

كلمة المركز
اللهمَّ إنّا نفتتحُ الثناءَ بحمدكَ
وأنتَ مسدّدٌ للصواب بمنّك.
إنَّ الإشكالية الأساسية التي تعاني
منها البشرية اليوم هي حالة الفراغ العقيدي والخواء الروحي ، هذه الإشكالية هي
التي تفسّر لنا حالة التخبط والفوضى ، والقلق والاضطراب على الصعيد الفكري والنفسي
، كما تفسر لنا حالة الانحدار الأخلاقي المريع الذي بلغته أكثر المجتمعات الغربية
وبعض المجتمعات المسلمة.
لقد أصبح عالمنا المعاصر يشهد إحباطات
متتالية وموضات مختلفة في الفكر والسياسة والعلاقات الاجتماعية بل والدولية.
فلغة القوة والعنف أصبحت اللغة السائدة
اليوم ، والقهر والظلم والاضطهاد سمات ظاهرة ، والارهاب والتشويش الفكري والحضاري
يترك بصماته على كلّ المجالات حتى ليصحَّ القول : إنَّ الدنيا بدأت تمتلئ ظلماً
وجوراً وطغياناً وكفراً.
إنَّ المعايير الأخلاقية والإنسانية لا
يكاد يحتكم اليها. وإنَّ قيم العدالة والإنصاف لا يعتمد عليها إلاّ نادراً ، وإنَّ
منطق العلم وقواعد المنطق الصحيح لم تعد لها المرجعية والحسم إلاّ في مناسبات
محدودة وموارد معدودة.
إنَّ هذه الظواهر أصبحت مشخّصة في أكثر
المجتمعات البشرية بما لا يحتاج معه إلى البرهنة عليها.
وفي مثل هذه الأجواء المشحونة بالخوف من
المستقبل والملبّدة بسُحبٍ كثيفة تكاد تحجب الحقائق الناصعة ، وفي ظل هواجس ومخاوف
يعيشها الإنسان المسلم وبخاصةٍ بعد أن مارسَ ضده الاعلام الغربي ـ بكل أساليبه
الخبيثة ـ عمليات غسل الدماغ والتلويث الفكري تحت شعارات
خلاّبة وعناوين كبيرة
حتى كادوا أن يسترهبوا قطاعات واسعة من المثقفين من أبناء الأمّة الإسلامية ، وأوشكوا
أن يخرجوهم من ملتهم.
إستناداً إلى ذلك كلّه ، واستجابةً
للتحدي الحضاري الكبير الذي تواجهه الأمّة المسلمة ، وبغيةَ نشر حقائق الإسلام
ومعارفه وأحكامه ومبادئه ورؤاه ونظرياته في مختلف مجالات الحياة الإنسانية
المتنوعة ، ومن أجل التنوير والتبصير ، وأخذاً بيد الشباب المثقف لحمايتهم من
غوائل المتربصين بالإسلام ، وفتنتهم وكيدهم ومكرهم ، من أجل ذلك كلّه جاء مشروع ( مركز
الرسالة ) ليؤدي دوراً في هذا المجال ، ونشاطاً علمياً وثقافياً يتكامل مع الانشطة
والفعاليات الثقافية التي تنهض بها مؤسسات ومراكز إسلامية تنتشر في شرق الارض
وغربها.
لذلك كلّه ارتأى مركزنا أن يفتتح باكورة
أعماله وأنشطته الثقافية بقضيةٍ عقائدية من عقائد الإسلام ، أُحيطت بالتشويش ، وتعرضت
لمحاولات التشكيك والطعن على امتداد عصور متعاقبة ، وهي تتعرض اليوم إلى حملات
ثقافية شرسة ، اجتمع على التخطيط لها دهاقنة الغرب الصليبي الكافر ، وخصوم الاسلام
، كما نشهده ونلاحظه من كثرة الكتابات والدراسات التي تناولت موضوع ( المهدي
الموعود ) متذرعةً بلباس العلمية ، وهي تهدف إلى توجيه سهام النقد والتشويش
لعقائدنا ورؤانا الدينية المستندة إلى الوحي الإلهي قرآناً وسنةً.
وإذا كان ذلك يعدُّ مبرراً كافياً لبدء
انشطتنا العلمية ـ كما نعتقد ـ فإننا سنحاول رفد المكتبة الإسلامية بما هو نافع
ومفيد وأصيل إن شاء الله تعالى.
ومنه تعالى نستمد العون والتسديد وهو
حسبنا ونعم الوكيل
مركز الرسالة
المقدِّمة
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة
والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المخلصين ، ومن اتّبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ..
اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الإسلامية
وإلى اليوم بصحة ما بشّر به النبيّ الأعظم 6
من ظهور رجل من أهل بيته :
في آخر الزمان ـ يسمى المهدي ـ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وعلى ذلك كان ترقّب المؤمنين وانتظارهم مهدي أهل البيت قرناً فقرناً ، ولم يشذّ
عنهم إلاّ شرذمة قليلة من دعاة التجديد والتحضّر ، نتيجة لتأثرهم بالدراسات
والبحوث الاستشراقية غير الموضوعية من أمثال ماكتبه فان فلوتن ، ودونالدسن ، وجولدزيهر
، وغيرهم من المستشرقين الذين حاولوا ـ بتطرفهم المعهود في التحليل والاستنتاج
بخصوص ما يتصل بعقائد المسلمين ـ إنكار ظهور المهدي 7
في آخر الزمان.
وقد يكون بعض من اغترّ بمناهجهم حَسَن
النيّة في الدعوة إلى التجديد في فهم القضايا الإسلامية ومحاولة إبراز توافقها
وانسجامها مع المفاهيم الحضارية التي فرضتها المدنية المعاصرة ، فرأى أنّ في إنكار
فكرة ظهور المهدي 7
ردّاً حاسماً على الدعوات الصليبية ـ المقنّعة بقناع الاستشراق ـ التي استهدفت الإسلام
فصورته ـ ببحوثها وكتاباتها ـ آلة جامدة لا تنبض بالحياة.
وهكذا انعكست آثار بعض الدراسات
الاستشراقية على ثقافة البعض منّا ، مما أسهم في إيجاد خرق من الداخل ، ترى من
خلاله تأويل بعض
الثوابت الدينية ، والتشكيك
بقسم منها كقضية ظهور الإمام المهدي 7
في آخر الزمان ، وربما قد تسمع الترديد المملّ لأقوال المستشرقين إزاء مسألة
الظهور ، وما كان هذا ليتم لولا التفاعل اللامدروس مع تلك الثقافات المحمومة ، والتأثّر
بها لدرجة الاعتقاد بأنّها حقائق مسلّمة على الرغم مما فيها من خبث ودهاء وتطرّف
في التحليل والاستنتاج ، وكيد بالإسلام والمسلمين ، وكيف لا ، وهذا جولدزيهر ، ودي
بوير ، ومكدونالد ، وبندلي جوزي يصرّحون بتناقض القرآن الكريم ؟! فلا غرابة أن نجد ـ في حركات
التبشير الصليبي ـ من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي ، هذا مع أنّ فكرة الظهور لم تكن حكراً
على المسلمين وحدهم كما سيتبين من دراستها في هذه المقدمة :
عالمية الاعتقاد بالمهدي :
إنّ فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر
العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان ، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم
، ويحقق العدل والمساواة في دولته الكريمة ، فكرة آمن بها أهل الأديان الثلاثة ، واعتنقتها
معظم الشعوب.
فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى
بعودة عيسى 7 ، وصدّق بها
الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه ، واعتنقها مسيحيو الأحباش بترقّبهم عودة
ملكهم تيودور كمهديٍّ في آخر الزمان ، وكذلك الهنود
__________________
اعتقدوا بعودة فيشنو
، ومثلهم المجوس إزاء ما يعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا ،
كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق ، والمغول قائدهم جنگيزخان.
وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين
، كما وجد في القديم من كتب الصينيين.
وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة
الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور
ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد :
منهم
: الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند
راسل ، قال : ( إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار
واحد ) .
ومنهم
: العلاّمة آينشتاين صاحب ( النظرية
النسبية ) ، قال : ( إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح والصفاء ، ويكون الناس
متحابِّين متآخين ليس ببعيد ) .
والأكثر من هذا كلّه هو ما جاء به
الفيلسوف الانكليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه ( الإنسان
والسوبرمان ).
وفي ذلك يقول الاستاذ الكبير عباس محمود
العقاد في كتابه ( برناردشو ) معلّقاً : « يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل
، وأنّ دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة » .
__________________
أما عن المسلمين فهم على اختلاف مذاهبهم
وفرقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وعلى طبق ما بشّر به النبي 6 ، ولايختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر
، ولا فرقة دون أُخرى. وما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن
الثالث الهجري وإلى اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ اتّفاقهم ، بل ومن عقيدتهم أجمع ،
الأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم : بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي ، وبعضهم قال :
بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاِهانة حتى يعود إلى الحقّ والصواب على رغم أنفه ـ على
حدّ تعبيرهم ـ كما سنشير إليه في الفتوى الصادرة على طبق معتقد المذاهب الأربعة.
ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة
المسلمين بظهور المهدي : « اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار
: أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل
، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى المهدي ».
وقد وافقه على ذلك الاُستاذ أحمد أمين الأزهري
المصري ـ على الرغم مما عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة ـ فقال معبّراً عن رأي
أهل السُنّة بها : « فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً » ، ثم ذكر نصّ ما ذكره ابن خلدون .
ثم قال : « وقد أحصى ابن حجر الأحاديث
المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين » .
ثم ذكر ما قرأه من كتب أهل السنة حول
المهدي فقال : « قرأت رسالة
__________________
للاُستاذ أحمد بن
محمد بن الصديق في الردّ على ابن خلدون سماها : ( إبراز الوهم المكنون من كلام ابن
خلدون ) ، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في المهدي وأثبت
صحّة الأحاديث ، وقال : إنّها بلغت التواتر » .
وقال في موضع آخر : « قرأتُ رسالة أُخرى
في هذا الموضوع عنوانها : « الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة » لأبي الطيب
بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني » .
وقال أيضاً : « قد كتب الإمام الشوكاني
كتاباً في صحة ذلك سماه : التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح » .
إذن لا فرق بين الشيعة وأهل السنّة من
حيث الإيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طرقهم
، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة ، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه
لبعض الأحاديث الواردة في ذلك ، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر كتباً
ورسائل ، بل لا فرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الأديان والشعوب الاُخرى
من حيث الإيمان بأصل الفكرة وإن اختلفوا في مصداقها ، مع اتّفاق المسلمين على أنّ
اسمه ( محمد ) كإسم النبي 6
، ولقبه عندهم هو ( المهدي ).
ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الأديان السابقة
ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته ـ مع تعدد الأديان ، وتباين
المعتقدات ، واختلاف الأفكار والآراء والعادات ـ على أصل الفكرة ،
__________________
لا يمكن أبداً أن
يكون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً. فإذا أضفنا إلى ذلك
اتّفاق المذاهب الإسلامية جميعاً على صحة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي في آخر
الزمان وأنّه من أهل البيت :
ـ كما سيأتي مفصلاً ـ علم أنّ اتّفاقهم هذا لابد وأن يكون معبّراً عن إجماع هذه
الاُمة التي لا تجتمع على ضلالة على ما هو مقرر في محلّه ، وحينئذٍ فلا يضرّ
اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت :
اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الأديان والشعوب ، إذ بالإمكان معرفته حق
معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن
طريق السماع والتحديث شفةً عن شفة وصولاً إلى مصدر التشريع ، وبما لانظير له في
حضارات العالم أجمع.
ومع هذا نقول :
إنّ اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في
آخر الزمان لا يبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت : كتبشيرها بنبوّة نبينا 6 إلاّ أنّهم أخفوا ذلك عناداً وتكبّراً
إلاّ من آمن منهم بالله واتّقى.
ويدلّ على ذلك وجود مايشير في أسفار
التوراة إلى ظهور المهدي في آخر الزمان ، كما في النصّ الذي نقله الكاتب أبو محمد
الاُردني من ( سفر أرميا ) وإليك نصه : « اصعدي أيّتها الخيل وهيّجي المركبات ، ولتخرج
الأبطال : كوش وقوط القابضان المجنّ ، واللوديُّون القابضون القوس ، فهذا اليوم
للسيد ربِّ الجنود ، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ، فيأكل السيف ويشبع ... لأن للسيد
ربِّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات » .
__________________
وهناك ما هو أوضح من هذا بكثير جداً ، فقد
قال الباحث السني سعيد أيوب في كتابه ( المسيح الدجال ) : « ويقول كعب : مكتوب في
أسفار الأنبياء : المهدي ما في عمله عيب » ثمّ علّق على هذا النصّ بقوله : « وأشهد
أنني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا
أخبار جده 6 ، فدلت
أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً ، ثمّ أشار إلى امرأة
أُخرى ، أي : التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صُلب جدته ، وقال السفر : إنَّ هذه
المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر ، ورمز للمخاطر باسم « التنّين » وقال : ( والتنّين
وقفَ أمام المرأة العتيدة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت ) سفر الرؤيا ١٢ / ٣ ، أي
: أنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في
تفسيره : « عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه ».
والنص : ( واختطف الله ولدها ) سفر الرؤيا
١٢ / ٥ ، أي : أنَّ الله غيّب هذا الطفل كما يقول باركلي.
وذكر السفر أنّ غيبة الغلام ستكون ألفاً
ومئتين وستين يوماً ، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب ، ثم قال باركلي عن نسل
المرأة عموماً : إنّ التنّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال السفر : ( فغضب
التنّين على المرأة ، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله )
سفر الرؤيا ١٢ / ١٣ .
__________________
وهذا وإن لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به لما
مُنيت به كتب العهدين من تحريف وتبديل ، إلاّ أنّه يدلّ وبوضوح على معرفة أهل
الكتاب بالمهدي ، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه ، إذ ليس كلّ ما جاء به الإسلام
قد تفرّد به عن الأديان السابقة ، فكثير من الاُمور الكلِّية التي جاء بها الإسلام
كانت في الشرائع السابقة قبله.
قال الشاطبي : ( وكثير من الآيات أُخبر
فيها بأحكام كلّية كانت في الشرائع المتقدمة وهي في شريعتنا ، ولا فرق بينهما ) .
وإذا تقرر هذا فلايضرُّ اعتقاد المسلم
بصحة ما بشّر به النبي 6
من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان ، أن يكون هذا المعتقد موجوداً عند أهل
الكتاب ( اليهود والنصارى ) أو عند غيرهم ممن سبق الإسلام ، ولايخرج هذا المعتقد
عن إطاره الإسلامي بعد أن بشّر به النبيّ 6
وبعد الإيمان بأنه 6
( ما يَنطِقُ عَنِ
الهَوَى * إن هوَ إلاّ وحيٌ يُوحى
) .
وأما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل
هذه الفكرة كما مرّ فيمكن تفسيرها على أساس أنّ فكرة ظهور المنقذ لاتتعارض مع فطرة
الإنسان وطموحاته وتطلّعاته ، ولو فكّر الإنسان قليلاً في اشتراك معظم الشعوب بأصل
الفكرة لاَدرك أنّ وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير ، يستمد
__________________
الإنسان من خلالها
قوّته في الصمود إزاء مايرى من انحراف وظلم وطغيان ، ولا يُترك فريسة يأسه دون أن
يزوّد بخيوط الاَمل والرجاء بأنّ العدل لابدّ له أن يسود.
وأما عن اختلاف أهل الأديان السابقة
والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر ، فلا علاقة له في إنكار ما بشّر به النبي 6 ، وليس هناك ما يدعو إلى بيان فساد
تشخيصهم لاسم المنقذ ، مادام الإسلام قد تصدى بنفسه لهذه المهمة فبيّن اسمه ، وحسبه
، ونسبه ، وأوصافه ، وسيرته ، وعلامات ظهوره ، وطريقة حكمه ، حتى تواترت بذلك الأخبار
واستفاضت بكثرة رواتها من طرق أهل السنّة ، كما صرّح بذلك أعلامهم وحفّاظهم
وفقهاؤهم ومحدثوهم ، وقد روى تلك الأخبار عن النبي 6
ما يزيد على خمسين صحابياً كما سنبرهن عليه في هذا البحث.
وأما عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من
حيث تشخيص اسم المهدي كما هو معلوم بين أهل السنة والشيعة ، فليس فيه أدنى حجة
للمستشرقين وأذنابهم ، بل هو ـ على العكس ـ من الأدلّة القاطعة عليه ؛ لأنّه من
قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود ، كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول
بقِدَمِه وحدوثه من الله تعالى ، مع اتّفاقهم على تكفير منكره ، وقس عليه سائر
اختلافاتهم الاُخرى في تفاصيل بعض العقائد دون اُصولها.
تهافت القول باُسطورية فكرة الظهور :
إنّ النتيجة المنطقية لما تقدم قاضية
بتفاهة مزاعم المستشرقين ومن وافقهم باُسطورية فكرة ظهور المهدي في آخر الزمان ، ذلك
لأن الاُسطورة التي ينتشر الإيمان بها بمثل هذه الصورة ، لاشك أنّها سلبت عقول
المؤمنين بها ، وصنعت لهم تاريخاً ، ولكن التاريخ لا يعرف أُمّة
خلقت تاريخها
أُسطورة ، فكيف الحال مع أُمّة هي من أرقى أُمم العالم حضارة في القرون الوسطى
باعتراف المستشرقين أنفسهم ؟!
والعجيب ، أنّ القائلين بهذا يعترفون
برقيّ الحضارة الإسلامية وسموّها بين الحضارات العالمية ، ولا ينكرون دور الإسلام
العظيم في تهذيب نفوس المؤمنين من سائر البدع والخرافات والعادات البالية التي
تمجّها النفوس ، وتستنكرها العقول ، ولم يلتفتوا إلى أنّ أُمة كهذه لا يمكن اتّفاقها
على الاعتقاد بأُسطورة ، وأغلب الظنّ أنَّ هؤلاء المستشرقين لمّا وجدوا عقائد
أسلافهم ملأى بالخرافات والأساطير والضلالات ، كبُر عليهم أن يكتبوا عن الإسلام ـ
الذي هو أنقى من الذهب الابريز ـ دون أن يُضيفوا عليه شيئاً من أحقادهم ، ولهذا
وصفوا ما تواتر نقله عن النبي الأعظم 6
بشأن ظهور المهدي في آخر الزمان بأنّه من الأساطير.
والمصيبة ليست هنا ، لأنّا نعلم أنَّ
القوم ( كَبُرَت كَلِمَةً
تَخرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِم إن يَقُولُونَ إلاّ كَذِباً
) ، بل المصيبة تكمن في كتابات من تقمّص
لباس السيد جمال الدين الأفغاني ، والشيخ محمد عبده ونظائرهما من قادة الإصلاح ، مما
ساعد على إخفاء حقيقتها وواقعها الذي لم يكن غير الاستظلال بفيء الخصوم ، وطلب
الهداية ممن غرق في بحر الضلال ، من دون تروٍ مطلوب ، ولا التفات مسؤول إلى ما يهدّد
تراث الإسلام الخالد ، ويستهدف أُصوله الشامخة.
ومن هنا وجب التحذير من هؤلاء وأُولئك ،
والاحتراز عن كل ما يُنفَث ، أو يُبَثّ ، قبل بيان الدليل القاطع على عقيدة
المسلمين بالمهدي في فصول هذا البحث.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
__________________
الفصل الأول
المهدي
في الكتاب والسُنّة
بعض الآيات المُفَسّرة في المهدي :
لا يخفى أنّ القرآن الكريم والسنّة
النبويّة صنوان لمشرّع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي المتواترة عن النبي 6 بلا شك ولا شبهة ـ كما سيأتي في هذا
الفصل ـ قد أيدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من
المفسرين على المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان.
وإذا ما تواتر شيء عن النبي 6 ، فلابد من التسليم بأنّ القرآن الكريم
لم يهمله بالمرّة وإن لم تدركه عقولنا؛ لقوله تعالى : ( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً
لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ورَحمةً وبُشرى للمُسلِمينَ
) .
إذن استجلاء هذه العقيدة من الآيات
المباركة منوط بمن يفهم القرآن حق فهمه ، ولا شك بأنّ أهل البيت : هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين
المتواتر عند جميع المسلمين ، وعليه فإنّ ماثبت تفسيره عنهم : من الآيات بالمهدي لابد من الاذعان
إليه والتصديق به.
وفي هذا الصدد قد وقفنا على الكثير من
أحاديث أهل البيت :
المفسرة لعدد من الآيات المباركة بالإمام المهدي. وسوف لن نذكر منها إلاّ ما كان
مؤيداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الاُخرى ورواياتهم.
١
ـ فمنها : ما نمهّد له بالقول : إنّ أعداء هذا
الدين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ
الكافِرُونَ ) .
__________________
فهذه الآية العجيبة بينت لنا أنّ حال
هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق ، ويريد الله تعالى
أن يزيده ويُبلِغَهُ الغاية القُصوى في الإشراق والإضاءة. وفي هذا منتهى التصغير
لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم ؛ لاِنَّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور
الضعيف ـ كنور الفانوس ـ لن تقدر على إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني ، ومن
دقائق التصوير الإلهي ، لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان ، ولن تجد
له نظيراً قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد
هذا المثال ، إرادة الله عزَّ وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم ، فقال
تعالى : ( هُوَ الَّذِي أرْسَلَ
رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ
كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) .
والمراد بدين الحق هو دين الإسلام
بالضرورة ؛ لقوله تعالى : (
وَمَن
يَبْتَغ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهْوُ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الخَاسِرِينَ ) .
وقوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه
) ، أي : لينصره
على جميع الأديان ، والضمير في قوله تعالى : (
ليُظهِرَهُ
) راجع إلى
دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم ، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية.
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله 6 بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته ، وقد
اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الإسلام سوف لن
تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الأديان ، ولو كره المشركون.
والإظهار في الآية لا يراد به غير
الغلبة والاستيلاء ، قال الرازي في
__________________
تفسيره : « واعلم
أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون
بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك ، ولا يجوز أن يبشّر إلاّ بأمر
مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور
بالغلبة » .
ولا يخفى أنّ تلك الغلبة على الأديان الاُخرى
قد تحققت في عهد النبي 6
وخير دليل على ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون ، ولا يخفى
أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الإسلام ديناً قوياً مهاب
الجانب وذا شوكة.
ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك ، والذين
دفعوا لنا الجزية بالأمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا ، والعدو أحاط بنا ، وغُزِينا
في عقر ديارنا ، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق.
وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم
صالح ليومه وغده ؛ فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الأديان منطبقاً على واقع الإسلام
اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم ؟ وهل لتلك البشرى من
مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الإسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض
واختلاف في العقائد والأحكام ؟!
هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله
تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى
الَّدينِ كُلَّه ) قال : « هو الأديان الستة : الذين
آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئين ، والنصارى ، والمجوس ، والذين أشركوا.
فالاَديان كلّها تدخل في دين الإسلام ، والإسلام يدخل في شيء منها ، فإنّ الله قضى
بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون » .
__________________
وفي تفسير ابن جزّي : « وإظهاره : جعله
أعلى الأديان واقواها ، حتى يعم المشارق والمغارب ». وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ
عليه جملة من المفسرين .
وفي الدر المنثور : « وأخرج سعيد بن
منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن جابر 2
في قوله تعالى : (
ليُظهِرَهُ
عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال : لا يكون ذاك حتى لا يبقى يهودي
ولا نصراني صاحب ملّة إلاّ الاسلام .
« وعن المقداد بن الأسود قال : « سمعت
رسول الله 6 يقول : لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلاّ
أدخله كلمة الاسلام ، إما بعزٍّ عزيز ، وإما بذلٍ ذليل. إما يعزهم فيجعلهم الله من
أهله فيعزّوا به ، وإما يُذلّهم فيدينون له
» .
ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر 7 أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر
الزمان ، وأنه ـ بتأييد من الله تعالى ـ سيُظهر دين جده 6 على سائر الأديان حتى لا يبقى على وجه الأرض
مشرك. وهو قول السدّي المفسّر .
قال القرطبي : « وقال السدّي : ذاك عند
خروج المهدي ، لا يبقى أحد إلاّ دخل في الإسلام ».
٢
ـ ومنها : قوله تعالى : ( وَلو تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا
مِن مكانٍ
__________________
قريب
) .
فقد أخرج الطبري في تفسيره ، عن حذيفة
بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسف به ، وسيأتي ما يدل على أنّ ذلك الخسف لم
يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة ، وأنه من
أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف .
وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في
التذكرة مرسلاً عن حذيفة بن اليمان ، وبه صرّح أبو حيان في تفسيره ، والمقدسي
الشافعي في عقد الدرر ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ، وأورده الزمخشري في كشّافه
عن ابن عباس
، وقال الطبرسي في مجمع البيان : « وأورده الثعلبي في تفسيره ، وروى أصحابنا في
أحاديث المهدي عن أبي عبدالله 7
وأبي جعفر 7 مثله » .
٣
ـ ومنها : قوله تعالى : ( وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا
تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم
) .
فقد صرح البغوي في تفسيره ، وكذلك
الزمخشري ، والرازي ، والقرطبي ، والنسفي ، والخازن ، وتاج الدين الحنفي ، وأبو
حيان ، وابن كثير ، وأبو السعود ، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم 7 في آخر الزمان .
__________________
وقد أوّلها مجاهد في تفسيره ، وهو من
رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير ، بنزول عيسى 7
أيضاً .
وقد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلى
ما أخرجه أحمد بن حنبل ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والفريابي ، وسعيد
بن منصور ، وعبد بن حميد من طرق ، عن ابن عباس أنها بخصوص ما ذكرناه.
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان : «
وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عز وجل : ( وإنّه لَعْلِمٌ للساعة
) هو المهدي 7 ، يكون في آخر الزمان ، وبعد خروجه
يكون قيام الساعة وأمارتها » .
ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر
الهيتمي ، والشبلنجي الشافعي ، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي ، والشيخ
الصبّان .
ولا خلاف بين هؤلاء وأولئك لأن نزول
عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث
الاُخرى ، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث. ويؤيدّه إشادة بعض من ذكرنا
الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن
عباس ، وأبي هريرة ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، والضحاك
__________________
ما يدل على أنها في
نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الإمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم ، وأنه
يصلّي خلف المهدي 8.
٤
ـ ومنها : قوله تعالى : ( فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ
* الجَوارِ
الكُنَّسِ ).
فقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر 7
أنه قال : « إمام
يخنُس سنةَ ستين ومائتين ، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت
زمانه قرّتْ عينك » .
ولا يخفى أن هذا من الإخبار المعجز الذي
علمه أهل البيت :
عن رسول الله 6
والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه.
ونكتفي بهذا القدر ، على أن الشيخ
القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمة أهل البيت : بالامام المهدي وظهوره في آخر الزمان .
نظرة في أحاديث المهدي
إنّ نظرة واحدة في أحاديث المهدي
الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبي 6 من دون أدنى تردّد ، ولما لم يكن بوسع
البحث تسجيل كل ما ورد من أحاديث في المهدي بكتب المسلمين لكثرتها الهائلة ؛ لذا سنقتصر
على ذكر ما يدل على قطعية صدورها عن النبي 6
وعلى النحو الآتي :
__________________
أولاً : من أخرج
أحاديث المهدي :
لا يبعد القول بأنّه مامن محدّث من
محدّثي الإسلام إلاّ وقد أخرج بعض الأحاديث المبشّرة بظهور الإمام المهدي في آخر
الزمان ، وقد أفردوا كتباً كثيرة في الإمام المهدي خاصة .
وأما عن العلماء والمحدّثين الذين
أخرجوا أحاديث المهدي أو أوردوها عمن تقدم عليهم على سبيل الاحتجاج بها ـ حسبما
وقفنا عليه في كتبهم ـ فهم :
ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى ( ت / ٢٣٠
ه ) ، وابن أبي شيبة ( ت / ٢٣٥ ه ) ، وأحمد بن حنبل ( ت / ٢٤١ ه ) ، والبخاري (
ت / ٢٥٦ ه ) ذكر المهدي بالوصف دون الاسم ، ومثله فعل مسلم ( ت / ٢٦١ ه ) في
صحيحه كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث ، وأبو بكر الاسكافي ( ت / ٦٢٠ ه )
، وابن ماجة ( ت / ٢٧٣ ه ) ، وأبو داود ( ت / ٢٧٥ ه ) ، وابن قتيبة الدينوري ( ت
/ ٢٧٦ ه ) ، والترمذي ( ت / ٢٧٩ ه ) ، والبزار ( ت / ٢٩٢ ه ) ، وأبو يعلى
الموصلي ( ت / ٣٠٧ ه ) ، والطبري ( ت / ٣١٠ ه ) ، والعقيلي ( ت / ٣٢٢ ه ) ، ونعيم
بن حماد ( ت / ٣٢٨ ه ) ، وشيخ الحنابلة في وقته البربهاري ( ت / ٣٢٩ ه ) في
كتابه ( شرح السنّة ) ، وابن حبان البستي ( ت / ٣٥٤ ه ) ، والمقدسي ( ت / ٣٥٥ ه )
،
__________________
والطبراني ( ت / ٣٦٠
ه ) ، وأبو الحسن الآبري ( ت / ٣٦٣ ه ) ، والدارقطني ( ت / ٣٨٥ ه ) ، والخطابي
( ت / ٣٨٨ ه ) ، والحاكم النيسابوري ( ت / ٤٠٥ ه ) ، وأبو نعيم الاصبهاني ( ت /
٤٣٠ ه ) ، وأبو عمرو الداني ( ت / ٤٤٤ ه ) ، والبيهقي ( ت / ٤٥٨ ه ) ، والخطيب
البغدادي ( ت / ٤٦٣ ه ) ، وابن عبد البر المالكي ( ت / ٤٦٣ ه ) ، والديلمي ( ت /
٥٠٩ ه ) ، والبغوي ( ت / ٥١٠ أو ٥١٦ ه ) ، والقاضي عياض ( ت / ٥٤٤ ه ) ، والخوارزمي
الحنفي ( ت / ٥٦٨ ه ) ، وابن عساكر ( ت / ٥٧١ ه ) ، وابن الجوزي ( ت / ٥٩٧ ه )
، وابن الأثير الجزري ( ت / ٦٠٦ ه ) ، وابن العربي ( ت / ٦٣٨ ه ) ، ومحمد بن
طلحة الشافعي ( ت / ٦٥٢ ه ) ، والعلاّمة سبط ابن الجوزي ( ت / ٦٥٤ ه ) ، وابن
أبي الحديد المعتزلي الحنفي ( ت / ٦٥٥ ه ) ، والمنذري ( ت / ٦٥٦ ه ) ، والكنجي
الشافعي ( ت / ٦٥٨ ه ) ، والقرطبي المالكي ( ت / ٦٧١ ه ) ، وابن خلكان ( ت / ٦٨١
ه ) ، ومحب الدين الطبري ( ت / ٦٩٤ ه ) ، والعلاّمة ابن منظور ( ت / ٧١١ ه ) ( في
مادة هدِيَ من لسان العرب ) ، وابن تيمية ( ت / ٧٢٨ ه ) ، والجويني الشافعي ( ت /
٧٣٠ ه ) ، وعلاء الدين بن بلبان ( ت / ٧٣٩ ه ) ، وولي الدين التبريزي ( ت / بعد
سنة ٧٤١ ه ) ، والمزي ( ت / ٧٣٩ ه ) ، والذهبي ( ت / ٧٤٨ ه ) ، وابن الوردي ( ت
/ ٧٤٩ ه ) ، والزرندي الحنفي ( ت / ٧٥٠ ه ) ، وابن قيم الجوزية ( ت / ٧٥١ ه ) ،
وابن كثير ( ت / ٧٧٤ ه ) ، وسعد الدين التفتازاني ( ت / ٧٩٣ ه ) ، ونور الدين
الهيثمي ( ت / ٨٠٧ ه ) ، وابن خلدون المغربي ( ت / ٨٠٨ ه ) الذي صحح أربعة
أحاديث من أحاديث المهدي على الرغم من موقفه المعروف والذي سيأتيك بيانه في الفصل
الثالث ، والشيخ محمد الجزري الدمشقي الشافعي ( ت / ٨٣٣ ه ) ، وأبو بكر البوصيري
( ت / ٨٤٠ ه ) ،
وابن حجر العسقلاني
( ت / ٨٥٢ ه ) ، والسخاوي ( ت / ٩٠٢ ه ) ، والسيوطي ( ت / ٩١١ ه ) ، والشعراني
( ت / ٩٧٣ ه ) ، وابن حجر الهيتمي ( ت / ٩٧٤ ه ) ، والمتقي الهندي ( ت / ٩٧٥ ه )
إلى غير ذلك من المتأخرين كالشيخ مرعي الحنبلي ( ت / ١٠٣٣ ه ) ، ومحمد رسول البرزنجي
( ت / ١١٠٣ ه ) ، والزرقاني ( ت / ١١٢٢ ه ) ، ومحمد بن قاسم الفقيه المالكي ( ت /
١١٨٢ ه ) ، وأبي العلاء العراقي المغربي ( ت / ١١٨٣ ه ) ، والسفاريني الحنبلي ( ت
/ ١١٨٨ ه ) ، والزبيدي الحنفي ( ت / ١٢٠٥ ه ) في كتاب ( تاج العروس ) مادة : هَدِي
، والشيخ الصبّان ( ت / ١٢٠٦ ه ) ، ومحمد أمين السويدي ( ت / ١٢٤٦ ه ) ، والشوكاني
( ت / ١٢٥٠ ه ) ، ومؤمن الشبلنجي ( ت / ١٢٩١ ه ) ، وأحمد زيني دحلان الفقيه
والمحدث الشافعي ( ت / ١٣٠٤ ه ) ، والسيد محمد صديق القنوجي البخاري ( ت / ١٣٠٧ ه
) ، وشهاب الدين الحلواني الشافعي ( ت / ١٣٠٨ ه ) ، وأبي البركات الآلوسي الحنفي
( ت / ١٣١٧ ه ) ، وأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ( ت / ١٣٢٩ ه ) ، والكتاني
المالكي ( ت / ١٣٤٥ ه ) ، والمباركفوري ( ت / ١٣٥٣ ه ) ، والشيخ منصور علي ناصف
( ت / بعد سنة ١٣٧١ ه ) ، والشيخ محمد الخضر حسين المصري ( ت / ١٣٧٧ ه ) ، وأبي
الفيض الغماري الشافعي ( ت / ١٣٨٠ ه ) ، وفقيه القصيم بنجد الشيخ محمد بن عبد
العزيز المانع ( ت / ١٣٨٥ ه ) ، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي ( ت / ١٣٨٨ ه ) ، وأبي
الاعلى المودودي ، وناصر الدين الالباني إلى ما شاء الله من المعاصرين ، واذا ما اضفنا
اليهم أعلام المفسرين من أهل السنة أيضاً كما تقدمت الاشارة إلى بعضهم فلك ان تقدر
حجم الاتفاق على رواية احاديث المهدي ، والاحتجاج بها.
واما عن أعلام الشيعة ومحدثيهم ومفسريهم
الذين أوردوا أحاديث
المهدي 7 فقد يسمج التعرض لبيان اسمائهم ؛ لكون
الايمان المطلق بظهور المهدي 7
عندهم من أصول عقائدهم.
ثانياً : من روى
أحاديث المهدي من الصحابة :
إنّ الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي
عن رسول الله 6
أو الذين كانت أحاديثهم موقوفة عليهم ولها حكم الرفع إلى النبي 6 ـ إذ لا يعقل اجتهادهم في مثل هذا ـ كثيرون
جداً ، ولو ثبت النقل عن عُشرهم لثبت التواتر بلا شك ولا شبهة ، ـ كما في مصادر
أهل السنة وحدهم ـ وهم :
فاطمة الزهراء 3 ( ت / ١١ ه ) ، ومعاذ بن جبل ( ت / ١٨
ه ) ، وقتادة بن النعمان ( ت / ٢٣ ه ) ، وعمر بن الخطاب ( ت / ٢٣ ه ) ، وأبو ذر
الغفاري ( ت / ٣٢ ه ) ، وعبدالرحمن بن عوف ( ت / ٣٢ ه ) ، وعبدالله بن مسعود ( ت
/ ٣٢ ه ) ، والعباس بن عبد المطلب ( ت / ٣٢ ه ) ، وعثمان بن عفان ( ت / ٣٥ ه )
، وسلمان الفارسي ( ت / ٣٥ أو ٣٦ ه ) ، وطلحة بن عبدالله ( ت / ٣٦ ه ) ، وحذيفة
بن اليمان ( ت / ٣٦ ه ) ، وعمار بن ياسر ( استشهد سنة / ٣٧ ه ) ، والإمام علي 7 ( استشهد سنة / ٤٠ ه ) ، والإمام الحسن
السبط 7 ( ت / ٥٠ ه
) ، وتميم الداري ( ت / ٥٠ ه ) ، وعبدالرحمن بن سمرة ( ت / ٥٠ ه ) ، ومجمع بن
جارية ( ت / ٥٠ ه ) ، وعمران بن حصين ( ت / ٥٢ ه ) ، وأبو أيوب الانصاري ( ت / ٥٢
ه ) ، وثوبان مولى النبي 6
( ت / ٥٤ ه ) ، وعائشة ( ت / ٨٥ ه ) ، وأبو هريرة ( ت / ٥٩ ه ) ، والإمام الحسين
السبط الشهيد 7
( استشهد سنة ٦١ ه ) ، وأم سلمة ( ت / ٦٢ ه ) ، وعلقمة بن قيس بن عبدالله ( ت /
٦٢ ه ) ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ( ت / ٦٥ ه ) ، وعبدالله بن عمرو ابن العاص
( ت / ٦٥ ه ) ، وعبدالله بن عباس ( ت / ٦٨ ه ) ، وزيد بن أرقم ( ت / ٦٨ ه ) ، وعوف
بن مالك ( ت / ٧٣ ه ) ، وأبو سعيد الخدري ( ت / ٧٤ ه ) ، وجابر بن سمرة ( ت / ٤٧
ه ) ، وجابر بن عبدالله الانصاري ( ت / ٧٨ ه ) ، وعبدالله بن جعفر الطيار ( ت /
٨٠ ه ) ، وأبو أمامة الباهلي ( ت / ٨١ ه ) ، وبشر بن المنذر بن
الجارود ( ت / ٨٣ ه
) وقد اختلفوا فيه فقيل الراوي هو جده الجارود بن عمرو ( ت / ٢٠ ه ) ، وعبدالله
بن الحارث ابن جزء الزبيدي ( ت / ٨٦ ه ) ، وسهل بن سعد الساعدي ( ت / ٩١ ه ) ، وانس
بن مالك ( ت / ٩٣ ه ) ، وأبو الطفيل ( ت / ١٠٠ ه وقيل غير ذلك ). وغيرهم ممن لم
اقف على تاريخ وفياتهم كأُم حبيبة ، وأبي الجحّاف ، وأبي سلمى راعي رسول الله 6 ، وأبي ليلى ، وأبي وائل ، وحذيفة بن
اسيد ، والحرث بن الربيع ، وأبي قتادة الأنصاري ، وزر بن عبدالله ، وزرارة بن
عبدالله ، وعبدالله بن أبي أوفى ، والعلاء ، وعلقمة بن قيس ( ت / ٦٢ ه ) ، وعلي
الهلالي ، وقرة بن أياس.
ثالثاً : طرق أحاديث
المهدي في كتب السنة إجمالاً :
لقد أجاد وأفاد الاستاذ الازهري السيد
أحمد بن محمد بن الصديق ، أبو الفيض الغماري الحسني الشافعي المغربي ( ت / ١٣٨٠ ه
) في كتابه الرائع : ( إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ) حيث أثبت فيه
تواتر أحاديث الإمام المهدي 7
بما لم يسبقه أحد إليه من قبل ، وذلك تفنيداً لتضعيفات ابن خلدون التي تذرع بها
بعض معاصريه كأحمد أمين المصري ومحمد فريد وجدي وغيرهما. ولا بأس هنا بإطلالة
قصيرة على ما ذكره من طرق أحاديث المهدي في كتب أهل السنّة التي فصّلت في هذا
الكتاب تفصيلاً يعبّر عن مقدرة فائقة في تتبع طرق وأسانيد أحاديث الإمام المهدي
ابتداءً من طبقة الصحابة ثمّ التابعين ثمّ تابعي التابعين وصولاً إلى من أخرج هذه الأحاديث
من المحدثين.
قال أبو الفيض : « ولا يخفى أن العادة
قاضية باستحالة تواطؤ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفساً فأزيد في جميع الطبقات ، وذلك
فيما بلغنا وأمكننا الوقوف عليه في الحال ، فقد وجدنا خبر المهدي وارداً من حديث
أبي سعيد الخدري ، وعبدالله بن مسعود ، وعلي بن أبي طالب ،
وأُم سلمة ، وثوبان ،
وعبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك ، وجابر بن
عبدالله الانصاري ، وقرة بن أياس المزني ، وابن عباس ، وأُم حبيبة ، وأبي اُمامة ،
وعبدالله بن عمرو بن العاص ، وعمار بن ياسر ، والعباس بن عبد المطلب ، والحسين بن
علي ، وتميم الداري ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، وطلحة ، وعلي
الهلالي ، وعمران بن حصين ، وعمرو بن مرة الجهني ومعاذ بن جبل ، ومن مرسل شهر بن
حوشب ، وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من
قبيل المرفوع.
ولو تتبعنا ذلك لذكرنا منه عدداً وافراً
، ولكن في المرفوع منه الكفاية » .
أقول : إنما ذكرت هذا لكي يعلم بأن
مافات السيد أبا الفيض الغماري من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث الإمام المهدي
هو أكثر مما ذكره ، فقد ذكر ستة وعشرين صحابياً مع شهر بن حوشب ، ولم يذكر ثمانية
وعشرين صحابياً وهم :
أبو أيوب الانصاري ، وأبو الجحّاف ، وأبو
ذر الغفاري ، وأبو سلمى راعي رسول الله 6
، وأبو وائل ، وجابر بن سمرة ، والجارود بن المنذر العبدي ، وحذيفة بن اسيد ، وحذيفة
بن اليمان ، والحرث بن الربيع ، والإمام السبط الحسن 7
، وزر بن عبدالله ، وزرارة بن عبدالله ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وسعد بن
مالك أبو سعيد الخدري ، وسلمان
__________________
الفارسي ، وسهل بن
سعد الساعدي ، وعبدالرحمن بن سمرة ، وعبدالله ابن أبي أوفى ، وعبدالله بن جعفر
الطيار ، وعثمان بن عفان ، والعلاء بن شبر المزني ، وعلقمة بن قيس بن عبدالله ، وعمر
بن الخطاب ، وعوف بن مالك ، ومجمع بن جارية ، ومعاذ بن جبل وهو من أوائل الصحابة
الذين رووا أحاديث المهدي 7
فقد مات معاذ سنة ١٨ ه .
وعلى أية حال ، فقد تتبع أبو الفيض
الغماري الشافعي أحاديث المهدي المروية عن أكثر من ثلاثين صحابياً ، مبيناً من
رواها عنهم ومن أخرجها من المحدثين بكل دقة وتفصيل.
وسوف نقتصر على ما قاله عن حديث أبي
سعيد الخدري وحده ، وهو أول صحابي ذكره أبو الفيض ، وقس عليه أحاديث الصحابة
الآخرين.
قال :
«
أما حديث أبي سعيد الخدري : فورد عنه من طريق :
أبي
نظرة.
وأبي
الصدّيق الناجي.
والحسن
بن يزيد السعدي.
أما
طريق أبي نظرة :
فأخرجه أبو داود والحاكم كلاهما من
رواية عمران القطان ، عنه. وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد ، ومن رواية
داود بن أبي هند كلاهما ، عنه. لكن وقع في صحيح مسلم ذكره بالوصف لا بالاسم كما
سيأتي.
__________________
وأما طريق أبي الصدّيق
الناجي ، عن أبي سعيد :
فأخرجه عبد الرزاق والحاكم من رواية
معاوية بن قرّه ، عنه. وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمي
، عنه. وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الاعرابي ، عنه. وأخرجه
الحاكم من رواية سليمان بن عبيد ، عنه. وأخرجه أحمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان
، وأبي هارون العبدي كلاهما ، عنه. وأخرجه أحمد أيضاً من رواية مطر بن طهمان وحده
، عنه. وأخرجه أيضاً من رواية العلاء بن بشير المزني ، عنه ، وأخرجه أيضاً من
رواية مطرف ، عنه.
وأما طريق الحسن بن يزيد :
فأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية أبي
واصل عبد بن حميد ، عن أبي الصديق الناجي ، عنه » .
أقول : لو رجعت إلى تاريخ ابن خلدون
لوجدته لم يعرف أغلب هذه الطرق إذ لم يذكر من طرق حديث أبي سعيد إلاّ القليل ، فضلاً
عما تركه من أحاديث الصحابة الآخرين.
ولا يخفى أنّ القدر المشترك في جميع هذه
الطرق إلى حديث أبي سعيد الخدري فقط دون سواه هو ظهور الإمام المهدي 7 في آخر الزمان ، ولاشك أن النظر إلى
جميع الطرق التي وردت بها أحاديث المهدي عن جميع الصحابة يقطع بتواتر ما بشّر به
النبي 6 ، بل حتى لو
افترضنا وجود طريق واحد فقط لكل صحابي ذُكر فهو يكفي للإذعان بالتواتر ، وقد مرّ
أنّ عددهم يزيد على الخمسين صحابياً.
__________________
رابعاً : صحة أحاديث
المهدي :
سنذكر في هذه الفقرة بعض من صرح بصحة
أحاديث المهدي 7
من أعلام أهل السنة حسبما وقفنا عليه في مؤلفاتهم ، على انه ليس هدفنا الاستقصاء
بل اعطاء النموذج المقتدى وكما يلي :
١
ـ الإمام الترمذي ( ت / ٢٧٩ ه ) ، قال
عن ثلاثة أحاديث في الإمام المهدي : « هذا حديث حسن صحيح » .
وقال عن حديث رابع : « هذا حديث حسن » .
٢
ـ الحافظ أبو جعفر العقيلي ( ت / ٣٢٢ ه
) ، أورد حديثاً ضعيفاً في الإمام المهدي ثم قال : « وفي المهدي أحاديث جياد من
غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ » .
٣
ـ الحاكم النيسابوري ( ت / ٤٠٥ ه ) ، قال
عن أربعة أحاديث : « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه » .
وعن ثلاثة أحاديث : « هذا حديث صحيح
الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ».
وعن ثمانية أحاديث : « هذا حديث صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه ».
٤
ـ الإمام البيهقي ( ت / ٤٥٨ ه ) ، قال
: « والاحاديث على خروج
__________________
المهدي أصح إسناداً
» .
٥
ـ الإمام البغوي ( ت / ٥١٠ ه أو
٥١٦ ه ) ، أخرج حديثاً في المهدي في فصل الصحاح وخمسة أحاديث فيه أيضاً في فصل الحسان
من كتابه مصابيح السنة .
٦
ـ ابن الأثير ( ت / ٦٠٦ ه ) ، قال
في النهاية في مادة ( هدا ) : « ومنه الحديث : سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، المهدي
: الذي هداه الله إلى الحق وقد استعمل في الاسماء حتى صار كالاسماء الغالبة ، وبه
سمي المهدي الذي بشر به رسول الله 6
، انه يجيء في آخر الزمان »
، وهذا القول لايصدر إلاّ عمن يرى صحة أحاديث المهدي بل تواترها على الأصح.
٧
ـ القرطبي المالكي ( ت / ٦٧١ ه ) ، وهو
من القائلين بالتواتر.
وما يهمنا هنا انه قال عن حديث ابن ماجة
في المهدي : « اسناده صحيح »
مصرحاً بأنّ حديث : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة » هو أصح من حديث محمد بن خالد
الجندي
الذي سنناقشه فيما بعد.
٨
ـ ابن تيمية ( ت / ٧٢٨ ه ) ، قال
في منهاج السنة : « إن الاحاديث التي يحتج بها ـ يعني : العلاّمة الحلي ـ على خروج
المهدي ، أحاديث صحيحة » .
٩
ـ الحافظ الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه ) ، سكت
عن جميع ما صححه الحاكم
__________________
في مستدركه من
أحاديث المهدي مصرحاً بصحة حديثين
، وردّه على بعض ما صححه الحاكم من أحاديث في الفضائل ونحوها دليل على ان سكوته
ازاء ما صححه الحاكم معبر عن موافقته على ذلك التصحيح.
١٠
ـ الكنجي الشافعي ( ت / ٦٥٨ ه ) ، قال
عن حديث أخرجه الترمذي وصححه في المهدي : « هذا حديث صحيح » ، وعن آخر مثله .
وقال عن حديث : ( المهدي منّي أجلى
الجبهة ) : « هذا الحديث ثابت حسن صحيح » .
وقال عن حديث : ( المهدي حق وهو من ولد
فاطمة ) : « هذا حديث حسن صحيح » .
١١
ـ الحافظ ابن القيّم ( ت / ٧٥١ ه ) ، اعترف
بحسن بعض أحاديث المهدي وصحة بعضها الآخر بعد أن أورد جملة منها ، وابن القيم من القائلين بالتواتر كما
سيأتي.
١٢
ـ ابن كثير ( ت / ٧٧٤ ه ) ، قال
عن سند حديث في المهدي : « وهذا اسناد قوي صحيح » ، ثم نقل حديثاً عن ابن ماجة وقال : «
وهذا حديث حسن ، وقد روي من غير وجه عن النبي 6
» .
١٣
ـ التفتازاني ( ت / ٧٩٣ ه ) ، قال
عن خروج المهدي في آخر الزمان :
__________________
« وقد ورد في هذا
الباب أخبار صحاح » .
١٤
ـ نور الدين الهيثمي ( ت / ٨٠٧ ه ) ، أورد
جملة من الأحاديث في المهدي واعترف بصحتها ووثاقة رواتها.
فقال عن أحدها : « قلت : رواه الترمذي
وغيره باختصار كثير ، ورواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار كثير. ورجالهما ثقات
» .
وقال عن آخر : « رواه الطبراني في
الاوسط ، ورجاله رجال الصحيح » .
وقال عن ثالث : « ورجاله ثقات » .
وقال عن رابع : « رواه البزار ورجاله
رجال الصحيح » .
وقال عن خامس : « رواه الطبراني في الأوسط
، ورجاله ثقات » .
١٥
ـ السيوطي ( ت / ٩١١ ه ) ، رمز لبعض الاحاديث
الواردة في المهدي بعلامة ( صح )
أي : صحيح ، ولبعضها الآخر بعلامة (ح)
أي : حسن.
١٦
ـ الشوكاني ( ت / ١٢٥٠ ه ) ، نقل
عنه القنوجي في الاذاعة قوله بصحة أحاديث الإمام المهدي بل وتواترها أيضاً ، وقد
مرّ انه ألّف رسالة في تواتر أحاديث الإمام المهدي 7.
١٧
ـ ناصر الدين الالباني : قال في مقال له
بعنوان ( حول المهدي )
__________________
ما نصه : « أما
مسألة المهدي فليعلم أنّ في خروجه أحاديث صحيحة ، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة »
، على أن الاَلباني من المصرحين بالتواتر أيضاً .
ونكتفي بهذا القدر للاختصار على ان بعض
الباحثين قد أوصل اعترافات العلماء والمحققين بصحة أحاديث المهدي إلى أكثر من ستين
اعترافاً .
خامساً : تصريح
العلماء بتواتر أحاديث المهدي :
صرّح علماء الدراية وجملة من ذوي
الاختصاص بعلوم الحديث دراسة وتدريساً بتواتر أحاديث المهدي الواردة في كتب أهل
السنة من الصحاح والمسانيد وغيرها ، وبالنظر لكثرتهم سوف نقتصر على ذكر بعضهم ، وهم
:
١
ـ البربهاري شيخ الحنابلة
وكبيرهم في عصره ( ت / ٣٢٩ ه ) : نقل عنه الشيخ حمود التويجري في كتابه : الاحتجاج
بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر ص ٢٨ انه قال في كتابه ( شرح السنة ) : «
الإيمان بنزول عيسى بن مريم 7
: ينزل .. ويصلي خلف القائم من آل محمد 6
» ولا يخفى ان ( الايمان ) يعني : الاعتقاد ، والاعتقاد لا يبنى على خبر الآحاد.
٢
ـ محمد بن الحسين الآبري الشافعي
( ت / ٣٦٣ ه ). قال في كتابه مناقب الشافعي : « قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة
رواتها عن المصطفى 6
بمجيء المهدي ، وأنه من أهل بيته صلى
__________________
الله عليه وسلم وانه
يملك سبع سنين وانه يملأ الارض عدلاً ، وانه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال ».
وقد نقل هذا عنه القرطبي المالكي في
التذكرة : ٧٠١ والمزي في تهذيب الكمال ٢٥ : ١٤٦ / ٥١٨١ في ترجمة محمد بن خالد
الجندي ، وابن القيم في المنار المنيف : ١٤٢ / ٣٢٧ وغيرهم.
٣
ـ القرطبي المالكي ( ت / ٧١٦ ه ) ، نقل
قول الآبري المتقدم وأيّده بتصحيح ما أورده من أحاديث المهدي واحتج بقول الإمام الحافظ
الحاكم النيسابوري : « والاحاديث عن النبي 6
في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ، ثابتة » .
وقال في تفسيره ( الجامع لاحكام القرآن )
في تفسير الآية ٣٣ من سورة التوبة : « الاخبار الصحاح قد تواترت على ان المهدي من
عترة الرسول 6 » .
٤
ـ الحافظ المتقن جمال الدين المزي
( ت / ٧٤٢ ه ) ، احتج بقول الآبري المتقدم في تواتر أحاديث الإمام المهدي ولم
يتعرض له بشيء ، بل أطلقه إطلاق المسلّمات .
٥
ـ ابن القيم ( ت / ٧٥١ ه ) ، أيّد
قول الآبري أيضاً وذلك بتقسيم أحاديث الإمام المهدي إلى أربعة أقسام : الصحاح ، والحسان
، والغرائب ، والموضوعة
، ولا يخفى بأن مجموع الصحاح والحسان مما يبلغ التواتر لكثرته واستفاضته.
٦
ـ ابن حجر العسقلاني ( ت / ٨٥٢ ه ) ، نقل
القول بالتواتر عن
__________________
غيره ، وأيّده بقوله : « وفي صلاة عيسى 7 خلف رجل من هذه الأمّة ـ مع كونه في
آخر الزمان وقرب قيام الساعة ـ دلالة للصحيح من الأقوال : إن الأرض لا تخلو من
قائم لله بحجة » .
٧
ـ شمس الدين السخاوي ( ت / ٩٠٢ ه ) ، صرح
غير واحد من العلماء بأنَّ السخاوي من المصرّحين بتواتر أحاديث المهدي ، منهم : العلاّمة
الشيخ محمد العربي الفاسي في كتابه المقاصد ، والمحقق أبو زيد عبدالرحمن بن عبد
القادر الفاسي في مبهج القاصد ، على ما نقله عنهما أبو الفيض الغماري .
ومنهم أبو عبدالله محمد بن جعفر الكتاني
( ت / ١٣٤٥ ه ) في نظم المتناثر من الحديث المتواتر : ٢٢٦ / ٢٨٩.
٨
ـ السيوطي ( ت / ٩١١ ه ) ، صرح بتواتر أحاديث
المهدي في الفوائد المتكاثرة في الاحاديث المتواترة ، وفي أختصاره المسمى بالازهار
المتناثرة ، وغيرها من كتبه على حد تعبير السيد الغماري الشافعي .
٩
ـ ابن حجر الهيتمي ( ت / ٩٧٤ ه ) ، دافع
عن عقيدة المسلمين بظهور الإمام المهدي كثيراً مصرحاً بتواترها .
١٠
ـ المتقي الهندي ( ت / ٩٧٥ ه ) ، مؤلف
كنز العمال ، دافع المتقي الهندي عن عقيدة الإمام المهدي 7 دفاعاً مدعوماً بالحجة والبرهان وذلك
في كتابه : البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.
ولعل أهم ما في هذا الكتاب هو الفتاوى الاربع
المذكورة فيه
__________________
بخصوص من أنكر ظهور
المهدي وهي : فتوى ابن حجر الهيتمي الشافعي ، وفتوى الشيخ أحمد أبي السرور بن
الصبا الحنفي ، وفتوى الشيخ محمد بن محمد الخطابي المالكي ، وفتوى الشيخ يحيى بن
محمد الحنبلي.
وقد نصَّ المتقي على أن هؤلاء هم علماء
أهل مكة وفقهاء المسلمين على المذاهب الأربعة ، ومن راجع فتاواهم عَلِمَ علم
اليقين أنهم متفقون على تواتر أحاديث المهدي ، وأن منكرها يجب أن ينال جزاءه ، وصرّحوا
: بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلى الحق على رغم أنفه ـ على حد تعبيرهم ـ
وإلاّ فيهدر دمه .
١١
ـ محمد رسول البرزنجي ( ت / ١١٠٣ ه ) ، صرح
بتواتر أحاديث المهدي فقال : « أحاديث وجود المهدي ، وخروجه آخر الزمان ، وأنه من
عترة رسول الله 6
، ومن ولد فاطمة رضي الله عنها. بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لإنكارها » .
١٢
ـ الشيخ محمد بن قاسم بن محمد جسوس
( ت / ١١٨٢ ه ) ، نقل الكتاني في نظم المتناثر تصريحه بالتواتر .
١٣
ـ أبو العلاء العراقي الفاسي ( ت / ١١٨٣
ه ) ، له تأليف في الإمام المهدي ، وقد نقل في نظم المتناثر تصريحه بالتواتر .
١٤
ـ الشيخ السفاريني الحنبلي ( ت / ١١٨٨
ه ) ، نقل القنوجي عنه أنه من القائلين بتواتر أحاديث المهدي في كتابه اللوائح .
__________________
١٥
ـ الشيخ محمد بن علي الصبان ( ت / ١٢٠٦
ه ) ، نقل القول بالتواتر عن ابن حجر في الصواعق وغيره. واحتج به ولم يتعقبه بشيء
فدل على أنه قوله أيضاً .
١٦
ـ الشوكاني ( ت / ١٢٥٠ ه ) ، ويكفي
لاثبات قوله بتواتر أحاديث المهدي كتابه الشهير ( التوضيح في تواتر ما جاء في
المنتظر والدجال والمسيح ).
١٧
ـ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي
( ت / ١٢٩١ ه ) ، صرح بتواتر أخبار المهدي مؤكداً على انه من أهل البيت : .
١٨
ـ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية (
ت / ١٣٠٤ ه ) ، وصف أحاديث المهدي بالكَثْرَة وقال : ( وكثرة مخرجيها يقوي بعضها
بعضاً حتى صارت تفيد القطع ) ولا يخفى أن درجة القطع في الأخبار تحصل بالتواتر .
١٩
ـ السيد محمد صديق حسن القنوجي البخاري
( ت / ١٣٠٧ ه ) ، قال عن أحاديث المهدي 7
: « والاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر » .
٢٠
ـ أبو عبدالله محمد بن جعفر الكتاني المالكي
( ت / ١٣٤٥ ه ) ، نقل القول بالتواتر عن جملة ممن ذكرناهم إلى ان قال : « والحاصل
: ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة » .
إلى غير هؤلاء مما لايتّسع هذا البحث
المختصر لإيراد أقوالهم كلّهم
__________________
وقد تتبعهم بعض
الباحثين ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى الوقت الحاضر .
وهنا لابدّ من تسجيل كلمة مهمة للاستاذ
بديع الزمان سعيد النورسي ـ وهو من أفاضل علماء أهل السنة في أوائل القرن الرابع
عشر الهجري ـ قال : « ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقى إلى شرف
آل البيت ومنزلتهم ، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتفاق قبيلة آل البيت ، وليس
فيها مجتمع أو جماعة منورة أنور من مجتمع آل البيت وجماعتهم.
نعم. إنَّ آل البيت الذين غُذّوا بروح
الحقيقة القرآنية ، وارتضعوا من منبعها ، وتنوّروا بنور الايمان وشرف الاسلام ، فعرجوا
إلى الكمالات ، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ ، وقدّموا اُلوف القُوَّاد المعنويين
لقيادة الأمّة ؛ لابد أنهم يُظهِرون للدنيا العدالة التامة لقائدهم الاعظم المهدي
الاكبر ، وحقانيته بإحياء الشريعة المحمدية ، والحقيقة الفرقانية ، والسنّة
الاَحمدية ، وتطبيقها ، وإجراءاتها.
وهذا الأمر في غاية المعقولية فضلاً عن
أنّه في غاية اللزوم والضرورة ، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعية » .
__________________
الفصل الثاني
من
هو الإمام المهدي ؟
اتضح من خلال ما تقدم اتفاق المسلمين
على الايمان بظهور الإمام المهدي المبشر به في الاخبار المتواترة عن النبي 6 ، وهنا لابدّ للمسلم ان يسأل نفسه
ويقول :
إذا كانت أخبار المهدي المبشر بظهوره في
آخر الزمان بهذه الدرجة والوضوح عند علماء الإسلام حتى قطعوا بصحتها ، وصرّحوا
بتواترها ، فلماذا اختلفت بعض الروايات الواردة في نسب المهدي ، وربما وصل بعضها
إلى درجة التناقض والتضاد ؟ ومِن ثم ، فمن هو الإمام المهدي ؟ وهل يمكننا ـ في خضم
هذه الاختلافات ـ تشخيصه ، بحيث لا تكون هناك أدنى شبهة في صرف لقب ( المهدي ) عن
مسمّاه في الواقع ؟
وللاجابة عن ذلك لابدّ من بيان نوعية
المعوقات التي تعترض البعض في تشخيص نسب الإمام المهدي على الرغم من اعتقاده
بظهوره في آخر الزمان ، ولكن يجب التأكيد ـ قبل بيان تلك المعوقات ـ على أن من
يعتقد بظهور الإمام المهدي بنحو قاطع ، ولم يتعين له من هو المهدي على طبق الواقع
، فمثله كمثل من يعلم يقينا بوجوب الصلاة ولكنه يجهل أركانها ، ومن كان كذلك فهو
لا يسمى مصلِّيا ، فكذلك الحال في من ينتظر مهديّاً لا يعرفه ، كما سنبرهن عليه.
وعلى أية حال فإن علاج أية مسألة تعترض
تشخيص نسب المهدي قد تكفل بها هذا الفصل ، واذا ما واصل القارئ العزيز الشوط معنا
إلى آخره ، سيدرك قسطاً وافراً من الاجابة عن سؤال : من هو المهدي
الموعود المنتظر ؟
ونعاهده بأننا سنتجرد عن قناعاتنا السابقة حتى لا تكون حاكمة على الدليل ما دام
الهدف هو الوصول إلى الحق سواء كان الحق معنا أو علينا ، والعاقل هو من لم يكن
بينه وبين الحق عداء ، وإن تأمّل في كلامنا هذا فإنه سيشهد لنا بالصدق على ما
نقوله في علاج معوقات التشخيص الحديثية في المباحث التالية :
ونعني بمعوقات التشخيص الحديثية : هي
تلك الاحاديث التي تبدو متضاربة بعضها ببعض ، مما قد يصعب على كثير من الناس ـ
لاسيما اُولئك الذين ليسوا على اتصال مباشر بعلوم الحديث الشريف ـ معالجتها ، مما
يُسهّل ـ إلى حد بعيد ـ وقوع ضعيف الإيمان منهم في شراك اللامهدويين سواء كانوا من
المتسمّين بالإسلام أو من المعلنين العداء لهذا الدين.
أحاديث في نسب الإمام المهدي
الاحاديث الصحيحة الواردة في بيان نسب
الإمام المهدي 7
على طوائف وجميعها مؤتلفة غير مختلفة ، ولا تشكّل عائقاً في تشخيص نسب الإمام المهدي
كما سيتضح من دراستها على النحو الآتي :
المهدي : كناني ، قرشي
، هاشمي :
أورد المقدسي الشافعي في عقد الدرر ، ومثله
الحاكم في المستدرك حديثاً ينسب الإمام المهدي إلى كنانة ، ثم إلى قريش ، ثم إلى
بني هاشم ، وهو من رواية قتادة عن سعيد بن المسيب ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : «
المهدي حقّ ؟ قال : حقّ.
قلت : ممّن ؟ قال : من كنانة.
قلت : ثمّ ممّن ؟ قال : من قريش.
قلت : ثمّ ممّن ؟ قال : من بني هاشم ...
الحديث ».
ثم قال : أخرجه الإمام أبو عمر عثمان بن
سعيد المقري في سننه.
وأورده بلفظ آخر قريب من الأول عن قتادة
عن سعيد بن المسيب أيضاً.
وقال : أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن
جعفر المنادي ، وأخرجه الإمام أبو عبدالله نعيم بن حماد .
وقد يُتصور أن الحديث يتناقض مع نفسه !
إذ جمع في نسب الإمام المهدي أنه من كنانة تارة ، ومن قريش أُخرى ، ومن بني هاشم
ثالثة.
والجواب : لا فرق في ذلك كلّه ، فإن كل
هاشمي هو من قريش ، وكل قرشي هو من كنانة لأن قريش هو النضر بن كنانة باتفاق أهل
الانساب.
حديث المهدي من
أولاد عبد المطلب :
وهو ما رواه ابن ماجة وغيره بالاسناد عن
أنس بن مالك قال : « قال رسول الله 6
: نحن ولد
عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي
» .
وأورده في عقد الدرر بلفظ : « نحن سبعة بنو عبد
المطلب سادات أهل الجنة : أنا ، وأخي علي ، وعمي حمزة ، وجعفر ، والحسن ، والحسين
، والمهدي » ثم قال : أخرجه
جماعة من أئمة الحديث في
__________________
كتبهم ، منهم :
الإمام أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه ، وأبو القاسم الطبراني
في معجمه ، والحافظ أبو نعيم الاصبهاني وغيرهم .
وهذا الحديث لا يعارض ما تقدم بل يقيّد ما قبله ، إذ لاخلاف في كون عبد المطلب
جد النبي 6 ابناً لهاشم
، فأبناء عبد المطلب هاشميون بالضرورة. فالمهدي اذن من أولاد عبد المطلب بن هاشم
القرشي الكناني.
حديث المهدي من ولد
أبي طالب :
وهذا الحديث أخرجه الشيخ المفيد في
الارشاد ، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر ، وقال : أخرجه نعيم بن حماد في كتاب
الفتن. والحديث من رواية سيف بن عميرة قال : كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي
ابتداءً : « يا سيف بن عميرة ، لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد
أبي طالب ، فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا ؟ قال : أي والذي نفسي بيدهِ
لسماع أُذُني له. فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا
! فقال : يا سيف إنّه لَحَقٌّ ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه ، أمَا إنَّ النداء
إلى رجل من بني عمّنا. فقلت : رجل من ولد فاطمة ؟ فقال : نعم يا سيف ، لولا أنني
سمعت من أبي جعفر محمد بن علي يحدّثني به ، وحدّثني به أهل الأرض كلهم ما
__________________
قبلته منهم ، ولكنه
محمد بن علي » .
وهذا الحديث يقيّد ما قبله أيضاً لأن كل
من انتسب إلى أبي طالب بالولادة لا شك في انتسابه إلى أبيه عبد المطلب.
وبغض النظر عن التصريح الوارد في هذا
الحديث بكون المهدي من أولاد فاطمة 3
ـ لما سنبحثه بطائفة أخرى من الاحاديث ـ ستكون النتيجة إلى هنا هو أن المهدي
المبشر بظهوره في آخر الزمان إنّما هو من أولاد أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم
القرشي الكناني.
أحاديث ( المهدي من
ولد العباس ) :
لا شكَّ ان هذه الطائفة من الاحاديث
تشكل عائقاً في تشخيص نسب المهدي بدقة ؛ لأن أولاد العباس غير أولاد أبي طالب ، ولهذا
لابدّ من دراسة هذه الطائفة من الاحاديث ، فنقول :
يمكن تقسيم الاحاديث الواردة في هذا
الشأن إلى قسمين وهما :
أولاً : الأحاديث
المجملة في هذا المعنى :
وهي منحصرة بأحاديث الرايات ، منها : ما
أخرجه أحمد في مسنده ، عن ثوبان عن رسول الله 6
انه قال : « اذا
رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج ، فان فيها
خليفة الله المهدي » وقريب منه حديث ابن ماجة في سننه .
كما روى الترمذي بسنده ، عن أبي هريرة ،
عن رسول الله 6
انه قال : « تخرج من
خراسان رايات سود ، فلا يردها شيء حتى تنصب
__________________
بإيلياء
» .
وهذه الاحاديث وان لم يصرح فيها بكون
المهدي من ولد العباس لكنه قد يستفيد البعض منها دلالتها عليه ، بتقريب أن تلك
الرايات السود ، يحتمل ان تكون هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني من
خراسان فوطّد بها دولة بني العباس ، فتكون تلك الاحاديث ناظرة إلى المهدي العباسي !
ضعف الأحاديث
المجملة مع عدم دلالتها على نسب المهدي :
إن حديث مسند أحمد ، وسنن ابن ماجة
ضعفهما غير واحد من العلماء ، منهم ابن القيم في ( المنار المنيف ) ثم قال : «
وهذا ـ أي : حديث ابن ماجة ـ والذي قبله لم يكن فيه دليل على ان المهدي الذي تولّى
من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان » .
ومما يدل على ذلك هو ان المهدي العباسي
قد مات سنة (١٦٩ ه ) ، وقد شهد عصره تدخل النساء في شؤون دولته ، فقد ذكر الطبري
تدخل الخيزران زوجة الخليفة المهدي العباسي بشؤون دولته ، وانها استولت على زمام
الاَُمور في عهد ابنه الهادي
، ومن يكون هذا شأنه فكيف يسمى بخليفة الله في أرضه ؟!
هذا ، زيادة على أن المهدي العباسي ، بل
خلفاء بني العباس كلهم لم يكونوا في آخر الزمان ولم يحث المال حثواً أحد منهم ، ولم
يبايعوا بين الركن والمقام ، ولم يقتلوا الدجال ، ولم ينزل نبي الله عيسى 7 ليصلي خلف مهديهم ، ولم تخسف البيداء
في عهدهم ، ولم تظهر أدنى علامة
__________________
من علامات ظهور
المهدي في سائر عصورهم.
وأما عن حديث الترمذي فقد وصفه ابن كثير
بأنّه حديث غريب ثم قال : « وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم
الخراساني فاستلب بها دولة بني أُمية في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، بل رايات سود
أُخر تأتي بصحبة المهدي .. والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر
الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق » .
أقول
: لا يبعد استغلال دعاة العباسيين لمثل هذه
الاحاديث ترويجاً لأمرهم ، كما يدل عليه وضعهم لاحاديث صريحة في هذا المعنى كما
سنقف عليه في هذا البحث ، وإلاّ فمن الصعب جداً إنكار حديث الرايات السود الذي لا
يدل على أكثر من خروج الجيش المؤيد للمهدي من جهة المشرق ، لروايته بطرق كثيرة
صحّح الحاكم بعضها على شرط البخاري ومسلم .
ثانياً : الأحاديث
المصرّحة بهذا المعنى :
١
ـ حديث : « المهدي من ولد العباس عمي »
فقد أورده السيوطي في الجامع الصغير ، وقال : « حديث ضعيف » وقال المناوي الشافعي في فيض القدير : «
رواه الدارقطني في الافراد. قال ابن الجوزي : فيه محمد بن الوليد المقري ، قال ابن
عدي يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر : هو كذاب
، وقال السمهودي : ما
__________________
بعده وما قبله أصح
منه ، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد ، وضّاع » .
وضعفه السيوطي في الحاوي ، وابن حجر في
صواعقه ، والصبان في إسعافه ، وأبو الفيض في إبراز الوهم المكنون ، وأوردوا كلمات
كثيرة تصرح بوضعه .
٢
ـ حديث ابن عمر : « رجل يخرج من ولد العباس »
فقد رواه في خريدة العجائب مرسلاً عن ابن عمر وهو من الموقوف عليه وهو زيادة على إرساله المُسقِط لحجيّته
لم يصرّح فيه بالمهدي ، فالأولى إلحاقه بالقسم الأول المجمل وإن صرّح فيه باسم
العباس.
٣
ـ حديث ابن عباس عن النبي 6 انه قال لعمه العباس : « إنَّ الله ابتدأ بي الإسلام
وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم
».
فقد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه وفي
إسناده محمد بن مخلد
، وابن مخلد هذا ضعفه الذهبي وتعجّب من عدم تضعيف الخطيب لابن مخلد فقال : « رواه
عن محمد بن مخلد العطار ، فهو آفته ، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه ،
وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله » .
٤
ـ حديث أُم الفضل ، عن النبي 6 : « يا عباس اذا كانت
سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور
،
__________________
ومنهم
المهدي » وهذا الحديث أخرجه الخطيب أيضاً وابن
عساكر عن أُم الفضل .
قال الذهبي عنه : « وفي السند أحمد بن
راشد الهلالي ، عن سعيد بن خيثم ، بخبر باطل في ذكر بني العباس من رواية خيثم ، عن
حنظلة ـ إلى ان قال عن أحمد بن راشد ـ فهو الذي اختلقه بجهل » .
أقول
: اشار الذهبي بهذا إلى جهل أحمد بن راشد
في وضع الحديث لان حكم العباسيين لم يبدأ بسنة / ٥١٣ ه وإنّما بدأ حكمهم سنة / ١٣٢
ه بالاتفاق ، وهذا من علامات جهل واضعه بابتداء حكم بني العباس.
٥
ـ ونظير هذا الحديث ما أخرجه السيوطي عن ابن عباس
في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وقال : « موضوع ، المتهم به : الغلابي
» .
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية من
رواية الضحاك ، عن ابن عباس وقال : « وهذا إسناد ضعيف ، والضحاك لم يسمع من ابن
عباس شيئاً على الصحيح ، فهو منقطع » .
كما أخرجه الحاكم عن طريق آخر وقع فيه
اسماعيل بن ابراهيم المهاجر
، وقد حكى أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي ، أن اسماعيل مجمع على ضعفه ، وأباه
ليس بذلك .
__________________
هذه هي الاحاديث التي قد يغتر بها البعض
فيتصور كونها عائقاً حقيقياً أمام تشخيص نسب الإمام المهدي. وقد اتضح أن النتيجة
الاخيرة في نسب الإمام المهدي 7
وهي كونه من أولاد أبي طالب صحيحة ، لوضع أحاديث كون المهدي من ولد العباس ، مع
عدم دلالة حديث الرايات على شيء يخالف تلك النتيجة. وسوف يأتي في طوائف أحاديث
المهدي الاُخرى ما يقطع بأنّ المهدي ليس من ولد العباس جزماً.
حديث المهدي من ولد علي 7 :
ولمّا كان لأبي طالب أكثر من ولد ، فقد
وردت أحاديث عينت المراد وقيّدت هذا الاطلاق بولده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، ليكون المهدي من أولاده 7 ، وفي ذلك وردت جملة من الاخبار منها :
قول علي 7 : « هو رجل منِّي »
.
وغير خافٍ على أحد أنَّ لأمير المؤمنين 7 أكثر من ولد وتشخيص نسب المهدي بهذا
الاطلاق متعذر ، ولكنّ أمره في غاية السهولة ؛ لأن من جملة أحاديث نسب المهدي
المصرح بصحتها وتواتر نقلها هي تلك الاحاديث الناصة تارة على كون المهدي من أهل
البيت ، وأُخرى : على أنه من العترة ، وثالثة : على أنه من النبي.
ولا ريب في انحصار أهل البيت ، والعترة
، وولد النبي 6
بأولاد أمير المؤمنين 7
من جهة فاطمة الزهراء 3
واليك نموذجاً من تلك الأحاديث :
__________________
أحاديث المهدي من أهل البيت :
١
ـ حديث : « لا تنقضي الايام ، ولا يذهب الدهر ، حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، اسمه
يواطئ اسمي » وهذا الحديث أخرجه
أحمد في مسنده ، عن ابن مسعود من عدة طرق ، وأخرجه أيضاً أبو داود في سننه ، والطبراني
في المعجم الكبير ، وصححه الترمذي ، والكنجي الشافعي ، وعدّه البغوي من الأحاديث
الحسان .
٢
ـ حديث : « لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلاً من أهل البيت يملؤها عدلاً
كما ملئت جوراً ».
وهذا الحديث هو المروي عن علي 7 ، عن رسول الله 6 ، أخرجه أحمد في مسنده ، وابن أبي شيبة
، وأبو داود ، والبيهقي ، وأشار الطبرسي في مجمع البيان إلى اتفاق المسلمين من
الشيعة والسنة على روايته
، وقال أبو الفيض الغماري عن هذا الحديث : « هو صحيح بلاشك ولا شبهة » .
٣
ـ حديث : « لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ».
وهذا الحديث رواه ابن مسعود ، عن النبي 6 وأخرجه عن ابن
__________________
مسعود : أحمد ، والترمذي
، والطبراني من عدة طرق ، والكنجي وصححه ، والشيخ الطوسي.
وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن
أبي هريرة
، وقال في الدر المنثور : « وأخرجه الترمذي وصححه عن أبي هريرة » .
٤ ـ حديث : « المهدي منا أهل
البيت أشم الأنف ، أجلى الجبهة ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما ».
وهذا من حديث أبي سعيد الخدري ، عن
النبي 6 ، وأخرجه
عنه عبد الرزاق ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ، وأورده الإربلّي في كشف الغمة .
أحاديث المهدي من العترة : :
وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى ننتخب
منها واحداً ، وهو حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي 6
أنّه قال : « لا تقوم
الساعة حتى تمتلئ الارض ظلماً وعدواناً ، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي ـ
الترديد من الراوي ـ يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً ».
أخرجه أحمد ، وابن حبان ، والحاكم وصححه
على شرط الشيخين ، وأورده الصافي في منتخب الأثر وقال أبو الفيض الغماري الشافعي
__________________
ـ بعد دراسة وافية
لطرق الحديث وتتبع حال رواته ـ : « الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم » .
أحاديث المهدي من ولد النبي 6 :
منها
: ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي 6 : « المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ
الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يملك سبع سنين ».
وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط مسلم ،
كما صححه الكنجي الشافعي ، والسيوطي ، والشيخ منصور علي ناصف في التاج الجامع
للاَُصول ، وأبو الفيض
، وعدّه البغوي من الحسان
، وحكم ابن القيّم بجودة إسناده
، وأخرجه عن أبي سعيد : أبو داود ، وعبدالرزاق ، والخطابي في معالم السنن ، ومن
الشيعة السيد ابن طاووس ، وابن بطريق .
ومنها
: حديث أمير المؤمنين 7 ، عن رسول الله 6 قال :
«
المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاَُمم ، يأتي بذخيرة الانبياء :
، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ».
__________________
وهذا الحديث أخرجه الشيخ الصدوق في كمال
الدين ، واحتج به الجويني الشافعي في فرائد السمطين ، والقندوزي الحنفي في ينابيع
المودة .
وبهذا القدر يتضح ما ذكرناه من أنّ
المهدي لابدّ وأن يكون من ولد علي 7
من جهة فاطمة الزهراء 3.
وقد ورد التصريح بهذا أيضاً كما في :
حديث المهدي من ولد فاطمة 3
وهو من رواية أُم سلمة عن النبي 6 أنه قال : « المهدي حق وهو من
ولد فاطمة ».
أخرجه عن أُم سلمة : أبو داود ، وابن
ماجة ، والطبراني ، والحاكم من طريقين وقد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة عن صحيح
مسلم ، واعترف
آخرون بصحته وجَوْدَة اسناده ، بل وصرح بعضهم بتواتره .
__________________
وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي 7 انه قال : « المهدي رجل منّا من
ولد فاطمة » كما اخرج عن الزهري انه قال : « المهدي من ولد فاطمة
»
، وعن كعب مثله أيضاً .
هذا ، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار
المتقدمة ، وهو المروي عن قتادة ، ـ كما تقدم ـ قال : قلت لسعيد : أحقٌ المهدي ؟
قال : نعم هو حق. قلت : ممن هو ؟ قال : من قريش ، قلت : من أي قريش ؟ قال : من بني
هاشم. قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من ولد عبد المطلب. قلت : من أي ولد عبدالمطلب
؟ قال : من أولاد فاطمة .
وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من
جواب السؤال : مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر ؟ إلاّ أنَّ العائق ما يزال موجوداً
في تشخيص نسبه الشريف بنحو لا يقبل الترديد بين أولاد فاطمة 3 ، لوضوح أنّ هذا النسب ـ بهذا الاطلاق
ـ ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين 8.
ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي :
الأول
: أن يكون المهدي من أولاد الإمام الحسن
السبط 7.
الثاني
: أن يكون من أولاد الإمام الحسين السبط 7.
الثالث
: أن يكون من أولاد السبطين معاً.
أما الاحتمال الثالث فلا يحتاج قبوله أو
ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الأولين.
__________________
وأما فرض احتمال رابع ، وهو : كون
المهدي من أولاد غير السبطين ، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه ؛ لثبوت صحة
أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت :
، ومن ولد فاطمة 3.
اذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات
الاحتمالين الأولين. ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنه : لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الأول
، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني ، اذ سيصدق بالضرورة ، ويكون
هو المتيقن ، المقطوع به ، المطابق للواقع ، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين
معاً ؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الأول ، فنقول :
حديث المهدي من ولد الإمام الحسن السبط 7 :
لم أجد ما يدل على ان المهدي الموعود
المنتظر هو من ولد الإمام الحسن 7
في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط وربما لا يوجد في تراث الإسلام حديث غيره ، وهو
ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه ، واليك نصه :
قال : « حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة
، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال علي 2 ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال : ( إنّ ابني هذا سيد
كما سماه النبي 6 ، وسيخرج من صلبه رجل
يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلْق ).
ثم ذكر قصة : يملأ الأرض عدلاً » انتهى
بعين لفظه.
__________________
بطلان الحديث من سبعة وجوه :
من دراسة سند الحديث ومتنه ، ومقارنة
ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين 7
، يطمئن الباحث بوضعه ، وذلك من سبعة وجوه وهي :
الوجه
الأول : اختلاف النقل عن أبي داود في هذا
الحديث ، فقد أورد الجزري الشافعي ( ت / ٨٣٣ ه ) هذا الحديث بسنده عن أبي داود
نفسه وفيه اسم : ( الحسين ) مكان ( الحسن ) ، فقال : « والأصح انه من ذرية الحسين
بن علي لنصّ أمير المؤمنين علي على ذلك ، فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه
عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه ، قال : أنبأنا أبو الحسن بن البخاري ، أنبأنا عمر
بن محمد الدارقزي ، أنبأنا أبو البدر الكرخي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو
عمر الهاشمي ، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي ، أنبأنا أبو داود الحافظ قال : حُدِّثْتُ
عن هارون بن المغيرة ، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي
اسحاق قال : قال علي 7
ـ ونظر إلى ابنه الحسين ـ فقال : « إنَّ ابني هذا سيد كما سماه النبي 6
، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ، ولا يشبهه في الخَلْق
». ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً.
هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه ، انتهى بعين لفظه.
وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص
٤٥ من الباب الأول ، وفيه اسم : ( الحسن ) ، وأشار محققه في هامشه إلى نسخة باسم :
( الحسين )
__________________
ويؤيد وجود هذه
النسخة نقل السيد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدرر وفيه اسم : ( الحسين
) .
وهذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد
الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث ، وهو مفقود في ترجيح ( الحسن ) ومتوفر
في ( الحسين ).
الوجه
الثاني : سند الحديث منقطع لأن من رواه عن علي 7 هو أبو إسحاق والمراد به السبيعي ، وهو
ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن علي 7
كما صرح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث
، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين 7
سبع سنين ؛ لأنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر .
الوجه
الثالث : إن سنده مجهول أيضاً ؛ لأن أبا داود
قال : ( حُدِّثت عن هارون بن المغيرة ) ولا يُعْلَم من الذي حدّثه ، ولا عِبرة في
الحديث المجهول اتفاقاً.
الوجه
الرابع : ان الحديث المذكور أخرجه أبو صالح
السليلي ـ وهو من أعلام أهل السنة ـ بسنده عن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر
بن محمد الصادق ، عن جده علي بن الحسين ، عن جده علي بن أبي طالب : ، وفيه اسم : ( الحسين ) لا : ( الحسن )
8 .
الوجه
الخامس : انه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل
السنة تصرح بأنّ المهدي من ولد الإمام الحسين منها حديث حذيفة بن اليمان
__________________
قال : « خطبنا رسول
الله 6 فذكرنا بما
هو كائن ، ثم قال : لو
لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه
رجلاً من ولدي ، اسمه اسمي. فقام سلمان
الفارسي 2 فقال : يا
رسول الله ! من أي ولدك ؟ قال : من
ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين » .
الوجه
السادس : احتمال التصحيف في الاسم من ( الحسين )
إلى ( الحسن ) في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة اختلاف النقل ، ومع عكس
الاحتمال فإنه خبر واحد لا يقاوم المتواتر كما سنفصله في محلّه.
الوجه
السابع : يحتمل قوياً وضع الحديث لما فيه من
العلل المتقدمة ، ويؤيد هذا الاحتمال أن الحسنيّين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدوية
محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط 7 ، الذي قتل سنة (٤٥١ ه ) في زمن
المنصور العباسي ، نظير ما حصل ـ بعد ذلك ـ من قبل العباسيين وأتباعهم في ادعاء
مهدوية محمد بن عبدالله المنصور الخليفة العباسي الملقب بالمهدي ( ١٥٨ ـ ١٦٩ ه )
لما في ذلك من تحقيق اهداف ومصالح سياسية كبيرة لا يمكن الوصول اليها بسهولة من
غير هذا الطريق المختصر.
__________________
الحديث غير معارض
لأحاديث : المهدي من ولد الحسين 7 :
مع فرض صحة الحديث ـ على الرغم مما تقدم
فيه ـ فإنّه لاتعارض بينه وبين الاحاديث الاَُخرى المصرحة بكون المهدي من ولد
الإمام الحسين 7
ويمكن الجمع بينه وبينها ، بأن يكون الإمام المهدي 7
حسيني الأب حسني الاَُم ؛ وذلك لأن زوجة الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : ، أُم الإمام الباقر محمد بن علي بن
الحسين : هي فاطمة
بنت الإمام الحسن المجتبى 7.
وعلى هذا يكون الإمام الباقر 7 حسيني الأب حسني الاَُم ، وذريته تكون
من ذرية السبطين حقيقة.
وهذا الجمع له مايؤيده من القرآن الكريم
قال تعالى : ( ووهبنا له إسحاق
ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان
... وعيسى
وإلياس كل من الصالحين ) الانعام : ٦ / ٨٤ ـ ٨٥.
فعيسى 7
أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم 3
، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الإمام الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الاَُم
كما أُلحق السبطان برسول الله 6
من جهة فاطمة الزهراء 3.
وهذا الجمع بين الاخبار لا ينبغي الشك
فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود وان كان مخالفاً للصحة من كل وجه كما تقدم.
وإلى هنا اتضح لنا أن الاحتمال الثاني ـ
أعني كون الإمام المهدي من ولد الإمام الحسين 7
ـ لم يكن مجرد احتمال ، وإنما هو الواقع بعينه ، سواء قلنا بصحة حديث كون المهدي
من ولد الإمام الحسن السبط 7
أو لم نقل بذلك.
أمّا مع فرض القول بصحة الحديث ، فلا تعارض بينه
وبين أحاديث كون المهدي من ولد الإمام الحسين 7
، بل هو مؤيد لها كما تقدم.
وأمّا مع القول بعدم صحته ـ وهو الحق
لما تقدم في الوجوه السبعة
ـ فالحال أوضح من أن
يحتاج إلى بيان ؛ لما قلناه سابقاً من أن إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع
بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً ، إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود
من ولد فاطمة 3
حقاً.
ما ورد معارضاً لكون المهدي من أولاد الحسين 7 :
لقد اتضح من خلال البحث في طوائف أحاديث
نسب الإمام المهدي ، أنه لابدّ وأن يكون من أولاد الإمام الحسين 7 ، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة ـ التي
يترتب عليها اعتقاد الشيعة الامامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الإمام الحسين 7 ، وأنه قد وُلد حقاً وهو محمد بن الحسن
العسكري 7 ، لابدّ من
التوقف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات ـ من طريق أهل السنّة ـ
التي عينت اسم أبي المهدي ب : ( عبدالله ) ، مما نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنّ
المهدي هو محمد بن عبدالله ، وأنه لم يولد بعد ، وإنما سيولد قبيل ظهوره في آخر
الزمان.
ولما كان التواتر حاصلاً لمهديٍّ واحد ،
فلابدّ وأن يكون أحد الفريقين ينتظر مهدياً لا واقع له ، وهذا ما يستدعي وجوب
مراجعة كل فريق لأدلّته بمنظار أنها خطأ يحتمل الصواب ، والنظر لما عند الآخر
باعتبار انه صواب يحتمل الخطأ ، وهذا وإن عزّ ، فلا يعدم عند من يسعى لادراك
الصواب ـ قبل فوات الأوان ـ أينما كان.
ولأجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي
أهو : عبدالله ، أو الحسن ؟ نقول :
أحاديث : « اسم أبيه
اسم أبي » ( عبدالله ) :
نودُّ الاشارة قبل دراسة هذه الأحاديث
إلى أنّ بعض علماء الشيعة
أوردوا بعضها ، لا
إيماناً بها ، لمخالفتها لاُصول مذهبهم ، وإنما لأمانتهم في نقلها من كتب أهل
السنة دون تحريف أو حذف ؛ إمّا لإمكان تأويلها بما لا يتعارض وأُصول المذهب ، وإمّا
للبرهنة على الاَمانة في النقل ، وإيقاف المسلمين على مناقشاتهم لها ، وهي :
١ ـ الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني
، والحاكم ، كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبدالله بن
مسعود ، عن النبي 6
أنه قال : « لا تذهب
الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي »
.
٢ ـ الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني
، والخطيب البغدادي كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن
عبدالله بن مسعود عن النبي 6
أنه قال : « لا تقوم
الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي »
.
٣ ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد ، والخطيب
، وابن حجر ، كلهم من طريق عاصم أيضاً ، عن زرّ ، عن ابن مسعود ، عن النبي 6 انه قال : « المهدي يواطئ اسمه
اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » .
٤ ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد
بسنده عن أبي الطفيل قال :
__________________
« رسول الله 6 : المهدي اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي
» .
حقيقة هذا التعارض
وبيان قيمته العلمية :
هذه هي الأحاديث التي جعلت مبرراً
لاختيار ( محمد بن عبدالله ) كمهديٍّ في آخر الزمان ، وكلها لا تصحّ حجة ومبرراً
لهذا الاختيار. وقد علمت أن الثلاثة الاُولى منها كلّها تنتهي إلى ابن مسعود من
طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود. وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلاً.
وأما الحديث الرابع ، فسنده ضعيف
بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو : رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين
المتّفق على ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُنّة.
فعن أحمد بن حنبل : أنه ليس يبالي عمّن
روى ، وقال حرب بن إسماعيل : « سألت أحمد بن حنبل عنه ، فضعّفه » ، وعن يحيى بن
معين : لا يكتب حديثه. وعن أبي زرعة : ضعيف الحديث ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث
، وقال الجوزجاني : عنده معاضيل ، ومناكير كثيرة ، وقال النسائي : متروك الحديث لا
يُكتَب حديثه.
وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ
إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه وكان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس ، فتبسّم ضاحكاً
، وهذا يدلّك على تسالمهم على ضعفه .
__________________
ولا شك ، أنَّ من كان حاله كلما عرفت
فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.
وأما الأحاديث الثلاثة الاُولى ، فهي
ليست بحجة من كل وجه ، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة : ( واسم أبيه اسم أبي )
لم يروها كبار الحفّاظ والمحدّثين ، بل الثابت عنهم رواية : ( واسمه اسمي ) فقط من
دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه ، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين
تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها ، كما سيأتي مفصلاً.
ومن ثم ، فإن إسناد هذه الأحاديث
الثلاثة ينتهي إلى ابن مسعود فقط ، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند
أحمد ـ وفي عدة مواضع ـ ( واسمه اسمي ) فقط
، وكذلك الحال عند الترمذي فقد روى هذا الحديث من دون هذه العبارة ، مشيراً إلى
أنّ المروي عن علي 7
، وأبي سعيد الخدري ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ ( واسمه اسمي ) ثم قال
ـ بعد رواية الحديث عن أبن مسعود بهذا اللفظ ـ : « وفي الباب : عن علي ، وأبي سعيد
، وأُم سلمة ، وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح » .
وهكذا عند أكثر الحفاظ ، فالطبراني
مثلاًأخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخرى كثيرة ، وبلفظ : ( اسمه اسمي ) ،
كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة : ١٠٢١٤ و ١٠٢١٥ و ١٠٢١٧ و ١٠٢١٨ و ١٠٢١٩ و ١٠٢٢٠
و ١٠٢٢١ و ١٠٢٢٣ و ١٠٢٢٥ و ١٠٢٢٦ و ١٠٢٢٧ و ١٠٢٢٩ و ١٠٢٣٠.
__________________
وكذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث عن
ابن مسعود بلفظ : ( يواطئ اسمه اسمي ) فقط ، ثم قال : « هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه »
وتابعه على ذلك الذهبي ، وكذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن
مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث .
وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلك الزيادة
لم يروها أئمة الحديث ، فقال ـ بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة ـ
: « أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم ، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه
، والإمام أبو داود في سننه ، والحافظ أبو بكر البيهقي ، والشيخ أبو عمرو الداني ،
كلهم هكذا »
أي : ليس فيه : ( واسم أبيه اسم أبي ) ثم أخرج جملة من الأحاديث المؤيدة لذلك
مشيراً إلى من أخرجها من الأئمة الحفاظ كالطبراني ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وأبي
داود ، والحافظ أبي داود ، والبيهقي ، عن عبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عمر ، وحذيفة
.
هذا زيادة على ما مرّ من اشارة الترمذي
إلى تخريجها عن علي 7
، وأبي سعيد الخدري ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة ؛ كلهم بلفظ : ( واسمه اسمي ) فقط.
ولا يمكن تعقّل اتفاق هؤلاء الأئمة
الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة ( واسم أبيه اسم أبي ) لو كانت مروية حقاً عن ابن مسعود
مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود ، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما
فيها من أهمية
__________________
بالغة في النقض على
مايدعيه الطرف الآخر.
ومن هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت
على حديث ابن مسعود من طريق عاصم إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً
لمهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في
ما زعموا بمهدوية محمد بن عبدالله ـ أبي جعفر ـ المنصور العباسي.
وقد يتأكد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ
الأول منهما كانت رتّة في لسانه ، مما اضطر أنصاره على الكذب على أبي هريرة ، فحدّثوا
عنه أنه قال : « إن المهدي اسمه محمد بن عبدالله في لسانه رتّة » .
ولما كانت الأحاديث الثلاثة الأولى من
رواية عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود ، مخالفة لما
أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي ـ كما مر ـ ، فقد تابع الحافظ أبو نعيم
الأصبهاني ( ت / ٤٣٠ ه ) في كتابه ( مناقب المهدي ) طرق هذا الحديث عن عاصم حتى
أوصلها إلى واحد وثلاثين طريقاً ، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة ( واسم ابيه اسم
أبي ) بل اتفقت كلها على رواية ( واسمه اسمي ) فقط. وقد نقل نص كلامه الكنجي
الشافعي ( ت / ٦٣٨ ه ) ثم عقّب عليه بقوله : « ورواه غير عاصم ، عن زر ، وهو عمرو
بن حرة ، عن زر كل هؤلاء رووا ( اسمه اسمي ) إلاّ ما كان من عبيدالله بن موسى ، عن
زائدة ، عن عاصم ، فإنّه قال فيه : ( واسم أبيه اسم أبي ). ولا يرتاب اللبيب أن
هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمة على خلافها ـ إلى أن قال ـ
والقول الفصل في ذلك : إن الإمام أحمد ـ مع ضبطه وإتقانه ـ روى هذا
__________________
الحديث في مسنده [
في ] عدة مواضع : واسمه اسمي » .
ومن هنا يُعلم أنّ حديث : ( .. واسم
أبيه اسم أبي ) فيه من الوهن ما لا يمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي
المباشر.
وعليه ، فان من ينتظر مهديّاً باسم ( محمد
بن عبدالله ) إنما هو في الواقع ـ وعلى طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار ـ
ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء.
ولهذا نجد الاستاذ الأزهري سعد محمد حسن
يصرّح بأن أحاديث ( اسم أبيه اسم أبي ) أحاديث موضوعة ، ولكن الطريف في تصريحه
أنّه نسب الوضع إلى الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها على حد تعبيره !!
ويتضح مما تقدم أنَّ نتيجة البحث في
طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي ، قد انتهت إلى كونه من ولد الإمام الحسين 7؛ لضعف سائر الأحاديث التي وردت مخالفة
لتلك النتيجة ، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلك الأحاديث ، بل توفرت القرائن
الدالة على اختلاقها.
واذا عدنا الى نتيجة البحث في الطوائف
المتقدمة نجدها مؤيدة بما تواتر نقله عند المسلمين.
مؤيدات كون المهدي من ولد الحسين 7
هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية
عيّنت الأئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء
بالمهدي : ، مع مجموعة
من الأحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الإمام السابق.
__________________
وأُخرى عند أهل
السنة مصرحة بعدد الأئمة تارة كما في الصحاح ، ومشخصة لأسمائهم كما في كتب المناقب
وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الأحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة
المهدي ما بقي في الناس اثنان ، وهذا لا يتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الإمام
الحسين 7. وسوف لن
نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.
حديث الثقلين :
مما لا شكّ فيه أن النبي 6 قد انتقل إلى الرفيق الأعلى والسنة لم
تدوّن بكل تفاصيلها في عهده ، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى
يوم القيامة ، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم ، فكيف
يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه ، ومجمل ومفصّل ، وناسخ
ومنسوخ ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء
المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية.
هذا ، مع علمه 6 بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف
الحال إذن بعد وفاته ، والدليل عليه قوله 6
الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي : « من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ».
فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي
شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق
علمه ، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده.
وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة
الرسالة ، وحفظها ، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة.
ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين ( القرآن
والعترة ) ، وقيمة إرجاع الأمّة فيه إلى العترة لأخذ الدين الحق عنهم ، كما تتضح
أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة ، منها في يوم الغدير ، وآخرها
في مرضه الأخير.
فعن زيد بن أسلم ، عن رسول الله 6 قال : « كأنني قد دُعِيت فأجبت ، إني تارك فيكم الثقلين
أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما
لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، إنّ الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن. من كنت
مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه »
.
وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي 6 قال : « إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا
بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي
أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »
، هذا فضلاً
عن تأكيده 6 المستمر على
الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم ، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك
بجعلهم تارة كسفن للنجاة ، وأُخرى أماناً للاَُمّة ، وثالثة كباب حطّة.
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى
سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة
وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : « اللّهم هؤلاء أهلي »
وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر
__________________
واختصاص. وإلا فتسعة
أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي 6 على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا )
كافية لأن يعرف الجميع من هم أهل البيت :.
ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من
النبي 6 عمّن يعصموا
الأمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن.
فحاجة الأمّة ـ والصحابة أيضاً ـ ليس
أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي 6 حتى يأخذ دوره في عصمة الأمّة من
الضلالة ، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة ، وهكذا حتى يرد آخر
عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.
وإذا علمت أن علياً 7 قد تعيّن بنصوص لاتحصى ، ومنها في حديث
الثقلين نفسه ، فليس من الضروري إذن أن يتولّى النبي بنفسه تعيين من يلي أمر
الأمّة باسمه في كل عصر وجيل ، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض
الاعتبارات.
فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل
: إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة ، أو بنص السابق على إمامة اللاحق وهو المقياس
الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء والأوصياء :
، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.
وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت : نجد النصّ قد توفر على إمامتهم بكلا
طريقيه ، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الإمامة
في عرض السلطة الزمنية ، واتخذوا من أنفسهم كما
__________________
اتخذهم الملايين من
أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم ، مع إرشاد كل إمام
أتباعه على من يقوم بأمر الإمامة من بعده ، وعلى هذا جرت سيرتهم ، فكانوا عرضة
للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة ، وفي سوح الجهاد تارة أُخرى وعلى أيدي
القائمين بالحكم أنفسهم.
ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لاَتباعه
من يقوم بأمر الإمامة من بعده ، مع فرض توقف النص عليه ، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك
الإمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل ؛ لأن دلالة « لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »
على استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة
واضحة ، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول : « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت
إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب
العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض ، ويشهد لذلك الخبر : « في كلِّ خَلَفٍ من
أُمتي عدول من أهل بيتي » .
حديث : ( من مات ولم
يعرف إمام زمانه ) :
سُجّل هذا الحديث ـ بألفاظٍ مختلفةٍ
وكلّها ترجع إلى معنىً واحدٍ ومقصدٍ فارد ـ : في أُمهات كتب الحديث السنية
والشيعية ، ويكفي على ذلك اتفاق البخاري ومسلم ـ من أهل السنة ـ على روايته ، والكليني ، والصدوق ، ووالده ، والحميري
، والصفار ـ من الشيعة الإمامية ـ على
__________________
روايته أيضاً ، وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة على
استقصائها.
اذن الحديث مما لا مجال لاحد ان يناقش
في سنده ، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب ! .
والحديث كما ترى في تخريجه لا يبعد القول
بتواتره ، وهو لا يحتمل التأويل ولاصرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الإمام الحق
على كل مسلم ومسلمة ، وإلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة.
ومن ادعى ان المراد بالامام الذي من لا يعرفه
سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم ، أو الملك ، ونحو ذلك وان كان فاسقاً
ظالماً !! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وان
يبين للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم
يعرفه مات ميتة جاهلية.
وعلى أية حال ، فالحديث يدل على وجود
امام حق في كل عصر وجيل ، وهذا لا يتم إلاّ مع القول بوجود الإمام المهدي الذي هو
حق ومن ولد فاطمة 3
كما تقدم. ومما يؤيده :
__________________
حديث : ( إنَّ الارض
لا تخلو من قائم لله بحجة ) :
وهذا الحديث قد احتج به الطرفان أيضاً
وأوردوه من طرق عدّة .
وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل
الثقة عن أمير المؤمنين 7
كما في نهج البلاغة ، قال 7
ـ بعد كلام طويل ـ : «
اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة ».
وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لايتم
مع فرض عدم ولادة الإمام المهدي 7
، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد حتى قال في شرح هذه العبارة : ( كي لا يخلو الزمان
ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب
الامامية ، إلاّ أن اصحابنا يحملونه على ان المراد به الابدال ) .
وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه
اشارة إلى مهدي أهل البيت :
فقال ما نصه : « وفي صلاة عيسى 7
خلف رجل من هذه الأمّة مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من
الاقوال : ان الأرض
__________________
لا تخلو من قائم لله
بحجة ) .
أقول
: ومما يقرب دلالة العبارة في النهج على
الإمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام أمير المؤمنين 7.
وهذا نصه : « يا كميل
بن زياد ، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك : الناس
ثلاثة : فعالم ربانيّ ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون
مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ـ إلى ان قال 7
ـ اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، واما
خائفاً مغموراً ؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته »
.
ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عن الحسين
بن أبي العلاء الخفاف قال : « قلت لابي عبدالله 7
: تكون الارض ليس فيها امام ؟ قال : لا ... الحديث » .
واذا ما أضيف هذا إلى حديث الثقلين ، وحديث
من مات ، وحديث ( الخلفاء اثنا عشر ) الآتي ، علم ان الإمام المهدي لو لم يكن
مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلى قيام الساعة ، ولكن لا أحد يقول من
المسلمين بحياة امام غير المهدي 7
ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم ، وبينت كتب المناقب اسماءهم.
أحاديث : (الخلفاء
اثنا عشر) :
أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال
: « سمعت النبي
__________________
6
يقول : يكون اثنا
عشر أميراً ، فقال كلمة لم
أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلّهم
من قريش » .
وفي صحيح مسلم : « ولا يزال الدين
قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش »
.
وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال : «
كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبدالرحمن
! هل سألتم رسول الله 6
كم يملك هذه الأمّة من خليفة ؟ فقال عبدالله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق
قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله 6
، فقال :
اثني عشر
كعدة نقباء بني إسرائيل » .
ويستفاد من هذه الأحاديث أُمور ، وهي :
١ ـ إن عدد الاَُمراء أو الخلفاء لا
يتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده
الشيعة بعدد الأئمة وهم كلّهم من قريش.
قد يقال : ان التعبير ب ( الامراء أو
الخلفاء ) لا ينطبق مع واقع الأئمة :
، والجواب واضح جداً ؛ لأن النبي 6
إنما أراد بذلك الإمرة والاستخلاف باستحقاق ، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد
ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاَُمّة.
بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته
من الشارع المقدس ،
__________________
ولا ينافي ذلك ذهاب
السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.
ولهذا جاء في ( عون المعبود في شرح سنن
أبي داود ) ما نصه : « قال التوربشتي : السبيل في هذا الحديث وما يتعقبه في هذا
المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على
الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء ، وان قدّر أنّهم على الولاء ، فإنّ المراد
منه المسمّون بها على المجاز ، كذا في المرقاة » .
٢ ـ إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص
كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل ، قال تعالى : ( ولقد أخذ اللهُ ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم
اثني عشر نقيبا ) .
٣ ـ إن هذه الأحاديث تفترض عدم خلو
الزمان من الاثني عشر جميعاً ، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم
الساعة.
وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما
هو صريح جداً بهذا ، إذ ورد فيه : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس
اثنان » .
وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما
تقوله الشيعة بأنّ الإمام الثاني عشر ( المهدي ) حيّ كسائر الأحياء ، وأنه لابدّ
من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق
ما بشر به جده المصطفى 6.
وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم
يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية
ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لأجل اكتمال نصاب الاثني
__________________
عشر !!
وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم
مع نصّ الحديث. إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة
بينما المفروض أنّ الدين لا يزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.
إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا
تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد
تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع
وعدم النصّ على أحد منهم ـ أُمويين أو عباسيين ـ باتفاق المسلمين.
وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي : ( قال
بعض المحققين : إنَّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده 6 اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح
الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله 6
من حديثه هذا ، الأئمة
اثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا
يمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولا
يمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلاّ
عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأن النبي 6 قال : « كلّهم من بني هاشم »
، في رواية عبد الملك ، عن جابر ، وإخفاء صوته 6
في هذا القول يرجّح هذه الرواية : لأنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن
يحمل على الملوك العباسية ؛ لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم ...
ويؤيد هذا المعنى ـ أي : أن مراد النبي 6 الأئمة الاثنا عشر من أهل
__________________
بيته ـ ويرجّحه حديث
الثقلين » .
ولا يخفى أنّ حديث : ( الخلفاء اثنا عشر
) قد سبق التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل
الواقع الإمامي ، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها
من لا ينطق عن الهوى ، فقال : «
الخلفاء بعدي اثنا عشر » ليكون ذلك
شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي : وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك
الحديث .
فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل
النبوّة في صدقها عن الإخبار بالمغيّبات ، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا
بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث
مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي 6 إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى
زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً ، لا إلى ان تقوم الساعة !!
النص على الأئمة الاثني عشر :
يوضح المراد
بالخلفاء الاثني عشر :
لأجل متابعة الأدلة الاَُخرى التي توضح
المراد بحديث : ( الخلفاء اثنا عشر ) ، وتُعيِّن لنا شخص الإمام المهدي باسمه
ونسبه وحسبه ؛ لابدّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الأهمية ، بحيث لو
تدّبره المنصف ، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدنى غشاوة على عينيه ، ولاكتفى
__________________
بالمقاييس السابقة
التي تركها لنا النبي الاعظم 6
لمعرفة امام الزمان في كل عصر وجيل ، ولم يطلب بعدها أي دليل آخر.
وأعني بهذا الأمر تاريخنا الاسلامي الذي
تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتفقت على اقصاء عترة الرسول 6 عن السلطة اقصاءً تامّاً ، فضلاً عما
اقترفته تلك الانظمة ـ الاُموية والعباسية ـ من الاَُمور الفادحة بحق الذرية
الطاهرة.
ومن البداهة ان يعزّ النص على الأئمة
الاثني عشر في الكتب المؤلَّفة بوحيٍ من الحكّام وفي ظل تلك الانظمة التي اجتاحت
آل الرسول 6 ، وأوشكت ان
تبيد أولاد البتول :
، حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليه وسلم.
ومن غير المعقول ان يدين الظالم نفسه
فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين 7
، أو أن المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمة الشيعة الاثني عشر ، اللّهم إلاّ ما
خرج من تلك الروايات عن رقابته ، ورُوي بعيداً عن مسامعه. وعلى الرغم من هذا
الحصار فان ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.
ولا يصحّ في الأفهام شيءٌ
|
|
إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ
|
وهذا مما لا ينبغي اغفاله ، ونحن نستعرض
باختصار بعض الاحاديث المبينة لمعنى ( الخلفاء اثنا عشر ).
١
ـ في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي :
نقلاً عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي بسنده عن الإمام الرضا 7 ، عن آبائه : ، عن النبي 6 في حديث جاء فيه التصريح باسماء الأئمة
الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب وانتهاءً
بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري :.
قال القندوزي بعد روايته : « وأخرجه
الحمويني »
أي : صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي.
٢
ـ وفي الينابيع أيضاً تحت عنوان : ( في بيان الأئمة
الاثني عشر باسمائهم ). أورد عن فرائد
السمطين بسنده عن ابن عباس حديثين عن النبي 6
في ذكر الأئمة باسمائهم ، وأولهم علي وآخرهم المهدي :
، ونفس
الشيء تجده في باب ( في ذكر خليفة النبي 6
مع أوصيائه : ).
٣
ـ وفيه أيضاً ، عن جابر بن عبدالله الانصاري ،
عن النبي 6 : « يا جابر إنَّ
أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي ثم الحسن ، ثم الحسين ... »
ثم ذكر الأئمة التسعة من أولاد الحسين باسمائهم ابتداءً بعلي بن الحسين وانتهاءً
بالامام المهدي بن الحسن العسكري :
.
٤
ـ وفي كمال الدين : «حدثنا الحسين بن
أحمد بن ادريس 2
، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ؛ وابراهيم بن هاشم جميعاً ، عن
الحسن بن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر 7
، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : دخلتُ على فاطمة 3 وبين يديها لوح فيه اسماء الأوصياء ، فعددت
اثني عشر اسماً آخرهم القائم ، ثلاث منهم محمد ، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم
» .
ورواه من طريق آخر عن أحمد بن محمد بن
يحيى العطار ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن محبوب إلى
آخر
__________________
السند المتقدم.
وقد يقال : ان السند غير حجة من وجهين :
الأول
: إنَّ الحسين بن أحمد بن ادريس في السند
الاول ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار في السند الثاني لم يوثقا.
قلتُ : هما من مشايخ الاجازة ، ولم يذكر
الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلاّ مترضياً عليه ، ومن البداهة ان لا يقال للفاسق (2) بل يقال ذلك للرجل الجليل ، ولو
تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة ، فإنّه من البعيد كل البعد ان يتفق كل
منهما على الكذب على أبيه ؛ لانهما رويا الحديث عن أبويهما.
ومما يدل على صدقهما ان الكليني أخرج
الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود وابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق محمد بن يحيى
العطار ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر 7 ، عن جابر بن عبدالله الانصاري ، والمشايخ الثلاثة الأول في هذا السند
من أجلاء المحدثين وثقاتهم المشهورين بالاتفاق.
الثاني
: إنَّ أبا الجارود قد طعن عليه فالسند
ليس بحجة.
والجواب : إنّ أبا الجارود تابعي ، ومن
أين للتابعي أن يعلم بأنّ في اسماء الأوصياء :
ثلاثة باسم محمد ، وأربعة باسم علي ؟! وهذا هو المنطبق مع الواقع ، وقد مات أبو
الجارود قبل اتمام هذا الواقع بعشرات السنين ، على أنّ الشيخ المفيد قد وثقه في
رسالته العددية .
__________________
هذا ، والصدوق أخرج حديث اللوح في أول
الباب بهذا السند قال : « حدثني أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا
سعد بن عبدالله ، وعبدالله بن جعفر الحميري جميعاً ، عن ابي الحسن صالح بن حماد
والحسن بن طريف ، عن بكر بن صالح.
وحدثنا أبي ، ومحمد بن موسى المتوكل ، ومحمد
بن علي ماجيلويه ، وأحمد بن علي بن ابراهيم ، والحسن بن ابراهيم بن ناتانة ، وأحمد
بن زياد الهمداني رضي الله عنهم قالوا : حدثنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ابراهيم
بن هاشم ، عن بكر بن صالح ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله 7 .. الحديث ».
والسندان صحيحان إلى بكر بن صالح الذي ضُعِّف.
ولا يضر ضعفه هنا لأنّه من غير المعقول ان يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثم
يتحقق ذلك الشيء على طبق ما أخبر به ، ثم لا يكون المخبر ـ بعد ذلك ـ صادقاً ، فالرجل
روى عن الإمام موسى بن جعفر 7
فمن أين له ان يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي 7
؟! وهو كما يبدو من طبقته لم يدرك الأئمة ( الهادي والعسكري والمهدي : ) ، ويدلك على هذا إنّ من مشايخ الحسن
بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الاول ، هو ابن أبي عمير( ت / ٢١٧ ه ) ، ومن
في طبقته.
٥
ـ ما في كفاية الأثر في النص على الأئمة
الاثني عشر للخزاز ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ : فقد خصص كتابه كلّه في الأحاديث الواردة في النص على
الأئمة الاثني عشر باسمائهم ، ولامجال لنقل رواياته ، ولكن لا بأس بنقل ما جاء في
مقدمة الكتاب ، قال : « وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم : من جهة أصحاب رسول الله 6 المعروفين مثل : عبدالله بن عباس ، وعبدالله
بن مسعود ، وأبي سعيد
الخدري ، وأبي ذر
الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وجابر بن سمرة ، وجابر ابن عبدالله ، وأنس بن مالك ، وأبي
هريرة ، وعمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبي أُمامة ، وواثلة بن
الأسقع ، وأبي أيوب الأنصاري ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن أُسيد ، وعمران بن
الحصين ، وسعد بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي قتادة الأنصاري ، وعلي بن أبي
طالب ، وابنيه : الحسن والحسين :.
ومن النساء : أُم سلمة ، وعائشة ، وفاطمة
بنت رسول الله 6.
ثم أعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمة
صلوات الله عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الأئمة ونص كل واحد منهم
على الذي بعده ؛ ليعلموا ـ إن انصفوا ـ ويدينوا به ، ولايكونوا كما قال الله
سبحانه : ( فما اختلفوا إلاّ من
بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
) » الجاثية : ١٧.
٦
ـ وأخرج في كمال الدين : عن محمد بن
علي بن ماجيلويه ، ومحمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد
ابن الحسن الصفار.
وعن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن
محمد بن الحسن الصفار ، عن أبي طالب عبدالله بن الصلت القمي ، عن عثمان بن عيسى ، عن
سماعة بن مهران قال : « كنتُ أنا وأبو بصير ، ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر 7 في منزلٍ بمكة ، فقال محمد بن عمران : سمعتُ
أبا عبدالله 7 يقول : «
نحن اثنا عشر مهدياً ». فقال له أبو بصير : تالله لقد سمعتُ ذلك من أبي عبدالله 7 ؟ فحلف مرة أو مرتين انه سمع ذلك منه ،
فقال أبو بصير : لكني سمعته من أبي جعفر 7
» .
__________________
وأخرجه الكليني عن محمد بن يحيى ، وأحمد
بن محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي طالب ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن
مهران بتمام ألفاظه .
وهو كما ترى ليس في سنده من يُتأمل في
وثاقته فجميعهم من ثقات الرواة وإنْ وُجد في سند الصدوق ممدوح فقد كان إلى جنبه
الثقة المأمون ، وفيه كفاية على بيان المراد من حديث : ( الخلفاء اثنا عشر ).
٧
ـ وفي الكافي بسند صحيح جداً : عدة
من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، عن
أبي جعفر الثاني 7
قال : « أقبل
أمير المؤمنين 7 ومعه الحسن بن علي 7
وهو متكئ على يد سلمان ... » وفيه ذكر الأئمة
الاثني عشر جميعاً :
ابتداءً بعلي 7
وانتهاءً بالمهدي بن الحسن العسكري 8
.
قال الكليني : « وحدثني محمد بن يحيى ، عن
محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبي هاشم مثله سواء. قال محمد
بن يحيى : فقلتُ لمحمد بن الحسن : يا أبا جعفر ، وددتُ ان هذا الخبر جاء من غير
جهة أحمد بن أبي عبدالله ! قال ، فقال : لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين » .
والمراد بالحيرة هنا : غيبة الإمام المهدي
7 في سنة ٢٦٠
ه ، وهي
__________________
السنة التي توفي
فيها الإمام العسكري ، وما قاله محمد بن يحيى لا يوجب طعناً على أحمد بن أبي
عبدالله البرقي ؛ لثقته بالاتفاق ، فكأن محمد بن يحيى تمنى أن يكون من حدّث شيخه
الصفار بهذا الحديث قد مات في حياة الإمام العسكري أو الإمام الهادي 8 وليس البرقي الذي عاش إلى سنة ٢٧٤ ه ،
أو ٢٨٠ ه ، على قول آخر ؛ لأن الإخبار عن شيء قبل وقوعه ، وتحقق ذلك الشيء على
طبق الخبر يعد من الاعجاز الذي لا يحتاج في قوة ثبوته إلى شهرة الخبر بتعدد رواته
، اذ لا مجال لتكذيبه بأي حال من الاحوال وان لم يروَ إلاّ بسند واحد.
فجاء الجواب من الصفار بأنّ ما رواه
الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين.
ولا يخفى على أحد بان المخبر ـ الذي لم
يوثق ـ عن شيء قبل وقوعه ، لا يشترط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص
عليها في قبول الخبر الضعيف ، أو تحققه على طبق خبره ؛ لأنه كاشف عن صدقه ، حتى
وان لم توثقه كتب الرجال .
ومثال هذا ما رواه الكليني والصدوق بسند
صحيح ، عن أبان بن عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن عبدالله بن جعفر الطيار ، عن
النبي 6 في حديث جاء
فيه النص على الإمام عليٍّ وبعده ابنه الحسن ، ثم ابنه الحسين ، ثم علي بن الحسين
، ثمّ محمد الباقر :
ثمّ ، قال : «ثم تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين » .
__________________
فضعف أبان بن أبي عياش لا يضر هنا
لإخباره عن واقع قد تحقق على طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته ، وفي كمال الدين
للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز ، ولكن من لا خبرة له قد جعلها ساقطة عن
الاعتبار لضعفها سنداً في زعمه !! على الرغم من انحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا
قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر بأزمان بعيدة.
وينطبق هذا الاعجاز على غالبية أخبار
غيبة الإمام الثاني عشر 7
كما شهد بذلك الصدوق ، فقال : « إنَّ الأئمة :
قد اخبروا بغيبته 7
ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم ، واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من
قبل ان تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر ، فليس أحد من أتباع الأئمة : إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه
ورواياته ودوّنه في مصنفاته ، وهي الكتب التي تعرف بالاُصول مدونة مستحفظة عند
شيعة آل محمد :
من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين ، وقد اخرجت ما حضرني من الاخبار المسندة في
الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها.
فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين
للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة ، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه
في مصنفاتهم من قبل كونها ، وهذا محال عند أهل اللُّب والتحصيل. أو أن يكونوا
أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الأمر كما ذكروا ، وتحقق كما وضعوا من كذبهم ! على
بعد ديارهم ، واختلاف آرائهم ، وتباين أقطارهم ومحالهم. وهذا أيضاً محال كسبيل
الوجه الأول ، فلم يبقَ في ذلك إلاّ أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية : عن رسول الله 6 من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد
مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألّفوه في أُصولهم وبذلك وشبهه فلج
الحقّ وزهق الباطل ، إن الباطل كان
زهوقا » انتهى.
ولا يخفى أنّ الاُصول التي أشار لها
الصدوق متواترة النسبة إلى اصحابها عنده ، كتواتر نسبة كمال الدين إلى الصدوق
عندنا ، وهذا يعني أنّ اخبار الغيبة حتى مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداءً فهو
لا يقدح بصحتها بعد نقلها من تلك الكتب مباشرة ، وعلى الرغم من ذلك فسوف لن نحتج
باخبار الشيعة الامامية إلاّ بما صح سنده مطلقاً إلى الإمام 7 ، أو إلى من أخبر بالواقع الإمامي قبل اكتمال
تسلسله التاريخي وإنْ لم تعرف وثاقته.
المهدي من أولاد الحسين ، وأنه التاسع من ولده : :
إنَّ هذه النتيجة وان ثبتت فيما تقدم
إلاّ انه لابدّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتج بها بعض أعلام أهل
السنة أولاً ، وباليسير الصحيح عند الشيعة روماً للاختصار ، وهي :
١ ـ الحديث المروي عن سلمان الفارسي ، وأبي
سعيد الخدري ، وأبي أيّوب الانصاري ، وابن عباس ، وعلي الهلالي ـ بألفاظ مختلفة ـ
عن رسول الله 6
انه قال : « يا فاطمة
إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين
غيرنا أهل البيت ـ إلى قوله 6 ـ ومنا مهدي الأمّة الذي يصلي عيسى خلفه
، ثم ضرب على منكب الحسين 7
فقال : من هذا
مهدي الاَُمّة » .
__________________
٢
ـ في عقد الدرر للمقدسي الشافعي :
روى خبراً عن علي 7
جاء فيه : إنّ المهدي «
من ولد الحسين ، ألا فمن تولى غيره لعنه الله »
.
وقد أورده المقدسي محتجاً به فقال : « ونختم
هذا الفصل بشيء من كلام الإمام علي هازم الأبطال فيما تضمنه من الأهوال الشديدة
والاُمور الصعاب وخروج الإمام المهدي مفرج الكروب ، ومفرق الأحزاب » ثم ذكر
الحديث.
٣
ـ وفي عقد الدرر : أيضاً عن جابر بن
يزيد ، عن الإمام الباقر 7
في حديث طويل جاء فيه : «
والمهدي يا جابر رجل من ولد الحسين »
.
٤
ـ وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي
في شرح قول الإمام علي 7
: « وبنا
تُختم لا بكم ». قال : « اشارة الى
المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة 3 ، وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه ، وقد
صرحوا بذكره في كتبهم ، واعترف به شيوخهم ـ إلى أن قال ـ وروى قاضي القضاة ; تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم
اسماعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلي 7
، إنّه ذكر المهدي وقال : إنّه من ولد الحسين 7
، وذكر حِليتَه فقال : رجل أجلى الجبين ، اقنى الأنف ، ضخم البطن ، أزيل الفخذين ،
أبلج الثنايا ، بفخذه اليمنى شامة.
وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة
في كتاب غريب الحديث
انتهى.
٥
ـ وفي ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي :
بسنده عن
__________________
الحسين 7 قال : « دخلت على جدي رسول الله 6
فاجلسني على فخذه وقال لي : إنّ الله اختار من صلبك ياحسين تسعة أئمة تاسعهم
قائمهم ، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء »
.
٦
ـ وفي الينابيع عن مناقب الخوارزمي
أيضاً ، بسنده عن سلمان قال : « دخلت على رسول الله 6
وإنّ الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ، وهو يقول :
أنت سيد
ابن سيد ، أخو سيد ، أنت إمام ابن إمام أخو إمام ، أنت حجة أبو حجة ، وأنت أبو حجج
تسعة تاسعهم قائمهم » .
وحديث سلمان 2 رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند في
غاية الصحة ، قال : « حدثنا ابي 2
، قال : حدثنا سعد بن عبدالله قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن
عبدالله بن مسكان ، عن أبان بن تغلب ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن سلمان الفارسي ; قال : دخلتُ على النبي 6 واذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه
ويلثم فاه وهو يقول : أنت سيد ابن سيد ، أنت امام ابن امام أبو الأئمة ، أنت حجة ابن
حجة أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم
» .
٧
ـ وفي اُصول الكافي : عن علي بن ابراهيم
، عن أبيه ابراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبي
بصير ، عن أبي جعفر 7
قال : « يكون
تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم »
.
ورواه الصدوق ، عن أبيه ، عن علي بن
ابراهيم كما في الكافي سنداً
__________________
ومتناً .
وليس في واحد من رجال السند من يُشك في
جلالته ، أو يُرتاب في نقله.
٨
ـ وفي الينابيع عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي :
بسنده عن الأصبغ بن نباته ، عن ابن عباس ، عن النبي 6
: « أنا وعلي
والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون »
.
المهدي هو محمد بن الحسن العسكري 8
سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص
التي لا تقبل تأويلاً لدلالتها على شخص الإمام المهدي والأخبار بغيبته قبل وقوعها
، وهي :
١
ـ ما رواه الصدوق بسند صحيح ، عن
محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أيّوب
بن نوح قال : « قلت للرضا 7
: انا لنرجو ان تكون صاحب هذا الامر ، وان يرّده الله عزّ وجل اليك من غير سيف ، فقد
بويع لك ، وضربت الدراهم باسمك ، فقال 7
: ما منا أحد
اختلفت اليه الكتب ، وسُئل عن المسائل ، وأشارت إليه الأصابع ، وحُملت إليه الأموال
، إلاّ أُغتيل أو مات على فراشه ، حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الامر رجلاً خفي
المولد والمنشأ وغير خفي في نسبه
» .
وفي هذا الحديث اشارة إلى ما أحاط ولادة
الإمام المهدي 7
من
__________________
أُمور لا يعلمها
إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن علي العسكري 7
؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح : « إنّ المهدي هو من يقول الناس : لم يولد بعد » !
فقد روى الصدوق بسند صحيح جداً قال : « حدثنا
ابي 2 ، قال : حدثنا
سعد بن عبدالله ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب ، عن العباس بن عامر القصباني
، قال : سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر 8
يقول : صاحب هذا
الامر من يقول الناس : لم يولد بعد
» .
٢
ـ ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر
عن الباقر 7 : « يكون
هذا الأمر في أصغرنا سناً » .
وفيه اشارة إلى الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري 7.
٣
ـ ما رواه الكليني بسند صحيح : عن علي
بن ابراهيم ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن أبي نجران ، عن فضالة بن أيّوب ، عن سدير
الصيرفي قال : « سمعتُ أبا عبدالله 7
يقول : إن في صاحب
هذا الامر شبهاً من يوسف 7 ـ إلى أن قال ـ فما تنكر هذه الاُمّة
أن يفعل الله جل وعز بحجته كما فعل بيوسف ، أنْ يمشي في اسواقهم ، ويطأ بسطهم حتى
يأذن الله في ذلك كما أذن ليوسف ، قالوا : أَإِنك لأَنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف »
.
٤
ـ في ينابيع المودة : عن الإمام الرضا 7 : « الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو
صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم ».
وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود
هذا الحديث في كتاب
__________________
الأربعين لأبي نعيم
الاصبهاني .
٥
ـ وفيه : عن الإمام الرضا 7 : « إنَّ الإمام من بعدي ابني محمد ، وبعد محمد
ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في
غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وأمّا
متى يقوم ؟ فإخبار عن الوقت ، لقد حدثني أبي ، عن آبائه عن رسول الله 6
قال : مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة »
.
٦
ـ وفي اُصول الكافي بسند صحيح : عن علي
بن ابراهيم ، عن الحسن ابن موسى الخشاب ، عن عبدالله بن موسى ، عن عبدالله بن بكير
، عن زرارة قال : سمعتُ أبا عبدالله 7
يقول : « إنّ للغلام
غيبة قبل أن يقوم قال ، قلت : وَلِمَ
؟ قال : يخاف
ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثم قال : يا زرارة ، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول :
مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول : حمل
[ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ] ، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين.
وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون
يا زرارة .. الخ » .
٧
ـ وفي اُصول الكافي : عن محمد بن يحيى ، عن
محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبدالله 7 : « للقائم غيبتان : احداهما قصيرة ، والاُخرى
طويلة ، والغيبة الاُولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته ، والاُخرى لا يعلم
بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه »
.
__________________
وهذا الخبر لاريب في صدوره عن الإمام الصادق
7 لوثاقة
رواته جميعاً ، ودلالته على الإمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في
رائعة النهار.
٨
ـ وفي كمال الدين بسند صحيح : « حدثنا
أبي 2 ، حدثنا
عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن
دراج ، عن زرارة قال : قال أبو عبدالله 7
: يأتي على
الناس زمان يغيب عنهم إمامهم ، فقلت له :
ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال : يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم
» .
٩
ـ وفي اُصول الكافي : عن علي بن
ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال
: سمعتُ أبا عبدالله 7
يقول : « إن بلغكم
عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها »
.
أقول
: لم يغب من الأئمة الاثني عشر : سوى المهدي بالاتفاق ، وهو لم يكن
مولوداً في زمان صدور هذا الحديث ، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.
وقد أخرجه الكليني بسندين معتبرين لا شائبة
فيهما أصلاً باتفاق علماء الشيعة أجمع.
١٠
ـ وفي كمال الدين : « حدثنا أبي ومحمد
بن الحسن رضي الله عنهما ؛ قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري
وأحمد بن ادريس ؛ قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي
الخطاب ومحمد بن عبد الجبار ، وعبدالله بن عامر بن سعد
__________________
الاشعري ، عن عبدالرحمن
بن أبي نجران ، عن محمد بن المساور ، عن المفضل بن عمر الجعفي ، عن أبي عبدالله 7 قال : سمعته يقول : إيّاكم والتنويه ، أما
والله لَيَغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصنّ حتى يقال : مات أو هلك بأي
وادٍ سلك ، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج
البحر ، ولا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه
... » .
ورجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم
من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف ، وأما محمد بن مساور فقد مات سنة ( ١٨٣ ه )
وحاله غير معلوم ، وفي وثاقة المفضل كلام ، ولكن الحديث شاهد صدق على امانتهما في
نقله لما فيه من إخبار معجز تحقق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً لوقوع
الغيبة فعلاً في سنة (٢٦٠ ه ).
وقد أخرجه الكليني بسند صحيح إلى محمد
بن المساور ، عن المفضل أيضاً
، ومما يقطع بصدوره الاحاديث الكثيرة جداً عن أهل البيت بهذا المعنى :
كصحيح عبدالله بن سنان الذي رواه الصدوق
عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن
علي بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن حماد بن عيسى ، عن اسحاق بن جرير ، عن
عبدالله بن سنان قال : « دخلت انا وأبي على أبي عبدالله 7 فقال : فكيف انتم اذا صرتم في حال لا
ترون فيها امام هدىً ولا علماً يرى .. » .
__________________
١١
ـ وفي اُصول الكافي : عدة من أصحابنا عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه محمد بن عيسى ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : « سمعتُ
أبا عبدالله 7 يقول : إنَّ للقائم غيبة
قبل ان يقوم ، انه يخاف ـ وأومأ
بيده إلى بطنه ـ يعني القتل »
والسند من أصح الاسانيد بلا خلاف.
١٢
ـ وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي :
عن الإمام الحسين السبط الشهيد 7
قال : « لصاحب هذا الامر ـ يعني الإمام المهدي 7
ـ غيبتان ، احداهما تطول ، حتى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم : قُتل ، وبعضهم : ذهب ...
» .
وقد مرّ نظير هذا ـ بسند صحيح ـ في
الحديث رقم ٦ و ٧ ، فراجع.
١٣
ـ وفي كمال الدين : « حدثنا أبي ومحمد
بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري ، قالا
: حدثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن الحسين بن الربيع المدائني قال : حدثنا محمد بن اسحاق ، عن
أُسَيْد بن ثعلبة عن أُم هانئ قالت : لقيتُ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب : ، فسألته عن
هذه الآية : ( فلا أُقسم بالخنّس الجوار الكنّس ) ؟ فقال : إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة
ستين ومائتين ، ثم
__________________
يبدو
كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل ، فإنْ أدركتِ ذلك قرّتْ عينُكِ
» .
ويلاحظ في سند الحديث أنّ أحمد بن
الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالاتفاق ومن قبله كذلك ، وهو قد روى عن أبي عبدالله
وأبي الحسن موسى بن جعفر 8
، كما صرّح بهذا النجاشي في ترجمته ، وأمّا من بعده فإنّ اثبات صدقهم في خصوص هذا
الخبر ، هو تقدم وفاتهم لِما في الخبر من إعلام معجز تحقق بعد وفاتهم ، وورد بنقل
الثقات عنهم ، فالخبر شاهد على صدقهم.
١٤
ـ وفي كمال الدين : بسند صحيح ، قال : «
حدثنا محمد بن الحسن 2
، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد العلوي ، عن أبي
هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : سمعتُ أبا الحسن صاحب العسكر 7 يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن ، فكيف لكم بالخلف من
بعد الخلف ؟ فقلت : وَلِمَ
جعلني الله فداك ؟ فقال : لانكم
« لا ترون شخصه » ، ولا يحلّ لكم ذكره باسمه
، قلت : فكيف نذكره ؟ قال
: قولوا : الحجة من آل محمد 6 » .
وهذا السند حجة لوثاقة رجاله ، والعلوي
الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الاجلاء كما يعلم من رجال النجاشي في ترجمة العمركي
البوفكي .
ونكتفي بهذا القدر من الاحاديث مع
التنبيه على ثلاثة أُمور وهي : ـ
الأول
: إنَّ الحديث الأخير لا يدل على عدم
رؤية الإمام المهدي مطلقاً ؛ لأن قوله 7
: ( لا ترون شخصه ) إذا عُطِفَ على النهي عن التسمية
__________________
المعلل بوقوع الطلب
أي الخوف على حياة الإمام المهدي 7
في أحاديث أُخرى صحيحة
، يفهم منه الكناية عن الغيبة فيكون المعنى : إنّكم لاترون إمامكم المهدي كلما
أردتم ، إذ ليس قدرتكم على رؤيته كقدرتكم على رؤيتي في حياتي كلما أردتم ؛ لأنّه سيكون
في غيبة عنكم ، وإياكم أن تذكروه باسمه لكي لا يعرفه اعداء الله فيدركوا أثره.
والحاصل
: إنَّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة ، والنهي
عن التسمية لأجل الخوف عليه ، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة ، وتوجهه
للمخاطبين بالكلام كلهم أو بعضهم دون غيرهم ، وإلاّ فقد رآه المئات من أصحاب أبيه
الإمام الحسن العسكري 7
في حياته وبإذن منه ، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه 8
كما سيتضح في هذا الفصل.
الثاني
: إنّ ما ذكرناه من النصوص لا يمثل في
الواقع إلاّ جزءاً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن ، ولم يخضع
انتقاؤها لاعتبارات علمية ، بمعنى : إنّا لم نبحث عن الأسانيد الصحيحة لترسيخ
العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك ، وانما كوسيلة لإثبات المدعى ، وإلاّ فنحن
لسنا بحاجة إلى الأسانيد اصلاً ، لسببين :
أحدهما
: توفر الدليل القاطع على استمرار وجود
الإمام المهدي إلى آخر الزمان ، وقد مرّ بيان ذلك مفصلاً ، ومع هذا فأي حاجة تبقى
للأسانيد ؟
الآخر
: توفر الدليل على أنّ الأحاديث المروّية
في المهدي 7 قد اُخِذت
مباشرة من الكتب المؤلفة قبل ولادته 7
بعشرات السنين ، وقد شهد الصدوق بذلك ، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها على
الاصطلاح لا يقدح بصحتها لكون الإخبار فيها اعجازاً تحقق بعد حين ،
__________________
وهو آية صدقها.
الثالث
: إن أحاديث المهدي المسندة إلى النبي 6 وإلى أهل البيت : كلها تعبر عن حقيقة واحدة اتفق عشرات
الصادقين على الإخبار عنها ، ولا فرق في اثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً
أو ضعيفاً ، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد ، ثم أخبر غيره بموته أيضاً ، لا نقول له
: كذبت. ولو جاء ثالث ، ورابع ، وخامسٌ ... وعاشرٌ لا نقول لهم : كذبتم وإنْ لم
نعرف درجة صدقهم ، بل سيكون كل خبر من هذه الأخبار قرينة احتمالية تضاف إلى خبر
الصادق حتى يصبح على درجة من اليقين كلما تراكمت القرآئن بحيث يتضاءل احتمال
نقيضها حتى يصل إلى درجة الصفر.
إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه
الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الأخبار على محور واحد ، يستحيل معه
أن لا يكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع.
ومن هنا يعلم أنّ إثارة الشكوك حول
أحاديث المهدي وسلب دلالتها على شخصه العظيم ، كما يزعمه بعض المتطفلين على علم
الحديث الشريف ، متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية ، وبخاصة بعد ثبوت
انطباقها عليه 7
، ليس إلاّ التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل ، وعن ضحالة التفكير في كيفية المساس
بعقيدة ولو بالكذب والافتراء بعدم وجود الصحيح الثابت ، مع التستر بمزاعم التصحيح
كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلى حرفة صحفية تنطلق من اجواء الغرب ، وتستظل
بفيئه ، وتحركها أصابعه ، وتموّلها عملاؤه ، غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في
مهب الريح ، وتاركة ما رسمه النبي 6
وأهل بيته : من المسار
الصحيح لمعرفة من هو الإمام المهدي باسمه ونسبه الكريم.
ولادة الإمام المهدي 7
لسنا بحاجة إلى ما يبين ولادة الإمام المهدي
ويثبتها تاريخياً بعد أن عرفنا اتفاق كلمة المسلمين على أنّه من أهل البيت ، وأنّ
ظهوره يكون في آخر الزمان ، وعرفنا أيضاً النتيجة التي انتهى إليها البحث في طوائف
نسب الإمام المهدي ، وهي أنّه لا مجال للشك في كون المهدي الإمام الثاني عشر من
أئمة أهل البيت :
، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب :
، وانه حسيني الأب حسني الاَُم من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أُم الإمام الباقر
محمد بن علي بن الحسين :.
وهذا يعني إنّ البحث عن ولادة الإمام المهدي
وبيان ثبوتها شرعاً بحث غير طبيعي لولا وجود بعض الملابسات التاريخية حول ولادته 7 ، كادعاء عمّه جعفر الكذّاب بعدم وجود
خلفٍ لأخيه العسكري 7
، وقيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الإمام العسكري بعد وفاته لأخيه جعفر الكذاب
أخذاً بادعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية انفسهم ولم
يروه غيرهم قط إلاّ من طرقهم ، وفي هذا وحده كفاية للمنصف المتدبر ، إذ كيف يروي
الشيعة أمراً ويعتقدون بخلافه لو لم يثبت لهم زيف هذا الأمر وبطلانه ؟!
إنه من قبيل رواياتهم انكار معاوية
منزلة علي 7 من رسول
الله 6. فانكار
معاوية ثابتٌ ، ومنزلة علي 7
ثابتة ؛ وثبات كلاهما عند الشيعة لا يخالجه شكٌّ ؛ لأنه على نحو اليقين ، فكذلك
انكار جعفر الكذاب ثابت
عندهم ، وتصرف
السلطة على وفق ادعائه ثابت أيضاً ، وفي مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي بالاقرار
والعيان ، وما بعدهما من برهان.
ولكن من يقتات على موائد الغرب مع
انحرافه ، لا يبعد منه استغلال تلك الملابسات ، واثارتها بثوب جديد موشى بالوان ( التصحيح
).
ولأجل هذا نقول : إنَّ ولادة أي انسان
في هذا الوجود تثبت باقرار أبيه ، وشهادة القابلة ، وان لم يره أحد قط غيرهما ، فكيف
لو شهد المئات برؤيته ، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الانساب بنسبه ، وظهر
على يديه ما عرفه المقربون اليه ، وصدرت منه وصايا وتعليمات ، ونصائح وإرشادات ، ورسائل
وتوجيهات ، وأدعية وصلوات ، وأقوال مشهورة ، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين ، وسفراؤه
معلومين ، وانصاره في كل عصر وجيل بالملايين.
ولعمري ، هل يريد من استغل تلك
الملابسات ، وأنكر ولادة الإمام المهدي 7
أكثر من هذا لاثبات ولادته ، أم تراه يقول في بلسان الحال للمهدي ، كما قال
المشركون بلسان المقال لجدّه النبي 6
: ( وَقَالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنبُوعاً ، أوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ
مِن نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الاَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ، أوْ
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أوْ تَأْتِيَ بِاللهِ
وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقى فِي
السَّمَاءِ وَلَن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً
نَقْرَؤُهُ ! قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلاَّ بَشَراً رَسُولاً
) .
اللّهم إنّا لا نرجو هداية من عرف الحق
وتمسك بالباطل ؛ لأن من لا يقدر على الانتفاع بضياء الشمس ، فهو على الانتفاع بنور
القمر أعجز ، وانما نطمح إلى ايصال الحق إلى جاهله ، وتقوية الايمان به عند من
__________________
ضعف في قلبه ، فنقول
:
إخبار الإمام العسكري
بولادة ابنه المهدي 8
:
ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى
العطار ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال : « قلتُ لأبي محمد 7 : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن
اسألك ؟ فقال : سلْ ، قلتُ : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم ، فقلتُ : فإنْ حدث
بك حدث فأين اسأل عنه ؟ قال : بالمدينة » .
والخبر الصحيح عن علي بن محمد ، عن محمد
بن علي بن بلال قال : « خرج إليَّ من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من
بعده ، ثم خرج إليَّ من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده » .
والمراد بعلي بن محمد هو الثقة الأديب الفاضل
ابن بندار ، وأما عن محمد بن علي بن بلال فانه من الوثاقة والجلالة أشهر من نارٍ
على علم بحيث كان يراجعه من مثل ابي القاسم الحسين بن روح 2 ، كما هو معلوم عند أهل الرجال.
شهادة القابلة
بولادة الإمام المهدي 7
:
وهي السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت
الإمام الجواد وأُخت الإمام الهادي وعمة الإمام العسكري :. وهي التي تولّت أمر نرجس أُم الإمام المهدي
7 في ساعة
الولادة
، وصرحت بمشاهدة الإمام الحجة بعد
__________________
مولده ، وقد ساعدتها بعض النسوة في عملية
الولادة ، منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الإمام العسكري 7 فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى ، ومارية ، ونسيم خادمة الإمام العسكري 7 .
ولا يخفى ان ولادات المسلمين لا يطلع عليها
غير النساء القوابل ، ومن ينكر هذا فعليه ان يثبت لنا مشاهدة غيرهن لاُمّه في
مولده !
هذا وقد أجرى الإمام العسكري 7 السُنّة الشّريفة بعد ولادة المهدي 7 فعقَّ عنه بعقيقة كما يفعل الملتزمون بالسُنّة حينما
يرزقهم الله من فضله مولوداً.
من شهد برؤية المهدي
من أصحاب الأئمة :
وغيرهم :
شهد برؤية الإمام المهدي في حياة أبيه
العسكري 8 وبإذن منه
عدد من أصحاب العسكري وأبيه الهادي 8
، كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية الإمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري 8 وذلك في غيبته الصغرى التي ابتدأت من
سنة (٢٦٠ ه ) إلى سنة ( ٣٢٩ ه ) ، ولكثرة من شهد على نفسه بذلك سوف نقتصر على ما
ذكره المشايخ المتقدمون وهم : الكليني ( ت / ٣٢٩ ه ) الذي أدرك الغيبة الصغرى
بتمامها تقريبا ، والصدوق ( ت / ٣٨١ ه ) وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين
عاماً ، والشيخ المفيد ( ت / ٤١٣ ه ) ، والشيخ الطوسي ( ت / ٤٦٠ ه ) ولا بأس
بذكر اليسير جداً من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه 7 ثم
__________________
الاكتفاء ببيان
أسماء المشاهدين للإمام المهدي 7
مع تعيين موارد رواياتهم في كتب المشايخ الأربعة لأجل الاختصار. فمن تلك الروايات
:
ما
رواه الكليني في اُصول الكافي
بسند صحيح : عن محمد بن عبدالله ومحمد بن يحيى جميعاً؛ عن عبدالله بن جعفر الحميري
، قال : « اجتمعت أنا والشّيخ أبو عمرو ;
عند أحمد بن اسحاق فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت له : يا أبا
عمرو إني أُريد أن اسألك عن شيء وما أنا بشاكٍ فيما أُريد أن اسألك عنه ـ إلى أن
قال بعد إطراء العمري وتوثيقه على لسان الأئمة :
ـ : فَخَرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال : سل حاجتك. فقلتُ له : أنت رأيت الخلف
من بعد أبي محمد 7
؟ فقال : إي والله ورقبته مثل ذا ـ وأومأ بيده ـ فقلتُ له : فبقيت واحدة ، فقال لي
: هات ، فقلتُ : فالاسم ؟ قال : محرم عليكم أنْ تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من
عندي ، فليس لي أن أُحلل ولا أُحرم ، ولكن عنه 7
، فإن الأمر عند السلطان : أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقَسَّم ميراثه وأخذه
من لا حقّ له فيه ، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم
شيئاً ، واذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك » .
ومنها
: ما رواه في الكافي بسند صحيح : عن علي
بن محمد وهو ابن بندار الثقة ، عن مهران القلانسي الثقة قال : قلتُ للعمري : « قد
مضى أبو محمد ؟ فقال لي : قد مضى ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه ، واشار بيده » .
__________________
ومنها
: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاّء
المشايخ قال : « حدثنا محمد بن الحسن 2
قال : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال : قلتُ لمحمد بن عثمان العمري 2 : اني اسألك سؤال ابراهيم ربه جلّ
جلاله حين قال : (
رَبِّ
أَرِني كَيفَ تُحْيي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن
لِيَطْمَئنَّ قَلْبي )
فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته ؟ قال : نعم ، وله رقبه مثل ذي واشار بيده إلى
عنقه » .
ومنها
: ما رواه الصدوق في كمال الدين قال : « وحدثنا
أبو جعفر محمد ابن علي الأسود 2
قال : سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه 2
بعد موت محمد بن عثمان العمري 2
أن اسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان 7 أن يدعو الله عزّ وجل أن يرزقه ولداً
ذكراً قال : فسألته ، فأنهى ذلك ، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعى لعلي
بن الحسين وانه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد ـ ثم قال الصدوق بعد
ذلك ـ قال مصنف هذا الكتاب 2
: كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود 2
، كثيراً ما يقول لي ـ إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد 2 ، وأرغب في
كتب العلم وحفظه ـ ليس بعجب أنْ تكون لكَ هذه الرغبة في العلم ، وأنت ولدت بدعاء
الإمام 7 » .
ومنها
: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة
عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال : « وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن
عبيدالله ، عن أبي عبدالله محمد بن أحمد الصفواني قال : أوصى الشيخ
__________________
أبو القاسم 2 إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري 2 فقام بما كان إلى أبي القاسم [ السفير
الثالث ] فلما حضرته الوفاة ، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم
مقامه ، فلم يظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنّه لم يُؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا
الشأن » .
ولا يخفى إن مقام السّمري مقام أبي
القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الإمام تتطلب رؤيته في كل أمر يحتاج اليه فيه
، ومن هنا تواتر ما خرج على يد السفراء الأربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات من
وصايا وارشادات وأوامر وكلمات الإمام المهدي 7
.
وهناك روايات أُخرى كثيرة صريحة برؤية
السفراء الأربعة كلٌّ في زمان وكالته للامام المهدي وكثير منها بمحضر من الشيعة
وها نحن نشير الى اسماء من رآه 7
وهم :
ابراهيم بن ادريس أبو أحمد ، وابراهيم بن عبدة النيسابوري ، وابراهيم بن محمد التبريزي ، وابراهيم بن مهزيار ابو اسحاق
الاهوازي
، وأحمد بن اسحاق بن سعد الاشعري
ورآه مرة أُخرى مع سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري ( من مشايخ والد الصدوق
__________________
والكليني ) ، وأحمد بن الحسين بن عبدالملك أبو
جعفر الأزْدي وقيل الأوْدي
، وأحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً ، وأحمد بن محمد بن المُطَهَّر أبو علي
من أصحاب الهادي والعسكري 8
، وأحمد بن
هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون ، وكان معه جماعة منهم : علي بن بلال ، ومحمد
بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيوب بن نوح ، وعثمان بن سعيد العمري 2 إلى تمام أربعين رجلاً ، واسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل ، وأبو عبد الله بن صالح ، وأبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي ، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن
الكرخي
، وجعفر الكذاب عم الإمام المهدي 7
رأى الإمام المهدي 7
مرتين ، والسيدة
العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد 8
، والزهري وقيل الزهراني ومعه العمري 2
، ورشيق
صاحب المادراي
،
__________________
وأبو القاسم الروحي 2
، وعبد الله السوري
، وعمرو الأهوازي
، وعلي بن ابراهيم بن مهزيار الأهوازي
، وعلي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن ابراهيم اليماني ، وغانم أبو سعيد الهندي ، وكامل بن ابراهيم المدني ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري 2
، ومحمد بن أحمد الأنصاري أبو نعيم الزيدي ، وكان معه في مشاهدة الإمام المهدي 7 : أبو علي المحمودي ، وعلاّن الكليني ،
وأبو الهيثم الدِّيناري ، وأبو جعفر الأحول الهمداني ، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً
فيهم السيد محمد بن القاسم العلوي العقيقي
، والسيد الموسوي محمد بن اسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر 8 وكان أسنّ شيخ في عصره من ولد رسول
الله 6 ، ومحمد بن جعفر أبو العباس الحميري
على رأس وفد من شيعة مدينة قم
، ومحمد بن الحسن بن عبيدالله التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة ، ومحمد بن صالح بن علي بن محمد بن
قنبر الكبير مولى
__________________
الإمام الرضا 7
، ومحمد بن عثمان العمري 2
وكان قد رآه
مع أربعين رجلاً بإذن الإمام العسكري 7
، وكان من جملتهم : معاوية بن حكيم ، ومحمد بن أيوب بن نوح ، ويعقوب بن منقوش ، ويعقوب بن يوسف الضّراب الغساني ، ويوسف بن أحمد الجعفري .
شهادة وكلاءالمهدي
ومن وقف على معجزاته 7
برؤيته :
لقد ذكر الصدوق من وقف على معجزات
الإمام المهدي ورآه من الوكلاء وغيرهم مع تسمية بلدانهم وقد أشرنا إلى بعضهم ، وقد
بلغوا من الكثرة حدّاً يمتنع معه اتفاقهم على الكذب لاسيما وهم من بلدان شتى ، واليك
بعضهم :
فمن
بغداد : العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار.
ومن
الكوفة : العاصمي.
ومن
أهل الاهواز : محمد بن ابراهيم بن
مهزيار.
ومن
أهل قم : أحمد بن اسحاق.
ومن
أهل همدان : محمد بن صالح.
ومن
أهل الري : البسامي ، والاسدي
( محمد بن أبي عبدالله الكوفي ).
__________________
ومن
أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء.
ومن
أهل نيسابور : محمد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء.
من
أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي
حليس ، وأبو عبدالله الكندي ، وأبو عبدالله الجنيدي ، وهارون القزاز ، والنيلي ، وأبو
القاسم بن دبيس ، وأبو عبدالله بن فروخ ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن 7 ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن ، واسحاق
الكاتب من بني نوبخت وغيرهم.
ومن
همدان : محمد بن كشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمد
بن هارون بن عمران.
ومن
الدينور : حسن بن هارون ، وأحمد
بن أُخَيَّة ، وأبو الحسن.
ومن
أصفهان : ابن باشاذالة.
ومن
الصيمرة : زيدان.
ومن
قم : الحسن بن النضر ، ومحمد بن محمد ، وعلي
بن محمد بن اسحاق ، وأبوه ، والحسن بن يعقوب.
ومن
أهل الري : القاسم بن موسى ، وابنه
، وأبو محمد بن هارون ، وعلي بن محمد ، ومحمد بن محمد الكليني ، وأبو جعفر الرفّاء.
ومن
قزوين : مرداس ، وعلي بن أحمد.
ومن
نيسابور : محمد بن شعيب بن صالح.
ومن
اليمن : الفضل بن يزيد ، والحسن بن الفضل بن
يزيد ، والجعفري ، وابن الاعجمي ، وعلي بن محمد الشمشاطي.
ومن
مصر : أبو رجاء وغيره.
ومن
نصيبين : أبو محمد الحسن بن الوجناء النصيبي.
كما ذكر أيضاً من رآه 7 من أهل شهرزور ، والصيمرة ، وفارس
وقابس ، ومرو .
شهادة الخدم
والجواري والاِماء برؤية المهدي 7 :
كما شاهد الإمام المهدي 7 من كان يخدم أباه العسكري 7 في داره مع بعض الجواري والإماء ، كطريف
الخادم أبي نصر
، وخادمة ابراهيم بن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيدها الإمام المهدي 7
، وأبي الأديان الخادم
، وأبي غانم الخادم الذي قال : « ولد لأبي محمد 7
ولد فسماه محمداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث ، وقال : هذا صاحبكم من بعدي ، وخليفتي
عليكم ، وهو القائم الذي تمتد اليه الاعناق بالانتظار ، فاذا امتلاَت الارض جوراً
وظلماً خرج فملاَها قسطاً وعدلاً » .
وشهد بذلك أيضاً : عقيد الخادم ، والعجوز الخادمة ، وجارية أبي علي الخيزراني التي
اهداها إلى الإمام العسكري 7
، ومن
الجواري اللّواتي شهدن برؤية الإمام المهدي 7
: نسيم
، ومارية .
__________________
كما شهد بذلك مسرور الطباخ مولى أبي
الحسن 7 ، وكل هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به
أبو غانم الخادم في بيت العسكري 7.
تصرف السلطة دليل
على ولادة الإمام المهدي 7 :
ولد الإمام الحسن العسكري 7 في شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه ، وقد
عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم : المعتز ( ت / ٢٥٥ ه ) ، والمهتدي ( ت / ٢٥٦
ه ) ، والمعتمد ( ت / ٢٧٩ ه ).
وقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد على
آل البيت : ومن تصفح
كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره ، واستقرأ ما في حوادث سنة ( ٢٥٧ ه ) و ( ٢٥٨
ه ) و ( ٢٥٩ ه ) و ( ٢٦٠ ه ) ، وهي السنوات الأولى من حكمه ، عَلِم مدى حقده
على أئمة أهل البيت :.
ولقد عاقبه الله في حياته ، إذ لم يكن
في يده شيءٌ من مُلْكِهِ حتى إنّه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها ، ومات ميتة
سوءٍ إذ ضجر منه الاتراك فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين.
ومن مواقفه الخسيسة أَمْرُهُ شَرَطَته
بعد وفاة الإمام الحسن العسكري 7
مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهدي 7 والامر بحبس جواري أبي محمد 7 واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر
الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري 7
في نفوس شيعته ، حتى جرى بسبب ذلك ـ كما يقول الشيخ المفيد ـ على مُخَلَّفي أبي
محمد 7 كل عظيمة من
اعتقال ، وحبس ، وتهديد ، وتصغير ، واستخفاف ، وذِل .
__________________
كل هذا والإمام المهدي في الخامسة من
عمره الشريف ، ولا يهم المعتمد العباسي العمر بعد أنْ عرف أن هذا الصبي هو الإمام الذي
سيهدّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت : سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت
ظلماً وجوراً.
فكان موقفه من مهدي الأمّة كموقف فرعون
من نبي الله موسى 7
الذي ألقته أُمّهُ ـ خوفاً عليه ـ في اليمِّ صبياً ، وبعض الشرّ أهون من بعض.
ولم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه
الحقيقة وحده وإنّما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي ؛ ولهذا كان الإمام الحسن
العسكري 7 حريصاً على
أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي إلاّ بين الخلّص من شيعته ومواليه 7 ، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات
الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته 7
، إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة
الطواغيت بأنّه ( الثاني عشر ) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم
وأدركوا تواتره ، وإلاّ فأي خطر يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من
العمر خمس سنين ؟! لو لم يدرك أنّه هو المهدي المنتظر التي رسمت الأحاديث
المتواترة دوره العظيم بكل وضوح ، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.
ولو لم يكن الامر على ما وصفناه فلماذا
لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه العسكري 7 مات ولم يخلف ولداً ؟
أَمَا كان بوسع السلطة أنْ تعطي جعفراً
الكذاب ميراث أخيه 7
من غير ذلك التصرف الأحمق الذي يدل على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالى
فرجه الشريف ؟!
قد يقال : بأنّ حرص السلطة على إعطاء كل
ذي حق حقه هو الذي
دفعها إلى التحري عن
وجود الخلف لكي لايستقل جعفر الكذاب بالميراث وحده بمجرد شهادته !
فنقول : ومع هذا ، فانه ليس من شأن
السلطة الحاكمة آنذاك أنْ تتحرى عن هذا الأمر بمثل هذا التصرف المريب ، بل كان على
السلطة ان تحيل دعوى جعفر الكذاب إلى أحد القضاة ؛ لاسيما وان القضية من قضايا
الميراث التي يحصل مثلها كل يوم مرات ، وعندها سيكون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء
الشهود كأُمّ الإمام العسكري 7
، ونسائه وجواريه والمقربين اليه من بني هاشم ، ثم يستمع إلى اقوالهم ويثبت
شهاداتهم ، ثم يصدر الحكم على ضوء ما بيديه من شهادات ، أمّا أنّ تنفرد السلطة
بنفسها ويصل الأمر إلى أعلى رجل فيها ، وبهذه السرعة ، ولمّا يدفن الإمام الحسن 7 ، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع
أنّها من اختصاصاته ، ومن ثم مداهمة الشَرَطة لمن في بيت الإمام العسكري 7 بعد وفاته مباشرة ، كل ذلك يدل على
تيقن السلطة من ولادة الإمام المهدي وإنْ لم تره ، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل
البيت كما أشرنا إليه ؛ ولهذا جاءت للبحث عنه لابعنوان إعطاء ميراث العسكري 7 لمن يستحقه من بعده ، وإنّما للقبض
عليه والفتك به بعد أن لم يجدوا لذلك سبيلاً في حياة أبيه العسكري 7.
ولهذا كان الخوف على حياته الشريفة من
اسرار غيبته 7 كما مر عليك
في إخبار آبائه الكرام :
عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.
اعترافات علماء الأنساب
بولادة الإمام المهدي 7
:
لا شك في أنّ الرجوع إلى أصحاب كلّ فن
ضرورة ، والأولى
بصدد ما نحن فيه ، هم
علماء الانساب ، واليك بعضهم :
١
ـ النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري
من أعلام القرن الرابع الهجري ، كان حياً سنة ( ٣٤١ ه ) ، وهو من أشهر علماء
الانساب المعاصرين لغيبة الإمام المهدي الصغرى التي انتهت سنة ٣٢٩ ه.
قال في سر السلسلة العلوية : « وولد علي
بن محمد التقي 7
: الحسن ابن علي العسكري 7
من أُم ولد نوبيّة تدعى : ريحانة ، وولد سنة احدى وثلاثين ومائتين وقبض سنة ستين
ومائتين بسامراء ، وهو ابن تسع وعشرين سنة .. وولد علي بن محمد التقي 7 جعفراً وهو الذي تسميه الإمامية جعفر
الكذاب ، وإنّما تسميه الإمامية بذلك ؛ لادعائه ميراث أخيه الحسن 7 دون ابنه القائم الحجة 7. لاطعن في نسبه » .
٢
ـ السيد العمري النسابة المشهور من
أعلام القرن الخامس الهجري قال ما نصه : « ومات أبو محمد 7 وولده من نرجس 3 معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله ، وسنذكر
حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك ، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته ،
وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله فدفع أنْ يكون له ولد ، وأعانه بعض الفراعنة
على قبض جواري أخيه » .. .
٣
ـ الفخر الرازي الشافعي ( ت / ٦٠٦ ه ) ، قال
في كتابه الشجرة المباركة في أنساب الطالبية تحت عنوان : أولاد الامام العسكري 7 ما هذا نصه : « أما الحسن العسكري
الامام 7 فله ابنان
وبنتان : اما الابنان ، فأحدهما : صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف ، والثاني
موسى
__________________
درج في حياة أبيه.
وأما البنتان : ففاطمة درجت في حياة أبيها ، وأم موسى درجت أيضاً » .
٤
ـ المروزي الازورقاني ( ت / بعد سنة ٦١٤
ه ) فقد وصف في كتاب الفخري جعفر ابن الإمام الهادي في محاولته انكار ولد أخيه
بالكذاب
، وفيه أعظم دليل على اعتقاده بولادة الإمام المهدي.
٥
ـ السيد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني
المعروف بابن عِنَبَه ( ت / ٨٢٨ ه ) قال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : «
أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسُرَّ من رأى ، وكانت تسمى العسكر ، وأُمّه
أُم ولد ، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل ، أشخصه المتوكل إلى سُرَّ من رأى
فأقام بها إلى أن تُوفي ، وأعقب من رجلين هما :
الإمام أبو محمد الحسن العسكري 7 ، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم ،
وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية وهو
القائم المنتظر عندهم من أُم ولد اسمها نرجس.
واسم أخيه أبو عبدالله جعفر الملقب
بالكذّاب ؛ لادعائه الإمامة بعد أخيه الحسن » .
وقال في الفصول الفخرية ( مطبوع باللغة
الفارسية ) ما ترجمته : « أبو محمد الحسن الذي يقال له العسكري ، والعسكر هو
سامراء ، جلبه المتوكل وأباه إلى سامراء من المدينة ، واعتقلهما. وهو الحادي عشر
من الأئمة الاثني عشر ، وهو والد محمد المهدي 7
، ثاني عشرهم » .
٦
ـ النسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني
__________________
الصنعاني
من أعيان القرن الحادي عشر.
ذكر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب
أولاد أبي جعفر محمد بن علي الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : ، وتحت اسم الإمام علي التقي المعروف
بالهادي 7 خمسة من
البنين وهم : الإمام العسكري ، الحسين ، موسى ، محمد ، علي. وتحت اسم الإمام العسكري
7 مباشرة كتب
: ( محمد بن ) وبازائه : ( منتظر الإمامية ) .
٧
ـ محمد أمين السويدي ( ت / ١٢٤٦ ه )
قال في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب : « محمد المهدي : وكان عمره عند وفاة
أبيه خمس سنين ، وكان مربوع القامة ، حسن الوجه والشَّعر ، أقنى الانف ، صبيح
الجبهة » .
٨
ـ النسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري
قال في الدرر البهية في الانساب الحيدريّة والأوَيسيّة في بيان أولاد الإمام الهادي
7 : « أعقب
خمسة أولاد : محمد وجعفر والحسين والإمام الحسن العسكري وعائشة.
فالحسن العسكري أعقب محمد المهدي صاحب
السرداب ». ثم قال بعد ذلك مباشرة وتحت عنوان : ( الامامان محمد المهدي والحسن
العسكري ) :
« الإمام الحسن العسكري : ولد بالمدينة
سنة ٢٣١ ه وتوفي بسامراء سنة ٢٦٠ ه.
الإمام محمد المهدي : لم يذكر له ذرية
ولا أولاد له أبداً » .
__________________
ثم علق في هامش العبارة الاخيرة بما هذا
نصه : « ولد في النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه ، وأُمّه نرجس ، وُصِفَ فقالوا عنه : ناصع
اللون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب ، مسنون الخد ، أقنى الأنف ، أشم ، أروع ، كأنّه
غصن بان ، وكأنَّ غرّته كوكب دريّ ، في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض
الفضّة ، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه ، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسناً
وسكينةً وحياءً » .
وبعد ، فهذه هي أقوال علماء الانساب في
ولادة الإمام المهدي 7
وفيهم السني والزيدي الى جانب الشيعي ، وفي المثل : أهل مكة أعرف بشعابها.
اعتراف علماء أهل
السنّة بولادة الإمام المهدي 7 :
هناك اعترافات ضافية سجلها الكثير من
أهل السنة باقلامهم بولادة الإمام المهدي 7
، وقد قام البعض باستقراء هذه الاعترافات في بحوث خاصة ، فكانت متصلة الازمان ، بحيث
لاتتعذر معاصرة صاحب الاعتراف اللاحق لصاحب الاعتراف السابق بولادة المهدي 7 ، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغرى
للامام المهدي 7
( ٢٦٠ ه ـ ٣٢٩ ه ) والى الوقت الحاضر.
وسوف نقتصر على ذكر بعضهم ـ ومن أراد
التوسُّع في ذلك فعليه مراجعة الاستقراءات السابقة لتلك الاعترافات ـ وهم :
__________________
١
ـ ابن الأثير الجزري عز الدين
( ت / ٦٣٠ ه ) قال في كتابة الكامل في التأريخ في حوادث سنة ( ٢٦٠ ه ) : « وفيها
توفي أبو محمد العلوي العسكري ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية ، وهو
والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر » .
٢
ـ ابن خلكان ( ت / ٦٨١ ه ) قال
في وفيات الأعيان : « أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد
الجواد المذكور قبله ، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف
بالحجة ... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين » ثم نقل
عن المؤرخ الرحّالة ابن الأزرق الفارقي ( ت / ٥٧٧ ه ) انه قال في تاريخ
مَيَّافارقين : « إنَّ الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين
ومائتين ، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين ، وهو الأصح » … ؟.
أقول
: الصحيح في ولادته 7 هو ما ذكره ابن خلكان أولاً ، وهو يوم
الجمعة منتصف شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين ، وعلى ذلك اتفق جمهور الشيعة وقد
أخرجوا في ذلك روايات صحيحة في ذلك مع شهادة أعلامهم المتقدمين ، وقد اطلق هذا
التاريخ الشيخ الكليني المعاصر للغيبة الصغرى بكاملها تقريباً اطلاق المسلمات
وقدمه على
__________________
الروايات الواردة
بخلافه ، فقال في باب مولد الصاحب 7
: « ولد 7 للنصف من شعبان
سنة خمس وخمسين ومائتين » .
وقد روى الصدوق ( ت / ٣٨١ ه ) عن شيخه
محمد بن محمد بن عصام الكليني ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد بن
بندار قال : « ولد الصاحب 7
للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين » .
والكليني لم ينسب قوله الى علي بن محمد
لشهرته وحصول الاتفاق عليه.
٣
ـ الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه ) اعترف بولادة المهدي 7 في ثلاثة من كتبه ، ولم نتتبع كتبه
الاَُخرى.
قال
في كتابه العبر : « وفيها [ أي : في
سنة ٢٥٦ ه ] ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن
موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحُسَيْني ، أبو القاسم الذي تلقّبه الرافضة
الخلف الحجة ، وتلقّبه بالمهدي ، والمنتظر ، وتلقبه بصاحب الزمان ، وهو خاتمة
الاثني عشر » .
وقال
في تاريخ دول الإسلام في ترجمة الإمام الحسن
العسكري : « الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق ، أبو محمد
الهاشمي الحُسَيْني ، أحد أئمة الشيعة الذي تدعي الشيعة عصمتهم ، ويقال له : الحسن
العسكري ، لكونه سكن سامراء ، فإنها يقال لها العسكر. وهو والد منتظر الرافضة ، توفي
إلى رضوان الله بسامراء في
__________________
ثامن ربيع الأول سنة
ستين ومائتين وله تسع وعشرون سنة ، ودفن إلى جانب والده.
وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه
الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين ، وقيل سنة ست وخمسين » .
وقال
في سير أعلام النبلاء : « المنتظر الشريف
أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضي بن
موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي ابن الحسين
الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب ، العلوي ، الحُسَيْني خاتمة الاثني عشر سيداً »
.
أقول
: ما يعنينا من رأي الذهبي في ولادة
الإمام المهدي فقد بيّناه ، وأما عن اعتقاده بالمهدي فهو كما في جميع أقواله
الاُخرى كان ينتظر ـ كغيره ـ سرابا كما أوضحناه في من يعتقد بكون المهدي ( محمد بن
عبدالله ).
٤
ـ ابن الوردي ( ت / ٧٤٩ ه ) قال
في ذيل تتمة المختصر المعروف بتاريخ ابن الوردي : « ولد محمد بن الحسن الخالص سنة
خمس وخمسين ومائتين » .
٥
ـ أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي
( ت / ٩٧٤ ه ) قال في كتابه ( الصواعق المحرقة ) في آخر الفصل الثالث من الباب
الحادي عشر ما هذا نصه : « أبو محمد الحسن الخالص ، وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري
، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ... مات بسُرَّ من رأى ، ودفن عند أبيه
__________________
وعمه ، وعمره ثمانية
وعشرون سنة ، ويقال : إنّه سُمَّ أيضاً ، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة
، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة ، ويسمى القائم المنتظر
، قيل : لأنّه سُتِرَ بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب » انتهى.
٦
ـ الشبراوي الشافعي ( ت / ١١٧١ ه )
صرح في كتابه ( الاتحاف ) بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري 8 في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين
ومئتين من الهجرة .
٧
ـ مؤمن بن حسن الشبلنجي ( ت / ١٣٠٨ ه )
اعترف في كتابه ( نور الابصار ) باسم الإمام المهدي ، ونسبه الشريف الطاهر ، وكنيته
، والقابه في كلام طويل الى أن قال : « وهو آخر الأئمة الاثني عشر على ما ذهب إليه
الإمامية » ثم نقل عن تاريخ ابن الوردي ما تقدم برقم / ٤ .
٨
ـ خير الدين الزركلي ( ت / ١٣٩٦ ه )
قال في كتابه ( الاعلام ) في ترجمة الإمام المهدي المنتظر : « محمد بن الحسن
العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم ، آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ..
ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين .. وقيل في تاريخ مولده : ليلة نصف
شعبان سنة ٥٥٢ ، وفي تاريخ غيبته ، سنة ٢٦٥ ه » .
أقول
: ابتداء تاريخ الغيبة الصغرى هو (٢٦٠ ه
) باتفاق الشيعة أجمع وسائر من أرخ لتاريخ الغيبة في ما اطلعنا عليه. ولعل ما ورد
في الأعلام من غلط المطبعة ؛ لأن الزركلي لم يكتب سنة الغيبة كتابة بل رقماً ،
__________________
واحتمال الغلط في
طباعة الارقام ممكن جداً.
إلى غير هذا من الإعترافات الكثيرة
الاُخرى التي لا يسعها البحث.
اعتراف أهل السُنّة
بان المهدي هو ابن العسكري 8 :
هناك اعترافات اُخرى من علماء أهل السنة
بخصوص كون المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان انما هو محمد بن الحسن العسكري 8 الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت : الذين هم أئمة للمسلمين جميعاً لا
للرافضة وحدهم كما يدعيه البعض مع الاسف الشديد ، وكأن النبي 6 أوصى ( الرافضة ) وحدهم بالتمسك
بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته :
!
وعلى أية حال فاننا سوف نذكر بعض من
أنصف وصرح بالحقيقة وهم :
١
ـ محيي الدين بن العربي ( ت / ٦٣٨ ه ) : صرح
بهذه الحقيقة في كتابه ( الفتوحات المكيّة ) في الباب السادس والستين وثلاثمائة في
المبحث الخامس على ما نقله عنه عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي ( ت / ٩٧٣ ه )
في كتابه ( اليواقيت والجواهر ) ، كما نقل قوله الحمزاوي في ( مشارق الانوار ) ، والصبان
في ( اسعاف الراغبين ) ، ولكن من يدّعي الحفاظ على التراث سوّلت له نفسه حذف هذا
الاعتراف من طبعات الكتاب اذ لا يوجد في الباب المذكور ـ كما تتبعته بنفسي ـ ما
نقله الشعراني عنه ، فقال : « وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين
وثلاثمائة من الفتوحات : واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي 7 ، ولكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً
وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يكن من الدنيا إلاّ يوم واحد طوّل الله
تعالى ذلك
اليوم حتى يلي ذلك
الخليفة ، وهو من عترة رسول الله 6
، من ولد فاطمة 3
، وجدّه الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي .. »
.
٢
ـ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي
( ت / ٦٥٢ ه ) قال في كتابه ( مطالب السؤول ) : « أبي القاسم محمد بن الحسن
الخالص بن عليّ المتوكل بن القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن
محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن
أبي طالب ، المهدي ، الحجة ، الخلف الصالح ، المنتظر :.
ورحمة الله وبركاته ».
ثم أنشد أبياتاً ، مطلعها :
فهذا الخلفُ الحجّةُ قد أيَّدَه اللهُ
|
|
هذا منهج الحقِّ وآتاهُ سجاياهُ
|
٣
ـ سبط ابن الجوزي الحنبلي ( ت / ٦٥٤ ه
) قال في ( تذكرة الخواص ) عن الإمام المهدي : « هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد
بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : ، وكنيته أبو عبدالله ، وأبو القاسم ، وهو
الخلف الحجة ، صاحب الزمان ، القائم ، والمنتظر ، والتالي ، وهو آخر الأئمة » .
٤
ـ محمد بن يوسف أبو عبدالله الكنجي الشافعي
( المقتول سنة ٨٦٥ ه ) ، قال في آخر صحيفة من كتابه ( كفاية الطالب ) عن الإمام الحسن
العسكري 7 ما نصه : « مولده
بالمدينة في شهر ربيع الآخر ، من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقبض يوم الجمعة
لثمان خلون من شهر ربيع
__________________
الأول سنة ستين ومائتين
، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة ، ودفن في داره بسُرَّ من رأى في البيت الذي دُفن
فيه أبوه ، وخلف ابنه وهو الإمام المنتظر صلوات الله عليه. ونختم الكتاب ونذكره
مفرداً ».
ثم أفرد لذكر الإمام المهدي محمد بن
الحسن العسكري 7
كتاباً أطلق عليه اسم : ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) وهو مطبوع في نهاية كتابه
الأول ( كفاية الطالب ) وكلاهما بغلاف واحد ، وقد تناول في البيان أُموراً كثيرة
كان آخرها إثبات كون المهدي 7
حيّاً باقياً منذ غيبته إلى أن يملأ الدنيا بظهوره في آخر الزمان قسطاً وعدلاً كما
ملئت ظلماً وجوراً .
٥
ـ نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي
( ت / ٨٥٥ ه ) عنون الفصل الثاني عشر من كتابه : ( الفصول المهمة ) بعنوان : في
ذكر أبي القاسم الحجة ، الخلف الصالح ، ابن أبي محمد الحسن الخالص ، وهو الإمام الثاني
عشر.
وقد احتج بهذا الفصل بقول الكنجي
الشافعي : « ومما يدلّ على كون المهدي حيّاً باقياً منذ غيبته إلى الآن ، وإنّه لا
امتناع في بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله ، وبقاء الاعور
الدجال ، وابليس اللعين من أعداء الله ، هو الكتاب والسنة » ثم أورد أدلته على ذلك
من الكتاب والسنة ، مفصلاً تاريخ ولادة الإمام المهدي 7 ، ودلائل إمامته ، وطرفاً من أخباره ، وغيبته
، ومدة قيام دولته الكريمة ، وذكر كنيته ، ونسبه ، وغير ذلك مما يتصل بالامام
المهدي محمد بن الحسن العسكري 8
.
٦
ـ الفضل بن روزبهان ( ت / بعد ٩٠٩ ه ).
قال في كتابه : ( ابطال الباطل )
(١) البيان في أخبار صاحب الزمان : ٥٢١
باب ٢٥.
كلاماً جليلاً بحق
أهل البيت ثم قال : « ونعم ما قلت فيهم منظوماً :
سلام على المصطفى المجتبى
|
|
سلام على السيد المرتضى
|
سلام على ستنا فاطمة
|
|
من اختارها الله خير النسا
|
سلام من المسك انفاسه
|
|
على الحسن الألمعي الرضا
|
سلام على الأورعي الحسين
|
|
شهيد يرى جسمه كربلا
|
سلام على سيد العابدين
|
|
علي بن الحسين المجتبى
|
سلام على الباقر المهتدى
|
|
سلام على الصادق المُقتدى
|
سلام على الكاظم الممتحن
|
|
رضيّ السجايا إمام التقى
|
سلام على الثامن المؤتمن
|
|
عليَّ الرضا سيد الأصفيا
|
سلام على المتقيّ التقيّ
|
|
محمد الطيِّب المرتجى
|
سلام على الأريحيّ النقي
|
|
عليّ المُكرّم هادي الورى
|
سلام على السيد العسكري
|
|
إمام يجهزُ جيشَ الصفا
|
سلام على القائم المنتظر
|
|
أبي القاسم العرم نور الهدى
|
سيطلع كالشمس في غاسقٍ
|
|
ينجيه من سيفه المنتقى
|
قويّ يملأ الأرض من عدله
|
|
كما ملئت جور أهل الهوى
|
سـلام عليه وآبائه
|
|
وأنصاره ، ما تدوم السما »
|
٧
ـ شمس الدين محمد بن طولون الحنفي
مؤرخ دمشق ( ت / ٩٥٣ ه ) قال في كتابه ( الأئمة الاثنا عشر ) عن الإمام المهدي 7 : « كانت ولادته 2 يوم الجمعة ، منتصف شعبان سنة خمس
وخمسين ومائتين ، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره ( رضي الله عنهما ) كان عمره خمس
__________________
سنين » .
ثم ذكر الأئمة الاثني عشر : وقال : « وقد نظمتهم على ذلك ، فقلتُ :
عليك بالأئمة الاثني عشرْ
|
|
من آل بيت لمصطفى
خير البشرْ
|
أبو تراب ، حسنٌ ، حسينُ
|
|
وبغض زين العابدينَ شينُ
|
محمد الباقرُ كم علمٍ درى ؟
|
|
والصادق ادع جعفراً بين الورى
|
موسى هـو الكاظم ، وابنه عليُّ
|
|
لقبه بالرضا وقدرُهُ عَلِيُّ
|
محمد التقيّ قلبه معمورُ
|
|
عليُّ النقيُّ دُرُّهُ منثورُ
|
عسكريُّ الحسنُ المطهَّرُ
|
|
محمد المهديُّ سوفَ يظهرُ »
|
٨
ـ أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي
( ت / ١٠١٩ ه ) قال في كتابه ( أخبار الدول وآثار الأول ) في الفصل الحادي عشر : في
ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح :
« وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، أتاه
الله فيها الحكمة كما أوتيها يحيى 7
صبياً. وكان مربوع القامة ، حسن الوجه والشعر ، أقنى الانف ، أجلى الجبهة .. واتفق
العلماء
على أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت ، وقد تعاضدت الاخبار على ظهوره ، وتظاهرت
الروايات على اشراق نوره ، وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره ، وينجلي برؤيته
الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره ، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير
في مسيره » .
٩
ـ سليمان بن ابراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي
( ت / ١٢٧٠ ه )
__________________
كان القندوزي رحمه
الله من علماء الاحناف المصرحين بولادة الإمام المهدي 7 وأنّه هو القائم المنتظر ، وقد مرت
أقواله واحتجاجاته كثيراً في هذا البحث ولا بأس بذكر قوله : « فالخبر المعلوم
المحقق عند الثقات أن ولادة القائم 7
كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء » .
ونكتفي بهذا القدر ، على أن ما تركناه
من اسماء العلماء الذين قالوا بولادة الإمام المهدي ، أو الذين صرحوا بكونه هو
المهدي الموعود المنتظر في آخر الزمان هم اضعاف ما ذكرناه ، وقد أشرنا فيما تقدم
الى الاستقراءات السابقة التي اعتنت باعترافاتهم وسجلت اقوالهم.
__________________
الفصل الثالث
شبهات
حول المهدي
إذا كانت هناك ثمة أُمور لم تعالج في
فصول البحث المتقدمة ولها اتصال مباشر بمسألة الاعتقاد بالامام المهدي 7 ، فانها لاتعدو محاولات التشكيك التي
لا زالت تتردد على لسان بعض المتطفلين على تراث الإسلام الخالد ، وقد تعجب لو قلت
لك : انهم لا يعرفون من علوم الحديث الشريف ومصطلحه شيئاً ؛ ولهذا وقعوا في حبالة
الشبهات وتذرعوا بحجج واهية هي أوهى من بيت العنكبوت ، كما سيتضح ذلك من دراستها
ومناقشتها في هذا الفصل وعلى النحو الآتي :
التذرع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي
ومن الذرائع الواهية التي تمسكوا بها في
هذا المقام هو ان البخاري ومسلماً لم يرويا حديثاً في الإمام المهدي 7 .
وقبل مناقشة حجتهم تلك نود التأكيد على
أُمور.
الأول
: في الصحيح المنقول عن البخاري انه قال
عن كتابه الصحيح : أخرجت هذا الكتاب عن مائة الف حديث صحيح ـ وفي لفظ آخر : عن
مائتي ألف حديث صحيح ـ وما تركته من الصحيح أكثر ، فالبخاري اذن لم يحكم بضعف كل
حديث لم يروه ، بل ما حكم عليه بالصحة يزيد على مجموع ما أخرجه عشرات المرات.
__________________
الثاني
: انه لا يعرف عن عالم من أهل السنة قط
قد قال بضعف ما لم يروه الشيخان ، بل سيرتهم تدل على العكس تماماً. فقد استدركوا
على الصحيحين الكثير من الاحاديث الصحيحة ووضعوا لأجل ذلك الكتب.
الثالث
: من مراجعة تعريفهم للحديث الصحيح
لاتجده مشروطاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما ، وكذلك الحال في تعريفهم للخبر
المتواتر ، ومن هنا يعلم انه ليس من شرط صحة الخبر أو تواتره ان يكون راويه
البخاري أو مسلماً أو كلاهما ، بل وحتى لو اتفق البخاري ومسلم على عدم رواية خبر
متواتر ، فلا يقدح ذلك الاتفاق بتواتره عند أهل السنة ، وخير ما يمثل هذا هو حديث
العشرة المبشرة بالجنة كما هو معلوم عند أهل السنة الذين ذهبوا إلى تواتره ولم
يروه البخاري ولا مسلم قط.
الرابع
: إن من تذرع في انكار ظهور الإمام المهدي
7 بخلو
الصحيحين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن ، لا علم له بواقع الصحيحين كما سنوضحه
في جواب هذا الاحتجاج ، فنقول :
لا يخفى على أحد ، ان الاحاديث الواردة
في الإمام المهدي قد تعرضت لبيان مختلف الاَُمور كبيان اسمه الشريف ، وبعض أوصافه
، وعلامات ظهوره ، وطريقة حكمه بين الرعية وغير ذلك من الاَُمور الكثيرة الاَُخرى
، ولاشك أنه ليس من الواجب التنصيص على لفظ ( المهدي ) في كل حديث من هذه الاحاديث
، لبداهة معرفة المراد من دون حاجة إلى التشخيص. فمثلاً لو ورد حديث يبين صفة من
صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان 7
مع التصريح بلفظ ( المهدي ) ، ثم ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلاً لا
بعنوان المهدي وانما بعنوان ( رجل ) مثلاً فهل يشك عاقل في أن الرجل المقصود هو
المهدي ؟ وإلاّ فكيف
يعرف الاجمال في بعض الأحاديث ؟ وهل هناك طريقة عند علماء المسلمين شرقاً وغرباً
غير رد المجمل إلى المفصل سواء كان المجمل والمفصل في كتاب واحد أو كان كل منهما
في كتاب.
واذا ما عدنا إلى الصحيحين سنجد ان
البخاري ومسلماً قد رويا عشرات الاحاديث المجملة في المهدي 7 ، وقد أرجع علماء أهل السنة تلك
الاحاديث إلى الإمام المهدي لوجود ما يرفع ذلك الاجمال في الاحاديث الصحيحة
المخرجة في بقية كتب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات.
بل ونجد أيضاً ما يكاد يكون صريحاً جداً
بالامام المهدي في صحيحي البخاري ومسلم ، وقبل ان نبين هذه الحقيقة نودُّ ان نقول
بأنّ حديث : « المهدي حق
، وهو من ولد فاطمة » قد أخرجه أربعة من
علماء أهل السنة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحة ، وعند الرجوع إلى طبعات صحيح
مسلم المتيسرة لا تجد لهذا الحديث أثراً !!
أما من صرّح بوجود الحديث في صحيح مسلم
وأخرجه عنه فهم :
١
ـ ابن حجر الهيتمي ( ت / ٩٧٤ ه ) في
الصواعق المحرقة ، الباب الحادي عشر ، الفصل الأول : ص ١٦٣.
٢
ـ المتقي الهندي الحنفي ( ت / ٩٧٥ ه ) في
كنز العمال : ج ١٤ ص ٢٦٤ حديث ٣٨٦٦٢.
٣
ـ الشيخ محمد علي الصبان ( ت / ١٢٠٦
ه ) في اسعاف الراغبين : ص ١٤٥.
٤
ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي
( ت / ١٣٠٣ ه ) في مشارق الانوار : ص١١٢ وعلى أية حال فإنّ قسماً من أحاديث
الصحيحين لا يمكن تفسيره إلاّ بالامام المهدي 7.
ولم يكن هذا اجتهاداً منّا في فهم
أحاديث الصحيحين ، وانما هو ما اتفق عليه خمسة من شارحي صحيح البخاري كما سنوضحه
في محله.
أحاديث الصحيحين
المفسرة في المهدي :
١ ـ أحاديث خروج
الدجال في الصحيحين :
اقتصر البخاري في صحيحه على رواية خروج
الدجال وفتنته
بينما وردت في صحيح مسلم عشرات الاحاديث في خروج الدجال ، وسيرته ، وأوصافه ، وعبثه
، وفساده ، وجنده ، ونهايته .
وقد صرح النووي في شرح صحيح مسلم بأنّ
هذه الاحاديث الواردة « في قصة الدجال ، حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وانه
شخص بعينه ابتلى الله به عباده ـ إلى أن قال ـ : هذا مذهب أهل السنة ، وجميع
المحدثين ، والفقهاء ، والنُّظار » .
أما علاقة هذه الاحاديث بظهور المهدي 7 فتظهر من شهادة اعلام أهل السنة بتواتر
أحاديث المهدي وظهوره في آخر الزمان وخروج عيسى 7
معه فيساعده على قتل الدجال ، وقد مرّت اقوالهم في اثبات تواتر تلك الأحاديث.
٢ ـ أحاديث نزول
عيسى 7
في الصحيحين :
أخرج البخاري ومسلم كلٌ بسنده عن أبي
هريرة انه قال : « قال رسول الله 6
: كيف انتم
إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم
__________________
منكم
؟ » .
وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله
قال : « سمعت النبي 6
[ يقول ] : لا تزال
طائفة من أُمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال
: فينزل
عيسى بن مريم 7 ، فيقول أميرهم تعال
صلِّ لنا فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الاَُمّة
» .
وإلى هنا يتضح ان امام المسلمين الذي
سيكون موجوداً عند نزول عيسى بن مريم 7
كما في الصحيحين انما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل على الحق إلى يوم
القيامة كما في صحيح مسلم ، بحيث يأبى عيسى من إمامة تلك الطائفة وأميرها في
الصلاة تعظيماً واجلالاً وتكرمة لهم وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.
واذا ما عدنا إلى كتب الصحاح الاَُخرى
والمسانيد وغيرها نجد الروايات الكثيرة جداً التي تصرح بأنّ هذا الإمام ـ أمير
الطائفة التي تقاتل على الحق إلى يوم القيامة ـ هو الإمام المهدي 7 لا سواه.
منها
: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين : « المهدي من هذه
الأُمة وهو الذي يؤم عيسى بن مريم »
.
ومنها
: ما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني
في سننه بسنده عن حذيفة انه قال : « قال رسول الله 6
: « ... يلتفت
المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم
صلِّ بالناس ، فيقول عيسى : انما اقيمت الصلاة لك ، فيصلي خلف رجل من
__________________
ولدي
» .
وبعد فلا حاجة للاطالة في ايراد
الاحاديث الاَُخرى الكثيرة المبينة بأنّ المراد بالامام في حديث الصحيحين هو
الإمام المهدي 7
.
وقد جمع معظم هذه الاحاديث السيوطي في
رسالته ( العرف الوردي في اخبار المهدي ) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوى ، أخرجها
من كتاب الاربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم كالاحاديث
التي ذكرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي : « وهو أحد الأئمة الحفاظ ، وأحد
شيوخ البخاري ».
أقول
: ومن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنهم
متفقون على تفسير لفظة ( الامام ) الواردة في حديث البخاري بالإمام المهدي.
فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح
البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي اثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال :
« وفي صلاة عيسى 7
خلف رجل من هذه الأمّة ، مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة ، دلالة للصحيح
من الاقوال :
إن الارض
لا تخلو من قائم لله بحجة » .
كما فسره في ارشاد الساري بشرح صحيح
البخاري بالمهدي ، مصرحاً باقتداء عيسى بالامام المهدي 8 في الصلاة .
كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح
البخاري
، وأما في
__________________
فيض الباري فقد أورد
عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال :
« فهذا صريح في أن مصداق الإمام في
الاحاديث ، هو الإمام المهدي ـ إلى أن قال : ـ وبأيّ حديث بعده يؤمنون ؟ » .
وأما في حاشية البدر الساري إلى فيض
الباري فقد اطال في شرح الحديث المذكور مبيناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى
أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه ، وقد جمع
من تلك الاحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله على التصريح بأن المراد بالامام هو
الإمام المهدي 7
قال : « وقد بين هذا المعنى حديث ابن ماجة مفصلاً ، واسناده قوي » .
٣ ـ أحاديث من يحثي
المال في صحيح مسلم :
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن
عبدالله انه قال : « قال رسول الله 6
: يكون في
آخر أُمتي خليفة يحثي المال حثياً ، لا يعدّه عداً
» .
وقد رواه من طرق أُخرى عن جابر ، وأبي
سعيد الخدري ، عن رسول الله 6
، وصفة
إحثاء المال ( مبالغة في الكثرة ) ليس لها موصوف قط غير الإمام المهدي 7 في كتب أهل السنة ورواياتهم.
منها
: ما أخرجه الترمذي وحسنه بسنده عن أبي
سعيد الخدري ، عن النبي 6
قال : « إنَّ في
أُمتي المهدي ـ إلى ان قال ـ :
__________________
فيجيء
اليه الرجل فيقول : يا مهدي اعطني اعطني فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن
يحمله » .
وهذا هو المروي أيضاً عن أبي هريرة وأبي
سعيد الخدري أيضاً ومن عشرات الطرق .
٤ ـ أحاديث خسف
البيداء في صحيح مسلم :
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيدالله بن
القبطية انه قال : « دخل الحارث بن أبي ربيعة ، وعبدالله بن صفوان ، وانا معهما
على أُم سلمة أُم المؤمنين ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ـ وكان ذلك في أيام
ابن الزبير ـ فقالت : قال رسول الله 6
:
يعوذ عائذ
في البيت ، فيبعث اليه بعث ، فاذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم
» .
وقد يظن بعض الجهلاء ان هذا الحديث من
وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبدالله بن الزبير مع الامويين التي انتهت
بقتله. ولكن الواقع ليس كذلك اذ روي الحديث من طرق شتى عن ابن عباس ، وابن مسعود ،
وحذيفة ، وأبي هريرة ، وجد عمرو بن شعيب ، وأُم سلمة ، وصفية ، وعائشه ، وحفصة ، ونفيرة
امرأة القعقاع وغيرهم من كبار الصحابة ، مع تصحيح الحاكم لبعض طرقه على شرط
الشيخين .
__________________
وبالجملة فإنّ خسف البيداء يكون بالجيش
الذي يقاتل الإمام المهدي في لسان جميع الاحاديث الواردة في هذا الشأن وهي تكفي
لتوضيح المراد بحديث مسلم ، قال في غاية المأمول : « وما سمعنا بجيش خسف به للآن ،
ولو وقع لاشتهر أمره كاصحاب الفيل » .
اذن ، لابدّ من وقوع الخسف بأعداء
المهدي ان عاجلاً أو آجلاً وهنالك سيخسر المبطلون.
التذرع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي
تذرع منكرو عقيدة ظهور الإمام المهدي 7 بتضعيفات ابن خلدون لبعض أحاديث المهدي
، وللأسف إنهم لم يلتفتوا إلى ردود علماء الدراية من أهل السنة على ابن خلدون ، وتناسوا
أيضاً تصريح ابن خلدون نفسه أثناء تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في الإمام المهدي
بصحة بعضها الآخر.
قال الاستاذ الازهري سعد محمد حسن ـ
تلميذ الاستاذ أحمد أمين ـ عن أحاديث المهدي : « ولقد أوسع علماء الحديث
ونَقَدَتِه هذه المجموعة نقداً وتفنيداً ، ورفضها بشدة العلاّمة ابن خلدون » .
ومثل هذا الزعم نجده عند اُستاذه أحمد
أمين ، وكذلك عند
أبي
__________________
زهرة ، ومحمد فريد وجدي ، وآخرين كالجبهان ، والسائح الليبي الذي قال : « وقد
تتبع ابن خلدون هذه الأحاديث بالنقد ، وضعفها حديثاً حديثاً » .
حقيقة تضعيفات ابن
خلدون :
مما لا شكَّ فيه ، أنَّ ابن خلدون نفسه
من القائلين بصحة بعض أحاديث المهدي وضعف بعضها الآخر ، وهذا لم يكن اجتهاداً منا
في تفسير كلام ابن خلدون بل الرجل صرّح بهذا في تاريخه كما سنوافيك بنقل نص كلامه.
ويبدو لنا أن الاُستاذ أحمد أمين لم يرَ تصريح ابن خلدون بصحة بعض الأحاديث ، فأشار
إلى تضعيفاته فقط ، ثم نقل هؤلاء عنه ذلك مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة
تاريخ ابن خلدون !
ثم لو فرضنا أن ابن خلدون لم يصرّح بصحة
شيء من أحاديث المهدي ، أفلا يكفي تصريح غيره من علماء الحديث والدراية بصحة
أحاديث المهدي وتواترها ؟ مع أن اختصاص ابن خلدون هو التاريخ والاجتماع !! ثم ما
هو المقدار الذي ضعّفه ابن خلدون حتى يُضخّم عمله بهذه الصورة ؟
إنه لم يضعّف سوى تسعة عشر حديثاً فقط
من مجموع ثلاثة وعشرين حديثاً فقط ، وهو المجموع الكلّي الذي تناوله ابن خلدون
بالدراسة والنقد ، لا أكثر ، وهو لم يذكر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي غير
__________________
سبعة فقط وهم :
« الترمذي ، وأبو داود ، والبزّار ، وابن
ماجة ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي » ، تاركاً بذلك ثمانية وأربعين عالماً
ممن أخرج أحاديث المهدي أولهم ابن سعد صاحب الطبقات ( ت / ٢٣٠ ه ) وآخرهم نور
الدين الهيثمي ( ت / ٨٠٧ ه ).
كما لم يذكر من الصحابة الذين اُسندت
إليهم أحاديث المهدي إلاّ أربعة عشر صحابياً
، تاركاً بذلك تسعة وثلاثين صحابياً آخر كما فصّلنا ذلك في الفصل الأول.
علماً بأنه لم يذكر من أحاديث الصحابة الأربعة
عشر إلاّ اليسير جداً ، في حين تتبعنا مرويات أبي سعيد الخدري وحده ـ وهو من جملة
الاربعة عشر ـ فوجدناها أكثر من العدد الكلي الذي تناوله ابن خلدون. بل وحتى الذي
اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذكر سائر طرقه بل اكتفى باليسير منها لعدم
علمه ببقية طرق الحديث الاَُخرى ، ومن راجع ما ذكرناه من طرق أحاديث المهدي وقارنه
بما في تاريخ ابن خلدون ـ الفصل ٥٢ من المجلد الأول ـ عَلِمَ علم اليقين بصحة ما
نقول.
ومن هنا تعرض ابن خلدون إلى مؤاخذات
عنيفة ، وردود مطوّلة ومختصره ، وفي هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في ( ابراز
الوهم ) في الرد على من تذرع بتضعيفات ابن خلدون : « في الناس اليوم ممن يخفى عليه
هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ، ويصدّه من ينكر ظهور المهدي
وينفيه ، ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه ، مع جهله بأسباب التضعيف ، وعدم إدراكه
معنى الحديث الضعيف ، وتصوره
__________________
مبادئ هذا العلم
الشريف ، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية ـ بتواترها ـ عن البيان لحالها
والتعريف ، وإنما استناده في إنكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من
العلل المزوّرة المكذوبة ، ولَمَزَ به ثقات رواتها من التجريحات الملفقة المقلوبة
، مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان ، ولا ضرب له بنصيب ولا سهم
في هذا الشأن ، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان. فكيف يعتمد فيه عليه ، ويرجع في
تحقيق مسائله اليه ؟! فالواجب : دخول البيت من بابه ، والحق : الرجوع في كل فن إلى
أربابه ، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاظ الحديث ونقّاده » .
ثم نقل بعد ذلك عن جملة من حفّاظ الحديث
ونقّاده قولهم بصحة أحاديث المهدي وتواترها.
وقال الشيخ أحمد شاكر : « ابن خلدون قد
قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها ، انه تهافت في الفصل الذي
عقده في مقدمته تهافتاً عجيباً ، وغلط أغلاطاً واضحة. إنّ ابن خلدون لم يحسن فهم
قول المحدّثين ، ولو اطّلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال ».
وقال الشيخ العباد : « ابن خلدون مؤرخ
وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف ، وإنما الاعتماد بذلك بمثل
البيهقي ، والعقيلي ، والخطابي ، والذهبي ، وابن تيمية ، وابن القيّم ، وغيرهم من
__________________
أهل الرواية
والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي ».
وعلى أية حال فإنّ حجة المتمسكين
بتضعيفات ابن خلدون حجة داحضة لاعتراف ابن خلدون نفسه بصحة أربعة أحاديث من مجموع
ما ذكره وهي :
١
ـ ما رواه الحاكم من طريق عون
الاعرابي عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري. فقد سكت عنه ابن خلدون ولم
ينقده بحرف واحد لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة. وهو وإن لم يصرح بصحته
إلاّ ان سكوته دليل على اعترافه بصحة الحديث .
٢
ـ ما رواه الحاكم أيضاً من طريق
سليمان بن عبيد ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري. قال عنه ابن خلدون :
« صحيح الاسناد » .
٣
ـ ما رواه الحاكم عن علي 7 حول ظهور المهدي وصححه الحاكم على شرط
الشيخين. قال ابن خلدون : « وهو إسناد صحيح كما ذكر » .
٤
ـ ما رواه أبو داود السجستاني
في سننه من رواية صالح بن الخليل ، عن أُم سلمة. قال ابن خلدون عن سنده : « ورجاله
رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز » .
تضعيفات ابن خلدون
بلغة الأرقام :
إنَّ لغة الارقام الحسابية لا تقبل
نقاشاً ولا جدلاً ، وسوف نُخضع نتائج
__________________
البحث في تضعيفات
ابن خلدون إلى تلك اللغة لنرى القيمة العلمية لعمله على جميع الافتراضات المحتملة
، وذلك بعد تصنيف أحاديث المهدي 7
واستقرائها من ألف مجلد كما في ( معجم أحاديث المهدي ) ويقع في خمسة مجلدات اشتملت
على ما يأتي :
١
ـ المجلدان الاول والثاني : اشتملا
على (٥٦٠) حديثاً من الاحاديث المروية بطرق الفريقين والمسندة جميعها إلى النبي 6.
٢
ـ المجلدان الثالث والرابع : اشتملا
على (٨٧٦) حديثاً ، اسندت إلى الأئمة من أهل البيت :
، واشترك أهل السنة برواية الكثير جداً منها مع الشيعة الامامية.
٣
ـ المجلد الخامس : اشتمل على (٥٠٥)
أحاديث ، وكلها من الاحاديث المفسِّرة للآيات القرآنية ، وفي هذا المجلد تغطية
وافية لجميع ما أورده المفسرون ـ من أهل السنة والشيعة ـ من أحاديث تفسيرية في
الإمام المهدي 7.
وبهذا يكون مجموع الاحاديث غير المفسرة
للآيات (١٤٣٦) حديثاً ومع المفسِّرة سيكون المجموع (١٩٤١) حديثاً.
اما عن طرقها جميعاً فلعلها تقرب من
أربعة الاف طريق.
فاذا علمت هذا ، فاعلم أخي المسلم ان :
١
ـ مجموع أحاديث المهدي 7 التي تناولها ابن خلدون بالنقد هي (٢٣)
حديثاً فقط.
٢
ـ اسانيد هذه الاحاديث (٢٨) اسناداً فقط.
٣
ـ الصحيح منها باعتراف ابن خلدون كما مر أربعة
أحاديث.
٤
ـ الضعيف منها (١٩) حديثاً فقط.
اذن : فأحاديث المهدي 7 التي لم تتناولها دراسة ابن خلدون هي
(١٩١٨) حديثاً منها (٥٣٧) حديثاً مسنداً إلى
النبي 6 و (٨٧٦)
حديثاً مسنداً إلى أهل البيت :
و (٥٠٥) حديثاً مفسِّراً للآيات الكريمة في المهدي 7.
وبهذا يعلم ان العدد (٢٣) لايشكل في
الواقع إلاّ النسب التالية :
١
ـ ٤.١٠٧ % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي 6.
٢
ـ ١.٦٠١ % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي
وأهل البيت :.
٣
ـ ١.١٨٤ % من مجموع سائر الاحاديث.
أما لو كان ابن خلدون قد تناول بالنقد جميع
أحاديث الإمام المهدي 7
لارتفع عدد الاحاديث الصحيحة ( وهو أربعة عنده من مجموع ٢٣ ) إلى الارقام التالية
طبقاً للغة التناسب :
١
ـ (٩٨) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناول بالنقد
جميع ما أُسند إلى النبي 6.
٢
ـ (٢٥٠) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناوله لما
أُسند إلى النبي وأهل بيته :.
٣
ـ (٣٣٨) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناوله لسائر
الاحاديث.
ولا يخفى بأنّ العدد الاول منها يكفي
للحكم بتواتر احاديث المهدي 7.
وأما عن الاحاديث المردودة عند ابن
خلدون ، فلو قيست بما لم يتناوله منها ، لكانت بالقياس إلى مجموعها تمثل النسب
التالية :
١
ـ ٣.٣٩٢ % من مجموع الاحاديث المسنده إلى النبي 6.
٢
ـ ١.٣٢٠ % من مجموع ما أُسند إلى النبي وأهل بيته
:.
٣
ـ ٠.٩٧٨ % من مجموع سائر الاحاديث.
وبعد .. فكيف يدّعى بأنّ ابن خلدون قد
ضعف جميع أحاديث المهدي 7
؟ هذا مع ما تقدم عنه بأنّه من المصرحين بصحة بعض الأحاديث على الرغم من قلة ما
تناوله منها.
حصر المهدي بعيسى بن مريم
ربما قد تذرع المنكرون من المستشرقين
وغيرهم لظهور الإمام المهدي 7
في آخر الزمان بحديث محمد بن خالد الجندي الذي حصر المهدي بنبي الله عيسى 7 ، ولم أجد أحداً تعرض لهذا الحديث من
علماء الإسلام إلاّ وقد سخر منه وانتقده ، فهو مردود بالاتفاق ، ولكي لاينطلي زيفه
على أحد لابدّ من بيان حقيقته ، فنقول :
الحديث أخرجه ابن ماجة عن يونس بن عبد
الأعلى ، عن الشافعي ، عن محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن
البصري ، عن أنس بن مالك ، عن النبي 6
أنه قال : « لا يزداد الأمر إلاّ شدّة ، ولا الدنيا إلاّ إدباراً ، ولا الناس إلاّ
شُحّاً ، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس ، ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ».
وهذا الحديث لا يحتاج في رده وإبطاله
إلى عناء ، اذ تكفي مخالفته لجميع ما تقدّم من الأحاديث المصرّح بصحّتها وتواترها
، ولو صحّ الاستدلال بكل ما يروى على علاّته ، لكان علم الرجال وفن دراية الحديث
لغواً يجلّ عنه علماء الاسلام ، وكيف لا يكون كذلك ومعناه تصحيح الموضوعات ، والحكم
على الكذابين بأنّهم من أعاظم الثقات ،
__________________
وعلى المجاهيل
بأنّهم من مشهوري الرواة ، وعلى النواصب بأنّهم من السادات ؟! ولما كان في الإسلام
حديث متواتر قط بعد خلط الثقة المأمون بالمجروح والمطعون ، ومزج الحابل بالنابل ، والسليم
بالسقيم.
وهل لعاقل مسلم ان يصدق بدجّال من
دجاجلة الرواة اسمه محمد بن خالد الجندي ؟ وهو الذي وضع إلى الجند ـ مسيرة يومين
من صنعاء ـحديث الجند المشهور وضعه ، وهو : « تعمل الرحال إلى أربعة مساجد : مسجد
الحرام ، ومسجدي ، ومسجد الأقصى ، ومسجد الجند » . فانظر كيف حاول استمالة قلوب الناس
إلى زيارة معسكر الجند بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة المقدسة
عند جميع المسلمين ؟!
والعجب من الحافظ ابن ماجة كيف انطلت
عليه زيادة محمد بن خالد الجندي عبارة : ( ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) في هذا
الحديث ، مع أن نفس هذا الحديث له طرق صحيحة اُخرى لا توجد فيها تلك الزيادة ، منها
ما أخرجه الطبراني والحاكم بسندهما عن أبي اُمامة وبنفس ألفاظ حديث ابن ماجة لكن
من غير عبارة « ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم » وقد صححه الحاكم فقال : « هذا حديث
صحيح الاسناد ولم يخرجاه » .
نعم أورد الحاكم حديث ابن ماجة مع
زيادته أيضاً لكنه صرّح بأنّه إنما أورده في مستدركه تعجّباً لامحتجّاً به على
الشيخين : البخاري ومسلم .
وقد تناول ابن القيم في ( المنار المنيف
) حديث : « ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم » ونقل كلمات علماء أهل السنة بشأنه ، وأنه
مما تفرد به محمد بن خالد الجندي ، ونقل عن الآبري ( ت / ٣٦٣ ه ) قوله : « محمد بن
خالد ـ هذا
__________________
ـ غير معروف عند أهل
الصناعة من أهل العلم والنقل » وعن البيهقي : « تفرد به محمد بن خالد هذا ، وقد
قال الحاكم أبو عبدالله : مجهول ، وقد اختلف عليه في إسناده ، فروي عنه ، عن أبان
بن أبي عياش ، عن الحسن ـ مرسلاً ـ عن النبي 6.
قال : فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول ، عن أبان بن أبي عياش وهو
متروك ، عن الحسن ، عن النبي 6
وهو منقطع. والأحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً » .
ونقل ابن حجر قدح أبي عمرو ، وأبي الفتح
الأزدي بمحمد بن خالد .
وقال الذهبي : « قال الأزدي : منكر
الحديث ، وقال أبو عبدالله الحاكم : مجهول ، قلت : حديث ( لا مهدي إلاّ عيسى بن
مريم ) ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجة » .
وقال القرطبي : « فقوله : ولا مهدي إلاّ
عيسى ، يعارض أحاديث هذا الباب ـ ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنكر عليه
حديثه إلى أن قال ـ : « والأحاديث عن النبي 6
في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم
لها دونه » .
وقال ابن حجر : « وصرح النسائي بأنّه
منكر ، وجزم غيره من الحفاظ بأنّ الأحاديث التي قبله ـ أي الناصّة على أنّ المهدي
من ولد فاطمة ـ أصح
__________________
إسناداً » ).
كما وصف أبو نعيم في الحلية هذا الحديث
بالغرابة ، وقال : « لم نكتبه إلاّ من حديث الشافعي » .
وقال ابن تيمية : « والحديث الذي فيه : (
لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) رواه ابن ماجة ، وهو حديث ضعيف رواه عن يونس ، عن
الشافعي ، عن شيخ مجهول من أهل اليمن ، لا تقوم باسناده حجّة ، وليس هو في مسنده
بل مداره على يونس بن عبد الأعلى ، وروي عنه أنّه قال : حُدّثت عن الشافعي ، وفي
الخَلَعِيّات وغيرها : حدثنا يونس ، عن الشافعي. لم يقل : حدثنا الشافعي ، ثم قال
عن حديث محمد بن خالد الجندي : وهذا تدليس يدل على توهينه ، ومن الناس من يقول : ان
الشافعي لم يروه » .
ولكثرة ما طُعن به محمد بن خالد الجندي
حاول بعض أنصار الإمام الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث متهماً تلميذ
الشافعي بالكذب في رواية هذا الخبر عنه ، عن محمد بن خالد الجندي ، مدّعيا أنّه
رأى الشافعي في المنام وهو يقول : «كذب عليَّ يونس بن عبد الأعلى ، ليس هذا من
حديثي » .
وقد فنّد أبو الفيض الغماري حديث : ( ولا
مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة .
__________________
التذرع بدعاوى المهدوية السابقة
احتج اللامهدويون بدعاوى المهدوية
السابقة في إنكار عقيدة ظهور الإمام المهدي 7
في آخر الزمان ، كادعاء الحسنيين مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن ، والعباسيين
مهدوية المهدي العباسي ، ونحو ذلك من الادعاءات الاَُخرى كادعاء مهدوية ابن تومرت
، أو المهدي السوداني ، أو محمد بن الحنفية 2.
وهذا الاحتجاج يبتني بالدرجة الاساس على
قياس فكرة ظهور المهدي بتلك الدعاوى المهدوية الباطلة ، وليس هناك من ريب في ان
هذا الادعاء هو مجرد اصطناع موازنة خادعة بين الباطل من جهة والحق من جهة أُخرى ، ثم
الخلط بين هذا وذاك.
أما
أولاً : فانه لم تحصل أية علامة من علامات ظهور
المهدي في حياة فرد واحد من أولئك الذين ادُّعِيَ لهم المهدوية ، وقد مر بعض هذه
العلامات بروايات الصحيحين.
وأما
ثانياً : فلثبوت وفاة هؤلاء جميعاً ، ولا يوجد
أحد من المسلمين يعتقد بحياتهم.
وأما
ثالثاً : فانهم لم يكونوا في آخر الزمان ، وهو
شرط ظهور الإمام المهدي 7
، ولا يعرف أحد منهم قد ملاَالدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وأما
رابعاً : وهو الأهم ، فانه لو صح هذا الاحتجاج
لبطلت العدالة ، اذ ادعاها طواغيت الارض كلهم من فرعون مصر إلى فراعين عصرنا ، ولحكمنا
على العلماء بالجهل بدعوى أدعياء العلم من الجهلاء على طول
التاريخ ، ولصار
الشجاع في نظرنا جباناً والكريم بخيلاً ، والحليم سفيهاً ، اذ ما من صفة كريمة
إلاّ وقد ادّعاها البعض فيه زوراً.
وإذا ما عدنا إلى قضية ( المهدي ) نجدها
واحدة من أهم القضايا التي دوّخت بصداها ذوي الأطماع السياسية ، فلا جرم أن
يدّعيها البعض لأنفسهم أو يروّجها لهم أتباعهم لتحقيق مآربهم.
وكما ان العاقل لا ينكر وجود الحق بمجرد
ادّعاء من لا يستحقه ، فكذلك ينبغي عليه أن لا ينكر ظهور المهدي المبشّر به في آخر
الزمان على لسان أكرم ما خلق الله عزّ وجل ، نبينا الاعظم 6 ، بمجرد دعاوى المهدوية الباطلة ، هذا
مع تصريح علماء الإسلام بصحة الكثير من أحاديث المهدي المروية بطرق شتى بما يفيد
مجموعها التواتر ، كما ارسل بعضهم تواترها ارسال المسلّمات كما تقدم في هذا البحث.
وبعد أن انكشف واقع هذه الشبهات ، وأصبح
ساقها هشيماً ، وعودها حطاماً ، وبناؤها ركاماً ، بقيت شبهة أُخرى ، خلاصتها
معارضة طول عمر الإمام المهدي للعقل والعلم.
وهذه الشبهة هي من أهم ما تمسكوا به في
المقام ، وسوف نقف عندها بالمقدار الذي يسمح به البحث في فصله الأخير ، لكي يتضح
بجلاء أن تلك الشبهة مخالفة لمنطق العقل والعلم ، مؤكدين على ان للعقل حدوداً
تستقل عن رغبات الفرد وأهوائه الشخصية وميوله واتجاهاته ، واحكاماً يستسيغها جميع
العقلاء ولا يقتصر قبولها على عقل زيد أو عمرو.
فهناك فارق كبير جداً بين ما هو ممتنع
الوقوع في نفسه بحيث لا يمكن ان يقع في أي حال من الاحوال حتى على أيدي الانبياء
والاوصياء : ، كاجتماع
النقيضين ، وبين ما هو ممكن الوقوع في نفسه
وان لم تجرِ العادة
بوقوعه ، مع التأكيد أيضاً على أنَّ المحال العقلي ليس كالمحال العادي من حيث
الوقوع وعدمه ، ولكن خلط هؤلاء بين المحالين أدى إلى الزعم بأنّ كل ما لم يجرِ في
العادة انما هو من المحال العقلي لعدم قدرتهم على التمييز بينهما.
وسوف نبرهن في الفصل الآتي على ان ما
تمسكوا به لا يصح حجة لا في منطق العقل ولا في منطق العلم على حدٍ سواء.
الفصل الرابع
المهدي
ومنطق العقل والعلم
إنَّ المنكرين للامام المهدي بالتشخيص
الذي حددناه ـ أي بكونه محمداً نجل الإمام الحسن العسكري 7 ـ ينطلقون من دوافع ومنطلقات بعيدة عن
منهج الإسلام في الدعوة الى الايمان بالعقائد ؛ فمنهج الإسلام كما يقوم على العقل
والمنطق ، فإنه يعتمد على الفطرة ويستند الى الغيب.
والايمان بالغيب جزءٌ من عقيدة المسلم
إذ تكررت الدعوة قرآناً وسنّةً فمن القرآن الكريم ، قوله تعالى : ( ألم ذلك الكتاب لاريب فيه هدىً للمتقين الذين
يؤمنون بالغيب ... ) .
وقوله تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك
... ) وفي السنّة النبوية مئات الروايات
المؤكدة على الايمان بالغيب والتصديق بما يُخبر به الرُسل والأنبياء. وهذا الايمان
بالغيب لا تصحُّ عقيدة المسلم بإنكاره سواء تعقَّله وأدرك أسراره وتفصيلاته أم لم يستطع
الى ذلك سبيلاً ، كما هو الامر مثلاً بالنسبة الى الايمان بالملائكة وبالجنّ
وبعذاب القبر ، وسؤال الملكين في القبر ، الى غير ذلك من المغيبات التي ذكرها
القرآن أو أخبر بها نبينا محمد 6
ونقلها إلينا الثقاة العدول المؤتمنون ، ومن جملة ذلك بل من أهمها قضية الإمام المهدي
الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.
__________________
فالمهدي قد نطقت به الصحاح والمسانيد
والسنن فلا يسعُ مسلماً إنكاره ، لكثرة الطرق ووثاقة الرواة ودلائل التاريخ
والمشاهدة الثابتة لشخصه كما حقق في محلّه من هذا البحث.
ومن هنا وجدنا
المنكرين ، سواء الذين تأثروا بمناهج الغرب ، ودراسات المستشرقين ، أم ممن نزعه
عِرقُ التعصب لما توارثه عن سلفه ، حاولوا جميعهم ـ بعد أنْ أعيتهم الحيلة ، واُسقط
ما في أيديهم إزاء الأدلة النقلية المتظافرة ، والبراهين الساطعة ، والاعترافات
المتتالية بشخص المهدي الموعود ـ أن يثيروا بعض الشبهات الهزيلة ، والتلبيسات
الباطلة لصرف الأمّة المسلمة عن القيام بدورها ، والنهوض بمسؤلياتها في مرحلة
الانتظار والترقب ، متبعين في ذلك مغالطات مفضوحة ؛ إذ زعموا أن طول عمر المهدي
وما يتصل به يتعارض مع العلم ومنطق العقل والواقع. وسيتضح للقارئ ـ بتسديد الله
تعالى وتوفيقه ـ كيف أن منطقهم ساقط بحسب موازين العلم وأُصول المنطق الحق والمنهج
السليم.
ولعل أهم الشبهات التي تثار هنا هي
مسألة صغر سنّ الإمام ، وطول عمره ، والفائدة من الغيبة بالنسبة له ، ومسألة
استفادة الأمّة المسلمة منه وهو مستور غائب.
وسنحاول مناقشة ذلك وفق المنطق العلمي
والدليل العقلي.
السؤال الأول : كيف كان اماماً وهو في الخامسة من
عمره ؟
والجواب
: إنَّ الإمام المهدي 7 خَلَفَ أباه في إمامة المسلمين ، وهذا
يعني أنّه كان إماماً بكلّ ما في الإمامة من محتوىً فكري وروحي في وقتٍ مبكر جداً
من حياته الشريفة.
والإمامة المبكرة ظاهرة سَبَقَهُ إليها
عدد من آبائه :
، فالإمام الجواد محمد بن علي 7
تولّى الإمامة وهو في الثامنة من عمره ، والإمام علي
بن محمد الهادي 7 تولّى الإمامة وهو في التاسعة من عمره
، والإمام أبو محمد العسكري وهو والد الإمام المهدي المنتظر تولّى الإمامة وهو في
الثانية والعشرين من عمره ، ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في
الإمام المهدي والإمام الجواد ، ونحن نسمّيها ظاهرة لأنّها كانت بالنسبة إلى عدد
من آباء المهدي :
تشكل مدلولاً حسيّاً عملياً عاشه المسلمون ، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر
، ولا يمكن أن يُطالب بإثبات ظاهرة من الظواهر هي أوضح وأقوى من تجربة أُمّة ، ونوضح
ذلك ضمن النقاط الآتية :
١
ـ لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت : مركزاً من مراكز السّلطان والنفوذ التي
تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن ، ويدعمها النظام الحاكم كما كان الحال في
الامويين والفاطميين والعباسيّين ، وإنّما كانت تكتسب ولاءَ قواعدها الشعبية
الواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة
لزعامة الإسلام وقيادته على أُسس فكرية وروحية.
٢
ـ إنَّ هذه القواعد الشعبية بُنيت منذُ
صدر الاسلام ، وازدهرت واتّسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق 8 وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان
، في داخل هذه القواعد ، تشكل تياراً فكرياً واسعاً ، في العالم الاسلامي يضمُّ
المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الاسلامية
والبشرية المعروفة وقتئذٍ ، حتى قال الحسن بن علي الوشاء : « فإنّي أدركت في هذا
المسجد ـ يعني مسجدَ الكوفة ـ تسعمائة شيخٍ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمد » .
__________________
٣
ـ إنَّ الشروط التي كانت هذه المدرسة ، وما
تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الاسلامي ، تؤمن بها ، وتتقيد بموجبها في تعيين
الإمام والتعرّف على كفاءته للإمامة شروط شديدة ، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماماً
إلاّ إذا كان معصوماً وكان أعلم علماء عصره.
٤
ـ إنَّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت
تقدّم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الامامة ؛ لأنّها كانت في نظر
السلطة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً ، ولو من الناحية الفكرية على الأقل ،
الأمر الذي أدّى إلى قيام السلطات وقتئذٍ وباستمرار تقريباً بحملات من التصفية
والتعذيب ، فَقُتِل من قُتِل ، وسُجنَ من سُجِنَ ، ومات المئات في ظلمات المعتقلات.
وهذا يعني أن الاعتقاد بامامة أئمة أهل البيت :
كان يكلفهم غالياً ، ولم يكن له من الاِغراءات سوى ما يُحسُّ به المُعْتَقِد أو
يفترضه من التقرّب إلى الله تعالى والزلفى عنده.
٥
ـ إنَّ الأئمة الذين دانت هذه القواعد
الشعبية لهم بالإمامة ، لم يكونوا معزولين عنها ، ولا متقوقعين في بروجٍ عاجية
عالية شأن السلاطين مع شعوبهم ، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة
الحاكمة بسجنٍ أو نفي ، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدّثين
عن كل واحدٍ من الأئمة الأحدَ عشرَ من آباء المهدي 7
، ومن خلال ما نُقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه ، وما كان
يقوم الإمام به من أسفار من ناحيةٍ ، وما كان يبثّهُ من وكلاء في مختلف أنحاء
العالم الاسلامي من ناحية أُخرى ، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمتهم
وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمّون الديار المقدّسة من كلِّ مكان لأداء فريضة
الحج ، كل ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحةٍ بين الإمام وبين قواعده الممتدة
في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف
طبقاتها من العلماء
وغيرهم.
٦
ـ إنَّ السلطة المعاصرة للأئمة : كانت تنظر إليهم والى زعامتهم الروحية
بوصفها مصدر خطرٍ كبير على كيانها ومقدّراتها ، وعلى هذا الاَساس بذلت كلَّ جهودها
في سبيل تفتيت هذه الزعامة ، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات ، وظهرت
أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرّها تأمين مواقعها إلى ذلك ، وكانت
حملات المطاردة والاعتقال مستمرة للائمة أنفسهم على الرغم مما يخلّفه ذلك من شعور
بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين ، ولاسيما الموالين على اختلاف درجاتهم.
وإذا اخذنا بنظر الاعتبار هذه النقاط
الست ، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك ، أمكن أن نخرجَ بالنتيجة الآتية :
إنَّ ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة
واقعية ولم تكن وَهماً من الأوهام ؛ لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير
فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين ، ويدينُ له بالولاء والإمامة كل
ذلك التيار الواسع لابدَّ أن يكون في أعلى الدرجات والمراتب من العلم والمعرفة
وسعة الاُفق والتمكّن من الفقه والتفسير والعقائد ، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن
أن تقتنعَ تلك القواعد الشعبية بإمامته ، مع ما تقدّم من أن الأئمة كانوا في مواقع
تتيحُ لقواعدهم التفاعل معهم ، وللأضواء المختلفة أن تُسلط على حياتهم وموازين
شخصيتهم ، فهل ترى أن صبيّاً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للاسلام وهو
على مرأىً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية ، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من
أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله ، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة
المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبيّ الإمام ؟
وهَبْ أنَّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع
الموقف ، فهل يمكن أن تمرَّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشّف
الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبيّ الإمام وسائر الناس ؟
وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره
وعلمه حقاً ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل ؟
واذا افترضنا أنَّ القواعد الشعبية
لامامة أهل البيت لم يُتَح لها أن تكتشف واقع الأمر ، فلماذا سكتت السلطة القائمة
ولم تعمل على كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها ؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة
القائمة لو كان الإمام الصبيّ صبيّاً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان ؟
وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدّم الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته ، وتبرهن
على عدم كفاءته للاِمامة والزعامة الروحية والفكرية. فلإن كان من الصعب الإقناع
بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين لتسلّم الإمامة ، فليس هناك صعوبة في الإقناع
بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإمامية
وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها
السلطات وقتئذٍ.
إنَّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة
المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت أنَّ الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية
وليست شيئاً مصطنعاً.
والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن
حاولت أن تلعب بتلك الورقة ـ أي تعريضه للاختبار ـ فلم تستطع ، والتأريخ يحدّثنا
عن محاولات من هذا القبيل وعن فشلها ، بينما لم يحدّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزت فيه
ظاهرة الإمامة المبكّرة أو واجه فيه الصبيّ الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع
ثقة الناس فيه.
وهذا معنى ما قلناه من أنَّ الإمامة
المبكّرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت :
، وليست مجرّد افتراض ، كما أنَّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها
المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربانية ، ويكفي مثالاً
لظاهرة الإمامة المبكّرة في التراث الرباني : النبي يحيى 7 ، قال تعالى : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ
وَآتَيناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً
.. ) .
ومتى ثبت أن الإمامة المبكّرة ظاهرة
واقعية وموجودة فعلاً في حياة أهل البيت ، لم يَعُدْ هناك اعتراض فيما يخصّ حياة
المهدي 7 ، وخلافته لأبيه
وهو صغير.
السؤال الثاني : طول العمر
إن أهم ما يثيرونه في هذا المجال ، ويروّجون
له باستمرار قديماً وحديثاً ، هو قولهم : إذا كان المهدي يُعبّرُ عن إنسان حيّ
عاصرَ الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من أحدَ عشرَ قرناً فكيف تأتّى له هذا العمر
الطويل ؟ وكيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتمّ مروره بمرحلة الشيخوخة !!
ومن الجائز أن نطرح الشبهة بصورة سؤالٍ
كأن يقال : هل بالإمكان أن يعيش الانسانُ قروناً طويلة ؟!
وللإجابة عن هذا
السؤال لابدَّ من التمهيد ببحث مسألة الإمكان هنا. فهناك ثلاثة أنواع متصورة للإمكان
:
الأول : ما يصطلح
عليه بالإمكان العملي ، ويُراد به ما هو ممكن
__________________
فعلاً وواقعاً. أي
له تحقق ووجود ظاهر ومتعين.
والثاني
: مايصطلح عليه بالامكان العلمي ، ويُراد
به ما هو غير ممتنعٍ من الناحية العلمية الصِرفة ، أي أنَّ العلم لا يمنع وقوعه
وتحققه ووجوده فعلاً.
والثالث
: ما يصطلح عليه بالامكان المنطقي ، ويُراد
به ما ليس مستحيلاً عقلاً ، أي أنَّ العقل لا يمنع وقوعه وتحققه.
واستناداً الى هذا نعرض المسألة كالآتي
مبتدئين بالإمكان المنطقي فنقول :
هل إنَّ امتداد عمر الانسان مئات السنين
ممكن منطقياً ، أي ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية ؟
والجواب : نعم بكل تأكيد ، فقضية امتداد العمر
فوق الحدّ الطبيعي أضعافاً مضاعفةً ليست في دائرة المستحيل ، كما هو واضح بأدنى
تأمل. نعم هو ليس مألوفاً ومشاهداً ، ولكن هناك حالات ، نقلها أهل التواريخ ، وتناقلتها
بعض النشرات العلمية ، تجعل الانسان لا يستغرب ولا ينكر ، على أنَّ الغرابة ترتفع
تماماً عندما يقرع سمعَ المسلم صوتُ الوحي ومنطوق القرآن في النبي نوح 7 : (
وَلَقَدْ
أرْسَلْنَا نوُحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ
عَاماً )
ولتقريب
مسألة الامكان بهذا المعنى نضربُ مثالاً كالآتي : لو أنَّ أحداً قال لجماعةٍ إني
أستطيع أن أعبرَ النهر ماشياً ، أو أجتاز النارَ دون أن أُصابَ بسوء ، فلا بدَّ أن
يستغربوا وينكروا ، لكنه لو حقّق ما قاله بالفعل فعبر النهر ماشياً أو اجتاز النار
بسلام ؛ فإنَّ انكارهم واستغرابهم سيزول عند ذلك. فلو جاء آخر وقال مثلَ مقالة الأول
، فإنَّ درجة الاستغراب ستقلُّ ، وهكذا لو جاء ثالث ورابع وخامس ، فإنَّ ما وقع
__________________
منهم من الاستغراب
أوّل مرّة سوف لا يبقى على حالته وقوّته في المرة الخامسة ، بل يضعف جداً الى أنْ
يزول.
وهكذا نقول في مسألتنا ، فإنَّ القرآن
قد أخبر : أن نوحاً 7
لبثَ في قومه ألف سنةٍ إلاّ خمسين عاماً ، وهذا غير عمره قبل النبوّة ! وأن عيسى 7 لم يمت وإنما رفعه الله إليه كما في
قوله تعالى : (
وَقَوْلِهِمْ
إنّا قَتَلْنَا المسيحَ عيسى ابنَ مريمَ رسولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وما صَلَبُوه
وَلَكِنْ شُبِّه لَهُمْ وإِنّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فيهِ لَفي شَكٍّ مِنْهُ
مَالَهُم بِهِ من عِلْمٍ إلاّ اتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ، بَل
رَفَعَهُ اللهُ إليهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكيماً
) .
وأيضاً فقد جاء في روايات الصحيحين ( البخاري
ومسلم ) أنّه سينزل إلى الأرض ، وكذلك جاء فيهما أن الدجال موجود حي .
وعليه فعندما تتحدث الروايات الصحيحة
ويشهد الشهود ، وتتوالى الاعترافات بوجود ( المهدي ) من عترة الرسول الأكرم ، من
ولد فاطمة ، نجل الحسن العسكري الذي ولد سنة ( ٢٥٥ ه ) ، فسوف لا يبقى عند ذلك
وجه للاستغراب والانكار إلا عناداً واستكباراً.
وقد جاء في تفسير الرازي : « قال بعض الأطباء
: العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة ، والآية تدلّ على خلاف قولهم ، والعقل
يوافقها ، فإنَّ البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته وإلاّ لما بقى ، ودوام
تأثير المؤثر فيه ممكن ؛ لأن المؤثر فيه إنْ كان واجب الوجود فظاهر الدوام ، وإن
كان غيره فله مؤثر ، وينتهي الى الواجب وهو دائم ، فتأثيره
__________________
يجوز أن يكون دائماً.
فإذن البقاء ممكن في ذاته ، فإن لم يكن فلعارض ، لكن العارض ممكن العدم ، وإلاّ
لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع. فظهر أنَّ كلامهم على خلاف العقل
والنقل » .
هكذا برهن الرازي على جواز طول عمر
الانسان بخلاف المعتاد كما هو الثابت في طول عمر عيسى 7 ، والبرهان نفسه يصح الاستدلال به على
طول عمر المهدي 7
، ويقرّب هذا الاستدلال اتفاق الصحاح وغيرها على نزول عيسى في آخر الزمان لمساعدة
المهدي على قتل الدجال وقد عرفت الجواب عن سؤال : من هو الإمام المهدي ؟ مفصلاً.
وننقل الكلام الى الامكان العملي :
ونتساءل :
هل إنَّ الامكان العملي بالنسبة الى نوع
الانسان متاحٌ الآن ، وتساعد عليه التجربة أم لا ؟
والجواب :
إنَّ التجارب المعاصرة في ضوء الامكانات
المتاحة والظروف الموجودة لم تنجح لحد الآن في تحقيق مثل هذه الحالة ، أي اطالة
عمر الانسان إلى حدٍّ أكثر من ضعفٍ أو ضعفي العمر الطبيعي ، وهذا أمرٌ مشهود لا
يحتاج إلى برهان.
وهذا لا يدل على عدم طول عمر الانسان ، لان
الامكان العملي ينحصر بمحاولات اطالة العمر الطبيعي للانسان بيد الانسان نفسه ، إلاّ
أن الاعمار بيد الله عزّ وجل ، اذن تدخل الانسان في إطالة العمر على خلاف التقدير
غير ممكن.
نعم انه سبحانه يوفر الأسباب الكفيلة
بادامة حياة المعمرين إلى حين
__________________
أجلهم ، ودور العلم
هنا اكتشاف تلك الأسباب لا أكثر إذ ليس بمقدوره إبداع الأسباب لا نحصارها بيده
عزوجل بلا خلاف ، وعلى هذا يُفسر الامكان العلمي الآتي الذي ننقل الكلام اليه ، فنتساءَل
:
هل إنَّ زيادة عمر إنسان أكثر من الحدّ
الطبيعي المعتاد ممكن علمياً أم لا ؟!
والجواب :
أولاً
: نعم هي في دائرة الامكان العلمي ، ولدينا
شواهد وأرقام كثيرة تؤكد إمكانها علمياً ، منها :
١
ـ إنَّ التجارب العلمية آخذةٌ بالازدياد
لإطالة عمر الانسان أكثر من المعتاد ، وهذه التجارب حثيثة وجادة لتعطيل قانون
الشيخوخة ، فقد جاء في مجلة المقتطف المصرية ، الجزء الثاني من المجلد ٥٩ ، الصادرة
في آب ( اغسطس ) ١٩٢١ م ، الموافق ٢٦ ذي القعدة سنة ١٣٣٩ ه ص ٢٠٦ تحت عنوان (
خلود الانسان على الارض ) ما هذا لفظه :
قال الاستاذ ( ريمند بول ) أحد أساتذة
جامعة جونس هبكنس بأمريكا : « إنه يظهر من بعض التجارب العلمية أنَّ أجزاء جسم
الانسان يمكن أن تحيا الى أيّ وقتٍ أُريد ، وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة
الانسان الى مائة سنة ، وقد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها الى ألف سنة ».
وذكرت هذه المجلة في العدد الثالث من
المجلد ٥٩ الصادر في أيلول من نفس العام ص ٢٣٩ ، « إنه في الإمكان أن يبقى الانسان
حيّاً أُلوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبلَ حياته ، وقولهم هذا ليس
مجرد ظن ، بل نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان ».
ونكتفي بهذا القدر في تأييد ما ذكرناه
من الامكان العلمي ، الذي يسعى العلماء جاهدين لتحويله الى إمكان عملي واقعي فعلي.
٢
ـ وفي كتاب صدر حديثاً بعنوان حقائق أغرب
من الخيال الجزء الأول ص : ٢٤ نشر مؤسسة الايمان ـ بيروت ، ودار الرشيد / دمشق.
جاء فيه : توفي ( بيريرا ) في عام ١٩٥٥
م في وطنه الاَُم مونتريا في سن ١٦٦ عاماً ، وقد شهد على عمره أصدقاؤه ، وسجلاّت
مجلس البلدية ، وبيريرا نفسه الذي استطاع أن يتذكر بوضوح كبير معركة كاراجينا ( حدثت
في عام ١٨١٥ م ) ! وفي نهاية حياته أُحضر الى نيويورك حيث فحصه جمع من الأطباء
المختصين ، ومع أنهم وجدوه محتفظاً بضغط دم رجل شاب ، ونبض شرياني صحيح وقلب جيد ،
وعقل شاب ، فقد قرروا أنه رجل عجوز جداً أكثر من ١٥٠ عاماً.
وجاء في ص ٢٣ ، أن توماس بار عاش ١٦٢
عاماً.
على أنّ السجستاني صاحب السنن قد ألّف
كتاباً باسم ( المعمّرون ) ذكر فيه الكثير من المعمرين ، وفيهم من تجاوزت أعمارهم
خمسمائة سنة.
٣
ـ إنَّ مجرد إجراء التجارب من قبل
الاَطباء للتعرف على مرض الشيخوخة ، وأسباب الموت ، والمحاولات الدائبة من قِبَلهم
ونجاحها ولو بقدر محدود لإطالة عمر الانسان ، لهو دليل على الإمكان ، وإلاّ لكان
تصرفهم عبثاً ، خلاف العقل.
« وفي ضوء ذلك كله لا يبقى مبرر منطقي
للاستغراب والانكار بخصوص ( قضية المهدي ) اللهمّ إلا أن يسبق ( المهدي ) العلمَ
نفسه ، فيتحول الامكان النظري ( العلمي ) الى امكان عملي في شخصه ، قبل أن يصلَ
العلمُ في تطوره الى مستوى القدرة الفعلية. وهذا أيضاً لا يوجد مبررٌ عقليٌّ
لاستبعاده وإنكاره ؛ إذ هو نظير من يسبق العلمَ في اكتشاف دواءٍ للسرطان مثلاً.
ومثل هذا السِبق في الفكر الاسلامي قد حصل في أكثر من
مفردةٍ وعنوانٍ ، فقد
سجّلَ القرآن الكريم نظائر ذلك حين أوردَ وأشارَ الى حقائق علمية تتعلق بالكونِ
وبالطبيعةِ وبالانسانِ ، ثم جاءت التجارب العلمية الحديثة لتزيحَ عنها الستار
أخيراً. ثم لماذا نذهب بعيداً وأمامنا القرآن الكريم يصرّح ( بالامكان العملي )
فيما يتعلق بعمر نوحٍ 7
» ؟
وكذلك صرّحت الآثار النبوية بوجود أشخاص
أحياء منذ قرون متطاولةٍ ؛ كالخضرِ ، والنبي عيسى 7
، والدجّال على ما نقله مسلمٌ في صحيحه من حديث الجساسة. فلماذا نؤمن بمثل هذه
الوجودات المشخصة ، مع انّهم ليس لهم من دورٍ أو أهميةٍ فيما يتعلق بمستقبل الإسلام
إلاّ المسيح الذي سيكون وزيراً ومساعداً للمهدي وقائداً لجيوشه كما في الكثير من
روايات الظهور.
ولماذا ينكر البعض حياة المهدي الذي
سيكون له ذلك الدور الأعظم ، « يمللأ الأرض قسطاً وعدلاً .. » وينزل عيسى ليصلي
خلفه ؟!!
ثانياً
: لو افترضنا قانون الشيخوخة قانوناً
صارماً ، وإطالة عمر الانسان أكثر من الحد الطبيعي والمعتاد هو خلاف القوانين
الطبيعية التي دلّنا عليها الاستقراء ؛ فالأمرُ بالنسبةِ للمهدي 7 يكون حينئذٍ من قبيل المعجزة ، وهي
ليست حالة فريدة في التاريخ.
ثم إنَّ الأمر بالنسبة للمسلم الذي
يستمد عقيدتَه من القرآن الكريم والسُّنة المشرفة ليس منكراً أو مستغرباً ، إذ هو
يجدُ أن القانون الطبيعي الذي هو أكثر صرامةً قد عُطّلَ ، كالذي حَدَثَ بالنسبةِ
للنبي إبراهيم 7
عندما أُلقي في النار العظيمة فأنجاه الله تعالى بالمعجزة ، كما صرَّح القرآن
__________________
قائلاً : ( قلنا يا نارُ كوني بَرْدَاً وسلاماً على
إبراهيم )
.
وهذه المعجزة وأمثالها من معاجز
الانبياء ، والكرامات التي أختصَّ الله بها أولياءه ، قد أصبحت بمفهومها الديني
أقرب إلى الفهم بدرجةٍ أكبر بكثير في ضوء المعطيات العلمية الحديثة والانجازات
الكبيرة التي حققها العلماء بوسائلهم المادية. فلقد بدأنا نشهدُ من الاختراعات
والاكتشافات التي لو حُدّثنا عنها سابقاً لاَنكرناها غايةَ الاِنكار ثم ها هي
بأيدينا الآن نستخدمها ونلهو بها أحياناً ، فمثلاً ( التلفزيون ) ، فلقد كنّا نقرأ
في الروايات في أبواب الملاحم ( أنه سيكون في آخر الزمان يَرى ويسمع من في المشرق
من هو في المغْرِب .. ). وربما عَدَّ بعضُهم ذلك ضرباً من اللامعقول ، ثم ها نحن
نشهده ونشاهده. واستناداً إلى ذلك نقول : إنَّ استبعاد أمرٍ وإنكاره لمجرد عدم
وجودِ حالةٍ مماثلة أو مقاربة نشاهدها ، ليس مقبولاً منطقياً وليس مبرِّراً علمياً
، إذا كان الأمر يقع في دائرة الامكان العلمي والمنطقي ، وقامت عليه الشواهد والأدلة.
ونظير تلك الاخبار المنبئة في تراثنا عن
بعض الاكتشافات العلمية الباهرة ، الاخبار الاَُخرى المُنبئة باعجاز عن ظهور
الإمام المهدي بما ينطبق تمام الانطباق مع معطيات الحضارة المعاصرة.
فقد ورد عن الإمام الصادق 7 انه قال : « إنَّ قائمنا اذا قام مدَّ
الله عزوجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد ، يكلمهم
فيسمعون وينظرون إليه في مكانه » .
__________________
السؤال الثالث : لماذا هذه الغيبة الطويلة ؟
قالوا : لماذا كلّ هذا الحرص على إطالة
عمر المهدي 7 إلى هذا
الحدّ ، فتعطّل القوانين لاَجله ، أو نضطر إلى المعجزة ؟! ولماذا لا نقبل الافتراض
الآخر الذي يقول : إنَّ قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك لشخصٍ آخر
يُولد في ذلك الزمان ، ويعيش الظروف الموضوعية ، لينهض بمهمّته التغييرية ؟!
والجواب
عنه
ـ بعد الإحاطة بالمطالب المذكورة في البحث ـ واضح جداً ، فإنّ الله عزّ وجل قد
أبقى أشخاصاً في هذا العالم أو غيره أحياءً أطول بكثير مما انقضى من حياة المهدي 7 ، وذلك لحِكَمٍ وأسرار لانهتدي إليها ،
أو علمنا ببعضها ، وعلى كلِّ حالٍ نؤمن بها إيماناً قطعيّاً ، فليكن الأمر كذلك
بالنسبة الى المهدي ؛ لأنا ـ كما أشرنا من قبل ـ بصفتنا مسلمين نؤمن بأنّ الله
تعالى لايفعل عبثاً ، وأيضاً : نؤمن بمغيّبات كثيرةٍ عنّا قامت عليها البراهين
المتينة من العقل والنقل ، فلا يضرنا اذا لم نعلم بالحكمة في معتَقدٍ من معتقداتنا
، وكذلك الحال في الاحكام الشرعيّة والاعمال العباديّة ، فقد لا نهتدي إلى سرّ
حكمٍ من الاحكام وفلسفة قانونٍ من القوانين الالهيّة ، لكن التعبد بالنصر أمر لابد
منه خصوص بعد ثبوته بنحو اليقين.
وعليه نقول : إن كانت الأدلّة التي
أقمناها في الفصول السابقة على ضرورة الايمان بالمهدي ، مع تلك المواصفات الخاصة ،
وأنّه الحجة بن الحسن العسكري ، وأنّه ولد وكان إماماً بعد أبيه ـ وفي الخامسة من
عمره الشريف ـ وأنّه حي موجود على طول عمره المبارك .. فإنّ النتيجة الحتميّة هي
القول بهذه الغيبة الطويلة ، سواء علمنا ـ مع ذلك ـ بسرٍّ من أسرارها أو لم نعلم
.. وإنْ كان بالإمكان أن نتصوّر لها بعض الاسرار بقدر
أفهامنا القاصرة
وعقولنا المحدودة. فأمّا من لايطيق من المسلمين الالتزام بالمعجزة في طول عمر الإمام
والفوائد المترتبة على وجوده ـ مع كونه غائباً ـ وجب عليه تصحيح اعتقاده من الاصل
وفي ضوء الأدلة من العقل والنقل.
وعلى هذا الاساس أيضاً لا يمكننا قبول
الافتراض الآخر ، لأن المفروض أن الأدلة قادتنا إلى استحالة ( خلو الأرض من حجّةٍ
لله ولو آناً واحداً ) ، وبعد الايمان بذلك ـ سواء علمنا بشيء من الحكم في ذلك ، ممّا
جاء في الكتب العلمية المفصّلة في الباب أو لم نعلم ـ فلا مناص من القول بوجود
الإمام منذ ولادته ، وأنّه لا مجال لفرض الافتراض الآخر أبداً.
السؤال الرابع : كيف الاستفادة من الإمام الغائب ؟
وأخيراً هناك سؤال ربما يدور في
الاَذهان ، وهو : إذا كان الإمام المهدي كذلك ، فما هي الفائدة بالنسبة للاُمة ، وهو
غائبٌ مستور ، متوارٍ عن الأنظار ؟!
والجواب :
إنَّ الذي يحقق ويدقق في هذه المسألة ، يجب
أن يضع في حسابه أولاً الروايات والأخبار الصحيحة التي تتحدث عن ظهوره الذي سيكون
بصورةٍ مفاجئة وسريعة ، أو على حدِّ لسان بعض الروايات « بغتة ». أي دون تحديد زمن
مخصوص أو وقتٍ معيّن ، وهذا يترتّب عليه ترقب كل جيلٍ من أجيال المسلمين لظهوره
المبارك. إنَّ المتأمل لهذه المسألة سوف لا يصعب عليه أن يكتشف فوائد ومزايا جمةً
تتعلق بالاُمّة المرحومة ، منها :
١
ـ إنَّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلى أن يكون
على حالةٍ من الاستقامة على الشريعة ، والتقيّد بأوامرها ونواهيها ، والابتعاد عن
ظلم الآخرين ، أو غصب حقوقهم ، وذلك لأن ظهور الإمام المهدي ـ الذي سيكون مفاجئاً
ـ
يعني قيام دولته وهي
التي يُنتصف فيها للمظلوم من الظالم ، ويُبسَط فيها العدل ويُمحى الظلم من صفحة
الوجود. ولا يقولنَّ أحدٌ إنَّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم وهذا
يكفي.
فإنَّ جوابه : إنَّ الشعور والاعتقاد
بوجود السلطة وبتمكنها وسلطنتها يعدُّ رادعاً قوياً ، وقد جاء في الأثر الصحيح « إنَّ
اللهَ ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .. ».
٢
ـ إنَّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلى أن يكون في
حالةِ طوارئ مستمرة من حيث التهيؤ للانضمام إلى جيش الإمام المهدي والاستعداد
العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة وبسط سلطته على الارض لإقامة شرع
الله تعالى. وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر والتعاون ورصّ الصفوف
والانسجام لأنهم سيكونون جُنداً للإمام 7.
٣
ـ إنَّ هذه الغيبة تحفّز المؤمن بها
للنهوض بمسؤوليته ، وخاصة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتكون الأمّة
بذلك متحصّنة متحفّزة. إذ لا يمكن تقيّد أنصار الإمام المهدي 7 بالانتظار فحسب ، دون الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتى ظهور
الإمام المهدي 7.
٤
ـ إنَّ الاُمّة التي تعيش الاعتقاد
بالمهدي الحي الموجود تبقى تعيش حالة الشعور بالعزة والكرامة ، فلا تطأطئ رأسها
لاَعداء الله تعالى ، ولا تذلُّ لجبروتهم وطغيانهم ، إذ هي تترقب وتتطلع لظهوره
المظفّر في كلِّ ساعة ، ولذلك فهي تأنف من الذلِّ والهوان ، وتستصغر قوى الاستكبار
، وتستحقر كلّ مايملكون من عدةٍ وعدد.
إنَّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قويّاً
للمقاومة والصمود والتضحية ، وهذا هو الذي يخوّف أعداء الله وأعداء الإسلام ، بل
هذا هو سرّ خوفهم ورعبهم الدائم ، ولذلك حاولوا على مرّ التاريخ أن يُضعفوا
العقيدة
بالمهدي ، وأن
يُسخّروا الأقلام المأجورة للتشكيك بها ، كما كان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفرق
والتيارات الضالّة والهدّامة لاحتواء المسلمين ، وصرفهم عن التمسّك بعقائدهم
الصحيحة ، والترويج للاعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة البابية والبهائية
والقاديانية والوهابية.
هذا ، ويمكن أن نضيف إلى هذه الثمرات
والفوائد المهمة فوائد اُخرى يكتسبها المُعتقِد بظهور المهدي 7 في آخرته ، ويأتي في مقدمتها تصحيح
اعتقاده بعدل الله تعالى ورأفته بهذه الاُمّة التي لم يتركها الله سدىً ينتهبها
اليأس ويفتك بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدين ، دون أن يمدّ لها حبل
الرجاء بظهور الدين على كلِّ الأرض بقيادة المهدي 7.
ومنها
: تحصيل الثواب والأجر على الانتظار ، فقد
ورد في الأثر الصحيح عن الصادق 7
: « المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله ».
ومنها
: الالتزام بقوله تعالى حكايةً عن وصية
إبراهيم 7 لبنيه : ( يا بَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفى لَكُم الدّينَ
فَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وأنتُم مُسْلِمُون
) ، وقد مرّ بأن من مات ولم يعرف إمام
زمانه ـ وفي عصرنا هو المهدي 7
ـ مات ميتةً جاهلية. واستناداً إلى كلِّ ما ذكرناه يظهر معنى : إنَّ الأرض لا تخلو
من حجةٍ لله تعالى.
* * *
واخيراً ، فإنّ مما تسعى إليه بُؤَر
النفاق وبشكل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين ، لعلها تجد فيهم من تتلقفه
وتحوطه برعايتها ، وتمنحه الالقاب العلمية الكاذبة التي يَشْرَه إليها ؛ لكي تتخذه
مطيّة لاغراضها وبوقاً لدعاياتها عبر المجلات والمؤتمرات التي تندد
__________________
بالإسلام وأُصوله الشامخة
، ولن تجد بغيتها إلاّ فيمن انحرف عن المحجة البيضاء ، ورمى بنفسه كالطفل في احضان
مربية حمقاء تسخّره لكل لعبة قذرة ، كما نلحظه اليوم في تقريب سلمان رشدي ومن على
شاكلته ، على أمل أن تجد سمومهم طريقها إلى كل جسد مسلم ضعيف.
ولهذا كان من الواجب الإسلامي التنبيه
على هذه الوسيلة الدنيئة ، وتوعية المسلمين بأهدافها وغاياتها واخطارها ، وتحصينهم
بالاِيمان الصحيح الذي أمر به هرم الإسلام المقدس : ( القرآن الكريم ، والسنّة
المطهرة ، ومدرسة أهل البيت :
).
وتلبية لنداء الواجب الإسلامي ، كان
الحديث ـ في هذا الكتاب ـ عن الإمام المهدي الذي هو حديث الإسلام بنقائه وصفائه ، وقد
تبين بالتفصيل أنّ الاعتقاد بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان إنّما هو من
مستلزمات الوثوق بصدق رسالة الإسلام الخالدة ، وأنّ التكذيب به هو تكذيب برسالة الإسلام
التي أخبرت عن ظهوره !
ونحسب ان في فصول هذا الكتاب ـ الذي
اعتنى بسلاسة الاسلوب وقوة الدليل ـ ما يميزه عن غيره لما فيه من تلبية وافية
لحاجة المثقف الإسلامي بأي درجة كان لمعرفة حقيقة المهدي المنتظر في الفكر
الاسلامي.
والحمد لله على هدايته ، والصلاة
والسلام على أفضل
أنبيائه ورسله محمد ، وعلى
آله الطاهرين ،
وصحبه المخلصين ومن سار على
نهجهم إلى يوم الدين
المقدِّمة......................................................................... ٧
عالمية الاعتقاد
بالمهدي...................................................................................... ٨
تهافت القول باُسطورية
فكرة الظهور................................................................ ١٥
الفصل الأول
المهدي في الكتاب
والسُنّة.............................................. ١٧ ـ ٤٤
بعض الآيات المُفَسّرة
في المهدي....................................................................... ١٩
نظرة في أحاديث المهدي
............................................................................... ٢٥
أولاً : من أخرج
أحاديث المهدي................................................................ ٢٦
ثانياً : من روى
أحاديث المهدي من الصحابة................................................. ٢٩
ثالثاً : طرق أحاديث
المهدي في كتب السنة إجمالاً......................................... ٣٠
رابعاً : صحة أحاديث
المهدي..................................................................... ٣٤
خامساً : تصريح
العلماء بتواتر أحاديث المهدي.............................................. ٣٨
الفصل الثاني
من هو الإمام المهدي ؟............................................... ٤٥ ـ ١٣٣
أحاديث في نسب الإمام المهدي....................................................................... ٤٨
المهدي : كناني ، قرشي
، هاشمي................................................................. ٤٨
حديث المهدي من أولاد
عبد المطلب............................................................ ٤٩
حديث المهدي من ولد
أبي طالب........................................... ٥٠
أحاديث المهدي من ولد
العباس............................................. ٥١
أولاً : الأحاديث
المجملة في هذا المعنى..................................... ٥١
ضعف الأحاديث المجملة
مع عدم دلالتها على نسب المهدي.............. ٥٢
ثانياً : الأحاديث
المصرّحة بهذا المعنى ، وجوابها............................. ٥٣
أحاديث المهدي من ولد
علي 7............................................ ٥٦
أحاديث المهدي من أهل
البيت 7.......................................... ٥٧
أحاديث المهدي من
العترة :.............................................. ٥٨
أحاديث المهدي من ولد
النبي 6......................................... ٥٩
حديث المهدي من ولد
فاطمة 3........................................... ٦٠
حديث المهدي من ولد
الإمام الحسن السبط 7.............................. ٦٢
بطلان الحديث من سبعة
وجوه............................................ ٦٣
الحديث غير معارض
لأحاديث المهدي من ولد الحسين 7.................. ٦٦
ما ورد معارضاً لكون
المهدي من أولاد الحسين 7........................... ٦٧
أحاديث : واسم أبيه
اسم أبي ( عبدالله ).................................... ٦٧
حقيقة هذا التعارض
وبيان قيمته العلمية.................................... ٦٩
مؤيدات كون المهدي من
ولد الحسين 7.................................... ٧٣
حديث الثقلين........................................................... ٧٤
حديث : من مات ولم
يعرف إمام زمانه..................................... ٧٧
حديث : إنَّ الارض لا
تخلو من قائم لله بحجة................................ ٧٩
أحاديث : الخلفاء اثنا
عشر................................................ ٨٠
النص على الأئمة
الاثني عشر يوضح المراد بالخلفاء الاثني عشر................ ٨٤
المهدي من أولاد
الحسين ، وإنّه التاسع من ولده :........................... ٩٣
المهدي هو محمد بن
الحسن العسكري 8................................... ٩٦
ولادة الإمام المهدي 7................................................... ١٠٥
إقرار الإمام العسكري
بولادة ابنه المهدي 8............................ ١٠٧
شهادة القابلة بولادة
الإمام المهدي 7................................... ١٠٧
من شهد برؤية الإمام المهدي
من أصحاب الأئمة :
وغيرهم.............. ١٠٨
شهادة وكلاء الإمام المهدي
ومن وقف على معجزاته 7 برؤيته............. ١١٤
شهادة الخدم والجواري
والاِماء برؤية المهدي 7.......................... ١١٦
تصرف السلطة دليل على
ولادة الإمام المهدي 7......................... ١١٧
اعترافات علماء الأنساب
بولادة الإمام المهدي 7......................... ١١٩
اعتراف علماء أهل
السنّة بولادة الإمام المهدي 7......................... ١٢٣
اعتراف علماء أهل
السُنّة بأنّ المهدي هو ابن العسكري 8............... ١٢٨
الفصل الثالث
شبهات حول المهدي.............................................. ١٣٥ ـ ١٥٨
التذرع بخلو الصحيحين
من أحاديث المهدي 7............................. ١٣٧
أحاديث الصحيحين المُفسَّرة
في المهدي 7............................... ١٤٠
١ ـ أحاديث خروج
الدجال في الصحيحين............................ ١٤٠
٢ ـ أحاديث نزول عيسى 7 في الصحيحين......................... ١٤٠
٣ ـ أحاديث من يحثي
المال في صحيح مسلم........................... ١٤٣
٤ ـ أحاديث خسف
البيداء في صحيح مسلم........................... ١٤٤
التذرع بتضعيفات ابن
خلدون لأحاديث المهدي 7.......................... ١٤٥
حقيقة تضعيفات ابن
خلدون........................................... ١٤٦
تضعيفات ابن خلدون
بلغة الأرقام...................................... ١٤٩
حصر المهدي بعيسى بن
مريم 8 ، وجوابه................................ ١٥٢
التذرع بدعاوى
المهدوية السابقة ، وجوابه.................................... ١٥٦
الفصل الرابع
المهدي ومنطق العقل
والعلم........................................ ١٥٩ ـ ١٧٩
اسئلة حول الإمامة
المبكرة ، وطول العمر ، والاستفادة من الغيبة................ ١٦٢
السؤال الأول : كيف
كان المهدي اماماً وهو في الخامسة من عمره ؟............ ١٦٢
جواب السؤال الأول.................................................... ١٦٢
السؤال الثاني : حول
طول العمر............................................. ١٦٧
جواب السؤال الثاني..................................................... ١٦٧
إطالة عمر الإنسان
بحسب الإمكان العملي.............................. ١٦٧
إطالة عمر الإنسان
بحسب الإمكان العملي والمنطقي...................... ١٦٨
السؤال الثالث : لماذا
هذه الغيبة الطويلة ؟.................................... ١٧٥
جواب السؤال الثالث.................................................... ١٧٥
السؤال الرابع : كيف
الاستفادة من الإمام الغائب ؟........................... ١٧٦
جواب السؤال الرابع.................................................... ١٧٦
|