الصالح الشّفوق النّاصح العالم العامل الورع ، الزّاهد القانت العابد ، المعرض عن الفاني ، التّارك للأماني ، الفقيه شهاب الدين أحمد القاري ، لزمه دهرا ، فحصل له خيرا ، ثمّ انقطع واجتهد في تحصيل الزّاد للمعاد ، وإعرض عن الدنيا وأهلها ، وقنع بقوت من حلّها ، فهنّاه الله بما أعطاه ، ومنّ علينا بما آتاه.

ومنهم حسن المقاصد ، وكثير الفوائد الشيخ علاء الدين بن حامد ، السّيّد الجليل ، والمجتهد النّبيل العالم الفقيه ، والخيّر النّبيه ، قرأ عليه كتاب التّنبيه ، ثمّ بحثه وتفقه فيه ، وتفنّن في العلوم الشّرعية ، ثمّ برع في الفروع الفقهيّة وكتب بخطّه كثيرا ، واجتهد اجتهادا كثيرا ، اشتغل الله على كلّ حال ، فأذنت له في الفتوى من غير سؤال ، وهو باق في الاجتهاد ، ومستمرّ في الازدياد.


وممّن ورد على صفد ، وأقام فصار من أهل البلد : الإمام العلّامة والقدوة الفهّامة أحد الأئمّة الأعلام ، بقيّة السّلف الكرام ، ناشر العلم بهذا الإقليم ، وجابر الطّلبة بخلقه العظيم ، وداعيا ليلا ونهارا إلى الطّريق القويم ، المجتهد سرّا وجهرا في هداية الخلق إلى الصّراط المستقيم ، خلف السّلف الصالح علاء الدين علي بن محمد صالح ، شيخ الإسلام المعروف بالرّسّام ، كان إماما عظيما ، وسيدا حليما ، وخيّرا حكيما ، قد استغرق لأوقاته الصالحة كلّها في مساعدة الخلق في الأمور العظيمة وحلّها ، فإنّ لله عبادا طهّرهم من الأدناس ، وخلقهم لحوائج الناس ، تفزع الناس إليهم في أمورهم ، أولئك هم المؤمنون يوم القيامة ، أتيته لوداعه عند توجّهه إلى الحج فسألته الدعاء ، فقال لي : سألت شيخي ياقوت الاسكندري الدعاء عند وداعه ، فقال لي : سألت شيخي أبا العبّاس المرسي الدعاء عند وداعه ، فأخبرني أنّه لمّا اجتمع بأبي العبّاس الخضر بأرض برقة سألته الدعاء عند وداعه ، فقال لي : صحبك الله اللطيف الجميل ، وكان لك صاحبا في المقام والرّحيل ، قلت : في هذه الحكاية فوائد منها معرفة هذا الدعاء العظيم الموقع ، ومنها نقل العدل الضّابط ، عن العدل الضّابط وجود الخضر وحياته ، وحصول مشاهدته ، وكانت له طريقة تجمع بين الشّريعة والحقيقة ، كثير الخشوع ، غزير الدّموع ، إذا جاءه أحد من الطّالبين ، فكأنّما جاءه أمير المؤمنين ، جئت يوما لزيارته وقد جاؤوا ببغلته ، وهو متوجّه إلى دار العدل ، فإنّه من أهل العقد والحل ، فأمر محضر البغلة فرجع ، ثمّ دخل إلى بيته ولأثوابه نزع ، ثمّ حمل كتابا وبساطا ، وأظهر قوّة ونشاطا ، فقلت : والله لقد زاد الخجل ممّا حصل ، فقال : صحبتك يخشى فواتها ، ودار العدل كثير أوقاتها ، فأثابه الله الجنّة ، لقد حملني أعظم منة ، وكانت أوقاته معمورة ، وأعماله مبرورة ، إن صلّى فبالخشوع يطيل السّجود والرّكوع ، وإن ذكر فمن صميم القلب ، وإن آذاه أحد صبر عليه واعتذر إليه ، كأنّه صاحب الذّنب ، وله تلامذة وأصحاب حصل لهم به الخير ، وكتب له الثّواب.


فمن أصحابه المشغوفين بصحبته ، الملازمين لحضرته العبد الضّعيف محمّد العثماني ، صاحب هذا التّأليف ، لزمته للعلم والسّلوك مدّة حياته ، فلم أفارقه في مجلسه وخلواته ، وبمجرّد انقطاعي لضرورة عظيمة يحضر بنفسه الكريمة ، وكان يمتدح بصحبتي ، ويظهر رغبة أعظم من رغبتي ، جمع الله الشّمل به في دار الكرامة ، وجعله من الآمنين يوم القيامة.

ومن أفضل أصحابه ، وأعزّ أحبابه ، بل كان عن تحقيق يعامله النّظير والرّفيق ، الشيخ سراج الدين عبد اللطيف الاسكندري ، ورد على صفد وأقام حتّى عدّ من أهلها لطول المقام ، القاضي الصالح ، القائم في المصالح ، العالم العامل ، الزّاهد العابد ، الورع المحقق ، المعمّر المنوّر العارف ذو العلوم والمعارف ، والكرامات واللطائف ، تولّى القضاء في سائر جهات المملكة الصفدية في نحو سبع وثلاثين سنة ، ومع ذلك لا يملك دينارا ولا درهما ، بل يقنع بالقوت حين تحقق أنّه يموت ، وهو الأخ الشّفوق ، والصّاحب الصّدوق ، الوافي بالحقوق لا يفتر عن الاشتغال على أيّ حال من الأحوال ، أسره الأفرنج فحصل ببركته له ولأصحابه في أسرع وقت الفرج ، وحدّث عن كراماته ولا حرج ، وله عليّ فضل ومنّة جمعني الله وإيّاه في الجنّة ، سئل عنه في المنام خير العالمين ، فقال : هو من الصالحين ، أدرك جماعة من الأطواد المقتدى بهم بين العباد : الشيخ ياقوت الاسكندري ، والشيخ داود ، وقاضي القضاة فخر الدين بن مسكين ، ومما حكاه عنه من الغرائب عن عمّه الشيخ زين الدين بن مسكين الفقيه الشّافعي الترتيني شيخ ابن الرّفعة ، عن صاحب الوقعة المعروف بقراقوش ، وكان من الصالحين.

حكايته في دخول الحمّام المشهورة وكل ليلة ، وقراءة الجن عليه وإعطائهم الدراهم له ، ثمّ قال ابن مسكين : هذا نقل العدل عن العدل.

ومنهم الشيخ شرف الدين ذو العلم والدين ، والزّهد والتّمكين ، من بالقدر راضي ، العيلوطي القاضي ، كان من الصالحين الأخيار ، والعلماء


الأبرار ، والزّهّاد العبّاد المجتهدين في الزّاد للمعارف ، والورع العارف والمجاهد الكاشف ، سعينا له في وظيفة القضاء ، للعلم بحاله ، وضعف عياله في خدمة شيخنا ابن الرّسّام ، عند شيخنا قاضي القضاة ابن الخابوري ، فولّاه الشّاغورين ، قال : قبلت أحدهما فهو يكفي ، ما أصنع باثنين ، لا بدّ في الطّلبة من حاله كحالي ، فهذا له ، وهذا لي ، فقال شيخنا ابن الخابوري : سبحان الله ربّ العالمين ، هذا والله من الصالحين ، ثمّ طلب دعاءه ، وأكبر ثناءه ، فغاب دون الشهر ، فعاد إلينا فلمّا دخل علينا قلنا له : ما سبب هذا الحضور؟ فقال : استغنيت والله المحمود المشكور ، فقلنا بماذا؟ فقال كتبت بعشرين وخطّبت بعشرين ، وهل يحسن السّعي في الدنيا وقد فتح بأربعين ، وتهيّأ لنا من الغلة ثمانية أكيال نقطع بها الشتاء ، فهذه جملة وما بعد هذا إلّا السّرف ، فرحم الله من قنع واعترف ، فغبطناه على هذه الفضائل ، وعضضنا ندما وحزنا على الأنامل ، مات شهيدا بالطّاعون الكبير ، وصار إن شاء الله إلى نعم النّصير.

ومنهم الفقيه المشهور ، والعالم المذكور ، القاضي ناصر الدين منصور ، كان كبير القدر ، قديم الهجرة يشتغل ويشغل ، ولا يمل ولا يبطل ، وهو من الأجلاء أصحاب الرّسّام ، وله اشتغال كثير على المشايخ بالشام ، وأدرك الشيخ نجم الدين ، وأخذ عنه ، وتخرّج به وشيخ الإسلام برهان الدين بن القرداح ، وكان يشتغل بجامع صفد الظّاهري ، وتولّى القضاء بجهات كثيرة ، ومات بالطّاعون الكبير شهيدا ، وحصّل دنيا عظيمة ، ثمّ وضعها بصندوق وأودعها عند بعض التّجّار بالسّوق ، فمرض وخرس منه اللسان ، ومات فضاع ماله لعدم البيان ، فتعب طول حياته ، وفرط عند وفاته ، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

ومنهم الفاضل اللطيف ، والذّكي الظّريف ، والدّيّن العفيف ، القاضي شرف الدين النّصيبيني ، الحاكم الشّفيق ، من الفقهاء الأدباء ، والبلغاء الخطباء ، اشتغل وارتحل وحصّل وتفنّن وصنّف ، وعلّق ونظم عقيدة في


فنّها فريدة ، وعمل لي أبيات اقترحتها عليه في بعض الأوقات فصادفت ولاء عظيما فخطبها عندي عظيما ، فمنها :

حتام اجتهد في الحطام وأرغب

وعلام لا أبكي الزمان وأندب

أسرتني الشهوات إما منصب

أو ملبس أو مأكل أو مشرب

سودت بيض صحائفي بقبائح

تحصي علي الزمان وتكتب

بعد ما تفوت الأربعين لعاقل

في هذه الدنيا لعمري مطلب

ومنهم الفاضل الرئيس ، شيخ التّدريس القاضي بدر الدين الحمراوي ، سيّد كبير ، ومفنن نحرير ، أخذ عن شيخ الإسلام علاء الدين الرّسّام ، وله في معرفة الشروط قلم جيد ، ولسان مبسوط ، وهو من الإخوان الأقدمين والأخيار المقرّبين ، وحججنا جملة عدة ، ولمّا تولّيت القضاء فوّضت إليه أمور المسلمين وصار هو المشار إليه مدّة سنين ، ثمّ وقع في قلبه شيء من الحسد ، إذ الحسد في كل جسد ، فظنّ الرّعاع أنّ ما بيننا من المودّة قد فسد ، فعلمت أنّ الشيطان قد نزع بيننا فقلت التي هي أحسن ، فأصلح الله حالنا ، ودفع كيد الشيطان ، وعدنا ولله الحمد إخوانا وودنا كما كان ، وآثرته بتدريس البلد ، فأسفى السبب المقتضي للحسد ، ولو ذكرنا الموت لهانت علينا جميع الأشياء ، وكل ما الناس فيه فمصيره إلى الفناء.

ومنهم الخطيب صاحب الطريق الأحسن ، المشتغل في كثير من الفنون ، شمس الدين ابن ميّاس ، خطيب عين الزيتون ، تخرّج بشيخ الإسلام علاء الدين بن الرّسّام ، اجتهد وجدّ حتّى نبل واعتدّ ، وله بالفرائض معرفة جيدة ، وولي القضاء بجهات متعددة ، ثم اجتمع على الإنابة وقنع بالخطابة.

وممن ورد على صفد وأقام حتّى عدّ من أهلها لطول المقام الشيخ الإمام ، أحد فقهاء الأنام ، شرف الدين منصور بن جماعة ذو الفضيلة


والبراعة العراقي الشّافعي ، أخذ عن الأعلام بالشام ، ثمّ رغب في الإقامة عندنا فأقام ، ففتح عليه بتداريس مناسبة ، وتأكدت بيني وبينه المصاحبة ، ثمّ استميل عنّي فمال ، ثمّ ندم واستقال ، فذهب ما كان من الوحشة وزال ، رعاية لقديم صحبته وسابق إحسانه ومحبّته ، وصار عليّ شفوقا ، وفي محبّتي صدوقا ، وإن عاد إلى الخباط فآخر الليل تسمع العياط.

ومنهم الشيخ الكبير الأصيل ، ذو الفنون والتحصيل ، والعلم المستطيل ، والوصف الجميل ، شيخ الأدب ، ومحيي سنّة العرب ، بمكارمه الغامرة ، وأشعاره الباهرة ، فكم له من بديع مقامة ، إذا تدبّرها قس اعترف له بالإمامة ، وكم له من قصيد عظيم لو سمعه امرؤ القيس لأقرّ بالتّقديم ، القاضي زين الدين عبد الله الزّبيري ، هو من أجلاء قضاتي وإخواني ، وأهل مولاتي لحسن أخلاقه وعدم نفاقه ، وأمّا في الكرم والسّماح فحدّث عنه ولا جناح ، جعلني الله وإيّاه من أجلّاء المتّقين آمين.

ومن علماء صفد وأكابرها وأفاضلها جدّي الخطيب ، شرف الدين الحسين بن الكمال ، كان رئيسا فاضلا ، عالما مفتيا كاملا في ذكائه ، كالنّار الموقدة ، وفي حيائه كالعذراء المنضدة ، وكان صالحا تقيّا بارّا ذكيّا اشتغل على الأطواد ، ورحل إلى أطراف البلاد ، فحصّل جملة من العلوم الشّرعيّة والأدبيّة والرّياضة ، وله طريقة لطيفة في الكتابة ، وتفرّد في علم الهيئة ، واخترع أشياء فيها لم يسبق إليها ، وقرأ القراءات السبعة بالقاهرة ، وبرع في علم الحساب حتّى فاق أهل عصره ، وله مصنّفات لطيفة ، ونظم رقيق ، من ذلك الأبيات التي تقدّم ذكرها في أوّل الكتاب ، وكان يحب الزّهد والانقطاع ، رأيته بمنامي بعد موت والدي على هيئة حسنة ، وأخبرني أنّه جدّي وقال لي : رتّب لأبيك ولا ترتب لي ، فقلت : نعم أرتب لك فظننت في النّوم أنّه يعني معلوما ، فلمّا تيقّظت ، علمت أنّه قصد القراءة والدعاء ، وكان شيخنا علاء الدين بن الرّسام يطنب في الثّناء عليه ، ويقول كان حسن الخلق والخلق ، عظيم اللطف والأناة والسّكون ، مع الدّيانة الوافرة ،


وكان الخلق كلّهم عنه راضون ، ومات شابا دون الثّلاثين ، رآه والدي بعد وفاته بالمنام ، فذكر أنّه في خير وافر الأقسام ، فقال : ألّا تحضره لديك لتطمئن برؤيتهما؟ فقال : كل يوم أراهما عند مجيئها لقرائتهما.

وولده هو والدي الشيخ شرف الدين عبد الرحمن من السادات الأكابر ، والصالحين الأماثل ، سلك في صغره طريق جدّه الكمال ، واقتدى به في شريف الخلال ، من الصلاة الحسنة ، والصوم المحفوظ ، والذّكر الكثير ، والصّمت في محلّه ، وكثرة تلاوة القرآن ، ودوام التّهجّد والبكاء ، والتّضرّع في ظلمات الليل ، ولين الجانب ، وحسن الخلق ، وتربية الأيتام ، وكفالة الأرامل ، وعيادة المرضى وتشييع الجنائز ، وكثرة الإنفاق والبذل حتّى لا يقتني شيئا أبدا بل ينفق كل ما جاء ، ولم أر أحيا وجها منه ، ما كان يثبت وجهه في وجه أحد ، لزمته وأخذت عنه نحو عشر سنين ، فلم أره ليلة ينام كما تنام النّاس ، ولقد رأيته ليلة قام فصلّى ، ثمّ بكى وسجد باكيا ، ومكث يبكي ويمرّغ وجهه ، وطال سجوده ، وانقطع حسّه حتّى ظننت أنّه فارق الدنيا فهممت بالقيام إليه فسمعته يقول شابت لمتي ، وضعفت قوّتي ، وكبرت جرمتي ، وقلّت حيلتي ، فعلمت أنّه حي ، وكان عالما عاملا ، حفظ القرآن العظيم ، والتّنبيه في الفقه ، والجمل في النّحو ، والخطب النّباتيّة ، وكان له معرفة جيدة في أصول الدين ، والعربية ، فإنّه أخذ أولا عن عمّه الشيخ نجم الدين ، وأخذ الفقه عن الشيخ برهان الدين بن الفركاح ، والشيخ شرف الدين الفزاري بدمشق ، واجتمع بجماعة من الأكابر في العلم والزّهد ، وله معرفة في علم الشروط ، وله فيه وفي غيره مصنّفات ، وله نظم لطيف ، ومقامات ، ومات في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وعمره ثمان وخمسون سنة ، رأيته بعد وفاته ، فقلت :أخبرني عمّا لقيت؟ فقال : وقفت بين يدي الله عزوجل ، فقلت : فما قال لك؟ قال لي : من أنا؟ قلت : فما قلت له؟ قال : قلت أنت الله الذي لا إله إلّا أنت رب الأرباب ، قلت : فما قال لك؟ قال : قال لي : هذه الجنّة


فادخلها ، ثمّ رأيته مرّة أخرى ، فقلت له : أخبرني عن أعجب ما رأيت في الدنيا ، فقال : إن أعجب ما رأيته كتبته بورقة ، وهي بالكيس الأزرق أولها : «كتبت» ، فقلت : لا أعلم ما أوله «كتبت»؟ فقال : اتني بدواة وورقة ، ثمّ املاني ثلاثة أبيات ، ثمّ تيقظت وفتّشت الكيس الأزرق فوجدت الورقة بعينها ، وإذا هي قصيدة من نظمه وهي هذه الأبيات :

كتبت بطرس راحتي وبناني

خطا يسهل مقلة الوسناني

فإذا وقفت عليه كن متدبّرا

معنى المقال بفهم ذي عرفاني

اعلم بأنّي من سراة أولي الحجى

قرشي حقيقا من بني عثمان

من عبد شمس أهل كل كريمة

شم الأنوف ومعدن الضيفاني

أرقى المنابر خاطبا ومذكرا

بفصاحة خلقت بطي لساني

قد كان غصن شيبتي متأنفا

اختال عجبا مثل غصن الباني

وإذا مررت على الحسان تشوّقت

عند بدير لواحظ الغزلاني

وتميط كل خريدة لخمارها

حتّى تبين قلائد العقياني

وإذا سمعت بأنني في مربع

أمنية يهززن قضيب الباني

فمضى الشباب وشاب عارض لمتي

وابيّض فودي وانقضت أزماني

فإذا رأتني الحور في خطراتها

سترت محاسنها لحي يراني

فقطعت أيام الشباب بغفلة

في روض لهو راتعا بأماني

ودنا المشيب مبينا عن رحلتي

فنظرت من وجلي إلى ديواني

فوجدته كالليل مما قد حوى

من معظم الزلّات للحرماني

فجهدت على أن أنال مثوبة

ألقى بها ربي الذي انشاني

هيهات فات زمان تحصيل العلا

ماذا أحصل والمشيب دهاني

واخجلتى مما جنيت لشقوتي

كيف المقال لعالم الكتماني

فبكيت حزنا إذ مضى زمن الصّبا

في غفلة وغياه الخسراني

وتنغصت نفسي الحياة فلم تطب

والموت أصبح نازل بعناني


وعضضت من ندمي أنامل راحتي

ودعوت للحنان والمناني

وسألته صفح الجميل عن الخطا

وقبول توبة مذنب حيراني

من لي فأرجو غيره لشدائدي

وهو الكريم وصاحب الغفراني

فاحتل لنفسك يا بني بحيلة

تنجو بها من روعة الفتناني

واقلع عن الأحزاب إنّك راحل

فانقذ لنفسك من شقا النيراني

خذها إليك وصية من ناصح

عذل الزمان يساعد ويداني

هذا كان ما قاله ، ثمّ عزله خطيب الموصل ، ثمّ ظهر أنّ ما قاله أرق وهو جائز على لغة ثلاثة قبائل من العرب ، وولد لوالدي شرف الدين جماعة من البنين منهم العبد المسكين وأخوه علاء الدين ، والخطيب شهاب الدين ، والقاضي شرف الدين ، والخطيب بدر الدين ، وكانت والدتهم شريفة ، سألت والدهم عند وفاته كيف يكون حالي بهؤلاء الأولاد ، مع طول الزمان ، وتقلّب حالاته ، وأنت لا تترك لهم دينارا ولا درهما؟ فقال : قد فوّضت أمرهم إلى ربّ الأرض والسّماء ، فلمّا مات حفظت صحبته إلى الممات ، ولم تنم على غير الأرض كشفا ، ولم تزل تبكي حتّى جاءها الموت لطفا ، وحكت أنّها بكت في بعض الليالي ، ونامت فرأته فابتهجت وقامت ، فقال : ممّ بكاؤك فقد طال وزاد؟ فقالت : إنّما أبكي على الأولاد ، فقال : ألم أقل لك يا ضعيفة اليقين أنّني فوّضت أمرهم إلى ربّ العالمين ، وأبشري بما يحب قلبك ويرضاه ، فكلّهم خطباء وقضاة ، أمّا العبد فقد عمل من صغره إلى كبره بإنعام يعجز طول عمره عن شكر أيسرها ، وباقي إخوتي ولله الحمد كما يسرّ أحبّتي ، لهم من فضل الله أوفر نصيب ، وكل منهم قاضي وخطيب ، اللهم زدهم توفيقا ولا تجعل لهم إلى الشّرّ طريقا.

وأمّا أخي القاضي علاء الدين كان من العلماء العاملين ، والفقراء الصالحين ، حسن الخطابة والتّدريس ، ماهرا في الفتوى والحكم ، باشر نيابة الحكم بصفد فوق عشرين سنة ، وولي التّدريس بالجامع الظّاهري ،


ولما بنى المقري الشّهابي ابن صبح الجامع الجديد ، فوّض إليه التّدريس والخطابة والنّظر بالجامع المذكور ، ثمّ مات رحمه‌الله بعد أن حجّ حجّات كثيرة ، عقيب وصوله من الحج سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، وله ثمان وثلاثون سنة ، وكان حسن الأخلاق عظيم التّواضع مطرح جدا ، عصبي يقوم في قضاء الحاجات ، ويحلل المشكلات ، ولا يهاب ملكا ولا غيره ، عظيم السّخاء ، لو ملك ألف درهم أنفقها في ساعته ، ولمّا مات لم يخلّف شيئا من الدنيا قط ، وله تلاميذ ومصنّفات ، فمن مصنّفاته كتاب النّافع في الفقه ، وهو كتاب نفيس لطيف كثير الفوائد ، وأمّا تلاميذه فجماعة منهم : الصّاحب الشّفوق ، والمحب الصّدوق ، العالم الفاضل الذّكي ، ذي الأصل الأصيل البارع ، النّبيل غزير المروءة ، حافظ الأخوّة صاحب العصبية المهمات والحميّة وقت الملمّات والمكارم الحاتميّة والجود والأريحيّة ، من حاله سماوي ، الشيخ زين الدين البعناوي ، لزمه وتخرّج به ، وكان عزيزا عليه ، وما ضاع إحسانه فيه وفاء له بالصّحبة ، ولنا من بعده في الجود والمحبّة.

ومنهم الوفي بالحقوق ومن يربو على الأهل ويفوق ، ذو العلم والدين ، والفضل المبين ، والإيمان المتين ، الشيخ بهاء الدين عبد الكريم الشافعي ، وكان مملوكا للأمير أحمد ، وكان من الصّغر في الخير يجهد ، فنسب إلى الديانة ، وعرف بالصّيانة ، رأيته في بعض الأسفار ، فتفرّست فيه أنّه من الأخيار ، فلم تمض إلّا مدّة يسيرة حتّى رغب فينا ، وهجر أميره فلاطفه وهدّده ، فلم يرجع عمّا قصده ، فلمّا عرف منه الصّدق وحققه سلّم حاله إليه ، وأطلقه ، وبنى المدرسة وفوّض أمرها إليه ، وأكرمه وأقبل عليه ، فجدّ في العلم وتحصيله في سائر الأوقات ، وصحب أخي علاء الدين حتّى مات ، ثمّ لزمني فرأيته على أحسن الحالات ، ثمّ قرأ عليّ كتبا ، وعرضها مطربا ، فبرع وبحث ودرس وغمرنا بأنواع


الفضل ، فزوّجته بابنة أخي ، وصار من أعزّ الأهل زاده الله منّة ، وجمعني الله وإيّاه في الجنّة.

ومنهم ولده وتلميذه ، الشيخ الصالح ، الزّاهد العابد ، الورع الدّيّن ، الذّكي المدقق شمس الدين بن محمد سعيد الحوراني الصفدي ، كان يحضر عندي صغيرا ، فأفترس فيه الخير ، فأوصيت عليه أخي علاء الدين فأحبّه وأكرمه ، ولزم بابه ليلا ونهارا على مصطبة بدهليزه وثوقا بدينه ونزاهته ، فتفقه وعلم ، ثمّ مات الأخ علاء الدين رحمه‌الله تعالى ، فلزمني ليلا ونهارا ، وجدّ في الطّلب حتّى صار من العلماء ، وأعانه على ذلك ذكاءه ، وحفظ كتبا كثيرة ، كان يسردها من غير كتاب ، ثمّ برع وفاق حتّى صار يبدي غرائب في الفقه ، فتوجد منصوصا عليها ، فكان يفتي معي ، ويعينني على التّصنيف ، وكان كثير النّفع للخلق ، شديد الاعتناء بطلب العلم ، كثير التّلاوة للقرآن ، ثمّ مات وهو شاب صغير السّن ، فلو عمّر لاحتاج إليه أكابر العلماء ، فكانت له الجنازة العظيمة التي لم ير مثلها بصفد ، ورأى إنسانا طيورا خضراء ترفرف على نعشه ، فغشي على الرّجل وحمل ، ثمّ أخبر بذلك الأمر الغريب ، ثمّ مات عن قريب.

وممّن توطّن صفد وأقام شيخ الإسلام وبقيّة السّلف الكرام ، ومن قصدت أن أختم بذكره الكلام على المشاهير من العلماء الكرام ، شيخنا وبركتنا ، الشيخ زين الدين عمر بن هدبة بن يونس الصّالحي ، المقرىء شيخ الصفدية وبركتها وإمامها وقدوتها ، تفرّد بعلم الكتاب والسّنّة ، وقطع عمره في الأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنّة ، فأتقن القراءات السبعة ، والعشرة بهمّة عليّة ، وبرع في علم التّفسير ، والعربية ، وأتقن علم الحديث الشريف حتّى احتيج إليه في الأمصار الكبيرة ، ولكنّه رأى قلبه اجتمع عليه في هذه البلدة الصغيرة ، فنفع الخلق بعلمه الباهر وألحق الأصاغر بالأكابر ، فإنّه قرأ عليه الآباء والأبناء ، ووصل إلى قريب التسعين ، وعليه النّور والبهاء ، وقوّته وسمعه وبصره لم يتغيّر شيء منها ،


وحجّ حجّات كثيرة ، وبني له في داره تربة حسنة منيرة ، لا يكاد يخرج منها إلّا لضرورة ، وجعل عند رأسه خابية مسبلة لها نفع ماء أعمّه ، وأجزل له ، وقف داره والبئر والفرن على تربته ، وانقطع للعلم الشريف وخدمته وهو باق ولله الحمد مجتهدا في نفع الخلق ، ورضى الحق ، وله ميعاد نهار الجمعة بالجامع تخشع منه القلوب ، وتجري فيه الدّموع ، وكم تاب فيه من تاب ، وكم نيل فيه من طالب ، ومن حين جلوسه على الكرسي ينتحب ويبكي ، فإذا شاهده الناس على هذه الحالة ، وقد ألبسه الله النّور والجلالة خشعوا وتضرّعوا ، ثمّ أنصتوا واستمعوا ، فإذا سمعوا جواهر قوله تصارخوا من حوله ، فلو لم يكن له من الأعمال إلّا هذا الميعاد لكفاه في الزّاد إلى المعاد ، وله أصحاب يلازمونه ويحبّونه فتح عليهم من صحبته وانتفعوا ببركته.

فمن أصحابه الأكابر وأحبابه الأماثل الشيخ جمال الدين يوسف العكبري ، صحبه زمانا طويلا فتخرّج به وبرع في علم القراءات ، واشتهر بحسن الصّوت ، والفصاحة ، ثمّ اختصّ بصحبة القضاة من أيام شيخنا الخضري وإلى آخر وقت فصار معدودا من الفقهاء مطّلعا على غوامض الأشياء وشكله من أحسن الأشكال ، وبحسن طريقه ضربت الأمثال.

ومنهم الذّكي الفهم ، والطّبع السّليم ، والطّريق المستقيم ، جمال الدين إبراهيم المعروف بابن الطّرابلسي ، كان أبوه من الجند بالقلعة ، فأحضره إليّ ، وقال : هذا قد خرجت لكم عنه ، ابتغاء ما عند الله ، فلزمني مدّة فوجدت عنده ذكاء وفصاحة ، فأشرت عليه وعلى والده ، أن يلازم الشيخ زين الدين لتشمله بركته ، فلزم الشيخ ليلا ونهارا ، فحنّ عليه وكابد معه حتّى برع ، وفاق ، فقرأ القراءات السبعة ، وأجازه بها ، ثمّ درّبه في قراءة الحديث حتّى مهر فيها ، وهو باق في خدمته ملازم لصحبته.

ومنهم العالم العامل ، المتعفّف الحامل ، المفنّن الكامل ، ذو الفضل


الجزيل ، الشيخ غرس الدين خليل ، عرف بابن الفقيه ، تخرّج به وبرع وقرأ القرآن فأفر ـ ، وجمع ثمّ لزم العزلة وجعل اجتهاده لله.

وأمّا الرؤساء وأهل السيادة من الصفديين :

فمنهم الأمير حسام الدين حسن بن المنتخب اسباسلار ، كان من العلماء الأكابر ، والفضلاء الأماثل له مصنّفات جليلة ، وقصائد بديعيّة ، وعارض الحريري في المقامات ، فعمل خمسين مقامة على منوالها وربّما فضلت عليها لمحاسن وقف عليها وقال ، أولها : شعر :

لإن حكت ألفاظا وأصبحت ناسخا

برود يمان فالحريري أفخر

ومن أصحابه المتأدّبين بآدابه ابن أخيه ناصر الدين اسباسلار ، صاحب المهابة والأنوار ، أحد الفضلاء ، وقدوة العقلاء ، وشرف البلغاء ، ورئيس الرؤساء اجتمعت فيه صفات جليلة ، ومناقب جميلة ، أدركته وصحبته ، فما فارقني ولا فارقته ، وكان لا يجتمع بأحد ، ولا يخرج من القلعة إلّا في ثاني يوم العيد ، فأجلس في خدمته على سفح القلعة مع جماعة من مشايخها ورتوتها (٣٢) ننظر الناس من بعيد ، ونتذاكر ما ينفع ويفيد ، فلمّا كبر سنّه ، وضعف عن الحركة أتيناه في بعض الأعياد على العادة ، وسألناه التّشريف للإفادة ، فقال : اعذروني وأنا أحكي لكم حكاية لطيفة نافعة ظريفة ، فقلنا : احكي فبكى ، ثمّ حكى قال : كنّا نصحب شيخنا بدمشق من السادات الأكابر يقال له الشيخ كمال الدين بن الأعمى ، وله عادة يخرج معنا إلى وادي الغياض بدمشق في أيام الزّهر ، فأتيناه في بعض السنين فسألناه في اجرائنا على ما اعتدنا فقال : قد فتح بأبيات ، فاسمعوها منّي ، واقبلوا عذري وانصرفوا عنّي فقلنا : قل وتفضّل بإفادتك على جاري عادتك فأنشأ يقول : شعر :


أمّا الغياض فإنّ عندي شاغل

عنها لعظم بليتي ومصابي

ما كنت أنظرها فأدرك حسنها

إلّا بأعين رفقتي وصحابي

ماتوا وشبت فما انتفاعي بالربا

بعد المشيب وفرقة الأحبابي

قلنا : هذا ما قاله هو ، فأنت ما قلت؟ قال : قلت :

يا أخلاني وإخوان الصّفا

دعوة من موجع القلب مصاب

خلني وازور عني أربع

فمصابي بهم أيّ مصاب

خانني سمعي وأيضا بصري

قد تولى ثمر نابي ونصابي

فقلنا : بالله هل عذرتموه وتركتموه؟ فقال : لا والله ، فقلنا : نحن نأخذك كما أخذتموه ، فقام معنا جبرا ، وقال : صبرا على حكم الإخوان صبرا ، وأمّا صبره وثباته فما بعده غاية ، كان له ولد نجيب وصل ثلاثين سنة ، فمات ليلا ، ولم يظهر له خبر ، ولا سمع بداره صياح ، فمررت عليه فوجدته بين أصحابه على عادته ، لم أنكر شيئا من حاله ، فقال : ألك ضرورة ، أو تجلس عندنا؟ فقلت : هل من حاجة؟ فقال : مات مملوكك محمد ، ولا بأس بصلاتك عليه ، فقلت الله أكبر ، وجلست عنده متعجّبا من صبره الأوفر ، وكان المقر العلمي الجاولي العظيم الشّأن قديما في ملكه ، فلمّا صار إلى ما صار عليه سأله المصير إليه فاعتذر ، وتأخّر ، فرتّب له جملة تحمل في كلّ سنة إليه.

وكان أخوه علاء الدين من سادات المسلمين ، كثير الورع والديانة عظيم العفّة والصيانة.

ومنهم رفيقه وصاحبه وصديقه ، علاء الدين بن حجي اسباسلار ، كان من السادات الأخيار في المكارم كحاتم ، وعلى الجود ملازم ، معدود من ذوي المروءات مقصود للصّدقات ، برّه شامل ، وفضله كامل ، وعقله تام ، وجوده عام ، الفقراء والغرباء يهرعون إليه ، والملوك والأمراء


يحتاجون إليه ، ولمّا اشتهر بالمكارم والرّفد ، حصل لبعض المتوكّلين شيء من الجهد ، وكان يتفقّده في جميع الحالات ، وقال له أهله : أعلم ابن حجي فقد حصلت الضرورات فقال :

يقولون لي الأهلون قد زاد ضرّنا

فقل لابن حجّي يكشف اليوم ما بنا

فقلت لهم صونوا لوجهي واصبروا

وقوموا اسألوا ربّ حجّي وربّنا

فسمع خبره فأزال ضرّه ، ولو استقصيت أحواله وأخباره في الجود ، لخرجت عن المقصود ، فإنّ له عليّ من الإحسان ما الله عنه مجازيه في الجنان ، رأيته بعد وفاته بمنامي ، وكأنّي في الجنّة ، فجئت إلى مكاني بدهليز ، فبهت فيه ووقفت أتأمّله ، وإذا بشخص قد اعتنقني ، وإذا به ابن حجّي المذكور ، فسررت به ، فقلت : ما فعل الله بك؟ فقال : أكرمني وغفر لي وأدخلني الجنّة ، ثمّ رأيت معه جملة مفاتيح ، قلت : ما هذه المفاتيح؟ فقال : أحضرني ربي بين يديه ، وقال لي : أنت كنت تحب في أن يكون لك في الدنيا كلام ، وهذه مفاتيح الجنّة تكون معك.

ومن أصحاب المروءات المقصودين في المهمّات والذّكاء الموصوف بالفصاحة والخبرة بالأشياء ، جبل على الألمعية (٣٣) ، وخلق الأريحة ، بابه مفتوح ، ونواله ممنوح ، يطلب للمشكلات يحملها ويندب للمعضلات فيسهّلها ، وهو للضّعفاء والملهوفين أشفق مساعد وخير معين.

ومنهم الصادق في الأخوّة ، الفائق في المروءة ، المعروف بابن الصّايغ ، كثير المواهب والصدق ، كان من عقلاء الأنام ، ودهاة الإسلام مع الدين والعفاف والمكارم والإنصاف ، أعظم من رأيت وفاء صحبته ، وأغزرهم مروءة ، يضر نفسه لمصلحة أصحابه ، ويبذل ماله في مصالح أحبابه ، ولا يتأخّر عن ملهوف يأوي إلى جنابه ، ولا يؤاخذ من جنى عليه ، ولا يشغل بعتابه لا جرم ازدحام الناس على بابه هذا من الحيرة يستشير ، وهذا يشكو إليه عدم المسيرة ، وكان للفقير بالجامع أعظم معين ونافع ،


يطبخ لهم الطعام ، ويغسل لهم ثيابهم على الدوام ، ويسخّن لهم الماء ليلا للاستنجاء ، وإذا اتّسخت رؤوسهم ذهب بهم إلى الحمّام ، وعندهم يأكل ويشرب ، وينام فليله لهم ، ونهاره لغيرهم من الأنام ، لا يختفي عن من قصده ولو للسلام ، ولا يعتذر عن حاجة ولو أقام في قضائها كثيرا من الأيام ، ظاهر الاحتشام ، كثير الابتسام ، قليل الملام ، يرعى الذمام ، ويكرم الأيتام ، صحب المشايخ الأعلام بمصر والشام ، في طريق الشريعة والحقيقة ، وأخذ في العلوم الظاهرة والدقيقة ، صحب عمّي الشيخ نجم الدين فتفرّس فيه الخير عن يقين ، فاصطفاه لصحبته ، وزوّجه بابنته وسوّاه بمهجته ، وعدّه لملازمته ، فما خابت فراسته ، ولا ضاعت تربيته ، وكان لأولاد الكمال أشفق من عم وخال ، يبذل لمصالحهم الجاه والمال ، ولا يرجع عن خدمتهم على كلّ حال ، وخصّصني من بينهم بعظيم الأنس ، وساواني بالمال والنّفس ، ولم أنل خيرا إلّا وقد كان السبب فيه ، لاجرم من الدعاء لا أخليه ، وأرجو من فضل ذي المنّة أن آخذ يده بيدي ، وندخل الجنّة ، وله من الفضل والشّأن ما لا يناسب التّطويل بذكره في هذا الكتاب والمكان ، إذ لكلّ مقال ، وفي الجملة من سادات الرّجال.

ومنهم اللطيف الذّات ، الجميل الصّفات ، المعدود من أصحاب المروءات ، الموصوف بالفضل المعروف بالعقل ، الحسن التّدبير ، المداري صارم الدين من السّلاري ، ذو الذكاء والفهم ، والاجتهاد في طلب العلم ، والباحث عن الفضائل ، والكاشف عن أخبار الأواخر والأوائل ، وله في صناعة الإنشا يد طولى ، ومن معرفة الأدب وصحبة الملوك حظ أوفى ، لا جرم له الحظوة من الملوك ، والنّوّاب ، والعلماء ، والكتّاب ، صحب المقر الأشرف السّيفي منكلي بغا ، فتجوهر وتدرّب ، وشاهد وجرّب ، ثمّ صحب المقر الأشرف علمدار مربي الملوك الكبار ، فأقام ببابه يكتسب من آدابه ، في الخير يتكلّم ، وعن الشّر يتباعد ليسلم ، إن


رأى ضعيفا جبره وعضده ، أو مظلوما نصره وأيّده ، أو ظالما زبره ، فهو حسنة في هذا البيت ، ورحمة أتمّ الله عليه سوابغ النّعم.

ثمّ نختم هذا القسم الثاني بالخطيب كمال الدين ، كما افتتحناه بأبيه الشيخ نجم الدين ، فنقول : هو الكبير بن الكبير ، الذي من حقة أن يفخر نهاية أبيه في بدايته أدركها وأحواله بعد السبعين في شأنه أدركها ، فكفل إخوته وبرّ والديه ، وأقام في كل شيء مقام أبيه ، لما اجتمع من الخصال المحمودة ، ولد بدمشق ، ثمّ انتقل صحبة والده إلى صفد ، وسنّه أربع سنين ، فنشأ بصفد ، وتخرّج بوالده وتأدّب بآدابه ، وتبع طرائقه ، فصار رئيسا كبيرا ، وعاقلا فاضلا ، ومات والده ، وقد بلغ الحلم فاستقرّ في وظائفه ، وقد ظهر له ثبات ، وصار يناظر الأكابر في الحشمة ، وإقامة الحرمة ، وكتب خطّا منسوبا عند أهل الكتابة ، وتفرّد في قراءة المحراب والخطابة ، وله نظم بديع رائق ، ونثر حسن فائق ، وكان له جوابات في الحال مسكته ، منها أنّه لمّا توفّي والده قال له الأمير سيف الدين قرمشي الحاجب بصفد ، وكان من أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيميّة ، ويقول بتلك المسائل المعروفة ، ويكره الشيخ نجم الدين ، أشعري الاعتقاد ، ومولانا كمال الدين : ايش خلف الشيخ نجم الدين من كتب أرسطو؟ فقال : تأسيس التّقديس ، فخجل قرمشي خجلا عظيما ، فقال له قاضي القضاة شرف الدين : الذّنب لك وهذا فهو ابن نجم الدين ، ثمّ إن الخطيب كمال الدين لزم طريقة حسنة في جمع خاطره ، والإقبال على شأنه إلى أن مات في رابع عشر جمادى الآخرة ، سنة اثنتان وخمسون سنة وخمسة أشهر ، مات فجأة كوالده صلّى الصّبح بالنّاس ، ثمّ دخل إلى بيته فمات ، استسقى بالمسلمين في شهر ذي القعدة سنة احدى وأربعين ، وهو الحادي والعشرون من نيسان ، فحصلت الإجابة في الحال ، ونزل المطر علينا ، ، ونحن بالمصلّى ، فلمّا خرجنا قال : والله لمّا صعدت المنبر ، ونظرت إلى


الخلق ، وما هم فيه من الضّائقة تضرّعت سرّا إلى الله عزوجل ، قلت إلهي إنّي لا أتذلّل عليك بزهدي وورعي ، وعبادتي ، واجتهادي ، ولكن أسألك يا حنّان يا منّان أن لا تخجلني بينهم ، ومن أبيات له في المعنى : شعر :

يا راكب الغي رفقا

ركبت شرّ المراكب

وجلت في دار غي

لاه عن الرّشد لاعب

وجئت تبدا دار

معروفة بالمعاطب

سلكت طرق فساد

عن الموفق ناكب

رفضت رشدك فيها

تغدو به أنت ناصب

يا من يصافي الليالي

احفظ فلست بصاحب

كم سرّ منها صاد

ساءت بشر العواقب

غدا بجودك دهر

بصرت بصاحب المصائب

وتعتريك الرزايا

من القضاء بقواضب

ترمي قسي المنايا

بنادق السهم صائب

فلا يغرنك عيش

فايسوك ذاهب

وارعى سمعك دهرا

فالخطب أفصح خاطب

وابك الدمع بدمع

يزري بسفح السحائب

وابذل لأسنا العطايا

إن كنت للفوز طالب

وحز جميل السّجايا

إن كنت في الخير راغب

واندب لما مضى الخطايا

وانبذ حماها وجانب

وصم وصلّ وواصل

بذل الصلاة واظب

وقم ونادي سحيرا

يا رب جئتك تائب

يا رب عفوا وصفحا

فأنت أكرم واهب

وله من القصائد الغريبة ، والمراسلات العجيبة ، ما يطول ذكره ، وعارض بانت سعاد ، والبردة فأحسن فيها رحمه‌الله تعالى.


ولمّا انتهيت في المقال على ما يتعلق بتاريخ صفد إلى آخر المدّة التي ذكرتها ، وكان ابتدائي من فتوحها ، أحببت أن ألخّص ما قبل ذلك فائدة واحدة حررتها ليكون من ظفر بها التاريخ المختصر ، قد علم ما مضى من اعدام الدنيا ، فإنّني أذكر ما بين آدم ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، من الحوادث العظيمة التي تؤرّخ بها أهل الملك من الأنام ، ثمّ اذكر دولة كل واحد من الصّحابة ، وإقامة مدّتها ، ثمّ أذكر دولة الأمويّة على حدّتها ، ثمّ أذكر عودة دولة العبّاسيّة إلى ظهور الدولة المملوكية ، وإلى أن فتحت صفد في الدولة الظّاهريّة ، فيكون تاريخا كافيا ، بغرض مثلي وافيا إن شاء الله تعالى.

فأقول اختلف الناس في مقدار مدّة الدنيا ، فقيل ستة آلاف سنة ، وقيل سبعة آلاف سنة ، وهذا قول الأكثرين ودليله قول ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما : الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة ، واختلف في الماضي منها فقيل : إنّ بين هبوط آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهجرة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة آلاف سنة وسبعمائة وسبعون سنة ، فمن آدم إلى نوح ألفان ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة وثلاث وأربعون سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود مائة وتسع وتسعون سنة ، ومن داود إلى عيسى ألف وثلاث وخمسون سنة ، ومن عيسى إلى محمّد صلّى الله عليهم أجمعين ستمائة سنة ، وقيل بين آدم والهجرة خمسة آلاف سنة وستمائة سنة ، وقيل أربعة آلاف وستمائة سنة ، واتّفقوا كلّهم على أنّ بين الطّوفان والهجرة ثلاثة آلاف سنة وخمس وعشرون سنة.


فصل : ومن الهجرة الشّريفة إلى وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين ، ومدّة خلافة أبي بكر الصّدّيق رضي‌الله‌عنه سنتان ونصف ، ومدّة خلافة عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه عشر سنين وثلاثة أشهر ، ومدّة خلافة عثمان بن عفّان رضي‌الله‌عنه اثنتا عشرة سنة ، ومدّة خلافة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وكرّم وجهه أربع سنين وتسعة أشهر ، ومدّة خلافة الحسن رضي‌الله‌عنه ستة أشهر ، فهؤلاء الخلفاء الرّاشدون ودولتهم ثلاثون سنة ، ثمّ يكون ملكا ، ثمّ كانت دولة بني أميّة سنة إحدى وأربعين وهم خمسة عشر خليفة ، أولهم معاوية رضي‌الله‌عنه ، ثمّ ابنه يزيد ، ، ثمّ ابنه معاوية ، وعبد الله بن الزّبير ، ثمّ مروان بن الحكم ، ثمّ ابنه عبد الملك ، ثم ابنه الوليد ، ثمّ أخوه سليمان بن عبد الملك ، ثمّ كانت خلافة عمر بن عبد العزيز سنة تسع وتسعين ، ومنه إلى آخر دولة بني أمية ثلاث وثلاثون سنة ، فيها خمسة خلفاء : يزيد بن عبد الملك ، ثمّ هشام بن عبد الملك ، ثمّ الوليد بن يزيد ، ثمّ يزيد بن الوليد ، ثمّ مروان ابن محمد بن الحكم سنة سبع وعشرين ومائة ، ثمّ قتله أبو مسلم الخراساني ، وانقرضت دولة بني أمية وانقطع ملكهم من الشام ، وكانت مدّة دولتهم فيه احدى وتسعون سنة ، وبقي ملكهم بالمغرب.

ثمّ كانت دولة بني العبّاس :

من سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وهم سبعة وثلاثون نفرا ، وكانت إقامتهم بالعراق إلى أن خرجوا منها سنة ست وخمسين وستمائة ، فكانت تلك المدّة خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة ، فأول خلفاء بني العبّاس : السّفّاح ، ثمّ المنصور ، ثمّ الهادي ، ثمّ الرّشيد سنة سبعين ومائة ، ثمّ الأمين ، ثمّ المأمون ، ثمّ المعتصم ، ثمّ الواثق ، ثمّ المتوكّل ، ثمّ المنتصر ، ثمّ المستعين ، ثمّ المكتفي ، ثمّ المقتدر ، وفي سنة ست وأربعين ومائتين من خلافته ظهر المهدي بن تومرت (٣٤) ومن بعده من الفاطميين من المغرب إلى مصر ، وحكموا في البلاد واستفحلت دولتهم على دولة بني


العبّاس ، وهم خمسة عشر خليفة أولهم : المهدي وآخرهم العاضد ، وكانت مدّة استيلائهم على الخلافة ، وانقطاع الخطبة لبني العبّاس بمصر وما وراءها مائتا سنة وثلاث وستون سنة ، إلى أن ولي السلطان الملك النّاصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب ، صاحب الفتوحات قدّس الله روحه ، فأعاد دولة بني العبّاس ، وخطب لهم بالشام ومصر ، فأمّا إمامة من كان تسمّى بالخلافة وهم ببلاد المشرق ، مع غلبة الفاطميين على : المغرب ، ومصر ، والشام إلى دولة السلطان الملك النّاصر في سنة أربع وسبعين وخمسمائة فأولهم القاهر بالله ، ثمّ الرّاضي ، ثمّ المتّقي ، ثمّ المستكفي ، ثمّ المطيع ثمّ الطّائع ثمّ القادر ثمّ القائم ثمّ المقتدي ثمّ المستظهر سنة إحدى وثمانين وأربع مائة ، ثمّ المسترشد ، ثمّ الرّاشد ثمّ المتّقي ، ثمّ المستنجد ، ثمّ المستضيء ، ثمّ النّاصر ، ثمّ الظّاهر ، ثمّ المستنصر بالله ثمّ المستعصم.

ثمّ صار الأمر إلى الملوك ، وصار الخلفاء اسم بلا رسم ، فبعد المستعصم كان الظّاهر بالله ، ثمّ الحاكم بأمر الله ، ثمّ العبّاس أحمد ، وهو الذي ملك من العراق إلى مصرفي أيام السلطان الملك الظّاهر ، ثمّ استقرّ بعده المستكفي بالله أبو الرّبيع سليمان في دولة الملك النّاصر محمد بن قلاوون الصّالحي.

وأمّا الملوك فأولهم دولة السلطان الملك النّاصر صلاح الدين يوسف ابن أيّوب بن شادي صاحب الدّيار المصرية ، والبلاد الشاميّة ، والفراتيّة ، واليمنيّة ، والحجازيّة ، وهو صاحب الفتوحات العظيمة ، كبيت المقدس ، وطبريّة ، وأصله كردي هذباني ، تخرّج بالسلطان الملك العادل نور الدين الشّهيد محمود بن زنكي ، السيد الجليل صاحب المعروف الجميل ، قدّس الله روحه.

ثمّ ملك البلاد في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، فملك قلوب الرّجال ، حين أنفق فيهم الأموال ، وعاملهم بالإكرام والإجلال ، ثمّ هانت عنده


الدنيا حين ملكها فتاب وأناب ، وأعرض عن اللهو والارتياب ، وشرع في الجد والاجتهاد ، وأقبل على تحصيل الزّاد النّافع للمعاد ، وشهر مذهب أهل السّنّة في البلاد ، وغرس أهل العلم والفقه والتّصوّف بين العباد ، وبنى المدارس ، والخوانق ، والأربطة ، والقناطر ، فمهّد له أحسن مهاد ، فلمّا فتح بيت المقدس المكرّم المعظّم في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، سرّ سرورا عظيما ، وفرّق جميع ما حصّله من القدس الشريف ، وغيره على الناس حتّى لم يبق معه شيء ، ومات ولم يخلّف في خزانته من الذّهب والفضّة إلّا سبعة وأربعون درهما ، وجرما واحدا من الذّهب صوريا ، ولم يخلّف دارا ولا عقارا ، ولا ملكا ، ولا بستانا ، ولا قرية ، ولا مزرعة ، توفّي بعد صلاة الصّبح من يوم الأربعاء سابع عشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، وغسّله الدّولعي خطيب دمشق ، وكان من الأكابر ، فأظلمت البلاد من بعده ، واستوحشت العباد لفقده ، عامله الله بلطفه العظيم ، وأوصله إلى جنّات النّعيم.

ثمّ تملّك ولداه الأفضل والعزيز ، ثمّ أخوه العادل أبو بكر ، ثمّ الملك النّاصر العزيز بدمشق ، ثمّ المعظم عيسى ، ثمّ الأشرف موسى ، ثمّ الصّالح إسماعيل ، ثمّ الملك الصالح نجم الدين أيّوب سنة سبع وأربعين وستمائة.

ثمّ كانت دولة الأتراك لمّا مات الملك الصالح نجم الدين أيّوب ، أجلس ولده المعظّم فلم تغن عنه ، فطوته أيدي الزّمان.

فنهض مماليك والده ، فدبّروا الملك ، فأحسنوا ، وكسروا الأفرنج وأخذوا ملكهم فرنسيس ، ثمّ اتّفقوا على سلطنة الملك المعزّ عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي ، وهو أول من ملك من الأتراك بالدّيار المصرية في سنة ثمان وأربعين وستمائة ، ثمّ الملك المظفّر قطز في سنة سبع وخمسين وستمائة.


ثمّ كانت دولة السلطان الملك ، والبطل المقدّم ذو الفضل الباهر والمناقب ، والمفاخر ، والمكارم ، والمآثر ، السلطان الملك الظّاهر ، ناصر الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين ، كاسر الصّلبان ، ومنكّس الأوثان ، وفاتح الأمصار ، ومبيد التتار ، والماشي على المحجّة البيضاء ، جزاه الله أحسن الجزاء ، فتح الكرك ، وقيساريّة ، ويافا ، والشّقيف ، وأنطاكية ، وحصن الأكراد ، وعكار ، والقرين ، وكسر التتار على الفرات ، وأغار على سيس ، وفتح بلادا كثيرة هناك ، وفتح صفد في سنة أربع وستين وستمائة ، فهذه آخر الفائدة التي آخرها أول تاريخ صفد ، وبتمامها حصل تمام الجزء الأول من تاريخ صفد ، ويتلوه الجزء الثاني ذكر التاريخ ، مفصّلا بالسّنين على عادة المؤرّخين ، من سنة خمس وستين.


ذكر باقي النّوّاب بصفد المحروسة بعد قشتمر المنصوري النّائب السادس والأربعون بعد المائة سنة :

المقر الرّكني عمر بن آرغون ثانيا : في ثاني عشرين شعبان سنة خمس وستين وسبعمائة ، وهؤلاء نوّاب صفد من الفتوح إلى آخر سنة منه ، وهم خمسة وأربعون نائبا ، ومن بعد المائة يأتي ذكره في النّائب السابع والأربعون ، المقر السّيفي قطلو آقتمر أمير خازندار في عاشر شعبان سنة ست وستين وسبع مائة.

النّائب الثامن والأربعون المقر السّيفي اشقتمر في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وسبعمائة ، أقام ثمانية عشر يوما.

النائب التاسع والأربعون المقر السّيفي اسندمر الزّيني ، في عشرين رجب سنة سبع وستين وسبعمائة أيضا.

النائب الخمسون المقر السّيفي جردمر أخوطاز في ثاني عشر الحجّة سنة ثمان وستين وسبعمائة ، وفي شهر رجب من هذه السّنة جاءت زلزلة عظيمة أخربت غالب قلعة صفد ، وكان بغا المظفري نائب القلعة رحم الله الجميع.

النائب الحادي والخمسون المقر السّيفي تلكتمر ، الفقيه ، في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.

النائب الثاني والخمسون المقر السّيفي علمدار الدّوادار ، في ثاني شوّال سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ، بنى بصفد باشورة بالساحة ، وحفر بركة ، وساق ماءها إلى حوض الخاصكي ، وبنى الإيوان الكبير بدار العدل.

النائب الثالث والخمسون المقر الشّرفي ، أمير موسى بن أرقطاي لتتمة خمسة وثلاثون نائبا ، من أبيه في صفر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، أقام أربعين يوما ، ومات ودفن بتربة أبيه بصفد.


النائب الرابع والخمسون المقر السّيفي جربغا ، في جمادى الأول سنة أربع وسبعين وسبعمائة.

النائب الخامس والخمسون المقر السّيفي علمدار ثانيا ، في تاسع رمضان سنة أربع وسبعين وسبعمائة أيضا.

النائب السادس والخمسون المقر السّيفي قطلوبغا المنصوري ، في صفر سنة خمس وسبعين وسبع مائة ، بنى قبّة قبلي الجامع ، دفن بها.

النائب السابع والخمسون ، المقر السّيفي اشقتمر ثانيا ، في جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين وسبعمائة.

النائب الثامن والخمسون المقر السّيفي منكلي بغا الأحمدي ، في رمضان سنة خمس وسبعين وسبعمائة ، بنى بصفد خانا ، وميضأة ، وجسرين عند عين المالحة ، وأوقف على جامع ابن صبح مزرعة دير عامص ، ونقل سدّة الجامع إلى وسطه ، ومات بحلب ، ونقل إلى القدس الشريف رحمه‌الله تعالى.

النائب التاسع والخمسون المقر السّيفي اقتمر عبد الغني ، في ذي الحجّة سنة ست وسبعين وسبعمئة ، وأقام إلى سنة سبع وسبعين ، وجاء في أيامه غلاء واستمرّ ثلاثة شهور ، وحصل بعد ذلك كلّ خير ، وبنى بصفد تربة ، وعملت زوجته ربعة بالجامع الشّهابي ، وأوقفت عليها بيت عند باب السّر.

النائب الستون المقرّ السّيفي تمرباي الخاصكي في جمادى الآخر سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ، وكان أمرد ، ومتسفره يسمّى شيخ الخاصكي أمرد.

النائب الحادي والسّتّون المقر السّيفي اقبغا الدّاودار ، في جمادى الأول سنة تسع وسبعين وسبعمائة.


النائب الثاني والسّتّون المقر السّيفي صريتمر رأس نوبه ، في شعبان سنة تسع وسبعين وسبعمائة.

النائب الثالث والسّتّون المقر العلائي اقبغا الجوهري في المحرم سنة ثمانين وسبعمائة.

النائب الرابع والسّتّون المقر السّيفي منكلي بغا الأحمدي ، ثانيا في المحرّم سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.

النائب الخامس والسّتّون المقر السّيفي تمرباي ثانيا في شعبان سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.

النائب السادس والسّتّون المقر السيفي كمشبغا نائب الشام ، كان بطالا بصفد ، جاء تقليده في نهار الخميس العشرين من جمادى الأول سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.

النائب السابع والسّتّون المقر السّيفي طشتمر الدّوادار ، في سادس عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.

النائب الثامن والسّتّون المقر السّيفي سنجق ، جاء من دمشق في شوّال سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، وتسلطن برقوق في رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة.

النائب التاسع والسّتّون المقر السّيفي تمرباي ، ثالث نيابة في حادي عشر جمادى الأول سنة خمس وثمانين وسبعمائة ، وتوفي في ثامن عشرين ، فكانت مدّة إقامته سبعة عشر يوما ، ودفن برأس الميدان.

النائب السّبعون المقر السّيفي كمشبغا ، كان بطالا ببعلبك ، جاء في رجب ثانيا سنة خمس وثمانين وسبعمائة.

النائب الحادي والسّبعون المقر السّيفي يلو ، جاء من دمشق في مستهل جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وسبعمائة ، وتوفّي في العشر الأول من شهر رمضان سنة تاريخه ، وحمل إلى دمشق المحروسة.


النائب الثاني والسّبعون المقر السّيفي أركماس ، جاء من حجوبية طرابلس في شوال سنة ست وثمانين وسبعمائة ، وفي سنة تسعين وسبعمائة وقع طاعون بصفد مات فيه أولاده ومماليكه وجواريه ، ومات هو بعدهم في شهر رجب سنة تسعين وسبعمائة ، ونقل هو وولده سيدي أحمد إلى القدس الشريف ، رحمهم‌الله تعالى ، وبنى جسرا على وادي سيرين العقبة.

النائب الثالث والسّبعون المقر السّيفي بتخاص جاء من حجوبية طرابلس في شهر رمضان سنة تسعين وسبعمائة ، واستمر إلى أن جاء النّاصري ومنطاش ، ونزل العسكر مع ايتمش ، ووقعت الوقعة على خان لاجين ، وانكسر عسكر مصر ، وجاء بعض الهاربين إلى صفد ، وكان ابن المرواني نائب غيبة وكان الصّفدي في قلعة صفد تسيب وهرب من المرواني ، وتوجّه الصفدي إلى القاهرة صحبته النّاصري ومنطاش ، ثمّ عاد إلى صفد ثانيا. وهو رابع وسبعون نائبا ، ودخل إلى صفد في مستهل شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.

النائب الخامس والسّبعون المقر السّيفي قطلوبك النّظامي ، جاء من القاهرة في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، وتوجّه الصفدي إلى القاهرة مطلوبا.

وفي هذه السنة خرج برقوق من الكرك ، ونزل على قبّة يلبغا بدمشق ، وكان اينال وقجماس معتقلين بقلعة صفد ، أطلقهم ابن الدّوادار ، وهرب النّظامي ، وجهز ابن الدّوادار وقجماس مماليك كانوا بقلعة الشّقيف إلى قبّة يلبغا ، ثمّ بعد ذلك حاصروا قلعة صفد مدّة يسيرة وهربوا.

النائب السادس والسّبعون الأمير شهاب الدين بن الهيذباني ، جهّزه برقوق من قبّة يلبغا في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، ثمّ طلب ، وجهّز عوضه المقرّ السّيفي اياز سابع وسبعون نائبا رحمهم‌الله تعالى.


النائب السابع والسّبعون الأمير فخر الدين اياز المذكور ، جهّزه برقوق من على قبّة يلبغا في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، ثمّ عاد برقوق سلطان في سنة تاريخه بعد أن نزل الملك المنصور ومنطاش ، وكان لهم وقعة عظيمة على شقحب ، وهرب منطاش ، وأخذ برقوق الملك المنصور وجميع ما كان معهم ، وطلع إلى القاهرة.

النائب الثامن والسّبعون المقر السّيفي أرغون شاه في سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وكان جاء قبل ذلك إلى صفد ، وجد اياز بدمشق في حصار منطاش ، لمّا كان بالميدان ، فتوجّه إلى دمشق واستمر إلى أن نزل برقوق ، وقتل النّاصري ، وجاء إلى صفد في سنة تاريخه ، وفي أيامه خنقوا ابن اسكندر ومن كان معه بقلعة صفد بأمر الله تعالى.

النائب التاسع والسّبعون المقر العلائي أقبغا الأطرش ، في سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، وحجّت زوجته من صفد وراح إلى التّجريدة ، وتوجّه منها إلى نيابة إلى طرابلس المحروسة.

النائب الثّمانون المقر الشّهابي أحمد بن الشيخ علي في سنة ثمانمائة ، ثمّ جهّز برقوق اعتقله بالقلعة ، ثمّ بعد قليل أفرج عنه ، وتوجّه إلى دمشق أمير كبير ، فبلغه موت برقوق رد من الطريق وعصى ، ثمّ تنم كان بدمشق جهز خلفه وخلف العثماني ، فتوجّها إليه.

النائب الحادي والثّمانون المقر العلائي الطنبغا العثماني وهو أخو تراب الملك الظّاهر (٣٥) برقوق جاء في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة أقام مدّة وتوجّه إلى الشام كما تقدّم ، توفّي السلطان الملك الظاهر برقوق ليلة الجمعة خامس عشر شوّال سنة إحدى وثمانمائة ، ودفن قبل الصلاة وجلس ولده الملك النّاصر فرج على الكرسي بعد الصلاة ، وله من العمر أربع عشرة سنة ، وعاد العثماني إلى النّيابة ، واستمرّ حتّى جاء تمرلنك ، خرج إلى التّجريدة ومسكه تمرلنك وما أطلقه إلّا من بغداد.


النائب الثاني والثمانون الأمير تمربغا المنجكي في ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة ، وكان تمرلنك دخل حلب ، فلمّا دخل تمرلنك إلى دمشق ، ونزل الملك الناصر إلى دمشق قصد بعض الأمراء أن يطلع يأخذ مصر ، دري السلطان وهرب في الليل ، فلمّا جرى ذلك هرب تمربغا المنجكي من صفد.

النائب الثالث والثمانون في الليل ، الأمير دقماق ، نزل من القاهرة ، ونزل معه شيخ نائب طرابلس ، وجرى لهم مع العرب وقعة في مرج ابن عامر ، وقتل المهمندار ، ودخل إلى صفد في مستهل المحرّم سنة أربع وثمانمائة وذلك بعد أن أحرق تمرلنك دمشق ، ونهبها ، وسبى ذراريها ، وردّ إلى بلاده لا رحمه‌الله.

النائب الرابع والثمانون الأمير سودون الحمزاوي ، كان في صفد بطال ، ثمّ عاد إلى صفد نائبا في جمادى الأول سنة أربع وثمانمائة ، وكان رجلا جبّارا ، وكان في أيامه غلاء ، وهو الذي مسك المرحوم علاء الدين ابن الدّوادار وخنقه ، وأخذ جيميع ماله ، وكانت أيامه أمان.

النائب الخامس والثمانون الأمير اقبغا السّليماني المسرطن ، في شعبان في سنة ست وثمانمائة قتله جكم بدمشق.

النائب السادس والثمانون الأمير بكتمر النّاصري جلق ، جاء من دمشق في ذي القعدة سنة سبع وثمانمائة ، وعمي سنان في القلعة ، ثمّ سلم وطلع هو إلى القلعة ، وجاء شيخ نائب الشام والأمراء الذين كانوا هربوا من القاهرة وقرا يوسف وحاصروا القلعة ، وما بلغوا أرب ، ثمّ بلغهم مجيء جكم ، فرحلوا عن صفد بعد ذلك بتمر جلق والعسكر والعشران إلى ابن بشاره فحصلت الكسرة عليهم ، وقتل من الأخيار والعوام وغيرهم ما شاء الله ، وهو الذي أسّس الصيره (٣٦) بباب القلعة.

النائب السابع والثمانون الأمير بكتمر السّاقي في شهر ربيع الآخر


سنة ثمان وثمانمائة ، وفي أيامه جاء جكم إلى مرج عيون ، راح إليه وعاد ، ومسك أبو بكر بن الميروني ، وباعه لابن بشاره ، لا جزاه الله خيرا.

النائب الثامن والثمانون الأمير طولو ، في رمضان سنة ثمان وثمانمائة ، خرج إلى التّجريدة قتل على بحرة حمص ، وكان ملكا عاقلا عادلا.

النائب التاسع والثمانون المقر العلائي الطّنبغا العثماني ، ثانيا في سنة تسع وثمانمائة ، وفي أيامه جهز جكم.

النائب التّسعون بكتمر السّاقي ثانيا من جهته ، ووصل إلى قريب صفد ، فركب عليه العثماني وطرده حتّى قطع جسر يعقوب ، وفي أيامه جاء شيخ نائب الشام ، ودمرداش ، توجّه دمرداش إلى القاهرة ، واستمر شيخ بصفد وما مكنه ابن المغيثي من القلعة ، ثمّ جاء ثاني يوم سودون الحمزاوي ، فطلع القلعة ، واستمرّ شيخ بصفد ، والعثماني ، حتّى أخذ شيخ القلعة من الحمزاوي ، وهرب الحمزاوي ، واستمرّ شيخ بصفد حتّى نزل الملك النّاصر ، نزل شيخ إلى دمشق ، وتوجّه العثماني لملاقاة السلطان الملك النّاصر.

النائب الحادي والتسعون المقر السّيفي دمرداش ، نائب حلب في سنة تسع وثمانمائة ، وبنى برج بظاهر القلعة ، وعمر بالقلعة أماكن ، ووقع أحمد بن بشاره في أيامه ، وأخذ منه مال عظيم ، وقتله لما حضر بكتمر جلق هاربا من قلعة دمشق.

النائب الثاني والتسعون الأمير قمر قماش ابن أخي دمرداش ، في خامس عشر رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة.

النائب الثالث والتسعون المقر العلائي الطّنبغا العثماني في السنة المذكورة ، بلغه أنّ عسكر خرج من الشام إليه ، طلع إلى القلعة ، ووقع بينه وبين سنان نائب القلعة مسكه سنان ، وحضر سيدي الكبير ، وتوجّه إلى غزّة خلف بكتمر جلق ، وكان نوروز عصي ، وقرقماش عنده.


النائب الرابع والتسعون الأمير علان ، جهزه الشيخ من حماة ، لمّا كان يحاصر نوروز ، في شهر رجب سنة اثنتي عشرة وثمانمائة ، وكان العثماني معتقل بقلعة صفد اعتقله سنان نائب القلعة لأجل كلام وقع بينهما ، وحاصر القلعة وهرب.

النائب الخامس والتسعون الأمير شاهين الزردكاش ، جاء من القاهرة في شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وثمانمائة ، وفي أيامه وقع موت ذريع بصفد ، حتّى بلغ في كلّ يوم مائة وعشرين نفس ، وطلب العثماني إلى القاهرة جهّزه مقيد ، وجاء إلى صفد قرقماش ، وسودون بقجه ، وشاهين الدّوادار ، ونزلوا على الجبل ، وضيّقوا على الناس ، وكان بني بشاره عند الزّردكاش ، ورحلوا المذكورين ، وما نالوا غرضا ، ثمّ إن الزردكاش تحيل على سنان وطلع إلى القلعة مغلطاي ، وقطع رأس سنان وجهزوه إلى مصر ، واستمر الزردكاش بالقلعة ، وأخذ جميع موجود سنان نائب القلعة.

النائب السادس والتسعون الأمير تغري بردي ابن أخي دمرداش ، جهّزه الملك النّاصر من دمشق في شعبان سنة ثلاث عشر وثمانمائة ، أقام مدّة يسيرة ، وطلبه السلطان لدمشق لنيابة حماة عوض سودون من عبد الرّحمن.

النائب السابع والتسعون الأمير سودون من عبد الرحمن ، جاء من حماة في ذي القعدة سنة ثلاثة عشر وثمانمائة ، أقام قليل ، وانتقل إلى غزّة.

النائب الثامن والتسعون ، الأمير قرقماش ثاني مرّة في سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وتوجّه إلى دمشق وهرب من دمشق مع العصاة إلى عند شيخ ونوروز ، ولمّا بلغهم نزول السلطان اصطلحوا ، وكان الهيذباني نائب القلعة ، وجرى ما جرى.

النائب التاسع والتسعون الأمير زين الدين الهيذياني ، نزل من القلعة ، ولاقى السلطان في اللجون ، ولبس خلعته ، ودخل نائبا إلى صفد في


شهر ذي الحجّة سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وهو آخر نوّاب الملك النّاصر فرج بن برقوق رحمه‌الله تعالى ، ولمّا توجّه الملك النّاصر خلف شيخ ونوروز ، وصل أرض اللجون ، ووقعت الوقعة هرب الملك النّاصر إلى دمشق ، وجاء دمرداش ونكباي إلى صفد ، وتوجّهوا الجميع إلى دمشق ، ورجع شيخ ونوروز ، ومن معهما إلى دمشق ، ومسكوا الملك النّاصر ، وقتلوه بدمشق ، وأجمعوا رأيهم أن يكون الخليفة أبو الفضل العبّاس بن محمد سلطان ، واستمرّ نوروز نائب الشام ، وتوجّه شيخ صحبة الخليفة إلى القاهرة ، ثمّ إنّ الله أراد ما أراد ، وتسلطن شيخ نهار الإثنين مستهل شعبان سنة خمس عشر وثمانمائة.

وكان أول من جاء نائبا إلى صفد عن الخليفة من دمشق ، قبل طلوعهم إلى القاهرة وهو تمام المائة نائب : المقر العلائي الطّنبغا القرمشي ، جاء من دمشق من عند الخليفة ، كما تقدّم في ربيع الأول ، سنة خمس عشر وثمانمائة ، وفي أيامه جاء جاني بك الصّوفي ومن معه من القاهرة وسافر إلى القاهرة ، هو وطوغان مطلوبين في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وثمانمائة.

النائب الأول بعد المائة الأمير قرقماش جاء من القاهرة ، وعاد معه طوغان أمير آخور المشار إليه ، في رابع عشرين جمادى الآخرة سنة ست عشرة وثمانمائة ، وكان دخوله يوم الخميس ، خرج القرمشي يوم الجمعة ، ثمّ بلغ قرقماش أنّ نوروز جاءه إلى صفد ، فأراد أن يطلع إلى القلعة فمنعه طوغان وتوجّه قرقماش إلى بلاد الرّملة في رجب سنة ست عشرة وثمانمائة ، واستمرّ طوغان بالقلعة ، وفيه تعدّى دمرداش في البحر في ثاني شعبان.

النائب الثاني بعد المائة الأمير طوغان ، جاء تقليده يوم الجمعة ثاني شعبان سنة ست عشرة وثمانمائة ، واستمرّ حتّى نزل وتوجّه معه.


النائب الثالث بعد المائة الأمير اسندمر ، من جهة نوروز من دمشق لحصار القلعة ، دخل في مستهل ذي القعدة سنة ست عشرة وثمانمائة ، وكان سيّدي الشيخ صارم الدين الخالدي توفّي قبل بيوم ، رحمه‌الله ، فحاصر وجاءه العشران والعربان ، وصار نوروز يمدّه كل وقت بالرّجال والزّردخانات ، وعمل في صفد مدفع نحاس زنته ثمانية عشر قنطار ، ورمى به على القلعة إحدى عشر حجر زنتهم من القنطار إلى القنطار ونصف ، وما نفع ببركة نبي الله سيّدي شعيب ، عليه وعلى نبيّنا وجميع الأنبياء السلام ، واستمرّ الحصار إلى ثالث عشر شهر ذي الحجّة ، رحلوا تلك الليلة ، ولم يسمعوا خبر ، لكن ببركة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، واستمرّ طوغان إلى أن جاء أمير خليل التوريزي.

النائب الرابع بعد المائة الأمير غرز الدين خليل التّوريزي في سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، وعصى قاتباي بدمشق ، وجاء طوغان وأرغون شاه الاستدار إلى صفد في جمادى الآخر سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، والعثماني وجماعته الامراء ، وهرب قاتباي إلى حلب ، ومسك هو وجماعة ، وقتلوا وجهزوا رؤوسهم إلى مصر.

النائب الخامس بعد المائة جارق طلي جاء من نيابة حماة ، دخل في ثالث عشر شعبان سنة عشرين وثمانمائة ، أقام مدّة ، وطلب إلى القاهرة وتوجّه ، فلمّا وصل إلى قطية مسك ، وراح إلى دمياط.

النائب السادس بعد المائة ، المقر السّيفي بردبك الخليلي ، جاء من القاهرة بعد أن طلع من طرابلس مطرودا ، ودخل صفد في ثامن جمادى الأول سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، وفي جمادى الأول حضر مرجان الطّواشي ، وأخبر بمولد الملك المؤيّد ، وتوفي بردبك الخليلي ليلة الخميس خامس عشر رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.

النائب السابع بعد المائة الأمير مردخجا ، جاء من مصر ، دخل نهار


الخميس تاسع عشر رمضان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، توجّه إلى التّجريدة صحبة سيدي ابراهيم ولد الملك المؤيّد ، وعاد إلى صفد ، فحضر سيدي فرج بن سكزباي من القاهرة في تاسع عشر شوّال سنة اثنين وعشرين وثمانمائة أمسكه ، وتوجّه ابن سكزباي مسك نكاي بدمشق ، وعاد وطلع إلى القاهرة.

النائب الثامن بعد المائة ، الأمير قطلوبغا التنمي ، جاء من القاهرة ، ودخل نهار الاثنين سادس عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثمانمائة ، وخرج من صفد هاربا في ثالث عشرين صفر ، سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وكان الملك المؤيد يوم الاثنين ثالث شهر المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة سلطن ولده سيّدي أحمد ، ولقب بالملك المظفّر ، وططر ناظر عليه ، وتوجّه التّنمي إلي عند جقمق نائب الشام لمّا بلغه أنّه عاصي ، وأنّه مسك أمراء بدمشق ، فلمّا حضر المعسكر من حلب القرمشي وطوغان ، ومن معهم بعد أن قتلوا يشبك نائب حلب جهّزوا طوغان نائب إلى صفد.

وهو التاسع بعد المائة ، فجاء إلى صفد ، وجمع العشران وحاصر القلعة حصار عظيم ، ما رأى أحد مثله ، وكان الأمير شاهين من عبد العزيز نائب القلعة ، ودخل طوغان صفد ثاني عشر ربيع الآخرة سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وفي سابع عشر أخذوا الصيرة ورحلوا من صفد هاربين في سلخة بعد أن أحرقوا دار العدل ، وكل شيء كان معهم أحرقوه ، وسافر شاهين نائب القلعة لملاقاة الملك المظفّر في ثامن جمادى الأول سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وعاد بنيابة صفد في ثالث عشرة وأمير حاج القرمشي نائب القلعة.

النائب العاشر بعد المائة الأمير شاهين من عبد العزيز ، كان نائب القلعة ، حوصر ونزل من القلعة منصورا ، وتوجّه لملاقاة السلطان الملك المظفّر ، وعاد نائبا ، وفي ثالث عشر جمادى الأول سنة أربع وعشرين


وثمانمائة ، ومعه أمير حاج القرمشي نائب القلعة ، وطوغان قرا حاجب كبير ، وأفرج عن عثمان بن ثقالة.

النائب الحادي عشر بعد المائة الأمير إينال الدوادار النوروزي ، جاء من دمشق في خامس وعشرين رمضان سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وخرج من صفد للتّجريدة نهار الخميس تاسع ذي الحجّة سنة تاريخه ، وعاد وتوجّه إلى نيابة طرابلس.

النائب الثاني عشر بعد المائة ، الأمير اينال الخزندار ، كان نائب القلعة بعد أمير حاج ، جاء تقليده بعد موت ططر في سادس عشر صفر المبارك ، سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، واستمرّ بالقلعة إلى أن حضر أخوه ثاني بك الخزندار ، نائب القلعة سلّمه القلعة في سادس عشرين الشهر تاريخه أعلاه ، ونزل بيومه إلى دار العدل.

وكانت وفاة ططر في العشر الأول من شهر ذي الحجّة سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وتسلطن بعده ولده محمد ، ولقب بالملك الصالح ، ولمّا تسلطن ططر كان يوم الجمعة ختام شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، ولقّب الملك الظّاهر بقلعة دمشق ، وتسلطن برسباي في نهار الأربعاء تاسع شهر ربيع الآخرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، ولقّب الملك الأشرف ، واستمرّ اينال بالقلعة ، وبان عليه أنّه عاصي ، ثمّ أنّه لمّا كان نهار السبت سابع شهر رجب سنة خمس وعشرين وثمانمائة مسك ناظر الجيش ، والحاجب ، وأمراء المدينة ، وأطلق المعتقلين ، وأظهر العصيان والخروج عن الطّاعة الشّريفة ، وأعطى الذين كانوا في الاعتقال الخيل ومال ، فلمّا كانت ليلة الثلاثاء سابع عشر رجب المذكور ، هرب الأمراء وعسكر المدينة ، وجماعة اينال ، ولم يبق عنده إلّا دون عشرة أنفار ، فطلع إلى القلعة ، وأخذ الصّنّاع وبضائع ، واستمرّ إلى أن جاء المقر الزّيني مقبل الدّوادار من دمشق نائب صفد بتقليد شريف ، وغلق الباب وحاصره.


النائب الثالث عشر بعد المائة المقر الزّيني مقبل الدّوادار ، دخل إلى صفد نهار الخميس رابع شعبان المكرّم سنة تاريخه ، حاصر القلعة ونقب نقب عظيم ، وجاءه منجنيق من دمشق ، وجاء بطوغان الزّردكاش من مصر وسبك مدفع ثلاثة وعشرين قنطار ، واستمرّ الحصار إلى أن يحضر نائب غزّة يونس ، وكان حضوره في ثاني عشر رمضان ، وأرسلوا من القلعة طلبوا الأمان من السلطان ، وفي ثامن عشر رمضان نزل نائب القلعة ، وتوجّه إلى القاهرة ، وعاد جوابه نهار الإثنين رابع شوّال بالأمان ، ونزل اينال من القلعة ، بعد أن نزل قماشه وحريمه ، فلمّا دخل دار السّعادة ، مسكوه ومعه جماعة ، وعادوا إلى القلعة وجماعته ومشاه ، وجهزوا يعرفوا ، وأتلف النائب من المشاة نحو ثلاثين نفر ، واستمر ينال في القلعة ، فلمّا كان ثامن عشرين من سنة تاريخه ، حضر بريدي من القاهرة وعلى يده مرسوم شريف بانفاذ قضاء الله تعالى فيهم فشنق اينال ، ودواداره وأمير آخوره ، وعلّقوا على الأبراج ، وجهزوا المماليك والمشاة الذين كانوا معه ممسوكين صحبة البريدي إلى القاهرة ، واستمرّ اينال العثماني حاجب الحجّاب بصفد ، فلمّا كان ثامن شهر الحجّة سنة تاريخه ، أعادوا المماليك من القاهرة مقطوعي الأيدي ، وأمّا أمير مقبل فإنّه استمرّ نائب بصفد ، وعمّر مزرعة جب يوسف عليه‌السلام وبناها خان للسّبيل ، وعمّر قيساريّة للتّجّار ، وعمّر فوقها أطباق وعمّر اسطبل ، وعمّر مزرعة عكّا والسّيده ومعصريّه المعشوقة والحمّام بها ، وعمّر دكاكين بالنجارين عوض ما كان بها من البيوت ، وعمّر بركة ماء ما بني مثلها قط في صفد ، وساق الذخيرة إليها ، وأحضر جرن كبير عظيم من الجبل على العجل ، واركزه بالنجارين ، وعمله للسّبيل ، وساق إليه ماء العين الذي بالميضئة ، وعمل له ثعبان ماء في سبع نحاس ، وساق من البركة إلى الجرن المذكور ، وبنى قيساريّة على جانب البركة من الشّرق ، وعمّر سجن وسوى للبركة مسكنا ، وبركة القيومية وفعل آثار حسنة بصفد ، وعمر جسر المقطع ، وخان اللجون ، وعمر طبرنا بمرج ابن


عامر ، بعد أن كانت خراب دمنة مقطع الحرامية ، وأوقف وقوفات بصفد ، وأيضا على سيدي شعيب نبي الله عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام ، وتوفّي نهار الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ، وكانت له جنازة عظيمة ما شهر بمثلها في صفد ، وكانت مدّة إقامته بصفد إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر وخمسة وعشرين يوما ، ودفن بجوار الشيخ صارم الدين الخالدي رحمهما‌الله تعالى.

النائب الرابع عشر بعد المائة اينال الشبشماني ، دخل إلى صفد نهار الخميس ثامن عشر جمادى الأول ، سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.

النائب الخامس عشر بعد المائة تمراز المؤيدي ، دخل إلى صفد نهار الخميس سادس شهر ذي الحجّة سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ، وكان أميرا بدمشق المحروسة ، وجدّد الجامع بدار العدل ، وبنى اسطبل كبير بالدوار.

النائب السادس عشر بعد المائة المقر الشّرفي يونس ، جاء من نيابة غزّة ، ودخل إلى صفد نهار الجمعة مستهل شهر ربيع الآخرة سنة أربعين وثمانمائة.

النائب السابع عشر بعد المائة الأمير اينال العلائي الأجرود ، في عاشر شهر شعبان المكرّم سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة ، بنى بيتا مربعا برأس الإيوان الكبير بدار العدل من جهة الغرب.

النائب الثامن عشر بعد المائة المقر السّيفي قانباي البهلوان ، كان أمير كبير بدمشق ، طلب إلى القاهرة ، وعاد إلى صفد نائبا ، دخل إليها نهار السبت رابع شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة ، وهو ملكا عارفا ، ذو مهابة وسياسة ، أمر بتعزيل الدّرب الذي من جب سيّدنا يوسف عليه‌السلام إلى قرية المينة. وسهل ذلك الدّرب ، ومهّده حتّى


صار دربا سالكا ، وصرف من ماله جملة على تعزيل ذلك ، ولم يكلّف أحدا من الرّعيّة إلى شيء قيمته الدّرهم الفرد ، فجزاه الله كل خير ، وأمر بفتح ماء عذب في قرية حطّين بلد سيّدنا شعيب عليه أفضل الصلاة والسلام ، وأحضر لها معمارية وقنايطة من الشام ، وحفروا على تلك العين إلى أن وصلوا إلى الجبل ، وأخرجوها ، وعملوا عليها حوض للسّبيل ، ومصطبة بمحراب مصلّاة للصّادرين والواردين من سائر المسلمين ، وله في ذلك أجر عظيم وصرف على عمل ذلك من ماله جملة ولم يكلّف أحد إلى الدّرهم الفرد ، وكان المتولّي على عمارتها الجناب الكريم العالي الزّيني ، أمير حاج بن أحمد القرمشي أحد الأمراء الطّبلخاناه بصفد المحروسة ، رحم الله سلفه ، وختم له بخير بحقّ محمد وآله ، ولمّا فرغ من العين المذكورة أمر بتوجيه المعمارية إلى جب يوسف عليه‌السلام ، ورسم لهم بتسليط أرض الجب ، وعمل في النّاصرة سبيل للصّادرين والواردين ، عند الحمّام ، وحصل له بذلك أجرا عظيما ، ولله الحمد والمنّة.

النائب التاسع عشر بعد المائة المقر السّيفي بيغوت المؤيدي ، جاء من نيابة حمص ، ودخل إلى صفد نهار الخميس ثاني شهر رجب الفرد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة ، وكان ملكا ذا مهابة وحرمة ، وكان سفّاكا للدم ، ذو طمع في أموال الناس ، بل إنّه عمل معروف بنى سبيل عند دار السعادة ، ودكاكين ستّة في الساحة لزيق السّبيل ، وخرج من صفد المحروسة نهار الخميس تاسع عشرين شهر شعبان المكرّم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ، وكانت مدّته ثلاث سنين وشهر وتسعة وعشرين يوما تاريخه.

النائب العشرون بعد المائة المقر السّيفي يشبك الحمزاوي جاء من نيابة غزّة ، ودخل إلى صفد نهار السبت تاسع شهر رمضان المعظّم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ، ثمّ بعد ذلك توفّي في صفد المحروسة نهار


الجمعة بعد العصر ، ودفن بها نهار السبت سادس عشرين رمضان المعظّم قدره سنة خمس وخمسين وثمانمائة ، وكانت مدّته أربع سنين إلّا خمسة أيام.

النائب الحادي والعشرون بعد المائة المقر السّيفي بيغوت المؤيدي ثانيا ، جاء من دمشق المحروسة ، وكان أميرا بدمشق المحروسة ، ودخل إلى صفد المحروسة نهار الإثنين ثاني عشر ذي القعدة الحرام سنة خمس وخمسين وثمانمائة.

وكان الفراغ من كتابة هذه النّسخة البليغة ، المفردة العظيمة ، نهار الإثنين المبارك ، في نحو خمسة عشر يوما خلت من شهر ربيع الأول سنة (١٠٩٦) ست وتسعين وألف ، على يدي الفقير الحقير المعترف بالعجز والتّقصير ، السّيّد كمال الدين الدّسوقي نسبا ، الشّافعي مذهبا ، البقاعي بلدا ، عامله الله تعالى والمسلمين بخفيّ لطفه ، وكفاه من شرّ الشيطان ونفسه ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.



الحواشي

١ ـ وقب الظلام : دخل ، ووقبت الشمس وغيرها من الشهب : غابت ، والقمر دخل في الخسوف ، المعجم الوسيط.

٢ ـ الحاشر : هو الذي يحشر الناس على قدميه. أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعانيها لأحمد بن فارس ط. الكويت ١٩٨٩ ص ٣٢

٣ ـ العاقب : آخر الأنبياء ـ ابن فارس ص ٣٣

٤ ـ انظر ملحق قائمة بأسماء نواب نيابة صفد.

٥ ـ أخرجت في موسوعتي عن الحروب الصليبية مجلدا خاصا حول رهبانية الداوية

٦ ـ سورة ابراهيم ـ الآية : ٤٩.

٧ ـ سوف يذكره المؤلف بين الذين تسلموا القضاء في صفد.

٨ ـ مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، قسم ممالك : مصر ، والشام ، والحجاز ، واليمن ـ ط. القاهرة ١٩٨٥ ص ٨٣٤ مع فوارق.

٩ ـ أي الليطاني.

١٠ ـ الوزغ : من الزواحف ، سام أبرص. المعجم الوسيط.

١١ ـ كانت عكا مقر مملكة القدس الصليبية الثانية ، فتحها الأشرف خليل عام ١٢٩١ ، وبذلك أنهى قرابة القرنين من الاحتلال الصليبي لأجزاء من بلاد الشام.

١٢ ـ تبعد الرينة عن الناصرة / ٥ كم / إلى الشمال الشرقي منها. معجم بلدان فلسطين ـ لمحمد محمد شراب ، ط. دمشق ١٩٨٧.

١٣ ـ فرط السمنة.


١٤ ـ من معاصري السلطان بيبرس ، وأهل الجهاد في أيامه.

١٥ ـ في الأصل «أقسملها» رجحت أنها تصحيف «أترنجها» اعتمادا على ما ورد عند شيخ الربوة (انظر وصفه بين الملاحق).

١٦ ـ نسبة إلى فرعم : قرية إلى الشمال من مدينة صفد. معجم بلدان فلسطين.

١٧ ـ لم أجدها في المعاجم المختصة ، وأظنها تصحيف «لكفر كما».

١٨ ـ من بقايا الاصطلاحات الصليبية ، أي قارورة ، ومن المفيد مقارنة هذا الوصف مع وصف شيخ الربوة الموجود بين الملاحق.

١٩ ـ معركة حمص ـ انظر حولها المجلد ٦٩ من موسوعني عن الحروب الصليبية ص ١٤٢ ـ ١٥٥.

٢٠ ـ سورة هود ـ الآية : ٤٤.

٢١ ـ مرج الصفر هي منطقة الكسوة ، وذكيان هي بلدة ذاكية الحالية ، وعلى مقربة منها شقحب ، من أعمال محافظة ريف دمشق ، انظر حول هذه المعركة الحاسمة في سنة ٧٠٢ ه‍ ، موسوعتي عن الحروب الصليبية المجلد ٦٩ ص ٣٣٤ ـ ٣٤٣.

٢٢ ـ السلطان هنا الناصر محمد بن قلاوون ، وتنكز أشهر نواب دمشق في أيامه.

٢٣ ـ الطلب : سرية من المماليك خاصة بأمير من الأمراء ، فيها ما بين ٧٠ إلى ٢٠٠ فارس.

٢٤ ـ غتم غتما : لم يفصح لعجمه في منطقه. المعجم الوسيط.

٢٥ ـ انظر السلوك للمقريزي (ط. القاهرة ١٩٥٨) ج ٢ ـ ق ٣ ص ٨٢٦.

٢٦ ـ انظر السلوك ـ نفسه ص ٨٨٠ ، حيث هناك فوارق بالتفاصيل.


٢٧ ـ استولى الفرنجة على صيدا سنة ٧٥٧ ه‍. انظر السلوك ج ٣ ، ق ٣ ص ٢٨(ط. القاهرة ١٩٧٠).

٢٨ ـ حكي بأن نور الدين رأى في المنام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعرف بوجود مؤامرة فرنجية لحفر سرداب إلى قبره عليه الصلاة والسلام ، فقصد المدينة مسرعا ، وعمل أسيجة حديدية أنزلها عميقا حول الضريح ، وألقى القبض على المتآمرين.

٢٩ ـ سورة الشعراء ـ الآية : ٨٤.

٣٠ ـ الجنيد بن محمد البغدادي (ت ٢٩٧ ه‍ / ٩١٠ م) كان إمام الدنيا في زمانه ، ومن أهم علماء التصوف. الأعلام للزركلي.

٣١ ـ سورة الزخرف ـ الآية : ٥٩.

٣٢ ـ الرتوت : الرؤساء.

٣٣ ـ في هامش الأصل بالخط نفسه : ومن هنا حذف فليراجع.

٣٤ ـ كذا وهو وهم ، فقد ظهرت الدولة الفاطمية أولا عام ٢٩٧ ه‍ / ٩٠٩ م في المغرب ثم بعد ذلك بمدة طويلة ظهر المهدي بن تومرت ، وكان عبد المؤمن بن علي الكومي (٥٢٤ ـ ٥٥٨ ه‍ / ١٣٣٠ – ١٣٦٣) مأول خلفاء دولة الموحدين.

٣٥ ـ كذا بالأصل وهو غير مفهوم.

٣٦ ـ أي حظيرة للدواب. المعجم الوسيط.


الملاحق

ملحق رقم (١)

جدول تاريخي بأسماء السلاطين المماليك

(عندما تتوافق نهاية حكم أحد السلاطين مع بداية حكم آخر يذكر تاريخ وصول السلطان الأول).

١ ـ المماليك البحرية :

ه م

٦٤٨ / ١٢٥٠ ـ شجر الدر.

٦٤٨ / ١٢٥٠ ـ المعز عز الدين أيبك.

٦٥٥ / ١٢٥٧ ـ المنصور نور الدين علي.

٦٥٧ / ١٢٥٩ ـ المظفر سيف الدين قطز.

٦٥٨ / ١٢٦٠ ـ الظاهر ركن الدين بيبرس الأول البندقداري.

٦٧٦ / ١٢٧٧ ـ الملك السعيد ناصر الدين بركة خان بن بيبرس.

٦٧٨ / ١٢٨٠ ـ العادل بدر الدين سلامش.

٦٧٨ / ١٢٨٠ ـ الملك المنصور سيف الدين قلاوون.

٦٨٩ / ١٢٩٠ ـ الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون.

٦٩٣ / ١٢٩٤ ـ الملك الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون (مرة أولى).

٦٩٤ / ١٢٩٤ ـ الملك العادل زين الدين كتبغا.


٦٩٦ / ١٢٩٦ ـ الملك المنصور حسام الدين لاجين.

٦٩٨ / ١٢٩٩ ـ الملك الناصر محمد (المرة الثانية).

٧٠٨ / ١٣٠٩ ـ الملك المظفر ركن الدين بيبرس الثاني الجاشنكير (البرجي).

٧٠٩ / ١٣١٠ ـ الملك الناصر محمد (المرة الثالثة).

٧٤١ / ١٣٤١ ـ الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الناصر محمد.

٧٤٢ / ١٣٤١ ـ الملك الأشرف علاء الدين قجق بن الناصر محمد.

٧٤٣ / ١٣٤٢ ـ الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد.

٧٤٣ / ١٣٤٣ ـ الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد.

٧٤٦ / ١٣٤٥ ـ الملك الكامل سيف الدين شعبان بن الناصر محمد.

٧٤٧ / ١٣٤٧ ـ الملك المظفر سيف الدين حاجي الأول بن الناصر محمد.

٧٤٨ / ١٣٤٧ ـ الملك الناصر ناصر الدين الحسن بن الناصر محمد (المرة الأولى).

٧٥٢ / ١٣٥١ ـ الملك الصالح صلاح الدين صالح بن الناصر محمد.

٧٥٥ / ١٣٥٤ ـ الحسن (مرة ثانية).

٧٦٢ / ١٣٦١ ـ الملك المنصور صلاح الدين محمد بن حاجي.

٧٦٤ / ١٣٦٣ ـ الملك الأشرف ناصر الدين شعبان الثاني.

٧٧٨ / ١٣٧٦ ـ الملك المنصور علاء الدين علي بن شعبان.

٧٨٣ / ١٣٨٢ ـ الملك الصالح صلاح الدين حاجي بن شعبان الثاني.

٢ ـ المماليك البرجية الشراكسة :

٧٨٤ / ١٣٨٢ ـ الملك الظاهر سيف الدين برقوق بن أنس العثماني اليلبغاوي.


٧٩١ / ١٣٨٩ ـ الملك الصالح حاجي (مرة ثانية ، توفي ٨١٤ / ١٤١٢) ولقبه الملك المظفر.

٧٩٢ / ١٣٩٠ ـ برقوق (مرة ثانية).

٨٠١ / ١٣٩٩ ـ الملك الناصر ناصر الدين فرج بن برقوق (مرة أولى).

٨٠٨ / ١٤٠٥ ـ الملك المنصور عز الدين عبد العزيز بن برقوق.

٨٠٨ / ١٤٠٥ ـ فرج (مرة ثانية).

٨١٥ / ١٤١٢ ـ الخليفة العباسي المستعين.

٨١٥ / ١٤١٢ ـ الملك المؤيد سيف الدين شيخ المحمودي.

٨٢٤ / ١٤٢١ ـ الملك المظفر أحمد بن المؤيد شيخ.

٨٢٤ / ١٤٢١ ـ الملك الظاهر سيف الدين ططر.

٨٢٤ / ١٤٢١ ـ الملك الصالح ناصر الدين محمد بن ططر.

٨٢٥ / ١٤٢٢ ـ الملك الأشرف سيف الدين برسباي.

٨٤١ / ١٤٣٧ ـ الملك العزيز جمال الدين يوسف بن برسباي.

٨٤٢ / ١٤٣٨ ـ الملك الظاهر سيف الدين جقمق.

٨٥٧ / ١٤٥٣ ـ الملك المنصور فخر الدين عثمان بن جقمق.

٨٥٧ / ١٤٥٣ ـ الملك الأشرف سيف الدين إينال العلائي الظاهري الأجرود.

٨٦٥ / ١٤٦١ ـ الملك المؤيد شهاب الدين أحمد بن ينال.

٨٦٥ / ١٤٦١ ـ الملك الظاهر سيف الدين خشقدم.

٨٧٢ / ١٤٦٧ ـ الملك الظاهر سيف الدين يلباي.


٨٧٢ / ١٤٦٧ ـ الملك الظاهر تمربغا.

٨٧٢ / ١٤٦٨ ـ الملك الأشرف سيف الدين قايتباي.

٩٠١ / ١٤٩٦ ـ الملك الناصر محمد بن قايتباي.

٩٠٤ / ١٤٩٨ ـ الملك الظاهر قانصوه.

٩٠٥ / ١٥٠٠ ـ الملك الأشرف جانبلاط.

٩٠٦ / ١٥٠١ ـ الملك العادل سيف الدين طومان باي.

٩٠٦ / ١٥٠١ ـ الملك الأشرف قانصوه الغوري.

٩٢٢ / ١٥١٧ ـ الملك الأشرف طومان باي.


ملحق (٢)

نواب صفد بعد الذين ورد ذكرهم في تاريخ صفد

١ ـ الأمير محمد بن مبروك الناصري : ولي نيابة صفد بعد وفاة الأمير يشبك الحمزاوي في رمضان ٨٥٥ ه‍ / تشرين الأول ـ أكتوبر ١٤٥١ م (١).

٢ ـ الأمير خجا المؤيدي الأعرج : أعيد إلى نيابة صفد بعد محمد بن مبروك الناصري ولم نتمكن من معرفة تاريخ ذلك غير أن هذا الأمير كان نائبا لصفد سنة ٨٥٦ ه‍ / ١٤٥٢ م ، واستمر بها حتى وفاته في شعبان ٨٥٧ ه‍ / آب ـ أغسطس ١٤٥٣ م (٢).

٣ ـ الأمير اياس الطويل : ولي نيابة صفد بعد وفاة الأمير المؤيدي الأعرج وكان قبل ذلك يشغل منصب أتابك العسكر بطرابلس وقد استمر حوالي سنتين على نيابتها (٣).

٤ ـ الأمير جاني بك التاجي : تولى نيابة صفد خلفا للأمير اياس الطويل في شعبان سنة ٨٥٩ ه‍ / تموز ـ آب ١٤٥٥ م (٤).

٥ ـ الأمير خاير بك النوروزي القصروي : نقل في ربيع الآخر سنة ٨٦٣ ه‍ / أيار ـ مايو ١٤٥٨ م من نيابة غزة إلى نيابة صفد خلفا للأمير جاني بك التاجي الذي نقل إلى نيابة حماة (٥).

٦ ـ الأمير تمراز الأشرفي : ولي نيابة صفد في رمضان سنة ٨٦٥ ه‍ / يونيو ١٤٦١ م من أجل استرضائه لأنه اتفق مع نائب الشام الأمير جانم على العصيان ، وحضرا بالعساكر إلى مصر فأزعجا بذلك السلطان ، فعين تمراز نائبا لصفد خلفا لخاير بك النوروزي لإضعاف جانب الأمير جانم نائب الشام ، وفر تمراز من صفد في صفر ٨٦٦ ه‍ / تشرين الثاني ـ نوفمبر ١٤٦١ م لأنه أحس بمؤامرة للقبض عليه (٦).

٧ ـ الأمير جاني بك الناصري : ولي نيابة صفد خلفا لتمراز الأشرفي في الوقت الذي اختفى به وكان قبل ذلك حاجب الحجاب بدمشق (٧).


٨ ـ الأمير خاير بك النوروزي القصروي : نقل من نيابة غزة إلى نيابة صفد في رمضان ٨٦٦ ه‍ / حزيران ـ يونيو ١٤٦٢ م خلفا للأمير جاني بك الناصري الذي نقل إلى نيابة حماة (٨).

٩ ـ الأمير بلاط اليشبكي : عين في نيابة صفد في جمادى الأولى سنة ٨٦٧ ه‍ / شباط فبراير ١٤٦٣ م خلفا للأمير خاير بك القصروي الذي أعطي تقدمة ألف بدمشق ، وتولي الأمير بلاط مقابل مال بذله وهي المرة الأولى التي منح فيها منصب نيابة صفد مقابل مبلغ من المال (٩).

١٠ ـ الأمير يشبك قلق المؤيدي : ولي نيابة صفد في جمادى الأولى سنة ٨٦٨ ه‍ / تشرين الثاني ـ نوفمبر ١٤٦٣ م خلفا للأمير بلاط اليشبكي الذي نقل إلى حماة وكان أحد الأمراء المقدمين بدمشق (١٠).

١١ ـ الأمير جكم الأشرفي المشهور بخال العزيز : ولي نيابة صفد في ربيع الأول سنة ٨٧٠ ه‍ / تشرين الثاني ـ نوفمبر ١٤٦٥ م خلفا ليشبك قلق المؤيدي وقد جاء إلى صفد منقولا من نيابة غزة ، واستمر نائبا بصفد حتى وفاته في ١٥ صفر سنة ٨٧٥ ه‍ / أيلول ـ سبتمبر ١٤٧٠ م (١١).

١٢ ـ الأمير أرغون شاه الأشرفي برسباي : ولي نيابة صفد بعد وفاة نائبها الأمير جكم الأشرفي ولا نعرف التاريخ الذي عزل به (١٢).

١٣ ـ الأمير بردبك جرباش : أحد أقارب السلطان الملك الأشرف قايتباي ، لا نعرف التاريخ الذي ولي به نيابة صفد ولا التاريخ الذي عزل به لكنه كان سنة ٨٨٢ ه‍ / ١٤٨٧ م (السنة التي قام بها السلطان قايتباي بجولته التفقدية لبلاد الشام) نائبا لصفد (١٣).

١٤ ـ الأمير جاني بك السيفي قايتباي الأشرفي : لا نعرف التاريخ الذي تولى به نيابة صفد ولكننا نعرف أنه عزل في ١٧ ربيع الآخر سنة ٨٨٥ ه‍ / ٢٦ حزيران ـ يونيو ١٤٨٠ م (١٤).


١٥ ـ الأمير جاني بك ألماس شاد الشرابخاناه : ولي نيابة صفد إثر عزل جاني بك السيفي واستمر بها حتى محرم سنة ٨٨٧ ه‍ / آذار ـ مارس ١٤٨٢ م حيث نقل إلى الكرك (١٥).

١٦ ـ الأمير إينال الخسيف : ولي نيابة صفد بعد نقل جاني بك ألماس منها إلى الكرك واستمر بها حتى ٢٧ محرم سنة ٨٩٢ ه‍ / ٢٣ كانون الثاني ـ يناير ١٤٨٧ م (١٦).

١٧ ـ الأمير يلباي الإينالي : ولي نيابة صفد خلفا للأمير إينال الخسيف الذي نقل إلى حجوبية الحجاب بدمشق ، وقد بذل هذا الأمير في سبيل نيابة صفد مبلغ عشرين ألف دينار (١٧).

١٨ ـ الأمير أزدمر المسرطن : عين في شوال سنة ٨٩٦ ه‍ / آب ـ أغسطس ١٤٩١ م خلفا للأمير يلباي الإينالي (١٨).

١٩ ـ الأمير آقباي : نقل في جمادى الأولى ٨٩٩ ه‍ / شباط فبراير ١٤٩٤ م من نيابة غزة خلفا لأزدمر المسرطن (١٩).

٢٠ ـ الأمير كرتباي : ولي نيابة صفد في مستهل رجب سنة ٩٠٠ ه‍ / ٢٧ آذار ـ مارس ١٤٩٥ م وكان قبل ذلك نائبا لقلعة حلب وقد توجه إلى مقر عمله في ٢٤ رجب من العام نفسه / ١٩ نيسان ـ أبريل ١٤٩٥ (٢٠).

٢١ ـ الأمير بردبك : ولي نيابة صفد في ٩ محرم سنة ٩٠٢ ه‍ / ايلول ـ سبتمبر ١٤٩٦ م خلفا للأمير كرتباي واستمر حتى ٣ محرم سنة ٨٩٥ ه‍ / ١١ آب ـ أغسطس ١٤٩٩ (٢١).

٢٢ ـ الأمير يلباي الإينالي : أعيد إلى نيابة صفد إثر عزل الأمير بردبك ولكنه لم يمض سوى شهر هذه المرة فقد عزل في ٢٥ محرم ٩٠٥ ه‍ / ١ ايلول ـ سبتمبر ١٤٩٦ م (٢٢).

٢٣ ـ الأمير قانصوه اليحياوي : ولي نيابة صفد بعد الأمير يلباي واستمر في


نيابة صفد حتى ١٢ ذي الحجة سنة ٩٠٦ ه‍ / تموز ـ يوليو ١٥٠١ م حيث نقل إلى حجوبية دمشق (٢٣).

٢٤ ـ الأمير سودون الدواداري : ولي نيابة صفد إثر نقل الأمير قانصوه اليحياوي واستمر حتى شعبان ٩١٠ ه‍ / كانون الثاني يناير ١٥٠٥ م حيث نقل إلى نيابة حماة (٢٤).

٢٥ ـ الأمير يخشاي : ولي نيابة صفد إثر نقل الأمير سودون الدواداري إلى حماة واستمر حتى ٢ ربيع الأول ٩١١ ه‍ / ٣ آب ـ أغسطس ١٥٠٥ م (٢٥).

٢٦ ـ الأمير قانصوه الجمل : ولي نيابة صفد إثر عزل الأمير يخشاي وقد نقل إليها من حجوبية دمشق (٢٦).

٢٧ ـ الأمير جان بردي الغزالي : ولي نيابة صفد في رجب سنة ٩١٥ ه‍ / تشرين الثاني ـ نوفمبر ١٥٠٩ م خلفا للأمير قانصوه الجمل وفي سنة ٩١٦ ه‍ / ١٥١٠ ـ ١٥١١ أضيفت إليه نيابة الكرك مع نيابة صفد واستمر حتى ربيع الآخر سنة ٩١٨ ه‍ / أيار ـ مايو ١٥١٢ م (٢٧).

٢٨ ـ الأمير طراباي : ولي نيابة صفد في ربيع الآخر ٩١٨ ه‍ / أيار ـ مايو ١٥١٢ م إثر نقل الأمير جان بردي الغزالي إلى نيابة حماة. وقد تولى هذا الأمير نيابة صفد لقاء مبلغ كبير من المال وبعد مسعى طويل (٢٨).

٢٩ ـ الأمير يوسف نائب القدس : عين في ١٤ جمادى الآخر سنة ٩٢١ ه‍ / ٢٤ تموز ـ يوليو ١٥١٥ م في نيابة صفد وذلك خلفا للأمير طراباي وكان هذا الأمير قد سعى إلى هذا المنصب ببذل مبلغ كبير من المال حتى تمكن من الوصول إليه (٢٩).

٣٠ ـ الأمير طراباي : أعيد إلى نيابة صفد في ربيع الأول سنة ٩٢٢ ه‍ / نيسان ـ أبريل ١٥١٦ م واستمر على نيابة صفد حتى سقطت بلاد الشام بيد العثمانيين بعد هزيمة المماليك ومقتل سلطانهم في موقعة مرج دابق في ٢٥ رجب ٩٢٢ ه‍ / ٢٤ آب ـ أغسطس ١٥١٦ م (٣٠).


حواشي (نواب صفد)

١ ـ السخاوي ، التبر المسبوك ، ص ٣٤٨ ، ٣٨١.

٢ ـ ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة ، ج ١٥ ، ص ٤٣٧ ، ٤٥١ والسخاوي ، التبر المسبوك ، ص ٣٨١ ، والسخاوي ، الضوء اللامع ، ج ٣ ، ص ٢٣ ، وابن اياس ، بدائع الزهور ، ج ٢ ، ص ٢٩٢.

٣ ـ ابن اياس ، بدائع الزهور ، ج ٢ ، ص ٣١ ، ٣٣٠.

٤ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٣٣٠.

٥ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٣٩٠.

٦ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٣٩٠.

٧ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٣٩٠.

٨ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٤٠٣.

٩ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٤٠٣.

١٠ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٤١٨ ، وابن طولون ، اعلام الورى ، ص ٥٨.

١١ ـ ابن إياس ، بدائع الزهور ، ج ٢ ، ص ٤٣٤ ، والصيرفي ، انباء الهصر بأنباء العصر ، ص ٦ ـ ٧ ، ١٣٦.

١٢ ـ الصيرفي ، انباء الهصر ، ص ٣٠٤.

١٣ ـ ابن الجيعان ، القول المستظرف ، ص ٩١ ـ ٩٢.

١٤ ـ الصيرفي ، انباء الهصر ، ص ٥٠٥.

١٥ ـ الصيرفي ، المصدر نفسه ، ص ٥٠٥ ، وابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٢٦ ، ٧٣.


١٦ ـ ابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٢٦ ، ٧٣.

١٧ ـ ابن طولون ، المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٧٣ ، ٨٥.

١٨ ـ ابن طولون ، المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ١٤١.

١٩ ـ ابن طولون ، المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٥٥.

٢٠ ـ المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ١٦٤.

٢١ ـ المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ١٦٩ ، ١٨٤ ، ١٨٧ ، وابن طولون ، اعلام الورى ، ص ٨٥.

٢٢ ـ ابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٢٢٠ ، وابن طولون ، اعلام الورى ، ص ٩٩.

٢٣ ـ ابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٢٢٣ ـ ٢٢٣.

٢٤ ـ ابن طولون ، المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٢٤٣ ، ٢٨٦ ، وابن طولون ، اعلام الورى ، ص ١٣٨.

٢٥ ـ ابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ١ ، ص ٢٨٦ ، ٢٩١.

٢٦ ـ ابن طولون ، المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٢٩١ ، وابن طولون ، اعلام الورى ، ص ١٦٩.

٢٧ ـ ابن إياس ، بدائع الزهور ، ج ٤ ، ص ١٦٢ ، ١٩٢ ، ٢٦٧.

٢٨ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٤ ، ص ٢٦٧.

٢٩ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٤ ، ص ٢٦٧ ، ٤٦٢ ، وج ٥ ، ص ٤.

٣٠ ـ ابن إياس ، المصدر نفسه ، ج ٥ ، ص ٢٣ ، وابن طولون ، مفاكهة الخلان ، ج ٢ ، ص ٢٥.


ملحق رقم (٣)

نص رسالة هولاكو إلى السلطان المظفر قطز

ـ نقلا عن كتاب السلوك للمقريزي –

(١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٩)

من ملك الملوك شرقا وغربا ، القان الأعظم ، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء. يعلم الملك المظفر قطز ، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم ، يتنعمون بأنعامه ، ويقتلون من كان في سلطانه بعد ذلك. يعلم الملك المظفر قطز ، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته ، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال ، أنا نحن جند الله في أرضه ، خلقنا من سخطه ، وسلطنا على من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر ، وعن عزمنا مزدجر ، فاتعظوا بغيركم ، وأسلموا إلينا أمركم ، قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ. فنحن ما نرحم من بكى ، ولا نرق لمن شكى. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد ، وطهرنا الأرض من الفساد ، وقتلنا معظم العباد. فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم ، وأي طريق تنجيكم ، وأي بلاد تحميكم؟ فما من سيوفنا خلاص ، ولا من مهابتنا مناص. فخيولنا سوابق ، وسهامنا خوارق ، وسيوفنا صواعق ، وقلوبنا كالجبال ، وعددنا كالرمال. فالحصون لدينا لا تمنع ، والعساكر لقتالنا لا تنفع ، ودعاؤكم علينا لا يسمع. فإنكم أكلتم الحرام ، ولا تعفون عند كلام ، وخنتم العهود والأيمان ، وفشا فيكم العقوق والعصيان. فأبشروا بالمذلة والهوان ، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فمن طلب حربنا ندم ، ومن قصد أماننا سلم. فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم ، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وإن خالفتم هلكتم ، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم. فقد حذر من أنذر ، وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة ، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة ، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة. فكثيركم عندنا قليل ، وعزيزكم عندنا ذليل ، وبغير الأهنة ما لملككم عندنا سبيل.


فلا تطيلوا الخطاب ، وأسرعوا الجواب. قبل أن تضرم الحرب نارها ، وترمي نحوكم شرارها ، فلا تجدون منا جاها ولا عزا ، ولا كافيا ولا حرزا ، وتدهون منا بأعظم داهية ، وتصبح بلادكم منكم خالية. فقد أنصفناكم إذ راسلناكم وأيقظناكم إذ حذرناكم ، فما بقي لنا مقصد سواكم. والسلام علينا وعليكم ، وعلى من أطاع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى.

ألا قل لمصرها هلاون قد أتى

بحد سيوف تنتضى وبواتر

يصير أعز القوم منها أذلة

ويلحق أطفالا لهم بالأكابر


ملحق رقم (٤)

وصف صفد نقلا عن كتاب نخبة الدهر في عجائب البر

والبحر تصنيف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي طالب

الأنصاري ـ شيخ الربوة

(٢١٠ ـ ٢١٣)

والقسم السادس مملكة صفد ومضافاتها : وصفد حصن بقبة جبل كنعان في أرض الجرمق ، كانت قرية فبني مكانها حصن سميت صفت ثم قيل صفد ، وهو حصن منيع وكان بها طائفة من الفرنج يقال لهم الداوية فحصرهم فيها الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي وفتحها وقتل كل من فيها على رأس تل بالقرب منها ، ثم رماها وبنى في وسطها برجا مدورا سماه قلة ، ارتفاعه في السماء مائة وعشرون ذراعا وقطره سبعون ذراعا وإلى سطحه طريقتان يصعد في الطريق إلى أعلاه خمسة أفراس صفا بلا درج في ممشى حلزون ، وهو ثلاث طبقات أبنية ومنافع وقاعات ومخازن ، وتحت كله بئر للماء من الشتاء يكفي لأهل الحصن من الحول ، إلى الحول أشبه بمنارة اسكندرية ، وبهذا الحصن بئر تسمى الساتورة ، وعمقه مائة وعشرة أذرع في ستة أذرع بذراع النجار ، والدلاء التي لها بتاتي من الخشب تسع البتية نحو قلة ماء من الماء ، وهما بتيتان في حبل واحد يسمى سرباق ، كغلظ زند الإنسان ، وكلما وصلت بتية إلى الماء وصلت الأخرى إلى رأس البئر ، وكلما وصلت واحدة إلى رأس البئر وصلت الأخرى إلى الماء ، وعلى رأس البئر ساعدان من حديد بكفين وأصابع تتعلق الأصابع في حافة البتية الملآنة وتجذبها الكفان فينصب الماء في حوض يجري فيه إلى مقره ، فإذا انصب الماء من البتية حصل القصد. والجاذب لهاتين البتيتين مرمة هندسية بقسي ودوائر وحركات لا يزال ذلك السرباق راكبا على بكرته طردا وعكسيا ، يمنة ويسرة ، وحول المرمة بغال معلمات تدور بذلك ، فإذا سمع البغل الدائر خرير الماء وجر السلسلة انقلب راجعا على عقبه ، ودار يمشي في مرتبته بخلاف ما كان يمشي ، إلى أن يسمع خرير الماء وجر


السلسلة ، فينقلب دائرا إلى خلاف دورته كذلك أبدا ، وهي من أعاجيب الدنيا ، فإذا وقف واقف وتكلم كلمة واحدة في رأس البئر سمع رجع صوته بتلك الكلمة نازلا نحو لحظة جيدة حتى يبلغ الماء ، ثم يعود إليه فيسمعه كما قالها فإن صاح وغلب سمع دويا واضطرابا بذلك الصياح كالرعود لبعد الماء وعمقه ، والكفان الحديد مثلهما في وضعهما كهذه الهيئة والله أعلم.

ومن البلاد والأعمال المضافة إلى صفد ثغر شقيف وهو حصن منيع فتحه الملك الظاهر من الإفرنج ، وله عمل واسع ونهر ليطة [الليطاني] يمر تحت جبله.

ومعليا قلعة مليحة جبلية حصينة وبأرض معليا القرين قلعة مليحة منيعة بين جبلين ، كان ثغرا للفرنج فتحه الملك الظاهر «ره» وله واد نزه معروف به من أنزه البقاع وبه من الكمثرى المسكي المعطر الرائحة الطيب الطعم ما لا بغيره ومن الإترنج ما تكون الثمرة الواحدة نحو ستة أرطال دمشقية. وجبل عاملة عامرة بالكروم والزيتون والخروب والبطم وأهله رافضة (إمامية) ، وجبل جبع كذلك أهله رافضة ، وهو جبل عال كثير المياه والكروم والفواكه. وجبل جزين كثير المياه والفواكه ، وقلعة شقيف تيرون قلعة حصينة على جبل عال ولها عمل (ولها) نائب ، ولم يحكم عليها منجنيق. وجبل تبنين وله قلعة ولها أعمال وولاية وهم رافضة إمامية. وقلعة هونين وهي على حجر واحد ولها أعمال ، والخيط وهو قطعة من الغور الأعلى شبيه بأرض العراق في الأرز والطير والماء السخن والزروع المنجبة.

ومن أعمال صفد مرج عيون. وأرض الجرمق وهي مدينة قديمة عادية كانت بها طائفة من العبرانيين ينسبون إليها يقال لهم الجرامقة ، والكنعانيون بوادي كنعان بن نوح عم ، ومن عملها جبل بقعة وبه قرية يقال لها البقيعة لها أمياء جارية ، ولها سفرجل مليح ، وبه قرى كثيرة الزيتون والفواكه والكرم ، وجبل الزابود مشرف على صفد ، والزابود قرية ، وبها أيضا قرى كثيرة وأهل هذا الجبل دروز وحاكمية وآمرية ، وهم قوم دهرية حلولية يكذبون الرسل ، وينكرون الشرائع ، ويعتقدون التناسخ وأن لا بعث ولا نشور ، ويأكلون لحم الخنزير والميتة (ولا يصومون ولا يصلون ولا يحجون ولا يزكون) ويعتقدون أن الحاكم ظهر مظهر الإله ، تع وتقدس


عما يقولون علوا كبيرا. ومن عملها طبرية ، وكانت قصبة الأردن ، وهي مدينة مستطيلة على شاطىء بحيرتها ، وطول البحيرة اثنا عشر ميلا ، وعرضها ستة أميال ، والجبال تكتنفها ، ومنها يخرج نهر الشريعة ويصب في بحيرة زغر ، وعلى شاطىء بحيرة طبرية منابع حارة شديدة الحرارة تسمى الحمامات ، وماء هذه المنابع ملحي كبريتي نافع من ترهل البدن ومن الجرب الرطب ، ومن غلبة البلغام ، وافراط العبالة يقال أن في البحيرة قبر سليمان بن داود عم ، وحطين بها قبر شعيب عم ، وعلى هذه القرية كانت وقعة عظيمة بين المسلمين والافرنج (وكان ملك المسلمين صلاح الدين) وكسر الإفرنج على قرني حطين وقتل منهم خلق كثير وأسر ملوكهم وبنى على قرني حطين ، قبة يقال لها قبة النصر ، ومن أعمالها كفركنا وهي قرية كبيرة بها مقدمو العشائر ، ورؤساء الفتن يسمون قيس الحمراء ولها من الأعمال البطوف ويسمى مرج الغرق ، وهي بين جبال محيطة بها من كل مكان ومياهه الأمطار تجتمع فيها فتصير بحيرة متسعة تشرب مياهها الأرض ، وكل ما جف مكان منها زرعوه الزراع كما يفعلون أهل مصر ومن أعمال صفد أيضا مدينة الناصرة وهي مدينة عبرانية تسمى ساعير ، ومنها ظهر المسيح عم ، وموضع البشارة به من الملائكة لأمه مريم عم معروف يزوروه النصارى وغيرهم ، وفي التوراة تسميتها مكة شرفها الله تع لتبين رسالتي المسيح ومحمد صلعم ، وذلك ما ترجمته جاء الله من سنا (يعني موسى بن عمران) والتوراة وأشرق من ساعير ، وجبال الساعير يعني المسيح الناصري الذي خرج من الناصرة ، وجبال الساعير جبال الناصرة ، واستعلن بفاران وبرية فاران يعني مكة والحجاز (ونبينا محمد صلعم والقرآن) وأهل الناصرة كانوا مفتاح دين النصرانية ومنشأه وأساسه ، وذلك في زمن قسطنطين ، وسنقص القصة في مكانها إن شاء الله ، ومن أعمال صفد مدينة اللجون وهي مضافة إلى العشير والهوى واليمن وأهل الناصرة ، كما أهل كفركنا قيس ولهذا القسم أيضا جينين وهي مدينة صغيرة ولها عمل ومن أعمال صفد عكا وصور وأعمالها ، وصيدا وأعمالها ، وهي مدن قديمة ، ولها أعمال كبار ، ويقال إن الاسكندر نزل صور ، فلم يصل إليها من سهامه سهم ، ولا من حجارة مجانيقه حجر ، فأرسل من أهله خفية من أهلها ورجع فأخبره أن قوما قد صرفوا هممهم إلى صرف ما ترمونهم به


فاجتمع رأي من مع الاسكندر في وضع الكوسات وأن يضربوا عليها في وقت واحد عند السحر ، ويزحفون مع الضرب لها ففعلوا وفتحوها حيث اشتغلت قلوب أولئك وتشوشت خواطرهم ففاتهم ، ومدينة عكا بناها عبد الملك بن مروان ، وغلبت عليها النصارى ثم فتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وهو الملك الناصر ، لم يفتح صور صلاح الدين يوسف فغلبت عليها النصارى ، ففتحها صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور ره ، وأخربها وفتح بفتحها عثليت ، وحيفا ، واسكندرونة ، وصور ، وصيدا ، وبيروت ، وجبيل ، وأنفة ، والبثرون ، وصرفند ، في مدة سبعة وأربعين يوما ، وكان فتحا مبينا وثغرا غزيرا.


الملحق (٥)

وصف صفد من كتاب كوكب الملك وموكب الترك

لخليل بن شاهين الظاهري (٨١٣ ـ ٨٧٣ ه‍)

المملكة الخامسة من الممالك الشّاميّة مملكة صفد

ويقال صفت بالتّاء ، ويجوز أن تكون سمّيت بذلك أخذا من الصّفد وهو القيد لأنّ ساكنها ممتنع من الحركة السّريعة في الطّلوع إليها والنّزول منها ، وهي صحيحة الهواء وإنّها وأعمالها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.

قال العثماني : إنّ مكانها كان قرية فلمّا ملكتها الفرنج خرّبتها وبنت مكانها هذا الحصن في سنة خمس وتسعين وأربع مائة وقلعتها من القلاع المنيعة ، بعيدة المرام تشرف على بحيرة طبريّة وتحفّ بها جبال وأودية.

قال ابن الواسطي : وأكثر ما يدخل أهلها حمامات الوادي لقلّة المياه بها.

وبها من أرباب الوظائف : من أرباب السّيوف ، والوظائف الدّينيّة ، والوظائف الدّيوانية ، وأرباب الصّناعات ، بنظير ما في طرابلس وحماة من غير نقص ، ولم يكن بها عرب ولا تركمان ، ولم يكن بها نيابة من الأبواب الشّريفة كما لغيرها من المدن بل جميع ولاياتها صغار ، يتولّى بها أجناد من قبل نائبها ، وفي قواعدها وولاياتها مقصدان :

المقصد الأول في عمل قواعدها : قال في مسالك الأبصار : وهي ثلاثة عشر عملا : الأول عمل برّها وهو ظاهرها ، كما في دمشق وحلب وغيرها.

الثاني عمل النّاصرة بلدة صغيرة يقال أنّ المسيح عليه‌السلام ولد بها ، وأهل القدس ينكرون ذلك ، والمعروف أنّ أمّه حين عادت به من مصر وعمره يومئذ اثنتي عشرة سنة ونزلت به هذه الطّائفة ، وهي في زماننا منبع الطّائفة النّصرانية.


الثالث عمل طبريّة مدينة من جند الأردن بناها طبريون أحد ملوك اليونان البطالسة ، فعرفت به ، ثمّ عرّبت طبريّة والنسبة إليها طبراني ، للفرق بينها ، وبين طبرستان ، حيث النسبة إليها طبري ، وهي في الغور في سفح جبل ، ومن عملها قدس ، وكان معها قديما السّواد وبيسان ثمّ خرجا عنها.

الرابع عمل تبنين وهونين ، وهما حصنان بنيا بعد الخمسمائة بين صور وبانياس ، قال العثماني : وأهل هذا العمل شيعة رافضة.

الخامس عمل عثليت ، وهي كورة بين قاقون وعكّا ، وفيها قرى متّسعة ، وهو من أواخر الأعمال الصفدية.

السادس عمل عكّا ، مدينة قديمة من سواحل الشام ، بناها عبد الملك ابن مروان ، وبها مسجد ينسب لنبي الله صالح عليه‌السلام ، وكان الفرنج تغلّبوا عليها وأخذوها ، ثمّ استعادها السلطان صلاح الدين بن أيّوب سقى الله عهده ، ثمّ استعادتها الفرنج بعد موته ، ثمّ انتزعها منهم المنصور قلاوون سقى الله عهده وخرّبها في سنة تسعين وستمائة وكانت هي قلعة هذا الساحل (١) فلمّا خرّبت أقيمت صفد مقامها.

السابع عمل صور بفتح الصّاد مدينة قديمة ، وأمّا عامة حكماء اليونان منها ، وبها كنيسة تقصدها ملوك النصارى في البحر عند تملّكهم فيملكون ملوكهم بها لاعتقادهم أنّ ملوكهم لا يصحّ لهم تمليك إلّا منها ، وشرطهم أن يدخلوها عنوة فلا تزال عليها الرّقباء ، ومع ذلك فيأتونها مباغتة فيقضون وطرهم منها ثمّ ينصرفون ، وأهل هذا العمل كلّهم رافضة.

الثامن عمل الشّاغور وهما شاغورين يسمّيا : شاغور البعنة ، وشاغور عرابه ، وبه كان مقام أولاد يعقوب عليه‌السلام.

__________________

١ ـ كذا وهو وهم ، فقد سقطت عكّا للحملة الصليبية الثالثة أثناء تصدي صلاح الدين لها ، والذي فتح عكّا هو الأشرف خليل بن قلاوون.


التاسع عمل الإقليم ، وهو كورة بين دمشق والخربة ، قال العثماني : وغالب أهل هذا البلد حاكميه دهريّه دروز ، ينكرون الشّرائع ، ويعتقدون التّناسخ ، ولا يرون صلاة ولا صوما ، ولا زكاة ، ولا حجّا ولا بعثا ولا نشوررا ، ويستبيحون الميتة ولحم الخنزير ، ونكاح البهائم ، ولا يغتسلون من الجنابة ولا يتنزّهون عن النّجاسة ، ويستحلّون المسكر.

العاشر عمل الشّقيف ، ويعرف بشقيف أرنون ، وهو اسم رجل أضيفت شقيف إليه ، ويعرف بالشّقيف الكبير ، حصن عظيم بين دمشق والسّاحل ، بعضه مغارة منحوتة في الصّخر ، وبعضه له سور ، وهو في غاية الحصانة ، وأهله رافضة.

الحادي عشر عمل جينين بلدة قديمة مركبّة على كتف واد لطيف ، به نهر ماء جار ، وبها مقام دحية الكلبي الصّحابي رضي‌الله‌عنه.

الثاني عشر عمل اللجون قرية في جهة الغرب عن بيسان ، وبه مقام الخليل إبراهيم عليه‌السلام.

الثالث عشر عمل قدس ، وتقدّم أنّ السواد وبيسان خرجا عنها ، وقلعة كوكب قال فيها العماد الأصفهاني : راسية راسخة شامخة ، وقلعة الطّور على جبل الطّور ، الذي هناك بناها العادل ثمّ تغلبت عليها الفرنج فهدموها.

المقصد الثاني في ولاياتها : وكلّهم أجناد وهم عشرة ولاة من نائبها.

الأول ولاية برّها ، وقد تقدّم الكلام على ذلك.

الثانية ولاية النّاصرة.

الثالثة ولاية طبريّة.

الرابعة ولاية تبنين وهونين.

الخامسة ولاية عثليت.

السادسة ولاية عكّا.


السابعة ولاية صور.

الثامنة ولاية الشاغور.

التاسعة ولاية الإقليم.

العاشرة ولاية الشّقيف ، ولم يكن بها تركمان ، ولا عربان ولا أكراد.


جريدة المصادر والمراجع

أولا ـ المصادر والمراجع العربية :

إبراهيم بن أبي الدم ، تاريخ ابن أبي الدم ، نسخة مصورة في مكتبة الباحث عن مخطوطة البودليان مارش ٦٠.

إبراهيم بن محمد الاصطخري ، المسالك والممالك ، القاهرة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٦١.

إبراهيم محمد علي مهدي ، «إدارة القدس في عهد المماليك» ، (رسالة لنيل شهادة الماجستير ، غير منشورة) ، قسم التاريخ ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الجامعة اللبنانية ، بيروت ، ١٩٨٢.

أحمد بيلي ، حياة صلاح الدين الأيوبي ، القاهرة ، المكتبة التجارية الكبرى ، ١٩٢٦.

أحمد دراج ، وثائق دير صهيون بالقدس الشريف ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ١٩٦٨.

أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية) ، الحسبة ، القاهرة ، كتاب الجمهورية الديني ، د. ت.

أحمد بن عبد الحليم يونس ، مدينة صفد في عهد المماليك ، (رسالة لنيل شهادة الماجستير ، غير منشورة) ، قسم التاريخ ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الجامعة اللبنانية ، بيروت ، ١٩٧٩.

أحمد عبد الرزاق أحمد ، البذل والبرطلة زمن سلاطين المماليك ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٧٩.

أحمد بن عبد الله القلقشندي ، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء ، القاهرة ، المطبعة الأميرية ، ١٩١٠ ـ ١٩٢٠.


ـ قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ، القاهرة ، دار الكتاب الحديثة ، ١٩٦٤.

ـ مآثر الاناقة في معالم الخلافة ، الكويت ، وزارة الإرشاد والأنباء ، ١٩٦٤.

أحمد بن عبد الوهاب النويري ، نهاية الأرب في فنون الأدب ، القاهرة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي.

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، انباء الغمر بأبناء العمر ، القاهرة ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، ١٩٦٩.

ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، طبعة مصورة ، بيروت ، دار الجليل ، د. ت.

أحمد بن علي المقريزي ، إغاثة الأمة بكشف الغمة ، القاهرة ، لجنة التأليف والترجمة ، ١٩٥٧.

ـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، بيروت ، مطبعة إحياء العلوم ، د. ت.

ـ الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، ١٩٥٥.

ـ السلوك لمعرفة دول الملوك ، القاهرة ، لجنة التأليف والترجمة ، ١٩٧٠ ـ ١٩٧٣.

ـ شذور العقود بذكر النقود ، النجف ، المطبعة الحيدرية ، ١٩٦٧.

أحمد بن عمر بن رستة ، كتاب الأعلاق النفيسة ، ليدن ، مطبعة برل ، ١٨٩٢.

ـ المقفي الكبير في تراجم أهل مصر والوافدين عليها.

أحمد عيسى ، البيمارستانات في الإسلام ، بيروت ، دار الرائد العربي ، ١٩٨١.

أحمد بن فضل الله ، التعريف بالمصطلح الشريف ، القاهرة ، مطبعة العاصمة ، ١٣١٢ ه‍.


أحمد بن فضلان ، رسالة ابن فضلان ، دمشق ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٧٧.

أحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة ، عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، بيروت ، دار الثقافة ، ١٩٧٩.

أحمد بن قاضي شهبة ، تاريخ ابن قاضي شهبة ، دمشق ، المعهد الفرنسي للدراسات العربية ، ١٩٧٧.

أحمد بن محمد بن خلكان ، وفيات الأعيان ، القاهرة ، دار المأمون.

أحمد بن بن محمد الفقيه الهمذاني ، كتاب البلدان ، ليدن ، مطبعة بيرل ، ١٨٨٥.

أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك الأولى ، بيروت ، دار النهضة العربية للنشر ، ١٩٦٩.

أحمد اليونيني البعلبكي ، ذيل مرآة الزمان ، حيدر آبار / الهند ، المطبعة العثمانية ، ١٩٥٤.

إسماعيل بن الأثير الحلبي ، عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار ، نسخة مصورة في مكتبة الباحث عن مخطوطة المتحف البريطاني (٣٣٤ ـ ٢٣).

إسماعيل بن علي (أبو الفداء صاحب حماة) ، تقويم البلدان ، باريس ، ١٨٤٠.

ـ المختصر في أخبار البشر ، بيروت ، مصورة دار المعرفة ، د. ت.

إسماعيل بن عمر بن كثير ، البداية والنهاية ، القاهرة ، مطبعة السعادة ، ١٩٣٢.

إلهام مكي ، مملكة صفد في العهد المملوكي ، (رسالة ماجستير غير منشورة) ، كلية الآداب ـ الجامعة اللبنانية ، بيروت ، ١٩٧٨.

أنتوني بردج ، تاريخ الحروب الصليبية (ترجمة عربية) ، دمشق ، دار قتيبة ، ١٩٨٦.

أنور زقلمة ، المماليك في مصر ، القاهرة ، مطبعة المجلة الجديدة ، د. ت.


ايرامارفين لابيدوس ، مدن الشام في العصر المملوكي ، (ترجمة عربية) ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٥.

برتولد شبولر ، العالم الإسلامي في العصر المغولي ، (ترجمة عربية) ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٢.

بنيامين التطيلي ، رحلة بنيامين ، (ترجمة عربية) ، بغداد ، المطبعة الشرقية ، ١٩٤٥.

جعفر حسن خصباك ، العراق في عهد المغول الايلخانيين ، بغداد ، مطبعة العاني ، ١٩٦٨.

جوزيف نسيم يوسف ، العدوان الصليبي على بلاد الشام ، بيروت ، دار النهضة العربية ، ١٩٨١.

ـ العدوان الصليبي على مصر ، بيروت ، دار النهضة العربية ، ١٩٨١.

ـ العرب والروم واللاتين في الحرب الصليبية الأولى ، بيروت ، دار النهضة العربية ، ١٩٨١.

جوناثان رايلي سميث الاسبتارية ، (ترجمة عربية) ، دمشق ، مركز الدراسات العسكرية ، ١٩٨٤.

حاجي خليفة ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لا يبزغ ، ١٨٣٧.

الحسن بن عمر بن حبيب ، تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه ، القاهرة ، وزارة الثقافة ، مركز تحقيق التراث ، ١٩٧٦.

حسنين محمد ربيع ، النظم المالية في مصر زمن الأيوبيين ، القاهرة ، مطبعة جامعة القاهرة ، ١٩٦٤.

حكيم أمين عبد السيد ، قيام دولة المماليك الثانية ، القاهرة ، دار الكتاب العربي ، ١٩٦٧.

حمزة بن أسد بن علي القلانسي ، كتاب تاريخ دمشق ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٣.


حياة ناصر الحجي ، أحوال العامة في حكم المماليك ، الكويت ، شركة كاظمة للنشر ، ١٩٨٤.

خليفة بن خياط العصفري ، تاريخ خليفة بن خياط ، دمشق ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٦٧.

خليل بن أيبك (الصلاح الصفدي) ، أمراء دمشق في الإسلام ، دمشق ، المجمع العلمي العربي ، ١٩٥٥.

ـ الوافي بالوفيات ، بيروت ، المعهد الألماني ، ١٩٤٩ ـ ١٩٧٩.

خليل بن شاهين الظاهري ، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك ، باريس ، المطبعة الجمهورية ، ١٨٩٤.

خليل ضومط ، الدولة المملوكية ، بيروت ، دار الحداثة ، ١٩٨٠.

ر. سي. سميث ، فن الحرب عند الصليبيين ، (ترجمة عربية) ، دمشق ، مركز الدراسات العسكرية ، ١٩٨٢.

رينيه غروسيه ، جنكيزخان ، (ترجمة عربية) ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٢.

زكريا بن محمد بن محمود القزويني ، كتاب آثار البلاد وأخبار العباد ، بيروت ، دار صادر ، ١٩٦٠.

ستيفن رنسيمان ، تاريخ الحروب الصليبية ، (ترجمة عربية) ، بيروت ، دار الثقافة ، ١٩٦٧.

سعيد عبد الفتاح عاشور ، (أضواء جديدة على مدينة القدس في عصر سلاطين المماليك) ، بحث القي في المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام ، عمان ، ١٩٨٠.

ـ تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب ، بيروت ، دار النهضة العربية ، ١٩٧٦.

ـ الحركة الصليبية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ١٩٦٣.


ـ الظاهر بيبرس ، القاهرة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٦٣.

ـ مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك ، بيروت ، دار النهضة العربية ، ١٩٧٢.

ـ مصر في عصر دولة المماليك البحرية ، القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية ، ١٩٥٩.

سهيل زكار ، أخبار القرامطة ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٢.

ـ الحروب الصليبية ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٤.

ـ حطين ، دمشق ، دار حسان ، ١٩٨٤.

ـ مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ، دمشق ، دار الفكر ، ١٩٧٤.

السيد الباز العريني ، المماليك ، بيروت ، دار النهضة العربية ، ١٩٦٧.

صالح بن يحيى ، تاريخ بيروت ، بيروت ، دار المشرق ، ١٩٦٧.

طاشكبري زاده ، الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٩٧٥.

طه ثلجي الطراونة ، مملكة صفد في العصر المملوكي ، بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، ١٩٨٢.

عادل زيتون ، العلاقات الاقتصادية بين المشرق والمغرب في العصور الوسطى ، دمشق ، دار دمشق ، ١٩٨٠.

عبد الجليل حسن عبد المهدي ، المدارس في بيت المقدس ، عمان ، مكتبة الأقصى ، ١٩٨١.

عبد الحي بن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، القاهرة ، مكتب القدسي ، ١٩٣١ ـ ١٩٣٢.


عبد الرحمن بن إسماعيل (أبو شامة) ، الروضتين في أخبار الدولتين مع الذيل (تراجم رجال القرنين السادس والسابع) ، بيروت ، دار الجيل ، د. ت.

عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، القاهرة ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، ١٩٦٥.

ـ تاريخ الخلفاء ، القاهرة ، المكتبة التجارية الكبرى ، ١٩٦٤.

ـ حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ، القاهرة ، المطبعة الشرقية ، ١٣٢٧.

عبد الرحمن ابن الجوزي ، فضائل القدس ، بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، ١٩٨٠.

ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، حيدر آباد ـ الهند ، المطبعة العثمانية ، ١٩٤٠.

عبد الرحمن بن خلدون ، التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا ، القاهرة ، لجنة التأليف والترجمة ، ١٩٥١.

ـ العبر وديوان المبتدأ والخبر ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني ، ١٩٥٨.

عبد الرحمن بن محمد العليمي الحنبلي ، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، عمان ، مكتبة المحتسب ، ١٩٧٣ ، ومصر ، المطبعة الوهبية ١٢٨٣ ه‍.

عبد الرحمن بن نصر الشيزري ، نهاية الرتبة في طلب الحسبة ، بيروت ، دار الثقافة ، ١٩٦٩.

عبد الرحيم بن الفرات ، تاريخ ابن الفرات ، بيروت ، المطبعة الأمير كانية ، ١٩٣٦ ، ١٩٤٢ ، وبغداد ، مطبعة حداد ، ١٩٦٧.

عبد القادر بن محمد النعيمي ، الدارس في أخبار المدارس ، دمشق ، المجمع العلمي العربي ، ١٩٤٨.

عبد الله أسعد اليافعي ، مرآة الجنان وعبرة اليقظان ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، ١٩٧٠.


عبد الله بن عبد الله بن خرداذبة ، كتاب المسالك والممالك ، ليدن ، مطبعة برل ، ١٨٨٩.

عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي ، كتاب مراصد الاطلاع ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ١٩٥٤.

عبد الله بن عبد الظاهر (محيي الدين) ، الألطاف الخفية ، لايبزغ ، ١٩٠٢ ، د. ت.

ـ تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور ، القاهرة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٦١.

ـ الروض الظاهر في سيرة الملك الظاهر ، الرياض ، المحقق ، ١٩٧٦.

عبد الوهاب السبكي ، معيد النعم ومبيد النقم ، بيروت ، دار الحداثة ، ١٩٨٣.

عدنان البخيت ، مملكة الكرك في العهد المملوكي ، عمان ، جامعة اليرموك ، ١٩٧٦.

علي إبراهيم حسن ، دراسات في تاريخ المماليك البحرية وفي عصر الناصر محمد بوجه خاص ، القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية ، ١٩٦٧.

علي أحمد «الأندلسيون في بلاد الشام منذ نهاية القرن الخامس وحتى نهاية القرن التاسع الهجري» ، (رسالة ماجستير غير منشورة) ، قسم التاريخ كلية الآداب ، جامعة دمشق ، ١٩٨٣.

علي ابن أبي بكر الهروي ، الإشارات إلى معرفة الزيارات ، دمشق ، المعهد الفرنسي ، ١٩٥٣.

علي بن الحسن بن عساكر ، تاريخ دمشق ، مخطوطة الظاهرية ، ٥٣١٦ ، عام ٢٠٥ ، د. دمشق ، المجلدة الأولى والثانية ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، المجمع العلمي العربي ، ١٩٥١ ، المجلدة العاشرة تحقيق أحمد دهمان ، المجمع العلمي العربي ، ١٩٦٣.


علي بن داود الصيرفي ، إنباء الهصر بأبناء العصر ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، ١٩٧٠.

ـ نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، ١٩٧٠ ـ ١٩٧٤.

علي اللبودي ، فضل الاكتساب وأحكام الكسب وآداب المعيشة ، نسخة مصورة في مكتبة الباحث عن مخطوطة تشستربيتي ـ دبلن.

علي بن محمد ، أبو الحسن ، (ابن الأثير) ، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية ، القاهرة ، دار الكتب الحديثة ، ١٩٦٣ م.

ـ الكامل في التاريخ ، القاهرة ، المطبعة المنيرية ، ١٣٤٨ ه‍.

علي بن يوسف القفطي ، إخبار العلماء بأخبار الحكماء ، لايبزغ ، ١٩٠٣.

عمر بن أحمد بن العديم ، زبدة الحلب من تاريخ حلب ، دمشق ، المعهد الفرنسي ، ١٩٥١ ، ١٩٥٤ ، ١٩٦٨.

عمر بن الوردي ، تتمة المختصر في أخبار البشر ، بيروت ، دار المعرفة ، ١٩٧٠.

فاروق عمر ، تاريخ فلسطين السياسي في العصور الإسلامية ، أبو ظبي ، مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر والتوزيع ، ١٩٨٣.

فايد حماد عاشور ، العلاقات السياسية بين المماليك والمغول في الدولة المملوكية الأولى ، القاهرة ، دار المعارف ، ١٩٧٤.

فضل الله الصقاعي ، تالي وفيات الأعيان ، دمشق ، المعهد الفرنسي ، ١٩٧٤.

فولفغانغ مولر ـ فيز ، القلاع أيام الحروب الصليبية ، (ترجمة عربية) ، دمشق مركز الدراسات العسكرية ، ١٩٨٢.

قسطنطين خمار ، أسماء الأماكن والمواقع والمعالم الطبيعية والبشرية والجغرافية المعروفة في فلسطين حتى عام ١٩٤٨ ، بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ١٩٨٠.


كامل جميل العسلي ، من آثارنا في بيت المقدس ، عمان ، جمعية عمال المطابع التعاونية ، ١٩٨٢.

محمد بن أحمد بن إياس ، بدائع الزهور في وقائع الدهور ، القاهرة ، كتاب الشعب ، ١٩٦٠ ـ ١٩٦١.

محمد بن أحمد بن بسام المحتسب ، نهاية الرتبة في طلب الحسبة ، بغداد ، مطبعة المعارف ، ١٩٦٨.

محمد أحمد دهمان ، ولاة دمشق في عهد المماليك ، دمشق ، دار الفكر ، ١٩٨١.

محمد بن أحمد بن قايماز الذهبي ، دول الإسلام ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٧٤.

محمد بن أحمد القرشي (ابن الاخوة) ، معالم القربة في أحكام الحسبة ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، ١٩٧٦.

محمد بن أحمد المقدسي ، كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، ليدن ، مطبعة بريل ، ١٩٠٦.

محمد بن جبير ، رحلة ابن جبير ، القاهرة ، مكتبة مصر ، ١٩٥٥.

محمد بن جرير الطبري ، كتاب تاريخ الرسل والملوك ، القاهرة ، دار المعارف ، د. ت.

محمد جمال الدين سرور ، دولة بني قلاوون في مصر ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ١٩٤٧.

دولة الظاهر بيبرس ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ١٩٦٠.

محمد بن حوقل النصيبي ، كتاب صورة الأرض ، بيروت ، دار مكتبة الحياة ، د. ت.

محمد بن خليل الأسدي ، التيسير والاعتبار والتحرير والاختبار ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ١٩٦٧.


محمد بن رافع السلامي ، الوفيات ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ١٩٨٢.

محمد بن سالم بن واصل الحموي ، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ، الجزء الثاني ، القاهرة ، المطبعة الأميرية ، ١٩٥٧.

محمد بن شاكر الكتبي ، فوات الوفيات ، القاهرة ، ١٩٥١.

محمد بن الشحنة (ينسب له) ، البدر الزاهر في نصرة الملك الناصر محمد بن قايتباي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٩٨٣.

محمد بن أبي طالب الأنصاري الدمشقي (شيخ الربوة) ، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ، ط. مصورة ، بغداد ، مكتبة المثنى.

محمد بن طولون الصالحي الدمشقي ، اعلام الورى بمن ولي نائبا من الأتراك بدمشق والشام الكبرى ، دمشق ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٦٤.

ـ قضاة دمشق ، دمشق ، (المجمع العلمي العربي) ، ١٩٥٦.

ـ مفاكهة الخلان ، القاهرة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ١٩٦٢.

محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، التبر المسبوك في ذيل السلوك ، ط. القاهرة ، مكتبة الكليات الأزهرية ، د. ت.

ـ الذيل على رفع الإصر عن قضاة مصر ، القاهرة ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، ١٩٦٦.

ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، بيروت ، دار الحياة ، طبعة مصورة ، د. ت.

محمد العبدري الحيحي ، رحلة العبدري أو (الرحلة المغربية) ، الرباط ، جامعة محمد الخامس ، ١٩٦٨.

محمد عبد العزيز مرزوق ، الناصر محمد بن قلاوون ، القاهرة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، د. ت.


محمد بن عبد الله اللواتي (المعروف بابن بطوطة) ، رحلة ابن بطوطة ، القاهرة المكتبة التجارية الكبرى ، ١٩٥٨.

محمد عبد الهادي شعيرة ، المرابطون ، القاهرة ، مكتبة القاهرة الحديثة ، ١٩٦٩.

محمد بن عبد الواحد الحنبلي ، فضائل بيت المقدس ، دمشق ، دار الفكر ، ١٩٨٥.

محمد بن علي بن شداد ، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة ، دمشق ، المعهد الفرنسي ، ١٩٦٢.

ـ تاريخ الملك الظاهر ، بيروت ، المعهد الألماني ، ١٩٨٣.

محمد بن علي الحموي ، التاريخ المنصوري ، دمشق ، مجمع اللغة العربية ، ١٩٨٢.

محمد بن علي الشوكاني ، البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع ، القاهرة ، مطبعة السعادة ، ١٣٤٨ ه‍.

محمد بن علي العظيمي ، تاريخ حلب ، دمشق ، ١٩٨٤.

محمد عيسى صالحية ، حوليات كلية الآداب ، من وثائق الحرم القدسي الشريف المملوكية ، الرسالة السادسة والعشرون ، الكويت ، ١٩٨٥.

محمد كرد علي ، خطط الشام ، دمشق ، مكتبة النوري ، ١٩٨٣.

محمد بن محمد بن صصرى ، الدرة المضيئة في الدولة الظاهرية ، كاليفورنيا ، ١٩٦٣.

محمد بن محمد (العماد الأصفهاني) ، الفتح القسي في الفتح القدسي ، القاهرة ، مطبعة الموسوعات ، ١٣٢١ ه‍.

محمد بن محمود الحلبي (الملقب بابن أجا) ، العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك ، دمشق ، دار الفكر ، ١٩٨٦.

محمد بن محمود بن خليل الحلبي ، تاريخ الأمير يشبك الظاهري ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ١٩٧٣.


محمد بن يحيى بن الجيعان ، القول المستطرف في سفر مولانا الملك الأشرف ، بيروت ، جروس ـ برس ، ١٩٨٤.

محمود بن أحمد بن موسى (بدر الدين العيني) ، السيف المهند في سيرة الملك المؤيد (شيخ المحمودي) ، القاهرة ، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، ١٩٦٧.

ـ الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ١٩٦٢.

مصطفى طه بدر ، مغول إيران بين المسيحية والإسلام ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، د. ت.

مصطفى مراد الدباغ ، بلادنا فلسطين ، بيروت ، دار الطليعة ، ١٩٦٥ ـ ١٩٧٦.

ـ الموجز في تاريخ الدول الإسلامية وعهودها في فلسطين ، بيروت ، دار الطليعة ، ١٩٨١.

مظهر شهاب ، تيمورلنك ، (أطروحة دكتواره غير منشورة) ، الجامعة اليسوعية ، بيروت ، ١٩٨١.

منصور بن بعرة الذهبي ، كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية ، بيروت ، ١٩٨١.

مؤرخ شامي مجهول ، حوليات دمشقية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ١٩٦٨.

المورد ، مجلة تراثية فصلية ، «الفكر العسكري عند العرب» ، المجلد الثاني عشر ، العدد الرابع ، بغداد ، ١٩٨٣.

ناصر خسرو ، سفر نامه (ترجمة عربية) ، القاهرة ، ١٩٤٥.

نجم الدين الغزي ، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة ، بيروت ، محمد أمين دمج وشركاه ، ١٩٤٥.


نقولا زيادة ، «فيلكس فابري في فلسطين» ، (بحث ألقي في المؤتمر الثالث لبلاد الشام) ، عمان ، ١٩٨٠.

ياقوت بن عبد الله الحموي ، إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (معجم الأدباء) القاهرة ، دار المأمون ، ١٩٠٧ ـ ١٩٢٧.

ـ معجم البلدان ، بيروت ، دار صادر ، د. ت.

يوسف بن تغري بردي ، (أبو المحاسن) ، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ، القاهرة ، مطبعة دار الكتب المصرية ، ١٩٥٦.

ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، القاهرة ، ط. مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية ، د. ت.

يوسف غوانمة ، إمارة الكرك الأيوبية ، عمان ، دار الفكر ، ١٩٨٢.

ـ تاريخ شرقي الأردن في عصر دولة المماليك الأولى ، وزارة الثقافة والشباب ، عمان ، ١٩٧٩.

ـ تاريخ نيابة بيت المقدس في العصر المملوكي ، عمان ، دار الحياة ، ١٩٨٢.


ثانيا ـ المراجع الأجنبية :


المحتوى



الصفحة

 الموضوع

٣

تقديم

٤٦

حواشي التقديم

٥٨

اعادة بناء قلعة صفد (نص لاتيني الأصل)

٧٨

فتح صفد للمؤرخ الداوي الصوري

٨١

كتاب بشارة بفتح صفد

٨٥

ترجمة بيبرس من ذيل مرآة الزمان

١٠٣

ترجمة بيبرس من كتاب عقد الجمان

١١٣

تاريخ صفد للعثماني (النص المحقق)

١١٦

مدينة صفد

١١٧

أعمال صفد

١٢٧

حصن صفد

١٣١

نواب صفد

١٤٨

نواب قلعة صفد

١٥٠

حجاب صفد

١٥١

أرباب الوظائف الدينية

١٥٣

خطباء صفد

١٥٤

خطباء قلعة صفد

١٥٤

وكلاء بيت المال


١٥٥

أرباب الوظائف الديوانية

١٥٦

نظار بيت المال

١٥٧

نظار الجيش

١٥٧

أعيان من الصفديين

١٨٧

القسم الأول (أهل الصلاح والزهد)

٢١١

القسم الثاني ـ المنسوبون إلى العلم والسيادة

٢١٧

الرؤساء وأهل السيادة من الصفديين

٢١٨

عرض لمراحل التاريخ الاسلامي

٢١٩

دولة بني العباس

٢٢٢

دول الملوك

٢٣٩

ملحق بباقي نواب صفد

٢٣٩

الحواشي

٢٤٢

الملاحق

٢٤٢

الملحق الأول (جدول بأسماء سلاطين المماليك)

٢٤٦

الملحق الثاني ـ نواب صفد بعد الذين ورد ذكرهم في تاريخ صفد

٢٥٢

الملحق الثالث ـ نص رسالة هولاكو إلى السلطان المظفر قطز

٢٥٤

الملحق الرابع ـ وصف صفد لشيخ الربوه

٢٥٨

الملحق الخامس ـ وصف صفد لابن شاهين الظاهري

٢٦٢

جريدة المصادر

تاريخ صفد

المؤلف:
الصفحات: 280