بسم الله الرّحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، الحمد لله الذى منّ علينا بالأنبياء والرسل ، ليرسموا لنا معا لم الطريق إلى النجاة ، فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد.

وصلاة وسلاما على خير من أشرقت عليه الشمس منذ أن خلقها الله ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم المبعوث رحمة للعالمين.

أما بعد :

فإن أخبار السابقين وآثارهم ما تزال تحتل رأس الموضوعات الأكثر جاذبية لجموع الباحثين ؛ لشغفهم بمعرفة ما كان فى حياتهم من جلائل الأعمال وما صادفهم فى حياتهم من معضلات ، علّهم يهتدون بهم فى كيفية تعاملهم معها وتغلبهم عليها .. ولا يمل السّمّاع فى كل عصر من سماع تلك الأحداث ، وبما فيها من أخبار الأجداد.

ومن هذا القبيل الكتاب الذى بين أيدينا :

«العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين»

لمؤلفه ، الإمام تقى الدين أبى الطيب محمد بن أحمد الفاسى الحسنى المكى ، إمام الحرم ، المتوفى (سنة ٨٣٢ ه‍) رحمه‌الله.

يعد هذا الكتاب المرجع الوافى لتراجم أعيان أهل مكة ، ومن سكنها أو مات بها ، من الصحابة والرواة والفقهاء والولاة والأعيان وغيرهم ، فى مدة ثمانية قرون.

نهج المؤلف فى كتابه نهج السابقين من العلماء الذين أفردوا مصنفات خاصة لتراجم أهل بلد بذاته ، كالخطيب البغدادى فى «تاريخ بغداد» وأبى القاسم بن عساكر فى «تاريخ دمشق» وأبى نعيم الأصفهانى فى «أخبار أصفهان» وعبد الكريم القزوينى فى «التدوين فى أخبار قزوين» والحاكم النيسابورى فى «تاريخ نيسابور» والشمس السخاوى فى «التحفة اللطيفة فى أخبار المدينة الشريفة» وغيرهم.

وللمؤلف ـ تقى الدين الفاسى ـ عناية خاصة بالتأريخ لمكة المشرفة ، وترجمة أعلامها ، ومن حلّ بها من أهل العلم والفضل مستكملا ما بدأه ـ عمدة مؤرخى البلد


الحرام ـ أبو الوليد الأزرقى ، المتوفى نحو سنة ٢٥٠ ه‍ ، فى كتابه «أخبار مكة» وأبو عبد الله الفاكهى ، المتوفى نحو سنة ٢٨٠ ه‍ ، فى كتابه «تاريخ مكة» ومن تبعهما من المؤرخين فى هذا الموضوع ، حتى عصر المؤلف.

فقد استفاد أبو الطيب محمد بن أحمد الفاسى من جميع هؤلاء المؤرخين ، وما تلقاه من الأخبار عن الثقات ، وما شاهده مسجلا على الرخام والأخشاب وغير ذلك ، وأمكنه أن ينسق هذا التراث تنسيقا علميّا مرتبا ظهر واضحا فيما تركه لنا من مصنفات فى تاريخ مكة ، وهى :

شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ، وتحفة الكرام بأخبار البلد الحرام (مختصر شفاء الغرام) والزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة ، وعجالة القرى للراغب فى تاريخ أم القرى ، والعقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين ، كتابه الذى بين أيدينا اليوم.

وقد جعله المؤلف أساس كتبه المذكورة ، وهى منه بمثابة المختصرات أو المستخرجات ، وقسمه على أربعة مجلدات ، وهى :

الأول : الكلام على مكة وتاريخها وفضائلها وآثارها ومعالمها وتحديدها ومساحتها ، ورتب ذلك على أربعين بابا ، ثم بدأ بعد ذلك بسيرة موجزة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سماها الجواهر السنية فى السيرة النبوية ، أتبعها بتراجم الكتاب ، مبتدئا بالمحمدين ، تبركا باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الثانى : التراجم من حرف الألف إلى نهاية حرف الظاء.

الثالث : التراجم من حرف العين إلى نهايته.

الرابع : التراجم من حرف الغين إلى حرف الياء ... ثم ذيل الكتاب بأبواب فى الكنى والألقاب والأنساب وتراجم النساء.

نسخ الكتاب : يوجد من هذا الكتاب نسخ متعددة ، أعتمدنا فى عملنا على مخطوطتين منها :

الأولى : مخطوط ، يرجع تاريخه إلى عام ٨٦٧ ه‍ ، بخط جيد ، ترجع ملكيتها إلى عالم مكة فى عصره سراج الدين أبى القاسم محمد ، الشهير بابن فهد الهاشمى المكى (المتوفى سنة ٨٨٥ ه‍). وكان من أقرب تلااميذ تقى الدين الفاسى وألصقهم به ، روى عنه هذا


الكتاب ، وأجاز بروايته عنه. وقد علق ابن فهد على حواشى هذا النسخة كثيرا من التعليقات المفيدة والاستدراكات ، وكلها بخطه.

الثانية : نسخة أخرى جيدة محفوظة بدار الكتب المصرية ، تحت رقم ٦ تاريخ ق. وتقع فى أربعة مجلدات مكتوبة بخط جيد ، وعناوين الأبواب والفصول وبداية أسماء التراجم مكتوبة باللون الأحمر ، ولم يذكر فيها اسم الناسخ أو تاريخ النسخ ، ومن المرجع أنها كتبت فى القرن العاشر الهجرى ، وقد نسخت من أصل كتبه العلامة أبو الخير عبد العزيز ابن عمر بن محمد بن محمد بن فهد المكى الهاشمى الشافعى سنة ٨٧٤ ه‍ ، نجل سراج الدين صاحب النسخة السابقة. وعدد أوراقها : ٢١٤ ، و ٢٤٩ ، و ٢٠٤ ، و ١٥٧ ، وعدد الأسطر فى كل صفحة ٢٥ سطرا.

إلى جانب نسخة مطبوعة من الكتاب ، طبعت بالقاهرة ، ١٣٧٩ ه‍ ، بتحقيق الأستاذ محمد الطيب حامد الفقى ، والتى جاءت فى ثمانية أجزاء ، وتابعناها فى التبويب غير أن نسختنا تأتى فى ستة أجزاء.

وقد حرصنا حين العرض لهذا المرجع بالتحقيق على ما يلى :

* تخريج آيات القرآن الكريم.

* تخريج الأحاديث الشريفة على كتب السنة.

* مطابقة النسخ ، والمقارنة بين النصوص التى أوردها المصنف نقلا عن مؤرخين سبقوه ، ومقارنتها بالأصل المنقولة عنه ، وبيان الاختلاف بينهما ، إن وجد.

* ضبط الأبيات الشعرية ، التى جاءت كثيرة فى هذا المرجع ، وذكر الميزان العروضى لها.

* ترجمة الأعلام الذين وردت أسماؤهم ، غير من ذكرهم المصنف.

* ترجمة البلدان ، التى ربما خفيت على الكثيرين منا الآن بسبب تغير أسماؤها الآن.

* عمل فهارس مفصلة ، تسهل على جميع من يلتمس هذا الكتاب مرجعا له ، أن يصل إلى ما يريد دون أدنى قدر من الجهد.

* أوردنا بعد ختم هذا المدخل فصلا فيه بعض مقتطفات مما جاء ب «أخبار مكة» وملحقاته ، بتحقيق الأستاذ رشدى الصالح ملحس ، طبعة دار الثقافة ، مكة


المكرمة ، ١٤٠٤ ه‍ ، ورسالة صغيرة للمؤرخ الكبير المقريزى ، بشأن من حج من الخلفاء والملوك.

وما أوردناه من مقتطفات بعضها مما أغفله تقى الدين الفاسى وبعضها مما لم يخصه بكبير عناية ، وأورده فى عجالة لا تفى بالمقصود ، فأتينا به زيادة فى الفائدة.

أما ما لا يمكن أن ننساه ، فهو ذلك الدور الرائد الذى تلعبه دار الكتب العلمية ـ بيروت ، وعلى رأسها السيد الأستاذ محمد على عبد الحفيظ بيضون ، ذلك الرجل الذى آلى على نفسه منذ زمن بعيد أن يحفظ للأجيال القادمة تراث أجدادها العرب وأن يضعه بين أيديهم فى أبهى صوره وأدقها ، فله كل الشكر ، ليس منا فحسب ، ولكن من كل عربى ومسلم.

والله العلى الرحيم يهدينا سواء السبيل ، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

محمد عبد القادر عطا

القاهرة فى : العشرين من شوال ١٤١٩ ه‍.

السابع عشر من فبراير ١٩٩٨ م.

 * * *


ذكر الأبار التى بمكة قبل زمزم

قال الأزرقى : حدثنا أبو الوليد وحدثنى محمد بن يحيى ، قال : سمعت عبد العزيز بن عمران ، يقول :

بئر كر آدم : بلغنى أن آدم عليه‌السلام حين أهبط إلى مكة حفر بيرا تسمى كر آدم المفجر فى شعب حواء. وأخبرنى عن الثقة عن ابن عباس رضى الله عنه قال : لما انتشرت قريش بمكة وكثر ساكنها ، قلّت عليهم المياه ، واشتدت المؤنة فى الماء حفرت بمكة ، آبارا :

بئر رم : فحفر مرة بن كعب بن لؤى بيرا يقال لها : رم ، وبلغنى أن موضعها عند طرف الموقف بعرنة قريبا من عرفة.

بئر خم : قال إسحاق : وحفر كلاب بن مرة بيرا يقال لها : خمّ ، كانت مشربا للناس فى الجاهلية ، ويقال : إنها كانت لبنى مخزوم.

وقال بعض أهل العلم : كان قصى بن كلاب حفر بيرا بمكة.

بئر العجول : لم يحفر أول منها ، وكان يقال لها : العجول ، كان موضعها فى دار أم هانى بنت أبى طالب بالحزورة ، وهى البير التى دفع هاشم بن عبد مناف أخا بنى ظويلم ابن عمرو النضرى فيها فمات ، وكانت العرب إذا قدموا مكة يردونها ويتراجزون عليها فقال قايل فيها :



أروى من العجول ثمت انطلق

إن قصيا قد وفى وقد صدق

بالشبع للحى روى المغتبق

بئر: وبيرا عند الردم الأعلى ، ردم عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى أصل الردم فى أعلى الوادى ، خلف دار آل جحش بن رياب الأسدى ، التى يقال لها : دار أبان بن عثمان يقال : إن قصيّا حفرها ، فدثرت ، وإن جبير بن مطعم بن عدى نثلها وأحياها ، وعندها مسجد يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد.

بئر بذر: قال ابن إسحاق : وحفر هاشم بن عبد مناف «بذر» وقال حين حفرها: لأجعلنها للناس بلاغا ، وهى البير التى فى حق المقوم بن عبد المطلب فى ظهر دار طلوب مولاة زبيدة فى أصل المستنذر ويقال إن قصيّا حفرها ، فنثلها أبو لهب ، وهى التى تقول فيها بعض بنات عبد المطلب :

نحن حفرنا بذر

بجانب المستنذر

نسقى الحجيج الأكبر


بئر سجلة : وذكروا أيضا إن هاشما حفر سجلة ، وهى البير التى يقال لها : بير جبير ابن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف ، دخلت فى دار أمير المؤمنين التى بين الصفا والمروة فى أصل المسجد الحرام التى يقال لها : دار القوارير ، أدخلها حماد البربرى حين بنى الدار للرشيد هارون أمير المؤمنين ، وكانت البير شارعة فى المسعى يقال : إن جبير بن مطعم ابتاعها من ولد هاشم ، وقال بعض المكيين : وهبها له أسد بن هاشم حين ظهرت زمزم ، ويقال : وهبها عبد المطلب حين حفر زمزم ، واستغنى عنها للمطعم بن عدى وأذن له أن يضع حوضا عند زمزم من أدم ، يسقى فيه منها ويسقى الحاج ، وهو أثبت الأقاويل عندنا.

بئر الطوى : وحفر عبد شمس بن عبد مناف بيرا يقال لها : الطوى ، وموضعها فى دار ابن يوسف بالبطحاء.

بئر الجفر : وحفر أمية بن عبد شمس بيرا يقال لها : الجفر ، وهى فى وجه المسكن الذى كان لبنى عبد الله بن عكرمة بن خالد بن عكرمة المخزومى بطرف أجياد الكبير واشترى ذلك المسكن ياسر خادم زبيدة ، فأدخله فى المتوضأة التى عملها على باب أجياد الكبير.

بئر أم جعلان : وكانت لبنى عبد شمس بير يقال لها : أم جعلان ، موضعها دخل فى المسجد الحرام.

بئر العلوى : وكانت لهم أيضا بير يقال لها : العلوق بأعلى مكة عند دار أبان بن عثمان.

بئر شفية : وكانت لبنى أسد بن عبد العزى بير يقال لها : شفية ، موضعها فى دار أم جعفر يقال لها : بئر الأسود.

بئر السنبلة : وكانت لبنى جمح بير يقال لها : السنبلة كانت لخلف بن وهب فى خط الحزامية بأسفل مكة ، قبالة دار الزبير بن العوام ، يقال لها اليوم : بئر أبى ويقال : أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم بصق فيها ، وأن ماءها جيد من الصداع.

بئر أم حردان : وكانت عند ردم بنى جمح بير يقال لها : أم حردان ، ذكر أنه لا يدرى من حفرها ثم صارت لبنى جمح.

بئر رمرم : وكانت لبنى سهم بير يقال لها : رمرم ، يقال : أنها دخلت فى المسجد الحرام حين وسعه أبو جعفر أمير المؤمنين فى ناحية بنى سهم.

بئر الغمر : وكانت لبنى سهم أيضا بير يقال لها : الغمر لم يذكر موضعها.


وقد سمعنا فى البيار حديثا جامعا ، حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى محمد بن يحيى عن الواقدى عن هشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، قال : أخبرنى أبى قال : سألنى عبد الملك بن مروان : من أين كانت أولية قريش تشرب الماء قبل قصى ، وكعب بن لوى ، وعامر بن لوى ، قال : فقال أبى : لا تسأل عن هذا أحدا أبدا أعلم به منى ، سألت عن ذلك مشيخة جلة دخل الإسلام على أحدهم.

بئر السيرة : وقد أفند فقال : كان أول من حفر بيرا مرة ، حفر بيرا يقال لها : السيرة خارجة من الحرام ، فكانوا يشربون منها دهرا إذا كثرت الأمطار شربوا ، وإذا أقحطوا ذهب ماؤها ، وكانوا يشربون من أغادير فى رءوس الجبال ، ثم كان مرة حفر :

بئر الروا : بيرا أخرى يقال لها : بير الروا ، وهما خارجتان من مكة ، وهما فى بواديهما مما يلى عرفة وهم يومئذ حول مكة ، وخزاعة تلى البيت وأمر مكة ، ثم حفر كلاب بن مرة : خم ورم والجفر ، وهذه أبيار كلاب بن مرة كلها خارجا من مكة ، ثم كان قصى حين جمع قريشا وسميت قريش لتقرشها ، وهو التجمع بعد التفرق وأهل مكة على ما كان عليه الآباء من الشرب من رءوس الجبال ، ومن هذه الآبار التى خارج من مكة فلم يزل الأمر على ذلك حتى هلك قصى ثم ولده من بعده يفعلون ذلك حتى هلك أعيان بنى قصى : عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد بنو قصى فخلف أبناؤهم فى قومهم على ما كان من فعلهم ، فلما انتشرت قريش وكثر ساكن مكة قلت عليهم المياه واشتدت عليهم المؤنة ، وعطش الناس بمكة أشد العطش فكان أول من حفر عبد شمس بن عبد مناف بن قصى فحفر الطوى وهى التى بأعلى مكة عند الببضاء دار محمد بن يوسف ، وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهى البير التى عند المستنذر فى خطم الخندمة على فم شعب أبى طالب وقال حين حفرها : لأجعلنها بلاغا للناس ، وحفر هاشم سجلة وهى بير مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف التى يسقنى عليها اليوم ، قال عبد الملك : والله القديم ، ما تحريت الصدق لك وعليك ، قال : ثم ماذا؟ قال : ثم ابتاعها مطعم بن عدى من أسد بن هاشم وبنو هاشم ، تزعم أن عبد المطلب بن هاشم وهبها له حين حفر زمزم واستغنى عنها ، وسأله مطعم بن عدى أن يضع حوضا من آدم إلى جنب زمزم يسقى فيه من ماء بيره ، فإذن له فى ذلك ، وكان يفعل ذلك.

قال محمد بن جبير : فكثرت المياه بمكة بعد ما حفرت زمزم حتى روى القاطن والبادى ، ودنت لها بكر وخزاعة ، فارتووا منها لا تنزح ، قال عبد الملك :

بئر الجفر: ثم ماذا؟ قال محمد بن جبير : ثم حفر أمية بن عبد شمس الجفر لنفسه.


بئر ميمون : وحفر ميمون بن الحضرمى حليفك بيره ، وكانت آخر بير حفرت من هذه الآبار فى الجاهلية ، قال : رأيت قول الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) قال : يعنى تلك الآبار التى كانت تغور فيذهب ماؤها (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) زمزم ماؤها معين ، قال غير محمد بن جبير : مجاهد وعطاء وغيرهما من أهل العلم فى قوله تعالى : (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) قالوا : زمزم ، وبير ميمون بن الحضرمى ، قال محمد ابن جبير : فلما حفرت بنو عبد مناف آبارها سقوا الناس واستقوا الناس عليها ، فشق ذلك على قبايل قريش ورأوا أنهم لا ذكر لهم فى تلك الآبار ، حفرت قريش آبارا وجعلوا يبتارون بها فى الرى والعذوبة حتى كاد أن يكون فى ذلك شر طويل ، فمشت فى ذلك كبراء قريش فاقصر الشر ، وحفرت بنو أسد بن عبد العزى «شفية» بير بنى أسد ابن عبد العزى.

بئر أم احراد : وحفرت بنو عبد الدار «أم احراد» وحفرت بنو جمح «السنبلة» وهى بير خلف بن وهب ، وحفرت بنو سهم «الغمر».

بئر السقيا : وحفرت بنو مخزوم «السقيا» بير هشام بن المغيرة.

بئر الثريا : وحفرت بنو تيم «الثريا» وهى بير عبد الله بن جدعان.

بئر النقع : وحفرت بنو عامر بن لؤى النقع قال عبد الملك : يأبا سعيد إن هذا العلم لو سألت عنه جميع قومك ما عرفوه.

قال محمد بن جبير : ليأتين عليهم زمان لا يعرفون ما هو أظهر من هذا ، قال عبد الملك : أى والله.

* * *

باب الآبار التى حفرت بعد زمزم فى الجاهلية

قال أبو الوليد : الآبار التى حفرت فى الجاهلية بعد زمزم بير فى دار محمد بن يوسف البيضاء ، حفرها عقيل بن أبى طالب ويقال : حفرها عبد شمس بن عبد مناف ونثلها عقيل بن أبى طاب يقال لها : الطوى.

بنو الأسود : وبير الأسود بن البخترى كانت على باب دار الأسود عند قايمة فى أسفل الدار إلى اليوم.

ركايا قدامة : وركايا قدامة بن مظعون حذاء أضاة النبط بعرنة فى شقها الذى يلى مكة قريبا من السيرة.


بئر حويطب : وبير حويطب بن عبد العزى فى بطن وادى مكة بفناء دار حويطب.

بئر خالصة : والبير التى نثلت خالصة مولاة الخيزران بالسقيا فى المسيل الذى يفرغ بين مازمى عرفة ومسجد إبراهيم إلى هنا.

بئر زهير : وبير بأجياد فى دار زهير بن أبى أمية بن المغيرة المخزومى.

* * *

ذكر الآبار الإسلامية

بئر الياقوتة : قال أبو الوليد : الياقوتة التى بمنى حفرها أبو بكر الصديق رضى الله عنه فى خلافته فعملها الحجاج بن يوسف بعد مقتل ابن الزبير وضرب فيها وأحكمها.

بئر عمرو : وبير عمر بن عثمان بن عفان التى بمنى فى شعب آل عمرو.

بئر الشركاء : بئر الشركاء بأجياد لبنى مخزوم.

بئر عكرمة : وبير عكرمة بإجياد الصغير فى الشعب الذى يقال له : الأيسر.

بئر الصلا : وبيار الأسود بن سفيان بن عبد الأسد المخزومى «الصلا» فى أصل ثنية أم قردان.

بئر الطلوب : وبير يقال لها : الطلوب كانت لعمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحى فى شعب عمرو بالرمضة دون الميثب.

بئر أبى موسى : وبير أبى موسى الأشعرى بالمعلاة على قم أبى دب بالحجون حفرها حين انصرف من الحكمين إلى مكة.

بئر شوذب : وبير شوذب كانت عند باب المسجد عند باب بنى شيبة ، فدخلت فى المسجد الحرام حين وسعه المهدى فى خلافته فى الزيادة الأولى سنة إحدى وستين ومائة وشوذب مولى لمعاوية بن أبى سفيان.

بئر البرود : والبرود بفخ حفرها خراش بن أمية الخزاعى الكعبى وله يقول الشاعر :

بين البرود وبين بلد نلتقى

بئر بكار : بير بكار بذى طوى عند ممادر بكار ، وبكار رجب من أهل العراق كان سكن مكة وأقام بها.


بئر وردان : وبير وردان ، ووردان مولى المطلب بن أبى وداعة بذى طوى عند سقاية سراج بفخ ، وسراج مولى بنى هاشم.

بئر الصلاصل : وبير الصلاصل بفم شعب البيعة عند العقبة ، عن منى ، ولها يقول أبو طالب :

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلايل

وينهض قوم فى الحديد إليكم

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

بئر السقيا : وبير السقيا عند المازمين ، مازمى عرفة ، عملها عبد الله بن الزبير بن العوام رحمه‌الله تعالى.

* * *

ما جاء فى العيون التى أجريت فى الحرم

قال أبو الوليد : كان معاوية بن أبى سفيان ، رحمه‌الله ، قد أجرى فى الحرم عيونا ، وأتخذها أخيافا فكانت حوايط.

حايط الحمام : وفيها النخل والزرع ، منها حايط الحمام ، وله عين وهو من حمام معاوية الذى بالمعلاة إلى موضع بركة أم جعفر ، وذلك الموضع الساعة يقال له : حايط الحمام ، وإنما سمى حايط الحمام ؛ لأن الحمام كان فى أسفله.

حدثنا أبو الوليد قال : وحدثنى جدى حدثنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال : قال رجل من بنى سليم لعمر بن الخطاب بمكة : يا أمير المؤمنين أقطعنى خيف الأرين حتى أملأه عجوة ، فقال له عمر : نعم ، فبلغ ذلك أبا سفيان بن حرب ، فقال : دعوه فليملأه ، ثم لينظر أينا يأكل جناه ، فبلغ ذلك السلمى فتركه ، وكان أبو سفيان يدعيه ، فكان معاوية بعد هو الذى عمله وملأه عجوة ، قال : وكان له مشرع يرده الناس.

حايط عوف : ومنها حايط عوف موضعه من زقاق خشبة دار مبارك التركى ودار جعفر بن سليمان وهما اليوم من حق أم جعفر ، ودار مال الله ، وموضع الماجلين ماجلى أمير المؤمنين هارون الذى بأصل الحجون ، فهذا كله موضع حايط عوف إلى الجبل وكانت له عين تسقيه ، وكان فيه النخل ، وكان له مشرع يرده الناس.

حايط الصفى : ومنها حايط يقال له : الصفى موضع ، من دار زينب بنت سليمان


التى صارت لعمرو بن مسعدة ، والدار التى فوقها إلى دار العباس بن محمد التى بأصل نزاعة المشوى ، وكانت له عين ، وكان له مشرع يرده الناس ، يقول فيه الشاعر :

سكنوا الجزع جزع بيت أبى مو

سى إلى النخل من صفى السباب

حايط مورس : ومنها حايط يقال له : حايط مورش ، ومورش كان قيّما عليه فى موضع دار محمد بن سليمان بن على ، ودار لبابة بنت على ، ودار ابن قثم ، اللواتى بفم شعب الخوز ، وكان فيه النخل ، وكانت له عين ومشرع يرده الناس إلى اليوم ، وكان فيه النخل والزرع حديثا من الدهر على طريق منى وطريق العراق.

حايط خرمان : منها حايط وهو من ثنية أذاخر إلى بيوت جعفر العلقمى وبيوت ابن أبى الرزام وما جله قايم إلى اليوم ، وكان فيه النخل والزرع حديثا من الدهر ، وكانت له عين ومشرع يرده الناس.

حايط مقيصرة : ومنها حايط مقيصرة وكان موضعه نحو بركتى سليمان بن جعفر إلى قصر أمير المؤمنين المنصور أبى جعفر ، وكانت له عين ومشرع ، وكان فيه النخل.

حايط حراء : ومنها حايط حراء وضفيرته قائمة إلى اليوم ، وكان فيه النخل ، وكان له مشرع يرده الناس.

حايط ابن طارق : ومنها حايط ابن طارق بأسفل مكة ، وكانت له عين تمر فى بطن وادى مكة تحت الأرض وكانت له عين ومشرع وكان فيه النخل.

حايط فخ : ومنها حايط وهو قايم إلى اليوم.

حايط بلدح : ومنها حايط بلدح.

فهذه العيون العشرة أجراها معاوية ، رحمه‌الله تعالى ، واتخذها بمكة ، واتخذت بعد ذلك ببلدح عيون سواها منها.

حايط ابن العاص : عين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ببلدح ، وهى قايمة إلى اليوم.

حايط سفيان : وحايط سفيان والخيف الذى أسفل منه ، وهما اليوم لأم جعفر.

وكانت عيون معاوية تلك قد انقطعت وذهبت فأمر أمير المؤمنين الرشيد بعيون منها فعملت وأحييت وصرفت فى عين واحدة يقال لها : الرشا تسكب فى الماجلين اللذين


أحدهما لأمير المؤمنين الرشيد بالمعلاة ثم تسكب فى البركة التى عند المسجد الحرام ثم كان الناس بعد يقطع هذه العيون فى شدة من الماء ، وكان أهل مكة والحاج يلقون من ذلك المشقة حتى إن الراوية لتبلغ فى الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل الماء ، فبلغ ذلك أم جعفر بنت أبى الفضل جعفر بن أمير المؤمنين المنصور ، فأمرت فى سنة أربع وتسعين وماية بعمل بركتها التى بمكة فأجرت لها عينا من الحرم فجرت بماء قليل لم يكن فيه رى لأهل مكة ، وقد غرمت فى ذلك غرما عظيما فبلغها فأمرت جماعة من المهندسين أن يجروا لها عيونا من الحل.

وكان الناس يقولون : إن ماء الحل لا يدخل الحرم ، لأنه يمر على عقاب وجبال ، فأرسلت بأموال عظام ثم أمرت من يزن عينها الأولى فوجدوا فيها فسادا ، فانشأت عينا أخرى إلى جانبها وأبطلت تلك العيون ، فعملت عينها هذه بأحكم ما يكون من العمل ، وعظمت فى ذلك رغبتها وحسنت نيتها فلم تزل تعمل فيها حتى بلغت ثنية خل ، فإذا الماء لا يظهر فى ذلك الجبل ، فأمرت بالجبل فضرب فيه ، وانفقت فى ذلك من الأموال ما لم يكن تطيب به نفس كثير من الناس حتى أجراها الله عزوجل لها.

وأجرت فيها عيونا من الحل منها عين من المشاش واتخذت لها بركا تكون السيول إذا جاءت تجتمع فيها ، ثم أجرت لها عيونا من حنين واشترت حايط حنين فصرفت عينه إلى البركة وجعلت حايطه سدا يجتمع فيه السيل ، فصارت لها مكرمة لم تكن لأحد قبلها وطابت نفسها بالنفقة فيها بما لم تكن تطيب نفس أحد غيرها به ، فأهل مكة والحاج إنما يعيشون بها بعد الله عزوجل.

ثم أمر أمير المؤمنين المأمون صالح بن العباس فى سنة عشر ومايتين أن يتخذ له بركا فى السوق خمسا لئلا يتعنى أهل أسفل مكة والثنية وأجيادين والوسط إلى بركة أم جعفر فأجرى عينا من بركة أم جعفر من فضل مائها فى عين تسكب فى بركة البطحاء عند شعب ابن يوسف فى وجه دار ابن يوسف ، ثم يمضى إلى بركة عند الصفا ثم يمضى إلى بركة عند الحناطين ثم يمضى إلى بركة بفوهة سكة الثنية دون دار أويس ثم يمضى إلى بركة عند سوق الحطب بأسفل مكة ثم يمضى فى سرب ذلك إلى ماجل أبى صلاية ثم إلى الماجلين اللذين فى حايط ابن طارق بأسفل مكة ، وكان صالح بن العباس لما فرغ منها ركب بوجوه الناس إليها ، فوقف عليها حين جرى فيها الماء ونحر عند كل بركة جزورا ، وقسم لحمها على الناس.

* * *


ما ذكر من أمر الرباع : رباع قريش وحلفائها

أولها : رباع بنى عبد المطلب بن هاشم

قال أبو الوليد : الدار التى صارت لابن سليم الأزرق وهى إلى جنب دار بنى مرحب صارت لإسماعيل بن إبراهيم الحجى وهى قبالة دار حويطب بن عبد العزى إلى منتهى دار إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله فلولده الحارث بن عبد المطلب أول ذلك الحق وهى الدار التى اشتراها ابن أبى الكلوح البصرى ، والحق الذى يليه وهو الشعب شعب ابن يوسف وبعض دار ابن يوسف لأبى طالب ، والحق الذى يليه ، وبعض دار ابن يوسف المولد مولد النى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما حوله لأبى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن عبد المطلب ، والحق الذى يليه حق العباس بن عبد المطلب ، وهى دار خالصة مولاة الخيزران ، ثم حق المقوم ابن عبد المطلب وهى دار الطلوب مولاة زبيدة ثم حق أبى لهب وهى دار أبى يزيد اللهبى.

فهذا آخر حقهم فى هذا الموضع ، وذكر غير واحد من المكيين إن الشعب الذى يقال له : شعب ابن يوسف كان لهاشم بنى عبد مناف دون الناس ، قالوا : وكان عبد المطلب قد قسم حقه بين ولده ودفع إليهم ذلك فى حياته حين ذهب بصره فمن ثم صار للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق أبيه عبد الله بن عبد المطلب ، وللعباس بن عبد المطلب أيضا الدار التى بين الصفا والمروة التى بيد ولد موسى بن عيسى التى إلى جنب الدار التى بيد جعفر ابن سليمان ودار العباس هى الدار المنقوشة التى عندها العلم الذى يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا بأصلها ويزعمون أنها كانت لهاشم بن عبد مناف ، وفى دار العباس هذه حجران عظيمان يقال لهما : أساف ونائلة صنمان كانا يعبدان فى الجاهلية هما فى ركن الدار ، ولهم أيضا دار أم هانى بنت أبى طالب التى كانت عند الحناطين عند المنارة فدخلت فى المسجد الحرام حين وسعه المهدى الهدم الآخر سنة سبع وستين وماية.

* * *

رباع حلفاء بنى هاشم

دار الأسود بن خلف الخزاعى وهى دار طلحة الطلحات باعها عبد الله بن القاسم ابن عبيدة بن خلف الخزاعى من جعفر بن يحيى البرمكى بماية ألف دينار : وهى دار الإمارة التى عند الحذائين بناها حماد البريرى للرشيد هارون أمير المؤمنين ، ولهم أيضا دار القدر التى هى فى زقاق أصحاب الشيرق ، باعها عبد الرحمن بن القاسم بن عبيدة بن


خلف الخزاعى من الفضل بن الربيع بعشرين ألف دينار ، ولآل حكيم بن الأوقص السلمى حلفاء بنى هاشم دار حمزة فى السويقة ودار درهم فى السويقة ، وللملحيين الخزاعيين أيضا دار أم إبراهيم التى فى زقاق الحذائين اشتراها معاوية منهم ، وكان يقال لها : دار أوس ، وللملحيين أيضا دار ابن ماهان فى زقاق الحذائين.

ولبنى عتوارة من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، دار عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، ومن دار الطلحيين التى بالبطحاء إلى باب شعب بن عامر ، فذلك الربع لهم أيضا.

* * *

رباع بنى عبد المطلب بن عبد مناف

الدار التى بفوهة شعب ابن عامر يقال لها : دار قيس بن مخرمة كانت لهم جاهلية ، وزعم بعض الناس أن دار عمرو بن سعيد بن العاص التى فى ظهر دار سعيد كانت لهم فخرجت من أيديهم ؛ وقال غير هؤلاء : بل كانت هذه الدار لقوم من بنى بكر وهم أخوال سعيد بن العاص فاشتراها منهم وهو أشهر القولين.

* * *

رباع حلفائهم

لآل عتبة بن فرقد السلمى دراهم وربعهم التى عند المروة ، وهو شق المروة السوداء دار الحرشى المنقوشة وزقاق آل أبى ميسرة يقال لها : دار ابن فرقد.

* * *

رباع بنى عبد شمس بن عبد مناف

لآل حرب بن أمية بن عبد شمس دار أبى سفيان بن حرب التى بين الدارين يقال لها: دار ريطة ابنة أبى العباس ، وهى الدار التى قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال : أصعد عمر بن الخطاب رضى الله عنه المعلاة فى بعض حاجته فمر بأبى سفيان بن حرب يهنى جملا له فنظر إلى أحجار قد بناها أبو سفيان شبه الدكان فى


وجه داره يجلس عليه فى فىء الغداة ، فقال له عمر : يأبا سفيان ما هذا البناء الذى أحدثته فى طريق الحاج؟ فقال أبو سفيان : دكان نجلس عليه فى فىء الغداة ، فقال له عمر : لا ارجع من وجهى هذا حتى تقلعه وترفعه ، فبلغ عمر حاجته ، فجاء والدكان على حاله ، فقال له عمر : ألم أقل لك لا أرجع حتى تقلعه؟ قال أبو سفيان : انتظرت يا أمير المؤمنين أن يأتينا بعض أهل مهنتنا فيقلعه ويرفعه ، فقال عمر رضى الله عنه : عزمت عليك لتقلعنه بيدك ولتنقلنه على عنقك ، فلم يراجعه أبو سفيان حتى قلعه بيده ونقل الحجارة على عنقه وجعل يطرحها فى الدار فخرجت إليه هند ابنة عقبة ، فقالت : يا عمر أمثل أبى سفيان تكلفه هذا وتعجله عن أن يأتيه بعض أهل مهنته فطعن بمخصرة كانت فى يده فى خمارها ، فقالت هند ونقحتها بيدها : إليك عنى يا بن الخطاب فلو فى غير هذا اليوم تفعل هذا لأضطمت عليك الأخاشب. قال : فلما قلع أبو سفيان الحجارة ونقلها استقبل عمر القبلة وقال : الحمد لله الذى أعز الإسلام وأهله ، عمر بن الخطاب رجل من بنى عدى بن كعب يأمر أبا سفيان بن حرب سيد بنى عبد مناف بمكة فيطيعه ثم ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى سليمان بن حرب بإسناد له ، قال : كان المسلمون يرون للسلطان عزمة ، فلقب أهل الكوفة سعيد بن العاص فى إمارة عثمان بن عفان أشعر بركا فقام فصعد المنبر ، فقال : عزمت على من كان لى عليه سمع وطاعة ، سمانى أشعر بركا ، إلا قام ، فقام الذى سماه ، فقال : أيها الأمير من الذى يجترئ أن يقوم فيقول : أنا الذى سميتك أشعر بركا ، وأشار إلى صدره أو إلى نفسه.

حدثنا أبو الوليد ، وحدثنى جدى ، حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال : وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحذائين فضرب برجله فقال سنام الأرض أن لها سناما ، زعم ابن فرقد ـ يعنى عتبة بن فرقد السلمى ـ إنى لأعرف حقى من حقه ، له سواد المروة ، ولى بياضها ، ولى ما بين مقامى هذا إلى تجنى ـ وتجنى ثنية قريبة من الطايف ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال : إن أبا سفيان لقديم الظلم ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدرانه.

حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنى جدى ، قال : ابتنى معاوية بمكة دورا منها الست المتقاطرة ليس لأحد بينهما فصل ، أولها دار البيضاء التى على المروة وبابها من ناحية المروة ووجهها شارع على الطريق العظمى بين الدارين وكانت فيها طريق إلى جبل الديلمى فلم تزل حتى أقطعها العباس بن محمد بن على فسد تلك الطريق فهى مسدودة


إلى اليوم ، ثم قبضت بعد من العباس بن محمد ، فهى فى الصوافى وإنما سميت دار البيضاء أنها بنيت بالجص ثم طليت به فكانت كلها بيضاء ، وجدر الدار الرقطاء إلى جنبها وإنما سميت الرقطاء لأنها بنيت بالآجر الأحمر والجص الأبيض فكانت رقطاء ثم كانت قد أقطعها الغطريف بن عطاء ثم قبضت منه ، فهى اليوم فى الصوافى.

ودار المراجل تلى دار الرقطاء بينهما الطريق إلى جبل الديلمى وإنما سميت دار المراجل لأنها كانت فيها قدور من صفر لمعاوية يطبخ فيها طعام الحاج ، وطعام شهر رمضان ، فصارت دار المراجل لولد سليمان بن على بن عبد الله بن عباس أقطعها ، ويقال : أنها كانت لآل المؤمل العدويين فابتاعها منهم معاوية ، ويقال : إن دار الرقطاء والبيضاء كانتا لآل أسيد بن أبى العيص بن أمية فابتاعها منهم معاوية ، ودار ببة إلى جنب دار المراجل على رأس الردم ، ردم عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وببة عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهى الدار التى صارت لعيسى بن موسى ، ودار سلمة بن زياد وهى التى إلى جنب دار ببة ، وسلم بن زياد كان قيما عليها وكان يسكنها ، ودار الحمام وهى التى إلى جنب دار سلمة بينهما زقاق النار يقال : إن دار الحمام كانت لعبد الله بن عامر بن كريز فناقله بها معاوية إلى دار ابن عامر التى فى الشعب ، شعب ابن عامر ، ودار رابغة وهى مقابل دار الحمام وهى التى فى وجهها دور بنى غزوان بأصل قرن مسقلة ، ودار أوس وهى الدار التى يدخل إليها من زقاق الحذائين يقال لها اليوم : دار سلسبيل ـ يعنى أم زبيدة ـ كانت لآل أوس الخزاعى فابتاعها منهم معاوية وبناها ، ودار سعد ، وسعد هذا هو سعد القصير غلام معاوية كان بناها سعد بالحجارة المنقوشة فيها التماثيل مصورة فى الحجارة وكانت فيها طريق تمرها المحامل والقباب من السويقة إلى المروة وكان بينهما وبين دار عيسى بن على ودار سلسبيل طريق فى زقاق ضيق فصارت لعبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعى فهدمها وسد الطريق التى كانت فى بطنها وأخرج للناس طريقا تمر بها المحامل والقباب فكان الزقاق الضيق بينهما وبين دار سلسبيل أم زبيدة ، ودار عيسى بن على وهى دار عبد الله بن مالك التى إلى جنب دار عيسى بن على فى زقاق الجزارين.

وقد زعم بعض الناس أنها كانت لسعد بن أبى طلحة بن عبد العزى العبدرى وكان معاوية اشتراها منهم ، ودار الشعب بالثنية عند الدارين يقال لها اليوم : دار الزنج ، ويقال : أنها كانت من حق بنى عدى ويقال : أنها كانت لبنى جمح فابتاعها منهم معاوية وبناها ، ودار جعفر بالثنية أيضا إلى جنب دار عمرو بن عثمان فيها طريق مسلوكة


يقال : أنها لبنى عدى ويقال : لبنى هاشم فابتاعها منهم وبناها ، ودار البخاتى فى خط الحزامية كانت فيها بخاتى معاوية إذا حج وفيها بير وهى اليوم لولد أبى عبد الله الكاتب ، ودار الحدادين التى بسوق الفاكهة وسوق الرطب فى الزقاق الذى بين دار حويطب ودار ابن أخى سفيان ابن عيينة التى بناها ، ودار الحدادين هذه كانت فى ما مضى يقال لها دار مال الله كان يكون فيها المرضى وطعام مال الله.

حدثنى أبو الوليد قال : حدثنى حمزة بن عبد الله بن حمزة بن عتبة عن أبيه قال : أدركت فيها المرضى وما نعرفها إلا بدار مال الله ، وهى من رباع بنى عامر ابن عباس التى عند القواسين كانت لحنظلة بن أبى سفيان وهى لهم ربع جاهلى ، ودار زياد وكان موضعها رحبة بين دار أبى سفيان فى وجه دار سعيد بن العاص ، ودار الحكم بن أبى العاص وكانت تلك الرحبة يقال لها : بين الدارين ، يعنون دار أبى سفيان ودار حنظلة بن أبى سفيان ، وكانت إذا قدمت العير من السراة والطايف وغير ذلك ، تحمل الحنظلة والحبوب والسمن والعسل تحط بين الدارين وتباع فيها ، فلما استلحق معاوية زياد بن سمية ، خطب إلى سعيد بن العاص أخته فرده ، فشكاه إلى معاوية ، فقال معاوية لزياد بن سمية : لأقطعنك أشرف ربع مكة ولأسدن عليه وجه داره ، فأقطعه هذه الرحبة فسدت وجه دار سعيد ، ووجه دار الحكم ، فتكلم مروان فى دار الحكم حين سدوا وجهها وبقيت بغير طريق فترك له تسعة أذرع قدر ما يمر فيه حمل حطب ، ولم يترك لسعيد من الطريق إلا نحوا من ثلاثة أذرع لا يمرها حمل حطب ، وكان يقال : لدار زياد هذه دار الصرارة ، وكانت من دور معاوية دار الديلمى التى على الجبل الديلمى أن غلاما لمعاوية يقال له : الديلمى وإنما سميت دار الديلمى هو الذى بناها والدار التى فى السويقة يقال لها : دار حمزة تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعى اشتراها من آل أبى الأعور السلمى فكانت له حتى كانت فتنة ابن الزبير فاصطفاها ووهبها لابنه حمزة بن عبد الله ابن الزبير ، فيه تعرف اليوم بدار حمزة ، وهى اليوم فى الصوافى.

* * *

رباع آل سعيد بن العاص بن أمية

قال أبو الوليد : دار أبى أحيحة سعيد بن العاص التى إلى جنب دار الحكم وهى لهم ربع جاهلى ولهم دار عمرو بن سعيد الأشدق وهى شرى ، كانت لقوم من بنى بكر ، وهم أخوال سعيد بن العاص.

* * *


ربع آل أبى العاص بن أمية

لآل عثمان بن عفان دار الحناطين التى يقال لها : دار عمرو بن عثمان ، ذكر بعض المكيين أنها كانت لآل السباق بن عبد الدار ، وقال بعضهم : كانت لآل أمية بن المغيرة ، ودار عمرو بن عثمان التى بالثنية يقال : أنها كانت لآل قدامة بن مظعون الجمحى ، ولآل الحكم بن أبى العاص دار الحكم التى إلى جنب دار سعيد بن العاص بين الدارين بنحر طريق من سلك من زقاق الحكم ، ويقال : إن دار الحكم هذه كانت لوهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبى أمه فصارت لأمية بن عبد شمس أخذها عقلا فى ضرب إليته ، ولتلك الضربة قصة مكتوبة ، ولهم دار عمر بن عبد العزيز كانت لناس من بنى الحارث بن عبد مناف ثم اشتراها عمر ، وأمر ببنائها وهو والى على مكة والمدينة فى خلافة الوليد بن عبد الملك فمات الوليد بن عبد الملك ، قبل أن يفرغ منها فأمر عمر بن عبد العزيز بإتمام بنائها ، وكان بناؤها للوليد من ماله ، فلما أن فرغ منها عمر بن عبد العزيز ، قدم فى الموسم وهو والى الحج فى خلافة سليمان ، فلما نظر إليها لم ينزلها ثم تصدق بها على الحجاج والمعتمرين وكتب فى صدقتها كتابا وأشهد عليه شهودا ووضعه فى خزانة الكعبة عند الحجبة وأمرهم بالقيام عليها وأسكنها الحاج والمعتمرين ، فكانوا يفعلون ذلك.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى قال : أخبرنى عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم ابن عقبة بن أبيه بهذه القصة كلها ، وكان صديقا لعمر بن عبد العزيز عالما بأمره.

قال أبو الوليد : قال لى جدى : فلم تزل تلك الدار فى يد الحجبة يلونها ويقومون عليها حتى قبضت أموال بنى أمية ، فقبضت فيما قبض فاقطعها أبو جعفر أمير المؤمنين يزيد بن منصور الحجى الحميرى خال المهدى ، فلما استخلف المهدى قبضها من يزيد من منصور وردها على ولد عمر بن عبد العزيز فأسلموها إلى الحجبة ، فلم تزل بأيديهم على ما كانت عليه.

قال أبو الوليد : وأخبرنى جدى قال : ففيها عمل تابوت الكعبة الكبير ، وهى فى أيدى الحجبة ثم تكلم فيها ولد يزيد من منصور فى خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين ، فردت عليهم ثم باعوها ، فاشتراها أمير المؤمنين الرشيد ، ثم ردت أيضا فى خلافة الرشيد إلى الحجبة ، فكانت فى أيديهم حتى قبضها حماد البربرى ، فلم تزل فى الصوافى حتى ردها المعتصم بالله أبو إسحاق أمير المؤمنين على ولد عمر بن عبد العزيز فى سنة سبع


وعشرين وما يتين ، وهى فى يد ولد عمر بن عبد العزيز اليوم ، ودار مروان بن محمد بن مروان بالثنية كانت شرى من بنى سهم.

* * *

ربع آل أسيد بن أبى العيص

لهم دار عبد الله بن خالد بن أسيد التى كانت على الردم الأدنى ، ردم آل عبد الله وهى لهم ربع جاهلى ، ولهم الدار التى فوقها على رأس الردم ، بينها وبين دار عبد الله رقاق بن هربذ ، وهذه الدار لأبى عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، وهو ربع عتاب ابن أسيد ، والدار التى وراء دار عثمان فى الزقاق ، وكان على بابها كتاب أبى عمر المعلم لهم أيضا شرى ، ولهم دار حماد البربرى التى إلى جنب دار لبابة كانت لولد عثمان ابن عبد الله بن خالد بن أسيد فباعوها ، ولهم دار الحارث ، ودار الحصين اللتان بالمعلاة فى سوق ساعة عند فوهة شعب ابن عامر ، والحصين بن عبد الله بن خالد بن أسيد.

* * *

ربع آل ربيعة بن عبد شمس

لهم دار عتبة بن ربيعة بن عبد شمس التى بين دار أبى سفيان ودار ابن علقمة ، ثم كانت قد صارت للوليد بن عتبة بن أبى سفيان ، فبناها بناءها الذى هو قايم إلى اليوم ، ويقال : كان فيها حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمى الذى كانت قريش أمرته على سقائها ، وهو الذى يقول فيه الحارث بن أمية الأصغر :

أقرر بالأباطح كل يوم

مخافة أن يشردنى حكيم

قال أبو الوليد : قال جدى : هذه الدار هى دار عتبة بن ربيعة التى كان يسكن فى الجاهلية ، ودار عتبة بن ربيعة أيضا بأجياد الكبير فى ظهر دار خالد بن العاص بن هشام المخزومى وهى دار موسى بن عيسى التى عملت متوضيات لأمير المؤمنين يقال : أنها كانت لعبد شمس بن عبد مناف.

* * *

ولآل عدى بن ربيعة بن عبد شمس

الدار التى صارت لجعفر بن يحيى بن خالد بن برمك بفوهة أجياد الكبير ، عمرها جعفر بن يحيى بالحجر المنقوش والساج ، اشتراها جعفر بن يحيى من أم السايب بنت


جميع الأموية بثمانين ألف دينار ، وكانت هذه الدار لأبى العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس زوج زينب بنت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيها ابتنى بزينب ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدتها إليها أمها خديجة بنت خويلد ، وفيها ولدت ابنته أمامة بنت زينب ، فلما أسلم وهاجر أخذها بنو عمه مع ما أخذوا من رباع المهاجرين.

* * *

ربع آل عقبة بن أبى معيط

الدار التى يقال لها : دار الهرابذة من الزقاق الذى يخرج على النجار رين يلى ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس إلى المسكن الذى صار لعبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبى رواد إلى الزقاق الآخر الأسفل الذى يخرج على البطحاء أيضا عند حمام ابن عمران العطار ، فذلك الربع يقال له : ربع أبى معيط.

* * *

ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس

قال أبو الوليد : الدار التى فى ظهر دار أبان بن عثمان مما يلى الوادى عند النجارين إلى زقاق ابن هربذ ، وإلى ربع أبى معيط ، فذلك الربع ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فى الجاهلية ، ولعبد الله بن عامر بن كريز داره التى فى الشعب ، والشعب كله من ربعه ، من دار قيس بن مخرمة إلى دار حجير ، ما وراء دار حجير إلى ثنية أبى مرحب إلى موضع نادر من الجبل كالمنحوت ، وهو قايم إلى اليوم شبه الميل يقال : إن كان ذلك علما بين معاوية وبين عبد الله بن عامر فما وراء ذلك إلى الشعب هو لعبد الله بن عامر ، وما كان فى وجهه مما يلى حايط عوف بن مالك لمعاوية ، رحمه‌الله.

* * *

ولولد أمية بن عبد شمس الأصغر

الدار التى بأجياد الكبير عند الحواتين يقال لها : دار عبلة ، فى ظهرها دار الدومة ، فهذه الدار للحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس ، زعم بعض المكيين أنها كانت لأبى جهل بن هشام فوهبها للحارث بن أمية على شعر قاله فيه ، وقال بعضهم : اشتراها منه بزق خمر ، وللعبلات أيضا حق بالثنية فى حق بنى عدى فى مهبط الحزنة ، ولآل سمرة بن حبيب بن عبد شمس داران بأسفل مكة عند خيام عنقود ، وعنقود إنسان كان يبيع


الروس هنالك ، ولهم أيضا دار بأعلى مكة فى وجه شعب ابن عامر مقابل زقاق النار فى موضع سوق الغنم القديم يقال لها اليوم : دار سمرة.

* * *

رباع حلفاء بنى عبد شمس

دار جحش بن رياب الأسدى هى الدار التى بالمعلاة عند ردم عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقال لها : دار أبان بن عثمان عندها الرواسون ، فلم تزل هذه الدار فى أيدى ولد جحش وهم بنو عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمهم أمية بنت عبد المطلب ، فلما أذن الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فى الهجرة إلى المدينة ، خرج آل جحش جميعا الرجال والنساء إلى المدينة مهاجرين ، وتركوا دارهم خالية ، وهم حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس ، فعمد أبو سفيان بن حرب إلى دارهم هذه فباعها بأربع ماية دينار من عمرو بن علقمة العامرى من بنى عامر بن لوى ، فلما بلغ آل جحش إن أبا سفيان قد باع دارهم أنشأ أبو أحمد بن جحش يهجو أبا سفيان ويعيره ببيعها وكانت تحته الفارعة بنت أبى سفيان.

أبلغ أبا سفيان أمرا

فى عواقبه ندامه

دار ابن أختك بعتها

تقضى بها عنك الغرامه

وحليفكم بالله رب

الناس مجتهد القسامه

اذهب بها اذهب بها

طوقتها طوق الحمامه

فلما كان يوم فتح مكة ، أتى أبو أحمد بن جحش وقد ذهب بصره إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلمه فيها ، وقال : يا رسول الله ، إن أبا سفيان عمد إلى دارنا فباعها ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فساره بشىء ، فما سمع أبو أحمد بعد ذلك ذكرها بشىء ، فقيل لأبى أحمد بعد ذلك : ما قال لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال لى : إن صبرت كان خيرا وكانت لك بها دار فى الجنة ، قال : قلت : أنا أصبر ، فتركها أبو أحمد ، ثم اشتراها بعد ذلك يعلى بن منبه التميمى حليف بنى نوفل بن عبد مناف فكانت له ، وكان عثمان بن عفان قد استعمله على صنعاء ثم عزله وقاسمه ماله كله ، كما كان عمر يفعل بالعمال إذا عزلهم ، قاسمهم أموالهم ، فقال له عثمان حين عزله : يأبا عبد الله كم لك بمكة من الدور؟ فقال : لى بها دور أربع. قال : فإنى مخيرك ثم أختار. قال : افعل ما شئت يا أمير المؤمنين ، فاختار يعلى دار غزوان بن جابر بن شبيب بن عتبة بن غزوان صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات الوجهين التى كانت بباب المسجد الأعظم الذى يقال له : باب بنى شيبة ، وكان عتبة بن غزوان


لما هاجر دفعها إلى أمية بن أبى عبيدة بن همام بن يعلى بن منبه ، فلما كان عام الفتح وكلم بنو جحش بن رياب الأسدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى دارهم ، فكره لهم أن يرجعوا فى شىء من أموالهم ، أخذ منهم فى الله تعالى وهجروه لله ، أمسك عتبة بن غزوان عن كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى داره هذه ذات الوجهين ، وسكن المهاجرون ، فلم يتكلم أحد منهم فى دار هجرها لله سبحانه.

وسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مسكنيه كليهما ، مسكنه الذى ولد فيه ، وسكنه الذى ابتنى فيه بخديجة بنت خويلد وولد فيه ولده جميعا.

وكان عقيل بن أبى طالب أخذ مسكنه الذى ولد فيه ، وأما بيت خديجة فأخذه معتب بن أبى لهب وكان أقرب الناس جوارا فباعه بعد من معاوية بماية ألف درهم ، وكان عتبة بن غزوان يبلغه عن يعلى أنه يفخر بداره فيقول : والله لا ظنى سآتى دل بن على ، فآخذ دارى منه ، فصارت دار آل جحش بن رياب لعثمان بن عفان حين قاسم يعلى دوره ، فكانت فى يد عثمان وولده لم تخرج من أيديهم من يومئذ ، وإنما سميت دار أبان لأن أبان بن عثمان كان ينزلها فى الحج والعمرة إذا قدم مكة ، فلذلك سميت به ، وقال أبو أحمد بن جحش بن رياب يذكر الذى بينه وبين بنى أمية من الرخم والصهر والحلف وكان حليفهم ، وأمه أميمة بنت عبد المطلب ، وكانت تحته الفارعة بنت أبى سفيان ، فقال أبو أحمد بن جحش بن رياب :

ابنى أمية كيف أظلم فيكم

وأنا ابنكم وحليفكم فى العسر

لا تنقضوا حلفى وقد حالفتكم

عند الجمار عشية النفر

وعقدت حبلكم بحبلى جاهدا

وأخذت منكم أوثق النذر

ولقد دعانى غيركم فأبيتهم

وذخرتكم لنوايب الدهر

فوصلتم رحمى بحقن دمى

ومنعتم عظمى من الكسر

لكم الوفاء وأنتم أهل له

إذ فى سواكم أقبح الغدر

منع الرقاد فما أغمض ساعة

هم يضيق بذكره صدرى

قال : ولآل جحش بن رياب أيضا الدار التى بالثنية فى حق آل مطيع بن الأسود ويقال لها : دار كثير بن الصلت ، دار الطاقة ، وابتاعها كثير بن الصلت من آل جحش بن رياب فى الأسود.

* * *


ربع آل الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبى شمر

الغسانى حليف المغيرة بن أبى العاص بن أمية

دار الأزرق ، دخلت فى المسجد الحرام ، كانت إلى جنب المسجد جدرها وجدر المسجد واحد ، وكان وجهها شارعا على باب بنى شيبة إذ كان المسجد متقدما لاصقا بالكعبة وكانت على يسار من دخل المسجد بجنب دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، دار خيرة فى ظهرها.

وكان عقبة بن الأزرق يضع على جدرها مما يلى الكعبة مصباحا عظيما ، فكان أول من استصبح لأهل الطواف حتى استخلف معاوية فأجرى للمسجد قناديل وزيتا من بيت المال ، فكانوا يثقبون تحت الظلال وهذا المصباح يضىء لأهل الطواف ، فلم يزالوا يستصبحون فيه لأهل الطواف حتى ولى خالد بن عبد الله القسرى لعبد الملك بن مروان ، فكان قد وضع مصباح زمزم الذى مقابل الركن الأسود ، وهو أول من ووضعه.

فلما وضعه منع آل عقبة بن الأزرق أن يصبحوا على دارهم ، فنزع ذلك المصباح ، فلم تزل تلك الدار بأيديهم ، وهى لهم ربع جاهلى حتى وسع ابن الزبير المسجد ليالى فتنة ابن الزبير ، فأدخل بعض دارهم فى المسجد ، واشتراه منهم بثمانية عشر ألف دينار وكتب لهم بالثمن كتابا إلى مصعب بن الزبير بالعراق ، فخرج بعض آل عقبة بن الأزرق إلى مصعب فوجدوا عبد الملك بن مروان قد نزل به يقاتله ، فلم يلبث أن قتل مصعب ، فرجعوا إلى مكة ، فكلموا عبد الله بن الزبير فكان يعدهم حتى نزل به الحجاج فحاصره وشغل عن إعطائهم فقتل قبل أن يأخذوا شيئا من ثمنها ، فلما قتل كلموا الحجاج فى ثمن دارهم وقالوا : أن ابن الزبير اشتراها للمسجد ، فأبى أن يعطيهم شيئا ، وقال : لا والله ، لا بردت عن ابن الزبير ، هو ظلمكم فادعوا عليه ، فلو شاء أن يعطيكم لفعل.

فلم تزل بقيتها فى أيديهم حتى وسع المهدى أمير المؤمنين المسجد الحرام ، فدخلت فيه فاشتراها منهم بنحو من عشرين ألف دينار ، فاشتروا بثمنها دورا بمكة عوضا منها وكانت صدقة محرمة فتلك الدور اليوم فى أيديهم.

وكان دخولها فى المسجد الحرام فى سنة إحدى وستين وماية.

ولآل الأزرق بن عمرو أيضا دارهم التى عند المروة إلى جنب دار طلحة بن دار


الحضرمى يقال لها : دار الأزرق وهى فى أيديهم إلى اليوم ، وهى لهم ربع جاهلى ، وهم يروون أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخلها على الأزرق بن عمرو عام الفتح ، وجاءه فى حاجة ، فقضاها له وكتب له كتابا أن يتزوج الأزرق فى أى قبائل قريش شاء وولده ، وذلك الكتاب مكتوب فى أديم أحمر ، فلم يزل ذلك الكتاب عندهم حتى دخل عليهم السيل فى دارهم التى دخلت فى المسجد الحرام سيل الجحاف فى سنة ثمانين فذهب بمتاعهم وذهب ذلك الكتاب فى السيل ، وذلك أن الأزرق قال له : يا رسول الله ، بأبى أنت وأمى ، إنى رجل لا عشيرة لى بمكة ، وإنما قدمت من الشام وبها أصلى وعشيرتى ، وقد اخترت المقام بمكة فكتب له ذلك الكتاب.

* * *

ربع أبى الأعور

قال أبو الوليد : ربع أبى الأعور السلمى ، واسمه عمرو بن سفيان بن قايف بن الأوقص الدار التى تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعى ، وهذه الدار شارعة فى السويقة البير التى فى بطن السويقة بأصلها ، يقال لها : دار حمزة ، وهى من دور معاوية كان اشتراها من آل أبى الأعور السلمى ، فلما كانت فتنة ابن الزبير اصطفاها فى أموال معاوية فوهبها لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير ، فبه تعرف اليوم ، وهى اليوم فى الصوافى ، ودار يعلى بن منبه كانت فى فناء المسجد الحرام يقال لها ذات الوجهين كان لها بابان ، وكان فيها العطارون ، وكانت مما يلى دار بنى شيبة ، دخلت فى المسجد الحرام حين وسعه المهدى سنة إحدى وستين وماية ، وكانت هذه الدار لعتبة بن غزوان حليف بنى نوفل ، فلما هاجروا أخذها يعلى بن منبه ، وكان استوصاه بها حين هاجر.

فلما قدم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ، فتكلم أبو أحمد بن جحش فى داره ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال ، وكره أن يرجعوا فى شىء هجروه لله تعالى وتركوه ، فسكت عنها عتبة بن غزوان ، وكان ليعلى بن منبه أيضا داره التى فى الحناطين ابتاعها من آل صيفى ، فأخرجه منها الذر ، وهى الدار التى صارت لزبيدة بلصق المسجد الحرام عند الحناطين.

* * *

ربع آل داود بن الحضرمى ، واسم الحضرمى عبد الله بن

عمار حليف عتبة بن ربيعة

قال أبو الوليد : لهم دارهم التى عند المروة يقال لها : دار طلحة بين دار الأزرق بن


عمرو الغسانى ، ودار عتبة بن فرقد السلمى ، ولهم أيضا الدار التى إلى جنب هذه الدار عند باب دار الأزرق أيضا يقال لها : دار حفصة ، ويقال لها : دار الزوراء ، ومن رباعهم أيضا الدار التى عند المروة فى صف دار عمر بن عبد العزيز ، ووجهها شارع على المروة ، الحجامون فى وجهها ، وهى اليوم فى الصوافى اشتراها بعض السلاطين ، اشترتها رملة بنت عبد الله بن عبد الملك بن مروان وزوجها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان ، فتصدقت بها ليسكنها الحاج والمعتمرون.

وكان فى دهليز هذه شراب من أسوقة محلاة ومحمضة تسقى فيها فى الموسم ، وكان لهشام بن عبد الملك ، وهو خليفة شراب من أسوقة محمضة ومحلاة ، يسقى فى الموسم على المروة فى فسطاط فى موضع الجنبذ الذى يسقى فيه الماء على المروة ، فمنع محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومى خال هشام بن عبد الملك بن مروان ، وهو أمير على مكة رملة بنت عبد الله بن عبد الملك أن تسقى على المروة شرابها ، فشكت ذلك إلى عمها هشام بن عبد الملك فكتب لها : إذا انقضى الحاج أن تسقى فى الصدر ، فلم تزل تلك الدار يسقى فيها شراب رملة من وقوف وقفتها عليها بالشام.

ويسكن هذه الدار الحاج والمعتمرون حتى اصطفيت حين خرجت الخلافة من بنى مروان ، وهذه الدار من دار عمر بن عبد العزيز إلى حق أم أنمار القارية ، والدار التى على ردم آل عبد الله عندها الحمارون بلصق دار آل جحش بن رياب ، وهى بيوت صفار كانت لقوم من الأزد يقال لهم : البراهمة ، ومسكنهم السراة ، وهم حلفاء آل حرب بن أمية ، فاشتراها منهم خالد بن عبد الله القسرى ، فهى تعرف اليوم بدار القسرى ثم اصطفيت.

* * *

رباع بنى نوفل بن عبد مناف

قال أبو الوليد : كانت لهم دار جبير بن مطعم عند موضع دار القوارير اللاصقة بالمسجد الحرام بين الصفا والمروة ، اشتريت منهم فى خلافة المهدى أمير المؤمنين حين وسع المسجد الحرام ، قال : فأقطعت تلك الرحبة جعفر بن يحيى فى خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين ، ثم قبضت فى أموال جعفر بن يحيى فى فبناها حماد البريرى للرشيد بالرخام والفسيفساء من خارجها ، وبنى باطنها بالقوارير والمينا الأصفر والأحمر وكانت لهم أيضا دار دخلت فى المسجد الحرام يقال لها : دار بنت قرضة ، وكانت لهم الدار التى


إلى جنب دار ابن علقمة صارت للفضل بن الربيع ، اشتراها من أهل نافع بن جبير بن مطعم وبناها ، وهى الدار التى احترقت على الصيادلة ، كانت لنافع بن جبير خاصة من بين ولد جبير ، ولهم دار عدى بن الخيار ، كانت عند العلم الذى على باب المسجد الذى يسعى منه من أقبل من المروة إلى الصفا ، وكانت صدقة ، فاشترى لهم بثمنها دورا ، فهى فى أيدى ولد خيار بن عدى إلى اليوم ، ولهم دار ابن أبى حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل دخلت فى المسجد الحرام ، وكانت صدقة ، فاشترى لهم بثمنها دورا فهى فى أيديهم إلى اليوم.

* * *

رباع حلفاء بنى نوفل بن عبد مناف

قال أبو الوليد : دار عتبة بن غزوان من بنى مازن بن منصور كانت إلى جنب المسجد الحرام يقال لها : ذات الوجهين ، قد كتبت قصتها فى رباع يعلى بن منبه ، ودخلت هذه الدار فى المسجد الحرام ودار حجير بن أبى أهاب بن عزيز بن قيس بن عبد الله بن دارم التميمى ، وكانت قبلهم لآل معمر بن خطل الجمحى ، وهى الدار التى لها بابان ، باب شارع على فوهة سكة قعيقعان ، وباب إلى السكة التى تخرج إلى المسجد إلى باب قعيقعان ، ثم صارت ليحيى بن خالد بن برمك اشتراها من آل حجير بستة وثلاثين ألف دينار ، ثم هى اليوم فى الصوافى وهى الدار التى صارت للصفار ثم صارت للسلطان بعد.

* * *

رباع بنى الحارث بن فهر

قال أبو الوليد : قال جدى : لهم ربع دبر قرن القرظ بين ربع آل مرة بن عمرو الجمحيين وبين الطريق التى لآل وابصة مما يلى الخليج ، وللضحاك بن قيس الفهرى دار عند دار آل عفيف السهميين ، بينها وبين حق آل المرتفع ، وعلى ردم بنى جمح دار يقال لها : دار قراد فنسب الردم إليهم بذلك ، وكان الذى عمل ذلك الردم عبد الملك بن مروان عام سيل الجحاف مع ما عمل من الضفاير ، والردم هو الذى يقول فيه الشاعر :

سأملك عبرة وأفيض أخرى

إذا جاوزت ردم بنى قراد

 * * *


رباع بن أسد بنى عبد العزى

قال أبو الوليد : كانت لهم دار حميد بن زهير اللاصقة بالمسجد الحرام فى ظهر الكعبة كانت تفىء على الكعبة بالعشى ، وتفىء الكعبة عليها بالبكر ، فدخلت فى المسجد الحرام فى خلافة أبى جعفر ، ولهم دار أبى البخترى بن هاشم بن أسد ، وقد دخلت فى دار زبيدة التى عند الحناطين ، ولهم فى سكة الحزامية دار الزبير بن العوام ، ودار حكيم ابن حزام ، والبيت الذى تزوج فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خديجة بنت خويلد فى دار حكيم بن حزام ، وسقيفة فيما هنالك ، وخير مما يلى دار الزبير ، وفى الخير باب يأخذ إلى دار الزبير ولعبد الله بن الزبير الدور التى بقعيقعان الثلاث المصطفة يقال لها : دور الزبير ، ولم يكن الزبير ملكها ، ولكن عبد الله ابتاعها من آل عفيف بن نبيه السهميين ، ومن ولد منبه ، وفيها دار يقال لها : در الزنج ، وإنما سميت دار الزنج لأن ابن الزبير كان له فيها رقيق زنج ، وفى الدار العظمى منهن بير حفرها عبد الله بن الزبير ، وفى هذه الدار طريق إلى الجبل الأحمر وإلى قراره المدحا موضع كان أهل مكة يتداحون فيه بالمداحى والمراصع ، وكانت لعبد الله بن الزبير أيضا دار بقعيقعان يقال لها : دار الحشنى ، وكانت له دار البخاتى بين دار العجلة ودار الندوة ، وكانت إلى جنبها دار فيها بيت مال مكة كانت من دور بنى سهم.

ثم كان عبد الملك بن مروان قبضها بعد من ابن الزبير ، ثم دخلت الدار التى كان فيها بيت المال فى دار العجلة حين بناها يقطين بن موسى للمهدى أمير المؤمنين ، وصارت الأخرى للربيع ثم هى اليوم فى الصوافى وهى التى يسكنها صاحب البريد ، وإنما سميت تلك الدار دار البخاتى لأن ابن الزبير جعل فيها بخاتيا كان أتى بها من العراق.

ولهم دارا مصعب بن الزبير اللتان عند دار العجلة كانتا للخطاب بن نفيل العدوى ، ولهم دار العجلة ابتاعها عبد الله بن الزبير من آل سمير بن موهبة السهميين ، وإنما سميت دار العجلة لأن ابن الزبير حين بناها عجل وبادر فى بنائها ، فكانت تبنى بالليل والنهار حتى فرغ منها سريعا ، وقال بعض المكيين : إنما سميت دار العجلة لأن ابن الزبير كان ينقل حجارتها على عجلة اتخذها على البخت والبقر.

* * *

رباع بنى عبد الدار بن قصى

كانت لهم دار الندوة وهى دار قصى بن كلاب التى كانت قريش لا تشاور ، ولا


تناظر ، ولا يعقدون لواء الحرب ، ولا يبرمون إلا فيها ، يفتحها لهم بعض ولد قصى ، فإذا بلغت الجارية منهم أدخلت دار الندوة فجاب عليها فيها درعها عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى ، ثم انصرفت إلى أهلها فحجبوها أو بعض ولده ، وكانت بيده من بين ولد عبد الدار ، وإنما كانت قريش تفعل هذا فى دار قصى تيمنا بأمره ، وتبركا به ، وكان عندهم كالدين المتبع ، وكان قصى الذى جمع قريشا وأسكنهم مكة وخط لهم الرباع.

ولم يكن يدخل دار الندوة من غير بنى قصى إلا ابن أربعين سنة ويدخلها بنو قصى جميعا وحلفاؤهم كبيرهم وصغيرهم ، فلم تزل تلك بأيدى ولد عامر بن هاشم حتى باعها ابن الرهين العبدرى ـ وهو من ولده ـ من معاوية بماية ألف درهم ، وقد دخل أكثر دار الندرة فى المسجد الحرام ، وقد بقيت منها بقية هى قايمة إلى اليوم على حالها.

وقال أبو محمد الخزاعى : قد جعلت مسجدا وصل بالمسجد الكبير فى خلافة المعتضد بالله ، وقد كتبت قصتها فى موضعه ، ولهم دار شيبة بن عثمان وهى إلى جنب دار الندوة وفيها خزانة الكعبة وهى دار أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، ولها باب فى المسجد الحرام ؛ ولهم ربع فى جبل شيبة ما وراء دار عبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعى إلى دار الأزرق بن عمرو بن الحارث الغسانى إلى ما سال من قرارة جبل شيبة إلى دار درهم ، وربع بنى المرتفع فذلك كله لبنى شيبة بن عثمان ، وزعم بعض الناس أن دار عبد الله بن مالك كانت لهم يقال : كانت لسعد بن أبى طلحة ، ثم صارت لمعاوية ، ولهم ربع بنى المرتفع فى السويقة إلى دار ابن الزبير ، الدنيا بقعيقعان يقال : إن ذلك الربع كان لآل النباش بن زرارة التميمى ، وقال بعض أهل العلم : كان ذلك الربع لأبى الحجاج بن علاط السلمى ، وكان عنده امرأة منهم يقال لها : فاطمة ابنة الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار فخرج مهاجرا فأخذوا ربعه ، وزعم بعض المكيين أنه كانت لهم الدار التى عند الخياطين التى يقال لها : دار عمرو بن عثمان كانت لآل السباق بن عبد الدار ، وزعم غير هؤلاء أنها كانت لأبى أمية بن المغيرة المخزومى.

* * *

رباع حلفاء بن عبد الدار بن قصى

قال أبو الوليد : رباع آل نافع بن عبد الحارث الخزاعيين ، الربع المتصل بدار شيبة بن عثمان ودار الندوة إلى السويقة إلى دار حمزة التى بالسويقة ، إلى ما دون السويقة ،


والزقاق الذى يسلك منه إلى دار عبد الله بن مالك ، وإلى المروة ، وينقطع ربعهم من ذلك الزقاق عند دار أم إبراهيم التى فى دار أوس ومعهم فيه حق الملحيين ، وهو الربع الذى صار لابن ماهان.

* * *

رباع بنى زهرة

قال أبو الوليد : كانت لهم بفناء المسجد الحرام دار دخلت فى المسجد الحرام ، كانت عند دار يعلى بن منبه ذات الوجهين ، وكانت لهم دار مخرمة بن نوفل التى بين الصفا والمروة التى صارت لعيسى بن على عند المروة ، ولهم حق آل أزهر بن عبد عوف على فوهة زقاق العطارين ، فيها العطارون وهى فى أيديهم إلى اليوم ، ولهم دار جعفر بن سليمان التى فى زقاق العطارين ، كانت لعوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، وهو أبو عبد الرحمن بن عوف.

* * *

رباع حلفاء بنى زهرة

قال أبو الوليد : دار خيرة بنت سباع بن عبد العزى الخزاعية الملحية ، كانت فى أصل المسجد الحرام تصل دار جبير بن مطعم ، ودار الأزرق بن عمرو الغسانى ، فدخلت فى المسجد الحرام ، وللغسانيين أيضا الدار التى تصل دار أوس ودار عيسى بن على فيها الحذائون ، يقال لها : دار ابن عاصم ، وصار وجهها لجعفر بن أبى جعفر أمير المؤمنين ، ثم اشتراها الرشيد هارون أمير المؤمنين ، وأما مؤخر الدار فهى فى أيدى العاصميين إلى اليوم.

* * *

ربع آل قارظ القاريين

وهى الدار التى يقال لها دار الخلد على الصيادلة بين الصفا والمروة بناها بناءها هذا حماد البربرى ، قال الأزرقى : وأما بناؤها هذا مما عمل لأم جعفر المقتدر بالله ، وقد أقطعها فى أيامه واشتراها الرشيد هارون أمير المؤمنين بين دار آل الأزهر ، وبين دار الفضل بن الربيع التى كانت لنافع بن جبير بن مطعم.

* * *


ربع آل أنمار القاريين

الربع الشارع على المروة على أصحاب الأدم من ربع آل الحضرمى إلى رحبة عمر بن الخطاب رضى الله عنه مقابل زقاق الخرازين الذى يسلك على دار عبد الله بن مالك ، ووجه هذا الربع بين الدارين مما يلى البرامين ، فيه دار أم أنمار القارية ، كانت برزة من النساء ، وكانت رجال قريش يجلسون بفناء بيتها يتحدثون ؛ وزعموا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجلس فى ذلك المجلس ويتحدث بفناء بيتها ، وفى هذا الربع بيت قديم جاهلى على بنيانه الأول يقال : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل هذا البيت ، وفى وجه هذا الربع مسجد صغير بين الدارين عند البرامين ، زعم بعض المكيين أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه فاشترى السرى بن عبد الله بن كثير بن عباس بعض هذا الربع وهو أمير مكة ، فلما عزل وسخط عليه اصطفاه أمير المؤمنين أبو جعفر وكان فيه حق قد كان بعض بنى أمية اشتراه فاصطفى منهم ، ثم اشترى أمير المؤمنين أبو جعفر بقيته من ناس من القاريين ، فهو فى الصوافى إلى اليوم إلا القطعة التى كانت لابن حماد البربرى ، وليحيى بن سليم الكاتب فاشتراها ابن عمران النخعى ثم صارت لعبد الرحمن بن إسحاق قاضى بغداد.

* * *

ربع آل الأخنس بن شريق

دار الأخنس التى فى زقاق العطارين من الدار التى بناها حماد البربرى لهارون أمير المؤمنين إلى دار القدر التى للفضل بن الربيع ، وهذا الربع لهم جاهلى ، ولآل الأخنس أيضا الحلق الذى بسوق الليل على الحدادين مقابل دار الحوار ، شراء من بنى عامر بن لوى.

* * *

ربع آل عدى بن أبى الحمراء الثقفى

لهم الدار التى فى ظهر دار ابن علقمة فى زقاق أصحاب الشيرق ، يقال لها : دار العاصميين من دار القدر التى للفضل بن الربيع إلى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى يقال له : بيت خديجة ، وهو لهم ربع جاهلى.

* * *

ربع بنى تيم

قال أبو الوليد : دار أبى بكر الصديق فى خط بنى جمح بيت أبى بكر رضى الله عنه


الذى دخله عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو على ذلك البناء إلى اليوم ، ومنه خرج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر الصديق رضى الله عنه إلى ثور مهاجرا ، ولهم دار عبد الله بن جدعان كانت شارعة على الوادى على فوهتى سكتى أجيادين ، أجياد الكبير ، وأجياد الصغير ، وهى الدار التى قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد حضرت فى دار ابن جدعان حلفا لو دعيت إليه الآن لأجبت ، وهو حلف الفضول ، كان فى دار ابن جدعان ، وقد دخلت هذه الدار فى وادى مكة حين وسع المهدى المسجد الحرام ، ودخل الوادى القديم فى المسجد ، وحول الوادى فى موضعه الذى هو فيه اليوم ، وكان فى موضعه دور من دور الناس إلا قطعة فضلت فى دار ابن جدعان وهى دار ابن عزارة ، ودار المليكيين التى عند الغزالين إلى جنب دار العباس بن محمد التى على الصيارفة ، ولهم حق أبى معاذ عند المروة ، ولهم حق كان لعثمان بن عبد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة عند سكة أجياد ، دخلت فى الوادى ، ولهم دار درهم بالسويقة شراء.

* * *

رباع بنى مخزوم وحلفائهم

قال أبو الوليد : لهم أجيادان الكبير والصغير ، ما قبل منهما على الوادى إلى منتهى آخرهما إلا حق بنى جدعان ، وآل عثمان التيمى ، وأجيادان جميعا لبنى المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، إلا دار السايب التى يقال لها سقيفة ، ودار العباس بن محمد التى على الصيارفة ، فإنها من ربع العايذيين ، ولأهل هبار من الأزد معهم حق بأجياد الصغير ، وهبار رجل من الأزد كان الوليد بن المغيرة تبناه صغيرا فى الجاهلية ، فأحبه وأقطعه.

وحق آل هبار هذا بين ربع خالد بن العاص بن هشام ، وبين دار زهير بن أبى أمية ، ومعهم أيضا بأجياد الكبير حق الحارث بن أمية الأصغر عبد شمس بن عبد مناف يقال له : دار عبلة ، ولآل هشام بن المغيرة من ذلك دار خالد بن العاص بن هشام ، ودار الدومة وفى دار الدومة كان منزل أبى جهل بن هشام ؛ وإنما سميت دار الدومة أن ابنة لمولى لخالد بن العاص بن هشام يقال له : أبو العدا ، كانت تلعب بلعب لها من مقل ، فدفنت مقلة فيها وجعلت تقول : قبر ابنتى ، وتصب عليها الماء حتى خرجت الدومة وكبرت ، فسميت دار الدومة ، ومنزل أبى جهل الذى كان فيه هشام بن سليمان.

ولآل هشام بن سليمان دار الساج بأجياد الصغير أيضا ، وحق آل عبد الرحمن بن الحارث الموضع الذى يقال له : المربد ، ودار الشركاء لآل هشام بن المغيرة أيضا ، وإنما


سميت دار الشركاء لأن الماء كان قليلا بأجياد فتخارج آل سلمة بن هشام وآخرون معهم فاحتفروا بير الشركاء فى الدار ، فقيل : بير الشركاء ، ثم قيل : دار الشركاء ، وهى لآل سلمة بن هشام ، وهم يزعمون أنهم حفروا البير ، ودار العلوج بمجتمع أجيادين ، كانت لخالد بن العاص بن هشام وإنما سميت دار العلوج أنه كان فيها علوج له ، ولهم دار الأوقص عند دار زهير بأجياد الصغير أيضا ، ولهم دار الشطوى كانت لآل عياش بن أبى ربيعة بن المغيرة.

ولآل هشام بن المغيرة أيضا حق بأسفل مكة عند دار سمرة بن حبيب ، يقال : دفن فيها هشام بن المغيرة ، وقد اختصم فيها آل هشام بن المغيرة ، وآل مرة بن عمرو الجمحيون إلى الأوقص محمد بن عبد الرحمن بن هشام ، وهو قاضى أهل مكة فشهد عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أن خالد بن سلمة أخبره أن معاوية بن أبى سفيان ساوم خالد بن العاص بن هشام بذلك الربع فقال : وهل يبيع الرجل موضع قبر أبيه فقسمه الأوقص بين آل مرة ، وبين المخزوميين ، بعث مسلم بن خالد الزنجى فقسمه بينهم ، ولآل زهير بن أبى أمية بن المغيرة دار زهير بأجياد ، وقد زعم بعض المكيين أن الدار التى عند الخياطين يقال لها : دار عمر بن عثمان ، كانت لأبى أمية بن المغيرة ، وحق آل حفص بن المغيرة عند الضفيرة بأجياد الكبير ، وحق آل أبى ربيعة بن المغيرة دار الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة ، وقد زعم بعض المكيين أنه كان للواصبيين فاشتراه الحارث بن عبد الله ؛ ويقال : كان فى الجاهلية لمولى لخزاعة يقال له : رافع ، فباعه ولده.

* * *

رباع بنى بنى عايذ من بنى مخزوم

قال أبو الوليد : دار أبى نهيك ، وقد دخل أكثرها فى الوادى ، وبقيتها دار العباس بن محمد التى بفوهة أجياد الصغير على الصيارفة ، باعها بعض ولد المتوكل بن أبى نهيك ، ودار السايب بن أبى السايب العايذى ، وقد دخل بعضها فى الوادى ، وبقيتها فى الدار التى يقال لها : دار سقيفة ، فيها البزازون عند الصيارفة ، فيها حق عبد العزيز بن المغيرة بن عطاء بن أبى السايب ، وصار وجهها لمحمد بن يحيى بن خالد بن برمك.

وفى هذه الدار البيت الذى كانت فيه تجارة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والسايب بن أبى السايب فى الجاهلية ، وكان السايب شريكا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله يقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم الشريك السايب ، لا مشارى ولا ممارى ولا صخاب فى الأسواق.


ومن حق آل عايذ دار عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عايذ فى أصل جبل أبى قبيس من دار القاضى محمد بن عبد الرحمن السفيانى إلى دار صيفى التى صارت ليحيى ابن خالد بن برمك إلى منارة المسجد الحرام الشارعة على المسعى ، وكان بابها ، عند المنارة ومن بابها كان يسعى من أقبل من الصفا يريد المروة.

فلما أن وسع المهدى المسجد الحرام فى سنة سبع وستين وماية وأدخل الوادى فى المسجد الحرام ، أدخلت دار عباد بن جعفر هذه فى الوادى ، اشتريت منهم ، وصيرت بطن الوادى اليوم إلا ما لصق منها بالجبل ، جبل أبى قبيس ، وهو دار ابن روح ، ودار ابن حنظلة إلى دار ابن برمك.

ومن رباع بنى عايذ ، دار ابن صيفى ، وهى الدار التى صارت ليحيى بن خالد بن برمك فيها البزازون ، ومن رباع بنى مخزوم حق آل حنطب وهو الحق المتصل بدار السايب من الصيارفة إلى الصفا ، تلك المساكن كلها إلى الصفا حق ولد المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم ، ولهم حق السفيانيين دار القاضى محمد ابن عبد الرحمن من دار الأرقم إلى دار ابن روح العايذى ، فذلك الربع لسفيان ، والأسود ابنى عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وللسفيانيين أيضا حق فى زقاق العطارين ، الدار التى مقابل دار الأخنس بن شريق ، فيها ابن أخى الصمة يقال لها : دار الحارث لناس من السفيانيين يقال لهم : آل أبى قزعة ، ومسكنهم السراة.

وربع آل الأرقم بن أبى الأرقم ، واسم أبى الأرقم عبد مناف بن أبى جندب أسد ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم الدار التى عند الصفا يقال لها : دار الخيزران ، وفيها مسجد يصلى فيه كان ذلك المسجد بيتا كان يكون فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوارى فيه من المشركين ، ويجتمع هو وأصحابه فيه عند الأرقم بن أبى الأرقم ويقرئهم القرآن ، ويعلمهم فيه ، وفيه أسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

ولبنى مخزوم حق الوابصين الذى فى خط الحزامية بين دار الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة وبين دار الزبير بن العوام ، ولبنى مخزوم دار خرابة وهى الدار التى عند اللبانين بفوهة خط الحزامية شارعة فى الوادى صار بعضها لخالصة وبعضها لعيسى بن محمد بن إسماعيل المخزومى ، وبعضها لابن غزوان الجندى.

* * *


رباع بنى عدى بن كعب

قال أبو الوليد : كان بين بنى عبد شمس بن عبد مناف وبين بنى عدى بن كعب حرب فى الجاهلية ، وكانت بنو عدى تدعى لعقة الدم ، وكانوا لا يزالون يقتتلون بمكة ، وكانت مساكن بنى عدى ما بين الصفا إلى الكعبة ، وكانت بنو عبد شمس يظفرون عليهم ويظهرون ، فأصابت بنو عبد شمس منهم ناسا ، وأصابوا من بنى عبد شمس ناسا ، فلما رأت ذلك بنو عدى علموا أن لا طاقة لهم بهم ، حالفوا بنى سهم ، وباعوا رباعهم إلا قليلا ، وذكروا أن ممن لم يبع آل صداد ، فقطعت لهم بنو سهم كل حق أصبح لبنى عدى فى بنى سهم حق نفيل بن عبد العزى ، وهو حق عمر بن الخطاب ، وحق زيد بن الخطاب بالثنية ، وحق مطيع بن الأسود ، هؤلاء الذين باعوا مساكنهم ، وكانت بنو سهم من أعز بطن فى قريش ، وأمنعه ، وأكثره فقال الخطاب بن نفيل بن عبد العزى وهو يذكر ذلك ويتشكر لبنى سهم :

أسكننى قوم لهم نايل

أجود بالعرف من اللافظه

سهم فما مثلهم معشر

عند مثيل الأنفس الفايظه

كنت إذا ما خفت ضيما حنت

درنى رماح للعدى غايظه

وقال الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أيضا وبلغه أن أبا عمرو بن أمية يتوعده :

أيو عدنى أبو عمرو ودونى

رجال لا ينهنهها الوعيد

رجال من بنى سهم بن عمرو

إلى أبياتهم يأوى الطريد

جحاجحة شياظمة كرام

مراججة إذا قرع الحديد

خضارمة ملاوثة ليوث

خلال بيوتهم كرم وجود

ربيع المعدمين وكل جار

إذا نزلت بهم سنة كؤود

هم الرأس المقدم من قريش

وعند بيوتهم تلقى الوفود

فكيف أخاف أو أخشى عدوا

ونصرهم إذا ادعوا عتيد

فلست بعادل عنهم سواهم

طوال الدهر ما اختلف الجديد

ولبنى عدى خط «ثنية كدا» على يمين الخارج من مكة إلى حق الشافعيين على رأس كدا ، ولهم من الشق الأيسر حق آل أبى طرفة الهذليين الذى على رأس كدا ، فيه آراكة ناتئة شارعة على الطريق يقال لها : دار الآراكة ، ومعهم فى هذا الشق الأيسر حقوق ليست لهم معروفة منها حق آل كثير بن الصلت الكندى إلى جنب دار مطيع ، كانت لآل جحش بن رياب الأسدى ومعهم حق لآل عبلة بأصل الحزنة ، وكان للخطاب بن


نفيل الداران اللتان صارتا لمصعب بن الزبير دخلتا فى دار العجلة ، وفى المسجد الحرام بعضها ، وزعم بعض المكيين أن دار المراجل كانت لآل المؤمل العدوى باعوها فاشتراها معاوية وبناها.

وكانت للخطاب بن نفيل دار صارت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه كانت بين دار مخرمة بن نوفل التى صارت لعيسى بن على ، وبين دار الوليد بن عتبة بين الصفا والمروة ، وكان لها وجهان ، وجه على ما بين الصفا والمروة ، ووجه على فج بين الدارين فهدمها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى خلافته وجعلها رحبة ومناخا للحاج تصدق بها على المسلمين وقد بقيت منها حوانيت فيها أصحاب الأدم ، فسمعت جدى أحمد بن محمد يذكر أن تلك الحوانيت كانت أيضا رحبة من هذه الرحبة ، ثم كانت مقاعد يكون فيه قوم يبيعون فى مقاعدهم ، وفى المقاعد صناديق يكون فيها متاعهم بالليل ، وكانت الصناديق بلصق الجدر ثم صارت تلك المقاعد خياما بالجريد والسعف ، فلبثت تلك الخيام ما شاء الله ، وجعلوا يبنونها باللبن النىء وكسار الآجر حتى صارت بيوتا صغارا يكرونها من أصحاب المقاعد فى الموسم من أصحاب الأدم بالدنانير الكثيرة ، فجاءهم قوم من ولد عمر بن الخطاب من المدينة فخاصموا أولئك القوم فيها إلى قاض من قضاة أهل مكة ، فقضى بها للعمريين وأعطى أصحاب المقاعد قيمة بعض ما بنوا ، فصارت حوانيت تكرى من أصحاب الأدم ، وهى فى أيدى ولد عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى اليوم.

* * *

ربع بنى جمح

لهم خط بنى جمح عند الردم الذى ينسب إليهم ، وكان يقال له : ردم بنى قراد ، دار أبى بن خلف ودار السجن ، سجن مكة ، كانت لصفوان بن أمية فابتاعها منه نافع بن عبد الحارث الخزاعى وهو أمير مكة ، ابتاعها لعمر بن الخطاب رضى الله عنه بأربعة آلاف درهم ، ولهم دار صفوان التى عند دار المنذر بن الزبير ، ولهم دار صفوان السفلى عند دار سمرة ، ولهم دار مصر بأسفل مكة ، فيها الوارقون كانت لصفوان بن أمية ، ولهم حنبتا خط بنى جمح يمينا وشمالا ، وكانت لهم دار حجير بن أبى أهاب فباعوها من أبى أهاب بن عزيز التميمى حليف المطعم بن عدى بن نوفل ، ولهم دار قدامة بن مظعون فى حق بنى سهم ، ولهم دار عمر بن عثمان التى بالثنية ، ولهم حق آل جذيم فى حق بنى


سهم ، ويقال : إن تلك الدار كانت لآل مظعون ، فلما هاجروا خلوها فغلب عليها آل جذيم ، ولهم دار أبى محذورة فى بنى سهم.

* * *

رباع بنى سهم

لهم دار عفيف التى فى السويقة إلى قعيقعان إلى ما جاز سيل قعيقعان من دار عمرو ابن العاص إلى دار غباة السهمى إلى ما جاز الزقاق الذى يخرج على دار أبى محذورة إلى الثنية ، وكانت لهم دار العجلة ومعهم لآل هبيرة الجشميين حق فى سند جبل زرزر ، ودار قيس بن عدى جد ابن الزبعرى هى الدار التى كانت أتخذت متوضئات ثم صارت ليعقوب بن داود المطبقى ودار ياسر خادم زبيدة ، ما بين دار عبيد الله بن الحسن إلى دار غباة السهمى ، ولهم حق آل قمطة.

* * *

رباع حلفاء بنى سهم

قال أبو الوليد : دار بديل بن ورقاء الخزاعى التى فى طرف الثنية.

* * *

رباع بنى عامر بن لوى

قال أبو الوليد : لهم فى وادى مكة على يسار المصعد فى الوادى من دار العباس بن عبد المطلب التى فى المسعى دار جعفر بن سليمان ، ودار ابن حوار ، مصعدا إلى دار أبى أحيحة سعيد بن العاص ، ومعهم فيه حق لآل أبى طرفة الهذليين ، وهو دار الربيع ، ودار الطلحيين ، والحمام ، ودار أبى طرفة فأول حقهم من أعلى الوادى دار هند بنت سهيل وهو ربع سهيل بن عمرو ، وهذه الدار أول دار بمكة عمل لها بابان.

وذلك أن هند بنت سهيل استأذنت عمر رضى الله عنه أن تجعل على دارها بابين ، فأبى أن يأذن لها ، وقال : إنما تريدون أن تغلقوا دوركم دون الحاج والمعتمرين ، وكان الحاج والمعتمرون ينزلون فى عرصات دور مكة ، فقالت هند : والله يا أمير المؤمنين ما أريد إلا أن أحفظ على الحاج متاعهم ، فأغلقها عليهم من السرق ، فأذن لها فبوبتها ، وأسفل منها دار الغطريف بن عطاء ، والرحبة التى خلفها فى ظهر دار الحكم ، كانت لعمرو بن عبدود ، ثم صارت لآل حويطب ، وأسفل من هذه الدار دار حويطب بن


عبد العزى ، فى أسفل من هذه الدار دار الحدادين ، كانت لبعض بنى عامر ، فاشتراها معاوية وبناها ، والدار التى أسفل منها فيها الحمام ، ودار السلمانى فوق دار الربيع كانت لرجل من بنى عامر بن لوى يقال له : العباس بن علقمة ، وأسفل من هذه الدار دار الربيع وحمام العايذيين.

ودار أبى طرفة ودار الطلحيين كانت لآل أبى طرفة الهذليين وأسفل من هذه الدار دار محمد بن سليمان كانت لمخرمة بن عبد العزى أخى حويطب بن عبد العزى ، ودار ابن الحوار من رباع بنى عامر ، وابن الحوار من موالى بنى عامر فى الجاهلية ، وربعهم جاهلى ، وأسفل من دار ابن الحوار دار جعفر بن سليمان كانت من رباع بنى عامر بن لوى ، ودار ابن الحوار لولد عبد الرحمن بن زمعة اليوم ، ولبنى عامر بن لوى من شق وادى مكة اللاصق بجبل أبى قبيس فى سوق الليل من حق الحارث بن عبد المطلب الذى على باب شعب ابن يوسف منحدرا إلى دار ابن صيفى التى صارت ليحيى بن خالد بن برمك ، وفيه حق لآل الأخنس بن شريق ، شرى من بنى عامر بن لوى ، دار الحصين عند المروة فى زقاق الخرازين ، ولهم دار أبى سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى ، وهى الدار التى بين دار أبى لهب ، ودار حويطب بن عبد العزى ودار الحدادين ، ودار الحكم بن أبى العاص ، فيها الدقاقون والمزوقون ، ولهم دار ابن أبى ذيب التى أسفل من دار أبى لهب فى زقاق مسجد خديجة ابنة خويلد وهى فى أيديهم إلى اليوم.

* * *

ذكر حد المعلاة وما يليها من ذلك

قال أبو الوليد : حد المعلاة من شق مكة الأيمن ما جازت دار الأرقم بن أبى الأرقم ، والزقاق الذى على الصفا يصعد منه إلى جبل أبى قبيس مصعدا فى الوادى فذلك كله من المعلاة ووجه الكعبة والمقام ، وزمزم ، وأعلى المسجد ، وحد المعلاة من الشق الأيسر من زقاق الذى عند الطاحونة ودار عبد الصمد بن على ، اللتان مقابل دار يزيد بن منصور الحميرى خال المهدى يقال لها : دار العروس مصعد إلى قعيقعان ، ودار جعفر بن محمد ، ودار العجلة ، وما حاز سيل قعيقعان إلى السويقة وقعيقعان مصعدا ، فذلك كله من المعلاة.

* * *

حد المسفلة

قال أبو الوليد : من الشق الأيمن من الصفا إلى أجيادين فما أسفل منه ، فذلك كله من


المسفلة وحد المسفلة من الشق الأيسر من زقاق البقر منحدرا إلى دار عمرو بن العاص ، ودار ابن عبد الرزاق الجمحى ، ودار زبيدة ، فذلك كله من المسفلة ، فهذه حدود المعلاة والمسفلة.

* * *

ذكر أخشبى مكة

قال أبو الوليد : أخشبا مكة أبو قبيس وهو الجبل المشرف على الصفا إلى السويدا إلى الخندمة وكان يسمى فى الجاهلية الأمين ويقال : إنما سمى الأمين لأن الركن الأسود كان فيه مستودعا عام الطوفان ، فلما بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام البيت نادى أن الركن منى فى موضع كذا وكذا وقد كتبت ذلك فى موضعه من هذا الكتاب عند بناء إبراهيم البيت الحرام قال أبو الوليد : وبلغنى عن بعض أهل العلم من أهل مكة أنه قال : إنما سمى أبا قبيس أن رجلا أول من نهض البناء فيه كان يقال له : أبو قبيس ، فلما صعد فيه بالبناء سمى جبل أبى قبيس ، ويقال : كان الرجل من إياد ويقال : اقتبس منه الركن فسمى أبا قبيس ، والأول أشهر هما عند أهل مكة.

حدثنا أبو الوليد قال : وحدثنى جدى عن سليم بن مسلم عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه أنه قال : أول جبل وضعه الله عزوجل على الأرض حين مادت : أبو قبيس ، والأخشب الآخر الجبل.

الأحمر : الذى يقال له : الأحمر وكان يسمى فى الجاهلية الأعرف.

الأعرف : وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان وعلى دور عبد الله بن

الجر ـ الميزاب الزبير ، وفيه موضع يقال له : «الجر والميزاب» إنما سمى «الجر والميزاب» أن فيه موضعين يمسكان الماء إذا جاء المطر ، يصب أحدهما فى الآخر فسمى الأعلى منهما الذى يفرع فى الأسفل الجر والأسفل منهما الميزاب وفى ظهره.

قرن أبى ريش : موضع يقال له : قرن أبى ريش وعلى رأسه صخرات مشرقات.

الكبش : يقال لهن : الكبش عندها موضع فوق الجبل الأحمر يقال :

قرارة المدحى : له : قرارة المدحى ، كان أهل مكة يتداحون هنالك بالمداحى والمراصع.

* * *


ذكر شق مكة اليمانى وما فيه

مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرم.

فاضح : قال أبو الوليد : فاضح بأصل جبل أبى قبيس ما أقبل على المسجد الحرام والمسعى ، كان الناس يتغوطون هنالك ، فإذا جلسوا لذلك كشف أحدهم ثوبه ، فسمى ما هنالك فاضحا ، وقال بعض المكيين : فاضح من حق آل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب إلى حد دار محمد بن يوسف فم الزقاق الذى فيه مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما سمى فاضحا لأن جرهم وقطورا اقتتلوا دون دار ابن يوسف عند حق آل نوفل بن الحارث فغلبت جرهم قطورا وأخرجتهم من الحرم وتناولوا النساء ففضحن ، فسمى بذلك فاضحا ، قال جدى : وهذا أثبت القولين عندنا وأشهر هما.

الخندمة : الخندمة الجبل الذى ما بين حرف السويداء إلى الثنية التى عندها بير ابن أبى السمير فى شعب عمرو ، مشرفة على أجياد الصغير ، وعلى شعب ابن عامر ، وعلى دار محمد بن سليمان فى طريق منى إذا جاوزت المقبرة على يمين الذاهب إلى منى ، وفى الخندمة قال رجل من قريش لزوجته وهو يبرى نبلا له ، وكانت أسلمت سرا ، فقالت له : لم تبرى هذا النبل؟ قال : بلغنى أن محمدا يريد أن يفتتح مكة ويغرونا ، فلئن جاءونا لأخدمنك خادما من بعض من نستأسر ، فقالت : والله لكأنى بك قد جئت تطلب محشا أحشك فيه ، لو رأيت خيل محمد ، فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح أقبل إليها فقال : ويحك هل من محش؟ فقالت : فأين الخادم؟ قال لها : دعينى عنك ، وأنشأ يقول :



وأنت لو أبصرتنا بالخندمه

إذ فر صفوان وفر عكرمه

وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه

قد ضربونا بالسيوف المسلمه

لم تنطقى باللوم أدنى كلمه

قال : وأبو يزيد سهيل بن عمرو ، قال : وخبأته فى مخدع لها حتى أومن الناس.

الأبيض : والأبيض الجبل المشرف على حق أبى لهب وحق إبراهيم بن محمد بن طلحة ابن عبيد الله.

المستنذر : وكان يسمى فى الجاهلية المستنذر ، وله يقول بعض بنات عبد المطلب :

نحن حفرنا بذر

بجانب المستنذر

جبل مرازم : جبل مرازم الجبل المشرف على حق آل سعيد بن العاص ، وهو منقطع حق أبى لهب إلى منتهى حق ابن عامر الذى يصل حق آل عبد الله بن خالد بن أسيد ، ومرازم رجل كان يسكنه من بنى سعد بن بكر بن هوازن.


قرن مسقلة : قرن مسقلة : وهو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة فى دبر دار سمرة عند موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابغة فى أصله ، ومسقلة رجل كان يسكنه فى الجاهلية.

حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنى جدى ، عن الزنجى ، عن ابن جريج ، قال : لما كان يوم الفتح فتح مكة جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قرن مسقلة ، فجاءه الناس يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم.

جبل نبهان : جبل نبهان : الجبل المشرف على شعب أبى زياد فى حق آل عبد الله بن عامر ، ونبهان ، وأبو زياد موليان لآل عبد الله بن عامر.

جبل زيقيا : جبل زيقيا ، الجبل المتصل بجبل نبهان إلى حايط عوف ، وزيقيا مولى لآل أبى ربيعة المخزوميين كان أول من بنى فيه فسمى به ، ويقال له اليوم جبل الزيقى.

جبل الأعرج : جبل الأعرج ، فى حق آل عبد الله بن عارم مشرف على شعب أبى زياد وشعب بن عامر والأعرج مولى لأبى بكر الصديق رضى الله عنه ، كان فيه فسمى به ، ونسب إليه.

المطابخ : المطابخ ، شعب ابن عامر كله يقال له : المطابخ ، كانت فيه مطابخ تبع حين جاء مكة ، وكسا الكعبة ، ونحر البدن ، فسمى المطابخ ، ويقال : بل نحر فيه مضاض بن عمرو الجرهمى وجمع الناس به حين غلبوا قطورا ، فسمى المطابخ.

ثنية أبى مرحب : ثنية أبى مرحب ، الثنية المشرفة على شعب أبى زياد وحق ابن عامر التى يهبط منها على حايط عوف يختصر من شعب ابن عامر إلى المعلاة وإلى منى.

شعب أبى دب : شعب أبى دب ، هو الشعب الذى فيه الجزارون وأبو دب رجل من بنى سواة بن عامر وعلى فم الشعب سقيفة لأبى موسى الأشعرى وله يقول كثير بن كثير السهمى :

سكنوا الجزع جزع بيت أبى موسى

إلى النخل من صفى السباب

وعلى باب الشعب بير لأبى موسى ، وكانت تلك البير قد دثرت واندفنت حتى نثلها بغا الكبير أبو موسى مولى أمير المؤمنين ، ونفض عامتها ، وبناها بنيانا محكما ، وضرب فى جبلها حتى انبط ماءها ، وبنى بحذائها سقاية ، وجنابذ يسقى فيها الماء ، واتخذ عندها مسجدا ، وكان نزوله هذا الشعب حين انصرف عن الحكمين ، وكانت فيه قبور أهل


الجاهلية ، فلما جاء الإسلام حولوا قبورهم إلى الشعب الذى بأصل ثنية المدنيين الذى هو اليوم فيه ، فقال أبو موسى حين نزله : أجاور قوما لا يغدرون ، يعنى أهل المقابر ، وقد زعم بعض المكيين أن قبر آمنة ابنة وهب أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى شعب أبى دب هذا ، وقال بعضهم : قبرها فى دار رابغة ، وقال بعض المدنيين : قبرها بالأبواء.

حدثنا أبو الوليد ، حدثنى محمد بن يحيى ، عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن عاصم ، قال : لما خرجت قريش إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة أحد فنزلوا بالأبواء ، قالت هند بنت عتبة لأبى سفيان بن حرب : لو بحثتم قبر آمنة أم محمد ، فإنه بالأبواء ، فإن أسر أحد منكم افتديتم به كل إنسان بأرب من آرابها ، فذكر ذلك أبو سفيان لقريش ، وقال : أن هند قالت : كذا وكذا ، وهو الرأى ، فقالت قريش : لا تفتح علينا هذا الباب ، إذا تبحث بنو بكر موتانا ، وأنشد لابن هرمة :

إذا الناس غطونى تغطيت عنهم

وإن بحثوا عنى ففيهم مباحث

وإن بحثوا بيرى بحثت بيارهم

إلا فانظروا ماذا تثير البحايث

حدثنا أبو الوليد : حدثنا محمد بن يحيى ، عن عبد العزيز بن عمران ، عن محمد بن عمر ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأبواء فعدل إلى شعب هناك فيه قبر آمنة فآتاه فاستغفر لها ، واستغفر الناس لموتاهم ، فأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، إلى قوله عزوجل : (وَعَدَها إِيَّاهُ).

الحجون : الحجون ، الجبل المشرف حذاء مسجد البيعة الذى يقال له : مسجد الحرس ، وفيه ثنية ، تسلك من حايط عوف من عن الماجلين اللذين فوق دار منال الله إلى شعب الجزارين وبأصله فى شعب الجزارين كانت المقبرة فى الجاهلية ، وفيه يقول كثير بن كثير:

كم بذاك الحجون من حى صدق

من كهول أعفة وشباب

شعب الصفى : شعب الصفى ، وهو الشعب الذى يقال له : صفى السباب ، وهو ما بين الراحة والراحة ، الجبل الذى يشرف على دار الوادى عليه المنارة وبين نزاعة الشوى وهو الجبل الذى عليه بيوت ابن قطر ، والبيوت اليوم لعبد الله بن عبيد الله بن العباس وله يقول الشاعر :

إذا ما نزلت حذو نزاعة الشوى

بيوت ابن قطر فاحذروا أيها الركب


وإنما سمى الراحة لأن قريشا كانت فى الجاهلية تخرج من شعب الصفى فتبيت فيه فى الصيف تعظيما للمسجد الحرام ، ثم يخرجون فيجلسون فيستريحون فى الجبل فسمى ذلك الجبل الراحة ، وقال بعض المكيين : إنما سمى صفى السباب أن ناسا فى الجاهلية كانوا إذا فرغوا من مناسكهم نزلوا المحصب ليلة الحصبة ، فوقفت قبايل العرب بفم الشعب شعب الصفى ، فتفاخرت بآبائها وأيامها ووقايعها فى الجاهلية ، فيقوم من كل بطن شاعر وخطيب ، فيقول : منا فلان ولنا يوم كذا وكذا ، فلا يترك فيه شيئا من الشرف إلا ذكره ، ثم يقول : من كان ينكر ما يقول ، أو له يوم كيومنا ، أو له فخر مثل فخرنا ، فيأت به ثم يقوم الشاعر فينشد ما قيل فيهم من الشعر ، فمن كان يفاخر تلك القبيلة ، أو كان بينه وبينها منافرة أو مفاخرة ، قام فذكر مثالب تلك القبيلة ، وما فيها من المساوى ، وما هجيت به من الشعر ثم فخر هو بما فيه ، فلما جاء الله تعالى بالإسلام أنزل فى كتابه العزيز (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) يعنى هذه المفاخرة والمنافرة أو أشد ذكرا ، وله يقول كثير بن كثير السهمى :

سكنوا الجزع جزع بيت أبى موسى

إلى النخل من صفى السباب

وكان فيه حايط لمعاوية يقال له : حايط الصفى من أموال معاوية التى كان اتخذها فى الحرم ، وشعب الصفى أيضا يقال له : خيف بنى كنانة ، وذلك أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعد المشركين فقال : موعدكم خيف بنى كنانة ، ويزعم بعض العلماء أن شعب عمرو بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد ما بين شعب الخوز إلى نزاعة الشوى إلى الثنية التى تهبط فى شعب الخوز ، يعرف اليوم بشعب التوبة ، وإنما سمى شعب الخوز لأن نافع بن الخوزى مولى نافع بن عبد الحارث الخزاعى نزله ، وكان أول من بنى فيه ، فسمى به ، وشعب بنى كنانة من المسجد الذى صلى فيه على بن أبى جعفر أمير المؤمنين إلى الثنية التى تهبط على شعب الخوز فى وجهه دار محمد بن سليمان بن على.

شعب الخوز : شعب الخوز ، يقال له : خيف بنى المصطلق ما بين الثنية التى بين شعب الخوز بأصلها بيوت سعيد بن عمر بن إبراهيم الخيبرى ، وبين شعب بنى كنانة الذى فيه بيوت ابن صيفى إلى الثنية التى تهبط على شعب عمرو الذى فيه بير ابن أبى سمير ، وإنما سمى شعب الخوز أن قوما من أهل مكة موالى لعبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعى كانوا تجارا ، وكانت لهم دقة نظر فى التجارة ، وتشدد فى الإمساك والضبط لما فى أيديهم فكان يقال لهم : الخوز ، وكان رجل منهم يقال له : نافع بن الخوزى ، وكانوا يسكنون هذا الشعب فنسب إليهم وكان أول من بنى فيه.


شعب عثمان : شعب عثمان هو الشعب الذى فيه طريق منى ، من سلك شعب الخوز بين شعب الخوز وبين الخضراء ومسيلة يفرع فى أصل العيرة ، وفيه بير ابن أبى سمير ، والفداحية فيما بين شعب عثمان ، وشعب الخوز ، وهى مختصر طريق منى سوى الطريق العظمى وطريق شعب الخوز.

العيرة : العيرة ، الجبل الذى عند الميل على يمين الذاهب إلى منى وجهة قصر محمد بن داود ، ومقابله جبل يقال له : العير الذى قصر صالح بن العباس بن محمد بأصله ، الدار التى كانت لخالصة ، وقال بعض الناس : هو العيرة أيضا ، وفيه يقول الحارث بن خالد المخزومى :

أقوى من آل فطيمة الحزم

فالعيرتان فأوحش الخطم

خطم الحجون : خطم الحجون ، يقال له : الخطم ، والذى أراد الحارث الخطم دون سدرة آل أسيد ، والحزم سدرة أمامه تتياسر عن طريق العراق.

ذباب : ذباب ، القرن المنقطع فى أصل الخندمة بين بيوت عثمان بن عبد الله وبين العيرة ، ويقال : لذلك الشعب شعب : عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد.

المفجر : المفجر ، ما بين الثنية التى يقال لها : الخضراء إلى خلف دار يزيد بن منصور يهبط على حياض ابن هشام التى بمفضى المازمين ، مازمى منى إلى الفج الذى يلقاك على يمينك إذا أردت منى ، يفضى بك إلى بير نافع بن علقمة وبيوته حتى تخرج على ثور ، وبالمفجر موضع يقال له : بطحاء قريش ، كانت قريش فى الجاهلية وأول الإسلام يتنزهون به ويخرجون إليه بالغداة والعشى ذلك الموضع بذنب المفجر فى مؤخره يصب فيه ما جاء من سيل الفدفدة.

شعب حوا : شعب حوا ، فى طرف المفجر على يسارك وأنت ذاهب إلى المزدلفة من المفجر ، وفى ذلك الشعب البير التى يقال لها : كر آدم.

واسط : واسط : قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المازمين ، مازمى منى ، فضرب حتى ذهب ، وقال بعض المكيين : واسط ، الجبلان دون العقبة ، وقال بعضهم : تلك الناحية من بير القسرى إلى العقبة يسمى واسطا ، وقال بعضهم : واسط ، القرن الذى على يسار من ذهب إلى منى دون الخضراء فى وجهه مما يلى طريق منى ، بيوت مبارك ابن يزيد مولى الأزرق بن عمرو ، وفى ظهره دار محمد بن عمر بن إبراهيم الخيبرى ، فذلك الجبل يسمى واسطا ، وهو أثبت الأقاويل عند جدى فيما ذكر وهو الذى يقول فيه مضاض الجرهمى :


كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربع واسطا فجنوبه

إلى المنحنى من ذى الآراكة حاضر

الرباب : الرباب ، القرن الذى عند الثنية الخضراء بأصل ثبير غيناء عند بيوت ابن لا حق مولى لآل الأزرق بن عمرو مشرفة عليها ، وهى التى عند القصر الذى بنى محمد ابن خالد بن برمك أسفل من بير ميمون الحضرمى ، وأسفل من قصر أمير المؤمنين أبى جعفر.

ذو الآراكة : ذو الآراكة : عرض بين الثنية الخضراء وبين بيوت أبى ميسرة الزيات.

شعب الرخم : شعب الرخم : الذى بين الرباب وبين أصل ثبير غيناء.

١ ـ ثبير غيناء : الأثبرة : ثبير غيناء وهو المشرف على بير ميمون وقلته المشرفة على شعب على عليه‌السلام ، وعلى شعب الحضارمة بمنى ، وكان يسمى فى الجاهلية سميرا ويقال : لقلته ذات القتادة ، وكان فوقه قتادة ولها يقول الحارث بن خالد :

إلى طرف الجمار فما يليها

إلى ذات القتادة من ثبير

٢ ـ ثبير : وثبير الذى يقال له : جبل الزنج ، وإنما سمى جبل الزنج لأن زنوج مكة كانوا يحتطبون منه ويلعبون فيه.

٣ ـ ثبير النخيل : وهو من ثبير النخيل ، ثبير النخيل ويقال له الأقحوانة ، الجبل الذى به الثنية الخضراء وبأصله بيوت الهاشميين يمر سيل منى بينه وبين وادى ثبير ، وله يقول الحارث بن خالد :

من ذا يسايل عنا أين منزلنا

فالأقحوانة منا منزل قمن

إذ نلبس العيش صفوا ما يكدره

طعن الوشاة ولا ينبو بنا الزمن

وقال بعض المكيين : الأقحوانة عند الليط كان مجلسا يجلس فيه من خرج من مكة يتحدثون فيه بالعشى ويلبسون الثياب المحمرة ، والموردة ، والمطيبة وكان مجلسهم من حسن ثيابهم ، يقال له : الأقحوانة.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى محمد بن أبى عمر ، عن القاضى محمد بن عبد الرحمن ابن محمد المخزومى ، عن القاضى الأوقص محمد بن عبد الرحمن بن هشام قال : خرجت غازيا فى خلافة بنى مروان ، فقفلنا من بلاد الروم ، فأصابنا مطر ، فأوينا إلى قصر فاستذرينا به من المطر ، فلما أمسينا خرجت جارية مولدة من القصر فتذكرت مكة وبكت عليها وأنشأت تقول :


من كان ذا شجن بالشام يحبسه

فإن فى غيره أمسى لى الشجن

وإن ذا القصر حقا ما به وطنى

لكن بمكة أمسى الأهل والوطن

من ذا يسايل عنا أين منزلنا

فالأقحوانة منا منزل قمن

إذا نلبس صفوا ما يكدره

طعن الوشاة ولا ينبو بنا الزمن

فلما أصبحنا لقيت صاحب القصر فقلت له : رأيت جارية خرجت من قصرك فسمعتها تنشد كذا وكذا ، فقال : هذه جارية مولدة مكية ، اشتريتها وخرجت بها إلى الشام ، فو الله ما ترى عيشنا ولا ما نحن فيه شيئا ، فقلت : تبيعها؟ قال : إذا أفارق روحى.

ثبير النصع : وثبير النصع : الذى فيه سداد الحجاج ، وهو جبل المزدلفة الذى على يسار الذاهب إلى منى ، وهو الذى كانوا يقولون فى الجاهلية إذا أرادوا أن يدفعوا من المزدلفة: أشرق ثبير ، كيما نغير ، ولا يدفعون حتى يرون الشمس عليه.

ثبير الأعرج : وثبير الأعرج ، المشرف على حق الطارقيين بين المغمس والنخيل.

حدثنا أبو الوليد ، وحدثنى محمد بن يحيى ، حدثنا عبد العزيز بن عمران عن معاوية ، ابن عبد الله الأزدى ، عن معاوية بن قرة ، عن الخلد بن أيوب ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما تجلى الله عزوجل للجبل تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل ، فوقعت بمكة ، وثلاثة أجبل فوقعت بالمدينة ، فوقع بمكة حراء ، وثبير وثور ، ووقع بالمدينة أحد ، وورقان ، ورضوى.

الثقبة : الثقبة ، تصب من ثبير غيناء ، وهو الفج الذى فيه قصر الفضل بن الربيع إلى طريق العراق إلى بيوت ابن جريج.

السرر : السرر ، من بطن السرر ، الأفيعية من السرر مجارى الماء ، منه ماء سيل مكة من السرر وأعلى مجارى السرر.

حدثنا أبو الوليد ، حدثنى محمد بن يحيى ، حدثنى عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله ابن جعفر أن السيل أبرز عن حجر عند قبر المرأتين ، فإذا فيه كتاب أنا أسيد بن أبى العيص يرحم الله على بنى عبد مناف.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى ، عن سليم بن مسلم ، عن ابن جريج أنه روى عن بعض المكيين أنه قال : الثقبة بين حراء وثبير فيها بطحاء من بطحاء الجنة.

السداد : السداد ثلاثة أسدة بشعب عمرو بن عبد الله بن خالد ، وصدرها يقال له:


ثبير النصع عملها الحجاج بن يوسف تحبس الماء ، والكبير منها يدعى أثال ، وهو سد عمله الحجاج فى صدر شعب ابن عمرو ، وجعله حبسا على وادى مكة ، وجعل مغيضه يسكب فى سدرة خالد ، وهو على يسار من أقبل من شعب عمرو ، والسدان الآخران على يمين من أقبل من شعب عمرو ، وهما يسكبان فى أسفل منى بسدرة خالد ، وهى صدر وادى مكة ، ومن شقها واد يقال له : الأفيعية ويسكب فيه أيضا شعب على بمنى ، وشعب عمارة الذى فيه منازل سعيد بن سلم ، وفى ظهره شعب الرخم ، ويسكب فيه أيضا المنحر من منى ، والجمار كلها تسكب فى بكة.

وبكة الوادى الذى به الكعبة قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) قال : وبطن مكة الوادى الذى فيه بيوت سراج ، والمربع حايط ابن برمك.

فخ : وفخ ، وهو وادى مكة الأعظم ، وصدره شعب بنى عبد الله بن خالد بن أسيد.

الغميم : والغميم ما أقبل على المقطع ، ويلتقى وادى مكة ووادى بكة بقرب البحر.

السداد : السداد بالنصع من الأفيعية فى طرف النخيل ، عملها الحجاج لحبس الماء ، والأوسط منها يدعى أثال.

سدرة خالد : سدرة خالد : هى صدر وادى مكة من بطن السرر منها يأتى سيل مكة إذا أعظم الذى يقال له : سيل السدرة ، وهو سيل عظيم عارم إذا عظم ، وهو خالد بن أسيد بن أبى العيص ويقال : بل خالد بن عبد العزيز بن عبد الله.

المقطع : المقطع منتهى الحرم من طريق العراق على تسعة أميال ، وهو مقلع الكعبة ويقال : إنما سمى المقطع أن البناء حين بنى ابن الزبير الكعبة ، وجدوا هنالك حجرا صليبا فقطعوه بالزبر والنار فسمى ذلك الموضع المقطع ، قال أبو محمد الخزاعى : أنشدنى أبو الخطاب فى المقطع :

طريت إلى هند وتربين مرة

لها إذا تواقفنا بفرع المقطع

وقول فتاة كنت أحسب أنها

منعمة فى ميزر لم تدرع

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى ، حدثنا سليم بن مسلم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : إنما سمى المقطع أن أهل الجاهلية كانوا إذا خرجوا من الحرم للتجارة أو لغيرها علقوا فى رقاب أبلهم لحاء من لحاء شجر الحرم ، وإن كان راجلا علق فى عنقه ذلك اللحاء فأمنوا به حيث توجهوا فقالوا : هؤلاء أهل الله إعظاما للحرم ، فإذا رجعوا


ودخلوا الحرم ، قطعوا ذلك اللحاء من رقابهم ، ورقاب أباعرهم هنالك ، فسمى المقطع لذلك.

ثنية الخل : ثنية الخل بطرف المقطع منتهى الحرم من طريق العراق.

السقيا : السقيا المسيل الذى يفرع بين مازمى عرفة ونمرة على مسجد إبراهيم خليل الرحمن ، وهو الشعب الذى على يمين المقبل من عرفة إلى منى ، وفى هذا الشعب بير عظيمة لابن الزبير كان ابن الزبير ، عملها وعمل عندها بستانا وعلى باب شعب السقيا بير جاهلية قد عمرتها خالصة ، فهى تعرف بها اليوم.

الستار : الستار ثنية من فوق الأنصاب ، وإنما سمى الستار لأنه ستر بين الحل والحرم.

* * *

ذكر شق معلاة مكة الشامى وما فيه

مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرم

شعب قعيقعان : قال أبو الوليد : شعب قعيقعان ، وهو ما بين دار يزيد بن منصور التى بالسويقة يقال لها : دار العروس إلى دور ابن الزبير إلى الشعب الذى منتهاه فى أصل الأحمر إلى فلق ابن الزبير الذى يسلك منه إلى الأبطح والسويقة على فوهة قعيقعان ، وعند السويقة ردم عمله ابن الزبير حين دوره بقعيقعان ليرد السيل عن دار حجير بن أبى أهاب وغيرها وفوق ذلك ردم بين دار عفيف وربع آل المرتفع ، ردم عن السويقة ، وربع الخزاعيين ، ودار الندوة ، ودار شيبة بن عثمان.

جبل شيبة : جبل شيبة : هو الجبل الذى يطل على جبل الديلمى ، وكان جبل شيبة وجبل الديلمى يسميان فى الجاهلية واسطا ، وكان جبل شيبة للنباش بن زرارة التميمى ثم صار بعد ذلك لشيبة.

جبل الديلمى : جبل الديلمى ، هو الجبل المشرف على المروة وكان يسمى فى الجاهلية سميرا ، والديلمى مولى لمعاوية كان بنى فى ذلك الجبل دارا لمعاوية فسمى به ، والدار اليوم لخزيمة بن حازم.

الجبل الأبيض : الجبل الأبيض هو الجبل المشرف على فلق ابن الزبير.

الحافض : الحافض ، أسفل من الفلق اسمه السايل ، وهو المشرف على دار الحمام وإنما


سهل ابن الزبير الفلق وضربه حتى فلقه فى الجبل ، أن المال كان يأتى من العراق فيدخل به مكة فيعلم به الناس فكره ذلك فسهل طريق الفلق ودرجه فكان إذا جاءه المال دخل به ليلا ثم يسلك به المعلاة ، وفى الفلق حتى يخرج به على دوره بقعيقعان ، فيدخل ذلك المال ولا يدرى به أحد ، وعلى رأس الفلق موضع يقال له : رحا الريح كان عولج فيه موضع رحا الريح حديثا من الدهر فلم يستقم ، وهو موضع قل ما تفارقه الريح.

جبل تفاجة : جبل تفاجة الجبل المشرف على دار سليم بن زياد ، ودار الحمام ، بزقاق النار ، وتفاجة مولاة لمعاوية ، كانت أول من بنى فى ذلك الجبل.

الجبل الحبشى : الجبل الحبشى ، الجبل المشرف على دار السرى بن عبد الله التى صارت للحرانى واسم الجبل الحبشى يعنى لم ينسب إلى رجل حبشى إنما هو اسم الجبل.

آلات يحاميم : آلات يحاميم ، الأحداب التى بين دار السرى إلى ثنية المقبرة وهى التى قبر أمير المؤمنين أبو جعفر بأصلها ، قال : يعرفها باليحاميم وأولها القرن الذى بثنية المدنيين على رأس على رأس بيوت ابن أبى حسين النوفلى ، والذى يليه القرن المشرف على منارة الحبشى فيما بين ثنية المدنيين وفلق ابن الزبير ومقابر أهل مكة بأصل ثنية المدنيين ، وهى التى كان ابن الزبير مصلوبا عليها ، وكان أول من سهلها معاوية ثم عملها عبد الملك بن مروان ثم كان آخر من بنى ضفايرها ودرجها وحددها المهدى.

شعب المقبرة : شعب المقبرة قال بعض أهل العلم من أهل مكة : وليس بينهم اختلاف أنه ليس بمكة شعب يستقبل الكعبة كله ليس فيه انحراف إلا شعب المقبرة ، فإنه يستقبل الكعبة ليس فيه انحراف مستقيما.

ثنية المقبرة : ثنية المقبرة ، هذه هى التى دخل منها الزبير بن العوام يوم الفتح ، ومنها دخل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجة الوداع.

أبو دجانة : أبو دجانة ، هو الجبل الذى خلف المقبرة شارعا على الوادى ، ويقال له: جبل البرم ، وأبو دجانة ، والأحداب التى خلفه تسمى ذات أعاصير.

شعب آل قنفد : شعب آل قنفد ، هو الشعب الذى فيه دار آل خلف بن عبد ربه بن السايب مستقبل قصر محمد بن سليمان ، وكان يسمى شعب اللثام ، وهو قنفد بن زهير من بنى أسد بن خزيمة ، وهو الشعب الذى على يسارك وأنت ذاهب إلى منى من مكة فوق حايط خرمان ، وفيه اليوم دار الخلفيين من بنى مخزوم ، وفى هذا الشعب مسجد مبنى يقال : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، وينزله اليوم فى الموسم الحضارمة.


غراب : غراب القرن الذى عليه بيوت خالد بن عكرمة ، بين حايط خرمان وبين شعب آل قنفد مسكن ابن أبى الرزام ومسكن أبى جعفر العلقمى بطرف حايط خرمان عنده.

سقر : سقر ، هو الجبل المشرف على قصر جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك وهو بأصله وكان عليه لقوم من أهل مكة يقال لهم : آل قريش بن عباد مولى لبنى شيبة قصر ثم ابتاعه صالح بن العباس بن محمد ، فابتنى عليه وعمر القصر وزاد فيه ، وهو اليوم لصالح ابن العباس ، ثم صار اليوم للمنتصر بالله أمير المؤمنين ، وكان سقر يسمى فى الجاهلية الستار ، وكان يقال له جبل كنانة ، وكنانة رجل من العبلات من ولد الحارث بن أمية ابن عبد شمس الأصغر.

شعب آل الأخنس : شعب آل الأخنس ، وهو الشعب الذى كان بين حراء وبين سقر ، وفيه حق آل زارويه موالى القارة حلفاء بنى زهرة ، وحق الزارويين منه بين العير وسقر إلى ظهر شعب آل الأخنس يقال له : شعب الخوارج وذلك أن نجدة الحرورى عسكر فيه عام حج ، ويقال له أيضا : شعب العيشوم ، نبات يكثر فيه ، والأخنس بن شريق الثقفى حليف بنى زهرة ، واسم الأخنس أبى ، وإنما سمى الأخنس أنه خنس ببنى زهرة فلم يشهدوا بدرا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك الشعب يخرج إلى أذاخر ، وأذاخر بينه وبين فخ ومن هذا الشعب دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح حتى مر فى أذاخر حتى خرج على بير ميمون بن الحضرمى ثم انحدر فى الوادى.

جبل حراء : جبل حراء ، وهو الجبل الطويل الذى بأصل شعب آل الأخنس مشرف على حايط مورش ، والحايط الذى يقال له : حايط حراء على يسار الذاهب إلى العراق وهو المشرف القلة مقابل ثبير غيناء محجة العراق بينه وبينه ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاه واختبى فيه من المشركين من أهل مكة فى غار فى رأسه مشرف مما يلى القبلة ، وقد كتبت ذكر ما جاء فى حراء وفضله فى صدر الكتاب مع آثار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال مسلم بن خالد : حراء ، جبل مبارك قد كان يؤتى ، قال أبو محمد الخزاعى : وفى حراء يقول الشاعر :

تفرج عنها الهم لما بدا لها

حرء كرأس الفارسى المتوج

منعمة لم تدر ما عيش شقوة

ولم تعترر يوما على عود عوسج

القاعد : قال أبو الوليد : القاعد ، الجبل الساقط أسفل من حراء على الطريق على يمين من أقبل من العراق أسفل من بيوت أبى الرزام الشيبى.


أظلم : أظلم هو الجبل الأسود بين ذات جليلين وبين الأكمة.

ضنك : ضنك : هو شعب من أظلم وهو بينه وبين أذاخر فى محجة العراق وإنما سمى ضنكا أن فى ذلك الشعب كتابا فى عرق أبيض مستطيرا فى الجبل مصورا صورة ضنك مكتوب الضاد والنون والكاف متصلا بعضه ببعض كما كتبت ضنك ، فسمى بذلك ضنكا.

مكة السدر : مكة السدر من بطن فخ إلى المحدث.

شعب بنى عبد الله : شعب بنى عبد الله ، ما بين الجعرانة إلى المحدث.

الحضرمتين : الحضرمتين على يمين شعب آل عبد الله بن خالد بن أسيد بحذاء أرض ابن هربذ.

القمعة : القمعة ، قرن دون شعب بنى عبد الله بن خالد عن يمين الطريق فى أسفله حجر عظيم مفترش أعلاه مستدق أصله حدا كهيئة القمع.

القنينة : القنينة ، شعب بنى عبد الله بن خالد بن أسيد ، وهو الشعب الذى يصب على بيوت مكتومة مولاة محمد بن سليمان.

ثنية أذاخر : ثنية أذاخر ، الثنية التى تشرف على حايط خرمان ، ومن ثنية أذاخر دخل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة ، وقبر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأصلها مما يلى مكة فى قبور آل عبد الله بن خالد بن أسيد ، وذلك أنه مات عندهم فى دارهم فدفنوه فى قبورهم ليلا.

النقوى : النقوى ، ثنية شعب تسلك إلى نخلة من شعب بنى عبد الله.

المستوفرة : المستوفرة ، ثنية تظهر على حايط يقال له : حايط ثرير ، وهو اليوم للبوشجانى ، وعلى رأسها أنصاب الحرم ، فما سال منها على ثرير فهو حل ، وما سال منها على الشعب فهو حرم.

* * *

ذكر شق مسفلة مكة اليمانى وما فيه

مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرم

أجياد الصغير : قال أبو الوليد : أجياد الصغير ، الشعب الصغير اللاصق بأبى قبيس


ويستقبله أجياد الكبير على فم الشعب دار هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة ، ودار زهير بن أبى أمية بن المغيرة إلى المتكأ مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما سمى أجياد أجيادا أن خيل تبع كانت فيه فسمى أجياد بالخيل الجياد.

رأس الإنسان : رأس الإنسان : الجبل الذى بين أجياد الكبير وبين أبى قبيس.

حدثنا أبو الوليد قال : سمعت جدى أحمد بن محمد بن الوليد يقول : اسمه الإنسان.

أنصاب الأسد : أنصاب الأسد : جبل بأجياد الصغير فى أقصى الشعب وفى أقصى أجياد الصغير بأصل الخندمة بير يقال لها : بير عكرمة ، وعلى باب شعب المتكا بير حفرتها زينب بنت سليمان بن على ، وحفر جعفر بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن سليمان بن على فى هذا الشعب بيرا ، وهو أمير مكة سنة سبع عشرة ومايتين.

شعب الخاتم : شعب الخاتم ، بين أجياد الكبير والصغير.

جبل نفيع : جبل نفيع ، ما بين بير زينب حتى تأتى أنصاب الأسد ، وإنما سمى نفيعا أنه كان فيه أدهم للحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم كان يحبس فيه سفهاء بنى مخزوم ، وكان ذلك الأدهم يسمى نفيعا.

جبل خليفة : جبل خليفة ، وهو الجبل المشرف على أجياد الكبير وعلى الخليج والحزامية وخليفة بن عمير رجل من بنى بكر ثم أحد من بنى جندع ، وكان أول من سكن فيه وابتنى.

وسيله يمر فى موضع يقال له : الخليج يمر فى دار حكيم بن حزام ، وقد خلج هذا الخليج تحت بيوت الناس وابتنوا فوقه ، وهو الجبل الذى صعد فيه المشركون يوم فتح مكة ينظرون إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وكان هذا الجبل يسمى فى الجاهلية كيد ، وكان ما بين دار الحارث الصغيرة إلى موقف البقرة بأصل جبل خليفة سوق فى الجاهلية ، وكان يقال له : الكثيب ، وأسفل من جبل خليفة الغرابات التى يرفعها آل مرة من بنى جمح إلى الثنية كلها.

غراب : غراب جبل بأسفل مكة بعضه فى الحل وبعضه فى الحرم.

حدثنا أبو الوليد وحدثنى جدى حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال : اسم الجبل الأسود الذى بأسفل مكة غراب.

النبعة : النبعة ، نصب فى أسفل غراب.


الميثب : الميثب من الثنية التى بأسفل مكة إلى الرمضة ، ثم بير خم حفرها مرة بن كعب بن لوى ؛ قال الشاعر :

لا نستقى إلا بخمّ أو الحفر

قال أبو الوليد : وكان ماء للمغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم على باب دار قيس ابن سالم بير عادية قديمة ، وكانت بير قصى بن كلاب الأولى التى احتفرها فى دار أم هانى ابنة أبى طالب.

جبل عمر : جبل عمر ، الطويل المشرف على ربع عمر ، اسمه العافر وقد قال الشاعر:

هيهات منها إن ألم خيالها

سلمى إذا نزلت بسفح العافر

عدافة : عدافة ، الجبل الذى خلف المسروح من وراء الطلوب.

المقنعة : المقنعة الجبل الذى عند الطلوب.

اللاحجة : اللاحجة ، من ظهر الرمضة وظهر أجياد الكبير إلى بيوت رزيق بن وهب المخزومى.

القدفدة : القدفدة ، من مؤخر المفجر ، واللاحجة ذات اللها ، تصب فى ظهر القدفدة.

ذو مراخ : ذو مراخ ، بين مزدلفة وبين أرض ابن عامر.

السلفان اليمانى والشامى : السلفان اليمانى والشامى : متنان بين اللاحجة وعرنة ، وله يقول الشاعر :

ألم تسأل التناضب عن سليمى

نناضب مقطع السلف اليمانى

الضحاضح : الضحاضح ، ثنية ابن كرز ، ثنية من وراء السلفيين ، تصب فى النبعة بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم.

ذو السدير : ذو السدير ، من منقطع اللاحجة إلى المزدلفة.

ذات السليم : ذات السليم ، الجبل الذى بين مزدلفة ، وبين ذى مراخ.

بشائم : بشائم ، ردهة تمسك الماء فيما بين أضاة لبن بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم.

أضاة النبط : أضاة النبط ، بعرنة فى الحرم كان يعمل فيها الآجر ، وإنما سميت أضاة النبط أنه كان فيها نبط بعث بهم معاوية بن أبى سفيان يعملون الآجر لدوره بمكة ، فسميت بهم.


ثنية أم قردان : ثنية أم قردان ، مشرفة على الصلا موضع آبار الأسود بن سفيان المخزومى.

يرمرم : يرمرم : أسفل من ذلك وفيها يقول الأشجعى :

فإن يك ظنى صادق بمحمد

تروا خيله بين الصلا ويرمرم

ذات اللجب : ذات اللجب ، ردهة بأسفل اللاحجة تمسك الماء.

ذات أرحاء : ذات أرحاء ، بير بين الغرابات وبين ذات اللجب.

النسوة : النسوة ، أحجار تطأها محجة مكة إلى عرنة ، يفرع عليها سيل القفيلة من ثور يقال أن امرأة فجرت فى الجاهلية فحملت ، فلما دنت ولادتها خرجت حتى جاءت ذلك المكان ، فلما حضرتها الولادة قبلتها امرأة ، وكانت خلف ظهرها امرأة أخرى ، فيقال أنهن مسخن جميعا حجارة فى ذلك المكان ، فهى تلك الحجارة.

القفيلة : القفيلة ، قيعة كبيرة تمسك الماء عند النسوة وهى من ثور.

ثور : ثور ، جبل بأسفل مكة على طريق عرنة ، فيه الغار الذى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختبيا فيه هو وأبو بكر ، وهو الذى أنزل الله سبحانه فيه : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) ومنه هاجر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر إلى المدينة.

شعب البانة : شعب البانة ، شعب فى ثور وهو الذى يقول فيه الهذلى :

أفى الآيات والدمن المنول

بمفضى بين بانة فالغليل

 * * *

ذكر شق مسفلة مكة الشامى وما فيه

مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرب

الحزورة : قال أبو الوليد : الحزورة ، وهى كانت سوق مكة ، كانت بفناء دار أم هانى ابنة أبى طالب التى كانت عند الحناطين ، فدخلت فى المسجد الحرام ، كانت فى أصل المنارة إلى الحثمة ، والحزاور ، والجباجب الأسواق ، وقال بعض المكيين : بل كانت الحزورة فى موضع السقاية التى عملت الخيزران بفناء دار الأرقم ، وقال بعضهم : كانت بحذاء الردم فى الوادى والأولى أنها كانت عند الحناطين أثبت وأشهر عند أهل مكة.

وروى سفيان عن ابن شهاب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالحزورة : أما والله


إنك لأحب البلاد إلى الله سبحانه ، ولو لا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت.

قال سفيان : وقد دخلت الحزورة فى المسجد الحرام ، وفى الحزورة يقول الجرهمى :

وبداها قوم أشحا أشدة

على ما بهم يشرونه بالحزاور

الحثمة : الحثمة ، بأسفل مكة ، صخرات فى ربع عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال بعض المكيين : كانت عند دار أويس بأسفل مكة على باب دار يسار مولى بنى أسد بن عبد العزى ، وفيها يقول خالد بن المهاجر بن خالد بن أسد :

لنساء بين الحجون إلى الحثمة

فى ليالى مقمرات وشرق

ساكنات البطاح أشهى إلى القلب

من الساكنات دور دمشق

يتضمخن بالعبير وبالمسك

ضماخا كأنه ريح مرق

زقاق النار : زقاق النار ، بأسفل مكة مما يلى دار بشر بن فاتك الخزاعى ، وإنما سمى زقاق النار لما كان يكون فيه من الشرور.

بيت الأزلام : بيت الأزلام : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى عن سليم بن مسلم عن ابن جريج أن بيت الأزلام كان لمقيس بن عبد قيس السهمى ، وكان بالحثمة مما يلى دار أويس التى فى مبطح السيل بأسفل مكة التى صارت لجعفر بن سليمان بن على.

جبل زرزر : جبل زرزر : الجبل المشرف على دار يزيد بن منصور الحميرى خال المهدى بالسويقة على حق آل نبيه بن الحجاج السهميين ، وكان يسمى فى الجاهلية القايم ، وزرزر حايك كان بمكة ، كان أول من بنى فيه فسمى به.

جبل النار : جبل النار ، الذى يلى جبل زرزر ، وإنما سمى جبل النار ، أنه كان أصاب أهله حريق متوالى.

جبل أبى يزيد : جبل أبى يزيد ، الجبل الذى يصل حق زرزر مشرفا على حق آل عمرو بن عثمان الذى يلى زقاق مهر ، ومهر إنسان كان يعلم الكتاب هنالك ، وأبو يزيد هو من أهل سواد الكوفة ، كان أميرا على الحاكة بمكة ، كان أول من بنى فيه فنسب إليه ، وهو يتولى آل هشام بن المغيرة.

جبل عمر : جبل عمر ، الجبل المشرف على حق آل عمر ، وحق آل مطيع بن الأسود وآل كثير بن الصلت الكندى ، وعمر الذى ينسب إليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وكان يسمى فى الجاهلية ذا أعاصير.


جبل الأذاخر : جبل الأذاخر ، التى تلى جبل عمر ، تشرف على وادى مكة بالمسفلة وكانت تسمى فى الجاهلية المذهبات ، وكانت تسمى الأعصاد.

الحزنة : الحزنة الثنية التى تهبط من حق آل عمر ، وبنى مطيع ، ودار كثير إلى الممادر ، وبير بكار ، وهى ثنية قد ضرب فيها ، وفلق الجبل ، فصار فلقا فى الجبل يسلك فيه إلى الممادر ، وكان الذى ضرب فيها وسهلها يحيى بن خالد بن برمك يحتضر منها إلى عين كان أجراها فى المغش ، والليط ؛ من فخ وعمل هنالك بستانا.

شعب أرنى : شعب أرنى ، فى الثنية فى حق آل الأسود ، وقالوا : إنما سمى شعب أرنى لمولاة لحفصة بنت عمر أم المؤمنين ، يقال لها : أرنى ، وقالوا : بل كان فيه فواجر فى الجاهلية فكان إذا دخل عليهن إنسان قلن : أرنى أرنى ، يقلن : أعطنى ، فسمى الشعب شعب أرنى.

ثنية كداء : ثنية كداء ، التى يهبط منها إلى ذى طوى ، وهى التى دخل منها قيس بن سعد بن عبادة يوم الفتح ، وخرج منها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وعليها بيوت يوسف ابن يعقوب الشافعى ، ودار آل طرفة الهذليين يقال لها : دار الآراكة ، فيها آراكة خارجة من الدار على الطريق ، وهى الدار التى يقول فيها حسان بن ثابت الأنصارى :

عند ما خلينا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

الأبيض : الأبيض ، الجبل المشرف على كداء على شعب أرنى على يسار الخارج من مكة.

قرن أبى الأشعث : قرن أبى الأشعث ، وهو الجبل المشرف على كداء على يمين الخارج من مكة ، وهو من الجبل الأحمر ، وأبو الأشعث رجل من بنى أسد بن خزيمة يقال له : كثير بن عبد الله بن بشر.

بطن ذى طوى : بطن ذى طوى ما بين مهبط ثنية المقبرة التى بالمعلاة إلى الثنية القصوى التى يقال لها : الخضراء تهبط على قبور المهاجرين دون فخ.

بطن مكة : بطن مكة ، مما يلى ذا طوى ما بين الثنية البيضاء التى تسلك إلى التنعيم إلى ثنية الحصحاص ، التى بين ذى طوى وبين الحصحاص.

المقلع : المقلع ، الجبل الذى بأسفل مكة على يمين الخارج إلى المدينة ، عليه بيت لعبد الله بن يزيد مولى السرى بن عبد الله.


فخ : فخ ، الوادى الذى بأصل الثنية البيضاء إلى بلدح الوادى الذى تطأه فى طريق جده على يسار ذى طوى ، وما بين الليط ظهر الممدرة إلى ذى طوى إلى الرمضة بأسفل مكة.

الممدرة : الممدرة ، بذى طوى عند بير بكار ينقل منها الطين الذى يبنى به أهل مكة، إذا جاء المطر استنقع الماء فيها.

المغش : المغش ، من طرف الليط إلى خيف الشيرق بعرنة.

خزرورع : خزرورع ، بطرف الليط مما يلى المغش.

أستار : أستار ، الجبل المشرف على فخ ما يلى طريق المحدث ، أرض كانت لأهل يوسف بن الحكم الثقفى.

مقبرة النصارى : مقبرة النصارى ، دبر المقلع على طريق بير عنبسة بذى طوى.

جبل البرود : جبل البرود ، وهو الجبل الذى قتل الحسين بن على بن حسين بن حسن ابن على بن أبى طالب وأصحابه يوم فخ عنده بفخ.

الثنية البيضاء : الثنية البيضاء ، التى فوق البرود التى قتل حسين وأصحابه بينها وبين البرود.

الحصحاص : الحصحاص ، الجبل المشرف على ظهر ذى طوى إلى بطن مكة مما يلى بيوت أحمد المخزومى عند البرود.

المدور : المدور ، متن من الأرض فيما بين الحصحاص وسقاية أهيب بن ميمون.

مسلم : مسلم ، الجبل المشرف على بيت حمران بذى طوى على طريق جدة ، وادى ذى طوى ، بينه وبين قصر ابن أبى محمود عند مفضى مهبط الحرتين الكبيرة والصغيرة.

ثنية أم الحارث : ثنية أم الحارث ، هى الثنية التى على يسارك إذا هبطت ذا طوى تريد فخا بين الحصحاص وطريق جدة ، وهى أم الحارث بنت نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

متن ابن عليا : متن ابن عليا ، ما بين المقبرة والثنية التى خلفها إلى المحجة التى يقال لها : الخضراء ، وابن عليا رجل من خزاعة.

جبل أبى لقيط : جبل أبى لقيط ، هو الجبل الذى حايط ابن الشهيد بأصله بفخ.


ثنية أذاخر : ثنية أذاخر ، وليست بالثنية التى دخل منها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند حائط خرمان ولكن المشرفة على مال ابن الشهيد بفخ وأذاخر.

شعب أشرس : شعب أشرس ، الشعب الذى يفرغ على بيوت ابن وردان مولى السايب بن أبى وداعة السهمى بذى طوى ، وأشرس مولى المطلب بن السايب بن أبى وداعة ، وأشرس الذى روى سفيان عن أبيه حديث المقام والمقاط حين رده عمر.

غراب : غراب ، الجبل الذى بمؤخر شعب الأخنس بن شريق إلى أذاخر.

شعب المطلب : شعب المطلب ، الشعب الذى خلف شعب الأخنس بن شريق يفرع فى بطن ذى طوى ، والمطلب هو ابن السايب بن أبى وداعة.

ذات الجليلين : ذات الجليلين ، ما بين مكة ، والسدر ، وفخ.

شعب زريق : شعب زريق ، يفرع فى الوادى الذى يقال له : ذو طوى ، وزريق مولى كان فى الحرس مع نافع بن علقمة ففجر بامرأة يقال لها : درة مولاة كانت بمكة فرجما فى ذلك الشعب ، فسمى شعب زريق.

كتد : كتد ، الجبل الذى بطرف المغش غير أن حلحلة بين الممدرة وبين كتد.

جبل المغش : جبل المغش ، ومنه تقطع الحجارة البيض التى يبنى بها ، وهى الحجارة المنقوشة البيض بمكة ، ويقال : إنها من مقلعات الكعبة ، ومنه بنيت دار العباس بن محمد التى على الصيارفة.

ذو الأبرق : ذو الأبريق : ما بين المغش إلى ذات الجيش.

الشيق : الشيق ، طرف بلدح الذى يسلك منه إلى ذات الحنظل عن يمين طريق جدة قد عمل الدروقى حايطا وعينا بفوهة ذلك الشعب ، وذات الحنظل ثنية فى مؤخر هذا الشعب يفرع على بلدح.

أنصاب الحرم : أنصاب الحرم : على رأس الثنية ما كان من وجهها فى هذا الشق فهو حرم ، وما كان فى ظهرها فهو حل.

العقلة : العقلة ، ردهة تمسك الماء فى أقصى الشيق.

الأرنبة : الأرنبة : شعب يفرع فى ذات الحنظل وما بين ثنية أم رباب إلى الثنية التى بين الليط ، وبين شعب عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة.


ذات الحنظل : ذات الحنظل ، هو الفج الذى من عين الدورقى إلى ثنية الحرم.

العبلاء : العبلاء ، بين ذى طوى والليط.

الثنية البيضاء : الثنية البيضاء ، التى بين بلدح وفخ.

شعب اللبن : شعب اللبن الشعب الذى يفرع على حايط ابن خرشة فى بلدح.

ملحة العراب : ملحة العراب ، شعب فى بلدح يفرع على حايط الطايفى.

ملحة الحروب : ملحة الحروب ، شعب يفرع على حايط ابن سعيد ببلدح.

العشيرة : العشيرة ، حذاء أرض ابن أبى مليكة إذا جاوزت طرف الحديبية على يسار الطريق.

قبر العبد : قبر العبد ، بذنب الحديبية على يسار الذاهب إلى جدة ، وإنما سمى قبر العبد أن عبد البعض أهل مكة أبق فدخل غارا هنالك فمات فيه فرضمت عليه الحجارة فكان فى ذلك الغار قبره.

التخابر : التخابر ، بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم ، وهو على يمين الذاهب إلى جدة ، إلى نصب الأعشاش ، وبعض الأعشاش فى الحل ، وبعضها فى الحرم ، وهى بحيرة البهيما وبحيرة الأصفر والرغباء ، ما أقبل على بطن مر منهن فهو حل ، وما أقبل على المريرا منهن فهو حرم.

كبش : كبش : الجبل الذى دون نعيلة فى طرف الحرم.

رحا : رحا ، فى الحرم وهو ما بين أنصاب المصانيع إلى ذات الجيش ، ورحا هى ردهة الراحة.

والراحة : والراحة ، دون الحديبية على يسار الذاهب إلى جدة.

البغيبغة : البغيبغة : والبغيبغة بأذاخر

* * *


سيول مكة المكرمة

ورد فى ملحقات كتاب «أخبار مكة» : أما السيول التى وقعت فى عهد الأزرقى والخزاعى ولم يرد ذكرها فى أخبار مكة. والتى وقعت فيها بعد إلى عهدنا هذا فهى :

١ ـ ذكر الطبرى أيضا فى حوادث سنة ٨٨ ، فقال : خرج عمر بن عبد العزيز تلك السنة ـ يعنى سنة ٨٨ ـ بعدة من قريش أرسل إليهم بصلات ، وظهر للحمولة ، وأحرموا معه من ذى الحليفة وساق معه بدنا ، فلما كان بالتنعيم لقيهم نفر من قريش ، منهم ابن أبى مليكة وغيره ، فأخبروه أن مكة قليلة الماء وأنهم يخافون على الحاج العطش ، وذلك أن المطر قل ، فقال عمر : فالمطلب هاهنا بيّن ، تعالوا ندع الله ، قال : فرأيتهم دعوا ودعا معهم ، فألحوا فى الدعاء. قال صالح : فلا والله أن وصلنا إلى البيت ذلك اليوم إلا مع المطر ، حتى كان مع الليل وسكبت السماء وجاء سيل الوادى فجاء أمر خافة أهل مكة ، ومطرت عرفة ، ومنى ، وجمع ، فما كانت إلا عبرا قال : ونبتت مكة تلك السنة للخصب ، وأما أبو معشر ، فإنه قال : حج بالناس سنة ٨٨ عمر بن الوليد بن عبد الملك.

٢ ـ سيل المخيل : وذكر السنجارى أنه فى عام ١٠٤ ، وقع سيل المخيل ، لأنه أصاب الناس بعده مثل خبال لمرض ، حدث بهم عقبه فى أجسامهم وألسنتهم ، وكان سيلا عظيما دخل المسجد الحرام ، وذهب بالناس وأحاط بالكعبة ، وعقبه سيل آخر مثله فى هذه السنة ، وذلك فى ولاية عبد الواحد بن عبد الله النصرى على مكة.

٣ ـ سيل أبى شاكر : ذكر الفاكهى هذا السيل ، فقال : ومنها سيل أبى شاكر فى ولاية هشام بن عبد الملك فى أبتداء سنة عشرين وماية ودخل المسجد الحرام.

وأبو شاكر المنسوب إليه هذا السيل هو مسلمة بن هشام بن عبد الملك ، وكان أبو شاكر حج بالناس فى عام تسعة عشر وماية ، وجاء هذا السيل عقب حج أبو شاكر فسمى به.

٤ ـ وقال أيضا : فى عام ستين وماية وقع سيل عظيم ودخل الحرم ليومين بقيا من المحرم.


٥ ـ سيل عام ٢٥٣ : دخل المسجد سيل عظيم أحاط بالكعبة وبلغ إلى قريب من الحجر الأسود وهدم دورا كثيرة بمكة ، وذهب بأمتعة الناس ، وملأ المسجد غثا وترابا ، حتى حرف بالعجلات ، وكان ذلك فى خلافة المعتز بالله.

٦ ـ سيل عام ٢٦٢ : جاء فى هذا العام سيل عظيم ذهب بحصباء المسجد حتى عرا عنها.

٧ ـ سيل عام ٢٩٧ : ذكر المسعودى أنه ورد الخبر فى هذا العام إلى دار السلام بأن أركان البيت الحرام الأربعة غرقت ، حين جرى الغرق فى الطواف ، وفاضت بئر زمزم ، وأن ذلك لم يعهد فيما سلف من الزمن.

٨ ـ سيل عام ٣٤٩ : لما برز الحج قافلا ، ونزلوا واديا ، جاءهم سيل فأخذهم عن آخرهم وألقى بهم فى البحر.

٩ ـ سيل عام ٤١٧ : جاء سيل فى هذا العام ، ودخل الحرم ، ووصل إلى خزائن الكتب فاتلف منها الشىء الكثير.

١٠ ـ سيل عام ٤٨٩ : جاء سيل فى هذا العام بقرب وادى نخلة ، وكان الحجاج نازلون بالقرب منه ، فذهب بكثير من الأموال ، والأنفس ، ولم ينج منهم إلا من تعلق بالجبال.

١١ ـ سيل عام ٥٢٨ : وقع فى شهر جمادى الأولى من هذا العام بمكة مطر فمات تحت الردم جماعة ، وتضرر الناس كثيرا.

١٢ ـ سيل عام ٥٤٩ : وقع بمكة مطر سال منه وادى إبراهيم ونزل مع الماء برد بقدر البيض.

١٣ ـ سيل عام ٥٦٩ : وقع بمكة مطر ، وجاء سيل كبير إلى أن دخل من باب بنى شيبة ، ودخل دار الإمارة ، ولم ير سيل قط قبله دخل دار الإمارة.

١٤ ـ سيل عام ٥٧٠ : كثرت الأمطار والسيول بمكة فى هذا العام ، وسال وادى إبراهيم خمس مرات.

١٥ ـ سيل عام ٥٩٣ : وقد جاء ذكره فى بعض الكتب أنه عام ٥٧٣ فى يوم الاثنين لثمان خلون من صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة جاء سيل عظيم ، ودخل المسجد الحرام ، وعلا على الحجر الأسود ذراعين ، ودخل الكعبة فبلغ قريبا من الذراع


وأخذ فرضتى باب إبراهيم وحمل منابر الخطبة ودرجة الكعبة ، ووصل الماء إلى فوق القناديل التى فى وسط الحرم بكثير ، وطاف الناس وهم يعرمون ، وهدم دورا على حافتى وادى مكة.

١٦ ـ سيل عام ٦٣٠ : وفى منتصف شهر ذى القعدة من سنة ٦٢٠ جاء سيل عظيم ، ودخل الكعبة ومات منه جماعة بعضهم حمله السيل ، والآخر طاحت عليه الدور. وقيل أنه كان فى منتصف شهر شعبان.

١٧ ـ سيل عام ٦٥١ : جاء سيل فى هذا العام ولم يذكر المؤرخون عنه تفاصيل وافية.

١٨ ـ سيل عام ٦٦٩ : فى سنة تسعة وستين وستماية أتى سيل لم يسمع بمثله فى هذه الأعصار كان حصوله فى صبح يوم الجمعة رابع عشر شعبان ، دخل البيت الحرام كالبحر ، وألقى كل التراب التى كانت فى المعلاة فى البيت ، وبقى الحرم كالبحر يموج منبره فيه ، ولم تصل الناس تلك الليلة ، ولم ير طائف إلا رجل طاف سحرا يعوم.

١٩ ـ سيل عام ٧٣٠ : وفى سنة ثلاثين وسبعماية فى ليلة الأربعاء سادس وعشرين من ذى الحجة جاء الناس سيل عظيم بلا مطر ملأ الفسقيات التى فى المعلاة والأبطح ، وخرب البساتين وملأ الحرم ، وأقام الماء فيه يومين والعمل مستمر فيه ، واشتغل الناس مدة طويلة به.

٢٠ ـ سيل سنة ٧٣٢ : فى أواخر ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين وسبعماية وقع بمكة أمطار وسيول وصواعق ، وقعت صاعقة على أبى قبيس فقتلت رجلا ، ووقعت ثانية فى مسجد الخيف بمنى فقتلت آخر ، ووقعت ثالثة فى الجعرانة فقتلت رجلين.

٢١ ـ سيل عام ٧٣٨ : وفى ليلة الخميس العاشر من شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعماية جاء سيل وغيم ، ورعود مزعجة ، وبروق مخيفة ، ومطر وابل كأفواه القرب ثم دفعت السيول من كل جهة ، وكان وابل بمكة ، وكان معظم السيل من جهة البطحاء فدخل الحرم الشريف من جميع الأبواب وحفر فيها ، وجعل حول الأعمدة التى فى طريقه جورا مقدار قامتين وأكثر ، ولو لم يكن أساسات الأعمدة محكمة لكان رماها ، وقلع من أبواب الحرم أماكن وطاف بها الماء ، وطاف بالمنابر كل واحدة إلى جهة وبلغ عند الكعبة المعظمة قامة وبسطة ودخلها من خلل الباب ، وعلا الماء فرق عتبتها أكثر من نصف ذراع بل شبرين ، ووصل إلى قناديل المطاف ، وعبر فى بعضها من


فوقها طفاها وغرق بعض أهلها ومات نحو ستين نفرا تحت الردم ، وبلّ جميع الكتب التى كانت فى قبة الكتب ، فقعد الناس فى تنظيفه مدة ، وأفسد للناس من الأمتعة شيئا كثيرا.

٢٢ ـ سيل عام ٧٥٠ : نزل مطر وصاعقة وريح سوداء أوقعت جميع الأعمدة المتجددة حول المطاف التى جددها فارس المدين سنة ٧٤٩ ، ولم يبق منها إلا عمودان.

٢٣ ـ سيل عام ٧٧١ : جاء فى هذا العام مطر وسول دخلت إلى البيت الحرام وكان علو الماء إلى قفل باب الكعبة وهو أكثر من قامتين واستمر جريانه من العشاء إلى ظهر اليوم التالى وقد نزل معه برد بحجم كبير ، وهدم بيوتا كثيرة تربو على ألف بيت ومات فيه خلق كثير نحو ألف نسمة وحمل قافلة بأربعين جملا ، وجرف حيوانات وأمتعة لا تحصى.

٢٤ ـ سيل عام ٨٠٢ : فى اليوم الثامن من شهر جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانمائة جاء مطر شديد استمر ثلاثة أيام ، وكان المطر كأفواه القرب وقويا ، وسبب ذلك أنه هجم سيل وادى إبراهيم بمكة ، فلما حاذى وادى أجياد خالط السيل الذى منه فصار ذلك بحرا زاخرا ، فدخل السيل المسجد الحرام من على أبوابه كله ، وكان عمقه من جهة باب إبراهيم فوق قامة وبسطة وفى المطاف كذلك ، وقد علا عتبة باب الكعبة المعظمة قدر ذراع أو أكثر واحتمل درجة الكعبة المعظمة فألقاها عند باب إبراهيم ولو لا صد بعض العواميد لها لحملها إلى حيث ينتهى ، وخرب عمودين فى المسجد الحرام عند باب العجلة بما عليها من العقود وللسقف ، وخرب دورا كثيرة بمكة ، وسقط بعضها على سكانها فماتوا ، وجملة من قتل بسببه على ما قيل نحو ستين نفرا ، وأفسد للناس من الأمتعة شيئا كثيرا ، وقد مكث الناس مدة يومين لا يتمكنون من الطواف إلا بالمشقة.

٢٥ ـ سيل عام ٨١٤ : فى اليوم الثانى والعشرين من شهر ذى الحجة فى هذا العام ظهر السيل وقت الظهيرة ، فهدم سدود العيون ، ثم أنساب إلى البلدة فدخل المسجد الحرام ، ووصل إلى ثلثى منبر الخطابة.

٢٦ ـ سيل عام ٨٢٥ : عقيب صلاة الصبح من يوم السبت سابع وعشرين من ذى الحجة سنة ٨٢٥ دخل السيل إلى المسجد الحرام ، فارتفع إلى فوق الحجر الأسود حتى بلغ باب الكعبة الشريفة ، وألقى درجتها عند منارة باب الحزورة ، وهدم عتبة باب إبراهيم ، وأفسد للناس دورا كثيرة وهدم دورا فى جهات سوق الليل والصفا والمسفلة ، وخرب سور المعلاة.


٢٧ ـ سيل ٨٢٧ : بعد غروب ليلة ثالث جمادى الأولى سنة ٨٢٧ جاء سيل وادى إبراهيم عقب مطر غرير ، وكان ابتداؤه بعد العصر من ثانى شهر المذكور ، ودخل السيل المسجد الحرام من أبوابه التى بالجانب اليمانى ، وقارب الحجر الأسود وألقى بالمسجد من الأوساخ شيئا كثيرا ، وقد خرب باب الماجن وجانبا من سوره.

٢٨ ـ سيل عام ٨٣٧ : فى ليلة الجمعة سادس عشر جمادى الأولى عام ٨٣٧ وقعت أمطار غزيرة سالت على أثرها الأودية ، وجاء سيل وادى إبراهيم فتلاقى مع سيل أجياد عند باب الحزورة فدخل المسجد الحرام وبلغ علو باب الكعبة لمحاذاة عتبة الباب الشريف ، فلما أصبح الناس ورأوا كثرة المياه فى المسجد أزالوا عتبة باب إبراهيم حتى خرج الماء وقد خرب هذا السيل ما يقرب من ألف دار ، ومات تحت الردم اثنا عشر إنسانا ، وغرق ثمانية ووكف سقف الكعبة ، فابتلت الكسوة الداخلية وامتلأت قناديلها ماء.

٢٩ ـ سيل القناديل : حصل ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى عام ٨٣٨ ، مطر ورعود وبروق مزعجة وكان المطر كأفواه القرب ، ثم اندفع السيل من كل جهة ، وكان أعظمه من جهة البطحاء فدخل المسجد من جميع الأبواب ، فكسر باب زمزم ، وباب موضع الأذان ، فبلغ علو الماء قامة ونصف ، وخرب ما يقرب من ثمانمائة دار ويسمى هذا السيل سيل القناديل.

٣٠ ـ سيل عام ٨٦٥ : فى يوم السيت تاسع شوال سنة خمس وستين وثمانماية وقع بين الظهر والعصر مطر وعقبه سيل جاء من وادى إبراهيم فدخل المسجد الحرام من جميع أبوابه الشرقية واليمانية وملأ المسجد بالأوساخ ، ودخل الكعبة المشرفة من الخرق الذى تحت الباب وبلغ الماء نحو نصف ذارع من عتبة الكعبة ، وعلا على خرزة بئر زمزم مقدار ذراع صحن زيادة دار الندوة ، وبلغ إلى الباب المنفرد من أبواب زيادة دار الندوة وهذا لم يعهد فيما مضى.

٣١ ـ سيل عام ٨٦٧ : فى ضحى يوم الأربعاء ثامن وعشرين ربيع الآخر سنة سبع وستين سبع وستين وثمانماية وقع مطر غزير عقبه سيل فى وادى إبراهيم ، فدخل المسجد الحرام من جميع أبوابه الشرقية واليمانية وملأ المسجد الحرام بالأوساخ ودخل الكعبة المشرفة من خرق الباب وعلا الماء على عتبة الكعبة ذراع ونصف ، وغمر الأخشاب التى تعلق بها القناديل بالمطاف وبلغ الماء إلى أن خرج من باب العمرة ، وقد هدمت الأمطار والسيول عدة من دور مكة المشرفة بالمعلاة وسوق الليل.


٣٢ ـ سيل عام ٨٧١ : فى الهزيع الأخير من ليلة الأحد رابع عشر ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وثمانماية وقع سيل فدخل المسجد الحرام ، وعلا على الركن اليمانى ودخل البيت الشريف وزمزم ، وقد خرب دورا كثيرة.

٣٣ ـ سيل عام ٨٨٠ : كان هذا السيل من أعظم السيول التى وقعت ولا يضارعه فى قوته أى سيل من سيول مكة المكرمة إن فى الجاهلية أو الإسلام ، وكان ظهوره قبيل وصول الحجاج إلى مكة المكرمة ، فامتلأت الشوارع بالماء وعلا على بعض أسطحة بيوت المعلاة ، ثم دخل المسجد الحرام وقد كانت الخسائر فى النفس والنفيس كبيرة ، وأحصى ما أخرج من البيت الحرام من الأموات فبلغ عددهم مائة وثمانين نسمة ، وقد انفرد أيوب صبرى باشا صاحب مرآة الحرمين بذكر هذا السيل نقلا عن السمنهودى ج ١ ص ٦٨٢.

٣٤ ـ سيل عام ٨٨٣ : فى يوم الخميس خامس عشر شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وقع مطر جاء على أثره سيل وادى إبراهيم فتلاقى مع سيل أجياد ودخل السيل من غالب أبواب المسجد اليمانية وباب أبواب وباب السلام ومن جميع الأبواب الشامية خلا باب الزيادة ومن الشبابيك التى بأسفل مدرسة السلطان قايتباى ، ومن بابها الذى إلى المسجد ، وفى ظهر يوم الجمعة ثالث عشرين من الشهر المذكور وقع بمكة مطر فجاء السيل مرة ثانية أشد من الأول لكنه لم يصادف سيل وادى أجياد. وقد بلغ إلى حيث بلغ السيل السابق ودخل المسجد الحرام من جميع الأبواب التى دخل منها السيل الأول.

٣٥ ـ سيل عام ٨٨٧ : وقعت بمكة أمطار شديدة يوم الأربعاء رابع عشر ذى القعدة سنة سبع وثمانين وثمانمائة ، عقبها سيل جاء وقت الظهر فتلاقى مع سيل أجياد فدخل المسجد من جميع أبوابه وعلا من داخله نحو قامة ومن خارجه سبعة أذرع تقريبا ، ودخل القبب فاتلف قبة الفراشين وقبة السقاية وغيرها ، ودخل أيضا جميع البيوت المطلة على المسجد الحرام من شبابيكها وبعض من أبوابها ، وغطى قسما من أساطين المطاف ، وملا زمزم وذهب بمنبر الخطابة وببعض قناديل المطاف وأخشابه. وقد دام السيل مدة غير يسيرة فمات به خلائق لا تحصى ، وتهدمت دور كثيرة.

٣٦ ـ سيل عام ٨٨٨ : قال أيوب صبرى : أنه فى هذا العام جاء سيل عظيم ملأ البطاح والأودية ودخل المسجد الحرام ، وخرب بيوتا كثيرة ، ومخازن عديدة ، ومات فيه مائة نسمة.


٣٧ ـ سيل عام ٨٨٩ : ذكر أيوب صبرى أنه جاء فى هذا العام أيضا سيل شديدا سفر عن خسائر فادحة فى مكة المكرمة.

٣٨ ـ سيل عام ٨٩٥ : فى ليلة الاثنين خامس شهر صفر سنة خمس وتسعين وثمانمائة وقع مطر غزير فى مكة المكرمة يرافقه رعود وبرق ثم جاء سيل كبير ودخل المسجد من غالب أبوابه فملأ المسجد وأروقته إلا زيادة دار الندوة ، وارتفع على حايط الحجر ، ووصل إلى بعض الحجر الأسود ، وقد ذهب هذا السيل بحوايج القشاشين التى أمام البيوت الواقعة إلى جهة جبل أبى قبيس ، وطاح فى هذه الليلة ويومها دور كثيرة ومات ثلاثة أنفس وكان هذا المطر عاما ملأ صهاريج جدة ، وهدم دورا بمنى.

وفى يوم الاثنين عاشر ذى الحجة من هذا العام أيضا وقع مطر غزير بمكة وادى إبراهيم وجر السيل ثلاثة جمال وجرف حوائج كثيرة للقشاشين بالمسعى.

٣٩ ـ سيل عامة ٨٩٧ : فى يوم الأربعاء حادى عشر شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة أمطرت مكة المكرمة وبواديها مطرا شديدا سألت على أثرها الوديان ، وكان سيل وادى إبراهيم قويا فدخل المسجد الحرام من أبواب كثيرة.

٤٠ ـ سيل عام ٩٠٠ : فى يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الأول سنة تسمائة غامت السماء ثم أمطرت مطرا غزيرا ، وذلك وقت العصر ، سألت على أثرها الأرض من كل جهة ، وجاء السيل الكبير من أعلى مكة والتقى مع سيل أجياد فدخل المسجد الحرام من كل أبوابه غير بابين ـ باب الزيادة وباب العمرة ـ وانسابت المياة إلى الكعبة المشرفة ، وقد حمل درجتها ومنابر الوعاظ ودكة الحنفية وطاح للناس دور كثيرة وتلفت أمتعة وقد سقط بعض مسجد نمرة بعرفة ، وكان المطر والسيل عاما.

٤١ ـ سيل عام ٩٠١ : يوم الاثنين سادس عشر شهر ربيع الأول سنة ٩٠١ ومع مطر بمكة ثم اشتد فى المساء ، وجاء على أثره سيل وادى إبراهيم فدخل المسجد الحرام من جميع أبوابه إلا باب العمرة وعلا إلى أن خرج منه ، وأنسابت المياه إلى الكعبة المشرفة فوصلت إلى ما بين الفعل والحلق وغمرت قناديل المطاف وارتفعت إلى ما فوق عوارضها ، ودخل السيل القبب فأتلف بعض الكتب وعلا على دكك الزيادة بنحو شبر ، وأظهر عند باب الحزورة الساسات التى بين الأساطين وطاح بعض جدر الزيادة الغربى ، وهدم دورا كثيرة. وكان المطر عاما حينذاك سقط منه بعض مسجد نمرة بعرفة.

٤٢ ـ سيل عام ٩٢٠ : نزلت صبيحة يوم الجمعة عاشر صفر سنة ٩٢٠ ، أمطار


شديدة بمكة استمرت إلى الغداة ثم انقطعت ، وبعد صلاة العصر عاد المطر ثانية جاء على أثره سيل وادى إبراهيم ودخل المسجد الحرام من أبوابه اليمانية والشرقية والغربية خلا باب العمرة ، ودخل أيضا من باب سويقة وعلا باب الكعبة نحو ذراع ، وملأ قناديل المطاف ، وزمزم واستمر فى ازدياد إلى المغرب فتناقص رويدا رويدا ، ولكن المياه بقيت إلى اليوم التالى. وقد هدم دورا كثيرة بسوق الليل ، وعقدى درب باب المعلاة القديم.

ثم جاء سيل آخر : يوم الأربعاء من هذا الأسبوع ودخل المسجد الحرام أيضا.

٤٣ ـ سيل عام ٩٣١ : فى يوم السبت سابع عشر شهر شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة وقع مطر بمكة سالت على أثرها وديانها ، فدخلت المياه إلى المسجد الحرام من باب إبراهيم ، وغمر المطاف وقد وقع فى هذا اليوم برد كبير الحجم فوق العمرة فى طريق الوادى ، فتكدس حتى صار أكواما ، وكان الجمالون يجلبونه للبيع فى أسواق مكة ، فاستمروا مدة أسبوعين وهم يجلبون منه لما انتهى.

٤٤ ـ سيل عام ٩٧١ : جاء سيل فى هذا العام فدخل المسجد الحرام إلى أن بلغ باب الكعبة باب الكعبة وعلا إلى أن قرب من قفل الباب وبقى يوما وليلة.

٤٥ ـ سيل عام ٩٨٣ : فى ليلة الأربعاء عاشر جمادى الأولى سنة ٩٨٣ ، جاء سيل عظيم ، فدخل المسجد الحرام وملأ المطاف وبلغ محاذيا لقفل الكعبة. وقد بقيت المياه فى المسجد يوما وليلة ؛ بسبب وجود الطين والتراب لعمارته.

وعلى أثر ذلك قطع مسيل وادى إبراهيم من الجانب الجنوبى إلى أن ظهرت عشر درجات كانت مدفونة فصار السيل إذا أتى انحدر بسهولة إلى المسفلة وكذلك قطع من جهة باب الزيادة من الجانب الشمالى وجعل للسيل سردابا من باب الزيادة إلى باب إبراهيم.

٤٦ ـ سيل عام ٩٨٤ : ظهر فى هذا العام سيل بمكة المكرمة ودخل المسجد الحرام ، وقد ارتفع حتى قرب من باب الكعبة ثم انحدر عنها وانساب إلى أسفل مكة.

٤٧ ـ سيل عام ٩٨٩ : بينما كان الناس والحجاج بمنى فى منتصف شهر ذى الحجة من عام تسع وثمانين وتسعمائة نزلت أمطار غزيزة ، فانحدرت السيول من كل جانب ، فذهب بكثير من الحجاج وبأمتعتهم وجمالهم.

٤٨ ـ سيل عام ١٠٠٩ : فى اليوم الرابع من شهر جمادى الأولى عام ١٠٠٩ وقع


مطر غزير يرافقه سيل عظيم وقد استمر ذلك من ضحوة يومه إلى الهزيع الأول من الليل.

٤٩ ـ سيل عام ١٠١٩ : جاء فى هذا العام سيل وادى إبراهيم عقيب مطر قوى ، فدخل البيت الحرام ، وكان المطر شديدا فانهلت المياه إلى داخل الكعبة من سطحها.

٥٠ ـ سيل عام ١٠٢١ : أشار إلى هذا السيل إبراهيم رفعت باشا صاحب مرآة الحرمين ولم يذكر تفاصيله.

٥١ ـ سيل عام ١٠٢٣ : جاء فى هذا العام سيل عقيب مطر غزير ، ثم نزل معه برد كبير.

٥٢ ـ سيل عام ١٠٢٤ : فى يوم النفر الثانى من عام ١٠٢٤ ، وقع بمكة مطر وعقبه سيل قوى أسفر عن هدم بعض البيوت فيها.

٥٣ ـ سيل عام ١٠٣٣ : فى يوم الأحد سابع شهر جمادى الثانية عام ١٠٢٣ ، وقع بمكة المكرمة مطر عقبه سيل عظيم دخل المسجد الحرام ووصل المطاف وبلغ الماء الحجر الأسود ، ودخل زمزم أيضا. وكان مجرى السيل آتيا من جهة السدود.

٥٤ ـ سيل عام ١٠٣٩ : فى صباح يوم الأربعاء تاسع عشر من شهر شعبان سنة ١٠٣٩ ، وقع مطر غزير بمكة المكرمة وضواحيها لم يسبق له مثيل ، ونزل معه برد وتغير ماء زمزم بملوحة شديدة. وفيما بين العصرين جرى السيل فى وادى إبراهيم ، فجرف ما وجده أمامه من بيوت ودكاكين وأخشاب وأتربة ، ثم دخل الحرم الشريف ، وبقى جريان السيل إلى قرب العشاء ، فبلغ الماء إلى طرق القناديل المعلقة حول المطاف ، ودخل الكعبة المشرفة بارتفاع مترين عن قبل بابها ، وقد أحصى من مات فى السيل المذكور فبلغ نحو ألف نسمة.

وفى عصر اليوم التالى سقط من تأثير السيل الجدار الشامى بوجهيه ، وانجبذ من الجدار الشرقى إلى حد الباب الشامى ولم يبق سواه ، ومن الجدار الغربى من الوجهين نحو السدس وسقطت درجة السطح ، وقد بقيت المياه فى الحرم نحو ثلاثة أيام ، ثم انسابت فى السراديب إلى أسفل مكة وبقيت الأحجار والأتربة مما كان السيل جرفها أمامه ، فتألفت منها كثبان فى داخل وخارجه توازى باتفاعها قامة الإنسان.


وعلى أثر هذا الانهدام الواقع فى الكعبة تم بناؤها للمرة الحادية عشرة كما ذكرنا ذلك مفصلا فى هامش بحث بناء الكعبة.

٥٥ ـ سيل عام ١٠٥٣ : فى اليوم التاسع من شهر ذى الحجة سنة ١٠٥٣ ، وقع سيل عظيم بعرفة والحجاج وقوف هنالك ، فاستمر من وقت الظهر إلى الغروب ، ولما نفر الناس عاقهم السيل المعترض من تحت العلمين عن المرور ودخول الحرم ، فاستمر الناس وقوفا إلى آخر الليل حيث خف السيل ، فقطعوه بالمشقة.

٥٦ ـ سيل عام ١٠٥٥ : فى أواخر شهر شوال من سنة ١٠٥٥ ، جاء المطر يرافقه برق ورعد ، ثم جرى السيل فى الليل فدخل المسجد الحرام من خلف وأمام ، وعلا على عتبة الكعبة بارتفاع ذارع ، وأتلف ما فى قبة الفراشين من الكتب ، وعلا على بئر ومزم بقدر قامة ، وصار المسجد كالبحر الزاخر ، ولم يحدث ضرر ما بالأنفس.

٥٧ ـ سيل عام ١٠٧٣ : بعد الظهر من يوم السبت الثامن من شهر شعبان عام ١٠٧٣ ، أمطرت السماء ثم جاء سيل عظيم ، فهجم على المسجد الحرام إلى أن ارتفع عن قفل باب الكعبة بمقدار ذراع ، فوقع خراب فى سقفها ، وبلغ القناديل ، ودخل بئر زمزم فغمرها ، وبقيت المياه فى المسجد الحرام إلى صباح اليوم التالى ، حيث فتحت مسايل باب إبراهيم ، فانسابت إلى أسفل مكة ، ثم نظف المسجد وغسلت الكعبة ومات فى هذا السيل أربعة أشخاص.

٥٨ ـ سيل عام ١٠٨١ : فى اليوم الثالث من شهر شوال ١٠٨١ ، جاء سيل وادى إبراهيم عقيب مطر غزير فدخل المسجد الحرام وبلغ باب الكعبة ثم فتحت سراديب باب إبراهيم ، فانسابت المياه منه.

٥٩ ـ سيل عام ١٠٩٠ : ذكر هذا السيل أيوب صبرى ، فقال : إنه كان عظيما أسفر عن وقوع وفيات عديدة من الحجاج وخسارة جمة للأهلين.

٦٠ ـ سيل عام ١٠٩١ : فى يوم الاثنين ثانى عشر من شهر شذى الحجة سنة ١٠٩١ ، تلبدت الغيوم فى السماء وأمطرت قبل الظهر ، فاستمر نزول المطر إلى وقت العصر ، وجاء على أثره سيل وادى إبراهيم فدخل المسجد الحرام إلى أن بلغ إلى نصف الكعبة وعلا على العواميد التى فى الرواق من الجهة الغربية ، واستمر الماء إلى الصباح حيث فتحت سراديب باب إبراهيم ، فانحدرت منها.

فأما فى خارج المسجد فقد أحدث أضرارا جسيمة بالبيوت والأشياء ، لا سيما ما


كان منها بسوق الليل والمسفلة. ومما هو جدير بالذكر ما رواه أيوب صبرى حيث قال : إنه كان فى جهة المعلاة شجرة جوز كبيرة ، تقوم على جوانبها مقاه ، ولما جاء السيل كان فى تلك المقاهى نحو ١٥٠ نسمة فتسلقوا الشجرة خوف الغرق ، ولكن السيل كان قويا فاقتلع الشجرة ومن عليها فجرفهم حتى باب الصفا ، وأن السيل خرب أيضا ما يقرب من مائة دكان ، وامتلأت البركة اليمانية فى المسفلة بالحيوانات ، وجرف السيل أيضا غير هذا نحو خمسة آلاف حيوان.

٦١ ـ سيل عام ١١٠٨ : لما كان ليلة الأحد خامس جمادى الثانية سنة ١١٠٨ ، أمطرت السماء مطرا غزيرا كأفواه القرب وأصبح الناس والحرم المكى ملآن بالماء ، واتفق أن كانت البلاليع مسدودة هذه الليلة فبقى الماء فى المسجد الحرام إلى قرب الظهر حيث فتحت السراديب ، فانسابت مياهه إلى أسفل مكة ، بعد أن بلغت المياه إلى باب الكعبة وغطت الحجر الأسود.

٦٢ ـ سيل عام ١١٥٣ : فى هذه السنة حصل بمكة سيل عظيم ملأ المسجد الحرام فوصل إلى باب الكعبة ، واتفق أن كان حصوله يوم الجمعة فلم يحصل للخطيب طريق إلى المنبر فخطب على دكة شيخ الحرم التى فى باب زيادة.

٦٣ ـ سيل عام ١١٥٩ : فى هذا العام حصل مطر غزير أيام منى والحجاج فيها ، وقد جرى على أثره سيل عظيم ذهب بفريق من الحجاج وبحوائج وأشياء لا تحصى ، وكان ذلك آخر الليل وأظلمت الدنيا حتى لم يعد فى طاقة الإنسان أن يرى من بجانبه ، فأصبح الناس نافرين إلى مكة بعد جهد جهيد.

٦٤ ـ سيل أبو قرنين : فى سنة ١٢٠٨ ، جاء سيل عظيم دخل المسجد الحرام وبلغ قفل الباب وهدم دورا كثيرة ويسمى هذا السيل عند أهل مكة سيل أو قرنين.

٦٥ ـ سيل عام ١٢٤٢ : وقعت هذا العام أمطار غزيرة جاء على أثرها السيل فخرب بعض دبول عين زبيدة وشح الماء عن مكة أياما قلائل بسببها.

٦٦ ـ سيل عام ١٢٧٨ : فى سنة ألف ومائتين وثمان وسبعين فى شهر جمادى الأولى لثمان خلون منه ، أتى سيل قبل صلاة الصبح ومعه مطر كأفواه القرب ودام المطر نحو ساعة ثم هجم السيل ودخل المسجد الحرام دفعة واحدة ، وكان دخوله المسجد الحرام قبل صلاة الصبح فامتلأ المسجد الحرام ، وصار يموج كالبحر ، ووصل الماء قناديل الحرم وغمر مقام المالكى ، وطفحت بئر زمزم ، وغرقت الكتب التى بالحرم ، وتعطلت


الجماعة خمسة أوقات ، ولم يصلها إلا ناس جهة باب الزيادة ، وقد أغرق جماعة فى الحرم وخارجه وهدم دورا بأسفل مكة وطاف بعض الناس سباحة فى ذلك اليوم.

يقول أيوب صبرى : أن هذا السيل يشبه سيل عام ١٩٠١ ، من حيث فداحة الخسائر فى النفوس والأموال ، وأن آثار المياه بقيت مدة أسبوع فى المسجد.

٦٧ ـ سيل عام ١٢٩٣ : فى هذا العام وقع مطر بمكة المكرمة جاء على أثر سيل وادى إبراهيم فكان قويا ، ولكنه كان أقل شأنا من سابقه.

٦٨ ـ سيل عام ١٣٢٥ : ذكره إبراهيم رفعت باشا فقال : فى يوم السبت ٢١ ذى الحجة سنة ١٣٢٥ ، نزل مطر شديد وجرى السيل من كل جهات مكة بشكل لم يسبق له نظير وكان السيل أشبه بالبحر الخضم فكان عمقه فى شارع وادى إبراهيم مترين تقريبا ثم دخل المسجد الحرام من أبوابه وكنت ترى الشقادف ورحال الإبل سابحة فى الماء.

٦٩ ـ سيل الخديوى : فى اليوم الثالث والعشرين من شهر ذى الحجة عام ١٣٢٧ ، جاء سيل عظيم ودخل الحرم الشريف ، وامتلأ المسجد بالتراب والماء ، وارتفع إلى ما يوازى قامتين ، وسد دبل عين زبيدة بالأتربة حتى انقطع الماء عن مكة المكرمة.

وقد كان مجىء هذا السيل من أعلاها من جهة سدود القسرى على غير انتظار ، ويسمى الأهلون هذا السيل سيل الخديوى لأن الخديوى عباس حلمى باشا كان حج فى هذا العام.

٧٠ ـ سيل عام ١٣٢٨ : فى اليوم الرابع والعشرين من شهر ذى الحجة عام ١٣٢٨ ، جاء سيل عظيم من وادى رهجان وهجم على وادى نعمان بقوة ودخل فى دبل عين زبيدة ، فهدم عدة من الخرزات القديمة ، ووصل إلى مكة المكرمة بقوة نحو يومين ثم وقف بالكلية بسبب انسداد كثير من الدبول فى عرفة وما بعدها إلى جهة مكة بالتراب.

٧١ ـ سيل عام ١٣٣٠ : فى اليوم الثامن من شهر محرم الحرام من هذا العام جاء سيل عظيم من وادى رهجان ونعمان ودخل فى دبوا عين زبيدة وسدها بالتراب ومنع جريان الماء فانقطع عن مكة مدة إلى أن تم إصلاحها.

٧٢ ـ سيل عام ١٣٣٥ : فى مساء يوم الاثنين الثالث من شهر محرم الحرام عام


١٣٣٥ جادت السماء بأمطار غزيرة يصحبها البرق والرعد ، ثم ما لبثت أن سالت بها بطاح مكة وشعابها ، فدخلت السيول إلى مكة المكرمة بشكل نهر عظيم متدفق الأمواج.

وفى عصارى يوم الثلاثاء من شهر شعبان هذا العام هطلت الأمطار الغزيرة أيضا ثم ما لبثت أن اجتمعت منها السيول الكثيرة فسأل بها وادى إبراهيم ، وارتفعت حتى بلغت أبواب المسجد الحرام ، وطفى الماء حتى دخله وامتلأ به على اتساعه.

٧٣ ـ سيل عام ١٣٤٤ : فى اليوم السادس عشر من شهر ربيع الأول من عام ١٣٤٤ ، وقع مطر غزير فى وادى نعمان دام خمس ساعات عقبة سيول خربت بعض خرزات عين زبيدة ، فانقطعت المياه بسببها مدة ثم عمرت.

٧٤ ـ سيل عام ١٣٥٠ : فى الساعة العاشرة والربع من عصر يوم الأحد ثامن وعشرين من شوال سنة ١٣٥٠ ، جادت السماء بوابل هطال فى مكة المكرمة فكان يتدفق كأفواه القرب ، واستمر نزوله ثلاث ساعات ونصف سال على أثره وادى إبراهيم بسيل عظيم ، وقد دام فى مسيره إلى الساعة الثامنة ليلا وبلغ ارتفاعه فى بعض الأماكن ثلاثة أمتار ودخل المسجد الحرام من أبوابه الشرقية ، وبلغ ارتفاعه فى صحن الكعبة ما يقرب من متر ونصف. وقد أحدث المطر والسيل أضرارا جمة فى الأموال والمنازل والبيوت ، أما فى الأنفس فقد كانت الإصابات لا تتجاوز الأربعة.

* * *


بناء الكعبة (١)

حصلنا مما أوضحه الأزرقى واتفق عيه المؤرخون الآخرون : أن الكعبة بنيت عشر مرات وهى بناية الملائكة ، بناية آدم ، بناية شيت ، بناية إبراهيم وإسماعيل ، بناية العمالقة ، بناية جرهم ، بناية قصى ، بناية قريش ، بناية ابن الزبير ، بناية الحجاج.

قلنا : وقد بنيت للمرة الحادية عشر عام ١٠٣٩ هجرية فى عهد السلطان مراد بن السلطان أحمد ، من سلاطين آل عثمان ، وإلى القارئ تفصيل نبأ هذه البناية : ذكر الأسدى أنه : حصل فى أوائل القرن الحادى عشر تشقق بالجدار الشامى ازداد عام ١٠١٩ ، حيث وقع مطر بمكة ، جاء على أثره السيل ، فدخل المسجد الحرام ، فانهلت مياه الأمطار إلى داخل الكعبة من سطحها ، وأصاب الجدارين الشرقى والغربى وجدران الحجر تصدع ، فأراد السلطان أحمد بن السلطان محمد هدم البيت الشريف ، وجعل هذه الجدران حجارة الكعبة المعظمة ملبسة واحدا بالذهب وواحدا بالفضة ، فمنعه العلماء من ذلك وقالوا له : يمكن حفظ بنطاق يلم هذا التشعث ، فعمل لها نطاقا من النحاس الأصفر مغلفا بالذهب ، ورجى تركيبه فى أواخر عام ١٠٢٠ وأوائل عام ١٠٢١ ، وقد انفق عليه نحو ثمانين ألف دينار.

وفى الساعة الثانية من صباح يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر شعبان عام ١٠٣٩ ، وقع مطر عظيم بمكة المكرمة وضواحيها لم يسبق له مثيل ؛ ونزل معه برد كثير ثم جرى السيل فى وادى إبراهيم فيما بين العصرين ، فجرف ما وجده أمامه من البيوت والدكاكين والأخشاب والأتربة ، ودخل بها بيت الله الحرام. وبقى السيل إلى قريب العشاء ، فبلغ الماء إلى طوق القناديل المعلقة حول المطاف ، ودخل الكعبة المشرفة بارتفاع مترين عن قفل باب الكعبة.

وفى صباح اليوم التالى : فتحت سراديب باب إبراهيم فانسابت المياه منها إلى أسفل مكة. وأحصى من مات فى السيل المذكور فكانوا نحو ألف نسمة.

وفى عصر اليوم المذكور ـ أى يوم الخميس ـ : سقط الجدار الشامى من الكعبة بوجهيه وانجذب معه من الجدار الشرقى إلى حد الباب الشامى ، ولم يبق سواه وعليه قوام الباب ، ومن الجدار الغربى من الوجهين نحو السدس ، ومن هذا الوجه الظاهر فقط

__________________

(١) انظر : (أخبار مكة للأزرقى ، ملحقاته ، ١٠ / ٣٥٥ ـ ٣٧٣).


منه نحو الثلثين ، وبعض السقف ، وهو الموالى للجدار الشامى ، ويقول الغازى : وهذا الذى سقط من الجانب الشامى هو الذى بناه الحجاج بن يوسف الثقفى ، وسقطت أيضا درجة السطح.

وعلى أثر ذلك نزل الشريف مسعود بن إدريس شريف مكة والعلماء والأهلون إلى بيت الله الحرام حيث رفعوا الميزاب ومعاليق الكعبة ووضعوها فى غرفة فى بيت السادن الشيخ جمال الدين بن قاسم الشيبى الحجبى وكانت عشرين قنديلا ، أحدها مرصعة باللؤلؤ والأحجار الكريمة والبقية مموهة بالذهب ، وثلاثة وثلاثين قنديلا من الفضة وغيرها ، ثم أرسلوا هذا النبأ إلى استانبول عن طريق مصر.

وبعد بضعة أيام شرع المهندس على بن شمس الدين يستر حول الكعبة بأخشاب من جذوع النخل ، واستمر العمل بذلك سبعة عشر عاما من ٢٦ رمضان ـ ١٣ شوال ثم ألبست ثوبا باللون الأخضر.

ولما وصل النبأ إلى الخارج أحدث هياجا شديدا ، كما أن موسم الحج كان قد قرب ، فرأى والى مصر محمد باشا الألبانى أن لا ينتظر ورود الأمر السلطانى من الاستانة خوفا من ازدياد التصدع فى الكعبة المشرفة فأرسل رضوان أغا من حاشية البلاط العثمانى ، مندوبا من قبله إلى مكة لمكرمة ، وخوّله صلاحية تامة لاتخاذ التدابير المستعجلة ، فوصلها يوم ٢٦ شوال من السنة المذكورة ، وشرع يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من الشهر المذكور بمهمته ، حيث عقد مجلسا فى بيت الله الحرام للمذاكرة فى تنظيف المسجد ، مما قد تراكم فيه من أطمار السيل ، وكانت الأتربة قد تحجرت من تأثير حرارة الشمس ، فكانت أكثرية الآراء بجانب رضوان أغا بالموافقة على التنظيف ، أما الأقلية ، وعلى رأسها محمد بن على بن علان ، فكانت مخالفة لذلك ، طالبة الانتظار لورود الأمر من السلطان الذى هو ولى الأمر ، ولم تقف مخالفة الأقلية عند هذا الحد ، بل كانت تظهر مخالفتها فى كثير من الأوقات ، أثناء عمارة الكعبة ، فاضطر رضوان أغا مراجعة العلماء واستفتائهم فى المسائل التى يعلن محمد بن على بن علان مخالفته لها مرات عديدة ، وقد ذكر أيوب صبرى باشا هذه الفتاوى وأجوبة العلماء عليها فى كتابه مرآة الحرمين بنصها باللغتين العربية والتركية. وأخيرا تغلب رضوان أغا على رأى مخالفيه وشرع فى العمل ، فأحضر كافة الوسائط النقلية الموجودة فى جدة والمدينة والقنفدة ، ونظف الحرم والشوارع المطيفة به من الطين الذى غشيه ، وكان كالجبال الراسيات ، فكان ينقل ٣٠ ـ ٤٠ ألف حمل يوما ، إلى أن انتهى والعمل يوم الثلاثاء


الموافق ١٩ ذى القعدة ، ثم انصرف رضوان أغا بعد ذلك إلى تصليح ما خربه السيل فى الشوارع والبرك ، والعيون ، ومدرج منى ، فانتهى من ذلك يوم الخميس تاسع ربيع الثانى من عام ألف وأربعين ، وكان وصل خلال هذه المدة آلات ومؤن من مصر لعمل بناء الكعبة ، تحتوى على ما يأتى كما ذكرها ابن علان : (٩٨) سواحى مجوزة ، و (٦٧) سواحى مفردة ، و (٢٤) سوبرا ، (٤٩) زنارا وعشرة قرابا وقاضن ، و (١٢) لوح خشب بكر ودوامس ، ومحمسات ، ومائة عصى شون ، وكورتان كبار بلدى محلول ، و (١٣) حبلا بهروزيا وسحيلا و (٢٠٠) مكتل أعلاف ، و (١٠٠) صرفانية ، وهى المكائل التى تحمل على ظهر الجمال ، و (٢٣) قتبا للجمال ، وسبع أفراد ليف سلب مفتول ، وأربع ربطات قتب ، وخمسة قرمان تركية ، و (٢٥) مسحاة ، و (٨٠) لوجة ، وهى نحاس مدور للبكر ، و (١٣) قفة مسامير ، و (٢٢) قضيب حديد.

والآن نذكر فيما يلى تاريخ عمارة الكعبة المشرفة بالترتيب مقتطفة من يوميات الشيخ محمد بن على بن علان الصديقى من عملاء مكة المذكورة فى كتابه (أنباء المؤيد الجليل مراد ، ببناء بيت الوهاب الجواد) ومن يوميات نقلها أيوب صبرى باشا فى كتابه (مرآة الحرمين) عن المؤرخ التركى (سهيلى) وكلاهما ـ ابن علان وسهيلى ـ كانا شاهدى عيان للبناء المذكور.

فى أوائل شهر ربيع الثانى ، ورد فرمان من السلطان مراد خان إلى عامله بمصر محمد باشا الألبانى ينبئه بانتدابه السيد محمد بن السيد محمود الحسينى الأنقروى المعين حديثا قاضيا للمدينة المنورة ناظرا من قبل جلالته على عمارة بيت الله الحرام ، وأجاز السلطان لوالى مصر بانتخاب شخص آخر من قبله يساعد السيد المذكور ، وأمر بإرسال المؤن والأموال لإنفاقها فى سبيل ذلك.

وقد ثبت والى مصر مندوبه رضوان أغا لمساعدة السيد محمد ، وشحن المؤن والأموال على السنابيك التى أبحرت من مصر بقيادة محمد بيك سويدان تقل السيد محمد مندوب السلطان.

وفى يوم الثلاثاء ٢١ ربيع الثانى : رست السنابيك المذكورة فى ميناء جدة ، وأخرجت أحملها وهى كما ذكر ابن علان : ٥٠٠ لوح دبسى ، و ١٠٠ زنار ، و ١٥ كرك غشم ، و ٣٠٠ لاطة ، و ٤ تراكه ، و ٨٠ سواحى مجوز ، [....](١) شواحى مفردة

__________________

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.


وقرايا واحدة ، ٢٠٠ تمساح رصاص ، و ١٥ قنطار حديد خام ، و ١٠ قناطير مسامير ، و ٨ سحل ليف ، و ١٤٠٠ عصى شون ، و ١٤٠ قتب جمال ، و ٥ قناطير صلب ، و ٣٠٠ طشت وسطل نحاس.

يوم الأربعاء ٢٢ ربيع الثانى : شرع النجارون بإحاطة الكعبة بسياج من الخشب يطيفون به على قدر حاجتهم ، ووضع صفايح من الخشب عليه ما يمنع وصول الناس للعملة.

وفى اليوم التالى وصل مندوب السلطان إلى مكة وباشر العمل بالاشتراك مع رضوان أغا مندوب والى مصر.

يوم الاثنين ٢٧ منه : وقع مطر بمكة فسقط على أثره حجران من الجدار الغربى ، وأحجار صغار أيضا ، وجاء العمال فى هذا اليوم بالأحجار الكبيرة التى اقتطعوها للكعبة الشريفة من جبل الشبيكة قرب الشيخ محمود ، وقد كان طول كل منها نحو ذراع ونصف ، وسمكه نحو ذراع.

يوم الأربعاء ٢٩ منه : جرى الكشف على بناية الكعبة من قبل السيد محمد الناظر ورضوان أغا وشمس الدين عتاقى شيخ الحرم وعلى بن شمس الدين المهندس.

يوم الجمعة غرة جمادى الأول : جمعت أحجار الكعبة المتناثرة فى صحنة الحرم وشرع النحاتون فى نحت الأحجار الجديدة المارة الذكر ، كما سلمت معاليق الكعبة التى كانت وضعت فى بيت السادن إلى رضوان أغا.

يوم السبت ٢ منه : رفعت الأحجار الرخامية التى بالمطاف ووضعت بمكان قريب من باب السد ، وصقل النحاتون أحجار الكعبة الساقطة ، وفى خلال الأيام العشرة التالية أعد العمال الأماكن لوضع النورة وتجهيزها ، ومد السرادقات للحجارين.

يوم الجمعة ١٥ منه ـ ٢٣ منه : قام النجارون فى هذا الأسبوع بإصلاح باب سقاية العباس ونشر الأخشاب ، والحجارون بقطع الأحجار من جبل الشبيكة ، والنحاتون بنحتها وجاءت الأنباء بأن الباخرتين التى سيرهما والى مصر من السويس حاملة بقية مؤون البناء قد غرقتا فى ساحل حسان قرب ينبع.

يوم الأحد ٢٤ ـ ٢٩ منه : وضعت فى هذا الأسبوع ستارة ثانية حول الكعبة بارتفاع ستة أمتار منعا لوصول الناس إلى مكان البناية ، واتخذ طريق يسلك منه إلى


الحجر الأسود ، فكان الطائفون يطوفون بين هذه الستارة وبين الستارة التى وضعت حول المطاف ، وعين لمباشرة البناء على بن شمس الدين المكى مهندس الحكومة ، ومحمد ابن زين المكى المهندس ، وأخوه المعلم عبد الرحمن والمعلم سليما الصحراوى المصرى رئيس النجارين ، ومن البنائين أيضا فاتح عبد السيد الطباطبى المكى ، وسالم القرشى ، والمعلم سليمان بن محمد البجع وابن حاتم ونور الدين ، وهؤلاء الأربعة مصريون ، وقد صنع النجارون أيضا سقالة من الخشب لصعود البنائين عليها إلى جدر الكعبة.

يوم الأحد غرة جمادى الثانية : قلع الحزام الذى كان على أعلى الحجر الأسود وكان الطوق الكبير قد سقط حين سقط الجدر ، ورفع الميزاب ، والصحيفة الذهبية المكتوب عليها باللازورد تاريخ وضع الحزام.

يوم الاثنين ٢ منه : اجتمع فى الحطيم رجال الحكومة والناظر والعلماء ومعهم المهندسون والبناءون حيث أجروا الكشف على الجدر الباقية والسقف ، فأعلن المهندسون أنها مائلة إلى الانهدام وأنه يقتضى تجديد بنائها.

يوم الثلاثاء ٣ منه : رفعت الأخشاب التى كانت وضعت بدل الجدر الساقطة من السيل ورفع أيضا الرخام التى لا تزال قائمة ، أما رخام الأرض فقد كبسوا عليه من الجباب ما يمنع تأثره من الأحجار حال انهدامها.

يوم الأربعاء ٤ منه : نقض العمال سقف الكعبة ونقلوا الرصاص والرخام وخشبة الكسوة إلى سقاية العباس ، وفى اليوم التالى أتموا عملهم هذا.

يوم السبت ٧ ـ ٢٢ منه : هدم العمال خلال هذين الأسبوعين الأحجار الباقية من الأبنية وغيرها.

يوم الأحد ٢٣ منه : شرعوا فى وضع الأحجار فى بناء الكعبة ، فوضعوها على الأساس من بعض الأطراف وعمل البناءون فى الجانب الشامى ، وهذا المدماك غير معدود فى مداميك الكعبة ؛ لأنه وراء الشاذروان والمداميك التى فوقه إلى منتهى سمكها فى بناء الزبير هى خمسة وعشرون ، وقد بنيت كذلك فى هذا البناء.

يوم الاثنين ٢٤ منه : وضعت العتبة السفلى التى بسمت الشاذروان ، وتبين أنه فى أسفل جدار البيت الشرقى دبل صغير فدك فى هذا البناء.

يوم الأربعاء ٢٦ منه : عمل البناة أحجار وجه المدماك الأول المنحوت وذرع سمكه


٢٤ قيراطا بذرع العمل ، ونصبوا تلك الأحجار فى الجدر الأربعة ، وقد اشترك فى البناء ونقل المؤون فى هذا اليوم خاصة وفى الأيام التالية رؤساء الحكومة والعلماء والأعيان وغيرهم.

يوم الأحد ٢٩ منه : شرعوا فى وضع المدماك الثانى وسمكه ٢٢ قيراطا ثم صبوا الرصاص على وجه أسفل الجدار اليمانى ليساوى المتأكل منه باقى الجدار فى سمته.

يوم الاثنين غرة رجب : وضعوا الحجر الذى بطرفه محل استلام الطائفين من الركن اليمانى وكان طرف الحجر الذى بطرفه محل استلام الطائفين من الركن اليمانى وكان طرف الحجر الذى تحته انكسر من أعلاه فوضع فى محل ذلك من الرصاص المذاب ما يساوى به باقى الأحجار سمتا ، ووضعوا حجر الركن الغربى الشامى ، ونصبوا أحجار الجدار الشامى.

يوم الثلاثاء ٢ منه : تم نصب أحجار المدماك الثانى من جوانبه الأربعة ، وشرعوا فى دك ما وراء ذلك.

يوم الأربعاء ٣ منه : حملت النورة والأحجار ، ودك بها الجدار اليمانى ، ووضعوا حجرا فى خد باب الكعبة على يمين الداخل إليها.

يوم الخميس ٤ منه : وضعت عتبة الباب الشريف بمحلها وألبس الصاغة النحاس المعجول غلافا للحجر الأسود فضة.

يوم السبت ٦ منه : عمل البناءون الأحجار على المدماك الثالث وذرع سمك أحجاره ٢٠ قيراطا ، ورسموا باب الكعبة الغربى ، وهو بحذاء الباب الشرقى فى الجدار الغربى.

يوم الأحد ٧ منه : ثم نصب الأحجار المنحوتة فى المدماك الثالث من جميع جوانبه ماعدا محل الحجر الأسود ، وموه الصاغة غلاف الحجر الأسود بالذهب.

يوم الاثنين ٨ منه : انتهى الدك بين الجدار وما فى أصل الكعبة من الرضم وعلى وجهه الرخام المفروش من جانب اليمن ، وشرعوا فى المدماك الرابع ، وذرع سمكه ١٨ قيراطا.

يوم الثلاثاء ٩ منه : احضر ما أعد للحجر الأسود من الغلافات المصفحة بالفضة المموهة بالذهب ، وعددها عشرة لوحات ، ثم جاءوا بصفائح من خشب مسمر بعضها فى بعض فى أعواد من ورائها ، فشدوا بذلك ما كان مفتوحا بحذاء الحجر الأسود


لتقبيله ، وقلع الحجر الذى على الحجر الأسود المطبق على أعلاه والمطيف به طرف من الجانب اليمانى ، فوضعوا أخشابا على طرف جدر الكعبة ، ودحرجوا عليها ذلك الحجر حتى نزل إلى حذاء باب الكعبة فحمله العتالة وأبرزوه ، فلما رفع الحجر الكبير الذى على ظهر الحجر الأسود ، وقصد ابن شمس الدين رفعه من محله ورفع الحجر تحته أخذ عبد الرحمن بن زين البنا وصار يقلع به ما على ظهر الحجر الأسود من فضة وجير ، فقوس به فى وسط الحجر والتكى ، فإذا يقطع وجه الحجر الأسود انقشر ما كان تحتها ، وتفارق ما كان بينها وكادت تسقط ، ولكن القائمون بأمر العمارة أمروا فى الحال برد الحجر الذى تحته بعزقة ، وأن يجعل من فوق الحجر ، حجر يعزقه ويكون عليه مدار العمل ، وقد اشتغل العمال فى إلصاق فلق الحجر بضعة أيام.

يوم الأربعاء ١٠ منه : حدث نتوء فى بعض الأحجار حال وضعها فصار خارجا عن سطح الحجر وفيه بنى البناءون فى المدماك الثالث من الجانب اليمانى والجانب الغربى وأتموا بناء المدماك الثانى بأعلى دكة البيت سوى الحجر المحاذى للحجر الأسود.

يوم الخميس ١١ منه : جاءوا ليلا بحرف لسد ما بين الحجر الأسود والذى فوقه وسمك ذلك نحو أربع أصابع وعليها فضة وأرادوا لحم طرف الفضة بطرف الحجر الأسود ، ولكن العامل المخصص أبى ذلك خوفا من تفكك الأحجار وعدم تمكنه من اعادته فيما بعد ، فتركوا ذلك وأخذوا فى حك الفضة من أطراف الحجر ، واستمر العمل فى هذا اليوم أيضا ، وأخذ البناءون فى بناء الأحجار التى فوق الحجر التى فوق الأسود وبجوانبه ، فأتموا به المداميك الموازية لها ، وشرع قسم من البنائين من الركن الغربى إلى اليمانى فبنوا باقى الجدار ودكوا باطنه. وفى مساء هذا اليوم ثم تمويه الحجر الأسود بصفائح الفضة.

يوم السبت ١٣ منه : شرعوا فى وضع أحجار المدماك الخامس ، وذرع سمكه ١٨ قيراطا ، وعمل النجارون من أعلاها تحت السقف قواعد توضع على العمد.

يوم الاثنين ١٥ منه : شرعوا فى بناء المدماك السادس ، وذرع سمكه ١٨ قيراطا.

يوم الأربعاء ١٧ منه : شرعوا فى بناء المدماك السابع ، وذرع سمكه ١٧ قيراطا.

يوم السبت ٢٠ منه : عمل المبيضون فى بياض قبب سطح المسجد ، وذكر ابن علان أن كل قبة تبيض بثلاثة أرادب من الجص ، وأن جملة ما أنفق فى ثمن الجص فى عمارة الكعبة وتبييض المنابر والقبب فوق أربعة آلاف دينار ، وفى الخشب فوق سبعة آلاف


دينار. وشرع البناءون فى بناء المدماك الثامن ، وذرع سمكه سبعة عشر قيراطا ونصف قيراط.

يوم الاثنين ٢٢ منه : ألصق فى هذا لليوم خدا باب الكعبة المصفح بالفضة ، وهو من عمل السلطان سليمان ، وجاءوا بالباب الشريف الذى كان أولا ، وهو من عمل السلطان بيبرس ، وتصفيحه بالفضة المموهة بالذهب من عمل السلطان سليمان ، وشرع البناءون أيضا فى بناء المدماك التاسع ، وذرع سمكه ١٧ قيراطا.

يوم الثلاثاء ٢٣ منه : ثم وضع الباب ، وردف الباب العليا وقفله.

يوم الأربعاء ٢٤ منه : شرعوا فى المدماك العاشر ، وذرع سمكه ستة عشر قيراطا ونصف قيراط.

يوم الخميس ٢٥ منه : شرعوا فى المدماك الحادى عشر ، وذرع سمكه ثمانية عشر قيراطا.

يوم السبت ٢٧ منه : شرعوا فى المدماك الثانى عشر ، وذرع سمكه ستة عشر قيراطا ؛ ومن هذا المدماك إلى منتهى العمل عادوا إلى الأحجار التى كانت فى الكعبة وتركوا تحت الأحجار بل بنوا بها كما كانت.

يوم الأحد ٢٨ منه : شرعوا فى عمل خشب السقف ونشر صفايحه ، وهو أربع فجوات ، وكل فجوة اثنان وعشرون عودا ، فيكون مجموع أعواده (٨٨) عودا عدد ما كان فيها أولا ، وعلى الأعواد صفايح أخشاب مسمرة عليها من ظهرها.

يوم الاثنين ٢٩ منه : شرعوا فى المدماك الثالث عشر ، وذرع سمكه ستة عشر قيراطا.

يوم الثلاثاء ٣٠ منه : أتموا المدماك الثالث عشر ، ومنه الشروع فى النصف الثانى من مداميك الكعبة.

يوم السبت ٤ شعبان : أتموا خلال الأيام الماضية المداميك الرابع عشر ، وسمكه ١٤ قيراطا ونصف ، والخامس عشر وسمكه (١٤) قيراطا ونصف ؛ والسادس عشر وسمكه (١٥) قيراطا ، وشرعوا فى المدماك السابع عشر وذرع سمكه (١٥) قيراطا.

يوم الثلاثاء ٧ منه : وصلوا إلى المدماك الذى عليه بساتل أخشاب السقف الأول وهى ثلاثة.


يوم الأربعاء ٨ منه : كشف الجباب المفروش على وجه رخامة الكعبة وحفروا مكان الأعمدة ووضع لها قواعد من الحجر الشبيكى (وعلى رواية أيوب صبرى من الحجر الشميسى) عوضا عما نشر من أسفل العمد ، وبقى من مداميك البيت نحو ستة وذرع سمك كل من المدماك الثامن عشر والتاسع عشر (١٥) قيراطا.

يوم الجمعة ١٠ منه : شرع المرخمون فى ترصيص رخام الوزرة من الكعبة.

يوم السبت ١١ منه : شرعوا فى بناء الشاذروان ، وأقاموا واحدا من العمد للكعبة ، وأجلسوه على القاعدة من الحجر وجعلوا على الحجر الذى تحته طوقا من حديد صبوا فيه الرصاص المذاب ليربطوا بينه وبين العمود الخشب.

يوم الأحد ١٢ منه : أقاموا العمودين الثانى فى محلها من الجرد ، وبنوا على المدماك المحيط بها وهو المدماك العشرون وذرع سمكه تسعة قراريط وهو أصغرها ذرعا.

يوم الخميس ١٦ منه : بنى المدماك الحادى والعشرون.

يوم السبت ١٨ منه : بنى المدماك الثانى والعشرون والثالث والعشرون ، وذرع سمك كل من المدماك الحادى والعشرين إلى الرابع والعشرين (١٤) قيراطا.

يوم الثلاثاء ٢١ منه : وضعوا البساتل الثلاثة للسقف الثانى على أعلى الجدار للكعبة ، وبينه وبين السقف تحته نحو ذراع بالعمل ، وبنى المدماك الرابع والعشرون الذى فيه البساتل العليا.

يوم الأربعاء ٢٢ منه : بدأوا بوضع الأهلة النحاس المموهة بالذهب على قبب سطح المسجد وعدتها نحو الثلاثين.

يوم الخميس ٢٣ منه : بدأ النجارون فى عمل المدماك الخامس والعشرين وذرع سمكه (١٣) قيراطا.

يوم السبت ٢٥ منه : بدأ النجارون فى عمل قطع درج السطح للكعبة وهى ست مراق ، تدور دوران درج المنارة.

يوم الأحد ٢٦ منه : دكوا السطح بالآجر.

يوم الثلاثاء ٢٨ منه : بيضوا داخل البيت من تحت سقفه إلى محل الوزرة.

يوم الأربعاء ٢٩ منه : جاء العملة بالميزاب ، وهو من خشب فى ذرع نحو ثلاثة


أذرع ونصف البارز منه مصفح بالفضة المحلاة بالذهب واللازورد مكتوب فيه اسم مهديه السلطان أحمد خان عام ١٠٢٠ مع حزام البيت.

يوم الخميس ٣٠ منه : بيضوا طنف سطح الكعبة الآخر.

يوم الجمعة غرة رمضان : ألبسوا الكعبة كسوتها باحتفال مهيب.

يوم الأحد ٣ منه : اتموا بناء الشاذروان وكان قد تكسر من رخامه عشرة ، فأبدلوها برخام جديد وضعوه فى الجانب الغربى.

يوم الثلاثاء ٥ منه : شرع المرخمون فى نصب رخام الوزرة.

يوم السبت ٩ منه : تم نصب درجة سطح الكعبة.

يوم الأحد ١٠ منه : نظفوا باطن الحجر وجانبه عما كان فيه شرعوا فى بناء جداره ، وابتدأوا فى عمله من الجانب العراقى ، فهدموا منه أربع تركينات إلى الأرض وانكشف تحت الرخام حجر صوان شبيكى ، يقول ابن علان : لعله من أحجار الكعبة التى أخرجت من بناء الزبير لها فى عمل الحجاج ، فإن الأزرقى ذكر أنه دفن ذلك فى جوف الكعبة ، والذى وجد فى باطنها أحجار صغار مرضومة.

يوم الثلاثاء ١٢ منه : عمل البناة فى الحجر وهدم جداره شيئا فشيئا ، وكلما هدموا شيئا بنوا ما وراءه وألقوا ما أخرجوا من جيابه وبعض أحجاره بباطنه مع أحجار الكعبة عند المقام ، وعمل المرخمون أيضا فى ترخيم الوزرة.

يوم الخميس ١٤ منه : تم بناء وجه جدار الحجر.

يوم السبت ١٦ منه : وضعوا أحجار رفرف الحجر بمكانها ، وهى منقورة فيها أسماء من له فى الحجر عمارة من خليفة أو ملك ، وكان الجدار الذى تم بناؤه من عمارة الملك الأشرف قانصوه الغورى فى أوائل القرن العاشر ، وقد فقد منه رخامة فأبدلت برخامة ملساء.

يوم الأحد ١٧ منه : شرع البناءون فى هدم وجه الجدار الباطنى المحاذى للكعبة ، وقد تبين أن رخاما من رخام الطواف تكسر بما سقط عليه من أحجار الكعبة حال سقوطها من السيل.

يوم الاثنين ١٨ منه : شرعوا فى بناء جدار قدر قامة فى أسفل درجة سطح الكعبة ، وتم وجه جدار الحجر الباطنى.


يوم الأربعاء ٢٠ منه : شرع المرخمون فى ترخيم وزرة الجدار الشرقى وعمل الحدادون لدرجة باب سطح بابا.

يوم الخميس ٢١ منه : كحل المهندس ما بين سافات جدار الحجر ، وألصق المعلم محمود الهندى قطع الحجر الأسود.

يوم الجمعة ٢٢ منه : عمل المرخمون فى جوف الكعبة ، وكتب محضر أرسل إلى والى مصر فيه شهادة المكيين بحسن عمارة البيت المعادة.

يوم السبت ٢٣ منه : سدوا الباب الغربى بحجارة شبيكية.

يوم الأحد ٢٤ منه : تم دك الباب الغربى وترخيم الوزرة ، وما بقى إلا ترخيم أرضها ؛ فإن رخامها وإن لم يقلع من محله إلا أنه تأثر فى الجملة ، فشرع فيه المرخمون.

يوم الأربعاء ٢٧ منه : أتم المرخمون عملهم ، وأخرجوا قواعد العمد التحتية ومشاحب العمد القديمة من سقاية العباس ، ودخل بها الكعبة لتعاد لمكانها ثم رؤى استبدالها بجديد منها.

يوم الخميس ٢٨ منه : ارسلوا إلى الأرض ثوب الكعبة بعد أن فكوا منه الحبال المربوطة وأعادوا الصفيحة الذهب التى بأعلى الباب مكتوبا فيها باللازورد قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٦] وتحته ثلاثة أبيات فيها تاريخ عمل الحزام للسلطان أحمد خان وهو عام عشرين وألف وهى :

اللوح ذا لما استرم فجددا

قد بدل السلطان أحمد عسجدا

قيدا له من حديد ذو جدا

الله أنعم بالمجدد وأيدا

ألهمت فى تاريخه لما بدا

اللوح ذا السلطان أحمد جددا

وفيه عمل المرخمون فى سطح جدار الحجر ثم تركوه وعادوا إلى باطن الكعبة.

يوم السبت ٨ شوال : رخموا وجه جدار الحجر ، وشرعوا فى ترميم المتكسر من رخام الطواف بإخراج القطع المتكسرة وإبدالها بسالم من ذلك ، وشرعوا فى صنع أخشاب لإبدال بعض أخشاب رئت فى المقام الإبراهيمى عند بابه ، وعملوا ذلك من خشب الصنوبر.


يوم الأحد ٩ منه : قلع المرخمون المتكسر من الأحجار والمنخسف من باطن الحجر وقربوا القدر ووضعوها عند مقام المالكية ورفعوا باب المقام الإبراهيمى وستروا على محله بستارة وشرعوا فى عملها حالا ، وشرع المنقلون فى تكحيل صفة المطاف وأبواب المسجد ، وعاد فى هذا اليوم المعلم محمود الهندى ، فأصلح فى الحجر الأسود كما فعل فى شهر رمضان.

يوم الاثنين ١٠ منه : وضعت الحديدات بين العمد التى هى محل تعليق قناديل الكعبة وهداياها.

يوم الخميس ١٣ منه : أبدل المرخمون من رخام الحجر ما تكسر منه ، وفيه نقل العملة ما اجتمع مما رث من خشب الكعبة إلى الدكة الموالية لبيت ميزار مخدوم إلى حذاء السليمانية ، وفيه جددوا للعمد مشاحب وقواعد.

يوم الجمعة ١٤ منه : تم دهان الأخشاب التى بين شبابيك المقام الإبراهيمى بالزنجفر وبالأخضر وجلى الذهب المكتوب فيه اسم الآمر بتجديده السلطان مراد الرابع بن سليم خان.

يوم السبت ١٥ منه : أصلح درابزين درجة رئيس المؤذنين وكان سقط نصفها التحتى منذ سنة ، فقلع الباقى وأصلح الجميع وكان العمل الأول للسلطان أحمد.

يوم الأحد ١٦ منه : أصلح أسفل باب الكعبة وأعلاه وسمر ما يحتاج للإصلاح.

يوم الثلاثاء ١٨ منه : أعاد الدهان دهان ما بين شبابيك المقام الإبراهيمى وأتم المنقلون المقام بالحديد المطيف به بالنورة.

يوم الخميس ٢٠ منه : تم فرش جباب الكعبة فى جميع المعد له من الدكة المارة الذكر.

يوم الجمعة ٢١ منه : جلا المرخمون رخام الحجر البيض والسود ودهنوها بالدهان الأسود والسندروس.

يوم الأحد ٢٣ منه : أجرى النجارون إصلاحا بالدرجة التى يصعد منها لباب الكعبة ، وفيه وزنت ثمانية مثاقيل ذهب تصفح بها مشاحب العمد الجديدة.

يوم الأربعاء ٢٦ منه : أصلح المرخمون رخام باب الحجر الشرقى بقلعه وإبدال الخراب بالصالح وقلعوا الرخام المتكسر فى المعجنة.


يوم الأحد غرة ذى القعدة : فتحت الكعبة وصعد المرخمون لجلاء رخام الوزرة وركب النجارون مشاحبها الجديدة على العمد وأخشاب القواعد من تحتها وصفحوها بصفائح الذهب.

يوم الخميس ٤ منه : صعد المرخمون لجلاء رخام سطح الكعبة وإصلاحه ، فإنه من عجلهم فى وضعه وقع بعضه فى غير موضعه ، فاقتلعوا ذلك وعملوه على وجه أتم.

يوم الجمعة ٥ منه : شرع المرخم ينقر فى حجر من رخام الكعبة تاريخا لعمارة الكعبة صاغ الفاظه السيد محمد الأنقروى قاضى المدينة وناظر العمارة هذا نصه : «بسم الله الرحمن الرحيم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. تقرب بتجديد هذا البيت العتيق إلى الله سبحانه وتعالى ، خادم الحرمين الشريفين ، وسائق الحجاج بين البرين والبحرين السلطان بن السلطان ، السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان خلد الله تعالى ملكه وأيد سلطنته فى أواخر شهر رمضان المبارك المنتظم فى سلك شهور سنة أربعين وألف من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل التحية. سنة ١٠٤٠».

يوم الأربعاء ١٠ منه : أتموا قلع رخام السطح وأعادوه على ما ينبغى وأخذوا الأقونة جعلوها تحت جدر طنف السطح لئلا يدخل ماء المطر فيها إلى الخشب تحتها فتعمل فيه الأرضة.

يوم السبت ١٣ منه : عمل المرخمون فى جلاء رخام الشاذروان وجعلوا معها الوزرة التى تحت بيت زمزم بحذاء الكعبة.

وقد تم أمس نقر التاريخ ، فأعطى اليوم الحجر المنقور فيه التاريخ للدهان فحلاه بالذهب وأتم عمله. وقام العمال فى الأيام التالية فى تبيض بعض جهات المسجد ، وفى دفن الحفر التى كانت تلى بعض الأبواب.

يوم الاثنين ٢١ منه : أحضرت معاليق الكعبة ، وكانت كما ذكر فى السابق عشرون قنديلا من الذهب العين ، واحدة منها مصطنعة باللؤلؤ ، وثلاثون قنديلا من الفضة ، فسلمت إلى سادن البيت الشيخ محمد الشيبى بحضرة الجمع وأشهد عليه أنه تسلم ذلك ، ثم دعى بشيخ الوقادين فعلقها فى أماكنها ، وفيه بنى المرخمون الحجر الذى نقر فيه التاريخ قبالة الباب الشرقى.

وفى الأيام التالية غسلوا الكعبة بماء زمزم وبخروها ، وجلا المرخمون من وجه الحجر.


يوم الجمعة ٢٥ منه : جاء ابن شمس الدين والسادن فكحلوا بالنورة ما بين الفضة المصفح بها الخشب فى خدى الباب.

يوم هلال ذى الحجة : أصلحوا الحجر ودهنوه سواد وسندروس.

يوم ٢ ذى الحجة : عملوا محل شعل النار عند الأهلة والأعياد من أعلى مقام الشافعى ، وهو آخر عملهم فى هذا البيت والمسجد الحرام.

وقد تم خلال شهر رمضان وشوال والقعدة إصلاحات جمة فى أبواب الحرم ومقامات الأئمة وغيرها ورد ذكرها أيضا فى اليوميات التى نقلنا عنها هذا.

قال أيوب صبرى : وبعد مضى سنتان على العمارة المارة الذكر نزلت أمطار غزيرة فى مكة المكرمة أثرت على سقف الكعبة ، فصدر أمر السلطان مراد إلى عامله فى مصر أحمد باشا بانتداب شخص يتولى إصلاح السقف ، ومقام إبراهيم ، وتجديد باب الكعبة ، فانتدب الوالى المشار إليه ، رضوان أغا للمرة الثانية للقيام بهذه الخدمة ، فحضر إلى مكة المكرمة ومعه المهندس عبد الرحمن ، وكان وصوله إليها فى أوائل ذى الحجة من عام ١٠٤٤ وبعد النزول من منى شرع فى العمل ، وكان جمع قبل ذلك مجلسا من العلماء تلى عليهم الفرمان السلطانى ، فاعترض ابن علان وحزبه على ذلك وخالفوه ، ثم انصاعوا فيما بعد ووافقوه على القيام بالإصلاحات المذكورة.

وقد تم إصلاح الخراب الحادث فى سطح الكعبة خلال بضعة أسابيع ثم شرع فى تجديد باب الكعبة فى شهر ربيع الأول وانتهى من صنعه فى شهر رمضان المبارك وعمل الصاغة الفضة للباب ووزن ذلك مائة وستة وستون رطلا وطلى بالذهب البندقى مما قدره ألف دينار ، وجعلوا فيه ما فى الأول من الكتابة وكتب عليه «بسم الله الرحمن الرحيم. رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا» الآية وتحتها : «تشرف بتجديد هذا الباب ، من سبقت له العناية من رب الهداية ، مولانا السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان بن عثمان ، عز نصره فى سنة خمس وأربعين وألف».

وتم خلال ذلك بناء المقام الشريف ، وفرش المسجد بالحصباء وسط الكعبة بالرخام الأبيض وأصلحت المماشى.

وبعد أن انتهى رضوان أغا من عمله عاد إلى مصر فاستانبول ومعه درفتى باب الكعبة القديم حيث قد سلمها إلى السلطان مراد.


وقبل أن تختم هذا البحث نذكر فيما يلى أبياتا ذكرها الفاسى فى شفاء الغرام أجمل فيها تاريخ الكعبة لعهده قال :

بنى الكعبة الغراء عشر ذكرتهم

ورتبتهم حسب الذى أخبر الثقه

ملائكة الرحمن آدم ابنه

كذاك خليل الرحمن ثم العمالقة

وجرهم يتولهم قصى قريشهم

كذا ابن الزبير ثم حجاج لا حقه

وذيله بعضهم بقوله :

وخاتمهم من آل عثمان بدرهم

مراد المعالى أسعد الله شارقه

وقال آخر :

ومن بعدهم من آل عثمان قد بنى

مراد حماه الله من كل طارقه

وذكر على الطبرى فى الأرج المسكى أبياتا نظمها فى تاريخ عمارة البيت فقال :

بنى البيت خلق وبيت الاله

مدى الدهر من سابق يكرم

ملائكة آدم ولده

خليل عمالقة جرهم

قصى قريش ونجل الزبير

وحجاج بعدهم يعلم

وسلطاننا الملك المرتضى

مراد هو الماجد المنعم

ادام الأله لنا ملكه

وابقاه خالقنا الأعظم

ونظم محمد بن على بن علان ثلاثة أبيات جمع فيها بناء الكعبة فقال :

بنى الكعبة الأملاك آدم ولده

شيث فإبراهيم ثم العمالقه

وجرهم قصى مع قريش وتلوهم

هو ابن زبير ثم حجاج لا حقه

ومن بعد هذا قد بنى البيت كله

مراد بنى عثمان فشيد رونقه

 * * *


بسم الله الرّحمن الرحيم

ذكر من حج من الخلفاء والملوك إلى بيت الله الحرام

الحمد لله ، وبه المستعان ، على كل ما عزّ وهان ، وصلى الله على نبينا محمد خاتم النبين ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، صلاة باقية إلى يوم الدين.

وبعد ، فأسأل الله مبتهلا إليه ، مادّا يدى له ، أن يتبع أيام المقرّ المخدوم (١) بأخواتها الباقيات الصالحات ، والزيادات الغامرات ، ليكون كل دهر يستقبله ، وأمل يستأنفه ، موفيا على المتقدم له ، قاصرا عن المتأخر عنه ؛ ويؤتيه من العمر أطوله وأبعده ، ومن العيش أعذبه وأرغده ، عزيزا منصورا ، محميّا موفورا ، باسطا يده فلا يقبضها إلا على نواصى أعداء وحساد ، ساميّا طرفه فلا يغضه إلا على لذة غمض ورقاد ، مستريحة ركابه فلا يعمل إلا لاستضافة عزّ وملك ، حائزة قداحه فلا يجلها مال حتى ينال أقصى ما تتوجه إليه أمنية جامحة ، وتسمو إليه همة طامحة.

وقد استفاض أن العزم الشريف قد قوى على الحجّ ، والتحلّى بالعجّ والنجّ ، وجرت العادة ، بألطاف العبيد للسادة ؛ فتأملت حال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا فى مثل هذه الحركة ، فأردت التأسى بهم ، ورأيتنى إن أهديت نفسى فهى فى ملك المقرّ المخدوم ، وإن أهديت مالى فهو منه ، وإن أهديت مودّتى وشكرى فهما خالصين له غير مشتركين ، وكرهت أن أخلى هذا العزم من سنته فأكون من المقصرّين ، أو أدّعى فى ملكى ما يفى بحق المقرّ المخدوم فأكون من الكاذبين ؛ قلت :

إن أهد نفسى فهو مالكها

ولها أصون كرائم الذّخر

أو أهد مالا فهو واهبه

وأنا الحقيق عليه بالشّكر

أو أهد شكرى فهو مرتهن

بجميل فعلك آخر الدّهر

والشّمس تستغنى إذا طلعت

أن تستضىء بطلعة البدر

ولما كان العلم أنفس الذخائر وأعلاها قدرا ، وأعظم المآثر وأبقاها ذكرا ، جمعت برسم الخزانة الشريفة المخدومية ـ عمّرها الله ببقاء مالكها ـ جزءا يحتوى على ذكر

__________________

(١) لم يوضح المقريزى المؤرخ الكبير ـ صاحب هذا النص ـ زمن كتابة هذه الرسالة ، ولذلك لم يتضح لنا من هو المقصود من حكام مصر بكتابة هذه الرسالة ، هدية له.


من حجّ من الخلفاء والملوك ، وسميته : «الذهب المسبوك فى ذكر من حجّ من الخلفاء والملوك» ، تذكرة للخاطر الشريف بما هو منّى أدرى ، وأحق بإفادته وأحرى ، وأنى ـ فيما فعلت وصنعت ـ كمن أهدى القطر إلى البحر ، أو بعث النور إلى القمر ، والأرج إلى الزهر ، بل كالذى أرسل الضياء إلى الشمس ، وروح الحياة إلى النفس ؛ غير أن فى كريم أخلاقه الزكية ، وزاكى أعراقه المرضية ، ما يقبل اليسير ، ويتجاوز عن الخطأ والتقصير. رعى الله المخدوم من حيث لا يرتقب ، وحرسه من حيث لا يحتسب ، وكان له فى سفره خفيرا ، وفى حضره عونا ونصيرا.

* * *

فصل

فى حجة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

افتتحت بها هذا الجزء إذ كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذى بيّن للناس معالم دينهم ، وقال : «خذوا عنّى مناسككم» (١) وقد امتلأت كتب الحديث بذكر حجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأفرد فيها الفقيه الحافظ أبو محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى مصنفا جليلا ، قد اعترض عليه فى مواضع منه ، أجبت عنها فى كتاب «شارع النجاة». وملخص حجة الوداع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل ذو القعدة تجهّز للحج ، وأمر الناس بالجهاز له ، وأذّن فيهم ، فاجتمعوا (٢) ثم صلى الظهر ـ يوم الخميس لست بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة بالمدينة ـ أربعا (٣) ، وخرج منها بمن معه من المسلمين من أهل المدينة ومن تجمّع من الأعراب ، وهم عشرة آلاف ، بعد ما استعمل على المدينة ، أبا دجانة الساعدى ، ويقال : سباع بن عرفطة الغفارى ، فصلى العصر ـ بذى الحليفة ـ ركعتين (٤) ، وبات بها. وأتاه آت (٥) من ربه تعالى فى ذلك الموضع ـ وهو وادى العقيق (٦) ـ وأمره ـ عن

__________________

(١) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى من حديث جابر. انظر : نيل الأوطار ٥ / ٦٥.

(٢) انظر : زاد المعاد ٢ / ١٠٢.

(٣) روى عن أنس بن مالك قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن معه الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين. ورواه أحمد والبخارى ومسلم وأبو داود والنسائى. انظر : البداية ٥ / ١٠١ ، ١٠٢ ، زاد المعاد ٢ / ١٠٦.

(٤) انظر : زاد المعاد ٢ / ١٠٦.

(٥) هو جبريل كما فى الفتح. انظر : البداية والنهاية ٥ / ١٠٦ ، نيل الأوطار ٤ / ٣١٥

(٦) وادى العقيق : هو بقرب العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال ، وروى الزبير بن بكار فى أخبار المدينة : أن تبعا لما انحدر فى مكان عند رجوعه من المدينة. قال : هذا عقيق الأرض فسمى العقيق.


ربه عزوجل ـ أن يقول فى حجته : «هذه حجّة فى عمرة» (١) ومعنى هذا أن الله ـ سبحانه ـ أمره أن يقرن (٢) الحجّ مع العمرة فأصبح ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبر الناس بذلك ؛ وطاف على نسائه يومئذ (٣) بغسل واحد ـ وهن تسع وقيل إحدى عشرة ـ ثم اغتسل وصلى عند المسجد ركعتين ، وأهل بحجّة وعمرة معا.

هذا الذى رواه بلفظه ومعناه عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ستة عشر صحابيا ، منهم : خادمه أنس ابن مالك ـ رضى الله عنه ـ وقد رواه عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ستة عشر تابعيا ، وقد ذكرتهم فى كتاب «شارع النجاة» ، وهذا صريح لا يحتمل التأويل إلا أن يكون بعيدا ، وما عدا ذلك مما جاء من الأحاديث الموهمة التمتّع (٤) ، أو ما يدل على الإفراد (٥) فليس هذا محل ذكرها.

والقران فى الحج هو مذهب إمامنا أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى ـ رحمه‌الله تعالى ـ وقد نصره جماعة من محققى أصحابه ، وهو الذى يحصل به الجمع بين الأحاديث كلها (٦) ومن العلماء من أوجبه وممن قال بأفضليته الإمام أبو حنيفة النعمان

__________________

(١) عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بوادى العقيق يقول : «أتانى الليلة آت من ربى ، فقال : صلى فى هذا الوادى المبارك ، وقل عمرة فى حجة». رواه أحمد والبخارى وابن ماجة وأبو داود ، وفى رواية البخارى : «وقل عمرة وحجة». انظر : زاد المعاد ٢ / ١١٦ ، ١٥٢.

(٢) القران : هو الإهلال بالحج والعمرة معا وهو متفق على جوازه ، أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه.

(٣) أخرجه البخارى ١ / ٣٢٧ ، ومسلم (١١٩٢) (٤٨) من حديث عائشة. انظر : زاد المعاد ٢ / ١٠٦.

(٤) التمتع : هو الاعتمار فى أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج فى تلك السنة ويطلق التمتع فى عرف السلف على القران. قال ابن عبد البر : ومن التمتع ـ أيضا ـ القران ومن التمتع ـ أيضا ـ فسخ الحج إلى العمرة. انتهى. وقد أجاب ابن القيم فى زاد المعاد عن أعذار الذين وهموا فى صفة حجته عن ذلك ، فليراجع ٢ / ١٣١ وما بعدها.

(٥) الإفراد : هو الإهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف فى جوازه. وقد أجاب ابن القيم عن ذلك أيضا فليراجع فى زاد المعاد ٢ / ١٢٧ وما بعدها.

(٦) اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابى الذى رجح أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرد الحج. وكذا قال عياض ، وزاد فقال : وأما إحرامه فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما روايات من روى التمتع فمعناه أنه أمر به ؛ لأنه صرح بقوله : «ولو لا أن معى الهدى لأحللت» فصح أنه لم يتحلل. وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله ؛ لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادى ، وقيل : قل ـ


ابن ثابت ـ رحمه‌الله تعالى ـ وهو رواية عن الإمام أبى عبد الله أحمد بن حنبل الشيبانىرحمه‌الله تعالى.

وساق ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الهدى من ذى الحليفة (١) وأمر من كان معه أن يهلّ كما أهلّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسار ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والناس بين يديه وخلفه وعن يمينه وشماله مما لا يحصون كثرة ، كلهم قدم ليأتّم به ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما قدم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مكة لأربع ليال خلون من ذى الحجة (٢) وطاف للقدوم (٣) ثم سعى بين الصفا والمروة وأمر الذين لم يسوقوا هديا أن يفسخوا

__________________

ـ عمرة فى حجة ، قال الحافظ : وهذا الجمع هو المعتمد ، وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم فى حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبرى تمهيدا بالغا يطول ذكره. ومحصله أن كل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله : إن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الإفراد قد روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حج تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران ، وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منها وأتى بالعمرة ، ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهى جوابات طويلة أكثرها متعسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شىء من مرجحات غيره. منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة ، على من روى الإفراد وغيره ، والزيادة مقبولة إذا خرجت من مخرج صحيح ، فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة ، ومنها أن من روى الإفراد والتمتع اختلف عليه فى ذلك ، لأنهم جميعا روى عنهم أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حج قرانا. ومنها أن روايات القران لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم ، ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم. ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك. ومنها أنه النسك الذى أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه. انظر : نيل الأوطار ٤ / ٣١٠ ، ٣١١ ، زاد المعاد ٢ / ١٣٣ وما بعدها.

(١) انظر : (زاد المعاد ٢ / ١٥٣).

(٢) عن عائشة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها. وفى رواية : دخل عام الفتح من كداء التى بأعلى مكة. متفق عليهما وروى الثانى أبو داود : ودخل فى العمرة من كدى. انظر : (نيل الأوطار ٥ / ٣٧ ، سبل السلام ٢ / ٧٣٦ ، زاد المعاد ٢ / ٢٢٣ ، ٢٢٤).

(٣) انظر : (زاد المعاد ٢ / ٢٢٥).

روى ابن عمر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ، ومشى أربعا ، وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة ، وفى رواية : رمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ، ومشى أربعا. وفى رواية : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا طاف فى الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشى أربعة. متفق عليهن. انظر : (نيل الأوطار ٥ / ٣٧).


حجهم إلى عمرة ، ويتحللوا حلا تاما ، ثم يهلّوا بالحج وقت خروجهم إلى منى ؛ وقال : «ثم لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ، ولجعلتها عمرة» (١) ؛ وهذا دليل ظاهر أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لم يكن متمتعا ـ كما ذهب إليه بعض أصحاب الإمام أحمد وغيرهم.

وقدم على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ من اليمن ، فقال له النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنى سقت الهدى وقرنت» ؛ روى هذا اللفظ أبو داود وغيره من الأئمة بإسناد صحيح ، وهو صريح فى القران.

وقدم مع على ـ رضى الله عنه ـ من اليمن هدايا ، فأشركه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى هديه أيضا ، فكان حاصلهما مائة بدنة (٢) ثم خرج ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى منى (٣) ، فبات بها ، وكانت ليلة الجمعة التاسع من ذى الحجة ؛ ثم أصبح فسار إلى عرفة ، وخطب بنمرة خطبة عظيمة ، شهدها من أصحابه نحو من أربعين ألفا ـ رضى الله عنهم ـ وجمع بين الظهر والعصر ؛ ثم وقف بعرفة فحج على رحل ، وكانت زاملته ، ثم بات بالمزدلفة ، وجمع بين المغرب والعشاء ليلة إذ ، ثم أصبح فصلى الفجر فى أول وقتها ، ثم سار قبل طلوع الشمس إلى منى (٤) ، فرمى جمرة العقبة ، ونحر (٥) وحلق (٦) ، ثم أفاض فطاف بالبيت

__________________

(١) أخرجه البخارى ٣ / ٤٠٢ ، ٤٠٣ من حديث جابر ، وقد جاء عن أنس قال : خرجنا نصرخ بالحج ، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نجعلها عمرة وقال : «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدى ، وقرنت بين الحج والعمرة» رواه أحمد. قال : الشوكانى : وهو متفق على مثل معناه من حديث جابر ، وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواع الحج. انظر : (نيل الأوطار ٤ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، زاد المعاد ٢ / ١٨٤ ، ٢٣٢ ، ٢١٥).

(٢) البدنة : الناقة أو البقرة ، تنحر بمكة قربانا وكانوا يسمنونها لذلك. جمع بدن وبدن. وفى التنزيل العزيز : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ).

(٣) فعن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ، وأخرجه أيضا الترمذى والحاكم ، لأحمد فى رواية : قال : صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنى خمس صلوات. انظر : (نيل الأوطار ٥ / ٥٥). وفى حديث جابر قال : لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. انظر : (نيل الأوطار ٥ / ٥٥ ، سبل السلام ٢ / ٧٢٨).

(٤) انظر : زاد المعاد ٢ / ٢٥٦.

(٥) قال ابن القيم : فنحر ثلاثا وستين بيده ، وكان ينحرها قائمة ، معقولة يدها اليسرى. أخرجه أبو داود (١٧٦٧) من حديث جابر وكان عدد هذا الذى نحره عدد سنين عمره ، ثم أمسك وأمر عليّا أن ينحر ما غبر من المائة. انظر : (زاد المعاد ٢ / ٢٥٩).

(٦) انظر : (زاد المعاد ٢ / ٢٦٨ وما بعدها).


طواف الفرض (١) ـ وهو طواف الزيارة (٢) ـ واختلف أين صلى الظهر يومئذ ، وقد أشكل ذلك على كثير من الحفاظ ؛ ثم حلّ من كل شىء حرم منه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثانى يوم النحر ، ثم خطب خطبة عظيمة أيضا ، ووصّى وحذّر وأنذر ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه بلّغهم الرسالة ؛ فنحن نشهد أنه بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة ، ونصح الأمّة صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. ثم أقبل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منصرفا إلى المدينة وقد أكمل الله له دينه.

* * *

لطيفة

النداء بالحج سنة للمسلمين :

وينادى بديار مصر فى رجب ، وهو قياس ندائه عليه الصلاة والسلام أول ذى القعدة ، لأن مسافة الحج من المدينة عشرة أيام ، فقدّم النداء بثلاثة أمثالها ، ومسافة الحج فى البر من مصر أربعون يوما ، فقدّم النداء بثلاثة أمثالها ؛ فكانت الجملة من أول رجب إلى انقضاء عشر ذى الحجة خمسة أشهر وعشرة أيام ؛ وكذلك بدمشق ؛ وأول من أدار المحمل الملك الظاهر بيبرس البندقدارى (٣) رحمه‌الله تعالى.

فصل

فى ذكر من حج من الخلفاء فى مدة خلافته

أبو بكر الصديق (رضى الله عنه)

اسمه : عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك القرشى التيمى ، خليفة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٤).

بويع له بعد وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بيعة العامة يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول

__________________

(١) هو طواف الإفاضة ، وهو طواف الزيارة ، وهو طواف الصدر. انظر : زاد المعاد ٢ / ٢٧٠.

(٢) ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه وهم يسقون. انظر تفصيل ذلك فى : زاد المعاد ٢ / ٢٧٨ وما بعدها.

(٣) انظر ترجمته فى : (فوات الوفيات ١ / ٨٥ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٩٤ ، ابن إياس ١ / ٩٨ ، ١١٢ ابن الوردى ٢ / ٢٢٤ ، النعيمى ١ / ٣٤٩ ، السلوك ١ / ٦٣٦ ـ ٦٤٦ ، الأعلام ٢ / ٧٩).

(٤) انظر : (تاريخ الخلفاء ص ١٩).


سنة إحدى عشرة من الهجرة ؛ فحج بالناس فى هذه السنة عتاب بن أسيد (١) ، وقيل عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهما.

وحج أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ بالناس سنة اثنتى عشرة ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ، رضى الله تعالى عنه. وقيل : حج بالناس عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ، أو عبد الرحمن بن عوف ، رضى الله عنه. والأول أصح (٢).

وتوفى أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتى عشر يوما ، وقيل غير ذلك.

* * *

عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)

ابن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاخ بن عدىّ بن كعب القرشىّ العدوىّ أبو حفص ، أمير المؤمنين ، رضى الله عنه.

ولى الخلافة بعد أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ بويع له بها باستخلافه له فى جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، واختلف فى اليوم ، كما اختلف فى يوم وفاة أبى بكر ، رضى الله عنه ، وقتل مطعونا بيد أبى لؤلؤة ـ غلام المغيرة بن شعبة (٣) ـ لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين ، فكانت خلافته عشر سنين ونصف ، حج فى جميعها إلا السنة الأولى فقط (٤) ، فإنه حج بالناس فيها عتّاب بن أسيد ؛ وقيل : بل حج عمر بالناس سنيه كلها.

وفى سنة سبع عشرة اعتمر عمر ـ رضى الله عنه ـ وبنى المسجد الحرام ووسّع

__________________

(١) انظر : (الإصابة ترجمة ٥٣٩٣ ، تاريخ الإسلام ١ / ٣٨٠ ، خلاصة الكلام ٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٦ ، اللباب ٢ / ١١٨ ، الأسامى والكنى ـ خ ـ للحاكم الكبير ، الأعلام ٤ / ١٩٩ ، ٢٠٠).

(٢) قال ابن كثير : وفيها ، أى : (سنة اثنتا عشرة) حج بالناس أبو بكر الصديق رضى الله عنه ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان. رواه ابن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرة ، عن رجل من بنى سهم ، قال : حج بنا أبو بكر فى خلافته سنة ثنتى عشرة ، قال ابن إسحاق : وقال بعض الناس : لم يحج أبو بكر فى خلافته ، وأنه بعث على الموسم سنة ثنتى عشرة عمر بن الخطاب ، أو عبد الرحمن بن عوف. انظر : البداية والنهاية ٥ / ٣٥٧ ، الطبرى ٤ / ٢٧.

(٣) انظر : الإصابة ترجمة ٨١٨١ ، أسد الغابة ٤ / ٤٠٦ ، الطبرى ٦ / ١٣١ ، ذيل المذيل ١٥ ، ابن الأثير ٣ / ١٨٢ ، رغبة الآمل ٤ / ٢٠٢ ، والمحبر ١٨٤ ، الأعلام ٧ / ٢٧٧.

(٤) فى الطبرى : إن عمر استعمل على الحج عبد الرحمن بن عوف فى السنة الأولى من خلافته. انظر : تاريخ الطبرى ٤ / ٨٢.


فيه (١) ، وأقام بمكة عشرين ليلة ، وهدم على قوم أبوا أن يبيعوا دورهم ، وعوّضهم أثمانها من بيت المال ، وجدّد أنصاب الحرم على يد مخرمة بن نوفل فى آخرين ؛ واستأذنه أهل المياه فى أن يبنوا منازل بين مكة والمدينة ، فأذن لهم ، وشرط عليهم أن ابن السبيل أحقّ بالظل والماء(٢).

ثم خرج من المدينة عام الرمادة (٣) حاجا أو معتمرا ، فأتى الجار ليرى السفن التى قدمت من مصر فى الخليج الذى احتفره عمرو بن العاص ـ كما ذكرت خبره فى كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (٤)» ـ وقال للناس : «سيروا بنا ننظر إلى السفن التى سيرّها الله تعالى إلينا من أرض فرعون» ؛ وأكل فى سفره هذا ـ وهو محرم لحم ظبى أصابه قوم حلال ، فلما نزل على البحر قال : «اغتسلوا من ماء البحر ، فإنه مبارك».

ثم صك للناس بذلك الطعام صكوكا ، فتبايع التجار الصكوك بينهم قبل أن يقبضوها ، فلقى عمر العلاء بن الأسود ، فقال : «كم ربح حكيم بن حزام؟ (٥)» فقال : «ابتاع من صكوك الجار بمائة ألف درهم ، وربح عليها مائة ألف» ، فلقيه عمر ، فقال : «يا حكيم : كم ربحت؟» ، فأخبره بمثل خبر العلاء ، قال : «فبعته قبل أن تقبضه؟» ، قال: «نعم» ، قال : «فإن هذا بيع لا يصلح ، فاردده» ، قال : «ما علمت أن هذا لا يصلح ، وما أقدر على ردّه» ، قال عمر : «ما بدّ» ، قال : «والله ما اقدر على ذلك ، وقد تفرّق وذهب ، ولكن رأس مالى وربحى صدقة» (٦).

واتفق فى آخر حجّة حجّها عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه لما رمى الجمرة أتاه حجر فوقع على صلعته ، فأدماه ، وثمّ رجل من بنى لهب ، فقال : «أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها» ، ثم جاء إلى الجمرة الثانية ، فصاح رجل : «يا خليفة رسول الله» ، فقال : «لا يحج أمير المؤمنين بعد عامه هذا» ، فقتل عمر ـ رضى الله عنه ـ بعد رجوعه من الحج.

__________________

(١) انظر : (أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٥ ـ ٢٧).

(٢) انظر : (الطبرى ٤ / ٢٠٦).

(٣) انظر : (الطبرى ٤ / ٢٢٢ وما بعدها).

(٤) انظر : (المواعظ والاعتبار ٣ / ٢٩٩ ـ ٢٣٢).

(٥) انظر : (تهذيب التهذيب ٢ / ٤٤٧ الإصابة ٢ / ٣٤٩ ، كشف النقاب ـ خ ، الجمع ١٠٥ ، صفة الصفوة ١ / ٣٠٤ ، ذيل المذيل ١٦ ، شذرات الذهب ١ / ٦٠ ، الأعلام ٢ / ٢٦٩).

(٦) انظر : (فتوح مصر لابن عبد الحكم ١٦٢ ـ ١٦٤ ، المواعظ والاعتبار ٣ / ٢٩٩ ـ ٢٣٢).


لهب مكسورة اللام : قبيلة من قبائل الأزد تعرف بها العيافة والزجر.

عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنّ عمر أذن لأزواج النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يحججن فى آخر حجّة حجها ، قالت : «فلما ارتحل من الحصبة أقبل رجل متلثم ، فقال ، وأنا أسمع : «أين كان منزل أمير المؤمنين؟» ، فقال قائل وأنا أسمع : «هذا كان منزله» ، فأناخ فى منزل عمر ، ثم رفع عقيرته يتغنى :

عليك سلام من أمير وباركت

يد الله فى ذاك الأديم الممزّق

فمن يجر أو يركب جناحى نعامة

ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق

قضيت أمورا ثمّ غادرت بعدها

بوائق فى أكمامها لم تفتّق

قالت عائشة : فقلت لبعض أهلى : «اعلموا لى من هذا الرجل» فذهبوا فلم يجدوا فى مناخه أحدا ؛ قالت عائشة : «فو الله إنى لأحسبه من الجن».

فلما قتل عمر ـ رضى الله عنه ـ نحل الناس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار (١) ، أو لأخيه مزرد (٢). هكذا روى هذا الخبر الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البرّ النمرى ، وذكر محمد بن عمر الواقدى (٣) فى «كتاب الفتوح» هذه الأبيات بزيادة فى عدتها.

وقال أبو عثمان النهدى : «رأيت عمر يرمى الجمرة وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب» ؛ وقال علىّ بن أبى طالب : «رأيت عمر يطوف بالكعبة وعليه إزار فيه إحدى وعشرون رقعة فيها من أدم». (٤)

وعن سعيد بن المسيّب (٥) قال : «حجّ عمر ، فلما كان بضجنان قال : «لا إله إلا الله العظيم المعطى من شاء ما شاء ، كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادى فى مدرعة

__________________

(١) انظر : (الإصابة الترجمة ٣٩١٣ ، الأغانى ٨ / ٩٧ ، خزانة الأدب ١ / ٥٢٦ ، المحبر ٣٨١ ، الجمحى ٣٢ ، ١٠٣ ، ١١٠ ، الكامل ٢ / ٨٢ ، رغبة الآمل ٢ / ٩٤ ، ١٦٢ ، التبريزى ٣ ، ٦٥ ، ٤ / ١٣٣ ، الأعلام ٣ / ١٧٥).

(٢) انظر : (الآمدى ١٩٠ ، المزربانى ٤٢٦ ، رغبة الآمل ٨ / ٢٢٥ ، الجمحى ١١١ ، الإصابة ٧٩٢١ ، خزانة البغدادى ٢ / ١١٧ ، أسد الغابة ٤ / ٣٥١ ، الشعر والشعراء ٢٧٤ ، الأعلام ٧ / ٢١٢).

(٣) محمد بن عمر بن واقد الأسلمى ، الواقدى ، المدنى القاضى ، نزيل بغداد ، متروك مع سعة علمه ، من التاسعة ، مات سنة سبع ومائتين ، وله ثمانى وستون. انظر : تقريب التهذيب ٢ / ١١٧.

(٤) انظر : (الكامل ٣ / ٢٩).

(٥) انظر : (طبقات ابن سعد ٥ / ٨٨ ، الوفيات ١ / ٢٠٦ ، صفة الصفوة ٢ / ٤٤ ، حلية الأولياء ٢ / ١٦١ ، الأعلام ٣ / ١٠٢).


صوف ، وكان فظّا يتبعنى إذا عملت ، ويضربنى إذا قصّرت ، وقد أمسيت وليس بينى وبين الله أحد ، ثم تمثّل :

لا شىء فيما ترى تبقى بشاشته

يبقى الإله ويودى المال والولد

لم تغن عن هرمز يوما خزائنه

والخلد قد حاولت عاد ، فما خلدو

ولا سليمان إذ تجرى الرياح له

والإنس والجن فيما بينها برد

أين الملوك التى كانت نوافلها

من كلّ أوب إليها راكب يفد

حوض هنالك مورود بلا كدر

لا بدّ من ورده يوما كما وردوا (١)

 * * *

عثمان بن عفان رضى الله عنه

ابن أبى العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصىّ القرشى الأموى ، أبو عبد الله ، وأبو عمرو ، وذو النورين أمير المؤمنين رضى الله عنه ، بويع بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين (٢) ، بعد دفن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بثلاثة أيام ، باجتماع الناس عليه.

وقتل بالمدينة يوم الجمعة لثمانى عشرة أو سبع عشرة خلت من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين ، وذلك على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر ـ رضى الله عنه ـ حج فيها كلها إلا السنة الأولى والأخيرة.

وذكر ابن الأثير أنه حجّ بالناس فى السنة الأولى ، وقيل : بل حجّ بالناس عبد الرحمن ابن عوف بأمر عثمان ـ رضى الله عنه ـ.

ولما حج فى سنة تسع وعشرين ضرب فسطاطه بمنى ، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى ، وأتم الصلاة بها وبعرفة ، فكان أول ما تكلم به الناس فى عثمان ظاهرا حين أتم الصلاة بمنى ، فعاب ذلك غير واحد من الصحابة ، وقال له علىّ رضى الله عنه : «ما حدث أمر ، ولا قدم عهد ، ولقد عهدت النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبا بكر وعمر يصلون ركعتين ، وأنت صليت ركعتين صدرا من خلافتك» ، فما درى ما يرجع إليه ، وقال : «رأى رأيته».

وبلغ الخبر عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ، وكان معه ، فجاءه وقال : «ألم تصلّ فى هذا المكان مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبى بكر وعمر ركعتين؟» ، قال : «بلى ، ولكن

__________________

(١) انظر : (تاريخ عمر بن الخطاب من ١٣٤ ، الكامل ٣ / ٣٠).

(٢) انظر : (الكامل ٣ / ٢٦ ، ٢٨).


أخبرت أن بعض من حجّ من اليمن وجفاة الناس قالوا : إن الصلاة للمقيم ركعتان ، واحتجوا بصلاتى ، وقد اتخذت بمكة أهلا ، ولى بالطائف مال» ، فقال عبد الرحمن بن عوف : «ما فى هذا عذر ، أما قولك : اتخذت بها أهلا ، فإن زوجتك بالمدينة تخرج لها إذ شئت ، وإنما تسكن بسكناك ، وأما ما لك بالطائف فبينك وبينه مسيرة ثلاث ليال ، وأما قولك عن حاج اليمن وغيرهم فقد كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ينزل عليه الوحى والإسلام قليل ، ثم أبو بكر وعمر ، فصلوا ركعتين وقد ضرب الإسلام بجرانه» ، فقال عثمان : «هذا رأى رأيته» ، فخرج عبد الرحمن فلقى عبد الله بن مسعود ، فقال : «يا أبا محمد قد غيّر ما تعلم» ، قال : «فما أصنع؟» قال : «اعمل بما ترى وتعلم» ، فقال عبد الرحمن : «قد صليت بأصحابى ركعتين ، وأما الآن فسوف أصلى أربعا» ـ وقيل : كان ذلك سنة ثلاثين.

* * *

ولم يحج أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ فى خلافته ، لاشتغاله بحرب الجمل وصفّين.

* * *

معاوية بن أبى سفيان (١)

واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى ، أبو عبد الرحمن ، أمير المؤمنين ، كان أميرا بالشام نحو عشرين سنة.

وبايع له أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع (٢) ، واجتمع الناس عليه حين بايع له الحسن بن على ـ رضى الله عنهما ـ وجماعة من معه فى ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين ، وقيل سنة أربعين ، فأقام فى الخلافة تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يوما ، وقيل غير ذلك.

وحجّ بالناس عدة سنين أولها سنة أربع وأربعين ، ولم يحج سنة خمس وأربعين ، فحجّ بالناس مروان بن الحكم (٣) ، ثم حجّ معاوية سنة خمسين ، وقيل بل حجّ بالناس ابنه يزيد ،

__________________

(١) انظر : (ابن الأثير ٤ / ٢ ، الطبرى ٦ / ١٨٠ ، منهاج السنة ٢ / ٢٠١ ـ ٢٢٦ ، اليعقوبى ٢ / ١٩٢ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٩١ ، ٢٩٢ ، البدء والتاريخ ٦ / ٥ ، شذور العقود ٦ ، المرزبانى ٣٩٣ ، المسعودى ٢ / ٤٢ ، الأعلام ٧ / ٢٦٢).

(٢) يقصد : وثلاثين.

(٣) انظر : (الإصابة ترجمة ٨٣٢٠ ، أسد الغابة ٤ / ٣٤٨ ، الجمع ٥٠١ ، ابن الأثير ٤ / ٧٤ ، الطبرى ٧ / ٢٤ ، ٨٣ ، البدء والتاريخ ٦ / ١٩ ، السالمى ١ / ١٧٣ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٦ ، الأعلام ٧ / ٢٠٧).


وقيل : حجّ معاوية عدة سنين أكثر من هذه (١).

* * *

عبد الله بن الزبير(٢)

ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ ، القرشى الأسدى ، أبو بكر ـ وقيل أبو بكير ، وأبو خبيب ـ أمير المؤمنين رضى الله عنه (٣).

بويع له بالخلافة سنة أربع ـ وقيل خمس ـ وستين بعد موت معاوية بن أبى سفيان ، وكان قبل ذلك لا يدعى بالخلافة ، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان.

وحجّ بالناس ثمانى حجج ، وقتل ـ رحمه‌الله تعالى ـ على يد الحجاج بن يوسف الثقفى(٤) فى أيام عبد الملك بن مروان بن الحكم (٥) يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى وقيل : جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ، وصلب بعد قتله بمكة.

وبدأ الحجاج بحصاره من أول ليلة من ذى الحجة سنة اثنتين وسبعين وحجّ بالناس الحجاج فى ذلك العام ، ووقف على عرفة وعليه درع ومغفر (٦) ولم يطوفوا بالبيت فى تلك السنة ، فحاصره الحجّاج ستة أشهر وسبعة عشر يوما إلى أن قتل.

ولما غزاه أهل الشام فى أيام يزيد بن معاوية احترقت الكعبة فى سنة أربع وستين ، فتركها ابن الزبير ليشنّع بذلك على أهل الشام ، فلما مات يزيد ، واستقرّ الأمر له ،

__________________

(١) انظر : (تاريخ الخلفاء ص ٢١٩).

(٢) انظر : (ابن الأثير ٤ / ١٣٥ ، فوات الوفيات ١ / ٢١٠ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٠١ ، حلية الأولياء ١ / ٣٢٩ ، اليعقوبى ٣ / ٢ ، صفة الصفوة ١ / ٣٢٢ ، الطبرى ٧ / ٢٠٢ ، تهذيب ابن عساكر ٧ / ٢٩٦ ، شذور العقود ٦ ، جمهرة الأنساب ١١٣ ، ١١٤ ، تاريخ الخلفاء ، ٢٣٧ وما بعدها).

(٣) انظر : (تاريخ الخلفاء ٢٣٧).

(٤) انظر : (معجم البلدان ٨ / ٣٨٢ ، وفيات الأعيان ١٢٣ ، المسعودى ٢ / ١٠٣ ـ ١١٩ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢١٠ ، تهذيب ابن عساكر ٤ / ٤٨ ، ابن الأثير ٤ / ٢٢٢ ، البدء والتاريخ ٦ / ٢٨.

الأعلام ٢ / ١٩٨).

(٥) انظر : (ابن الأثير ٢ / ١٩٨ ، الطبرى ٨ / ٥٦ ، اليعقوبى ٣ / ١٤ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٥ ، المحبر ٣٧٧ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٨ ، ٣١١ ، المسعودى ٢ / ٨٦ ـ ١٠٣ ، تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٨ ، فوات الوفيات ٢ / ١٤ ، الأعلاق النفيسة ١٩٢ ، الأعلام ٤ / ١٦٥).

(٦) المغفر : زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة ، وقيل هو البيطة.


هدمها إلى الأرض ، وبناها على قواعد إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وأدخل فيها الحجر ، وجعل لها بابين (١).

فلما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير هدم بناء ابن الزبير من الكعبة فى سنة أربع وسبعين ، وجعلها على ما هى عليه الآن ـ كما قد ذكرت ذلك فى كتاب «الإشارة والإعلام ببناء الكعبة البيت الحرام» ذكرا شافيا.

* * *

عبد الملك بن مروان

ابن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى. قام بدمشق بعد موت أبيه فى شهر رمضان سنة خمس وستين ، وبمكة عبد الله بن الزبير يدعى له بالخلافة ، وعلى العراق المختار بن أبى عبيد الثقفى (٢) يدعو لمحمد بن الحنفيّة (٣) ، والأرض تستعر حربا منذ قتل الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهما ـ فساعدت الأقدار عبد الملك بن مروان وقتل جميع من خالفه ، وأقام فى الخلافة بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر إلا سبع ليال ـ كما قد ذكرت ترجمته وترجمة أبيه فى التاريخ الكبير لمصر ـ فإنهما دخلاها.

وحجّ عبد الملك فى خلافته سنتين ، إحدهما سنة خمس وسبعين فهمّ شبيب بن يزيد(٤) ـ أحد الخوارج ـ أن يفتك به ، فبلغه ذلك فاحترس وكتب إلى الحجاج بن يوسف ـ بعد انصرافه ـ يأمره بطلب صالح بن مسرّح (٥) وغيره من الخوارج ، فكان من أخبارهم ما قد ذكر فى موضعه.

__________________

(١) انظر : (تاريخ مكة ٢ / ٤٥ ، ٥٧ ، تاريخ الإسلام ٢ / ٣٦٥ ، ٣٧١).

(٢) انظر : (الإصابة ترجمة ٨٥٤٧ ، الفرق بين الفرق ٣١ ـ ٣٧ ، ابن الأثير ٤ / ٨٢ ـ ١٠٨ ، الطبرى ٧ / ١٤٦ ، الحور العين ١٨٢ ، ثمار القلوب ٧٠ ، فرق الشيعة ٢٣ ، المزربانى ٤٠٨ ، الأخبار الطوال ٨٢ ـ ٣٠٠ ، الذريعة ١ / ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، الغدير ٢ / ٣٤٢ ، ٣٤٥ ، الأعلام ٧ / ١٩٢).

(٣) انظر : (طبقات ابن سعد ٥ / ٦٦ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٤٩ ، صفة الصفوة ٢ / ٤٢ ، حلية الأولياء ٣ / ١٧٤ ، البدء والتاريخ ٥ / ٧٥ ، نزهة الجليس ٢ / ٢٥٤ ، الأعلام ٦ / ٢٧٠).

(٤) انظر : (وفيات الأعيان ١ / ٢٢٣ ، البيان والتبين ١ / ٧٤ ، المقريزى ١ / ٣٥٥ ، جمهرة الأنساب ٣٠٧ ، ابن الأثير ٤ / ١٥١ ، ١٦٧ ، الطبرى ٧ / ٢٥٥ ، وما قبلها ، اليعقوبى ٣ / ١٩ ، البدية والنهاية ٩ / ٢٠ ، المعارف ١٨٠ ، الأعلام ٣ / ١٥٧).

(٥) انظر : (ابن الأثير ٤ / ١٥٢ ، الطبرى ٧ / ٢١٧ ، الأعلام ٣ / ١٩٧).


وخطب عبد الملك الناس بالمدينة النبوية ، فقال ، بعد حمد الله والثناء عليه : «أما بعد ، فإنى لست بالخليفة المستضعف ـ يعنى عثمان بن عفّان ـ ولا بالخليفة المداهن ـ يعنى معاوية ـ ولا بالخليفة المأفون ـ يعنى يزيد بن معاوية ـ ألا وإنى لا أدواى هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم ، وإنكم تكلفونا أعمال المهاجرين الأولين ، ولا تعملون مثل أعمالهم ، وأنكم تأمروننا بتقوى الله وتنسون ذلك من أنفسكم ، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه». ثم نزل.

* * *

الوليد بن عبد الملك بن مروان (١)

بويع بعد موت أبيه بعهده إليه ، النصف من شوّال سنة ست وثمانين ، وكانت خلافته تسع سنين وسبعة أشهر.

وعمّر مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سنة ثمان ، وكان على يد عمر بن عبد العزيز ـ وهو على المدينة ـ فكتب إليه فى ربيع الأول يأمره بإدخال حجر أزواج النبى فى مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأن يشترى ما فى نواحيه حتى يكون مائتى ذراع فى مثلها ، وأن يقدّم القبلة ، فقوّم عمر الأملاك قيمة عدل ، وأعطى الناس أثمانها ، وهدم بيوت أزواج النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبنى المسجد ، وأتته الفعلة من الشام.

وبعث الوليد بما عزم عليه إلى ملك الروم ، فبعث إليه مائة ألف مثقال ذهبا ، ومائة عامل ، وأربعين حملا من الفسيفساء ، فحمل الوليد ذلك إلى عمر بن عبد العزيز (٢) ، فحضر عمر ومعه الناس فوضعوا أساس المسجد ، وابتدأوا بعمارته ، وكتب أيضا إلى عمر أن يسهل الثنايا ، ويحفر الآبار ، ويصل الفوارة بالمدينة ، فعملها وأجرى ماءها ، ولما حج الوليد ورآها أعجبته ، فأمر لها بقوّام يقومون عليها ، وأمر أهل المسجد أن يسقفوا منها ، وكتب إلى جميع البلاد بإصلاح الطرق وعمل الآبار بطريق الحجاز ، ومنع المجذومين من الخروج على الناس ، وأجرى لهم الأزراق.

__________________

(١) انظر ترجمته فى : (تاريخ الخلفاء ٢١٥ وما بعدها).

(٢) انظر ترجمته فى : (فوات الوفيات ٢ / ١٠٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٧٥ ، المحبر ٢٧ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٠٣ ، ٣٥٣ ، ابن الأثير ٥ / ٢٢ ، اليعقوبى ٣ / ٤٤ ، صفة الصفوة ٢ / ٦٣ ، ابن خلدون ٣ / ٧٦ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣١ ، الطبرى ٨ / ١٣٧ ، الأغانى ٢٥٧٩ ، ، المسعودى ٢ / ١٣١ ، ١٣٧ ، النجوم الزاهرة ١ / ٢٤٦ ، الجرح والتعديل ٣ / ١٢٢ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٩ ، شذرات الذهب ١ / ١١٩ الأعلام ٥ / ٥٠).


وكان حجه فى سنة إحدى وتسعين ، فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه ، وأخرج الناس منه ، ولم يبق غير سعيد بن المسيب ، فلم يجسر أحد من الحرس يخرجه، فقيل له : «لو قمت» ، فقال : «لا أقوم حتى يأتى الوقت الذى كنت أقوم فيه» ، فقيل: «لو سلّمت على أمير المؤمنين» ، قال عمر بن عبد العزيز : «فجلست أعدل بالوليد فى ناحية المسجد لئلا يراه» ، فالتفت الوليد إلى القبلة فقال : «من ذلك الشيخ ، أهو سعيد؟» ، قال عمر : «نعم ، ومن حاله كذا وكذا ، ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك ، هو ضعيف البصر» ، فقال الوليد : «قد علمت حاله ، ونحن نأتيه ، فدار فى المسجد ثم أتاه ، فقال : «كيف أنت أيها الشيخ؟» ، فو الله ما تحرك سعيد بل قال : «بخير والحمد لله ، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟» ، فانصرف الوليد وهو يقول لعمر : «هذا بقية الناس». وقسم الوليد بالمدينة أموالا كثيرة وصلّى بها الجمعة ، فخطب الناس الخطبة الأولى جالسا ، ثم قام فخطب الثانية قائما ، فقال رجل لرجاء بن حيوة (١) : «أهكذا يصنعون؟» ، قال : «نعم وهكذا صنع معاوية ، وهلم جرّا» ، فقيل له : «ألا تكلمه؟» ، فقال : «أخبرنى قبيصة بن ذؤيب (٢) أنه كلّم عبد الملك بن مروان فى القعود فلم يتركه وقال : هكذا خطب عثمان» ، قال : فقلت : «والله ما خطب عثمان إلا قائما» ، قال رجاء : «روى لهم شىء فأخذوا به».

* * *

سليمان بن عبد الله بن مروان (٣)

بويع بعد موت أخيه الوليد فى نصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وهو بالرملة ، فأقام بالخلافة سنتين وثمانية أشهر وخمسة أيام.

وحج بالناس سنة سبع وتسعين ، وكتب إلى خالد بن عبد الله القسرى (٤) ـ وهو على مكة ـ «أن أجر لى عينا يخرج من مائها العذب الزلال ، حتى تخرج من بين زمزم والمقام ، فعمل خالد بركة بأصل ثبير من حجارة ، وأحكمها وأنبط ماءها وشق لها فلجا

__________________

(١) انظر : (تذكرة الحفاظ ١ / ١١١ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٦٥ ، حلية الأولياء ٥ / ١٧٠ ، ابن خلدون ٣ / ٧١ ، ابن خلكان ١ / ١٨٧ ، الأعلام ٣ / ١٧).

(٢) انظر : (تهذيب الأسماء ٢ / ٥٦ ، الأعلام ٥ / ١٨٩).

(٣) انظر : (ابن الأثير ٥ / ١٤ ، الطبرى ٨ / ١٢٦ ، ابن شاكر ١ / ١٧٧ ، اليعقوبى ٣ / ٣٦ ، ابن خلدون ٣ / ٧٤ ، المسعودى ٢ / ١٢٧ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، الأعلام ٣ / ١٣٠).

(٤) انظر : (الأغانى ١٩ / ٥٣ ـ ٦٤ ، تهذيب ابن عساكر ٥ / ٦٧ ـ ٨٠ ، الوفيات ١ / ١٦٩ ، ابن خلدون ٣ / ١٠٥ ، ابن الأثير ٤ / ٢٠٥ ، ٥ / ١٠١ ، الأعلام ٢ / ٢٩٧).


يكسب فيها من شعب فى الجبل ، ثم شقّ من البركة عينا تخرج إلى المسجد الحرام ، تجرى فى قصب من رصاص ، حتى أظهره من فوّارة تسكب فى فسقيّة من رخام بين زمزم والمقام ، فلما جرت وظهر ماؤها أمر القسرىّ بجزور فنحرت بمكة ، وقسّمت بين الناس ، وعمل طعاما دعى إليه الناس ، ثم أمر صائحا فصاح : «الصلاة جامعة» ، وأمر بالمنبر فوضع فى وجه الكعبة ، ثم صعد فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «أيها الناس : احمدوا الله ، وادعوا لأمير المؤمنين الذى سقاكم الماء العذب الزلال النقاخ».

فكانت تفرغ تلك الفسقية فى سرب من رصاص يخرج إلى موضع وضوء كان عند باب الصفا ، وفى بركة كانت فى السوق ، وكان الناس لا يقفون على تلك الفسقيّة ، ولا يكاد أحد يقربها ، وكانوا على شرب ماء زمزم أحرص ، وفيه أرغب ، فصعد خالد المنبر ، وأنّب الناس وأقذع فى كلامه.

فلم تزل البركة حتى هدمها داود بن على بن عبد الله بن عباس (١) فى خلافة أبى العباس السفّاح وصرف العين إلى بركة بباب المسجد ، وبقى السرب من الرصاص حتى قدم بشر الخادم من بغداد إلى مكة فى سنة ست وخمسين ومائتين فعمل القبة بجانب الشراب ، وأخرج قصب خالد فجعلها فى سرب الفوّارة التى يخرج منها الماء إلى حياض زمزم ، فتصب فى هذه البركة.

* * *

هشام بن عبد الملك بن مروان

استخلف بعد موت أخيه يزيد بن عبد الملك لليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة، فقام فى الخلافة تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وأحد وعشرين يوما ، وقيل ثمانية أشهر ونصف.

وحجّ فيها مرة واحدة سنة ست ومائة ، وكتب له أبو الزناد (٢) سنن الحج ، قال أبو الزناد : «لقيت هشاما ، فإنى لفى الموكب إذ لقيه سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان ، فسار إلى جنبه ، فسمعته يقول له : يا أمير المؤمنين ، إن الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين ، وينصر خليفته المظلوم ، ولم يزالوا يلعنون فى هذه المواطن أبا تراب ، فإنها مواطن صالحة ، وأمير المؤمنين ينبغى له أن يلعنه فيها ؛ فشق على هشام قوله ، وقال : ما

__________________

(١) انظر : (تهذيب ابن عساكر ٥ / ٢٠٣ ، المحبر ٢٣ ، ميزان الاعتدال ١ / ٣٢١ ، الطبرى ٩ / ١٤٧ ، الأعلام ١ / ٢٣٣).

(٢) انظر : (تذكرة الحفاظ ١ / ١٢٦ ، تهذيب ابن عساكر ٧ / ٣٨٢ ، الأعلام ٤ / ٨٥ ، ٨٦).


قدمنا لشتم أحد ولا للعنه ، قدمنا حجاجا ؛ ثم قطع كلامه ، وأقبل علىّ فسألنى عن الحج ، فأخبرته بما كتبت له» ، قال : «وشق على سعيد أنى سمعته تكلم بذلك ، فكان منكسرا كلما رآنى».

وكلم إبراهيم بن محمد بن طلحة هشاما وهو فى الحجر بمكة ، فقال له : «أسألك بالله وبحرمة هذا البيت الذى خرجت معظما له إلا رددت علىّ ظلامتى؟» ؛ قال : «أى ظلامة؟» ، قال : «دارى» قال : «فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك؟» ، قال: «ظلمنى» ، قال : فالوليد وسليمان؟» ، قال : «ظلمانى» ، قال : «فعمر؟» ، قال: «يرحمه‌الله ، ردها علىّ» ، قال : «فيزيد بن عبد الملك؟» ، قال : «ظلمنى وقبضها منى بعد قبضى لها ، وهى فى يدك» ، قال هشام : «لو كان فيك ضرب لضربتك» ، فقال : «فىّ والله ضرب بالسيف والسوط» ؛ فانصرف هشام ، وقال لمن معه : «كيف سمعت هذا اللسان؟» ، قال : «ما أجوده!» ، قال : «هى قريش وألسنتها ، ولا يزال فى الناس بقايا ، ما رأيت مثل هذا».

ولم يحج بعد هشام أحد من بنى أمية وهو خليفة. والله المعين الهادى إلى طريق الرشاد.

* * *

ثم كانت دولة بنى العباس

وأول من حج منهم وهو خليفة :

أبو جعفر المنصور (١)

واسمه : عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، أمير المؤمنين العباسى الهاشمى ، بويع له بعد موت أخيه أبى العباس السفاح عبد الله ـ وهو بطريق مكة ـ سنة ست وثلاثين ومائة ، فقدم الكوفة.

ثم حج فى سنة أربعين ومائة ، فأحرم من الحيرة ، ولما قضى حجه توجه إلى بيت المقدس ، وسار منها إلى الرقة ، ومضى إلى هاشمية الكوفة.

وحج ثانيا سنة أربع وأربعين ومائة ؛ فلما حج بالناس ورجع لم يدخل المدينة ، ومضى إلى الربذة ، وأحضر بنى حسن بن على إليه فى القيود والأغلال ، فسار بهم إلى الكوفة ، وعتى عتوا كبيرا فى ظلمهم.

__________________

(١) انظر : (ابن الأثير ٥ ، ١٧٢ ، ٦ / ٦ ، الطبرى ٩ / ٢٩٢ ـ ٣٢٢ ، البدء والتاريخ ٦ / ٩٠ ، اليعقوبى ٣ / ١٠٠ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٢٤ ، ٣٢٩ المسعودى ٢ / ١٨٠ ـ ١٦٤ ، تاريخ بغداد ١٠ ، ٢٣ ، ابن الساعى ١١ ـ ٢٣ ، فوات الوفيات ١ / ٢٣٢).


ثم حج بالناس فى سنة سبع وأربعين ومائة. وحج رابعا فى سنة ثمان وأربعين ومائة. وحج خامسا سنة اثنتين وخمسين. وسار فى سنة أربع وخمسين إلى الشام وبيت المقدس. ثم سار فى سنة ثمان وخمسين ومائة من بغداد إلى الكوفة ؛ ليحج ، واستخلف ابنه المهدى (١) ، ووصاه وصية بليغة جّا ، لو لا طولها لذكرتها ، وودعه وبكى ، وأعلمه أنه ميت فى سفره هذا ، ثم سار إلى الكوفة ، وجمع بين الحج والعمرة ، وساق الهدى وأشعره وقلده لأيام خلت من ذى القعدة ، فعرض له ـ وهو سائر ـ وجع اشتد به حتى مات فى بئر ميمون خارج مكة لست خلون من ذى الحجة ؛ فكتم الربيع الحاجب موته حتى بايع المهدى. فكانت خلافة أبى جعفر اثنتين وعشرين سنة تنقص أياما قد اختلف فى عدتها.

واتفق أنه لما نزل آخر منزل بطريق مكة نظر فى صدر البيت فإذا فيه بعد البسملة :

أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت

سنوك وأمر الله لابد واقع

أبا جعفر هل كاهن أو منجم

لك اليوم من حر المنيّة مانع

فأحضر متولى المنازل ، وقال له : «ألم آمرك الله أن لا يدخل المنازل أحد من الناس» ، وكانت الخلفاء يبنى لهم فى كل منزلة ينزلونها بطريق مكة دار ، ويعد لهم فيها سائر ما بحتاج إليه من الستور والفرش والأوانى وغير ذلك فقال : «والله ما دخله أحد منذ فرغ» ، فقال : «اقرأ ما فى صدر البيت» ، فقال : «ما أرى شيئا» ؛ فأحضر غيره ، فلم ير شيئا ، فقال : «يا ربيع ، قف بينى بين الحائط» ، فقام الربيع بينه وبين الجدار ، فرأى البيتين كما كان يراهما قبل وقوف الربيع ، فعلم أنه قد نعيت إليه نفسه ؛ فقال : «يا ربيع ، اقرأ آية من كتاب الله» ، فقرأ : «وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون» فأمر به فضرب ورحل من المنزل ، وتطير ، فسقط عن دابته فاندق ـ عنقه ـ وقيل : بل مات من مرضه ، ودفن ببئر ميمون.

ومن بديع ما يحكى عنه : أنه لما حج وأشرف على المدينة النبوية ترجّل الناس له لما استقبلوه ، إلا محمد بن عمران ـ قاضى المدينة ـ فقال المنصور : «يا ربيع ، ما له لا يترجل لى؟ يتجالد علىّ ويمتنع مما فعله بنو عبد المطلب وبنو على ، فلم ينزل إلى الأرض لما بصر بى؟» ، فقال الربيع : «يا أمير المؤمنين ، لو رأيته على الأرض لرحمته ورثيت له من ثقله وعظمه» ، فأمره بالدنو منه ، فدنا منه راكبا عند تمهيد الربيع له العذر ، فسأله عن حاله ، ثم قال : «يا ابن عمران ، أيما رجل أنت؟ لو لا خصال فيك ثلاث كنت أنت الرجل ،

__________________

(١) انظر : (تاريخ الخلفاء ٣١٣ وما بعدها).


فقال : «وما هن يا أمير المؤمنين؟» قال : «قعودك عن الصلاة فى مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى جماعة ، فتصلى وحدك ، والثانية أنك لا تكلم أحدا فى الطريق تيها وعظمة ، والثالثة أنك رجل بخيل فيك ضيق شديد».

فقال : «يا أمير المؤمنين : أما الأولى فإنى أكره أن أصلى بصلاة الإمام ، فما يدخل من فسادها أعظم عندى من تركى إياها لشغل ، وإنى لا أدرك معهم ركوعا ولا سجودا ، فأرى أن أصلى وحدى أفضل ، وأما الثانية : «فإنى قاض ، ولا يجوز أن أعطى من نفسى التسليم عليهم والابتذال لنفسى ، فيكون فى ذلك مفسدة للخصوم ، وأما الثانية : فإنى لا أجمد ولا أذرب فى باطل».

قال : «خرجت منهن يا بن عمران؟! يا ربيع : ادفع إليه ثلاثة آلاف درهم».

قال : «يا أمير المؤمنين : بالباب مستعدون عليك يذكرون أن فى يدك حقا من دار كذا» ، قال : «فأنصفهم منى» ، قال : «وكّل وكيلا يقوم مقامك ، أو أحضر معهم مجلس القضاء» ، قال : «قد وكّلت الربيع» ، قال : «أشهد على وكالتك إياه عيسى بن على ، والعباس بن محمد (١) ففعل ، ثم أخرج حدود الدار التى ينازعون فيها ، ودعا بالربيع وخصمائه ، وأحضر شهادته على الوكالة وأنفذها ، ثم سأل القوم عن دعواهم وشهودهم ، ثم قضى لهم عليه.

واستعدى أيضا الجمّالون على المنصور بالمدينة ، فقال القاضى محمد بن عمران للشبلى : «اكتب إليه فى ذلك» ، فأبى عليه ، وقال : «تعفينى» ، فقال : «لتكتبن» ، فكتب ، فلما استتم الكتاب وختمه ، قال له : «لا يمضى به سواك» ، فمضى ، ووافى إلى باب المنصور ، وسلم الكتاب إلى الربيع ، فأوصله إلى المنصور ، فقرأه.

وعاد الشبلى إلى محمد بن عمران ، فعرّفه أنه سلّم ما كتب إلى الربيع ، فأوصله ، فقرأه المنصور وأجاب إلى الحضور.

ثم خرج المنصور مؤتزرا ببردة ، مرنديا بأخرى ، ومشى إلى أن قارب مجلس محمد بن عمران ، ووقعت عينه عليه ـ والربيع بين يديه ـ فقال له : «يا ربيع ، نفيت عن العباس ، لئن تحرك محمد بن عمران عن مجلسه هيبة لى ، ولا ولى ولاية أبدا» ، ثم صار إلى محمد ابن عمران ، فلما رأى المنصور وكان أطلق ردائه على عاتقه ، ثم احتبى ، ودعى بالخصوم فحكم لهم عليه ، وأمره بإنصافهم.

__________________

(١) انظر : (تاريخ بغداد ١ / ٩٥ ، ١٢ ، ١٢٤ ، تهذيب ابن عساكر ٧ / ٢٠٣ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٢٠ ، الأعلام ٣ / ٢٦٤ ، ٢٦٥).


وانصرف أبو جعفر ، وأمر الربيع بإحضار محمد بن عمران ، فلما دخل عليه قال له : «يا بن عمران : جزاك الله عن دينك ، وعن نبيك ، وعن هيبتك ، وعن خليفتك أحسن الجزاء» ، وأمر له بعشرة آلاف درهم.

* * *

المهدى أبو عبد الله محمد

ابن أبى جعفر عبد الله بن محمد المنصور ، أمير المؤمنين ، ولى بعد وفاة أبيه ، بعهد إليه ، فقام فى الخلافة عشر سنين وتسعة وأربعين يوما.

وحجّ فى سنة ستين ومائة ، واستخلف ببغداد ابنه موسى ومعه خاله يزيد بن منصور ، وحجّ معه ابنه هارون بن محمد (١) فى جماعة من أهله.

فلما قدم مكة نزع الكسوة عن الكعبة عند ما رفع إليه سدنة البيت أنهم يخافون على الكعبة أن تنهدم لكثرة ما عليها من الكسوة ، فوجد كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين ، وكانت الكسوة لا تنزع من الكعبة فى كل سنة كما هو العمل الآن ، بل تلبس كل سنة كسوة فوق تلك الكسوة ، فلما تكاثر العهد ذلك خافت السّدنة على الأركان أن تنهدم لثقل ما صار عليها من الكسوة. وكانت كسوة الكعبة تعمل من الديباج المذهب.

وأنفق المهدى فى هذه الحجة مالا عظيما قدم به معه من العراق ، يبلغ ثلاثين ألف ألف درهم ، سوى ما وصل إليه من مصر ، وهو مبلغ ثلاثمائة ألف دينار عينا ، ومن اليمن مبلغ مائتى ألف دينار عينا ، فرّق ذلك كله ، ومعه مائة ألف وخمسون ألف ثوب.

ووسّع مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذ خمسمائة من الأنصار جعلهم حرسا له ، وأقطعهم بالعراق الإقطاعات ، وأجرى عليهم الأرزاق.

وحمل محمد بن سليمان (٢) الثلج إلى مكة ، وهو أول خليفة حمل إليه الثلج إلى مكة.

__________________

(١) انظر : (البداية والنهاية ١٠ / ٢١٣ ، اليعقوبى ٣ / ١٣٩ ، ابن الأثير ٦ / ٦٩ ، الطبرى ١٠ / ٤٧ ، ١١٠ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٣١ ، المرزبانى ٢١٣ ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠١ ، ثمار القلوب ٧٨ / النبراس ٣٦ ـ ٤٢ ، المسعودى ٢ / ٢٠٧ ـ ٢١٣ ، تاريخ بغداد ١٤ / ٥ ، الديارات ١٤٤ ـ ١٣٦ ، بلغة الظرف ٤٩ ، الأعلام ٨ / ٦٢).

(٢) انظر : (تاريخ بغداد ٥ / ٢٩١ ، المحبر ٦١ ، ٣٠٥ ، الوافى بالوفيات ٣ / ١٢١ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٤٧ ، ٧٠ ، ٣٧ ، الكامل ٦ / ١٧ ، البيان والتبيين ١ / ٢٩٥ ، ٢ / ١٢٩ ، الأعلام ٦ / ١٤٩).


وأمر ببناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور التى بناها السفّاح ، وأمر باتخاذ المصانع (١) فى كل منها ، وتجديد الأميال وحفر الرّكايا (٢). وبعث ابنه موسى الهادى فحجّ بالناس سنة إحدى وستين وأمر فى سنة ست وستين ومائة بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن ـ بغالا وإبلا ـ ولم يكن هناك بريد قبل ذلك.

وحكى محمد بن عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه ، قال : «رأيت فيما يرى النائم ـ فى آخر سلطان بنى أمية ـ كأنى دخلت مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فرفعت رأسى ، فرأيت الكتاب الذى فى المسجد بالفسيفساء ، فإذا فيه : مما أمر به أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ، إذا قائل يقول : يمحى هذا الكتاب ويكتب مكانه اسم رجل من بنى هاشم يقال له محمد ، قلت : فأنا من بنى هاشم واسمى محمد ، فابن من؟ قال : ابن عبد الله ، قلت : فأنا ابن عبد الله ، فابن من؟ قال : ابن محمد ، قلت : فأنا ابن محمد ، فابن من؟ قال : ابن على ، قلت : فأنا ابن على ، فابن من؟ قال: ابن عبد الله ، قلت : فأنا ابن عبد الله ، فابن من؟ قال : ابن عباس ، فلو لم يبلغ العباس ما شككت أنى صاحب الأمر».

فتحدث بها ذلك الزمان ، ونحن لا نعرف المهدى ، حتى ولى المهدى ، فدخل مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فرأى اسم الوليد ، فقال : «أرى اسم الوليد إلى اليوم؟» فدعا بكرسى ، فألقى فى صحن المسجد ، وقال : «ما أنا ببارح حتى يمحى ويكتب اسمى مكانه» ، ففعل ذلك ، وهو جالس.

وطاف بالبيت مرة ليلا ، فسمع أعرابية تقول : «قومى مقترون ، ونبت عنهم العيون ، وفدحتهم الديون ، وعضّتهم السنون ، فبادت رجالهم ، وذهبت أموالهم ، وكثرت عيالهم ، أبناء سبيل ، وأنضاء طريق ، وصية الله ، ووصية الرسول ، فهل من آمر لى بخير كلأه الله فى نفسه وخلفه فى أهله» ، فأمر لها بخمسمائة درهم.

* * *

هارون الرشيد

ابن محمد بن أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم.

بويع بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادى فى ليلة الجمعة النصف من ربيع الأول ـ

__________________

(١) المصنعة مكان كالحوض يجمع فيه ماء المطر.

(٢) الركية هى البئر تحفر.


وقيل لأربع عشرة خلت منه ـ سنة سبعين ومائة ، فأقام فى الخلافة ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما ، يغز وسنة ويحج سنة ، فحج تسع حجج ، ولم يحج بعده خليفة من بغداد.

فأول ما حج وهو خليفة سنة سبعين وقسّم فى أهل الحرمين عطاء كثيرا ، وقيل إنه غزا أيضا فيها بنفسه. وحجّ ثانيا فى سنة ثلاث وسبعين ، وأحرم من بغداد. وحجّ بالناس سنة أربع وسبعين ، وقسّم فى الناس مالا كثيرا. ثم حجّ فى سنة سبع وسبعين ، وخرج عليه الوليد بن طريف (١) الشارى ـ أحد الخوارج من بنى تغلب ـ بنصيبين ، وأخذ أرمينية وحصر خلاط ، وعاث فى بلاد الجزيرة ، فسيّر إليه الرشيد يزيد بن مزيد ابن زائدة الشيبانى ـ وهو ابن أخى معن بن زائدة (٢) ـ على العسكر ، فلم يزل يحاربه حتى قتله ، وفيه تقول أخته ليلى بنت طريف (٣) ترثيه بالأبيات المشهورة التى منها قولها :

فيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنّك لم تجزع على ابن طريف

الأبيات :

فاعتمر الرشيد فى شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة. وشكر الله تعالى على قتل الوليد ، وعاد إلى المدينة فأقام بها الى وقت الحج بالناس ، ومشى من مكة إلى منى إلى عرفات ، وشهد المشاعر كلها ماشيا ، ورجع على طريق البصرة ، ولا يعرف من ملوك الدنيا ملك حج ماشيا سوى ملكين هرقل بن هرقل بن انتونيس ـ من أهل صلوقيا ـ حجّ من حمص إلى إيليا ـ التى هى بيت المقدس ـ ماشيا ، ووافاه كتاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى سفرته هذه يدعوه إلى الإسلام ـ كما وقع فى الصحيحين وغيرهما ـ والملك الثانى هارون الرشيد.

وذكر محمد بن حزم فى كتاب «جمهرة الأنساب» أن موسى الهادى بن محمد المهدى كان له أم ولد تسمى «أمة العزيز» ، تزوجها أخوه هارون من بعده ، وهى التى كان

__________________

(١) انظر : (وفيات الأعيان ٢ / ١٧٩ ، النجوم ٢ / ٩٥ ، ٣ / ١٦١ ، الطبرى ١٠ / ٦٥ ، الكامل ٦ / ٤٧ ، مرآة الجنان ١ / ٣٧٠ ، الأعلام ٨ / ١٢٠).

(٢) انظر : (وفيات الأعيان ٢ / ١٠٨ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٢٣٥ ، ابن الأثير ٥ / ٢٢١ ، المرزبانى ٤٠٠ ، آمالى المرتضى ١ / ١٦١ ، نزهة الجليس ٢ / ٢٢٦ ، خزانة الأرب ١ / ١٨٢ ، رغبة الآمل ٨ / ١٦٨ ، الأعلام ٧ / ١٧٣).

(٣) انظر : (النجوم الزاهرة ٢ / ٩٥ ، جمهرة الأنساب ٢٨٩٠ ، الوفيات ٢ / ١٧٦ ، مجلة لغة العرب ٨ / ٩٢ ، الأعلام ٥ / ١٢٨).


حلف الرشيد لأخيه بالمشى إلى الكعبة ، أن لا يتزوجها ، فلما مات الهادى تزوجها ، ومشى راجلا من بغداد إلى مكة ـ وهو خليفة ـ فولدت له عليّا ، وكان أقبح الناس صورة.

ولما دخل الرشيد مكة وهو خليفة كان يطرح له الرمل حول البيت ومقدار عرضه ذراعان ، ويرشّ بالماء ، ويقوم الحرس بينه وبين الناس ، وكان يطوف بين المغرب والعشاء ثلاثة عشر أسبوعا ، ولا يطيق ذلك أحد ممن كان معه ، وكان إذا سعى شمر إزاره وجعل له ذنبين ، فكان يفتن من يراه.

وكذلك حجّت زبيدة أم جعفر بنت جعفر بن أبى جعفر ـ زوج هارون الرشيد ـ ماشية أيضا ، وكانت حجة عظيمة ، غير أن ذكرها ليس من شرط هذا الجزء ، فلذلك تركت ذكرها.

وحجّ الرشيد أيضا بالناس فى سنة إحدى وثمانين ومائة. وحجّ فى سنة ست وثمانين ومائة من الأنبار ، ومعه ابناه عبد الله المأمون ومحمد الأمين ، فبدأ بالمدينة فأعطى فيها ثلاث أعطيات ، وأعطى هو عطاء ، وكل من ولديه عطاء ، وسار إلى مكة فأعطى أهلها ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار ، وكان قد ولىّ الأمين العراق والشام إلى آخر المغرب ، وجعله ولىّ عهده ، وضّم إلى المأمون من همذان إلى آخر المشرق ، وعهد إليه بعد الأمين ، ثم بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون ، ولقّبه المؤتمن ، وضّم إليه الجزيرة والثغور والعواصم ، فجمع بمكة القضاة والفقهاء ، وكتب كتابا أشهدهم فيه على الأمين بالوفاء للمأمون وكتب كتابا أشهدهم فيه على المأمون بالوفاء للأمين ، وعلق الكتابين بالكعبة ، وقد ذكرت خبر ذلك مبسوطا فى ترجمة المأمون من «تاريخ مصر الكبير المقفا» ، فإنه قدم مصر فى سنة سبع عشرة ومائتين ، وفى عود الرشيد من هذه الحجة نكب البرامكة النكبة المشهورة بالأنبار سلخ المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ثم حجّ الرشيد سنة ثمان وثمانين راجلا ، وقسّم أموالا كثيرة وهى آخر حجة حجّها.

وكان إذا حجّ حجّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، فإذا لم يحج أحجّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة الفاخرة ، ولم ير خليفة قبله أكثر عطاء منه ، وقيل لو قيل للدنيا : متى أيام شبابك ، لقالت : أيام هارون الرشيد.

ومن فضائل الرشيد ما أخرجه الحافظ أبو نعيم فى «كتاب الحلية» : «حدثنا سليمان


ابن أحمد ـ يعنى الطبرانى (١) ـ أخبرنا محمد بن زكريا الغلابى (٢) ، أخبرنا أبو عمر الحرمى النحوى ، أخبرنا الفضل بن الربيع (٣) ، قال : حجّ أمير المؤمنين ـ يعنى هارون الرشيد ـ فأتانى ، فخرجت مسرعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلىّ أتيتك ، فقال : ويحك ، قد حاك فى نفسى شىء ، فانظر لى رجلا أسأله ، فقلت : هاهنا سفيان بن عيينة (٤) فقال : امضى بنا إليه ، فأتيناه ، فقرعت الباب ، فقال : من ذا؟ قلت : أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إلىّ أتيتك ، فقال له : خذ لما جئناك له، رحمك الله ، فحدّثه ساعة ، ثم قال له : عليك دين؟ قال : نعم ، قال : أبا عباس ، اقض دينه.

فلما خرجنا ، قال : ما أغنى عنى صاحبك. انظر لى رجلا أسأله ، قلت هاهنا عبد الرزاق بن همام (٥) ، قال : امضى بنا إليه ، فأتيناه ، فقرعت الباب ، فقال : من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إلىّ أتيتك ، فقال : خذ لما جئناك له ، فحادثه ساعة ، ثم قال له : عليك دين؟ قال : نعم ، قال : أبا العباس ، قض دينه.

فلما خرجنا ، قال : ما أغنى عنى صاحبك شيئا ، انظر لى رجلا أسأله ، قلت : هاهنا الفضيل بن عياض (٦) ، قال : امض بنا إليه ، فأتيناه ، فإذا هو قائم يصلى ، يتلو آية من القرآن يرددها ، فقال : اقرع الباب فقرعت الباب ، فقال : من هذا؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، قال : ما لى ولأمير المؤمنين ، فقلت : سبحان الله! أما عليك طاعة؟ أليس قد

__________________

(١) انظر : (وفيات الأعيان ١ / ٢١٥ ، النجوم الزاهرة ٤ / ٥٩ ، تهذيب ابن عساكر ٦ / ٢١٠ مناقب الإمام أحمد ٥١٣ ، وفى مخطوطة المنح البارية. توفى بطبرية الشام ، الأعلام ٣ / ١٢١).

(٢) انظر : (النجاشى ٢٤٤ ، الأعلام ٦ / ١٣٠).

(٣) انظر : (ابن خلكان ١ / ٤١٢ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٦٣ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٤٣ ، المرزبانى ٣١٢ ، مفتاح السعادة ٢ / ١٩٤ ، مرآة الجنان ٢ / ٤٢ ، الأعلام ٥ / ١٤٨).

(٤) انظر : (تذكرة الحفاظ ١ / ٢٤٢ ، الرسالة المستطرفة ٣١ ، صفة الصفوة ٢ / ١٣٠ ، ابن خلكان ١ / ٢١٠ ، ميزان الاعتدال ١ / ٣٩٧ ، حلية الأولياء ٧ / ٢٧٠ ، ذيل المذيل ١٠٨ ، الشعرانى ١ / ٤٠ ، تاريخ بغداد ٩ / ١٧٢ ، الأعلام ٣ / ١٠٥).

(٥) انظر : (تهذيب التهذيب ٦ / ٣١٠ ، ابن خلكان ١ / ٣٠٣ ، طبقات الحنابلة ١٥٢ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٢٦ ، نكت الهميان ١٩١ ، الرسالة المستطرفة ٣١ ، تذكرة النوادر ٣٣ ، ٣٤ ، أخبار التراث العدد ٤٦ ، الأعلام ٣ / ٣٥٣).

(٦) انظر : (تذكرة الحفاظ ١ / ٢٢٥ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢٩٤ ، الجواهر المضية ١ / ٤٠٩ ، صفة الصفوة ٢ / ١٣٤ ، حلية الأولياء ٨ / ٨٤ ، ابن خلكان ١ / ٤١٥ ، الأعلام ٥ / ١٥٣).


روى عن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه» ، فنزل ففتح الباب ، ثم ارتقى إلى الغرفة ، فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت ، فدخلنا ، فجعلنا نجول عليه بأيدينا ، فسبقت كفّ هارون قبلى إليه ، فقال : يالها من كف! ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عزوجل ، فقلت فى نفسى : ليكلمنّه الليلة بكلام من قلب تقى ، فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله ، فقال : إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله (١) ومحمد بن كعب القرظى ، ورجاء بن حيوة ، فقال لهم : إنى قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علىّ ، فعدّ الخلافة بلاء ، وعددتها أنت وأصحابك نعمة ، فقال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا ، وليكن إفطارك منها الموت ، وقال له محمد بن كعب : إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا ، وأوسطهم عندك أخا ، وأصغرهم عندك ولدا ، فوقر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنن على ولدك ، وقال رجاء بن حيوه : إن أردت النجاة من عذاب الله تعالى فأحبّ للمسلمين ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ، ثم مت إذا شئت ، إنى أقول لك بأنى أخاف عليك أشد الخوف يوم تزلّ فيه الأقدام ، فهل معك ، رحمك الله ، مثل هذا ، أو من يشير عليك مثل هذا؟.

فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشى عليه ، فقلت له : ارفق بأمير المؤمنين. قال : يا ابن الربيع ، تقتله أنت وأصحابك ، وأرفق به أنا؟.

ثم أفاق هارون فقال له : زدنى ـ رحمك الله ـ فقال : أمير المؤمنين ، بلغنى أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه ، فكتب إليه عمر : «يا ابن أخى ، أذكرك طول سهر أهل النار فى النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله إلى عذاب الله ، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء» ، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز ، فقال له : ما أقدمك؟ فقال : خلعت قلبى بكتابك ، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله.

فبكى هارون بكاء شديدا ، ثم قال له : زدنى ، رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن العباس ، عم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا رسول الله ، أمّرنى على إمارة» ، فقال له النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة ، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل».

فبكى هارون بكاء شديدا ، وقال : زدنى رحمك الله قال : يا حسن الوجه ، أنت الذى يسألك الله ـ عزوجل ـ عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقى هذا

__________________

(١) انظر : (تهذيب التهذيب ٣ / ٣٤٦ ، تهذيب ابن عساكر ٦ / ٥٠ ، غاية النهاية ١ / ٣٠١ ، صفة الصفوة ٢ / ٥٠ ، حلية الأولياء ٢ / ١٩٣ ، الأعلام ٣ / ٧١).


الوجه من النار ، فإياك أن تصبح وتمسى وفى قلبك غش لأحد من رعيتك ، فإن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة».

فبكى هارون ، وقال له : عليك دين؟ قال : نعم ، دين لربى لم يحاسبنى عليه ، فالويل لى إن سألنى ، والويل لى إن ناقشنى ، والويل لى إن لم ألهم حجتى ، قال : إنما أعنى دين العباد ، قال : إن ربى ـ عزوجل ـ لم يأمرنى بهذا ، وإنما أمرنى أن أصدق وعده وأطيع أمره ، فقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات : ٥٦ ـ ٥٨] فقال له : هذا ألف دينار خذها فانفقها على عيالك ، وتقوبها على عبادتك ، فقال : سبحان الله ، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئنى بمثل هذا؟ سلّمك الله ووفّقك.

ثم صمت فلم يكلمنا ، فخرجنا من عنده ، فلما صرنا على الباب ، قال هارون : أبا عباس ، إذا دللتنى على رجل ، فدلنى على مثل هذا ، هذا سيّد المسلمين.

فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت : «يا هذا ، قد ترى ما نحن فيه من ضيق ، فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به؟» فقال لها : «مثلى ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه ، فلما كبر نحروه ، فأكلوا لحمه» ، فلما سمع هارون الرشيد هذا الكلام ، قال : «تدخل فعسى أن يقبل المال» ، فلما علم الفضيل خرج فجلس فى السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه ، فجعل يكلمه فلا يجيبه ، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت : «يا هذا ، قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف ، رحمك الله» ، فانصرفنا.

أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثنى إسماعيل بن عبد الله أبو النضر ، أخبرنا يحيى بن يوسف الزمّى ، عن الفضيل بن عياض ـ رحمه‌الله ـ قال : «لما دخل علىّ هارون أمير المؤمنين ، قال : أيكم هو؟ فأشاروا إلى أمير المؤمنين ، فقال : أنت هو يا حسن الوجه لقد كلّفت أمرا عظيما ، إنى ما رأيت أحدا أحسن وجها منك ، فإن قدرت أن لا تسوّد هذا الوجه بلفحة من النار فافعل ، فقال لى : عظنى ، فقلت : ماذا أعظك؟ هذا كتاب الله تعالى بين الدفتين ، انظر ماذا عمل بمن أطاعه ، وماذا عمل بمن عصاه ، وقال : إنى رأيت الناس يعرضون على النار عرضا شديدا ، ويطلبونها طلبا حثيثا ، أما والله لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها ، فقال : عد إلىّ ، فقال : لو لم تبعث إلىّ لم آتك ، وإن انتفعت بما سمعت منى عدت إليك.

* * *


الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن

ابن أبى بكر بن على القبّى بن الحسن الخليفة الراشد بالله

على خلاف فى نسبه ، ثانى خلفاء بنى العباس بمصر.

خرح من بغداد فى واقعة هولاكو ، وجمع طائفة من الناس ، ولقى الإمام المستنصر بالله أبا العباس أحمد بن الخليفة الظاهر بأمر الله أبى نصر محمد بن الخليفة الناصر لدين الله العباسى ـ المجهز من ديار مصر بقتال الططر وصار فى جملته ، فلما قتل المستنصر فى وقائع الططر قدم إلى القاهرة فى سابع عشرين ربيع الأول سنة ستين وستمائة ، فبايعه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى فى يوم الخميس ثامن المحرم سنة إحدى وستين وستمائة ، فلم يزل خليفة لا أمر له ولا نهى ولا نفوذ كلمة حتى مات بمناظر الكبش ـ خارج القاهرة ـ ليلة الجمعة ثامن عشر جماد الأول سنة إحدى وسبعمائة ، فكانت خلافته أربعين سنة ، وهو أول خليفة عباسى مات بمصر ، واستمرت الخلافة فى عقبه إلى اليوم.

وحجّ فى سنة سبع وتسعين وستمائة ، والسلطان يومئذ الملك المنصور لاجين (١) ، أعطاه مبلغ سبعمائة ألف درهم فضة ، ولما قدم مكة أراد من الشريف أبى نمى ـ أمير مكة ـ أن يدعو له على منبر مكة ، فامتنع من ذلك ، وجرت بينهما مفاوضة ترفّع فيها عليه أبو نمىّ تفاخرا بنسبة الشريف.

واستمر الأمر على ذلك إلى اليوم لم يخطب قط بمكة لأحد من خلفاء مصر العباسيين سوى الخليفة المستعين بالله أبى الفضل العباس بن محمد أياما فى سنة خمس عشرة وثمانمائة.

* * *

ذكر من حجّ من الملوك

الملك الصليحى واسمه : على بن محمد بن على (٢)

أحد ثوار العالم ، كنيته أبو الحسن بن محمد ، كان أبوه على قضاء اليمن ، ومن أهل

__________________

(١) انظر : (مورد اللطافة ٤٩ ، ابن إياس ١ / ١٣٦ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٨٥ ، السلوك ١ / ٨٢٠ ـ ٨٦٥ ، الأعلام ٥ / ٢٣٨).

(٢) انظر : (وفيات الأعيان ١ / ٣٦٨ ، اللطائف السنية ـ خ ـ وسير النبلاء ـ خ ، بلوغ المرام ٢٤ ، شذارت الذهب ٣ / ٣٤٦ ، أعلام الإسماعيلية ٤٠٢ ـ ٤٠٧ ، كشف أسرار الباطنية ٤٢ ، الأعلام ٤ / ٣٢٨).


السنة ، وكان فى عشيرة من قومه ، فصحب علىّ داعى اليمن عامر بن عبد الله الزواحى (١) ـ أحد دعاة الدولة الفاطمية ـ ومال إلى مذهب التشيع ، وتضلع من علوم الشيعة حتى صار إماما فيه ، ثم ثار سنة تسع وعشرين وأربعمائة بستين رجلا أصحاب عشاير ، فصار فى عشرين ألف ضارب سيف من يومه.

ودعا للإمام المستنصر بالله أبى تميم معد بن الظاهر بن الحاكم ـ أحد الخلفاء الفاطمية بالقاهرة ـ وملك اليمن كله ، سهله وجبله ، ووعره وبره وبحره ، وخطب بنفسه ، وكانت قاعدة ملكه صنعاء.

وحجّ سنة خمس وخمسين وأربعمائة ، وملك مكة فى سادس ذى الحجة منها ، ونشر بها العدل ، وأكثر فيها من الإحسان ، ومنع المفسدين ، وأمّن الناس أمنا لم يعهدوه قبله ، ورخصت بها الأسعار لكثرة ما جلب إليها بأمره ، فأحبّه الناس حبّا زائدا ، وكسى الكعبة الديباج الأبيض ـ وهو كان شعار الدولة الفاطمية ـ وأقام بها دعوتهم. ثم حجّ فى سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ، فلما نزل ظاهر المهجم قتل فى ثانى عشر ذى الحجة بيد سعيد الأحول بن نجاح (٢) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

وملك بعد ثم حجّ الملك العادل نور الدين محمود (٣)

ابن أتابك عماد الدين زنكى بن أبى سعيد قسيم الدولة آق سنقر ـ المعروف بالحاجب ـ بن عبد الله.

كان جده آق مملوكا تركيا للسلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقى ، وترقى إلى أن استنابه تاج الدولة تتش بن أرسلان فى حلب لما ملكها فى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، فعصى عليه وحاربه ، فقتل فى جمادى الأولى سنة سبع وثمانين وأربعمائة ،

__________________

(١) الزواحى : نسبة إلى الزواح ، وهى قرية من أعمال مخلاف حراز ثم من أعمال النجم فى أوائل اليمن. انظر معجم البلدان ٣ / ١٥٥.

(٢) انظر : (غاية الأمانى فى أخبار القطر اليمانى ٢٥٣ ـ ٢٧٢ ، بهجة الزمن ٦٣ ، أنباء الزمن فى تاريخ اليمن ـ خ ـ حوادث سنة ٤٨١ ه‍ ، المخلاف السليمانى ١ / ١١٦ ، ١٢٣٢ ، الأعلام ٣ / ١٠٣).

(٣) انظر : (كتاب الروضتين ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، ابن الأثير ١١ / ١٥١ ، ابن خلدون ٥ / ٢٥٣ ، ابن الوردى ٢ / ٨٣ ابن خلكان ٢ / ٨٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٠٢ ، مفرج الكروب ١ / ١٠٣ ، الأعلام ٧ / ١٧٠).


وصار ابنه عماد الدين زنكى من الأمراء ببغداد ، ثم ولى الموصل سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ، وأخذ الرّها ، وقتل فى جعبر (١) فى ربيع الآخر فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهو على فراشه.

وولد نور الدين محمود فى سابع عشر شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، فقام بعد قتل أبيه وأخذ قلعة حلب ، وجدّ فى قتال الفرنج ـ وبيدهم حينئذ من الرّها إلى السوادة من حدود أرض مصر ، وافتتح عدة حصون ، وأظهر بحلب مذهب أهل السنة ـ وكان أهلها من الرافضة ـ وأبطل الأذان «بحى على خير العمل» وأنشأ بها المدارس على مذاهب الأئمة الأربعة.

ثم ملك دمشق بعد ما أشرف الفرنج على أخذها ، وضبط أمورها ، وأنشا بها المدارس والمساجد والبيمارستان ، وعمّرها ، وأبطل المكوس كلها ، ومنع المنكرات بأسرها وعاقب عليها ، واستنقذ من الفرنج عدة معاقل ، وبنى فى أكثر ممالكه دار العدل ، وأحضر بها القضاة والفقهاء وجلس فيها بنفسه لإزالة المظالم.

وبالغ فى الإحسان لأهل مكة والمدينة ، وبعث العساكر لحفظ المدينة النبوية ، وأقطع أمير مكة إقطاعا ، وأقطع أمراء العربان إقطاعات لحفظ الحاج فيما بين دمشق والحجاز ، وأكمل سور المدينة النبوية ، واستخرج لها العين ، فدعى له بالحرمين على منبريهما.

وبعث الأمير أسد الدين شيركوه (٢) بالغز إلى مصر ، واستنقذ القاهرة من الفرنج بعد ما حاصرها مرّى ـ لعنه الله ـ بعساكر الفرنج أياما ، ولم يبق إلا أن يملكها ، فلما استولى شيركوه على القاهرة دعا لنور الدين على منابر القاهرة ومصر.

ومات فى حادى عشر شوال سنة تسع وستين وخمسمائة بدمشق بعد ما حجّ فى سنة ست وخمسين وخمسمائة ، وأكثر من فعل الخير بالحرمين الشريفين ، وبالغ فى الإحسان إليهمرحمه‌الله تعالى.

* * *

__________________

(١) جعبر : قلعة على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين. انظر : معجم البلدان (٣ / ١٤٢).

(٢) انظر : (مورد اللطافة ٢٣ ـ ٢٤ ، ابن خلكان ١ / ٢٢٧ ، ابن عساكر ٦ / ٣٠٨ ، ابن خلدون ٥ / ٢٨٢ ، ابن الأثير ١١ / ١٢٨ ، أعلام النبلاء ٤ / ٢٥٨ ، مفرج الكرب ١ / ١٤٨ ، الأعلام ٣ / ١٨٣).


الملك المعظم شمس الدين توارن شاه (١)

ابن والد الملوك نجم الدين أيوب بن شاذى بن مروان الكردى. نشأ بدمشق ، وقدم إلى القاهرة مع أهله فى سنة أربع وستين وخمسمائة ، وقد تقلد أخوه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وزارة مصر للخليفة العاضد لدين الله أبى محمد عبد الله ابن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله (٢) ، فكان من أعظم الأسباب فى نصرة أخيه صلاح الدين يوم وقعة السودان حتى هزمهم وأفناهم بالسيف ، فأقطعه قوص وأسوان وعيذاب ، وعبرتها يومئذ مائتا ألف دينار وستة وستون ألف دينار مصرية فى كل سنة.

ثم غزا النوبة فى سنة ثمان وستين ، وأخذ قلعة إبريم ، وعاد غانما ، ثم صار إلى بلاد اليمن فى سنة تسع وستين ، وعلى ملك زبيد أبو الحسن على بن مهدى الملقب عبد النبى(٣) ، وقدم مكة معتمرا ، وتوجه إلى زبيد ، واستولى على ممالك اليمن ، وتلقب بالملك المعظم ، وخطب لنفسه بعد الخليفة العباسى.

ثم توجه فى سنة إحدى وسبعين إلى الشام ، فملّكه أخوه صلاح الدين دمشق فى ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين.

ثم جهّزه إلى القاهرة فى ذى القعدة سنة أربع وسبعين ، وأنعم عليه بالإسكندرية ، فأقام بها إلى أن مات هناك أول صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة ، فوجد عليه مبلغ مائتى ألف دينار مصرية دينا قضاها عنه السلطان صلاح الدين ، وسبب هذا الدين كثرة جوده ، وسعة عطائه.

ومن غريب ما يحكى عنه أن الأديب الفاضل مهذب الدين أبا طالب محمد بن على الخيمى قال : «رأيت فى النوم المعظم شمس الدولة توران شاه ، وقد مدحته وهو فى القبر ميت ، فلفّ كفنه ورماه إلىّ وأنشدنى :

لا تستقلنّ معروفا سمحت به

ميتا وأمسيت منه عاريا بدلى

ولا تظنّنّ جودى شأنه بخل

من بعد بذلى ملك الشام واليمن

إنى خرجت من الدنيا وليس معى

من كل ما ملكت كفى سوى الكفن

__________________

(١) انظر : (صلة التكملة ـ خ ، أعلام النبلاء ٤ / ٤٥٢ ، ترويح القلوب ١٠٠ ، العبر ٥ / ١٤٥).

(٢) انظر : (ابن خلدوان ٤ / ٧٦ ، ٨١ ، ٨٢ ، ابن الأثير ١١ / ٩٩ ، ١٣٧ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٠٧ ، ٣٣٤ ، ٣٥٧ ، ابن إياس ١ / ٦٧ ، حلى القاهرة ٩٣ ، الأعلام ٤ / ١٤٧).

(٣) انظر : (تاريخ عدن ـ خ ، بلوغ المرام ١٨ ، مفرج الكروب ٢٣٨ ـ ٢٤٣ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٠ ، الأعلام ٤ / ١٧١).


وإليه ينسب درب شمس الدولة بالقاهرة.

وقد ذكرت ترجمته مبسوطة فى كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» ، وكتاب «التاريخ الكبير المقفى لمصر».

* * *

الملك المعظم شرف الدين أبو الفتح عيسى بن الملك العادل

سيف الدين أبى بكر محمد (١)

ابن نجم الدين أيوب بن شادى بن مروان ، الكردى ، الأيوبى ، الفقيه الحنفى ، النحوى ، الأديب ، الشاعر.

ولد بالقاهرة فى سنة ست وسبعين وخمسمائة ، وتفقه على مذهب الإمام أبى حنيفة على جمال الدين أبى المحامد محمود بن أحمد الحصيرى البخارى الحنفى ، وأخذ العربية عن التاج أبى اليمن زيد بن الحسن الكندى ، وكان يسعى إلى منزليهما على قدميه لأخذه العلم عنهما ، وأفرط فى العصبية لمذهب الحنفية ، وشرح الجامع الكبير فى الفقه ، وصنّف «السهم المصيب فى الرد على الحافظ أبى بكر الخطيب» ، ورؤى بخطه على «كتب سيبويه» : «إننى قطعته حفظا من خاطرى» ، وعلى كتاب «النكت فى الفقه على مذهب أبى حنيفة» إننى قطعته حفظا ، وهو فى مجلدين.

واعتنى بالعلم وأهله عناية تامة ، وسمع الحديث عن حنبل ، وعمر بن طبرزد ، وغيره ، وحدّث.

وأعطاه أبوه الملك العادل دمشق ، وجعل فى ولايته غزة والكرك والشّوبك ، وذلك فى سنة ست وتسعين وخمسمائة ، فلم يزل حتى مات بدمشق آخر ذى القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة. وحجّ فخرج من دمشق فى حادى عشر ذى القعدة سنة إحدى عشرة وستمائة على الهجن ، وسار على طريق تبوك ، وبنى البركة وعدة مصانع ، وتصدق على أهل الحرمين بصدقات جليلة ، وقدم منها إلى القاهرة وافدا على أبيه ومعه الشريف سالم بن قاسم ـ أمير المدينة ـ شافعا فيه ، فأكرمه العادل ، وبعث معه عسكرا إلى المدينة وعاد المعظم إلى دمشق.

وقد ذكرت ترجمته مستوفاة فى «تاريخ المقفى لمصر».

* * *

__________________

(١) انظر : (مرآة الزمان ٨ / ٦٤٩ ـ ٦٥٢ ، الأعلام ـ خ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٢١ ، ابن خلكان ١ / ٣٩٦ ، ذيل الروضتين ١٥٢ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٥ ، ابن الأثير ١٢ / ١٨٣ ، الجواهر المضية ١ / ٤٠٢ ، هدية العارفين ١ / ٨٠٨ ، السلوك ١ / ٢٢٤ ، الأعلام ٥ / ١٠٨).


الملك المسعود صلاح الدين أبو المظفر يوسف

ويقال له : «أطسز» ، ويقال : «أقسيس» ، ابن السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبى المظفر محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن والد الملوك نجم الدين أبى الشكر أيوب بن شادى بن مروان (١) ، الكردى الأيوبى.

ولد فى ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وولّاه أبوه مملكة اليمن فى أيام جده سنة إحدى عشرة وستمائة ، فسار إليها فى ألف فارس ومن الجاندارية والرماة خمسمائة ، وقدم مكة ، وتوجه منها إلى زبيد وملكها ، واستولى على تهامة وتعز وصنعاء وسائر ممالك اليمن.

وحجّ فى سنة تسع عشرة وستمائة ، وقاتل أمير مكة الشريف حسن بن قتادة الحسنى(٢) ، وهزمه ونهب مكة ، فلما كان يوم عرفة منع أعلام الخليفة من التقدم على أعلام أبيه ، وأظهر من الجرأة على الله قبائح ، منها أنه كان يصعد على زمزم فيرمى حمام الحرم بالبندق ، ويستخف بحرمة الكعبة ، وأكثر من سفك الدماء ، وكان إذا نام فى داره بالمسعى ضربت الجاندارية الطائفين بالمسعى بأطراف السيوف ، لئلا يشوّشوا عليه وهو فى النوم من شدة سكره بالخمر.

ثم عاد إلى اليمن ، وخرج منها بعد ما استخلف عليها نور الدين عمر بن على بن رسول الكردى (٣) فى سنة اثنتين وعشرين ، وقدم القاهرة بهدايا جليلة ، ونزل بالقصر ، وأقام حرمة وافرة ، فخافته الأمراء والأجناد ، وخشوا سطوته.

ثم توجه إلى اليمن بعد ما أتاه التشريف الخليفى من بغداد ، فأقام بها إلى أن بلغه أن أباه أخذ دمشق ، فتاق إلى أخذها عوضا عن اليمن ، وخرج بأمواله وأثقاله ، فمات بمكة فى ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست وعشرين وستمائة ، فدفن بالمعلاة.

وقام بأمر اليمن بعده نائبه عمر بن على بن رسول ، وقد استوفيت أخباره فى «تاريخ مصر المقفى» ، وإليه تنسب الدارهم المسعودية بمكة المشرفة.

* * *

__________________

(١) انظر : (وفيات الأعيان ١ / ٨٤ ، خطط مبارك ٦ / ٤٧ ، كتاب الروضتين ١ / ٢٠٩ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٥ ، الأعلام ٢ / ٣٨).

(٢) انظر : (ابن الوردى ٢ / ١٤٣ ، خلاصة الكلام ٢٤ ، الأعلام ٢ / ٢١١).

(٣) انظر : (العقود اللؤلؤية ١ / ٤٢ ـ ٨٨ ، بغية المستفيد ـ خ ، الأعلام ٥ / ٥٦).


الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول الكردى

ملك اليمن بعد موت الملك المسعود ، وبعث إلى الملك الكامل هدية جليلة ، وقال: «أنا نائب السلطان على البلاد» ، فأقرّه عليها.

وعمر هذا أول من ملك اليمن من بنى رسول ، وبويع له بها سنة تسع وعشرين ، وخطب له بمكة فيها أيضا ، ودامت مملكته إلى أن قتل فى سنة سبع وأربعين وستمائة. وملك بعده ابنه الملك المظفر شمس الدين يوسف.

وحجّ نور الدين هذا فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة على النجب.

وبعث فى سنة ثنتى وثلاثين إلى الكعبة قناديل من ذهب وفضة ، وحجّ أيضا فى سنة تسع وثلاثين ، وأبطل المكوس والجبايات من مكة ، وكتب ذلك تجاه الحجر الأسود ، فاستمر ذلك حتى أزاله ابن المسيب لما تولى مكة سنة ست وأربعين وستمائة ، وأعاد المكوس والجبايات ، وصام شهر رمضان بمكة.

واتفق فى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وقيل أربع وأربعين وستمائة ، أن هاجت ريح شديدة مزّقت كسوة الكعبة وألقتها ، وبقيت الكعبة عارية ، فأراد عمر بن رسول أن يكسوها ، فامتنع من ذلك شيخ الحرم عفيف الدين منصور بن منعة البغدادى ، وقال : «لا يكون ذلك إلا من الديوان» ـ يعنى الخليفة ـ وكساها ثيابا من قطن مصبوغة بالسواد ، وركب عليها الطرز القديمة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

الملك الناصر أبو شادى داود

ابن الملك المعظم أبى الفتح عيسى بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن نجم الدين أبى الشكر أيوب بن شادى بن مروان الكردى الأيوبى.

ولد فى تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة ، وحفظ القرآن وعمره تسع سنين ، وقال الشعر وهو ابن عشر سنين ، وبرع فى كل فن من علوم الأدب والحكمة وغير ذلك.

وولى سلطنة دمشق بعد موت أبيه ـ وهو فى الحادية عشرة من عمره ـ أول ذى الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة ، وأقبل على اللهو ، فطلب منه عمه السلطان الملك الكامل قلعة الشّوبك ، فامتنع ، فتنكر عليه ، وعزم على المسير إليه ونزعه من سلطنته.


وأخذ الناصر فى ظلم الرعية وأخذ أموالهم ، والانهماك فى اللعب ، واستدعى عمه الملك الأشرف شاه أرمن موسى ، فقدم عليه من الشرق وحكّمه فى المملكة ، فآل الأمر أن حاصر الملك الكامل دمشق حتى أخذ الناصر ، وعوضه عن دمشق بالكرك والشوبك والصلت والبلقاء والأغوار جميعها ، ونابلس وأعمال القدس وبيت جبريل ، وكانت هذه الأعمال يومئذ عامرة جليلة القدر ، ثم نزل الناصر عن الشوبك لعمه الكامل ، وتسلم الكامل دمشق أول شعبان سنة ست وعشرين.

فأقام الناصر بالكرك ، وكانت له قصص وأنباء ، ذكرتها فى «التاريخ الكبير المقفى» ، آلت به أن تشتت فى البلاد ، وموته فى إحدى قرى دمشق يوم السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة ، فدفن بصالحية دمشق.

وحجّ فى سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وسبب حجه أنه لما تنكّر له الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل (١) ، بعث إليه الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه على العساكر ، فهزمه وأوقع الحوطة على بلاده ، ونازل الكرك حتى طلب منه الأمان فرحل عنه وقد ضاقت الأمور بالناصر ، فخرج إلى حلب ومعه جواهر جليلة قيمتها ما ينيف على مائة ألف دينار ، فبعثها إلى الخليفة المستعصم بالله ببغداد ، لتكون عنده وديعة ، فقبضت من رسوله ، وكتب الخط الشريف بقبضها ، فشقّ ذلك على أولاده ، وخرجوا عن طاعته ، ولحق بعضهم بالملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر ، وسلمه الكرك.

فجرت أمور آلت بالناصر إلى مسيره إلى بغداد لطلب وديعته ، فمنعه الخليفة من الدخول إليها ، ومطله بالجوهر ، لما أيس من ذلك سار إلى مكة من طريق العراق ، وحجّ ، فلما قدم المدينة النبوية تعلق بأستار الحجرة بحضرة الناس ، وقال : «اشهدوا أن هذا مقامى من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ داخلا عليه ، مستشفعا به إلى ابن عمه المستعصم فى أن يرد علىّ وديعتى ، فأعظم الناس ذلك ، وجرت عبراتهم ، وارتفع ضجيجهم بالبكاء ، وكتب بصورة ما جرى مكتوب فى يوم السبت ثامن عشر من ذى الحجة ، وتسلمه أمير حاج العراق ، ومضى الناصر معه إلى بغداد ، فعوّض عن الجوهر بشىء تافه ، وعاد إلى الشام مقهورا.

* * *

__________________

(١) انظر : (خطط المقريزى ٢ / ٢٣٦ ، ابن إياس ١ / ٩٦ ، السلوك ١ / ٢٩٦. ٣٤٢ ، تاريخ الإسحاقى ١٨٩).


الملك المظفر شمس الدين يوسف بن الملك المنصور نور الدين

عمر بن على بن رسول

قام بعد أبيه بملك اليمن فى سنة سبع وأربعين وستمائة.

وحجّ سنة تسع وخمسين ، وغسل الكعبة بنفسه ، وطيّبها ، وكساها من داخلها ، وهو أول من كسى الكعبة بعد قتل الخليفة المستعصم ببغداد من الملوك ، وذلك أن الحاج انقطع من العراق عن مكة من سنة خمس وخمسين وستمائة إلى سنة ست وستين ، فلم يرد من هناك حاج فى هذه المدة ، وقام المظفر بمصالح الحرم وأهله ، وأكثر من الصداقات ونثر على الكعبة الذهب والفضة ، وخطب له بمكة ، واستمر يخطب بعده لملوك اليمن على منبر مكة إلى يومنا هذا بعد الخطبة لسلطان مصر.

ولم تزل كسوة الكعبة التى كساها المظفر من داخلها باقية إلى أن كساها الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون هذه الكسوة ـ الموجودة اليوم ـ فى سنة إحدى وستين وسبعمائة.

* * *

السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس

البند قدارى الصالحى النجمى

اشتراه السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن نجم الدين أيوب ، وعمله أحد المماليك البحرية بقلعة الروضة ، فترقى فى خدمته واستفاد من أخلاقه ، وتنقّلت به الأحوال حتى ملك مصر بعد قتل الملك المظفر سيف الدين قطز (١) ، وتسلم قلعة الجبل ليلة الاثنين تاسع عشر ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة ، واستمر ملكه حتى مات بدمشق فى سابع عشر من المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ، وقد ملك مدة سبع عشرة سنة وشهرين واثنى عشر يوما.

وحجّ سنة سبع وستين وستمائة ، ولذلك خبر طويل قد ذكرته فى ترجمته من «كتاب التاريخ الكبير المقفى» ، و «كتاب أخبار ملوك مصر» وملخص ذلك أنه أجلس

__________________

(١) انظر : (مورد اللطافة ٣٥ ـ ٣٨ ، ابن إياس ١ / ٩٦ ، السلوك ١ / ٤١٧ ـ ٤٣٥ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٧٢ ، فوات الوفيات ٢ / ١٣٢ ، الأعلام ٥ / ٢٠١).


ابنه الملك السعيد محمد بركة خان (١) فى مرتبة الملك وحضر الأمراء فقبلوا الأرض بين يديه ، وجلس الأمير عز الدين أيدمر الحلى ـ نائب السلطنة ـ وجلس الأتابك ، والصاحب بهاء الدين على بن حنّا وكتاب الإنشاء ، والقضاة ، والشهود ، وحلّف له الأمراء وسائر العساكر فى تاسع صفر منها ، وركب فى ثالث عشره فى الموكب كما يركب والده ، وجلس فى الإيوان ، وقرئت عليه القصص ، وقرىء فى العشرين منه تقليد بتفويض السلطنة له فى الإيوان ، واستمر جلوسه فيه لقضاء الأشغال ، ووقّع ، وأطلق وركب فى المواكب.

وأقام السلطان الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائبا عنه عوضا عن الحلى ، وسار إلى الشام فى ثانى عشر جمادى الآخرة بحصة من العساكر وترك أكثرها مع ولده الملك السعيد ، ونزل بخربة اللصوص ـ خارج دمشق ـ وسار متنكرا إلى القاهرة ليشاهد أحوال ولده ، فخفى ذلك على جميع من معه من العسكر حتى عاد إليهم ، وفى حكاية ذلك هنا طول ليس من قصد هذا الجزء.

واتفق الاختلاف بين الشريف نحم الدين أبى نمى وبين عمه الشريف بهاء الدين إدريس أميرى مكة ، فرتّب السلطان لهما عشرين ألف درهم نقرة فى كل سنة عوضا عما يؤخذ بمكة من المكوس ، وأن لا يمنع أحد من دخول الكعبة ، وأن يخطب له بمكة والمشاعر، وتضرب السكة باسمه ، فأجاباه ، وكتب لهما تقليد الإمارة ، وسلمت أوقاف الحرم بمصر والشام لنوابهما.

وسلم للشريف قاضى المدينة النبوية وخطيبها ووزيرها ـ عندما حضر برسالة الأمير عز الدين جماز أمير المدينة ـ الجمال التى نهبها الأمير أحمد بن حجى (٢) لأشراف المدينة ـ وهى ثلاثة آلاف بعير ـ ليوصلها لأربابها.

وأنعم على الطواشى جمال الدين محسن الصالحى ـ شيخ الخدام بالحجرة الشريفة ـ بمائتى ألف درهم ، وأعاده مع القاضى صحبة الركب الشامى وقدم الأمير شرف الدين

__________________

(١) انظر : (تاريخ سلاطين المماليك ٤٥٢ ، ٤٥٥ ، ٤٧٠ ، السلوك ٢ / ٢٣٨ ، أبو الفداء ٣ / ١٢ ، مورد اللطافة ٤٠ ، ابن الفرات ٧ / ١٦٥ ، ابن إياس ١ / ١١٢ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٢٥٩ ، ابن الوردى ٢ / ٢٢٧ ، الأعلام ٧ / ٥٢).

(٢) انظر : (الضوء اللامع ١ / ٢٩٦ ، المنتخب من شذرات الذهب ـ خ ، القلائد الجواهرية ١١٢ النعيمى ١ / ١٣٨ ، التبيان ـ خ ، شذرات الذهب ٧ / ١١٦ ، الأعلام ١ / ١١٠).


عيسى بن مهنا (١) إلى الدهليز بالخربة ، فأوهم السلطان أنه يريد الحركة إلى العراق ، وأمره بالتأهب ليركب إذا وعى وردّه لبلاده ، وكان السلطان فى الباطن إنما يريد الحركة للحجاز لكنه ورّى بالعراق.

فلما دخل شوّال أنفق فى العساكر جميعها ، وجرّد طائفة مع الأمير أقوش الرومى السلاح دار ليكونوا صحبة الركاب السلطانى ، وجرّد طائفة مع الأمير شمس آق سنقر الفارقانى الأستادار إلى دمشق ليقيموا ظاهرها.

وتوجه السلطان للحج ومعه الأمير بدر الدين الخازندار ، وقاضى القضاة صدر الدين سليمان الحنفى ، وفخر الدين إبراهيم بن لقمان (٢) كاتب السر ، وتاج الدين بن الأثير ، ونحو ثلاثمائة مملوك ، وعدة من أجناد الحلقة.

وسار من الغور يوم خامس شوال كأنه يتوجه إلى الكرك كأنه يتصيد ، ولم يجسر أحد أن يتحدث بأنه متوجه إلى الحجاز وذلك أن الحاجب جمال الدين بن الداية كتب إلى السلطان يسأله : «إنى أشتهى أن أتوجه صحبة السلطان إلى الحجاز» ، فأمر بقطع لسانه ، فلم يتفوه أحد بعدها بذلك ، فوصل إلى الكرك أول يوم من ذى القعدة ، وكان قد دبر أموره خفية من غير أن يطلع أحد على شىء مما فعله ، بحيث أنه جهّز البشماط والدقيق والروايا والقرب والأشربة ، وعين العربان المتوجهين معه والمرتبين فى المنازل من غير أن يشعر أحد من الخاصة فضلا عن العامة بذلك ، ففرّق فى المجردين معه الشعير ، وبعث الثقل فى رابعه ، وتبعه فى سادسه ، فنزل الشّوبك ، ورسم بإخفاء خبره.

واستقل بالمسير فى حادى عشره ، وأنفذ البريد إلى قلعة الجبل لمهمات له ، فجهزت الكتب مع العربان ، وقدم المدينة فى خامس عشريه فلم يقابله الأمير جماز ولا مالك ، أميرا المدينة ، وفرّا منه ، فأعرض عنهما. ورحل فى سابع عشريه وأحرم فدخل مكة فى خامس ذى الحجة ، وأعطى خواصه جملة أموال لتفرق فى الناس سرا ، وعم أهل الحرمين بالكسوة التى فرّقها ، وصار كآحاد الناس لا يحجبه أحد ، ولا يحرسه إلا الله تعالى ، وبقى منفردا يصلى وحده ، ويطوف وحده ، ويسعى وحده ، فلا يعرفه إلا من يعرفه ، وغسل الكعبة بيده بماء الورد ، وصار بين جميع الناس على اختلاف طبقاتهم

__________________

(١) انظر : (غربال الزمان ـ خ ، السلوك ١ / ٧٢٦ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٦٣ ، تاريخ ابن الفرات ٨ / ١٢ ، ابن خلدون ٥ / ٤٣٨ ، صبح الأعشى ٤ / ٢٠٦ ، الأعلام ٥ / ١٠٩).

(٢) انظر : (النجوم الزاهرة ٦ / ٣٦٦ ، ٨ / ٥٠ ، ٥١ ، البداية والنهاية ١٣ / ٣٣٧ ، السلوك ١ / ٣٥٦ ٧٨٢٢ ، ٨٠٤ ، مرآة الزمان ٨ / ٧٧٨ ـ ٧٧٩ ، الأعلام ١ / ٥٨).


وتباين أجناسهم ، وما منهم إلا من يرمى إليه إحرامه فيغسله بيده ويناوله صاحبه ، وجلس على باب الكعبة ، وأخذ بأيدى الناس ليطلعهم إليها ، فتعلق بعض العامة بإحرامه ليطلع فقطعه ، وكاد يرمى السلطان عن العتبة إلى الأرض ، وهو مستبشر بجميع ذلك وعلّق كسوة الكعبة بيده ـ ومعه خواصه ـ وتردّد إلى من بمكة والمدينة من أهل الخير يلتمس بركتهم ، ويسأل دعاءهم ، هذا وقاضى القضاة صدر الدين سليمان بن عبد الحق الحنفى معه طول طريقه يستفتيه ، ويتفهم منه أمور دينه ، ولم يغفل مع ذلك عن تدبير الممالك ، وكتّاب الإنشاء تكتب عنه فى المهمات.

وكتب إلى صاحب اليمن ينكر عليه أمورا ويقول : «سطرتها من مكة المشرفة وقد أخذت طريقها فى سبع عشرة خطوة» ـ يعنى بالخطوة المنزلة ـ ويقول : «الملك هو الذى يجاهد فى الله حق جهاده ، ويبذل نفسه فى الذبّ عن حوزة الدين ، فإن كنت ملكا فاخرج والق التتر».

وأحسن إلى أميرى مكة ، وإلى أمير ينبع ، وأمير خليص ، وأكابر الحجاز. وكتب منشورين لأميرى مكة ، ورتب معهما الأمير شمس الدين مروان نائب أمير جاندار بمكة حسب سؤالهما ، ليكون مرجع الأمور إليه ، والحل والعقد على يديه ، وزاد أميرى مكة مالا وغلالا فى كل سنة لأجل تسبيل الكعبة للناس.

وسار من مكة بعد قضاء النسك فى ثالث عشره ، وقدم المدينة النبوية ثانيا فى عشرينه ، فبات بها ، وسار من غده ، فجدّ فى السير ومعه عدة يسيرة ، فقدم الكرك بكرة يوم الخميس سلخه من غير أن يعلم أحد بوصوله حتى نزل مشهد جعفر الطيار رضى الله عنه بقرية مؤتة ، فتلقاه الناس بها ، ودخل المدينة وعليه عباءته التى سار بها ، وهو راكب راحلته ، فبات بها.

ورحل من الغد بعد ما صلى الجمعة ، مستهل المحرم سنة ثمان وستين وستمائة ، ومعه مائة فارس ، بيد كل فارس منهم فرس وساق إلى دمشق سائر من ببلاد مصر والشام من الأمراء ومن دونهم لا يعرفون شيئا من خبر السلطان ، هل هو فى الشام أو الحجاز أو غير ذلك من بلاد الله ولا يجسر أحد من شدة مهابته والخوف منه أن يتكلم بشىء من خبره ، ولا يسأل عنه.

فلما قارب دمشق بعث أحد خاصته على البريد بكتب البشارة إلى دمشق بالسلامة بعد قضاء الحج ، فلما دخل الأمير جمال الدين التجيبى ـ نائب دمشق ـ جمع الأمراء


لقراءة الكتب السلطانية ، فبينما هم فى القراءة إذ قيل لهم «قد نزل السلطان بالميدان» ، فبادروا إلى لقائه ، فإذا به وحده وقد أعطى لبعض دلالى سوق الخيل لينادى عليه وهو لا يعرف أنه السلطان ، فعند ما شاهدوه قبّل النائب الأرض ، وتلاه الأمراء.

وحضر الأمير آق سنقر الفارقانى ومن معه من عسكر مصر ، فأكل السلطان شيئا ، وقام ليستريح ، وانصرف الناس.

فركب فى نفر يسير ، وتوجه خفية يريد حلب ، فلما حضر الأمراء خدمة العصر لم يجد السلطان ولا عرف له خبر ، فبينما نائب حلب والأمراء فى الموكب تحت قلعة حلب وإذا بالسلطان قد ساق ووقف ساعة فلم يعرفه أحد ، حتى فطن به بعضهم ، فنزل عن فرسه وقبّل له الأرض ، فبادر الجميع ونزلوا وقبّلوا الأرض ، وساروا فى ركابه حتى دخل دار نائب حلب ، ثم كشف القلعة ، وخرج من حلب ولم يعرف أحد به ، فدخل دمشق فى ثالث عشره على حين غفلة ، ولعب بالكرة ، وسار ليلا إلى القدس ، وسار إلى الخليل ، وتصدّق بعدة صدقات.

وكان الأمير آق سنقر قد سار بمن معه من عساكر مصر ونزل تل العجول ، فوافاه السلطان هناك ـ وعليه عباءته التى حجّ بها لم يغيرها وسار من تل العجول بالعسكر فى حادى عشرينه.

وقدم القاهرة أول صفر ، وعليه عباءته التى حجّ بها لم يغيرها نحو خمسة وسبعين يوما ، فخرج الملك السعيد إلى لقائه ، وصعد قلعة الجبل.

* * *

السلطان الملك الناصر ناصر الدين أبو المعالى محمد بن الملك المنصور

سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى (١)

ولد يوم السبت نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة ، وأقيم فى السلطنة بعد قتل أخيه الأشرف صلاح الدين بن قلاوون (٢) فى رابع عشر المحرم سنة ثلاث وتسعين ، وعمره تسع سنين تنقص يوما واحدا ، وأقام سنة إلا ثلاثة أيام ، خلع بمملوك أبيه

__________________

(١) انظر : (مورد اللطافة ٤٤ ، ابن الوردى ٢ / ٣٣٠ ، فوات الوفيات ٢ / ٢٦٣ ، ابن إياس ١ / ١٢٩ ، الدرر الكامنة ٤ / ١٤٤ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٤١ ، ١١٥ ، ٩ / ٣ ، الأعلام ٧ / ١١).

(٢) انظر : (فوات الوفيات ١ / ١٥١ ، ابن الوردى ٢ / ٢٣٨ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٣ ، السلوك ١ / ٧٥٦ ـ ٧٩٣ ، ابن إياس ١ / ١٢١ ، وليم موير ٦٢ ، الإعلام ٢ / ٣٢١).


زين الدين كتبغا ـ الملك العادل (١) ـ فى حادى عشر المحرم سنة أربع وتسعين.

وأخرج مع أمه أشلون بنت سكناى إلى الكرك ، فثار الأمير حسام الدين لاجين المنصورى نائب السلطنة على العادل كتبغا ، وتسلطن عوضه ، فثار عليه طغى وكرجى ، فقتلاه وقتلا أيضا.

واستدعى الناصر من الكرك فتقدم إلى الجبل ، وأعيد إلى السلطنة مرة ثانية فى سادس جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين ، فأقام عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوما ، محجورا عليه لا يملك التصرف فى أكلة طعام يشتهيه ، والقائم بتدبير الدولة الأميران : بيبرس الجاشنكير أستادار السلطان (٢) ، وسلار نائب السلطنة ، فدبر لنفسه فى سنة ثمان وسبعمائة ، وأظهر أنه يريد الحج بعياله ، فوافقه الأميران على ذلك وشرعوا فى تجهيزه ، وكتب إلى دمشق والكرك برمى الإقامات ، وألزم عرب الشرقية بحمل الشعير.

فلما تهيأ ذلك أحضر الأمراء تقادمهم من الخيل والجمال فى العشرين من شهر رمضان فقبلها ، وركب فى خامس عشر منه من القلعة ومعه الأمراء إلى بركة الحج.

وتعيّن معه للسفر أيدمر الخطيرى ، والحاج آل ملك الجو كندار ، وقرا لاجين أمير مجلس ، وبلبان أمير جاندار ، وأيبك الرومى أمير سلاح وبيبرس الأحمدى ، وسنجر الجمقدار ، ويقطاى الساقى ، وسنقر السعدى النقيب ، وخمسة وسبعون مملوكا ، وعاد بيبرس وسلار من غير أن يترجلا له عند نزوله بالبركة ، فرحل من ليلته ، وعرّج على الصالحية وعيّد بها.

وتوجه إلى الكرك فقدمها فى عاشر شوال ، وبها الأمير جمال الدين أقوش الأشرفى نائبا ، فنزل بقلعتها ، وصرح بأنه قد انثنى عزمه عن الحج واختار الإقامة بالكرك ، وترك السلطنة ليستريح ، وكتب إلى الأمراء بذلك ، وسأل أن ينعم عليه بالكرك والشوبك. وأعاد من كان معه من الأمراء ، وأسلمهم الهجن ـ وعدتهم خمسمائة هجين ـ والمال والجمال وجميع ما قدمه له الأمراء ، وأخذ ما كان من المال بالكرك ـ وهو ستمائة ألف درهم فضة وعشرون ألف دينار ـ وأمر نائب الكرك أيضا بالمسير عنه فسار إلى مصر. وتسلطن بيبرس الجاشنكير ، وتلقب بالملك المظفر ، وكتب للناصر تقليدا بنيابة الكرك ،

__________________

(١) انظر : (ابن إياس ١ / ١٣٣ ، السلوك ١ / ٨٠٦ ، ٨٢٠ ، ٨٢٦ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٥٥ ، فوات الوفيات ٢ / ١٣٨ ، الأعلام ٥ / ٢١٩).

(٢) انظر : (النجوم الزاهرة ٨ / ٢٣٢ ـ ٢٧٦ ، السلوك ٢ / ٤٧ ـ ٧١ ، ٨٠ ، الأعلام ٢ / ٧٩ ، ٨٠).


وجهزه مع الحاج آل ملك ، فأظهر الملك الناصر البشر ، وخطب باسم المظفر على منبر الكرك ، وأنعم على الحاج آل ملك وأعاده ، فلم يتركه المظفر ، وأخذ يناكده ، ويطلب منه من معه من المماليك الذين اختارهم للإقامة عنده ، والخيول التى أخذها من قلعة الجبل ، والمال الذى أخذه من الكرك ، وهدده بتجهيز العساكر إليه وأخذه ، فحنق لذلك ، وكتب لنواب الشام يشكو ما هو فيه ، فحثوه على القيام لأخذ ملكه ، ووعدوه بالنصر ، فتحرك لذلك ، وصار إلى دمشق ، وأتته النواب.

وقدم إلى مصر ، ففر بيبرس ، وطلع الناصر القلعة يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة ، فأقام فى الملك اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وعشرين يوما. ومات فى ليلة الخميس حادى عشرين ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وعمره سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام.

ومدة سلطنته فى المدد الثلاث ثلاث وأربعون سنة وثمانمائة أشهر وتسعة أيام ، وحجّ فيها ثلاث مرات.

الأولى فى سنة ثنتى عشرة وسبعمائة ، وسببها أن خربندا تحرك لأخذ الشام ، ونزل على الفرات ، فخرج السلطان بعساكر مصر فى ثالث شوال ، وسار إلى الصالحية ، فقدم البريد من حلب ودمشق برحيل خربندا عن الرحبة يوم عيد الفطر يريد بلاده ، فسرّ السلطان بذلك وعزم على الحج ، ودخل دمشق فى ثالث عشرينه ، وفرّق العساكر فى الجهات ، وركب فى أربعين أميرا وستة آلاف مملوك على الهجن فى أول ذى القعدة وأخذ معه مائة فرس ، فقضى نسكه ، وعاد إلى الشام بعد مروره بالمدينة النبوية ودخوله الكرك ، فدخل فى حادى عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وهو راكب ناقة لطيفة القد بعمامة مدّورة ولثام ، وعليه بشت من أبشات العرب ، وفى يده حربة.

وتلقاه شيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن تيمية وسائر الفقهاء وجميع الناس ، فكان يوما مشهودا ، وبلغ كرادار التفرج على السلطان ستمائة درهم فضة ، ثم سار إلى مصر ، وصعد قلعة الجبل فى ثانى عشر صفر.

ثم حجّ فى سنة تسع وعشرة وسبعمائة ، فلما تحرك لذلك أتته تقادم الأمراء وسائر نواب الشام وأمراء دمشق وحلب ، وأول من بعث تقدمته الأمير تنكز ـ نائب الشام ـ وفيها الخيل والهجن بأكوار الذهب ، والسلاسل من الذهب والفضة ، وجميع المقاود والمخاطم والآلات من الحرير الملون المحكم الصنعة ، ثم تقادم الملك المؤيد عماد الدين ـ صاحب حماة ـ ثم تلاه الأمراء.


وشرع القاضى كريم الدين عبد الكريم ـ ناظر الخاص ـ فى تجهيز ما يحتاج إليه ، وخرج إلى ناحية سرياقوس وصار يقف وهو مشدود الوسط أو يجلس على كرسى ، وسائر أرباب الوظائف فى خدمته وهو يرقب الأمور ، فعمل عدة قدور من فضة ونحاس تحمل على البخاتى ليطبخ فيها ، وأحضر الخولة لعمل مباقل وخضروات ورياحين ومشمومات فى أحواض خشب لتحمل على الجمال وتسقى طول الطريق ، ويؤخذ منها كل يوم ما يحتاج إليه ، ورتب الأفران وقلائى الجبن وصنّاع الكماج (١) والسميذ وغير ذلك مما يحتاج إليه ، وأعطى العربان أجر الجمال التى تحمل الشعير والبشماط والدقيق ، وجهز مركبين فى البحر إلى الينبع ومركبين إلى جدة ، بعد ما اعتبر كلفة العليق بأوراق كتب فيها أسماء اثنين وخمسين أميرا ، منهم من له فى اليوم مائة عليقة ، ومنهم من له خمسون ، وأقلّهم من له عشرون عليقة ، فكانت جملة الشعير المحمول مائة ألف أردب وثلاثين ألف أردب.

وجهز من الشام خمسمائة جمل تحمل الحلوى والسكردانات (٢) والفواكه وحضرت أيضا حوائج خاناه على مائة وثمانين جملا تحمل الحب رمّان واللوز وما يحتاج إليه فى الطبخ ، سوى ما حمل من الحوائج خاناه من القاهرة ، وجهز ألف طائر أوز وثلاثة آلاف طائر دجاج.

فلما تهيأ ذلك ركب السلطان مستهل ذى القعدة ، ومعه المؤيد ـ صاحب حماة ـ وقاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى بعد ما مهدت عقبة أيلة من الصخور ، ووسع مضيقها بعد ما كان سلوكه صعبا ، وفتح مغارة شعيب.

فلما قدم مكة أظهر من التواضع والذلة والمسكنة أمرا زائدا ، وسجد عند معاينته البيت سجود عبد ذليل ، ثم التفت إلى الأمير بدر الدين جنكلى بن البابا ، وقال : «لا زلت أعظّم نفسى حتى رأيت البيت فذكرت تقبيل الناس الأرض لى ، فدخل قلبى مهابة عظيمة لم تزل حتى سجدت لله تعالى شكرا».

وتقدم إليه ابن جماعة وحسّن له أن يطوف راكبا فإن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ طاف راكبا ، فقال : «يا قاضى ، ومن أنا حتى أتشبه بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ والله لا طفت إلا كما يطوف الناس» ، فطاف من غير أن يكون معه أحد من الحجاب ، فصار الناس يزحموانه ويزاحمهم كواحد منهم حتى قضى طوافه وسعيه.

__________________

(١) مفرده كماجة ، وهى لفظ فارسى ، يعنى الخبز الشديد البياض يعجن بغير خميرة ويخبز على الرماد.

(٢) لفظ فارسى مركب ، يعنى الوعاء المستعمل لحفظ الحلوى.


وكان قد حجّ جماعة من المغل فأحضرهم وأنعم عليهم إنعاما زائدا وأمر أن تكسى الكعبة بالحرير الأطلس ، وأخرج الثياب للصناع فعملوها.

وفرّق فى أهل مكة مالا عظيما ، وأفاض التشاريف على أمراء مكة وأرباب وظائفها وأمير ينبع وأمير خليص ، وأنعم عليه بخمسة آلاف درهم برسم عمارة خليص ، وكان لها عدة سنين قد انقطعت وجعل ذلك مقررا فى كل سنة برسم عمارتها.

واجتمع عند السلطان من العربان ما لم يجتمع لملك قبله ، وهم : سائر بنى مهدى وأمرائها ، وشطا ، وأخوه عساف ، وأولاده ، وأمراء مكة وأشرافها ، وأمراء المدينة ، وصاحبا ينبع وخليص ، وبنى لام وعرب حوارن وكبارها ، وأولاد مهنا ، وصاروا يعملون عليه إدلالا زائدا بحيث قام ابن لموسى بن مهنا (١). وقال للسلطان : «يابا على بحياة هذه ـ ومدّ يده إلى لحية السلطان ومسكها ـ إلا أعطيتنى الضعية الفلانية؟».

فصرخ فيه الفخر ناظر الجيش وقال : «ارفع يدك ، قطع الله يدك والك يا ولد الزنا ، تمد يدك إلى السلطان!».

فتبسم السلطان وقال : «يا قاضى ، هذه عادة العرب إذا قصدوا كبيرا فى شىء يكون عظمته عندهم مسك ذقنه ـ يعنى أنه قد استجار به ـ فهو عندهم سنّة» فقام الفخر مغضبا وهو يقول : «والله إن هؤلاء مناحيس ، وسنّتهم أنحس منهم ، لا بارك الله فيهم».

وصلى السلطان الجمعة بمكة ، فدعى له وللشريف فقط ، ولم يدع لصاحب اليمن تأدبا مع السلطان.

وقضى نسكه ، وسار إلى المدينة النبوية ، وصلى بها الجمعة أيضا ، وأقام يومين حتى قدم الركب ، وبعث المبشرين إلى مصر والشام ، وسار إلى ينبع فلم يجد المراكب وصلت ، فحصلت مشقة زائدة من قلة العليق ، ومشى أكثر المماليك لوقوف الجمال حتى أتت الإقامات من مصر والشام ونزل السلطان بركة الحاج فى ثانى عشر المحرم سنة عشرين وسبعمائة ، فعمل له سماط عظيم جدّا ، وركب فى موكب جليل إلى القلعة فكان يوما مشهودا.

وجلس يوم الخميس نصف المحرم بدار العدل ، فخلع على سائر الأمراء وأرباب الوظائف وأمراء العربان.

__________________

(١) انظر : (ابن خلدون ٥ / ٤٣٩ ، البداية والنهاية ١٤ / ١٩٣ ، النجوم الزاهرة ١٠ / ٧٦ ، الأعلام ٧ / ٣٢٩).


وحجّ ثالثا فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، ورسم بسفر الخواتين وبعض السرارى ، وكتب لنائب الشام بتجهيز ما يحتاج إليه فوصلت التقادم على العادة من النواب وأمراء الشام وأمراء العربان ، وطلب سائر صناع مصر لعمل الاحتياجات.

وخرج المحمل على العادة ، وأمير الركب الأمير عز الدين أيدمر الخطيرى ، فرحل فى عشرين شوال.

وركب السلطان فى سبعين أميرا من قلعة الجبل يوم الخامس والعشرين منه ، وسفّر الحريم مع الأمير سيف الدين طقزتمر ، فلما قارب عقبة أيلة بلغه أن الأمير بكتمر الساقى على نية المخامرة فهم بالرجوع وبعث ابنه أنوك وأمه إلى الكرك. ثم قوى عزمه على المسير ، فسار وهو محترز ، ورسم أن كلا من الأمراء يحضر باب الدهليز بثلاثين مملوكا ، فصار الجميع ينامون وعددهم تحت رءوسهم ، وكل أحد مشتمل عليه زردية ، وسيفه متقلد به وترسه على كتفه ، وترك السلطان النوم فى مبيته.

فلما وصل إلى ينبع تلقاه الشريف أسد الدين رميثة (١) ـ أمير مكة ـ بينبع ومعه القواد والأشرف ، فأكرمه ورحّب به ، وتوجّه حتى نزل خليص ، ففر عند الرحيل ثلاثون مملوك ، فاهتم السلطان لذلك وصار حتى قدم مكة ، وجرى على عادته فى التواضع لله تعالى وكثرت الصدقات على أهل مكة والإنعام على الأمراء والأجناد ، وقضى نسكه ، وبعث الأمير أيتمش المحمدى ومعه مائة حجار إلى العقبة. فوسّعها ونظّمها.

ودخل السلطان المدينة النبوية ، فهبت بها رياح عاصفة قلعت الخيم ، وأظلم الجو ، وصار كل أحد يهجم على غير خيمته ولا يعرف موضعه ، فانزعج السلطان انزعاجا زائدا ، وخاف من أن يفتك به أحد ويغتاله ووقع الصياح فى الوطاقات (٢) ، وكان أمرا مهولا طول الليل حتى طلع الفجر فانجلى ذلك.

وحضر أمراء العربان بالمماليك الهاربين عن آخرهم ، ورحل عن المدينة ، فتوعك أحمد بن الأمير بكتمر الساقى ، ومات بعد أيام ، ولم يقم بعده بكتمر إلا ثلاثة أيام ، ومات أيضا بالقرب من عيون القصب ، فتحدث الناس أن السلطان سقاهما ، فدفنا بعيون القصب ، ثم نقلا إلى تربة بكتمر بالقرافة.

__________________

(١) انظر : (شذرات الذهب ٦ / ١٤٩ ، الدرر الكامنة ٢ / ١١١ ، خلاصة الكلام ٢٨ ـ ٣٠ ، النجوم الزاهرة ١٠ / ١٤١ ، الأعلام ٣ / ٣٣).

(٢) جمع الوطاق ، وهو لفظ تركى ، يعنى : الخيمة أو مجموعة الخيام أو المعسكر أو الغرفة.


وسار السلطان وقد اطمأن بعد ما كان خائفا فزعا ، فقدم بركة الحاج يوم السبت ثانى عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ، وصعد القلعة فى موكب عظيم لم ير مثله ، ومشى على شقاق الحرير بفرسه وهو ضارب اللثام.

وفرح الناس به فرحا زائدا ، ودقّت البشائر وطبلخانات الأمراء ثلاثة أيام ، وعملت الأفراح.

وجلس فى يوم الاثنين ، وخلع على سائر الأمراء والمقدمين ، وأنعم إنعاما عظيما.

* * *

منسا موسى ملك التّكرور

أول من حج من ملوك التّكرور. ويقال إن أول من أسلم منهم ملك اسمه سرمندانه ، ويقال برمندانه.

ثم حج منساولى بن مارى بن جاظة فى أيام الملك الظاهر بيبرس ، ثم حجّ ساكبوره ، وكان قد تغلب على ملكهم ، وفتح بلاد كوكو ثم حج منسا موسى لما قدم إلى مصر سنة أربع وعشرين وسبعمائة بهدايا جليلة وذهب كثير ، فأرسل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون المهمندار لتلقيه ، وركب به إلى القلعة فى يوم الخدمة ، فامتنع أن يقبّل الأرض ، وقال للترجمان : «أنا مالكى المذهب ، ولا أسجد لغير الله» فأعفاه السلطان من ذلك ، وقرّبه وأكرمه ، وسأله عن سبب مجيئه ، فقال : «أردت الحج» ، فرسم للوزير أن يجهزه بكل ما يحتاج إليه.

ويقال إنه قدم معه أربعة عشر ألف جارية برسم خدمته خاصة فأقبل أصحابه على شراء الجوارى من الترك والحبوش والمغنيات والثياب ، فانحط سعر الذهب ستة دارهم.

وقدّم منسا موسى هديته ، وخرج مع الركب بعد ما أوصى به السلطان الأمير سيف الدين أيتمش ـ أمير الركب ـ فسار ركبا وحده فى ساقة الحاج حتى قضى حجه.

وتأخر بمكة بعد الموسم أياما وعاد ، فهلك كثير من أصحابه وجماله بالبرد حتى لم يصل معه إلا نحو الثلث منهم ، فاحتاج إلى قرض مال كثير من التجار ، واشترى عدة كتب من فقه المالكية ، وأنعم السلطان عليه بخيول وجمال. وسافر إلى بلاده بعد ما تصدق فى الحرمين بمال كثير. وكان إذا حدثه أصحابه فى أمر كشفوا رءوسهم عند مخاطبته عادة لهم.

* * *


الملك المجاهد على بن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر

يوسف بن الملك المنصور عمر بن على بن رسول صاحب اليمن (١)

حجّ سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، واطلع علمه جبل عرفة وقد وقف بنو حسن فى خدمته حتى قضى حجه. وعزم على كسوة الكعبة ، فلم يمكنه من ذلك أمير مكة ، فسار وهو حنق.

ثم حجّ ثانيا فى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ، وقد قدم عليه الشريف ثقبة بن رميثة(٢) ، وأغراه بأخيه عجلان (٣) ، وأطمعه فى مكة وكسوة الكعبة ، فسار فى عسكر كبير ، فبلغ ذلك الشريف عجلان.

وكان الأمير طاز قد حج فى جماعة من الأمراء ، فبلغهم قدوم صاحب اليمن فى جحفل عظيم ، وأنه يريد يدخل مكة بلامة الحرب وحوله سلاح داريته وطبر داريته (٤) ليقيم فتنة ، فبعثوا إليه : «أنه من يريد الحج إنما يدخل مكة بذل ومسكنة ، وأنت تريد تبتدع بدعة فاحشة ، ونحن لا نمكنك من الدخول على هذه الصفة ، فإن أردت السلامة فابعث إلينا الشريف ثقبة يكون عندنا حتى تقضى الحج». فلم يجد بدا من الإذعان ، وبعث ثقبة ، فأكرمه الأمراء.

وبعث الأمير طاز إلى صاحب اليمن بالأمير طقطاى فى جماعة من المماليك ليكونوا فى خدمته حتى يقضى حجه ، فساروا إليه ، وأبطلوا السلاحدارية وحمل الغاشية وسائر ما كان اهتم به ، ومشوا فى خدمته حتى دخل الحرم وسلم على الأمراء واعتذر إليهم ، وأضمر أنه يصبر حتى يرحل الأمير طاز ، ويثور هو وثقبة على من بقى مع أمير الركب ، ويأخذ عجلان ، ويملكان مكة.

فلما كان يوم منى ركب الأمير بزلار ـ أمير الركب ـ من مكة فرأى خادم صاحب اليمن ، فاستدعاه إليه ، فامتنع من الحضور ، وضرب مملوك بزلار وبعض جنده

__________________

(١) انظر : (العقود اللؤلؤية ٢ / ٢ ، ٨٣ / ١٢٣ ، الدرر الكامنة ٣ / ٤٩ ، البدر الطالع ١ / ٤٤٤ ابن خلدون ٥ / ٥١٣ ، البداية والنهاية ١٤ / ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، الأعلام ٤ / ٢٨٦ ، ٢٨٧).

(٢) انظر : (الدرر الكامنة ١ / ٥٣٠ ، البدر الطالع ١ / ١٨١ ، النجوم الزاهرة ١٠ / ٢٢٦ ، ٢٦٤ ، الأعلام ٢ / ١٠٠).

(٣) انظر : الدرر الكامنة ٢ / ٤٥٣ ، خلاصة الكلام ٣ ، الأعلام ٤ / ٢١٦).

(٤) وهو الذى يحمل الطبر حول السلطان عند ركوبه فى المواكب وغيرها. انظر : صبح الأعشى ١ / ٤٥٨.


بحربة ، ووقع الصوت فى الركب ، وركب بزلار إلى طاز ، وثار أهل اليمن بالسلاح ، فركب أمراء مصر وقت الظهر ، واقتتلوا مع اليمنيين ، وهزموا بزلار هزيمة قبيحة ، وأقبل عجلان ـ أمير مكة ـ بجيش كبير ، فأمره طاز أن يحفظ الحاج ، واستمرت الحرب إلى العصر ، وانكسر جيش اليمن ، وقتل منهم جماعة ، وقطع دهليز المجاهد ، وقبض عليه ، ونهبت أثقاله.

وقضى الناس حجتهم ، وسار الأمير طاز بالمجاهد معه ، ورتّب فى خدمته جماعة من مماليكه ، وبالغ فى إكرامه ، ووصّى الأمير عجلان بأمه وحرمه ، وكتب إلى السلطان يعرّفه بما وقع ، وتوجّه إلى مصر فقدم فى العشرين من المحرم سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ، وصعد به إلى القلعة مقيدا فى يوم الخدمة ، فأوقف تجاه النائب ، والأمراء قعود ، حتى خرج أمير جاندار ، ودخل الأمراء إلى الخدمة بالإيوان ، وهو معهم ، فقبّل الأرض بين يدى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ، ثم فكّ قيده ، وأنزل بالأشرفية من القلعة ، وأطلق له راتب ، وأقيم له من يخدمه ، ثم رسم بسفره إلى بلاده ، فخرج معه الأمير قشتمر ـ شاد الدواوين ـ وكتب للشريف عجلان ـ أمير مكة ـ أن يجهّزه ، وخلع عليه أطلسان ، وركب فى الموكب ، واستأنس السلطان به ، وتردد إليه الناس ، واقترض مالا كثيرا ، واشترى المماليك والخيل والجمال ، وأتته الإنعامات من السلطان ، والتقادم من الأمراء ، والتزم بحمل المال كل سنة على العادة.

وسار أول ربيع الأول ، فبعث قشتمر بالشكوى منه ، فرسم له أن يقبض عليه ويسيّره إلى الكرك ، ففعل ذلك ، وقبض عليه بالينبع ، وبعث به إلى الكرك. وأقام الملك المجاهد بالكرك قليلا ، ثم أفرج عنه ، وأحضر إلى القاهرة ، ووبّخ وعنّف تعنيفا كبيرا من الأمراء ، ثم خلع عليه ، وجهّز فى النيل ليتوجه إلى بلاده من عيذاب فى البحر ، وأنعم عليه الأمراء والسلطان بأشياء كثيرة ، ووصل إلى بلاده ، وقد ضبطت له أمه المملكة ، وأقام بها حتى مات فى سنة تسع وستين وسبعمائة ، وملك بعده ابنه الأفضل عباس.

* * *

الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون (١)

جلس على تخت الملك وعمره عشر سنين فى نصف شعبان سنة أربع وستين

__________________

(١) انظر : (مورد اللطافة ٨٧ ، ابن إياس ١ / ٢١٢ ، حسن المحاضرة ٢ / ١٠٤ ، الدرر الكامنة ٢ / ١٩٠ ، البداية والنهاية ١٤ / ٣٠٢ ـ ٣٢٤ ، الأعلام ٣ / ١٦٤).


وسبعمائة ، وقام بأمر الملك الأمير يلبغا العمرى الخاصكى إلى أن قتل فى ربيع الآخر سنة ثمان وستين وسبعمائة ، فقوى أمره قليلا ، ثم قتل أسندمر بعد يلبغا ، واشتد أمره ، وأوقع باليلبغاوّية الأجلاب (١) وشرع بالاهتمام بالحج فى سنة ثمان وسبعين ، وخرج أطلاب السلطان يوم الأحد ثالث عشره فجر عشرين قطار هجن بقماش ذهب ، وخمسة عشر قطارا بعبى حريرا ، وقطارا ملبس خليفتى ، وقطارا بقماش أبيض برسم الإحرام ، ومائة رأس خيل مشهورة ، وكجاوّتين ، وتسع محفات ، كلها بأغشية حرير مزركش ، وستة وأربعين زوج محاير ، وخزانة عشرين جملا ، وقطارين جمالا تحمل خضرا مزدرعة ومن الجمال المحملة شيئا كثيرا.

وركب يوم الاثنين رابع عشره ، فأقام بسرياقوس إلى يوم الثلاثاء ثانى عشرينه ، واستقل بالمسير ومعه من الأمراء المقدمين تسعة ، ومن الطبلخانات خمسة وعشرون ، ومن العشراوات خمسة عشر.

فركب قشتمر المحمدى اللفاف ـ أحد العشرات ـ وقرطاى ـ رأس نوبة ـ وجماعة يوم السبت ثالث ذى القعدة خارج القاهرة وسلطنوا أمير على بن السلطان (٢) فقدم الخبر يوم الأحد رابعه بأن السلطان وصل إلى عقبة أيلة يوم الثلاثاء ، وأقام إلى ليلة الخميس ، فركب عليه المماليك بسبب تأخير النفقة ، فانهزم السلطان فى نفر يسير ، فخرج إلى قبة النصر ، فقبضوا على الأمير صرغمتش وغيره من الأمراء وقتلوهم.

وقبض على الأشرف من بيت امرأة فى ليلة الاثنين خامس ذى القعدة ، فكان آخر العهد به ، قتل خنقا. والله سبحانه أعلم بالصوب ، وإليه المرجع والمآب.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

* * *

__________________

(١) الأجلاب هم المماليك الجدد الذين يشتريهم السلطان الجديد بعد توليته ، أو الأمير.

(٢) انظر : (ابن إياس ١ / ٢٣٨ ، الأعلام ٤ / ٢٩٣).


مراجع التحقيق

١ ـ خير ما ابتدئ به القرآن الكريم.

٢ ـ آثار الأدهار : تأليف سليم بن جبرائيل الخوري وسليم ميخائيل شحاتة. الجزء الأول منه ، وقسم من الثانى. طبع فى بيروت ١٨٧٥ ـ ١٨٧٧.

٣ ـ آثار البلاد وأخبار العباد ، لزكريا بن محمد القزوينى المتوفى (٦٢٨ ه‍). ط دار صادر ببيروت.

٤ ـ الآثار الباقية عن القرون الخالية : لمحمد بن أحمد البيرونى. طبع فى ليبسك ١٩٢٣.

٥ ـ آثار المدينة المنورة : لعبد القدوس الأنصارى. طبع بدمشق ١٩٣٥.

٦ ـ آداب العصر فى شعراء الشام والعراق ومصر : لسعد ميخائيل.

٧ ـ آداب الشافعى ومناقبه ، لابن أبى حاتم أبى محمد عبد الرحمن المتوفى (٣٢٧ ه‍). تحقيق عبد الغنى عبد الخالق. نشر مكتبة التراث بحلب.

٨ ـ أبجد العلوم : لصديق حسن خان القنوجى. طبع فى بهوبال ١٢٩٥ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٩ ـ الأبحاث المسددة فى فنون متعددة : للمقبلى ؛ صاحب العلم الشامخ. مخطوط.

١٠ ـ إتحاف فضلاء الزمن بتاريخ ولاية بنى الحسن : لمحمد بن على ، ابن المحب الطبرى. مخطوط فى مكتبة محمد ماجد الكردى ، بمكة.

١١ ـ إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربع عشرة ، لأحمد الدمياطى البنا ، ط.

عبد الحميد حنفى بالقاهرة.

١٢ ـ إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ، للزبيدى.

١٣ ـ إتحاف المطالع : لعبد السلام بن سودة : مخطوط.

١٤ ـ إتمام الوفاء فى سيرة الخلفاء : للسيوطى. بدار الكتب العلمية. بيروت.

١٥ ـ الإحاطة فى أخبار غرناطة : لابن الخطيب. طبع فى مصر ١٣١٩ ه‍.


١٦ ـ أحسن الأثر ، فيمن أدركناه فى القرن الرابع عشر : لمحمد صالح الكاظمى. طبع بغداد.

١٧ ـ أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم : للبشارى. طبع فى ليدن ١٩٠٩.

١٨ ـ أحسن الوديعة فى تراجم أشهر مشاهير مجتهدى الشيعة : لمحمد مهدى الكاظمى. جزآن. تتمة لكتاب «روضات الجنات» طبع ببغداد ١٣٤٧ ه‍.

١٩ ـ أخبار الأعيان فى جبل لبنان : لطنوس بن يوسف الشدياق الحدثى المارونى. طبع ببيروت ١٨٥٩.

٢٠ ـ أخبار أهل عمان من أول إسلامهم إلى اختلاف كلمتهم. طبع فى همبورغ ١٣٥٧ / ١٩٣٨.

٢١ ـ أخبار الأول فيمن تصرف فى مصر من أرباب الدول : لمحمد بن عبد المعطى الإسحاقى طبع فى مصر (على الحجر) ١٢٧٦ ه‍.

٢٢ ـ أخبار الدول وآثار الأول : للقرمانى. طبع على هامش الكامل لابن الأثير (بولاق) ١٢٩٠ ه‍.

٢٣ ـ أخبار الدولة السلجوقية : لعلى بن ناصر بن على الحسينى. طبع فى لاهور ١٩٣٣.

٢٤ ـ أخبار الراضى بالله والمتقى لله ، من كتاب الأوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى طبع بمصر ١٩٣٥.

٢٥ ـ الأخبار السنية فى الحروب الصليبية : لسيد على الحريرى. طبع فى مصر ١٣١٧ ه‍.

٢٦ ـ الأخبار الطوال : للدينورى. طبعة مصر ١٣٣٠ ه‍.

٢٧ ـ أخبار العصر فى انقضاء دولة بنى نصر : نظر «آخر بنى سراج».

٢٨ ـ إخبار العلماء بأخبار الحكماء : للقفطى. طبع فى مصر ١٣٢٦ ه‍.

٢٩ ـ أخبار القضاة : لوكيع. طبع فى القاهرة سنة ١٣٦٦ ـ ١٣٦٩ ه‍.

٣٠ ـ أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار : للأزرقى. مجلد ، فى جزآن. طبع بمكة ١٤٠٣ ه‍.


٣١ ـ أخبار النحويين البصريين : لأبى سعيد السيرافى. من مطبوعات معهد المباحث الشرقية بالجزائر ١٩٣٦.

٣٢ ـ أدب الإملاء والاستملاء : لعبد الكريم بن محمد السمعانى. طبع فى لندن ١٩٥٢. ودار الكتب العلمية بيروت.

٣٣ ـ أدباء حلب ذوو الأثر فى القرن التاسع عشر : لقسطاكى الحمصى. طبع بحلب ١٩٢٥.

٣٤ ـ الأرج المسكى والتاريخ المكى : لعلى بن عبد القادر الطبرى المكى. مخطوط.

٣٥ ـ إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ، المعروف بمعجم الأدباء : لياقوت الحموى. سبعة أجزاء ، طبعة مرجليوث ، بمصر ١٩٠٧ ـ ١٩٢٥. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٦ ـ أزهار الرياض فى أخبار عياض : لأحمد بن محمد المقرى. أربعة أجزاء ، طبع ثلاثة منها بمصر ١٣٥٨ ـ ١٣٦١ ه‍.

٣٧ ـ الأزهار الرياضية فى أئمة وملوك الإباضية : لسليمان بن عبد الله البارونى ، الجزء الثانى طبع بمطبعة الأزهار البارونية.

٣٨ ـ الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى : لأحمد بن خالد الناصرى السلاوى أربعة أجزاء طبع بمصر ١٣١٢ ه‍.

٣٩ ـ الاستيعاب فى أسماء الأصحاب : ليوسف بن عبد الله بن عبد البر ، أربعة أجزاء طبعت على هامش «الإصابة» بمصر ١٣٥٨ / ١٩٣٩. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٤٠ ـ أسد الغابة فى معرفة الصحابة : لابن الأثير. خمسة مجلدات. طبع بمصر ١٢٨٠ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٤١ ـ إسعاف المبطأ برجال الموطأ : لجلال الدين السيوطى. طبعة الهند ١٣٢٠ ه‍. بآخر تنوير الحوالك شرح موطأ مالك للسيوطى أيضا. طبعة مصر ١٣٤٤. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٤٢ ـ الإسلام والتجديد فى مصر : للمستشرق تشارلز آدمس. نقله إلى العربية عباس محمود. طبع بمصر ١٣٥٣ / ١٩٣٥.


٤٣ ـ أسماء جبال تهامة وسكانها : لعرام بن الأصبغ السلمى. طبع بمصر ١٣٧٣ ه‍. ودار الكتب العلمية بيروت.

٤٤ ـ أسماء خيل العرب وفرسانها : للجواليقى. طبع مع نسب الخيل للكلبى ، بليدن ١٩٢٨.

٤٥ ـ أسماء الصحابة الرواة : لابن حزم. طبع مع «جوامع السيرة». دار الكتب العلمية. بيروت.

٤٦ ـ أسماء المغتالين من الأشراف : لمحمد بن حبيب. طبع فى نوادر المخطوطات ٢ : ١٠٥.

٤٧ ـ الأسماء المفردة : لأبى بكر أحمد بن هارون بن روح ، البرديجى ، المتوفى سنة ٣٠٠. رسالة مخطوطة فى المكتبة الخالدية بالقدس.

٤٨ ـ الأسماء والكنى : للحافظ الحاكم محمد بن محمد النيسابورى.

٤٩ ـ أسواق العرب فى الجاهلية والإسلام : لسعيد الأفغانى. طبع فى دمشق ١٣٥٦ / ١٩٣٧.

٥٠ ـ الاستدراك ، لأبى بكر محمد بن عبد الغنى بن نقطة ، المتوفى ٦٢٩ ه‍. نسخة الظاهرية (٤٢٩) ونسخة دار الكتب المصرية (١٠).

٥١ ـ الاشتقاق : لابن دريد الأزدى. طبع فى جوتنجن ١٨٥٤.

٥٢ ـ الإشراف فى منازل الأشراف : لابن أبى الدنيا. دار الكتب العلمية. بيروت. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا.

٥٣ ـ إشراق التواريخ : لمحمد البركوى. مخطوط فى مكتبة البلدية بالإسكندرية.

٥٤ ـ الإصابة فى تمييز الصحابة : لابن حجر العسقلانى. أربعة مجلدات. طبع بمصر ١٣٥٨ / ١٩٣٩. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٥٥ ـ الأصمعيات : اختيار الأصمعى. طبع فى مصر ١٣٧٥ / ١٩٥٥.

٥٦ ـ إعجام الأعلام : لمحمود مصطفى. طبع فى مصر ١٣٥٤ / ١٩٣٥. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٥٧ ـ الأعلام الخطيرة فى ذكر أمراء الشام والجزيرة : لمحمد بن على بن شداد. والجزء الثانى منه فى «تاريخ مدينة دمشق». طبع بها ١٣٧٥ / ١٩٥٦).


٥٨ ـ الأعلاق النفيسة : لابن رسته. طبع فى ليدن ١٨٩١.

٥٩ ـ أعلام الأدب والفن : لأدهم الجندى. طبع بدمشق ١٩٥٤.

٦٠ ـ الإعلام بتاريخ الإسلام : لأبى بكر بن أحمد ، ابن قاضى شهبة الأسدى ، المتوفى سنة ٨٥١ ه‍.

٦١ ـ الإعلام بفضائل الشام : لأحمد بن على المنينى. طبع فى القدس.

٦٢ ـ الإعلام بما وقع فى مشتبه الذهبى من الأوهام : جردها من توضيح المشتبه مؤلفهما محمد بن أبى بكر عبد الله بن محمد ، المعروف بابن ناصر الدين. مخطوط كتب سنة ٨٢٩. فى المكتبة العربية بدمشق.

٦٣ ـ الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام : لعباس (بن محمد بن محمد) بن إبراهيم المراكشى. خمسة مجلدات منه ، طبعت بفاس ابتداء من سنة ١٩٣٦.

٦٤ ـ الإحسان فى ترتيب صحيح ابن حبان ، لأبى الحسن على بن بلبان الفارسى المتوفى (٧٣٩ ه‍) ، طبع دار الكتب العلمية. بيروت.

٦٥ ـ إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين : لمحمد بن على بن طولون. رسالة طبعت فى دمشق ١٣٤٨ ه‍.

٦٦ ـ إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء : لمحمد راغب الطباخ الحلبى. سبعة مجلدات. طبع فى حلب ١٣٤٢ ه‍.

٦٧ ـ أعلام النساء : لعمر رضا كحالة. ثلاثة مجلدات. طبع فى دمشق ١٣٥٩ ه‍.

٦٨ ـ الإعلان بالتواريخ لمن ذم التاريخ : للسخاوى. طبع بدمشق ١٣٤٩ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٦٩ ـ أعمار الأعيان : لأبى الفرج ابن الجوزى. رسالة مخطوطة ، كتبت سنة ٥٩٢ وقرئت على مؤلفها.

٧٠ ـ أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يجر ذلك من شجون الكلام : للسان الدين ابن الخطيب. فصل منه نشره حسن حسنى عبد الوهاب. طبع فى باليرمو ١٩١٠.

٧١ ـ الأغانى : لأبى الفرج الأصفهانى. طبعة الساسى بمصر ٢١ جزءا ، عدا الفهارس وهى ٤ أجزاء. سنة ١٣٢٣. ودار الكتب العلمية. بيروت.


٧٢ ـ الآداب ، للإمام البيهقى ، المتوفى (٤٥٨ ه‍) تحقيق محمد عبد القادر عطا ، طبع دار الكتب العلمية ، بيروت.

٧٣ ـ الاغتباط بتراجم أعلام الرباط : لأبى عبد الله محمد بوجندار الرباطى. خطوط ، جزآن فى مجلد واحد. نسخة عبد الله بن العباس الجرارى ، فى الرباط.

٧٤ ـ اكتفاء القنوع بما هو مطبوع : لإدوارد فنديك. طبع بمصر ١٣١٣ / ١٨٩٦.

٧٥ ـ الإكليل : للهمدانى. الجزء الثامن. طبع فى بغداد ١٩٣١ وفى برنستن ١٩٤٠.

٧٦ ـ الإكمال فى رفع الارتياب عن المختلف والمؤتلف من الأسماء والكنى والأنساب: للأمير على بن هبة الله بن ماكولا. مخطوط فى مجلدين ضخمين. كتب سنة ٥٩١ ه‍. وطبع بدار الكتب العلمية. بيروت.

٧٧ ـ أحكام القرآن لابن العربى ، تحقيق محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية. بيروت.

٧٨ ـ أحوال الرجال ، لأبى إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى المتوفى سنة ٢٥٩ ه‍ ، تحقيق صبحى السامرائى مؤسسة الرسالة ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م.

٧٩ ـ ألقاب الشعراء ومن يعرف منهم بأمه : لمحمد بن حبيب. طبع بمصر ١٣٧٤ / ١٩٥٤ (فى نوادر المخطوطات ٢ : ٢٧٩).

٨٠ ـ الأمالى : لإسماعيل بن القاسم القالى. جزآن. طبع فى مصر ١٣٤٤ / ١٩٢٦. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٨١ ـ إمتاع الأسماع : للمقريزى. المجلد الأول منه. طبع فى القاهرة ١٩٤١.

٨٢ ـ الإمتاع والمؤانسة : لأبى حيان التوحيدى. ثلاثة أجزاء. طبع بمصر ١٩٣٩.

٨٣ ـ أمراء دمشق فى الإسلام : لصلاح الدين الصفدى. من مطبوعات المجمع العلمى العربى بدمشق ١٣٧٤ / ١٩٥٥.

٨٤ ـ أنباء الزمن فى تاريخ اليمن : ليحيى بن الحسين بن الإمام القاسم ، المتوفى بعد سنة ١٠٩٩ ه‍. مخطوط مرتب على السنين. فى دار الكتب المصرية. تجد وصفه فى فهرسها (٥ : ٣٩) باسم «أنباء الزمن» كذا ، والذى فى نهايته : «المسمى بأنباء الزمن» ابتدأه بمولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وختمه بأخبار سنة ١٠٤٦ ه‍ ، وأنجز تأليفه سنة ١٠٦٥.


٨٥ ـ الأنساب : للسمعانى. طبع بالزنكوغراف ، بليدن ١٩١٢. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٨٦ ـ أنساب الخيل : لابن الكلبى. طبع فى مصر ١٩٤٦.

٨٧ ـ الأنساب المتفقة فى الخط ، المتماثلة فى النقط والضبط : لابن القيسرانى. طبع فى ليدن ١٨٦٥.

٨٨ ـ إنسان العيون فى سيرة الأمين المأمون : لعلى بن برهان الدين الحلبى. يعرف بالسيرة الحلبية. ثلاث مجلدات. طبع بمصر ١٢٩٢ ه‍.

٨٩ ـ الأنيس المطرب القرطاس فى أخبار ملوك المغرب وتاج مدينة فاس : لأبى عبد الله محمد بن عبد الحليم المعروف بابن أبى زرع. مطبوع على الحجر بفاس ١٣٠٥ ه‍.

٩٠ ـ أيام العرب فى الجاهلية : لمحمد أحمد جاد المولى ، وعلى البجاوى ، ومحمد أبى الفضل إبراهيم. طبع فى مصر ١٣٦١ / ١٩٤٢.

٩١ ـ إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون : لإسماعيل باشا بن محمد أمين البابانى البغدادى. مجلدان. طبع فى استانبول ، الأول ١٣٦٤ / ١٩٤٥ والثانى ١٣٦٦ / ١٩٤٧.

٩٢ ـ بحر الأنساب ، المسمى بالمشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف : لمحمد بن أحمد بن عميد الدين الحسينى النجفى. طبع بمصر ، على الحجر ١٣٥٦ ه‍.

٩٣ ـ البحر الزاخر فى تاريخ العالم وأخبار الأوائل والأواخر : لمحمود فهمى المهندس. أربعة أجزاء. طبع فى بولاق ١٣١٢ ـ ١٣١٣ ه‍.

٩٤ ـ البخلاء : للجاحظ. طبع بمصر ١٩٤٨. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٩٥ ـ البدء والتاريخ : المنسوب لأحمد بن سهل البلخى ، وهو لمطهر بن طاهر المقدسى. ستة أجزاء. طبع فى شالون ١٩١٦.

٩٦ ـ بدائع الزهور فى وقائع الدهور : لابن إياس. ثلاثة أجزاء. طبع بمصر ١٣١١ ه‍. والرابع والخامس منه : طبعا فى استامبول ١٩٣١ و ١٩٣٢.

٩٧ ـ البداية والنهاية فى التاريخ : لابن كثير. أربعة عشر جزءا. طبع فى مصر ١٣٥١ ـ ١٣٥٨ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.


٩٨ ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع : للشوكانى مجلدان. طبع بمصر ١٣٤٨ ه‍.

٩٩ ـ بغية الرواد فى ذكر الملوك من بنى عبد الواد : ليحيى بن محمد بن خلدون. مجلدان. طبع فى الجزائر مع ترجمة فرنسية ١٣٢١ / ١٩٠٣.

١٠٠ ـ بغية المستفيد فى أخبار مدينة زبيد : لعبد الرحمن بن على الشيبانى المعروف بابن الديبع. مطبوع بالكويت.

١٠١ ـ بغية الملتمس فى تاريخ رجال أهل الأندلس : لابن عميرة الضبى. طبع فى مجريط ١٨٨٤. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٠٢ ـ بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة : لجلال الدين السيوطى. طبع بمصر ١٣٢٦ ه‍.

١٠٣ ـ بلاغات النساء : لأحمد بن طيفور. طبع بمصر ١٣٢٦ / ١٩٠٨.

١٠٤ ـ بلوغ الأرب فى معرفة أحوال العرب : لمحمود شكرى الآلوسى البغدادى. الطبعة الثانية ، بمصر ١٣٤٢ / ١٩٢٤ ثلاثة أجزاء. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٠٥ ـ بلوغ المرام ، فى شرح مسك الختام ، فى من تولى ملك اليمن من ملك وإمام : لحسين بن أحمد العرشى. ختم حوادثه سنة ١٣١٨ ه‍ ، وزاد عليه الأب أنستاس مارى الكرملى ، فأوصله إلى ١٣٥٨ ه‍. طبع بمصر ١٩٣٩.

١٠٦ ـ بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين : لمحمد بن أحمد بن عبد الله الغزى الشافعى الدمشقى. مخطوط. فى الظاهرية بدمشق.

١٠٧ ـ البيان والتبيين : للجاحظ. أربعة أجزاء. طبع فى مصر ١٣٦٧ ـ ١٣٦٩ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٠٨ ـ البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب : لابن عذارى المراكشى. أربعة أجزاء ، الأول والثانى طبعة ليدن ١٩٤٨ و ١٩٥١ والثالث طبعة باريس ١٩٣٠ والرابع طبعة تطوان ١٩٥٦.

١٠٩ ـ تاج التراجم : لقاسم بن قطلوبغا الحنفى. مخطوط ناقص الآخر. فى المكتبة الخالدية بالقدس. (طبع فى ليبسيك ١٨٦٢).


١١٠ ـ تاج العروس من جواهر القاموس : لمحمد مرتضى الزبيدى. عشر مجلدات. طبع بمصر ١٣٠٦ ـ ١٣٠٧ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١١١ ـ تاج اللغة وصحاح العربية : للجوهرى. مجلدان. طبع بمصر ١٢٨٢ ه‍.

١١٢ ـ تاريخ دمشق ، لأبى القاسم على بن الحسين بن هبة الله المعروف بابن عساكر المتوفى ٥٧١ ه‍ ، نسخة الظاهرية (تاريخ ١ ، ٢).

١١٣ ـ تاريخ الآداب العربية من الجاهلية حتى عصر بنى أمية : محاضرات لكارلو نالينو. نسقتها وترجمت بعض حواشيها الإيطالية إلى العربية ، ابنته مريم نالينو. طبع فى مصر ١٩٥٤.

١١٤ ـ تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام : للذهبى طبع منه بمصر ، خمسة أجزاء.

١١٥ ـ تاريخ الأمم والملوك : لابن جرير الطبرى. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١١٦ ـ تاريخ الأمير حيدر أحمد الشهابى : المسمى بالغرر الحسان فى تواريخ حوادث الأزمان ثلاثة أجزاء. طبع بمصر ١٩٠٠.

١١٧ ـ تاريخ الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين : ليوسف أشباخ (الألمانى). ترجمه وعلق عليه محمد عبد الله عنان. جزآن. طبع بمصر ١٣٥٩ / ١٩٤٠.

١١٨ ـ تاريخ بغداد : للخطيب البغدادى. أربعة عشر مجلدا. طبع بمصر ١٣٤٩ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١١٩ ـ تاريخ حماة : لأحمد الصابونى. طبع فى حماة ١٣٣٢ ه‍. وأعيد طبعه فيها ١٩٥٦ معلقا عليه ، ومصدرا بترجمة لمؤلفه.

١٢٠ ـ تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس : لحسين بن محمد الديار بكرى. مجلدان. طبع فى مصر ١٢٨٣ ه‍.

١٢١ ـ تاريخ دولة المماليك فى مصر : لوليم موير. ترجمه إلى العربية محمود عابدين وسليم حسن. طبع بمصر ١٣٤٢ ه‍.

١٢٢ ـ تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية : لمحمد بن ابراهيم اللؤلؤى المعروف بالزركشى. طبع بتونس ١٢٨٩ ه‍.


١٢٣ ـ تاريخ السلطان سليم مع قانصوه الغورى : لأحمد بن زنبل الرمال. طبع بمصر ١٢٧٨.

١٢٤ ـ تاريخ السليمانية : لمحمد أمين زكى. طبع ببغداد ١٣٧٠ / ١٩٥١.

١٢٥ ـ تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء : لحمزة بن الحسن الأصفهانى. طبع فى برلين ١٣٤٠ ه‍.

١٢٦ ـ تاريخ السودان : لعبد الرحمن عبد الله بن عمر السعدى. طبع فى باريس ١٨٩٨.

١٢٧ ـ تاريخ الشعراء الحضرميين : لعبد الله بن محمد بن حامد السقاف. خمسة أجزاء. طبع بمصر ابتداء من ١٣٥٣ ه‍.

١٢٨ ـ تاريخ الشعوب الإسلامية : لكارل بروكلن. نقله إلى العربية نبيه أمين فارس ومنير البعلبكى. خمسة أجزاء. طبع فى بيروت ١٩٤٨ ـ ١٩٥٠.

١٢٩ ـ تاريخ طرابلس الغرب ، المسمى التذكار فيمن ملك طرابلس ، وما كان بها من الأخبار : وهو شرح لمحمد بن خليل غلبون الطرابلسى ، على قصيدة أحمد بن عبد الدائم الأنصارى. طبع فى مصر ١٣٤٩ ه‍.

١٣٠ ـ تاريخ العرب قبل الإسلام : لجواد على. طبع منه سبعة مجلدات ، ببغداد ١٩٥٠ ـ ١٩٥٨.

١٣١ ـ تاريخ علماء الأندلس : لابن الفرضى. جزآن. طبع فى مدريد ١٨٩٠. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٣٢ ـ تاريخ علماء أهل مصر : لأبى القاسم يحيى بن على بن الطحان. جزء صغير منه. مخطوط فى المكتبة الظاهرية بدمشق.

١٣٣ ـ تاريخ علماء بغداد ، المسمى منتخب المختار : لمحمد بن رافع السلامى ، ذيل به على تاريخ ابن النجار. انتخبه التقى الفاسى المكى. طبع ببغداد ١٣٥٧ / ١٩٣٨.

١٣٤ ـ تاريخ فتح الأندلس : لابن القوطية. قطعة منه طبعت بمصر.

١٣٥ ـ تاريخ ابن الفرات : لمحمد بن عبد الرحيم بن الفرات. المجلدات ٧ ، ٨ ، ٩ وطبعت فى بيروت ١٩٣٦ ـ ١٩٤٢.


١٣٦ ـ تاريخ القادرى : لمحمد بن الطيب القادرى الحسنى. مخطوط فى جزء واحد ، مرتب على السنين. اختصره من كتابه «التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر فى أخبار أعيان أهل المائة الحادية والثانية عشر» الذى جعله ذيلا لكتاب لقط الفرائد لابن القاضى ذيل كتاب شرف الطالب لابن الخطيب القسنطينى. فى الخزانة العامة بالرباط ، رقم د١٨٤.

١٣٧ ـ تاريخ ابن قاضى شهبة : لتقى الدين أبى بكر ابن قاضى شهبة الأسدى. مرتب على السنين لحوادث والوفيات ، يبدأ بحوادث ٧٤١ وينتهى بنهاية ٧٨٥ ه‍. ومخطوط فى مجلدين. كتب سنة ٤٨٠ على يد على بن موسى بن محمد بن القابونى.أوله بعد البسملة : «رب يسر وأعن يا كريم الحمد لله مميت الأحياء ومحيى الأموات ، ومبدى الأشياء ومبيد البريات». مخطوط محفوظ فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.

١٣٨ ـ تاريخ القضاء فى الإسلام : لمحمود عرنوس. طبع فى مصر ١٣٥٢ / ١٩٣٤. ١٣٩ ـ تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها. مخطوط.

١٤٠ ـ تاريخ المساجد الأثرية (فى مصر) : لحسن عبد الوهاب. طبع بمصر ١٩٤٦.

١٤١ ـ تاريخ مصر : لعمر الإسكندرى وسفدج. جزآن. طبع بمصر ١٩١٥.

١٤٢ ـ تاريخ مصر فى عهد الخديوى إسماعيل : لإلياس الأيوبى. مجلدان. طبع بمصر ١٣٤١ / ١٩٢٣.

١٤٣ ـ تاريخ الموصل : لابن إياس الأزدى. مخطوط.

١٤٤ ـ تاريخ الموصل : لسليمان صائغ الموصلى. جزآن. طبع الأول فى مصر ١٩٢٣ والثانى فى بيروت ١٩٢٨.

١٤٥ ـ تاريخ نجد الحديث وملحقاته : تأليف أمين الريحانى. طبع فى بيروت ١٩٢٨.

١٤٦ ـ تاريخ نصارى العراق : لرفائيل أبو إسحاق. طبع فى بغداد ١٩٤٨.

١٤٧ ـ تاريخ اليعقوبى : لأحمد بن إسحاق بن واضح اليعقوبى. ثلاثة أجزاء. طبعة النجف ١٣٥٨ ه‍.


١٤٨ ـ التبر المسبوك فى ذيل السلوك : للسخاوى. طبع بمصر ١٨٩٦.

١٤٩ ـ التبيان فى تخطيط البلدان : لإسماعيل رأفت. طبع بمصر ١٣٢٩ ه‍.

١٥٠ ـ تتمة اليتيمة : لأبى منصور الثعالبى. جزآن صغيران. طبع فى طهران ١٣٥٣ ه‍.

١٥١ ـ تحفة الأحباب وبغية الطلاب فى الخطط والمزارات : لعلى بن أحمد السخاوى. طبع بمصر ١٣٥٦ ه‍.

١٥٢ ـ تحفة الإخوان : لعبد الله بن عبد الكريم الجرافى. طبع بمصر ١٣٦٥ ه‍.

١٥٣ ـ تحفة الأعيان فى سيرة أهل عمان : لعبد الله بن حميد السالمى. جزآن طبع أولهما سنة ١٣٣٢ والثانى ١٣٤٧ بمصر.

١٥٤ ـ تحفة الأمراء فى تاريخ الوزراء : لهلال بن المحسن الصابى. طبع فى بيروت ١٩٠٤.

١٥٥ ـ تحفة الدهر ونفحة الزهر فى أعيان المدينة من أهل العصر : لعمر بن المدرس عبد السلام الداغستانى المدنى. مخطوط.

١٥٦ ـ تحفة ذوى الأرب : لابن خطيب الدهشة. طبع بليدن ١٩٠٥.

١٥٧ ـ تحفة الناظرين فيمن ولى مصر من الولاة والسلاطين : لعبد الله الشرقاوى. طبع بمصر على هامش «أخبار الأول» للإسحاقى ١٣٠٣ ه‍.

١٥٨ ـ تذكرة الحفاظ : للذهبى. أربعة أجزاء. طبع فى حيدر آباد ١٣٣٣ ـ ١٣٣٤ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٥٩ ـ التذكرة الكمالية مخطوط فى الخزانة التيمورية بدار الكتب بمصر.

١٦٠ ـ تذكرة النسيان ، فى أخبار ملوك السودان : طبع مع ترجمة فرنسية ، فى باريس ١٨٩٩ ـ ١٩٠١.

١٦١ ـ تذكرة النوادر من المخطوطات العربية : رتبت وطبعت بأمر جمعية دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن ١٣٥٠ ه‍.

١٦٢ ـ تراث الإسلام : لجمهرة من المستشرقين ، بإشراف توماس أرنولد. ترجمه إلى العربية جرجيس فتح الله. جزآن. طبع فى الموصل ١٩٥٤.


١٦٣ ـ تراجم الأعيان ، من أبناء الزمان : للحسن بن محمد البورينى. مخطوط ، فى دار الكتب المصرية.

١٦٤ ـ تراجم بعض أعيان دمشق : لعبد الرحمن بن شاشو. طبع ببيروت ١٨٨٦.

١٦٥ ـ تراجم علماء طرابلس وأدبائها : لعبد الله حبيب نوفل ، طبع فى طرابلس ١٩٢٩.

١٦٦ ـ تراجم مشاهير الشرق فى القرن التاسع عشر : لجرجى زيدان. جزآن. طبع فى مصر ١٩٢٢.

١٦٧ ـ ترتيب المدارك ، وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك : للقاضى عياض ، مجلدان.

١٦٨ ـ تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلانى. طبع فى دلهى ١٢٩٠ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٦٩ ـ تقويم البلدان : للملك المؤيد أبى الفداء إسماعيل بن على بن أيوب. طبع فى باريس ١٨٤٠.

١٧٠ ـ التكملة لوفيات النقلة : إملاء الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى. مخطوط.

١٧١ ـ تلخيص مجمع الآداب : لابن الفوطى. مخطوطة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ، عن نسخة فى الظاهرية بدمشق ، بخط المؤلف.

١٧٢ ـ تلفيق الأخبار ، وتلقيح الآثار ، فى وقائع قزان وبلغار وملوك التتار : تأليف م. م. الرمزى. مجلدان. طبع فى أورنبورغ ١٩٠٨.

١٧٣ ـ تلقيح فهوم أهل الأثر ، فى عيون التاريخ والسير : لابن الجوزى. طبع مختصرا فى ليدن ١٨٩٢ وكاملا فى دلهى ١٢٨٦ / ١٨٦٩.

١٧٤ ـ تمام المتون ، فى شرح رسالة ابن زيدون : لصلاح الدين الصفدى. طبع فى دمشق ١٣٢٧ ه‍.

١٧٥ ـ التنبيه ، على أوهام أبى على فى أماليه : لأبى عبيد ، عبد الله بن عبد العزيز البكرى. طبع بمصر مع كتاب «ذيل الأمالى والنوادر» ١٣٤٤ / ١٩٢٦.


١٧٦ ـ التنبيه والإشراف : للمسعودى. طبع بمصر ١٣٥٧ / ١٩٣٨.

١٧٧ ـ التنبيه والإيقاظ ، لما فى ذيول تذكرة الحفاظ : لأحمد رافع الطهطاوى. طبع بدمشق ١٣٤٨ ه‍.

١٧٨ ـ التنقيح ، لألفاظ الجامع الصحيح : لبدر الدين الزركشى مطبوع.

١٧٩ ـ تهذيب الأسماء واللغات : لأبى زكريا النووى. طبع بمصر. أربعة أجزاء. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٨٠ ـ تهذيب الكمال ، لأبى الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى ، المتوفى ٧٤٢ ه‍. النسخة المصورة بواسطة دار المأمون للتراث بدمشق ، عن نسخة دار الكتب المصرية المخطوطة.

١٨١ ـ تهذيب مستمر الأوهام ، لأبى نصر على بن هبة الله بن جعفر الأمير ابن ماكولا ، المتوفى ٤٧٨ ه‍ ، نسخة معهد المخطوطات بالقاهرة (تاريخ ١٩٠) عن نسخة تركيا.

١٨٢ ـ تهذيب تاريخ ابن عساكر : لعبد القادر بدران. طبع منه سبعة أجزاء ، فى دمشق ١٣٢٩ ـ ١٣٥١ ه‍.

١٨٣ ـ تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلانى. اثنا عشر جزءا. طبع فى حيدر آباد الدكن ١٣٢٥ ـ ١٣٢٧ ه‍.

١٨٤ ـ التوفيقات الإلهامية : فى مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية : لمحمد مختار باشا. طبع فى بولاق ١٣١١ ه‍.

١٨٥ ـ الثمرة البهية : لمحمد بن سالم الحنفى. رسالة فى أسماء أهل بدر. طبعت بمصر.

١٨٦ ـ الجامع لأحكام القرآن ، المعروف بتفسير القرطبى : عشرون جزءا. طبع فى مصر ١٣٥٤ ـ ١٣٦٩ ه‍. ودار الكتب العلمية بيروت.

١٨٧ ـ جامع التصانيف المصرية الحديثة ، من ١٣٠١ إلى ١٣١٠ ه‍ : لعبد الله الأنصارى. رسالة طبعت بمصر ١٣١٢ ه‍.

١٨٨ ـ جامع التواريخ ، المسمى بكتاب «نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة» : للمحسن ابن على بن أبى الفهم التنوخى. طبع الأول منه بمصر ١٩٢١ والثانى والثامن بدمشق ١٣٤٨ / ١٩٣٠.


١٨٩ ـ جامع العلوم ، الملقب بدستور العلماء فى اصطلاحات العلوم والفنون : لعبد النبى بن عبد الرسول الأحمد نكرى : أربعة إجزاء. طبع فى حيدر آباد ١٣٢٩ ـ ١٣٣١ ه‍.

١٩٠ ـ جامع كرامات الأولياء : ليوسف النبهانى. مجلدان. طبع بمصر ١٣٢٩ ه‍.

١٩١ ـ جامع مسانيد الإمام الأعظم أبى حنيفة : لمحمد بن محمود الخوارزمى. جزآن. طبع فى حيدر آباد ١٣٣٢ ه‍.

١٩٢ ـ جذوة الاقتباس ، فيمن حل من الأعلام مدينة فاس : لابن القاضى. طبع بفاس ، على الحجر ١٣٠٩ ه‍.

١٩٣ ـ جذوة المقتبس ، فى ذكر ولاة الأندلس : للحميدى. طبع بمصر ١٣٧٢ / ١٩٥٢. ودار الكتب العلمية. بيروت.

١٩٤ ـ الجرح والتعديل : لعبد الرحمن بن محمد الرازى. أربعة مجلدات ضخمة. طبع فى ثمانية أجزاء ، فى حيدر آباد ١٣٧١ / ١٩٥٢ ـ ١٣٧٣ / ١٩٥٣. ودار الكتب العلمية بيروت.

١٩٥ ـ الجمل ، أو النصرة فى حرب البصرة : لمحمد بن محمد بن النعمان العكبرى ، المعروف بالشيخ المفيد. طبع فى النجف ١٣٦٨ ه‍.

١٩٦ ـ جمهرة أشعار العرب : لابن أبى الخطاب. طبع بمصر ١٣٠٨ ه‍.

١٩٧ ـ جمهرة اللغة : لابن دريد ، أربعة مجلدات ، الأخير منها فهارس. طبع فى حيدر آباد ١٣٤٤ ـ ١٣٥١ ه‍.

١٩٨ ـ الجواهر المضية فى طبقات الحنفية : لعبد القادر بن محمد القرشى. مجلدان. طبع فى حيدر آباد ١٣٣٢ ه‍.

١٩٩ ـ حديقة الأفراح ، لإزالة الأتراح : لأحمد بن محمد الشروانى اليمنى. طبع فى بولاق ١٢٨٢ ه‍.

٢٠٠ ـ حسن البيان ، عما بلغته إفريقية فى الإسلام من السطوة والعمران : لمحمد النيفر. الجزء الأول. طبع فى تونس ١٣٥٣ ه‍.

٢٠١ ـ حسن الصحابة ، فى شرح أشعار الصحابة : لعلى فهمى الموستارى. طبع الأول منه بالآستانة ١٣٢٤ رومية.


٢٠٢ ـ حسن المحاضرة ، فى أخبار مصر والقاهرة : لجلال الدين السيوطى. جزآن. طبع بمصر ١٢٩٩ ه‍.

٢٠٣ ـ حضارة الإسلام ، فى دار السلام : لجميل نخلة المدور. طبع بمصر ١٣٢٣ه‍.

٢٠٤ ـ الحضارة الإسلامية ، فى القرن الرابع الهجرى : لأدم متز. ترجمه إلى العربية محمد عبد الهادى أبو ريدة. جزءان. طبع بمصر ١٣٦٦ / ١٩٤٧.

٢٠٥ ـ حضارة العرب : لجوستاف لوبون. نقله إلى العربية عادل زعيتر. طبع بمصر ١٣٦٧ / ١٩٤٨.

٢٠٦ ـ حقائق الأخبار ، عن دول البحار : لإسماعيل سرهنك. مجلدان وقسم من الثالث. طبع بمصر ١٣١٤ ـ ١٣٤١ ه‍.

٢٠٧ ـ الحقيقة والمجاز ، فى رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز : لعبد الغنى النابلسى.

مخطوط فى ثلاثة أجزاء ، الأول فى بقاع الشام ، والثانى فى زيادات مصر ، والثالث فى ديار الحجاز.

٢٠٨ ـ الحلل السندسية ، فى الأخبار والآثار الأندلسية : لشكيب أرسلان. طبع منه ثلاثة مجلدات بمصر ١٣٥٥ ـ ١٣٥٨ ه‍.

٢٠٩ ـ الحلل السندسية ، فى الأخبار التونسية : لمحمد بن محمد الوزير. قطعة من الجزء الأول منه. طبعت فى تونس ١٢٨٧ ه‍.

٢١٠ ـ الحلل الموشية ، فى ذكر الأخبار المراكشية : للسان الدين ابن الخطيب (كذا) طبع فى تونس ١٣٢٩ / ١٩١١.

٢١١ ـ الحلة السيراء : لابن الأبار. قطعة منه. طبعت فى ليدن ١٨٤٧ ـ ١٨٥١.

٢١٢ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبى نعيم الأصبهانى. عشرة مجلدات. طبع بمصر ١٣٥١ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٢١٣ ـ حلية البشر ، فى تاريخ القرن الثالث عشر : لعبد الرزاق البيطار. مخطوط فى مكتبته بدمشق ثلاثة مجلدات.

٢١٤ ـ الحماسة : لابن الشجرى. طبع فى حيدر آباد ١٣٤٥ ه‍.

٢١٥ ـ حوادث الدهور ، فى مدى الأيام والشهور : لابن تغرى بردى. منتخبات منه. أربعة أجزاء. طبعت فى بر كلى (كليفورنيا) ١٩٣٠.


٢١٦ ـ الحور العين : لنشوان الحميرى. طبع بمصر ١٩٤٨.

٢١٧ ـ الحيوان : للجاحظ. جزآن طبع بمصر ١٣٢٣ ـ ١٣٢٤ ه‍. ودار الكتب العلمية بيروت.

٢١٨ ـ الخطط التوفيقية الجديدة : لعلى مبارك. عشرون جزءا. طبع بمصر ١٣٠٤ ـ ١٣٠٦ ه‍.

٢١٩ ـ خطط الشام : لمحمد كرد على. ستة أجزاء. طبع فى دمشق ١٣٤٣ ـ ١٣٤٧ ه‍.

٢٢٠ ـ خلاصة الأثر ، فى أعيان القرن الحادى عشر : للمحبى. أربعة مجلدات. طبع بمصر ١٢٨٤ ه‍.

٢٢١ ـ خلاصة تاريخ تونس : لحسن حسنى عبد الوهاب. طبع بتونس ١٣٧٣ ه‍.

٢٢٢ ـ خلاصة تاريخ العرب فى الأندلس : لشكيب أرسلان. انظر «آخر بنى سراج».

٢٢٣ ـ دائرة المعارف : وتعرف بدائرة المعارف البستانية. أحد عشر مجلدا. طبعت فى بيروت ١٨٧٦ ـ ١٩٠٠.

٢٢٤ ـ دائرة المعارف الإسلامية : نقلها إلى العربية محمد ثابت الفندى ، وأحمد الشنتناوى ، وإبراهيم زكى خورشيد ، وعبد الحميد يونس. طبع منها أحد عشر مجلدا ، فى مصر ١٩٣٣ ـ ١٩٥٧.

٢٢٥ ـ دائرة معارف القرن الرابع عشر (العشرين) : لمحمد فريد وجدى. عشرة أجزاء ، طبعت فى مصر ١٣٥٦ / ١٩٣٧.

٢٢٦ ـ الدارس فى تاريخ المدارس : لعبد القادر النعيمى الدمشقى. مجلدان. من مطبوعات المجمع العلمى العربى بدمشق ١٣٦٧ ـ ١٣٧٠ ه‍. ودار الكتب العلمية بيروت.

٢٢٧ ـ الدر الثمين ، فى أدباء القرن العشرين : لعيسى إسكندر المعلوف. مخطوط.

٢٢٨ ـ در الحبب ، فى تاريخ أعيان حلب : لرضىّ الدين ابن الحنبلى. مخطوط ، مصور فى الخزانة التيمورية بمصر.


٢٢٩ ـ الدر الفريد ، الجامع لمتفرقات الأسانيد : لعبد الواسع بن يحيى الواسعى. طبع فى مصر ١٣٥٧ ه‍.

٢٣٠ ـ الدر المنتخب ، فى تاريخ المصريين والعرب : لإتربى أبى العز. الجزء الأول منه ، طبع بمصر ١٣١١ / ١٨٩٤.

٢٣١ ـ الدرر البهية ، والجواهر النبوية فى الفروع الحسنية والحسينية : لإدريس بن أحمد الحسنى العلوى. مجلدان. مطبوع على الحجر بفاس ، بالخط المغربى ، فى حياة مؤلفه ١٣١٤ ه‍.

٢٣٢ ـ الدرر السنية ، فى أخبار السلالة الإدريسية : لمحمد بن على السنوسى الخطابى. طبع بمصر ١٣٤٩ ه‍.

٢٣٣ ـ الدرر الفاخرة ، بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة : لعبد الرحمن بن زيدان الحسنى العلوى. طبع فى الرباط ١٣٥٦ / ١٩٣٧.

٢٣٤ ـ الدرر الكامنة ، فى أعيان المائة الثامنة : لابن حجر العسقلانى : أربعة أجزاء. طبع فى حيدرآباد ١٩٤٥ ـ ١٩٥٠. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٢٣٥ ـ دمية القصر ، وعصرة أهل العصر : لعلى بن الحسن الباخرزى. طبع فى حلب ١٣٤٩ ه‍.

٢٣٦ ـ دول الإسلام للذهبى : جزآن فى مجلد. طبع فى حيدر آباد ١٣٣٧ ه‍.

٢٣٧ ـ الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب (المالكى) : لابن فرحون. طبع بمصر ١٣٢٩ و ١٣٥١ ه‍.

٢٣٨ ـ ديوان الإسلام : لشمس الدين الغزى. مخطوط. فى الخزانة التيمورية بمصر.

٢٣٩ ـ ديوان الحماسة : لأبى تمام. جزآن. طبعة مصر ١٣٣٥ ه‍.

٢٤٠ ـ ديوان المعانى : لأبى هلال العسكرى. جزآن. طبع بمصر ١٣٥٢ ه‍.

٢٤١ ـ ديوان المفضليات : لأبى العباس المفضل بن محمد الضبى ، مع شرحه لأبى محمد القاسم بن محمد بن بشار الأنبارى. طبعة كارلوس يعقوب لايل. فى بيروت ١٩٢٠ مجلدان.

٢٤٢ ـ ذخائر العقبى ، فى مناقب ذوى القربى : لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبرى. طبع بمصر ١٣٥٦ ه‍.


٢٤٣ ـ ذخائر القصر ، فى تراجم أبناء العصر : لابن طولون. مخطوط بمعهد المخطوطات فى جامعة الدول العربية.

٢٤٤ ـ الذخيرة ، فى محاسن أهل الجزيرة : لعلى بن بسام. أقسام منه فى ثلاثة أجزاء ، طبعت بمصر ١٣٥٨ ـ ١٣٦٤ ه‍.

٢٤٥ ـ ذخيرة الدارين ، فيما يتعلق بسيدنا الحسين : للسيد عبد المجيد. طبع فى النجف (على الحجر) ١٣٤٥ ه‍.

٢٤٦ ـ الذخيرة السنية ، فى تاريخ الدولة المرينية : مجهول المصنف. كتب فى عصر السلطان يعقوب بن عبد الحق (فى القرن السابع للهجرة) طبع فى الجزائر ١٣٣٩ ه‍.

٢٤٧ ـ ذكر أخبار أصبهان : للحافظ أبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانى. مجلدان. طبع فى ليدن ١٩٣١.

٢٤٨ ـ ذكريات مشاهير المغرب : لعبد الله كنون. سبع عشرة رسالة. طبعت فى تطوان.

٢٤٩ ـ الذهب المسبوك ، فى ذكر من حج من الخلفاء والملوك : رسالة للمقريزى. نشرت فى المجلد السادس من مجلة الحج بمكة. ثم طبعت مستقلة فى مصر ١٩٥٥.

٢٥٠ ـ الذيل على طبقات الحنابلة : لابن رجب. الجزء الأول منه. طبع فى بيروت ١٣٧٠ / ١٩٥١ ونشر كاملا فى جزأين بمصر ١٣٧٢ ه‍.

٢٥١ ـ ذيل المذيّل فى تاريخ الصحابة والتابعين : لابن جرير الطبرى. مختارات منه.

طبعت فى مصر ١٣٢٦ ه‍ ، فى آخر كتابه «تاريخ الأمم والملوك».

٢٥٢ ـ الذيل والتكملة لكتابى الموصول والصلة : لمحمد بن محمد بن عبد الملك. ثلاثة أجزاء مخطوطة منه.

٢٥٣ ـ الرسالة القشيرية : لعبد الكريم بن هوزان القشيرى. طبعت بمصر ١٢٨٤ ه.

٢٥٤ ـ رفع نقاب الخفا عمن انتمى إلى وفا وأبى الوفا : لمرتضى الحسينى الزبيدى. مخطوط فى عشرين ورقة.

٢٥٥ ـ الروض الأنف ، فى تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام:لعبد الرحمن بن عبد الله السهيلى. جزآن. طبع بمصر ١٣٣٢ / ١٩١٤.


٢٥٦ ـ الروض الباسم فى حوادث العمر والتراجم : لعبد الباسط بن خليل الملطى. طبعت فى الجزائر ١٩٣٦.

٢٥٧ ـ الروض المعطار فى أخبار الأقطار : لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد المنعم الحميرى.

٢٥٨ ـ روض المناظر ، فى علم الأوائل والأواخر : لابن الشحنة. طبع على هامش الجزئين ١١ ، ١٢ من الكامل لابن الأثير ، فى مصر ١٣٠٣ ه‍ ، باسم «روضة المناظر».

٢٥٩ ـ الروض الهتون ، فى أخبار مكناسة الزيتون : لمحمد بن أحمد بن غازى العثمانى المكناسى مطبوع على الحجر ، بفاس ١٣٣١ ه‍.

٢٦٠ ـ روضات الجنات فى أحوال العلماء والسادات : لمحمد باقر الموسوى الخوانسارى الأصبهانى أربعة أجزاء فى مجلد واحد. الطبعة الثانية على الحجر ١٣٤٧ ه‍.

٢٦١ ـ روضة الأفكار والأفهام ، لمرتاد حال الإمام ، وتعداد غزوات ذوى الإسلام: لحسين بن غنام. جزآن فى مجلد. طبع على الحجر فى بمى (غير مؤرخ) وأعادت المكتبة الأهلية (فى الرياض) طبعه بالحروف ١٣٦٨.

٢٦٢ ـ الروضة الفيحاء ، فى تاريخ النساء : لياسين الخطيب العمرى. مخطوط فى الخزانة التيمورية بمصر.

٢٦٣ ـ الرياض النضرة فى مناقب العشرة : للمحب الطبرى. جزآن. طبع فى مصر ١٣٢٧ ه‍.

٢٦٤ ـ رياض النفوس فى طبقات علماء القيروان وإفريقية (إلخ) : للمالكى. الجزء الأول منه ، طبع فى مصر ١٩٥١.

٢٦٥ ـ ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا : للخفاجى. طبع فى مصر ١٢٧٣ ه‍.

٢٦٦ ـ زهرة الآس فى بناء مدينة فاس : لأبى الحسن على الجزنائى. طبع فى الجزائر ١٣٤١ / ١٩٢٣.

٢٦٧ ـ سراج الملوك : للطرطوشى. طبع بمصر ١٢٨٩ ه‍.

٢٦٨ ـ سلك الدرر ، فى أعيان القرن الثانى عشر : للمرادى. أربعة أجزاء. طبع بمصر ١٣٠١ ه‍.


٢٦٩ ـ السلوك فى طبقات العلماء والملوك ، ويعرف بطبقات الجندى : لمحمد بن يوسف الجندى اليمانى. مخطوط.

٢٧٠ ـ سلوة الأنفاس ، ومحادثة الأكباس ، فيمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس:لمحمد بن جعفر الكتانى. ثلاثة أجزاء. طبع بفاس ١٣١٦ ه‍.

٢٧١ ـ سمط اللآلى : يحتوى على «اللآلى فى شرح أمالى القالى» لأبى عبيد البكرى ، جزآن فى مجلد متسلسل الأرقام ، و «شرح ذيل الأمالى وصلة ذيله والتنبيه على الأغلاط المعدودة فيهما» فى جزء ثالث منفرد ، و «فهارس سمط اللآلى» فى جزء آخر. نسّقه وأكثر من التعليق عليه عبد العزيز الميمنى (الراجكوتى). طبع فى مصر ١٣٥٤ / ١٩٣٦.

٢٧٢ ـ سير أعلام النبلاء : للذهبى. مخطوط فى ١٥ مجلدا.

٢٧٣ ـ سيرة أحمد بن طولون : لعبد الله بن محمد المدينى البلوى. طبع فى دمشق ١٣٥٨ ه‍.

٢٧٤ ـ السيرة النبوية : لابن هشام. «شرحها مصطفى السقا وإبراهيم الأبيارى وعبد الحفيظ شلبى». ودار الكتب العلمية. بيروت.

٢٧٥ ـ شذا الند ، فى تاريخ نجد : لمطلق بن صالح. مخطوط صغير.

٢٧٦ ـ الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية : لطاشكبرى زاده. مطبوع على هامش وفيات الأعيان ، طبعة مصر ١٣١٠ ه‍.

٢٧٧ ـ صاحب الأغانى : لمحمد أحمد خلف الله. طبع فى مصر ١٩٥٣.

٢٧٨ ـ صبح الأعشى : للقلقشندى. أربعة عشر مجلدا. طبع فى مصر ١٣٣١ ـ ١٣٣٨ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٢٧٩ ـ صحيح الأخبار عما فى بلاد العرب من الآثار : لمحمد بن عبد الله بن بليهد النجدى. خمسة أجزاء. طبع فى مصر ١٣٧٠ ـ ١٣٧٢ ه‍.

٢٨٠ ـ صفة جزيرة الأندلس : منتخبة من كتاب الروض المعطار ، لمحمد بن عبد الله ابن عبد المنعم الحميرى. طبع بمصر ١٩٣٧.

٢٨١ ـ صفة جزيرة العرب : للهمدانى. طبع فى ليدن ١٨٨٤ ثم بمصر.

٢٨٢ ـ صفوة الاعتبار ، بمستودع الأمصار والأقطار : لمحمد بيرم (الخامس) خمسة أجزاء طبع بمصر ١٣٠٢ ـ ١٣١١ ه‍.


٢٨٣ ـ صفوة العصر ، فى تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر : لزكى فهمى. الجزء الأول. طبع بمصر ١٣٤٤ / ١٩٢٦.

٢٨٤ ـ صلة تاريخ الطبرى : لغريب بن سعد القرطبى. طبع فى مصر ١٣٢٦ باسم «الجزء الثانى عشر» من تاريخ الطبرى.

٢٨٥ ـ صلة التكملة ، فى وفيات النقلة : للحافظ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسينى : مخطوط.

٢٨٦ ـ صلة الصلة : لابن الزبير. مخطوط فى مجلد.

٢٨٧ ـ صورة الأرض : لابن حوقل. طبع القسم الأول منه ، فى ليدن ١٩٣٨.

٢٨٨ ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : للسخاوى. اثنا عشر جزءا. طبع فى مصر ١٣٥٣.

٢٨٩ ـ الطالع السعيد ، الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد : للأدفوى. طبع فى مصر ١٣٣٢ / ١٩١٤.

٢٩٠ ـ طبقات الأطباء والحكماء : لأبى داود سليمان بن حسان الأندلسى ، المعروف بابن جلجل.

٢٩١ ـ طبقات الحفاظ : للسيوطى. ودار الكتب العلمية بيروت.

٢٩٢ ـ طبقات الحنابلة : لابن أبى يعلى. جزآن. طبعة الفقى بمصر ١٣٧١ / ١٩٥٢.

٢٩٣ ـ طبقات الشافعية : لأبى بكر بن هداية الله الحسينى الملقب بالمصنف. طبع فى بغداد.

٢٩٤ ـ الطبقات الصغرى : لتاج الدين عبد الوهاب السبكى. مخطوط فى جزء واحد.

٢٩٥ ـ طبقات فحول الشعراء : لمحمد بن سلام الجمحى. شرحه محمود محمد شاكر. طبع فى مصر ١٩٥٢. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٢٩٦ ـ طبقات المفسرين : لمحمد بن على الداودى المالكى. طبع بدار الكتب العلمية. بيروت.

٢٩٧ ـ طبقات النحاة واللغويين : لابن قاضى شهبة. مخطوط فى معهد المخطوطات.


٢٩٨ ـ الطبقات الوسطى : لمحمد بن إبراهيم المناوى. مخطوط.

٢٩٩ ـ عدة الأديب : لسليم الجندى ومحمد الداودى. ثلاثة أجزاء صغير. طبع فى دمشق ١٣٤٥ / ١٩٢٦.

٣٠٠ ـ العسجد المسبوك فى من تولى اليمن من الملوك : لأبى الحسن على بن الحسن الخزرجى الأنصارى. مخطوط.

٣٠١ ـ عصر سلاطين المماليك : لمحمود رزق سليم. أربعة أجزاء. طبع بمصر ١٣٦٦ م ـ ١٣٦٩ ه‍.

٣٠٢ ـ العقد الفريد : لابن عبد ربه. سبعة أجزاء. سابعها للفهارس. طبع بمصر ١٣٥٩ ـ ١٣٧٢ ه‍.

٣٠٣ ـ العقد المفصل : لحيدر الحسينى الحلى. جزآن. طبع فى بغداد ١٣٣١ ـ ١٣٣٢ ه‍.

٣٠٤ ـ العقد المنظوم فى ذكر أفاضل الروم : للشقائق النعمانية. مطبوع على هامش الجزء الثانى من «وفيات الأعيان» فى مصر ١٣١٠ ه‍.

٣٠٥ ـ عقود الجمان ، فى شعراء هذا الزمان (أى عصر المؤلف) : لابن الشعار ، من أهل أواخر القرن السادس وأوائل السابع. مخطوط فى معهد المخطوطات بالقاهرة.

٣٠٦ ـ عمدة الأخبار ، فى مدينة المختار : لحمد بن عبد الحميد العباسى. نشره أسعد درابزونى ، بمكة.

٣٠٧ ـ عنوان الأريب ، عما نشأ بالمملكة التونسية من عالم أديب : لمحمد النيفر. جزآن. طبع فى تونس ١٣٥١ ه‍.

٣٠٨ ـ عيون الأخبار : لابن قتيبة. أربعة مجلدات. طبع بمصر ١٣٤٣ ـ ١٣٤٩ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٠٩ ـ غاية الأرب ، فى خلاصة تاريخ العرب : ترجمه عن الفرنسية محمد بن أحمد ابن عبد الرزاق. طبع بمصر ١٢٨٩ ه‍.

٣١٠ ـ غاية المرام ، فى رجال البخارى إلى سيد الأنام : لمحمد بن داود البازلى. مخطوط.


٣١١ ـ غاية النهاية فى طبقات القراء : لشمس الدين أبى الخير ابن الجزرى. مجلدان. طبع بمصر ١٣٥١ ه‍. ويسمى «طبقات القراء».

٣١٢ ـ الفلك المشحون فى أحوال محمد بن طولون : من تأليفه. طبع فى دمشق ١٣٤٨ ه‍.

٣١٣ ـ الفهرست : لأبى جعفر الطوسى. طبع فى النجف ١٣٥٦ ه‍.

٣١٤ ـ القاموس : للفيروز آبادى. أربعة أجزاء. طبع بمصر ١٣٣٠ ه‍.

٣١٥ ـ القاموس الجغرافى للبلاد المصرية : لمحمد رمزى. ثلاثة أجزاء منه. طبع فى مصر ١٩٥٣ ـ ١٩٥٨.

٣١٦ ـ فنون العجائب ، للنقاش ، نسخة دار الكتب المصرية.

٣١٧ ـ قبول الأخبار ومعرفة الرجال : لأبى القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود (الكعبى) البلخى. مخطوط.

٣١٨ ـ قصص الأنبياء ، المسمى بالعرائس (أو عرائس المجالس) : لأحمد بن محمد الثعلبى. طبع فى مصر ١٢٨٢ ه‍.

٣١٩ ـ القلائد الجوهرية ، فى تاريخ الصالحية : لابن طولون. جزآن. طبع فى دمشق ١٣٦٨ / ١٩٤٩.

٣٢٠ ـ قلائد العقيان ، للفتح بن خاقان : طبعه سليمان الحرائرى ، بباريس ١٢٧٧ ه‍. طبع مصر ١٢٨٣ ه‍).

٣٢١ ـ قلائد العقيان فى مفاخر دولة آل عثمان : لإبراهيم بن عامر بن على العبيدى المالكى.

٣٢٢ ـ الكافى ، فى تاريخ مصر القديم والحديث : لميخائيل شاروبيم. أربعة اجزاء. طبع فى مصر ١٣١٥ / ١٨٩٨.

٣٢٣ ـ الكامل : لابن الأثير ١٢ جزءا. طبع فى مصر ١٣٠٣ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٢٤ ـ كتاب الروضتين ، فى أخبار الدولتين : لأبى شامة. جزآن. طبع بمصر ١٢٨٧ ه‍.


٣٢٥ ـ كتاب المعانى الكبير فى أبيات المعانى لابن قتيبة. مجلدان ، متسلسلا الأرقام. طبع فى حيدر آباد ١٣٦٨ / ١٩٤٩.

٣٢٦ ـ كتاب المعمرين : لسهل بن محمد السجستانى. طبع بمصر ١٣٢٣ ه‍.

٣٢٧ ـ كشاف اصطلاحات الفنون : للتهانوى. مجلدان. طبع بالهند ١٨٦٢.

٣٢٨ ـ كشف الأستار عن رجال معانى الآثار : للطحاوى. تلخيص رشد الله شاه السندهى. طبع على الحجر فى دهلى ١٣٤٩ ه‍.

٣٢٩ ـ كشف الحجب والأستار ، عن أسماء الكتب والأسفار : لإعجاز حسين النيسابورى الكنتورى. طبع فى كلكتا ١٣٣٠ ه‍.

٣٣٠ ـ كشف الظنون ، عن أسامى الكتب والفنون : لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجى خليفة وبكاتب جلبى. مجلدان طبع فى استامبول ١٣٦٠ / ١٩٤١.

٣٣١ ـ كشف النقاب ، عما روى الشيخان للأصحاب : للحافظ خليل العلائى الشافعى ، رسالة مخطوطة فى الخزانة البديرية بالقدس.

٣٣٢ ـ كشف النقاب عن وجه التلفظ بالكنى والألقاب : لمحمد بن إسماعيل الصفايحى التونسى.

٣٣٣ ـ الكنى والأسماء : للدولابى. جزآن. طبع فى حيدر آباد ١٣٢٢ ه‍.

٣٣٤ ـ الكواكب الدرية ، فى تراجم السادة الصوفية : لعبد الرءوف المناوى. الجزء الأول. طبع فى مصر ١٣٥٧ ه‍.

٣٣٥ ـ الكواكب السائرة ، فى أعيان المائة العاشرة : لنجم الدين الغزى. مخطوط فى مجلد ضخم. كتب سنة ١١٧٣ ه‍.

٣٣٦ ـ لب الألباب : لمحمد صالح السهروردى. جزآن فى مجلد واحد متسلسل الأرقام. طبع فى بغداد ١٣٥١ / ١٩٣٣.

٣٣٧ ـ لب اللباب ، فى تحرير الأنساب : للسيوطى. طبع فى ليدن ١٨٦٠ ـ ١٨٦٢. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٣٨ ـ لب الآداب : لأسامة بن منقذ. طبع بمصر ١٣٥٤ / ١٩٣٥.

٣٣٩ ـ اللباب ، فى تهذيب الأنساب : لابن الأثير (المؤرخ). ثلاثة أجزاء. طبع بمصر ١٣٥٦ ـ ١٣٦٩ ه‍.


٣٤٠ ـ لسان العرب : لابن منظور. عشرون جزءا. طبعة بولاق ١٣٠٠ ـ ١٣٠٨ ه‍.

٣٤١ ـ لسان الميزان : لابن حجر العسقلانى. ستة أجزاء. طبع فى حيدر آباد ١٣٣١ ه‍.

٣٤٢ ـ اللطائف ، فى تاريخ الطائف : لحمد بن محمد بن أحمد الحضراوى. رسالة فى خمسة كراريس ، مخطوط.

٣٤٣ ـ لطف السمر ، وقطف الثمر ، من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادى عشر : لنجم الدين الغزى. ذيل على كتابه «الكواكب السائرة» مخطوط فى ١١٦ ورقة. فى معهد المخطوطات عن الأصل المحفوظ فى مكتبة أحمد عارف ، بالمدينة.

٣٤٤ ـ لقط الفرائد : لابن القاضى. مخطوط مختصر.

٣٤٥ ـ مثير الوجد ، فى معرفة أنساب ملوك نجد : لراشد بن على بن جريس النجدى النعامى الحنبلى. رسالة مخطوطة.

٣٤٦ ـ مرآة الجنان : لليافعى. أربعة أجزاء. طبع فى حيدر آباد ١٣٣٧ ـ ١٣٣٩ ه‍.

٣٤٧ ـ مرآة الزمان فى تاريخ الأعيان : لسبط ابن الجوزى. مخطوط.

٣٤٨ ـ مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع : لعبد المؤمن بن عبد الحق. ثلاثة مجلدات. طبعة بريل ١٨٥٢ ـ ١٨٥٤.

٣٤٩ ـ المرادفات من قريش : لأبى الحسن ، على بن محمد المدائنى. رسالة طبعت بمصر ١٣٧٠ / ١٩٥١ (فى نوادر المخطوطات ١ / ٥٧).

٣٥٠ ـ المزهر : لجلال الدين السيوطى. جزآن. طبعة بولاق ١٢٨٢ ه‍.

٣٥١ ـ مسالك الممالك : للاصطخرى. طبع فى ليدن ١٩٢٧.

٣٥٢ ـ مختصر المنتظم ، (١٩٩٠ تاريخ) نسخة معهد المخطوطات بالقاهرة وكذلك (١٧٤٤ تاريخ).

٣٥٣ ـ مسامرات الظريف بحسن التعريف ، تاريخ فقهاء الدولة الحسينية بتونس : لمحمد السنوسى. النصف الأول منه ، مطبوع فى تونس.


٣٥٤ ـ المستطرف فى كل فن مستظرف : للأبشيهى. جزآن. طبع بمصر ١٢٧٢ ه‍. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٥٥ ـ مطالع البدور فى منازل السرور : لعلاء الدين البهائى الغزولى. جزآن. طبع فى مصر ١٢٩٩ – ١٣٠٠ ه.

٣٥٦ ـ المعارف : لابن قتيبة الدينورى. طبع فى مصر ١٣٥٣ / ١٩٣٤. ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٥٧ ـ معجم الأنساب والأسرات الحاكمة فى التاريخ الإسلامى : للمستشرق زامباور. أخرجه جماعة برئاسة زكى محمد حسن. جزآن ، متسلسلا الأرقام. طبع فى مصر ١٩٥١.

٣٥٨ ـ معجم البلدان : لياقوت الحموى. ثمانية أجزاء. طبع فى مصر ١٣٢٣ ـ ١٣٢٥ ه‍ ودار الكتب العلمية. بيروت.

٣٥٩ ـ معجم الشعراء : للمرزبانى. طبع فى مصر ١٣٥٤ ه‍ ، ملحقا بكتاب «المؤتلف والمختلف» للآمدى.

٣٦٠ ـ معجم الشيوخ ، المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب : لعبد الحفيظ الفاسى. جزآن. طبع فى الرباط ١٣٥٠ ه‍.

٣٦١ ـ المغنى ، فى أسماء رجال الحديث : لمحمد طاهر الفتنى. طبع فى دلهى ، على هامش «تقريب التهذيب» ١٢٩٠ ه‍.

٣٦٢ ـ مقاتل الطالبيين : لأبى الفرج الأصفهانى. طبع فى مصر ١٣٦٨ / ١٩٤٩ (وسبق الأخذ عن طبعة النجف ١٣٥٣ ه‍).

٣٦٣ ـ المقتطف من تاريخ اليمن : لعبد الله بن عبد الكريم الجرافى. طبع فى مصر ١٣٧٠ / ١٩٥١.

٣٦٤ ـ المقصد الأرشد فى ذكر أصحاب الإمام أحمد : لبرهان الدين إبراهيم بن محمد ، ابن مفلح الحنبلى. مخطوط فى مجلد. فى المكتبة العربية بدمشق.

٣٦٥ ـ المنتظم فى تاريخ الملوك والأمم : لأبى الفرج ابن الجوزى. طبع دار الكتب العلمية. بيروت. تحقيق محمد عبد القادر عطا ، ومصطفى عبد القادر عطا.


٣٦٦ ـ المنهل الصافى ، والمستوفى بعد الوافى : لابن تغرى بردى. طبع فى مصر ١٣٧٥ / ١٩٥٦.

٣٦٧ ـ المنهل العذب ، فى تاريخ طرابلس الغرب : لأحمد بن حسين النائب الأوسى الأنصارى. طبع فى الآستانة ١٣١٧ ه‍.

٣٦٨ ـ المهدية فى الإسلام : لسعد محمد حسن. طبع فى مصر ١٣٧٣ / ١٩٥٣.

٣٦٩ ـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، ويعرف بخطط المقريزى : طبع فى مصر ١٣٢٧ ه‍.

٣٧٠ ـ المؤتلف والمختلف : للآمدى. طبع فى مصر ١٣٥٤ ه‍.

٣٧١ ـ المؤتلف والمختلف ، فى أسماء نقلة الحديث : لعبد الغنى الأزدى. طبع فى الهند ١٣٢٧ ه‍.

٣٧٢ ـ ميزان الاعتدال فى نقد الرجال : للذهبى. ثلاثة مجلدات. طبع فى مصر ١٣٢٥ ه‍.

٣٧٣ ـ نثار الأفكار : جزآن ، أصدرتهما جريدة الهدى فى نيويورك ١٩١٣.

٣٧٤ ـ النجوم الزاهرة ، فى ملوك مصر والقاهرة : لابن تغرى بردى. طبع فى دار الكتب المصرية.

٣٧٥ ـ النزاع والتخاصم ، فيما بين بنى أمية وبنى هاشم : للمقريزى. رسالة. طبعت فى مصر ١٩٣٧.

٣٧٦ ـ نزهة الألباب ، فى تاريخ مصر وشعراء العصر ومراسلات الأحباب : لمحمد حسنى العامرى. طبع بمصر ١٣١٤ ه‍.

٣٧٧ ـ نزهة الأنام ، فى محاسن الشام : لعبد الله بن محمد البدرى. طبع بمصر ١٣٤١ ه‍.

٣٧٨ ـ نزهة الأنظار ، فى فضل علم التاريخ والأخبار ، ويعرف بالرحلة والورثيلانية : للحسن بن محمد الورثيلانى. طبع فى الجزائر ١٣٢٦ / ١٩٠٨.

٣٧٩ ـ نزهة الجليس ، ومنية الأديب الأنيس : للعباس بن على الموسوى. مجلدان طبع فى مصر ١٢٩٣ ه‍.


٣٨٠ ـ نزهة الخواطر ، وبهجة المسامع والنواظر : للشريف عبد الحى بن فخر الدين الحسنى. ثلاثة أجزاء طبعت فى حيدر آباد.

٣٨١ ـ نسب قريش : للمصعب بن عبد الله الزبيرى. طبع فى مصر ١٩٥٣.

٣٨٢ ـ نشر اللطائف فى قطر الطائف : لابن عراق. مخطوط بدار الكتب المصرية.

٣٨٣ ـ نشر المثانى لأهل القرن الحادى عشر والثانى عشر : لمحمد بن الطيب القادرى. جزآن فى مجلد. طبع بفاس ١٣١٥ ه‍.

٣٨٤ ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب : للمقرى. أربعة مجلدات. طبع فى مصر ١٣٠٢ ه‍.

٣٨٥ ـ نفحة البشام فى رحلة الشام : لمحمد عبد الجواد القاياتى. طبع فى مصر ١٣١٩ ه‍.

٣٨٦ ـ نكت الهميان ، فى نكت العميان : لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدى. طبع فى مصر ١٣٢٩ / ١٩١١.

٣٨٧ ـ نهاية الأرب ، فى معرفة أنساب العرب : للقلقشندى. طبع فى بغداد.

٣٨٨ ـ نهاية الأندلس : لمحمد عبد الله عنان. طبع فى مصر ١٣٦٨ / ١٩٤٩.

٣٨٩ ـ نهاية الإيجاز ، فى سيرة ساكن الحجاز : لرفاعة رافع (الطهطاوى) طبع فى مصر ١٢٩١ ه‍.

٣٩٠ ـ النهج السديد ، والدر الفريد ، فيما بعد تاريخ ابن العميد : لمفضل بن أبى الفضائل. طبع مع ترجمة إلى الفرنسية ١٩١٢.

٣٩١ ـ النوادر السلطانية ، والمحاسن اليوسفية ، المسمى سيرة صلاح الدين الأيوبى : لابن شداد. طبع فى مصر ١٣١٧.

٣٩٢ ـ النور السافر عن أخبار القرن العاشر : لعبد القادر بن شيخ العيدروس. طبع فى بغداد ١٣٥٣ / ١٩٣٤.

٣٩٣ ـ هدى السارى ، مقدمة فتح البارى : لابن حجر العسقلانى. جزآن. طبع بمصر ١٣٤٧ ه‍.

٣٩٤ ـ هدية العارفين ، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين : لإسماعيل «باشا» البغدادى. مجلدان. طبع فى استامبول ١٥٩١ ـ ١٩٥٥.


٣٩٥ ـ الوافى بالوفيات : للصفدى. طبع منه أربعة أجزاء ، أولها استامبول ١٩٣١.

٣٩٦ ـ الوسيط ، فى الأدب العربى وتاريخه : لأحمد الإسكندرى ومصطفى عنانى. طبع فى مصر. ١٣٤٧ / ١٩٢٨.

٣٩٧ ـ الوسيط ، فى تراجم أدباء شنقيط : لأحمد بن الأمين الشنقيطى. طبع فى مصر ١٣٢٩ / ١٩١١.

٣٩٨ ـ وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى : لعلى بن عبد الله السهروردى. جزآن. طبع فى مصر ١٣٢٦ ه‍.

٣٩٩ ـ وفيات الأعيان : لابن خلكان. مجلدان. طبع فى مصر ١٣١٠ ه‍.

٤٠٠ ـ الولاة والقضاة : لمحمد بن يوسف الكندى. طبع فى بيروت ١٩٠٨.

٤٠١ ـ يتيمة الدهر : للثعالبى. أربعة أجزاء. طبع فى دمشق ١٣٠٣ ه‍.

٤٠٢ ـ اليواقيت الثمينة ، فى أعيان مذهب عالم المدينة : لمحمد البشير ظافر الأزهرى. طبع فى مصر ١٣٢٤ ه‍.

* * *








بسم الله الرّحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد ، وسلم تسليما كثيرا.

الحمد لله الذى أوسع لمن شاء من خلقه فى الرزق والأجل. وأسعف من أراد منهم بنيل الأمل. وأطاب عمن أحب منهم الثناء. وحكم على جميعهم ـ بعد الوجود ـ بالفناء.

أحمده على أن جعلنى من سكان الحرم ، وجيران بيته المكرم.

وأشهد أن لا إله إلا الله الذى جعل للحسنة بمكة فى الفضل مزية ، وخصها ببيته الذى أوجب حجه واستقباله على البرية ، وغفر لمن طاف به من الأنام ، ما اقترفه من الآثام.

وأشهد أن نبيه سيدنا محمدا أفضل من وقف بعرفة ، وبات بمزدلفة ، ورمى بمنى الجمار ، وطاف بالكعبة العظيمة المقدار صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما صلى مصل خلف المقام ، وجمع فى الحجر الأسود بين التقبيل والاستلام ، ورضى الله عن آله وأصحابه ، الذين بهم أضاء الإسلام.

أما بعد : فإنى ـ لما وفقنى الله تعالى للاشتغال بالعلم ـ تشوفت نفسى كثيرا إلى معرفة تراجم الأعيان من أهل مكة وغيرهم ، ممن سكنها مدة سنين ، أو مات بها ، وتراجم ولاة مكة ، وقضاتها وخطبائها ، وأئمتها ومؤذنيها ، من أهلها وغيرهم ، وتراجم من وسع المسجد الحرام أو عمره ، أو عمر شيئا منه ، أو من الأماكن الشريفة التى ينبغى زيارتها بمكة وحرمها ، أو عمل المآثر الحسنة الكائنة بمكة وحرمها ـ كالمدارس ، والربط ، والسقايات ، والبرك ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ، وغير ذلك من المآثر ـ لما فى معرفة ذلك من النفع التام ، عند ذوى الأفهام.

وفتشت عن تأليف فى ذلك ، فلم أر له أثرا ، ولا سمعت عنه خبرا.

فعظم منى ـ لأجل ذلك ـ الألم ، وسألت رب البيت والحرم : أن يسعفنى فيه ببلوغ المراد ، وأن يوفقنى فيه للسداد.


فقدر الله تعالى بالرحلة الثانية ، من مكة للديار المصرية والشامية.

فنظرت فيما وقع لى من التواريخ ، والطبقات ، والمعاجم ، والمشيخات ، والوفيات ، والتعاليق ، التى سنشير إليها ، وغير ذلك من الكتب التى سنشير إليها قريبا.

فظفرت ببعض المراد ، وعلق ذلك بذهنى ، وقيدته ـ خيفة نسيانه ـ بالكتابة إذ هى قيد ، لما رويناه عن أبى حمزة أنس بن مالك الأنصارى رضى الله عنه ، خادم النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك :

فيما أخبرنى به : شيخنا العلامة المفتى المصنف ، أبو حفص عمر بن الإمام أبى الحسن على بن أحمد بن محمد الأنصارى ، الأندلسى ، ثم المصرى الشافعى ـ بقراءتى عليه بالقاهرة فى الرحلة الأولى ـ وآخرون بمكة ، وديار مصر والشام ، قالوا :

أخبرنا أحمد بن على بن أيوب المشتولى. قال : أخبرنا النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرانى ، قال : أخبرنا أبو طاهر المبارك بن المبارك بن المعطوش الحريمى ، قال : أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن المهتدى بالله ، قال : أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر أحمد الحنبلى ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم البزار ، قال : أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكج ، قال : أخبرنا القاضى أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأنصارى ، قال : حدثنى أبى عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس : أن أنسا رضى الله عنه كان يقول لهم : «يا بنى ، قيدوا العلم ، بالكتاب».

وكنت كتبت ما تيسر من ذلك ، من غير ترتيب ولا تهذيب ، ثم رغبت فى ترتيبه وتهذيبه ، ليسهل نفعى به ، ويكون تاريخا على النمط الذى قصدته ، وإن لم يف بما أردته.

فرتبت ما ظفرت به من التراجم ، على ترتيب حروف المعجم ـ خلا المحمدين والأحمدين ـ فإنهم مقدمون على غيرهم ، لشرف هذين الاسمين على غيرهما من الأسماء.

وأضفت إلى هذه التراجم : ما كان منها على ذهنى من قبل. وهى تراجم جماعة لم أدركهم ، وتراجم جماعة أدركتهم ، ملاءمة للتراجم التى ظفرت بها ، تكملة للفائدة.

وذكرت فى أثناء كثير من التراجم : أحاديث ، وآثارا ، وحكايات ، وأشعار ، اقتداء بأئمة الحديث الأخيار.

وبدأت ـ قبل التراجم ـ بذكر شىء من سيرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، على وجه الاختصار ، تبركا بذلك ، وتشريفا لهذا التأليف بذكرهصلى‌الله‌عليه‌وسلم


فيه ، مع ما فى ذلك من المناسبة المقتضية لذكره صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى هذا التأليف ، باعتبار كونه من البلد الأمين ، وسيادته للخلق أجمعين وبدأت فى هذه التراجم بتراجم الرجال ، الذين أسماؤهم معروفة.

ثم بعد انقضاء تراجمهم ، أتبعتها بباب فيه تراجم الرجال المعروفين بكناهم ، ممن عرف بكنيته ولم يعرف له اسم ، أو عرف اسمه ولكن اختلف فيه.

وذكرت معهم أناسا مشهورين بكناهم ، وأسماؤهم معروفة ، ليس فيها اختلاف ، إلا فى يسير منها.

وهؤلاء لم أترجمهم ـ كما ترجمت المذكورين فى هذا الباب ـ لتقدم تراجمهم فى محلها من الكتاب ، وإنما أذكر كنية الإنسان منهم ، وما يعرف به ، من نسبته إلى قبيلة أو بلد ، ثم أذكر اسمه واسم أبيه وجده فى الغالب ، وقد ترجمت بعضهم لفائدة زائدة.

وذكرت فى آخر هذا الباب أربعة فصول.

الأول : فيمن اشتهر بلقبه ، مضافا إلى الدين ، مثل : محب الدين ، وغيره من الألقاب.

والثانى : فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جده ، مثل ابن جريج ، وابن أبى حرمى ، وشبه ذلك.

والثالث : فيمن اشتهر بالنسبة إلى قبيلة أو بلد ، أو لقب مفرد ، مثل : الإخشيد.

وكل من ذكرناه فى هذه الثلاثة الفصول : ذكرناه على صفة من ذكرناه فى هذا الباب ، ممن اشتهر بكنيته ، ولم يختلف فى اسمه إلا قليلا.

ولن أستوعب فى هذه الفصول كل ما فى هذا الكتاب ، وإنما ذكرت فى كل فصل نبذة كبيرة تناسبه.

وكل من ذكرته فى هذه الثلاثة الفصول : ذكرته فيما سبق من الأسماء فى محل يناسبه. وموجب ذكرى لهم فى هذا الباب ـ وكذا من ذكرته فيه ممن اشتهر بكنيته ، ولم يختلف فى اسمه إلا قليلا ـ : أن ذلك يهتدى به إلى كشف أسمائهم من لا يعرف أسماءهم ، وإنما يعرف الإنسان منهم بكنيته ، أو لقبه المضاف إلى الدين ، أو النسبة إلى أبيه أو جده ، أو إلى قبيلة أو بلد.

والفصل الرابع : فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جده ، ولم أعرف اسمه ، أو اشتهر بصفة ، مثل : أسود ، أو شاب ، أو شاعر.


ثم أتبعت هذا الباب بتراجم النساء المعروفات بأسمائهن ، ثم بتراجم النساء المعروفات بكناهن ، ممن لم يعرف لها اسم ، أو عرف اسمها ، ولكن اختلف فيه.

وذكرت معهن نسوة مشهورات بكناهن ، وأسماؤهن معروفة ؛ ليسهل بذلك الكشف عن أسمائهن.

ثم أتبعت ذلك بنسوة لا تعرف أسماؤهن ، وإنما يعرفن بالنسبة إلى آبائهن وغير ذلك.

وسميت ذلك : «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» وجعلت فى أول هذا الكتاب مقدمة.

فيها : ذكر «مكة» المشرفة ، وحكمها فى البيع والإجارة ، وأسمائها وحرمها ، وشىء من الأحاديث الدالة على حرمة ذلك ، وشىء من المسائل المختصة بذلك ، وشىء من الأحاديث الدالة على أفضلية «مكة» على غيرها من البلاد ، وحكم المجاورة بها ، والموت فيها ، وفضل أهلها ، وشىء من أخبار «الكعبة» المعظمة ، وفضائلها ، وفضائل الحجر الأسود ، والركن اليمانى ، وفضائل الأعمال المتعلقة بها ، كالطواف بها ، والنظر إليها ، والحج والعمرة ، وغير ذلك ، وشىء من أخبار الحجر الأسود ، وملتزم الذمام ، والمستجار والحطيم ، والمقام مقام الخليل عليه‌السلام ، وحجر النبى إسماعيل عليه‌السلام ، وما جاء فى استجابة الدعاء فى هذه الأماكن وغيرها بمكة وحرمها.

وذكر مواضع حول الكعبة ، صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وذكر شىء من أخبار المسجد الحرام ، وزمزم ، وسقاية العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه ، والأماكن المباركة بمكة المشرفة وحرمها ، وأماكن أخر لها تعلق بالمناسك.

وما بمكة من المدارس ، والربط والسقايات ، والبرك المسبّلة ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ، وغير ذلك من المآثر. ومما فى حرمها من ذلك.

وأخبار جاهلية ، وأخبار إسلامية ، لها تعلق بمكة وأهلها والحجاج.

وما علمته من ولاة مكة فى الإسلام ، على سبيل الإجمال.

وهذه المقدمة لخصتها من تأليفى المسمى «شفاء الغرام ، بأخبار البلد الحرام» الذى جمعت فيه : بين ما ذكره الأزرقى ـ من أخبار عمارة الكعبة المعظمة ، وخبر حليتها ، ومعاليقها وكسوتها ، وخبر الحجر الأسود ، والحجر ـ بسكون الجيم ـ والمقام ، والمسجد الحرام ، وزمزم ، وسقاية العباس ، والصفا ، والمروة ، وحدود الحرم ، والأماكن المباركة بمكة المشرفة وحرمها ، المعروف بعضها بالمسجد ، وبعضها بالدور ، وبعضها


بالمواليد ، وأمطار مكة فى الجاهلية والإسلام ، وغير ذلك ـ وبين ما كان بعد أبى الوليد الأزرقى ، من الأخبار الملائمة لذلك كله ، لما فى ذلك من كمال الفائدة.

وفيه فوائد أخر ، لم يذكرها الأزرقى ، مع إمكانة لذكر بعضها. وكما هو مذكور فى التأليف المشار إليه.

ولم يعن الأزرقى بجمع ولاة مكة فى الإسلام. وما ذكر من المسائل والمآثر ، والأخبار الإسلامية إلا يسيرا جدّا ، بالنسبة إلى ما ذكرته. وذكر كثيرا من الأخبار الجاهلية.

وسبب جمعى له : أن نفسى تشوفت أيضا كثيرا إلى معرفة ما كان بعد أبى الوليد الأزرقى : من أخبار هذه الأمور ، وإلى معرفة ما وقع بعده من الأوقاف بمكة على الفقهاء والفقراء ، وغير ذلك من المدارس والربط ، وغير ذلك.

فعرفت من ذلك طرفا جيدا ، بعضه من كتب التاريخ التى نظرتها لأجل التراجم ، وبعضه من أحجار ورخام وأخشاب مكتوب فيها ذلك ، ثابتة فى بعض الأماكن المشار إليها ، وبعضه علمته من أخبار الثقات ، وبعضه شاهدته.

وعلقت ذلك فى أوراق مفردة خيفة نسيانه من غير ترتيب. ثم بدا لى تأليف ذلك ، مع ملاءمة من الأمور التى ذكرها الأزرقى ، ففعلت ذلك.

وإنما جعلت هذه المقدمة مع التراجم المشار إليها ، ليحصل للناظر فى ذلك معرفة ما اشتملت عليه المقدمة ، مع معرفة التراجم.

ولما سمع الأصحاب بجمعى لهذا الكتاب : كثر اشتياقهم إليه ، وعظمت رغبتهم فى الوقوف عليه ، للإحاطة بفوائده ، واستطراق فرائده ، وألحوا علىّ فى أن أبيضه لهم ، فلم يسعنى معهم إلا امتثال أمرهم ، وكنت ترددت فى ذلك ، لعدم وفائه بالمقصود ، ثم قلت : لا لوم على المقل فى بذل المجهود.

وسبب هذا الاخلال : أن مكة ليس لها تاريخ على هذا المنوال. لأنى لا أعلم أحدا جمع لمكة تاريخا إلا الأزرقى (١) ، والفاكهى ، وشريف ـ يقال له «زيد بن هاشم بن على

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق ، أبو الوليد الأزرقى : مؤرخ ، يمانى الأصل ، من أهل مكة. له «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ـ ط» جزآن.

انظر : (الأعلام ٦ / ٢٢٢ ، فى أكثر المصادر ، ومنها اللباب لابن الأثير ١ : ٣٧ أن نسبه الأزرقى إلى جده الأزرق أبى عقبة ، من غسان ؛ وقال ابن خلدون : وعنه أخذ القلقشندى فى نهاية الأرب ٧٩ إنه من نسل «الأزرق» العمليقى. توفى سنة ٢٢٣ ه‍. ونبه صاحب الرسالة المستطرفة ص ١٠٠ إلى أن جده «أحمد بن محمد» توفى (سنة ٢٢٢) كما فى تهذيب التهذيب ١ : ٧٩ نقلا ـ


ابن المرتضى ، العلوى الحسنى» ـ هكذا نسبة الشيخ أبو العباس أحمد بن على الميورقى ، فيما وجدت بخطه وترجمه بوزير مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فأما الأزرقى ، والفاكهى : فلم يعفيا إلا بما يلائم ما فى مقدمة هذا الكتاب من أخبار الكعبة ، والمسجد ، وشبه ذلك.

وأما زيد المذكور : فما عرفت : هل تاريخه تراجم ، أو حوادث؟ مثل ما ذكرناه من الفتن التى كانت بمكة فى الإسلام ، وأخبار المطر ، والفناء ، والغلاء والرخص. وهذا إلى ظنى أقرب.

وسبب عدم معرفتى لما اشتمل عليه كتاب زيد المذكور : أنى لم أقف عليه. وإنما علمت ذلك من رسالة كتبها زيد لسيدى أبى العباس الميورقى ، رأيتها فى كتاب الجواهر ـ لابن شاش المذكور ـ بخط الميورقى فى وقفه بوج الطائف.

وفيها مكتوب بعد البسملة : زيد بن هاشم بن على. ثم قال : وبعد : فقد خدم بها الضعيف فى الثلاثاء ، منتصف شعبان. وبخط الميورقى ـ فوق شعبان ـ من سنة ست وسبعين وستمائة ، وذكر أشياء ، ثم قال :

وقد خطر للضعيف ـ مع المتاعب التى يعانيها من كل وجه ـ إثبات تواريخ لمكة المعظمة ، وقد أثبت منه إلى الآن : نحو خمس كراريس. انتهى.

وأظن أنى رأيت بخط بعض أصحابنا من حفاظ الحديث : أن لعمر بن شبة تأليفا فى أخبار مكة.

وأظن أنى رأيت فى بعض التواريخ : ما يقتضى أن للحافظ محب الدين بن النجار البغدادى ـ صاحب ذيل تاريخ بغداد ـ مؤلفا فى أخبار مكة. وأظن أن ذلك على نمط التاريخ الذى ألفه لمدينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وتاريخه للمدينة ليس فيه تراجم. وإنما فيه خبر المسجد النبوى ، وما فى المدينة من المساجد النبوية ، والآثار الشريفة ، وشبه ذلك.

وأظن أن كتاب عمر بن شبة فى أخبار مكة ـ إن صح ما رأيته فى ذلك ـ على نمط تاريخ الأزرقى ، والفاكهى. والله أعلم منى.

__________________

ـ عن خط الذهبى ، فلا يصح أن يكون وفاة الجد والحفيد فى مثل هذا القرب. وجعلت دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ٤٠ وفاته (سنة ٢٤٤) إلا أن السيد رشيدى الصالح ملحس ، فى مقدمة الطبعة المكية من كتاب «أخبار مكة» وأحمد تيمور باشا ، فى الخزانة التيمورية ٣ : ١٤ نقلا عن العقد الثمين ـ خ. للفاسى قوله : «وبلغنى أن الأزرقى كان حيا فى خلافة المنتصر العباسى» وكانت خلافة المنتصر (سنة ٢٤٧ ـ ٢٤٨) ه. وتخلص السخاوى ، فى الإعلان بالتوبيخ ١١٢ وديوان الإسلام ـ خ ومفتاح السعادة ٢ / ١٥٤).


أما فضائل مكة للجندى : فهو على نمط تاريخ الأزرقى والفاكهى. وكذلك أخبار مكة لرزين العبدلى صاحب الجمع.

وإنى لأعجب من إهمال فضلاء مكة فى جمع تاريخ لها على المنوال الذى جمعته ، خصوصا من الشيخ قطب الدين القسطلانى ؛ لأنه جمع شيئا يتعلق بتاريخ اليمن ، ولعمرى لو جمع ذلك لبلده كان أحسن ، فإن الحاجة إليه داعية ، وفى ذلك فوائد غير خافية ، وعليه مضى الأئمة من أهل مصر ، والشام وبغداد ، وغير ذلك من البلاد ، كتاريخ بغداد للخطيب ، وذيوله لابن السمعانى ، وابن الدبيثى ، والقطيعى ، وابن النجار ، وابن رافع وغيرهم ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ، وتاريخ مصر للقطب الحلبى ، وغير ذلك.

فإن قيل : لعل الحامل لمن أهمل من فضلاء مكة التأليف فى هذا المعنى المشار إليه : تخيلهم العجز عن الوفاء بالمقصود فى هذا الأمر ، لعدم الإحاطة بالمقصود.

فالجواب : أن هذا العذر حق ، ولكن يلزم من اعتمده محذور ، وهو أن المعلوم عندهم يصير مجهولا عند من بعدهم كما جرى ، واللائق فى هذا : إثبات المعلوم وإن قل.

وقد قيل فى ذلك : ما أنشدتناه مسندة العصر أم عبد الله عائشة بنت المحتسب محمد ابن عبد الهادى الصالحية ـ بقراءتى عليها ـ فى الرحلة الرابعة ، عن أبى العباس أحمد بن أبى طالب الحجار ـ إجازة ، إن لم يكن سماعا. وتفردت فى الدنيا بالسماع منه ـ أن أبا الحسن محمد بن عمر القطيعى أنبأنا ، قال : أنشدنى على بن أحمد الواسطى المقرئ ، قال : أنشدنى أبو جعفر هبة الله بن السوقى ، قال : أنشدنا أبو الحسن العمرانى ، قال :

افعل الخير ما استطعت وإن كا

ن قليلا فلن تطيق لكله

ومتى تفعل الكثير من الخي

ر إذا كنت تاركا لأقله

وأسأل من كل من وقف على هذا الكتاب : المسامحة عما فيه من التقصير ، وإصلاح ما فيه من الغلط بعد التحرير. وسبب الغلط ـ فى الغالب ـ النسيان ، وقد جبل عليه كل إنسان.

وسبب التقصير : ما ذكرته ، من أنى لم أر مؤلفا فى المعنى الذى قصدت جمعه فأستضىء به. وإنما ظفرت من ذلك بأشياء قليلة مفرقة ، بذلت فى تحصيلها جهدى لأنتفع بها ، والمعاصرون لى ، ومن بعدى.

وبسبب إهمال التأليف فى ذلك : حصل الجهل بكثير من التراجم ، وبما وقع بعد الأزرقى والفاكهى من الأمور التى قصدا جمعها فى كتابيهما ، وبكثير مما ذكراه فى كتابيهما. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.


وأسأله المغفرة لى ولمن قبل منى هذه المعذرة. ولله در القائل : «والعذر عند كرام الناس مقبول».

* * *

وقد اشتمل : هذا الكتاب على علامات. وهى (خ) للبخارى. ولمسلم (م) ولأبى داود (د) وللترمذى (ت) وللنسائى (س) ولابن ماجة القزوينى (ق).

فإن اتفقوا على الإخراج لشخص : فالعلامة عليه (ع) هكذا. وإن اتفق الأربعة أصحاب السنن على شخص : فالعلامة عليه (عل) هكذا. ومن ذكره محمد بن سعد كاتب الواقدى فى طبقاته : أنه مكى ، فالعلامة عليه (سع) هكذا. ومن ذكره مسلم صاحب الصحيح فى طبقاته : أنه مكى ، فالعلامة عليه (مس) هكذا. ومن ذكره ابن حبان فى ثقاته : أنه مكى ، فالعلامة عليه (حب) هكذا.

وذكرت جماعة من الصحابة ، لم يذكرهم المذكورون فى المكيين ، مع كونهم ذكروهم فى غير أهل مكة لسكناهم غيرها.

وسبب ذكرى لهم : كونهم مكيين : لأن مكة دارهم بلا ريب ، وسكناهم غيرها إنما كان بأخرة ، ولا يخرجهم ذلك عن كونهم مكيين ، وهم الصحابة رضى الله عنهم من قريش وأبناؤهم ، وإن لم يثبت لبعض الأبناء صحبة ، أو ولد بغير مكة ؛ لأنهم تبع لآبائهم.

وكذلك الصحابة من بنى كنانة وخزاعة ، لمشاركتهم قريشا فى الدار ـ وهى مكة أو باديتها ـ على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى ، وإن كانوا عدوا مع غير أهل مكة ؛ لأن المعنى فى عدهم مع غير أهل مكة : ما ذكرناه فى قريش.

وكذلك الصحابة من موالى قريش وكنانة وخزاعة ؛ لأنهم فى حكمهم ، وكذلك الصحابة من حلفاء قريش ، وكذلك الصحابة من أهل الطائف من ثقيف ومواليهم ، ومن غيرهم ؛ لأن الطائف من عمل مكة من قديم الزمان حتى الآن.

فأما مشاركة بنى كنانة وخزاعة لقريش فى الدار : فسيأتى فى مقدمة هذا الكتاب أخبار تدل لذلك. ونشير هنا لشىء منها : فمن الأخبار الدالة على اشتراك قريش وكنانة فى النزول ببادية مكة : قول ابن إسحاق فى السيرة ـ تهذيب ابن هشام ـ لما ذكر ولاية غبشان من خزاعة للكعبة ، دون بنى بكر بن عبد مناة «وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرقون فى قومهم من بنى كنانة». انتهى.


ووجه الدلالة من هذا الكلام : أنه يقتضى أن قريشا كانوا نزولا مع قومهم من كنانة ، حين انفراد غبشان من خزاعة بولاية الكعبة ، والمنازل التى كانت تنزل بها كنانة وقريش إذ ذاك : خارج الحرم ؛ لأن أول عربى نزل الحرم بقومه : هو قصى بن كلاب ، على ما ذكره الفاكهى فى خبر قصى ؛ لأنه قال :

وحدثنا الزبير بن أبى بكر قال : قال أبو الحسن الأثرم ، قال أبو عبيدة ، قال محمد بن حفص : «قدم رزاح ، وقد نفى قصى خزاعة. وقال بعض مشيخة قريش : وإن مكة لم يكن بها بيت فى الحرم ، إنما كانوا يكونون بها ، حتى إذا أمسوا خرجوا لا يستحلون أن يصيبوا فيها جنابة ، ولم يكن بها بيت قائم ، فلما جمع قصى قريشا ـ وكان أدهى من رؤى من العرب ـ قال لهم : أرى أن تصحبوا بأجمعكم فى الحرم حول البيت ، فو الله لا تستحل العرب قتالكم ، ولا يستطيعون إخراجكم منه ، وتسكنونه ، فتسودوا العرب أبدا. فقالوا له : أنت سيدنا ، رأينا لرأيناك تبع. فجمعهم ، ثم أصبح بهم فى الحرم حول البيت ، فمشت إليه أشراف كنانة ، وقالوا : إن هذا عند العرب عظيم ، ولو تركناك ما تركتك العرب. فقال : «والله لا أخرج منه. وثبت». انتهى.

ومن ذلك : قوله بعد ذلك ـ بعد أن ذكر ما رأى قصى ـ من أنه أولى بالكعبة ، وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر ـ : «فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبنى بكر من مكة. فأجابوه».

ووجه الدلالة من هذا : أن كلام قصى لكنانة ، فيما طلب ، وإجابتهم له : يقتضى قربهم منه فى الدار. وسيأتى إن شاء الله تعالى ما يوافق ذلك.

ومن ذلك : قول ابن إسحاق فى خبر قصى «فولى قصى البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة». انتهى.

ووجه الدلالة من هذا : أنه يقتضى أن قصيا جمع قومه إلى مكة ، وكنانة من قومه ، فيكونون ممن جمعهم إلى مكة.

ولا يعارض ذلك قوله ـ فى الخبر الذى ذكره الزبير «فمشت إليه أشراف كنانة ، وقالوا : هذا عند العرب عظيم» ـ لإمكان أن يكونوا قالوا له ذلك ليرجع عن فعله ، لكونهم لا يألفونه. فلما رأوه لم يرجع وثبت : سكنوا معه فيه ، لما فى ذلك من تحصنهم ، وبقاء الألفة بينهم وبينه ، لما يخشونه من حصول ضرر بهم فى المفارقة فى افتراقهم عنه. والله أعلم.


وبتقدير أن لا تكون كنانة انتقلت مع قصى إلى الحرم : فهم على منازلهم التى كانوا ينزلونها مع قريش ، قبل أن تنتقل قريش عنهم إلى الحرم. ولم يرد خبر بخروج كنانة عن منازلهم ببادية مكة. والله أعلم.

ومن ذلك : قول ابن إسحاق فى سيرته ـ تهذيب ابن هشام ـ فى خبر الأصنام : «وكانت لقريش ، وبنى كنانة : العزى بنخلة». انتهى.

ووجه الدلالة من هذا : أن إضافة «العزى» لقريش وكنانة : تقتضى أن لهم بها اختصاصا. وذلك ـ والله أعلم ـ لكونها بنخلة ، وهى من بادية مكة التى ينزلون فيها.

ولا يقال : إضافة «العزى» لقريش وكنانة : لأجل أنهم أول من وضعها ، ولا لأجل أنهم انفردوا بعبادتها وتعظيمها ، ولا لأجل أنهم حجابها.

أما الأول : فلأن عمر بن لحىّ : هو الذى اتخذ العزى.

وأما الثانى : فلأن جميع مضر كانوا يعظمون العزى.

وأما الثالث : فلأن حجابها بنو شيبان من سليم.

وقد روينا عن ابن إسحاق ما يدل لذلك فى تاريخ الأزرقى ، ولفظه : حدثنى جدى ، قال : حدثنا سعيد بن سليم عن عثمان بن ساج ، قال : أخبرنا ابن إسحاق «أن عمرو بن لحى اتخذ العزى بنخلة. وكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة : لم يحلوا حتى يأتوا العزى ، فيطوفوا بها ، ويحلون عندها ، ويعتكفون عندها يوما وليلة. وكانت لخزاعة ، وكانت قريش وبنو كنانة كلها تعظم العزى مع خزاعة ، وجميع مضر. وكان سدنتها ـ الذين يحجبونها ـ بنى شيبان من بنى سليم ، حلفاء بنى هاشم». انتهى.

وإذا لم يكن إضافة «العزى» لقريش وكنانة لأجل هذه الأمور الثلاثة : صح ما ذكرناه ، من أن إضافتها لهم باعتبار كونها فى دارهم. والله أعلم.

ولا يعارض ذلك قوله فى هذا الخبر «وكانت لخزاعة» لأن إضافتها لخزاعة لكونها فى دارهم ، فإن خزاعة تشارك قريشا فى الدار. على ما سيأتى بيانه إن شاء الله.

ومن ذلك : قوله فى خبر قصى ـ الذى سبق ذكره قريبا من كتاب الفاكهى ـ : «فأصبح بهم فى الحرم حول البيت ، فمشت إليه أشراف كنانة ، وقالوا : إن هذا عند العرب عظيم». انتهى.

ووجه الدلالة فى هذا : أنه يقتضى أن أشراف كنانة مشوا إلى قصى بإثر إصباحه بقومه فى الحرم. وذلك يدل على قرب كنانة من الحرم. والله أعلم.


ومن أرض كنانة ببادية مكة «مجنة» التى عناها بلال رضى الله عنه بقوله :

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

لأن الأزرقى : قال ـ فى تفسير هذا الموضع ، فى الترجمة التى ترجم عليها بقوله : «حج الجاهلية ، وإنساء الشهور ، ومواسمهم ، وما جاء فى ذلك» ـ ومجنة : سوق بأسفل مكة ، على بريد منها ، وهى سوق لكنانة ، وأرضها من أرض كنانة ، وهى التى يقول فيها بلال رضى الله عنه :

ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة

بفخ وحولى إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

و «شامة» و «طفيل» جبلان مشرفان على «مجنة». انتهى.

ومن الأخبار الدالة على مشاركة خزاعة لقريش فى سكنى مكة وباديتها : ما ذكره الأزرقى ؛ لأنه روى عن جده عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج ، عن ابن جريج ، وعن أبى إسحاق ـ يزيد أحدهما على الآخر ـ فذكر خبرا طويلا فى ولاية قصى بن كلاب البيت الحرام وأمر مكة ، بعد خزاعة.

وفيه «أن يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة :حكم لقصى بحجابة الكعبة ، وولاية أمر مكة ، دون خزاعة ، لما جعل له جليل ، وأن يخلى بينه وبين ذلك ، وأن لا يخرج خزاعة من مساكنها من مكة» وفيه «وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكناهم ، لم يحركوا ، ولم يخرجوا منها ، فلم يزالوا على ذلك حتى الآن». انتهى.

وأما سكنى خزاعة بمكة ـ قبل ولاية قصى ـ : فلا يحتاج إلى استدلال ، لشهرته.

ومن منازل : خزاعة ببادية مكة «الوتير» ماء لهم بأسفل مكة ؛ لأن فى خبر فتح مكة ـ الذى ذكره ابن إسحاق فى سيرته ، تهذيب ابن هشام ـ «ثم إن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة : عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له : الوتير». انتهى.

وهذا الموضع معروف الآن ، ويقال له : «الوتيرين» وهو بناحية ملكان ، والله أعلم.

وفيما أشرنا إليه ـ من الأخبار الدالة على اشتراك قريش وكنانة وخزاعة فى الدار ـ : كفاية.

وذكر الإمام أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى ـ عالم مكة ، وبلاد الحجاز ـ ما يقتضى : أن خزاعة وكنانة من أهل مكة ، ولم يقل ذلك إلا عن يقين من


العلم. وكان من أوعية العلم ، على ما قال أحمد بن حنبل. وإذا كان ذلك كذلك اتجه ذكر خزاعة وكنانة فى أهل مكة ، كما اتجه ذكر قريش فيهم.

وهذا ـ الذى ذكره ابن جريج ـ نقله عنه الأزرقى فى الترجمة التى ترجم عليها بقوله : «ما جاء فى الكعبة ، ومتى كانوا يفتحونها» لأنه نقل عن ابن جريج خبرا طويلا فى خبر الحمس. قال فيه «والحمس : أهل مكة : قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، ومن دان بدينهم ممن ولدوا ، ومن حلفائهم. وإن كان من ساكنى الحل». انتهى.

ووجه دلالة ذلك على ما ذكرناه ـ من أن خزاعة وكنانة من أهل مكة ـ : أن كلام ابن جريج يقتضى : أن الحمس من أهل مكة وغيرهم. وفسر «الحمس» من أهل مكة بقوله : «قريش ، وكنانة ، وخزاعة» وفسر «الحمس» من غير أهل مكة بقوله : «ومن دان بدينهم ـ إلى آخره» وهذا الذى ذكره ابن جريج ـ من أن خزاعة وكنانة من أهل مكة ـ صحيح ، يدل لذلك : ما ذكرناه من مشاركتهم لقريش فى دارهم. والله أعلم.

ونشير : إلى الكتب التى نظرتها لأجل هذا الكتاب. فمن ذلك : كتاب «السيرة» لمحمد بن إسحاق. «تهذيب ابن هشام». وروايته عن زياد البكائى عنه.

أخبرنى به : البدر محمد بن محمد بن قوام البالسى ، وأم أحمد فاطمة بنت القاضى عز الدين محمد أحمد بن المنجا التنوخى ـ قراءة عليهما ، وأنا أسمع ـ بدمشق فى الرحلة الثانية.

قال الأول : أخبرنا به الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب ، سماعا لجميعه.

وقالت المرأة : أخبرنا به محمد بن أحمد بن أبى الهيجاء ، المعروف بابن الزراد قالا : أخبرنا به محمد بن إسماعيل المقدسى خطيب مردان ، قال : أخبرنا به صنيعة الملك هبة الله ابن يحيى بن على بن حيدرة سماعا ، قال : أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن رفاعة السعدى الفرضى.

وأخبرتنى به ـ أعلى من هذا ـ أم أحمد بنت المنجا المذكورة ـ سماعا ـ عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة ، ويحيى بن محمد بن سعد ، وأبى القاسم بن عساكر ـ وتفردت عن القاضى ـ قالوا : أنبأنا به أبو صادق الحسن بن يحيى بن صباح المخزومى ـ إجازة ـ عن ابن رفاعة ـ إجازة ـ قال : أخبرنا به القاضى أبو الحسن على بن الحسن الخلعى ، قال : أخبرنا به أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس البزاز ، قال : أخبرنا به


أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد بن زنجويه البغدادى ، قال : حدثنا به أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن البرقى ، قال : حدثنا به أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوى ، قال: حدثنا به زياد بن عبد الله البكائى ، عن محمد بن إسحاق ـ فذكره.

ومن ذلك : شرح هذا الكتاب ، المسمى «بالروض الأنف» لأبى القاسم عبد الرحمن ابن عبد الله بن أحمد ، المعروف بالسهيلى.

أخبرنى به : الإمامان ـ أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم ، وأبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد ـ المصريان ، عن يونس بن إبراهيم العسقلانى ، عن عبد المنعم بن رضوان ، المعروف بابن مناد ، عن مؤلفه ـ فذكره.

ومن ذلك : كتاب «النسب» للزبير بن بكار قاضى مكة. أنبأنى به أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ وغيره عن الحافظ أبى الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى ـ إجازة ، إن لم يكن سماعا ـ قال : أخبرتنا به زينب بنت مكى ، قالت : أخبرنا به عمر بن محمد ابن طبرزد البغدادى ، قال : أخبرنا به على بن طراد الزينبى عن أبى جعفر بن المسلمة ، قال : أخبرنا به أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ، قال : أخبرنا به أحمد بن سليمان ابن موسى ، قال : أخبرنا به مؤلفه الزبير بن بكار ـ فذكره.

ومن ذلك : «أخبار مكة» لأبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكى ، المعروف بالفاكهى ، وما أكثر فوائده. أخبرنى به جمع من الشيوخ ، منهم : الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخى ـ إذنا مشافهة ـ عن أبى العباس أحمد بن أبى طالب الصالحى أنبأنا أبو الفضل جعفر بن على الهمدانى عن أبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثمانى ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن محمد الباهلى ، عن الحافظ أبى على الحسين بن محمد الجيانى أنبأنا به الحكم بن محمد الجذامى ، عن أبى القاسم بن أبى غالب البزار ، أبنأنا به أبو الحسن الأنصارى عن مؤلفه : الإمام أبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى ـ فذكره.

ومن ذلك «أخبار مكة» لأبى الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى المكى أخبرنى به : أبو المعالى الصوفى ـ بقراءتى عليه ـ عن يحيى بن المصرى عن ابن الجميزى وابن رواح ، عن الحافظ السلفى ، قال : أخبرنا به ابن الطيورى ، قال : أخبرنا به العشارى ، قال :أخبرنا به ابن أبى موسى الهاشمى ، قال : أخبرنا به إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمى ، قال : أخبرنا به مؤلفه الأزرقى ـ فذكره.

ومن ذلك : كتاب «الاستيعاب فى معرفة الأصحاب» لأبى عمر يوسف بن عبد البر


النمرى. أخبرنى به أبو العباس أحمد بن على بن محمد بن عبد الحق الحنفى ـ قراءة عليه ، وأنا أسمع ـ من أول الكتاب إلى قوله : من اسمه عمر. وإجازة لباقيه. قال : أخبرنا به الإمام أبو عبد الله محمد بن جابر الودياشى أنبأنى ـ سماعا فى الثالثة ، وإجازة منه ـ قال : أخبرنا به القاضى أبو العباس أحمد بن محمد بن حسن بن الغماز ـ سماعا لجميعه ، خلا من أوله إلى قوله : حرف الحاء ، فإجازة ـ قال : أخبرنا به الحافظ أبو الربيع سليمان ابن موسى الكلاعى ، قال : أخبرنا به الفقيه أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جهور القيسى ـ وأنا أسمع ـ عن أبى على الحسين بن محمد بن أحمد الغسانى : قال : قرأته على مؤلفه.

قال الحافظ أبو الربيع : وأجازنيه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون عن أبى عمران موسى بن أبى تليد عن مؤلفه.

ومن ذلك : كتاب «تهذيب الكمال» للحافظ المعتمد أبى الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى. أنبأنى به : الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد الصالحى فى أذنة ، قال : أخبرنا به مؤلفه الحافظ المزى ـ فذكره.

ومن ذلك : «مختصره» لصاحبنا الحافظ الناقد أبى الفضل أحمد بن على بن حجر الشافعى. تغمده الله تعالى برحمته. وقد أحسن فى اختصاره ، وزاد فيه فوائد كثيرة. ولم أقف إلا على بعضه.

ومن ذلك : كتاب «الميزان» للحافظ الذهبى ، و «مختصر تاريخ دمشق» له ، و «مختصر تهذيب الكمال» له ، و «طبقات الحفاظ» له ، و «وطبقات القراء» له ، و «تاريخ الإسلام» له ، و «العبر» له ، و «معجمه» و «ذيل سير النبلاء» له. وغير ذلك من تآليفه. أخبرنى بذلك عنه : جماعة من شيوخى.

ومن ذلك : «تهذيب الأسماء واللغات» للنووى. أخبرنى به : إبراهيم بن أحمد البعلى عن على بن إبراهيم بن العطار عن النووى.

ومن ذلك : أكثر «تاريخ بغداد» للخطيب. أخبرنى به : أحمد بن عمر البغدادى سماعا ـ من أوله إلى ترجمة ابن أبى ذئب ، وإجازة لباقيه ـ عن الحافظ أبى الحجاج المزى ـ إجازة إن لم يكن سماعا ـ قال : أخبرنا به يوسف بن يعقوب بن المجاور ، قال : أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى ، قال : أخبرنا به أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز ـ سماعا ، سوى الجزء السادس والثلاثين ، فأخبرنا به محمد بن أحمد بن صرماء ـ قال : أخبرنا به مؤلفه. قال القزاز : سماعا. وقال ابن صرما : إجازة.


ومن ذلك : أكثر «ذيل تاريخ بغداد» لأبى سعد بن السمعانى. وفى كتاب «الأنساب» له ، و «معجمه».

أخبرنى بذلك : أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ الذهبى ـ إذنا ـ عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة المقدسى عن عيسى بن عبد العزيز اللخمى الحافظ عن أبى سعد السمعانى.

ومن ذلك : «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ أبى عبد الله محمد بن سعيد بن الدبيثى. أخبرنى به : أبو هريرة بن الذهبى ـ إذنا ـ عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة عن ابن الدبيثى.

ومن ذلك : «ذيل تاريخ بغداد» لأبى الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعى.

ومن ذلك : أكثر «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجار. أنبأنى بهما : إبراهيم بن محمد الصوفى وآخرون عن أبى العباس أحمد بن أبى طالب الصالحى ، عن القطيعى وابن النجار.

ومن ذلك : «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ تقى الدين بن رافع ، و «معجمه» و «وفياته».أخبرنى بذلك عنه : جماعة من شيوخنا ، منهم : الحافظ صدر الدين أبو الربيع سليمان ابن يوسف المقدسى.

ومن ذلك : «تاريخ إربل». أنبأنى به : أبو هريرة عبد الرحمن بن الذهبى عن أبى نصر محمد بن محمد الشيرازى عن مؤلفه ابن المستوفى.

ومن ذلك : أكثر «تاريخ مصر» للحافظ قطب الدين الحلبى. أنبأنى به : أبو العباس أحمد بن حسن الشاهد عنه ، إجازة إن لم يكن سماعا.

ومن ذلك : بعض «تاريخ دمشق» لأبى القاسم بن عساكر. أنبأنى به : أبو هريرة بن الذهبى عن أبى نصر بن الشيرازى ، عن جده القاضى أبى نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازى ، عن أبى القاسم بن عساكر مؤلفه.

ومن ذلك : «الكامل» لابن الأثير. و «اللباب» له فى الأنساب ، و «أسد الغابة» له.

أخبرنى بذلك : أبو هريرة بن الذهبى ، وآخرون ـ إذنا ـ عن أبى نصر بن الشيرازى ، عن العلامة عز الدين أبى الحسن على بن محمد المعروف بابن الأثير المؤلف.

ومن ذلك : كتاب «مرآة الزمان» لأبى المظفر يوسف بن قزغلى ، سبط الحافظ أبى الفرج بن الجوزى.


أنبأنى به : محمد بن أبى هريرة بن الذهبى ، وآخرون ، عن أبى بكر بن محمد بن أحمد السلمى ، عن أبى المظفر المؤلف ـ فذكره.

ومن ذلك : «ذيل مرآة الزمان» للإمام قطب الدين موسى بن محمد بن أحمد اليونينى. أنبأنى به : الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البعلى ، وآخرون ، إذنا عنه إجازة.

ومن ذلك : «الروضتين فى أخبار الدولتين ، النورية والصلاحية» وذيلهما لأبى شامة. أخبرنى به المشايخ : محمد بن محمد بن عبد الله ، وإبراهيم بن أبى بكر بن عمر ، ومحمد بن محمد بن داود الصالحيون ـ إذنا ـ عن الحافظ شرف الدين أبى محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى. أنبأنا به : مؤلفه العلامة شهاب الدين أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عثمان المقدسى الدمشقى ـ فذكره.

ومن ذلك : «ذيل المنتظم». أنبأنى به : جمع عن المحدث أبى الثناء محمود بن خليفة المنبجى. أنبأنا به مؤلفه الإمام عز الدين أبو بكر محفوظ بن معتوق بن البزورى ـ فذكره.

ومن ذلك : «تاريخ ابن خلكان القاضى». أخبرنى به : الكمال أحمد بن على بن محمد بن عبد الحق الدمشقى الحنفى ، عن الحافظين : جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن القضاعى ، وعلم الدين القاسم بن محمد الإشبيلى ، قالا : أنبأنا به مؤلفه القاضى شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن خلكان الإربلى ـ فذكره.

ومن ذلك : تاريخ البرزالى ، المسمى «بالمكتفى» الذى ذيل به على تاريخ أبى شامة ومعجمه ، وغير ذلك من تعاليقه المفيدة.

أخبرنى بذلك : جماعة من شيوخنا ، منهم : أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد الصالحى. عنه إجازة.

ومن ذلك : «تاريخ الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الجزرى» أخبرنى به عنه.

ومن ذلك : «أعوان النصر وأعيان العصر» للإمام صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدى.

ومن ذلك : أكثر «تاريخ الصلاح» محمد بن شاكر الكتبى.

ومن ذلك : «تاريخ الشيخ عماد الدين بن كثير». أخبرنى به عنه غير واحد من شيوخى.


ومن ذلك : كثير من تاريخ الأمير بيبرس الدوادار الناصرى.

ومن ذلك : كثير من تاريخ الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى.

ومن ذلك : مختصر تاريخ هذا النويرى.

ومن ذلك : تاريخ الملك المؤيد صاحب حماة.

ومن ذلك : «معجم السفر» للسلفى. أنبأنى به : أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخى ، عن أبى الحسن على بن يحيى الشاطبى ، أنبأنا أبو عمرو عثمان بن على بن عبد الوهاب بن خطيب القرافة ـ سماعا ـ عن مؤلفه الحافظ أبى طاهر أحمد بن محمد ابن أحمد السلفى ـ فذكره.

ومن ذلك : «معجم الحافظ عز الدين بن الحاجب الأمينى». أنبأنى به : على بن محمد الخطيب عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة عنه.

ومن ذلك : «معجم الحافظ زكى الدين المنذرى» و «التكملة» له. أنبأنى بذلك عبد الرحمن بن أحمد الشافعى وغيره عن على بن عمر الصوفى ، ويوسف بن عمر الختنى إذنا عنه.

ومن ذلك : «معجم الحافظ ابن مسدى». أنبأنى به : أحمد بن محمد الطبرى عن الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعى عن ابن مسدى.

ومن ذلك : «معجم الإمام علاء الدين على بن إبراهيم بن داود بن العطار». تخريج الذهبى له. أنبأنى به عنه جماعة من شيوخنا.

ومن ذلك : «مشيخة الحافظ رشيد الدين» أبى الحسين يحيى بن على القرشى المعروف بابن العطار.

أنبأنى بها : شيخنا أبو الفضل الحافظ وغيره ، عن أبى شاهد الجيش وغيره عن الرشيد العطار ـ فذكرها.

ومن ذلك : «وفيات شيخنا الحافظ العراقى» التى ذيل بها على «العبر» للذهبى. أنبأنا بها إجازة.

ومن ذلك : «تاريخ الحافظ شيخنا أبى زرعة» أحمد بن شيخنا الحافظ العراقى أنبأنى به إجازة. وهو فى معنى «الذيل» على وفيات أبيه. وأوله سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، وآخر ما رأيته منه : سنة ثلاث وتسعين. وكتب سنين بعد ذلك لم أقف على كلها.


ومن ذلك : أكثر «وفيات» شيخنا مفتى الشام شهاب الدين أحمد بن حجى بن الحسبانى. أنبأنى بها إجازة.

ومن ذلك : «وفيات» الشيخ محيى الدين عبد القادر الحنفى ، و «طبقات الحنفية» له.

ومن ذلك : «طبقات الحنفية» لشيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى. أنبأنى بها إجازة.

ومن ذلك : «وفيات ابن قانع» و «وفيات ابن زبر» و «وفيان الأكفانى» و «وفيات ابن المفضل المقدسى» و «وفيات الشريف أبى القاسم الحسينى» التى ذيل بها على «وفيات» شيخه الحافظ زكى الدين المنذرى المسماة «بالتكملة» التى ذيل بها المنذرى على «وفيات» شيخه الحافظ ابن المفضل و «وفيات ابن أيبك الدمياطى» ووفيات أخر.

ومن ذلك : «تاريخ شيخنا العدل ناصر الدين بن الفرات» فى مجلدات كثيرة. وتاريخ «الصارم إبراهيم المعروف» بابن دقماق.

وغير ذلك كثيرا من كتب التاريخ وغيرها. ومنه «رحلة ابن جبير».

* * *

ولنذكر من كتابنا «شفاء الغرام» ما أشرنا إلى أن نذكره هنا ، فنقول :

الحمد لله الذى جعل لمكة فى الفضل مزايا ، وخصها ببيته الذى هو قبلة للبرايا ، وبحجه الذنب مغفور ، وبالطواف به تكثر الأجور. أحمده على ما منّ به من النزول فى حماه ، وأسأله دوام ذلك مدة المحياة.

وأشهد أن لا إله إلا الله الذى منح شارب ماء زمزم نبيل المنى ، وأشهد أن نبينا محمدا، أفضل من حج ورمى الجمار بمنى ، صلى الله وسلم عليه ما وقف واقف بعرفات والمشعر ، ورضى الله عن آله وأصحابه ما سعى ساع بين الصفا والمروة ، وبين الميلين الأخضرين أحضر.

أما بعد : فهذا ما وعدت بذكره فى كتابى «العقد الثمين ، فى تاريخ البلد الأمين» من أخبار مكة المشرفة ، وحكم بيع دورها ، وإجارتها ، وأسمائها ، وحرمها ، وحدوده ، وشىء مما يختص بذلك من المسائل ، وفضل الحرم ومكة ، والصلاة فيها على غيرها ، وغير ذلك من فضلها ، وحكم المجاورة بها ، وفضل الموت فيها ، وفضل أهلها. وفضل جدة ، والطائف ، وغير ذلك من خبرهما. وأخبار الكعبة المعظمة وفضلها. وفضل الحجر الأسود ، والركن اليمانى ، وفضل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، وخبر الحجر الأسود ،


والحجر ـ بسكون الجيم ـ ومقام الخليل عليه‌السلام ، والأماكن التى صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها حول الكعبة ، والأماكن التى يستجاب الدعاء فيها بمكة ، وحرمها. وخبر المسجد الحرام وزمزم ، وسقاية العباس رضى الله عنه ، والأماكن المباركة بمكة وحرمها ، والأماكن التى تتعلق بها المناسك ، وما علمته من المآثر بمكة ، وحرمها.

وأخبار جاهلية وإسلامية ، لها تعلق بالحجاج ، وغير ذلك. وما علمته من ولاة مكة فى الإسلام على سبيل الإجمال. وهذا الأمر لم أر من عنى بجمعه قبلى.

وجميع ذلك ملخص من تأليفى «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» وجعلته أربعين بابا كأصله ، وسميته «الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة».

* * *


الباب الأول

فى ذكر مكة المشرفة ، وحكم بيع دورها وإجارتها (١)

مكة المشرفة : بلدة مستطيلة كبيرة ، تسع من الخلائق ما لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فى بطن واد مقدس ، والجبال محدقة بها كالسور لها.

ولها ـ مع ذلك ـ ثلاثة أسوار : سور فى جهة المشرق ، يعرف بسور باب المعلاة ؛ لأنه فى أعلاها ، وسور فى جهة المغرب والمدينة النبوية ، يعرف بسور باب الشبيكة ، وسور فى جهة اليمن ، ويعرف بسور باب اليمن وباب الماجن.

وكان جدر هذا السور وجدر سور باب المعلاة : غير كاملين بالبناء ، وكانا قصيرين عن القامة ، فعمرا حتى زادا على القامة ، وتكمل بناؤهما إلا موضعا فى سور باب المعلاة ؛ لأن ما تحته مهواة.

وهذه العمارة فى النصف الثانى من سنة ست عشرة وثمانمائة ، من قبل السيد حسن ابن عجلان ، بعد أن هجم مكة ـ فى غيبته عنها ـ ابن أخيه السيد رميثة بن محمد بن عجلان فى جمادى الآخرة من السنة المذكورة.

ثم أخربت من سور باب المعلاة مواضع ، وأحرق بابه ؛ لفتنة كانت بين أميريها المذكورين ، فى خامس عشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة.

ثم أعيد بناء ما تخرب ، وعمل باب حديد ، وذلك فى شوال وذى القعدة من السنة المذكورة.

ثم خرب جانب من سور باب المعلاة بين البابين اللذين فى السور المذكور ، ثم جانب من سور باب الماجن ، من سيل كان بمكة فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

وعمر ذلك كله فى أوائل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

وكان الخراب فى سور باب المعلاة فى آخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة من سيل.

ذرع مكة من باب المعلاة إلى باب الماجن : أربعة آلاف ذراع وأربعمائة ذراع واثنان

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٠).


وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ بذراع اليد ، وذلك على خط الردم والمسعى وسوق العلافة.

ومن باب المعلاة إلى الشبيكة : مثل ذلك ، بزيادة مائتى ذراع وعشرين ذراعا باليد ، وذلك فى الطريق المشار إليها ، إلا أنه يعدل منها إلى الشبيكة من الزقاق المعروف بابن عرفة.

ومن الجبال المحدقة بمكة :

أخشباها ، وهما : أبو قبيس (١) ، والأحمر المقابل له ، على ما ذكر الأزرقى والفاكهى. وقيل : أبو قبيس وقعيقعان (٢). ذكر ذلك ياقوت.

وعرف أبو قبيس بالأخشب الشرقى ، وقعيقعان بالغربى ، و «الأخشب» الجبل الغليظ.

وفى تسمية أبى قبيس أقوال (٣).

أحدها : أنه يسمى برجل من إياد.

وذكر الوراق : أنه يقال له : أبو قابوس ، وشيخ الجبال. انتهى.

و «أبو قبيس» اسم لحصن بحلب قبالة شيزر (٤) ، على ما ذكر ياقوت.

__________________

(١) أبو قبيس : اسم لجبل مكة ، ويقال : شيخ الجبال أبو قبيس ، وقيل ثبير.

ثبير : هو أعلى جبال مكة وأعظمها يكون ارتفاعه علوا نحو ميل ونصف ، وهو من الناحية المتصلة بمنى ، وثبير وحراء ما بين الشرق والشمال من مكة وهو الذى كانت قريش تعنى بقولها : أشرف ثبير كيما نغير. قال البكرى : هى أربعة أثبرة : ثبير بمكة وهو هذا ، وثبير غينا ، والثالث ثبير الأعرج ، والرابع ثبير الأحدب ، وفى ثبير هذا خلا إبراهيم عليه‌السلام بابنه وأضجعه للذبح وذلك فى الشعب من ثبير.

انظر : (الروض المعطار ٤٥٢ ، ١٤٩ ، معجم ما استعجم ١ / ٣٣٥ ، البكرى ٧٤ ، الأزرقى ١ / ٤٨٦).

(٢) قعيقعان جبل بأعلى مكة نزل به مضاض بن عمرو ومن معه من جرهم فكان يعشر من دخل مكة من أعلاها. قالوا : وسمى قعيقعان لأن مضاض بن عمرو لما سار إلى السميدع معه كتيبة فيها عدتها من الرماح والدرق والسيوف تقعقع بذلك فسمى بذلك قعيقعان ، والقصة طويلة.

انظر : (الروض المعطار ٤٧٧ ، السيرة ١ / ١١٢ ، معجم ما استعجم ٣ : ١٠٨٦ ، ياقوت «قعيقعان»).

(٣) انظر : (المنتظم ١ / ١٣٨ ، مرآة الزمان ١ / ٨٤ ، الصحاح ٢ / ٩٥٧ ، معجم ما استعجم ١٠٤٠ ، الروض المعطار ٤٥٢ ، الاستبصار ٥).


و «قعيقعان» اسم لمواضع ذكرها ياقوت (١) ، ولموضعين لم يذكرهما. أحدهما : بلية من عمل الطائف. والآخر : باليمن. وسيأتى إن شاء الله تعالى شىء فى سبب تسميته بقعيقعان.

وبمكة أبنية كثيرة ، وعين جارية ، وآبار غالبها مسبل ، وبرك مسبّلة ، وحمامان. وكان بها ستة عشر حماما ، على ما ذكر الفاكهى.

وبعض الدور التى بمكة : علامة لحد المعلاة والمسفلة ؛ لأن دار الخيزران ـ عند الصفا ـ علامة لحد المعلاة من شق مكة الأيمن ، ودار العجلة : علامة لحد المعلاة من شق مكة الأيسر.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى بفضل المعلاة على المسفلة. وذكر الفاكهى شيئا مفيدا فى مخاليف مكة ؛ لأنه قال : فآخر أعمالها ـ مما يلى طريق المدينة ـ موضع يقال له : جنابذ بن صفى فيما بين عسفان ومر. وذلك على يوم وبعض يوم.

وآخر أعمالها ـ مما يلى طريق الجادة فى طريق العراق ـ العمير ، وهو قريب من ذات عرق ، وذلك على يوم وبعض يوم.

وآخر أعمالها ـ مما يلى اليمن على طريق تهامة اليوم ـ موضع يقال له : ضنكان (٢).

__________________

(٤) شيزر : بتقديم الزاى على الراء ، وفتح أوله : قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة ، بينها وبين حماة يوم ، فى وسطها نهر الأردن عليه قنطرة فى وسط المدينة أوله من جبل لبنان تعدّ فى كورة حمص وهى قديمة. انظر : معجم البلدان «شيزر».

(١) قعيقعان : بالضم ثم الفتح ، بلفظ تصغير : سمى بذلك لأن قطوراء وجرهم لما تحاربوا قعقعت الأسلحة فيه ، وعن السّدّىّ أنه قال : سمّى الجبل الذى بمكة قعيقعان لأن جرهم كانت تجعل فيه قسيّها وجعابها ودرقها فكانت نقعقع فيه ، قال عرّام : ومن قعيقعان إلى مكة اثنا عشر ميلا على طريق الحوف إلى اليمن.

وقعيقعان : قرية بها مياه وزروع ونخيل وفواكه وهى اليمانية ، والواقف على قعيقعان يشرف على الركن العراقى إلا أن الأبنية قد حالت بينهما.

وبالأهواز جبل يقال له قعيقعان منه نحتت أساطين مسجد البصرة ، سمى بذلك لأن عبد الله بن الزبير بن العوّام ولّى ابنه حمزة البصرة فخرج إلى الأهواز فلما رأى جبلها قال : كأنه قعيقعان ، فلزمه ذلك. انظر : معجم البلدان «قعيقعان».

(٢) ضنكان : بالفتح ثم السكون ، ويروى بالكسر ، ثم كاف ، وآخره نون ، فعلان من الضنك وهو الضيق : وهو واد فى أسافل السراة يصب إلى البحر وهو من مخاليف اليمن. انظر : معجم البلدان «ضنكان».


وذلك على عشرة أيام من مكة. وقد كان آخر أعمالها فيما مضى : بلاد عكّ.

وآخر أعمالها ـ مما يلى اليمن فى طريق نجد ، وطريق صنعاء ـ موضع يقال له «نجران» على عشرين يوما من مكة. انتهى.

وذكر ابن خرداذبة فى «مخاليف مكة» ما يوافق ما ذكره الفاكهى. وصرح فيهما بما لم يصرح به الفاكهى.

وليس كل ما ذكراه معدودا اليوم فى أعمال مكة ؛ لأن كثيرا من ذلك ليس لأمير مكة الآن فيه كلام.

وأبعد مكان عن مكة لأميرها الآن فيه كلام «الحسنة» (١) وهى بلدة بينها وبين «قنونا» (٢) يوم ، وبين «حلى» (٣) يومان.

وكلامه فيها باعتبار أن له على مزارعها كل سنة مائة غرارة مكية فيما قيل. وله أيضا رسم على أهل «ذوقة» والواديين ، و «الليث».

وأبعد مكان ـ بعد هذه الأماكن عن مكة لأميرها فيه كلام الآن ـ وادى الطائف ووادى «ليّة» (٤). ولأمير مكة فيهما من الكلمة والعادة على أهلها أكثر مما له فى الأماكن السابق ذكرها.

ولقاضى مكة نواب بوادى الطائف ، و «لية».

ومن أعمال مكة فى صوب الطائف : وادى نخلة الشامية ، واليمانية. ونخلة على ليلة من مكة.

__________________

(١) حسنة : بالهاء : من قرى إصطخر. وحسنة أيضا : جبال بين صعدة وعثّر من أرض اليمن فى الطريق. انظر : معجم البلدان «حسنة».

(٢) قنونى : بالفتح ونونين ، بوزن فعوعل من القنا أو فعولى من القنّ : من أودية السراة يصبّ إلى البحر فى أوائل أرض اليمن من جهة مكة قرب حلى وبالقرب منها قرية يقال لها يبت. انظر : معجم البلدان «قنونى».

(٣) حلى : بالفتح ثم السكون ، بوزن ظبى. قال عمارة اليمنى : حلى مدينة باليمن على ساحل البحر ، بينها وبين السرّين يوم واحد ، وبينها وبين مكة ثمانية أيام ، وهى حلية المقدّم ذكرها. انظر : معجم البلدان «حلى».

(٤) لية : بالكسر ، وتخفيف الياء : وهو واد لثقيف ، قال الأصمعى : لية واد قرب الطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية. انظر : معجم البلدان «لية».


وأبعد مكان عن مكة فى صوب المدينة لأمير مكة الآن فيه كلام كثير : وادى «الهدة» (١) ـ هدة بنى جابر ـ وهى على مرحلة من «مرّ الظهران» (٢) ومر الظهران على مرحلة من مكة. وهو والهدة معدودان من أعمالها.

وولاة مكة الآن يأخذون ما يغرق فى البحر فيما بين جدة ورابغ (٣) ، ويرون أن ذلك يدخل فى عملهم.

و «جدة» من أعمال مكة فى تاريخه وفيما قبله. وهى على مرحلتين من مكة.

وليس كل ما ذكره ابن خرداذبة والفاكهى فى مخاليف مكة : داخلا فى الحجاز ، الذى هو : مكة ، والمدينة ، واليمامة ، ومخاليفها.

وقد عرّف الحجاز بذلك الإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ وغيره.

وقيل : فى الحجاز غير ذلك. وسمى حجازا لحجزه بين تهامة ونجد. وقيل : فيه غير ذلك (٤). والله أعلم.

__________________

(١) الهدّة : بالفتح ثم التشديد ، وهو الخسفة فى الأرض ، والهدّ الهدم : وهو موضع بين مكة والطائف ، والنسبة إليها هدوىّ ، وهو موضع القرود ، وقد خفّف بعضهم داله. انظر : معجم البلدان «هدة».

(٢) مرّ الظّهران بفتح أوّله ، وتشديد ثانيه ، مضاف إلى الظهران ، بالظاء المعجمة المفتوحة. وبين مر والبيت ستّة ميلا.

قال سعيد بن المسبّب : كانت منازل عك مرّ الظهران. وقال كثيّر عزّة : سمّيت مرّا لمرارتها. وقال أبو غسّان : سمّيت بذلك لأنّ فى بطن الوادى بين مرّ ونخلة كتابا بعرق من الأرض أبيض : هجاء مرّ ، إلّا أنّ الميم غير موصولة بالراء. انظر : معجم البلدان «مر».

(٣) رابغ : بعد الألف باء موحّدة ، وآخره غين معجمة : واد يقطعه الحاج بين البزواء والجحفة دون عزور.

وقال ابن السكيت : رابغ بين الحجفة وودّان ، وقال فى موضع آخر : رابغ واد من دون الجحفة يقطعه طريق الحاجّ من دون عزور ، وقال الحازمىّ : بطن رابغ واد من الجحفة له ذكر فى المغازى وفى أيّام العرب ، وقال الواقدى : هو على عشرة أميال من الجحفة فيما بين الأبواء والجحفة. انظر : معجم البلدان «رابغ».

(٤) الحجاز : بالكسر ، وآخره زاى. قال أبو بكر الأنبارى : فى الحجاز وجهان : يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب حجز الرجل بعيره يحجزه إذا شدّه شدّا يقيده به ، ويقال للحبل حجاز ، ويجوز أن يكون سم حجازا لأنه يحتجز بالجبال ، يقال : احتجزت المرأة إذا شدّت ثيابها على وسطها واتّزرت ، ومنه قيل حجزة السراويل ، وقول العامة حزّة السراويل خطأ.

والحجاز : جبل ممتدّ حالّ بين الغور غور تهامة ونجد فكأنه منع كلّ واحد منهما أن يختلط بالآخر فهو حاجز بينهما ، وهذه حكاية أقوال العلماء.


ذکر حکم بع دور مكة وإجارتها (١)

__________________

ـ قال الخليل : سمى الحجاز حجازا لأنه فصل بين الغور والشام وبين البادية.

وقال عمارة بن عقيل : ما سأل من حرّة بن سليم وحرّة ليلى فهو الغور حتى يقطعه البحر ، وما سال من ذات عرق مغربا فهو الحجاز إلى أن تقطعه تهامة ، وهو حجاز أسود حجز بين نجد وتهامة ، وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق.

وقال الأصمعى : ما احتزمت به الحرار حرّة شوران وحرّة ليلى وحرّة واقم وحرّة النار وعامة منازل بنى سليم إلى المدينة ، فذلك الشقّ كله حجاز.

وقال الأصمعى أيضا فى كتاب جزيرة العرب : الحجاز اثنتا عشرة دارا : المدينة وخيبر وفدك وذو المروة ودار بلىّ ودار أشجع ودار مزينة ودار جهينة ونفر من هوازن وجلّ سليم وجلّ هلال وظهر حرّة ليلى ، ومما يلى الشام شغب وبدا.

وقال الأصمعى فى موضع آخر من كتابه : الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام ، وإنما سمى حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد ، فمكة تهامية والمدينة حجازية والطائف حجازية.

وقال غيره : حدّ الحجاز من معدن النقرة إلى المدينة ، فنصف المدينة حجازىّ ونصفها تهامىّ ، وبطن نخل حجازى وبحذائه جبل يقال له الأسود نصفه حجازى ونصفه نجدىّ. وذكر ابن أبى شبّة أن المدينة حجازية.

(١) ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف ، إلى أنه لا يجوز بيع أراضى مكة ، ولا إجارة بيوتها ، هذا مذهب مجاهد وعطاء فى أهل مكة ، ومالك فى أهل المدينة ، وأبى حنيفة فى أهل العراق ، وسفيان الثورى ، والإمام أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه.

وروى الإمام أحمد رحمه‌الله ، عن علقمة بن نضلة ، قال : كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن.

وروى أيضا عن عبد الله بن عمر : «من أكل أجور بيوت مكة ، فإنما يأكل فى بطنه نار جهنم» رواه الدار قطنى مرفوعا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه : «إن الله حرم مكة ، فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها».

وقال الإمام أحمد : حدثنا معمر ، عن ليث ، عن عطاء ، وطاوس ومجاهد ، أنهم قالوا : يكره أن تباع رباع مكة أو تكرى بيوتها.

وذكر الإمام أحمد ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال : من أكل من كراء بيوت مكة ، فإنما يأكل فى بطنه نارا.

وقال أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا حجاج ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : نهى عن إجارة بيوت مكة ، وعن بيع رباعها.

وذكر عن عطاء ، قال : نهى عن إجازة بيوت مكة.

وقال أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف قال : حدثنا عبد الملك ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير أهل مكة ينهاهم عن إجازة بيوت مكة ، وقال : إنه حرام.

وحكى أحمد عن عمر ، أنه نهى أن يتخذ أهل مكة للدور أبوابا ، لينزل البادى حيث شاء. ـ


__________________

ـ وحكى عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه : أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة ، فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا ، ومن لداره باب أن يغلقه ، وهذا فى أيام الموسم.

قال المجوزون للبيع والإجارة : الدليل على جواز ذلك ، كتاب الله وسنة رسوله ، وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين.

قال الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ)[الحشر : ٨].

وقال : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)[آل عمران : ١٩٥].

وقال : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ)[الممتحنة : ٩] فأضاف الدور إليهم ، وهذه إضافة تمليك.

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قيل له : أين تنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل من رباع» (١) ، ولم يقل : إنه لا دار لى ، بل أقرهم على الإضافة ، وأخبر أن عقيلا استولى عليها ولم ينزعها من يده ، وإضافة دورهم إليهم فى الأحاديث أكثر من أن تذكر ، كدار أم هانئ ، ودار خديجة ، ودار أبى أحمد بن جحش وغيرها ، وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول ، ولهذا قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وهل ترك لنا عقيل من منزل» ، وكان عقيل هو ورث دور أبى طالب ، فإنه كان كافرا ، ولم يرثه على رضى الله عنه ، لاختلاف الدين بينهما ، فاستولى عقيل على الدور. ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها ، بل قبل المبعث وبعده ، من مات ، ورث ورثته داره إلى الآن.

وقد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأربعة آلاف درهم ، فاتخذها سجنا ، وإذا جاز البيع ، والميراث ، فالإجارة أجوز وأجوز ، فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى ، وحججهم فى القوة والظهور لا تدفع ، وحجج الله وبيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا ، ويجب العمل بموجبها كلها ، والواجب اتباع الحق أين كان.

فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين ، وأن الدور تملك ، وتوهب ، وتورث ، وتباع ، ويكون نقل الملك فى البناء لا فى الأرض والعرصة ، فلو زال بناؤه ، لم يكن له أن يبيع الأرض ، وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت ، وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء ، وليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة ، فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره ، ويختص بها لسبقه وحاجته ، فإذا استغنى عنها ، لم يكن له أن يعاوض عليها ، كالجلوس فى الرحاب ، والطرق الواسعة ، والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التى من سبق إليها ، فهو أحق بها ما دام ينتفع ، فإذا استغنى ، لم يكن له أن يعاوض ، وقد صرح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك فى رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض ، فذكره أصحاب أبى حنيفة.

فإن قيل : فقد منعتم الإجارة ، وجوزتم البيع ، فهل لهذا نظير فى الشريعة ، والمعهود فى الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع ، فقد يمتنع البيع ، وتجوز الإجارة ، كالوقف والحر ، فأما العكس ، فلا عهد لنا به؟.

قيل : كلّ واحد من البيع والإجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر فى جوازه وامتناعه ، وموردهما مختلف ، وأحكامهما مختلفة ، وإنما جاز البيع ، لأنه وارد على المحل الذى كان البائع ـ


اختلف فى ذلك قول مالك. فروى عنه : أنه كره بيعها وكراء دورها ، فإن بيعت أو أكريت : لم يفسخ. وروى عنه منع ذلك.

وليس سبب الخلاف عند المالكية : الخلاف فى مكة : هل فتحت عنوة ، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة.

وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك : الخلاف فى مكة : هل منّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها على

__________________

ـ أخص به من غيره ، وهو البناء ، وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة ، وهى مشتركة ، وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة ، فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة ، فإن أبيتم إلا النظير ، قيل : هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه ، ويصير مكاتبا عند مشتريه ، ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التى ملكها بعقد الكتابة والله أعلم. على أنه لا يمنع البيع ، وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين ، فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة ، إن احتاج سكن ، وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع ، فليس فى بيعها إبطال اشتراك المسلمين فى هذه المنفعة ، كما أنه ليس فى بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التى ملكها بعقد المكاتبة ، ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التى وقفها عمر رضى الله عنه على الصحيح الذى استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا ، فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية ، كما كانت عند البائع ، وحق المقاتلة إنما هو فى خراجها ، وهو لا يبطل بالبيع ، وقد اتفقت الأمة على أنها تورث ، فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا ، فكذلك ينبغى أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها ، وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا فى النكاح ، فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة ، جاز البيع فيها قياسا وعملا ، وفقها. والله أعلم.

فإذا كانت قد فتحت عنوة ، فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة ، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟.

قيل : فى هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة.

أحدهما : المنصوص المنصور الذى لا يجوز القول بغيره ، أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة ، فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج ، لا سيما والخراج هو جزية الأرض ، وهو على الأرض كالجزية على الرءوس ، وحرم الرب أجل قدرا وأكبر من أن تضرب عليه جزية ، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حرما آمنا يشترك فيه أهل الإسلام ، إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم وقبلة أهل الأرض.

والثانى ـ وهو قول بعض أصحاب أحمد : أن على مزارعها الخراج ، كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة ، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد رحمه‌الله ومذهبه ، ولفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه الراشدين من بعده رضى الله عنهم ، فلا التفات إليه ، والله أعلم.

وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة ، وهذا بناء غير صحيح ، فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا ، فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم.

انظر : (زاد المعاد ٣ / ٣١٥ وما بعدها).


أهلها ، فلم تقسم ، ولا سبى أهلها ، لما عظّم الله من حرمتها ، أو أقرت للمسلمين؟ أشار إلى ذلك ابن رشد.

وعلى الأول : ينبنى جواز بيع دورها وإجارتها ، وينبنى منع ذلك على القول بأنها أقرت للمسلمين.

وفى هذا القول نظر. فقد بيعت دور مكة فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمر وعثمان رضى الله عنهما ، وبأمرهما اشتريت دور مكة لتوسعة المسجد الحرام ، وكذلك فعل ابن الزبير رضى الله عنهما.

وفعل ذلك غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم. وهم أعرف الناس بما يصلح فى مكة.

وهذا مذكور فى تاريخ الأزرقى ، ما عدا بيعها فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن ذلك مذكور فى كتاب الفاكهى عن عبد الرحمن بن مهدى.

ولا يعارض هذا حديث علقمة بن نضلة الكنانى ـ وقيل الكندى ـ «كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان رضى الله عنهم ـ لا تكرى ولا تباع ، ولا تدعى إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن». وهذا لفظ الأزرقى. وفى ابن ماجة معناه (١).

لأن حاصل حديث علقمة : شهادة على النفى. وفى مثل هذا يقدم المثبت. والله أعلم.

واختلف الحنفية فى جواز بيع دور مكة ، فاختار الصاحبان ـ أبو يوسف ومحمد بن الحسن ـ جواز ذلك. وعلى قولهما الفتوى ، فيما ذكر الصدر الشهيد ، ومقتضى قولهما بجواز البيع ، جواز الكراء. والله أعلم.

واختلف رأى الإمام أحمد رضى الله عنه فى ذلك. فعنه روايتان فى جواز بيع دور مكة وإجارتها. ورجح كلا منهما مرجح من أتباعه المتأخرين.

ولم يختلف مذهب الشافعى رضى الله عنه فى جواز بيع دور مكة وكرائها ؛ لأنها عنده فتحت صلحا. وقال بعضهم عنه : فتحت بأمان ، وهو فى معنى الصلح.

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة فى سننه (٣١٠٧) من طريق : أبو بكر بن أبى شيبة ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين ، عن عثمان بن أبى سليمان ، عن علقمة بن نضلة ، قال : «توفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن».


وقال الماوردى ، من أئمة الشافعية : عندى أن أسفلها دخله خالد بن الوليد رضى الله عنه عنوة ، وأعلاها فتح صلحا.

قال النووى : والصحيح الأول. يعنى أنها فتحت صلحا كلها. وفى صحته نظر ؛ لأن الفتح صلحا إنما يكون بالتزام أهل البلد المفتتحة ترك القتال. والواقع من أهل مكة عند فتحها خلاف ذلك ؛ لأن فى مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه حديثا فى فتح مكة. قال فيه : «ووبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا ، فقالوا : نقدم هؤلاء. فإن كان لهم شىء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا» (١).

__________________

(١) أخرجه مسلم فى صحيحه (١٧٨٠) من طريق شيبان بن فروخ ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا ثابت البنانى ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبى هريرة ، قال : وفدت وفود إلى معاوية وذلك فى رمضان ، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام ، فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله ، فقلت : ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلى ، فأمرت بطعام يصنع ثم لقيت أبا هريرة من العشى ، فقلت : الدعوة عندى الليلة ، فقال : سبقتنى ، قلت: نعم ، فدعوتهم ، فقال أبو هريرة : ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة ، فقال : أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى قدم مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادى ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كتيبة ، قال : فنظر فرآنى ، فقال أبو هريرة : قلت : لبيك يا رسول الله ، فقال : «لا يأتينى إلا أنصارى ـ زاد غير شيبان فقال ـ اهتف لى بالأنصار» قال : فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا ، فقالوا : نقدم هؤلاء فإن كان لهم شىء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ثم قال : «حتى توافونى بالصفا» قال : فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا ، قال : فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله أبيحت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، ثم قال : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، فقالت : الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة فى قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة : وجاء الوحى وكان إذا جاء الوحى لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ينقضى الوحى ، فلما انقضى الوحى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا معشر الأنصار» قالوا : لبيك يا رسول الله ، قال : «قلتم أما الرجل فأدركته رغبة فى قريته» قالوا : قد كان ذاك ، قال : «كلا إنى عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون : والله ما قلنا الذى قلنا إلا الضن بالله وبرسوله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» قال : فأقبل الناس إلى دار أبى سفيان وأغلق الناس أبوابهم ، قال : وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ، قال : فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه ، قال : وفى يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس ، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه فى عينه ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.

وأخرجه أحمد بن حنبل فى مسنده (١٠٥٦٥).


وفيه ما يقتضى أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتالهم ووقوع القتل. وذلك : ينافى الصلح. وفيه دليل على أن فتح مكة عنوة. والله أعلم.

ومن الأخبار الدالة على أن فتح مكة عنوة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خطبته بمكة يوم فتحها : «يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم. قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اذهبوا ، فأنتم الطلقاء» (١) وهذه الخطبة فى سيرة ابن إسحاق ، تهذيب ابن هشام(٢).

قال ابن الأثير فى النهاية ، فى حديث حنين : «خرج إليها ومعها الطلقاء الذين خلّى عنهم يوم فتح مكة ، أطلقهم ولم يسترقهم» إلى آخر كلامه.

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٤٥٤٧) ، (٤٥٨٨) قال : حدثنا سليمان بن حرب ومسدد ، قال : حدثنا حماد. و (٤٥٤٨) ، (٤٥٨٩) قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا وهيب. و «ابن ماجة» ٢٦٢٧ قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا سليمان بن حرب : قال : حدثنا حماد بن زيد. و «النسائى» ٨ / ٤١ قال : أخبرنى يحيى بن حبيب بن عربى ، قال : أنبأنا حماد.

كلاهما (حماد بن زيد ، ووهيب) عن خالد الحذاء ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عقبة بن أوس ، فذكره.

أخرجه أحمد ٢ / ١٦٤ (٦٥٣٣) ، ٢ / ١٦٦ (٦٥٥٢) قال : حدثنا محمد بن جعفر. و «الدارمى» ٢٣٨٨ قال : أخبرنا سليمان بن حرب. و «ابن ماجة» ٢٦٢٧ قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدى ، ومحمد بن جعفر. و «النسائى» ٨ / ٤٠ قال : أخبرنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، ثلاثتهم (محمد بن جعفر ، وسليمان ، وعبد الرحمن) قالوا : حدثنا شعبة ، عن أيوب ، قال : سمعت القاسم بن ربيعة يحدث عن عبد الله بن عمرو ، فذكره مختصرا. وليس فيه (عقبة بن أوس).

أخرجه أحمد ٣ / ٤١٠ قال : حدثنا هشيم. و «النسائى» ٨ / ٤١ قال : حدثنا محمد بن كامل ، قال : حدثنا هشيم. وفى ٨ / ٤١ قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا بشر بن المفضل. وفى ٨ / ٤٢ قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا يزيد ، ثلاثتهم (هشيم ، وبشر ، ويزيد بن زريع) عن خالد الحذاء ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عقبة بن أوس ، عن رجل من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : خطب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر نحوه. وفى رواية بشر. ورواية يزيد (يعقوب ابن أوس) بدل (عقبة بن أوس).

أخرجه النسائى ٨ / ٤١ قال : أخبرنا محمد بن بشار عن ابن أبى عدى ، عن خالد ، عن القاسم ، عن عقبة بن أوس ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ، فذكره مرسلا.

أخرجه أحمد ٣ / ٤١٠ قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس. و «النسائى» ٨ / ٤٠ قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا يونس ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب. وفى ٨ / ٤٢ قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، قال : حدثنا حميد ، ثلاثتهم (يونس ، وأيوب ، وحميد) عن القاسم بن ربيعة ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب يوم الفتح ، فذكره مرسلا.

(٢) انظر : (السيرة النبوية ، لابن هشام ٢ / ٤١٢ ، الطبقات الكبرى ، لابن سعد ٢ / ١٣٦ ، ١٣٧).


وإذا كان هذا معنى الطلقاء ، فخطاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقريش ـ هذا الخطاب ـ يقتضى أنهم كانوا حين خوطبوا بذلك فى الأسر ، المقتضى للاسترقاق ، لو لا أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم تفضل عليهم بالإطلاق ، ولو لا ذلك لم يكن لاستعلامه قريشا عما يتوقعونه منه محل ، كما لا محل لخطاب قريش بذلك بعد تأمينهم. ويبعد الانفصال عن هذا الدليل بجواب شاف ، إلا أن يقال : إنه مرسل.

وفى أصل هذا الكتاب ـ فيما يتعلق بفتح مكة ـ فوائد أخر ، مع بيان النظر فيما أجاب به النووى رحمه‌الله عن الأحاديث المقتضية لفتح مكة عنوة.

وفيما ذكره حجة للإمام الشافعى رضى الله عنه فى فتح مكة صلحا ، وفى أن دورها مملوكة لأهلها. والله أعلم بالصواب. وهذا من النووى : تأييد لقول الشافعى رضى الله عنه : أن مكة فتحت صلحا.

وفى شرح مسلم للقاضى عياض ، والمازرى : ما يقتضى أنه انفرد بذلك. ولم ينفرد به ، لموافقة مجاهد وغيره له على ذلك ، على ما وجدت بخط سليمان بن خليل إمام المقام الشريف بمكة فى حاشية فى المهذب. نقلها عن الشامل ، ولم يقل فيها «لابن الصباغ» وهو له. والله أعلم.

* * *


الباب الثانى

فى أسماء مكة المشرفة (١)

لمكة المشرفة : أسماء كثيرة. بعضها مأخوذ من القرآن العظيم (٢). وذلك : ثمانية «مكة» بالميم ، و «بكة» بالباء ، و «أم القرى» و «القرية» و «البلد» و «البلد الأمين» و «البلدة» و «معاد». ومواضعها من القرآن العظيم ظاهرة.

وقد جمع شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى قاضى اليمن : فى أسماء مكة أكثر مما جمعه غيره. وذكرنا ذلك فى أصله ، وقد أغرب فى كثير مما ذكر. وفاته مع ذلك أسماء أخر.

منها : «برة». ذكره سليمان بن خليل.

ومنها : «بساق». ذكره ابن رشيق فى العمدة فى الأدب.

ومنها : «البيت العتيق». ذكره الأزرقى.

ومنها : «الرأس». ذكره السهيلى وغيره.

ومنها : «القادسية». ذكره ابن جماعة فى منسكه ، ولم يعزه.

ومنها : «المسجد الحرام».

ومنها : «المعطشة». ذكرهما ابن خليل.

ومنها : «المكتان». ذكره القيراطى فى ديوانه ، وذكر السهيلى ما يشهد له فى غير موضع.

ومنها : «النابية» بالنون والباء. ذكره الشيخ عماد الدين ابن كثير فى تفسيره.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٤٧).

(٢) قال ابن كثير فى تفسيره : وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة : مكة ، وبكة ، والبيت العتيق ، والبيت الحرام ، والبلد الأمين ، والمأمون ، وأم رحم ، وأم القرى ، وصلاح ، والعرش على وزن بدر ، والقادسية لأنها تطهر من الذنوب ، والمقدسة ، والناسة بالنون ، وبالباء أيضا والحاطمة ، والنسّاسة ، والرأس ، وكوثاء والبلدة ، والبنية ، والكعبة. تفسير ابن كثير ، سورة آل عمران الآية ٩٦.


ومنها : «أم روح». ذكره ابن الأثير فى كتابه المرصع.

ومنها : «أم الرحمن».

ومنها : «أم كوتى». ذكرهما عبد الله بن عبد الملك المرجانى فى تاريخه للمدينة النبوية. وعزا الأول لابن العزى ، وقال فيه ـ بعد ذكره لأسماء مكة ـ ومن الخواص ، قيل : إذا كتب بالدم على الجبين «مكة وسط الدنيا ، والله رءوف بالعباد» انقطع الدم. انتهى.

وقد اختلف فى «مكة» و «بكة» هل هما بمعنيين ، أو بمعنى واحد؟ واختلف القائلون بالأول.

فقيل : بكة ـ بالباء ـ موضع البيت ـ وبالميم ـ القرية. وقيل : بالباء موضع البيت ، وبالميم : الحرم كله. وقيل : غير ذلك (١).

* * *

__________________

(١) و «بكة» موضع البيت ، ومكة سائر البلد. عن مالك بن أنس. وقال محمد بن شهاب : بكّة المسجد ، ومكة الحرم كله ، تدخل فيه البيوت. قال مجاهد : بكة هى مكة ، فالميم على هذا مبدلة من الباء. ، كما قالوا : طين لازب ولازم. وقاله الضحاك والمؤرّج. ثم قيل : بكة مشتقة من البكّ وهو الازدحام. تباك القوم ازدحموا. وسميت بكة لازدحام الناس فى موضع طوافهم. والبك دقّ العنق. وقيل : سميت بذلك لأنها كانت تدق رقاب الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم. قال عبد الله ابن الزبير : لم يقصدها جبار قطّ بسوء إلا وقصه الله عزوجل. وأما مكة فقيل : إنها سميت بذلك (لقلة مائها وقيل : سميت بذلك) ؛ لأنها تمكّ المخّ من العظم مما ينال قاصدها من المشقة ، من قولهم : مككت العظم إذا أخرجت ما فيه. ومكّ الفصيل ضرع أمّه وامتكّه إذا امتصّ كل ما فيه من اللبن وشربه. وقيل : سميت بذلك لأنها تمكّ من ظلم فيها ، أى تهلكه وتنقصه. وقيل : سميت بذلك لأن الناس كانوا يمكّون ويضحكون فيها ، من قوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)[الأنفال : ٣٥] أى تصفيقا وتصفيرا. وهذا لا يوجبه التصريف ؛ لأن «مكة» ثنائىّ مضاعف و «مكاء» ثلاثىّ معتلّ. انظر تفسير القرطبى الآية رقم ٩٦ سورة آل عمران.

وروى عن ابن عباس رضى الله عنه ، قال : مكة من الفج إلى التنعيم ، وبكة من البيت إلى البطحاء ، وقال شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم : بكة البيت والمسجد ، وكذا قال الزهرى. وقال عكرمة ، فى رواية ، وميمون بن مهران : البيت وما حوله بكة ، وما وراء ذلك مكة. وقال أبو صالح وإبراهيم النخعى وعطية العوفى ومقاتل بن حيان : بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة. تفسير ابن كثير ، الموضع السابق.


الباب الثالث

فى ذكر حرم مكة (١)

وسبب تحريمه ، وتحديده ، وعلاماته ، وحدوده ، وما يتعلق بذلك من ضبط ألفاظ فى حدوده ، ومعانى بعض أسمائها.

حرم مكة : ما أحاط بها ، وأطاف بها من جوانبها ، جعل الله تعالى حكمه حكمها فى الحرمة ؛ تشريفا لها. أشار إلى ذلك الماوردى ، وابن خليل ، والنووى.

وسبب تحريمه ـ على ما قيل ـ : أن آدم عليه‌السلام خاف على نفسه حين أهبط إلى الأرض ، فبعث الله تعالى ملائكة لحراسته ، فوقفت فى مواضع أنصاب الحرم من كل جانب. فصار ما بين آدم وموقف الملائكة حرما ، وغير ذلك فى سبب تحريمه.

وللحرم علامات بينة ، وهى أنصاب مبنية من جميع جوانبه ، إلا من جهة الجعرانة ، وجدة ، فلا بناء فيهما.

والخليل عليه‌السلام أول من نصبها ، بدلالة جبريل عليه‌السلام ، ثم قصى بن كلاب ، ثم نصبتها قريش ، بعد أن نزعتها قبل هجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأمر عليه الصلاة والسلام بنصبها عام الفتح ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم معاوية ، رضى الله عنهم ، ثم عبد الملك بن مروان. هذا ما ذكره الأزرقى فيمن نصبها.

وقيل : إن إسماعيل نصبها.

وقيل : إن عدنان بن أدد أو من نصبها ، ونصبها المهدى العباسى.

وفى خلافة الراضى العباسى : عمر العلمان الكبيران ، اللذان فى جهة التّنعيم بالأرض لا بالجبل ، وذلك : فى سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.

وفى سنة ست عشرة وستمائة : عمر العلمان ـ اللذان هما حد الحرم من جهة عرفة ، من قبل المظفر ـ صاحب إربل.

وعمرا فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة من قبل المظفر صاحب اليمن.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٥٤).


وجميع حدود الحرم مختلف فيها ؛ لأن فى حده من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن «نمرة» أربعة أقوال : نحو ثمانية عشر ميلا ، على ما ذكر أبو الوليد الباجى المالكىرحمه‌الله تعالى.

وأحد عشر ميلا على ما ذكره الأزرقى ، والفاكهى ، وابن خرداذبة الخراسانى فى كتابه «المسالك والممالك».

وتسعة أميال ـ بتقديم التاء ـ ذكره ابن أبى زيد فى النوادر.

وسبعة ـ بتقديم السين ـ ذكره الماوردى ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازى ، والنووى.

وفيما قالوا : نظر قوى. يقتضى بعد استقامة قولهم ، كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

وذكر النووى : أن الأزرقى تفرد بما قاله فى ذلك.

ولم يتفرد به ؛ لموافقة الفاكهى ، وابن خرداذبة له عليه. ولا أعلم له فى ذلك مخالفا قبل من ذكرنا. والله أعلم.

وفى حده من جهة العراق : أربعة أقوال : سبعة أميال ـ بتقديم السين ـ وثمانية ، وعشرة ، وستة.

وفى حده من جهة الجعرانة (١) : قولان : تسعة ـ بتقديم التاء ـ وبريد.

وفى حده من جهة التنعيم (٢) أربعة أقوال : ثلاثة ، ونحو أربعة ، وأربعة ، وخمسة.

وفى حده من جهة جدة قولان : عشرة ، ونحو ثمانية عشر ، على ما ذكره الباجى.

__________________

(١) الجعرانة : بكسر أوله إجماعا ثم إن أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه ، وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم ويسكّنون العين ويخّففون الراء ، وقد حكى عن الشافعى أنه قال : المحدّثون يخطئون فى تشديد الجعرانة وتخفيف الحديبية

وقال أبو العباس القاضى : أفضل العمرة لأهل مكة ومن جاورها من الجعرانة لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر منها ، وهى من مكة على بريد من طريق العراق ، فإن أخطأ ذلك فمن التنعيم. انظر : معجم البلدان «الجعرانة».

(٢) التنعيم : بالفتح ثم السكون ، وكسر العين المهملة ، وياء ساكنة ، وميم : موضع بمكة فى الحل ، وهو بين مكة وسرف ، على فرسخين من مكة وقيل على أربعة ، وسمى بذلك لأن جبلا عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم ، والوادى نعمان. وبالتنعيم مساجد حول مسجد عائشة وسقايا على طريق المدينة ، منه يحرم المكيون بالعمرة.


وفى حده من جهة اليمن قولان : سبعة ـ بتقديم السين ـ وستة ، على ما وجدت بخط المحب الطبرى فى كتابه «القرى» رأيته فى غير نسخة منه.

ووقع لبعض الحنفية فى حدود الحرم ما يستغرب جدّا وذلك مذكور فى أصله.

وقد اعتبرت : مقدار الحرم من جهاته المعروفة بحبل مقدر على ذراع اليد. وهو المعتبر فى مسافة القصر ، على ما ذكره المحب الطبرى ، فنذكر ذلك.

وهو : أن من جدر باب المسجد الحرام ـ المعروف بباب بنى شيبة ـ إلى العلمين اللذين هما علامة حد الحرم فى جهة عرفة : سبعة ـ بتقديم السين ـ وثلاثين ألف ذراع ومائتى ذراع وعشرة أذرع وسبعى ذراع باليد. ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين المشار إليهما خمسة وثلاثون ألف ذراع وثلاثة وثمانون ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد. وأما حد الحرم من جهة العراق : فإن من جدر باب بنى شيبة إلى العلمين اللذين بجادة طريق وادى نخلة : سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع واثنين وخمسين ذراعا باليد.

ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين المشار إليهما : خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذراعا باليد.

وأما حد الحرم من جهة التنعيم : فإن من جدر باب المسجد الحرام ـ المعروف بباب العمرة ـ إلى أعلام الحرم فى هذه الجهة التى بالأرض ، لا التى بالجبل : اثنى عشر ألف ذراع وأربعمائة ذراع وعشرين ذراعا باليد.

ومن عتبة باب الشبيكة إلى الأعلام المشار إليها : عشرة آلاف ذراع وثمانمائة ذراع واثنا عشر ذراعا.

وأما حد الحرم من جهة اليمن : فإنه من جدر باب المسجد الحرام ـ المعروف بباب إبراهيم ـ إلى علامة حد الحرم فى جهة اليمن : أربعة وعشرين ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع ـ بتقديم التاء ـ وأربعة أسباع ذراع.

ومن عتبة باب الماجن إلى حد الحرم فى هذه الجهة : اثنان وعشرون ألف ذراع وثمانمائة ذراع وستة وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ وأربعة أسباع ذراع.

وقال ابن خرداذبة : طول الحرم حول مكة ـ كما يدور ـ سبعة وثلاثون ميلا. وهى التى تدور بأنصاب الحرم. انتهى.

وهى فائدة حسنة ، إن صحت. والله تعالى أعلم.


و «نفار» المذكورة فى حد الحرم من جهة التنعيم : بنون وفاء وألف وراء مهملة.

ووقع فى حد الحرم من جهة العراق «خل» بخاء معجمة.

وقال النووى : فيه «جل» بجيم. ولعله تصحيف.

ووقع فى حد الحرم «لبر» وهى بكسر اللام وإسكان الباء الموحدة وضبطها ابن خليل بفتح اللام والباء.

* * *


الباب الرابع

فى ذكر شىء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة «مكة» وحرمها ، وشىء من الأحكام المختصة بذلك (١).

وذكر شىء مما ورد فى تعظيم الناس بمكة وحرمها. وفى تعظيم الذنب فى ذلك ، وفى فضل الحرم (٢).

روينا عن مجاهد قال : «إن هذا الحرم حرم ، حدّاه من السموات والأرضين السبع» أخرجه الأزرقى.

وروينا من حديث ابن عباس ، وأبى هريرة ، وأبى شريح الخزاعى رضى الله عنهم عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث تقتضى «أن الله عزوجل حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وأنه لا يحل اختلاء خلاها ، ولا عضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف». وهذه الأمور مما اختصت بها مكة.

إلا أن الصحيح من مذهب مالك رحمه‌الله : أن لقطة مكة كغيرها.

وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد رحمهما‌الله.

ومن تنفير صيد مكة : أن يصاح عليه ، فينفر. قاله المحب الطبرى.

ونقل عن عكرمة أنه قال لرجل : «أتدرى ما تنفير صيدها؟ هو أن تنحيه من الظل ، وتنزل مكانه». انتهى.

وإذا امتنع تنفير صيدها فيمتنع اصطياده من باب أولى.

والمدينة النبوية تشارك مكة فى تحريم صيدها ، ولكن لا جزاء فى صيد المدينة على مشهور المذهب.

وأما مكة فلا خلاف فى وجوب الجزاء فى صيدها ، فتمتاز بذلك ، وبما سبق.

وبأن صلاة العيد تقام بمكة فى المسجد الحرام ، وفى غيرها تقام فى الصحراء.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٦٧).

(٢) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٧٢).


وبأن الإنسان يؤاخذ بهمه بالسيئة فيها ، وإن كان نائيا عنها ، كما هو مقتضى حديث ابن مسعود رضى الله عنه فى مسند ابن حنبل وغيره.

وأشار إلى ذلك ابن أبى حاتم وغيره.

وتمتاز عند الشافعى وطائفة من العلماء : بتضاعف الصلاة فيها على غيرها.

وبعدم كراهية صلاة النافلة فيها فى وقت الكراهة وغير ذلك.

ومما تمتاز به : تضاعف السيئة بها ، عند مجاهد وابن حنبل. والصحيح : خلافه. ولمكة أحكام أخر تخصها ، وأحكام أخر تشاركها فيها المدينة.

وقد استوفينا ذلك كله فى أصله.

وحرم مكة فيما ذكر مساو لها ، ويستثنى من نباته : الإذخر والسنا ، والإذخر فى الحديث ، والسنا مقيس عليه ، للحاجة إليه فى الدواء. نص عليه فى المدونة والموازية.

ويستثنى من عصد شجر الحرم : العصا والعصاوين. فإن مالكا أرخص فى ذلك.

وأما تعظيم الناس لمكة وحرمها : ففى الأزرقى من ذلك أخبار.

منها : أن الرجل كان يلقى قاتل أبيه وأخيه فى الكعبة ، أو فى الحرم ، فى الشهر الحرام ، فلا يعرض له.

ومنها : أن احتكار الطعام بها للبيع إلحاد. وهذا يروى عن عمر وابنه رضى الله عنهما.

ومنها : ما يروى عن عمر رضى الله عنه «لأن أخطئ سبعين خطيئة بركبة أحب إلىّ من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة».

ومنها : أن الشيخ أبا عمرو الزجاجى أحد كبار مشايخ الصوفية أقام بمكة أربعين سنة لم يبل ولم يتغوط فى الحرم.

وجاء فى النجاة من الذنوب بالالتجاء إلى الحرم حديث لجابر فى نجاة أبى رغال والد ثقيف ، مما أصاب قوم ثمود بعقرهم الناقة ، فلما خرج من الحرم أصيب. وهذا الحديث فى مسلم وغيره.

* * *


الباب الخامس

فى الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد ، وأن الصلاة فيها أفضل من غيرها ، وغير ذلك من فضلها (١).

أما الأخبار الواردة فى تفضيل مكة : فإن منها ما روينا عن عبد الله بن عدى بن الحمراء رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو على راحلته بالحزورة بمكة ـ يقول لمكة: «والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت». أخرجه الترمذى ، وصححه (٢). وأخرجه ابن حبان فى صحيحه.

وروينا نحوه من حديث أبى هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمرو ابن العاص رضى الله عنهم.

فأما حديث أبى هريرة : ففى سنن النسائى ، وأنكر صحته مولانا شيخ الإسلام قاضى القضاة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن حجر ، وبرهن على ذلك. وذكرنا برهانه فى الأصل.

وحديث ابن عباس رضى الله عنهما : فى الترمذى ، وقال : حسن صحيح غريب.

وحديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما : فى كتاب الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه. و «الحزورة» مخففة على وزن قسورة.

وأما الأحاديث الواردة فى تفضيل الصلاة فى المسجد الحرام على غيره من المساجد :

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٧٤ ـ ٧٩).

(٢) أخرجه الترمذى فى السنن حديث (٣٩٢٥) من طريق قتيبة ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهرى ، عن أبى سلمة ، عن عبد الله بن عدى بن حمراء الزهرى ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقفا على الحزورة فقال : «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت». قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح ، وقد رواه يونس عن الزهرى نحوه. ورواه محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحديث الزهرى عن أبى سلمة عن عبد الله بن عدى بن حمراء عندى أصح.

وأخرجه ابن ماجة فى سننه ، المناسك ٣١٠٨ ، والدارمى فى سننه ، السير ٢٥١٠ ، وأحمد فى المسند ، مسند الكوفيين حديث رقم ١٨٢٤٠.


فعدة أحاديث ، ومن أصحها : حديثان : حديث جابر بن عبد الله الأنصارى ، وحديث عبد الله بن الزبير رضى الله عنهم.

وحديث جابر فى ابن ماجة بإسناد صحيح (١). وفى مسند أحمد (٢).

وحديث ابن الزبير فى مسند الطيالسى ، وفيه : «أن الصلاة فى المسجد الحرام تفضل على الصلاة فى غيره بمائة ألف» وفى بعض طرقه : «تفضل بمائة صلاة» وفى بعضها «بألف صلاة».

وحديث جابر : كحديث ابن الزبير الذى فى الطيالسى.

وحديث ابن الزبير : فى صحيح ابن حبان. وصححه ابن عبد البر. وقال : إنه الحجة عند التنازع.

وقد حسب النقاش المفسر فضل الصلاة فى المسجد الحرام : عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة ، وصلاة يوم وليلة ـ وهى خمس صلوات فى المسجد الحرام ـ عمر مائتى سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال. انتهى.

وهذا الفضل يعم الفرض والنفل بمكة ، كما هو مذهب الشافعى.

ويختص بالفرض على مشهور المذهب.

ولا يسقط هذا التضاعف شيئا من الفوائت ، كما يتخيله كثير من الجهال ، نبه على ذلك النووى.

وللعلماء خلاف فى المسجد الحرام : هل المراد به مسجد الجماعة الذى يحرم على الجنب الإقامة فيه ، أو المراد به الحرم كله ، أو الكعبة؟.

ذكر هذه الأقوال المحب الطبرى.

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة فى سننه ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، حديث رقم (١٤٠٦) من طريق إسماعيل بن أسد ، حدثنا زكريا بن عدى ، أنبأنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عطاء ، عن جابر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «صلاة فى مسجدى أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه».

(٢) أخرجه أحمد بن حنبل فى المسند ، حديث رقم (١٤٨٤٧) من طريق أحمد بن عبد الملك ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه.


وجاء حديث فى تفضيل الصوم بمكة على غيرها من البلاد. رويناه فى سنن ابن ماجة وغيرها بإسناد غير ثابت من حديث ابن عباس رضى الله عنهما (١).

ورويناه من حديثه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إليها كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم».

فقال بعضهم لابن عباس : «وما حسنات الحرم؟ قال : كل حسنة بمائة ألف حسنة» أخرجه الحاكم. وصحح إسناده.

وروينا عن الحسن البصرى : أنه قال : «صوم يوم بمكة بمائة ألف يوم ، وصدقة درهم بمائة ألف ، وكل حسنة بمائة ألف». انتهى.

وقال المحب الطبرى : إن فيما تقدم من أحاديث مضاعفة الصلاة والصوم بمكة دليلا على اطراد التضعيف فى جميع الحسنات ، إلحاقا بهما ، قال : ويؤيد ذلك قول الحسن. انتهى.

* * *

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة فى سننه ، كتاب المناسك ، حديث رقم (٣١١٧) من طريق محمد بن أبى عمر العدنى ، حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمى ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أدرك رمضان بمكة فصام وقام منه ما تيسر له كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها وكتب الله له بكل يوم عتق رقبة وكل ليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس فى سبيل الله وفى كل يوم حسنة وفى كل ليلة حسنة».

وفى سنده عبد الرحيم بن زيد العمى ، ضعفه على بن المدينى ، وقال يحيى بن معين : كذاب خبيث ، وقال البخارى : تركوه ، وقال أبو زرعة : واه ، ضعيف الحديث ، وقال أبو حاتم الرازى : يترك حديثه ، منكر الحديث ، وقال أبو داود : ضعيف.

وزيد العمى أبوه قال يحيى بن معين : يكتب حديثه وهو ضعيف ، وقال ابن المدينى : ضعيف ، وقال أبو داود : ليس بذاك ، وقال أحمد والدار قطنى : صالح.


الباب السادس

فى المجاورة بمكة ، والموت فيها ، وشىء من فضل أهلها ، وفضل جدة ساحل مكة ، وشىء من خبرها ، وفضل الطائف وشىء من خبره (١).

اختلف العلماء فى استحباب المجاورة بمكة.

فذهب إلى استحبابها الشافعى ، وأحمد ، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، صاحبا أبى حنيفة ، وابن القاسم صاحب مالك ، فيما نقله عنه ابن الحاج ، وذهب أبو حنيفة إلى عدم استحبابها.

وفهم ذلك ابن رشد من كلام وقع لمالك ، وذلك لخوف الملل ، وقلة الاحترام لمداومة الأنس بالمكان ، وخوف ارتكاب ذنب هنالك.

وذكر النووى فى الإيضاح : أن المختار استحباب المجاورة بمكة. انتهى.

وأما الموت بمكة : فروى من حديث ابن عمر رضى الله عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات بمكة فكأنما مات فى سماء الدنيا». وإسناده ضعيف.

وروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مرسلا ـ أنه قال : «من مات بمكة بعثه الله فى الآمنين يوم القيامة». وسيأتى شىء من فضل مقبرة المعلاة عند ذكرها.

وأما فضل أهل مكة : فروينا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : «بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عتّاب بن أسيد على مكة ، فقال له : هل تدرى إلى من أبعثك؟ أبعثك إلى أهل الله». أخرجه الزبير بن بكار فى كتاب النسب ، والفاكهى. ورواه الأزرقى مرسلا. وزاد فيه : «فاستوص بهم خيرا» يقولها ثلاثا.

ووجدت بخط بعض أصحابنا ـ فيما نقله من خط الشيخ أبى العباس الميورقى ـ وزاد: «إن سفهاء مكة حشو الجنة».

واتفق بين عالمين فى الحرم منازعة فى تأويل الحديث وسنده ، فأصبح الذى طعن فى الحديث ومعناه : قد طعن أنفه واعوج. وقيل له : إى والله ، سفهاء مكة من أهل الجنة ، سفهاء مكة من أهل الجنة ، سفهاء مكة من أهل الجنة. فأدركه روع ، وخرج إلى الذى

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٨٤ ـ ٨٨).


كان يكابره فى الحديث من علماء عصره ، وأقر على نفسه بالكلام فيما لا يعنيه ، وفيما لم يحط به خبرا. انتهى.

وأما فضل جدة : فيروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «مكة رباط ، وجدة جهاد». إسناده ضعيف.

وعن عباد بن كثير : أنه قال : «إن الصلاة فيها بسبعة عشر ألف ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم ، وأعمالها بقدر ذلك ، يغفر للناظر فيها مد بصره مما يلى البحر». ذكرهما الفاكهى بسنده.

وذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما : «إن فيها قبر حواء».

ونقل ابن جبير : أن بجدة موضعا يقال : إنه الموضع الذى نزلت فيه حواء.

وأما فضل الطائف : فروينا عن الزبير بن العوام رضى الله عنه : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن صيد وج وعضاهه حرم محرم». أخرجه أحمد وأبو داود. وإسناده ضعيف على ما قال النواوى (١).

ونقل عن الحازمى أن «وجا» اسم لحصون الطائف. وقيل : لواحد منها. انتهى.

ومذهب الشافعى رحمه‌الله تعالى : تحريم صيد «وج» ونفى الضمان فيه. ولا أعلم فى تحريمه نصا فى المذهب. والله تعالى أعلم.

* * *

__________________

(١) أخرجه أحمد فى مسنده ، حديث رقم ١٤١٩ ، وأبو داود فى سننه ، فى المناسك حديث رقم ٢٠٣٢.


الباب الساب

فى أخبار عمارة الكعبة المعظمة (١)

بنيت الكعبة المعظمة مرات. وفى عدد بنائها خلاف (٢).

ويتحصل من مجموع ما قيل فى ذلك : أنها بنيت عشر مرات.

منها : بناء الملائكة.

ومنها : بناء آدم.

ومنها : بناء أولاده.

ومنها : بناء الخليل. على جميعهم السلام.

ومنها : بناء العمالقة.

ومنها : بناء جرهم.

ومنها : بناء قصى بن كلاب.

ومنها : بناء قريش.

ومنها : بناء عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما.

ومنها : بناء الحجاج بن يوسف الثقفى.

وفى إطلاق العبارة بأنه بنى الكعبة تجوز ؛ لأنه ما بنى إلا بعضها. ولو لا أن السهيلى والنواوى ذكرا ذلك لما ذكرته.

وجميع ما ذكرناه من بناء الكعبة ذكره الأزرقى ، إلا بناء قصى ، فإنه لم يذكره.

وذكره الزبير بن بكار فى موضعين من كتابه ، والفاكهى ، وابن عابد وغيرهم.

وهو أول من سقفها. وقريش أول من رفع بابها ليدخلوا من شاءوا ، ويمنعوا من شاءوا.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٩١ ـ ١٠٠).

(٢) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١١٧ ، مرآة الزمان ١ / ٢٨٥ ، تاريخ الطبرى ١ / ٢٧٤ ، الأزرقى ١ / ٢٥ ، زاد المسير ١ / ١٢٩ ، ٤٢٤ ، البداية والنهاية ١ / ١٦٣ ، طبقات ابن سعد ١ / ٥٢).


وابن الزبير رضى الله عنهما أول من جعل لها بابين. وبناؤه لها ثابت. وكذلك بناء قريش والخليل.

وما عدا ذلك غير ثابت ، لضعف سند الأخبار الواردة به.

وكلام السهيلى يقتضى : أن شيث بن آدم أول من بناها.

وفى الأزرقى : ما يدل لتقدم بناء آدم على بناء الملائكة.

وسبب بناء ابن الزبير : أنها أصابها حريق من جهة فى المسجد أيام حصره الحصين ابن نمير السكونى لمعاندته الخليفة يزيد بن معاوية ، وما أصابها من حجر المنجنيق الذى كان يرمى به الحصين ابن الزبير فى حال حصره ، فإنه كان يصيب الكعبة ، وذلك فى أوائل سنة أربع وستين من الهجرة.

فلما أدبر الحصين بن نمير من مكة راجعا إلى الشام ـ فى ربيع الآخر من هذه السنة ، بعد أن بلغه موت يزيد ـ استشار ابن الزبير الناس فى هدم الكعبة وبنائها ، فأشار بذلك قوم ، وكرهه آخرون ، منهم : ابن عباس رضى الله عنهما.

فلما اجتمع له ما يحتاج إليه من آلات العمارة : هدمها وبناها على أساس إبراهيمعليه‌السلام ؛ لأنه أدخل فيها ما كانت قريش أخرجته منها فى الحجر ، بعد أن كشف عن أساس إبراهيم حتى ظهر له ، وأوقف عليه الناس ، وجعل لها بابين متقابلين لاصقين بالأرض ، أحدهما : شرقى ، والآخر : غربى. واعتمد فى ذلك وفى إدخاله فيها ما أخرجته منها قريش: على حديث يقتضى ذلك ، أخبرته به خالته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وزاد فى طولها تسعة أذرع. هذا هو المشهور فيما زاد.

وقيل : زاد فيه عشرا. وهذا فى مسلم عن عطاء.

وعبد الله بن الزبير رضى الله عنهما هو الذى وضع الحجر الأسود فى الكعبة ، لما بنيت فى زمنه.

وقيل : وضعه ابنه عباد.

وقيل : ابنه حمزة.

وقيل : الحجبة مع ابنه حمزة. والله أعلم.

والذى بناه الحجاج فى الكعبة : هو الجدر الذى يلى الحجر ، بسكون الجيم.

والباب الذى صنعه ابن الزبير رضى الله عنهما : فى دبر الكعبة ، وما تحت عتبة الباب


الشرقى. وكبس أرضها بالحجارة التى فضلت من أحجارها ، وباقيها على بناء ابن الزبير رضى الله عنهما.

وقد صنعت فيها أمور بعد ابن الزبير والحجاج.

فمن ذلك : عمارة فى الجزء الذى بناه الحجاج ، لانفتاحه. وهذا لم يذكره الأزرقى. وذكره الخزاعى.

ومن ذلك : عمارة رخام غير مرة فى سنة إحدى ـ أو اثنتين ـ وأربعين ومائتين.

وفى عشر الخمسين وخمسمائة ـ فى غالب الظن ـ من قبل الجواد الأصبهانى وزير صاحب الموصل.

وفى سنة تسع وعشرين وستمائة ـ فى غالب الظن ـ من قبل المستنصر العباسى.

وفى سنة ثمانين وستمائة : من قبل الملك المظفر صاحب اليمن. وفيما بعد ذلك وقبله.

ومن ذلك : عمارة فى سطحها بعد سنة مائتين. ذكر ذلك الأزرقى.

ومن ذلك : عمارة سقفها والدرجة التى بباطنها فى سنة اثنتين وأربعين خمسمائة.

ومن ذلك : مواضع فى سقفها فى رمضان فى سنة أربع عشرة وثمانمائة.

ومن ذلك : فى آخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة : إصلاح رخام كثير بجوفها ، وإصلاح الروازن بسطحها ، ورخامة تلى ميزابها ، لتخرب ما تحتها.

والأخشاب التى بسطحها المعدة لشد كسوة الكعبة ، قلعت لتخربها وعوضت بخشب غيرها ، وأحكم وضعها بسطحها.

ومن ذلك : فى صفر سنة ست وعشرين ثمانمائة : إصلاح رخام كثير بأرض الكعبة بين جانبها الغربى وأساطينها ، وفى جدرانها ، وإقامة الأسطوانة التى تلى باب الكعبة لميلها ، وأحكمت فى موضعها وتنقلها.

ومن ذلك : عتبة الباب السفلى لرثاثتها ، وجعل عوضها عتبة قطعة ساج فى سنة إحدى وأربعين ومائتين ، أو فى التى بعدها ، ثم غير ذلك بعتبة حجر منحوت. وهى الآن على ذلك ، وما علمت متى جرى ذلك.

ومن ذلك : أسطوانة فيها ؛ لأن الفاكهى قال : حدثنى أبو على الحسن بن مكرم ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر ، قال : حدثنى أبو بكر بن خبيب ، قال : جاورت بمكة ،


فغابت أسطوانة من أساطين البيت. فأخرجت ، وجىء بأخرى ليدخلوها مكانها ، وطالت عن الوضع ، فأدركهم الليل ، والكعبة لا تفتح ليلا ، فتركوها مائلة ليعودوا من غد فيصلحوها. فجاءوا من غد فأصابوها أقوم من القدح. انتهى.

وهذا غريب ، وفيه للبيت كرامة.

ومن ذلك : ميزاب عمله رامشت ، وصل به خادمه مثقال فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.

وميزاب عمله المقتفى العباسى. وركب فى الكعبة بعد قلع ميزاب رامشت ، فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، أو فى التى بعدها.

وميزاب عمله الناصر العباسى ، وهو الآن فى الكعبة ، وظاهره فيما يبدو للناس محلى بفضة ، وأحدث عهد حلى فيه : سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.

ومن ذلك : باب عمله الجواد الوزير فى سنة خمسين وخمسمائة ، وركب فيها سنة إحدى وخمسين ، وكتب عليه اسم المقتفى ، وحلاه حلية حسنة.

وكلام ابن الأثير يوهم : أن المقتفى عمل للكعبة بابا ، وما عمله إلا الجواد. والله أعلم.

وباب عمله الملك المظفر صاحب اليمن ، وكانت عليه صفائح فضة زنتها ستون رطلا ، فأخذها السدنة.

وباب عمله الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر من السنط الأحمر ، وحلاه بخمسة وثلاثين ألف درهم وثلاثمائة درهم ، وركب فى الكعبة فى ثامن عشرى ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.

وباب عمله ابنه الملك الناصر حسن فى سنة إحدى وستين وسبعمائة ، وركب عليها فى التاريخ المذكور. فهو فيها إلى الآن.

واسم مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى ، صاحب الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين ـ زاده الله نصرا وتأييدا ـ مكتوب بحائط الكعبة اليمانى بسبب ما أنفق فى سلطنته من العمارة فى الكعبة الشريفة.

واسم الأشرف شعبان بن حسين صاحب مصر مكتوب فى إحدى جانبى باب الكعبة فى الفيارين ، لتحليته فى زمنه.


واسم الملك المؤيد صاحب مصر ـ أبى النصر شيخ ـ مكتوب فى أحد فيارين الباب ، لتحليته فى زمنه.

وفى باب الكعبة مكتوب اسم الملك الناصر محمد بن قلاوون.

وفى مفتاحها مكتوب اسم الملك المظفر صاحب اليمن.

هذا ما علمته ما عمل فى الكعبة بعد ابن الزبير والحجاج. ولا أعلم أن أحدا غير بناءهما.

ونختم هذا الباب بفائدة تتعلق بباب الكعبة.

وهى : أنه اختلف فى أول من بوب الكعبة ؛ فقيل : أنوش بن شيث بن آدم عليهم‌السلام ، وقيل : تبّع الثالث ، الذى كساها ونحر لها ، وقيل : جرهم بوبته. والله تعالى أعلم.

* * *


الباب الثامن

فى صفة الكعبة المعظمة ، وذرعها ، وشاذروانها ، وحليتها ، ومعاليقها ، وكسوتها ، وطيبها ، وخدامها ، وأسمائها ، وهدم الحبشى لها ، ووقت فتحها فى الجاهلية والإسلام. وبيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها (١).

أما صفة الكعبة : فإن أرضها مرخمة برخام ملون ، وكذلك جدرانها.

وأول من رخم ذلك : الوليد بن عبد الملك بن مروان ، فيما ذكر الأزرقى ، نقلا عن ابن جريج ، ثم غير ما توهن منه بعد ذلك مرات.

وفيها ثلاث دعائم من ساج على ثلاثة كراسى ، وفوقها ثلاث كراسى ، وعلى هذه الكراسى ثلاث جوايز من ساج ، ولها سقفان بينهما فرجة ، وفى السقف أربعة روازن للضوء نافذة إلى أسفلها.

وفى ركنها الشامى : درجة يصعد منها إلى سطحها ، وعدد درجها : ثمان وثلاثون درجة.

وسقفها الأعلى مما يلى السماء : مرخم برخام أبيض ، وكان طلى بالنورة فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ، ثم كشط ذلك فى سنة إحدى وثمانمائة.

وبطرف سطحها إفريز مبنى بحجارة ، ويتصل بهذا الإفريز أخشاب فيها حلق من حديد تربط فيها كسوة الكعبة.

وبابها من ظاهر مصفح بصفائح فضة مموهة بالذهب ، وكذلك فيارين الباب وعتبته العليا مطلية بفضة.

وأما أذرع الكعبة (٢) : فقد ذكره الأزرقى ، وابن جماعة.

وحررت أنا ذلك أيضا. فكان من سقفها الأسفل إلى أرضها : سبعة عشر ذراعا ـ

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٠٦ ـ ١٣٠).

(٢) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١١٩ ، ١٢٠ ، مرآة الزمان ١ / ٢٨٨ ، الأزرقى ١ / ٦ ، ٣٠١ ، القرى لقاصد أم القرى ٦٠٢ ، ٦٠٣).


بتقديم السين ـ ونصف ذراع إلا قيراطا فى الجهة الشرقية ، وكذلك باقى الجهات ، إلا أن الجهة الشامية : تنقص عن الشرقية نصفا إلا قيراطا ، والجهة الغربية تنقص عن الشرقية : قيراطين ، واليمانية تزيد على الشرقية : ثمن ذراع.

وعرض الجهة الشرقية ـ على التقريب ـ ثمانية عشر ذراعا وسدس.

والجهة الشامية على ـ التقريب أيضا ـ أربعة عشر ذراعا إلا قيراطين.

والجهة الغربية : ثمانية عشر ذراعا وثلث ذراع.

واليمانية أربعة عشر ذراعا وثلثا ذراع.

وطول فتحة الباب من داخله مع الفيارين : ستة أذرع.

وطوله من خارجه بغير الفيارين : ستة أذرع إلا ربع.

وذرع فتحة الباب من داخل الكعبة ـ مع الفيارين ـ ثلاثة أذرع وثلث إلا قيراط.

وطول كل من فردتى الباب : ستة أذرع إلا ثمن ، وعرض كل منها ذراعان إلا ثلث.

وأما ذرع الكعبة (١) من خارجها : فإن من أعلى الشاخص فى سطحها فى الجهة الشرقية إلى أرض المطاف : ثلاثة وعشرين ذراعا وثمن ذراع. وكذلك الجهة اليمانية ، والجهة الغربية ، إلا أن الغربية تنقص ثمن ذراع.

وأما الجهة الشامية : فتنقص عن الشرقية واليمانية ربع ذراع.

وعرض الجهة الشرقية : أحد وعشرون ذراعا وثلث.

وكذلك الغربية بزيادة ثلث.

وأما الشامية : فعرضها ثمانية عشر ذراعا إلا ربع ذراع.

وكذلك اليمانية بزيادة نصف إلا قيراطين.

ومن عتبة باب الكعبة إلى أرض الشاذروان صحتها : ثلاثة أذرع ونصف ، وارتفاع الشاذروان تحتها : ربع ذراع وقيراط.

والذراع الذى حررنا به : هو ذراع الحديد المستعمل فى القماش بالقاهرة.

وكذلك ما حرر به ابن جماعة ، وبين ما ذكره وذكرناه اختلاف ، بيناه فى أصله.

__________________

(١) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١١٩ ، ١٢٠).


والذراع الذى حرر به الأزرقى : ذراع اليد.

وأما شاذروان الكعبة (١) : فهو الأحجار الملاصقة بها التى فوقها مسنم مرخم فى الجانب الشرقى والغربى واليمانى.

وفى الجانب الشرقى : حجارة لا بناء عليها ، هى شاذروان.

وأما الأحجار التى تلى جدار الكعبة الشامى : فليست شاذروانا ؛ لكون موضعها من البيت ، بلا ريب.

والشاذروان : هو ما نقصته قريش من عرض أساس جدار البيت حين ظهر على الأرض ، كما هو عادة الأبنية.

أشار إلى ذلك الشيخ أبو حامد الإسفراينى ، وغيره من أئمة الشافعية.

وأما حكمه : فإن طواف من كان لشىء من بدنه : فهو غير صحيح على مذهب الشافعى رضى الله عنه.

وصرح بذلك ابن شاس ، وابن الحاجب ، وشارحه خليل.

وللميدة صاحب الشامل وغيرهم من متأخرى المالكية.

وأنكر ذلك بعض متأخريهم ، ولم يثبته فى المذهب.

ويصح طواف من لم يخير منه فى طوافه عند الحنفية والحنابلة. والله أعلم.

وطول الشاذروان فى السماء : ستة عشر إصبعا ، وعرضه : ذراع. ذكره الأزرقى.

وقد نقص عرضه فى بعض الجهات عما ذكره الأزرقى.

فأفتى عالم الحجاز المحب الطبرى بإيجاب إعادة مقداره على ما ذكره الأزرقى.

وأما حلية الكعبة المعظمة : فأول من حلاها فى الجاهلية ـ على ما قيل ـ عبد المطلب جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأما فى الإسلام ، فقيل : الوليد بن عبد الملك.

وقيل : أبوه.

وقيل : ابن الزبير رضى الله عنهما. والله أعلم.

__________________

(١) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١٢١).


وحلاها الأمين العباسى ، وحلاها المتوكل العباسى.

هذا ما ذكره الأزرقى من حلية الكعبة.

وحلاها بعده المعتضد العباسى فى سنة إحدى وثمانين ومائتين.

وأمر المقتدر العباسى ـ فى سنة عشر وثلاثمائة ـ والوزير الجواد ، فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وحلاها الملك المجاهد صاحب اليمن.

وأما معاليق الكعبة ، وما أهدى لها فى معنى الحلية : فذكر الأزرقى منها جانبا ذكرناه فى أصله ، مع أشياء لم يذكرها الأزرقى ، بعضها كان فى عصره ، وأكثر ذلك بعده ، ونشير هنا بشىء منه.

فمما أهدى لها فى عصر الأزرقى ، ولم يذكره : قفل فيه ألف دينار ، أهداه المعتصم العباسى فى سنة تسع عشرة ومائتين على ما ذكره الفاكهى.

ومن ذلك : طوق ذهب فيه مائة مثقال مكلل بالزمرد والياقوت والماسب ، وياقوتة خضراء وزنها أربعة وعشرون مثقالا ، بعث بذلك ملك من ملوك السند لما أسلم فى سنة تسع وخمسين ومائتين.

ومن ذلك : حلقتان من ذهب مرصعتان باللؤلؤ والبلخش ، كل حلقة وزنها ألف مثقال ، وفى كل حلقة ستة لؤلؤات فاخرات ، وفيها ست قطع بلخش فاخر. بعث بذلك الوزير على شاه وزير السلطان أبى سعيد بن خربندا ملك التتار ، فى موسم سنة ثمان عشرة وسبعمائة.

وكان أمير الركب المصرى عارض فى تعليق ذلك ، فلوطف حتى أذن فى تعليقهما ، ثم أزيلا بعد قليل.

ومن ذلك ـ على ما ذكره بعض فقهاء مكة ـ : أربعة قناديل ، كل قنديل منها قدر الدورق بمكة ، اثنان ذهب واثنان فضة. بعث بذلك السلطان شيخ أوس صاحب بغداد. وعلق ذلك فى الكعبة ، ثم أخذ عن قريب.

وكان إرساله بذلك فى أثناء عشر السبعين وسبعمائة ، على مقتضى ما أخبرنى به الفقيه المذكور.

وقد أهدى لها من هذا المعنى بعد ذلك أشياء.

وبالجملة : فلا يجوز أخذ شىء من حلية الكعبة ، لا للحاجة ، ولا للتبرك ؛ لأن ما جعل لها وسبل لها تجرى مجرى الأوقاف ، ولا يجوز تغييرها عن وجهها.


أشار إلى ذلك المحب الطبرى فى كتابه «القرى (١)» قال : وفيه تعظيم للإسلام وترهيب على العدو (٢). انتهى.

وأما كسوة الكعبة (٣) : فإنها كسيت فى الجاهلية والإسلام أنواعا من الكسى وذكر الأزرقى من ذلك جانبا ذكرناه فى أصله.

وقد كساها قبل الإسلام جماعة ، ولم يذكرهم الأزرقى. وذكرنا ذلك فى أصله.

وكسيت الكعبة ـ بعد الأزرقى ـ أنواعا من الكسى.

فمن ذلك : الديباج الأبيض الخراسانى ، والديباج الأحمر الخراسانى ، على ما ذكر صاحب العقد.

ومن ذلك : الديباج الأبيض ، فى ز من الحاكم العبيدى ، وحفيده المستنصر ، كساها ذلك فى ز من المستنصر الصليحى صاحب اليمن ومكة.

وكسيت فى سنة ست وستين وأربعمائة الديباج الأصفر ، وهذه الكسوة عملها السلطان محمود بن سبكتكين ، صاحب الهند.

ثم ظفر بها نظام الملك وزير السلطان ملك شاه السلجوقى ، فأنفذها إلى مكة وجعلت فوق كسوة كساها لها فى هذه السنة أبو النصر الأسترابادى. وكانت كسوته بيضاء من عمل الهند.

وكسيت فى خلافة الناصر العباس كسوة خضراء وسوداء.

واستمرت تكسى السواد حتى الآن ، وفيها طراز أصفر ، وكان قبل ذلك أبيض.

وقد أحدث : فى كسوة الكعبة من الجانب الشرقى جامات منقوشة بالحرير الأبيض فى سنة عشر وثمانمائة.

ثم ترك ذلك فى سنة خمس عشرة وثمانمائة ، وثلاث سنين بعدها متوالية بعدها.

ثم أعيدت الجامات البيض فى سنة تسع عشرة وثمانمائة ، وفى خمس سنين متوالية بعدها.

__________________

(١) انظر : (القرى لقاصد أم القرى ٥٢١).

(٢) وفيه أيضا : فيه ترك خلاف من يقتدى به ، والاقتداء بهم فى أفعالهم ، وذلك فعل سلف الأمة رضى الله عنهم. انظر : القرى لقاصد أم القرى (٥٢١).

(٣) انظر : تاريخ الخميس (١١٩).


ثم ترك ذلك فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة.

وكسيت ثيابا من القطن مصبوغة بالسواد ؛ لأنها عريت من ريح عاصفة هاجت بمكة فى سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

وقيل : فى سنة أربع وأربعين.

ولم يكن عند شيخ الحرم ـ العفيف منصور بن منعة البغدادى ـ شىء يقوم بكسوتها ، فاقترض ثلاثمائة دينار واشترى بها ثيابا بيضاء وصبغها بالسواد ، وكب عليها الطرز العتيقة.

وممن كساها : رامشت صاحب الرباط بمكة فى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. كساها من الحبرات وغيرها ، وقومت كسوته بثمانية عشر ألف دينار مصرية ، على ما ذكر ابن الزبير.

وقيل : بأربعة آلاف.

وأول من كساها : من الملوك ـ بعد انقضاء الخلافة من بغداد ـ : المظفر يوسف صاحب اليمن فى سنة تسع وخمسين وستمائة.

وأول من كساها من ملوك الترك بمصر : الملك الظاهر بيبرس فى سنة إحدى وستين وستمائة.

وكان المظفر يكسوها معه ، ومع من عاصره من ملوك مصر ، وربما انفرد بذلك.

ثم انفرد ملوك مصر بكسوتها بعد المظفر ـ فيما أحسبه ـ وإلى تاريخه.

وكسوتها ـ فى تاريخه ، وفيما قبله من نيف وسبعين سنة ـ من وقف وقفه صاحب مصر الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون على كسوة الكعبة فى كل سنة ، والحجرة النبوية والمنبر النبوى فى كل خمسين سنة مرة.

وكساها أخوة الناصر حسن ، وكانت تصل إلى الأرض والباقى منها نحو نصفها الأعلى ، وهى كسوة حسنة ، وهى حرير مذهب. وكان ذلك فى سنة إحدى وستين وسبعمائة.

وكان قبلها فى جوفها كسوة للمظفر ـ صاحب اليمن ـ فيما بلغنى.

وقد أزيلت كسوة الكعبة بجوفها التى عملها الناصر حسن ، وعوضت بكسوة حرير أحمر أنفذها مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى صاحب مصر والشام ـ نصره الله ـ


على يد المقر الأشرف الكريمى الزينى عبد الباسط ، ناظر الجيوش المنصورة بالمماليك الشريفة. أجزل الله علينا أفضاله ، وبلغه آماله فى سنة ست وعشرين وثمانمائة. وجعلت فى جوف الكعبة فى موسم هذه السنة.

وللعلماء من الشافعية وغيرهم خلاف فى جواز بيع كسوة الكعبة.

وذكر الحافظ صلاح الدين العلائى فى قواعده : أنه لا يتردد فى جواز ذلك.

وأما طيب الكعبة : فروينا عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : طيبوا البيت ، فإن ذلك من تطهيره. وروينا عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : «طيبوا البيت ، فإن ذلك من تطهيره» (١) وروينا عنها أنها قالت : «لأن أطيب الكعبة أحب إلىّ من أهدى لها ذهبا وفضة».

ولا يجوز أخذ شىء من طيب الكعبة ، لا للتبرك ولا لغيره. نص عليه النووى.

وأما خدام الكعبة : فإن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه أخدمها عبيدا ثم أتبعت ذلك الولاة بعده.

وأما أسماء الكعبة : فالكعبة ، وبكة ـ بالباء ـ والبيت الحرام ، والبيت العتيق ، وقادس ، ونادر ، والقرية القديمة.

وهذه الأسماء الثلاثة الأخيرة مذكورة فى تاريخ الأزرقى.

ومن أسمائها : البنية. ذكره القاضى عياض فى المشارق.

وأما هدم الحبشى للكعبة : فروينا فى ذلك حديثا عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من رواية أبى هريرة رضى الله عنه فى الصحيحين ـ وحدثنا من رواية ابن عباس رضى الله عنهما فى صحيح البخارى ، وتخريبه لها يكون بعد رفع القرآن على ما ذكر السهيلى. وذلك بعد موت عيسىعليه‌السلام.

وقيل : فى زمن عيسى. والله أعلم.

وأما وقت فتح الكعبة فى الجاهلية : فيوم الاثنين والخميس والجمعة.

وأما فى الإسلام : فيوم الجمعة ، وكانت تفتح يوم الاثنين. وفعل ذلك فى عصرنا فى رمضان وشوال وذى القعدة من سنة إحدى وثمانمائة.

__________________

(١) انظر : (القرى لقاصد أم القرى ٤٩٢).


وتفتح فى أوقات أخر من كل سنة.

منها : فى بكرة الثانى عشر من ربيع الأول ، وفى بكرة تاسع عشرين رجب الفرد لغسلها.

وتفتح فى سادس عشرى ذى القعدة لغسلها.

وفى بعض أيام المواسم فى الثمان من ذى الحجة وفى لياليها.

وفتحها فى التاريخ لأجل البر المأخوذ ممن يدخلها من الحجاج ، وهو لا يحل إلا بطيب نفس ممن يدفعه.

وذكر المحب الطبرى : أنه لا يحل منع أحد من دخول البيت.

وأما بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها :

فأخبرنى به خالى قاضى الحرمين محب الدين النويرى رحمه‌الله تعالى ـ سماعا ـ عن القاضى عز الدين بن جماعة ـ سماعا ـ أنه نقل ذلك من خط والده القاضى بدر الدين فى الدائرة التى ذكر فيها صفة الكعبة ، وما يحتاج إلى معرفة تصويره وأن والده قال : إنه كتبها فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وستمائة. وذكرنا كلامه فى أصله بزيادة فوائد.

* * *


الباب التاسع

فى بيان مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة المعظمة ، وقدر صلاته فيها ووقتها ، ومن رواها من الصحابة ، ومن نفاها منهم رضى الله عنهم أجمعين ، وترجيح رواية من أثبتها على رواية من نفاها ، وما قيل من الجمع بين ذلك (١).

وعدد دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة بعد هجرته إلى المدينة ، وأول وقت دخلها فيه بعد هجرته صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

أما موضع صلاته فى الكعبة : فقد بينه ابن عمر رضى الله عنهما ؛ لأن فى البخارى من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما ـ «أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حتى يدخل ، ويجعل الباب قبل الظهر ، يمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذى قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع ، فيصلى ، يتوخى المكان الذى أخبره بلال رضى الله عنه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه».

وروينا فى الأزرقى : أن معاوية رضى الله عنه «سأل ابن عمر رضى الله عنهما عن مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة؟ فقال : بين العمودين المقدمين ، اجعل بينك وبين الجدار ذراعين ، أو ثلاثة».

وأما قدر صلاته هذه : فركعتان ، كما فى كتاب الصلاة من صحيح البخارى ، من حديث مجاهد عن ابن عمر رضى الله عنهما.

وأما من روى صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ـ يوم فتح مكة ـ من الصحابة : فبلال ، وشيبة بن عثمان الحجبى ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ـ ولا يصح عنه ـ وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن صفوان القرشى ، وعثمان بن طلحة الحجبى ، وعمر بن الخطاب ، وأبو هريرة ـ وإسناد حديثه ضعيف ـ وعائشة ، رضى الله عنهم أجمعين.

وأما الذين نفوها : فأسامة بن زيد ، والفضل بن العباس ، وأخوه عبد الله ، رضى الله عنهم.

وأما ترجيح رواية من أثبت صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة على رواية من نفاها ؛ فلإثباته ما نفاه غيره. وفى مثل هذا يؤخذ بقول المثبت.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٣٨ ـ ١٥٤).

(٢) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٥٥ ـ ١٥٧).


وقد أشار إلى الترجيح بذلك جماعة ، منهم : النووى ، رحمهم‌الله.

وأقرب ما قيل فى الجمع بين الاختلاف فى إثبات صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ونفيها ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى الكعبة لما غاب عنه أسامة من الكعبة لأمر ندبه إليه ، وهو : أن يأتى بما يمحو به الصور التى كانت فى الكعبة ؛ لأن فى مسند الطيالسى ـ من حديث أسامة ابن زيد ـ : أنه «أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدلو من ماء ، فجعل يمحو به الصور» وإسناد الطيالسى فيه تقوم به الحجة ، فلذلك كان هذا الوجه أقرب ما قيل فى الجمع بين هذا الاختلاف.

ويجمع أيضا بين حديث بلال والفضل بمثل هذا الجمع ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث الفضل ـ بعد دخوله معه إلى الكعبة ـ ليأتيه بما يطمس به الصور التى فى الكعبة على ما قيل. فصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غيبته.

وهذا رويناه فى تاريخ الأزرقى عن عبد المجيد بن أبى رواد عن الزهرى.

وحديث بلال أرجح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ؛ لأن بلالا رضى الله عنه شهد صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الكعبة ، وابن عباس رضى الله عنهما لم يشهدها ، وإنما اعتمد فى نفيها على أخيه ، وأسامة رضى الله عنهما. والله أعلم.

وأما عدد دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الكعبة بعد هجرته : فروينا فيه أخبارا يتحصل من مجموعها دخوله إليها أربع مرات يوم فتح مكة. وهذا لا ريب فى صحته.

وفى ثانية ، كما هو مقتضى حديث ابن عمر رضى الله عنهما ، وحديث أسامة رضى الله عنه ، الذى جمع به ابن ماجة.

وفى حجه الوداع ، كما هو مقتضى حديث عائشة رضى الله عنها. وسيأتى ذكره قريبا فى أول الباب الذى بعده.

وفى عمرة القضية ، كما يقتضيه كلام المحب الطبرى. وفى صحة ذلك نظر.

وأما أول وقت دخل فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة بعد هجرته : فيوم فتح مكة.

وقد نقل الأزرقى عن جده عن سفيان بن عيينة عن غير واحد من أهل العلم ، سمع منهم : يذكرون «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ، ثم حج ولم يدخلها». انتهى.

وهذا يدل على أنه لم يدخل فى ثانى الفتح ، ولا فى حجة الوداع. والله أعلم.

* * *


الباب العاشر

فى ثواب دخول الكعبة المعظمة ، وفيما جاء من الأخبار الموهمة لعدم استحباب ذلك ، وفيما يطلب فيها من الأمور التى صنعها فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر الصلاة فيها وآداب دخولها (١).

وأما ثواب دخولها : فروينا فيه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت وصلى فيه ، دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفور له». أخرجه الطبرانى.

وروى الفاكهى من حديث ابن عمر رضى الله عنهما : «من دخله ـ يعنى البيت ـ فصلى فيه ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

وقد اتفق الأئمة على استحباب دخولها. واستحسن مالك كثرة دخولها.

وأما ما ورد موهما بخلاف ذلك : فحديث عائشة رضى الله عنها قالت : «خرج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عندى ، وهو قرير العين ، طيب النفس ، فرجع إلىّ وهو حزين ، فقلت له. فقال : إنى دخلت الكعبة ، وودت أنى لم أكن فعلت. إنى أخاف أن أكون أتعبت أمتى من بعدى». أخرجه الترمذى ، والحاكم فى مستدركه من حديث إسماعيل بن عبد الله بن عبد الملك بن أبى الصغير المكى ، عن ابن أبى مليكة عن عائشة رضى الله عنها.

وإسماعيل : وهاه ابن مهدى ، وذلك يقتضى توهين حديثه. والله أعلم.

وقال المحب الطبرى ـ بعد إخراجه لهذا الحديث ـ : وقد استدل بهذا الحديث من كره دخول البيت ، ولا دلالة فيه ، بل نقول : دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دليل على الاستحباب ، وتمنيه عدم الدخول : قد علله بالمشقة على أمته ، وذلك لا يرفع حكم الاستحباب. انتهى.

وأما ما يطلب فى الكعبة من الأمور التى صنعها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فحمد الله ، والثناء عليه ، والدعاء والذكر. وغير ذلك مما ذكرناه فى أصله.

وأما حكم الصلاة فى الكعبة : فإن النافلة فيها مستحبة عند المالكية ، وجمهور

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٥٨ ـ ١٦٥).


العلماء ، وخالف فى ذلك بعض العلماء ، فقال : لا يصح فيها فرض ولا نفل. وهذا ضعيف. والله أعلم.

ويستثنى من النوافل فيها ـ على مقتضى مشهور مذهب مالك رحمه‌الله ـ النفل المؤكد : كالعيدين ، والوتر ، وركعتى الفجر ، والطواف الواجب ، فإن ذلك لا يصح فيها.

وأما الفرض : فمشهور المذهب عدم صحته فيها ، وهو الأصح من مذهب الحنابلة.

ويصح على مذهب أبى حنيفة والشافعى.

وسطحها فى الفرض كجوفها ، على مقتضى ما سبق من مذهب الأئمة الأربعة ، إلا أن صحة الصلاة فى سطحها ـ على مذهب الشافعى ـ مشروطة بأن يكون بين يدى المصلى شاخص من نفس الكعبة قدر ثلثى ذراع تقريبا على الصحيح.

والشاخص الآن بسطحها يزيد على ثلثى ذراع ؛ لأنه فى الجهة الشرقية ذراع إلا ثمن ، والشامية ذراع وثمن ، وفى الغربية ذراع ، واليمانية ثلثا ذراع.

وأما آداب دخولها : فالاغتسال ، ونزع الخف والنعل ، وأن لا يرفع بصره إلى السقف ، وأن لا يزاحم زحمة يتأذى بها ، أو يؤذى غيره ، وأن لا يكلم أحدا إلا لضرورة ، أو أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، وأن يلزم قلبه الخشوع ، وأن يلزم قلبه الخشوع والخضوع ، وعينيه الدموع إن استطاع ذلك ، وإلا حاول درهما.

ذكر ذلك المحب الطبرى : والنساء يساوين الرجال فى دخولها من غير خلاف فيما أعلم.

* * *


الباب الحادى عشر

فى ذكر شىء من فضائل الكعبة ، وفضائل ركنيها : الحجر الأسود واليمانى (١).

فأما فضل الكعبة : فكثير ثابت فى القرآن العظيم ، وفى السنة الشريفة ، ولم نورده إلا للتبرك.

قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٦ ، ٩٧].

وأما الأحاديث : فروينا عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن هذا البيت دعامة الإسلام ، ومن خرج يؤم هذا البيت ـ من حاج أو معتمر ـ كان مضمونا على الله عزوجل ، إن قبضه ، أن يدخله الجنة ، وإن رده ، أن يرده بأجر وغنيمة». أخرجه الأزرقى بإسناد صالح.

وأما فضل الحجر الأسود : فكثير ؛ لأنا روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ، طمس الله نورهما ، ولو لا أن طمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب».أخرجه ابن حبان فى صحيحه ، والترمذى (٢). وقال : غريب.

وذكر إمام المقام ، وخطيب المسجد الحرام ، سليمان بن خليل : أنه رأى فيه ـ يعنى: الحجر الأسود ـ ثلاث مواضع بيض نقية ، ثم قال : إنى أتلمح تلك النقط ، فإذا هى كل وقت فى نقص. انتهى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٦٦ ـ ١٧٤).

(٢) أخرجه الترمذى فى سننه ، كتاب الحج ، حديث رقم (٨٧٨) من طريق قتيبة ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن رجاء أبى يحيى ، قال : سمعت مسافعا الحاجب قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب». قال أبو عيسى : هذا يروى عن عبد الله بن عمرو موقوفا قوله وفيه عن أنس أيضا. وهو حديث غريب.

وأخرجه أحمد فى مسنده ، حديث رقم ٦٩٦١ ، ٦٩٦٩.


وبه الآن فى الجهة التى تلى باب الكعبة فى أعلاها نقطة بيضاء مثل حبة سمسة ، على ما أخبرنى به ثلاثة نفر يعتمد عليهم من أصحابنا الفقهاء. وكان إخبارهم لى بذلك فى العشر الأخير من جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وثمانمائة. وفى هذا التاريخ شاهدوا ذلك على ما ذكرا.

ومن فضائله : «أنه يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق». كذا رويناه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعا فى الترمذى. وله فضائل أخر.

وأما الركن اليمانى : فمن فضائله : ما رويناه عن ابن عمر رضى الله عنهما «أنه كان يزاحم على الركنين ، فقيل له فى ذلك ، فقال : إنه أفضل ، فإنى سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن مسحهما كفارة للخطايا». أخرجه الترمذى (١).

وروينا عن ابن عمر رضى الله عنهما : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مسح الحجر الأسود ، والركن اليمانى : يحط الخطايا حطّا». أخرجه ابن حبان. وهذا فى حق الرجال.

وأما النساء : فلا يستحب ذلك لهن إلا فى خلوة. ويكره لهن مزاحمة الرجال على ذلك.

* * *

__________________

(١) أخرجه الترمذى فى سننه ، كتاب الحج ، حديث رقم (٩٥٩) من طريق : قتيبة ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن ابن عبيد بن عمير ، عن أبيه أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعله فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، إنك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزاحم عليه ، فقال : إن أفعل فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن مسحهما كفارة للخطايا». وسمعته يقول : «من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة». وسمعته يقول : «لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة وكتب له بها حسنة». قال أبو عيسى : وروى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب ، عن ابن عبيد بن عمير ، عن ابن عمر نحوه ولم يذكر فيه عن أبيه ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.


الباب الثانى عشر

فى فضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، كالطواف بها ، والنظر إليها ، والحج والعمرة ، وغير ذلك (١).

أما فضل الطواف من غير تقييد بزمن : فروينا من حديث أنس رضى الله عنه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأنصارى سأله عن الطواف بالبيت : «وأما طوافك بالبيت ، فإنك لا تضع قدما ولا ترفعها إلا كتب الله عزوجل لك بها حسنة ، ومحا عنك بها خطيئة ، ورفعك بها درجة ، وأما ركعتيك بعد الطواف : فكعتق رقبة ، وأما طوافك بعد ذلك : فإنك تطوف ولا ذنب عليك». أخرجه ابن حبان فى صحيحه مطولا.

وروينا فى الطبرانى من حديث ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعا : «من طاف بالبيت خمسين أسبوعا : خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». وهو فى الترمذى إلا أنه قال : «مرة» بدل «أسبوع».

والمراد بذلك : وجوده فى صحيفة حسناته ، لا الإتيان به فى وقت واحد. نص على ذلك المحب الطبرى فى «القرى» (٢).

وللعلماء خلاف فى الطواف ، والصلاة بمكة : أيهما أفضل؟.

وفى المسألة قول ثالث : أن الطواف للغرباء أفضل ، لعدم تأتيه لهم ، والصلاة لأهل مكة أفضل ، لتمكنهم من الأمرين.

ويدل لفضل الطواف على الصلاة (٣) حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى تنزل الرحمات ؛ لأن فيه : «للطائفين ستين ، وللمصلين أربعين».

وقد ذكر دلالته على ذلك المحب الطبرى. وأفاد فيما ذكر. والله أعلم. واختلف أيضا فى الطواف والعمرة : أيها أفضل؟.

وللمحب الطبرى فى ذلك تأليف ، سماه «عواطف النظرة فى تفضيل الطواف على العمرة». وذكر ما يوافق ذلك فى كتابه «القرى».

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٧٥ ـ ١٨٣).

(٢) انظر : (القرى لقاصد أم القرى ٣٢٥).

(٣) انظر : (القرى لقاصد أم القرى ٣٣١ ، ٣٣٢).


وافقه على ذلك القاضى عز الدين بن جماعة ، والشيخ أبو أمامة بن النقاش ، فيما بلغنى عنه.

وقال بتفضيل العمرة الشيخ عبد الله اليافعى (١) شيخ مكة ، وشيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى (٢) وغيرهما. والله أعلم.

وجاء فى الطائفين : ما رويناه عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يباهى بالطائفين». وأخرجه الآجرى فى ثمانيته.

وأما ثواب النظر إلى الكعبة : ففيه عشرون رحمة ، كما فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما.

وفيه ما رويناه عن سعيد بن المسيب قال : «من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه». وهذا فى الأزرقى. وفيه غير ذلك.

وأما ثواب الحج والعمرة : ففيه ما رويناه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». متفق عليه (٣).

وروينا من حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الحج يهدم ما قبله». أخرجه مسلم (٤). وفى المعنى أحاديث أخر.

* * *

__________________

(١) هو عبد الله بن أسعد بن على اليافعى عفيف الدين. انظر : (الأعلام ٤ / ٧٢ ، الدرر الكامنة ٢ / ٢٤٧ ، الفوائد البهية ٣٣ فى التعليقات ، شذرات الذهب ٦ / ٢١٠ ، معجم المطبوعات ١٩٥٢ ، طبقات الشافعية ٦ : ١٠٣ ، وفيه وفاته سنة ٧٦٧ ومثله فى مفتاح السعادة ١ / ٢١٧).

(٢) هو عمر بن رسلان بن نصر بن صالح الكنانى ، العسقلانى الأصل ، ثم البلقينى المصرى الشافعى ، أبو حفص ، سراج الدين.

انظر : (الأعلام ٥ / ٤٦ ، الضوء اللامع ٦ / ٨٥ ، شذرات الذهب ٧ / ١٥ ، حسن المحاضرة ١ / ١٨٣ ، الخزانة التيمورية ٣ / ٣٨ ، ويقال لقريته : «بلقين» فينسب إليها بفتح القاف وسكون الياء انظر : التاج ٩ / ١٤٣ وتكرر ذكره فى رفع الإصر ١٦ فى أرجوزة الهامش بما يفيد أن الكسر أشهر. الأزهرية ٢ / ٥٩).

(٣) أخرجه البخارى فى صحيحه ، كتاب الحج ، حديث رقم ١٧٧٣ ، ومسلم فى الصحيح ، كتاب الحج حديث رقم ١٣٤٩.

(٤) أخرجه مسلم فى صحيحه من حديث طويل ، فى كتاب الإيمان ، حديث رقم ١٢١.


الباب الثالث عشر

فى الآيات المتعلقة بالكعبة المعظمة (١)

للكعبة آيات بينات :

منها : بقاء بنائها الموجود الآن. وهو يقتضى أنه لا يبقى هذه المدة ، على ما بلغنى عن بعض مهندسى عصرنا. قال : وإنما بقاؤها آية من آيات الله. انتهى.

ولعمرى إنه لصادق ، فإن من المعلوم ضرورة : أن الريح والمطر إذا تواليا أياما على بناء يخرب.

ومن المعلوم ضرورة : أن الكعبة المعظمة ما زالت الرياح العاصفة والأمطار الكثيرة المهولة تتوالى عليها منذ بنيت وإلى تاريخه. وذلك سبعمائة سنة ونيف وخمسون سنة. ولم يحدث فيها ـ بحمد الله ـ تغير أدى إلى خللها.

ومن آياتها : حفظها ممن أرادها بسوء ، وهلاك من أرادها بذلك ، كما جرى لتبع والهذليين ، وأصحاب الفيل.

أما قصة تبع (٢) : فإنه لما أقبل من المدينة حسن له نفر من هذيل هدم الكعبة ، وأن يبنى عنده بيتا يصرف إليه الحج ، فعزم على ذلك ، فدقت بهم دوابهم ، وغشيتهم ظلمة شديدة وريح. ثم رجع عن عزمه ونوى تعظيم الكعبة فانحلت عنهم الظلمة ، وسكنت الريح وانطلقت بهم دوابهم ، وأمر بضرب رقاب الهذليين فضربت ، وسار إلى مكة ، فأقام بها أياما ينحر كل يوم مائة بدنة للصدقة ، وكسى البيت الحرام أنواعا من الكسوة. وهذا الخبر فى الأزرقى مطولا.

وفى رواية : أنه لما أصغى لقول الهذليين بات صحيحا ، فأصبح وقد سالت عيناه فلما نوى كرامة البيت وأهله رجعت عيناه ، فارتد بصيرا. وهذا الخبر فى الفاكهى. وقيل : أصابه غير ذلك.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٨٥ ـ ١٨٦).

(٢) انظر : (المنتظم ١ / ٤١٥ ، تاريخ الطبرى ١ / ٥٦٦ ، شفاء الغرام ١٨٧).


وأما أصحاب الفيل (١) : فإن أبرهة بن الصباح الأشرم ـ ملك اليمن من قبل النجاشى ـ سار إلى مكة يريد تخريب الكعبة ؛ لأن رجلا من العرب بال فى كنيسة بناها أبرهة بصنعاء ، وكان يعظمها ، ويريد أن يصرف الحج إليها ، وساق معه الفيل. فلما بلغ المغمّس عبّأ جيشه ، وقدّم الفيل ، فكانوا إذا وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح. وإذا وجهوه إلى اليمن ـ أو إلى غيره من الجهات ـ هرول. فأرسل الله تعالى طيرا سوداء ـ وقيل : خضراء ، وقيل : بيضاء ـ مع كل طائر حجر فى منقاره وحجران فى رجليه ، أكثر من العدسة وأصغر من الحمصة. فكان يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره ، ففروا ، وهلكوا فى كل طريق ، وتساقطت أنامل أبرهة ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت وزيره أبو مكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشى ، فقص عليه القصة. فلما أتمها وقع عليه الحجر ، فخر ميتا بين يديه.

وخبر أصحاب الفيل أطول من هذا. وهذا ملخص منه.

* * *

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٨٩ ، ١٩٠).


الباب الرابع عشر

فى ذكر شىء من أخبار الحجر الأسود (١)

روينا فى تاريخ الأزرقى عن ابن إسحاق وغيره : أن الله عزوجل استودع الركن أبا قبيس حين غرق الأرض ز من نوح عليه‌السلام ، وقال : «إذا رأيت خليلى يبنى بيتى فأخرجه له». فلما بنى الخليل البيت جاءه جبريل عليه‌السلام بالحجر الأسود ، فوضعه موضعه من البيت. انتهى.

وقيل : إن إلياس بن مضر أول من وضع الحجر للناس بعد الغرق. ذكره الزبير بن بكار. وهذا مخالف لما سبق.

ولما خرجت جرهم من مكة ، خرج عمرو بن الحارث بن مضاضة بغزالى الكعبة وبحجر الركن ، فدفنهما فى زمزم.

وفى بعض الأخبار : أن جرهما لما خرجت دفنت الحجر بأسفل مكة ، وأن قصى بن كلاب بحث عنه حتى أظهره للناس.

وفى بعض الأخبار : أن بنى إياد دفنوه لما خرجوا من مكة.

هذا ما علمت من خبره فى الجاهلية.

وأما خبره فى الإسلام : فإنه أزيل من موضعه اثنتين وعشرين سنة ، إلا أربعة أيام. والمزيل له القرامطة ، وشد بالفضة لتصدعه.

وكان تصدعه ثلاث مرات.

الأولى : من الحريق الذى أصابه فى ز من ابن الزبير ، وانشطبت منه شطبة فشدت بالفضة. ثم تغيرت هذه الفضة ، فأحكمت فى سنة تسع وثمانين ومائة.

والمرة الثانية : أن بعض القرامطة ضرب الحجر الأسود بدبوس فتكسر ، ثم قلع يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثلاثمائة بأمر أبى طاهر

__________________

(١) انظر : (المنتظم ١ ، تاريخ الطبرى ١ / ٢٥١ ، زاد المسير ١ / ١٢٩ ، ٤٢٤ ، الأزرقى ١ / ٢٥ ، ٣١ ـ ٣٢ ، البداية والنهاية ١ / ١٦٣ ، طبقات ابن سعد ١ / ٥٢ ، مرآة الزمان ١ / ٢٨٥ ، شفاء الغرام ١ / ١٩١ ـ ١٩٥).


القرمطى. وذهب به معه إلى هجر. فأقام عند القرامطة إلى أن رده فى يوم الثلاثاء يوم النحر من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.

وكان الذى وضعه فى الكعبة ـ بعد رده ـ شبر بن الحسن القرمطى ، وشده الصائغ بجص أحضره شبر.

وكان على الحجر ـ حين أحضر فى هذا التاريخ ـ ضبات فضة قد عملت من طوله وعرضه ، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه.

ثم قلع فى سنة أربعين وثلاثمائة ، وعمل له طوق محكم من فضة ليشده.

والمرة الثالثة : أن بعض الملاحدة أيضا : ضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات بدبوس ، فتنجش ، وتساقطت منه شظايا ، ثم أصلح ما تشعث منه وطلى. وكانت هذه الحادثة فى يوم النفر الأول سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.

وقيل : سنة أربع عشرة. والله أعلم.

ومن آيات الحجر الأسود : بقاؤه مع ما عرض له من الذهاب غير مرة ، وغير ذلك.

وقد ذكرناه فى أصله.

* * *


الباب الخامس عشر

فى الملتزم ، والمستجاب ، والحطيم ، وما جاء فى ذلك من استجابة الدعاء فى هذه المواضع ، وغيرها من الأماكن بمكة المشرفة وحرمها (١).

أما الملتزم : فهو ما بين الباب ـ باب الكعبة ـ والحجر الأسود ، على ما روينا عن ابن عباس رضى الله عنهما. وروينا عنه حديثا مرفوعا مسلسلا فى استجابة الدعاء فيه. وجرب ذلك من زمنه إلى عصرنا.

وأما المستجاب : فهو ما بين الركن اليمانى والباب المسدود فى دبر الكعبة. وروينا فى استجابة الدعاء فيه خبرا فى مجابى الدعوة لابن أبى الدنيا.

وأما الحطيم : فهو ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم. والحجر ، بسكون الجيم.

وقيل : إن «الحطيم» هو الموضع الذى فيه الميزاب. وهذا فى كتب الحنفية.

وعليه فيكون «الحطيم» الحجر ـ بسكون الجيم ـ وقيل فيه غير ذلك.

وسمى «الحطيم» لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان ؛ فقل من دعى هنالك على ظالم إلا هلك ، وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت له العقوبة.

وقيل : فى سبب تسميته بالحطيم غير ذلك.

وأما بقية المواضع التى يستجاب فيها الدعاء : فكثير منها مذكور فى رسالة الحسن البصرى ؛ لأن فيها أن الدعاء يستجاب فى خمسة عشر موضعا.

أولها : عند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وعند الركن اليمانى ، وعلى الصفا وعلى المروة ، وبين الصفا والمروة ، وبين الركن والمقام ، وفى جوف الكعبة ، وبمنى ، وبجمع ، وبعرفات ، وعند الجمرات الثلاث ، هكذا وجدت فى نسختى من هذه الرسالة. وهى تقتضى أن تكون المواضع أربعة عشر. والظاهر : أنه سقط منها موضع ، لعله أن يكون خلف المقام.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٩٦ ـ ١٩٨).


ويحتمل أن يكون فى الطواف ؛ لأنه روى عن الحسن البصرى رحمه‌الله تعالى (١) : أن الحجر الأسود يستجاب عنده الدعاء ، فتصير المواضع ستة عشر. انتهى.

وذكر شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى مواضع أخر بمكة وحرمها وقربه يستجاب فيها الدعاء.

وذكرنا ذلك فى أصله. وبينا ما فى ذلك من الوهم والإجمال.

ومن المواضع التى يرجى فيها استجابة الدعاء فى المسجد الحرام : باب بنى شيبة ، وباب إبراهيم ، وباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو باب المسجد الذى يعرف الآن بباب الجنائز.

* * *

__________________

(١) انظر : (القرى القاصد أم القرى ٣١٧).


الباب السادس عشر

فى ذكر شىء من أخبار المقام ، مقام الخليل عليه‌السلام (١)

هذا المقام : هو الحجر الذى وقف عليه الخليل لما بنى الكعبة.

وقيل : لما أذن بالحج.

وقيل : لما غسلت زوجة ابنه إسماعيل رأسه.

وقال القاضى عز الدين بن جماعة ـ فيما أخبرنى به عنه خالى ـ : مقدار ارتفاعه من الأرض نصف ذراع وربع ذراع.

قال : وأعلى المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ذراع. وموضع عرض القدمين: ملبس بفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط. انتهى.

والذراع المشار إليه ذراع الحديد.

وأول ما حلى المقام : فى خلافة المهدى ، فى سنة إحدى وستين ومائة ، ثم فى خلافة المتوكل فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين.

وفى خلافة المهدى سنة ست وخمسين ومائتين ، وكان قد توهن فى هذه السنة كثيرا. فأحكم الطاقة فى المقام الآن فى قبة من حديد ثابت فيها ، والقبة ثابتة فى الأرض ، وهى قائمة على أربعة شبابيك من حديد ، وفوق الشبابيك قبة من خشب مبنى فوقها ، ويتصل بهذه القبة ساباط يصلى فيه الإمام الشافعى. وظاهره ـ كظاهر القبة ـ مبنى بحجارة منورة ، وباطنه وباطن القبة ـ فيما يبدو للناس ـ من خزف بالذهب.

وأحدث عهد صنع فيه ذلك سنة عشر وثمانمائة.

وموضع المقام اليوم : هو موضعه فى الجاهلية ، وفى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، إلا أن السيل ذهب به فى خلافة عمر رضى الله عنه. فجعل فى وجه الكعبة ، حتى قدم عمر رضى الله عنه ، فرده بمحضر الناس. ذكر ذلك الأزرقى عن ابن أبى مليكة ، وذكر عن عمرو بن دينار عن ابن عيينة ما يوافقه.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٠٢ ـ ٢١٠).


وذكر الفاكهى أخبارا تدل على أن المقام كان عند الكعبة.

وفى بعضها ما يشعر بتقريب بيان موضعه عند الكعبة.

وصرح ابن سراقة بموضعه عند الكعبة.

وهو على مقتضى ما ذكر : يكون على ذراعين وثلثى ذراع بالحديد من طرف الحفرة المرخمة عند الكعبة إلى جهة الحجر ، بسكون الجيم.

وعلى مقتضى الخبر الذى ذكره الفاكهى : يكون موضع المقام عند الكعبة فى مقدار نصف الحفرة المذكورة التى تلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ والله أعلم بالصواب.

وذكر ابن سراقة : أن مقدار ما بين موضع المقام الآن ووجه الكعبة عشرون ذراعا ، وذلك غير مستقيم ؛ لأن من وسط جدر الكعبة الشرقى إلى وسط الصندوق ، الذى المقام فى جوفه ـ المقابل لوجه الكعبة ـ اثنين وعشرين ذراعا إلا ربع ذراع بالحديد. وهو أزيد من ذراع اليد الذى ذكره ابن سراقة ، بثمن ذراع.

وللمقام فضائل سبق ذكرها فى فضل البيت ، وفضل الحجر الأسود ، فى الباب الحادى عشر.

وروينا عن مجاهد ، قال. «يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة». أخرجه الأزرقى. والله أعلم.

* * *


الباب السابع عشر

فى ذكر شىء من أخبار الحجر المكرم ـ حجر إسماعيل عليه‌السلام ـ وفيه بيان المواضع التى صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة (١).

روينا فى تاريخ الأزرقى عن أبى إسحاق قال : وجعل إبراهيم الحجر ـ أى : جنب البيت ـ عريشا من أراك تقتحمه العنز. وكان زريبا لغنم إسماعيل. انتهى.

وقد تقدم فى خبر عمارة الكعبة : أن قريشا أدخلت فى الحجر منها أذرعا لقصر النفقة الحلال التى أعدوها لعمارتها ، وأن ابن الزبير أدخل ذلك فيها. وأن الحجاج أخرج ذلك منها ، ورده إلى ما كان عليه فى عهد قريش والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واستمر ذلك إلى الآن ، فصار بعض الحجر من الكعبة وبعضه ليس منها.

وقد اختلفت الروايات عن عائشة رضى الله تعالى عنها فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة.

ففى رواية : قريب من تسعة أذرع.

وفى رواية : ستة أذرع أو نحوها.

وفى رواية : ستة أذرع.

وفى رواية : خمسة أذرع.

وفى رواية : أربعة أذرع.

وهذه الرواية الأخيرة فى كتاب الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه. وما عدا ذلك من الروايات صحيح الإسناد.

واختلاف الروايات عن عائشة رضى الله عنها فى قدر ما فى الحجر من الكعبة لا يقتضى ترك العمل بما روى عنها من أن بعض الحجر من البيت ، وإنما يقتضى أن يعمل فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة بأكثر الروايات فى ذلك. والله أعلم.

وقد جزم بصحة طواف من طاف فى الحجر خارجا عن ستة أذرع من البيت إمام الحرمين والده الشيخ أبو محمد الجوينى والبغوى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢١١ ـ ٢١٩).


وذكر الرافعى : أن هذا المذهب هو الصحيح. وقال به اللخمى من المالكية. وجزم به الشيخ خليل الجندى المالكى فى مختصره الذى صنفه لبيان ما به الفتوى ، والله أعلم.

والحجر : هو ما بين الركن الشامى الذى يقال له : العراقى ، والركن الغربى ، وهو عرضه فى مرخمة لها جدار منقوش على نصف دائرة.

وقد ذكرنا ذرعه من داخله وخارجه ، وشىء من خبر عمارته فى أصل هذا الكتاب.

وجاء فى فضله وفضل الصلاة فيه والدعاء فيه أخبار.

منها : ما رواه الفاكهى بسنده عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبى هريرة : «يا أبا هريرة ، إن على باب الحجر ملكا يقول لمن دخل فصلى ركعتين : مغفورا لك ما مضى ، فاستأنف العمل ، وعلى باب الحجر الآخر ملك منذ خلق الله الدنيا إلى يوم يرفع البيت يقول لمن صلى وخرج : مرحوما إن كنت من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقيا». انتهى.

وروينا عن ابن عباس رضى الله عنهما : «صلوا فى مصلى الأخيار» وسئل عن ذلك ، فقال : «تحت الميزاب». أخرجه الأزرقى.

وحكم الصلاة فيها فى الحجر من الكعبة : حكم الصلاة فيها ، لكون ذلك منها ، فلا يصح فيه على مشهور مذهب مالك فرض ولا نفل مؤكد. والله أعلم.

وروينا عن عطاء ، قال : من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا : استجيب له. وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وروينا عنه : من قام تحت مثعب الكعبة ، يعنى ميزابها ، أخرجه الأزرقى.

وروى عن عثمان رضى الله عنه : أنه وقف تحت الميزاب يدعو ، وقال : مازلت قائما على باب الجنة.

وفى الحجر قبر إسماعيل عليه‌السلام مع أمه هاجر. وقيل : إنه فى الحطيم. والله أعلم.

وينبغى توقى النوم فيه والاحتراز من بدعتين أحدثهما الناس لا أصل لهما على ما ذكر ابن جماعة.

إحداهما : فى وقوفهم فى فتحتى الحجر للصلاة والسلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والأخرى : استقبالهم جهة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتحتى الحجر للدعاء واستدبارهم للقبلة.


والمعروف فى آداب الدعاء : استقبالها. هذا معنى كلامه. قال : والله يوفقنا لاجتناب البدعة وإتباع السنة بمنه وكرمه.

وأما المواضع التى صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة : فذكرها المحب الطبرى فى كتابه «القرى» بدلالتها. ونشير هنا لشىء من ذلك.

الموضع الأول : خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام.

الثانى : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

الثالث : قريب من الركن الشامى مما يلى الحجر ، بسكون الجيم.

الرابع : عند باب الكعبة.

الخامس : تلقاء الركن الذى يلى الحجر من جهة المغرب جانحا إلى جهة المغرب قليلا ، بحيث يكون باب المسجد ـ الذى يقال له اليوم باب العمرة ـ خلف ظهره.

السادس : فى وجه الكعبة.

السابع : بين الركنين اليمانيين.

الثامن : الحجر.

واستدل المحب الطبرى للمصلى الثالث ، بحديث عبد الله بن السائب رضى الله عنه.

واستدل للسادس بحديث لأسامة بن زيد رضى الله عنهما.

والمصلى الذى ذكره ابن السائب ، والذى ذكره أسامة : واحد ـ فيما أحسب ـ لأنهما فى وجه الكعبة ، فيما بين الباب والحجر ـ بسكون الجيم ـ وقد أوضحنا ذلك فى أصله. والله أعلم.

وأما الحفرة المرخمة فى وجه الكعبة : فقد سبق فى الباب الذى قبله ما يقتضى أن نصفها الذى يلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ موضع المقام عند البيت. ويقال : إنها الموضع الذى صلى فيه جبريل عليه‌السلام بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرضت الصلاة.

واستبعد ذلك القاضى عز الدين بن جماعة.

ويقال : إنها موضع مصلى آدم عليه‌السلام.

ذكر ذلك الآقشهرى ـ رحمه‌الله ـ عن شيخه الشيخ رضى الدين الطبرى إمام المقام.


وسبق فى الباب الثامن : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى بين الركنين اليمانيين ، وهو موضع الرخامة فى وسط هذا الجانب المكتوب فيها «عمارة المنصور لاجين» للمطاف.

وهذا لا يفهم مما ذكره المحب الطبرى فى هذا المصلى.

* * *


الباب الثامن عشر

فى ذكر شىء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته وذرعه (١)

أما خبر توسعة المسجد الحرام : فإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، أول من وسعه بدور اشتراها ودور هدمها على من أبى البيع وترك ثمنها لأربابها فى خزانة الكعبة.

وكان فعله لذلك فى سنة سبع عشرة ، وكذلك فعل عثمان رضى الله عنه. وكان فعله لذلك فى سنة ستة وعشرين من الهجرة.

وسعه عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما من جانبه الشرقى والشامى واليمانى.

ثم وسعه المنصور العباسى من جانبه الشامى ، ومن جانبه الغربى.

وكان ما زاده مثل ما كان من قبل.

وكان ابتداء عمله فى المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة ، والفراغ منه فى ذى الحجة سنة أربعين.

ثم وسعه المهدى بن المنصور من أعلاه ومن الجانب اليمانى ، ومن الجانب الغربى حتى صار على ما هو عليه اليوم خلا الزيادتين ، فإنهما أحدثتا بعده. وكانت توسعته له فى نوبتين:

الأولى : فى سنة إحدى وستين ومائة.

والثانية : فى سنة سبع وستين.

وليس لأحد من الأثر فى النفقة فى عمارته مثل ما للمهدى ، فا لله يثبته. واسمه إلى الآن فى سقف المسجد الحرام قريبا من منارة الميل.

ومن عمره من غير توسعة عبد الملك بن مروان ، رفع جدرانه وسقفه بالساج.

وعمره ابنه الوليد ، وسقفه بالساج المزخرف ، وأزره من داخله بالرخام.

وذكر السهيلى فى خبر عمارته ما يستغرب ؛ لأنه قال : فلما كان ابن الزبير ، زاد فى إتقانه لا فى سعته.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢٢٤ ـ ٢٣٢).


والمستغرب من هذا كون ابن الزبير لم يوسع المسجد الحرام.

ومما زيد فى المسجد الحرام بعد المهدى زيادة دار الندوة ، وبالجانب الشمالى ، والزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربى.

وكان إنشاء زيادة دار الندوة فى زمن المعتضد العباسى.

وكان ابتداء الكتابة إليه فيها فى سنة إحدى وثمانين ومائتين ، والفراغ منها فى سنة أربع وثمانين فيما أظن. وكان أبوابها إلى المسجد الكبير على غير صفتها اليوم ، ثم عملت على الصفة التى عليها اليوم فى سنة ست وثلاثمائة.

وكان عمل زيادة باب إبراهيم فى سنة ست وسبع وثلاثمائة.

ووقع فى المسجد الحرام بعد الأزرقى عمارات كبيرة جدا. وقد ذكرنا من ذلك طرف فى أصله وعمر منه فى عصرنا جانب كبير.

وسبب ذلك أن فى ليلة السبت الثامن والعشرين من شوال سنة اثنتين وثمانمائة ظهرت نار من رباط رامشت ، فتعلقت بسقف المسجد الحرام ، وعمت بالحريق الجانب الغربى ، ونقص الرواقين المقدمين من الجانب الشامى إلى محاذاة باب دار العجلة لما فى ذلك من السقوف والأساطين ، وصارت قطعا ، ثم عمر ذلك كما كان فى مدة يسيرة على يد الأمير بيستى المالكى الظاهرى.

وكان ابتداء العمارة فى ذلك بعد الحج من سنة ثلاث وثمانمائة.

وفرغ منه فى شعبان سنة أربع وثمانمائة إلا سقف ذلك ، فإنه لم يعمل إلا فى سنة سبع وثمانمائة لتعذر خشب الساج ولما لم يحصل سقف بخشب العرعر ولتكسر أساطين الرخام عمل عرضها أساطين من حجارة منحوتة واستحسنت.

وعمرت بعد ذلك أماكن بالمسجد الحرام ، وسقوفه.

فمن ذلك : فى سنة خمس عشرة وثمانمائة عقدان يليان سطح المسجد قبالة المدرسة البجالية ، وأماكن فى سقفه.

ومن ذلك : فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة باب الجنائز على صفته اليوم لانهدام بعضه قبل ذلك ، فهدم ما بقى منه. والحاجز الذى بين البابين مع ما انهدام من جدر المسجد الحرام المتصل بهذا الباب ، وإلى منتهى رباط المراغى بهذا الجانب وهو الشرقى.


وعمر ذلك واستحسنت عمارته. وكتب فيه اسم مولانا السلطان الملك الأشرف بر سباى صاحب مصر والشام. زاده الله نصرا وتأييدا وخلد ملكه.

وعمر من هذا الجانب أماكن بين باب على والعباس. وفى باب العباس وعند المدرسة الأفضلية. وعمر فى سنة ست وعشرين وثمانمائة عدة عقود بالرواق المقدم من الجانب الشرقى. وفى المؤخر ، وهى : سبعة فى المؤخر ، وسبعة فى المقدم ، وثمانية فى الذى يلى المقدم ، وثلاثة فى الذى يليه. وهى تلى المؤخر.

وعمر ما تحتها من الأساطين لخللها حتى أحكم ذلك.

وعمر سقوف المسجد الحرام ما كان متخربا ، ونور سطحه أو أكثره.

وعملت أبواب المسجد الحرام حديد ، منها : بابان فى باب الجنائز ، وثلاثة فى باب العباس ، وثلاثة فى باب على ، والباب الأوسط من باب الصفا وباب العجلة ، وباب زيادة دار الندوة المنفرد ، وأصلح غير ذلك من باقى الأبواب.

ومن المعمور فى هذه السنة عقدان عند باب الجنائز.

وكل ذلك مع ما ذكر من عمارة الكعبة المعظمة على يد الأمير سيف الدين مقبل القريرى المكى الأشرفى ، أثابه الله تعالى.

وفى سنة ثلاثين وثمانمائة عمرت عدة عقود بالجانب الشمالى ، مما يلى صحن المسجد ، وهى ثمانية : ستة تلى الاسطوانة الحمراء إلى صوب باب العمرة ، واثنان يليانها إلى صوب باب بنى شيبة. وفرغ من ذلك فى شعبان من السنة المذكورة.

وأما ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين : فذكره الأزرقى باعتبار ذرع اليد. وحررت أنا ذلك بذراع الحديد ، ومنه يظهر تحريره بذراع اليد لما سبق بيانه.

فكان طوله من جدره الغربى إلى جدره الشرقى المقابل له ثلاثمائة ذراع وستة وخمسين ذراعا وثمن ذراع بالحديد.

ويكون ذلك بذراع اليد أربعمائة ذراع وسبعة أذرع. وذلك من وسط جدره الغربى الذى هو جدر رباط الخوزى إلى وسط جدره الشرقى عند باب الجنائز يمر به فى الحجر ملاصقا لجدر الكعبة الشامى.

وكان عرضه من جدره الشامى إلى جدره اليمانى مائتى ذراع وستة وستين ذراعا بذراع الحديد.


يكون ذلك بذراع اليد ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع. وذلك من وسط جدره القديم عند العقود إلى وسط جدره اليمانى فيما بين الصفا وباب أجياد تمر به فيما بين مقام إبراهيم والكعبة ، وهو إلى المقام أقرب.

حرر لى ذلك من أعتمد عليهم من أصحابنا. أثابهم الله تعالى.

وذرع المسجد الحرام الآن مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع. هكذا قال الأزرقى.

وأما ذرع زيادة دار الندوة : فهو أربعة وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ إلا ربع ذراع بالحديد. وذلك من جدر المسجد الكبير إلى الجدر المقابل له الشامى منها. وعنده باب مغارتها هذا ذرعها طولا.

وأما ذرعها عرضا ، فسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ ونصف ذراع. وذلك من وسط جدرها الشرقى إلى وسط جدرها الغربى.

وأما زيادة باب إبراهيم : فذرعها طولا تسعة وخمسون ذراعا إلا سدس. وذلك من الأساطين التى فى وزان جدر المسجد الكبير إلى العتبة التى فى باب هذه الزيادة.

وأما ذرعها عرضا : فاثنان وخمسون ذراعا وربع ذراع. وذلك من جدر حائط رباط الخوزى إلى جدر رباط رامشت.

وذكرنا فى أصله ذرع صحن هاتين الزيادتين طولا وعرضا. وحرر ذلك بحضورى.

* * *


الباب التاسع عشر

فى عدد أساطين المسجد الحرام وصفتها ، وعدد عقودها وشرفاته ، وقناديله وأبوابه وأسمائها ومنايره ، وفيما صنع لمصلحته ، أو لنفع الناس فيه ، وفيما فيه الآن من المقامات ، وكيفية صلاة الأئمة بها وحكمها (١).

وأما عدد أساطين المسجد الحرام وغير ما فى الزيادتين ـ فأربعمائة أسطوانة وتسعة وستون أسطوانة فى جوانبه الأربع ، وعلى أبوابه من داخله وخارجه تسعة وعشرون أسطوانة. فيصير الجميع أربعمائة اسطوانة وستة وتسعين أسطوانة ، بتقديم التاء.

وهذه الأساطين رخام إلا مائة وتسعة وعشرون أسطوانة ، فهى حجارة منحوتة ، إلا ثلاثة أساطين ، فهى آجر مجصص ، وفى صحن المسجد حول المطاف أساطين ، وهى اثنان وثلاثون أسطوانة.

وأما عدد أساطين زيادة دار الندوة ، فستة ستون أسطوانة حجارة منحوتة.

وأما عدد أساطين زيادة باب إبراهيم : فسبعة وعشرون أسطوانة حجارة منحوتة.

وأما عدد طاقات المسجد الحرام التى بجوانبه الأربعة غير الزيادتين ، فأربعمائة طاقة وأربعة وثمانون طاقا.

وأما عدد طاقات زيادة دار الندوة : فثمانية وستون طاقا.

وأما عدد طاقات زيادة باب إبراهيم : فستة وثلاثون طاقا ، والطاقات هى العقود التى على الأساطين.

وأما عدد شرفاته التى تلى بطن المسجد : فأربعمائة وثلاثة عشر شرفة ، وسبعة أنصاف شرافات.

وأما عدد الشرفات التى بزيادة دار الندوة : فاثنان وسبعون شرافة.

وأما عدد الشرفات التى بزيادة باب إبراهيم : فبضع وأربعون شرافة.

وأما عدد قناديله الآن المرتبة فيها غالبا ـ فثلاثة وتسعون قنديلا ـ بتقديم التاء ـ وهى نحو الخمس من عدد قناديله التى ذكرها الأزرقى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٣٣ ـ ٢٤٦).


وأما عدد أبوابه : فتسعة عشر ـ بتقديد التاء ـ تفتح على ثمانية وثلاثين طاقا.

وأما أسماؤها الآن : فذكرناها فى أصله ، وفى أصل هذا الكتاب زيادة بيان فيما يتعلق بالصلاة على الموتى فى المسجد الحرام ، وفى الخروج بهم منه.

وأما عدد منايره : فخمس : أربع فى جوانبه الأربع ، والخامسة : بزيادة دار الندوة. وبزيادة باب إبراهيم منارة مهدوم أعلاها : وقد أشار إليها ابن جبير. وأشار إلى منارة أخرى كانت على باب الصفا ، ولا أثر لها الآن.

وأما ما صنع فى المسجد الحرام لمصلحته :

فقبة كبيرة بين زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه ، وكانت موجودة فى القرن الرابع على مقتضى ما ذكر ابن عبد ربه فى العقد.

ومزولة بصحن المسجد يعرف بها الوقت : عملها الوزير الجواد ، وتسمى ميزان الشمس.

ومنابر للخطبة. وقد ذكرنا منها جملة فى أصله.

وأول من خطب على منبر بمكة معاوية رضى الله عنه.

والمنبر الذى يخطب عليه الآن بمكة أنفذه الملك المؤيد أبو النصر صاحب مصر فى موسم سنة ثمان عشرة وثمانمائة مع درجة الكعبة الموجودة الآن.

وأما المقامات التى هى الآن بالمسجد الحرام : فأربعة. وهى أسطوانتان من حجارة عليهما عقد مشرف من أعلاها ، وفيه خشبة معترضة فيها خطاطيف للقناديل ، إلا مقام الخليل : فإنه أربعة أساطين عليها سقف مدهون مزخرف. وكان عمله على هذه الصفة فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، وكمل فى أول التى تليها ، وكان عمل المقامات الأخرى على ما ذكر فى سنة سبع وثمانمائة رغبة فى بقائها. وما ذكر من صفاتها الآن هى غير صفاتها السابقة.

وقد أفتى جماعة من العلماء من المذاهب الأربعة.

منهم : شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى ، وابنه مولانا شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين : بوجوب هدم مقام الحنفية المشار إليه لما فيه من الحدث وغير ذلك ، ورسم ولى الأمر بهدمه ، ثم ترك لمعارضة حصلت فى ذلك.

ومقام الشافعى : يلى مقام إبراهيم.


ومقام الحنفى : يلى الحجر بسكون الجيم.

ومقام المالكى : يلى دبر الكعبة.

ومقام الحنبلى : يلى الحجر الأسود.

وفى أصل هذا الكتاب ذرع ما بين كل مقام والكعبة.

وأما كيفية صلاة الأئمة بها : فإن الشافعى يصلى أولا ، ثم الحنفى ، ثم المالكى ، ثم الحنبلى.

وتقدم الحنفى على المالكى : حدث بعد التسعين وسبعمائة ، إلا صلاة المغرب فإنهم يصلونها مجتمعين.

وقد انفرد الشافعى بصلاة المغرب فى أيام الموسم من سنة إحدى عشرة وثمانمائة إلى موسم سنة عشر (١) وثمانمائة.

وأما حكم صلاة الأئمة ما عدا الشافعى على الترتيب الذى يفعلونه ، فإن ذلك لا يجوز على ما أفتى به أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الجباب المالكى.

وله فى ذلك تأليف حسن ، وأفتى بجواز ذلك شداد بن المقدم ، وعبد السلام بن عتيق ، وأبو الطاهر بن عوف الزهرى ، وهم من فقهاء المالكية بالإسكندرية.

ورد عليهم ابن الجباب ذلك فى تأليفه. ونقل ما يوافق فتواه عن جماعة من الشافعية والحنفية والمالكية.

وفى أصل هذا الكتاب زيادة فوائد فى هذا المعنى.

* * *

__________________

(١) هكذا بالأصل ، وربما قصد «موسم سنة عشرين».


الباب العشرون

فى ذكر شىء من خبر زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه (١)

أما زمزم فإن أول من أظهرها الأمين جبريل عليه‌السلام سقيا لإسماعيل عليه‌السلام عند ما ظمى ، ولو لم تحوض عليه أم إسماعيل كانت عينا تجرى على ما فى البخارى.

وذكر الفاكهى أن الخليل عليه‌السلام حضر زمزم بعد جبريل عليه‌السلام ثم غلبه عليها ذو الفرس وقد غيبت بعد ذلك زمزم لاندراس موضعها ، ثم منحها الله تعالى عبد المطلب جد النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم لكرامته ، فحفرها بعد أن أعلمت له فى المنام بعلامات استبان له بها موضعها. فلم تزل ظاهرة حتى الآن ، وعولجت فى الإسلام غير مرة. وذلك مذكور فى أصله.

وزمزم الآن فى بيت مربع فى جدرانه تسعة أحواض يملأ من زمزم المتوضئ منها.

وأعلا البيت مسقوف ما خلا الموضع الذى يحاذى البئر.

وهذه الصفة تخالف الصفة التى ذكرها الأزرقى فى صفة موضع زمزم.

وفى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة هدمت ظلة المؤذنين التى فوق البيت الذى فيه زمزم لإفساد الأرضة لها ، وسلخ من هذا البيت الجدران الغربى والشامى من أعلاها إلى أسفلها ، وبنى ذلك بنورة وحجارة منحوتة وغيرها. وسلخ من أعلا جدر هذا البيت الشرقى إلى عتبة الباب العليا فى هذا الجدر. وبنى ذلك من آجر ونورة ، وأخرجوا من سقف هذا البيت الخشب المتخرب وأبدلوه بغيره ، وبنوا فوق هذا الجدار أسطوانتين من آخر ونورة ، لشد الدرابزين فى ذلك ، وأصلحوا جميع سقف هذا البيت بالنورة والآجر ، وجعلوا له درابزين من خشب مخروط نظيف بجوانبه خلا اليمانى.

وجعلوا فوق بئر زمزم شباكا من حديد ، ولم يكن قبله هناك شباك من حديد وبنوا خمسة أساطين دقيقة من آجر بالنورة : ثلاثة فى الجدار الذى بالكعبة ، وواحدة فى الشامى ، وواحدة فى اليمانى ، وجعلوا بين هاتين الأسطوانتين أسطوانة من خشب ، وأخشابا بين هذين الأساطين ، وسقفا من خشب مدهون ساترا لما بين هذه الأساطين

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٤٧ ـ ٢٥٩).


الست ، يكون ظلة للمؤذنين ، خلا بعض ما بين الأسطوانة الوسطى والخشب ، فجعلوا فيه قبة من خشب مدهونة وطلوها من أعلاها بالجبس ، وجعلوا فوق السقف المدهون سقفا آخر ودكوه بالآجر والنورة ، ورفرفا من خشب مدهون نظيف بجوانب هذا السقف ، وأحكمو شده وشد السقف والقبة بالمسامير والكلاليب الحديد.

وجعلوا درابزين من خشب نظيف بجوانب هذا البيت خلا اليمانى ، ودرابزين آخر نظيف بجانبى ظلة المؤذنين اليمانى والشرقى. ولم يكن فى هذين الجانبين درابزين قبل ذلك.

وأوسعوا فى الأحواض التى فى الجدارين الغربى والشامى من داخل بئر زمزم ، وأوسعوا فى الدرجة التى يصعد منها إلى سقف بيت زمزم فاستحسنت ، وكذا ظلة المؤذنين ، وكذا ما عمل فى سطح هذا البيت وجدرانه.

وفرغ من ذلك فى أثناء رجب سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. والمتولى لهذه العمارة الجناب العالى العلائى خواجا شيخ على الكيلانى نزيل مكة المشرفة. زاده الله رفعة وتوفيقا.

وكان إلى جانب هذا الموضع خلوة فيها بركة تملّأ من ماء زمزم ، ويشرب منها من دخل إلى الخلوة.

وكان لها باب إلى جهة الصفا ، ثم سد وجعل فى موضع الخلوة بركة مقبوة. وفى جدرها الذى يلى الصفا زبازيب يتوضأ منها الناس على أحجار نصبت عند الزبازيب ، وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة ، وشباك إلى جهة الصفا ، وطابق صغير إلى البركة.

وكان عمل ذلك على هذه الصفة فى سنة سبع وثمانمائة. ثم هدم ذلك حتى بلغ الأرض فى العشر الأول من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة لما قيل : إن بعض الجهلة يستنجى هنالك. وعمّر عوض ذلك سبيل للسلطان الملك المؤيد أبى النصر شيخ ، ينتفع الناس بالشرب منه. وجاءت عمارته حسنة.

وفرغ منها فى رجب سنة ثمان عشرة وثمانمائة.

وابتدئ فى عمله بإثر سفر الحاج.

وفى موضع هذه الخلوة : كان مجلس عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ، على مقتضى ما ذكر الأزرقى والفاكهى.


ولزمزم أسماء كثيرة ذكرها الفاكهى.

منها : ستة وعشرون اسما ذكرناها فى أصله ، مع أحد عشر اسما لزمزم لم يذكرها الفاكهى.

وفى أصله فوائد تتعلق بأسماء زمزم.

ولزمزم فضائل مروية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

منها : «خير ماء على الأرض ، ماء زمزم». أخرجه ابن حبان فى صحيحه والطبرانى بإسناد جيد. وصح له عن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى أنه قال : إن ماء زمزم أفضل من الكوثر ؛ لأنه غسل صدر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم به. ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه. انتهى بالمعنى.

ومنها : ما رويناه عن ابن عباس رضى الله عنهما «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم».

أخرجه الحافظ شرف الدين الدمياطى بسنده. وقال ـ فيما أنبئت به عنه ـ إسناد صحيح.

ومنها : «أنه لما شرب له» وهذا مروى من حديث ابن عباس ، وجابر رضى الله عنهم عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وحديث ابن عباس ، رويناه فى سنن الدار قطنى ، وقد حسن شيخنا الحافظ العراقى حديث ابن عباس رضى الله عنهما. من هذه الطريق. وقال فى نكته على ابن الصلاح : إن حديث ابن عباس أصح من حديث جابر. انتهى.

وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمقاصد جليلة فنالوها. وروينا فى ذلك أخبار.

منها : أن أحمد بن عبد الله الشريفى الفراش بالحرم الشريف المكى شربه للشفاء من العمى ، فشفى. على ما أخبرنى به شيخنا المفتى عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى.

وفى هذا دليل لصحته.

ولزمزم خواص.

منها : أن ما ماءها يبرد الحمى.

ومنها : أنه يذهب بالصداع وغير ذلك.

وفى أصله زيادة فى فضل ماء زمزم وخواصه.


ويصح التطهر بماء زمزم بالإجماع ، على ما ذكر الرويانى فى البحر ، والماوردى فى الحاوى ، والنواوى فى شرح المهذب.

وقد اتفق العلماء الأئمة الأربعة على جواز نقله.

وأما سقاية العباس رضى الله عنه. فهى الآن على غير الصفة التى ذكرها الأرزقى. وصفتها الآن والأولى مذكورتان فى أصله.

وأحدث عهد عمرت فيه هذه السقاية سنة سبع وثمانمائة بعد سقوط القبة التى كانت بها. وكانت من خشب من عمل الجواد الأصفهانى ، فعملت من حجر.

وممن عمرها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر. والله أعلم.

* * *


الباب الحادى والعشرون

فى ذكر الأماكن المباركة التى ينبغى زيارتها الكائنة بمكة المشرفة ، وحرمها وقربه(١).

هذه الأماكن : مساجد ، ودور ، وجبال ، ومقابر.

والمساجد أكثر من غيرها ، إلا أن بعضها مشتهر باسم المولد ، وبعضها باسم الدور.

وسيأتى ذكر هذين الأمرين قريبا. والمقصود ، ذكره هنا : ما اشتهر من ذلك بالمسجد.

فمن ذلك : مسجد بقرب المجزرة الكبيرة من أعلاها ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه المغرب على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى مسند مكة وموثقها.

وفيه : أنه عمر فى رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، وعمر سنة سبع وأربعين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد فوقه ، يقال له : مسجد الراية. يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

وعمره عبد الله بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ، ثم عمر فى سنة أربعين وستمائة ، وفى سنة إحدى وثمانمائة.

ومن ذلك : مسجد بسوق الليل بقرب المولد النبوى : يقال له المختبى ، يزوره الناس فى يوم المواليد.

ومن ذلك : مسجد بأسفل مكة ينسب للصديق رضى الله عنه ، يقال : إنه من داره التى هاجر منها.

ومن ذلك : مساجد خارج مكة من أعلاها.

منها : المسجد الذى يقال له مسجد الإجابة فى شعب بقرب ثنية أذاخر ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

ومن ذلك : مسجد البيعة ، وهى بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار. وهذا المسجد بقرب عقبة منى ، بينه وبين العقبة غلوة أو أكثر ، وهو على يسار الذاهب إلى منى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢٦٠ ـ ٢٨٧).


وعمر فى سنة أربع وأربعين ومائة ، وفى سنة تسع وعشرين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار النحر ، بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه. وما عرفت من خبر عمارته سوى أنه بنى فى سنة خمس وأربعين وستمائة بعد.

ومن ذلك : مسجد بلحف ثبير بمنى ، يقال له : مسجد الكبش ـ وهو الكبش الذى فدى به إسماعيل بن إبراهيم ، أو إسحاق بن إبراهيم على الخلاف فى أيهما الذبيح.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أن هذا الكبش نحر بين الجمرتين بمنى. وهذا يخالف ما سبق. والله أعلم.

ومن ذلك : مسجد الخيف بمنى ، وهو مشهور عظيم الفضل ، لأن فيه صلى سبعون نبيا ، وفيه قبر سبعين نبيا ، على ما رويناه مرفوعا فى البزار. والأول من الطبرانى الكبير مرفوعا.

وممن قبر فيه على ما قيل : آدم عليه‌السلام.

وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه أنه أحد المساجد التى تشد إليها الرحال وإسناد الحديث إليه ضعيف. وجاء عنه ما يقتضى استحباب زيارته كل سبت.

ومصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه أمام المنارة قريبا منها ، وعمر مرات. وفى أصله طرف من ذلك.

ومن ذلك : المسجد الذى اعتمرت منه عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فى حجة الوداع.

وهذا المسجد بالتنعيم. واختلف فيه.

فقيل : إنه المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة بشجرة كانت فيه. وهو المتعارف عند أهل مكة على ما ذكر سليمان بن خليل.

وقيل : إنه المسجد الذى أمامه إلى طريق الوادى ، وبقربه بئر.

ورجح هذا القول : المحب الطبرى.

وفى كل منهما أحجار قديمة بسبب عمارته مكتوب فيها ما يدل على أنه مسجد عائشة رضى الله عنها. وفى أصله طرف من خبر عمارتهما.


وبين مسجد الهليلجة والأعلام التى هى حد الحرم من جهة التنعيم فى الأرض ـ لا التى فى الجبل ـ سبعمائة ذراع وأربعة وعشرون ذراعا بالحديد.

ومن ذلك : مسجد يقال له مسجد الفتح بقرب الحموم من وادى مر ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه. والله أعلم.

وأما المواضع المشهورة بالمواليد.

فمنها : مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسوق الليل. وهو مشهور.

وذكر السهيلى فى خبر مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يستغرب. وذكرنا ذلك فى أصله.

وأغرب منه ما قيل : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولد بالرّدم. وقيل : بعسفان. ذكره مغلطاى فى سيرته.

والمراد بالردم : ردم بنى جمح ، لا الردم الذى بأعلى مكة. فإنه لم يكن إلا فى خلافة عمر رضى الله عنه.

ومنها : مولد السيدة فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو مكان مشهور من دار أمها خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها.

ومنها : مولد على بن أبى طالب رضى الله عنه بالشعب ، فوق مولد النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا الموضع لم يذكره الأزرقى. وذكره ابن جبير ، وعلى بابه حجر مكتوب فيه : إنه مولد على بن أبى طالب رضى الله عنه. وفيه ربى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنها : مولد حمزة عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسفل مكة قريبا من باب اليمن.

ومنها : مولد عمر رضى الله عنه بالجبل الذى تسميه أهل مكة التوبى بأسفل مكة.

ولم أر ما يدل بصحة ما قيل فيه ، وفى الذى قبله. والله أعلم.

ومنها : مولد جعفر رضى الله عنه فى دار أبى سعيد عند دار العجلة. وبعض الناس ينسب هذا المولد إلى جعفر بن أبى طالب. وعلى بابه حجر مكتوب فيه : إنه مولد جعفر الصادق ، ودخله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا منافاة بين كونه جعفر الصادق ، وبين دخول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه لإمكان أن يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخله قبل أن يولد فيه جعفر. والله أعلم.

وأما الدور المباركة بمكة.

فمنها : دار أم المؤمنين رضى الله عنها. ويقال لها الآن مولد فاطمة رضى الله عنها. وفيها ثلاث مواضع تقصد بالزيارة متلاصقة.


أحدها : الموضع الذى يقال له : مولد فاطمة.

والموضع الذى يقال له : قبة الوحى.

والموضع الذى يقال له : المختبأ. وبها مواضع أخر على هيئة المسجد.

وهذه الدار أفضل الأماكن بمكة بعد المسجد الحرام ، على ما ذكر المحب الطبرى. ولعل ذلك لسكنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها سنين كثيرة ، من حين تزوج خديجة ، وإلى حين هاجر ، ولكثرة نزول الوحى عليه فيها.

وفيها : بنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخديجة.

وفيها : ولدت أولادها منه.

وفيها : ماتت رضى الله عنها.

ومنها : دار تنسب للصديق رضى الله عنه بالزقاق الذى فيه دار خديجة رضى الله عنها. ويعرف الآن بزقاق الحجر ، ويقال له فيما مضى : زقاق العطارين. ذكر ذلك الأزرقى.

وفى هذه الدار مسجد عمره المنصور صاحب اليمن قبل سلطنته فى حال نيابته على مكة للمسعود سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

ومقابل هذه الدار حجر ناتئ فى جدار من الدار المقابلة لها يقال : إنه الذى كلم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما حكى الميانشى عن كل من لقيه بمكة. وذكر ذلك ابن جبير. فإن صح كلامه للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فلعله الحجر الذى كان يسلم عليه ليالى بعث بمكة.

وقيل : إن الذى كان يسلم عليه فى هذا التاريخ : هو الحجر الأسود. والله أعلم.

ومنها : دار الخيزران عند باب الصفا ، وهى دار الأرقم المخزومى.

والمقصود بالزيارة منها : مسجد مشهور فيها ، ويقال له : المختبأ لأن فيه كان النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو إلى الإسلام مستخفيا. وهناك أسلم جماعة من جملة الصحابة ، منهم : عمر الفاروق رضى الله عنه.

ولعل دار الأرقم هذه أفضل الأماكن بمكة بعد دار خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها.

ومنها : دار العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه. وهى الآن رباط للفقراء وبها علم يهرول منه وإليه الساعى.


ومنها : رباط الموفق بأسفل مكة لأنه بلغنى عن الشيخ خليل المالكى : أن الدعاء مستجاب فيه أو عند بابه.

ومنها : معبد الجنيد شيخ الطائفة الصوفية. وهو بلحف الجبل الأحمر ، أحد أخشبى مكة :

وأما الجبال المباركة بمكة وحرمها :

فأبو قبيس ؛ لأن الركن الأسود كان مستودعا فيه عام الطوفان.

فلما بنى الخليل الكعبة نادى أبو قبيس : الركن منى بمكان كذا وكذا. فجاء به جبريل إلى الخليل ، فوضعه موضعه فى الكعبة. ولذلك قيل لأبى قبيس : الأمين.

وفيه على ما يقال : قبر آدم عليه‌السلام فى غار يقال له : غار الكنز ، فيما قال وهب ابن منبه. وهذا الغار غير معروف.

وقد سبق أن قبر آدم بمسجد الخيف.

وقيل : قبره عند مسجد الخيف.

وقيل : فى الهند فى الموضع الذى نزل فيه من الجنة. وصححه ابن كثير.

وفى تاريخ الأزرقى : ما يوهم أنه بيت المقدس ، فيتحصل فى موضع قبره خمسة أقوال.

وفى أبى قبيس ، على ما قيل : قبر شيث ، وأمه حواء ، على ما وجدت بخط الذهبى.

وفى أبى قبيس : انشق القمر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما يروى عن ابن مسعود رضى الله عنه ، فيما ذكر الفاكهى. ولم أر ما يدل على ما يقال فى موضع الانشقاق بأبى قبيس. والله أعلم.

ويروى من حديث ابن مسعود «أن القمر انشق بمنى» وهذا فى مسلم فى روايته عن منجاب بن الحارث. والله أعلم.

ومن فضائل أبى قبيس : أن الدعاء يستجاب فيه. وهذا فى الفاكهى. وهو أول جبل وضع فى الأرض. وهذا فى الأرزقى عن ابن عباس رضى الله عنهما.

ومن خواصه ـ على ما ذكر القزوينى فى عجائب المخلوقات ـ ما قيل : إن من أكل عليه الرأس المشوى يأمن من أوجاع الرأس.


قال القزوينى : وكثير من الناس يفعل ذلك. انتهى.

وكان بعض مشايخنا يفضل جبل أبى قبيس على جبل حراء ، ويحتج فى ذلك : بكونه أقرب إلى الكعبة من حراء.

وفى النفس من ذلك شىء لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحراء ، وما نزل فيه من الوحى عليه. ولم يتفق له مثل ذلك فى أبى قبيس ، فلا يكون أفضل من حراء. والله أعلم.

ومنها : جبل الخندمة ؛ لأن الفاكهى روى بسنده إلى ابن عباس رضى الله عنهما. قال : «ما نظرت مكة قط إلا كان للخندمة عزة. وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا» والخندمة معروفة عند الناس بقرب أبى قبيس.

ومنها : جبل حراء بأعلى مكة ، لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه. وما خصه الله به فيه من الكرامة بالرسالة إليه ونزول الوحى فيه عليه. وذلك فى غار مشهور فى هذا الجبل يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة ، وبين حراء ومكة ثلاث أميال.

قاله صاحب المطالع وغيره.

وقيل : ميل ونصف. قاله البكرى ـ وهو بعيد.

وقيل : أربعة أميال. كذا فى تفسير ابن عطية ، والله تعالى أعلم.

ومنها : جبل ثور بأسفل مكة لاختفاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصديق رضى الله عنه فى غار به. وهذا الغار مشهور عند الناس ويدخلونه من باب المتسع والضيق ، وقد وسع بابه الضيق لانحباس بعض الناس فيه ، وذلك فى سنة ثمانمائة أو قبلها أو بعدها بيسير.

وما ذكرناه فى تسمية هذا الجبل «بثور» هو المعروف. وسماه البكرى «بأبى ثور». وذكر أنه على ميلين من مكة ، وأن ارتفاعه نحو ميل ، وذكر ابن الحاج أنه من مكة على ثلاثة أميال.

ومنها : جبل ثبير بمنى ؛ لأنا روينا من حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا «أن الله سبحانه وتعالى لما تجلى للجبل تشطى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة ، وثلاث أجبل فوقعت بالمدينة ، فوقع بمكة حراء وثبير وثور ، وبالمدينة أحد وورقان ورضوى» أخرجه الأزرقى.

وقال القزوينى : إنه جبل مبارك يقصده الزوار.

ذكر النقاش المفسر : أن الدعاء مستجاب فى ثبير.


ومنها : الجبل الذى يلحقه مسجد الخيف ، لأن فيه غارا يقال له : غار المرسلات يأثره الخلف عن السلف. ويدل له حديث ابن مسعود رضى الله عنه «بينا نحن مع النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار بمنى ، إذ نزلت عليه سورة المرسلات ـ الحديث».

أخرجه البخارى فى باب ما يقتل المحرم من الدواب.

وفى بعض نسخ مسند ابن حنبل من مسند ابن مسعود رضى الله عنه ، ما يقتضى أن هذه السورة نزلت بحراء ، فإن لم يكن فى ذلك تصحيفا فهو مخالف لما قيل فى هذا الغار. والله أعلم.

وأما مقابر مكة ، فمنها : المقبرة المعروفة بالمعلاة ، وهى مشهورة كثيرة الفضل والبركة لما حوته من سادات الصحابة والتابعين ، وكبار العلماء والصالحين ، ولما جاء فيها من الفضل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنا روينا من حديث ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نعم المقبرة هذه ، مقبرة أهل مكة».

أخرجه الأزرقى. قال : وكان أهل مكة يدفنون موتاهم فى جنبى الوادى يمنه وشامه فى الجاهلية وفى الإسلام ، ثم حول الناس قبورهم إلى الشعب الأيسر لما فيه من الرواية. انتهى.

والرواية التى جاءت فيه ، ما يروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نعم الشعب ونعم المقبرة». انتهى.

ومن فضائل مقبرة المعلاة : ما حكاه بعض الصالحين عن بعض الموتى بالمعلاة أنهم قالوا : ما يقف حال أحد فى هذا المكان ، وأنهم غير محتاجين إلى ما يهدى إليهم من قراءة أو نحوها.

ومنها : المقبرة العليا ، وهى على ما ذكر الأزرقى عند ثنية أذاخر.

وقال فى موضع آخر : آل أسيد ، وآل سفيان بن عبد الأسد بن قنون بالمقبرة العليا بحائط خرمان ، انتهى.

وحائط خرمان هو الموضع المعروف بالخرمانية وهو وديان بأعلى المعابدة وثنية أذاخر فوق ذلك.

ومنها : مقبرة المهاجر بالحصحاص ، وهى على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفها عند الثنية التى يتوجه منها إلى المعلاة ، وتسميها الناس الحجون الأول. والله أعلم.


ومنها : مقبرة بأسفل مكة دون باب الشبيكة ، وقريب منه ، وهى مشهورة عند الناس لما حوته من أهل الخير الغرباء وغيرهم.

وذكر الفاكهى : أن الأحلاف كانوا يدفنون بأسفل مكة ، والمطيبين بأعلا مكة ، والظاهر أن المقبرة التى كان يدفن بها الأحلاف هى مقبرة الشبيكة. والله أعلم.

والأحلاف : طوائف من قريش. وكذلك المطيبون ، وهم مذكورون فى أصله.

ومن القبور المباركة التى ينبغى زيارتها : قبر ميمونة أم المؤمنين رضى الله عنها بسرف ، وهو مشهور عند الناس ، يأثره الخلف عن السلف.

وكان بناء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لميمونة فى سرف ، وسرف من مكة على أميال. قيل : ستة ، وقيل : سبعة ، وقيل : تسعة ـ بتقديم التاء ـ وقيل : بريد. والله تعالى أعلم.

* * *


الباب الثانى والعشرون

فى ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه لها تعلق بالمناسك وهى ستة وعشرون موضعا ، مرتبة على ترتيب حروف المعجم (١).

الأول : باب بنى شيبة الذى يستحب للمحرم دخول المسجد الحرام منه ، وهو أول باب الجنب الشرقى بين رباط الشراى ، ورباط السدرة ، وعليه منارة المسجد الحرام.

وأما الباب الذى يخرج منه المسافر إلى بلده من المسجد الحرام ، فينبغى أن يكون باب الحزورة ، أو باب إبراهيم ، أو باب العمرة.

وقد أو ضحنا دليل ذلك فى أصله ، والله أعلم.

الثانى : التنعيم المذكور فى حد الحرم من جهة المدينة النبوية هو أمام أدنى الحل ، على ما ذكر المحب الطبرى ، قال : وليس بطرف الحل. ومن فسره بذلك يجوز ، وأطلق اسم الشىء على ما قرب منه. انتهى.

وهو أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة عند الأربعة إلا أبا حنيفة رحمة الله عليه.

الثالث : ثبير الذى إذا طلعت عليه الشمس ، سار الحاج من منى إلى عرفة هو على ما قال المحب الطبرى فى شرح الثنية ـ بثاء مثلثة مفتوحة ، ثم ياء موحدة مكسورة ـ أعلى جبل بمنى.

ثم قال : وهو يشرق على منى من جمرة العقبة التى تلقاء مسجد الخيف ، وأمامه قليلا على يسار الذاهب إلى عرفة. انتهى.

وكلام النووى يقتضى أن ثبير المراد فى مناسك الحج بمزدلفة ، وليس ذلك بمستقيم على ما ذكره شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى اللغوى.

الرابع : الجعرانة ، الموضع الذى أحرم منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من الطائف بعد فتح مكة ، هو موضع مشهور على بريد من مكة فيما ذكر الفاكهى.

وقال الباجى المالكى : إن بينه وبين مكة نحو ثمانية عشر ميلا. والله أعلم.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٨٨ ـ ٣٢٧).


وذكر الواقدى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحرم من المسجد الأقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى من الجعرانة ، وكان مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان بالجعرانة به.

وذكر أن إحرامه ـ من الجعرانة ـ ليلة الأربعاء إلا ثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة.

وذكر كاتب محمد بن سعد خبرا فيه : أن اعتمار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان من الجعرانة للثلثين بقيا من شوال ، وهذا الخبر ضعيف ، والمعروف ما ذكره الواقدى ، والله أعلم.

ومن فضائل الجعرانة : ما رويناه عن يوسف بن ماهان ، قال : «اعتمر من الجعرانة ثلاثمائة نبى». أخرجه الجندى.

وهى أفضل مواقيت العمرة من مكة على مقتضى مذهب مالك والشافعى،رحمهما‌الله تعالى.

الخامس : الجمار المذكور فى صفة الحج ، هى بمنى.

ونقل عن ابن سيده اللغوى ، ما يقتضى أنها بعرفة. نقل ذلك عنه السهيلى ، وهو وهم ذكرنا التنبيه عليه. وهذه الجمار مشهورة بمنى.

السادس : الحجون ـ المذكور فى حد المحصب ـ هو جبل بالمعلاة ، مقبرة أهل مكة على يسار الداخل إلى مكة ، ويمين الخارج منها إلى منى على مقتضى ما ذكره الأزرقى والفاكهى فى تعريفه ؛ لأنهما ذكراه فى شق معلاة مكة اليمانى ، وهو الجهة التى ذكرناها.

وإذا كان كذلك : فهو مخالف ما يقوله الناس من أن الحجون : الثنية التى يهبط منها إلى مقبرة المعلاة. وكلام المحب الطبرى يوافق ما يقوله الناس.

ولعل الحجون على مقتضى قول الأزرقى والفاكهى والخزاعى ، الجبل الذى يقال : فيه قبر ابن عمر رضى الله عنهما ، أو الجبل المقابل له ، الذى بينهما الشعب المعروف : بشعب العفاريت. والله تعالى أعلم.

السابع : الحديبية : الموضع الذى نزل عنده النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم من المدينة محرما ، فعاقه المشركون عن دخول مكة ، يقال : إنه الموضع الذى فيه البئر المعروفة ببئر شميس بطريق جدة. والله أعلم.

وقد ذكره غير واحد من العلماء ، وما قالوه ، لا يعرف الآن ، وهى بتخفيف الياء


الثانية على الصواب فيها ، وقيل : تشديدها ، واختلف فى كونها فى الحل أو فى الحرم.

وهى أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة ، والتنعيم على ما قال الشافعية ، إلا أن الشيخ أبا حامد ، منهم ، فضلها على التنعيم. والله أعلم.

الثامن : ذو طوى ، الموضع الذى يستحب الاغتسال فيه للمحرم إذا قدم مكة هو ما بين الثنية التى يهبط منها إلى المعلاة ، والثنية الأخرى التى إلى جهة الزاهر على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفه.

وفى صحيح البخارى ما يؤيده. وقال النووى : إنه الموضع المعروف بآبار الزاهر بأسفل مكة. انتهى.

وقيل : هو الأبطح. نقله صاحب المطالع عن الداودى ، وهو بعيد ، وطاؤه مثلثة.

التاسع : الردم الذى ذكر بعض الشافعية : أن المحرم يقف فيه للدعاء إذا قدم مكة ، هو ردم بأعلى مكة مشهور عند الناس ، ردمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه صونا للمسجد من السيل فى سنة سبع عشرة من الهجرة.

العاشر : الصفا ، الذى هو مبدأ السعى ، هو فى أصل جبل أبى قبيس على ما ذكر البكرى والنووى وغيرهما ، وهو مكان مرتفع من جبل له درج ، وفيه ثلاثة عقود ، والدرج من أعلى العقود وأسفلها ، وبعض الدرج التى تحت العقد مدفون ، وذلك ثمان درجات ، ثم فرشة مثل بعض الفرشات الظاهرة تحت العقود ، ثم درجتان ، وما عدا ذلك فهو ظاهر ، وهو درجة تحت العقود ، ثم ثلاث درجات ثم فرشة كبيرة ، إلا أن هذه الفرشة السفلى ربما غيبت بما يعلو عليها من التراب.

وما ذكرناه من الدرج المدفون شاهدناه بعد حفرنا عنه فى شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وهذا المدفون ليس محلا للسعى ، ومحله : الظاهر.

ويتأيد كون الظاهر محلا للسعى بأن الأزرقى قال : ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا مائتا ذراع ، واثنان وستون ذراعا وثمانية عشر إصبعا. انتهى.

وحررنا ما بين الحجر الأسود ، وبين الفرشة السفلى التى يعلو عليها التراب ، فجاء مثل ما ذكر الأزرقى فى ذرع ما بين الحجر الأسود والصفا.

ولم يذكر الأزرقى ذرع ذلك إلا ليبين أن ما وراء ذلك محل للسعى.


والفرشة السفلى المشار إليها من وراء الذرع المذكور ، ويكون محلا للسعى على هذا.

ويصح إن شاء الله : سعى من وقف عليها فلا يقصر الساعى عنها ، ولا يجب عليه الرقى على ما وراء هذا. والله أعلم.

ومن محاذاة نصف العقد الوسط من عقود الصفا إلى الدرج الذى بالمروة من داخله سبعمائة ذراع وسبعون ذراعا وسبع ذراع ـ بتقديم السين ـ فى السبعمائة ، وفى السبعين ، وفى السبع ، وذلك يزيد على ما ذكره الأزرقى فى ذرع ذلك نحو أربعة أذرع.

الحادى عشر : طريق ضب ، التى يستحب للحاج سلوكها إذا قصد عرفة ، هى طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة فى أصل المازمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة. هكذا عرفها الأزرقى.

وإنما استحب للحاج سلوكها ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلكها لما راح من منى إلى عرفة على ما نقل الأزرقى عن بعض المكيين.

وروى عن عطاء : أنه سلكها ، وقال : هى طريق موسى بن عمران.

الثانى عشر : عرفة ـ بالفاء ـ موضع الوقوف ، وهى خارج الحرم قريب منه. وقد ذكر حدها ابن عباس رضى الله عنهما ؛ لأنه قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة على جبال عرفة إلى ملتقى وصيف ووادى عرفة. أخرجه الأزرقى.

وقوله : ووادى عرفة : اختلف فى ضبطه ، ففى بعض نسخ الأزرقى ـ بالفاء ـ وفى بعضها ـ بالنون ـ وممن ضبط بالنون ابن الصلاح. واعترض عليه فى ذلك المحب الطبرى ؛ لأنه قال بعد أن ذكر ضبط ابن الصلاح : قلت : وفيما ذكره نظر ؛ لأنه أراد تحديد عرفة ـ بالفاء ـ أولا وآخرا ، فجعله من الجبل المشرف على بطن عرفة فيكون آخره ملتقى وصيف وبطن عرفة بالفاء ، ولا يصح أن يكون وادى عرفة ـ بالنون ـ لأن وادى عرنة لا ينعطف على عرفة ، بل هو ممتد مما يلى مكة يمينا وشمالا ، فكان التقييد بوادى عرفة أصح. والله أعلم.

قال : وهذا التحديد يدخل عرنة فى عرفة. انتهى.

وحد عرفة من جهة مكة الذى فيه هذا الاختلاف ، قد صار معروفا بما بنى فى موضعه من الأعلام ، وهى ثلاثة سقط منها واحد ، وبقى اثنان ، وفيها أحجار مكتوبة فى بعضها : أن المظفر إربل أمر بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عرنة ووادى عرفة ، لا يجوز لحاج بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس.


وفيه مكتوب بتاريخ شعبان سنة خمس وستمائة.

والمسجد الذى يصلى فيه الإمام بالناس فى يوم عرفة ليس من عرفة ـ بالفاء ـ على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح والنووى ، وكلام المحب الطبرى يقتضى أنه منها. وقيل : إن مقدمه من عرنة ـ بالنون ـ ومؤخره [من عرفة] ـ بالفاء ـ ويظهره ثمرة هذا الخلاف فى إجزاء الوقوف بهذا المسجد.

وتوقف مالك فى ذلك ولأصحابه قولان فيه بالإجزاء وعدمه.

وأفضل المواقف بعرفة الموضع الذى وقف فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بقريب فى الموضع الذى تقف فيه المحامل التى تصل من مصر إلى الشام والعراق ، وهو مكان معروف عند الناس.

وسميت عرفة : عرفة ؛ لتعارف آدم وحواء فيه ؛ لأن آدم أهبط إلى الهند ، وحواء إلى جدة ، فتعارفا بالموقف.

وقيل : لتعريف جبريل المناسك بها للخليل.

وقيل : لاعتراف الناس فيها بذنوبهم.

إلى غير ذلك من الأقوال التى ذكرناها فى أصله الأكبر.

الثالث عشر : عرنة ـ بالنون ـ الموضع الذى يجتنب الحاج فيه الوقوف هو بين العلمين اللذين هما حد عرفة ، والعلمين اللذين هما حد الحرم من هذه الجهة.

وقد اختلف فيه فقيل : إنها من الحرم. وهذا يروى عن حبيب المالكى. وقيل : إنها من عرفة. حكاه ابن المنذر عن مالك. وفى صحته عنه نظر لمخالفته ما فى كتب المالكية. والله أعلم.

ومذهب الشافعى : أنها ليست من عرفة. وعرنة ـ بضم العين وفتح الراء المهملتين ـ هذا المشهور فيها.

الرابع عشر : قزح ، الموضع الذى يستحب للحاج أن يقف عنده للدعاء غداة النحر هو مكان مشهور بالمزدلفة ، وهو الموضع الذى يسمونه المشعر الحرام.

أشار إلى ذلك المحب الطبرى.

وذكر ابن الصلاح : أن قزح ، جبل صغير فى آخر المزدلفة ، ثم قال : وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذى ذكرناه بناء محدثا فى وسط المزدلفة ، ولا تؤدى فيه هذه السنة.


قال المحب الطبرى : والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدم ، والمشاهدة تشهد بصحة ذلك ، ولم أر ما ذكره لغيره. انتهى.

وذكر النووى : أن الأظهر أن للحاج تحصيل السنة بالوقوف على البناء المستحدث.

قاله فى الإيضاح.

الخامس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب للمحرم دخول مكة منه هو الثنية التى تهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالمعلاة والأبطح ، على مقتضى ما ذكره الفاكهى ، وسليمان بن خليل ، والمحب الطبرى.

وقال المحب الطبرى : هى بالفتح والمد تصرف على إرادة الموضع ، وتركه على إرادة البقعة. وما ذكره من أنها بالفتح هو المعروف. وقيل : إنها بالضم.

وسهل بعض المجاورين طريقا فيها غير الطريق المعتادة ، ووسعها بعد أن كانت حزنة ضيقة ، وصار الناس يسلكونها أكثر من الأولى ، وذلك فى النصف الثانى من سنة سبع عشرة وثمانمائة.

السادس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب الخروج منه ، لمن كان فى طريقه هو الثنية التى بنى عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة ، على مقتضى ما ذكر المحب الطبرى فى شرح الثنية.

وذكر القاضى بدر الدين بن جماعة : ما يقتضى أنها الثنية التى عندها الرجم المعروف بقبر أبى لهب. والله أعلم بالصواب ـ وهى : بضم الكاف ، وبالقصر والتنوين ـ على ما هو مشهور فيه.

وقيل : إنها ـ بفتح الكاف ـ وإنما استحب الدخول من كداء ـ ثنية المقبرة ـ والخروج من كداء ، التى إلى جهة المدينة ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل ذلك فى حجة الوداع.

وأما فى الفتح ، فقيل : إنه دخل من كداء ـ ثنية المقبرة ـ وقيل : من ثنية أذاخر.

وأما فى عمرة الجعرانة : فدخل وخرج من أسفل مكة. كما فى خبر ذكره الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه. والله تعالى أعلم.

السابع عشر : المأزمان ، اللذان يستحب سلوكهما للحاج إذا رجع من عرفة. هو الموضع الذى يسميه أهل مكة الآن المضيق ، بين مزدلفة وعرفة.

وذكر النووى ما يقتضى أن هذين المأزمين فى غير هذا المحل ؛ لأنه قال فى الإيضاح :


والسنة أن يسلك فى طريقه إلى المزدلفة على طريق المأزمين ، وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية. انتهى.

وهذا بعيد لمخالفته فيه قوله وقول غيره كما بيناه فى أصله.

والمأزم فى اللغة : الطريق الضيق بين جبلين.

الثامن عشر : محسر ، الموضع الذى يستحب للحاج الإسراع فيه : هو واد عند المكان الذى يقال له : المهلل ؛ لأن الناس إذا وصلوا إليه فى حجهم هللوا وأسرعوا السير فى الوادى المتصل به.

والمهلل المشار إليه : مكان مرتفع عنده بركتان معطلتان بلحف قرن جبل عالى ، ويتصل بهما آثار حائط. ويكون ذلك كله عن يمين الذاهب إلى عرفة ، ويسار الذاهب إلى منى.

التاسع عشر : المحصب ، الذى يستحب النزول فيه للحاج بعد انصرافه من منى ، هو مسيل بين مكة ومنى ، وهو أقرب إلى مكة بكثير ، وحده من جهة مكة : الحجون. على ما ذكر الأزرقى.

ولا يعارض ذلك ما وقع لابن الصلاح ، والنووى ، والمحب الطبرى ، وغيرهم من : أن المقبرة ليست من المحصب ؛ لأن مراد هؤلاء الأئمة ، والله أعلم ـ استثناء المقبرة من عرض المحصب لا من طوله لحزونة موضعها.

وذلك يخالف صفه المحصب ، فإن المحصب ما سهل من الأرض على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح وغيره ، فى تفسير المحصب.

وأما حده من جهة منى : فجبل العيرة بقرب السبيل ، الذى يقال له : سبيل الست ، بطريق منى على ما ذكر الأزرقى فى تعريفه.

العشرون : المروة ، الموضع الذى هو منتهى السعى هو فى أصل جبل قعيقعان على ما قال أبو عبيد البكرى.

وقال النووى : إنها أنف من جبل قعيقعان.

وذكر المحب الطبرى : أن العقد الذى بالمروة ، جعل علما لحد المروة ، ثم قال : فينبغى للساعى أن يمر تحته ، ويرقى على البناء المرتفع. انتهى.

والعقد الذى بالمروة الآن حدد فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، أو فى أول التى بعدها بعد سقوطه.


وكان بالمروة خمس عشرة درجة على ما ذكر الأزرقى ، وليس بها الآن غير واحدة.

الحادى والعشرون : المزدلفة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله والمبيت فيه ، بعد دفعه من مزدلفة ليلا : هو ما بين مأزمى عرفة الذى يسميها أهل مكة : المضيق وبين محسر. وقد حد مزدلفة بما ذكره غير واحد من الأئمة.

وسميت بالمزدلفة : لازدلاف الناس إليها ، وهو اقترابهم ، وقيل : لمجيئهم إليها فى زلف من الليل ، أى ساعات.

ويقال لها : جمع ، لاجتماع الناس بها ، وقيل : لاجتماع آدم وحواء فيها ، وقيل : لجمع الصلاتين بها.

وطول المزدلفة من طرف وادى محسر الذى يليها إلى أول المأزمين مما يليها : سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعا وأربعة أسباع ذراع.

ومن جدر باب بنى شيبة إلى حد المزدلفة من جهة منى : عشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وسبعة أذرع ـ بتقديم السين ـ وثلاثة أسباع ذراع.

الثانى والعشرون : المشعر الحرام ، الذى يستحب الوقوف عنده للحاج كى يدعو ويذكر عنده غداة النحر : هو موضع معروف من المزدلفة ، وهو : قزح ، السابق ذكره.

وأما قول ابن عمر رضى الله عنهما : المشعر الحرام المزدلفة كلها ، ومثله كثير من كتب التفسير ، فهو ، محمول على المجاز.

أشار إلى ذلك المحب الطبرى وغيره.

وأحدث وقت بنى فيه المشعر الحرام سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، أو فى التى بعدها.

الثالث والعشرون : المطاف المذكور فى كتب الفقهاء : هو ما بين الكعبة ومقام الخليل عليه‌السلام ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة.

وأشار إلى تعريفه بما ذكرناه الشيخ أبو محمد الجوينى فيما نقله عنه ابن الصلاح. وقد ذكرنا كلامه مع ذرع ذلك فى أصله.

وهذا الموضع كله مفروش بحجارة منحوتة.

وفى سنة ست وستين وسبعمائة ، فرغ من عمله ، وفيها عمل منه جانب كبير.


وهذه العمارة من قبل صاحب مصر الأشرف شعبان ، وعمره من الملوك : لاجين المنصورى ، ومن الخلفاء : المستنصر العباسى.

وأول من فرش الحجارة حول البيت : عبد الله بن الزبير رضى الله عنه ، على ما ذكر الفاكهى.

وينبغى الطائف أن لا يخرج فى حال طوافه عن هذا المكان ؛ لأن فى صحة طواف من خرج عنه مختارا خلافا فى مذهب المالكية.

الرابع والعشرون : منى ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله يوم التروية والإقامة به حتى تطلع الشمس على ثبير من يوم عرفة ، وفى يوم النحر وما بعده من أيام التشريق والمبيت بها فى لياليها لأجل رمى الجمار ، هو من أعلى العقبة التى فيها الجمرة المعروفة بجمرة العقبة إلى وادى محسر.

وقد حد منى بما يوافق ما ذكرناه : عطاء بن أبى رباح ، فيما ذكره عنه الفاكهى وما ذكره الفاكهى عن عطاء فى حد منى : يفهم أن أعلى العقبة من منى.

وذكر الشافعى والنووى : ليست من منى.

وذكر المحب الطبرى ما يقتضى أنها من منى.

وطول منى على ما ذكر الأزرقى سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع.

ومنى : علم لمكان آخر فى بلاد بنى عامر. ذكره صاحب الأغانى. وجاء حديث فى النهى عن البناء بمنى من رواية عائشة رضى الله عنها. أخرجه الترمذى وحسنه وأبو داود ، وسكت عليه ، فهو صالح.

وجزم النووى فى المنهاج ـ من زوائده ـ بأن منى ومزدلفة لا يجوز إحياء مواتها كعرفة. والله أعلم.

وذكر أبو اليمن بن عساكر ما يوافق ذلك.

ولمنى آيات : منها رفع ما تقبل من حصى الجمار بمنى ، ولو لا ذلك : لسد ما بين الجبلين.

وممن شاهد رفع ذلك : شيخ الحرم نجم الدين بشير التبريزى ، وبلغنى أنه رأى ذلك فيما رمى هو به من الحصى ، وهذه منقبة عظيمة.

ومنها : اتساعها للحاج فى أيام الحج مع ضيقها فى الأعين عن ذلك.


ومنها : كون الحدأة لا تخطف اللحم بمنى أيام التشريق ، وذلك على خلاف عادتها فى غير هذه الأيام.

ومنها : أن الذباب لا يقع فى الطعام وإن كان لا ينفك عنها غالبا كالعسل.

ذكر هاتين الآيتين المحب الطبرى. وذكر الأزرقى الأولتين.

ومن باب بنى شيبة إلى أعلى العقبة التى فى حد منى ثلاثة عشر ألف ذراع وثلاثمائة ذراع ، وثمان وستون ذراعا باليد.

وذكرنا ذلك فى أصله بالأميال. وذكر الرافعى : أن بين منى ومكة ستة أميال. وتعقب النووى عليه فى ذلك ، وقال : بينهما ثلاثة. والله أعلم.

الخامس والعشرون : الميلان الأخضران اللذان يهرول الساعى بينهما فى سعيه بين الصفا والمروة ، هما : العلمان اللذان أحدهما بركنى المسجد الحرام ، الذى فيه المنارة التى يقال لها : منارة باب على رضى الله عنه ، والآخر فى جدر باب المسجد الذى يقال له : باب العباس رضى الله عنه.

والعلمان المقابلان لهذين العلمين :

أحدهما : فى دار عباد بن جعفر ، ويعرف اليوم بسلمة بنت عقيل.

والآخر : فى دار العباس ، ويقال له : رباط العباس رضى الله عنه.

ويسرع الساعى إذا توجه من الصفا إلى المروة إذا صار بينه وبين العلم الأخضر فى المنارة ، والمحاذى له ستة أذرع على ما ذكر صاحب التنبيه وغيره.

قال المحب الطبرى : وذلك لأنه أول محل الأنصاب فى بطن الوادى ، وكان ذلك الجبل موضوعا على بناء ثم على الأرض فى الموضع الذى يشرع منه ابتداء السعى ، وكان السيل يهدمه ويحطمه فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد ، ولم يجدوا على السنن أقرب من ذلك الركن ، فوقع متأخرا عن محل ابتداء السعى بستة أذرع. انتهى.

ومقتضى هذا : أن الساعى إذا قصد الصفا من المروة ما يزال يهرول حتى يجاوز هذين العلمين بنحو ستة أذرع ، لأجل العلة التى شرع لأجلها الإسراع فى التوجه إلى المروة. والله أعلم.

وذكر الأزرقى ما يقتضى : أن موضع السعى فيما الميل بين الذى بالمنارة ، والميل المقابل له ، لم يكن مسعى إلا فى خلافة المهدى العباسى ، لتغيير موضع السعى قبله فى هذه الجهة ، وإدخاله فى المسجد الحرام فى توسعة المهدى له ثانيا.


والظاهر : إجزاء السعى فيما بين الميلين المشار إليهما لتوالى الناس من العلماء وغيرهم على السعى بينهما ، ولا خفاء فى تواليهم على ذلك ، ولم يحفظ عن أحد ممن يقتدى به إنكار على من سعى بينهما ، ولا أنه سعى خارجا. والله تعالى أعلم.

السادس والعشرون : نمرة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله إذا توجه من منى فى يوم عرفة هو بطن عرنة ـ بالنون ـ على ما ذكر سليمان بن خليل.

ونقل المحب الطبرى عن الصباغ : أنها من عرفة ، قال : والمعروف أنها ليست منها.

وروينا فى تاريخ الأزرقى ما يقتضى : أن نمرة من الحرم. والله أعلم.

* * *


الباب الثالث والعشرون

فيما بمكة من المدارس ، والربط ، والسقايات ، والبرك المسبلة ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ، وغير ذلك من المآثر ، وما فى حرمها من ذلك (١).

أما المدارس الموقوفة : فإحدى عشر ، منها : مدرسة الملك الأفضل العباس بن المجاهد صاحب اليمن بالجانب الشرقى من المسجد الحرام على الفقهاء الشافعية.

وقفت قبل سنة سبعين وسبعمائة. وفى هذه السنة ابتدئ التدريس بها.

ومنها : مدرسة بدار العجلة القديمة على يسار الداخل إلى المسجد الحرام ، عملها الأمير أرغون النائب الناصرى للخليفة قبل العشرين وسبعمائة أو بعدها بقليل.

ومنها : مدرسة الأمير الزنجيلى نائب عدن على باب العمرة للحنفية. وقفها سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، وتعرف اليوم بدار السلسلة.

ومنها : مدرسة الملك المنصور عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، على الفقهاء الشافعية وبها درس حديث أظنه من عمل ولد المظفر. وتاريخ عمارتها سنة إحدى وأربعين وستمائة.

ومنها : مدرسة طاب الزمان الحبشية عتيقة المستضىء العباسى على عشرة من فقهاء الشافعية.

تاريخ وقفها سنة ثمانين وخمسمائة فى شعبان ، وهى من دار زبيدة.

ومنها : مدرسة الملك المنصور غياث الدين بن المظفر أعظم شاه صاحب بنجالة من بلاد الهند على فقهاء المذاهب الأربعة.

وكان ابتداء عمارتها فى رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، والفراغ من ذلك فى جمادى الأولى سنة أربع عشرة.

وفى المحرم من هذه السنة وقفت ودرست بها للمالكية ، ولها وقف بالركانى ، أصيلتان وأربع وجاب ماء.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٣٢٨ ـ ٣٥١).


ومنها : مدرسة الملك المجاهد صاحب اليمن بالجانب الجنوبى من المسجد الحرام على الفقهاء الشافعية.

وتاريخ وقفها فى ذى القعدة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.

ومنها : مدرسة أبى على بن أبى زكرى ، وهو الموضع المعروف بأبى الطاهر العمرى المؤذن بقرب المدرسة المجاهدية.

وتاريخ وقفها سنة خمس وثلاثين وستمائة.

ومنها : مدرسة الأرسوفى العفيف عبد الله بن محمد ، بقرب باب العمرة ، ولعلها وقفت فى تاريخ وقف رباطه الآتى ذكره ، وسيأتى تاريخه.

ومنها : مدرسة ابن الحداد المهدوى ، على المالكية بقرب باب الشبيكة ، وتعرف بمدرسة الأدارسة. وتاريخ وقفها سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

ومنها : مدرسة النهاوندى ، بقرب الدريبة ، ولها نحو مائتى سنة.

وأما الربط : فمنها : رباط السدرة ، كان موقوفا فى سنة أربعمائة.

ومنها : رباط المراغى إلى جانبه ، ويعرف بالقيلانى.

وتاريخ وقفه سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

ومنها : رباط الأمير إقبال الشرابى المستنصر العباسى تحت منارة باب بنى شيبة.

وتاريخ عمارته سنة إحدى وأربعين وستمائة.

ومنها : رباط أم الخليفة الناصر العباسى.

وتاريخ عمارته سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، ويعرف الآن بالعطيفية.

ومنها : رباط الحافظ ابن مندة الأصفهانى ، ويعرف بالبرهان الطبرى على باب الزيادة زيادة دار الندوة.

ومنها : رباط الميانشى ، فى شارع السويقة.

ومنها : رباط يعرف برباط صالحة عند باب الزيادة المنفرد.

ومنها : رباط عنده أيضا ، يعرف بالفقاعية.

وقف فى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.


ومنها : رباط القزوينى ، على باب السدة خارج المسجد الحرام.

ومنها : رباط آخر قبالته يعرف بالخاتون ، وبابن محمود.

وقف سنة سبع وسبعين وخمسمائة.

ومنها : رباط الزنجيلى ، مقابل مدرسته عند باب العمرة ، وتاريخهما واحد.

ومنها : رباط الخوزى لسكناه به.

وقفه قرامرز الأفرزى الفارسى سنة سبع عشرة وستمائة.

ومنها : رباط الشيخ أبى القاسم رامشت عند باب الحزورة.

وقف فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

وفى أوائل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة : أزيل جميع ما فيه من الشعث ، وعمر عمارة حسنة من مال صرفه الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة ، أثابه الله.

ومنها : رباط الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة.

وهو الذى أنشأ عمارته ووقفه فى سنة ثلاث وثمانمائة ، وله عليه أوقاف بمكة ومنى والوادى ، وما عرفت مثل هذه الحسنة لغيره من الأشراف ولاة مكة.

ومنها : رباط الجمال محمد بن فرج ، المعروف بابن بعلجد.

وتاريخ وقفه سنة سبع وثمانين وسبعمائة.

ومنها : رباط بأول زقاق أجياد الصغير قبالة باب المسجد الحرام.

أمر بإنشائه وزير مصر ، تقى الدين عبد الوهاب بن أبى شاكر ، ومات قبل تمام عمارته ، فاستصاره فخر الدين بن أبى الفرج ، الأستادار الملكى المؤيدى ، وأمر بتكميل عمارته ، فعمر من ذلك جانب كبير.

ومات الآخر قبل تمام عمارته ، فى نصف شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة والفقراء به ساكنون.

ومنها : رباط السلطان شاه شجاع ، صاحب بلاد فارس.

وقف سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ، وينسب للشيخ غياث الدين الأبرقوهى لتوليه لأمره وعمارته.


ومنها : رباط البانياسى ، بقرب هذا الرباط عند باب الصفا.

وقف فى سنة خمس وعشرين وستمائة.

ومنها : الدار المعروفة بدار الخيزران.

ومنها : الرباط المعروف برباط العباس رضى الله عنه.

وكان المنصور لاجين عمله مطهرة ، ثم عمله ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون رباطا.

ومنها : رباط أبى القاسم ابن كلالة الطبيبى.

وقف سنة أربع وأربعين وستمائة.

ومنها : رباط ، بقرب المروة.

وقفه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مطرف التميمى. ووقف عليه الحمام الذى بأجياد.

ومنها : رباط على بن أبى بكر بن عمران العطار.

وقف سنة إحدى وثمانمائة.

ومنها : رباط يعرف برباط أبى سماحة لسكناه به بقرب المجزرة الكبيرة.

وقف فى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

ومنها : ربط الأخلاطى ، ثلاثة : بعضها وقف على نساء الحنفية ، وبعضها على أهل مدينة أخلاط ، وبعضها وقف سنة تسعين وخمسمائة ، وبعضها فى التى بعدها.

ومنها : رباط الوتش.

وقف فى آخر القرن الثامن.

ومنها : رباط لعطية بن خليفة المطبيز.

أحد تجار مكة فى عصرنا.

ومنها : بزاق الحجر ، رباطان.

أحدهما : للسيدة أم الحسين بنت قاضى مكة شهاب الدين الطبرى.

وقفته فى سنة أربع وثمانين وسبعمائة.


والآخر للعز إبراهيم بن محمد الأصفهانى.

وقف فى سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

وبسوق الليل عدة ربط :

منها : رباط سعيد الهندى.

ومنها : بيت المؤذنين. وواقفه هو واقف رباط الخوزى على شرطه فى تاريخه.

ومنها : زاوية أم سليمان المتصوفة ، رحمها الله.

تاريخها سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة.

وبأجياد عدة ربط ، منها : رباط الزيت.

ومنها : رباط غزى ـ بغين وزاى معجمتين.

وقف فى سنة اثنتين وأربعين وستمائة.

ومنها : رباط السياحة.

وقفه عدة نساء ، منهن : أم القطب القسطلانى.

ومنها : رباط ربيع ، وهو واقفه عن موكله الأفضل على بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.

وتاريخ وقفه سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

ومنها : رباط بنت التاج ، وله أزيد من مائتى سنة.

ومنها : رباط بقرب رباط ربيع.

أمر بإنشائه الشريف حسن بن عجلان فى سنة ست عشرة وثمانمائة ، وقد عمر منه جانب كبير.

ومنها : رباط المسيكينة.

ومنها : بالحزامية ـ بحاء مهملة وزاى معجمة ـ الرباط المعروف بالدمشقية.

وقف سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

ومنها : رباط الدورى ، وله أزيد من ثلاثمائة سنة.


ومنها : رباط السبتية. وكان موجودا فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

ومنها : رباط للنسوة خلف رباط الدورى. كان موجودا فى القرن السابع.

ومنها : رباط بيت الحرابى ، بمهملتين وموحدة.

ومنها : رباط الوراق. بقرب باب إبراهيم.

ومنها : رباط الموفق.

وقفه الموفق على بن عبد الوهاب الإسكندرى سنة أربع وستمائة.

وبأسفل مكة إلى جهة الشبيكة عدة ربط :

منها : رباط أبى رقيبة لسكناها به ويقال له : رباط العفيف. وهو عبد الله بن محمد الأرسوفى صاحب المدرسة السابقة.

وقفه عنه وعن موكله القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيشانى وقف من هذا الرباط نصفه عن نفسه ، ونصفه الآخر عن موكله القاضى الفاضل فى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.

ومنها : رباط الطويل.

بنى فى عشر السبعين وسبعمائة فيما أظن.

ومنها : رباط الجهة ، جهة السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل صاحب اليمن ، وأم أولاده. ويعرف برباط الشيخ على السعدانى لتوليه لأمره.

وقف فى سنة ست وثمانمائة.

ومنها : رباطان عند الدريبة :

أحدهما : يعرف بابن السوداء لسكناه به.

وقف فى سنة تسعين وخمسمائة.

والآخر : يعرف بابن غنايم.

وقفه السلطان الملك العادل ملك الجبال والغور والهند ، محمد بن أبى على فى سنة ستمائة.


فهذه الربط المعروفة الآن بمكة ـ فيما علمت ـ أجزل الله ثواب واقفيها. ومن أحسن النظر فيها. وقد ذكرنا كثيرا من شروط واقفيها وأسماء جماعة منهم. وأوضحنا ذلك أكثر فى أصله «شفاء الغرام».

وبمكة أوقاف كثيرة على جهات من البر غالبها الآن لا يعرف لتوالى الأيدى عليها.

ومن المعروف منها : البيمارستان بالجانب الشمالى من المسجد الحرام.

وقفه المستنصر العباسى.

وتاريخ وقفه سنة ثمان وعشرين وستمائة ، ثم عمره السيد حسن بن عجلان عمارة حسنة وأحدث فيها ما يحصل به النفع ، وذلك : إيوانان وصهريج وغير ذلك ، بعد استئجاره له مائة عام من القاضى الشافعى.

ووقف ما عمره وما يستحقه من منعته على الضعفاء والمجانين فى صفر سنة ست عشر وثمانمائة.

وأما السقايات ـ وهى السبل ـ فهى كثيرة.

منها بمكة خمسة.

ومنها : ما بين مكة ومنى : سبعة.

منها : سبيل بالمعلاة للمقر الأشرف الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالمماليك الشريفة والدعاء له بسببه متكاثر من البادى والحاضر ؛ لأن النفع به جزيل. عامله الله بلطفه الجميل.

وله ـ حفظه الله ـ بديار مصر والشام مآثر حسنة مشهورة ، وأفعال مشكورة ومنها: السبيل المعروف بسبيل الست ، وهى أخت الملك الناصر حسن. وتاريخ عمارتها له سنة إحدى وستين وسبعمائة.

وبمنى : عدة سبل.

ومنها : فيما بين منى وعرفة عدة سبل متخربة.

ومنها : فى جهة التنعيم فيما بينهما وبين مكة عدة سبل.

منها : سبيل للمنصور صاحب اليمن.

ومنها : سبيل الجوخى ، وهو الآن معطل لخرابه.


ورأيت مكتوبا فى حجر ملقى فيه : المقتدر العباسى ووالدته أمرا بعمارة هذه السقايات والآثار التى وراءها وتصدقا بها فى سنة اثنتين وثلاثمائة.

وأما البرك المسبلة : فهى كثيرة بمكة وحرمها وبعرفة. وقد أوضحنا أمر السبل والبرك المشار إليها أكثر من هذا فى أصله.

وفى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عمرت البركتان اللتان بالمعلا على يمين الداخل إلى مكة ويسار الخارج منها عمارة حسنة.

أما الآبار التى بمكة : فهى ثمانية وخمسون بئرا. وذلك فيما حوته أسوار مكة ، وكلها مسبلة ، إلا بئرا فى بيت لعطية المطيبين بأعلى مكة ، وبئرا فى بيت القائد زين الدين سكر مولى الشريف حسن بن عجلان ، وبئرا فى بيت أحمد بن عبد الله الدورى العراس ، وبئرا فى بيت بقربه تنسب للينبعى. ولم نذكر الآبار التى لا ماء فيها. وقد أوضحنا أمر الآبار كثيرا فى «شفاء الغرام».

وأما الآبار التى فيما بين مكة ومنى : فستة عشر بئرا فيها الماء.

منها : البئر المعروفة ببئر ميمون ابن الحضرمى ، أخى العلاء بن الحضرمى ، وهى التى فى السبيل المعروف بسبيل الست ، على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى فى حجر فى هذه البئر ، يتضمن عمارتها فى سنة أربع وستمائة. من قبل المظفر صاحب إربل.

وأما الآبار التى بمنى : فخمسة عشر بئرا. وذكرنا فى أصله مواضعها ، وما تعرف به. وبلغنى أن بمنى غير ذلك فى بعض البيوت.

وأما الآبار التى بمزدلفة : فثلاثة.

وأما الآبار التى بعرفة : فكثيرة. والذى منها فيه الماء الآن : ثلاثة.

وفيما بين عرفة ومزدلفة بئر يقال لها : السقيا ، على يسار الذاهب إلى عرفة.

وأما الآبار التى بظاهر مكة من أعلاها فيما بين بئر ميمون ، والأعلام التى هى حد الحرم فى طريق نخله : فخمسة عشر بئرا.

منها : أربعة آبار تعرف بآبار العسيلة ، وفى رأس طى بعضها ما يقتضى أن المقتدر العباسى أمر بحفر بئرين منها.


وفى طى بعضها ما يقتضى : أن العجوز ـ والدة المقتدر العباسى ـ عمرتها مع سقايات هناك ، ومسجد لا يعرف منه الآن شىء.

وبقية هذه الآبار لا ماء فيها ، إلا بئرا لأبى بكر الحصار ، وهى تلى آبار العسيلية.

وأما الآبار التى بأسفل مكة فى جهة التنعيم : فثلاثة وعشرون بئرا بجادة الطريق.

منها بئر الملك المنصور صاحب اليمن عند سبيله ، وتعرف بالزاكية.

ومنها : الآبار المعروفة بآبار الزاهر الكبير.

وبعض هذه الآبار من عمارة المقتدر العباسى.

وبقرب باب الشبيكة ، من خارجه آبار يقال لها : آبار الزاهر الصغير ، وهى ثلاثة آبار.

وبقرب هذه الآبار بئر ببطن ذى طوى على مقتضى ما ذكره الأزرقى فى تعريف ذى طوى.

وبأسفل مكة بئر يقال لها : الطنبداوية.

وبأسفل مكة مما يلى باب الماجن عدة آبار.

منها : بئر بقربه من خارجه.

وبئر بالشعب الذى يقال له خم ، وهو غير خم الذى يروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال عند غديرة : «من كنت مولاه فعلى مولاه» لأن خمّا هذا عند الجحفة.

وأما العيون : التى أجريت بمكة وبظاهرها : فكثيرة ، وليس منها الآن جار غير العين المعروفة بعين بازان ، وهى فى غالب الظن من عمل زبيدة ، ولها فى عينها نفقة عظيمة ، يقال : إنها ألف ألف وسبعمائة ألف دينار.

نقل ذلك عن المسعودى عن محمد بن على الخراسانى الأخبارى.

وقد عمرت عين بازان مرات كثيرة ، من قبل جماعة من الخلفاء ، والملوك والأعيان.

منهم : المستنصر العباسى فى سنة خمس وعشرين وستمائة ، وفى أربع وثلاثين وستمائة.

ومنهم : الأمير جوبان نائب السلطنة بالعراقين عن السلطان أبى سعيد بن خربندا ملك التتر.


وذلك فى سنة ست وعشرين وسبعمائة.

ووصلت إلى مكة فى العشر الأخير من جمادى الأولى منها ، وعظم نفعها.

وكان الناس بمكة قبل ذلك فى شدة لقلة الماء.

وممن عمرها من الملوك : صاحب مصر الملك المؤيد من مال تطوع به على يد علاء الدين القائد.

وكانت هذه العمارة فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.

ووصلت إلى مكة فى شعبان منها ثم قل جريان الماء ، فوفق الله القائد علاء الدين لعمارتها ، فجرت جريا حسنا ، وبلغت بركة الماجن بأسفل مكة.

وذلك فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، وجريانها مستمر إلى سنتين بعد ذلك.

ومن العيون التى أجريت بمكة عين أجراها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر فى مجرى عين بازان ، وتعرف العين التى أجراها المذكور : بعين جبل نقبة.

وذلك فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.

وعين أجراها الأمير المعروف بالملك نائب السلطنة بمصر من منى إلى بركة السلم بطريق منى.

وذلك فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة.

وأما المطاهر : فمطهرة الملك الناصر محمد بن قلاوون.

عمرت فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وفيها وقفت وهى التى عند باب بنى شيبة.

ومطهرة الأمير صرغتمش الناصرى ، بين العطيفية والبيمارستان بالجانب الشمالى من المسجد الحرام.

وتاريخ عمارتها سنة تسع وخمسين وسبعمائة.

ومطهرة طنيفا الطويل بقرب باب العمرة.

عمرت فى أول عشر السبعين وسبعمائة فيما أظن.

ومطهرة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر بالمسعى قبالة باب على.

عمرت فى سنة ست وسبعين وسبعمائة.


ومطهرة خلفها للنسوة.

عمرتها أم سليمان المتصرفة فى سنة ست وتسعين وسبعمائة.

ومطهرة تنسب للواسطى عند باب الحزورة ، وما عرفت واقفها ولا متى وقفت.

وأعظمهم نفعا : مطهرة الملك الناصر ، وبعض هذه المطاهر معطل لخرابه.

* * *


الباب الرابع والعشرون

فى ذكر شىء من خبر بنى المحض بن جندل ، ملوك مكة ونسبهم ، وذكر شىء من أخبار العماليق ملوك مكة ونسبهم ، وذكر ولاية طسم للبيت الحرام (١).

أما بنو المحض : فقال المسعودى : وقد كان عدة ملوك تفرقوا فى ممالك متصلة ومنفصلة.

فمنهم المسمى : بأبى جاد ، وهوز ، وحطى ، وكلمن ، وسعفص ، وقرشت ، وهم على ما ذكرنا بنو المحض بن جندل.

وأحرف الجمل هى أسماء الملوك ، وهم الأربعة والعشرون حرفا التى عليها حساب الجمل.

ثم قال المسعودى : وكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز.

وكان هوز ، وحطى : ملكين ببلاد وجّ ، وهى أرض الطائف ، وما اتصل بذلك من أرض نجد.

وكلمن وسعفص وقرشت : ملوكا بمدين. وقيل : ببلاد مصر.

وكان كلمن على ملك مدين.

ومن الناس من رأى : أنه كان ملك جميع من سميناه مشاعا متصلا ، على ما ذكرنا.

وذكر المسعودى فى نسب بنى المحض أكثر من هذه ، إلا أنه قال ـ لما ذكر الخلاف فى نسب قوم شعيب ـ : ومنهم من رأى : أنهم من ولد المحصن بن جندل بن يعصب ابن مدين بن إبراهيم.

وأما العماليق : فهم : من ولد عملاق. وقيل : عمليق بن لاود ، ويقال : لود بن سام ابن نوح. وقيل : إنهم من ولد العيص ، ويقال : عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.

وهذا القول ذكره المسعودى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٣٥٢ ـ ٣٥٦).


وفى تاريخ الأزرقى خبران فيهما : أن العماليق من حمير. وأخذ الخبرين عن ابن عباس رضى الله عنهما.

وفى كون العماليق من حمير نظر بيناه فى أصله.

وذكر الفاكهى أخبارا تتعلق بالعماليق ، فى بعضها : أنهم كانوا بمكة لما قدّم. وقد عاد للاستسقاء.

وفى بعضها : أنهم كانوا بعرفة لما أخرج الله زمزم لإسماعيل ، وأنهم تحولوا إلى مكة لما علموا بذلك.

وفى بعضها : أنهم كانوا ولاة الحكم بمكة ، فضيقوا حرمة البيت ، واستحلوا منه أمورا عظاما ، ونالوا ما لم يكونوا ينالون ، فوعظهم رجل منهم يقال له : عملوق ، فلم يقبلوا ذلك منه ، فأخرجهم قطورا وجرهم من الحرم كله ، وكانوا لا يدخلونه.

وأما ولاية طسم : فذكرها الأزرقى فيما رواه بسنده إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

وذكر أنهم استحلوا حرمة البيت فأهلكهم الله.

ثم وليه بعدهم جرهم ، وطسم أخو عجلان ، وقد تقدم نسبه.

* * *


الباب الخامس والعشرون

فى ذكر شىء من خبر جرهم ولاة مكة ونسبهم ، وذكر من ملك مكة من جرهم ، ومدة ملكهم لها وما وقع فى نسبهم من الخلاف ، وفوائد تتعلق بذلك ، وذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها ، وغير ذلك (١).

أما نسبهم : فقال ابن هشام : إن جرهما هو ابن قحطان بن عابد بن سالح بن أرمخشذ بن سام بن نوح.

وقيل : إن جرهما : ابن ملك من الملائكة أذنب ذنبا فأهبط إلى مكة فتزوج امرأة من العماليق ، فولدت له جرهما ، فذلك قول الحارث بن مضاض الجرهمى :

اللهم إن جرهما عبادك

الناس طرف وهم تلادك

وأما من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم له ونسبهم ، فذكره المسعودى ؛ لأنه قال:ووجدت فى وجه آخر من الروايات : أن أول ملك من ملوك جرهم مضاض بن عمرو ابن سعد بن الرقيب ، هو ابن ثبت بن جرهم بن قحطان : مائة سنة.

ثم ملك بعده ابنه عمرو بن مضاض : مائة وعشرون سنة.

ثم ملك الحارث بن عمرو : مائة سنة. وقيل : دون ذلك.

ثم ملك بعده عمرو بن الحارث : مائتى سنة.

ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن الأصفر بن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن هنما بن ثبت بن جرهم بن قحطان : أربعين سنة. انتهى. وذكر المسعودى ما يقتضى : أن مدة ملك جرهم لمكة دون ذلك.

وذكر أيضا ما يقتضى : أن أول ملوكهم غير مضاض بن عمرو بن سعد ؛ لأنه ذكر : أن الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هنما بن ثبت بن جرهم : كان على جرهم حين أتوا من اليمن إلى مكة.

وذكر أن قدومهم إليها كان بعد أن سمعوا لما حصل بها من الخصب لمن تقدمهم من العماليق الذى كان عليها السميدع المذكور.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٣٥٧ ـ ٣٧٨).


ثم قال : فكانت على الجرهميين ، فافتضحوا وصارت ولاية البيت إلى العماليق ، ثم كانت لجرهم عليهم فأقاموا ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة. انتهى.

وذكر ابن إسحاق ما يخالف ذلك ؛ لأنه ذكر ما يقتضى : أن جرهما لما قدموا إلى مكة كان عليهم مضاص بن عمرو ، وأنه وقومه تقاتلوا مع السميدع وقومه ، فقتل السميدع وصار ملك مكة لمضاض.

وما ذكره ابن إسحاق هو المعروف. وما ذكره المسعودى غريب. والله أعلم بحقيقة الحال. وما ذكره فى نسب ملوك جرهم ، ذكر السهيلى ما يخالفه.

وكذلك فتح الأندلس ؛ لأنه ذكر خبرا يتعلق بجرهم ، وفيه : أن الحارث بن مضاض الذى طالت غربته ، قال لإياد بن نزار بعد أن أوصله إلى مكة : أنا الحارث بن مضاض ابن عبد المسيح بن نفيلة بن عبد الدان بن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هودعليه‌السلام. انتهى. والله أعلم.

وأما من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها ، فقد اختلفت الأخبار فى ذلك.

ففى بعضها : أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وعيشان بن خزاعة ، لما رأوا استحلال جرهم لحرمة البيت وظلمهم بها قاتلوا جرهما ، فغلبهم بنو بكر وعيشان ونفوا جرهما من مكة.

وفى بعضها : أخرجهم ثعلبة بن عمرو بن عامر ماء السماء.

وفى بعضها غير ذلك.

ومما قيل من الشعر عند خروجهم من مكة الأبيات التى أولها :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

والأبيات التى أولها :

يا أيها الناس سيروا إن مصيركم

أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

 * * *


الباب السادس والعشرون

فى ذكر شىء من خبر إسماعيل ، وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام (١).

كان إبراهيم عليه‌السلام حمل إسماعيل ، وهو رضيع مع أمه هاجر إلى مكة وأنزلهما عند الكعبة ، وليس بها يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، وفارقهما بعد أن وضع عندهما جوابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، فجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء ، حتى نفد ما فى السقاء ، عطشت وعطش إسماعيل ، وجعلت تنظر إليه تتلوى ـ وقال : تتلبط ـ فمنّ الله عليهما بزمزم ، سقيا لهما ، فشربت وأرضعت ولدها. وقال لها الملك : لا تخافى الضيعة ، فإن هذا بيت الله ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله.

ثم نزل عليهما ناس من جرهم بأمر هاجر على أن لا حق لهم فى الماء. وشب إسماعيل وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، ثم طلقها بإشارة من أبيه لشكواها فى المعيشة.

تم تزوج منهم أخرى ، وزاره أبوه فلم يجده أيضا ، وأمره بإمساك زوجته لشكرها فى المعيشة.

ثم زاره الثالثة فبنيا البيت ، فكان إبراهيم يبنى ، وإسماعيل ينقل الحجارة ويناولها له ، وهما يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧].

وما ذكره من خبر إسماعيل وأمه وأبيه. ذكر البخارى ما يوافقه.

وفى بعض الأخبار الواردة فى هذا المعنى ما يخالف بعض ذلك. وقد بينا شيئا من ذلك فى أصله.

وأما ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام : فذكر الفاكهى فيه خبرا طويلا عن إسحاق يقتضى : أن إبراهيم لما أراد ذبح ابنه قال : أى بنى خذ الحبل والمدية ـ وهى الشفرة ـ ثم امض بنا إلى هذا الشعب لتحطب أهلك منه قبل أن يذكر له ما أمر به. فعرض لهما إبليس ليصدهما عن طاعة الله فى ذلك فلم يقبلا منه.

فلما خلا إبراهيم فى الشعب ، ويقال ذلك إلى ثبير ، قال له : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٣ ـ ١٤).


قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات : ١٠٢] ثم أدخل الشفرة فى حلقه فقلبها جبريل عليه‌السلام لقفائها فى يده ، ثم اجتذبها إليه ونودى : (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات : ١٠٤ ، ١٠٥] فهذه ذبيحتك. فداء لابنك فاذبحها دونه.

وقد تقدم الخلاف فى موضع ذبح هذا الفداء من منى فى الباب الحادى والعشرين.

واختلف فى الذبيح هل هو إسماعيل بن إبراهيم (١) ، أو أخوه إسحاق بن إبراهيم والصحيح أنه إسماعيل على ما قال الحافظ عماد الدين بن كثير. ونقل ذلك النووى عن الأكثرين.

وكلام السهيلى يقتضى ترجيح : أنه إسحاق. وكذلك المحب الطبرى. والله أعلم.

وإسماعيل أول من ذللّت له الخيل العراب. وأول من ركب الخيل ، وأول من تكلم بالعربية. وقيل فى أول من تكلم بالعربية غير ذلك. والله أعلم.

وقال الفاكهى فى الأوليات بمكة : وأول من أحدث الأرجية يطحن بها بمكة إسماعيل ابن إبراهيم النبى عليه‌السلام.

* * *

__________________

(١) انظر أوجه الخلاف فى : (مرآة الزمان ١ / ٢٩٨٠ ، تاريخ الطبرى ١ / ٢٨٩ ، ٣٠١ ، زاد المسير ٧ / ٧٢ ، ٧٣ ، عرائس المجالس ٩١ ، ٩٣ ، البداية والنهاية ١ / ١٥٨ ، ١٦٠).


الباب السابع والعشرون

فى ذكر شىء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه‌السلام ، وذكر أسماء أولاد إسماعيل وفوائد تتعلق بهم وذكر شىء من خبر بنى إسماعيل ، وذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام(١).

أما هاجر (٢) : فقال ابن هشام ـ بعد أن ذكر أن قبرها وقبر ابنها إسماعيل فى الحجر عند الكعبة ـ تقول العرب : هاجر وآجر ، فيبدلون الألف من الهاء ، كما قالوا : هراق الماء وأراق الماء وغيره. وهاجر من أهل مصر.

وقال السهيلى : وهاجر أول امرأة ثقبت أذناها ، وأول من خفض من النساء ، وأول من جرت ذيلها.

وذلك : أن سارة غضبت عليه ، فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها ، فأمرها إبراهيم عليه‌السلام : أن تبر قسمها بثقب أذنيها ، وخفاضها ، فصارت سنة فى النساء.

وكانت هاجر أمة لبعض الملوك ، فوهبها لسارة زوج الخليل ، وهى ابنة عمه فوهبتها للخليل ، فولدت له إسماعيل ، وشجر بين سارة وهاجر أمر وساء ما بينهما فحمل الخليل هاجر مع ابنها إلى مكة على ما سبق.

وذكر الفاكهى عن بعضهم : أنه أوحى إليها ، وهذا غريب ، والله أعلم بصحته.

وسن للمحرم السعى بين الصفا والمروة لسعى هاجر بينهما لما طلبت الماء لابنها حين اشتد به الظمأ. وخبرها فى ذلك عن ابن عباس رضى الله عنهما فى صحيح البخارى.

وأما أولاد إسماعيل عليه‌السلام (٣) : فقال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن إسحاق قال : ولد إسماعيل بن إبراهيم اثنى عشر رجلا : نابتا ، وكان

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ١٥ ـ ٢٣).

(٢) انظر : (عرائس المجالس ١٠٠ ، البداية والنهاية ١ / ١٩١ ، نهاية الأرب ١٣ / ١١٥ ، شفاء الغرام ٢ / ٣ ، طبقات ابن سعد ١ / ٥٠ ، مرآة الزمان ١ / ٣١٠).

(٣) انظر : (مرآة الزمان ١ / ٣١٠ ، شفاء الغرام ٢ / ١٧ ، الأزرقى ١ / ٤٤ ، تاريخ الطبرى ١ / ٣٥١ ، طبقات ابن سعد ١ / ٥٠).


أكبرهم ، وقيدار ، وأربل ، ومشا ، وصمعا ، وماشى ، وذما ، وآزر ، وطسما وبطور ، ونيشا ، وقيدما ، وأمهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمى. انتهى.

وذكر الأزرقى والفاكهى وغيرهما فى أسماء أولاد إسماعيل ما يخالف هذا. وذكرنا ذلك مع فوائد تتعلق لمعانى بعض أسمائهم وضبطها وغير ذلك فى أصل هذا الكتاب.

وأما خبر بناء إسماعيل عليه‌السلام (١) :

فمنه : أن بنى إسماعيل والعماليق من سكان مكة ، ضاقت عليهم البلاد ، فتفسحوا فى البلاد والتمسوا المعاش ، فخلف الخلوف بعد الخلوف ، وتبدلوا بدين إسماعيل وغيره ، وسلخوا إلى عبادة الأثان ، فيزعمون : أن أول ما كانت عبادة الحجارة فى بنى إسماعيل : أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتملوا معهم من حجارة الحرم تعظيما للحرم وصبابة لمكة والكعبة حيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة ، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به ، والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة ، وهدى البدن مع إدخالهم فيه ما ليس منه.

وكان أول من غيّر دين إسماعيل : عمرو بن لحى ، وهذا الذى ذكرناه من خبر بنى إسماعيل. ذكره ابن إسحاق.

وإلياس بن مضر : هو الذى رد بنى إسماعيل إلى سنن آبائهم حتى رجعت سننهم تامة على أولها.

ذكر ذلك الزبير بن بكار.

وأما ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام : فذكرها ابن إسحاق ، وقال : وليه ما شاء الله أن يليه.

* * *

__________________

(١) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١١٤ ، تاريخ الطبرى ١ / ٣٢٠ ، مروج الذهب ٢ / ١٦٦ ، مرآة الزمان ١ / ٣١٢ ، ٣١٣).


الباب الثامن والعشرون

فى ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة ، وشىء من خبره ، وذكر ولاية بنى إياد بن نزار الكعبة ، وشىء من خبرهم وخبر مضر ، ومن ولى الكعبة من مضر قبل قريش (١).

أما ولاية إياد : فقال الزبير بن بكار : حدثنا عمر بن أبى بكر الموصلى عن غير واحد من أهل العلم بالنسب ، قالوا : لما حضرت نزار الوفاة ، آثر إيادا بولاية الكعبة ، وأعطى مضر ناقة حمراء ، فسميت : مضر الحمراء ، وأعطى ربيعة الفرس فرسه ، فسمى : ربيعة الفرس ، وأعطى أثمار ، جارية تسمى : بجيلة ، فحضنت بنيه ، فسموا : بجيلة أثمار.

ويقال : أعطى إيادا عصاه وحلته.

ورأيت لإياد بن نزار وإخوته المشار إليهم خبرا يستظرف فى ذكائهم ومعرفتهم بما أخبروا به من صفة البعير الذى سئلوا عنه مع كونهم لم يروه ، وغير ذلك.

وأما ولاية بنى إياد بن نزار الكعبة : فذكر الفاكهى فيها خبرا طويلا.

فيه : ثم وليت حجابة البيت إياد ، وكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له : وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد ، ثم قال ـ بعد أن ذكر شيئا من خبره ـ : ثم إن مضر أديلت بعد إياد.

وكان أول من ديل منهم : عدوان وفهم ، وأن رجلا من إياد ورجلا من مضر خرجا يتصيدان فمرت بهما أرنب ، فاكتنفاها يرميانها ، فرماها الإيادى ، فنزل سهمه ، فنظم قلب المضرى فقتله. فبلغ الخبر مضر ، فاستغاثت بفهم وعدوان يطلبون لهم قود صاحبهم ، فقالوا : إنما أخطأه ، فأبت فهم وعدوان إلا قتله ، فتناوش الناس بينهم بالمدور ـ وهو مكان ـ فسمت مضر من إياد ظفرا ، فقالت لهم إياد : أجلونا ثلاثا ، فلن نساكنكم أرضكم ، فأجلوهم ثلاثا ، فظعنوا قبل المشرق.

وكانوا حسدوا مضر على ولاية الركن الأسود فدفنوه ، بعد أن لم يحملوه على شىء إلا رزح.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٢٤ ـ ٣٠).


وافتقدت مضر الركن بعد يومين ، فعظم فى نفسها ، ثم تخلوا عن حجابة البيت لخزاعة على أن يدلوهم على الركن ، فدلوهم عليه ؛ لأن امرأة من خزاعة نظرت بنى إياد حين دفنوه وأعادوه فى مكانه. انتهى بالمعنى فى كثير منه.

وممن ولى الكعبة من مضر أسيد بن خزيمة بن مدركة جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *


الباب التاسع والعشرون

فى ذكر من ولى الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ، ومنى ، من العرب فى ولاية خزاعة وقريش على مكة (١).

قال ابن إسحاق : وكان العون بن مدين أو ابن طابخة بن إلياس بن مضر يلى الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده. وكان يقال له ولوالده صوفه ، ثم قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمى الجمار فأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة ، فحبسوا الناس ، وقالوا : أجيزى بنى صوفة ، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفذت صوفة ومضت خلى سبيل الناس ، فانطلقوا بعدهم.

فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالقعدة : بنو سعد بن زيد مناة ابن تميم ، وكانت من بنى سعد فى الصفوان بن الحارث بن شحنة.

قال ابن هشام : صفوان بن خباب بن شحنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم.

قال ابن إسحاق : فكان صفوان هو الذى يجيز الناس بالحج من عرفة ثم بنوه من بعده حتى كان آخرهم الذى قام عليه الإسلام : كرز بن صفوان.

وذكر ابن هشام : أن الإفاضة من المزدلفة : كانت فى عدوان فيما حدثنى زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق : يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم الذى قام عليه الإسلام أبو سيارة عميلة بن الأعزل. انتهى باختصار.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى : أن أبا سيارة من بنى عبد بن معيص بن عامر بن لؤى ، وقيس أخواله.

وذكر أيضا ما يقتضى : أن الإجازة صارت من صوفة إلى عدوان ، وهذا مع ما قبله يخالفان ما سبق ، والله أعلم.

وفى أصله فوائد تتعلق بهذه الأخبار.

منها : أن الناس إذا نفروا من منى فأجازوا إلى الأبطح اجتمعت كندة إلى بنى بكر ابن وائل فأجازوا بهم حتى يبلغوا البيت. ذكر ذلك الفاكهى وهو غريب.

* * *

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٣١ ـ ٣٨).


الباب الثلاثون

فى ذكر من ولى إنساء الشهور من العرب بمكة ، وذكر صفة الإنساء ، وذكر الحمس والحلة ، والطلس (١).

اختلف الأخبار فى أول من أنسأ : ففى بعضها : أنه مالك بن كنانة. وهذا فى تاريخ الأزرقى.

وفى بعضها : أنه القلمس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدى بن عامر بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة. وهذا فى السيرة لابن إسحاق ، تهذيب ابن هشام. وفى بعضها غير ذلك.

وآخر من أنسأ أبو ثمامة جنادة بن عوف.

وقيل : أنه أنسأ أربعين سنة. والله أعلم.

وأما صفة الإنساء : فذكر الأزرقى مطولا ، والسهيلى مختصرا مفيدا ؛ لأنه قال : وأما نسؤهم الشهر الحرام : فكان على ضربين.

أحدهما : ما ذكره ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثأر.

والثانى : تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية ، فكانوا يؤخرونه فى كل عام أحد عشر يوما أو أكثر قليلا حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة ، فيعود إلى وقته. انتهى.

وفى الأزرقى ما يقتضى أن الحج يستدير فى كل أربع وعشرون سنة. والله أعلم.

وأما الحمس : فروى الزبير بسنده إلى مجاهد قال : الحمس : قريش وبنو عامر بن صعصعة ، وثقيف وخزاعة ، ومدلج وعدوان ، والحارث بن عبد مناة ، وعضل أتباع قريش.

وسائر العرب : الحلة.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٣٩ ـ ٤٣).


وفى تاريخ الأزرقى ما يقتضى : أن من الحمس ناسا غير هؤلاء. وذلك مذكور فى أصله.

واختلف فى سبب تسميتهم بالحمس ، فقيل : سموا بالكعبة ؛ لأنها حمسا حجرها أبيض يضرب إلى السواد ، وقيل : لشدتهم فى دينهم ، وقيل : لشجاعتهم ، والله أعلم.

وكان للحمس سيرة ، منها : أنهم لا يقفون إلا بالمزدلفة ، ولا يطوفون بالبيت عراة ، وكانت الحلة تقف بعرفة مع وقوفها بالمزدلفة ، وتطوف بالبيت عراة.

وقد ذكرنا من سيرتهم الباطلة غير هذا.

وأما الطلس : فقوم كانوا يأتون من أقصى اليمن طلسا من الغبار فيطوفون بالبيت فى تلك الثياب الطلس ، فسموا بذلك.

ذكره محمد بن حبيب فيما نقله عنه السهيلى.

* * *


الباب الحادى والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر خزاعة ولاة مكة فى الجاهلية ونسبهم ، ومدة ولايتهم لمكة ، أول ملوكهم بها ، وغير ذلك من خبرهم ، وشىء من خبر عمرو بن عامر ماء السماء الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل ، وشىء من خبر بنيه وغير ذلك (١).

أما نسب خزاعة : فمنهم من ولد قمعة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بن عدنان. هكذا قال جماعة من أهل العلم بالنسب ، منهم : ابن حزم ، واحتج لذلك بأحاديث تقوم بها الحجة ، وقيل : إنهم من ولد الصلت بن النضير بن كنانة.

ذكر هذا القول ابن قتيبة وقيل : إنهم من قحطان ، وخزاعة تقول ذلك.

لأن ابن هشام قال : وتقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث. وخندف أمناء فيما حدثنى أبو عبيدة وغيره من أهل العلم ، فقال : خزاعة بنو حارثة بن عمرو بن عامر.

وأنما سميت خزاعة لأنهم يخزعون من ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران ، فأقاموا بها. انتهى.

إذا كانت خزاعة من مضر فلا تظهر تسميتها بخزاعة معنى.

وإذا كانوا من قحطان ، فذلك لانخزاعهم عن قومهم بمكة ، والانخزاع : هو المفارقة.

ومن ذلك يقول القائل :

فلما هبطنا بطن مر تخزعت

خزاعة منا فى حلول كراكر

وأما ولاية خزاعة بمكة : فسبق فى باب أخبار خبرهم ، وهو الباب الخامس والعشرون: أن بنى بكر بن عبد مناة وغبشان : من خزاعة ، قاتلوا جرهما وأخرجوهم من مكة ، وهذا يقتضى : أنهم وليوا البيت ومكة.

وسبق فى الباب الثامن والعشرون : أن سبب ولايتهم للبيت إعلامهم مضر بموضع الحجر الأسود لما دفنته بنو إياد.

وفى الخبر الذى فيه ذلك : ووليت خزاعة عند ذلك البيت ، ولم يبرح فى أيديهم حتى

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٤٨ ـ ٥٩).


قدم قصى ، فكان من أمره ما كان. وهذا يخالف ما سبق فى سبب ولايتهم. والله أعلم.

وذكر ابن إسحاق ما يقتضى أن غبشان من خزاعة انفردت بولاية البيت دون بكر ابن عبد مناة.

ولم تزل خزاعة تلى البيت كابرا عن كابر حتى كان آخرهم خليل بن حبشية.

وأما مدة ولاية خزاعة بمكة : فروينا عن ابن إسحاق وابن سريج قالا : قامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة.

وروينا عن أبى صالح قال : وكان عمرو بن لحى يلى البيت ، وولده من بعده خمسمائة سنة حتى كان آخرهم خليل بن حبشية بن سلول ، وكانوا هم حجابه وخزانه والقوام به ، وولاة الحكم بمكة. انتهى باختصار.

وعمرو بن لحى المذكور فى هذا الخبر : هو عمرو بن لحى ، واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. كذا فى الخبر الذى فيه ذلك.

وأما أول من ولى البيت ومكة : ففى بعض الأخبار أنه عمرو بن لحى المذكور.

وفى بعضها : أنه أبو ربيعة ، وفى بعضها : أنه عمرو بن الحارث الغبشانى. والله أعلم.

وأما آخر من ولى ذلك من خزاعة : فخليل بن حبشية ، كما سبق.

وذكر الزبير : أن خليلا جعل إلى أبى غبيشان فتح البيت وإغلاقه ، وأن قصيا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بزق خمر أو قعود ، وقيل : بكبش وزق خمر. فقال الناس : أخسر من صفقة أبى غبشان ، فصارت مثلا.

وأما خبر عمرو بن عامر ، الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل. وخبر بنيه.

فمنه أنه كان يقال له : مزيقيا ؛ لأنه كان يلبس فى كل يوم حلتين ، ثم يمزقهما لئلا يلبسهما غيره. وكان ملك مأرب وهى بلاد سبأ المذكورة فى القرآن العظيم ، ثم تحول منها بعد أن باع أمواله بها لما أخبرته به طريفة الكاهنة من خرابها بسيل العرم.

وكان تحوله عنها بولده وولد ولده ، وساروا حتى نزلوا بلاد عك ، وكان بينهم وبين عك حروب ، ثم رحلوا عنها ، فتفرقوا فى البلاد على ما ذكر ابن هشام.

وفى بعض الأخبار ما يقتضى : أن تفرقهم كان بمكة لما أصابهم من الحماء. والله أعلم. وخبر عمرو بن عامر وبنيه وخبر خزاعة أكثر من هذا.

* * *


الباب الثانى والثلاثون

فى ذكر شىء من أخبار قريش بمكة فى الجاهلية ، وشىء من فضلهم ، وما وصفوا به ، وبيان نسبهم وسبب تسميتهم بقريش وابتداء ولايتهم الكعبة وأمر مكة (١).

أما فضلهم ، فمنه : قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة ـ الحديث». وهو فى مسلم من رواية واثلة بن الأسقع عنه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا الأمر فى قريش ، ولا يعايهم أحد إلا كبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين». وهذا فى صحيح البخارى.

وأما ما وصفت به بطون قريش بأن بعضهم يعرف «بقريش البطاح» ، وهم «بنو كعب بن لؤى» لأن قريشا حين قسموا بلادهم أصابت كعب الأباطح ، وبعضهم يعرف بقريش «الظواهر» وهم : محارب والحارث ابنا فهر ، وبنو عامر بن لؤى ، والأدرم ابن غالب ، وبقية قريش إلا أن الحارث بن فهر دخل مكة من البطاح ، وبعضهم يعرف «بقريش العارية» ، وهم : ولد سامة بن لؤى بن غالب بن فهر ، وبعضهم يعرف «بقريش العائدة» وهم : بنو خزيمة بن لؤى بن غالب بن فهر.

وأما نسب قريش : فاختلف فيه ، فقيل : إنهم من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ورجحه الزبير بن بكار وغيره. وقيل : إنهم من ولد النضر بن كنانة. ورجحه النووى. والله تعالى أعلم.

وأما سبب تسميتهم : بقريش ، فقيل : سموا قريشا من التقرش ، والتقرش : التجارة والاكتساب. وقيل : لتفتيشهم عن حاجة الناس ، وسدهم لها. وقيل : بتجمعها من تفرقها. وقيل : غير ذلك. والله أعلم.

وأما ابتداء ولاية قريش للكعبة المعظمة وأمر مكة : فسببه قصى بن كلاب بن مرة بن لؤى بن غالب. وذلك : أن الحليل بن حبشية جعل ذلك لقصى حين حضرته الوفاة. وكان قصى قد تزوج ابنته حبى ، وولد له منها عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد بنو قصى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٦٠ ـ ٧٤).


ولما مات حليل أبت خزاعة أن تدع قصيا وذاك ، وأخذوا المفتاح منه فاستنصر قصى برجال من قريش وكنانة فأجابوا ، واستنصر أيضا بأخيه لأمه رزاح بن ربيعة ، فخرج إليه بإخوته ومن معهم من قضاعة ، فقابل بهم قصى خزاعة بعد انقضاء الحج بمفضى مأزمى منى ، فسمى ذلك المكان «المفجر» لما فجر فيه وسفك من الدماء ، بسبب الجراحات فى الفريقين ، وكثرت القتلى فيهما ، ثم تداعوا إلى الصلح ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وكان شريفا ، فحكم : بأن لا تباعد لأحد على أحد فى دم ، وحكم : بحجابة البيت وولاية أمر مكة لقصى دون خزاعة ، لما جعل له حليل ، وأن لا تخرج خزاعة من مساكنها من مكة ، فسمى يعمر يومئذ : الشداخ ؛ لأنه لما حكم قال : ألا إنى قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمى هاتين.

وولى قصى حجابة البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة ليستعزبهم ، وتملك على قومه فملكوه.

وخبر ولايته طويل فى تاريخ الأزرقى. وهذا ملخص منه بالمعنى فيه مقنع.

وقد سبق فى الباب الذى قبله أن قصيا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بما سبق ذكره.

وذكر الزبير بن بكار خبرا يقتضى أن قصى بن كلاب : أول من ثرد الثريد فأطعم بمكة وسقى اللبن بعد بنت بن إسماعيل.

وذكر أيضا خبرا يقتضى أن قصيا كان يعشر من دخل مكة من غير أهلها.

ومن خبر قصى بن كلاب : أنه أحدث وقود النار بالمزدلفة ، ليراها من دفع من عرفة ، وأنه : بنى قزح موضع الوقوف بالمزدلفة ، وأنه : اتخذ لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت تقضى قريش أمورها.

وأن أمره فى قومه كدين المتبوع لا يعمل بغيره فى حياته ومن بعده.

وأنه مات بمكة فدفن بالحجون ، فتدافن الناس بالحجون بعده.

وأنه أول بنى كعب بن لؤى ، أصاب ملكا أطاع له به قومه. والله أعلم.

* * *


الباب الثالث والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر بنى قصى بن كلاب ، وتوليتهم لما كان بيده من الحجابة ، والسقاية ، والرفادة ، والندوة ، والقيادة ، وتفسير ذلك (١).

اختلف فيما صنعه قصى فيما كان بيده من الأمور المشار إليها ، فقيل : إنه جعل ذلك لابنه عبد الدار بن قصى لتلحقه فى الشرف بأخيه عبد مناف ، ثم إن بنى عبد مناف بن قصى : عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا ، أجمعوا على : أن يأخذوا ذلك من أيدى بنى عبد الدار لشرفهم وفضلهم فى قومهم على بنى عبد الدار. وكاد أن يقع بين الفريقين قتال ، ثم اصطلحوا على : أن يعطوا بنى عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبنى عبد الدار.

فولى السقاية والرفادة : هاشم بن عبد مناف ليساره ، واسمه عمرو ، ويقال ما سمى هاشما إلا لهشمه الخبز بمكة لقومه ، ويقال : إنه أول من أطعم الثريد بمكة وأنه أول من سنّ لقريش الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف.

ومات بغزة بالشام تاجرا ، فولى السقاية والرفادة بعد : عبد المطلب بن عبد مناف.

وكان يسمى : الفيض ؛ لسماحته وفضله. ومات بردمان باليمن.

فولى ذلك بعده عبد المطلب بن هاشم.

هذا ملخص بالمعنى مختصر مما ذكره ابن إسحاق فى خبر هذه الأمور.

وذكر الزبير بن بكار خبرا يقتضى أن قصى بن كلاب أعطى ابنه عبد مناف السقاية والندوة ، وأعطى عبد الدار : الحجابة واللواء ، وأعطى عبد العزى : الرفادة وأيام منى.

قال المروانى ـ شيخ الزبير ـ فى هذا الخبر : والرفادة : الضيافة. وأيام منى : كان الناس لا يجوزون إلا بأمره. وأعطى عبد بن قصى : جلهتى الوادى ، ولم أسمع فى جلهتى الوادى بشىء. انتهى باختصار.

وقيل : إن قصى بن كلاب أعطى عبد مناف : السقاية والرفادة والقيادة ، وأعطى عبد

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٧٥ ـ ٩١).


الدار : السدانة ، وهى الحجابة ، ودار الندوة ، واللواء. وهذا فى خبر الأزرقى عن ابن جريج ، وابن إسحاق. وفيه شىء من خبر هذه الأمور. وقد ذكرنا ذلك فى أصله.

وقد ذكرنا فى أصل هذا الكتاب أخبارا مفيدة تتعلق ببنى عبد مناف وعبد المطلب.

ومنها : ما يخالف ما ذكرناه من خبر هذه الأمور.

ومنها : ما يوافق والله أعلم.

* * *


الباب الرابع والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر الفجار والأحابيش (١)

كان الذى هاج حرب الفجار : أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، أجاز لطيمة للنعمان بن المنذر ، فقال له ـ البراص بن قيس أحد بنى حمزة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ـ : أتجيزها على كنانة؟ قال : نعم. وعلى الخلق. فخرج عروة الرحال ، وخرج البراض يطلب عزنة ، حتى إذا كان يتيمن ذى ظلال بالعالية ، قابله عروة فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام ، فلذلك سمى : الفجار ، فأتى آت قريشا ، فقال : إن البراض قد قتل عروة وهم فى الشهر الحرام بعكاظ ، فارتحلوا وهوازن لا تشعر ، ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ، ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما ، وهذا الذى ذكرناه من خبر الفجار فى سيرة ابن إسحاق ، تهذيب ابن هشام.

وذكر ابن هشام : أن حرب الفجار هاجت لما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة ، أو خمس عشرة سنة.

وذكر ابن إسحاق : أنها هاجت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة. وشهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض أيام الفجار. وهى على ـ ما ذكر الفاكهى ـ خمسة أيام فى أربع سنين ، وبينها الفاكهى ، وذكرنا كلامه فى أصله.

وقال مغلطاى فى سيرته : وأيام الفجار أربعة. قاله السهيلى. والصواب : أنها ستة.

وأما الأحابيش : فهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والحيا والمصطلق من خزاعة ، والقارة بنو الهون بن خزيمة. وكانوا خلفاء لقريش. وكانت قريش والأحابيش ندا. وقد أوضحنا من خبرهم أكثر من هذا فى أصله.

* * *

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٩٢ ـ ٩٨).


الباب الخامس والثلاثون

فى ذكر حلف الفضول ، وخبر ابن جدعان الذى كان هذا الحلف فى داره ، وذكر أجواد قريش وحكامهم فى الجاهلية ، وملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصى عليهم ، وشىء من خبره (١).

كان سبب حلف الفضول : أن رجلا من بنى زبيد قدم مكة معتمرا فى الجاهلية ، ومعه تجارة له ، فباعها من العاص بن وائل السهمى ، فآواها إلى بيته ، ثم تغيب وابتغى الزبيدى متاعه فلم يقدر عليه ، فجاء إلى بنى سهم يستعين بهم على العاص فأغلظوا عليه ، فعرف : أن لا سبيل إلى ماله ، فطوف فى قبائل قريش يستعين بهم ، فتخاذلوا عنه ، فلما رأى ذلك أشرف على أبى قبيس حين أخذت قريش مجالسها ، ثم قال أبياتا.

فلما نزل من الجبل أعظمت ذلك قريش وتكلموا فيه ، ثم اجتمع بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة وبنو تميم فى دار عبد الله بن جدعان ، وعمل لهم طعاما ، وتحالفوا بالله : لا يظلم أحد بمكة إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم ، حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريفا ووضيعا ، منا أو من غيرنا. ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل ، فقالوا : والله لا نفارقك حتى تؤدى إليه حقه ، فأعطى الرجل حقه ، فمكثوا كذلك لا يظلم أحد حقه بمكة إلا أخذه.

وشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الحلف قبل أن يوحى إليه ، واغتبط به فيما قيل.

وما ذكرناه من خبر حلف الفضول لخصناه من خبرين. ذكرهما الزبير بن بكار ، وذكر ما يوهم : أن سبب حلف الفضول غير ذلك. وقد أشرنا إلى شىء من ذلك فى أصله ، والمشهور ما ذكرناه هنا.

وكان حلف الفضول فى شوال بعد انصراف قريش من الفجار. كذا فى خبر ، ذكره الفاكهى ، قال : ويقال بعد فراغهم من بنيان الكعبة. انتهى.

وأما ابن جدعان المشار إليه : فهو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تميم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى التيمى المكى ، يكنى أبا زهير من رهط أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٩٩ ـ ١٠٩).


وكان من رؤساء قريش وأجوادهم.

وله فى الجود أخبار مشهورة.

منها : أنه كانت له جفنة للأضياف يستظل بظلها فى الهاجرة.

ومنها : أنه كان له مناديان بأعلى مكة وبأسفلها ، أحدهما يقول : ألا من أراد اللحم والشحم فليأت دار ابن جدعان ، وهو أول من أطعم بمكة الفالوذج ، وهو : لباب البريلك بالعسل.

ولما مات ابن جدعان نعاه بعض الجن بأبيات إلى رفقة من أهل مكة مسافرين إلى الشام.

وذلك فى خبر ، ذكره الفاكهى. ذكرناه فى أصله.

ومن خبر ابن جدعان : أنه دخل شقا فى بعض شعاب مكة يرجو أن يكون فيه حية تقتله ، فيستريح من تعب الفقر وغيره ، فظفر فيه بكنز عظيم.

وكان فى قريش أجواد ، منهم المعروفون : بأزواد الركب : لكفايتهم من معهم المؤنة فى السفر ، منهم : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، وأخوه زمعة بن عبد المطلب ، ومسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس ، وأبو أمية بن المغيرة المخزومى.

وأما حكام قريش بمكة فى الجاهلية ، فمنهم : عبد المطلب بن هاشم ، وأبناؤه الزبير ، وأبو طالب وآخرون ، ذكرناهم فى أصله ، ولم يكن أحد منهم متملكا على بقية قريش ، وإنما ذلك بتراضيهم عليه حسما لمادة الشر.

وسيأتى ما يزيد ذلك قريبا.

وأما تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى على قريش : فإن قيصر ملّكه عليهم وكتب له إليهم ، فتلطف بهم عثمان وخوفهم فى تجارتهم من قيصر إن لم يطيعوه ، فوافقوه على أن يعقدوا التاج على رأسه عشية ، وتملكوه ، ثم انتفضوا عن ذلك لتنفير ابن عمه أبى زمعة لقريش عن ذلك ، فلحق عثمان بقيصر فأعلمه الخبر ، فأمر قيصر عمرو بن جفنة الغسانى أن يحبس لعثمان من أراد حبسه من تجار قريش بالشام. ففعل ذلك عمرو.

ثم مات عثمان بالشام مسموما ، وكان من أظرف قريش وأعقلها.

وخبر تملكه وما جرى له بعد رجوعه إلى قيصر ، أطول من هذا.

* * *


الباب السادس والثلاثون

فى ذكر شىء من فتح مكة المشرفة ، وفوائد تتعلق بذلك (١)

كان سبب فتح مكة أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة ، يقال له : الوتير ، فأصابوا منهم رجلا وتحاوروا واقتتلوا ، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.

ثم خرج ناس من خزاعة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستنصرونه ؛ لأن خزاعة فى صلح الحديبية :دخلت فى عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخلت بنو بكر فى عقد قريش ، فوعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخزاعيين بالنصر.

وقدم المدينة أبو سفيان بن حرب ليشد العقد ، ويزيد فى المدة ، فلم ينل قصدا ، ورجع إلى مكة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهله أن يجهزوه ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتأهب ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها ، فتحفز الناس.

ولما أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش: يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأمر فى المسير إليهم ، ثم أعطاه امرأة ، قيل : إنها مزينة ، وقيل : إنها سارة ـ مولاة لبعض بنى عبد المطلب ـ وأعلم الله بذلك رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث على بن أبى طالب ، والزبير بن العوام لإحضار الكتاب فأتيا به.

ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسفره ، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام وصام الناس حتى إذا كان بالكديد بين عسفان وأمج أفطر ، ثم مضى حتى نزل مر الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين ، وقريش لا تعلم بذلك.

ثم إن أبا سفيان بن حرب حضر عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمر الظهران فأسلم. وكان خرج يتحسس الأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دخل دار أبى سفيان ، ومن أغلق عليه بابه ، ومن دخل المسجد.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ١١٠ ـ ١٦١).


فلما جاء قومه أخبرهم الخبر ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جاءهم بما لا قبل لهم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد.

ولما انتهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذى طوى ، أمر الزبير بن العوام : أن يدخل فى بعض الناس من كداء. وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كداء.

وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة فى بعض الناس.

وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وفيها : أسلم ، وسليم ، وغفار ، ومزينة وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب.

وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ودخل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة ، وضربت هنالك قبته.

وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو ، وقد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا ، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من قتال ، فقتل كرز بن جابر أحد بنى محارب بن فهر ، وحنيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم ـ حليف بنى منقذ ـ وكانا فى خيل خالد بن الوليد ، فشذا عنه ، فسلكا طريقا غير طريقه ، فقتلا جميعا.

وأصيب من جهينة سلمة الميلا من خيل خالد.

وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر ، ثم انهزموا.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ـ حين أمرهم أن يدخلوا ـ أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا قاتلهم. إلا أنه قد عهد فى نفر سماهم : أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، فقتل بعضهم واستؤمن لبعضهم.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل مكة واطمأن الناس : خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن فى يده ، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها فوجد فيه حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ، ثم طرحها. ثم وقف على باب الكعبة ، وقد استكف له الناس فى المسجد ، فخطب خطبته المشهورة ، وفيها : يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل فيكم؟ قالوا : خير ، أخ كريم ، وابن أخ كريم. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء.


ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد ، فقام إليه على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ومفتاح الكعبة فى يده ، فقال : يا رسول الله : اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أين عثمان بن طلحة؟ فدعى له ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، إن اليوم يوم بر ووفاء. وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا أن يؤذن.

وكان أبو سفيان بن حرب ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام جلوسا بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيد : أن لا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه.

وقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه بحق لاتبعته. فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصا. فخرج عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قد علمت الذى قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم ، فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول : أخبرك.

ولما طاف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح على راحلته كان حول البيت أصنام مشددة بالرصاص ، فجعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام ، ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم إلا وقع. فقال يميم بن أسد الخزاعى :

وفى الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقاب

وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة ، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.

وخبر فتح مكة أكثر مما ذكرناه ، وما ذكرناه ملخص مختصر مما ذكره أبو إسحاق فى سيرته ، بعضه بالمعنى وكثير منه باللفظ.

وأما الفوائد المتعلقة بخبر فتح مكة : فإن بعضها يخالف ما ذكره ابن إسحاق وابن هشام من خبر الفتح ، وبعضها يوضح بعض ما أبهماه فى ذلك.

فمنها : أنا الفاكهى ، قال : الوتير : ماء بأسفل مكة ، فى المشرق عن يمين ملكان على ستة أميال منها.

وهذا بيّن الوتير أكثر مما فى كلام ابن إسحاق.

ومنها : أن ابن أبى عقبة ذكر فى مقارنة ما يقتضى أن إغارة بنى كنانة على خزاعة التى هى سبب فتح مكة ، كانت بعرفة.


وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى ، ذكر فى مبهماته حديثا فيه : «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث عليا ، وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما لإحضار كتاب حاطب».

وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن فى البخارى : «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث لإحضار كتاب حاطب ، أبا مرثد مع على والزبير».

وفى رواية فيه : المقداد ، بدل أبى مرثد ـ وكلام ابن إسحاق لا يفهم شيئا من هذا.

ومنها : أن الحافظ ابن عبد الغنى ذكر ما يقتضى : أن حاملة كتاب حاطب : أم سارة مولاة لقريش ، وكلام ابن إسحاق يقتضى : أنها سارة.

وذكر مغلطاى أنها : أم سارة كنود المرينة ، والله أعلم.

ومنها : إن السهيلى ذكر شيئا فى بيان ما كتبه حاطب ؛ لأنه قال : وقد قيل : إنه كان فى الكتاب : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم ، فإنه منجز له ما وعده».

وفى تفسير ابن سلام : أنه كان فى الكتاب الذى كتبه حاطب : أن محمدا قد نفر ، إما إليكم وإما إلى غيركم ، فعليكم الحذر. انتهى.

وكلام ابن إسحاق : ليس فيه شىء من هذا.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صام حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج.

وروى الفاكهى عن ابن عباس رضى الله عنهما : أنه صام حتى بلغ عسفان.

وروى حديثا عن جابر رضى الله عنه : أنه صام حتى بلغ كراع العميم.

وهذان الخبران مخالفان لما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة يوم فتحها من أذاخر.

وذكر ابن عقبة ما يقتضى أنه دخلها من ثنية كداء بأعلى مكة.

وذكر الفاكهى عن ابن عمر رضى الله عنهما ما يوافق ذلك.


ومنها : أن ابن عقبة قال : وقتل من بنى بكر قريبا من عشرين ، ومن هذيل : ثلاث ، أو أربعة ، وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد.

وقال ابن سعد : قيل أربعة وعشرون رجلا من قريش ، وأربعة من هذيل.

وروى الفاكهى خبرا فيه : فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة.

وجميع هذه الأقوال يخالف ما ذكره ابن إسحاق من : أن المقتولين من المشركين قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر. والله أعلم.

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى : أن الكعبة فتحت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح.

وفى صحيح مسلم ـ رحمه‌الله تعالى ـ ما يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحها بنفسه يوم الفتح.

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى أن على بن أبى طالب سأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجمع لبنى هاشم الحجابة مع السقاية.

وذكر الأزرقى عن الواقدى ما يقتضى : أن العباس بن عبد المطلب هو الذى سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذلك.

ومنها : أن ابن هشام ذكر أن أبا سفيان ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، كانوا جلوسا بفناء الكعبة لما أذن بلال ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم وأخبرهم بقولهم.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى : أنهم كانوا جلوسا فى الحجر ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استدعاهم إلى الصفا وأخبرهم بقولهم : إلا أن الخبر الذى ذكره الفاكهى ليس فيه ذكر الحارث بن هشام. وفيه ذكر سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية مع عتاب بن أسيد ، وأبى سفيان. ولا يصح ما فيه من : أن صفوان كان معهم لفراره إلى جدة فى يوم الفتح.

وفى الأزرقى ما يقتضى : أن عتاب بن أسيد لم يكن معهم ، وإنما كان معهم أخوه خالد بن أسيد مع الحارث ، وأبى سفيان ، وسهيل ، والحكم بن أبى العاص ، والله أعلم.

ومنها : أن ابن عقبة ذكر أنه كان مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتح مكة اثنى عشر ألفا ، على ما قيل. ونقل ذلك مغلطاى عن الحاكم جزما.

وما ذكره ابن إسحاق يقتضى : أنهم عشرة آلاف. والله أعلم.

ومنها : أنه اختلف فى مدة إقامة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتحها. ففى البخارى : وأقام بها خمس عشرة ليلة.


وفى رواية : تسع عشرة.

وفى أبى داود : سبع عشرة.

وفى الأكمل : أصحها بضع عشرة يصلى ركعتين. انتهى. نقل هذه الروايات مغلطاى هكذا.

والذى ذكره ابن إسحاق خمس عشرة ليلة ، وذلك يخالف هذه الروايات ، إلا الأولى التى فى البخارى.

ورأيت فى ذلك غير ما سبق ؛ لأن الفاكهى روى بسنده عن أنس رضى الله عنه ، قال : أقمنا بمكة عشرا ، يعنى زمان الفتح. انتهى.

وقد أتينا فيما يتعلق بخبر الفتح الذى ذكره ابن إسحاق وابن هشام بفوائد أكثر من هذا فى أصله ، ومثل ذلك لا يوجد مجموعا فى كتاب ، ويتعلق به مسائل كثيرة من الفقة واللغة والعربية ، تركنا ذكرها لكونها غير مقصودة بالذكر فى هذا التأليف ، وخيفة من الطويل. ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

* * *


الباب السابع والثلاثون

فى ذكر ولاة مكة المشرفة فى الإسلام (١)

لما فتح الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ـ استخلف عليها عتاب بن أسيد ـ بفتح الهمزة ـ بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى ، أميرا على من تخلف عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الناس حين خرج إلى حنين ، وذلك فى العشر الأول من شوال سنة ثمان من الهجرة.

ولم يزل عتاب أميرا على مكة إلى أن توفى بها بعد موت الصديق رضى الله عنه أو يوم جاء نعى الصديق إلى مكة.

وفى تاريخ ابن جرير ، وابن الأثير ما يقتضى أنه ولى مكة لعمر رضى الله عنه.

وفى الاستيعاب ما يقتضى : أن الصديق عزله عن مكة ، وولاها للحارث بن الحارث ابن عبد المطلب بن هاشم.

وفى مغازى موسى بن عقبة ما يقتضى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف معاذ بن جبل على مكة لما خرج إلى حنين.

وفى الاستيعاب : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف على مكة هبيرة بن شبل بن العجلان الثقفى.

والمعروف : استخلاف عتّاب ودوام ولايته حتى مات. والله أعلم.

وولى مكة : المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، نيابة عن عتاب فى سفرة سافرها.

ثم وليها فى أول خلافة عمر رضى الله عنه ، المحرز المذكور ، ثم قنفذ بن عمير بن جدعان التيمى ، ثم نافع بن عبد الحارث الخزاعى ، ثم خالد بن العاص ، ثم هشام بن المغيرة المخزومى.

وممن ولى مكة فى خلافة عمر رضى الله عنه : طارق بن المرتفع بن الحارث بن عبد مناة ، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعى ـ مولاهم ـ نيابة عن نافع بن عبد الحارث لما خرج

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ١٦٢ ـ ٢١٢).


للقاء عمر رضى الله عنه إلى عسفان ، وأنكر عليه عمر رضى الله عنه استخلافه لابن أبزى ، وعزل نافعا لكونه : استخلف على أهل الله مولى.

وقيل : إن الحارث بن نوفل ـ السابق ذكره ـ ولى مكة لعمر رضى الله عنه.

ثم ولى مكة فى أول خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه : على بن عدى بن ربيعة ابن عبد العزى بن عبد شمس ، ثم خالد بن العاص ـ السابق ـ ودامت ولايته إلى أن عزله منها على بن أبى طالب رضى الله عنه.

ووليها لعثمان رضى الله عنه أيضا : الحارث بن نوفل ـ السابق ـ وعبد الله بن خالد ابن أسيد ، وهو ابن أخى عتاب ، وعبد الله بن عامر الحضرمى. على ما ذكره ابن الأثير.

ووليها أيضا فيما قيل : نافع بن عبد الحارث ، السابق ذكره.

ثم ولى مكة فى خلافة على رضى الله عنه : أبو قتادة الأنصارى ، حارس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد عزل خالد بن العاص ، ثم قثم بن العباس بن عبد المطلب ، ودامت ولايته إلى أن قتل على رضى الله عنه.

وقيل : إن معبد بن العباس بن عبد المطلب وليها لعلى رضى الله عنه.

ثم ولى مكة فى خلاف معاوية بن أبى سفيان : أخوه عتبة بن أبى سفيان ، ومروان ابن الحكم بن أبى العاص ، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ، وابنه عمرو بن سعيد ، المعروف : بالأشدق ، وخالد بن العاص ، وعبد الله بن خالد بن أسيد ـ السابق ذكرهما.

ثم ولى مكة فى خلافة يزيد بن معاوية ، جماعة ، أولهم : عمرو بن سعيد الأشدق ، والوليد بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب ، وعثمان بن محمد بن أبى سفيان الأمويون ، والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ـ المقدم ذكر أبيه ـ وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوى ، ابن أخى عمر رضى الله عنه ، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحى.

ثم ولى مكة : عبد الله بن الزبير بن العوام رضى الله عنهما بعد موت يزيد بن معاوية.

وبويع بالخلافة فى الحجاز والعراق واليمن وغير ذلك حتى كادت الأمة تجمع عليه.

ودامت ولايته على مكة حتى استشهد فى جمادى الأولى أو الآخرة سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، بعد أن حاصره الحجاج بن يوسف الثقفى أزيد من نصف سنة. وابن الزبير ينتصف منهم وتفضل عليهم.


وكان قد حارب قبل أن يلى الخلافة : الحصين بن نمير أشهرا بمكة ، ثم تخلى الحصين عن الحرب لوصول نعى يزيد.

وولى مكة لعبد الله بن الزبير رضى الله عنهما : الحارث بن حاطب الجمحى.

ثم ولى مكة بعد قتل ابن الزبير فى خلافة عبد الملك بن مروان جماعة ، أولهم : الحجاج ابن يوسف الثقفى ، والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ، وخالد بن عبد الله القسرى ، وعبد الله بن سفيان المخزومى ، وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص ـ المقدم ذكر أبيه ـ ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ، ونافع بن علقمة الكنانى ، ويحيى بن الحكم بن أبى العاص الأموى.

وولى مكة فى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان : الإمام العادل عمر بن عبد العزيز ابن مروان ، ثم خالد بن عبد الله القسرى.

ثم ولى مكة فى خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان : ثلاثة نفر خالد بن عبد الله القسرى ، ثم طلحة بن داود الحضرمى ، ثم عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد ـ السابق ذكره.

ثم ولى مكة فى خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان : عبد العزيز بن عبد الله بن خالد ، السابق.

وقيل : وليها لعمر بن عبد العزيز : محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وعروة بن عياض بن عدى بن الخيار النوفلى ، وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ، وعثمان بن عبد الله بن سراقة العدوى.

ووليها : ابن سراقة لغير عمر ـ قبله ـ ولعل ولايتهم لعمر على مكة لما كان واليا عليها للوليد. والله أعلم.

ثم ولى مكة فى خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان ، ثلاثة نفر ، أولهم : عبد العزيز بن عبد الله ـ السابق ـ ثم عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهرى ، ثم عبد الواحد بن عبد الله النصرى ، بالنون.

ثم ولى مكة فى خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان جماعة ، أولهم : عبد الواحد المذكور ، ثم إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى ـ خال هشام بن عبد الملك ـ ثم أخوه محمد بن هشام.

وولى مكة فى خلافة هشام : نافع بن علقمة الكنانى.


وممن ولى مكة فى خلافة عبد الملك ، أو فى خلافة أحد من أولاده المذكورين أو فى خلافة عمر بن عبد العزيز : أبو حراب محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث ابن أمية الأصغر القرشى ، وكان على مكة فى زمن عطاء بن أبى رباح.

ثم ولى مكة فى خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك : خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفى ، ودامت ولايته إلى انقضاء خلافته.

ثم ولى مكة فى خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك : عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ـ فيما أظن ـ والله أعلم.

ثم وليها فى خلافة مروان بن محمد بن مروان ـ آخر الخلفاء الأمويين ـ عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز ـ المقدم ذكره ـ ثم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، ثم أبو حمزة المختار بن عوف الخارجى الأباضى بالتّغلّب بعد الحج من سنة تسع وعشرين ومائة ، وسار أبو حمزة إلى المدينة.

واستخلف على مكة أبرهة بن الصباح الحميرى ، وسار لحربه من الشام : عبد الملك ابن محمد بن عطية السعدى ، فالتقوا بالأبطح واقتتلوا إلى نصف النهار ، وقيل : أبرهة ، وأبو حمزة وخلق من جيشه.

وقيل : إن أبا حمزة قتل بوادى القرى ، قتله جيش بن عطية فى آخر هذا العام ، وهو عام ثلاثين ومائة ، راجعا من اليمن ليقيم الحج بعد قتله لطالب الحق الذى يدعو له أبو حمزة.

وكان قد استخلف على مكة ـ إذ سار إلى اليمن ـ رجلا من أهل الشام يقال له ابن ماعز.

وولى مكة لمروان : ـ السابق ذكره ـ الوليد بن عروة السعدى ـ ابن أخى عبد الملك ـ ودامت ولايته إلى انقضاء خلافة مروان.

ورأيت فى نسخة من كامل ابن الأثير : أن محمد بن عبد الملك بن مروان : كان على مكة والمدينة والطائف فى سنة ثلاثين ومائة ، وأنه حج بالناس فيها. ولم أر ما يدل إلا لحجه بالناس دون ولايته. والله أعلم.

ثم ولى فى خلافة أبى العباس السفاح ـ أول الخلفاء العباسيين ـ : عمه داود بن على ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ثم زياد بن عبد الله الحارثى خال السفاح ، ثم العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب.


وممن وليها للسفاح على ما قيل : عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الخطاب.

ثم وليها فى خلافة أبى جعفر المنصور : العباس بن عبد الله بن معبد السابق ذكره ـ ثم زياد بن عبد الله الحارثى ، ثم السرى بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب ، ثم محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب بالتّغلّب لأن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم ، لما خرج بالمدينة على المنصور استعمله على مكة ، واستعمل على اليمن القاسم بن إسحاق ، فسار إلى مكة ، فلقيهما السرى بأذاخر ، فهزماه ، ودخل محمد مكة ، وأقام بها يسيرا ، ثم سار عنها إلى المدينة لنصر محمد بن عبد الله بن الحسن ، فأتاه بنواحى قديد نعى محمد بن عبد الله.

وفى كتاب الزبير بن بكار ما يقتضى : أن الذى ولاه محمد بن عبد الله بن الحسن مكة هو : الحسن بن معاوية ـ والد محمد بن الحسن السابق ذكره ـ والله أعلم.

ثم عاد السرى لولاية مكة.

ثم وليها بعده عبد الصمد بن على عم المنصور.

ثم وليها بعده محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس.

ثم وليها فى خلافة المهدى بن المنصور : إبراهيم بن يحيى بن محمد بن على بن عبد الله ابن عباس ، بوصية من المنصور ، ثم جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس ، ثم عبيد الله بن قثم بن العباس بن عبد الله بن عباس.

وممن وليها للمهدى : محمد بن إبراهيم الإمام السابق ذكره ـ وكذا فيما أظن : قثم ابن العباس ، والد عبيد الله بن قثم.

وولايته لمكة ، ذكرها ابن حزم ، إلا أنه لم يذكر تاريخها.

ثم ولى مكة فى خلافة الهادى بن المهتدى : عبيد الله بن قثم ـ السابق ، والحسين بن على بن الحسين بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم بالتغلب ؛ لأنه ثار بالمدينة ، واستولى عليها ، ثم سار إلى مكة واستولى عليها.

وقيل : فى حرب كان بينه وبين أصحاب الهادى بفخ ـ وهو وادى الزاهر ـ يوم التروية من سنة تسع وستين ومائة ، ولم يسهل بالهادى قتله. وكان كريما شجاعا. وقبره معروف فى قبة عالية. والمقتولون من أصحابه : أزيد من مائة نفر.


وممن ولى أمر مكة فى خلافة الهادى ـ أو خلافة أخيه الرشيد ـ : محمد بن عبد الرحمن السفيانى.

ثم ولى مكة فى خلافة الرشيد ابن المهدى جماعة ، وهم : أحمد بن إسماعيل بن على ابن عبد الله بن عباس ، وحماد البربرى ، وسليمان بن جعفر بن سليمان بن على ، والعباس ابن موسى بن عيسى بن موسى ، والعباس بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعبد الله بن محمد ابن عمران بن إبراهيم التيمى ، وعبيد الله بن قثم بن العباس ـ السابق ، وعبيد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعلى بن موسى بن عيسى ـ أخو العباس السابق ، والفضل بن العباس بن محمد بن على ، ومحمد بن إبراهيم الإمام ، ومحمد بن عبيد بن سعيد بن المغيرة ابن عمر بن عثمان بن عفان ، وموسى بن عيسى بن موسى بن محمد ابن على.

ثم ولى مكة فى خلافة الأمين ابن الرشيد : داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على.

ثم ولى مكة فى خلافة المأمون بن الرشيد : داود بن عيسى ـ المذكور.

ثم وليها بالتغلب : الحسين بن الحسن بن على بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب المعروف : بالأفطس فى أيام الحج من سنة تسع وتسعين ومائة ، بعد قرار داود ـ المذكور ـ ودامت ولايته إلى أن بلغه قتل مرسله أبى السرايا داعية ابن طباطبا. وبدا من الحسن وأصحابه ما لا يحمد.

ثم ولى مكة بعده : محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب الحسينى ، الملقب : بالديباجة ؛ لجمال وجهه.

وبويع فيه بالخلافة فى ربيع الأول سنة مائتين. ودامت ولايته إلى جمادى الآخر سنة مائتين.

واستولى عليها أصحاب المأمون بعد قتال جرى بينهم وبين العلويين ، انهزم العلويون لأجله. وفارق الديباجة مكة بأمان ، ثم عاد إليها بأمان ثانى ، وطلع المنبر واعتذر عما وقع منه ، واستغفر وخلع نفسه ، ولحق بالمأمون ، فعفى عنه.

وولى مكة ـ بعد هزيمة العلويين ـ عيسى بن يزيد الجلودى.

ووليها للجلودى ابنه محمد ، ويزيد بن محمد بن حنظلة المخزومى.

ووليها بعد عزل الجلودى : هارون بن المسيب.


ووليها فى خلافة المأمون : حمدون بن على بن عيسى بن ماهان ، وإبراهيم بن موسى ابن جعفر الحسينى ـ أخو على بن موسى الرضا ـ وعبيد الله بن الحسن بن عبيد الله ابن العباس بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم ، صالح بن العباس بن محمد بن على ابن عبد الله بن العباس ، وسليمان بن عبيد الله بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس ، وابنه محمد بن سليمان.

وممن وليها للمأمون : الحسن بن سهل ، إلا أنه لم يباشر ولايتها ، وإنما عقد له عليها الولاية.

ثم وليها فى خلافة المعتصم بن الرشيد : صالح بن العباس ـ السابق ، ثم محمد بن داود ابن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبيد الله بن عباس الملقب : ترنجة. ولعل ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل. والله أعلم.

وأشناس التركى ـ أحد قواد المعتصم ـ وولايته كانت عليها وعلى غيرها عقدا لا مباشرة.

ثم وليها فى خلافة المتوكل بن المعتصم : على بن عيسى بن جعفر بن أبى جعفر المنصور ، ثم عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى ـ المقدم ذكر أبيه ، ثم عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ، ثم محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، المعروف : بالزينبى.

وولى مكة فى خلافة المتوكل : ابنه محمد المنتصر ، وما أظنه باشر ذلك ، وإنما عقد له بالولاية عليها مع غيرها ، وإيتاخ الخوزى ـ أحد قواد المتوكل ـ وولايته عليها وعلى غيرها عقد لا مباشرة.

ثم ولى مكة فى خلافة المنتصر بن المتوكل : محمد بن سليمان الزينبى ، السابق فيما أظن. والله أعلم.

ووليها فى خلافة المستعين : أحمد بن محمد بن المعتصم عبد الصمد بن موسى ـ السابق ، ثم جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف شاشان ، ثم إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ، بالتغلب والإحراق ، وحصر أهل مكة حتى ماتوا جوعا وعطشا ، وذلك فى سنة إحدى وخمسين ومائتين.

وقيل : إن قصته كانت فى سنة اثنتين وخمسين ، وفيها أهلكه الله بالجدرى.


وولى مكة فى خلافة المستعين : ابنه العباس ، ومحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين ، ولم يباشرا الولاية على مكة وإنما عقد لهما عليها الولاية مع بلاد أخر.

ثم ولى مكة فى خلافة المعتز بن المتوكل عيسى محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المخزومى.

وممن ولى مكة فى خلافة المهتدى محمد بن الواثق ـ أو فى خلافة المعتمد أحمد بن المتوكل محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الملقب : كعب البقر.

وممن ولى مكة فى خلافة المهتدى : على بن الحسن الهاشمى.

ثم ولى مكة فى خلافة المعتمد ابن المتوكل جماعة ، وهم أخوه : أبو أحمد الموفق بن المتوكل ، وإبراهيم بن محمد بن إسماعيل العباسى ، الملقب : بزيه ، وأبو المغيرة محمد بن عيسى بن محمد المخزومى ـ السابق ذكر أبيه ـ وأبو عيسى محمد بن يحيى بن محمد بن عبد الوهاب المخزومى الفضل بن العباس بن الحسين بن إسماعيل العباسى ، وهارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن على ، وأحمد بن طولون صاحب مصر ، ومحمد بن أبى الساج ، وأخوه يوسف بن أبى الساج.

وباشر من هؤلاء ولاية مكة : إبراهيم ، وأبو المغيرة ، وأبو عيسى ، وهارون ، والفضل ويوسف ، والشك فى الموفق ، هل باشر ولاية مكة أم لا؟.

وأما ابن طولون ، ومحمد بن أبى الساج : فلم أر ما يدل على مباشرتهما.

ثم ولى مكة فى خلافة المعتضد : ابن أبى أحمد الموفق بن المتوكل.

وفى خلافة أولاده : المكتفى ، والمقتدر ، والقاهر.

وفى خلافة الراضى : ابن المقتدر.

وفى خلافة المتقى : ابن المقتدر.

وفى خلافة المستكفى : ابن المكتفى.

وفى خلافة المطيع بن المقتدر جماعة ، وما عرفت منهم إلا عج بن حاج ، ومؤنس بن المظفر ، وابن ملاحظ ، وابن مخلب ، أو ابن محارب ـ على الشك منى ـ ومحمد بن طغج الأخشيد صاحب مصر ، وابنيه أبا القاسم ، أو نجور ، ومعنى أو نجور : محمود ، وأبا الحسن عليا ، والقاضى أبا جعفر محمد بن عبد العزيز العباسى وولايته فى زمن ولاية الإخشيد بمكة.


وما عرفت أن أحدا من هؤلاء باشر ولاية مكة غير عج بن حاج ، وابن ملاحظ ، وابن محارب ، أو ابن مخلب ـ على الشك فيما يعرف به.

ثم ولى مكة بالتغلب : جعفر بن محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى. هكذا نسبه ابن حزم فى الجمهرة. وذكر أنه غلب على مكة أيام الإخشيدية. وأظن ذلك بعد موت كافور الإخشيدى وقبل استيلاء القائد جوهر خادم المعز العبيدى على مصر. والله أعلم.

وولى مكة بعد جعفر هذا : ابنه عيسى. ودامت ولايته على مكة إلى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة على ما ذكر بعض مشايخنا.

وذكر أن أبا الفتوح الحسن بن جعفر ولى مكة فى هذا التاريخ. والله أعلم.

وولاية أبى الفتوح بمكة مشهورة ، ودامت ولايته عليها فيما علمت إلى أن مات فى سنة ثلاثين وأربعمائة ، إلا أن صاحب مصر الحاكم العبيدى عزله.

وولى مكة عوضه ابن عم له يقال له ابو الطيب ؛ لأن أبا الفتوح خرج عن طاعة الحاكم ، وبويع فى الحرمين بالخلافة ، ويلقب بالراشد ، وسار فى ألف عبد إلى الرملة لأن آل الجراح حملوه على ذلك ، ثم تخلوا عنه لاستمالة الحاكم لهم عنه بأموال عظيمة ، وشفعوا له عند الحاكم وأعادوه إلى ولاية مكة.

وكان ذلك من أبى الفتوح فى سنة إحدى وأربعمائة.

وقيل : فى سنة اثنتين وأربعمائة.

ووليها بعده : شكر بن أبى الفتوح ، ودامت ولايته ـ فيما علمت ـ إلى أن مات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ، وآل أمر مكة بعد شكر إلى عبد له ، على ما ذكر ابن حزم فى الجمهرة.

وفى المرآة : ما يقتضى أنه ولى مكة بعد شكر : بنو أبى الطيب الحسنيون ، ثم على بن محمد الصليحى صاحب اليمن ، ثم محمد بن جعفر بن أبى هاشم عن الصليحى ، ومحمد ابن جعفر هذا أحد أمراء مكة المعروفين بالهواشم ، وهو أبو هاشم محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبى هاشم محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى.

وكان تأمير الصليحى له فى سنة ست وخمسين وأربعمائة.


ودامت ولاية ابن أبى هاشم ثلاثين سنة ، إلا أن بنى سليمان الحسينيين قصدوه مع حمزة بن وهاس ففر إلى ينبع ؛ لأنه لم يكن له بهم طاقة. وذلك بعد سير الصليحى من مكة.

وكان سيره بعد يوم عاشوراء ، أو فى ربيع الأول من سنة ست وخمسين وأربعمائة.

وكان ملك الصليحى بمكة فى سادس ذى الحجة سنة خمس وخمسين ، وهرب ابن أبى هاشم فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة إلى بغداد لما وصل إلى مكة التركمان ، وهو أول من أعاد الخطبة العباسية بمكة بعد قطعها من الحرمين نحو مائة سنة.

وولى مكة بعده : ابنه قاسم ، ثم أصبهيذ بن سارمتكين.

ثم عاد قاسم المذكور لولايتها فى شوال سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، بعد أن هزم أصبهيذ.

واستمر قاسم حتى مات فيما علمت ، وكان موته فى سنة ثمان عشرة وخمسمائة.

وولى بعده : ابنه فليتة ، ويقال : أبو فليتة ، واستمر فيما علمت حتى مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة.

وولى بعده : هاشم ابنه ، واستمر فيما علمت إلى سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وقيل:إلى سنة إحدى وخمسين.

وولى بعده : قاسم ابنه إلى وقت الموسم من سنة ست وخمسين.

ثم ولى عوضه : عمه عيسى بن فليتة.

ثم ولى قاسم مكة فى شهر رمضان سنة سبع وخمسين ، ثم قتل بعد أيام يسيرة وعاد عمه عيسى إلى ولايتها.

واستمر فيما علمت حتى مات سنة سبعين وخمسمائة ، إلا أن أخاه مالك بن قتيبة استولى على مكة نحو نصف يوم.

وخرج من مكة مالك بعد قتال جرى بين عسكره وعسكر أخيه ، وذلك يوم عاشوراء من سنة ست وستين وخمسمائة.

ووليها بعد عيسى : ابنه داود ، ثم أخوه مكثر بن عيسى فى نصف رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.


ثم وليها فى هذه السنة : الأمير قاسم بن مهنا الحسينى أمير المدينة ثلاثة أيام بعد الحج من هذه السنة. ثم رأى فى نفسه العجز عن القيام بذلك ، فرأى أمير الحاج طاشتكين داود بن عيسى. وكان الأخوان بعد ذلك يتداولان إمرة مكة يليها كل منهما زمنا ، ثم انفرد بها مكثر نحو عشر سنين متوالية. وبه انقضت ولاية الهواشم.

ووليها ـ فى ولاية أحدهما ـ سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، صاحب مصر والشام فى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

وولى مكة بعد مكثر : أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى ابن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى الينبعى فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وقيل : فى سنة ثمان وتسعين ، وقيل : سنة تسع وتسعين.

واستمر حتى مات فى سنة سبع عشرة وستمائة ، وقيل : سنة ثمان عشرة.

وامتدت ولايته إلى ينبع وإلى حلى ، وحارب صاحب المدينة ، وغلب كل منهما الآخر حينا.

وولى مكة فى ولاية قتادة أقباش الناصرى العباسى ، ولم يباشر ولايتها ، وإنما عقد له مولاه الولاية على الحرمين ، وإمرة الحجاج.

وولى مكة بعد قتادة : ابنه حسين بن قتادة ، ودامت ولايته إلى سنة تسع عشرة وستمائة ، وقيل : إلى سنة عشرين.

ووليها بعده : الملك المسعودى ، واسمه يوسف ، ويلقب : أقسيس بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب صاحب اليمن ، بعد أن حارب حسن بن قتادة بالمسعى ، وانهزم حسن.

ونهب عسكر الملك المسعودى مكة إلى العصر ، ودامت ولايته عليها حتى مات فى سنة ست وعشرين وستمائة. ووليها نيابة عنه : نور الدين عمر بن على بن رسول الذى صار سلطانا باليمن بعده ، والأمير حسام الدين ياقوت بن عبد الله المسعودى.

ووليها بعد المسعودى : والده الكامل صاحب مصر ، ودامت ولايته إلى شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وستمائة.

ثم وليها الملك المنصور نور الدين ـ المذكور ـ بعد أن بويع بالسلطنة ببلاد اليمن ؛ لأنه أنفذ جيشا إليها فيهم راجح بن قتادة ، فهرب منها طغتكين متوليها من قبل الكامل.


ثم استولى عليها مع جيش أمده به الكامل فى شهر رمضان سنة تسع وعشرين ، وسمى ابن محفوظ المكى أمير مكة الكامل فى هذا التاريخ شجاع الدين الدغدكى وهو تصحيف ، إنما هو طغتكين. والله أعلم.

وقيل : إن فخر الدين بن الشيخ على ، كان على مكة لما وصلها جيش المنصور فى سنة تسع وعشرين.

ثم وليها جيش المنصور مع راجح بغير قتال فى صفر سنة ثلاثين.

ثم وليها فى آخرها عسكر الكامل ، وأقام بها أمير من جهة الكامل يقال له ابن مجلى.

ثم وليها : عسكر المنصور مع راجح فى سنة إحدى وثلاثين.

ثم وليها فى سنة اثنتين وثلاثين : عسكر الكامل ، وكان ألف فارس.

وقيل : سبعمائة. وقيل : خمسمائة ، وخمسة من الأمراء يقدمهم الأمير جفريل ودامت ولاية الكامل عليها إلى أن استولى عليها المنصور فى سنة خمس وثلاثين وستمائة ، وكان قد سار إليها بنفسه فى ألف فارس فيما قيل.

ودامت ولايته عليها إلى سنة سبع وثلاثين ، وترك بها مائة وخمسين فارسا ، قدم عليهم ابن الوليد وابن التغرى.

ثم وليها : الملك الصالح أيوب بن الكامل صاحب مصر ؛ لأنه أنفذ إليها مع الشريف شيحة صاحب المدينة جيشا فيه ألف فارس ، فاستولى على مكة بغير قتال فى سنة سبع وثلاثين.

ثم وليها : عسكر المنصور بعد مفارقة شيحة ، ومن معه بمكة وفيهم النصرى ، وراجح ابن قتادة. وذلك فى سنة سبع وثلاثين ، أو ثمان وثلاثين وستمائة.

ثم وليها : عسكر الصالح فى سنة ثمان وثلاثين ، وممن وليها له الأمير فخر الدين أحمد ابن التركمانى.

ثم وليها المنصور فى سنة تسع وثلاثين وستمائة ، وسافر إليها بنفسه ، ودامت ولايته عليها حتى مات ، وأمر عليها فى هذه السنة مملوكه الأمير فخر الدين الشلاح ، وابن فيروز ، وجعل الشريف أبا سعد بن على بن قتادة بالوادى مساعدا لعسكره.

واستمر الشلاح على ولاية مكة إلى سنة ست وأربعين وستمائة ، على ما ذكر بعض مؤرخى اليمن فى عصرنا.


ووجدت بخط الميورقى : أن ابن المسيب قدم مكة لعزل الشلاح فى منتصف ربيع الأول سنة خمس وأربعين ، والله أعلم بالصواب.

وولى مكة بعد ابن المسيب أبو سعد بن على ـ السابق ـ بعد قبضه على ابن المسيب فى ذى القعدة.

وقيل : فى شوال سنة سبع وأربعين وستمائة ، واستمر إلى أن قتل سنة إحدى وخمسين فى شعبان. وقيل : فى رمضان منها.

ثم وليها بعده ـ أحد قتلته ـ : جماز بن حسن بن قتادة ، واستمر إلى آخر يوم من الحج سنة إحدى وخمسين.

ثم وليها بعده راجح بن قتادة ، واستمر إلى ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين.

ثم وليها بعده : ابنه غانم بن راجح ، واستمر إلى شوال منها.

ثم وليها بعده : إدريس بن قتادة ، وأبو نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بعد قتال مات فيه ثلاثة نفر.

ثم وليها : المبارز على بن الحسين بن برطاس ، وكان المظفر صاحب اليمن قد أنفذه إلى مكة فى مائتى فارس ، فقاتل إدريس وأبا نمى ، وظهر عليهما فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة اثنتين وخمسين.

ثم وليها : إدريس وأبو نمى فى المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة بعد قتالهم لابن برطاس ، وكان أسر ففدا نفسه وفارق مكة بمن معه.

وفى سنة أربع وخمسين وستمائة : انفرد أبو نمى بالإمرة بها ، ثم عاد إدريس لمشاركته فى ولايتها.

ثم وليها : أولاد حسن بن قتادة بست أيام من سنة ست وخمسين ، ثم أخرجهم منها أبو نمى. ودامت ولاية إدريس ، وأبو نمى إلى سنة سبع وستين.

ثم انفرد بها أبو نمى قليلا ثم عاد إدريس إلى ولايتها واستمر إلى ربيع الأول سنة تسع وستين.

ثم انفرد إدريس بولايتها أربعين يوما.

ثم قتل فى هذه السنة بخليص فى حرب كان بينه وبين أبى نمى ، وانفرد أبو نمى بولايتها إلى سنة سبعين.


ثم وليها فى صفر : جماز بن شيحة صاحب المدينة ، وغانم بن إدريس بن حسن بن قتادة صاحب ينبع ، ثم عاد أبو نمى إلى ولايتها بعد أربعين يوما ، واستمر إلى سنة سبع وثمانين وستمائة.

ثم عاد جماز بن شيحة إلى ولاية مكة ، وأقام بها إلى آخر السنة. وذلك مدة يسيرة.

ثم وليها أبو نمى ، واستمر إلى أوائل صفر سنة إحدى وسبعمائة ، وفى رابعه مات.

وكان وليها فى حال ولاية أبى نمى وإدريس أمير يقال له : شمس الدين مروان نائب الأمير عز الدين أمير خازندار بأمر من الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر فى سنة سبع وستين وستمائة ، بسؤال من إدريس وأبى نمى للظاهر فى ذلك ، ثم أخرج مروان من مكة فى سنة ثمان وستين.

ووليها ـ قبل موت أبى نمى بيومين ـ : ابناه حميضة ، ورميثة ، واستمر إلى أن قبض عليهما فى موسم سنة إحدى وسبعمائة.

ووليها بعدهما : أخواهما أبو الغيث ، وعطيفة ـ ابنا أبى نمى.

وقيل : وليها بعدهما أبو الغيث ، ومحمد بن إدريس بن قتادة.

ثم وليها : حميضة ، ورميثة فى سنة ثلاث وسبعمائة.

وقيل : فى سنة أربع وسبعمائة ، بولاية من الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر ، واستمر إلى موسم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.

ثم وليها : أخوهما أبو الغيث ، بولاية من الناصر المذكور ، وجهز معه جيشا كثيفا ، واستمر شهرين وجمعة.

ثم وليها : حميضة بعد قتال كان بينه وبين أبى الغيث ، ثم ظفر به فى حرب آخر فقتله ، واستمر حميضة إلى أن هرب إلى الحلف والخليف فى شعبان سنة خمس عشرة.

ووليها بعده : أخوه رميثة بولاية من الناصر المذكور ، واستمر إلى أن قبض عليه بعد انقضاء الحج من سنة ثمان عشرة وسبعمائة ، إلا أن حميضة استولى على مكة فى أوائل هذه السنة ، أو بعد الحج من التى قبلها بموافقة رميثة على ما قيل.

ووليها : عطيفة بن أبى نمى فى أوائل سنة تسع عشرة وسبعمائة ، بولاية من الناصر المذكور ، وجهز معه عسكرا ، واستمر فى الولاية إلى أوائل سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ، إلا أن رميثة شاركه فى ولاية مكة فى بعض سنى عشر الثلاثين.


ثم وليها : رميثة بمفرده فى ربيع الآخر أو جمادى الأولى ، من سنة إحدى وثلاثين ، واستمر إلى سنة أربع وثلاثين.

ثم وليها : عطيفة شريكا لرميثة.

ثم انفرد رميثة بإمرتها ليلة رحيل الحاج من السنة المذكورة.

ثم وليها : عطيفة شريكا لرميثة فى الموسم من سنة خمس وثلاثين ، واستمر إلى أثناء سنة ست وثلاثين.

ثم سافر فأقام عطيفة بمكة ، ورميثة بالحديد بوادى مر ، فقصد رميثة مكة ودخلها ، وخرج منها غير ظافر ، وذلك فى رمضان من السنة المذكورة. وفى سنة سبع وثلاثين اصطلحا وتشاركا فى الإمرة.

ثم انفرد فيها : رميثة ، واستمر متولّيا إلى أن ترك ولايتها فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة لولديه عجلان ، وثقبة ، وأبى ذلك ولاة الأمر بمصر ، وكتبوا له بالولاية ، فاستمر رميثة إلى سنة ست وأربعين وسبعمائة.

ثم وليها فيها : ابنه عجلان فى حياة أبيه. وفيها مات أبوه ، واستمر عجلان إلى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.

ثم وليها معه أخوه ثقبة ، ثم صارا يتداولان ولايتها كل منهما وقتا.

ثم ولياها معا باتفاقهما على ذلك فى أيام الموسم من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.

ثم وليها بعدهما : أخوهما سند بن رميثة ، وابن عمهما محمد بن عطيفة فى أثناء سنة ستين وسبعمائة ، بولاية من الناصر حسن بن محمد بن قلاوون صاحب مصر ، وجهز من مصر عسكرا لتأييدهما. واستمر على ولايتهما حتى انقضى الحج من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

ثم وليها ـ عوض ابن عطيفة شريكا لسند ـ : أخوه ثقبة بن رميثة ؛ لأن الترك الذين قدموا فى موسم هذه السنة إلى مكة للإقامة بها عوض الأولين خرجوا من مكة على وجه مؤ لم بسبب ما نالهم من بنى حسن من القتل والنهب.

وكان ابن عطيفة تخطى عن نصرة الترك فلم يستطع المقام بمكة بعد خروجهم منها ، فخرج منها خائفا يترقب.

ووجدت بخط بعض الناس من أصحابنا ما يقتضى : أنه أقام بمكة بعد الترك. ولعله أقام قليلا ثم رحل.


ثم ولى عجلان إمرة مكة عوض سند ، شريكا لثقبة.

وكان بمصر حين ولايته لذلك ، فما وصل إلى وادى مر إلا وثقبة عليل مدنف ، فلما مات ثقبة فى شوال سنة اثنتين وستين وسبعمائة ولى عجلان عوضه : ابنه أحمد بن عجلان ، وجعل له ربع الحاصل ، ثم زاده بعد ذلك ربعا آخر ، ثم ترك عجلان الإمرة لابنه : أحمد ، على أمور اشترطها ، منها : دوام الدعاء مدة له حياته ، فوفى له بذلك ابنه.

واستمر منفردا بالإمرة حتى أشرك معه فيها ابنه محمد بن أحمد بن عجلان فى سنة ثمانين وسبعمائة بولاية من صاحب مصر ، ولم يظهر لذلك أثر لصغر ابنه واستبداده هو بالأمور ، واستمرا شريكين فى الإمرة ، حتى مات الأب فى العشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.

ثم انفرد شريكين فى الإمرة ، حتى مات الأب فى العشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.

ثم انفرد بها الولد مائة يوم ، ثم قتل فى مستهل الحجة من السنة المذكورة لما حضر لخدمة المحمل المصرى.

فوليها عوضه : عنان بن معامس بن رميثة ، واستولى على مكة بعد قتال وقع بينه وبين بعض جماعة الأمير المقتول ، واستولى على جدة أيضا ، ثم انتزعت منه فى أوائل سنة تسع وثمانين ، وأشرك معه فى الإمرة : ابنى عميه أحمد بن ثقبة ، وعقيل بن مبارك بن رميثة ، ثم على بن مبارك ليستظهر بهم على أعدائه. فما وجد بذلك راحة.

ونمى الخبر إلى السلطان الملك الظاهر برقوق بمصر فعزله ، وولى على بن عجلان بن رميثة.

وتحارب عنان وجماعته مع آل عجلان ، ومن معهم بأذاخر فى سلخ شعبان سنة تسع وثمانين ، فكان الظفر لعنان وأصحابه.

ثم استولى على مكة : على بن عجلان فى موسم هذه السنة بعد مفارقة عنان وأصحابه لمكة ، ونزلوا بعد الموسم فى الوادى ، وكان له أمر بجدة. ثم فارقهم عنان ، وتوجه إلى مصر ، فأقام بها مدة مطلقا ومعتقلا.

ثم ولى بعد إطلاقه : نصف إمرتها شريكا لعلى بن عجلان ، ووصل مكة فى نصف شعبان من سنة اثنتين وتسعين. ودخل مكة بموافقة مع على بن عجلان وجماعته. واستمرا على الولاية إلى الرابع والعشرين من صفر سنة أربع وتسعين وسبعمائة.


ثم استبد بها على وأصحابه بعد أن همّ بعضهم بالفتك بعنان بالمسعى فنجى ، ثم دخلها بعد أن أخليت له من جماعتهم لما عزم إلى التوجه إلى مصر مطلوبا ، وتوجه بعده : على بن عجلان واجتمعا بمصر عند الملك الظاهر ، فعزل عنان.

وأقام بمصر حتى مات فى ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة بالفالج.

وولى مكة : على بمفرده ، ووصل إلى مكة فى موسم سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وقبض فى آخر يوم منها على جماعة من وجوه الأشراف والقواد ، ثم خودع فيهم فأطلقهم ، ثم شوشوا عليه كثيرا ، فقصد التجار ينبع لقلة الأمن بمكة وجدة.

وآخر أمره أنه قتل ففاز بالشهادة فى تاسع شوال سنة سبع وسبعمائة.

ثم وليها عوضه : أخوه السيد حسن بن عجلان. وكان حين ولايته بمصر ، فدخل مكة فى رابع عشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. فوجد المجاورين والحاج بولايته راحة ونفعا ؛ لأنه لمصالحهم يرعى.

واستمر منفردا بالإمرة إلى أن أشرك معه فيها : ابنه السيد بركات فى سنة تسع وثمانمائة بولاية من الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر.

ثم سعى لابنه السيد أحمد فى نصف الإمرة الذى كان بيده ، فأجيب لسؤاله وولى هو نيابة السلطنة ببلاد الحجاز. وذلك فى ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثمانمائة.

وولى هو فى إمرة المدينة النبوية : عجلان بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة الحسنى.

وكان يقدم فى الخطبة بالمدينة على أميرها عجلان ، ثم قطعت خطبته منها لما زال عجلان عن ولايتها فى العشر الأخير من ذى القعدة سنة اثنتى عشرة وثمانمائة.

وفى شوال من هذه السنة عزل السيد حسن وابناه عن ولايتهم ، وأسرّ السلطان بمصر ذلك. ثم رضى عليهم وأعادهم إلى ولايتهم فى ثانى عشر ذى القعدة من السنة المذكورة. وبعث إليهم بالعهد والميثاق والتشاريف مع خادمه الخاص فيروز الساقى ، فلبسوا ذلك وقرأ العهد بولايتهم فى أول ذى الحجة من السنة المذكورة. وأحمد الله بذلك فتنة عظيمة كادت أن تقع بين المذكورين ، وبين أمير الحاج المصرى بيسق.

واستمروا على ولايتهم إلى أوائل سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، ثم عزلوا عن ذلك.

ووليه : السيد رميثة بن محمد بن عجلان بن رميثة فى هذا التاريخ. ودخل مكة فى


مستهل ذى الحجة سنة ثمان عشرة. وفيه قرئ توقيعه ودعى له على المنبر فى الخطبة فى سابع ذى الحجة. ثم عزل عن ذلك فى ثامن عشر رمضان سنة تسع عشرة وثمانمائة.

وولى عمه السيد حسن : إمرة مكة ـ عوضة ـ ودخلها لابسا لخلعة الولاية بها بكرة يوم الأربعاء سادس عشرين شوال ، بعد حرب كان بين عسكر حسن ، وابن أخيه فى اليوم الذى قبله ، استظهر فيه عسكر السيد حسن على من قاتلهم وفارقوا مكة.

واستمر الشريف حسن فى إمرة مكة حتى عزل منها بالشريف على بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبى نمى. وجهز معه مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر برسباى ـ نصره الله ـ عسكرا قويا من القاهرة ، فاستولوا على مكة بغير قتال فى سادس جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، ثم على جدة.

وتوجه قبل ذلك الشريف حسن لصوب اليمن ، ثم أتى إلى مكة بأمان من مولانا السلطان ، ودخلها مكرما لابسا لخلعة الولاية فى أول ذى الحجة سنة ثمان وعشرين. وتوجه إلى القاهرة فأكرمه كثيرا مولانا السلطان وقرره فى إمرة مكة. وكان ذلك فى العشرين من جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وثمانمائة وهو عليل.

واستمر كذلك حتى توفى فى السادس عشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة بالقاهرة بعد أن تجهز للسفر إلى مكة. واستدعى مولانا السلطان ـ نصره الله ـ السيد بركات بن حسن بن عجلان ، فوصل إلى الحضرة الشريفة فى الثالث والعشرين من رمضان ، وفوضت إليه إمرة مكة فى السادس والعشرين من رمضان من السنة المذكورة.

واستقر أخوه السيد إبراهيم نائبا عنه ، وخلع عليهما تشريفتين ، وتوجها إلى مكة المشرفة فى عاشر شوال من السنة المذكورة ، فوصلا إليها فى أوائل العشر الوسط من ذى القعدة منها ، وقرئ عهد الشريف بركات بالولاية ولبس الخلعة بذلك.

وقد ذكرنا من حال ولاة مكة أكثر من هذا فى أصله ، وبسطنا ذلك أكثر فى العقد الثمين ، ومختصره عجالة القرى. فمن أراد ذلك فليراجعهما ، يرى فيهما من هذا المعنى وفى غيره أخبارا مستعذبة وفوائد مستغربة. ونحمد الله على ما منّ به من ذلك من الإرشاد. ونسأله فى ذلك السداد.

* * *


الباب الثامن والثلاثون

فى ذكر شىء من الحوادث المتعلقة بمكة فى الإسلام (١)

لا ريب فى كثرة الأخبار فى هذا المعنى ، وأكثر ذلك خفى علينا لعدم العناية بتدوينه فى كل وقت ، وقد سبق مما علمناه أمور كثيرة فى مواضع من هذا الكتاب ، ويأتى إن شاء الله تعالى شىء من ذلك بعد هذا الباب.

والمقصود ذكره فى هذا الباب : أخبار تتعلق بالحجاج ، لها تعلق بمكة أو باديتها. وحج جماعة من الخلفاء والملوك فى حال ولايتهم ، ومن خطب له بمكة من الملوك وغيرهم فى خلافة بنى العباس ، وما جرى بسبب الخطبة بمكة بين ملوك مصر والعراق. وما أسقط من المكوسات المتعلقة بمكة.

فمن الأخبار المقصود ذكرها هنا : أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه ، حج بالناس سنة اثنتى عشرة من الهجرة.

ومنها : أن الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حج بالناس فى جميع خلافته إلا السنة الأولى منها.

ومنها : أن ذا النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه حج بالناس فى جميع خلافته إلا فى السنة الأولى والأخيرة.

ومنها : أن فى سنة أربعين من الهجرة : وقف الناس بعرفة فى اليوم الثامن من ذى الحجة ، وضحوا فى اليوم التاسع. وليس كل إنسان اتفق له ذلك ، والذين اتفق لهم ذلك طائفة كانوا مع المغيرة بن شعبة رضى الله عنه.

ومنها : أن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما : حج بالناس سنتين.

ومنها : أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما حج بالناس فى جميع خلافته إلا السنة الأخيرة منها ، وهى سنة اثنتين وسبعين لحصر الحجاج بن يوسف الثقفى له فيها ، وحج بالناس سنة ثلاث وستين ، فيكون حجه بالناس تسعا ، بتقديم التاء.

ومنها : أن عبد الملك بن مروان حج بالناس سنتين.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٢١٣ ـ ٢٥٩).


ومنها : أن الوليد بن عبد الملك حج بالناس سنتين على ما قيل.

ومنها : أن سليمان بن عبد الملك ، حج بالناس مرة. وكذلك أخوه هشام بن عبد الملك.

ومنها : أن فى سنة تسع وعشرين ومائة : وافى بعرفة أبو حمزة الخارجى على غفلة من الناس فخافوا منه ، فسأله عامل مكة فى المسألة ، فوقع الاتفاق على : أنهم جميعا آمنون حتى ينقضى الحج ، ثم استولى ـ بغير قتال ـ أبو حمزة على مكة بعد الحج لفرار عاملها عنها.

ومنها : أن أبا جعفر المنصور ثانى الخلفاء العباسيين حج بالناس أربع سنين ، ورام الحج فى سنة ثمان وخمسين فما ناله لموته ببئر ميمون ظاهر مكة.

ومنها : أن المهدى بن المنصور العباسى حج بالناس سنة ستين ومائة.

وقيل : إنه حج بالناس سنة أربع وستين أيضا.

وفى حجته الأولى : أنفق فى الحرمين أموالا عظيمة ، يقال : إنها ثلاثون ألف ألف درهم وصل بها من العراق ، وثلاثمائة ألف دينار وصلت إليه من مصر ، ومائتا ألف دينار وصلت إليه من اليمن ، ومائة ألف ثوب وخمسون ألف ثوب.

ومنها : أن الرشيد هارون بن المهدى العباسى حج بالناس تسع حجج ـ بتقديم التاء ـ ولم يحج بعده خليفة من العراق ، إلا أن الذهبى ذكر فى العبر فى أخبار سنة اثنتى عشرة ومائتين : أن المأمون بن هارون الرشيد حج فى هذه السنة ولم أر ذلك لغيره. والله أعلم. وفرق الرشيد فى حجاته أموالا كثيرة جدّا فى الحرمين.

ومنها : أن فى سنة تسع وتسعين ومائة ، وقف الناس بعرفة بلا إمام وصلوا بلا خطبة لفرار أمير مكة عنها ، متخوفا من حسين الأفطس العلوى ، وكان وصوله إلى مكة فى آخر يوم عرفة ، وبها وقف ليلا.

ومنها : أن فى سنة مائتين من الهجرة نهب الحاج بستان ابن عامر ، وأخذت كسوة الكعبة ، ثم استنقذها الجلودى مع كثير من الأموال المنهوبة ، وبستان ابن عامر هو : بطن نخلة ، على ما ذكر أبو الفتح بن سيد الناس عند ذكر سرية عبد الله بن جحش رضى الله عنه إلى نخلة.

ومنها : أن فى سنة إحدى وخمسين ومائتين : لم يقف الناس بعرفة لا ليلا ولا نهارا ، إلا أن إسماعيل بن يوسف العلوى وافى الموقف بعرفة فى يومها.


وقتل : من الحجاج نحو ألف ومائة وسلب الناس وهرب الناس إلى مكة.

ومنها : أن فى سنة خمس وتسعين ومائتين : وقع بمنى قتال بين الأجناد ، وبين عج بن حاج أمير مكة لطلبهم جائزة بيعة المقتدر ، فقتل منهم جماعة ، وفر الناس إلى بستان ابن عامر.

ومنها : أن فى سنة سبع عشرة وثلاثمائة : وافى مكة أبو طاهر القرمطى ، فأسرف فى قتل الحاج وأسرهم مع هتكه لحرمة الكعبة.

وذلك أنه قتل فى المسجد الحرام نحو ألف وسبعمائة من الرجال والنساء ، وهم متعلقون بالكعبة وردم بهم زمزم ، وفرش بهم المسجد ، وما يليه.

وقتل فى سكك مكة وشعابها من أهل خراسان ، والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفا ، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك ، وقد بطل الحج من العراق بسبب القرمطى ثلاث سنين متوالية من هذه السنة ، وبطل بعدها سنين كثيرة فى عشر الثلاثين ، وفى عشر الأربعين. وأوضحنا هذه السنين فى أصل هذا الكتاب ، وليس كل البطالة فيها لأجل القرمطى.

ومنها : أن فى سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، أو فى التى قبلها جرى قتال بين أصحاب ابن طغج والعراقيين بسبب الخطبة بمكة ، وجرى مثل ذلك فى سنة اثنتين وأربعين ، وفى سنة ثلاث وأربعين.

ومنها : ـ أعنى سنة ثلاث ـ خطب بمكة والحجاز لمعز الدولة ، ولولده عز الدين بختيار وبعدهم لابن طغج.

وذكر بعضهم أن فى هذه السنة : منع أصحاب معز الدولة أصحاب الإخشيد من الصلاة بمنى والخطبة ، وأن أصحاب الإخشيد منعوا أصحاب معز الدولة الدخول إلى مكة والطواف. انتهى بالمعنى.

ومنها : أن كافور الإخشيدى صاحب مصر ، كان يدعى له على المنابر بمكة والحجاز أجمع.

ومنها : أن فى سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة : خطب بالحرمين واليمن لصاحب مصر المعز العبيدى ، وقطعت خطبة بنى العباس. وفيها فرق قائد من جهته أموالا عظيمة فى الحرمين.

ومنها : أن فى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة خطب بمكة للقرامطة الهجرتين مع المطيع


العباسى. وقطعت خطبة المعز من مكة ، وخطب له بالمدينة ، وخطب للمطيع بظاهرها ، ثم خطب للمعز بالحرمين فى الموسم سنة ثلاث وستين.

ومنها : أن فى سنة خمس وستين خطب بالحرمين لصاحب مصر العزيز بن المعز العبيدى ، وضيق جيشه بالحصار فيها على أهل مكة ، ودامت الخطبة له ولولده ولولد ولده ولولد ولد ولده ، نحو مائة سنة ، كما سيأتى مبينا إن شاء الله تعالى.

ومنها : أن فى سنة ست وستين وثلاثمائة : حجت جميلة بنت ناصر الدولة بن حمدان ، حجا يضرب به المثل فى التجمل وأفعلا البر ؛ لأنه كان معها على ما قيل : أربعمائة كجاوة ، فلم يدر فى أيها هى لتساويها فى الحسن والزينة ، ونثرت على الكعبة لما رأتها ـ وقيل : لما دخلتها ـ عشرة ألف دينار ، وأغنت المجاورين بالحرمين.

ومنها : أن فى سنة أربع عشرة وأربعمائة ، حصل فى الحجاج قتل ونهب بمكة وبظاهرها ، وسبب ذلك : أن بعض الملحدة تجرأ على الحجر الأسود فضربه ثلاث ضربات بدبوس ، فقتل وقطع وأحرق ، وقتل ممن اتهم بمعاونته جماعة ، وكثر النهب فى المغاربة والمصريين وغيرهم. وهذه الحادثة أبسط من هذا فى أصله وذكرها الذهبى فى سنة ثلاث عشرة ، ونقل ذلك عن غيره ، والله أعلم.

ومنها : أن فى سنة خمس وخمسين وأربعمائة : حج على بن محمد الصليحى ، صاحب اليمن ، وملك فيها مكة ، وفعل فيها أفعالا حميدة ، من العدل والإحسان ومنع المفسدين ، فأمن الناس أمنا لم يعهدوه ، ورخصت الأسعار لأمره بجلب الأقوات ، وكثر البناء عليه.

ومنها : أن فى سنة اثنتين وستين وأربعمائة : أعيدت الخطبة العباسية بمكة وخطب بها للقائم عبد الله العباسى ، ثم للسلطان البارسلان السلجوقى.

وذكر ابن كثير ما يقتضى : أن الخطبة العباسية : أعيدت بمكة فى سنة سبع وخمسين.

وذكر بعض مشايخنا : ما يقتضى أن ذلك وقع فى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة.

ومنها : أن فى سنة سبع وستين أعيدت الخطبة بمكة لصاحب مصر المستنصر العبيدى ، ثم خطب للمقتدر العباسى بمكة فى ذى الحجة سنة ثمان وستين.

ثم أعيدت الخطبة لصاحب مصر فى سنة سبعين. ثم أعيدت الخطبة للمقتدر فى سنة اثنتين وسبعين.

ومنها : أنه خطب بمكة للسلطان محمود بن السلطان ملكشاه السلجوقى فى سنة خمس وثمانين وأربعمائة.


ومنها : أنه خطب فى الحرمين لأخيه السلطان سنجر بن السلطان ملكشاه السلجوقى.

ومنها : أن فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة : نهب الحجاج العراقيون ، وهم يطوفون ويصلون فى المسجد الحرام ، لوحشة كانت بين أمير الحاج العراقى فى نظر الخادم وأمير مكة هاشم بن فليتة.

ومنها : أن السلطان نور الدين محمد بن زنكى صاحب دمشق وغيرها حج فى سنة ست وخمسين وخمسمائة. ثم خطب له بمكة بعد استيلاء المعظم توران شاه بن أيوب ، أخى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على اليمن. واستيلاؤه عليه ، كان فى سنة ثمان وستين وخمسمائة.

وقيل : فى سنة تسع وستين وخمسمائة.

ومنها : أن فى سنة سبع وخمسين وخمسمائة : نهب أهل مكة للحجاج العراقيين نحو ألف جمل ؛ لفتنة كانت بين الفريقين ، قتل فيها جماعة منهما. وعاد جماعة من الحجاج قبل تمام حجهم.

ومنها : أن فى سنة إحدى وستين وخمسمائة : أعفى الحجاج من تسليم المكس كرامة لعمران بن محمد بن الذريع اليامى الهمدانى صاحب عدن لوصول تابوته إلى مكة من عدن ، وإنما حمل إلى مكة لشغفه فى حياته بالحج ، فأحضر فى مشاعره وصلى عليه خلف المقام ، ودفن بالمعلاة.

ومنها : أن الحجاج مكثوا بعرفة إلى الصباح ، خوفا من فتنة كانت بين عيسى بن فليتة ـ أمير مكة ـ وأخيه مالك بن فليتة ، وذلك فى سنة خمس وستين وخمسمائة. وبات الحجاج العراقيون بعرفة أيضا فى سنة سبعين وخمسمائة. وهذا لأنهم إنما وصلوا إلى عرفة فى يومها.

ومنها : أن فى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة : لم يوف أكثر الحجاج العراقى المناسك ؛ لأنهم ما باتوا بمزدلفة وما نزلوا بمنى ، ونزلوا الأبطح فى يوم النحر. وسبب ذلك فتنة عظيمة كانت بين طاشتكين أمير الحاج العراقى وبين مكثر بن عيسى بن فليتة أمير مكة ، ظفر فيه طاشتكين ، وأمر بهدم القلعة التى كانت بمكة ، لمكثر على أبى قبيس ونهبت أموال كثيرة.

ومنها : أن فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة : أبطل السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب المكس المأخوذ من الحجاج فى البحر إلى مكة على طريق عبدان.


وكان ذلك معلوما لأمير مكة ، فعوضه السلطان صلاح الدين عن ذلك ألفى دينار ، وألف أردب قمح وإقطاعات بصعيد مصر وجهة اليمن. وقيل : إنه عوضه عن ذلك مبلغ ثمانية آلاف أردب قمح يحمل إليه كل عام إلى ساحل جدة. والله أعلم. انتهى.

وكان يخطب بمكة للسلطان صلاح الدين المذكور بعد مكثر بن عيسى بن فليتة أمير مكة ، وما علمت ابتداء وقت الخطبة له بمكة. والله أعلم.

ومنها : أن جماعة من الحجاج. وهم أربعة وثلاثون نفر ماتوا فى الكعبة المعظمة من الزحام فى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

ومنها : أن فى يوم عرفة من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، تحارب بعض الحجاج الشاميين والعراقيين فى عرفة ، فغلب العراقيون الشاميين ، وقتلوا منهم جماعة ونهبوهم.

ومنها : أن فى سنة ثمان وستمائة حصل فى الحجاج العراقيين قتل ونهب فاحش ، حتى قيل : إنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألفا ألف دينار.

حكى ذلك أبو شامة ، وكانت هذه البلية بمكة ومنى. وهى بمنى أعظم.

وذكر ابن محفوظ : أنه كان بين العراقيين وأهل مكة فتنة بمنى فى سنة سبع وستمائة.

ولم أر ما يدل لذلك. والله أعلم.

ومنها : أن صاحب دمشق المعظم عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب : حج فى سنة إحدى عشرة وستمائة وتصدق فيها بالحرمين صدقة كبيرة.

ومنها : أنه كان يخطب بمكة لوالده الملك السلطان العادل أبى بكر بن أيوب أخى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام.

ومنها : أن فى سنة سبع عشرة وستمائة : منع صاحب مكة حسن بن قتادة الحجاج العراقيين من دخول مكة ، ثم أذن لهم فى ذلك بعد قتل أصحابه لأمير الحاج العراقى أقباش الناصرى مملوك الخليفة الناصر لدين الله لاتهامه بأنه يريد أن يولى راجح بن قتادة أخا حسن مكة عوضه.

وكان حسن متوليا لها بعد أبيهما قتادة. وفيها مات قتادة ونصب رأس أقباش بالمسعى عند دار العباس ، ثم دفن مع جسده بالمعلاة.

ومنها : أن جماعة من الحجاج ماتوا بالمسعى من الزحام فى سنة سبع عشرة وستمائة.

ومنها : أن المسعود صاحب اليمن : حج من اليمن فى سنة تسع عشرة وستمائة وبدا


منه ما لا يحمد ، من رميه حمام مكة بالبندق فوق زمزم ، ومن منعه اطلاع علم الخليفة الناصر العباسى جبل الرحمة بعرفة. وقيل : إنه أذن فى ذلك اليوم قبيل الغروب وغير ذلك من الأمور المنسوبة إليه.

وذكر ابن الأثير ما يقتضى : أنه حج سنة ثمان عشرة. والله أعلم.

وسبق فى الباب قبله أنه ولى مكة ، وكان حال الناس بها حسنا فى ولايته لهيبته ، وإليه ينسب الدرهم المسعودى المتعامل به بمكة.

ومنها : أنه كان يخطب بها لوالده الملك الكامل ناصر الدين أبى المعالى محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب صاحب مصر. ولعل ذلك بعد ملك ولده المسعود لمكة. والله أعلم.

ومنها : أن الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن : خطب له بمكة فى سنة تسع وعشرين وستمائة.

وفيها : ولى مكة بعد مبايعته بالسلطنة فى بلاد اليمن فى هذه السنة.

وحج الملك المنصور المذكور فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة على النجب حجا هينا. وحج أيضا فى سنة تسع وثلاثين وستمائة. وصام رمضان فى هذه السنة بمكة.

ومنها : أن فى سنة سبع وثلاثين وستمائة : خطب بمكة لصاحب مصر الصالح أيوب ابن الكامل.

وممن خطب له بمكة من بنى أيوب : صاحب مصر الأشرف موسى بن الناصر يوسف ابن المسعود أقسيس بن الكامل فى سنة اثنتين وخمسين وستمائة.

وفيها : خطب معه لأتابكه المعز أيبك التركمانى الصالحى.

وفيه : تسلطن المعز المذكور فى شعبان.

وممن خطب له بمكة من ملوك مصر : الظاهر بيبرس الصالحى ، ومن بعده من ملوك مصر ، إلى تاريخه ، إلا المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق لكونه لم يصل له نجاب وأشك فى الخطبة بمكة لابنى الظاهر بيبرس والعادل كتبغا ، والمنصور لاجين. وأكبر ظنى أنه خطب لهم. والله أعلم.

وكان للناصر محمد بن قلاوون من نفوذ الكلمة بمكة واستبداده بأمر الولاية فيها ما لم يكن لمن قبله من ملوك الترك بمصر. واستبد من بعده من ملوك مصر بالولاية بمكة.


ومنها : أن فى سنة تسع وثلاثين وستمائة : أسقط السلطان الملك المنصور صاحب اليمن عن مكة سائر المكوسات والجنايات والمظالم. وكتب بذلك مربعة وجعلت قبالة الحجر الأسود ، ودامت هذه المربعة إلى أن قلعها ابن المسيب لما ولى مكة فى سنة ست وأربعين وستمائة ، وأعاد الجنايات والمكوسات بمكة.

ومنها : على ما وجدت بخط الميورقى : لم يحج سنة خمس وخمسين وستمائة من الآفاق ركب ، سوى حجاج الحجاز. انتهى.

ومنها : أن الملك المظفر يوسف بن المنصور صاحب اليمن : حج فى سنة تسع وخمسين وستمائة ، وغسل الكعبة بنفسه وطيبها ، وما كساها بعد انقضاء الخلافة من بغداد ملك قبله. وقام أيضا بمصالح الحرم وأهله ، وأوسع فى الصدقة حين حج.

ومن أفعاله الجميلة بمكة : أنه نثر على الكعبة الذهب والفضة. وكان يخطب له بمكة فى غالب سلطنته. وخطب من بعده لملوك اليمن من ذريته بعد الخطبة لصاحب مصر.

ومنها : على ما قال الميورقى : لم ترفع راية لملك من الملوك سنة ستين وستمائة. كسنة خمس وخمسين وستمائة. انتهى منقولا من خطه. وأراد بذلك : وقت الوقوف بعرفة.

ومنها : أن الحجاج العراقيين توجهوا إلى مكة فى سنة ست وستين وستمائة. وما علمت لهم بتوجه لهم قبل ذلك من بغداد بعد غلبة التتار عليها.

ومنها : أن الملك الظاهر بيبرس الصالحى ، صاحب مصر : حج سنة سبع وستين وستمائة ، وغسل الكعبة وأمر بتسبيلها فى كل سنة وأحسن كثيرا إلى أميرى مكة بسبب ذلك وعظمت صدقته فى الحرمين.

ومنها : أن العراقيين حجوا من بغداد فى سنة تسع وستين وستمائة ، ولم يحج فيها من مصر أحد وحج من العراق ركب كبير فى سنة ثمان وثمانين وستمائة.

ومنها : أن الحجاج ازدحموا فى خروجهم إلى العمرة من باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة. فمات فى الزحمة منهم جمع كبير يبلغون ثمانين نفرا على ما قيل. وذلك بعد الحج من سنة سبع وسبعين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة : صد الحجاج عن دخول مكة ، ثم دخلوها هجما فى يوم التروية ، بعد ثقبهم السور وإحراقهم لباب المعلاة ، وفرار أبى نمى أمير مكة منها ، وهو : الصاد لهم ، لوحشة كانت بينه وبين أمير الحاج المصرى ، ثم اصطلحا. وقيل : فى سبب هذه الفتنة غير ذلك. والله أعلم.


ومنها : أن الحاج وأهل مكة تقاتلوا فى المسجد الحرام ، فقتل من الفريقين على ما قيل: فوق أربعين نفرا ، وشهر فيها فى المسجد الحرام من السيوف : نحو عشرة آلاف ، وانتهبت الأموال ، وتثبت أبو نمى فى الأخذ ، ولو قصد الجميع لتم له ذلك. ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه الشيخ تاج الدين بن الفركاح. وذلك فى سنة تسع وثمانين وستمائة.

ومنها : أن الخليفة بمصر ، الملقب : بالحاكم أحمد العباسى : حج فى سنة سبع وتسعين وستمائة. وهو أول خليفة عباسى حج من مصر ، وثانى خليفة عباسى بعد المستعصم ، ونسبته تتصل بالمسترشد ، فإنه : أحمد بن أبى على بن على بن أبى بكر المسترشد ، وأعطاه لاجين المنصورى صاحب مصر سبعمائة ألف درهم لأجل حجه.

ومنها : أن صاحبى مكة حميضة ورميثة ابنى أبى نمى : أسقطا بعض المكوس فى سنة أربع وسبعمائة ، وفى التى قبلها.

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر : حج فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة ، ومعه نحو أربعين أميرا ، وستة آلاف مملوك على الهجن ، ومائة فرس. وحج أيضا فى سنة تسع عشرة وسبعمائة ، وفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.

وكان معه لما حج فى سنة تسع عشرة وسبعمائة : نحو خمسين أميرا ، وأكثر فيها من فعل المعروف فى الحرمين.

وفيها : غسل الكعبة بيده.

وكان معه لما حج فى سنة اثنتين وثلاثين : نحو سبعين أميرا وتصدق فيها بعد حجه.

ويقال : إن خطبته قطعت من مكة ، وخطب عوضه بها لأبى سعيد بن خربندا ملك العراقيين ، بأمر حميضة بن أبى نمى ، بعد أن رجع من العراق فى آخر سنة ست عشرة وسبعمائة ، أو فى التى بعدها. والله أعلم.

ومنها : أن الحجاج فى سنة عشرين وسبعمائة : صلوا خمس صلوات بمنى ، أولها : الظهر من يوم التروية ، وآخرها : الصبح من يوم عرفة. وساروا إليها بعد طلوع الشمس ، وأحيوا هذه السنة بعد تركها. وفعل مثل ذلك : الشاميون فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة عشرين وسبعمائة : شهد الموقف بعرفة عالم عظيم من جميع البلاد. وكان مع العراقيين محمل عليه حلى من الجوهر واللؤلؤ والذهب ، ما قوم بمائتى ألف دينار وخمسين ألف دينار من الذهب المصرى.


ذكر ذلك : الحافظ علم الدين البرزالى.

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون ، صاحب مصر : أسقط المكس المتعلق بالمأكول بمكة ، وعوض أميرها عطيفة بن أبى نمى عن ذلك : ثلثى دماميل من صعيد مصر وذلك : سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.

ومنها : أن ملك التكرور موسى : حج فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة فى أزيد من خمسة عشر ألف تكروريا.

ومنها : أن العراقيين : حجوا فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، ومعهم تابوت جوبان نائب السلطنة بالعراقيين ـ الذى أجرى عين بازان إلى مكة ـ وأحضر تابوته : الموقف بعرفة وطيف به حول الكعبة ليلا.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الرابع عشر من ذى الحج سنة ثلاثين وسبعمائة : قتل أمير الحاج المصريين : ألدمر وابنه خليل وغيرهما ، ونهبت للناس أموالا كثيرة.

وذكر النويرى فى تاريخه : أن الخبر بهذه الحادثة وقع بمصر فى يوم وقوعها بمكة.

ومنها : أن فى سنة ثلاثين وسبعمائة : حج العراقيون بفيل بعث به ملكهم أبو سعيد ابن خربندا. فحضروا به المواقف كلها ومضوا به إلى المدينة. فمات بالفرش الصغير بقرب المدينة بعد أن لم يستطع التقدم إليها خطوة.

ومنها : أن صاحب اليمن ، الملك المجاهد على بن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر:حج فى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، فأطلع علمه جبل عرفات. وكان بنو حسن فى خدمته حتى انقضى الحج.

وحج الملك المجاهد أيضا : فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وقبض عليه المصريون بمنى فى النفر الأول بعد حرب كان بينهم وبين بعض عسكره ، وتوقف هو عن الحرب رعاية لحرمة الزمان والمكان ، وسلم إليهم نفسه بأمان. فساروا به إلى مصر ، فأكرمه متوليها الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ، ورده إلى بلاده. ثم رد من الدهنا من وادى ينبع ، واعتقل بالكرك ببلاد الشام ، ثم أطلق وتوجه إلى مصر ، وتوجه منها على طريق عيذاب إلى اليمن. فوصل فى آخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.

ومنها : أن الحجاج وأهل مكة تحاربوا كثيرا بعرفة فى يومها من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، فقتل من الترك نحو ستة عشر ، ومن بنى حسن ناس قليل ، ولم يتعرض للحاج بنهب ، وسافر الحاج أجمع فى النفر الأول ، وسلك أهل مكة فى نفرهم بعد عرفة طريق البئر المعروفة بالمظلمة. فعرفت هذه الوقعة عندهم : بسنة المظلمة.


ومنها : أن الحجاج العراقيين كانوا كثيرا فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، وكان لهم أحد عشر سنة لم يحجوا من العراق ، ولم يحجوا أيضا سنة خمس وخمسين وسبعمائة. وحجوا بعد ذلك خمس سنين متوالية. وكانوا كثيرين جدّا فى سنة سبع وخمسين.

وتصدق فيها بعض الحجاج من العجم على أهل الحرمين بذهب كثير.

وفى سنة ثمان وخمسين : كان مع الحجاج العراقيين محملان ، واحد من بغداد وواحد من شيراز.

ومنها : أن فى آخر جمادى الآخرة ، أو فى رجب من سنة ستين وسبعمائة : أسقط المكس المأخوذ من المأكولات بمكة بعد وصول العسكر المجهز من مصر إلى مكة لتأييد أميرها مسند بن رميثة ، ومحمد بن عطيفة. ودام هذا الحال إلى رحيل الحاج من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة ست وستين وسبعمائة : أسقط المكس المأخوذ بمكة فى المأكولات جميعا ، وعوض صاحب مكة عن ذلك ، بمائة وستين ألف درهم من بيت المال ، وألف أردب قمح.

ومنها : أن فى أثناء عشر السبعين ـ بتقديم السين ـ وسبعمائة : خطب بمكة للسلطان شيخ أويس بن الشيخ حسن الكبير صاحب بغداد وغيرها ، بعد أن وصلت منه قناديل حسنة للكعبة وهدية طائلة إلى أمير مكة عجلان ، وهو الآمر لخطيب مكة بالخطبة له.

ثم تركت الخطبة لصاحب العراق. وما عرفت وقت ابتداء تركها.

ومنها : أن الحجاج المصريين : قلوا كثيرا جدّا فى ثمان وسبعين وسبعمائة لرجوع جزيلهم من عقبة أيلة إلى مصر ، بسبب قيام الترك بها على صاحب مصر الملك الأشرف شعبان بن حسين. وكان قد توجه فيها للحج فى أبهة عظيمة.

وكان من خبره : أنه رجع إلى مصر واختفى بها ؛ لأن الذين تركهم بها قاموا عليه بمصر وسلطنوا ولده عليّا ولقبوه بالمنصور. وظفر به بعد ذلك فأذهبت روحه ، وفاز بالشهادة فى ثامن ذى القعدة منها.

ومنها : أن فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة : حج بالناس من اليمن فى البر ـ مع محمل جهزه صاحب اليمن ـ الملك الأشرف إسماعيل بن الملك الأفضل العباس بن المجاهد. وجهز الملك الأشرف أيضا محملا إلى مكة فى سنة ثمانمائة ، وحج الناس معه


أيضا ، وأصاب بعضهم شدة من العطش بقرب مكة ، ومات بها جماعة ولم يصل بعدها إلى مكة محمل من اليمن.

وكان محمل اليمن منقطعا عن مكة فيما علمت نحو ثمانين سنة قبل سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.

ومنها : أن فى يوم التروية من سنة سبع وتسعين وسبعمائة : حصل فى المسجد الحرام جفلة ، بسبب منافرة حصلت من بعض أهل مكة والحجاج ، فثارت الفتنة فنهبت أموال كثيرة للحجاج وقتل بعضهم ، وتعرض الحرامية للحجاج ، فنهبوهم فى طريق عرفة عند مأزميها وغير ذلك ، ونفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

وفيها : وصل مع الحجاج الحلبيين : محمل على صفة المحامل ، ولم يعهد ذلك إلا فى سنة سبع وثمانين وسبعمائة ، ولم يعهد ذلك قبلها.

وفيها : حج العراقيون فى غاية القلة بمحمل على العادة بعد انقطاعهم مدة يسيرة.

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانمائة : لم يحج أحد من الشام على طريقتهم المعتادة لما أصاب أهل دمشق من القتل والعذاب ، والأسر ، وإحراق دمشق. والفاعل لذلك : أصحاب تيمور لنك صاحب الشرق.

ودام انقطاع الحجاج الشاميين من هذه الطريق سنتين ، ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة ست وثمانمائة وفى سنة سبع.

وانقطعوا عن الحج منها فى سنة ثمان وثمانمائة. ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة تسع وثمانمائة ، واستمر ذلك إلى تاريخه.

ومنها : أن الحجاج العراقيين : حجوا من بغداد بمحمل على العادة فى سنة سبع وثمانمائة بعد انقطاعهم عن الحج منها تسع سنين ـ بتقديم التاء ـ متوالية.

والذى جهزهم فى هذه السنة متوليها من قبل تيمور لنك.

وفى شعبان منها : مات تيمور لنك.

وحج العراقيون من هذه الطريق بعد هذه السنة خمس سنين متوالية بمحمل على العادة ، ثم انقطعوا منها ثلاث سنين متوالية.

أولها : سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بموت سلطان بغداد : أحمد بن أويس ، فى هذه السنة مقتولا ، وهو الذى جهز الحجاج من بغداد فى بعض السنين السابقة بعد سنة سبع


وثمانمائة ، ثم حج الناس من بغداد بمحمل على العادة سنة ست عشرة وثمانمائة. وفى أربع سنين متوالية بعدها ، ولم يحجوا من بغداد فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، ولا فيما بعدها.

والذى جهزهم فى هذه السنين : متولى بغداد من قبل قرا يوسف التركمانى. وهو المنتزع الملك من أحمد بن أويس.

ومنها : أن الحجاج المصريين غير قليل منهم : تخلفوا عن زيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لمبادرة أميرهم بيسق بالمسير إلى مصر ، متخوفا من أن يلحقه أحد من أمراء الشام بين عقبة أيلة ومصر ، فإنه كان قبض بمكة على أمير الركب الشامى فى موسم هذه السنة ، وهى سنة عشر وثمانمائة.

وفيه : نفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

ومنها : أن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة : حصل فى الحجاج المصريين قتل ونهب ، وتعدى النهب إلى غيرهم ، ومعظم النهب وقع فى حال توجه الناس إلى عرفة. وفى ليلة النحر بمنى : عقرت جمال كثيرة وعند مأزمى عرفة ، والفاعل لذلك : جماعة من غوغاء العرب.

والذى جرأهم على ذلك : أن صاحب مكة السيد حسن بن عجلان رحمه‌الله تعالى ، لم يحج فى هذه السنة. وإنما لم يحج فيها : لوحشة كانت بينه وبين أمير الركب المصرى بيسق ، فإنه أعلن للناس فى الينبوع : أن صاحب مكة معزول ، وأنه يريد محاربته.

ثم إن صاحب مصر : الناصر فرج ، منعه من حرب صاحب مكة. وأعاده وأعاد بنيه إلى ولايتهم. ولو لا أمر صاحب مكة بالكف عن إذاء الحاج لكان أكثرهم رفاتا ، وأموالهم أشتاتا.

وهذه الحادثة أبسط من هذا بكثير فى أصله.

ومنها : أن هذه السنة : أقام الحاج بعرفة يومين لاختلاف وقع فى أول ذى الحجة وأوقفت المحامل بعرفة على العادة. ونفروا بها وقت النفر المعتاد إلى قرب العلمين ، ثم ردت إلى مواضعها.

وهذا الوقوف فى اليوم الأول ، وفيه وصلوا عرفة ، وهو يوم التروية على مقتضى رؤية أهل مكة لذى الحجة.

ومنها : أن الحجاج لم ينفروا من منى فى سنة ثلاث عشرة : إلا وقت الزوال من اليوم


الرابع عشر من ذى الحجة لرغبة التجار فى ذلك ، فازدادوا فى الإقامة بمنى يوما ملفقا.

وفى هذه السنة : حج صاحب كلوه ، وأحسن إلى أعيان الحرم وغيرهم ، وزار المدينة النبوية.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانمائة: خطب بمكة للإمام المستعين بالله أبى الفضل العباس بن المتوكل محمد بن المعتضد أبى بكر بن المستكفى سليمان بن الحاكم أحمد ـ المقدم ذكر جده ـ لما أقيم فى مقام السلطنة بالديار المصرية والشامية ، بعد قتل الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر ، ودعى له على زمزم فى ليلة الخميس الحادى والعشرين من الشهر المذكور ، عوض صاحب مصر.

ودام الدعاء له عوض السلطان بمصر إلى أن وصل الخبر بأن الملك المؤيد أبا النصر شيخ : بويع بالسلطنة بالديار المصرية فى مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فدعى للملك المؤيد فى الخطبة وعلى زمزم فى شوال من السنة المذكورة.

ودعى قبله للمستعين : دعاء مختصر بالصلاح. ثم قطع الدعاء للمستعين بعد سنة ، ثم أعيد بعد أربعين يوما ، ثم قطع بعد نحو خمسة أشهر.

ومنها : أن فى يوم الجمعة خامس ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة : حصل بين أمير الحاج المصريين جقمق المؤيدى ومن انضم إليه ، وبين القواد العمرة : قتال فى المسجد الحرام ، وخارجه بالمسفلة ، واستظهر الترك على القواد ، وأدخل أمير الحاج خيله إلى المسجد الحرام ، وجعلها بالجانب الشرقى قريبا من منزله ، وأوقدت فيه مشاعله ، وأوقدت أيضا مشاعل المقامات ، ودام الحال على ذلك إلى الصباح.

وفى ضحوة يوم السبت : سكنت الفتنة واطمأن الناس.

وسبب هذه الفتنة : أن أمير الحاج المصرى ، أدّب غلاما للقواد على حمله السلاح بمكة ، لنهى الأمير عن ذلك. فطلب مواليه أن يطلقه من السجن فأبى. فكان من الفتنة ما ذكرناه. فلما أطلقه : سكنت الفتنة.

ومات بسببها جماعة من الفريقين. وكثر بسببها انتهاك حرمة المسجد الحرام لما حصل فيه من القتال والدم ، وروث الخيل ، وسمرت أبوابه إلا باب بنى شيبة والدريبة ، والمجاهدية.

ومنها : أن فى هذه السنة أيضا حصل خلاف فى هلال ذى الحجة ، هل أوله الاثنين


أو الثلاثاء؟ فحصل الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة فى بكرة يوم الثلاثاء تاسع ذى الحجة ، على مقتضى قول من قال : إنه رئى بالاثنين ، وأن يقيموا بها ليلة الأربعاء ، ويوم الأربعاء ، ففعل معظم الناس ذلك ، ودفعوا من عرفة بعد الغروب ليلة الخميس إلى المزدلفة ، وباتوا بها إلى قرب الفجر ، ثم رحلوا إلى منى بعد رحيل المحامل.

والمعهود أنها لا ترحل إلا بعد الفجر ، وكذا غالب الناس ، ففاتهم الفضيلة. وما تعرض لهم فى سيرهم من عرفة إلى منى أحد بسوء مما علمناه لعناية أمير الحاج لحراستهم ، وتعرض الحرامية للحجاج المكيين وغيرهم عند مأزمى عرفة فى توجههم إليها. وحصل للحجاج هؤلاء قتل ونهب وعقر فى جمالهم ، وحصل بمنى نهب كثير فى ليلة الأربعاء وليلة الخميس.

ومنها : أن فى سنة ثمان عشرة وثمانمائة : أقام الحجاج بمنى غالب يوم التروية وليلة التاسع ، ثم مضوا من منى بعد طلوع الشمس إلى عرفة ، وأحيوا هذه السنة بعد إماتتها دهرا طويلا.

ومنها : أن فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة : مات كثير من الحجاج بمنى فى ليلة التاسع ، ومضوا منها إلى عرفات بعد طلوع الشمس صحبة محمل مصر والشام. والفاعل لذلك : أكثرهم من حجاج مصر والشام ، وأحيوا هذه السنة ، أثابهم الله.

ومما ينبغى إحياؤه من السنن بمنى : الخطبة بها فى أيام الحج ، فالله يثيب الساعى فى ذلك.

ومنها : أنه لم يخطب بمكة ولا فى غيرها لملك أصغر سنا من الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ ؛ لأنه بويع له بالسلطنة بمصر والشام ، وله من العمر سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام ـ بتقديم السين ـ على ما وجدت فى تاريخ بعض أصحابنا.

وكانت البيعة له : فى ثامن المحرم ، سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، بعد موت أبيه.

واستمر حتى خلع فى السابع والعشرين من شعبان ، من السنة المذكورة بدمشق.

ومنها : أن الملك الظاهر أبا الفتح ططر ، لم يخطب له بمكة وهو حى ، إلا جمعة واحدة ؛ لأنه خطب له بمكة فى يوم الجمعة ثانى ذى الحجة أو ثالثه ، سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ومات فى الرابع من ذى الحجة ، من السنة المذكورة.

واستمرت الخطبة له بمكة حتى وصل الخبر بموته فى أثناء شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، ولم يتفق ذلك لغيره.


وخطب بعد ذلك بمكة لولده الملك الصالح محمد.

وفى موسم سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، أبطل الملك الظاهر ططر بعض المكوسات المأخوذة بمكة فى الخضر وغير ذلك من المأكولات وغيرها.

وألزم به أمير مكة الشريف حسن بن عجلان ، فوافق على ذلك ، وكتب ذلك فى أساطين المسجد الحرام ، قبالة باب بنى شيبة وغيره.

ومنها : أن مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى ـ نصره الله وأيده ـ انفرد بالخطبة بمكة أشهرا ، ولم يخطب معه لصاحب اليمن ولا لغيره من الملوك ، وكانت العادة جارية بالخطبة بعده لصاحب اليمن ، فترك ذكر صاحب اليمن فى الخطبة بمكة فى أيام الموسم ، فى سنة ست وعشرين وثمانمائة إلى جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

وفى سابعه : أعيدت الخطبة بمكة لصاحب اليمن المشار إليه ، وهو الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن.

وأول ما خطب لمولانا السلطان الملك الأشرف برسباى بمكة فى الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وثمانمائة.

وكانت مبايعته بالسلطنة فى ثامن ربيع الآخر من السنة المذكورة بعد خلع الصالح محمد بن الظاهر ططر.

وكان الصالح ولى بعد أبيه ، وله من العمر عشر سنين فيما قيل ، وهو والمظفر حيان ، وابتدأ مولانا السلطان الملك الأشرف ـ نصر الله دولته الشريفة ـ بشىء حسن ، وهو : أنه منع من تقبيل الناس له الأرض بين يديه ، تدينا وتعظيما لله سبحانه وتعالى ، ولم يتفق ذلك لغيره من ملوك مصر.

وامتاز أيضا ـ نصره الله ـ بغزوه الفرنج فى بلادها بنواحى قبرص وغيرها ، وأظفره الله بهم ؛ لأن عسكر المنصور أسروا كثيرا من الفرنج ، وغنموا من أموالهم طائلا ، ووصلوا بذلك إلى مصر فى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. وهابه الفرنج كثيرا ، ورغبوا أن يكون لهم من السوء مجيرا ، وبعثوا إليه بالهدية ليسعفهم بالأمنية.

ومن مزاياه على ملوك مصر ـ بعد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ـ : أنه أرسل إلى مكة المشرفة عدة عساكر برا وبحرا ، واستولوا عليها ، ولم يقاومهم أحد من بنى حسن ولا غيرهم. وساروا من مكة حتى قاربوا بلاد حلى ، فلم يتعرض لقتالهم أحد من الناس هيبة له. وعادوا إلى مكة المشرفة سالمين. وذلك سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.


وفى ربيع الآخر منها : وصل طائفة من عسكره المنصور من مصر إلى مكة.

وفى سادس جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة : كان وصول طائفة من عسكره المنصور إلى مكة. فاستولوا عليها كما سبق ذكره فى آخر الباب قبله.

وفى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة : وصل طائفة من عسكره المنصور فى موكبين عظيمين إلى مرسى زبيد باليمن ، على ليلة منها وفى أحدهما هدية لصاحب اليمن ، فقوبل الرسول بالكرامة.

ومنها : أن فى سنة تسع وعشرين وثمانمائة : تخوف الناس فى أيام الموسم حصول فتنة بمكة ، وفى أيام الحج. وسلم الله وله الحمد.

وسبب ذلك : أنه قدم إلى مكة جماعة من الأمراء المقدمين وغيرهم من المماليك السلطانية الأشرفية فى أوائل العشر الأخير من ذى القعدة.

وكان الشريف حسن بن عجلان غائبا عن مكة بناحية الخريفين فى جهة اليمن ، واستدعوه إلى مكة فلم يحضر لتخوفه ، وحضر إليهم ولده الشريف بركات وأكرموه.

ولما أيسوا من حضور الشريف حسن استدعوا سرّا إلى مكة الشريف رميثة بن محمد ابن عجلان ، وأطمعوه ولاية مكة. وذلك فى يوم عرفة أو يوم التروية ، فلم يستطع الوصول إليهم ؛ لأنه كان مقيما عند عمه ، ولعظم هيبة الأمراء جماعتهم لم يتظاهر الحرامية بنهب فى طرقات الحج بمكة.

وخرج الأمراء والترك والحجاج من مكة إلى منى فى يوم التروية ، وباتوا بها إلى الفجر من اليوم التاسع أو قربه وساروا إلى عرفة فأقاموا بها إلى الغروب ، ودفعوا إلى مزدلفة ، فلم يستطع أحد من الحرامية التعرض للحاج بسوء فى مأزمى عرفة ولا غيره لعناية الأمراء وجماعتهم بحراسة الحاج ، وانقضت أيام الحج وأحوال الناس من الحجاج وغيرهم مستقيم.

وكان الأمراء يرجعون فى مصالح الحاج والرعية بمكة إلى رأى مولانا المقر الأشرف الكريم الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالمماليك الشريفة ـ أعلى الله قدره وبلغه وطره ـ لحسن تدبيره وجودة رأيه.

وكان مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى صاحب مصر والشام ـ نصره الله : قد فوض إليه أمر مكة ، وعمل المصلحة فيها ، لكفايته وعظم رتبته ، فمشت الأحوال


بمكة على السداد ـ بلغه الله المراد ـ وبدت منه على عادته بمكة صدقات مبرورة وأفعال مشكورة. وهذه حجته الثانية.

وحج قبلها فى سنة سبع عشرة وثمانمائة ـ تقبل الله منه العمل ، وبلغه الأمل وفسح له فى الأجل.

وهذا آخر ما قصدنا ذكره من الحوادث فى هذا الباب.

ونسأل الله تعالى أن يجزل لنا على ذلك الثواب. ولو لا مراعتنا للاختصار فى ذكرها ، لطال شرح أمرها.

* * *


الباب التاسع والثلاثون

فى ذكر شىء من أمطار مكة وسيولها ، فى الجاهلية والإسلام ، وشىء من أخبار الصواعق بمكة ، وذكر شىء من أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكة (١).

أما : أمطار مكة ، وسيولها ، فى الجاهلية ، والإسلام. فذكر الأزرقى شيئا من ذلك:

منها : فى الجاهلية : سيلان.

أحدهما : كان عظيما ، ويعرف بسيل فارة ، على عهد خزاعة.

والآخر : كسى ما بين الجبلين ، ولم يبين زمنه.

ومنها : سيول فى الإسلام ، وهى السيل المعروف : بأم نهشل ، وهو الذى ذهب بالمقام من موضعه إلى أسفل مكة.

وكان فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، بعده عمل الردم الذى بأعلى مكة صونا للمسجد الحرام.

والسيل المعروف : بسيل الحجاف فى يوم التروية سنة ثمانين من الهجرة ، ذهب بناس من الحجاج وبمتاعهم ، وخرب دورا كبيرة شارعة على الوادى ، فهلك فيها أناس كثيرة.

وسيلان عظيمان :

أحدهما : يعرف بالمخبل ؛ لأنه أصاب الناس بعده شبه الخبل ، وكانا فى سنة أربع وثمانين ومائة.

وسيلان عظيمان كانا فى خلافة المأمون :

أحدهما : يعرف : بسيل ابن حنظلة ، فى سنة اثنين ومائتين.

والآخر : فى شوال سنة ثمان ومائتين.

وكل هذه السيول دخلت المسجد الحرام ، وحالها أبسط من هذا فى أصله.

وفى تاريخ الأزرقى من سيول مكة فى الجاهلية والإسلام سوى ما ذكرناه.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٧٧).


ومن سيولها فى الإسلام مما كان قبل الأزرقى ، ولم يذكره : سيل عظيم كان فى سنة ثمان وثمانين من الهجرة.

ذكره ابن جرير الطبرى.

وسيل يعرف : بأبى شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك ؛ لأنه جاء فى سنة عشرين ومائة ، عقيب حجه بالناس. وحج أبو شاكر فى التى قبلها.

وسيل اللبيرى فى آخر المحرم سنة ستين ومائة.

ذكر هذين السيلين : الفاكهى.

وذكر سيولا أخر ثلاثة ، تحتمل أن تكون فى زمن الأزرقى ، وأن يكون بعده واحد فى سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وواحد فى سنة اثنتين وستين ومائتين. وواحد فى سنة ثلاث وستين ومائتين.

وكلها دخلت المسجد الحرام وأثرت فيه. وأوضحنا من خبرها فى أصله أكثر من هذا.

ومن أمطار مكة وسيولها بعد الأزرقى : أمطار كثيرة. سال بها وادى مكة أسيالا عظيمة ، وكثر فى بعضها ماء زمزم ، حتى لم يبق بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها ، وعذبت جدّا ، حتى كانت أعذب مياه مكة إذ ذاك. وذلك فى سنة تسع وسبعين ومائتين ، وسنة ثمانين ومائتين.

ذكر ذلك : إسحاق الخزاعى راوى تاريخ الأزرقى ، وأدخله فيه.

ومنها : ما ذكره المسعودى ؛ لأنه قال فى أخبار سنة سبع وتسعين ومائتين : ورد الخبر إلى مدينة السلام : بأن أركان البيت الحرام الأربع غرقت حتى جرى الغرق فى الطوّاف ، وفاض بئر زمزم. وذلك لم يعهد فيما سلف من الزمان. انتهى.

ومنها : مطر فى جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ، أقام سبعة أيام. فسقطت الدور وتضرر الناس به كثيرا.

ومنها : مطر فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، سال منه وادى إبراهيم ، ونزل برد بقدر البيض وزن مائة درهم.

ومنها : مطر فى سنة تسع وستين وخمسمائة ، جاء سيل كثير ، ودخل السيل من باب بنى شيبة ، ودخل دار الإمارة عنده. ولم ير مثله فى دخوله من هذه الجهة.


ومنها : فى سنة تسعين وخمسمائة : أمطار كثيرة وسيول ، سال منها وادى إبراهيم خمس مرات.

ومنها : فى ثامن صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة : سيل دخل الكعبة ، وأخذ أحد فرضتى باب إبراهيم ، وحمل المنبر ودرجة الكعبة.

ورأيت بخط بعضهم : ما يقتضى أن هذا السيل دخل الكعبة ، فبلغ قريبا من الذراع ، وحمل فرضتى باب إبراهيم وسار بهما ، وهذا لا يفهم مما ذكرناه أولا.

ومنها : فى منتصف ذى القعدة سنة عشرين وستمائة : سيل عظيم قارب دخول الكعبة ولم يدخلها.

ومنها : سيل كبير فى سنة إحدى وخمسين وستمائة.

ومنها : سيل دخل الكعبة ، ومات منه عالم عظيم ، بعضهم حملهم وبعضهم طاحت الدور عليهم. ذكره الميورقى بمعنى هذا.

وذكر : أنه كان سنة تسع وستين وستمائة ، فى ليلة منتصف شعبان.

ومنها : سيل عظيم بلا مطر فى سنة ثلاثين وسبعمائة بعد الحج.

ومنها : فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة : أمطار وصواعق.

منها : صاعقة على أبى قبيس فقتلت رجلا ، وصاعقة بالخيف فقتلت رجلا ، وأخرى بالجعرانة ، فقتلت رجلا.

ومنها : فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة : مطر عظيم ، وسيل هائل دخل الكعبة ، وعلا الماء فوق عتبتها شبرين ، وعبر فى ببعض قناديل المطاف منه فوقها ، فأطفأها ، وقلع من أبواب الحرم أماكن ، وطاف بها الماء ، وطاف بالمنابر كل واحد إلى جهة. وفعل أمورا أخر عجيبة. وخبره : أبسط من هذا فى أصله ، ويعرف : بسيل القناديل.

ولم يأت بعده سيل يشبهه فيما علمت ، إلا سيل اتفق فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانمائة ؛ لأنه دخل الكعبة وعلا فوق عتبتها ذراعا أو أكثر على ما قيل. ورمى بدرجة الكعبة إلى باب إبراهيم ، وهدم عمودين فى المسجد ، ودور للناس كثيرة. ومات تحت الهدم وفى الغرف منه نحو ستين نفرا على ما قيل. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.


وكان بعد مطر هائل كأفواه القرب.

ومن العجيب : اتفاق هذين السيلين باعتبار الليلة والشهر بأن كليهما فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى. فسبحان الفعال لما يريد.

ومنها : فى آخر ذى الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة سحرا : سيل هائل دخل المسجد الحرام من عدة أبواب ، وقارب باب الكعبة المعظمة ، وعام فيه بعض المنابر. وألقى فى المسجد الحرام من الأوساخ شيئا عظيما ، جمع : فصار أكواما كبيرة ، وأخرب فى سور باب المعلاة ، جانبا كبيرا بين البابين اللذين فى هذا السور.

ومنها : سيل كان فى ليلة ثالث جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة : دخل المسجد الحرام ، وقارب الحجر الأسود ، وأخرب جانبا من سور باب الماجن ، وموضع الباب فى هذا السور.

وقد خفى علينا أشياء فى هذا المعنى لعدم ظفرنا بتأليف فى ذلك.

وأما أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكة : فقد ذكرنا فى أصله أشياء كثيرة من ذلك لا يوجد مثلها مجموعا فى كتاب. ونشير هنا لشىء من ذلك.

فمن أخبار الرخاء : أن القمح المصرى بيع الأردب منه بثمانية عشر درهما كاملية وذلك فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بساحل جدة ، على ما ذكر ابن العديسة فيما نقله عنه المؤرخ شمس الدين الجزرى الدمشقى.

ومن ذلك : أن الغرارة المكية من الحنطة ـ المعروفة : باللقيمية ـ بيعت بأربعين درهما كاملية. وهذا أرخص شىء سمعناه فى سعر اللقيمية. وما عرفت متى كان ذلك.

وأرخص ما بيعت به الذرة : الغرارة ثلاثة وثلاثين درهما كاملية وثلث درهم. وربما بيعت بثلاثين درهم كاملية فيما بلغنى. والأول شاهدناه. وبيع المن السمن : باثنى عشر درهما كاملية ، وهو اثنى عشر أوقية ، كل أوقية رطلان مصريان ، ونصف رطل.

والعسل : كل منّ بدرهمين كاملين وهو ثلاثة أرطال مصرية.

واللحم : كل منّ بأربعة مسعودية ، وهو سبعة أرطال مصرية ، إلا ثلث. ومن أخبار الغلاء بمكة : أن الخبر بمكة بيع ثلاث أواق بدرهم ، واللحم بأربعة دراهم الرطل ، وكل شربة ماء بثلاثة دراهم. وذلك فى سنة إحدى وخمسين ومائتين.

ومن ذلك : أن الخبر بلغ عشرة أرطال بدينار مغربى. ثم تعذر وجوده وأشرف الحجاج والناس على الهلاك. وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة.


ومن ذلك : أن الناس أكلوا الدم والجلود بمكة لغلاء شديد كان بها فى سنة تسع وستين وخمسمائة. ومات كثير من الناس بسببه.

ومنها : أن بعض الناس بمكة أكلوا لحم بعض الحمير الميتة على ما قيل ، لغلاء شديد جدا بمكة. وذلك فى سنة ست وستين وسبعمائة. وتعرف هذه السنة عند المكيين بسنة أم جرب ؛ لأن المواشى عمها الجرب فيها. وأدخلت المسجد الحرام وقت الاستسقاء فيه. وجعلت فى صوب مقام المالكية ، وما يسر الله لهم سقيا ، ولكن وفق مدير المملكة بمصر الأمير يلبغا الخاصكى ، فجهز إلى مكة من القمح الطيب برا وبحرا ما أنعشهم به. فالله تعالى يثيبه ويثيب من نبه على ذلك.

ومن ذلك : غلاء فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة : بلغت الغرارة الحنطة خمسمائة درهم كاملية ، واختبز الناس القطانى وحب الثمام وأكلوهما.

وهذا أعظم غلاء شاهدناه بمكة.

ومن ذلك : أن الغرارة الحنطة بيعت بعشرين أفرنتيا ذهبا قبيل الموسم من سنة خمس عشرة وثمانمائة وبإثره.

ومن ذلك : غلاء فى النصف الثانى من سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، بلغت الغرارة عشرين أفلوريا وأزيد ، والذرة قريبا من ذلك.

وعم الغلاء سائر المأكولات وفحش فى السمن كثيرا ؛ لأن المن منه بلغ سبعة أفرنتية ونصف ، فى آخر ذى القعدة.

وفى ذى القعدة من سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة : عظم الغلاء جدّا فى السمن بلغ المن أحد عشر أفلوريا وأزيد. ولم يعلم مثل ذلك.

ومن أخبار الوباء : أنه وقع الوباء على رأس سنة ستمائة من الهجرة.

ومن ذلك : أن فى سنة إحدى وسبعين وستمائة : كان الفناء عظيما بمكة بلغت الموتى فى بعض الأيام اثنتين وعشرين جنازة ، وفى بعض خمسين. وعد أهل مكة ما بين العمرتين من أول رجب إلى السابع والعشرين منه : ألف جنازة.

ذكر هذه الحادثة بهذا اللفظ غير قليل. فبالمعنى الميورقى. وكذا الأولى.

ومن ذلك : وباء فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان عاما فى الغلاء ، وأعظم ما كان بديار مصر.


ومن ذلك : أن فى بعض الأيام على ما قيل : فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة : بلغ الموتى بمكة أربعين نفرا.

ومنها : فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة وباء عظيم عام ، لعل الموتى فيه ممن يعرف باسمه أو مكانه يزيدون على ألفين أو يقاربون ذلك. وكان كثيرا ما يجتمع من الجنائز عقيب صلاة الصبح أو العصر سبع أو أكثر. وكان يموت فى كثير من الأيام بضع وعشرين فى كل يوم أو أكثر غير الموتى الذى يؤتى به من بادية مكة إليها.

وقد اتضح بما ذكرناه من أخبار الرخص والغلاء والوباء أمور كثيرة.

* * *


الباب الأربعون

فى ذكر الأصنام التى كانت بمكة وحولها ، وشىء من خبرها ، وذكر شىء من خبر أسواق مكة فى الجاهلية والإسلام ، وذكر شىء مما قيل من الشعر فى الشوق إلى مكة الشريفة ، وذكر معالمها المنيفة (١).

أما الأصنام المشار إليها : فإن منها الصنم المعروف : بهبل ، وكان من أعظم أصنام قريش.

ومنها : أساف ونائلة ، وهما رجل وأمرأة من جرهم مسخا حجرين ؛ لأن الرجل فجر بالمرأة فى الكعبة. وقيل : بل قبلها.

ثم كسرهما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة مع ما كسر من الأصنام فى هذا اليوم.

ومنها : الخلصة بأسفل مكة ونهيك. ويقال له : محاذر الريح على الصفا ، ومطعم الطير على المروة.

وكان الذى نصب هذه الأصنام الثلاثة : عمرو بن لحى.

وكان جملة ما بمكة من الأصنام حول الكعبة فى يوم الفتح ثلاثمائة وستون صنما ، على ما رويناه عن ابن عباس رضى الله عنهما.

ونص حديثه ، قال : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، منها ما قد شد بالرصاص ، وطاف على راحلته ، وهو يقول : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء : ٨١] ويشير إليها. فما من صنم أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره ، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه ، حتى وقعت كلها». هذا نص حديثه فى تاريخ الأزرقى ، ومنه : لخصنا باختصار ما ذكرناه من خبر الأصنام.

وفيه : عن ابن إسحاق «لما صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظهر يوم الفتح ، أمر بالأصنام التى حول الكعبة كلها فجمعت ، ثم حرقت».

ومنها : العزى ، وكانت ثلاث شجرات بنخلة ، وكان أهل الجاهلية إذا فرغوا من

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢٧٨ ـ ٢٨٥).


حجهم وطوافهم بالكعبة ، لم يحلوا حتى يأتوا العزى ، فيطوفون بها ويحلون عندها ، ويعكفون عندها يوما.

ثم أزال خالد بن الوليد رضى الله عنه العزى ، بأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتح مكة. وذلك : لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان.

وخبر العزى ، وما ذكرناه من الأصنام : أبسط من هذا فى أصله ، مع كون ذلك مختصرا من تاريخ الأزرقى وغيره.

* * *

وأما أسواق مكة فى الجاهلية

فذكر الأزرقى فيها خبرا طويلا. ذكرنا طرفا منه فى أصله. ونشير هنا إلى ما نبين به المقصود منه بلفظه فى البعض ، وبمعناه فى البعض.

وذلك : أن أهل الجاهلية كانوا يصبحون بعكاظ يوم هلال ذى القعدة ، ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضى عشرين يوما من ذى القعدة ، فإذا رأوا هلال ذى الحجة : ذهبوا من مجنة ، إلى ذى المجاز ، فلبثوا به ثمان ليال ، ثم يذهبون إلى عرفة.

وكانوا لا يتبايعون فى عرفة ولا أيام منى ، فلما أن جاء الله بالإسلام : أحل الله عزوجل ذلك لهم بقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٨٩] وفى قراءة أبى بن كعب «فى مواسم الحج» يعنى : منى وعرفة ، وعكاظ ، ومجنة ، وذى المجاز ، فهذه مواسم الحج. ثم قال : وكانت هذه الأسواق بعكاظ ومجنة وذى المجاز : قائمة فى الإسلام حتى كان حديثا من الدهر.

فأما عكاظ : فإنها تركت عام حج الحرورى بمكة مع أبى حمزة المختار بن عوف الأزدى الأباطى فى سنة تسع وعشرين ومائة ، وخاف الناس أن ينتهبوا ، وخافوا الفتنة ، فتركت حتى الآن.

ثم تركت مجنة وذو المجاز بعد ذلك ، واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعرفة.

قال أبو الوليد الأزرقى : وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء فى عمل الطائف على بريد منها ، وهى سوق لقيس غيلان ، وثقيف ، وأرضها : لنضر.

ومجنة : سوق بأسفل مكة على بريد منها ، وهى سوق لكنانة ، وأرضها من أرض كنانة ، وهى التى يقول فيها بلال رضى الله عنه :


ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة

بواد وحولى إذ خر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

وشامة وطفيل : جبلان مشرفان على مجنة.

وذو المجاز : سوق لهذيل عن يمين الموقف من عرفة ، قريب من كبكب على فرسخ من عرفة. انتهى.

وقد خولف الأزرقى فيما ذكره فى مجنة وشامة ، وطفيل من أوجه.

منها : أن فى كتاب الفاكهى عن ابن إسحاق : وكانت مجنة بمر الظهران إلى جبل يقال له : الأصغر. ومر الظهران : لا يقال له : أسفل مكة. انتهى.

ومنها : أن القاضى عياض ـ رحمه‌الله ـ قال فى المشارق : طفيل وشامة ، جبلان على نحو من ثلاثين ميلا. انتهى.

وكلام الأزرقى يقتضى : أن مجنة على بريد من مكة ، فيكون الجبلان كذلك من مكة على مقتضى قوله. وذلك يخالف ما قاله القاضى. والعيان يشهد لما قاله القاضى. والله أعلم.

ومنها : أن الخطابى قال فى شامة وطفيل : كنت أحسبهما جبلين حتى أثبت لى أنهما عينان. انتهى.

وكلام الأزرقى : يقتضى أنهما جبلان.

ومنها : أن الأزرقى قال : شامة ـ بالميم ـ وقيل فيها شابة ـ بالباء ـ ذكره ابن الأثير ، ورجحه الرضى الصنعانى اللغوى.

ومجنة ـ بفتح الميم وكسرها ، والفتح أكثر ـ على ما ذكر المحب الطبرى. وألفيت فى القرى ما صورته : ومجنة : موضع بأعلى مكة ـ إلى آخر كلامه ـ وقوله : بأعلى مكة : مشكل لمخالفته ما ذكره الناس. والله تعالى أعلم.

* * *

وأما ما قيل من الشعر فى التشوق إلى مكة الشريفة

وذكر معالمها المنيفة ، فكثير جدا ، وقد ذكرنا منه طرفا فى أصله. ونشير هنا لشىء من ذلك.

فمنه ما أنشدناه المسندان : محمد بن محمد بن داود الصالحى فى كتابه ، وأم الحسن


بنت المفتى أبى العباس أحمد بن قاسم مشافهة : أن الإمام فخر الدين عثمان بن محمد ابن عثمان الأفريقى. أنشدهما إذنا ، قال : أنشدنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن رشيد البغدادى من قصيدة طويلة لنفسه ، قال فيها :

على عرفات قد وقفنا بموقف

به الذنب مغفور وفيه محوناه

ومنها :

فظل حجيج الله لليل واقفا فقي

 ـل انفروا فالكل منكم قبلناه

أفيضوا وأنتم حامدون إلهكم

إلى مشعر جاء الكتاب بذكراه

وسيروا إليه واذكروا الله عنده

فسرنا ومن بعد العشا نزلناه

وفيه جمعنا مغربا بعشائنا

ترى عابد جمع بجمع جمعناه

وبتنا به منه التقطنا جمارنا

وربا ذكرناه على ما هداناه

ومنه أفضنا حيث ما الناس قبلنا

أفاضوا وغفران الإله طلبناه

ونحو منى ملنا بها كان عيدنا

ونلنا بها ما القلب كان تمناه

فمن منكم بالله عيد عيدنا

فعيد منى رب البرية أعلاه

وفيها رمينا للعقاب جمارنا

ولا جرم إلا مع جمار رميناه

ومنها :

وبالخيف أعطانا الإله أماننا

وأذهب عنا كل ما نحن خفناه

وردت إلى البيت الحرام وفودنا

رجعنا لها كالطير حنّ لمأواه

وطفنا طوافا للإفاضة حوله

ولذنا به بعد الجمار وزرناه

ومن بعد ما زرنا دخلناه دخلة

كأنا دخلنا الخلد حين دخلناه

ونلنا أمان الله عند دخوله

كذا أخبر القرآن فيما قرأناه

ومنها :

وبالحجر الميمون لذنا فإنه

لرب السما فى الأرض للخلق يمناه

نقبله من حبنا لإلهنا

فكم لثمة حال الطواف لثمناه

على لثمة للشعث والغبر رحمة

فكم أشعث كم أغبر قد رحمناه

وذاك لنا يوم القيامة شاهد

وفيه لنا عهد قديم عهدناه

ونستلم الركن اليمانى طاعة

ونستغفر المولى إذا ما لمسناه

وملتزم فيه التزمنا لذنبنا

عهودا وعفو الله فيه لزمناه

وكم موقف فيه يجاب لنا الدعا

دعونا به والقصد فيه نويناه


وصلى بأركان المقام حجيجنا

وفى زمزم ماء طهور وردناه

وفيه الشفا فيه بلوغ مرادنا

لما نحن ننويه إذا ما شربناه

وبين الصفا والمروة الحاج قد سعى

فإن تمام الحج تكميل مسعاه

وأنشدنى محمد وفاطمة المذكوران أولا إذنا ، قالا : أنشدنا الإمام فخر الدين المالكى إجازة ، قال : أنشدنا الإمام أبو اليمن بن عساكر الدمشقى ، نزيل مكة لنفسه بقراءتى عليه بمسجد الخيف من منى :

يا حيرتى بين الحجون إلى الصفا

شوقى إليكم مجمل ومفضل

أهوى دياركم ولى بربوعها

وجد يثبطنى وعهد أول

ويزيدنى فيها العدول صبابة

فيظل يغرينى إذا ما يعدل

ويقول لى لو قد تبدلت الهوى

فأقول قد عز العزاة تبدل

بالله قل لى كيف يحسن سلوتى

عنها وحسن تصبرى هل يحمل

هل فى البلاد محلة معروفة

مثل المعرف أو محل تحلل

أم فى الزمان كليلة النفر التى

فيها من الله العوارف تجزل

أم مثل أيام تقضت فى منى

عمر الزمان بها أغر محجل

فى جنب مجتمع الرفاق ومنزع

الأشواق حياها السحاب المسبل

وأنشدنى الإمام الأديب بدر الدين أحمد بن محمد بن الصاحب المصرى الأثارى إذنا لنفسه :

بمكة قد طابت مجاورتى فيا

إلهى فاجعلها مدى العمر سرمدا

فأنت الذى أحللتنى ساحة الهوى

وعودت قلبى عادة فتعودا

والأشعار فى التشوق إلى هذه المشاعر الشريفة كثيرة. ونسأل الله أن يجعل أعيننا بدوام مشاهدتها قريرة.

وقد انتهى العرض الذى أردنا جمعه فى هذا الكتاب. ونسأل الله أن يجزل لنا فيه الثواب ، بمحمد سيد المرسلين ، وآله وصحبه الأكرمين.

* * *


[السيرة النبوية](١)

ولنذكر فيه ما أشرنا إليه من السيرة النبوية :

فنقول : بعد حمد الله الذى لا يخيب من سأله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير نبى أرسله.

فهذا ما وعدت بذكره فى كتابى «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» من سيرة نبينا محمد المصطفى ، زاده الله شرفا.

وذلك : فيما لخصته واختصرته من السيرة الصغرى للحافظ علاء الدين مغلطاى المصرى رحمه‌الله وأكده بلفظه.

وقد أخبرنى بكتابه المذكور : شيخنا القاضى الإمام زين الدين أبو بكر بن الحسين الشافعى سماعا وأجازه عن الحافظ علاء الدين مغلطاى سماعا كذلك ، وإنما عولت على كتابه دون غيره من الكتب المصنفة فى هذا المعنى على كثرتها : لأن كتابه أكثرها فوائد ، وفيه من الفوائد النفيسة ما لا يوجد فى كثير من الكتب المبسوطة فى هذا المعنى ، وأضفت إلى ما ذكرته من كتابه فوائد لم يذكرها ، وأكثر ذلك مما ذكره شيخنا الحافظ زين الدين العراقى ـ سقى الله ثراه ـ فى كتابه الذى نظمه فى السيرة النبوية. وهو ألف بيت بدا فى كتاب مغلطاى فى كثرة الفوائد.

وقد رويت ذلك عن شيخنا العراقى إجازة. وكل ما أوردته من كتابه وغيره أجيزه بقولى: قلت فى ابتدائه ، وأجيز آخره بقولى : انتهى. وسميت تأليفى هذا «الجواهر السنية فى السيرة النبوية».

* * *

__________________

(١) ما بين المعقوفتين إضافة ليست فى الأصل.


ذكر أسمائه ونسبه وشىء من حاله من حين ولادته

وإلى وفاته وغير ذلك من حال عمله

للمصطفى : صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسماء كثيرة تقرب من الثلاثمائة على ما قال ابن دحية ، وانتهى بها بعض المتصوفة إلى ألف (١).

وأشهرها : محمد ، وأحمد ، وبهما سماه الله فى القرآن العظيم ، الماحى ، الحاشر ، العاقب ، يكنى : أبا القاسم ، وأبا إبراهيم.

ابن : عبد الله بن عبد المطلب ، واسمه : شيبة الحمد ، وقيل : عامر بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف ، واسمه المغيرة بن قصى ، واسمه : زيد ، وقال الشافعى : يزيد ـ فيما حكاه الحاكم أبو أحمد بن كلاب ـ واسمه حكيم ، وقيل : عروة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر. وهو جماع قريش فى قول الكلبى ، وغيره.

ابن : مالك بن النضر ، واسمه قيس ، وهو : قريش فى قول ابن إسحاق.

ابن : كنانة بن خزيمة بن مدركة ، واسمه : عمرو. وقال ابن إسحاق : عامر بن إلياس ، واسمه : حبيب بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، إلى هنا مجمع عليه ، وما فوق ذلك:مختلف فيه (٢).

وأشهره : ابن أدد ويقال : أد بن أدد بن مقوم ، بن ناجور ، بن تيرح ، بن يعرب ، بن يشجب ، وقيل : يشجب بن يعرب ، بن يشجب ، بن نابت ، بن إسماعيل ، وتفسيره: مطيع

__________________

(١) راجع أسماؤه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى : (الوفا ٩٩ ، وصحيح البخارى ، كتاب المناقب باب ١٧ ما جاء من أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الفضائل باب أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنن الترمذى كتاب الأدب باب ما جاء فى أسماء الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٥ / ١٣٥ ، سنن الدارمى ، كتاب الرقاق باب فى أسماء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٢ ، ٣١٧ ، مسند أحمد ٤ / ٨٠ ، ٨١ ، ٨٤ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ، دلائل النبوة لأبى نعيم ٢٦ ، تفسير ابن كثير ٥ / ٣٨٢ ، ٦ / ٤٢٥ ، ٨ / ١٣٥ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٠ ، تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزى ٩ ، طبقات ابن سعد ١ / ٥٥ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٠٦).

(٢) صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه ، بل روى من طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان ، قال : «كذب النسابون». مرتين أو ثلاثا. انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١ ، ٢ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ١٧٩ ، ١٨٠ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٢٧٢ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٧٢ ، الروض الأنف ١ / ٨ ، الوفا لابن الجوزى ٧٠).


الله الذبيح ، ويلقب : أعراق الثرى ، بن إبراهيم خليل الرحمن ، ويكنى : أبا الضيفان ، وتفسيره : أب راحم ، بن تارح ، وهو : آزر ، بن ناحور بن ساروح ، بن راعوا ، ويقال : أرغوا ، ومعناه : قاسم بن فالح ، ويقال : فالع بن عيبر ، ويقال عابر ، وهو : هود عليه‌السلام ، بن شالح ، ومعناه : الرسول ، ويقال : الوكيل ، بن إرفخشد ، ويقال : الفخشيد ، ويقال : الفخشد ، ومعناه : مصباح مضىء ، بن سام ، بن نوح ، واسمه : عبد الغفار بن لامك ، ويقال : لمكان بن متوشلخ بن خنوخ ، ويقال : أخنخ ، ويقال : أخنوخ ، ويقال : أهنخ ، وهو : إدريس عليه‌السلام بن يرد ، ويقال : يارد ، ويقال : الزايد ، ومعناه : الضابط ، ابن مهليل ، ويقال : مهلابيل ، ومعناه : الممدح ، بن قينن ، ويقال : قينان. ومعناه : المستولى ، ابن يانش ، ومعناه : الصادق ، بن شيث ، ويقال : شاث ، ومعناه : هبة الله ، ويقال : عطية الله ، بن آدم أبى البشر ، ويقال : أبو محمد لمحمد ابنه عليهما‌السلام.

أمه عليه‌السلام : آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، ويقال : عبد مناف بن كلاب وزهرة : أمه. فيما قاله ابن قتيبة. والجوهرى. وفى ذلك نظر (١).

ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف أخى الحجاج بن يوسف ، ويقال: بالشعب ، ويقال بالروم ، ويقال : بعسفان.

قلت : قال السهيلى : ولد بالشعب ، وقيل : بالدار التى عند الصفا ، وكانت بعد لمحمد ابن يوسف أخى الحجاج ، ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت. انتهى.

والدار التى عند الصفا : هى دار الخيزران ، ودار ابن يوسف بسوق الليل ، وهى الموضع المعروف بمولده عليه الصلاة والسلام. وهذا الذى قاله السهيلى فى ولادته بالدار التى عند باب الصفا غريب. والله أعلم. انتهى (٢).

يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ، وقيل : لثمان ، وقيل : لعشر ، وقيل : لثنتى عشر. وحكى فيه ابن الجزار الإجماع. وفيه نظر. وقيل : لثمان عشرة. وقيل : لسبع عشرة. وقيل : لثمان بقين منه. وقيل : فى أوله حين طلع الفجر يوم أرسل الله الأبابيل ـ وهى : الجماعات. واحدها : أبول. وقيل : لا واحد لها ـ على أهل الفيل. وقيل : عام الفيل.

وحكى ابن الجزار فيه الإجماع. وفيه نظر. وقيل بعد الفيل بشهر ، وقيل : بأربعين

__________________

(١) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٤٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٠).

(٢) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١٩٨ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣١ ، الوفا ٨٦ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ٧٢ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٧١).


يوما ، وقيل : بشهرين وستة أيام ، وقيل : بخمسين يوما ، وقيل : بخمسة وخمسين يوما ، وقيل : بعشر سنين ، وقيل : بثلاثين عاما ، وقيل : بأربعين عاما ، وقيل بسبعين ، وقيل : لثنتى عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين ، من غزوة أصحاب الفيل ، وقيل : ولد يوم عاشوراء ، وقيل : فى صفر ، وقيل : فى ربيع الآخر (١).

لم تجد لحمله ثقلا ولاحما. وفى حديث شداد عكسه.

وجمع بأن : الثقل فى ابتداء العلوق ، والخفة عند استمرار الحمل ، ليكون فى ذلك خارجا عن المعتاد ، مختونا ، مسرورا ، مقبوضة أصابع يده ، مشيرا بالسبابة كالمسبح بها (٢).

وقيل : إن جده ختنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم سابعه. وقيل : جبريل ، وختم حين وضعه بالخاتم. ذكره ابن عابد. وسماه الله محمدا ، قالته أمه. وقيل : إن جده سماه فى سابعه (٣).

واختلف فى مدة الحمل به صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقيل : تسعة أشهر ، وقيل : عشرة ، وقيل : ثمانية.

وقيل : سبعة ، وقيل : ستة (٤).

وتوفى أبوه وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمل. وقيل : بعد ولادته بشهرين ، وقيل : بأكثر من ذلك (٥).

__________________

(١) اتفق أن ولادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين لحديث أبى قتادة أن رجلا سأل رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صوم يوم الاثنين ، فقال : «ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علىّ فيه». أخرجه مسلم فى صحيحه كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، حديث ١٩٧. انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١٩٦ ، ١٩٧ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣ ، الوفا ٨٦ ، ٨٧ ، دلائل النبوة ١ / ٧٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٧١).

(٢) اختلف فيه على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ولد مختونا مسرورا ، وروى فى ذلك حديث لا يصح ، ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات ، وليس فيه حديث ثابت ، وليس هذا من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن كثيرا من الناس يولد مختونا. القول الثانى : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة.

القول الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا. ومعنى مختونا : أى مقطوع الختان ، ومسرورا أى مقطوع السّرّة من بطن أمه.

انظر : البداية والنهاية ٢ / ٢٦٥ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ١١٤ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٢٨٢ (تهذيبه) ، طبقات ابن سعد ١ / ١٠٣ ، مجمع الزوائد ٨٢٢٤ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٧٢ ، الخصائص الكبرى للسيوطى ١ / ١٣٢ ، الوفا ٩٤).

(٣) انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ١٠٣ ، صفة الصفوة ١ / ٥٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٦٥ ، الروض الأنف ١ / ١٨٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٤٧ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٢).

(٤) كذا فى تاريخ الخميس ١ / ١٨٦ نقلا عن المواهب اللدنية. راجع أيضا : (إمتاع الأسماع ١ / ٣٢).

(٥) فى تاريخ الخميس ١ / ١٨٦ : «فى أسد الغابة لابن الأثير : توفى أبوه عبد الله وأمه حامل به. ـ


وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثويبة عتيقة عمه أبى لهب بلبن ابنها مسروح (١) وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا : حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية (٢). وصحح ابن حبان وغيره : حديثا دل على إسلامها بلبان ابنها عبد الله أخى أنيسة ، وجذامة (٣). وهى الشيماء القادمة عليه عليه‌السلام بحنين.

وقيل : بل كانت أمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حليمة أولا عند الحارث بن عبد العزى.

واختلف فى إسلامه : روى خالد بن معدان «أن نفرا من الصحابة رضى الله عنهم ، قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم. أنا دعوة أبى إبراهيم ، بشر بى عيسى ابن مريم ، ورأت أمى حين وضعتنى خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ـ وذكر ابن حبان : أن ذلك كان فى المنام. وفيه نظر ـ واسترضعت فى بنى سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لى خلف بيوتنا نرعى بهما لنا : أتانى رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوء ثلجا ، فأخذانى فشقا بطنى ، فاستخرجا قلبى ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا بطنى وقلبى بذلك الثلج ، ثم قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنانى بهم ، فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته فوزنتهم ، ثم قال : دعه ، فلو وزنته بأمته لوزنها».

__________________

ـ وفى المواهب اللدنية : ولها من حملها شهران ، وقيل : قبل ولادته بشهرين. كذا فى سيرة مغلطاى. وقيل : توفى وهو فى المهد. قاله الدولابى. وعن أبى ، وعن خيثمة : وهو ابن شهرين ، وقيل ابن سبعة أشهر ، وقيل : وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا. وكذا فى سيرة اليعمرى. والراجح المشهور هو الأول». انظر أيضا : (إمتاع الأسماع ١ / ٣٢ ، ٣٣ ، الوفا ٨٥ ، ٨٦ ، وقال ابن الجوزى : وقد قيل إن عبد الله توفى بعد ولادة رسول الله ، ولا يصح.

(١) قال أهل السير : أرضعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمه آمنة ثلاثة أيام ، وقيل سبعة ، ثم أرضعته ثويبة الأسلمية جارية أبى لهب أياما قبل قدوم حليمة من قبيلتها ، ثم أرضعته حليمة. وروى أنها أرضعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمان نسوة غير آمنة ثويبة ، وحليمة وخولة بنت المنذر ـ ذكرها أبو الفتح اليعمرى ـ وأم أيمن ـ ذكرها أبو الفتح عن بعضهم والمعروف أنها من الخواص ـ وامرأة سعدية غير حليمة ـ ذكرها ابن القيم فى الهدى ـ وثلاثة نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة : إحداهن : عاتكة بنت هلال بن فالح ، وهى أم هاشم بن عبد مناف بن قصى ، والثانية : عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالح ، وهى أم هاشم بن عبد مناف. والثالثة : عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال.

(٢) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٢ ، الوفا ١٠٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٣ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٧٣ ، دلائل النبوة ١ / ١٣١).

(٣) هكذا فى الأصل. وفى سيرة ابن هشام «خذامة بكسر الخاء». وفى إمتاع الأسماع : «حذافة».

انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٤٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٣).


وذكر أبو نعيم : أن ذلك كان وعمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين. وختم بخاتم النبوة بين كتفيه.

وكان ينم مسكا ، مثل زر الحجلة (١). ذكره البخارى.

وفى مسلم : جمع عليه خيلان (٢) ، كأنها الثآليل السود عند بعض طرفيه. ويروى غضروف : وفى كتفه الأيسر. وفى كتاب أبى نعيم : الأيمن. وفى مسلم أيضا : كبيضة حمامة. وفى صفة الخاتم : اختلاف كبير. ذكره مغلطاى.

وماتت أمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن أربع. وقيل : ست. وقيل : سبع وقيل : غير ذلك. قلت:جزم شيخنا العراقى : بأن أمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفيت وله ست سنين ومائة يوم. وهذا القول لم يذكره مغلطاى. وحكى شيخنا القول بوفاتها : وله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع سنين. ولم يحك غير ذلك.

وذكر شيخنا أيضا : ما يقتضى : أن أباه توفى ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمل على الصحيح. والله اعلم. وهذا لا يفهم مما ذكره مغلطاى. انتهى. وكانت وفاتها : بالأبواء (٣). وقيل : بشعب أبى دب بالحجون (٤). وكانت أم أيمن بركة : دايته وحاضنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد موت أمه.

ومات جده عبد المطلب كافله ، وله ثمان سنين. وقيل : غير ذلك. فكفله أبو طالب ، واسمه : عبد مناف. وقيل : اسمه كنيته ، فيما ذكره الحاكم. وفيه نظر. بوصية أبيه عبد المطلب ، ولكونه شقيق عبد الله (٥).

فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اثنتى عشرة سنة. وقيل : تسعا. وقيل اثنتى عشرة سنة وشهرا وعشرة أيام. وقيل : لعشر خلون من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من الفيل : خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى ، فرآه بحيرا ، واسمه : جرجيس. فعرفه بصفته. فقال : وهو آخذ بيده : هذا سيد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين (٦).

__________________

(١) زر الحجلة : بالحاء المهملة والجيم. قال النووى : هو واحد الحجال ، وهو بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى ، هذا هو الصواب. قيل : المراد بالحجلة الطائر المعروف ، وزرها بيضها. وأشار إليه الترمذى وأنكره عليه العلماء.

(٢) الخيلان : جمع خال ، وهو الشامة على الجسد.

(٣) الأبواء بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة ، قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. انظر : معجم البلدان (أبواء).

(٤) قال ابن سعد : «هنا غلط ليس قبرها بمكة ، إنما قبرها بالأبواء. انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ٧٤ ، دلائل النبوة ١ / ١٨٩ ، الوفا ١١٣ ، ١١٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٢٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٥٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٤ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ١٣).

(٥) انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ١٨٨ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٥٦ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٨٢ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٤ ، دلائل النبوة ٢ / ٢٠ ـ ٢٢ ، الوفا ١١٦ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٣٩).

(٦) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٣٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٥ ، الوفا ١١٦ ، ١١٧).


فقيل له : وما علمك بذلك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم به من العقبة ، لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجدا ، ولا يسجدان إلا لنبى. وإنا نجده فى كتبنا. وسأل أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود (١).

وخرج الترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه : أن فى هذه السفرة : أقبل سبعة من الروم يقصدون قتله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فاستقبلهم بحيرا. فقال : ما جاء بكم؟ فقالوا : إن هذا النبى خارج فى هذا الشهر. فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس. فقال : أرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه. هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا : لا. قال : فبايعوه وأقاموا معه.

ورده أبو طالب ، وبعث معه أبو بكر بلالا. وفيه : وهمان. الأول : بايعوه على أى شىء. والثانى : أبو بكر رضى الله عنه لم يكن حاضرا ، ولا كان فى حال من يملك ، ولا ملك بلالا إلا بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما.

ولما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرين سنة. وقيل : أربع عشرة. حضر مع عمومته حرب الفجار (٢). ورمى فيه بأسهم.

وحضر حلف الفضول. وهو حلف عقدته قريش على نصر كل مظلوم بمكة (٣).

وكان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط (٤).

ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثانيا مع ميسرة ـ غلام خديجة ابنة خويلد بن أسد ـ فى تجارة لها. وكانت رضى الله عنها استأجرته على أربع بكرات. ويقال استأجرت معه رجلا آخر من قريش حتى بلغ سوق بصرى. وقيل : سوق حباشة بتهامة. وله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ ذاك خمس وعشرون سنة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة ، فنزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت ظل شجرة ، فقال

__________________

(١) انظر خبر بحيرا فى : (صفة الصفوة ١ / ٦٧ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٦٥ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٢٧٧ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٨٢ ، عيون الأثر لابن سيد الناس ١ / ٤٠ ، دلائل النبوة لأبى نعيم ٥٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٤٠).

(٢) انظر : (البداية والنهاية لابن كثير ٢ / ٢٩٠ ، الوفا ١٣٢ ، الروض الأنف ١ / ٢٠٩ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٥٥).

(٣) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٢٢ ، الوفا ١٣٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٩١ ، تاريخ الخميس ٢٦١).

(٤) روى البخارى فى كتاب الإجارة (١ / ٣٢) : عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما بعث نبيا إلا رعى الغنم.

فقال أصحابه : وأنت؟ قال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». وأخرجه ابن ماجة فى سننه ٢١٤٩ ، وابن سعد فى الطبقات ١ / ٨٠ ، وابن كثير فى البداية ٢ / ٢٩٥ ، وأبو نعيم فى الدلائل ١ / ٥٥ ، والبيهقى فى الدلائل ٢ / ٦٥).


نسطور الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى ، واستشكل. وفى رواية : بعد عيسى(١).

وكان ميسرة رضى الله عنه يرى فى الهاجرة ملكين يظلانه من الشمس.

وتزوجها بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما فى عقب صفر وكان سنه ست وعشرين. وقيل : كان سنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى وعشرين سنة. وقيل : ثلاثين.

وقال ابن جريج : وله سبع وثلاثون سنة. وقال البرقى : تسع وعشرون ، قد راهق الثلاثين.

وخديجة رضى الله عنها يومئذ ابنة أربعين سنة. وقيل : خمس وأربعين. وقيل : ثلاثين.

وقيل : ثمان وعشرين. وأصدقها صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنى عشر أوقية ونشا. وقيل : عشرين بكرة (٢).

ولما بلغ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا وثلاثين سنة بنت قريش الكعبة (٣).

وفى تاريخ يعقوب : كان بناؤه فى سنة خمس وعشرين من الفيل. ووضع عليه الصلاة والسلام : الركن اليمانى بيده يوم الاثنين.

فلما بلغ عليه‌السلام أربعين سنة. وقيل : وأربعين يوما. وقيل : وعشرة أيام. وقيل : وشهرين ، يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان. وقيل : لسبع. وقيل : لأربع وعشرين ليلة.

وقال ابن عبد البر : يوم الاثنين لثمان من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل.

وقيل : فى أول ربيع. وفى تاريخ النسائى : على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وضعفه.

وعن مكحول : بعد ثنتين وأربعين : جاءه جبريل بغار حراء. قالت عائشة رضى الله عنها : «أول ما بدئ به عليه‌السلام من الوحى : الرؤيا الصادقة.

وقال الواقدى ، وابن أبى عاصم ، والدولابى فى تاريخه : نزل عليه القرآن ، وهو ابن ثلاث وأربعين.

__________________

(١) انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ٨٣ ، ١٠١ ، دلائل النبوة ١ / ٥٤ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٢٧٤ ، الوفا ١٤٠ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٦).

(٢) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٧١ ، عيون الأثر ١ / ٤٧ ، طبقات ابن سعد ١ / ١٣٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٩٦ ، الروض الأنف ١ / ٢١٣ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٧ ، الوفا ١٤٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٦٣).

(٣) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٨٢ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٨ ، الوفا ١٤٣).


وفى كتاب العتيقى : ابن خمس وأربعين ، لتسع وعشرين من رجب. قاله الحسين ، وجمع : بأن ذلك حين حمى الوحى وتتابع. وقيل : إسرافيل عليه‌السلام وكل به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث سنين قبل جبريل عليه‌السلام (١).

وأنكر ذلك الواقدى ، وصححه الحاكم. فقال : «أبشر يا محمد ، وأنا جبريل أرسلت إليك ، وأنت رسول هذه الأمة. ثم أخرج لى قطعة نمط ، فقال : اقرأ. قلت : والله ما قرأت شيئا قط. فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ١ ـ ٥] ثم قال : انزل عن الجبل. فنزلت معه إلى قرار الأرض ، فأجلسنى على درنوك وعليه ثوبان أخضران ، ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء ، فتوضأ منها جبريل عليه‌السلام ، ثم أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتوضأ كذلك. ثم قام وصلى بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم انصرف جبريل. وجاء عليه‌السلام إلى خديجة رضى الله عنها. فأمرها فتوضأت وصلى بها كما صلى به جبريل عليه‌السلام».

وكان ذلك أول فرض الصلاة ركعتين ، ثم إن الله تعالى أقرها فى السفر ركعتين كذلك وأتمها فى الحضر.

وقال مقاتل : كانت الصلاة أول فرضها ركعتين بالغداة ، وركعتين بالعشى.

وذكر أبو نعيم «أن جبريل وميكائيل عليهما‌السلام : شقا صدره وغسلاه ، ثم قالا : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)».

وعن ابن عباس رضى الله عنهما «أول شىء رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النبوة أنه قيل : له استتر ـ وهو غلام ـ فما رؤيت عورته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد».

وكان أول من آمن بالله وصدق : خديجة رضى الله عنها.

ثم فتر الوحى فترة حتى شق عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى (٢).

وكان أول ذكر آمن بعدها : أبو بكر رضى الله عنه ، وقيل : على رضى الله عنه ، ثم زيد بن حارثة رضى الله عنه ، ثم أسلم عثمان بن عفان رضى الله عنه.

__________________

(١) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ٢١٦ ، البداية والنهاية ٣ / ٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٩ ، الوفا ١٤٧ ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٢٤٨).

(٢) انظر : (صفة الصفوة ١ / ٨٠ ، البداية والنهاية ٣ / ١٧ ، تفسير الطبرى ٣ / ٢٣٢ ، إمتاع الأسماع ١ / ٤٠ ، الوفا ١٥٧).


وذكر مغلطاى : إسلام جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم. ثم قال : ودخل الناس فى الإسلام أرسالا من الرجال والنساء.

ثم إن الله أمر رسوله بأن يصدع بما جاء به ، وكان ذلك بعد ثلاث سنين من النبوة.

فبينا سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه فى نفر يصلون فى شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد يومئذ بلحى بعير ، فشجه فكان أول دم هريق فى الإسلام.

فلما نادى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قومه بالإسلام لم تبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها.

قال العتيقى : وكان ذلك فى سنة أربع ، فلما فعل أجمعوا على صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلافه وعداوته إلا من عصم الله.

وحدب عليه أبو طالب فخف الأمر وتنابذ القوم ، ونادى بعضهم بعضا ، وتآمرت قريش على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. ومنع الله رسوله بعمه أبى طالب ، وبنى هاشم ، غير أبى لهب وبنى المطلب. فرماه الوليد بن المغيرة : بالسحر ، وتبعه قومه على ذلك. فنزل فيه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الآيات [المدثر : ١]. وفى النفر الذين تابعوه على قوله : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : ٩١].

ثم إن قريشا اشتد عليهم الأمر ، فكذبوه وآذوه ، ورموه بالسحر والشعر والكهانة والجنون ، وأغروا به سفهاؤهم ، حتى أخذ رجل منهم يوما بمجمع ردائه فقام أبو بكر دونه ، وهو يبكى ويقول : أتقتلون رجلا أن يقول : ربى الله؟ (١).

ثم أسلم حمزة بن عبد المطلب عمه رضى الله عنه ، وكان أعز فتى فى قريش ، وأشد شكيمة ، فعزّ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكف عنه قريش قليلا.

قال العتيقى : وكان إسلامه رضى الله عنه سنة ست ، وسألوه إن كنت تطلب مالا جمعنا لك ما لا تكون به أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا قد غلب عليك بذلنا أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.

فقال لهم عليه‌السلام : ما بى ما تقولون ، ولكن الله بعثنى رسولا ، وأنزل علىّ كتابه ، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم ، فإن تقلبوا

__________________

(١) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٤٣ ، الروض الأنف ١ / ٨٤).


منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم.

واشترى أبو بكر رضى الله عنه بلالا رضى الله عنه فأعتقه ، وكان يعذب فى الله.

وقتلت أم عمار بن ياسر : سمية رضى الله عنها فى الله ، فهى أول قتيل فى الإسلام.

وقيل : أول قتيل الحارث بن أبى هالة بن خديجة فيما ذكر العسكرى.

ثم أذن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه فى الهجرة إلى الحبشة فى رجب سنة خمس من النبوة ، وعدتهم : اثنى عشر رجلا وأربع نسوة. وقيل : أحد عشر وامرأتان.

وقال الحاكم : بعد موت أبى طالب.

وفى كتاب الاقتصار على صحيح الأخبار : كانوا عشرة رجال وأربع نسوة ، وأميرهم : عثمان بن مظعون رضى الله عنه ، وأنكر ذلك الزهرى فقال : لم يكن لهم أمير غير ملكها النجاشى ، واسمه : أصحمة بن بحرى. وقيل : مكحول بن صصة ، فخرج المسلمون وهى أول هجرة فى الإسلام.

فلما رأت قريش استقرارهم فى الحبشة وأمرهم أرسلوا فيهم إلى النجاشى عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبى ربيعة ليردهم إلى قومهم ، فأبى ذلك وردهما خائبين وكان حين ذلك مشركا ، ثم أسلم سنة سبع ، وتوفى فى رجب سنة تسع ، وصلى عليه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورفع إليه سريره حتى رآه. وقيل : لأنه كان عند الكفار الذين لا يصلون عليه ، فلذلك صلى عليه.

وأسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة رضى الله عنهما بثلاثة أيام ، فيما قاله أبو نعيم بدعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أيد الإسلام بأبى جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب».

وفى كتاب الحاكم : «اللهم أيد الإسلام بعمر الخطاب» لم يذكر أبا جهل وكان رجلا لا يرام ماوراء ظهره ، فامتنع به وبحمزة الصحابة رضى الله عنهم.

وكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول : ما كنا نقدر على أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر رضى الله عنه.

فلما رأت قريش عزة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعزة أصحابه فى الحبشة وفشو الإسلام فى القبائل : اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدوا فيه على بنى هاشم وبنى المطلب : أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ، ولا يبيعوا منهم شيئا ، ولا يبتاعوا منهم. وكتبوه فى


صحيفة بخط منصور بن عكرمة. وقيل : بغيض بن عامر ، فشلت يده. وعلقوا الصحيفة فى جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع ، فانحاز الهاشميون غير أبى لهب ، والمطلبيون إلى أبى طالب ، فدخلوا معه فى شعبه ، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا.

وقال ابن سعد : سنتين حتى جهدوا ، وكانوا لا يصل إليهم شىء إلا سرّا.

ثم هاجر المسلمون الثانية إلى أرض الحبشة ، وعدتهم : ثلاثة وثمانون رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم ، وثمانى عشرة امرأة.

ثم قام رجال فى نقض الصحيفة فأطلع الله عزوجل نبيه على : أن الأرضة أكلت ما فيها من القطيعة والظلم ، فلم يدع إلا اسم الله فقط. فلما أنزلت لتمزق ، وجدت كما قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وذلك فى السنة العاشرة.

ولما أتت عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما ، مات عمه أبو طالب. وقيل : فى النصف من شوال من السنة العاشرة. وقال ابن الجزار : قبل هجرته بثلاث سنين.

وماتت خديجة رضى الله عنها بعد ذلك بثلاثة أيام. وقيل : بخمسة فى رمضان. وقيل: ماتت قبل الهجرة بخمس ، وقيل : بأربع سنين. وقيل : بعد الإسراء. فكان عليه‌السلام يسمى ذلك العام : عام الحزن ، فيما ذكره صاعد.

وبعد أيام تزوج صلى‌الله‌عليه‌وسلم سودة بنت زمعة سنة عشر. وقيل : بعد موت خديجة رضى الله عنها بسنة. وقال ابن عقيل : تزوجها بعد عائشة رضى الله عنها.

ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف بعد موت خديجة رضى الله عنها بثلاثة أشهر ، فى ليال بقين من شوال سنة عشر ، ومعه زيد بن حارثة رضى الله عنه ، فأقام به شهرا يدعوهم إلى الله تعالى فلم يجيبوه ، وأغروا به سفهاءهم ، فجعلوا يرمونه بالحجارة ، حتى إن رجليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتدميان وزيد رضى الله عنه يقيه بنفسه ، حتى لقد شج فى رأسه ، ثم رجع فى جوار المطعم بن عدى ، ولم يستجب له إنسان.

فلما نزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم نخلة ، وهو موضع على ليلة من مكة صرف إليه سبعة من جنّ نصيبين ، فاستمعوا له ، وهو يقرأ سورة الجن.

وقيل : كان قدوم الجن بعد خمسين سنة وثلاثة أشهر من مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ، وهو نائم فى بيته ، أتاه جبريل وميكائيل عليهما‌السلام ، فقالا : انطلق إلى ما


كنت تسأل. وذلك أنه كان يسأل : أن يرى الجنة والنار. فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم ، فأتى بالمعراج ، فعرجا به إلى السماء السابعة وفرضت عليه الصلوات.

وقيل : كان المعراج قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل : ستة. وكان بعد النبوة بخمسة أعوام. وقيل بعام ونصف عام.

وقال عياض : بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا.

وقال الحربى : ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.

وقيل : لسبع عشرة خلت من ربيع الأول.

وقال ابن قتيبة : بعد سنة ونصف من رجوعه من الطائف.

وقال الواقدى : ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بستة أشهر.

وقال ابن فارس : فلما أتت عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر : أسرى به من زمزم إلى القدس.

وفى البخارى «بينا أنا نائم فى الحطيم ـ وربما قال : فى الحجر. ومنهم من قال : بين النائم واليقظان ـ إذا أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه ـ يعنى : من ثغرة نحره إلى مراقه ـ فاستخرج قلبى ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا ، فغسل قلبى ، ثم حشى ، ثم أعيد. ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض ، وهو البراق ، يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه. فانطلق بى جبريل إلى السماء ـ وذكر الأنبياء الذين رآهم فى بيت المقدس والسماء. وذكر الجنة والنار وسدرة المنتهى والأنهار الأربعة ، والآنية الثلاثة : الماء ، والخمر ، واللبن ، وفرض الصلوات (١)».

واختلف فى المعراج والإسراء : هل كانا فى ليلة واحدة ، أم لا؟ وهل كانا أو أحدهما : يقظة أو مناما؟ وهل كان المعراج قبل الإسراء؟ وهل كان المعراج مرة أو مرات؟.

والصحيح : أن االإسراء ، كان فى اليقظة بجسده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه مرات متعددة ، وأنه رأى ربه عزوجل بعين رأسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولما أصبح أخبر قريشا بالإسراء فكذبوه.

__________________

(١) أخرجه : البخارى فى صحيحه كتاب المناقب ، باب المعراج حديث ٣٨٨٧ ، وكتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة. وأخرجه مسلم فى صحيحه ، كتاب الإعيان حديث ٢٦٥ ، والبيهقى فى الدلائل ٢ / ٣٧٣ ـ ٣٧٧.


وارتد جماعة ممن كان أسلم وسألوه أمارة. فأخبرهم بقدوم العير يوم الأربعاء.

فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب ، فدعا الله ، فحبس الشمس حتى قدموا ، كما وصف.

قال ابن إسحاق : ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم ، وليوشع بن النون.

قال الواقدى : مكث صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ، ثم أعلن فى الرابعة ، فدعى الناس إلى الإسلام عشر سنين ، يوافى الموسم كل عام يتبع الحاج إلى منازلهم بعكاظ ، ومجنة ، وذى المجاز ، يدعوهم إلى أن يمنعوه ، حتى يبلغ رسالات ربه ، فلم يجد أحدا ينصره ولا يجيبه ، إلى أن أراد الله عزوجل إظهار دينه ، ساقه الله عزوجل إلى هذا الحى من الأنصار ـ وهو لقب إسلامى لنصرتهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما كانوا يسمون : أولاد قيلة ، والأوس ، والخزرج ـ فأسلم اثنان ، أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد قيس.

فلما كان من العام المقبل فى رجب : أسلم منهم ستة. وقيل : ثمانية. فقال لهم النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم : تمنعون ظهرى حتى أبلغ رسالة ربى. فقالوا : يا رسول الله : إنما كانت بعاث عام الأول يوم من أيامنا ، اقتتلنا به ، فإن تقدم ، ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع ، فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله أن يصلح ذات بيننا ، وموعدك الموسم العام المقبل.

فكان أول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة : مسجد بنى زريق.

فلما كان العام المقبل لقيه اثنى عشر رجلا ، وفى الإكليل : أحد عشر. وهى العقبة الأولى ، فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء وغير ذلك. ولم يفرض يومئذ القتال ، ثم انصرفوا إلى المدينة. فأظهر الله الإسلام. وكان أسعد بن زرارة رضى الله عنه يجتمع بالمدينة بمن أسلم.

وكتبت الأوس والخزرج إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ابعث إلينا من يقرئنا القرآن ، فبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم مصعب بن عمير.

وقال ابن إسحاق : أرسله معهم ، وكان يسمى المقرئ. وهو أول من سمى به.

ثم قدم عليهم عبد الله ، ويقال : عامر بن أم مكتوم.

ثم قدم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى العام المقبل فى ذى الحجة أوسط أيام التشريق منهم سبعون رجلا. وقال ابن سعد : يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان. وقال ابن إسحاق : ثلاثة وسبعون وامرأتان.


وقال الحاكم : خمسة وسبعون نفسا فى نفر من قومهم وهم خمسمائة. فكان أول من ضرب على يده عليه‌السلام البراء بن معرور رضى الله عنه ويقال : أبو الهيثم رضى الله عنه ، ويقال: أسعد بن زرارة ، على : أنهم يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم ، وعلى حرب الأحمر والأسود.

فكانت أول آية نزلت فى الإذن بالقتال : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج : ٣٩].

وفى الإكليل : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) [التوبة : ١١١]. ونقب عليهم اثنى عشر منهم.

ثم إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذن لأصحابه فى الهجرة إلى المدينة عند إخوانهم الأنصار. وأقام بمكة ينتظر أن يؤذن له فى الخروج.

ثم ذكر مغلطاى هجرة جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم إلى المدينة ، ثم قال : حتى لم يبق معه ، عليه‌السلام ، بمكة إلا على بن أبى طالب ، والصديق رضى الله عنهما.

كذا قاله ابن إسحاق وغيره. وفيه نظر لما يأتى بعد.

فلما رأت ذلك قريش اجتمعوا ومعهم إبليس فى صورة شيخ نجدى فى دار الندوة ، يتشاورون فيما يصنعون فى أمره ، عليه‌السلام ، حين خافوه ، فأجمعوا على قتله. فأتاه جبريل. فقال : لا تبت هذه الليلة على فراشك. فأمر عليا رضى الله عنه فنام مكانه ، وغطى ببرد أخضر. فكان أول من شرى نفسه ، ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلم يره منهم أحد ، ونثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رءوسهم كلهم ترابا كان فى يده.

وأذن الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الهجرة ، وأمره جبريل ، عليه‌السلام ، أن يستصحب أبا بكر رضى الله عنه واستأجر عبد الله بن الأريقط دليلا وهو على شركه ، وعامر بن فهيرة خادما ، وذلك بعد العقبة بشهرين وليال.

وقال الحاكم : بثلاثة أشهر أو قريبا منها. وكان مدة مقامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة من حين النبوة إلى ذلك الوقت بضع عشرة سنة. وفى ذلك يقول صرمة :

ثوى فى قريش بضع عشرة حجة

يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

وقال عروة : عشرا. وقال ابن عباس خمسة عشر سنة. وفى رواية عنه : ثلاث عشرة سنة. قال الخوارزمى : ينقص يوما واحدا.


ولم يعلم بخروجه عليه‌السلام إلا على وآل أبى بكر رضى عنهم. فدخل غارا بثور جبل بأسفل مكة ، فأقام فيه ثلاثا. وقيل : بضعه عشر يوما. فأمر الله العنكبوت فنسجت على بابه ، والراة فنبتت ، وحمامتين وحشيتين فعششتا على بابه. قال السهيلى : وحمام الحرم من نسلهما.

ثم خرج منه ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من ربيع الأول على ناقته الجدعاء. قالت أسماء رضى الله عنهما : فمكثنا ثلاث ليال لا ندرى أين وجه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أنشد رجل من الجن شعرا سمعه الناس وما يرونه :

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتى أم معبد

هما نزلا بالبر ثم تروحا

فأفلح من أمسى رفيق محمد

ليهن بنى كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكم إن تسلوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

له بصريح ضرة الشاة مزبد

فغادره رهنا لديها لحالب

يدر لها فى مصدر ثم مورد

وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بقديد على أم معبد عاتكة بنت خالد ، فمسح ضرع شاة مجهودة وشرب من لبنها وسقى أصحابه ، واستمرت تلك البركة فيها. ولما مر بها قريش سألوها عنه ووصفوه. فقالت : ما أدرى ما تقولون قد ضافنى حالب الحائل. فقالوا : ذاك الذى نريد.

وفى الإكليل قصة أخرى شبيهة بقصة أم معبد. قال الحاكم : فلا أدرى أهى هى أم غيرها؟.

فلما راحوا من قديد تعرض لهما سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى ، فدعا عليه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فساخت قوائم فرسه ، فطلب الأمان فأطلق ورد من وراءه.

وأقام على رضى الله عنه بعد مخرجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثة أيام ، ثم أدركهم بقباء ، وقد نزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كلثوم بن الهدم ـ وقيل : سعد بن خيثمة ـ يوم الاثنين سابع ، وقيل : ثامن عشر ربيع. وكان مدة مقامه هناك مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أو ليلتين.

وأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتاريخ ، فكتب من حين الهجرة. قال ابن الجزار : ويعرف بعام الأول. وقيل : إن عمر رضى الله عنه أول من أرخ وجعله من المحرم ، وقيل : يعلى بن أمية : إذ كان باليمن. وقيل : بل أرخ بوفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكان نزوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقباء يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول وهو الرابع من برماه ،


والعاشر من أيلول سنة تسعمائة وثلاثة وثلاثين لذى القرنين ويقال : لاثنتى عشرة ليلة خلت منه حين اشتد الضحى ، ويقال : لهلال ربيع. ويقال فى أوله. فأقام بها أربع عشر ليلة ، ويقال : خمسا ، ويقال : أربعا ، ويقال : ثلاثا ، فيما ذكره الدولابى ، ويقال : اثنتين وعشرين ليلة. وأسس به مسجدا ، وهو أول مسجد أسس فى الإسلام.

وفى كتاب ابن البرقى : قدمها ليلا ، ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قباء يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع فى قول ابن الكلبى. وقال ابن الجوزى : لليلتين خلتا منه. وفيهما نظر.

فجمع فى بنى سالم بن عوف ببطن الوادى. ثم قدم المدينة. فبركت ناقتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على باب مسجده ثلاث مرات ، وهو يومئذ مربد لسهل وسهيل ابنى عمرو ، يتيمين فى حجر أسعد بن زراة. ويقال معاذ بن عفراء ، فاشتراه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعشرة دنانير.

ونزل برحله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبى أيوب لكونه من أخوال عبد المطلب فأقام صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنده سبعة أشهر ، وقيل : إلى صفر من السنة الثانية. وقال الدولابى : شهرا.

فكان أول كلمة سمعت منه عليه الصلاة والسلام : «أفشو السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام» (١).

وكان بالمدينة أوثان يعبدها رجال ، فأقبل حينئذ قومهم عليها فهدموها. وبعث النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة ، وأبا رافع ببعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة ، فقدما بفاطمة ، وأم كلثوم ، وسودة بنت زمعة ، وأسامة بن زيد ، وأمة بركة ، المكناة : أم أيمن رضى الله عنهم.

وخرج عبد الله بن أبى بكر رضى الله عنهما معهم بعيال أبيه. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى حيث أدركته الصلاة حتى بنى المسجد باللبن ، وسقفه بالجريد ، وجعل عمده خشب النخل ، وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وجعل له ثلاثة أبواب : بابا فى مؤخره ، وبابا يقال له : باب الرحمة ، والباب الذى يدخل منه.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب إلى جذع فى المسجد. فلما اتخذ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر ثلاث درجات بينه وبين الحائط ممر الشاة : خار عند ذلك الجذع كالبقرة أو الناقة : فنزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم واحتضنه حتى سكن ، وقال : «لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة» (٢).

__________________

(١) أخرجه الترمذى فى الأطعمة حديث رقم ١٨٥٤ ، ١٨٥٥ ، ٢٤٨٥ ، ٢٥١٠ ، ٢٦٨٨ ، وابن ماجة فى سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، حديث رقم ١٣٣٤ ، ٢٢٥١ ، ٣٢٥٢ ، وأحمد ابن حنبل فى المسند ٦٨٠٩.

(٢) حديث حنين الجزع أخرجه البخارى فى صحيحه ، كتاب المناقب ، باب علامات النبوة فى ـ


وكانت المدينة أوبأ أرض الله بالحمى ، فأصاب أصحابه رضى الله عنهم منها بلاء وسقم ، فدعى بنقل ذلك الوباء إلى مهيعة ، وهى الجحفة.

وبعد مقدمه بخمسة أشهر ، وقال أبو عمر : بثمانية : آخى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وكانوا تسعين رجلا من كل طائفة أربعون. وقيل : مائة على الحق والمواساة والتوارث. وكانوا كذلك إلى أن نزل بعد بدر : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) [الأحزاب : ٦].

وكتب كتابا بين المهاجرين وادع فيه يهود ، وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم. واشترط عليهم ، وشرط لهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وبنى بعائشة رضى الله عنها على رأس تسعة أشهر. وقيل : ثمانية عشر شهرا فى شوال.

وأرى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الأذان. وقيل : كان ذلك فى السنة الثانية.

وبعد شهر من مقدمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة زيد فى صلاة الحضر ، لاثنى عشر خلت من ربيع الأول.

قال الدولابى : يوم الثلاثاء. وقال السهيلى : بعد الهجرة بعام أو نحوه. وكانت الصلاة قبل الإسراء : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها. قال الدولابى : وروى عن عائشة وأكثر الفقهاء : أن الصلاة نزلت بتمامها.

[سرية حمزة إلى سيف البحر](١)

وعلى رأس سبعة أشهر عقد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمه حمزة رضى الله عنه فى شهر رمضان لواء أبيض ، وأمره على ثلاثين رجلا من المهاجرين. وقيل : ومن الأنصار. وقيل : فى ربيع الأول سنة اثنتين. وقيل : بعد انصرافه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأبواء. وقيل : بعد ربيع الآخر يعترض عيرا

__________________

ـ الإسلام ، والبيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٥٧ ، ٣ / ٤٢١ ، والترمذى فى سننه ، كتاب صلاة الجمعة ، باب ما جاء فى الخطبة على المنبر ٢ / ٣٧٩ ، وابن خزيمة فى صحيحه ٧٧٦ ، والخطيب فى تاريخه ١ / ١٣١ ، ٤ / ١٣١ ، والإمام أحمد فى المسند ٤ / ٣٠٣).

(١) ما بين المعقوفتين إضافة ليست فى الأصل انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٠٤ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٥٥ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٥٦ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٦ ، المنتظم ٣ / ٨٠ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٣٤).


لقريش ، فيها أبو جهل فى ثلاثمائة رجل ، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص ، فلما تصافوا حجز بينهم نجدى بن عمرو الجهنى.

[سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ](١)

ثم سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ فى شوال ، وتعرف : بودان ، فى ستين رجلا تلقى أبا سفيان ، وكان على المشركين. وقيل : مكرز بن حفص. وقيل : عكرمة ابن أبى جهل. ورمى فيها سعد بن أبى وقاص بسهم ، فكان أول سهم رمى فى الإسلام.

وأما ابن إسحاق : فيزعم أن هذه أول راية عقدت. قال : وإنما أشكل أمرهما ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيعهما جميعا.

وذكر أبو عمر : أن أول راية عقدت لعبد الله بن جحش.

[سرية سعد بن أبى وقاص إلى الخرار](٢)

ثم سرية ابن أبى وقاص إلى الخرار : واد بالحجاز نصب فى الجحفة فى ذى القعدة فى عشرين رجلا. وقال أبو عمر : كانت بعد بدر. وقال ابن حزم نحوه. وقال : كانوا ثمانية يعترض عيرا لقريش ، فخرجوا على أقدامهم فصبحوها صبح خامسة ، فوجدوا العير قد مرت بالأمس.

[غزوة الأبواء](٣)

ثم غزوة الأبواء : جبل بين مكة والمدينة. ويقال لها : ودان ، فى صفر سنة اثنتين يعترض عيرا لقريش ، فغاب خمسة عشر يوما ، ولم يلق صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيدا. ووادع صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى ضمرة.

[غزوة بواط](٤)

ثم غزوة بواط : جبل لجهينة من ناحية رضوى بينه وبين المدينة أربعة برد فى ربيع

__________________

(١) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٠٤ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٥٥ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٥٧ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٦ ، المنتظم ٣ / ٨٠ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٣٤ ، الوفا).

(٢) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٠٣ ، سيرة ابن هشام ١ / ٦٠٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٥٨ ، إمتاع الأسماع ١ / ٢٢ ، المنتظم ٣ / ٨١ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٣٤ ، الوفا).

(٣) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٠٧ ، سيرة ابن هشام ١ / ٥٩٨ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٥ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٦٣ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٧ ، المنتظم ٣ / ٨٩ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٦ ، الوفا ٦٩٧).

(٤) انظر : (تاريخ الطبرى ٣ / ٤٠٧ ، سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٥ ، تاريخ الخميس ١ / ٣٦٣ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٨ ، المنتظم ٣ / ٨٩ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٦ ، الوفا ٦٩٧).


الأول. وقيل : الآخر ، فى مائتين يعترض عيرا فيها أمية بن خلف ، فرجع ولم يلق كيدا.

[غزوة بدر الأولى (١)]

ثم غزا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ربيع الأول يطلب كرز بن جابر الفهرى لإغارته على سرح المدينة ، حتى بلغ صفوان من ناحية بدر فلم يلحقه. وتسمى : بدر الأولى. وذكرها ابن إسحاق بعد العشيرة بليال. قال ابن حزم : بعشرة أيام.

[غزوة ذات العشيرة (٢)]

ثم غزا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات العشيرة ، موضعا لبنى مدلج بناحية ينبع فى جمادى الآخرة. وقيل : الأولى ، فى خمسين ومائة. وقيل : مائتى رجل ، ومعهم ثلاثون بعيرا يعتقبونها يعترض عيرا لقريش ففاتته بأيام ، ووادع صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى مدلج. ورجع ولم يلق كيدا.

[سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة](٣)

ثم سرية أمير المؤمنين المخدع فى الله ، عبد الله بن جحش رضى الله عنه ، إلى نخلة على ليلة من مكة فى رجب فى اثنى عشر مهاجرا. ويقال : ثمانين يترصد قريشا ، فمرت به عيرهم تحمل زبيبا وأدما من الطائف فيها عمرو بن الحضرمى ، فتشاور المسلمون ، وقالوا : نحن فى آخر يوم من رجب ، فإن نحن قاتلناهم هتكنا حرمة الشهر ، وإن تركناهم الليلة دخلوا حرم مكة. فأجمعوا على قتلهم ، فقتلوا عمرا واستأسروا أسيرين ، وهرب من هرب. واستاقوا العير ، فكانت أول غنيمة فى الإسلام. فقسمها ابن جحش ، وعزل الخمس وذلك قبل أن تفرض. ويقال : بل قدموا بالغنيمة كلها. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أمرتكم بالقتال فى الشهر الحرام». فأخر أمر الأسيرين والغنيمة حتى رجع من بدر ، فقسمها مع غنائمها.

وتكلمت قريش : بأن محمدا سفك الدم ، وأخذ المال فى الشهر الحرام ، فأنزل الله

__________________

(١) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٠٧ ، سيرة ابن هشام ١ / ٦٠١ وسماها غزوة صفوان ، طبقات ابن سعد ٢ / ٦ وسماها غزوة طلب كرز بن جابر الفهرى ، تاريخ الخميس ١ / ٣٦٥ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٨ ، المنتظم ٣ / ٨٩ ، دلائل النبوة للبيهقى ٣ / ٨ ، الوفا ٦٩٨).

(٢) ما بين المعقوفتين إضافة ليست فى الأصل.

انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٠٨ ، سيرة ابن هشام ١ / ٥٩٨ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٦ ، تاريخ الخميس ١ / ٣٦٣ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٨ ، المنتظم ٣ / ٩٠ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٦ ، الوفا ٦٩٨).

(٣) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤١٠ ، سيرة ابن هشام ١ / ٦٠١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٧ ، تاريخ الخميس ١ / ٥٦٣ ، إمتاع الأسماع ١ / ٦٩ ، المنتظم ٣ / ٩١ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٨ ، الوفا).


تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة : ٧].

فلما كان يوم الثلاثاء ، الظهر ، نصف شعبان : حولت القبلة إلى الكعبة. وقيل يوم الاثنين بعد رجب. وفرض صيام رمضان. وزكاة الفطر قبل العيد بيومين.

وقال ابن سعد : قبل فرض زكاة الأموال. وقيل : إن الزكاة فرضت فيها. وقيل : قبل الهجرة.

[غزوة بدر الكبرى](١)

ثم غزا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدر الكبرى : وتسمى : العظمى ، وتسمى : الثانية ، وتسمى : بدر القتال. يتلقى عيرا لقريش فيها أبو سفيان بن حرب ، يوم السبت لثنتى عشرة خلت من رمضان. ويقال : لثلاث خلون منه ومعه الأنصار. ولم يكن قبل ذلك خرجت معه وعدتهم ثلاثمائة وخمسين ، وثمانية لم يحضروها ، إنما ضرب بسهمهم وأجرهم فكانوا كمن حضرها.

ويقال : كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر. ويقال : وتسعة عشر. ويقال : وخمسة عشر. ويقال : وثمانية عشر. ويقال : وأربعة عشر. ويقال : وستة عشر. معهم ثلاثة أفراس.

وكان المشركون ألفا. ويقال : تسعمائة وخمسين رجلا ، معهم مائة فرس وسبعمائة بعير.

وكان قتالهم يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان. وقيل : يوم الاثنين. وقيل : لإحدى عشرة بقيت أو لتسع عشرة خلت. ويقال : لاثنتى عشرة خلت ويقال : لثلاث خلون منه.

واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا. ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

وقتل من المشركين سبعون ، وأسر سبعون ، وانهزم الباقون. وغنم صلى‌الله‌عليه‌وسلم متاعهم.

__________________

(١) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٢١ ، سيرة ابن هشام ١ / ٦٠٦ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٨ ، تاريخ الخميس ١ / ٣٦٨ ، إمتاع الأسماع ١ / ٧٢ ، المنتظم ٣ / ٩٦ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٥٦ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ١٤ ، دلائل النبوة ٣ / ٢٥ ، الوفا ٦٩٨ ، السيرة النبوية الصحيحة ٣٥٤).


وأرسل زيد بن حارثة رضى الله عنه بشيرا. فوصل المدينة يوم الأحد ضحى ، وقد نفضوا أيديهم من تراب رقية ابنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفودى بالأسرى بأربعة آلاف فما دونها.

سرية عمير (١)

ثم سرية عمير بن عدى الخطمى لخمس ليال بقين من رمضان إلى عصماء بنت مروان ، زوج يزيد بن زيد الخطمى. وكانت تعيب الإسلام ، وتؤذيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتحرض عليه. فجاءها ليلا ، وكان أعمى فبعج بطنها بالسيف. وأخبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، وقال : لا تنتطح فيها عنزان. وفى أول شوال صلى صلاة الفطر.

غزوة بنى سليم (٢)

وفى أوله أيضا ، ويقال : بعد بدر بتسعة أيام. ويقال : فى نصف المحرم سنة ثلاث. ويقال : لست خلون من جمادى الأولى من السنة المذكورة : خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد بنى سليم ، فبلغ ماء يقال له : الكدر. ويعرف : بغزوة قرقرة. ويقال : قرارة الكدر. ويقال : نجران. فأقام عليه ثلاثا. ويقال : عشرا ، فلم يلق أحدا. ويقال : كانت غيبته خمس عشرة ليلة. وذكرها ابن سعد بعد غزوة السويق.

سرية أبى عفك

ثم سرية سالم بن عمير ، فى شوال إلى أبى عفك اليهودى. وكان شيخا كبيرا يقول الشعر ، ويحرض على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقتله.

غزوة بنى قينقاع (٣)

ثم غزوة بنى قينقاع ـ بطن من يهود المدينة ، لهم شجاعة وصبر ـ وكانوا حلفاء عبد الله بن أبى ، وأول يهود نقضوا العهد وأظهروا البغى والحسد يوم السبت نصف شوال ، فحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذى القعدة. فقذف الله فى قلوبهم

__________________

(١) انظر : (طبقات ابن سعد ٢ / ٢٠ ، وسماها سرية عمير بن عدى ، تاريخ الخميس ١ / ٤٠٦ ، إمتاع الأسماع ١ / ١٠٠ ، المنتظم ٣ / ١٣٥).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ١٩٦ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٢٤ ، تاريخ الطبرى ٢٠ / ٤٨٧ ، ابن سيرة هشام ٢ / ٤٤٥ ، ابن حزم ١٥٣ ، عيون الأثر ١ / ٣٦٣ ، البداية والنهاية ٤ / ٣ ، دلائل النبوة ٣ / ١٧٢ ، النويرى ١٧ / ٧٩ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٨٠).

(٣) انظر : (تاريخ الطبرى ٢ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠ ، مغازى الواقدى ١ / ١٧٦ ، السيرة النبوية الصحيحة ٢٩٩).


الرعب ، ونزلوا على حكمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن له أموالهم ولهم النساء والذرية فلحقوا بأذرعات ، فما كان أقل بقائهم بها. وأخذ من حصنهم سلاحا ، وآلة كثيرة.

قال الحاكم : هذه وبنى النضير واحدة ، وربما اشتبها على من لا يتأمل.

غزوة السويق (١)

ثم غزوة السويق ؛ لأنه كان أكثر زاد المشركين ، وغنمه منهم المسلمون يوم الأحد لخمس خلون من ذى الحجة.

وقال ابن إسحاق فى صفر ، يطلب أبا سفيان فى ثمانين راكبا ، لحلفه : أن لا يمس النساء والدهن حتى يغزو محمدا.

فخرج فى مائتى راكب ، وقيل : أربعين ، حتى أتى العريض ـ ناحية من المدينة على ثلاثة أميال ـ فحرق نخلا ، وقتل رجلا من الأنصار وأجيرا له ، ورأى أن يمينه قد حلت ، ففاته ورجع صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد غيبته خمسة أيام.

ثم سرية [.............](٢)

وفى ذى الحجة صلى صلاة العيد وأمر بالأضحية.

سرية كعب بن الأشرف (٣)

ثم سرية محمد بن سلمة ، وأربعة معه إلى كعب بن الأشرف النضيرى. ويقال : النبهانى الشاعر ، لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، وكان يؤذى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه. فقتله الله فى داره ليلا. فأصاب الحارث بن أوس ليلتئذ جراحة ، فتفل عليها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم تؤذه بعد. وخافت عند ذلك يهود.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ١٨١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٢٠ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٤٨٣ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦ ، الاكتفا ٢ / ٧٧ ، البداية والنهاية ٣ / ٣٤٤ ، ابن سيد الناس ١ / ٢٩٦ ، دلائل النبوة ٣ / ١٦٤ ، الدرر ١٣٩ ، ابن حزم ١٥٢ ، عيون الأثر ١ / ٣٥٤ ، النويرى ١٧ / ٧٠ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٧ ، السيرة النبوية الصحيحة ٣٧٤).

(٢) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

(٣) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ١٨٤ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ٢١ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٤٨٧ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٥١ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٨ ، الاكتفا ٢ / ٨٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٥ ، دلائل النبوة ٣ / ١٨٧ ، المحبر لابن حبيب ٢٨٢ ، الدرر فى اختصار المغازى والسير ١٤٢ ، ابن حزم ١٥٤ ، عيون الأثر ١ / ٣٥٦ ، النويرى ١٧ / ٧٢).


غزوة غطفان (١)

ثم غزا صلى‌الله‌عليه‌وسلم غطفان إلى نجد لثنتى عشرة مضت من ربيع الأول فى أربعمائة وخمسين فارسا.

قال ابن إسحاق : فى صفر ، وهى غزوة ذات آمر ، وسماها الحاكم : غزوة أنمار.

وفيها أراد دعثور بن الحارث المحاربى : الفتك به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمنعه الله منه ، ووقع السيف من يده ، فأخذه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسلم دعثور. وقيل : كان ذلك فى ذات الرقاع. والله أعلم.

ثم رجع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد غيبته إحدى عشرة ليلة ، ولم يلق كيدا.

سرية القردة (٢)

ثم سرية زيد بن حارثة : فى مائة راكب إلى القردة. ويقال : بألف ـ ماء من مياه نجد ، بها مات زيد الخيل لهلال جمادى الآخرة. ذكرها ابن إسحاق قبل قتل ابن الأشرف ـ يعترض عيرا لقريش فيها صفوان بن أمية فأصابوها ، فبلغ خمسة وعشرين ألف درهم وأسر فرات ابن حيان ، فأسلم.

وتزوج صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفصة بنت عمر رضى الله عنهما فى شعبان.

وقال ابن عبيدة : سنة اثنتين.

ويقال : بعد أحد ؛ لأن زوجها خنيس بن حذافة شهد أحدا ، ومات فى تلك الأيام من جراحه.

وتزوج صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت خزيمة أم المساكين فى رمضان قبل أحد بشهر.

غزوة أحد (٣)

ثم غزوة أحد : جبل بالمدينة على أقل من فرسخ منها ، به قبر هارون عليه‌السلام. ويقال له : ذو عينين ، يوم السبت لسبع ليال خلون من شوال.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ١٩٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٢٣ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٤٨٧ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٤٥ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٨ ، الاكتفا ٢ / ٧٨ ، دلائل النبوة ٣ / ١٦٧ ، البداية والنهاية ٤ / ٢ ، النويرى ١٧ / ٧٧ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٩ ، عيون الأثر ١ / ٣٦٢).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ١٩٧ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٢٤ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٤٩٢ ، الاكتفا ٢ / ٨١ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٥٠ ، البداية والنهاية ٤ / ٥ ، السيرة النبوية الصحيحة ٣٧٥).

(٣) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ١٩٩ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ٢٥ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٤٩٩ ، الكامل ٢ / ٤٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٩ ، الاكتفا ٢ / ٨٧ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٦٠ ، دلائل للبيهقى ٣ / ٢٠١ ، الأغانى ١٥ / ١٧٩ ـ ٢٠٧ ، السيرة الشامية ٤ / ٢٧١ ، والمنتظم ، لابن الجوزى ٣ / ١٦١ ـ ١٧٢ ، السيرة النبوية الصحيحة ٣٧٨).


ويقال : لإحدى عشرة ليلة خلت منه. ويقال : للنصف منه.

قال مالك : كانت بعد بدر بسنة.

وعنه : كانت على أحد وثلاثين شهرا من الهجرة.

وذلك أن قريشا تجمعت لقتاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ثلاثة آلاف رجل منهم ، فمنهم : سبعمائة دارع ، ومائتا فارس ، وثلاثة آلاف بعير ، وخمس عشرة امرأة. والمسلمون ألف رجل. ويقال : تسعمائة. فانخزل ابن أبى فى ثلاثمائة. ويقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرهم بالانصراف لكفرهم ، بمكان يقال له : الشوط. ويقال : بأحد عند التصاف.

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للرماة : «لا تتغيروا من مكانكم» فلما تغيروا هزموا. وقتل من المسلمين سبعون ، منهم : حمزة رضى الله عنه بحربة وحشى. وأسر سبعون. ويقال : خمسة وستون. وأصيب صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشج جبينه وكسرت رباعيته إلى غير ذلك مما أصابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يثبت معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ إلا أربعة عشر رجلا. وقتل صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده أبى بن خلف. وصلى الظهر يومئذ قاعدا. وانقطع سيف عبد الله بن جحش يومئذ فأعطاه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرجونا فصار فى يده سيفا ، ولم يتناول حتى اشتراه بغا التركى. وكذا جرى لعكاشة وسلمة بن أسلمة فى بدر.

وقتل من المشركين ثلاثة. ويقال : اثنين وعشرين رجلا.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد رد جماعة من المسلمين لصغرهم.

وصلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حمزة والشهداء من غير غسل. وهذا إجماع إلا ما شذ به بعض التابعين. ويقال : بل غسلوا.

وفى الكامل لأبى عدى : أمرهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك.

ورجع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى يومه آخر النهار.

غزوة حمراء الأسد (١)

ثم غزا صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمراء الأسد. وهى ثلاثة أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة لطلب عدوهم بالأمس. ونادى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يخرج إلا من شهدا أحدا. فأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ، ودخل المدينة يوم الجمعة. وقد غاب خمسا.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٣٣٤ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٣٤ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٣٤ ، الكامل ٢ / ٥٧ ، الاكتفا ٢ / ١١٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٤٨ ، سيرة ابن هشام ٣ / ٤٤ ، دلائل النبوة ٣٠ / ٣١٢ ، ابن حزم ١٧٥ ، عيون الأثر ٢ / ٥٢ ، النويرى ١٧ / ١٢٦ ، السيرة الحلبية ٢ / ٣٣٦ ، السيرة الشامية ٤ / ٤٣٨).


وحرمت الخمر فى شوال ، ويقال : سنة أربع.

سرية قطن

ثم سرية أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد ، هلال المحرم إلى قطن ـ جبل بناحية فيد. وقيل : ماء من مياه بنى أسيد بنجد ـ معه مائة وخمسون رجلا لطلب طليحة ، وسلمة ابنى خويلد الأسديين فلم يجدوهما ، ووجدوا إبلا وشاء ولم يلقوا كيدا.

قال أبو عبيد البكرى : وقتل بها عروة بن مسعود.

سرية عرنة

ثم سرية عبد الله بن أنيس وحده إلى سفيان بن خالد الهذلى بعرنة ، وهو وادى عرفة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم ؛ لأنه بلغه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يجمع لحربه. فقال له عبد الله : جئتك لأكون معك. ثم اغتره فقتله ، وغاب ثمان عشرة ليلة. وقدم يوم السبت لسبع بقين منه.

سرية بئر معونة (١)

ثم سرية المنذر بن عمرو إلى بئر معونة لبنى عامر بن صعصعة. وقيل : قرب حرة بنى سليم فى صفر على رأس ستة ثلاثين شهرا من الهجرة. وقيل : أربعون معه القراء وهم سبعون. وقيل : أربعون. وقيل : ثلاثون ، أرسلهم مع أبى براء ملاعب الأسنة ليدعوا أهل نجد إلى الإسلام. فخرج عليهم عامر بن الطفيل بجمع من بنى عامر ورعل وذكوان وعصية ، فقتلوهم من عند آخرهم ، إلا كعب بن زيد وعمرو بن أمية الضمرى ، فكان عليه‌السلام يدعو عليهم فى صلاته حينا.

غزوة الرجيع (٢)

ثم سرية مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرجيع ـ ماء لهذيل بين مكة وعسفان بناحية الحجاز ـ فى صفر. وعدتهم : عشرة. ويقال : ستة.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٣٤٦ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٤٥ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٨٣ ، الكامل ٢ / ٦٣ ، الاكتفا ٢ / ١٤٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٧١ ، دلائل النبوة ٣ / ٣٣٨ ، النويرى ١٧ / ١٣٠ ، عيون الأثر ٢ / ٦١ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١ / ٣٩ ، المنتظم ، لابن الجوزى ٣ / ١٩٨ ـ ٢٠٠).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٣٥٤ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٢٩ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٢٣٨ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٩ ، الكامل ٢ / ٥٩ ، الاكتفا ٢ / ١٣٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٦٢ ، دلائل النبوة ٣ / ٣٢٣ ، صحيح البخارى ٤ / ٦٧ ، ابن حزم ١٧٦ ، عيون الأثر ٢ / ٥٦ ، النويرى ١٧ / ١٣٣ ، الأغانى ٤ / ٢٢٥).


وذلك أن رهطا من عضل والقارة سألوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرسل معهم من يعلمهم شرائع الإسلام. فلما كانوا بين عسفان ومكة غدروا بهم فقتلوهم إلا خبيب بن عدى ، وزيد ابن الدثنة ، فإنهم أسروهما وباعوهما فى مكة ، فقتلا بها. وصلى خبيب قبل قتله ركعتين. فكان أول من سنهما. وقيل : بل أسامة بن زيد حين أراد المكرى الغدر به.

قلت : روى ابن عبد البر فى الاستيعاب بسنده إلى الليث بن سعد قال : بلغنى أن زيد ابن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف ، فاشترط عليه المكرى أن ينزله حيث شاء ، قال : فمال به إلى خربة ، فقال : أنزل ، فإذا فى الخربة قتلى كثيرة ، قال : فلما أراد أن يقتله ، قال له : دعنى أصلى ركعتين ، قال : صل ، فقد صلاهما قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا. انتهى.

وفى الخبر : أنه نجا بعد أن قال : يا أرحم الراحمين ثلاث مرات. وليس فيه ذكر لأسامة ، فتكون القصة لأبيه ، ولا يعرف لأسامة فى هذا قصة. والله أعلم.

غزوة بنى النضير (١)

ثم غزوة بنى النضير : فى ربيع الأول سنة أربع وجعلها ابن إسحاق بعد بئر معونة ، والزهرى بعد بدر بستة أشهر. فحاصرهم خمسة عشر يوما. وقيل : ستة أيام ؛ لأنهم نقضوا عهده وأرادوا قتله. فخرب وحرق ، وقذف الله فى قلوبهم الرعب. فأجلاهم إلى خيبر.

غزوة بدر الصغرى (٢)

ثم غزوة بدر الموعد ، وهى الصغرى هلال ذى القعدة. ويقال : فى شعبان بعد ذات الرقاع. وذلك : أن أبا سفيان قال يوم أحد : الموعد بيننا وبينكم بدر رأس الحول. فقال النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٣٦٣ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ٤٠ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٩٠ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٥٠ ، الكامل ٢ / ٦٤ ، الاكتفا ٢ / ١٤٦ ، عيون الأثر ٢ / ٦١ ، البداية والنهاية ٤ / ٧٤ ، النويرى ١٧ / ١٣٧ ، السيرة الحلبية ٢ / ٣٤٤ ، السيرة الشامية ٤ / ٩ ، دلائل النبوة للبيهقى ٣ / ١٧٦ ، ٣٥٤ ، المنتظم ، لابن الجوزى ٣ / ٢٠٣).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٣٨٤ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ٤٢ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٥٩ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٠٩ ، الكامل ٢ / ٦٨ ، الاكتفا ٢ / ١٥٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٧٨ ، أنساب الأشراف ١ / ١٦٣ ، ابن حزم ١٨٤ ، عيون الأثر ٢ / ٧٤ ، السيرة الحلبية ٢ / ٣٦٠ ، السيرة الشامية ٤ / ٤٧٨ ، دلائل النبوة ٣ / ٣٨٤ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٠١).


فخرج ومعه ألف وخمسمائة وعشرة أفراس ، فأقاموا بها ثمانية أيام ، وباعوا ما معهم من التجارة ، فربحوا الردهم درهمين. وخرج أبو سفيان ومعه ألفان حتى إذا انتهى إلى مر الظهران. وقيل : عسفان رجع ؛ لأنه كان عام جدب ، فأنزل الله تعالى فى المؤمنين فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عمران : ١٧٤].

غزوة ذات الرقاع (١)

ثم غزوة ذات الرقاع وسميت بذلك : لأنهم رقعوا راياتهم. وقيل : شجرة تعرف بذات الرقاع. وقيل : بجبل أرضه متلونة.

وفى البخارى : لأنهم لفوا على أرجلهم الخرق لما نقبت. قال الداودى : لأن صلاة الخوف كانت فيها. فسميت بذلك لترقيع الصلاة فيها.

وكانت الغزوة فى المحرم يوم السبت لعشر خلون منه. وقيل سنة خمس. وقيل : فى جمادى الأولى سنة أربع.

وذكرها البخارى بعد غزوة خيبر مستدلا بحضور أبى موسى الأشعرى فيها. وفى ذلك نظر ، لإجماع أهل السير على خلافه.

ويقال : قبل بدر الموعد. وقيل : فى ربيع الأول.

وذلك : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه أن أنمار بن ثعلبة قد جمع الجموع فخرج فى أربعمائة. وقيل: سبعمائة. فوجد أعرابا هربوا فى الجبال ونسوة فأخذهن وغاب خمسة عشر يوما.

غزوة دومة الجندل (٢)

ثم غزوة دومة الجندل ـ مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال ، وبعدها من المدينة : خمس أو ست عشرة ليلة ـ سميت بدومة بن إسماعيل ، لخمس ليال بقين من ربيع الأول ،

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٣٩٥ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٤٣ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٠٣ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٥ ، الاكتفا ٢ / ١٥٢ ، الكامل ٢ / ٦٦ ، دلائل النبوة للبيهقى ٣ / ٣٦٩ ، أنساب الأشراف ١ / ١٦٣ ، عيون الأثر ٢ / ٧٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٨٣ ، السيرة الحلبية ٢ / ٣٥٣ ، النويرى ١٧ / ١٥٨ ، المنتظم ٣ / ٢١٤ ، ٢١٥).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٤٠٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٤٤ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٦٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٩٢ ، دلائل النبوة للبيهقى ٣ / ٣٨٩ ، أنساب الأشراف ١ / ١٦٤ ، عيون الأثر ٢ / ٧٥ ، النويرى ١٧ / ١٦٢ ، السيرة الحلبية ٢ / ٣٦٢ ، السيرة الشامية ٤ / ٤٨٤ ، المنتظم ، لابن الجوزى ٣ / ٢١٥).


لما بلغه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن بها جمعا كبيرا يظلمون الناس فلم يجد بها إلا نعما وشاه ، فأصاب منهم ، وأقام بها أياما ، وبث السرايا فرجعوا ، ولم يصب منهم أحد.

ووادع صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيينة بن حصن الفزارى.

وكان دخوله المدينة فى العشرين من ربيع الآخر.

وماتت أم عائشة ، رضى الله عنها.

وفى ليال بقين من شوال تزوج صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم سلمة هند ابنة أبى أمية بن المغيرة. ويقال : تزوجها سنة اثنتين بعد بدر. ويقال : قبل بدر.

وفى ذى القعدة من هذه السنة تزوج ابنة عمته زينب بنت جحش. ويقال : تزوجها سنة ثلاث ، ويقال : سنة خمس.

قلت : جزم شيخنا العراقى بأنه تزوجها سنة ثلاث مع زينب بنت خزيمة. والله أعلم. انتهى.

ونزلت آية الحجاب.

وفى هذه السنة : أمر زيد بن ثابت بتعليم كتاب اليهود ، ورجم اليهودى واليهودية.

وفى جمادى الآخرة : خسف القمر وصلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الخسوف وزلزلت المدينة. وسابق بين الخيل. وقيل فى سنة ست وجعل بينهما سبقا ومحللا.

غزوة المريسيع (١)

ثم غزوة المريسيع ، ماء لخزاعة بينه وبين الفرع نحو من يوم ، وبين الفرع والمدينة نحو ثمانية برد. ويقال لها : غزوة بنى المصطلق ، وهم بنو جذيمة بن سعد بطن من خزاعة يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس.

وقال البخارى : كانت سنة ست.

وقال عقبة : كانت سنة أربع. وكان الحارث بن أبى ضرار ، وكان معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشر كثير ، ومعهم ثلاثون فرسا ، وأم سلمة وعكاشة ، وتكلم أهل الإفك ، وأسر من الكفار جمع عظيم.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ١ / ٤٠٤ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٤٥ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٨٩ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٩٣ ، الكامل ٢ / ٨١ ، الاكتفا ٢ / ٢١٧ ، البداية والنهاية ٤ / ١٥٦ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٠٤).


وتزوج جويرية بنت الحارث رئيسهم حين جاءته تستعينه فى كتابتها ، فأعتق الناس ما بأيديهم من الأسرى بمكان جويرية. وكانت غيبته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمانين وعشرون يوما.

غزوة الخندق (١)

ثم غزوة الخندق. وتسمى الأحزاب : فى ذى القعدة.

وقال ابن عقبة : فى شوال سنة أربع.

وقال ابن إسحاق : فى شوال سنة خمس.

وذكرها البخارى قبل غزوة ذات الرقاع.

وكان المشركون عشرة آلاف عليهم الحارث بن عوف النضرى ، والمسلمون ثلاثة آلاف.

وحفر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق فى ستة أيام بمشورة سلمان.

وتداعوا إلى البراز وأقاموا على ذلك بضع عشرة ليلة ، فمشى نعيم بن مسعود الأشجعى إلى الكفار ـ وهو مخف إسلامه ـ فثبط قوما عن قوم ، وأوقع بينهم شرّا لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم له : «الحرب خدعة».

وأرسل الله تعالى ريحا هزمهم بها. وأقام صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخندق خمسة عشر يوما ، وقيل : أربعا وعشرين يوما. وفرغ منه لسبع ليال بقين من ذى القعدة. وقال : «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا» ودخل المدينة يوم الأربعاء.

غزوة بنى قريظة (٢)

ولما انصرف ووضع السلاح جاءه جبريل عليه‌السلام الظهر. فقال : إن الملائكة ما وضعت السلاح بعد ، إن الله تعالى يأمرك أن تسير إلى بنى قريظة ، فإنى عامد إليهم

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٤٤٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٤٧ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢١٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٢١٧ ، الاكتفا ٢ / ١٥٨ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٦٤ ، الكامل ٢ / ٧٠ ، البداية والنهاية ٤ / ٩٢ ، أنساب الأشراف ١ / ١٦٥ ، عيون الأثر ٢ / ٧٦ ، النويرى ١٧ / ١٦٦ ، السيرة الحلبية ٢ / ٤٠١ ، السيرة الشامية ٤ / ٥١٢ ، دلائل النبوة ١٣ / ٣٩٢ ، المنتظم ٣ / ٢٢٧ ـ ٢٣٨ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤١٨).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٤٩٦ ، طبقات بن سعد ٢ / ١ / ٥٣ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٣٣ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٨١ ، الاكتفا ٢ / ١٧٦ ، البداية والنهاية ٤ / ١١٦ ، الكامل ٢ / ٧٥ ، المنتظم ٣ / ٢٣٨ ـ ٢٤٠).


فمزلزل بهم فحاصرهم خمسة عشر يوما : وقيل : خمسا وعشرين ، ونزلوا على حكم النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم. فحكم فيهم سعد بن معاذ وكان ضعيفا. فحكم بقتل الرجال ، وقسم الأموال ، وسبى الذرارى والنساء. فقال عليه‌السلام : «لقد حكمت فيهم بحكم الملك».

وفرغ منهم يوم الخميس لخمس ليال خلون من ذى الحجة ، واصطفى لنفسه منهم ريحانة فتزوجها. وقيل : كان يطؤها بملك اليمن.

وفى هذه السنة فرض الحج. وقيل : سنة ست. وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة ثمان. ورجحه جماعة من العلماء. وقيل : غير ذلك.

سرية القرطاء

ثم سرية محمد بن مسلمة فى ثلاثين راكبا إلى القرطاء من بنى أبى بكر بن كلاب بناحية ضرية بالبكرات ، على سبع ليال من المدينة ، لعشر ليال خلون من المحرم سنة ست ، ويقال : على رأس تسعة وخمسين شهرا من الهجرة. فلما أغار عليهم هرب سائرهم ، وغنم منهم غنائم. وقدم المدينة لليلة بقيت من المحرم ، ومعه ثمامة بن أثال الحنفى أسيرا. وكانت غيبته تسع عشرة ليلة.

غزوة بنى لحيان (١)

ثم غزوة بنى لحيان فى مائة رجل فى ربيع الأول.

وذكرها ابن إسحاق فى جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من قريظة.

قال ابن حزم : الصحيح أنها فى الخامسة ، حتى انتهى إلى غران ـ واد بين أمج وعسفان ـ وهناك أصيب أهل الرجيع ، فرحم عليهم. وسمعت به صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنو لحيان فهربوا فلم يقدر منهم على أحد. فأقام يوما أو يومين يبعث السرايا فى كل ناحية ، فأتى عسفان فبعثصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر إلى كراع الغمة ، فلم يلق أحدا فانصرف إلى المدينة. وقد غاب تسع عشرة ليلة ، وهو يقول : «آيبون تائبون ، لربنا حامدون».

غزوة الغابة (٢)

ثم غزوة الغابة ، وتعرف بذى قرد ، ماء على بريد من المدينة فى ربيع الأول.

__________________

(١) انظر : (السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٢٧٩ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٧٨ ، والبداية والنهاية ٣ / ١٥٦ ، زاد المعاد ٣ / ٢٠٢).

(٢) انظر : (السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٩ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٨٠ ـ ٨٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٩٦ زاد المعاد ٣ / ٢٠٣).


وقال أبو عمر : بعد بنى لحيان بليال. فأغار على المدينة عيينة بن حصن الفزارى ليلة الأربعاء فى أربعين فارسا ، فاستاق نعما.

وقتل ابن أبى ذر وآخر من غفار وسبوا امرأته.

وقال البخارى : كانت قبل خيبر بثلاثة أيام. وفى مسلم نحوه. وفى ذلك نظر لإجماع أهل السير على خلافهما.

فخرج عليه‌السلام فى خمسمائة. وقيل : سبعمائة. وخلف صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن عبادة فى ثلاثمائة يحرسون المدينة.

وصلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الخوف. وأقام يوما وليلة. ورجع وقد غاب خمس ليال.

سرية غمر مرزوق (١)

ثم سرية عكاشة بن محصن إلى غمر مرزوق ، ماء لبنى أسد على ليلتين من فيد فى ربيع الأول ومعه أربعون رجلا. فغنم ولم يلحق كيدا.

سرية ذى القصة (٢)

ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذى القصة موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا فى ربيع الأول ، ومعه عشرة إلى بنى ثعلبة ، وكانوا مائة ، فقتلوهم إلا ابن مسلمة. فبعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا عبيدة بن الجراح فى ربيع الآخر. ومعه أربعون رجلا إلى مصارعهم فوجد هناك رجلا أسلم حين أسر ونعما وشاء فغنموه.

سرية بنى سليم (٣)

ثم سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم. ويقال : بالجموح ـ ناحية ببطن نخل ـ من المدينة على أربعة أميال فى ربيع الآخر. فغنموا نعما وشاء.

ثم أرسله أيضا إلى العيص على أربعة أميال من المدينة فى جمادى الأولى ، ومعه

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٥٥٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦١ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤٠ ، الكامل ٢ / ٩٢ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٥٥١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦١ ، ٦٢ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤١ ، الكامل ٢ / ٩٢ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨).

(٣) انظر : (طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٢ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤١ ، الكامل ٢ / ٩٢ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، المنتظم ٣ / ٢٥٦).


سبعون راكبا يعترض عيرا لصفوان بن أمية فأسر منهم ناسا ، منهم : أبو العاص بن الربيع فأجازته زوجته زينب ابنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ورد عليه ما أخذه.

وذكر ابن عقبة : أن أسره كان على يد أبى نصير بعد الحديبية. وقد تقدم.

ثم أرسله إلى الطرف ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة فى جمادى الآخرة. ومعه خمسة عشر رجلا إلى بنى ثعلبة. فأصاب نعما وشاء.

ثم أرسله أيضا إلى حسمى ـ وراء ذات القرى ـ فى جمادى الآخرة ، ومعه خمسمائة رجل إلى قوم من جذام قطعوا على دحية بن خليفة الطريق. فقتل فيهم زيد قتلا ذريعا ، وأصاب مغانم كثيرة. فرحل زيد بن رفاعة الجذامى إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكره بكتابه الذى كان كتبه لقومه. فرد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أخذ زيد كله عليهم.

ثم أرسله إلى وادى القرى فى رجب فقتل من المسلمين قتلى وارتث زيد.

سرية دومة الجندل

ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل فى شعبان يدعو أهلها إلى الإسلام فأسلم أناس كثير ، منهم : الأصبغ بن عمرو الكلبى وكان نصرانيا ، فتزوج ابنته تماضر ، فولدت له أبا سلمة ومن لم يسلم ضرب عليه الجزية.

سرية بنى سعد (١)

ثم سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه فى شعبان ، ومعه مائة رجل إلى بنى سعد ابن بكر بفدك لتجمعهم لإمداد اليهود. فغنم نعما وشاء.

سرية أم قرمة (٢)

ثم سرية زيد بن حارثة إلى أم قرمة فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزارية بناحية وادى القرى على سبع ليال من المدينة فى رمضان ، فأخذها فربطها بين بعيرين حتى ماتت.

وفى مسلم : كان أمير هذه السرية أبو بكر رضى الله عنه.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٥٦٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٥ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤٢ ، الكامل ٢ / ٩٣ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨).

(٢) وهى فى المنتظم : «أم قرفة».

انظر : (المنتظم ٣ / ٢٦٠ ، المغازى للواقدى ٢ / ١ / ٦٥ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤٢ ، الكامل ٢ / ٩٤).


سرية ابن أبى الحقيق (١)

ثم سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع عبد الله. ويقال : سلام بن أبى الحقيق فى رمضان. وقيل : فى ذى الحجة سنة خمس. وقيل : فى جمادى الآخرة سنة ثلاث.

وقال الزهرى : بعد قتل ابن الأشرف. ومعه أربعة منهم : عبد الله بن عتبة فيما ذكره البخارى. قيل : فيه نظر. وصوابه عبد الله بن أنيس. فقتلوه فى داره ليلا بخيبر. ويقال : بحصنه بالحجاز.

سرية ابن رزام (٢)

ثم سرية عبد الله بن رواحة فى ثلاثين رجلا إلى أسير بن رزام اليهودى بخيبر فى شوال ؛ لأنه سار فى غطفان لجمعهم لحرب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقتل وقتل معه نحو ثلاثون.

سرية العرنيين (٣)

ثم سرية كرز بن جابر فى عشرين رجلا ، ويقال : جرير بن عبد الله البجلى وفيه نظر ؛ لأن إسلام جرير كان بعد هذا بنحو أربع سنين.

وقال ابن قتيبة : كان أميرهم سعيد بن زيد ، فى شوال إلى العرنيين الذين قتلوا يسار راعى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستاقوا اللقاح ، فأتى بهم ـ بعد قربهم من بلادهم ـ فقطع أيديهم وسبل أعينهم. وكانوا ثمانية. ويقال : سبعة. فأنزل الله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) ـ الآية [المائدة : ٣٣].

سرية أبى سفيان (٤)

ثم سرية عمرو بن أمية الضمرى ، ومعه سلمة بن أسلم. ويقال : جبار بن صخر إلى أبى سفيان ليغتراه فيقتلاه ، بفعله مثل ذلك مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل. وفطن بعمرو فهرب وقتل فى طريقه أربعة رجال.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٢٦١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٦).

(٢) وهى فى المنتظم : «زرام».

انظر : (المنتظم ٣ / ٢٦٢ ، مغازى الواقدى ٢ / ٥٦٦ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٦).

(٣) انظر : (المنتظم ٣ / ٢٦٣ ، المغازى للواقدى ٢ / ٥٦٨ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٧ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤٤ ، الكامل ٢ / ٩٤).

(٤) انظر : (المنتظم ٣ / ٢٦٥ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٨ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٥٤٢ ، الكامل ٢ / ٦٠ ، البداية والنهاية ٤ / ٦٩ ، السيرة ٢ / ٦٣٣ ـ ٦٣٥).


غزوة الحديبية (١)

ثم غزوة الحديبية على مقربة من مكة يوم الاثنين هلال ذى القعدة فى ألف وأربعمائة ويقال : خمسمائة وخمسة وعشرون رجلا. ويقال : ثلاثمائة. ويقال : ستمائة.

وبعث عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى مكة رسولا ليعرفهم أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يأت إلا للزيارة. فاحتبسته قريش عندها. فبلغ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن عثمان رضى الله عنه قد قتل. فدعا الناس إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة على الموت ، وقيل : على أن لا يفروا. وجاء سهيل بن عمرو فوادع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صلح عشرة أعوام ، وأن لا يدخل البيت إلا العام القابل. ويقال: إنه كتب هذه الموادعة بيده.

وحلق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هناك والناس ، فأرسل الله تعالى ريحا حملت شعورهم فألقتها فى الحرم. وأقام بالحديبية بضعة عشر يوما. وقيل : عشرون يوما ثم قفل. فلما كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح.

غزوة خيبر (٢)

ثم غزوة خيبر وبينها وبين المدينة ثمانية برد فى جمادى الأولى سنة سبع.

قال ابن إسحاق : وأقام بعد الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم ، وخرج فى بقية منه إليها ، ولم يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر وأيام ، واستخلف نميلة بن عبد الله الليثى ، ومعه ألف وأربعمائة راجل ومائتا فارس ، وفرق الرايات ، ولم تكن الرايات إلا بها ، وإنما كانت الألوية.

وقاتل بها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشد القتال. وقتل من أصحابه عدة. وفتحها الله عليه حصنا حصينا. وقلع على رضى الله عنه باب خيبر. ولم يفعله سبعون رجلا إلا بعد جهد.

واستشهد من المسلمين خمسة عشر. وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون.

وفى هذه الغزوة : سمّت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم. فقتلهاصلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٢٦٧ ، مغازى الواقدى ٢ / ٥١٧ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٦٩ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٣٠٨ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٢٠ ، الكامل فى التاريخ ٢ / ٨٦ ، الاكتفا ٢ / ٢٢٣ ، البداية والنهاية ٤ / ١٦٤ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٣٤ ـ ٤٥٣).

(٢) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٦٣٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٧٧ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٩ ، الكامل ٢ / ٩٩ ، البداية والنهاية ٤ / ١٨١ ، الاكتفا ٢ / ٢٥١ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٣٢٨ ، المنتظم ٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٧).


ببشير بن البراء بن معرور الآكل معه. وقيل : لم يقتلها ، وأمر بلحم الشاة فأحرق.

وفيها نام صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صلاة الفجر لما وكل به بلالا.

قال البيهقى : كان ذلك فى تبوك.

وقدم جعفر ومن معه من الحبشة.

وتزج صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصفية بنت حيى. وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق. وكانت قبل رأت أن القمر قد سقط فى حجرها. فتؤول بذلك. وقال الحاكم : كذا جرى لجويرية رضى الله عنها.

وسأل أهل فدك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحقن لهم دماءهم ويخلوا له الأموال. ففعل فكانت خالصة له ، وقسمها نصفين : الأول : له وللمسلمين. والثانى : لمن نزل به من الوفود والنوائب.

غزوة وادى القرى (١)

ثم فتح وادى القرى فى جمادى الآخرة بعد ما أقام بها أربعا يحاصرهم. ويقال : أكثر من ذلك وصالحه أهل تيما على الجزية.

سرية بدنة (٢)

وأرسل عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى بدنة على أربعة أميال من المدينة فى شعبان فى ثلاثين راجلا ، فلم يلق بها أحدا.

سرية بنى فزارة (٣)

ثم سرية أبى بكر رضى الله عنه إلى بنى كلاب. ويقال : فزارة ، بناحية ضرية فى شعبان ، فسبى منهم جماعة وقتل آخرين.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٢٩٧ ، تاريخ الطبرى ٣ / ١٦ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٣٣٨ ، الاكتفا ٢ / ٢٦١ ، البداية والنهاية ٤ / ٢١٨).

(٢) ذكر فى المنتظم سرية عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : «أن رسول الله بعث عمر رضى الله عنه إلى تربة فى شعبان فى ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة وهى بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة». انتهى باختصار.

انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠١ ، المغازى للواقدى ٢ / ٧٢٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٥ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٢٢ ، الكامل ٢ / ١٠٦).

(٣) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠١ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٢٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٥ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٢٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٠).


سرية بنى مرة (١)

ثم سرية بشير بن سعد إلى بنى مرة بفدك فى شعبان ، ومعه ثلاثون رجلا فقتلوا وارتث بشير.

سرية المنفعة (٢)

ثم سرية غالب بن عبد الله الليثى إلى المنفعة ـ بناحية نجد ـ من المدينة على ثمانية برد فى مائة وثلاثين رجلا فى رمضان. فقتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس بعد قوله : لا إله إلا الله.

وفى الإكليل : فعل أسامة ذلك فى سرية كان هو أميرا عليها سنة ثمان.

سرية يمن وجبار (٣)

ثم سرية بشير أيضا : إلى يمن وجبار ـ أرض لغطفان ـ ويقال : لفزارة وعذرة فى شوال. ومعه ثلاثمائة رجل لجمع تجمعوا بالحباب للإغارة على المدينة. فلما بلغهم مسير بشير هربوا. فغنم منهم غنائم ، وأسر رجلين فأسلما.

عمرة القضية (٤)

ثم عمرة القضية. وتسمى : عمرة القضاء ، وغزوة القضاء ، وعمرة الصلح (٥) ، فى هلال ذى القعدة. ومعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألفان ، وساق ستين بدنة ، وأقام بمكة ثلاثة أيام.

وتزوج بميمونة بنت الحارث الهلالية بسرف ، وهو محرم.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٦ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٢٣ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢١ ، الكامل ٢ / ١٠٦).

(٢) فى المنتظم : «الميفعة» وقال : هى وراء بطن نخل إلى النقرة قليلا بناحية نجد بينها وبين المدينة ثمانية برد».

انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠٣ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٢٦ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٦ ، الكامل ٢ / ١٠٦).

(٣) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠٣ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٢٧ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٧ ، الكامل ٢ / ١٠٦).

(٤) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠٤ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٣١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٧ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٣٧٠ ، الاكتفا ٢ / ٢٧٢ ، الكامل ٢ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٦ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٦٤).

(٥) وتسمى أيضا عمرة القصاص ، وهذا الاسم أولى بها لقول تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ). انظر : (الروض الأنف ٢ / ٨٧).


سرية بنى سليم (١)

ثم سرية الأحزم. الذى يقال له : ابن أبى العوجاء السلمى إلى بنى سليم فى ذى الحجة. ومعه خمسون رجلا. فأحدق بهم الكفار وقتلوهم عن آخرهم. وخرج ابن أبى العوجاء.

كتبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الملوك (٢)

وقدم حاطب من عند المقوقس ملك مصر ، واسمه : جريج بن مينا ، وأهدى هدايا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منها : مارية.

وأرسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرسل إلى الملوك ، فبعث ابن حذافة إلى كسرى ، فمزق كتابه ، فدعى عليه بتمزيق ملكه.

وعمرو بن العاص إلى ملكى عمان عبد وحبقر ابنى الجلندى ، فأسلما.

وسليط بن عمرو إلى هوذة بن على باليمامة.

وشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى ملك البلقاء.

والعلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى بالبحرين ، فأسلم.

وأبا موسى الأشعرى ، ومعاذا إلى اليمن بعد.

وعمرا الضمرى إلى مسيلمة ، وأردفه بكتاب آخر مع السائب بن العوام.

وعياش بن أبى ربيعة إلى الحارث ، ومسروح ، ونعيم بن عبد كلال.

وكتب أيضا إلى جماعة كثيرة يدعوهم إلى الإسلام.

سرية الكديد (٣)

ثم سرية غالب إلى بنى الملوح بالكديد فى صفر سنة ثمان. فغنم غنائم. وقال الحاكم : سنة سبع.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٠٦ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٨٩).

(٢) انظر كتبه ورسله إلى الملوك فى : (زاد المعاد ١ / ٧٧ وما بعدها ، المنتظم ٣ / ٢٧٤ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ١٦ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٦٤٥ ، البداية ٤ / ٢٥٥ ، ٢٦٨ ، الكامل ٢ / ٩٥ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٥٤).

(٣) انظر : (زاد المعاد ٣ / ٢٦٢).


سرية مصاب

ثم سرية غالب أيضا إلى مصاب : أصحاب بشير بفدك فى صفر ومعه مائتا رجل فقتلوا قتلى ، وأصابوا نعما.

سرية بنى عامر (١)

ثم سرية شجاع بن وهب الأسدى إلى بنى عامر بالسبى : ماء من ذات عرق إلى وجرة ، على ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة ، وخمس من المدينة ، فى أربعة وعشرين رجلا إلى جمع من هوازن. فغنموا غنائم.

سرية ذات الطلاع (٢)

ثم سرية كعب بن عمير الغفارى إلى ذات الطلاع ـ وراء ذات القرى ـ فى ربيع الأول ، ومعه خمسة عشرة رجلا. فقتلهم كفار قضاعة إلا رجلا واحدا ، قيل : هو الأمير.

سرية مؤتة (٣)

ثم سرية مؤتة ـ من عمل البلقاء بالشام ـ دون دمشق فى جمادى الأولى.

وذلك : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أرسل الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك بصرى ، فعرض له شر حبيل بن عمرو الغسانى فقتله. فأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة على ثلاثة آلاف رجل. وقال : إن قتل فجعفر ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، فإن قتل فليرتض المسلمون رجلا من بينهم.

فلما وصلوا إلى مؤتة وجدوا بها نحو مائة ألف رجل ، فلما تصافوا قتلوا كما رتبهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأخذ الراية ثابت بن أقرم العجلانى إلى أن اصطلحوا على خالد بن الوليد رضى الله عنه.

قال الحاكم : فلما قاتلهم خالد قتل منهم مقتلة عظيمة ، وأصاب غنيمة.

وقال ابن سعد : إنما انهزم بالمسلمين.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣١٦ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ٩١ ـ ٩٢).

(٢) فى المنتظم : «سرية ذات أطلاح».

انظر : (المنتظم ٣ / ٣١٦ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٥٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٩٢).

(٣) انظر : (المغازى للواقدى ٢ / ٧٥٥ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢ / ٩٢ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٣٦ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٧٣ ، الاكتفا ٢ / ٢٧٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٤١ ، المنتظم ٣ / ٣١٨ ـ ٣٢٢ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٦٧).


وقال ابن إسحاق : انحازت كل طائفة من غير هزيمة. ورفعت الأرض للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى رأى معترك القوم وأخبر به.

سرية ذات السلاسل (١)

ثم سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ـ ويقال : السلسل ، ماء وراء وادى القرى ، من المدينة على عشرة أيام ـ فى جمادى الآخرة ، ومعه ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار إلى جمع من قضاعة تجمعوا للإغارة ، ثم أمده بأبى عبيدة فى مائتين. فهزم الله عدوهم حين الحملة.

سرية الحبط (٢)

ثم سرية أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه فى ثلاثمائة ، فيهم : عمر بن الخطاب رضى الله عنهم ، وتعرف : بسرية الحبط ، فى رجب تلتقى عيرا لقريش.

ويقال : إلى حى من جهينة بساحل البحر على خمس ليال من المدينة : وزودهم جرابا من تمر ، فلما نفذ أكلوا الحبط ، فأخرج الله تعالى لهم من البحر دابة تسمى العنبر ، فأكلوا منها وتزودوا ورجعوا ولم يلقوا كيدا.

سرية خضرة (٣)

ثم سرية أبى قتادة رضى الله عنه إلى خضرة : أرض محارب بنجد فى شعبان ، ومعه خمسة عشر رجلا. فقتل منهم وسبى وغنم. وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.

سرية بطن أضم (٤)

ثم أرسله إلى بطن أضم فيما بين ذى خشب وذى المروة ـ من المدينة على ثلاثة برد ـ أول رمضان ، فى ثمانية نفر. فلقوا عامر بن الأضبط ، فسلم عليهم بتحية الإسلام ، فقتله محلم بن جثامة. فأنزل الله تعالى : (فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [النساء ٩٤] فلما وصلوا إلى حيث أمروا بلغهم خروج النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة فساروا إليه.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٢١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٢ / ٩٥ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٧١ ، ٤٧٢).

(٢) فى المنتظم : «الخبط» وسميت بهذا الاسم لأنهم أصابهم جوع شديد ، فأكلوا الخبط.

انظر : (المنتظم ٣ / ٣٢٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٩٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٤٧ ـ ١٤٨).

(٣) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٢٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٩٥ ، تاريخ الطبرى ٢ / ١٤٨).

(٤) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٢٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٩٦ ، تاريخ الطبرى ٢ / ١٤٨ ، ١٤٩).


ونسبها ابن إسحاق لابن أبى حدرد ومعه رجلان إلى الغابة لما بلغه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رفاعة بن قيس تجمع لحربه ، فقتلوا رفاعة وهزموا عسكره ، وغنموا غنيمة عظيمة.

فتح مكة (١)

ثم فتح مكة فى رمضان ، لنقض قريش العهد من غير إعلام أحد بذلك.

فكتب حاطب كتابا وأرسله مع أم سارة كنود المزنية ، فأطلع الله رسوله على ذلك ، فبعث عليا والزبير والمقداد ، فاستخرج الكتاب من قرون رأسها. وخرج من المدينة ومعه عشرة آلاف رجل. وقال الحاكم : اثنا عشر ، يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان ، فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكديد أفطر.

قال : فلما نزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر الظهران رقت نفس العباس رضى الله عنه لأهل مكة ، فخرج ليلا راكبا بغلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكى يجد أحدا ، فيعلم أهل مكة بمجىء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليستأمنوه. فسمع صوت أبى سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء فأركب أبا سفيان خلفه ، وأتى به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم ، وانصرف الآخران ليعلما أهل مكة بمجىء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ونادى مناديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن إلا المستثنين».

وذكرهم مغلطاى.

وطاف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبيت يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان ، وحوله ثلاثمائة وستون صنما ، فكلما مرّ بصنم أشار إليه بقضيبه قائلا : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء : ٨١]. فيقع الصنم لوجهه.

قال البخارى : وأقام صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها خمس عشرة ليلة. وفى رواية : تسع عشرة. وفى أبى داود: سبع عشرة. وفى الترمذى : ثمان عشرة.

وفى الإكليل : أصحها : بضع عشرة ، يصلى ركعتين.

قلت : رأيت فى مدة مقام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة غير هذا ؛ لأن الفاكهى روى بسنده عن أنس رضى الله عنه قال : «أقمنا بمكة عشرا ـ يعنى : زمان الفتح». انتهى.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٢٤ ، مغازى الواقدى ٢ / ٧٨٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ٩٦ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٣٨ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٣٨٩ ، الاكتفا ٢ / ٢ / ٢٨٧ ، الكامل ٢ / ١١٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٧٨ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٧٣ ـ ٤٨٨).


وبث صلى‌الله‌عليه‌وسلم السرايا خارج الحرم ، وكانوا يغنمون.

وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد لخمس ليال بقين من رمضان إلى العزى بنخلة ، ومعه ثمانون فارسا فهدمها (١).

وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن العاص إلى صواع ـ صنم لهذيل برهط ـ على ثلاثة أميال من مكة. فهدمه (٢).

وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن زيد الأشهلى إلى مناة ـ صنم للأوس والخزرج ـ بالمشلل ، فى عشرين فارسا فهدمها (٣).

سرية خالد (٤)

ثم سرية خالد إلى بنى جذيمة ـ بناحية يلملم ـ فى شوال ، ويعرف بيوم العميصاء ، ومعه ثلاثمائة وخمسون رجلا ، داعيا لا مقاتلا ، فقتل بعضهم.

وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا رضى الله عنه ، فودى لهم قتلاهم.

غزوة حنين (٥)

ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم لست ليال خلون من شوال. ويقال : لليلتين بقيتا من رمضان إلى حنين ـ واد. ويقال : ما بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف ـ سمى بحنين بن قانية بن مهلابيل.

قلت : حنين على أقل من ليلة من مكة ، وهو إليها أقرب من الطائف على ما هو المعروف عند الناس فى حنين ، إلا أن يكون الموضع المعروف بحنين غير هذا المذكور فى هذه الغزوة ، ويكون حنين اسما لموضعين فلا إشكال له. قاله مغلطاى والله أعلم. انتهى.

واستعمل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عتاب بن أسيد رضى الله عنه.

وذلك : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فتح مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٢٩ ، مغازى الواقدى ٣ / ٨٧٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٢ / ١٥١ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٤٣٦ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٦٥ ، البداية والنهاية ٤٢ / ٣١٤).

(٢) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٣٠).

(٣) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٣٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ١٦٠).

(٤) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٣١ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٣١١).

(٥) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٣١ ـ ٣٤٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٣١١ ، السيرة النبوية الصحيحة ٤٨٩ ـ ٥٠٦).


وحشدوا ، وكان رئيسهم مالك بن عوف النضرى ، وله ثلاثون سنة. فوصلها صلى‌الله‌عليه‌وسلم مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال. ورأى أبو بكر رضى الله عنه ـ وقيل : غيره ـ كثرة العساكر ، فقال : لن نغلب اليوم من قلة. ولما تصافوا للقتال ظاهر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين درعين وركب بغلة له بيضاء تسمى : دلدل. فشد عليهم الكفار شدة واحدة ، فانكشفت خيل بنى سليم وتبعهم أهل مكة والناس ، ولم يثبت معه حين ذاك إلا عشرة ، وقيل : ثمانية.

ونادى العباس رضى الله عنه بالناس فأقبلوا ، وتناول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبضة من التراب ، وهو على ظهر بغلته فاستقبل بها وجوه الكفار ، فلم يبق عين إلا دخل فيها من ذلك التراب. فأنزل الله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧].

واستشهد من المسلمين أربعة. وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا وأفضى المسلمون فى القتل إلى الذرية. فنهاهم عن ذلك.

ونادى مناديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قتل قتيلا فله سلبه».

وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبيدا أبا عامر الأشعرى ، حين فرغ من حنين إلى أوطاس ، لطلب دريد ابن الصمة وأصحابه ، فهزمهم وقتلهم ، وقتل أبو عامر بعد قتله جماعة منهم. وكان فى السبى : الشيماء أخته صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرضاعة.

سرية ذى الكفين

ثم سرية الطفيل بن عمرو الدوسى ، فى شوال إلى ذى الكفين ـ صنم من خشب ، كان لعمرو بن حممة ـ فهدمه. وقدم معه من قومه أربعة مسلمين على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالطائف.

غزوة الطائف (١)

ثم غزوة الطائف فى شوال ، فمر فى طريقه بقبر أبى رغال ، وهو أبو ثقيف ، فيما يقال. فاستخرج منه غصنا من ذهب.

وحاصر صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطائف ثمانية عشر يوما. وقيل : خمسة عشر يوما. وقيل : عشرون.

وقال ابن حزم : بضع عشرة ليلة.

ونصب عليهم المنجنيق ، وهو أول منجنيق رمى به فى الإسلام. وكان قدم به الطفيل الدوسى معه.

__________________

(١) انظر : (المنتظم ٣ / ٣٤١ ، مغازى الواقدى ٣ / ٩٢٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ١١٤ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٨٢ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٤٧٨ ، السيرة النبوية الصحيحة ٥٠٧ ـ ٥٢١).


وتدلى ثلاثة وعشرون عبدا من سوره إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منهم : أبو بكرة.

واستشهد من المسلمين اثنا عشر رجلا.

وقاتل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه بنفسه ، ولم يؤذن له فى فتحه.

فرجع صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، بعد غيبة شهرين وستة عشر يوما. فقدم عليه وفدهم وهو بها. فأسلموا.

سرية اليمن

وبعث قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن فى أربعمائة فارس وأمره أن يطأ صدا. فقدم زياد بن الحارث الصدائى ، فسأل عن ذلك البعث فأخبر. فقال : يا رسول الله ، أنا وافدهم ، فاردد الجيش وأنا لك بقومى. فردهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قناه. وقدم الصدائيون بعد خمسة عشر يوما فأسلموا.

واتخذ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زياد مؤذنا مع بلال ، وابن أم مكتوم ، وسعد القرظ.

سرية القرطا

وبعث الضحاك بن سفيان الكلابى فى آخر سنة ثمان فيما ذكره الحاكم.

وفى الطبقات : كانت فى ربيع الأول سنة تسع ، إلى القرطا ، فهزموهم وغنموا.

وفى هذه السنة : أراد صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلاق سودة لكبرها ، فوهبت يومها لعائشة رضى الله عنها.

وأخذ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجزية من مجوس هجر.

وعمل له منبر ، فخطب عليه ، وهو أول منبر فى الإسلام.

فلما رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلال المحرم سنة تسع بعث المصدقين لأخذ الصدقات.

سرية خثعم

ثم سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم ، بناحية بيشة من مخاليف مكة فى صفر ومعه عشرون رجلا. فقتلوا منهم وغنموا.

سرية الحبشة

ثم سرية علقمة بن محرز المدلجى إلى الحبشة ، فهربوا منه ، وكانت فى ربيع الآخر.


وقال الحاكم : فى صفر ، فى ثلاثمائة.

سرية القلمس

ثم سرية على رضى الله عنه : فى ربيع الآخر إلى القلمس ـ صنم طى ـ ومعه مائة وخمسون رجلا.

وقال ابن سعد : مائتان.

فهدمه وغنم غنائم. منها : سفانة بنت حاتم أخت عدى ، فمنّ عليها النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان ذلك : سبب إسلام أخيها.

وقال ابن سعد : الذى سباها كان خالد بن الوليد رضى الله عنه.

سرية الجباب

ثم سرية عكاشة فى ربيع الآخر إلى الجباب ـ أرض عذرة وبلى ـ وقيل : أرض غطفان. وقيل : أرض فزارة وكلب ، ولعذره فيها شركة.

ثم قدم وفد بنى أسد ، فقالوا : جئنا قبل أن يرسل إلينا رسولا ، فنزلت (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) [الحجرات : ١٧].

غزوة تبوك (١)

غزوة تبوك ، وتعرف بغزوة العسرة ، وبالفاضحة. من المدينة على أربع عشرة مرحلة فى رجب يوم الخميس ، وكان الحر شديدا والجدب كثيرا ، فلذلك لم يورّ عنها كعادته فى سائر الغزوات.

وذلك أنه بلغه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل ، وتخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، من غير شك حصل لهم ، وفيه نزل (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) [التوبة : ١١٨] وأبو ذر وأبو خيثمة ثم لحقاه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد.

ولما رأى أبا ذر قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يمشى وحده ، ويعيش وحده ، ويموت وحده. فكان كذلك. وكان معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثون ألفا.

__________________

(١) انظر : (المغازى للواقدى ٣ / ٩٨٩ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٥١٥ ، تاريخ الطبرى ٣ / ١٠٠ ، البداية والنهاية ٥ / ٢ ، الكامل ٢ / ١٤٩ ، المنتظم ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٧٠ ، السيرة النبوية الصحيحة ٥٢٢ ـ ٥٣٨).


وفى الإكليل : أكثر من ثلاثين.

وقال أبو ذرعة : سبعون ألفا ، وفى رواية عنه : أربعون ألفا.

ولما انتهى إلى تبوك وجد هرقل بحمص ، فأرسل خالد إلى أكيدر بن عبد الملك النصرانى ، وقال : إنك ستجده ليلا يصيد البقر ، فوجده كذلك فأسره ، وقتل أخاه حسانا ، وصالح أكيدر على فتح الحصن.

وصالحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة على الجزية ، وعلى أهل جرباء وأذرح ـ بلدين بالشام ـ وأهدى له صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة ، وأقام بتبوك بضع عشرة ليلة.

وقال ابن سعد : عشرون. وبها مات عبد الله ذو البجادين رضى الله عنه. وانصرفصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يلق كيدا ، وبنى فى طريقه مساجد.

فلما قدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى رمضان أمر بمسجد الضرار أن يحرق ، وقدم عليه وفد ثقيف ، وتتابعت الوفود ، وسماهم مغلطاى ، ثم قال : ومن الوفود ، السباع والذئاب.

وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهما لهدم الطاغية وغيرها ، فهدماها ، وأخذا مالها.

ثم حج أبو بكر ومعه ثلاثمائة رجل وعشرون بدنة بسورة براءة ، لينبذ إلى كل ذى عهد عهده ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان.

فلما نزل العرج أدركه على رضى الله عنه مبلغا لا أميرا. وكان حجهم فى ذلك العام فى ذى القعدة.

وآلا صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نسائه شهرا.

ثم أرسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فى ربيع الأول سنة عشر.

وفى الإكليل : ربيع الآخر. وقيل : جمادى الأولى ، إلى بنى عبد المدان بنجران. فأسلموا.

سرية اليمن

ثم سرية على رضى الله عنه إلى اليمن فى رمضان ، ومعه ثلاثمائة رجل ، فقتل وغنم.

حجة الوداع

ثم حجة الوداع. قال ابن الجزار : وتسمى البلاغ وحجة الإسلام. يوم السبت لخمس ليال بقين من ذى القعدة.


وقال ابن حزم : الصحيح لست بقين ، ومعه سبعون ألفا. ويقال : مائة وأربعة عشر ألفا. ويقال : أكثر من ذلك. حكاه البيهقى.

سرية أبنا (١)

ثم سرية أسامة رضى الله عنه إلى أهل أبنا ، بالسراة ـ ناحية بالبلقاء ـ يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة ، لغزو الروم مكان قتل أبيه.

وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

فلما كان يوم الأربعاء : بدأ بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعه ، فحم وصدع. فتوفى عليه الصلاة والسلام شهيدا حين زاغت الشمس من ذلك اليوم يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول حين اشتد الضحى.

وقال ابن سعد : حين زاغت الشمس.

قال السهيلى : لا يصح أن يكون وفاته يوم الاثنين إلا فى ثانى الشهر أو ثالث عشره ، أو رابع عشره ، أو خامس عشره.

واستدل على ذلك بتاريخ الوقفة فى العام العاشر. وهو دليل صحيح.

وذكر الكلبى وأبو مخنف أنه توفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الثامن من ربيع.

وقال الخوارزمى : توفى أول ربيع.

قلت : قيل : إنه توفى فى ثامن ربيع الأول ، وصححه ابن حزم ، وإلى ذلك أشار شيخنا العراقى بقوله. وقيل : بل فى ثامن بالجزم. وهو الذى صححه ابن حزم. انتهى.

ودفن ليلة الأربعاء. وقيل : ليلة الثلاثاء. وقيل : يوم الاثنين عند الزوال. قاله الحاكم وصححه.

وكانت مدة علته صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنا عشر يوما. وقيل أربعة عشر يوما. وقيل : ثلاثة عشر : وقيل : عشرة أيام.

وغسّله على والعباس وابنه الفضل يعينانه ، وقثم وأسامة وشقران يصبون الماء.

وغسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قميص من بئر يقال لها : بئر الفرس ، ثلاث غسلات بماء وسدر. وجعل على رضى الله عنه على يده خرقة ، وأدخلها تحت القميص.

__________________

(١) انظر : (الفتح الربانى ٢١ / ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٣٢٨ ، فتح البارى ٨ / ١٥٢).


وكفن فى ثلاث أثواب بيض سحولية ـ بلدة باليمن ـ ليس فيه قميص ولا عمامة.

وروى : أن واحدا منها حبرة.

وفى رواية : فى حلة حبرة وقميص.

وفى رواية : فى حلة حمراء نجرانية وقميص.

وقيل : إن الحلة اشتريت له صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يكفن فيها.

وفى الإكليل : كفن فى سبعة أثواب ، وجمع بأنه ليس فيها قميص ولا عمامة محسوب.

قلت : ذكر شيخنا العراقى أن ما ذكره الحاكم شاذ ، وأشار إلى ذلك بقوله : وقد روى الحاكم أنه قد كفن فى سبعة وبالشذوذ هنا. انتهى.

وفى حديث تفرد به يزيد بن أبى زياد. وهو ضعيف «كفن صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ثلاثة أثواب : قميصه الذى مات فيه ، وحلة نجرانية».

وحنط صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكافور. وقيل : بمسك.

وصلى عليه المسلمون أفرادا. وقيل : بل كانوا يدعون وينصرفون.

قلت : ذكر شيخنا العراقى أن هذا القول ضعيف. والله تعالى أعلم : انتهى.

وقال ابن الماجشون : لما سئل كم صلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه صلاة؟. فقال : اثنتان وسبعون صلاة. كحمزة رضى الله عنه. فقيل : من أين لك هذا؟ فقال : من الصندوق الذى تركه مالك بخطه عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما.

وفرش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطى بها.

قال أبو عمر : ثم أخرجت؟ لما فرغوا من وضع اللبنات التسع.

ودخل قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم العباس ، وعلى ، والفضل ، وقثم ، وشقران ، وابن عوف ، وعقيل ، وأسامة ، وأوس رضى الله عنهم.

قال الحاكم : فكان آخرهم عهدا به قثم. وقيل : على رضى الله عنهما.

وأما حديث المغيرة : فضعيف.

وكان الذى حفر له صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو طلحة ؛ لأنه كان رضى الله عنه يلحد.


وكان عمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ توفى : ثلاث وستون فيما ذكره البخارى. وثبته ابن سعد وغيره.

وفى مسلم : خمس وستون. وصححه أبو حاتم فى تاريخه.

وفى الإكليل : ستون. وفى تاريخ ابن عساكر : ثنتان وستون ونصف.

وفى كتاب ابن أبى شيبة : إحدى أو اثنتان ، لا أراه بلغ ثلاثا وستين.

* * *

فصل فى أولاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الولد : القاسم ، ولد قبل النبوة ، ومات وله سنتان. وقيل : غير ذلك. وفى مسند الفريابى : ما يدل على أنه توفى فى الإسلام.

ثم زينب رضى الله عنها. قال الكلبى : هى أول ولده.

قال السراج : ولدت سنة ثلاثين وماتت سنة ثمان من الهجرة عند زوجها ، وابن خالتها أبى العاص ، يعنى ابن الربيع.

ثم رقية رضى الله عنها : تزوجها عثمان بن عفان رضى الله عنه ، فماتت عنده ، وتوفيت رضى الله عنها والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببدر.

وفى كتاب التفرد ليعقوب : ما يخالف ذلك. وفيه نظر.

ثم فاطمة رضى الله عنها ، وكنيتها : أم أبيها : تزوجها على رضى الله عنهما. ولدت سنة إحدى وأربعين ، وتزوجها ولها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف.

وقال ابن الجوزى : ولدت قبل النبوة بخمس سنين ـ أيام بناء البيت ـ وتوفيت بعدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أشهر. وقيل : غير ذلك. ولها تسع وعشرون سنة. وقيل : غير ذلك.

ثم أم كلثوم رضى الله عنها : تزوجها عثمان سنة ثلاث فى جمادى الآخرة. وتوفيت فى شعبان سنة تسع.

ثم عبد الله : وهو الطيب والطاهر. مات بمكة.

قال القاضى بن وائل : قد انقطع ولده. فهو أبتر. فأنزل الله تعالى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : ٣].

وروى الهيثم بن عدى ـ وهو مهتم بالكذب ـ أنه كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن يقال له عبد العزى ، وطهره الله منه وأعاذه.


ثم إبراهيم ـ فمن مارية ـ توفى وله سبعون يوما. وقيل : غير ذلك. وكان مولده فى السنة الثامنة من الهجرة فى ذى الحجة.

* * *

فصل فى أعمامه وعماته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

أما أعمامه : فهم : حمزة والعباس رضى الله عنهما : أسلما ، والحارث وأبو طالب ، والزبير ، وعبد الكعبة ، والمقوم ، ويقال : هما واحد ، وحجل ، واسمه : المغيرة ، والفيداق ، ويقال : هما واحد ، وقثم ، ومنهم من أسقطه ، وضرار ، وأبو لهب ، واسمه : عبد العزى ، وكنى بذلك لجماله ، وصار فى الآخرة لماله.

وعماته صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صفية ، وعاتكة ، وأروى : أسلمن. وفى ذلك خلاف إلا صفية ، وأميمة ، وبرة ، وأم حكيم البيضاء.

* * *

فصل فى زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

نقدم اللاتى دخل بهن صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأولهن : خديجة ، ثم سودة ، ثم عائشة ، ثم حفصة ، ثم زينب بنت خزيمة ، ثم أم سلمة ، ثم زينب بنت جحش ، ثم جويرية بنت الحارث ، ثم ريحانة القريظية. وقيل : كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطؤها بملك اليمين ، ثم صفية بنت حيى ، ثم ميمونة الهلالية.

وفى بعض هذا الترتيب خلاف.

قلت : لم أر فى سيرة مغلطاى تزويجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأم حبيبة بنت أبى سفيان ، ولعله سقط من النسخة التى رأيتها منها.

وتزويجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لها : متفق عليه.

ومن زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللاتى دخل بهن فيما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : فاطمة بنت شريح. وذكر أنها الواهبة نفسها للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

نقل ذلك عنه : شيخنا العراقى. وذكر : أنه لم يجدها فى شىء من كتب الصحابة.

قال شيخنا : ولعلها التى استعاذت منه. وذكر : أنها ابنة الضحاك ، وأنها بانت عنه. والله أعلم. انتهى.

وأما زوجاته ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللاتى عقد عليهن أو خطبهن ، أو عرضن عليه. ولم يدخل صلى‌الله‌عليه‌وسلم


بهن : فخمسة وثلاثون منهن : مليكة بنت كعب. وقال الواقدى : دخل بها وتوفيت عنده فى شهر رمضان سنة ثمان. انتهى.

قلت : قال شيخنا العراقى : إن عدة هذه النسوة نحو ثلاثين يختلف. انتهى.

* * *

فصل فى خدامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخدام : ثمانية وعشرون رجلا ، أو سبعة وعشرون. ومن النساء : إحدى عشرة.

فمن الرجال : أنس بن مالك الأنصارى ، وربيعة بن كعب صاحب وضوئه ، وأبو مسعود صاحب نعليه ، وعقبة بن عامر يقود بغلته ، وبلال مولى أبى بكر ، وأبو ذر الغفارى ، وأيمن بن أم أيمن صاحب مطهرته.

ومن النساء : بركة أم أيمن هذا.

قلت : قال شيخنا العراقى : إن من خدامه من النساء : خمسة ، ذكرن فى مواليه.

وبينهم شيخنا فى نظمه. انتهى.

* * *

فصل فى مواليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الموالى : ثلاثة وستون رجلا. منهم : أسامة بن زيد ، وأبوه زيد بن حارثة ، وثوبان ، وشقران ، وأبو رافع قبطى ، كان على ثقله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكذلك كركرة ، وسفينة ، وسلمان الفارسى.

* * *

فصل فى إمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الإماء : عشر ، منهم : ربيحة. ويقال : هى ريحانة السرية.

* * *

فصل فى خيله ، وبغاله ، وحميره ، ولقاحه ، وغنمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخيل ثلاث وعشرون.

ومن البغال : ست ، منها : واحدة ، أهداها إليه كسرى.


قلت : قال شيخنا العراقى : فى التى من كسرى نظر. وذلك لما عد بغاله قال : خمسة أو ست.

وذكر شيخنا خلافا فى خيله إلا سبعة فلا خلاف فيها ، وأشار إليها بقوله :

سكب ، لزاز ، طرف ، سبحة

مرتجز ، ورد ، لحيف : سبعة

وليس فيها عندهم من خلف

والخلف فى ملاوح والطرف

ومن الحمير : ثلاثة. وقيل : اثنان.

ومن اللقاح : اثنا عشر. وقيل : أربعة عشر.

ومن الغنم المعروفة أسماؤها : عشرة.

وذكر له ابن حبان : مائة شاة.

* * *

فصل فى سلاحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرماح : أربعة. ومن القسى : ستة. ومن الأتراس : ثلاثة. ومن الأسياف : تسعة ، وقيل : ثمانية. ومن الأدراع : ستة.

قلت : ذكر شيخنا العراقى : أن أدراعه : سبعة ، وأن قسيه : خمسة. انتهى.

وله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلاح غير ذلك ، وثياب وأمتعة وغير ذلك مذكور فى سيرة مغلطاى.

* * *

فصل فى كتّابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الكتاب : اثنان وأربعون كاتبا ، منهم : الخلفاء الأربعة ، ومعاوية بن أبى سفيان ، وزيد بن ثابت رضى الله عنهم.

قلت : ذكر الحافظ عبد الغنى المقدسى : أن معاوية وزيد بن ثابت ألزمهم لذلك ، وأخصهم به.

وذكر شيخنا العراقى : أن زيد بن ثابت أكثرهم عنه كتابة ، ثم معاوية. انتهى.

* * *

فصل فى عدد رسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرسل إلى الملوك : أربعة عشر رسولا معروفة أسماؤهم. وله رسل أخر أسماؤهم غير معروفة.


ولم يذكر مغلطاى من رسله المعروفة أسماؤهم إلا أحد عشر ، وما ذكرناه من عددهم : ذكره شيخنا العراقى.

* * *

فصل فى عدد أمرائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على البلاد

للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأمراء على البلاد خمسة عشر أميرا ، وهؤلاء غير أمراء السرايا والبعوث ، وغير من ولى الأخماس ، والقضاء ، والصدقة ، وغير من أمره على المدينة النبوية فى غزوة. وما ذكرناه فى عدد أمراء البلاد وذكره شيخنا العراقى ، ولم أر لغيره عناية بذلك.

وقد رأيت زيادة فى ذلك ، وهى اثنان ، وهما : معاذ بن جبل الأنصارى رضى الله عنه ، قيل : إنه ولى مكة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج إلى حنين ، وهبيرة بن شبل بن العجلان الثقفى ، ذكر ابن عبد البر عن الطبرانى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلفه على مكة لما خرج إلى الطائف.

وذكر ابن عقبة ولاية معاذ على مكة. والمعروف : ولاية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعتاب بن أسيد على مكة بعد الفتح حين خرج إلى حنين. والله أعلم.

* * *

فصل فى عدد مغازيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس وعشرون غزوة على المشهور ، فيما قال الحافظ عبد الغنى المقدسى.

وقيل : سبع وعشرون غزوة. وسبق فى هذا التأليف ما يوافق هذا القول بزيادة واحدة.

وسبب الزيادة : الخلاف فى بنى النضير ، وبنى قينقاع هل هما واحدة؟ ورجحه الحاكم ، أو اثنتان.

وفى كل هذه الغزوات : خرج فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه ، وقاتل فيها فى بدر ، وأحد ، والخندق ، وبنى قريظة ، وبنى المصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف.

وقيل : إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاتل فى بنى النضير ، وفى الغابة ، ووادى القرى. والله أعلم.

* * *

فصل فى عدد بعوثه وسراياه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عدد بعوثه وسراياه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ستون.


وقال ابن نصر : إن ذلك فوق سبعين.

وفى الإكليل : أن البعوث فوق المائة. قال شيخنا العراقى : ولم أجد ذا لسواه.

ومن كلام شيخنا : لخصت هذا الفصل.

* * *

فصل فى حجه وعمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم

أما حجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد هجرته إلى المدينة ـ : فواحدة فى سنة عشر ، وتعرف : بحجة الوداع.

وأما حجه قبل الهجرة : فثنتان. وقيل : أكثر ، وقيل : واحدة ، ولا يصح شىء فى عدد حجه قبل الهجرة ، ولا فى عمره قبل الهجرة.

وأما عمره ـ بعد الهجرة ـ : فثلاث. الأولى : عمرة الحديبية فى سنة ست.

والثانية : عمرة القضية فى سنة سبع. والثالثة : عمرة الجعرانة فى سنة ثمان. وكلها فى ذى القعدة.

وقيل : إنه اعتمر مع الحج فى سنة عشر ، فتصير عمره أربعا. والله أعلم.

* * *

فصل فى أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخلاق شريفة جميلة.

منها : ما رواه أنس عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فضلت على الناس بأربع : بالسماحة ، والشجاعة ، وكثرة الجماع ، وشدة البطش». قالت عائشة رضى الله عنها : «كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ، ويرضى لرضاه» : انتهى.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يألف أهل الشرف ، ويكرم أهل الفضل ، ولا يطوى بشره عن أحد ولا يجفو عنه ، ولا يستنكف أن يمشى مع الأرملة والعبد ، ويحب الطيب ، ويكره الريح الكريهة.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يحب الحلواء والعسل ، وما عاب صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، فإن لم يشتهه تركه.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم فى مهنة أهله ، إلى غير ذلك من أخلاقة الطيبة.

* * *


فصل فى فضائله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضائل عظيمة لا تحصى.

منها : أن الله تعالى أعطاه الكوثر ، واصطفاه : بالمحبة ، والخلة ، والقرب ، والدنو ، والمعراج ، والصلاة بالأنبياء عليهم‌السلام ، والشهادة بينهم ، ولواء الحمد ، والبشارة والنذارة ، والهداية ، والإمامة ، ورحمة للعالمين ، وأعطى العفو عما تقدم وتأخر ، وأوتى الكتاب والحكمة ، وصلاة الله والملائكة ، وإجابة دعوته ، وإحياء الموتى ، وإسماع الصم ، والاطلاع على الغيب ، إلى غير ذلك مما أعد الله تعالى له فى الدار الآخرة من الكرامة والسعادة.

* * *

فصل فى معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

للمصطفى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام : معجزات باهرات. وقد سبق منها أشياء. ومما لم يسبق : نبع الماء ، وكفاية الكثير من الخلق بالقليل من الماء والطعام.

ففى البخارى من حديث جابر رضى الله عنه. «نبع الماء من بين أصابعه بالحديبية فتوضئوا وشربوا منه. وهم : خمس عشرة مائة». وأطعم أهل الخندق ، وهم : ألف من صاع شعير وبهمة فى بيت جابر فشبعوا وانصرفوا. والطعام أكثر ما كان ، وعند أبى نعيم : «وأطعمهم أيضا من تمر يسير لم يملأ كفيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتت به ابنة بشير بن سعد إلى أبيها وخالها».

ومنها : أنه أطعم فى منزل أبى طلحة ثمانين رجلا أقراص شعير جعلها أنس تحت إبطه حتى شبعوا ، وبقى كما هو.

وعند أبى نعيم : «وأطعم الجيش من مزود أبى هريرة رضى الله عنه حتى شبعوا كلهم ، ثم رد ما بقى فيه. ودعا له» فأكل منه مدة حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم. فلما قتل عثمان ذهب وحمل منه نحو خمسين وسقا فى سبيل الله.

ومنها : تسبيح الحصى فى كفه. وكذلك الطعام كان يسمع تسبيحه ، وهو يؤكل.

ومنها : أنه رد عين قتادة بن النعمان بعد ذهابها. فكانت أصح عينيه وأحدّهما.

قال السهيلى : فكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.


إلى غير ذلك من معجزاته الكثيرة العدد. ومن أجلّها : القرآن العظيم.

وله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خصائص ، وهى على أضرب :

الأول : الواجبات : الضحى ، والأضحية ، والوتر ، والتهجد ، وغير ذلك.

الثانى : ما اختص به من المحرمات ، فيكون الأجر فى اجتنابه أكثر ، وهو قسمان :

أحدهما : فى غير النكاح ، فمنه : الشعر والخط والزكاة وغير ذلك. الثانى : فى النكاح وغيره : فمنه : إمساك من كرهت نكاحه. وقيل : تكرما. ونكاح الكتابية ، والأمة المسلمة وفيها خلاف. الثالث : المباحات ، فمنه : الوصال فى الصوم ، واصطفاء ما أبيح له من الغنيمة قبل القسمة ، ودخول مكة بلا إحرام ، وإباحة القتال فيها ساعة ، والقضاء بالعلم والحكم لنفسه وولده وغير ذلك. الرابع : ما اختص به من الفضائل والإكرام ، فمنه : أن أزواجه اللاتى توفى عنهن محرمات على غيره أبدا. وفيمن فارقها فى حياته أوجه ، أصحها : التحريم وغير ذلك. قال مؤلفه محمد بن أحمد الحسينى الفاسى المكى : وهذا آخر ما أردنا اختصاره من السيرة النبوية. وهذا أوان الشروع فى التراجم التى أشرنا إليها على الترتيب السابق ذكره.

* * *



فهرس محتويات

الجزء الأول

من

العقد الثمين



المحتويات

مقدمة التحقيق.................................................................. ٣

الباب الأول فى ذكر مكة المشرفة ، وحكم بيع دورها وإجارته.................................... ١٩٢

الباب الثانى فى أسماء مكة المشرفة............................................... ٢٠٤

الباب الثالث فى ذكر حرم مكة................................................. ٢٠٦

الباب الرابع.................................................................. ٢١٠

الباب الخامس................................................................ ٢١٢

الباب السادس............................................................... ٢١٥

الباب السابع فى أخبار عمارة الكعبة المعظمة..................................... ٢١٧

الباب الثامن................................................................. ٢٢٢

الباب التاسع................................................................. ٢٣٠

الباب العاشر................................................................. ٢٣٢

الباب الحادى عشر........................................................... ٢٣٤

الباب الثانى عشر............................................................. ٢٣٦

الباب الثالث عشر في الآات المتعلقة بالكعبة المعظمة.............................. ٢٣٨

الباب الرابع عشر فى ذكر شىء من أخبار الحجر الأسود........................... ٢٤٠

الباب الخامس عشر........................................................... ٢٤٢

الباب السادس عشر فى ذكر شىء من أخبار المقام ، مقام الخليل عليه‌السلام............... ٢٤٤

الباب السابع عشر............................................................ ٢٤٦

الباب الثامن عشر فى ذكر شىء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته وذرعه....... ٢٥٠

الباب التاسع عشر............................................................ ٢٥٤

الباب العشرون فى ذكر شىء من خبر زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه.............. ٢٥٧

الباب الحادى والعشرون....................................................... ٢٦١

الباب الثانى والعشرون......................................................... ٢٦٩


الباب الثالث والعشرون........................................................ ٢٨٠

الباب الرابع والعشرون......................................................... ٢٩١

الباب الخامس والعشرون....................................................... ٢٩٣

الباب السادس والعشرون...................................................... ٢٩٥

الباب السابع والعشرون........................................................ ٢٩٧

الباب الثامن والعشرون........................................................ ٢٩٩

الباب التاسع والعشرون........................................................ ٣٠١

الباب الثلاثون................................................................ ٣٠٢

الباب الحادى والثلاثون........................................................ ٣٠٤

الباب الثانى والثلاثون.......................................................... ٣٠٦

الباب الثالث والثلاثون........................................................ ٣٠٨

الباب الرابع والثلاثون فى ذكر شىء من خبر الفجار والأحابيش..................... ٣١٠

الباب الخامس والثلاثون........................................................ ٣١١

الباب السادس والثلاثون فى ذكر شىء من فتح مكة المشرفة........................ ٣١٣

الباب السابع والثلاثون فى ذكر ولاة مكة المشرفة فى الإسلام........................ ٣١٩

الباب الثامن والثلاثون فى ذكر شىء من الحوادث المتعلقة بمكة فى الإسلام............ ٣٣٧

الباب التاسع والثلاثون........................................................ ٣٥٥

الباب الأربعون............................................................... ٣٦١

وأما أسواق مكة فى الجاهلية.................................................... ٣٦٢

وأما ما قيل من الشعر فى التشوق إلى مكة الشريفة................................ ٣٦٣

السيرة النبوية................................................................. ٣٦٦

ذكر أسمائه ونسبه وشىء من حاله من حين ولادته................................ ٣٦٧

وإلى وفاته وغير ذلك من حال عمله............................................. ٣٦٧

سرية حمزة إلى سيف البحر..................................................... ٣٨٣

سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ............................................. ٣٨٤

سرية سعد بن أبى وقاص إلى الخرار.............................................. ٣٨٤

غزوة الأبواء.................................................................. ٣٨٤

غزوة بواط................................................................... ٣٨٤

غزوة بدر الأولى............................................................... ٣٨٥


غزوة ذات العشيرة............................................................ ٣٨٥

سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة............................................... ٣٨٥

غزوة بدر الكبرى............................................................. ٣٨٦

سرية عمير................................................................... ٣٨٧

غزوة بنى سليم................................................................ ٣٨٧

سرية أبى عفك............................................................... ٣٨٧

غزوة بنى قينقاع............................................................... ٣٨٧

غزوة السويق................................................................. ٣٨٨

سرية كعب بن الأشرف....................................................... ٣٨٨

غزوة غطفان................................................................. ٣٨٩

سرية القردة.................................................................. ٣٨٩

غزوة أحد.................................................................... ٣٨٩

غزوة حمراء الأسد............................................................. ٣٩٠

سرية قطن................................................................... ٣٩١

سرية عرنة.................................................................... ٣٩١

سرية بئر معونة............................................................... ٣٩١

غزوة الرجيع.................................................................. ٣٩١

غزوة بنى النضير.............................................................. ٣٩٢

غزوة بدر الصغرى............................................................ ٣٩٢

غزوة ذات الرقاع.............................................................. ٣٩٣

غزوة دومة الجندل............................................................. ٣٩٣

غزوة المريسيع................................................................. ٣٩٤

غزوة الخندق................................................................. ٣٩٥

غزوة بنى قريظة............................................................... ٣٩٥

سرية القرطاء................................................................. ٣٩٦

غزوة بنى لحيان................................................................ ٣٩٦

غزوة الغابة................................................................... ٣٩٦

سرية غمر مرزوق............................................................. ٣٩٧

سرية ذى القصة.............................................................. ٣٩٧


سرية بنى سليم................................................................ ٣٩٧

سرية دومة الجندل............................................................. ٣٩٨

سرية بنى سعد................................................................ ٣٩٨

سرية أم قرمة................................................................. ٣٩٨

سرية ابن أبى الحقيق........................................................... ٣٩٩

سرية ابن رزام................................................................. ٣٩٩

سرية العرنيين................................................................. ٣٩٩

سرية أبى سفيان.............................................................. ٣٩٩

غزوة الحديبية................................................................. ٤٠٠

غزوة خيبر................................................................... ٤٠٠

غزوة وادى القرى............................................................. ٤٠١

سرية بدنة.................................................................... ٤٠١

سرية بنى فزارة................................................................ ٤٠١

سرية بنى مرة................................................................. ٤٠٢

سرية المنفعة.................................................................. ٤٠٢

سرية يمن وجبار............................................................... ٤٠٢

عمرة القضية................................................................. ٤٠٢

سرية بنى سليم................................................................ ٤٠٣

كتبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الملوك........................................................... ٤٠٣

سرية الكديد................................................................. ٤٠٣

سرية مصاب................................................................. ٤٠٤

سرية بني عامر................................................................ ٤٠٤

سرية ذات الطلاع............................................................ ٤٠٤

سرية مؤتة.................................................................... ٤٠٤

سرية ذات السلاسل.......................................................... ٤٠٥

سرية الحبط.................................................................. ٤٠٥

سرية خضرة.................................................................. ٤٠٥

سرية بطن أضم............................................................... ٤٠٥

فتح مكة.................................................................... ٤٠٦


سرية خالد................................................................... ٤٠٧

غزوة حنين................................................................... ٤٠٧

سرية ذى الكفين............................................................. ٤٠٨

غزوة الطائف................................................................. ٤٠٨

سرية اليمن................................................................... ٤٠٩

سرية القرطا.................................................................. ٤٠٩

سرية خثعم................................................................... ٤٠٩

سرية الحبشة.................................................................. ٤٠٩

سرية القلمس................................................................. ٤١٠

سرية الجباب................................................................. ٤١٠

غزوة تبوك................................................................... ٤١٠

سرية اليمن................................................................... ٤١١

حجة الوداع.................................................................. ٤١١

سرية أبنا..................................................................... ٤١٢

وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم................................................................... ٤١٢

فصل فى أولاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................................................... ٤١٤

فصل فى أعمامه وعماته صلى‌الله‌عليه‌وسلم................................................... ٤١٥

فصل فى زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.......................................................... ٤١٥

فصل فى خدامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.......................................................... ٤١٦

فصل فى مواليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................................................... ٤١٦

فصل فى إمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................................................ ٤١٦

فصل فى خيله ، وبغاله ، وحميره ، ولقاحه ، وغنمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................ ٤١٦

فصل فى سلاحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم......................................................... ٤١٧

فصل فى كتّابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................................................... ٤١٧

فصل فى عدد رسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم....................................................... ٤١٧

فصل فى عدد أمرائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على البلاد............................................ ٤١٨

فصل فى عدد مغازيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم...................................................... ٤١٨

فصل فى عدد بعوثه وسراياه صلى‌الله‌عليه‌وسلم................................................ ٤١٨

فصل فى حجه وعمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم..................................................... ٤١٩


فصل فى أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.......................................................... ٤١٩

فصل فى فضائله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.......................................................... ٤٢٠

فصل فى معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم......................................................... ٤٢٠

المحتويات..................................................................... ٤٢٢

العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين - ١

المؤلف:
الصفحات: 430