الكتاب الثاني :

في الفضلات

المفعول به ، التحذير ، الإغراء ، الاختصاص ، المنادى ، المندوب ، الاستغاثة ، الترخيم ، المفعول المطلق ، المفعول له ، المفعول فيه ، المفعول معه ، المستثنى ، الحال ، التمييز ، نواصب المضارع.

(ص) الكتاب الثاني في الفضلات ، المفعول به : اختلف في ناصبه فالبصرية عامل الفاعل ، وقيل : الفاعل ، وقيل : هما ، وقيل : كونه مفعولا ، وقيل : ينصب الكل تشبيها به ، وسمع رفعه ونصب الفاعل ، ورفعهما ، ونصبهما ، وهو الواقع عليه الفعل.

(ش) بدأت من الفضلات بالمفعول به ، وقد حده صاحب «المفصل» وغيره بأنه ما وقع عليه فعل الفاعل ، والمراد بالوقوع التعلق ؛ ليدخل نحو : أوجدت ضربا ، وأحدثت قتلا ، وما ضربت زيدا.

وقد اختلف في ناصب المفعول به ، فالبصريون على أنه عامل الفاعل الفعل أو شبهه ، وقال هشام من الكوفيين : هو الفاعل ، وقال الفراء : هو الفعل والفاعل معا ، وقال خلف : معنى المفعولية ، أي : كونه مفعولا ، كما قال في الفاعل : إن عامله كونه فاعلا ، وقولي : «وقيل : ينصب الكل تشبيها به» أشرت إلى ما ذكره أبو حيان في شرح التسهيل أن انقسام المفعول إلى مفعول مطلق ومفعول به وله وفيه ومعه هو مذهب البصريين ، وأما الكوفيون فزعموا أن الفعل إنما له مفعول واحد وهو المفعول به ، وباقيها عندهم ليس شيء منها مفعولا وإنما مشبه بالمفعول.

وسمع رفع المفعول به ونصب الفاعل حكوا : خرق الثوب المسمار ، وكسر الزجاج الحجر ، وقال الشاعر :


٦٤١ ـ مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوءاتهم هجر

والسوءات هي البالغة.

وسمع أيضا رفعهما قال :

٦٤٢ ـ كيف من صاد عقعقان وبوم

ونصبهما قال :

٦٤٣ ـ قد سالم الحيّات منه القدما

والمبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الإلباس ، ولا يقاس على شيء من ذلك.

(ص) ويجب تقديمه إن تضمن شرطا أو استفهاما ، خلافا للكوفية فيما قصد به استثبات ، أو أضيف إليهما ، أو نصبه فاصلا جواب أما ، أو أمر فيه الفاء ، أو كان معمول مفسر الجواب ، أو كم الخبرية إلا في لغية ، وتأخيره إن كان أنّ أو أن ، أو مع فعل تعجبي وموصول بحرف ، أو جازم لا إن قدم عليه ، ولام الابتداء ، أو قسم ، أو قد ، أو سوف ، أو قلما ، أو ربما ، ونحو : ما زيد عمرا إلا يضرب.

قال الرندي : وضرب القوم بعضهم بعضا ، وقوم مفعول الأمر والنهي ، ويجوز فيما عدا ذلك ، وإذا قدم أفاد الاختصاص خلافا لابن الحاجب ما لم يكن مستحقا ، والمختار أنه غير الحصر وفاقا للسبكي.

(ش) الأصل في المفعول به التأخر عن الفعل والفاعل ، وقد يقدم على الفاعل جوازا

__________________

٦٤١ ـ البيت من البسيط ، وهو للأخطل في ديوانه ص ١٧٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٤٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٢ ، واللسان والتاج (نجر) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٧ ، ورصف المباني ص ٣٩٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٦ ، ٢ / ٧١ ، والمحتسب ٢ / ١١٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٦٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥٣.

٦٤٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٤.

٦٤٣ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٣٣ ، وجمهرة اللغة ص ١١٣٩ ، وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للدبيري أو لعبد بني عبس في الخزانة ١ / ٤١١ ، ٤١٥ ، ٤١٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٨١ ، ولأحد هؤلاء أو للتدمري في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٣ ، ولمساور العبسي في اللسان (ضمز) ، ولعبد بن عبس في الكتاب ١ / ٢٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٥٥.


ووجوبا كما تقدم في بابه ، وقد يقدم على الفعل جوازا نحو : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) [الأعراف : ٣٠] ، (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة : ٨٧].

أوجه وجوب تقديم المفعول به على الفعل :

وقد يجب تقديمه عليه وذلك في صور :

أحدها : إذا تضمن شرطا نحو : من تكرم أكرمه ، وأيهم تضرب أضربه.

ثانيها : إذا أضيف إلى شرط نحو : غلام من تضرب أضرب.

ثالثها : إذا تضمن استفهاما نحو : من رأيت ، وأيهم لقيت ، ومتى قدمت ، وأين أقمت ، سواء كان في ابتداء الاستفهام أم قصد به الاستثبات ، هذا مذهب البصريين ، ووافقهم الكوفيون في الأول ، وجوزوا في الثاني ألا يلزم الصدر لما حكوا من قولهم : (ضرب من منا) و (تفعل ما ذا) و (تصنع ما ذا) و (إن أين الماء والعشب) جوابا لمن قال : إن في موضع كذا ماء وعشبا ، والبصريون حكموا بشذوذ ذلك.

رابعها : إذا أضيف إلى استفهام نحو : غلام من رأيت.

خامسها : إذا نصبه جواب (أما) نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩].

سادسها : إذا نصبه فعل أمر دخلت عليه الفاء نحو : زيدا فاضرب.

سابعها : إذا كان معمول (كم) الخبرية نحو : كم غلام ملكت ، أي : كثيرا من الغلمان ملكت ، وحكى الأخفش أنه يجوز تأخيره عن الفاعل في لغة رديئة نحو : ملكت كم غلام.

أوجه وجوب تأخير المفعول به عن الفعل :

وقد يمنع تقديمه عليه وذلك في صور :

أحدها : أن يكون أن المشددة أو المخففة نحو : عرفت أنّك أو أنك منطلق ، قال أبو حيان : وقياس ما أجازه الفراء من الابتداء ب : (أن) المشددة ، وما أجازه هشام من أن أن زيدا قائم حقه جواز التقديم.

ثانيها : أن يكون مع فعل تعجبي نحو : ما أحسن زيدا.

ثالثها : أن يكون مع فعل موصول بحرف نحو : من البر أن تكف لسانك.


رابعها : أن يكون مع فعل موصول بجازم نحو : لم أضرب زيدا ، فلا يقدم على الفعل فاصلا بينه وبين الجازم ، فإن قدم على الجازم جاز.

خامسها إلى ثامنها : أن يكون مع فعل موصول بلام الابتداء ، أو لام القسم ، أو قد ، أو سوف ، نحو : ليضرب زيد عمرا ، والله لأضربن زيدا ، والله قد ضربت زيدا ، سوف أضرب زيدا.

تاسعها : أن يكون مع فعل مؤكد بالنون ، فلا يقال : زيدا اضربن ، قال الرضي : ولعل ذلك لكون تقدم المنصوب على الفعل دليلا على أن الفعل غير مهم ، وإلا لم يؤخره من مرتبته ، وتوكيد الفعل يؤذن بكونه مهما فيتنافران في الظاهر ، وإذا قدم المفعول أفاد الاختصاص عند الجمهور نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٥] ، أي : لا غيرك (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) [الزمر : ٦٦] ، أي : لا غيره ، وخالف في ذلك ابن الحاجب ووافقه أبو حيان فقالا : الاختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقدم المفعول وهم ، وعلى الأول شرطه أن لا يكون التقديم مستحقا كالصور المبدوء بها ، والمشهور أن الاختصاص والحصر مترادفان ، واختار السبكي التفرقة بينهما وأن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور ، والاختصاص قصر الخاص من جهة خصوصه من غير تعرض لنفي وغيره ، وهاتان المسألتان من علم البيان لا النحو فليطلب بسط الكلام فيهما من كتابنا شرح «ألفية المعاني» وكتاب «الإتقان».

حذف المفعول به :

(ص) ويحذف المفعول لا نائب ومتعجب منه وجواب ومحصور ومحذوف عامله حتما ، وكذا نحو : زيد ضربته ، خلافا للكوفية وينوى إلا لتضمين الفعل اللزوم أو الإيذان بالتعميم أو غرض حذف الفاعل ومتى حذف بعد لو فهو جوابها غالبا ، ويجر بالباء الزائدة كثيرا مفعول عرفت ونحوه نحو : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) [البقرة : ١٩٥] ، وقليلا في ذي اثنين ونحو : «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع».

(ش) فيه مسائل :

الأولى : الأصل جواز حذف المفعول به ؛ لأنه فضلة ويمنع في صور :

أحدها : أن يكون نائبا عن الفاعل ؛ لأنه صار عمدة كالفاعل.

ثانيها : أن يكون متعجبا منه نحو : ما أحسن زيدا.


ثالثها : أن يكون مجابا به ك : زيدا لمن قال : من رأيت ؛ إذ لو حذف لم يحصل جواب.

رابعها : أن يكون محصورا نحو : ما ضربت إلا زيدا ؛ إذ لو حذف لأفهم نفي الضرب مطلقا والمقصود نفيه مقيدا.

خامسها : أن يكون عامله حذف نحو : خيرا لنا وشرا لعدونا ؛ لئلا يلزم الإجحاف.

سادسها : إذا كان المبتدأ غير (كل) ، والعائد المفعول نحو : زيد ضربته ، فلا يقال اختيارا : زيد ضربت بحذف العائد ورفع زيد ، بل يجب عند الحذف نصب زيد ، قال الصفار : وأجاز سيبويه في الشعر (زيد ضربت) ، ومنع ذلك الكسائي والفراء وأصحاب سيبويه ، حكي عن أبي العباس أنه قال : لا يضطر شاعر إلى هذا ؛ لأن وزن المرفوع والمنصوب واحد.

ونقل عن هشام أنه أجاز زيد ضربت في الاختيار ، هكذا نقل أبو حيان ، ونقل ابن مالك عن البصريين الجواز في الاختيار ، وعن الكوفيين المنع إلا في الشعر ، والله أعلم.

الثانية : إذا حذف المفعول نوي لدليل عليه نحو : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، أي : لما يريده ، وقد لا ينوى إما لتضمين الفعل المتعدي معنى يقتضي اللزوم ، كما يضمن اللازم معنى يقتضي التعدية كتضمن (أصلح) معنى (الطف) في قوله تعالى : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) [الأحقاف : ١٥] ، أي : الطف بي فيهم ، وإما للإيذان بالتعميم نحو : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] يعطي ويمنع ، ويصل ويقطع ، وإما لبعض الأغراض السابقة في حذف الفاعل كالإيجاز في (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) [التغابن ١٦] ، والمشاكلة في (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) [النجم ٤٢ ـ ٤٣] ، والعلم في (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤] ، والجهل في قولك : ولدت فلانة وأنت لا تدري ما ولدت ، وعدم قصد التعيين في (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً) [الفرقان : ١٩] ، والتعظيم في (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، والخوف في أبغضت في الله ولا تذكر المبغوض خوفا منه.

الثالثة : إذا حذف المفعول بعد (لو) فهو المذكور في جوابها غالبا نحو : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) [يونس : ٩٩] ، أي : ولو شاء إيمان من في الأرض ، (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١] ، أي : لو يشاء هدى الناس ، وقد لا يكون كذلك


كقوله تعالى : (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [فصلت : ١٤] فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة بقرينة السياق.

الرابعة : تزاد الباء كثيرا في مفعول عرفت ونحوه ، ومما زيدت فيه الباء في المفعول نحو : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] ، (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) [الحج : ١٥] ، (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) [الحج : ٢٥] ، أي : أيديكم ، وجذع النخلة ، وسببا ، وإلحادا.

وقلّت زيادتها في مفعول ما يتعدّى لاثنين كقوله :

٦٤٤ ـ تسقي الضّجيع ببارد بسّام

وقد زيدت في مفعول كفى المتعدية لواحد ، ومنه الحديث : «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع» ، وقوله :

٦٤٥ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبيّ محمّد إيّانا

تعدّد المفعول به :

(ص) مسألة : إذا تعدد مفعول في غير ظن فالأصل تقديم فاعل معنى ، وما لا يتعدى بحرف ، ومن ثم جاز خلافا لهشام أعطيت درهمه زيدا ، ودرهمه أعطيت زيدا ، وثالثها يمنع الأول دون الثاني ، وامتنع خلافا للكوفية أعطيت مالكه الغلام ، ويجب ويمنع لما مر.

(ش) إذا تعدد المفعول فإن كان في باب ظن وأعلم فمعلوم أن المبتدأ فيهما مقدم على الخبر ، والفاعل في باب أعلم مقدم على الاثنين ، وإن كان في غيره كباب أعطى واختار فالأصل تقديم ما هو فاعل معنى في الأول وما يتعدى إليه الفعل بنفسه في الثاني

__________________

٦٤٤ ـ البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٠٧ ، والأغاني ٤ / ١٣٧ ، ٢١٥ ، والجنى الداني ص ٥١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٣٢ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٠٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٠.

٦٤٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٨٩ ، والخزانة ٦ / ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٥ ، ولبشير بن عبد الرحمن في اللسان مادة (منن) ، ولحسان بن ثابت في الأزهية ص ١٠١ ، ولكعب أو لحسان أو لبشير بن عبد الرحمن في شرح شواهد المغني ١ / ٣٣٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧١.


على ما ليس كذلك ؛ لأنه أقوى ، فالأصل في أعطيت زيدا درهما ، واخترت زيدا الرجال تقديم زيد ؛ لأنه آخذ الدرهم ومختار من الرجال ، ويتفرع على ذلك جواز تقديم المفعول الثاني إذا اتصل به ضمير يعود على الأول إما عليه فقط نحو : أعطيت درهمه زيدا ، أو على العامل أيضا نحو : درهمه أعطيت زيدا ؛ لعود الضمير على متقدم في الرتبة وإن تأخر في اللفظ ، فهو نظير ضرب غلامه زيد ، والجواز في الصورتين مذهب أكثر البصريين ، خلافا لهشام في منعه لهما ولبعض البصريين في منعه الأولى دون الثانية.

قال أبو حيان : وبنى منعه على أن المفعولين في رتبة واحدة بعد الفاعل ، فأيهما تقدم فذلك مكانه ، بخلاف ما إذا قدم على الفعل فإن النية به التأخير ، وحينئذ ينوى تقديره بعد المفعول الذي يعود عليه الضمير.

ومما يفرع على الأصل أيضا امتناع أعطيت مالكه الغلام ؛ لعود الضمير على مؤخر لفظا ورتبة ؛ لأن المالك هو الآخذ ، فهو نظير ضرب غلامه زيد ، والكوفيون جوزوا ذلك على تقدير تناول الفعل الغلام أولا ، فالأول عندهم هو الذي يقدر الفعل آخذا له قبل صاحبه.

وقد يخرج عن هذا الأصل فيقال : أعطيت درهما زيدا ، واخترت الرجال زيدا ، بتأخير ما حقه التقديم ، وقد يجب التزام الأصل في نحو : أعطيت زيدا عمرا ؛ لأنه لو قدم لم يدر أزيد آخذ أم مأخوذ ، وقد يجب الخروج عنه في نحو : أعطيت الغلام مالكه ؛ ليعود الضمير على متقدم ، ويؤخر المحصور منهما نحو : ما أعطيت زيدا إلا درهما ، وما أعطيت درهما إلا زيدا.

أوجه حذف ناصب المفعول به جوازا ووجوبا :

(ص) مسألة : يحذف عامله قياسا ؛ لقرينة ، ويجب سماعا في مثل وشبهه لا إن لم يكثر استعماله ، خلافا للزمخشري ك : (الكلاب على البقر) ، (انْتَهُوا خَيْراً) [النساء : ١٧١] ، (أحشفا وسوء كيلة) ، (من أنت زيدا) ، (كل شيء ولا هذا) ، (هذا ولا زعماتك) إن تأتني فأهل الليل وأهل النهار ، ديار الأحباب عذيرك ، وكذا (مرحبا) وأهلا وسهلا خبرا لا دعاء فمن باب المصدر ، وقيل : مصدر مطلقا ، وقيل : يجعل المنصوب مبتدأ أو خبرا ، فيلزم حذف متمه ، والأصح أن منه (سبوحا) و (قدوسا) على النصب.


(ش) يجوز حذف ناصب المفعول به قياسا ؛ لقرينة لفظية أو معنوية نحو : (زيدا) لمن قال : من ضربت ، أي : ضربت ، ولمن شرع في إعطاء ، أي : أعط ، و (خيرا) لمن ذكر رؤيا ، أي : رأيت ، و (حديثك) لمن قطع حديثه ، أي : تمم ، و (مكة) لمن تأهب للحج ، أي : تريد أو أراد ، و (القرطاس) لمن سدد سهما ، أي : تصيب.

ومعنى كونه قياسا أنه لا يقتصر فيه على مورد السماع ، ومنه في القرآن (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] ، أي : أنزل ، (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ١٣٥] ، أي : نتبع.

ويجب الحذف سماعا في الأمثال التي جرت كذلك ، فلا تغيّر كقولهم : (كلّ شيء ولا شتيمة حر) ، أي : ائت ولا ترتكب ، و (هذا ولا زعماتك) ، أي : هذا هو الحق ولا أتوهم ، وقيل : التقدير ولا أزعم ، وكذا ما أشبه المثل في كثر الاستعمال نحو : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] ، أي : وأتوا ، بخلاف ما لم يكثر استعماله نحو : انته أمرا قاصدا ، أي : وأت ، فإنه لا يجب إضمار فعل.

قال أبو حيان : وقد غفل الزمخشري عن هذا فجعل (انْتَهُوا خَيْراً) [النساء : ١٧١] منه ، وانته أمرا قاصدا سواء في جواب إضمار الفعل ، وقد نص سيبويه على أنه لا يجب إضمار الفعل في (انته أمرا قاصدا) ، وعلل ذلك بأنه ليس في كثرة الاستعمال مثل انته خيرا لك ، وقولهم : (الكلاب على البقر) بإضمار (أرسل) ، ومعناه خلّ بين الناس جميعا خيرهم وشرهم ، واغتنم أنت طريق السلامة فاسلكها.

وقولهم : (أحشفا وسوء كيلة) (١) ، مثل لمن يظلم الناس من وجهين ، ومعناه تعطيني حشفا وتسيء الكيل ، وأما (من أنت زيدا) فأصله أن رجلا غير معروف بفضل تسمى بزيد وكان زيد مشهورا بالفضل والشجاعة فلما تسمى الرجل المجهول باسم ذي الفضل دفع عن ذلك ، وقيل : له من أنت زيدا على جهة الإنكار عليه ، كأنه قال : من أنت تذكر زيدا ، أو ذاكرا زيدا ، وفي قولهم : من أنت تحقير للمخاطب ، وقد يقال لمن ليس اسمه زيدا : (من أنت زيدا) على المثل الجاري.

وأما (كل شيء ولا هذا) فمعناه ائت كل شيء ولا تأت هذا ، أو اقرب كل شيء ولا تقرب هذا.

__________________

(١) الكيلة فعلة من الكيل ، وهي تدل على الهيئة والحالة ، نحو : الركبة ، والحشف أردأ التمر ، أي : أتجمع حشفا وسوء كيل ، يضرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين.


وأما (هذا ولا زعماتك) فمعناه أن المخاطب كان يزعم زعمات فلما ظهر خلاف قوله قيل له هذا الكلام ، وهذا مبتدأ خبره محذوف ، أي : هذا الحق ولا يختص بهذا اللفظ ، بل تقول : أقول كذا ولا زعماتك ، وأعلم كذا ولا زعماتك.

وأما (إن تأتني فأهل الليل وأهل النهار) فالمعنى تجد من يقوم لك مقام أهلك في الليل والنهار ، وهو مما يجري مجرى المثل في كثرة الاستعمال.

وأما (ديار الأحباب) فمعناه اذكر ، قال أبو حيان : إن أراد ابن مالك هذا اللفظ بخصوصه فيحتاج إلى سماع ، ولم نقف عليه ، وإن أراد لفظ (ديار) مضافا إلى اسم المحبوبة فكثير ، قال ذو الرمة :

٦٤٦ ـ ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا

وقال طرفة :

٦٤٧ ـ ديار سليمى ؛ إذ تصيدك بالمنى

وفي «البسيط» ما نصه : ومنها ذكر الدار فإنه كثر عندهم فاستعملوه بحذف الفاعل كقوله : (ديار مية) ، أي : اذكر ، ومثله ذكر الأيام والمعاهد والدمن ؛ لأنه يستعمل عندهم كثيرا ، وأما عذيرك فمعناه أحضر عاذرك قال :

٦٤٨ ـ أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليل من مراد

وأما مرحبا وأهلا وسهلا فالمعنى صادفت رحبا وسعة ، ومن يقوم لك مقام الأهل ، وسهلا ، أي : لينا وخفضا لا حزنا ، وهذا يستعمل خبرا لمن قصدك ، ودعاء للمسافر ، والأول هو المراد هنا ، وأما الثاني : فتقديره لقّاك الله ذلك ، وقدره سيبويه : رحبت بلادك

__________________

٦٤٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٢٣ ، والخزانة ٢ / ٣٦٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٨ ، والكتاب ١ / ٢٨٠ ، ٢ / ٢٤٧ ، واللسان مادة (عجم) ، ونوادر أبي زيد ص ٣٢ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٩٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٤.

٦٤٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٣.

٦٤٨ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص ١٠٧ ، ١١١ ، والأغاني ١٥ / ٢٢٧ ، وحماسة البحتري ص ٧٤ ، والحماسة الشجرية ١ / ٤٠ ، والخزانة ٦ / ٣٦١ ، ١٠ / ٢١٠ ، والسمط ص ٦٣ ، ١٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٩٥ ، والكتاب ١ / ٢٧٦ ، واللسان والتاج وعمدة الحفاظ مادة (عذر) ، ومعجم الشعراء ص ١٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٣٦ ، وفي نسخة (حباءة) بدلا من (حياته).


وأهلت ، قال أبو حيان : وإنما قدره بفعل ؛ لأن الدعاء إنما يكون بالفعل ، فقدره بفعل من لفظ الشيء المدعو به ، فعلى تقدير سيبويه يكون انتصاب (مرحبا) على المصدر لا على المفعول به ، وكذلك (أهلا) قال : وهذا الذي قدره سيبويه إنما هو إذا استعمل دعاء ، أما إذا استعمل خبرا على تقدير صادفت وأصبت فيكون مفعولا به لا مصدرا.

قال : ووهم القواس فنسب لسيبويه أن (مرحبا) مفعول به ، أي : صادفت رحبا لا ضيقا ، وأن مذهب غيره أنه مصدر بدل عن اللفظ بفعله ، ومن العرب من يرفع المنصوب في هذه الأمثلة ونحوها على الابتداء أو الخبر ، فيلزم حذف الجزء الآخر كما لزمه إضمار الناصب نحو : كل شيء ، أي : أم بمعنى قصد ، وديار الأحباب ، أي : تلك ، و (كلاهما وتمرا) ، أي : لي وزدني ، ومن أنت وزيدا ، أي : ذكرك أو كلامك ، وكذا البواقي قال :

٦٤٩ ـ ألا مرحب واديك غير مضيّق

أي : ألا هذا مرحب ، أو لك مرحب ، وأنشد سيبويه :

٦٥٠ ـ وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله

لملتمس المعروف : أهل ومرحب

وأما سبوح قدوس فيقالان بالرفع عند سماع من يذكر الله على إضمار (مذكورك) ، فليسا بمصدرين ، وبالنصب على إضمار ذكرت سبوحا قدوسا ، أي : أهل ذلك فاختلف على هذا الفعل الناصب واجب الإضمار أو جائزه ، فقال الشلوبين وجماعة بالأول ، وآخرون بالثاني.

التحذير :

(ص) ومنه ما نصب تحذيرا إن كان (إيا) ، أو مكررا ، أو متعاطفا ، وإلا فيجوز إظهاره ، وأجازه قوم مع المكرر.

ولا يحذف عاطف بعد (إيا) إلا بنصب المحذوف بإضمار آخر ، أو جره بمن ،

__________________

٦٤٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ١٤١ ، ٢٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٠١ ، والكتاب ١ / ٢٩٦ ، وبلا نسبة في المقتضب ٣ / ٢١٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٥.

٦٥٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لطفيل الغنوي في ديوانه ص ٣٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٨٤ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٩ ، والكتاب ١ / ٢٩٦ ، وبلا نسبة في المقتضب ٣ / ٢١٩ ، والمنصف ٣ / ٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٩.


ويكفي تقديره في أن تفعل ، ويعطف المحذور على إياي وإيانا وعلى إياك وإخوته ، ونفسك وشبهه من المخاطب ، ويضمر ما يليق ك : (نح) واتق ، وقيل : لكل ناصب ، ولا يحذر من ظاهر وضمير غائب إلا معطوفا ، والضمير هنا مؤكدا ومعطوفا عليه كغيره.

(ش) من المنصوب على المفعول به بإضمار فعل لا يظهر باب التحذير ، وهو : إلزام المخاطب الاحتراز من مكروه ب : (إيّا) أو ما جرى مجراه ، وإنما يلزم إضماره مع (إيا) مطلقا نحو : إياك والشر فالناصب ل : (إيا) فعل مضمر لا يجوز إظهاره ، ومع المكرر نحو : الأسد الأسد ؛ لأن أحد الاسمين قام مقام الفاعل ، ومع العاطف نحو : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) [الشمس : ١٣] استغناء بذكر المحذر منه عن ذكر المحذر ، وما عدا هذه الصور الثلاث يجوز فيه الإظهار ، وجوز بعضهم إظهار العامل مع المكرر حكاه في «البسيط» ، وقال الجزولي : يقبح فيه الإظهار ولا يمتنع ، ويمتنع عند قوم ، والشائع في التحذير أن يراد به المخاطب ، فإذا حذر ب : (إيا) اتصل بضميره وعطف عليه المحذور نحو : إياك أو إياك أو إياكما أو إياكم أو إياكن والشر ، ويضمر فعل أمر يليق بالحال نحو : اتق وباعد ونح وخل ودع وما أشبه ذلك.

وتحذر نفسك وشبهه من المضاف إلى المخاطب معطوفا عليه المحذور أيضا بإضمار ما ذكر نحو : رأسك والحائط ، ورجلك والحجر ، وعينك والنظر إلى ما لا يحل ، وفمك والحرام ، وكونه معطوفا مذهب السيرافي وجماعة ، وأجازه ابن عصفور وابن مالك ، وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر والتقدير إياك باعد من الشر واحذر الشر ، فيكون الكلام جملتين ، وعلى الأول يكون جملة واحدة والتقدير إياك باعد من الشر والشر منك ، فكل منهما مباعد عن الآخر.

ولا يحذف العاطف بعد (إيا) إلا والمحذور منصوب بناصب آخر مضمر أو مجرور ب : (من) ، نحو : إياك الشر فلا يجوز أن يكون الشر منصوبا بما انتصب به (إياك) ، بل بفعل آخر تقديره : دع الشر ، وإياك (من) الشر ، ويجوز تقدير من مع أن تفعل ؛ لاطراد حذف الجر مع أن إذا أمن اللبس ، نحو : إياك أن تفعل ، أي : من أن تفعل.

وقد يكون التحذير للمتكلم ، سمع : (إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب) ، أي : إياي نح عن حذف الأرنب ، ونح حذف الأرنب عن حضرتي ، ولا يكون المحذور ظاهرا ولا ضمير غائب إلا وهو معطوف نحو : إياك والشر ، وماز رأسك والسيف وقوله :


٦٥١ ـ فلا تصحب أخا الجهل

وإيّاك وإيّاه

أي : باعد منه وباعده منك.

وأما قولهم : (أعور عينك الحجر) فعلى حذف العاطف ، أي : والحجر ، وقولهم : (فإياه وإيا الشواب) شاذ ، أي : ليتباعد من النساء الشواب ويباعدهن منه.

وحكم الضمير في هذا الباب مؤكدا ومعطوفا عليه حكمه في غيره ، وهنا ضميران أحدهما لفظ إياك ، والآخر ما تضمنه (إياك) من الضمير المنتقل إليه من الفعل الناصب له ، فإذا أكدت قلت : إياك نفسك أن تفعل ، أو إياك نفسك والشر ، وأنت بالخيار في تأكيده ب : (أنت) قبل النفس وتركه ، وإذا أكدت الضمير المستكن في إياك قلت : إياك أنت نفسك أن تفعل ، أو إياك أنت نفسك والشر ، وإذا عطفت على (إياك) قلت : إياك وزيدا والأسد ، وكذا رأسك ورجليك والضرب ، وأنت بالخيار في تأكيده ب : (أنت).

وإذا عطفت على الضمير المستكن فقلت : (إياك وزيدا أن تفعلا) كان قبيحا حتى تؤكده ب : (أنت).

ثم الفعل المضمر في هذا الباب يجب تقديره بعد (إيا) ، ولا يجوز تقديره قبلها ، وأن الأصل باعدك مثلا ، فلما حذف انفصل الضمير ؛ لأنه يلزم منه تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل ، وذلك لا يجوز إلا في أفعال القلوب وما حمل عليها إلا في (إياي) إذا قدر ناصبه فعل أمر ، فإنه يجوز ؛ لانتفاء هذا المحذور.

الإغراء

(ص) ومنه ما نصب إغراء بإضمار الزم ، إن عطف أو كرر.

ويجوز إظهاره دونهما ولا يكون ضميرا ، وقد يرفع مكررا ، وإنما يعطف فيهما بالواو ، ويجوز كون تاليها مفعولا معه.

(ش) من المنصوب مفعولا به بإضمار فعل واجب الإضمار باب الإغراء ، وهو : إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد عليه ، وإنما يجب الإضمار في صورتين : إذا عطف أو كرر ، كقولك : الأهل والولد ، وقولك : العهد العهد.

__________________

٦٥١ ـ البيت من الهزج ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٨٣٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٧.


وتضمر الزم أو شبهه قال :

٦٥٢ ـ أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

ويجوز الإظهار فيما عداهما نحو : العهد ، فيجوز أن تقول : الزم العهد ، واحفظ العهد ،

ولا يكون المغرى به إلا ظاهرا ، فلا يجوز أن يكون ضميرا ، وقد يرفع المكرر قال :

٦٥٣ ـ لجديرون بالوفاء إذا قا

ل أخو النجدة : السّلاح السّلاح

ولا يعطف في هذا الباب وباب التحذير إلا بالواو ؛ لدلالتها على الجمع ، وهي للمقارنة هنا في الزمان بخلاف الفاء وثم ؛ لدلالتهما على التراخي ، ولأن المعطوف هنا شبيه بالتأكيد اللفظي ؛ لأن إياك والشر معناه : إياك أبعد من الشر والشر منك ، والتوكيد اللفظي إذا اختلف اللفظ لا يكون إلا بالواو ، ويجوز كون ما بعد الواو في البابين مفعولا معه ؛ لأنهما لما كانت للمقارنة في الزمان جاز أن يلحظ فيها معنى المعية.

الاختصاص

(ص) ومنه ما نصب على الاختصاص قال سيبويه بتقدير (أعني) ، وهو (أي) بعد ضمير متكلم ، وقلّ بعد مخاطب وغائب في تأويله ، خلافا للصفار ، وحكمها كالنداء إلا حرفه ووصفها بإشارة ، وقال السيرافي : معربة مبتدأ أو خبرا ، والأخفش منادى ومتبوعها مرفوع ولا يزاد عليه ، ويقوم مقامها منصوبا معرف ب : (أل) ، أو إضافة ، قال سيبويه : فالأكثر بنو و (معشر) و (أهل) و (آل) ، وأبو عمرو لا ينصب غيرها ، وقلّ علما ، ولا يقدم منصوبا على الضمير.

(ش) من المنصوب مفعولا به بفعل واجب الإضمار باب الاختصاص ، وقدره سيبويه ب : (أعني) ، ويختص ب : (أي) الواقعة بعد ضمير المتكلم نحو : أنا أفعل كذا أيها الرجل ، و (اللهم اغفر لنا أيتها العصابة) ، وقوله :

__________________

٦٥٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٢٩ ، والأغاني ٢٠ / ١٧١ ، ١٧٣ ، والخزانة ٣ / ٦٥ ، ٦٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠٥ ، ولمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص ٢٦٩ ، ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص ٢٤٥ ، وله أو لمسكين الدارمي في الحماسة البصرية ٢ / ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٢.

٦٥٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٠٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٨٣ ، ٣ / ١٩٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠٦ ، ومعاني الفراء ١ / ١٨٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٨.


٦٥٤ ـ جد بعفو فإنني أيّها العب

د إلى العفو يا إلهي فقير

وإنما اختص بها ؛ لأنه لما جرى مجرى النداء لم يكن في المناديات ما لزم النداء على صيغة خاصة إلا أيها الرجل فلازمه معنى الخطابية الذي في النداء ، فناسب أن يكون وحده مفسرا ، فلا يقال مثلا : إني أفعل زيد ، تريد نفسك ، وحكم (أي) في هذا الباب حكمها في باب النداء من بنائها على الضم محكوما على موضعها بالنصب ووصفها باسم الجنس ، ملتزما فيه الرفع.

واستثنى ابن مالك في «التسهيل» دخول حرف النداء فإنه لا يدخل عليها هنا ؛ لأن المراد بها المتكلم والمتكلم لا ينادي نفسه ، وزاد أبو حيان وصفها باسم الإشارة فإنه ممتنع هنا لا يقال : على أيها ذا الفقير تصدق ، سواء قصد به التعيين أم صرف إلى اسم الجنس.

وزعم السيرافي أن (أيا) هنا معربة وضمها حركة إعراب لا بناء على أنه خبر تقديره : أنا أفعل كذا هو أيها الرجل ، أي : المخصوص به ، أو مبتدأ تقديره الرجل المخصوص أنا المذكور ، وزعم الأخفش أنها منادى ؛ لأنها في غير الشرط والاستفهام لا تكون إلا على النداء ، قال : ولا ينكر أن ينادي الإنسان نفسه ، ألا ترى أن عمر قال : (كل الناس أفقه منك يا عمر) (٢) ، قال : وهذا أولى من أن تخرج (أي) عن بابها ، ورد بأن بقية الباب لا يمكن فيه تقدير الحرف نحو : (نحن العرب) و (بك الله).

ويقوم مقام (أي) في الاختصاص مصرحا بنصبه اسم دل على مفهوم الضمير معرف باللام نحو : (نحن العرب أقرى الناس للضيف) ، أو الإضافة قال سيبويه : وأكثر الأسماء المضافة دخولا في هذا الباب (بنو فلان) ، و (معشر) مضافة ، و (أهل البيت) ، و (آل فلان) ، وقال أبو عمرو : العرب تنصب في الاختصاص هذه الأربعة ولا ينصبون غيرها ، قال :

٦٥٥ ـ نحن بني ضبّة أصحاب الجمل

__________________

٦٥٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٢٨٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩٩.

٦٥٥ ـ الرجز للأعرج المعنى في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٩١ ، وبلا نسبة في الخزانة ٩ / ٥٢٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٨٥ ، واللسان مادة (ندس ، جمل ، محل) ، وتاج العروس مادة (بجل ، جمل) ، وجمهرة اللغة ص ٢٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢٧.

(١) هذا القول ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ٢ / ٢٩ ، والقرطبي في تفسيره ٥ / ٩٩.


وقال :

٦٥٦ ـ إنّا بني منقر قوم ذوو حسب

وقال :

٦٥٧ ـ نحن بنات طارق

نمشي على النّمارق

وقال :

٦٥٨ ـ لنا معشر الأنصار مجد مؤثّل

بإرضائنا خير البريّة أحمدا

وفي الحديث : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» (٤) ، وقل كونه علما كقول رؤبة :

٦٥٩ ـ بنا تميما يكشف الضّباب

ولا يكون اسم إشارة ولا غيره ولا نكرة ألبتة.

ولا يجوز تقديم اسم الاختصاص على الضمير ، وإنما يكون بعده حشوا بينه وبين ما نسب إليه ، أو آخرا ، وقلّ وقوع الاختصاص بعد ضمير المخاطب نحو : بك الله نرجو الفضل ، وسبحانك الله العظيم ، وبعد لفظ غائب في تأويل المتكلم أو المخاطب نحو : على المضارب الوضيعة أيها البائع فالمضارب لفظ غيبة ؛ لأنه ظاهر ، لكنه في معنى علي أو عليك ، ومنع الصفار ذلك البتة ؛ لأن الاختصاص مشبه بالنداء ، فكما لا ينادى الغائب فكذلك لا يكون فيه الاختصاص.

__________________

٦٥٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لعمرو بن الأهتم في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠ ، والكتاب ٢ / ٢٣٣ ، وبلا نسبة في الخزانة ٨ / ٣٠٦ ، وشرح المفصل ٢ / ١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٤.

٦٥٧ ـ الرجز لهند بنت عتبة في أدب الكاتب ص ٩٠ ، والأغاني ١٢ / ٣٤٣ ، ١٥ / ١٤٧ ، ولها أو لهند بنت بياضة بن رياح (أو رباح) بن طارق الإيادي في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٠٩ ، واللسان مادة (طرق) ولهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الإيادي في معجم ما استعجم ص ٧٠ ، لهند بنت الفند الزماني (سهل بن شيبان) في الأغاني ٢٣ / ٢٥٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠٩.

٦٥٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لبعض الأنصار في شرح شذور الذهب ص ٢٨٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٠٣.

٦٥٩ ـ ذكر في نسخة العلمية بدون شرح.

(١) أخرجه بهذا اللفظ تمام في فوائده ٢ / ٧٢ (١١٧٤) ، وابن عدي في الكامل ٢ / ٧٦ ، وأخرجه البخاري ، كتاب المناقب ، باب مناقب قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣٧١٢) ، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب حكم الفيء (١٧٥٧) ، بدون قوله : «نحن معاشر الأنبياء».


المنادى :

(ص) ومنه المنادى ويقدر (أدعو) و (أنادي) إنشاء ، وقيل : ناصبه القصد ، وقيل : الحرف نيابة ، وقيل : اسم فعل ، وقيل : فعل ، وهو همزة لقريب ، و (أي) له أو لبعيد أو متوسط أقوال ، ويا وأيا وهيا وآي و (آ) للبعيد حقيقة أو حكما وقد ينادى ب :  (يا) القريب ، وقيل : مشتركة بينهما ، قيل : والمتوسط ، وزعم الجوهري أيا مشتركة ، وبعضهم الهمزة للمتوسط و (يا) للقريب ، وابن السكيت (ها) (هيا) بدلا ، والجمهور تختص (وا) بالندبة.

(ش) من المنصوب مفعولا به بفعل لازم الإضمار باب المنادى ، وللزوم إضماره أسباب : الاستغناء بظهور معناه ، وقصد الإنشاء ، وإظهار الفعل يوهم الإخبار ، وكثرة الاستعمال والتعويض منه ، بحرف النداء ويقدر بأنادي أو أدعو إنشاء هذا مذهب الجمهور.

وذهب بعضهم إلى أن الناصب له معنوي وهو القصد ، ورد بأنه لم يعهد في عوامل النصب ، وذهب بعضهم إلى أن الناصب له حرف النداء.

ثم اختلفوا فقيل : على سبيل النيابة والعوض عن الفعل فهو على هذا مشبه بالمفعول به لا مفعول به وعليه الفارسي.

ورد بجواز حذف الحرف والعرب لا تجمع بين العوض والمعوض منه في الذكر ولا في الحذف ، وقيل : على أن حروف النداء أسماء أفعال بمعنى أدعو ك : (أف) بمعنى أتضجر ، وليس ثم فعل مقدر ، ورد بأنها لو كانت كذلك لتحملت الضمير وكان يجوز إتباعه كما سمع في سائر أسماء الأفعال ، ولاكتفي بها دون المنصوب ؛ لأنه فضلة ولا قائل بأنها تستقل كلاما ، وقيل : على أنها أفعال ، ورد بأنه كان يلزم اتصال الضمير معها كما يتصل بسائر العوامل ، وقد قالوا : أيا إياك منفصلا ، ولم يقولوا : إياك ، فدل على أن العامل محذوف.

وذهب بعضهم إلى أن النداء منه ما هو خبر لا إنشاء وهو النداء بصفة نحو : يا فاسق ويا فاضل ؛ لاحتمال الصدق والكذب في تلك الصفة ، ومنه ما هو إنشاء وهو النداء بغير صفة.

وحروف النداء ثمانية :

أحدها : الهمزة والجمهور أنها للقريب نحو :


٦٦٠ ـ أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل

وزعم شيخ ابن الخباز أنها للمتوسط.

قال ابن هشام في «المغني» : وهو خرق لإجماعهم ، وذكر في شرح «التسهيل» أن النداء بها قليل في كلام العرب ، وتبعه ابن الصائغ في حواشي «المغني» ، وما قالاه مردود فقد وقفت لذلك على أكثر من ثلاثمائة شاهد وأفردتها بتأليف.

الثاني (أي) بالفتح والقصر والسكون قال :

٦٦١ ـ ألم تسمعي أي عبد في رونق الضّحى

وفي معناها أقوال ، قيل : للقريب كالهمزة وعليه المبرد والجزولي ، وقيل : للبعيد ك : (يا) ، وعليه ابن مالك ، وقيل : للمتوسط.

الثالث : (يا) وهي أم الباب ، ومن ثم قال أبو حيان : إنها أعم الحروف ، وإنها تستعمل للقريب والبعيد مطلقا ، وإنه الذي يظهر من استقراء كلام العرب ، وقال ابن مالك :هي للبعيد حقيقة أو حكما كالنائم والساهي ، وفي «المغني» لابن هشام : (يا) حرف لنداء البعيد حقيقة أو حكما ، وقد ينادى بها القريب توكيدا ، وقيل : هي مشتركة بين البعيد والقريب ، وقيل : بينهما وبين المتوسط ، وذكر ابن الخباز عن شيخه أن (يا) للقريب ، وهو خرق لإجماعهم.

الرابع : (أيا) وهي للبعيد ، وفي «الصحاح» أنها لنداء القريب والبعيد قال في «المغني» : وليس كذلك قال :

٦٦٢ ـ أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم

__________________

٦٦٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢ ، والجنى الداني ص ٣٥ ، والخزانة ١١ / ٢٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٩ ، والتاج مادة (عنز ، زمع ، دلل) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٦٧ ، ورصف المباني ص ٥٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٧ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٨٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٢.

٦٦١ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزّة في ديوانه ص ٤٧٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٣٤ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٣٥ ، واللسان مادة (رنق ، يا) ، ومغني اللبيب ١ / ٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٥.

٦٦٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٧٦٧ ، وأدب الكاتب ص ٢٢٤ ، والأزهية ص ٣٦ ، والأغاني ١٧ / ٣٠٩ ، والخصائص ٢ / ٤٥٨ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٤٧ ، وشرح المفصل ١ / ٩٤ ، ٩ / ١١٩ ، والكتاب ـ


الخامس : هيا للبعيد قال :

٦٦٣ ـ هيا أمّ عمرو هل لي اليوم عندكم

وهاؤه أصل ، وقيل : بدل من همزة أيا ، وعليه ابن السكيت ، وجزم به ابن هشام في «المغني».

السادس : (آي) بالمد والسكون.

السابع : (آ) بالمد وهما للبعيد وقد حكاهما الكوفيون عن العرب الذين يثقون بعربيتهم ، وذكر الأخفش في كتابه الكبير (آ) وجعلها ابن عصفور في «المقرب» للقريب كالهمزة.

الثامن : (وا) ذكرها ابن عصفور نحو :

٦٦٤ ـ وا فقعسا وأين منّي فقعس

والجمهور أنها مختصة بالندبة لا تستعمل في غيرها ، وحكى بعضهم أنها تستعمل في غير الندبة قليلا كقول عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص : (وا عجبا لك يا ابن العاص) (١).

نصب المنادى وبناؤه :

(ص) وإنما يظهر نصب مضاف وشبهه ونكرة لم تقصد ، ويبنى على ما يرفع به لفظا أو تقديرا علم مفرد ونكرة مقصودة ، وزعم الرياشي إعرابهما فإن وصفت فشبه المضاف ، وقيل : يجوز البناء والنصب ، وقيل : إن كان فيه ضمير غيبة وجب النصب ، أو خطاب فالرفع ، وجوز ثعلب ضم حسن الوجه ، والكوفية نصب اثني عشر ، وبعضهم كل مثنى وجمع ، ومنع الأصمعي نداء النكرة مطلقا ، والمازني بلا قصد ، والكوفية إن

__________________

ـ ٣ / ٥٥١ ، واللسان مادة (جلل) ، ١٥ / ٤٣٠ ، مادة (أ) ، ٤٩١ مادة (يا) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٩.

٦٦٣ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٨٤ ، والجنى الداني ص ٥٠٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٣.

٦٦٤ ـ الرجز لرجل من بني أسد في المقاصد النحوية ٤ / ٢٧٢ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٨٢ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥٤٢ ، والمقرب ١ / ١٨٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٩.

(١) أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الطهارة ، باب إعادة الجنب الصلاة إذا صلى ولم يذكر ... (١١٦).


لم تكن خلف موصوف ، ولا يفصل بين المضاف باللام ، وقد يعمل عامله في مصدر وظرف ، ويحذف تنوين منقوص لا ياؤه ، خلافا ليونس فإن كان ذا أصل واحد فوفاقا.

(ش) لكون المنادى مفعولا به كان منصوبا ، لكن إنما يظهر نصبه إذا كان مضافا نحو : يا عبد الله ، يا رجل سوء ، وشبيها به نحو : (يا خيرا من زيد) ، وقوله :

٦٦٥ ـ أيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها

أو نكرة غير مقصودة كقول الأعمى : يا رجلا خذ بيدي ، ويبنى العلم المفرد ـ أعني غير المضاف وشبهه ـ والنكرة المقصودة على ما يرفع به لفظا وهو الضمة في المفرد والجمع المكسر وجمع المؤنث السالم نحو : يا زيد ، يا رجل ، يا رجال ، يا هندات ، والألف في المثنى نحو : يا زيدان ، والواو في الجمع السالم نحو : يا زيدون ، أو تقديرا في المقصور نحو : يا موسى ، والمنقوص نحو : يا قاضي ، وما كان مبنيا قبل النداء نحو : يا سيبويه ، ويا حذام ، ويا خمسة عشر ، ويا برق نحره ، هذا مذهب الجمهور.

وعلة البناء الوقوع موقع كاف الخطاب ، وقيل : شبهه بالضمير وخص بالضم ؛ لئلا يلتبس بغير المنصرف لو فتح ، وبالمضاف للياء لو كسر ، وزعم الرياشي أنهما معربان وأن الضمة إعراب لا بناء ، ونقله ابن الأنباري عن الكوفيين ، وذهب بعض الكوفيين إلى جعل المثنى والجمع بالياء حملا على المضاف ، وذهب الكوفيون إلى أن اثني عشر إذا نودي أجري على أصله من الإضافة فيعرب نصبا بالياء ، والبصريون يبقونه على التركيب مبنيا بالألف ؛ لأن إضافته غير حقيقية ، وذهب ثعلب إلى جواز بناء نحو : (حسن الوجه) على الضم ؛ لأن إضافته في نية الانفصال ، ورد بأن البناء ناشئ عن شبه الضمير والمضاف عادم له ، وذهب الأصمعي إلى منع نداء النكرة مطلقا ، وذهب المازني إلى أنه لا يتصور أن يوجد في النداء نكرة غير مقبل عليها ، وأن ما جاء منونا فإنما لحقه التنوين ضرورة ، وذهب الكوفيون إلى جواز ندائها إن كانت خلفا من موصوف بأن كانت صفة في الأصل حذف موصوفها وخلفته نحو : يا ذاهبا ، والأصل يا رجلا ذاهبا ، والمنع إن لم تكن كذلك فهذه أربعة مذاهب في النكرة غير الموصوفة.

__________________

٦٦٥ ـ الشطر من الطويل ، وعجزه :

ويا حاطبا في غير حبلك تحطب

وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٢٧ انظر المعجم المفصل ١ / ٦٨.


أما الموصوفة بمفرد أو جملة أو ظرف فيجوز نداؤها وفاقا وهي من شبه المضاف ، فتنصب نحو : يا رجلا كريما ، ويا عظيما يرجى لكل عظيم ، وقوله :

٦٦٦ ـ ألا يا نخلة من ذات عرق

وقيل : يجوز البناء والنصب قاله الكسائي ، وفصل الفراء فأوجب النصب إذا كان العائد فيها ضمير غيبة نحو : يا رجلا ضرب زيدا ، والرفع إذا كان ضمير خطاب نحو : يا رجل ضربت زيدا ، ولا يجوز فصل المضاف المنادى باللام إلا في الضرورة كقوله :

٦٦٧ ـ يا بؤس للحرب ضرّارا لأقوام

وقد يعمل عامل المنادى في المصدر كقوله :

٦٦٨ ـ يا هند دعوة صبّ هائم دنف

وفي الظرف كقوله :

٦٦٩ ـ يا دار بين النّقا والحزن ما صنعت

يد النّوى بالألى كانوا أهاليك

ويحذف تنوين المنقوص المعين بالنداء نحو : يا قاض لحدوث البناء ، وتثبت ياؤه عند الخليل ؛ إذ لا موجب لحذفها ، وقال يونس : تحذف ؛ لأن النداء دخل على اسم معرب منون محذوف الياء ، فذهب التنوين من المحذوف الياء فبقي حذف الياء بحاله ، وتقدر الضمة في الياء المحذوفة كما تقدر فيها حركة الإعراب ، مع أن النداء مكان تغيير وتخفيف فناسب ألا تثبت الياء ، فإن كان ذا أصل واحد تثبت الياء بإجماع نحو : يا ري ويا يفي علما ؛ لأن (ر) ذهبت عينه ولامه ، و (يف) ذهبت فاؤه ولامه فإذا نوديا ردت اللام.

__________________

٦٦٦ ـ البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ ، والخزانة ٢ / ١٩٢ ، ٣ / ١٣١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٧ ، واللسان مادة (شيع) ، ومجالس ثعلب ص ٢٣٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٨٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٠٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٥٦ ، ٦٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥١.

٦٦٧ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٨٢ ، والإنصاف ١ / ٣٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٦٦٥ ، والخزانة ٢ / ١٣٠ ، ١٣٢ ، ١١ / ٣٣ ، ٣٥ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٣٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢١٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٥٨ ، والشعر والشعراء ١ / ١٠١ ، والكتاب ٢ / ٢٧٨ ، واللسان مادة (خلا) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٨.

٦٦٨ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٨٠٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠.

٦٦٩ ـ البيت من البسيط ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٤.


تنوين المنادى والأولى فيه :

(ص) وينون منادى للضرورة ، والاختيار عند الخليل وسيبويه بقاء الضم ، وقوم النصب ، وابن مالك الأول في العلم والثاني في النكرة ، وعندي عكسه.

(ش) يجوز تنوين المنادى المبني في الضرورة بالإجماع ، ثم اختلف هل الأولى بقاء ضمه أو نصبه؟ فالخليل وسيبويه والمازني على الأول علما كان أو نكرة مقصودة كقوله :

٦٧٠ ـ سلام الله يا مطر عليها

وقوله :

٦٧١ ـ مكان يا جمل حيّيت يا رجل

وأبو عمرو وعيسى بن عمر والجرمي والمبرد على الثاني ردا إلى أصله ، كما رد غير المنصرف إلى الكسر عند تنوينه في الضرورة كقوله :

٦٧٢ ـ يا عديّا لقد وقتك الأواقي

وقوله :

٦٧٣ ـ يا سيّدا ما أنت من سيّد

__________________

٦٧٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٨٩ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٤ ، والخزانة ٢ / ١٥٠ ، ١٥٢ ، ٦ / ٥٠٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥ ، ٦٠٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٦ ، والكتاب ٢ / ٢٠٢ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ١٦٤ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ، والإنصاف ١ / ٣١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥١.

٦٧١ ـ البيت من البسيط ، وهو لكثير عزّة في ديوانه ص ٤٥٣ ، والشعر والشعراء ١ / ٥١٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٤ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٤٨ ، ٣ / ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٤.

٦٧٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو للمهلهل بن ربيعة في الخزانة ٢ / ١٦٥ ، ٣ / ٢٢ ، والسمط ص ١١١ ، واللسان مادة (وقي) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١١ ، والمقتضب ٤ / ٢١٤ ، ولعدي أخي المهلهل في التاج مادة (وقي) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٧٧ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٨٠٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٠٦.

٦٧٣ ـ البيت من السريع ، وهو للسفاح بن بكير في خزانة الأدب ٦ / ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٨ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٣٦٣ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٨٥ ، والخزانة ٢ / ٣٠٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٦ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٠ ، والمقرب ١ / ١٦٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٨٩.


واختار ابن مالك في شرح «التسهيل» بقاء الضم في العلم والنصب في النكرة المعينة ؛ لأن شبهها بالمضمر أضعف ، وعندي عكسه وهو اختيار النصب في العلم ؛ لعدم الإلباس فيه ، والضم في النكرة المعينة ؛ لئلا يلتبس بالنكرة غير المقصودة ؛ إذ لا فارق حينئذ إلا الحركة ؛ لاستوائهما في التنوين ولم أقف على هذا الرأي لأحد.

حذف النداء اختصارا :

(ص) مسألة : يحذف حرف النداء إلا مع الله والمستغاث والمتعجب والمندوب ، ومنعه البصرية اختيارا مع اسم الجنس والإشارة وفي نكرة لم تقصد ، وحذف المنادى دونه خلف ، وقد يفصل بأمر.

(ش) يجوز حذف حرف النداء اختصارا وفي التنزيل : (يُوسُفُ أَعْرِضْ) [يوسف : ٢٩] ، (رَبَّنا لا تُزِغْ) [آل عمران : ٨] ، (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) [النور : ٣١].

ويستثنى صور لا يجوز فيها الحذف :

أحدها : اسم الله تعالى إذا لم تلحقه الميم نحو : يا الله.

الثاني : المستغاث نحو : يا لزيد.

الثالث : المتعجب منه نحو : يا للماء.

الرابع : المندوب نحو : يا زيداه.

الخامس : اسم الجنس.

السادس : اسم الإشارة.

السابع : النكرة غير المقصودة.

هذا مذهب البصريين وذهبت طائفة إلى جواز حذفه في الثلاثة الأخيرة ، وعليه ابن مالك لحديث : «ثوبي حجر» (١) ، و «اشتدي أزمة تنفرجي» (٢) ، وقول ذي الرمة :

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب حديث الخضر مع موسى عليهما‌السلام (٣٤٠٤) ، ومسلم ، كتاب الحيض ، باب جواز الاغتسال عريانا في الخلوة (٣٣٩).

(٢) أخرجه القضاعي في مسند الشهاب ١ / ٤٣٦ (٤٩٨) ، والديلمي في مسند الفردوس ١ / ٤٢٦ (١٧٣١).


٦٧٤ ـ بمثلك هذا لوعة وغرام

وقوله : تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) [البقرة : ٨٥] ، وقوله :

٦٧٥ ـ لتحسب سيّدا ضبعا تبول

أي : يا ضبعا ، والأولون حملوا ذلك على الشذوذ والضرورة ، إلا الآية فعلى الابتداء والخبر ولا نداء ، وأما الحديث فلم يثبت كونه بلفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما تقرر غير مرة ، ويؤيده وروده في بعض الطرق بلفظ : «يا حجر».

أما حذف المنادى وإبقاء حرف النداء ففيه خلاف ، فجزم ابن مالك بجوازه قبل الأمر والدعاء ، وخرج عليه قوله تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا) [النمل : ٢٥] ، وقول الشاعر:

٦٧٦ ـ يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصّالحين على سمعان من جار

أي : يا قوم أو يا هؤلاء ، قال أبو حيان : والذي يقتضيه النظر أنه لا يجوز ؛ لأن الجمع بين حذف فعل النداء وحذف المنادى إجحاف ، ولم يرد بذلك سماع من العرب فيقبل ، و (يا) في الآية والبيت ونحوهما للتنبيه ، وقال ابن مالك : حق المنادى أن يمنع حذفه ؛ لأن عامله حذف لزوما إلا أن العرب أجازت حذفه ، والتزمت إبقاء (يا) دليلا عليه وكون ما بعده أمرا أو دعاء ؛ لأنهما داعيان إلى توكيد المأمور والمدعو ، فاستعمل النداء قبلهما كثيرا حتى صار الموضع منبها على المنادى إذا حذف ، وبقيت (يا) فحسن حذفه لذلك ، وقد يفصل بين حرف النداء والمنادى بأمر كقول النخعية تخاطب أمها (لطيفة) :

٦٧٧ ـ ألا يا فابك تهياما لطيفا

__________________

٦٧٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٥٩٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٤١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٧.

٦٧٥ ـ البيت من الوافر ، وهو للأعلم الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٣٢٢ ، واللسان مادة (قنن) ، وللهذلي في الخصائص ٣ / ١٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٦.

٦٧٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٣٨ ، والإنصاف ١ / ١١٨ ، والجنى الداني ص ٣٥٦ ، وجواهر الأدب ص ٢٩٠ ، والخزانة ١١ / ١٩٧ ، ورصف المباني ٣ ، ٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٤ ، ٤٠ ، والكتاب ٢ / ٢١٩ ، واللامات ص ٣٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٢.

٦٧٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لبنت خالد النخعية في شفاء العليل ص ٨٠٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٦٥.


أرادت : يا لطيفة ، فرخّمت وفصلت.

ما لا ينادى :

(ص) والأصح لا ينادى ضمير وإشارة بحرف الخطاب ، ولا مضاف لكاف ، ولا معرف ب : (أل) في السعة ، خلافا للكوفية إلا الله ، والمحكي ، قال المبرد : والموصول ، وابن سعدان : والجنس المشبه به لا ذو عهدية وغلبة ولمح بحال.

(ش) لا ينادى الضمير عند الجمهور ، وأما ضمير الغيبة والتكلم فلأنهما يناقضان النداء ؛ إذ هو يقتضي الخطاب ، وأما ضمير المخاطب فلأن الجمع بينه وبين النداء لا يحسن ؛ لأن أحدهما يغني عن الآخر ، وجوز قوم نداءه تمسكا بقوله :

٦٧٨ ـ يا أبجر بن أبجر يا أنتا

وقول الأحوص :

يا إياك قد كفيتك

وأجاب الأولون بندوره ، ولا ينادى اسم الإشارة المتصل بحرف الخطاب نحو : يا ذاك ، قاله السيرافي وغيره ، وأجازه ابن كيسان ، ونقل عن سيبويه ، ولا ينادى مضاف لكاف الخطاب نحو : يا غلامك ؛ لأن المنادى حينئذ غير من له الخطاب ، فكيف ينادى من ليس بمخاطب ، ولا ينادى المعرف ب : (أل) فلا يقال : يا الرجل إلا في الضرورة ؛ لأنه في ذلك جمعا بين أداتي التعريف ، وجوزه الكوفيون في الاختيار ، ومن وروده في الشعر قوله :

٦٧٩ ـ فيا الغلامان اللّذان فرّا

__________________

٦٧٨ ـ الرجز لسالم بن دارة في الخزانة ٢ / ١٣٩ ، ١٤٣ ، ١٤٦ ، ونوادر أبي زيد ص ١٦٣ ، وللأحوص في ملحق ديوانه ص ٢١٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٢ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٢٥ ، وأوضح المسالك ٤ / ١١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٥٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٣ ، وشرح عمدة الحفاظ ص ٣٠١ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٠.

٦٧٩ ـ الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٠ ، والإنصاف ١ / ٣٣٦ ، والخزانة ٢ / ٢٩٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٩ ، واللامات ص ٥٣ ، واللمع ص ١٩٦ ، والمقاصد ٤ / ٢١٥ ، والمقتضب ٤ / ٢٤٣ ، والتاج (الياء) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٠.


وقوله :

٦٨٠ ـ عبّاس يا الملك المتوّج والّذي

عرفت له بيت العلا عدنان

وقوله :

٦٨١ ـ من أجلك يا الّتي تيّمت قلبي

واستثنى البصريون شيئين ، أحدهما : اسم الله تعالى فيقال : يا ألله ؛ لأن (أل) للزومها فيه كأنها من بنية الكلمة ، فيجوز حينئذ قطع همزه ووصله.

والثاني : الجملة المسمى بها كأن تسمي (بالرجل قائم) فإذا ناديته قلت : (يا الرجل قائم أقبل) ؛ لأنه سمي به على طريق الحكاية.

واستثنى المبرد ثالثا : وهو الموصول إذا سمي به نحو : (يا الذي قام) لمسمى به ، ووافقه ابن مالك ، قال أبو حيان : والذي نص عليه سيبويه المنع ، وفرق بينه وبين الجملة أنها سمي فيها بشيئين كل واحد منهما اسم تام ، و (الذي) بصلته بمنزلة اسم واحد كالحارث فلا يجوز فيه النداء.

واستثنى محمد بن سعدان اسم الجنس المشبه به فأجاز نداءه مع (أل) نحو : (يا الأسد شدة) ، و (يا الخليفة هيبة) ، ووافقه ابن مالك ؛ لأن تقديره يا مثل الأسد ، ويا مثل الخليفة ، فحسن ؛ لتقدير دخول (يا) على غير الألف واللام.

ولا ينادى ما فيه (أل) العهد ولا التي للغلبة ولا التي للمح الصفة بحال ، بل إذا نودي هذا النوع حذفت منه (أل) قال :

٦٨٢ ـ إنّك يا حارث نعم الحارث

__________________

٦٨٠ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٣٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٩ ، ٣ / ١٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٦.

٦٨١ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٠ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩ ، والإنصاف ١ / ٣٣٦ ، والجنى الداني ص ٢٤٥ ، والخزانة ٢ / ٢٩٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٨ ، والكتاب ٢ / ١٩٧ ، واللامات ص ٥٣ ، واللسان ١٥ / ٢٤٠ ، (لتا) ، والمقتضب ٤ / ٢٤١ ، والتاج (التي ، الياء) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٢.

٦٨٢ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ٢٩ ، وجمهرة اللغة ص ٢٦٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ١٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٨.


وقال :

٦٨٣ ـ عمرو بن مرّة يا فرزدق كيها

نداء اسم الإشارة :

(ص) مسألة : إذا نودي إشارة ووصف بذي أل مرفوع فإن استغني عنه جاز نصبه ، أو (أي) ضم وتلي ب : (هاء) التنبيه عوضا من الإضافة مفتوحة ، وقد تضم ، وذي أل الجنسية مرفوعا ، وجوز المازني نصبه وصفا ، وابن السيد بيانا ، وزعمه ملك النحاة مبنيا ، وأل بدلا من (يا) ، أو بموصول بغير خطاب ، أو بإشارة بلا كاف ، قيل : أو بها ، قال ابن الصائغ : إن نعت بذي أل ولا يتبع بغيرها ولا يقطع عنها ، ويؤنث لتأنيث صفته ، وقيل : (ها) مبقاة من الإشارة ، وقيل : (أي) موصولة بالمرفوع خبر المحذوف.

(ش) إذا نودي اسم الإشارة وجب وصفه بما فيه (أل) من اسم جنس أو موصول نحو : يا هذا الرجل ، يا هذا الذي قام أبوه ، ويجب رفع هذا الوصف إذا قدر اسم الإشارة وصلة إلى نداء ما فيه (أل) ، فإن استغني عنه بأن اكتفي بالإشارة في النداء ، ثم جيء بالوصف بعد ذلك جاز فيه الرفع على اللفظ والنصب على الموضع.

وإذا نودي (أي) وجب بناؤها على الضم ، وإيلاؤها هاء التنبيه إما عوضا من مضافها المحذوف ، أو تأكيدا لمعنى النداء ، ووصفها إما بذي أل الجنسية مرفوعا نحو : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) [الانفطار : ٦] ، (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) [الأنفال : ٦٤] ، وقيل : إنه عطف بيان لا وصف قاله ابن السيد ؛ لأنه ليس مشتقا ، وقيل : إنه يجوز نصبه قاله المازني حملا على موضع (أي) ، ورد بأن الحمل على الموضع إنما يكون بعد تمام الكلام ، والنداء لم يتم ب : (يا أيها) فلم يجز الحمل على موضعها ، وبأن المقصود بالنداء هو الرجل وهو مفرد ، وإنما أتي ب : (أي) ؛ ليتوصل بها إلى ندائه.

ومن ثم زعم ملك النحاة أبو نزار أنه مبني وأن اللام فيه بدل من (يا) ، ولا يجوز الوصف بما فيه (أل) التي للعهد ، أو التي للغلبة ، أو التي للمح ، ولا ما فيه (أل) من مثنى

__________________

٦٨٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لجرير في ديوانه ص ٨٥٨ ، وأدب الكاتب ص ١٤١ ، والاشتقاق ص ٥٣٩ ، وجمهرة اللغة ص ٢١٧ ، ٢٩٢ ، ٩٨٥ ، ١٢٠٧ ، والخزانة ٣ / ١٠٠ ، واللسان والتاج مادة (عذر ، نفغ ، كين) ، ومقاييس اللغة ٢ / ٢٨٥ ، ٤ / ٢٥٦ ، ٥ / ١٥١ ، ٣٥٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٨.


أو مجموع كان علما قبل دخولها ، فلا يقال : يا أيها الزيدان ، ولا يا أيها الزيدون ، وإما بموصول مصدر ب : (أل) خال من خطاب نحو : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) [الحجر : ٦] ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ١] ، وغيرها ، ولا يجوز يا أيها الذي رأيت ، كما لا يجوز أن ينادى ، وإما باسم إشارة عار من الكاف نحو :

٦٨٤ ـ يا أيهذان كلا زاديكما

٦٨٥ ـ ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

ولا يجوز ما فيه الكاف كما لا يجوز نداؤه ، وجوزه ابن كيسان نحو : (يا أيها ذلك الرجل) ، وشرط أبو الحسن بن الصائغ لجواز وصف (أي) باسم الإشارة أن يكون اسم الإشارة منعوتا بما فيه الألف واللام ، كالبيت السابق وقوله :

٦٨٦ ـ ألا أيّهذا السّائلي أين يمّمت

ولا يجوز إتباع (أي) بغير هذه الثلاثة ، فلا يقال : يا أيها صاحب الفرس مثلا ، ولا يقطع عن الصفة فلا يقال : يا أيها بدون ما ذكر ، ويؤنث لتأنيث الصفة قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) [الفجر : ٢٧].

وفي «البديع» أن ذلك أولى لا واجب ، فيجوز يا أيها المرأة ولا يلحقها من علامة الفروع غير التاء ، لا علامة تثنية ولا جمع ، قال تعالى : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١] ، (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) [النور : ٣١].

وحكم هاء التنبيه الفتح عند أكثر العرب ويحوز ضمها معها في لغة بني أسد ، وقرئ في السبع (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) [الزخرف : ٤٩] ، ويقولون : يا أيته المرأة ، وقيل : إن هاء التنبيه في يا أيها الرجل ليست متصلة ب : (أي) ، بل مبقاة من اسم الإشارة ، والأصل يا أي هذا الرجل ، ف : (أي) منادى ليس بموصوف ، وهذا الرجل استئناف بتقدير هو لبيان إبهامه ،

__________________

٦٨٤ ـ البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٥٤ ، ٣ / ١٥٣ ، وشرح شذور الذهب ص ١٩٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٨١ ، ومجالس ثعلب ص ٥٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٩.

٦٨٥ ـ تقدم الشاهد برقم (٣).

٦٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٥ ، وتذكرة النحاة ص ٥٨٩ ، ٦٣٢ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٧٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٠ ، ٣٢٦ ، والمقتضب ٤ / ٢٥٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٠٠.


وحذف (ذا) اكتفاء بها من دلالة الرجل عليها وعليه الكوفيون ، وقيل : (أي) موصولة والمرفوع خبر لمبتدأ محذوف والجملة صلة أي وعليه الأخفش ، ورده المازني وابن مالك بأنها لو كانت موصولة لوصلت بالظرف والمجرور ، والجملة الفعلية.

وأجيب بأن ذلك لا يلزم ؛ إذ له أن يقول : إنهم التزموا فيها ضربا من الصلة ، كما التزموا فيها ضربا من الصفة ، على رأيكم ، ورده ابن مالك أيضا بأنه لو صح ما قال لجاز ظهور المبتدأ ، وأجاب أبو حيان بأن له أن يقول : إنهم التزموا حذفه في هذا الباب ؛ لأن النداء باب حذف وتخفيف ، بدليل جواز الترخيم فيه بخلاف غيره.

ورده الزجاج بأنها لو كانت موصولة لوجب ألا تضم ؛ لأنه لا يبنى في النداء ما يوصل ؛ لأن الصلة من تمامه.

وأجيب بأن ذلك إنما يلزم إذا قدرت معربة قبل النداء ، لا إذا قدرت مبنية قبله ، ثم التزموا فيها في النداء ما كان قبله ، ورده بعضهم بأن أيا الموصولة لا تكون إلا مضافة لفظا أو نية ، والإضافة منتفية في هذه بوجهيها ، وأجيب بأن (ها) عوضت فيها من المضاف المحذوف ، فجرت مجراه فكأنها مضافة.

نداء العلم الموصوف ب : (ابن) متصل مضاف إلى علم :

(ص) مسألة : إذا نودي علم وصف ب : (ابن) متصل مضاف لعلم ، قال الكوفية : أو بغيره جاز فتحه ، وفي الأجود ، وتقدير فتح المقدر خلف ، وقد يضم الابن إتباعا ، وزعم الجرجاني فتحه بناء ، ومثله فلان بن فلان وضل بن ضل ، وألحق الكوفية كل ما اتفق فيه لفظ المنادى والمضاف إليه ، ويجب فيه في غير النداء حذف تنوينه إلا لضرورة ، وزعمه أبو علي مركبا ومتلوه تابعا كمرء ، والأصح أن الوصف ب :  (ابنة) ك : (ابن) وفي بنت ـ لا في النداء ـ وجهان.

(ش) إذا كان المنادى علما موصوفا ب : (ابن) متصل مضاف إلى علم نحو : يا زيد بن عمرو جاز في المنادى مع الضم الفتح إتباعا لحركة (ابن) ؛ إذ بينهما ساكن وهو حاجز غير حصين ، واختلف في الأجود فقال المبرد الضم ؛ لأنه الأصل ، وقال ابن كيسان : الفتح ؛ لأنه الأكثر في كلام العرب ، فإن كان مما يقدر فيه الحركة نحو : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ*) فقال ابن مالك : يتعين تقدير الضمة ولا ينوى بدلها فتحة ؛ إذ لا فائدة في ذلك ، وأجاز الفراء تقدير الضمة والفتحة.


ولو كان المنادى غير علم نحو : يا غلام ابن زيد أو علما بعده (ابن) لكنه غير صفة ، بل بدل أو بيان أو منادى أو مفعول بمقدر أو صفة لكنه غير متصل نحو : يا زيد الفاضل ابن عمرو ، أو متصل لكنه غير مضاف إلى علم نحو : يا زيد ابن أخينا ، أو وصف بغير (ابن) نحو : يا زيد الكريم تعين الضم في الصور كلها ولم يجز الفتح ، وأجاز الكوفيون الفتح في الأخير وهو ما إذا وصف بغير (ابن) مستدلين بقوله :

٦٨٧ ـ بأجود منك يا عمر الجوادا

علي أن الرواية بفتح الراء ، وعللوه بأن الاسم ونعته كالشيء الواحد ، فلما طال النعت بالمنعوت حركوه بالفتح.

وحكى الأخفش أن من العرب من يضم نون الابن إتباعا لضم المنادى ، وهو نظير من قرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] بضم اللام ، وزعم الجرجاني أن فتحة (ابن) بناء ، قال ابن مالك : وألحق بالعلم المذكور في جواز الفتح نحو : (يا فلان بن فلان) و (يا ضل بن ضل) و (يا سيد بن سيد) ؛ لكثرة الاستعمال كالعلم ، قال أبو حيان : والذي ذكره أصحابنا أن المسألة مفروضة فيما إذا كان المنادى والمضاف إليه (ابن) غير علم ، لكنه ما اتفق فيه لفظ المنادى ولفظ ما أضيف إليه ابن نحو : يا كريم بن كريم أو ابن الكريم ، ويا شريف بن شريف أو ابن الشريف ، وكلب بن كلب أو ابن الكلب.

وذكروا في ذلك خلافا فالبصريون يضمون المنادى وينصبون ابنا ، والكوفيون وابن كيسان : يجرونه مجرى يا زيد بن عمرو في جواز الضم والفتح ، كما أجرت العرب ذلك في غير النداء في حذف التنوين من الموصوف قال الكميت :

٦٨٨ ـ تناولها كلب بن كلب فأصبحت

وقال آخر :

٦٨٩ ـ فإنّ أباكم ضلّ بن ضل

__________________

٦٨٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لجرير في الخزانة ٤ / ٤٤٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٤ ، واللمع ص ١٩٤ ، والمقتضب ٤ / ٢٠٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢١٠ ، ومغني اللبيب ص ١٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩١.

٦٨٨ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٦.

٦٨٩ ـ الشطر من الوافر ، وهو بلا نسبة في أساس البلاغة (ضلل).


وما ذكره البصريون هو القياس ؛ إذ الأعلام أقبل للتغيير من غيرها انتهى.

ثم الصورة التي يجوز فيها فتح المنادى يجب فيها في غيره حذف تنوينه لكثرة الاستعمال والتقاء الساكنين نحو : قام زيد بن عمرو وقام فلان بن فلان ، بخلاف غلام ابن زيد أو زيد ابن أخينا ، نعم ألحق بعضهم ما إذا أضيف ابن إلى مضاف إلى علم نحو : قام زيد ابن أخي عمرو.

وشرط بعضهم في المضاف إليه (ابن) التذكير ؛ لأنهم لا ينسبون الرجل إلى أمه ، فلا يحذف التنوين من مثل زيد بن علية ، وشرط بعضهم في العلمين التنكير ، قال أبو حيان :وهو باطل إنما ذلك في (ابن) ، وإثبات التنوين فيما اجتمع فيه الشروط ضرورة قال :

٦٩٠ ـ حارثة بن قيس بن ثعلبه

إلا أن يحمل على أن (ابن) بدل لا صفة كما في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، فيمن نون (عزيرا) ؛ لأن (ابن) خبر ، وزعم أبو علي الفارسي أن حذف التنوين من نحو : قام زيد بن عمرو للتركيب ، وأنهم بنوا الصفة مع الموصوف ، وأن نون (ابن) حرف إعراب.

والدال تابعة للنون بمنزلة الراء في قولهم : هذا امرؤ ، ورأيت امرأ ، ومررت بامرئ ، ولما كانت الدال غير حرف إعراب لم ينون ؛ لأن التنوين لا يكون وسطا ، قال ابن مالك : وهذا مردود بالإجماع على فتح المجرور الذي لا ينصرف نحو : صلّى الله على يوسف بن يعقوب ، ولو كان كما قال لكسروا ، وإذا كان الموصوف علما مؤنثا نعت ب : (ابنة) مضافا إلى علم فحكمه في النداء من جواز الفتح ، وفي غيره من وجوب حذف التنوين حكم المذكر الموصوف ب : (ابن) نحو : يا هند ابنة زيد ، وقامت هند ابنة عمرو ، هذا ما جزم به ابن مالك وغيره.

وحجتهم القياس على (ابن) وذهب قوم إلى المنع ؛ لأن السماع إنما ورد في (الابن)

__________________

٦٩٠ ـ الرجز للأغلب العجلي في ديوانه ص ١٤٨ ، واللسان (ثعلب ، حلا) ، وأساس البلاغة (قعب) ، والخزانة ٢ / ٢٣٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٦ ، والكتاب ٣ / ٥٠٦ ، والتاج (قبب ، قعب ، خلل ، حلي) ، وبلا نسبة في اللسان (قبب) ، والمخصص ١٢ / ٢٢ ، والخصائص ٢ / ٤٩١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٠ ، وتاج العروس (الياء) ، وشرح الرضي ١ / ٣٧٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٠.


وهو خروج عن الأصل فلا يقاس عليه ، وفي الوصف ب : (بنت) في غير النداء وجهان رواهما سيبويه عن العرب نحو : هذه هند بنت عاصم بالتنوين ، وبحذفه لكثرة الاستعمال فقط ، وليس فيه التقاء الساكنين الذي في (ابن) و (ابنة) ، ولو كان المنادى المؤنث مبنيا في الأصل نحو : (يا رقاش ابنة عمرو) لم تغير حركة البناء الأصلية ، ويكون فتح الإتباع تقديرا ، ذكره أبو حيان.

تكرار لفظ المنادى مضافا :

(ص) وإذا كرر لفظ المنادى مضافا نحو : يا تيم تيم عدي نصب الثاني نداء ، أو بإضمار أعني ، أو بيانا ، قال ابن مالك : أو تأكيدا ، والسيرافي : أو نعتا ، وضم الأول أو نصب إضافة لمتلو الثاني معه ، أو هو مقحم ، أو لمثله مقدرا ، أو مركبا ، أو إتباعا أقوال ، وأسماء الجنس والوصفان كالعلمين ، خلافا للكوفية.

(ش) إذا ذكرت منادى مضافا وكررت المضاف إليه فلا إشكال ، نحو : يا تيم عدي عدي ، وهو توكيد محض ، وإن كررت المضاف وحده نحو : يا تيم تيم عدي فلك أن تضم الأول على أنه منادى مفرد ، وتنصب الثاني على أنه منادى مضاف مستأنف ، أو منصوب بإضمار أعني ، أو على أنه عطف بيان ، أو بدل ، زاد ابن مالك : أو على أنه توكيد.

قال أبو حيان : ولم يذكره أصحابنا وهو ممنوع ؛ لأنه لا معنوي كما هو واضح ، ولا لفظي لاختلاف جهتي التعريف ؛ لأن الأول معرف بالعلمية أو النداء ، والثاني بالإضافة ؛ لأنه لم يضف حتى سلب تعريف العلمية ، وأجاز السيرافي نصبه على النعت ، وتأول فيه معنى الاشتقاق وهو ضعيف ، ولك في الأول أيضا النصب لكن الضم أوجه وأكثر في كلامهم.

واختلف في وجه النصب فقال سيبويه : هو على الإضافة إلى متلو الثاني ، والثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه ، والأصل يا تيم عدي تيمه حذف الضمير من الثاني وأقحم ، قالوا : ولا يجوز الفصل بين المتضايفين بغير الظرف إلا في هذه المسألة خاصة ، وقال الفراء : هو والثاني معا مضافان إلى المذكور أخذا من قوله : (قطع الله يد ورجل من قالها) أن الاسمين مضافان إلى من ، ولم يصرح به هنا ، وقال المبرد : هو على نية الإضافة إلى مقدر مثل المضاف إليه الثاني ، والثاني توكيد ، أو بيان ، أو بدل ، وقال الأعلم : هو على التركيب ، وفتح الأول والثاني بناء لا إعرابا جعلا اسما واحدا وأضيفا كما قالوا : (ما


فعلت خمسة عشرك) ، وقال السيرافي : هو على الإتباع والتخفيف مثل يا زيد بن عمرو ؛ لأن الثاني صفة مثل (ابن) ، وليس دونه في الكثرة ، فهذه خمسة أقوال ، ولا تختص المسألة بالعلمين عند البصريين ، فيجوز النصب في اسمي الجنس نحو : يا رجل رجل القوم ، وفي الوصفين نحو : يا صاحب صاحب زيد ، وخالف الكوفيون فأوجبوا في اسمي الجنس ضم الأول ، وفي الوصفين ضمه بلا تنوين ، أو نصبه منونا نحو : يا صاحبا صاحب زيد.

أسماء لازمت النداء :

(ص) مسألة لزم النداء من الأسماء (فل) و (فلة) وهما كناية عن نكرة ، وقيل : علم ، وقيل : ترخيم فلان وفلانة ، وجر ضرورة ومكرمان وملأمان ومخبثان ومكذبان وملكعان ومطيبان وملأم ولؤمان ونومان وهناه.

والمعدول إلى فعل في سب مذكر ، وفعال مبنيا على الكسر لسب مؤنث إلا لضرورة ، وسمع رجل مكرمان وملأمان ، وقدر أبو حيان القول ، وينقاس فعال سبا وأمرا على الأصح في ثلاثي مجرد تام متصرف ، وقاس ابن طلحة الأمر من أفعل.

(ش) من الأسماء أسماء لازمت النداء فلم يتصرف فيها بأن تستعمل مبتدأ ولا فاعلا ولا مفعولا ولا مجرورا ، بل لا تستعمل إلا في النداء ، وهي قسمان مسموع ومقيس ، فمن المسموع فل للرجل وفلة للمرأة ، يقال : يا فل ويا فلة ، وقد جر (فل) في الضرورة قال :

٦٩١ ـ في لجّة أمسك فلانا عن فل

واختلف فيهما فقيل : هما منقوصان من (فلان) و (فلانة) بحذف الألف والنون ترخيما ، وبه جزم ابن مالك ، ونسبه أبو حيان للكوفيين ، وقيل : هما كنايتان عن علم من يعقل وعليه ابن عصفور وصاحب «البسيط» ، قال أبو حيان : ومذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرة من يعقل بمعنى يا رجل ويا امرأة ، و (فل) مما حذف منه حرف وبني على حرفين بمنزلة دم وتركيبه ف ل ي ، بدليل أنه إذا سمي به ثم صغر قيل : فلي ، وليس أصله فلانا فذاك تركيبه ف ل ن ، و (فل) كناية لمنادى ، و (فلان) كناية عن اسم سمي به المحدث عنه

__________________

٦٩١ ـ الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص ١٩٩ ، والطرائف الأدبية ص ٦٦ ، واللسان (لجج ، فلل ، فلن) ، والمنصف ٢ / ٢٢٥ ، والممتع في التصريف ٢ / ٦٤٠ ، والخزانة ٢ / ٣٨٩ ، والسمط ص ٢٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٨٠ ، وشرح المفصل ٥ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٠ ، والصاحبي ص ٢٢٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٨.


خاص غالب ، فهما مختلفا المعنى والمادة ، وفل الذي في الشعر السابق هو (فلان) صيره الشاعر كذلك ضرورة ، وليس هو المختص بالنداء انتهى.

ومنها : (هناه) قال ابن مالك : يقال للمنادى المصرح باسمه في التذكير يا هن ويا هنان ويا هنون ، وفي التأنيث يا هنت ويا هنتان ويا هنات ، وقد يلي أواخرهن ما يلي أواخر المندوب من الألف وهاء السكت ، فيقال : يا هناه بسكون الهاء وكسرها ؛ لالتقاء الساكنين ، وضمها تشبيها بهاء الضمير ، ويا هنتاه ويا هنانيه ويا هنتانيه ويا هنوناه ويا هنانوه ، ومنها ملأم ولؤمان ونومان في نداء الكثير اللؤم والنوم ، ولا يقاس عليها قطعا ، قال:

٦٩٢ ـ إذا قلت يا نومان لم يجهل الّذي

أريد ولم يأخذ بشيء سوى حجلي

ومنها مفعلان في المدح والذم ، ذكر الأكثر أنه مسموع لا يقاس على ما جاء منه ، والذي سمع منه ستة ألفاظ مكرمان للعزيز المكرم وملأمان ومخبثان وملكعان ومطيبان ومكذبان ، وذكر بعض المغاربة أنه منقاس ، وأنه يقال في المؤنث بالتاء وحكى ابن سيده : رجل مكرمان وملأمان ، وامرأة ملأمانة ، وحكى أبو حاتم : هذا زيد ملأمان ، فمنهم من أجاز استعماله في غير النداء بقلة ، وقال أبو حيان : الذي أذهب إليه في تخريجه أنه على إضمار القول وحرف النداء ، والتقدير رجل مقول فيه أو مدعو : يا مكرمان ، وحذف القول كثير ، وحذف حرف النداء مناسب لحذف القول.

ومنها فعل المعدول في سب المذكر ، جزم ابن مالك بأنه لا ينقاس ، والمسموع منه يا لكع ويا فسق ويا خبث ويا غدر ، وهي معدولة عن ألكع وفاسق وخبيث وغادر ، قال أبو حيان : وأصحابنا نصوا على القياس فيه : وقال المبرد : إذا أردت ب : (فعل) مذهب المعرفة جاز أن تبنى في النداء في كل فعل فعل ، وأما حديث : «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع» (٢) ، فليس هذا المختص بالنداء ولا معدولا ؛ لأنه مصروف فهو وصف كحطم ، وأما قوله :

__________________

٦٩٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لنبت سريع بن مبيع بن حرثان في تذكرة النحاة ص ٦٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٥.

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٧ (٣٠٧٦) ، وابن أبي عاصم في الزهد ص ٩٧ (١٩٢).


٦٩٣ ـ شهادة بيدي ملحادة غدر

فضرورة ، والمقيس فعال المعدول في سب المؤنث نحو : يا لكاع ويا خباث ويا فساق ، وأما قوله :

٦٩٤ ـ إلى بيت قعيدته لكاع

فضرورة ، على أنه أول بإضمار القول ، أو الدعاء ، أو حرف النداء ، أي : يقال لها أو تدعى : يا لكاع ، وهذا النوع مبني على الكسر ؛ لمضارعته حذام من جهة العدل والتأنيث والوزن وينقاس فعال في السب بلا خلاف ، وفي الأمر وفاقا لسيبويه ، وخلافا للمبرد من كل فعل ثلاثي مجرد تام متصرف نحو : يا لآم ويا قذار بمعنى يا لئيمة ويا قذرة ، وجلاس ونطاق وقوام بمعنى اجلس وانطق وقم ، فلا يبنى من غير ثلاثي ، ولا من مزيد ، بل يقتصر فيه على ما سمع نحو : دراك من أدرك خلافا لابن طلحة ، ولا من ناقص فلا يجوز كوان منطلقا ولا بيات ساهرا بمعنى كن وبت ، ولا من جامد فلا يجوز وذار ولا وداع زيدا بمعنى ذر ودع.

لفظة (اللهم) في النداء :

(ص) ومنها اللهم ، والميم عوض حرف النداء ، ومن ثم لا تباشره في سعة خلافا للكوفية ، ومنع سيبويه وصفه ، وجوزه المبرد بمرفوع ومنصوب ، وشذ في غير نداء وحذف لامه ، وقد يستعمل تمكينا للجواب ، ودليلا على الندرة.

(ش) من الأسماء الخاصة بالنداء سماعا اللهم ، وشذ استعماله في غيره ، قال الأعشى :

٦٩٥ ـ كحلفة من أبي رياح

يسمعها اللهم الكبار

__________________

٦٩٣ ـ البيت من البسيط ، وهو لعمرة أم عمران بن الحارث الراسبي في شعر الخوارج ص ٧٣ ، والأغاني ١٠ / ١٤٦ ، والكامل ص ١٢٢٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٤.

٦٩٤ ـ تقدم الشاهد برقم (٢٢٩).

٦٩٥ ـ البيت من مخلع البسيط ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٣٣٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣٢٧ ، والخزانة ٢ / ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٧ / ١٧٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٣٠ ، واللسان (أله ، لوه) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٨ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٣ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ١٥ ، وشرح الرضي ١ / ٣٨١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٣٧.


وشذ أيضا حذف (أل) منه قال :

٦٩٦ ـ لا همّ إن كنت قبلت حجّتج

وأصله الجلالة زيدت فيه الميم المشددة عوضا من حرف النداء ، ومن ثم لا يجمع بينهما إلا في الضرورة كقوله :

٦٩٧ ـ إنّي إذا ما حدث ألمّا

أقول : يا اللهمّ يا اللهمّا

هذا مذهب البصريين ، وجوز الكوفيون الجمع بينهما بناء على رأيهم أن الميم ليست عوضا منه ، بل بقية من جملة محذوفة وهي آمنا بخير ، ومذهب سيبويه والخليل أن هذا الاسم وهو اللهم لا يوصف ؛ لأنه صار عندهم مع الميم بمنزلة الصوت ، يعني : غير متمكن في الاستعمال ، وقالا في قوله : (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ) [الزمر : ٤٦] : إنه على نداء آخر ، أي : يا فاطر ، وذهب المبرد والزجاج إلى جواز وصفه بمرفوع على اللفظ ومنصوب على الموضع ، وجعلا (فاطِرَ) صفة له ، وقال أبو حيان : والصحيح مذهب سيبويه ؛ لأنه لم يسمع فيه مثل اللهم الرحيم ارحمنا ، والآية ونحوها محتملة للنداء ، قال المطرزي في «شرح المقامات» : وقد يستعمل اللهم لغير النداء تمكينا للجواب ، ومنه الحديث : آلله أرسلك؟ قال : «اللهم نعم» (٣) ، ودليلا على الندرة كقول العلماء : لا يجوز أكل الميتة اللهم إلا أن يضطر فيجوز.

المندوب :

(ص) مسألة : الندبة إعلان المتفجع باسم من فقده لموت أو غيبة ، ولها (واو)

__________________

٦٩٦ ـ الرجز لرجل من اليمانيين ، في المقاصد النحوية ٤ / ٥٧٠ ، وبلا نسبة في اللسان ٢ / ٢٠٥ ، (حرف الجيم) ، (نهز ، دلق ، دلقم) ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٧٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٩ ٣ / ١٤٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٦٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٨٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢١٥ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٩.

٦٩٧ ـ الرجز لأبي خراش الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ١٣٤٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٦ ، ولأمية بن أبي الصلت في الخزانة ٢ / ٢٩٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٢ ، والإنصاف ٣٤١ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣١ ، وجواهر الأدب ص ٩٦ ، ورصف المباني ص ٣٠٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٩ ، ٢ / ٤٣٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٩ ، ٣ / ٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٥٨.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب ما جاء في العلم (٦٣) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب السؤال عن أركان الإيمان (١٢).


و (يا) مع الأمن ، وللمندوب حكم النداء ، ولا يندب مضمر وإشارة ، وكذا موصول إلا بصلة تعينه ، واسم جنس مفرد على الصحيح ، قال السيرافي : ومضاف لضمير خطاب ، والكوفية : وجمع السلامة.

(ش) المندوب نوع من المنادى ، والندبة مصدر ندب الميت إذا تفجع عليه ، وألحق به الغائب ، ويختص من حروف النداء بحرفين (وا) وهي الأصل و (يا) ، ولا تستعمل إلا عند أمن اللبس بالمنادى غير المندوب ، كأن يندب ميتا اسمه زيد وبحضرتك من اسمه زيد ، وحكم المندوب حكم المنادى من نصبه إذا كان مضافا أو شبهه نحو : وا عبد الله ، وا ضاربا عمرا ، وضمه إذا كان مفردا نحو : وا زيد ، وتنوينه عند الاضطرار نحو :

٦٩٨ ـ وا فقعسا وأين منّي فقعس

ولا يندب المبهم من ضمير واسم إشارة وموصول واسم جنس مفرد ونكرة ، فلا يقال : وا أنتاه ، ولا وا هذاه ، ولا وا من ذهباه ، ولا وا رجلاه ؛ لأن ذلك لا يقع به العذر للمتفجع لإبهامه ، وذلك هو المقصود بالندبة ، فإن كان اسم الجنس غير مفرد جاز نحو : وا غلام زيداه ، وكذا إذا كان الموصول صلة تعينه نحو : وا من حفر بئر زمزماه ؛ لأنه في الشهرة كالعلم.

وأجاز الرياشي ندبة النكرة وفي الحديث : «وا جبلاه» (٢) ، وقال غيره : وهو نادر إن صح ، ومنع السيرافي ندبة المضاف لضمير المخاطب ، كما لا يجوز نداؤه ؛ لأن البابين سواء ، قال بعض المغاربة : ولم يسمع شاهد بخلاف قوله.

ومنع الكوفيون ندبة الجمع السالم كما لا يجوز تثنيته ولا جمعه ؛ لأن إلحاق الألف هنا كإلحاق الألف والواو هناك ، وفرق البصريون بأن هذه الألف لا تغير اللفظ عما هو عليه ولا تحدث فيه شيئا بخلاف حرفي التثنية والجمع.

(ص) ويلحق آخر ما تم به جوازا ألف يحذف لها ما يليه من تنوين وألف ، وجوز الكوفية قلبها ، وتحريك التنوين بفتح أو كسر ، وحذف همز التأنيث ، ويفتح ما لم

__________________

٦٩٨ ـ تقدم الشاهد برقم (٦٦٤).

(١) أخرجه الترمذي ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في كراهية البكاء على الميت (١٠٠٣) ، وابن ماجه ، كتاب ما جاء في الجنائز ، باب ما جاء في الميت يعذّب بما نيح عليه (١٥٩٤).


يلبس فتقلب بحسبه ، وجوزه الكوفية مطلقا ، وفي (يا) و (وا) ويقدر حركتهما الفتح والحذف ، والأصح لا يغني عنها فتحة ، وأنها لا تقلب ما بعد نون مثنى ، وأنه لا يعوض منها تنوين وصلا ، وأنه لا يلحق نعته أو نعت أيها أو مضاف نعته غير أي ، قال ابن مالك : أو ما آخره ألف وهاء ، وجوزه بعضهم في بدل ونسق ومنادى غير مندوب ، ويليها غالبا سالمة أو منقلبة هاء ساكنة لا وصلا اختيارا خلافا للفراء.

(ش) يلحق جوازا آخر ما تم به المندوب ألف ، وليس لحاقها بلازم ، وآخر ما تم به يشمل المفرد والمضاف وشبهه ، والموصول والمركب ، ثم إن كان متلوها تنوينا أو ألفا حذف ؛ لالتقاء الساكنين نحو : وا موساه ، وا غلام زيداه ، وجوز الكوفيون قلب الألف ياء وتحريك التنوين بفتح أو كسر ، فيقال : وا موسياه ، وا غلام زيدناه أو زيدنيه ، وإن كان همز تأنيث أقر نحو : وا حمراءاه ، وجوز الكوفيون حذفها ، وإن كان حرفا محركا فتح إن كان مضموما أو مكسورا ، وأقر إن كان مفتوحا نحو : وا زيداه وا عبد الملكاه ، وا رقاشاه ، وا عبد يغوثاه ما لم يحصل لبس ، فتقر الحركة وتقلب الألف واوا إن كانت ضمة ، وياء إن كانت كسرة ، كقولك في غلامه وقوموا مسمى به : وا غلامهوه ، وا قوموه بقلب الألف واوا وحذف الواو الأولى ؛ لالتقائها ساكنة معها.

وفي غلامك وقومي مسمى به : وا غلامكيه وا قوميه بقلب الألف ياء وحذف الياء الأولى لذلك ؛ إذ لو بقيت الألف وقيل : وا غلامهاه لالتبس بالغائبة ، أو وا قوماه لالتبس بالمثنى ، أو وا غلامكاه لالتبس بالمذكر ، وأجاز الكوفيون القلب مطلقا وإن لم يلبس فأجازوا وا رقاشيه وا عبد الملكيه ، وإن كان ياء أو واوا يقدر فيهما الحركة جاز فيهما الحذف والإبقاء محركا بالفتح ، كقولك في غلامي : وا غلاماه أو وا غلامياه.

وبقي مسائل الأولى : لا يستغنى عن الألف بالفتحة فلا يقال : وا عمر وأنت تريد وا عمراه ، خلافا للكوفيين.

الثانية : لا تقلب الألف ياء بعد نون التثنية عند البصريين ، بل يتعين فتح النون نحو :وا زيداناه ، وأجازه الكوفيون وابن مالك فيقال : وا زيدانيه.

الثالثة الرابعة : لا تلحق الألف نعت المندوب عند جمهور البصريين ؛ لأنه منفصل من المنعوت ، وأجازه يونس والكوفيون وابن مالك نحو : وا زيد الطويلاه ، وأجاز خلف لحوقها نعت أيّ نحو : يا أيها الرجلاه ، وأجاز يونس وابن مالك لحوقها المجرور بإضافة نعته نحو :


٦٩٩ ـ ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزّبيراه

والجمهور حملوا ذلك على الشذوذ ، وجوز بعضهم لحوقها البدل وعطف النسق.

الخامسة : إطلاق النحاة يقتضي جواز لحاق الألف لما في آخره ألف وهاء ، وبه صرح بعض المغاربة وابن معط في «ألفيته» وابن الحاجب ، فيقال في عبد الله : وا عبد اللاهاه ، وفي جهجاه : واجهجاهاه ، ومنعه ابن مالك لاستثقال ألف وهاء بعد ألف وهاء.

السادسة : قيل : قد يلحق الألف المنادى غير المندوب كقول امرأة من العرب : (فصحت يا عمراه) فقال : (يا لبيكاه) ، جزم بذلك ابن مالك وغيره ، ومنعه سيبويه.

السابعة : تلي الألف في الغالب سالمة ومنقلبة ياء أو واوا هاء ساكنة كما تقدم من الأمثلة ، ويجوز تركها كقوله :

٧٠٠ ـ وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

ولا تثبت في حال الوصل إلا ضرورة ، وأجاز الفراء ثبوتها فيه مكسورةو مضمومة.

الاستغاثة :

(ص) مسألة : تجر اللام مفتوحة منادى متعجبا منه أو مستغاثا به متعلقة بفعل النداء ، وقيل : بحرفه ، وقيل : زائدة ومكسورةالمعطوفة عليه دون يا ، والمستغاث من أجله متعلقة بفعل النداء ، أو أدعوك ، أو مدعوا أقوال ، وقد تجر ب : (من) ، أو يحذف ، أو تليه (يا) لحذف المستغاث به ، وإذا ولي (يا) ما لا ينادى إلا مجازا جاز فتح اللام مستغاثا به وكسرها ، وليست بعض (آل) خلافا لزاعمه ، وتعاقبها ألف كالندبة ، ويختص الباب ب : (يا) ، وقلّ ورود (وا) في التعجب.

(ش) إذا استغيث المنادى أو تعجب منه جر باللام مفتوحة نحو : يا لله ، يا للماء ، يا للعجب ، وما كان منادى صح أن يكون مستغاثا ومتعجبا منه ، وما لا فلا ، إلا المعرف بأل

__________________

٦٩٩ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

٧٠٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٧٣٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٤ ، ١٨١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٨٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٢ ، ٣ / ١٣٤ ، وشرح قطر الندى ص ٢٢٢ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢٦.


فإنه يجوز هنا ، والاستغاثة دعاء المستغيث المستغاث ، والتعجب بالنداء على وجهين أحدهما أن ترى أمرا عظيما فتنادي جنسه نحو : يا للماء ، والآخر أن ترى أمرا تستعظمه فتنادي من له نسبة إليه أو مكنة فيه نحو : يا للعلماء.

وعلة فتح لام المستغاث الفرق بينه وبين المستغاث من أجله ، وأجري المتعجب منه مجراه لمشاركته في المعنى ؛ لأن سببهما أمر عظيم عند المنادى.

واختلف في هذه اللام فقيل : زائدة وعليه ابن خروف واختاره أبو حيان بدليل معاقبتها للألف ، والأصح ليست بزائدة وعلى هذا فذهب ابن جني إلى أنها تتعلق بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل ، وذهب سيبويه إلى أنها تتعلق بالفعل المضمر واختاره ابن عصفور ، وبكسر اللام مع المعطوف إن لم تعد معه (يا) نحو :

٧٠١ ـ يا للكهول وللشّبّان للعجب

فإن أعيدت معه (يا) فتحت نحو :

٧٠٢ ـ يا لعطاء ويا لرياح

وتكسر أيضا مع المستغاث من أجله نحو :

٧٠٣ ـ يا لقومي لفرقة الأحباب

وتتعلق بفعل مضمر تقديره أدعوك لفلان ، قال ابن عصفور : قولا واحدا ، وليس كذلك ، بل الخلاف موجود فقيل : إنها تتعلق بفعل النداء وهو بعيد ، وقيل : بحال محذوفة تقديره يا لزيد مدعوا لعمرو ، وقد يجر المستغاث من أجله ب : (من) ؛ لأنها تأتي للتعليل كاللام قال :

__________________

٧٠١ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٤٧ ، والخزانة ٢ / ١٥٤ ، ورصف المباني ص ٢٢٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٨١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٣ ، شرح قطر الندى ص ٢١٩ ، واللسان مادة (لوم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٧ ، والمقتضب ٤ / ٢٥٦ ، والمقرب ١ / ١٨٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٦.

٧٠٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٢ / ١٥٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٢ ، وشرح المفصل ١ / ١٣١ ، والكتاب ٢ / ٢١٦ ، وكتاب اللامات ص ٨٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٦٨ ، والمقتضب ٢ / ٢٥٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨١.

٧٠٣ ـ الشطر من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الكتاب ٢ / ٢١٩.


٧٠٤ ـ يا للرّجال ذوي الألباب من نفر

لا يبرح السّفه المردي لهم دينا

وقد يحذف المستغاث من أجله إن علم كقوله :

٧٠٥ ـ فهل من خالد إمّا هلكنا

وهل بالموت يا للّناس عار

وقد يحذف المستغاث به ، فتلي (يا) المستغاث من أجله كقوله :

٧٠٦ ـ يا لأناس أبوا إلّا مثابرة

على التّوغّل في بغي وعدوان

أي : يا لقومي لأناس ، وإذا ولي (يا) اسم إلا مجازا نحو : يا للعجب ، ويا للدواهي ، جاز في اللام الفتح على أنه مستغاث به ، أي : يا عجب احضر فهذا وقتك ، والكسر على أنه مستغاث من أجله والمستغاث به محذوف ، وكأنك دعوت غيره تنبهه على هذا الشيء ، وزعم الكوفيون أن لام الاستغاثة بعض (آل) ، وأن أصل يا فلان يا آل فلان فحذف ؛ لكثرة الاستعمال ، كما قالوا في أيمن : م ، ولذلك صح الوقف عليها في قوله :

٧٠٧ ـ إذا الدّاعي المثوّب قال : يا لا

والبصريون قالوا : بل هي لام الجر بدليل وقوع كسرها في العطف ، ولو كانت بعض آل لم يكن لكسرها موجب ، ونقل الأول عن الكوفيين ذكره ابن مالك ، ونازع فيه أبو حيان بأن الفراء قال : ومن الناس من زعم كذا ، فظاهر هذه العبارة منه أنه ليس مذهب الكوفيين ، ثم إنه لم يقل به وهو من رؤوسهم فلذا لم أعزه في المتن إليهم ، بل قلت : «خلافا لزاعمه».

وتعاقب اللام ألف في آخر المستغاث والمتعجب منه كالمندوب فلا يجتمعان نحو :

__________________

٧٠٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٦٣ ، و٣ / ١٦٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٢.

٧٠٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٣٢ ، ومعجم الشعراء ص ٢٥٠ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٣٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٣.

٧٠٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٦٤ ، ٣ / ١٦٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٤.

٧٠٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لزهير بن مسعود الضبي في تخليص الشواهد ص ١٨٢ ، والخزانة ٢ / ٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٩٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٠ ، ونوادر أبي زيد ص ٢١ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٢٧٦ ، ٢ / ٣٨٥ ، ٣ / ٢٢٨ ، ورصف المباني ص ٢٩ ، ٢٣٧ ، ٣٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ١٠٢ ، واللسان مادة (يا) ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٩ ، ٢ / ٤٤٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤٦.


يا زيدا لعمرو ، وتلحقها هاء السكت وقفا ، ويظهر من كلام سيبويه عن الخليل أن اللام هي الأصل.

ويختص باب الاستغاثة والتعجب ب : (يا) من بين سائر حروف النداء ، وربما وردت (وا) في التعجب.

تنبيه : إنما أعرب إنما أعرب المستغاث والمتعجب منه مع كونه منادى ، وعلة البناء موجودة فيه ؛ لدخول اللام التي هي من خصائص الأسماء فرجع إلى أصله ، وعلى هذا لا موضع رفع له ، فينعت بالجر والنصب ، وقيل : لأن (يا) صار حكمها في النداء حكم العامل إذ البناء فيهما يشبه بالإعراب ، فلما دخل الحرف لمعناه زال عمل (يا) لفظا ، وصار بمنزلة ما زيد بجبان ، فعلى هذا له موضع رفع فينعت بثلاثة أوجه.

الترخيم :

(ص) مسألة : الترخيم حذف آخر المنادى ولا يرخم غيره إلا ضرورة إن صلح له : ولو غير علم وذي تاء ومعوض ومنتظر في الأصح ، ولا ملازم النداء ومندوب ومستغاث باللام قطعا ولا دونها ، ومضاف ومبني غير النداء ، خلافا لزاعمها.

(ش) الترخيم لغة التسهيل ، واصطلاحا : حذف آخر الاسم باطراد ، فلا يسمى مثل (يد) مرخما ، ويدخل في المنادى والتصغير ، والمقصود هنا الأول وهو المراد عند الإطلاق فلا يرخم غير المنادى إلا لضرورة ، بشرط صلاحيته للنداء ، بخلاف ما لا يصلح له كالمعرف بأل ، وسواء في جوازه في الضرورة العلم وغيره ، وذو التاء والخالي منها ، والمعوض وغيره ، والمنتظر وغيره ، كما جزم به ابن مالك ، وقال بعضهم : لا يرخم فيها غير النداء إلى العلم ؛ لأنه المسموع ، ولا شاهد في غيره ، ورد بقوله :

٧٠٨ ـ ليس حيّ على المنون بخال

أي : بخالد.

__________________

٧٠٨ ـ عجز البيت :

فلوى ذروة فجنبي ذيال

البيت من الخفيف ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٠٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٦٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٩.


وقال بعضهم : لا يرخم في ثلاثي خال من التاء ، كما لا يرخم في النداء ، وقال بعضهم : إذا رخم في غير النداء عوض منه ياء ساكنة كقوله :

٧٠٩ ـ من الثّعالي ووخز من أرانيها

وقال المبرد : لا يجوز الترخيم في غير النداء ، إلا على نية التمام كقوله :

٧١٠ ـ طريف بن مال ليلة الجوع والخصر

ولا يجوز على نية الانتظار للمحذوف ، ورد بالقياس على حال النداء وبالسماع قال:

٧١١ ـ إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته

أي : ابن حارثة ، وما ورد من ذلك فيما فيه أل كقوله :

٧١٢ ـ قواطنا مكّة من ورق الحما

أي : الحمام ، فمن الحذف الذي هو غير حذف الترخيم ، ولا يرخم الاسم الملازم للنداء ذكره أبو حيان في شرح «التسهيل» قال : وأما (ملأم) فليس ترخيم ملأمان ، بل بناء على مفعل من اللؤم ، قال : ونصوا أيضا على أنه لا يرخم المندوب الذي لحقته علامة

__________________

٧٠٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي كاهل النمر بن تولب اليشكري في المقاصد النحوية ٤ / ٥٨٣ ، ولأبي كاهل اليشكري في شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٦٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٤٣ ، واللسان مادة (رنب ، تمر ، شرر ، وخز) ، ولرجل من بني يشكر في الكتاب ٢ / ٢٧٣ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٢٧ ، وجمهرة اللغة ص ٣٩٥ ، ١٢٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٦.

٧١٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٤٢ ، وتذكرة النحاة ص ٤٢٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٠ ، والكتاب ٢ / ٢٥٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٦٩ ، ورصف المباني ص ٢٣٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٥.

٧١١ ـ البيت من البسيط ، وهو لابن حبناء في شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٠ ، والكتاب ٢ / ٢٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٣ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٤١ ، والإنصاف ١ / ٣٥٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٧٧ ، والمقرب ١ / ١٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٠.

٧١٢ ـ الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٤٥٣ ، واللسان مادة (حمم ، قطن ، منى) ، وشرح ابن عقيل ص ٤٢٥ ، والكتاب ١ / ١٦ ، ١١٠ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٥١ ، والمحتسب ١ / ٧٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٥٤ ، ٤ / ٢٨٥ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٣٨١ ، والتاج مادة (ألف) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٩٤ ، والإنصاف ٢ / ٥١٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦٣.


الندبة ، ولا المستغاث الذي فيه اللام قطعا ، وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث إذا لم يكن فيه لام الاستغاثة كقوله :

٧١٣ ـ أعام لك بن صعصعة بن سعد

وقال ابن الصائغ : إنه ضرورة ولا يرخم المنادى المضاف عند البصريين ؛ لأن المضاف إليه ليس هو المنادى ولا يرخم إلا المنادى ، وأجازه الكوفيون وابن مالك بحذف آخر المضاف إليه كقوله :

٧١٤ ـ خذو حظّكم يا آل عكرم واذكروا

في أبيات أخر ، وأجاب سيبويه بأنها ضرورة ، قال أبو حيان : ولو ذهب ذاهب إلى جواز ذلك إذا كان آخر المضاف إليه تاء التأنيث وقوفا مع الوارد ، ومنعه إذا كان غيرها لكان مذهبا ، ولا يرخم المبني لسبب غير النداء كباب حذام.

ترخيم ذي التاء :

(ص) ويرخم ذو التاء مطلقا ، خلافا لابن عصفور في نحو : صلمعة بن قلمعة ، وللمبرد في النكرة مطلقا إلا (فلة) ، وغيره إن كان علما ، قيل : أو نكرة مقصودة زائدين على ثلاثة ، قيل : أو ثلاثيا محرك الوسط ، قيل : أو ساكنه.

(ش) ما فيه تاء التأنيث لا يشترط في ترخيمه علمية ولا زيادة على الثلاثة ، بل يرخم وإن كان ثنائيا غير علم ، كقول بعض العرب : يا شا ارحبي يريد يا شاة أقيمي ولا تسرحي ، وقال أبو حيان : ويستثنى (فلة) الخاص بالنداء فإنه لا يجوز ترخيمه ، وإن كان مؤنثا بالهاء ثم إن كان المؤنث بالهاء علما فلا خلاف في ترخيمه كقولك في (هبة) مسمى به : يا هب أقبل ، وإن كان نكرة مقصودة ففيه خلاف ، ذهب المبرد إلى أنه لا يجوز ترخيمها ، ورده الجمهور بنحو قوله :

__________________

٧١٣ ـ البيت من الوافر ، وهو للأحوص بن شريح في الكتاب ٢ / ٢٣٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠٠ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ١٨٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٩ ، ٣ / ١٧٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٢.

٧١٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢١٤ ، وأسرار العربية ص ٢٣٩ ، والإنصاف ١ / ٣٤٧ ، والخزانة ٢ / ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٦٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٠ ، والكتاب ٢ / ٢٧١ ، واللسان مادة (فرد ، عذر) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٩٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٧٠ ، ٣ / ١٧٥ ، واللسان مادة (رحم ، عكرم) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٤.


٧١٥ ـ يا ناق سيري عنقا فسيحا

وفي «البديع» لا يجيز المبرد ترخيم النكرة العامة نحو : شجرة ونخلة ، وإنما يرخم منها ما كان مقصودا ، وهو خلاف ما حكاه غيره ، فلذا قلت : مطلقا.

وزعم ابن عصفور أنه لا يجوز ترخيم صلمعة بن قلمعة ؛ لأنه كناية عن المجهول الذي لا يعرف قال الشاعر :

٧١٦ ـ أصلمعة بن قلمعة بن فقع

لهنّك لا أبا لك تزدريني

قال أبو حيان : وإطلاق النحويين يخالفه ، وأيضا وإن كان كناية عن مجهول فإنه علم ، ألا ترى أنهم منعوه الصرف للعلمية والتأنيث ، فحكمه حكم أسامة للأسد.

والعاري من تاء التأنيث إنما يرخم بشرطين : أن يكون علما بخلاف اسم الجنس والإشارة والموصول ، وأن يكون زائدا على ثلاثة فلا يرخم الثلاثي ، وذهب بعضهم إلى جواز ترخيم النكرة المقصودة ؛ لأنها في معنى المعرفة ، ولذلك نعت بها فأجاز في غضنفر يا غضنف ، واستدل بما ورد من قولهم : أطرق كرا ، أي : كروان ، ويا صاح ، أي : يا صاحب ، والجمهور جعلوا ذلك شاذا ، وذهب الكوفيون إلا الكسائي إلى جواز ترخيم الثلاثي بشرط أن يكون محرك الوسط ، فيقال في حكم : يا حك ، وهذا لم يرد به سماع ولا يقبله قياس.

ونقل ابن بابشاذ أن الأخفش وافق الكوفيين على ذلك ، قال ابن عصفور : فإن كان الثلاثي ساكن الوسط كهند وعمرو لم يجز قولا واحدا ، أما عند أهل البصرة فلأن أقل ما يبقى عليه الاسم بعد الترخيم ثلاثة أحرف ، وأما عند أهل الكوفة فلئلا يبقى على حرفين ثانيهما ساكن فيشبه الأدوات نحو : من وعن ، قال أبو حيان : وليس كما ذكر ، بل الخلاف فيه موجود ، وحكى أبو البقاء العكبري في كتاب «التبيين» أن بعض الكوفيين أجازوا ترخيمه ، ونقله ابن هشام الخضراوي عن الأخفش فقال ما نصه : أجاز الفراء وجماعة

__________________

٧١٥ ـ الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص ٨٢ ، والرد على النحاة ص ١٢٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٩ ، والكتاب ٣ / ٣٥ ، واللسان مادة (نفخ ، عنق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٧ ، والتاج مادة (عنق) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٨٢ ، ورصف المباني ص ٣٨١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧٠ ، ٢٧٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٠٢ ، ٣ / ٥٦٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٣٦.

٧١٦ ـ البيت من الوافر ، وهو للمغلس بن لقيط في اللسان مادة (صلمع) ، وبلا نسبة في اللسان مادة (قلمع) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤١.


ترخيم الثلاثي المتحرك الوسط ، وأجاز أبو الحسن وحده ترخيم الساكن الوسط من الثلاثي.

(ص) ويرخم المزج بحذف ثانيه ، وقيل : إنما يحذف حرف أو حرفان ، وقيل : الهاء فقط من ذي (ويه) ، ومن اثني عشر وفرعه الألف أيضا ، ومنع سيبويه ترخيم الجملة ، وأبو حيان المزج ، وأكثر الكوفية ذا (ويه) ، والفراء مركب العدد علما ، والجرمي علم الكناية ، والكوفية المسمى به من تثنية وجمع.

(ش) فيه مسائل :

الأولى : اختلف في ترخيم العلم المركب تركيب مزج ، فالجمهور على جوازه مطلقا ، ومنع أكثر الكوفيين ترخيم ما آخره (ويه) ، وقال أبو حيان : الذي أذهب إليه أنه لا يجوز ترخيم المركب تركيب مزج ؛ لأن فيه ثلاث لغات البناء وينبغي ألا يرخم على هذه ؛ لأنه مبني لا بسبب النداء كحذام ، والإضافة وقد منع البصريون ترخيم المضاف ، ومنع الصرف وينبغي ألا يجوز ترخيمه ؛ لأنه لم يحفظ عن العرب في شيء من كلامهم ، وأما قوله :

٧١٧ ـ أقاتلي الحجّاج إن لم أزر له

دراب وأترك عند هند فؤاديا

يريد (درابجرد) فهذا من الترخيم في غير النداء للضرورة ، وهو شاذ نادر لا تبنى عليه القواعد ، قال : ولم تعتمد النحاة في ترخيمه على سماع ، إنما قالوه بالقياس من جهة أن الاسم الثاني منه يشبه تاء التأنيث فعومل معاملتها بالحذف على الترخيم ، قال : ولكونه غير مسموع اختلفوا في كيفية ترخيمه ، فقال البصريون كلهم : بحذف الثاني منه ، فيقال في حضرموت وخمسة عشر وسيبويه : يا حضر ويا خمسة ويا سيب ، ومنع ذلك ابن كيسان ؛ لأنه يلتبس بالمفردات ، وقال : يحذف منه حرف أو حرفان ، فيقال : يا حضرم في حضرموت ، ويا بعلب في بعلبك ؛ لأن ذلك أدل على المحذوف من حذف الثاني بأسره ، وأجاب الأولون عن اللبس بأنه يزول بالانتظار فيتعين إذا خيف ، وقال الفراء فيما آخره (ويه) : لا يحذف منه إلا الهاء خاصة ، ثم تقلب الياء ألفا فيقال في سيبويه : يا سيبوا.

الثانية : إذا سمي باثني عشر واثنتي عشرة رخم بحذف العجز ، وتحذف معه الألف

__________________

٧١٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لسوار بن المضرّب في الحماسة الشجرية ١ / ٢٠٨ ، والخزانة ٧ / ٥٥ ، ومعجم ما استعجم ص ٥٤٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٥١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٠.


أيضا فيقال : يا اثن ويا اثنة ، كما يقال في ترخيمهما لو لم يركبا ، وهذا بناء على أن المركب من العدد إذا سمي به يجوز ترخيمه وهو مذهب البصريين ، ومنع منه الفراء.

الثالثة : ما سمي به من الجملة كتأبط شرا في ترخيمه خلاف ، فذهب أكثر النحويين إلى المنع وابن مالك إلى الجواز ، ونقله عن سيبويه فيقال : يا تأبط بحذف الثاني ، وقال أبو حيان : هذا النقل عن سيبويه خطأ ، فإن سيبويه نص على المنع ، وقد سقت عبارته في «النكت» التي لي على «الألفية» ، وما ضم إليها.

الرابعة : لا يستثنى من العلم المفرد شيء عند الجمهور ، واستثنى الجرمي مسألة طامر بن طامر كناية عمن لا يعرف ولا يعرف أبوه فلم يجز ترخيمه ؛ لأنه كناية عن اسمه ، ورد بأنهم رخموا فلانا سمع : يا فلا تعال ، وهو أيضا كناية ، وأجيب بأن فلانا كناية عن الأعلام فرخم كما يرخم العلم ، وطامر بن طامر كناية عن مجهول لا عن علم ، واستثنى الكوفيون ما سمي به من مثنى وجمع تصحيح ، فمنعوا ترخيمه والبصريون جوزوه بحذف العلامة والنون.

ما يحذف مع الحرف الأخير :

(ص) ويحذف مع الآخر متلوه لينا ساكنا زائدا قبله أكثر من حرفين وحركة تجانسه ، وجوز الجرمي حذف تالي الفتح ، والأخفش : المقلوب عن أصل ، والفراء : الساكن الصحيح ولين بعد حرفين ، وقيل : إن كان واوا ، وقوم : المدغم ، والكوفية يا فعلايا والألف قبلها ، ويحذف زائدان زيدا معا ما لم يبق على حرفين ، وكذا إن حرك أولهما على المشهور ، أما متلو الهاء فمنعه الأكثر ، وجوزه سيبويه إن بقي ثلاثة ولم ينتظر ، وقال أبو حيان : يجوزان والترك أكثر.

(ش) تقدم أن الترخيم حذف الآخر ، ويحذف مع الآخر أيضا ما قبله من حرف لين ساكن زيد قبله أكثر من حرفين وحركة تجانسه ، سواء كان الآخر صحيحا أصليا ، أم زائدا ، أم حرف علة ، بشرط ألا يكون هاء تأنيث فيقال في منصور ومسكين ومروان وأسماء وزيدان وزيدون وهندات أعلاما : يا منص ويا مسك ويا مرو ويا أسم ويا زيد ويا هند ، فإن اختل شرط مما ذكر لم يحذف ما قبل الآخر ، فلا يحذف إن كان صحيحا كجعفر ، ولا لينا متحركا كقنور وهبيخ ، ولا أصليا كمختار ومنقاد فإن ألفهما منقلبة عن ياء وواو ، خلافا للأخفش حيث جوز الحذف في هذه الصورة ، فيقال : يا مخت ويا منق ، ولا ما قبله حرفان فقط كعماد وثمود وسعيد ؛ لئلا يشبه الاسم ببقائه على حرفين الأدوات ؛ إذ ليس في


الأسماء المتمكنة ما آخره ساكن ، خلافا للفراء حيث جوز الحذف فيه فيقال : يا عم ويا ثم ويا سع ، وقيل : إنما قال الفراء بالحذف في ثمود فقط فرارا من بقاء آخر الاسم واوا بعد ضمة ، ووافق البصريين في عماد وسعيد ؛ لانتفاء ذلك ، وجوز أيضا حذف ما قبل الآخر من ساكن صحيح قبله حرفان فقط كهرقل ، فقيل : يا هر ، قال : لأنه لو بقي الساكن أشبه الأدوات ؛ إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره ساكن ، ورد بأنه على لغة التمام لا يشبهها ، وعلى الانتظار المحذوف مراد ، وجوز آخرون حذف الساكن الصحيح إن كان مدغما كقرشب ؛ لأنه في قوة حرف واحد ، ولا ما قبله حركة لا تجانسه كغرنيق وفردوس ، خلافا للفراء والجرمي حيث جوزوا الحذف فيه ، فيقال : يا غرن ويا فرد ، ولا ما قبل هاء التأنيث كسعالة وميمونة عند الأكثرين ، وأجاز سيبويه حذفه إن بقي بعده ثلاثة أحرف فصاعدا ، ولم ينتظر المحذوف ، قال أبو حيان : والصحيح مذهب سيبويه وبه ورد السماع ، قال :

٧١٨ ـ أحار بن بدر قد وليت ولاية

يريد حارثة بن بدر ، وقال :

٧١٩ ـ يا أرط إنّك فاعل ما قلته

يريد يا أرطأة ، وقال :

٧٢٠ ـ أنك يا معاو يا ابن الأفضل

يريد يا معاوية ، ويا ابن الأفضل منادى ثان ؛ لأن بعض المنشدين له من العرب كان يقطع عند قوله : يا معاو ، ثم يبتدئ يا ابن الأفضل ، ثم قال أبو حيان : والوجه أن في ذي التاء الذي هو على أكثر من أربعة أحرف وجهين ، أحدهما : وهو الشائع الكثير ترخيمه بحذف التاء فقط ، والثاني : وهو قليل ترخيمه بحذف التاء وما يليها.

__________________

٧١٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لأنس بن زنيم في ديوانه ص ١١٤ ، واللسان مادة (سرق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٩٦ ، ولأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ١٧٧ ، والعقد الفريد ٦ / ٣٤١ ، ولأنس بن أبي أنيس ، أو لابن أبي إياس الديلي أو لأبي الأسود الدؤلي في أمالي المرتضى ١ / ٣٨٤ ، ولأنس بن أبي إياس الديلي في الحيوان ٣ / ١١٦ ، ٥ / ٢٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٠.

٧١٩ ـ البيت من الكامل ، وهو لزميل بن الحارث الفزاري في الأغاني ١٣ / ٣٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٩٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٧٠ ، ٣ / ١٧٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٠٩.

٧٢٠ ـ الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٢٥١ ، والخزانة ٢ / ٣٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٦٢ ، والكتاب ٢ / ٢٥٠ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٣١٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٤١.


وما فيه زائدتان زيدا معا يحذفان ، وذلك ألفا التأنيث كحمراء والألف والنون في نحو : سكران ، وعلامة التثنية والجمعين كما تقدم ، وياء النسب كطائفيّ ، والواو والتاء في ملكوت ورهبوت ، وله ثلاثة شروط :

الأول : كون زيادتهما معا كما ذكر ، فلو لم يزادا معا كعلباء لم يحذفا ؛ لأن الأولى زيدت لتلحق ما زيدت الأخرى له ، وهو فعلل ببناء سرداح وزلزال ، وكذلك حولايا وبردرايا لا يحذفان ؛ لأنهما لم يزادا معا ، بل الأخيرة جاءت للتأنيث بعد ما كانت الأولى للإلحاق.

الثاني : أن يبقى الاسم على ثلاثة ، فإن بقي على أقل لم يحذفا كيدان أو بنون علما.

الثالث : أن يكون أول الزيادتين ساكنا ، فإن كان متحركا لم يحذفا كفرتنى ، ومن النحويين من يحذفهما معا ، وما آخره ثلاث زوائد مما قبل آخره حرف علة كحولايا وبردرايا لا يحذف منه إلا الأخير فقط عند البصريين ، وجوز الكوفية حذف الثلاثة قال أبو حيان : قياس قولهم يقتضي حذف الثلاثة في رغبوتى ورهبوتى.

لغة الانتظار ولغة ترك الانتظار في المرخم :

(ص) مسألة : الأجود انتظار المحذوف فلا يغير الباقي إلا بتحريك ما كان مدغما إن تلا ألفا ، قيل : أولا بما كان له لا أصلي السكون فيفتحه على الأصح ، وثالثها يحذف كل ساكن يبقى ، قال الأكثر : وألا يرد ما زال سبب حذفه ، ويتعين الانتظار في ذي التاء إن ألبس ، وقيل : مطلقا ، وقيل : لا يشترط اللبس في الأعلام ، وفيما يؤدي إلى عدم نظير على الأصح ، ويعطى آخر ما لم ينتظر ما استحقه لو تمم به وضعا ، ويرد ثالث ثنائي ذي لين ، ويضعف ثانيه إن جهل ، وعينه الكوفية فيما قبل آخره ساكن.

(ش) في المرخم لغتان : الانتظار وهو نية المحذوف ، وترك الانتظار وهو عدم نيته ، والأول أكثر استعمالا وأقواهما في النحو ، وجاء عليه ما قرئ : (وَنادَوْا يا مالِكُ) [الزخرف : ٧٧] ، وقول زهير :

٧٢١ ـ يا حار لا أرمين منكم بداهية

__________________

٧٢١ ـ البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٨٠ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٠٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٢ ، واللمع ص ١٩٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٢.


وجاء على الثاني :

٧٢٢ ـ يدعون عنتر والرّماح كأنّها

ثم إذا انتظر فلا يغير ما بقي ، بل يبقى على حركته وسكونه فيقال : يا جعف ويا هرق ، ولا يعل فيقال : في ثمود وعلاوة وسقاية : يا ثمو ويا علاو ويا سقاي ، إلا بأمرين :

أحدهما : تحريك ما كان ساكنا للإدغام إن كان قبله ألف كاحمار ومحمار علمين ، فرارا من التقاء الساكنين ، بخلاف ما قبله غير ألف كحدبّ ومحمر فإنه يبقي على سكونه ، خلافا للفراء في قوله بتحريكه أيضا ، وحيث حرك على رأي الناس أو على رأيه فبالحركة الأولى التي كانت له في الأصل ، فيحرك في احمار بالفتح ، وفي محمار ومحمر بالكسر ، فإن لم تكن له حركة في الأصل كأسحار ـ نبت ـ فبالفتح ؛ لأنه أقرب الحركات ، وقيل : بالكسر على أصل التقاء الساكنين ، نقله ابن عصفور عن الفراء ، وقيل : يسقط كل ساكن يبقى بعد الآخر حتى ينتهي إلى متحرك فيقال : يا أسح ، نقله صاحب «رؤوس المسائل» عن الفراء.

الثاني : أن يكون ما قبل آخر الاسم قد حذف لواو جمع كقاضون ومصطفون علمين ، فإن الياء والألف حذفتا لملاقاة الواو ، فإذا رخم بحذف الواو مع النون ردت الياء والألف لزوال الموجب للحذف ، فيقال : يا قاضي ويا مصطفى ، هذا مذهب أكثر النحويين وقاسوه على رد ما حذف لنون التوكيد الخفيفة عند ذهابها في الوقف ، وعلي رد ما حذف للإضافة عند حذف المضاف إليه ، وخالفهم ابن مالك وقال : لا يرد هنا فيقال : يا قاض ويا مصطف ، وإلا لزم رد كل مغير بسبب إزالة الترخيم إلى ما كان يستحقه.

ويتعين الانتظار في موضعين ، أحدهما : ما فيه تاء التأنيث إذا خيف التباسه بالمذكر كعمرة وضخمة وعادلة وقائمة ؛ إذ التمام فيه يوهم أن المنادى مذكر ، هكذا جزم به ابن مالك ، وأطلق صاحب «رؤوس المسائل» المنع من غير اعتبار لبس البتة.

قال أبو حيان : وفصل شيوخنا فلم يعتبروا اللبس في الأعلام ، واعتبروه في الصفات ، قال : وهو الذي دل عليه كلام سيبويه.

__________________

٧٢٢ ـ البيت من الكامل ، وهو لعنترة في ديوانه ص ٢١٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٠٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨١ ، ٢ / ٨٣٤ ، والكتاب ٢ / ٢٤٦ ، واللسان مادة (شطن ، دعا) ، ومغني اللبيب ٢ / ٤١٤ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٤٤ ، واللسان مادة (عنتر) ، والمحتسب ١ / ١٠٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٧.


الثاني : ما يلزم بتقدير تمامه الأداء إلى عدم النظير كما لو رخم (طيلسان) بكسر اللام ، فإنه لو قدر تاما لزم وجود فيعل بكسر العين في الصحيح العين ، وهو بناء مهمل ، كذا جزم به ابن مالك ، قال أبو حيان : هذا مذهب الأخفش ، وأما سائر النحويين كالسيرافي وغيره فإنهم أجازوا فيه التمام ، ولم يعتبروا ما يؤول إليه الاسم بعد الترخيم من ذلك ؛ لأن الأوزان إنما يعتبر فيها الأصل لا ما صارت إليه بعد الحذف.

وإذا ترك الانتظار أعطي آخر الاسم ما يستحقه لو تمم به وضعا ، فيضم ظاهرا إن كان صحيحا ، فيقال : يا حار ويا جعف ويا هرق ، وتقدر فيه الضمة إن كان معتلا كقولك في ناجية : يا ناجي بسكون الياء ، ويعل بالقلب أو الإبدال كقولك في ثمود : يا ثمي بقلب الواو ياء ؛ إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة ، وفي علاوة وسقاية : يا علاء ويا سقاء بإبدال الواو والياء همزة ؛ لوقوعهما آخرا إثر ألف زائدة ، وفي قطوان (يا قطا) بقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وإن كان ثنائيا ذا لين ضعف إن لم يعلم له ثالث ك : (لات) مسمى به إذا رخمته حذفت التاء وضعفت الألف فحركت الثانية ، فانقلبت همزة ، فقيل : يا لاء ، وإن علم ثالثه جيء به ك : (ذات) علما يرخم بحذف التاء ، ويرد المحذوف وهو الواو ؛ لأن أصله ذوات ، ولذا قيل في التثنية : ذواتا ، فيقال : يا ذوا ولا تتعين لغة التمام عند البصريين في شيء من الأسماء ، وقال الكوفيون : تتعين فيما إذا كان قبل الآخر ساكن كهرقل فرارا من وجود اسم متمكن ساكن الآخر.

(ص) وجوز الأكثر زيادة التاء مفتوحة فيما حذفت منه ، وقوم الألف الممدودة ، ويوقف على المرخم بحذف الهاء غالبا بهاء ساكنة وهي المحذوفة ، أو للسكت خلف ، ويعوض منها ألف الإطلاق ضرورة.

(ش) فيه مسألتان :

الأولى : سمع من كلام العرب مثل يا عائشة بفتح التاء قال النابغة :

٧٢٣ ـ كليني لهمّ يا أميمة ناصب

__________________

٧٢٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤٠ ، والأزهية ص ٢٣٧ ، والخزانة ٢ / ٣٢١ ، ٣٢٥ ، ٣ / ٣٧٣ ، ٤ / ٣٩٢ ، ٥ / ٧٤ ، ١١ / ٢٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٥ ، والكتاب ٢ / ٢٠٧ ، ٣ / ٣٨٣ ، وكتاب اللامات ص ١٠٢ ، واللسان مادة (نصب ، أسس) ، وجمهرة اللغة ص ٣٥٠ ، ٩٨٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٦٩ ، ٣ / ١٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٢.


الرواية بفتح أميمة ، فاختلف النحاة في تخريج ذلك ، فقال ابن كيسان : هو مرخم ، وهذه التاء هي المبدلة من هاء التأنيث التي تلحق في الوقف أثبتها في الوصل إجراء له مجرى الوقف ، وألزمها الفتح إتباعا لحركة آخر المرخم المنتظر.

وذهب قوم منهم الفارسي إلى أنها أقحمت ساكنة بين حرف آخر المرخم وحركته ، فحركت بحركته ، ودعاهم إلى القول بزيادتها حشوا أنها لو دخلت بعد الحرف وحركته لكان الاسم قد كمل ، ووجب بناؤه على الضم ، وذهب آخرون منهم سيبويه إلى أن التاء زيدت آخرا ؛ لبيان أنها التي حذفت في الترخيم ، وحركت بالفتح إتباعا ، وعلى هذه الأقوال الاسم مرخم.

وقيل : إنه غير مرخم والتاء غير زائدة ، بل هي تاء الكلمة حركت بالفتح إتباعا لحركة ما قبلها ، والاسم مبني على الضم تقديرا كما أن الأول من يا زيد بن عمرو كذلك ، وهذا ما اختاره ابن مالك في شرح «التسهيل» بعد جزمه بقول سيبويه في «التسهيل» ، واختاره أيضا ابن طلحة ، وألحق قوم في جواز الفتح بذي الهاء ذا الألف الممدودة ، فأجاز أن يقال : يا عفراء هلمي بالفتح ، قال ابن مالك : وهذا لا يصح ؛ لأنه غير مسموع ، وقياسه على ذي التاء قياس على ما خرج عن القواعد.

الثانية : لا يستغنى غالبا عن التاء في الوقف على المرخم بحذف التاء عن هاء ساكنة فيقال في الوقف على مثل يا طلح : يا طلحه ، وندر تركها ، حكى سيبويه : يا حرمل في الوقف يريد يا حرملة ، قال ابن عصفور : وهذا يسمع ولا يقاس عليه ، وقال أبو حيان : بل يقاس عليه ؛ لأنه ليس في ضرورة شعر ، لكنه قليل ، وإذا وقف بها فهل هي التي كانت في الاسم قبل ترخيمه أعيدت في الوقف ساكنة مقلوبة هاء ، أو هي غيرها وهي هاء السكت المزيدة في الوقف؟ خلاف جزم ابن مالك بالأول.

قال أبو حيان : وحاصله أن الترخيم لا يكون إلا في الوصل فإذا وقفوا فلا ترخيم ، قال : وظاهر كلام سيبويه الثاني ، قال : ومحل زيادتها ما إذا رخم على لغة الانتظار ، أما إذا رخم على لغة التمام فلا ؛ لأنه نقض لما اعتمدوا عليه من جعله اسما تاما حين بنوه على الضم ، وقد يجعل بدل الهاء ألف الإطلاق عوضا منها في الضرورة قال :

٧٢٤ ـ قفي قبل التّفرّق يا ضباعا

__________________

٧٢٤ ـ تقدم برقم (٣٩٤).


ذكره ابن عصفور وغيره ونص عليه سيبويه ، فقال : واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف ؛ وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلا منها.

المفعول المطلق :

(ص) المفعول المطلق هو المصدر ، وقيل : يختص بما فعله عام ، وقيل : أعم منه.

(ش) إنما سمي مفعولا مطلقا ؛ لأنه لم يقيد بحرف جر كالمفعول به ، وله ، وفيه ، ومعه.

والمصدر هو المفعول حقيقة ؛ لأنه هو الذي يحدثه الفاعل ، وأما المفعول به فمحل الفعل ، والزمان وقت يقع فيه الفعل ، والمكان محل الفاعل والمفعول والفعل ، والمفعول له علة وجود الفعل ، والمفعول معه مصاحب للفاعل أو المفعول.

قال أبو حيان : تسمية ما انتصب مصدرا مفعولا مطلقا هو قول النحويين ، إلا ما ذكره صاحب «البسيط» من تقسيمه المصدر المنتصب إلى مفعول مطلق ، وإلى مؤكد ، وإلى متسع ، فالمفعول المطلق عنده ما كان من أفعال العامة نحو : فعلت وصنعت وعلمت وأوقعت ، فإذا قلت : فعلت فعلا فالواقع ذات الفعل ؛ لأن الذوات الواقعة منا هي هذا ، ولا يقع منا الجواهر والأعراض الخارجة عنا ، فلا تكون مطلقة في حقنا ، بل في حق الله كقولك : خلق الله زيدا فإنه مفعول مطلق ، فلذلك كان المفعول المطلق أعم من المصدر المطلق.

الخلاف بين النحويين في أصل المصدر :

(ص) وهو أصل الفعل والوصف ، وقال الكوفية : الفعل ، وابن طلحة : كل أصل ، وقوم : الفعل أصل الوصف.

(ش) مذهب أكثر البصريين أن المصدر أصل والفعل والوصف فرعان مشتقان منه ؛ لأنهما يدلان على ما تضمنه من معنى الحدث وزيادة الزمان والذات التي قام بها الفعل ، وذلك شأن الفرع أن يدل على ما يدل عليه الأصل وزيادة ، وهي فائدة الاشتقاق ومذهب الكوفيين أن الفعل أصل والمصدر مشتق منه ؛ لأن المصدر مؤكد للفعل ، والمؤكد قبل المؤكد ؛ ولأن المصدر يعتل باعتلال الفعل ، ويصح بصحته ، وذلك شأن الفروع أن تحمل على الأصول وذهب ابن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل بنفسه ، وليس أحدهما


مشتقا من الآخر ، وذهب بعض البصريين إلى أن المصدر أصل للفعل ، والفعل أصل للوصف ، ورد بأنه ليس في الوصف ما في الفعل من الدلالة على زمن معين ، فبطل اشتقاقه منه ، وتعين اشتقاقه من المصدر ، قال أبو حيان : وهذا الخلاف لا يجدي كثير منفعة.

المصدر المبهم والمصدر المختص :

(ص) ثم إن لم يفد زيادة على عامله فمبهم لتوكيد ، وإلا فمختص لنوع وعدد ، ويثنى ويجمع دون الأول ، وفي النوع خلف.

(ش) المصدر نوعان مبهم وهو ما يساوي معنى عامله من غير زيادة كقمت قياما ، وجلست جلوسا ، وهو لمجرد التأكيد ومن ثم لا يثنى ولا يجمع ؛ لأنه بمنزلة تكرير الفعل فعومل معاملته في عدم التثنية والجمع ، ولذا قال ابن جني : إنه من قبيل التأكيد اللفظي ، وقيل : إنه من التوكيد المعنوي ؛ لإزالة الشك عن الحدث ، ورفع توهم المجاز ، وعليه الآمدي وغيره ، وقسم هؤلاء التوكيد المعنوي إلى قسمين : ما لإزالة الشك عن الحدث ، وهو بالمصدر ، وما لإزالته عن المحدث عنه ، وهو بالنفس والعين.

ومختص وهو ما زاد على معنى عامله فيفيد نوعا أو عددا نحو : ضربت ضرب الأمير ، أو ضربتين ، أو ضربات ، ويثنى ذو العدد ويجمع بلا خلاف ، وأما النوع ففيه قولان :

أحدهما : أنه يثنى ويجمع وعليه ابن مالك قياسا على ما سمع منه كالعقول والألباب والحلوم.

والثاني : لا ، وعليه الشلوبين قياسا للأنواع على الآحاد ، فإنها لا تثنى ولا تجمع لاختلافها ، ونسبه أبو حيان لظاهر كلام سيبويه ، قال : والتثنية أصلح من الجمع قليلا ، تقول : قمت قيامين وقعدت قعودين ، والأحسن أن يقال : نوعين من القيام ونوعين من القعود.

ناصب المصدر :

(ص) وناصبه مثله وصفة وفعل ، فإن كان من لفظه وجرى عليه قال ابن الطراوة : بفعل مضمر ، والسهيلي : بمضمر منه ، وإن لم يجز فثالثها إن غاير معناه فبفعله المضمر ، وإلا فبه ، أو من غير لفظه ، فالجمهور بمضمر ، وثالثها إن كان لتوكيد ، أو مختصا وله فعل.


(ش) ينصب المصدر بمصدر مثله نحو : (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) [الإسراء : ٦٣] ، وعجبت من ضرب زيد عمرا ضربا ، وبالوصف اسم فاعل نحو : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) [الذاريات : ١] ، (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [الصافات : ١] ، (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) [المرسلات : ٢] ، أو اسم مفعول نحو : أنت مطلوب طلبا ، وبالفعل نحو : (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٢٣] ، هذا إن كان من لفظه وهو جار عليه كما مثلنا على مذهب الجمهور ، ونفى صاحب «الإفصاح» فيه الخلاف ، وقال ابن الطراوة : هو مفعول به بفعل مضمر لا يجوز إظهاره ، والتقدير في قعد قعودا فعل قعودا ، وقال السهيلي كذلك إلا أنه قال : أنصبه بمضمر من لفظ الفعل السابق ، فإذا قيل : قعد قعودا فهو عنده ب : (قعد) أخرى لا يجوز إظهارها قال أبو حيان : وهذا كله تكلف وخروج عن الظاهر بلا دليل.

فإن كان من لفظه وهو غير جار عليه نحو : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح ١٧] ، فثلاثة مذاهب :

أحدها : أنه منصوب بذلك الفعل الظاهر وعليه المازني.

والثاني : أنه منصوب بفعل ذلك المصدر الجاري عليه مضمرا ، والفعل الظاهر دليل عليه ، وعليه المبرد وابن خروف وعزاه لسيبويه.

والثالث : التفصيل فإن كان معناه مغايرا لمعنى الفعل الظاهر كالآية فنصبه بفعل مضمر ، والتقدير فنبتم نباتا ؛ لأن النبات ليس بمعنى الإنبات فلا يصح توكيده به ، وإن كان غير مغاير فنصبه بالظاهر كقوله :

٧٢٥ ـ وقد تطوّيت انطواء الحضب

لأن التطوي والانطواء بمعنى واحد ، واختاره ابن عصفور.

وإن كان من غير لفظه فثلاثة مذاهب :

أحدها : وعليه الجمهور أنه منصوب بفعل مضمر من لفظه كقوله :

__________________

٧٢٥ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٦ ، واللسان مادة (حضب) ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٩١ ، وشرح المفصل ١ / ١١٢ ، والكتاب ٤ / ٨٢ ، وتهذيب اللغة ٤ / ٢٢٠ ، والتاج (حضب) ، وبلا نسبة في اللسان مادة (طوى) ، والمخصص ٨ / ١١٠ ، ١٠ / ١٨٢ ، ١٤ / ١٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٦.


٧٢٦ ـ السّالك الثغرة اليقظان كالئها

مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل

ف : (مشي) منصوب بمضمر دل عليه السالك.

والثاني : أنه منصوب بالفعل الظاهر ؛ لأنه بمعناه فتعدى إليه كما لو كان من لفظه ، وعليه المازني.

والثالث : وعليه ابن جني التفصيل ، فإن أريد به التأكيد عمل فيه المضمر الذي من لفظه كقعدت جلوسا ، وقمت وقوفا بناء على أنه من قبيل التأكيد اللفظي ، فلا بد من اشتراكه مع عامله في اللفظ ، أو بيان النوع عمل فيه الظاهر ؛ لأنه بمعناه.

وقال ابن عصفور : الأمر في التأكيد ما ذكر ، وأما الذي لغير التأكيد فإن وضع له فعل من لفظه عمل فيه المضمر أيضا كقوله :

٧٢٧ ـ وآلت حلفة لم تحلّل

فحلفة منصوبة بحلفت مضمرة ، وإن لم يوضع له فعل انتصب بالظاهر ، ولا يمكن أن يكون بفعل من لفظه ؛ لأنه لم يوضع.

(ص) والاختصاص ب : (أل) للعهد والجنس ، وقيل : لا تدخله إلا إن وصف ونعت وإضافة ، ولا تعاقبه (أن) والفعل خلافا للأخفش ، وينوب مضافه ككل وبعض وضمير ونوع وهيئة وعدد وإشارة ، وأوجب ابن مالك وصفها به ووقت ونعت وما استفهامية وشرطية وآلة ، لا ما لم يعهد ومنه علم كسبحان وبرة وفجار ، واستعمل نحو : عطاء وثواب مصدرا ، ولا يقاس ، والأكثر لا ينصب مصدرين مؤكدا ومبينا ، وقيل : يجوز وثلاثة.

(ش) فيه مسائل :

الأولى : الاختصاص في المصدر يكون ب : (أل) إما عهدية نحو : ضربت الضرب،

__________________

٧٢٦ ـ البيت من البسيط ، وهو للمتنخل الهذلي في تذكرة النحاة ص ٣٤٦ ، والخزانة ٥ / ١١ ، وشرح أشعار الهذليين ص ١٢٨١ ، واللسان مادة (خعل ، فضل) ، والمعاني الكبير ص ٥٤٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥١٦ ، وللهذلي في الخصائص ٢ / ١٦٧ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦١١ ، وبلا نسبة في الخزانة ٥ / ١١٠ ، ١٠٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٦.

٧٢٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢ ، واللسان مادة (حلل) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٤٣٩ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٢٥٥ ، وكتاب العين ، والتاج (حلل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٩.


تريد ضربا معهودا بينك وبين المخاطب ، أي : الضرب الذي تعلم ، أو جنسية نحو : زيد يجلس الجلوس مريدا الجنس والتنكير ، ويكون بالنعت نحو : قمت قياما طويلا ، أو بالإضافة نحو : قمت قيام زيد ، والأصل قياما مثل قيام زيد ، حذف المصدر ثم صفته وقام مقامهما المصدر فأعرب بإعرابه.

الثانية : لا يجوز أن تقع أن والفعل في موقع المصدر ، فلا يجوز ضربته أن أضربه ؛ لأن (أن) تخلص الفعل للاستقبال ، والتأكيد إنما يكون بالمصدر المبهم ، وعلله بعضهم بأن (أن يفعل) يعطي محاولة الفعل ، ومحاولة المصدر ليست بالمصدر ، فلذلك لم يسغ لها أن تقع مع صلتها موقع المصدر ، وحكي عن الأخفش إجازة ذلك.

الثالثة : يقوم مقام المصدر المبين ما أضيف إليه من كل وبعض نحو : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) [النساء : ١٢٩] ، لمته بعض اللوم ، وما أدى معناهما نحو : ضربت أيّ ضرب ، (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) [هود : ٥٧] ، وضمير نحو : (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥] ، ونوع نحو : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) [النازعات : ١] ، ورجعت القهقرى ، وقعدت القرفصاء ، وهيئة نحو : مات ميتة سوء ، وعاش عيشة مرضية ، وعدد نحو : ضربت ثلاثين ضربة ، واسم إشارة نحو : ضربت ذلك الضرب ، قال ابن مالك : ولا بد من جعل المصدر تابعا لاسم الإشارة المقصود به ذلك المصدر ، ورده أبو حيان بأن من كلامهم : ظننت ذلك يشيرون به إلى المصدر ، ولذلك اقتصروا عليه ؛ إذ ليس مفعولا أول ، ولم يذكروا بعده المصدر تابعا له ، وعلى هذا خرجه سيبويه ، ووقت نحو :

٧٢٨ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

أي : اغتماض ليلة أرمد ، ونعت نحو : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) [آل عمران : ٤١] ، وما الاستفهامية نحو : ما تضرب زيدا ، أي : أيّ ضرب تضرب زيدا ، وما الشرطية نحو : ما شئت فقم ، أي : أيّ قيام شئت ، والآلة نحو : ضربته سوطا ، ورشقته سهما ، والأصل ضربة سوط ، ورشقة سهم.

__________________

٧٢٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٥ ، والخزانة ٦ / ١٦٣ ، والخصائص ٣ / ٣٢٢ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٦ ، والمحتسب ٢ / ١٢١ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٢٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٧ ، والمنصف ٣ / ٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢١١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٠٥.


ويطرد في جميع أسماء آلات الفعل ، فلو قلت : ضربته خشبة ، ورميته آجرة لم يجز ؛ لأن الآجرة لم تعهد آلة للرمي ، والخشبة لم تعهد آلة للضرب.

الرابعة : من المصدر ما هو علم للمعنى كسبحان علم للتسبيح ، وبرة علم للمبرة ، وفجار علم للفجرة ، ويسار علم للميسرة ، يقال : بره برة ، وفجر به فجار ، وهو معلق على الجنس.

الخامسة : استعملوا العطاء مصدرا بمعنى الإعطاء ، والثواب مصدرا بمعنى الإثابة قال الشاعر :

٧٢٩ ـ وبعد عطائك المائة الرّتاعا

وقال تعالى : (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : ١٩٥] ، وذلك مسموع لا يقاس عليه.

السادسة : منع الأخفش والمبرد وابن السراج والأكثرون عمر الفعل في مصدرين مؤكد ومبين.

وذهب السيرافي وابن طاهر إلى أنه يجوز أن ينصبهما وأن ينصب ثلاثة إذا اختلف معناها نحو : ضربت ضربا شديدا ضربتين ، وعلى الأول الثاني بدل ، ومن المسموع في ذلك قوله :

٧٣٠ ـ ووطئتنا وطئا على حنق

وطء المقيّد يابس الهرم

ولا يصح فيه البدلية ؛ لأن الثاني غير الأول فيخرج على إضمار فعل.

حذف عامل المصدر :

(ص) مسألة : يحذف عامله لقرينة ، ويجب في مواضع منها ما كان بدلا من فعله ، ويقدر معنى ما لا فعل له ك : دفرا ، والأصح أن بهرا فعل ، وأنه لا يقاس في

__________________

٧٢٩ ـ البيت من الوافر ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٣٧ ، وتذكرة النحاة ص ٤٥٦ ، والخزانة ٨ / ١٣٦ ، ١٣٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٩٥ ، واللسان مادة (رهف ، عطا) ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٠٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤١١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٢.

٧٣٠ ـ البيت من الكامل ، وهو للحارث بن وعلة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٠٦ ، وأمالي القالي ١ / ٢٦٣ ، وشرح القصائد السبع الطوال ص ٥٤٩ ، ولزهير بن أبي سلمى في اللسان والتاج مادة (هرم) ، وتهذيب اللغة ٦ / ٢٩٦ ، وليس في ديوانه ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٧.


الدعاء ، وثالثها يقاس إن كان له فعل ، وجاز رفع بعضها ، وقبح إضافتها ، وما أضيف نصب ، ومما أفرد وأضيف ويح وويس وويب ، ويختار الرفع في ويح مفردا عكس تبّ ، وقيل : يجب ، وفي عطف ويح على تبّ وعكسه خلف ، وعلى الجواز ينصب ويح وتب على حاله ، ويقال : ويله وويل له وويل طويل ، وبالنصب فيهما ، وعول وعولة ، ولا يفرد عنه ، ومضافها للتبيين ك : (لك) بعد سقيا ، والأحسن في المعرف الرفع ، وهو سماع في الأصح.

(ش) يجوز حذف عامل المصدر لقرينة لفظية كقولك حثيثا لمن قال : أيّ سير سرت؟ أو معنوية نحو : تأهبا ميمونا لمن رأيته يتأهب لسفر ، وحجا مبرورا لمن قدم من حج ، وسعيا مشكورا لمن سعى في مثوبة ، ويجب الحذف في مواضع منها حيث كان المصدر بدلا من اللفظ بالفعل ، سواء كان فعلا مستعملا كسقيا ورعيا ، أو مهملا ـ أي : غير موضوع في لسان العرب ـ كدفرا بمعنى نتنا ، وأفة وهي وسخ الأذن ، وتفة وهي وسخ الأظفار ، فيقدر للثلاثة فعل من معناها ، وجعل ابن عصفور من ذلك بهرا بمعنى غلبة ، ومنه:

٧٣١ ـ ثم قالوا : تحبّها قلت بهرا

أي : غلبني حبها غلبة ، وقال أبو حيان : حكى ابن الأعرابي وغيره أنه يقال للقوم إذا دعي عليهم : بهرهم الله ، فيكون منصوبا بفعل مستعمل لا مهمل.

واختلف هل يقتصر على ما سمع من هذه الألفاظ في الدعاء للإنسان أو عليه كسقيا ورعيا وجدعا وعقرا وبعدا وسحقا وتعسا ونكسا وبؤسا وخيبة وتبا ، أو يقاس عليها؟ فسيبويه على الأولى ، والأخفش والمبرد على الثاني ، قال أبو حيان : وينبغي أن يفصل فيقال : ما كان له فعل من لفظه يقاس ، وما لا فلا ، وقد جاء بعضها في الشعر مرفوعا قال :

٧٣٢ ـ أقام وأقوى ذات يوم وخيبة

لأوّل من يلقى وشرّ ميسّر

__________________

٧٣١ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٤٣١ ، والأغاني ١ / ٨٧ ، ١٤٨ ، وجمهرة اللغة ص ٣٣١ ، والخصائص ٢ / ٢٨١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٩ ، وشرح المفصل ١ / ١٢١ ، واللسان مادة (بهر) ، ومغني اللبيب ص ١٥ ، وبلا نسبة في الكتاب ١ / ٣١١ ، وكتاب اللامات ص ١٢٤ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٦٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠١.

٧٣٢ ـ البيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٦١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٥٣ ، والكتاب ١ / ٣١٣ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ١١٤ ، واللسان مادة (يسر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦١.


فالمجرور خبر له.

ولا تستعمل هذه المصادر مضافة إلا في قبيح من الكلام ، وإذا أضيفت فالنصب حتم ، ومما جاء مضافا بعدك وسحقك ، وأنشد الكسائي :

٧٣٣ ـ إذا ما المهارى بلّغتنا بلادنا

فبعد المهارى من حسير ومتعب

ومما استعمل مفردا ومضافا قولهم للمصاب المرحوم : ويح فلان وويحه وويح له ، وللمتعجب منه : ويبا له وويبك وويب غيرك ، وويسك وويسه ، قال الجزولي : وهو استصغار واستحقار ، وقال ابن طاهر : ويح كلمة تقال رحمة ، وويس كلمة تقال في معنى رأفة ، وهي مضافة إلى المفعول ، ومتى أضفتها لزمت النصب ، ولا يجوز فيها الرفع ؛ لأنه مبتدأ لا خبر له ، فإذا أفردت جاز الرفع والنصب ، تقول : ويح له وويحا له ، وويل له وويلا له.

ولا يقوى النصب في هذا قوته في غيره ؛ لأن هذا مصدر لا فعل له ، وإنما يقوى النصب في المصدر الذي له فعل نحو : حمدا وشكرا ، فالرفع في نحو : (ويح) و (ويل) قوي ، والغالب على (ويح) الرفع ، وعلى (تب) النصب إذا أفرد نحو : تبا له ، ويجوز تبّ له ، وقال ابن أبي الربيع : تبا لك التزم نصبه ، وويح لك التزم رفعه.

وفي ويل لك وجهان ولو قسنا لساوينا ، ولكن لا نتعدى السماع ، فإن عطف (ويح) على (تب) نصبته ، ولا يجوز رفعه ؛ لأنه لا خبر له ، وإن عطف تب على (ويح) فكحاله قبل العطف ، ويكون جملتان فعلية على اسمية ؛ لتساويهما في المعنى ، ويقال : تبا له وويح له ، فلا يكون في (ويح) إلا الرفع كحاله قبل العطف انتهى.

ومنع المازني عطف (ويح) على (تب) وعكسه قال : لأن (ويح) رحمة له ، و (تب) بمعنى خسران له ، فكيف يتصور أن يدعو له وعليه في حين واحد؟ وأجيب بأن (ويح) حينئذ أخرج مخرج الدعاء ، وليس معناه الدعاء ، أو تبا أيضا دعاء له على حد : قاتله الله ما أشعره!

ويقال للمصاب المغضوب عليه : ويله ، وويل له ، وويلا له ، وويل طويل له ، وويلا طويلا ، فيجب النصب في الإضافة ويجوز هو والرفع في الإفراد ، ويقال : عول وعولك ، ولا يفرد وإنما يستعمل تابعا لويل ومضافها للتبيين ك : (لك) في سقيا لك ، وأما المعرف ب : (أل) فالرفع فيه أحسن من النصب ؛ لأنه صار معرفة فقوي فيه الابتداء نحو : الويل له

__________________

٧٣٣ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٠.


والخيبة له ، لكن إدخال (أل) ليس مطردا في جميعها ، وإنما هو سماع نص عليه سيبويه ، فلا يقال : السقي لك والرعي ، وقال الفراء والجرمي بقياسه ونفاه أبو حيان.

(ص) ومنه المثناة كلبيك وسعديك تابعة وحنانيك ودواليك وهذاذيك وحجازيك وحذاريك وحواليك ، ولا تتصرف ، وتلزم الإضافة ، وإضافتها لظاهر قال ابن مالك : شاذة كغائب ، وخالفه أبو حيان ، فإن أفردت تصرفت ، وزعم يونس (لبا) مفردا قلبت ألفه وتثنيتها للتكثير ، وقيل : للشفع ، وزعمه السهيلي في حنانيك خاصة ، والكاف في ما هو خبر مفعول وطلب فاعل ، وقال الأعلم : حرف خطاب ، وسمع (لب) كأمس.

(ش) من الواجب حذف عامله لكونه بدلا من فعله قولهم في إجابة الداعي : لبيك وسعديك ، أي : إجابة بعد إجابة ، وإسعادا بعد إسعاد ، أي : كلما دعوتني وأمرتني أجبتك وساعدتك ، ولا يستعمل سعديك وحده ، بل تابعا للبيك كعوله بعد ويله.

ويجوز أن يستعمل حنانيك وحده ، ومنه قولهم حنانيك ، أي : تحننا بعد تحنن ، وقد نطق بفعله قال :

٧٣٤ ـ تحنّن عليّ هداك المليك

فإنّ لكلّ مقام مقالا

ودواليك من المداولة قال :

٧٣٥ ـ إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله

دواليك حتى كلّنا غير لابس

أي : تداولنا دواليك ، كان الرجل في الجاهلية إذا أراد أن يقعد مع امرأته شق كل واحد منهما ثوب الآخر ليؤكد المودة ، وهذاذيك قال :

٧٣٦ ـ ضربا هذاذيك وطعنا وخضا

__________________

٧٣٤ ـ البيت من المتقارب ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ٧٢ ، وتخليص الشواهد ص ٢٠٦ ، واللسان والتاج مادة (قول ، حنن) ، وبلا نسبة في المقتضب ٣ / ٢٢٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤١.

٧٣٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص ١٦ ، وجمهرة اللغة ص ٤٣٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧ ، وشرح المفصل ١ / ١١٩ ، والكتاب ١ / ٣٥٠ ، وأساس البلاغة مادة (دول) ، واللسان والتاج (هذذ ، دول) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٠١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١١٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧١ ، وفي نسخة (برقع) بدلا من (مثله).

٧٣٦ ـ الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ١٤٠ ، والخزانة ٢ / ١٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣١٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧ ، وشرح المفصل ١ / ١١٩ ، والمحتسب ٢ / ٢٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٩ ، وتهذيب اللغة ٥ / ٣٦٠ ، ولرؤبة في أساس البلاغة (هذذ) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١٥٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ١١٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٨٧.


أي : تهذ هذاذيك ، وحجازيك ، أي : تحجز حجازيك ، أي : تمنع ، وحذاريك ، أي : تحذر ، أي : ليكن منك حذر بعد حذر ، زاد صاحب «البسيط» : وحواليك ، أي : إطافة بعد إطافة.

وهذه المصادر كلها لا تتصرف ، وهي ملتزم فيها الإضافة والتثنية ، فإن أفرد منها شيء كان متصرفا كقوله :

٧٣٧ ـ فقالت : حنان ما أتى بك ههنا

واختلف في تثنيتها أهي تثنية يشفع بها الواحد ، والمراد إجابة موصولة بأخرى ، ومساعدة موصولة بأخرى ، وحنان موصول بآخر ، أم تثنية يراد بها التكثير؟ على قولين أصحهما الثاني ، وقال السهيلي بالأول في حنانيك خاصة ، قال : المراد رحمة في الدنيا ورحمة في الآخرة ، ورد بأن من العرب من استعمله ، وهو لا يعتقد الآخرة ، قال طرفة :

٧٣٨ ـ حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

وذهب يونس إلى أن لبيك اسم مفرد ، وأصله قبل الإضافة لبا مقصورا قلبت ألفه ياء ؛ لإضافته إلى الضمير كما قلبوا في لديك وعليك ، والذي ذهب إليه الخليل وسيبويه والجمهور أنه تثنية لب ، كما أن حنانيك تثنية حنان ؛ لأنه سمع لب ولم يسمع لبا ، وذكر ابن مالك أن إضافة لبيك إلى الظاهر شاذة ، كإضافتها إلى الضمير الغائب قال :

٧٣٩ ـ فلبّي يدي مسور

__________________

٧٣٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للمنذر الكلبي في الخزانة ٢ / ١١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٣٥ ، وبلا نسبة في أمالي الزجاجي ص ١٣١ ، وأوضح المسالك ١ / ٢١٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠٦ ، ١ / ٢٢١ ، وشرح التصريح ١ / ١٧٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ١٩٠ ، وشرح المفصل ١ / ١١٨ ، والصاحبي ص ٢٥٥ ، والكتاب ١ / ٣٢٠ ، ٣٤٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٦٨.

٧٣٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٦٦ ، والكتاب ١ / ٣٤٨ ، والتاج واللسان مادة (صنن) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٢٧٣ ، وشرح المفصل ١ / ١١٨ ، والمقتضب ٣ / ٢٢٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٨٤.

٧٣٩ ـ البيت من المتقارب ، وهو لرجل من بني أسد في المقاصد النحوية ٣ / ٣٨١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٠ ، واللسان مادة (لبي) ، وشرح التصريح ٢ / ٣٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٢٣ ، والخزانة ٢ / ٩٢ ، ٩٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٧ ، وأساس البلاغة مادة (لبي) ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٩.


وقال :

٧٤٠ ـ لبّيه لمن يدعوني

ورده أبو حيان بأن سيبويه قال في «كتابه» : يقال : لبي زيد وسعدي زيد ، فساق ذلك مساق المنقاس المطرد ، والكاف في نحو : لبيك وسعديك وحنانيك الواقع موقع الفعل الذي هو خبر في موضع المفعول ؛ لأن المعنى لزوما وانقيادا لإجابتك ، ومساعدة لما تحبه ، ومعنى قولهم : سبحان الله وحنانيه : أسبحه وأسترحمه ، والكاف في نحو : هذاذيك ودواليك وحنانيك إذا وقعت موقع الطلب في موضع الفاعل ، كأنه قال : هذك ومداولتك وتحننك ، وزعم الأعلم أن الكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب ، كهي في (أبصرك) و (النجاك) و (ذلك) ، وحذفت النون لشبه الإضافة ؛ ولأن الكاف تطلب الاتصال بالاسم كاتصالها باسم الإشارة ، والنون تمنعها من ذلك ، فحذفت.

ورد بأن وقوع الاسم الظاهر وضمير الغائب موضع الكاف يبطل كونها حرفا ، وسمع مفرد لبيك لب بالكسر ، وهو مصدر بمعنى إجابة منصوب مبني كأمس وغاق ؛ لقلة تمكنه ، كذا نص عليه سيبويه ، ورد به أبو حيان على ابن مالك حيث قال : إنه اسم فعل بمعنى أجبت.

(ص) ومنه سبحان الله ومعاذ الله وريحانه ، ويلزم سبحان الله في الأصح ، ولا يتصرف ويلزم الإضافة ، وعرف سبحان الله ب : (أل) في الشعر ، وأفرد منونا وغيره وقيل : إنه مبني.

(ش) من البدل عن فعله سبحان الله ، أي : براءة له من السوء ، وليس مصدرا لسبح ، بل سبح مشتق منه كاشتقاق حاشيت من حاشى ، ولوليت من لو لا ، وصهصهت وأففت وسوفت وبأبأت وليت من صه وأف وسوف وبأبأ ولبيك ، ولا يقال : سبح مخففا فيكون سبحان مصدرا له ، ويلزم الإضافة ولا يتصرف ، وقد يفرد في الشعر منونا إن لم تنو الإضافة كقوله :

__________________

٧٤٠ ـ الرجز بلا نسبة في اللسان والتاج مادة (لبب ، بين) ، وأوضح المسالك ٣ / ١٢٢ ، والخزانة ٢ / ٩٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٤٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٧٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٣ ، والمخصص ١٠ / ٣٦ ، ١٦ / ١٤٧ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٥٠١ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٨٥.


٧٤١ ـ سبحانه ثم سبحانا نعوذ به

وغير منون إن نويت كقوله :

٧٤٢ ـ سبحان من علقمة الفاخر

أراد سبحان الله ، فحذف المضاف إليه وأبقى المضاف بحاله.

وعرف ب : (أل) في الشعر قال :

٧٤٣ ـ سبحانك اللهم ذا السّبحان

ومن ذلك (معاذ الله) بمعنى عياذا بالله ، ويلزم أيضا الإضافة ولا يتصرف ، ومنه ريحان الله بمعنى استرزاق الله ، ويلزم أيضا الإضافة ولا يتصرف ، ولم ينطق له بفعل من لفظه فيقدر من معناه ، أي : استرزقه ، ولا يستعمل مفردا ، بل مقترنا مع (سبحان الله) ، وقيل : يستعمل وحده ؛ لأن سيبويه لم يذكره مقترنا مع سبحان الله ، ولا نبه على ذلك ، ومذهب سيبويه أن سبحان علم للتسبيح ممنوع الصرف ، وقيل : هو مبني ؛ لأنه لا يتصرف ولا ينتقل عن هذا الموضع فأشبه الحرف.

(ص) ومنه سلاما وحجرا ، ومنه عجبا وحمدا وشكرا لا كفرا ، وهل هو خبر أو إنشاء أو يلزم اجتماعهما؟ خلاف ، ومنه أفعله وكرامة ، ومسرة ، ونعمة عين ، وحبا ، ونعام عين ، ولا أفعله ، ولا كيدا ، ولا هما ، ولأفعلنه ورغما وهوانا ، وجاء رفع بعضها ، وطرده ابن عصفور ، ومنه صلفا وكرما في التعجب ، وهل منه غفرانك؟ خلاف.

(ش) من البدل عن فعله سلاما بمعنى براءة منكم لا خير بيننا ولا شر ، ولا يتصرف

__________________

٧٤١ ـ البيت من البسيط ، وهو لورقة بن نوفل في الخزانة ٣ / ٣٨٨ ، ٧ / ٢٣٤ ، ٢٣٦ ، ٢٣٨ ، ٢٤٣ ، ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٣٠ ، والكتاب ١ / ٣٢٦ ، واللسان مادة (سبح ، جمد ، جود) ، ومعجم ما استعجم ص ٣٩١ ، ولزيد بن عمرو بن نفيل في شرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٤ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٣٧ ، ١٢٠ ، ٤ / ٣٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١٩.

٧٤٢ ـ البيت من السريع ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٩٣ ، وأساس البلاغة واللسان مادة (سبح) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٩ ، وجمهرة اللغة ص ٢٧٨ ، والخزانة ١ / ١٨٥ ، ٧ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٨ ، والخصائص ٢ / ٤٣٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٥٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٥ ، وشرح المفصل ١ / ٣٧ ، ١٢٠ ، والكتاب ١ / ٣٢٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٣.

٧٤٣ ـ الرجز بلا نسبة في حاشية ياسين ١ / ١٢٥ ، والخزانة ٧ / ٢٣٤ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٨٠.


بخلاف (سلام) بمعنى التحية فإنه يتصرف ، ومنه حجرا بكسر الحاء يقال للرجل : أتفعل هذا؟ فيقول : حجرا ، أي : منعا ، أي : أمنع نفسي وأبعده وأبرأ منه ، وقال سيبويه ، أي : سترا وبراءة من هذا ، ومنه قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٢٢] ، ولا يتصرف إذا كان مشابا معنى المبادأة والتعوذ ، بخلاف ما إذا كان على أصله من المنع أو الستر من غير أن يشاب هذا المعنى ، فإنه متصرف كقوله تعالى : (لِذِي حِجْرٍ) [الفجر : ٥] ، ومن ذلك عجبا وحمدا وشكرا لا كفرا ، قال ابن مالك : وهي إنشاء.

قال أبو حيان : وكذا قال الشلوبين أيضا ، فقال : إن قلت : كيف يكون هذا مما لا يظهر فعله ، ولا شك أنه يجوز أن تقول : حمدت الله حمدا ، وأحمده حمدا ، فالجواب إنما تكلم سيبويه في (حمد) الذي هو نفس الحمد ، أعني الذي هو صيغة الإنشاء للحمد ، وهذا لا يظهر معه الفعل ، بل يتعاقبان ، والذي أورده المعترض إنما هو محض الخبر عن الحمد لا نفس الحمد.

قال أبو حيان : والذي ذكره ابن عصفور أن هذه الألفاظ خبر ، فإنه قال : عجبا وحمدا وشكرا ثلاثتها مصادر قائمة مقام أفعالها الناصبة لها ، أي : أعجب عجبا ، وأحمد حمدا ، وأشكر شكرا ، وتفارق ويله وأخواتها في أن معنى هذه الخبر ، ومعنى تلك الدعاء ، وتفارق سبحان الله وأخواته وإن كان معناها الخبر من جهة أنها تتصرف فتستعمل مرفوعة كقوله :

٧٤٤ ـ عجب لتلك قضيّة وإقامتي

فيكم على تلك القضيّة أعجب

وتلك لا تتصرف ، وقد سردها سيبويه مع ما هو خبر فقال : «هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ، من ذلك قولك : حمدا وشكرا لا كفرا وعجبا ، وأفعل ذلك وكرامة ومسرة ونعمة عين وحبا ، ونعام عين ، ولا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما ، ولأفعلن ذلك ، ورغما وهوانا ، فإنما ينتصب هذا على إضمار الفعل ، كأنك قلت : أحمد الله حمدا وأشكر الله شكرا وأعجب عجبا وأكرمك كرامة وأسرك مسرة ولا أكاد كيدا ، ولا أهم هما ، وأرغمك رغما ، ثم قال سيبويه : وقد جاء بعض هذا رفعا يبتدأ ، ثم يبنى عليه كقوله : عجب لتلك قضية ... البيت»

__________________

٧٤٤ ـ البيت لهني بن أحمر في الكتاب ١ / ٣١٩ ، واللسان مادة (حيس) ، ولهمام بن مرة في الحماسة الشجرية ١ / ١٥٦ ، ولرؤبة في شرح المفصل ١ / ١١٤ ، وبلا نسبة في السمط ص ٢٨٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٧ ، ١ / ٢١٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٧ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٨.


قال : «وسمعنا بعض العرب يقال له : كيف أصبحت؟ فيقول : حمد الله وثناء عليه ، كأنه يقول : أمري وشأني حمد الله وثناء عليه» ، انتهى.

قال أبو عمرو بن بقي : قول سيبويه : حمدا وشكرا لا كفرا له ، كذا تكلم بالثلاثة مجتمعة ، وقد تفرد ، وعجبا مفرد عنها.

وقال ابن عصفور : لا يستعمل كفرا إلا مع حمدا وشكرا ، ولا يقال أبدا حمدا وحده ، وشكرا إلا أن يظهر الفعل على الجواز ، ولا يلزم الإضمار إلا مع لا كفرا ، فهذه الأمور لما جرت مجرى المثل ينبغي أن يلتزم فيها ما التزمته العرب ، وقال أبو حيان : لا يستعمل (أفعل ذلك وكرامة) إلا جوابا أبدا ، وكأن قائلا قال : افعل ذلك ، أو أتفعله؟ فقلت : أفعله وأكرمك بفعله كرامة ، وأسرك مسرة بعد مسرة ، ولا يستعمل مسرة إلا بعد كرامة ، وكذا نعمى عين بعد (حبا) ، لا يقال : مسرة وكرامة ولا نعمى عين وحبا ، وكرامة هذا اسم موضوع موضع المصدر الذي هو الإكرام ، وكذا نعمة عين ونعام عين اسمان في معني إنعام ونعام عين بضم النون وكسرها وفتحها ، وأنكر الشلوبين الفتح.

و (أكاد) الذي قدره سيبويه في كيدا اختلف فيه فقال الأعلم : هي الناقصة والمعنى ولا أكاد أقارب الفعل ، وحذف الخبر للعلم به ، وقال ابن طاهر : هي التامة والمعنى ولا مقاربة ، وهما من هممت بالشيء ، ولأفعلن ذلك ورغما جواب لمن قال : افعله ، وإن رغم أنفه رغما ، وإن هان هوانا ، قال أبو حيان : «وقول سيبويه : وقد جاء بعض هذا رفعا فيه دليل على أنه لا يطرد ، وبه صرح صاحب «البسيط» ، وهو مخالف لكلام ابن عصفور أنها تستعمل مرفوعة» انتهى.

ومن ذلك قولك في التعجب : كرما وصلفا ، قال سيبويه : لأنه صار بدلا من أكرم به وأصلف ، قال بعضهم : ويقدر ناصبه كرم كرما وصلف صلفا ؛ لأن أبنية التعجب ليس منها ما له مصدر إلا فعل ، ومن ذلك (غفرانك) عده ابن مالك تبعا للزجاجي فيما هو بدل من اللفظ بالفعل ، وقيل : هو من قبيل ما يجوز إظهار ناصبه ، واضطرب كلام ابن عصفور في ذلك فمرة قال بالأول ومرة قال بالثاني.

واختلف هل الفعل الناصب له بمعنى الطلب أو بمعنى الخبر فذهب الزجاج إلى الأول وأن التقدير اغفر غفرانك ، وعزاه السخاوي إلى سيبويه ، وذهب الزمخشري إلى


الثاني وأن التقدير نستغفرك غفرانك ، وذهب بعضهم إلى أنه منصوب على المفعول به ، أي : نطلب أو نسأل غفرانك ، وجوز بعضهم فيه الرفع على الابتداء أو إضمار الخبر ، أي : غفرانك مطلوبنا.

مواضع وجوب حذف عامل المصدر :

(ص) ومنها الواقع في توبيخ مع استفهام أو لا ، للنفس أو غيرها ، أو تفصيل عاقبة طلب ، أو خبر ، أو نائبا عن خبر اسم عين بتكرير أو حصر ، أو مؤكد جملة لا تحتمل غيره ، ويسمى مؤكد نفسه ، أو تحتمل فمؤكد غيره ، ويلزم فيه معرفة البتة ، ولا يقدم عليها في الأصح إلا نحو : أجدك لا تفعل اللازم للإضافة لمناسب الفاعل وإيلائه غالبا (لا) أو (لم) أو (لن) ، وجوز الزجاج توسيطه ، وسيبويه رفعه ، والمبرد الباقي ، ومنها المشبه به مشعرا بحدوث بعد جملة مشتملة على معناه وصاحبه ولا صلاحية للعمل ، ويجوز إتباعه قال ابن خروف : بضعف ، وابن عصفور : سواء ، وهو أولى إن خلت الجملة.

(ش) من المواضع التي يجب فيها حذف عامل المصدر ما وقع في توبيخ سواء مع استفهام كقوله :

٧٤٥ ـ أذلّا إذا شبّ العدى نار حربهم

وزهوا إذا ما يجنحون إلى السّلم؟

أم دونه كقوله :

٧٤٦ ـ خمولا وإهمالا وغيرك مولع

بتثبيت أسباب السّيادة والمجد

سواء كان التوبيخ للمخاطب كما مثل ، وكقوله :

٧٤٧ ـ أطربا وأنت قنّسريّ

__________________

٧٤٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٥٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤١.

٧٤٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٥٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥٠.

٧٤٧ ـ الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٤٨٠ ، واللسان والتاج مادة (دور ، قسر ، قعسر ، قنسر) ، وجمهرة اللغة ص ١١٥١ ، والخزانة ١١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٥٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٨١٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١ ، ٢ / ٧٢٢ ، والكتاب ١ / ٣٣٨ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٨٣ ، ١٤ / ١٥٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٩٩.


أم للنفس كقول عامر بن الطفيل يخاطب نفسه : أغدة كغدة البعير وموتا في بيت سلولية.

ومنها ما وقع تفصيل عاقبة طلب أو خبر ، فالطلب نحو : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤] ، والخبر نحو :

٧٤٨ ـ لأجهدنّ فإمّا درء واقعة

تخشى وإما بلوغ السّؤل والأمل

ومنها ما وقع نائبا عن خبر اسم عين بتكرير أو حصر ، فالتكرير نحو : زيد سيرا سيرا ، أي : يسير ، وكقوله :

٧٤٩ ـ أنا جدا جدّا ولهوك يزدا

د إذن ما إلى اتّفاق سبيل

أي : أجد جدا ، والحصر نحو : إنما زيد سيرا ، وما زيد إلا سيرا ، أي : يسير ، وكقوله :

٧٥٠ ـ ألا إنما المستوجبون تفضّلا

بدارا إلى نيل التّقدّم في الفضل

أي : يبادرون بدارا ، جعل أحد اللفظين في التكرير عوضا من ظهور الفعل ، وقام مقامه في الحصر (إنما) أو (ما) و (إلا) ، فلو كان المخبر عنه اسم معنى وجب رفع المصدر خبرا عنه نحو : جدك جد عظيم ، وإنما بدارك بدار حريص.

ومنها ما وقع مؤكدا لمضمون جملة ، فإن كان لا يتطرق إليها احتمال يزول بالمصدر سمي مؤكدا لنفسه ؛ لأنه بمنزلة تكرير الجملة فكأنه نفس الجملة نحو : (له علي دينار اعترافا) ، وإن كان مفهوم الجملة يتطرق إليه احتمال يزول بالمصدر سمي مؤكدا لغيره ؛ لأنه ليس بمنزلة تكرير الجملة فهو غيرها لفظا ومعنى نحو : أنت ابني حقا.

قال أبو حيان : وهذا المصدر المؤكد به في ضربيه يجوز أن يأتي نكرة ، ومعرفة باللام ، وبالإضافة ، فالنكرة نحو : هذا عبد الله حقا وقطعا ويقينا ، وهو عالم جدا ، والمعرفة نحو : هذا عبد الله الحق لا الباطل ، واليقين لا الشك ، والمضاف نحو : (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] ، و(وَعْدَ اللهِ) [يونس : ٤] ، و(صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة : ١٣٨] ، و(كِتابَ اللهِ)

__________________

٧٤٨ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح ١ / ٣٣٢ ، وشفاء العليل ص ٤٥٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩١.

٧٤٩ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٥٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٣.

٧٥٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٥٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٩.


[النساء : ٢٤] ، وقد التزم في بعضها التعريف فقط نحو : البتة كقولك : لا أفعله البتة ، ومعناه القطع ، ولا أعود إليه البتة ، وأنت طالق البتة.

ثم هذا المصدر المؤكد بضربيه لا يجوز تقديمه على الجملة المؤكدة على الصحيح ، وسببه أن العامل فيه فعل يفسره مضمونها من جهة المعنى ، إن التقدير في له علي دينار اعترافا ، أعترف بذلك اعترافا ، وفي هو ابني حقا ، أحقه حقا ، فأشبه ما العامل فيه معنى الفعل فلم يجز تقديمه قياسا عليه ، وأجاز الزجاج توسيطه فيقال : هذا حقا عبد الله ، قال : لأنه إذا تقدم جزء فقد تقدم ما يدل على الفعل ، واستشهد بقوله :

٧٥١ ـ وكذاكم مصير كلّ أناس

سوف حقّا تبليهم الأيّام

وقوله :

٧٥٢ ـ إني وربّ القائم المهديّ

ما زلت حقّا يا بني عديّ

أخا اعتلال وعلى أديّ

أي : سفر ، وأجاز قوم تقديمه واستدلوا بقولهم : أحقا زيد منطلق؟ وأوله المانعون على أن حقا هنا نصب على الظرف لا على المصدر ، أي : أفي حق زيد منطلق؟ نص عليه سيبويه ، قال ابن مالك رحمه‌الله : «وأما قولهم : أجدك لا تفعل فأجاز فيه الفارسي تقديرين :

أحدهما : أن يكون لا تفعل في موضع الحال.

والثاني : أن يكون أصله أجدك أن لا تفعل ، ثم حذفت أن وبطل عملها ، وزعم الشلوبين أن فيه معنى القسم ولذلك قدم» ، انتهى.

قال أبو حيان : قد أدخله سيبويه في المصدر المؤكد لما قبله وهو بمنزلة أحقا لا تفعل كذا ، ولا تستعمل إلا مضافا ، وغالبا بعد لا أو لم أو لن ، قال في «النهاية» : والاسم المضاف إليه (جد) حقه أن يناسب فاعل الفعل الذي بعده في التكلم والخطاب والغيبة نحو : أجدي أكرمتك ، وأجدك لا تفعل ، وأجدك لم تفعل ، وأجده لم يزرنا ، وعلة ذلك أنه مصدر يؤكد الجملة التي بعده ، فلو أضفته لغير فاعله اختل التوكيد.

__________________

٧٥١ ـ البيت من الخفيف ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥٦.

٧٥٢ ـ الرجز تفرد به السيوطي ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣٠١.


قال أبو حيان : فإن قلت : كيف أدخل سيبويه هذا في المصدر المؤكد لما قبله ، وليس كذلك ؛ لأنك إذا فرضته مؤكدا فإنما يكون مؤكدا لما بعده؟ قلت : إنما هو جواب لمن قال : أنا لا أفعل كذا ، وأنا أفعل كذا ، فبلا شك أن المتكلم يحمل كلامه على الجد ، فهو مجد فيما يقوله ، فإذا قلت : أتجد ذلك جدا ، فهو مؤكد لما قبله.

وجوز سيبويه رفع هذا النوع كله ، أي : المصدر المؤكد بجملة على تقدير الابتداء ويكون لازما الإضمار كالفعل ، فصنع الله مثلا على إضمار (هو) ، أو (ذلك) ، وله علي ألف اعترافا كذلك ، وجوز المبرد رفع باقي الخبر المكرر والمحصور فيقال : زيد سير سير ، وإنما أنت سير.

ومن المواضع التي يجب فيها حذف عامل المصدر ما وقع مشبها به مشعرا بحدوث بعد جملة حاوية فعله وفاعله معنى دون لفظ ، ولا صلاحية للعمل فيه كقولك : مررت به فإذا له صوت صوت حمار ، وله صراخ صراخ الثكلى ، وقوله :

٧٥٣ ـ له صريف صريف القعو بالمسد

واحترزنا بقولنا : «مشعرا بحدوث» عما لا يشعر به نحو : له ذكاء ذكاء الحكماء ، فلا يجوز نصبه ؛ لأن نصب صوت وشبهه إنما يكون لكون ما قبله بمنزلة يفعل مسندا إلى فاعل ؛ إذا التقدير في (وله صوت) وهو يصوت ، فاستقام نصب ما بعده ؛ لاستقامة تقدير الفعل في موضعه ، وذلك لا يمكن في (له ذكاء) فلم يستقم النصب.

وبقولنا : «بعد جملة» عما بعد مفرد نحو : صوته صوت حمار فلا يجوز نصبه ، وبقولنا : «مشتملة ... إلخ» عن نحو : فيها صوت صوت حمار ، وعليه نوح نوح الحمام ، فالنصب في ذلك ضعيف ؛ لأنه لم يشتمل على صاحب الصوت ، فلم يمكن تقديره ب : (يصوت) فوجه النصب على ضعفه أن الصوت يدل على المصوت.

وبقولنا : «ولا صلاحية للعمل» عما يصلح للعمل في المصدر نحو : هو مصوت صوت حمار ، فإن صوت حمار هنا ينتصب (بمصوت) لا بمضمر.

ثم إذا اجتمعت الشروط فإن كان معرفة تعين فيه ما ذكر من النصب على المصدرية

__________________

٧٥٣ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٦ ، وجمهرة اللغة ص ٥٧٨ ، ٧٤١ ، ٩٤٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٠٧ ، والكتاب ١ / ٣٥٥ ، واللسان مادة (صرف ، قذف ، بزل ، قعا) ، وبلا نسبة في اللسان مادة (دخس) ، ومجالس ثعلب ص ٣٢٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥٨.


نحو : له صوت صوت الحمار ، وإن كان نكرة جاز فيه مع ذلك الحالية بتقدير فعل ، أي : يبديه ويخرجه صوت حمار ، ويجوز الرفع في المعرفة والنكرة على الإتباع بدلا فيهما ، ونعتا في النكرة ، وعلى الخبرية بتقدير المبتدأ فيهما ، وجعل ابن خروف النصب في هذا النوع أقوى من الرفع قال : لأن الثاني ليس بالأول فيدخله المجاز والاتساع ، وجعلهما ابن عصفور متكافئين ؛ لأن في الرفع المجاز ، وفي النصب الإضمار ، والإتباع أولى من النصب إن خلت الجملة عن صاحبه كما تقدم.

ما ينوب عن المصدر :

(ص) مسألة : أنابوا عنه صفات كعائذا بك وهنيا ، وأقائما وقد قعدوا ، وأعيانا كتربا وجندلا وفاها لفيك وأأعور وذا ناب ، ولا يقاس وفي الصفات خلف ، والأصح أنها أحوال والأعيان مفعولات ، وسمع رفع ترب ، وقاس سيبويه رفع أعيان غير الدعاء.

(ش) أنابوا عن المصدر اللازم إضمار ناصبه صفات كعائذا بك وهنيا لك ، وأقائما وقد قعد الناس ، وأقاعدا وقد سار الركب ، وهي أسماء فاعلين ، وهنيء من هنؤ كشريف من شرف ، قال بعض المغاربة : وهي موقوفة على السماع ، وزعم بعضهم أن ذلك مقيس عند سيبويه ، يقال لكل من لازم صفة دائبا عليها نحو : أضاحكا وأخارجا.

وأنابوا عنه أيضا أسماء أعيان ، قالوا : تربا وجندلا في معنى تربت يداه ، أي : لا أصاب خيرا ، والترب التراب والجندل الحجارة ، وقالوا : فاها لفيك ، أي : فا الداهية ، ويستعمل هذا في معنى الدعاء ، أي : دهاه الله ، وقيل : ضمير (فاها) للخيبة ، وقالوا : (أأعور وذا ناب) والمقصود به الإنكار ، وأصله أن بني عامر لما قاتلوا بني أسد جعلوا في مقدمتهم عند اللقاء جملا أعور مشوه الخلق ذا ناب وهو السن ، فقال بعض الأسديين ذلك منكرا عليهم ، ولا يقاس هذا النوع إجماعا ، لا يقال : أرضا ولا جبلا ، ورأي الأكثرين أن نصب الصفات المذكورة على الحالية المؤكدة لعاملها الملتزم إضماره ، والتقدير أعوذ وأتقوم وأتقعد ، ونصب الأعيان على المفعولية بفعل مقدر والتقدير أطعمك الله ، أو ألزمك تربا وجندلا ، وألزمك الله فاها لفيك وأتستقبلون أعور وذا ناب.

وذهب المبرد إلى أن هذه الصفات منصوبة على أنها مصادر جاءت على فاعل كالمالح والعافية ، وذهب الشلوبين وغيره إلى أن تربا وجندلا انتصبا انتصاب المصدر ، بدليل جواز دخول اللام ، فيقال : تربا لك ، كما يقال : سقيا لك ، وذهب ابن عصفور وابن خروف إلى أن أعور وذا ناب حال ، والتقدير أتستقبلونه أعور.


وسمع رفع (ترب) على الابتداء وما بعده الخبر قال :

٧٥٤ ـ فترب لأفواه الوشاة وجندل

قال أبو حيان : ولا ينقاس الرفع في أسماء الأعيان التي يدعى بها ، لو قلت : فوها لفيك على قصد الدعاء لم يجز ، وأما غير المدعو بها فقال سيبويه : لو قال : أعور وذو ناب كان مصيبا ، قال أبو حيان : وهو مبتدأ ، خبره مقدر ، أي : مستقبلكم أو مصادفكم.

المفعول له :

شروطه :

(ص) المفعول له شرطه أن يكون مصدرا خلافا ليونس ، معللا ، قيل : ومن أفعال الباطن ، وشرط المتأخرون والأعلم مشاركته لفعله وقتا وفاعلا ، والجرمي والمبرد والرياشي تنكيره ، والأصح أن نصبه نصب المفعول به المصاحب في الأصل جارا لأنواع المصدر ، ولا بفعل من لفظه واجب الإضمار ، فإن فقد شرط جر باللام أو من أو الباء ، قيل : أو في إلا مع أن وأن ، ويكثر معها مقرونا ب : (أل) ، ويقل مجردا ، ومنعه الجزولي ، ويستويان مضافا ، ويجوز تقديمه خلافا لقوم لا تعدده ولو مجرورا.

(ش) قال أبو حيان : تظافرت نصوص النحويين على اشتراط المصدرية في المفعول له ، وذلك أن الباعث إنما هو الحدث لا الذوات ، وزعم يونس أن قوما من العرب يقولون : أما العبيد فذو عبيد بالنصب ، وتأوله على المفعول له ، وإن كان العبيد غير مصدر وأوله الزجاج بتقدير التملك ليصير إلى معنى المصدر ، كأنه قيل : أما تملك العبيد ، أي : مهما تذكره من أجل تملك العبيد.

وشرطه : أن يكون معللا ، بخلاف المصادر التي لا تعليل فيها كقعد جلوسا ، ورجع القهقرى.

وشرط بعض المتأخرين فيه أن يكون من أفعال النفس الباطنة نحو : جاء زيد خوفا ،

__________________

٧٥٤ ـ صدر البيت :

لقد ألب الواشون ألبا لبينهم

وهو من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٨٣ ، وشرح المفصل ١ / ١٢٢ ، والكتاب ١ / ١٣٥ ، والمقتضب ٣ / ٢٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٩.


ورغبة ، بخلاف أفعال الجوارح الظاهرة نحو : جاء زيد قتالا للكفار ، وقراءة للعلم ، فلا يكون مفعولا له.

وشرط الأعلم والمتأخرون مشاركته لفعله في الوقت والفاعل ، نحو : ضربت ابني تأديبا ، بخلاف ما لم يشاركه في الوقت نحو :

٧٥٥ ـ وقد نضّت لنوم ثيابها

لأن النضّ ليس وقت النوم ، أو الفاعل نحو :

٧٥٦ ـ وإنّي لتعروني لذكراك هزّة

ففاعل (تعروني) (هزة) ، وفاعل (ذكرى) الشاعر ، أي : لذكراي إياك ، فيجران باللام ولم يشترط ذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين ، فيجوز عندهم أكرمتك أمس طمعا غدا في معروفك ، وجئت حذر زيد ، ومنه (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرعد : ١٢] ، ففاعل الإرادة هو الله ، والخوف والطمع من الخلق.

وشرط الجرمي والمبرد والرياشي كونه نكرة ، وأنه إن وجدت فيه (أل) فزائدة ؛ لأن المراد ذكر ذات السبب الحامل ، فيكفي فيه النكرة ، فالتعريف زيادة لا يحتاج إليها ، ورده سيبويه والجمهور فإن السبب الحامل قد يكون معلوما عند المخاطب فيحمله عليه فيعرفه ذات السبب ، وأنها المعلومة له ، ولا تنافي بينهما فمجموع الشروط باتفاق واختلاف ستة ، وبقي سابع : وهو ألا يكون من لفظ الفعل ، فإن كان فمفعول مطلق ؛ لأن الشيء لا يكون علة لنفسه ، وهذا الشرط راجع إلى معنى الشروط المذكورة كما قال أبو حيان ، فلذا لم أصرح به.

واختلف في ناصبه فالصحيح وعليه سيبويه والفارسي أن ناصبه مفهم الحدث نصب

__________________

٧٥٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٩٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٥٣ ، واللسان مادة (نضا) ، والتاج مادة (فضل ، نضا) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٢٦ ، ورصف المباني ص ٢٢٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٠٦ ، ٢ / ١٢٤ ، وشرح قطر الندى ص ٢٢٧ ، والمقرب ١ / ١٦١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٨.

٧٥٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٥٧ ، والإنصاف ١ / ٢٥٣ ، والخزانة ٣ / ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣٦ ، واللسان مادة (رمث) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٢٩ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٤٦ ، ٦٤٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٧.


المفعول به المصاحب في الأصل حرف جر ؛ لأنه جواب له ، والجواب أبدا على حسب السؤال ، فقولك في جواب : لم ضربت زيدا؟ ضربته تأديبا ، أصله للتأديب إلا أنه أسقط اللام ونصب ، ولهذا تعاد إليه في مثل ابتغاء الثواب تصدقت له ؛ لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها.

وذهب الكوفيون إلى أنه ينتصب انتصاب المصادر وليس على إسقاط حرف الجر ولذلك لم يترجموا له استغناء بباب المصدر عنه ، وكأنه عندهم من قبيل المصدر المعنوي ، فإذا قلت : ضربت زيدا تأديبا فكأنك قلت : أدبته تأديبا ، وذهب الزجاج فيما نقل ابن عصفور عنه إلى أنه ينتصب بفعل مضمر من لفظه ، فالتقدير في جئت إكراما لك ، أكرمتك إكراما لك حذف الفعل وجعل المصدر عوضا من اللفظ به ، فلذلك لم يظهر.

ومتى فقد شرط من الشروط المتقدمة وجب جره باللام وامتنع النصب ، فمثال فقد المصدرية جئتك للماء وللعشب وللسمر ، ومثال فقد المشاركة البيتان السابقان ، وقد يجر بمن أو الباء ؛ لأنهما في معنى اللام نحو : (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الحشر : ٢١] ، (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، قيل : وقد يجر ب : (في) السببية نحو : «دخلت امرأة النار في هرة» (١) ، ولا يتعين الجر مع أن وأن وإن كانا غير مصدرين ؛ لأنهما يقدران بالمصدر ، وإن لم يتحد فيهما الفاعل أو الوقت ؛ لأن حرف الجر يحذف معهما كثيرا نحو : أزورك أن تحسن إلي أو أنك تحسن إلي.

ولا يتعين النصب أيضا عند استيفاء الشروط ، بل يجوز معه الجر ، ثم إن كان مجردا من اللام والإضافة فالنصب أكثر ، ويقل الجر كالأمثلة السابقة ، ويجوز ضربته لتأديب ، وذهب الجزولي إلى تعين نصبه ومنع جره ، قال الشلوبين : ولا سلف له في ذلك ، وإن كان معرفا باللام فالجر أكثر ، ويقل النصب كقوله :

٧٥٧ ـ لا أقعد الجبن عن الهيجاء

__________________

٧٥٧ ـ الرجز بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢١٧ ، ٢ / ١٢٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٩٨ ، وعمدة الحفاظ مادة (هيج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٠٣.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب خمس من الدواب فواسن يقتلن في الحرم (٣٣١٨) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (٢٦١٩).


وقوله :

٧٥٨ ـ شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا

ويجوز للجبن وللإغارة ، وإن كان مضافا استوى نصبه وجره قال تعالى : (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٦٥] ، وقال (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١] ، ويجوز تقديم المفعول له على عامله ، ومنعه ثعلب وطائفة ، ورد بالسماع قال :

٧٥٩ ـ فما جزعا وربّ النّاس أبكي

وقال :

٧٦٠ ـ طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا يجوز تعدد المفعول له منصوبا كان أو مجرورا ، ومن ثم منع في قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة : ٢٣١] ، فتعلق (لِتَعْتَدُوا) ب : (تُمْسِكُوهُنَ) على جعل (ضرارا) مفعولا له ، وإنما يتعلق به على جعل (ضرارا) حالا.

المفعول فيه :

(ص) وهو ما ضمن من اسم وقت معنى (في) باطراد لواقع فيه ، ولو مقدرا ناصب له ، ويصلح له مبهم الوقت ومختصه ، فإن جاز أن يخبر عنه أو يجر بغير (من) فمتصرف ، إما منصرف ك : (حين) ، أو لا ك : (غدوة) و (بكرة) علمين ، وإلا فغير متصرف كبعيدات بين ، وما عين من بكرة وسحير وضحى وضحوة وصباح وليل ونهار وعتمة وعشاء وعشية ، وقد تمنع ، وجوز الكوفية تصرف ضحى وعتمة وليل أو ممنوع ك : (سحر) معينا مجردا.

__________________

٧٥٨ ـ البيت من البسيط ، وهو لقريط بن أنيف في الخزانة ٦ / ٢٥٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٦٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٧٣ ، ٢٧٧ ، وللعنبري في اللسان مادة (ركب) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٠ ، وجواهر الأدب ص ٤٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٥ ، ٣٦١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٠.

٧٥٩ ـ البيت من الوافر ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١١.

٧٦٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في جواهر الأدب ص ٣٩ ، والخزانة ٤ / ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣١٩ ، ١١ / ١٢٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٤ ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، ٢ / ٢٠٥ ، ومغني اللبيب ص ١٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٢ ، والخصائص ٢ / ٢٨١ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٦٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٩.


(ش) المفعول فيه الذي يسمى ظرفا : ما ضمن من اسم وقت أو مكان معنى (في) باطراد لواقع فيه مذكور أو مقدر ناصب له ، ف «ما ضمن» جنس يشمل الظرف والحال أو السهل والجبل من قول العرب : مطرنا السهل والجبل ، وقولنا : «من اسم وقت أو مكان» يخرج الحال ، وقولنا : «باطراد» يخرج السهل والجبل من المثال المذكور ، فإنه لا يقاس عليه لا في الفعل ولا في الأماكن ، فلا يقال : أخصبنا السهل والجبل ، ولا مطرنا القيعان والتلول ، بل يقتصر فيه على مورد السماع ، بخلاف ما ينصب على الظرفية فإنه يجوز أن يخلف الاسم والفعل غيرهما ، تقول : جلست خلفك ، فيجوز قعدت خلفك ، وجلست أمامك.

والناصب للمفعول فيه هو الفعل الواقع فيه ظاهرا نحو : قمت يوم الجمعة ، وقمت أمامك ، فالقيام واقع في يوم الجمعة وفي الأمام وهو العامل فيه ، أو مقدرا نحو : زيد أمامك ، والقتال يوم الجمعة ، فالعامل فيهما (كائن) أو (مستقر) ، وهو مقدر لا ملفوظ به.

وبدأت في المتن بالكلام على ظرف الزمان فلذا اقتصرت في الحد على ذكره وهو أوسع من المكان ؛ لأن جميع أسماء الزمان صالحة للنصب على الظرفية مبهمة كانت أو مختصة ، والسبب في تعدي الفعل إلى جميع ظروف الزمان قوة دلالته عليه من جهة أن الزمان أحد مدلولي الفعل ، كما أن السبب في تعديته إلى جميع ضروب المصادر قوة الدلالة عليها من حيث يدل عليها من جهة المعنى واللفظ.

فالمبهم ما وقع على قدر من الزمان غير معين كوقت وحين وزمان ، وينصب على جهة التأكيد المعنوي ؛ لأنه لا يزيد على دلالة الفعل ، ومنه (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [الإسراء : ١] ؛ لأن الإسراء لا يكون إلا بالليل ، قال بعضهم : ولا ينكر التأكيد في الظرفية كما لا ينكر في المصدر والحال.

والمختص قسمان معدود وهو ما له مقدار من الزمان معلوم كسنة وشهر ويومين والمحرم وسائر أسماء الشهور والصيف والشتاء ، ولا يعمل فيه من الأفعال إلا ما يتكرر ويتطاول ، فلا يقال : مات زيد يومين ، ومن ثم قدر في (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) [البقرة : ٢٥٩] فألبثه ، وغير معدود وهو أسماء الأيام كالسبت والأحد وما يخصص بالإضافة كيوم الجمل ، أو ب : (أل) كاليوم والليلة ، أو بالصفة كقعدت عندك يوما قعد عندك فيه زيد ، وما أضافت إليه العرب لفظ (شهر) من أعلام الشهور وهو رمضان وربيع الأول وربيع الآخر خاصة.

ثم ظرف الزمان قسمان :


أحدهما : متصرف وهو ما جاز أن يستعمل غير ظرف ، كأن يكون فاعلا أو مبتدأ أو خبرا أو ينتصب مفعولا به أو ينجر بغير (من) ، كسرني يوم الخميس ، ويوم الجمعة مبارك ، واليوم يوم الجمعة ، وأجئت يوم الجمعة ، و(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [النساء : ٧٦] ، ثم هو نوعان منصرف كحين ووقت وساعة وشهر وعام ودهر ، وغير منصرف كغدوة وبكرة علمين قصد بهما التعيين أم لا ؛ لأنه علميتهما جنسية ، فيستعملان استعمال أسامة ، فكما يقال عند قصد التعميم : أسامة شرّ السّباع ، وعند التعيين : هذا أسامة فاحذره ، يقال عند قصد التعميم : غدوة أو بكرة وقت نشاط ، وعند قصد التعيين : لأسيرن الليلة إلى غدوة أو بكرة ، وقد يخلوان من العلمية ؛ بأن ينكرا بعدها فينصرفان ويتصرفان ، ومنه (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢].

قال أبو حيان : جعلت العرب (غدوة) و (بكرة) علمين لهذين الوقتين ، ولم تفعل ذلك في نظائرها كعتمة وضحوة ونحوهما ، وذكر بعضهم أن (بكرة) في الآية إنما نونت لمناسبة (عشيا).

الثاني : غير متصرف بأن لا يخبر عنه ولا يجر بغير (من) ، بل يلزم النصب على الظرفية ، أو يجر ب : (من) ، وإنما لم يحكموا بتصرف ما جر ب : (من) وحدها كعند وقبل وبعد ؛ لأن من كثرت زيادتها فلم يعتد بدخولها على الظرف الذي لا يتصرف ، وهو أيضا نوعان : ممنوع الصرف كسحر إذا كان من يوم بعينه ، وجرد من أل والإضافة نحو : أزورك يوم الجمعة سحر ، وجئتك سحر ، وأنت تريد بذلك من يوم بعينه ، بخلاف ما إذا كان نكرة فإنه ينصرف ويتصرف نحو : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤] ، وكذا إن عرف ب : (أل) أو الإضافة نحو : سير بزيد يوم الجمعة السحر منه ، أو من سحره ، ومنصرف (كبعيدات بين) بمعنى أوقات غير متصلة ، وهي جمع (بعيد) مصغرة ، ومعناه لقيته مرارا متفرقة قريبا بعضها من بعض ، فجمع بعيد يدل على ما أريد من المرار ، وتصغيره يدل على ما أريد من تقاربها ؛ لأن تصغير الظرف المراد به التقريب ، ومنه ما عين من (بكرة) و (سحير) وضحى وضحوة وصباح ومساء وليل ونهار وعتمة وعشاء وعشية ، فهذه الأسماء نكرات أريد بها أزمان معينة ، فوضعت موضع المعارف ، وإن كانت نكرة ولذلك لا تنصرف ، وتوصف بالنكرة تقول : أتيتك يوم الخميس ضحى مرتفعة ، ولقيتك يوم الجمعة عتمة متأخرة ، وقد يمنع (عشية) الصرف فتصير إذ ذاك علما جنسيا كغدوة ، وأجاز الكوفيون تصرف ما عين من عتمة وضحوة وليل ونهار فتقول : سير عليه عتمة وضحوة وليل ونهار.


(ص) ومنه ما لم يضف من مركب الأحيان كصباح مساء ، أي : كل صباح ومساء ويساويه المضاف معنى خلافا للحريري في تخصيصه الفعل بالأول ، وذو وذات مضافين لوقت ، إلا في لغة ، وأنكرها السهيلي في (ذات) ، ويقبح تصرف وصف حين عرض قيامه ، ولم يوصف.

(ش) ألحق بالممنوع التصرف في التزام النصب على الظرفية ما لم يضف من مركب الأحيان كفلان يزورنا صباح مساء ويوم يوم ، أي : كل صباح ومساء ، وكل يوم قال :

٧٦١ ـ ومن لا يصرف الواشين عنه

صباح مساء يضنوه خبالا

وقال :

٧٦٢ ـ آت الرّزق يوم يوم فأجمل

طلبا وابغ للقيامة زادا

وهو مبني حينئذ لتضمنه معنى حرف العطف كخمسة عشر ، بخلاف ما إذا أضيف الصدر إلى العجز فإنه يتصرف فيقع ظرفا وغير ظرف كقوله :

٧٦٣ ـ ولو لا يوم يوم ما أردنا

وقوله :

٧٦٤ ـ وقد علاك مشيب حين لا حين

وكذا إذا لم يركب ، بل عطف نحو : فلان يتعاهدنا صباحا ومساء.

وزعم الحريري في «درة الغواص» أنه فرق بين قولك : يأتينا صباح مساء على الإضافة ، وصباح مساء على التركيب ، وأن الخواص يهمون في ذلك فلا يفرقون بينهما ، وأن الفرق هو أن المراد به مع الإضافة أنه يأتي في الصباح وحده ؛ إذ تقدير الكلام يأتينا في صباح مساء ، والمراد به عند تركيب الاسمين وبنائهما على الفتح أنه يأتي في الصباح

__________________

٧٦١ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٩٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٤.

٧٦٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٩٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٩.

٧٦٣ ـ البيت من الوافر ، وهو للفرزدق في الخزانة ٤ / ٤٦ ، ٤٨ ، و٦ / ٤٤٠ ، والكتاب ٣ / ٣٠٣ ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ١٠٠ ، وأساس البلاغة مادة (يوم) ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦.

٧٦٤ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٥٥٧ ، والخزانة ٣ / ٥٠٢ ، ٤ / ٤٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٣٠ ، والكتاب ٢ / ٣٠٥ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٣٩ ، ٢ / ٢٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٩.


والمساء ؛ لأن الأصل صباحا ومساء فحذف العاطف ، ورد عليه ابن بري بأن هذا الفرق لم يقله أحد ، بل صرح السيرافي بأن سير عليه صباح مساء ، وصباح مساء ، وصباحا ومساء معناهن واحد ، ثم قال : وليس سير عليه صباح مساء مثل قوله : ضربت غلام زيد في أن السير لا يكون إلا في الصباح كما شهر أن الضرب لا يقع إلا بالأول وهو الغلام دون الثاني ؛ لأنك إذا لم ترد أن السير وقع فيهما لم يكن في مجيئك بالمساء فائدة ، وهذا نص واضح.

وألحق العرب أيضا بالممنوع التصرف في التزام النصب على الظرفية (ذا) و (ذات) مضافين إلى زمان نحو : لقيته ذا صباح وذا مساء ، وذات مرة وذات يوم ، وذات ليلة ، قال:

٧٦٥ ـ إذا شدّ العصابة ذات يوم

إلا في لغية لخثعم ، فإنها أجازت فيها التصرف فيقال : سير عليه ذات ليلة برفع (ذات) ، وقال بعض الخثعميين :

٧٦٦ ـ عزمت على إقامة ذي صباح

وزعم السهيلي أن (ذات مرة) و (ذات يوم) لا تتصرف لا في لغة خثعم ولا في غيرها ، وأن الذي يتصرف عندهم إنما هو (ذو) فقط ، ورده أبو حيان بتصريح سيبويه والجمهور بخلاف ذلك ، والسبب في عدم تصرف (ذا) و (ذات) في لغة الجمهور أنهما في الأصل بمعنى صاحب وصاحبة صفتان لظرف محذوف ، والتقدير في (لقيته ذا صباح ومساء) وقت صاحب هذا الاسم ، و (ذات يوم) قطعة ذات يوم ، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه ، فلم يتصرفوا في الصفة ؛ لئلا يكثر التوسع.

وعبارة ابن أبي العافية : فضعف لذلك ولم يستعمل إلا ظرفا ، ولأن إضافتهما من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم وهي قليلة في كلام العرب ، فلم يتصرفوا فيها لذلك ، واستقبح جميع العرب التصرف في صفة حين عرض قيامها مقامه ، ولم توصف كقولك : سير عليه قديما أو حديثا أو طويلا ، فهذه أوصاف عرض حذف موصوفها وانتصب على

__________________

٧٦٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي قيس بن الأسلت في ديوانه ص ٨٨ ، والبيان والتبيين ٣ / ٩٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٩.

٧٦٦ ـ البيت من الوافر ، وهو لأنس بن مدركة ، وتقدم برقم (٣٠٥) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٣.


الظرفية ، فلو تصرف فيها فقيل : سير عليه قديم أو حديث أو طويل ، قبح ذلك فإن لم يعرض قيامها مقامه ، بل استعمل ظرفا وهي في الأصل صفة نحو : (قريب وملي) حسن فيها التصرف نحو : سير عليه قريب ، وسير عليه ملي من النهار ، أي : قطعة من النهار ، ولو وصفت حسن فيها أيضا التصرف نحو : سير عليه طويل من الدهر ؛ لأنها لما وصفت ضارعت الأسماء.

(ص) وما صلح جواب كم أو متى وهو اسم شهر لم يضف إليه شهر ، قيل : أو أضيف ، قال ابن خروف : وكذا شهر مفرد ، وأعلام الأيام ، أو كان الأبد والدهر والليل والنهار مقرونا بأل لا لمبالغة فالفعل واقع في كله تعميما أو توزيعا ، ويجوز في غيرهما التعميم والتبعيض إن صلح ، وتعريف جواب كم ، خلافا لابن السراج ، وإضافة شهر إلى كل الشهور ، وفاقا لسيبويه ، وخلافا للمتأخرين ، وقيل : نصب المعدود والموقت نصب المفعول نيابة عن المصدر ، وقيل : على حذف المصدر.

(ش) ما صلح أن يقع جوابا لكم ولا يصلح أن يكون جوابا لمتى وهو ما كان مؤقتا غير معرف ولا مخصص بصفة نحو : ثلاثة أيام ويومين ، فإنه يصلح أن يكون جواب كم سرت؟ فهذا النوع يكون الفعل في جميعه إما تعميما وإما تقسيطا.

فإذا قلت : سرت يومين أو ثلاثة أيام ، فالسير واقع في اليومين أو الثلاثة من الأول إلى الآخر ، وقد يكون في كل واحد من اليومين أو الثلاثة وإن لم يعم من أول اليوم إلى آخره.

ومن التعميم صمت ثلاثة أيام ، ومن التقسيط أذنت ثلاثة أيام ، ومن الصالح لهما تهجدت ثلاث ليال ، ولا يجوز أن يكون الفعل في أحد الأيام أو الليالي ، ويكون جواب كم نكرة كما ذكر ، ومعرفة كاليومين المعهودين ، وأنكر ابن السراج أن يرد جواب كم معرفة ؛ لأنه من جواب متى ؛ إذ يراد منها الوقت ، وبكم العدد ، وما صلح أن يقع جوابا لمتى فإذا كان اسم شهر غير مضاف إليه لفظة (شهر) فكذلك يكون الفعل واقعا في جميعه تعميما أو تقسيطا نحو : سرت المحرم وسرت صفر يحتمل الأمرين ، واعتكفت المحرم للتعميم ، وأذنت صفر للتقسيط ، وكلها تصلح جواب متى سرت ومتى اعتكفت ومتى أذنت ، وإن كان غير اسم شهر فالعمل مخصوص ببعضه نحو : متى قدمت؟ فيقال : يوم الجمعة ، فيكون القدوم في بعضه ، وكذا إن كان اسم شهر مضافا إليه لفظ (شهر) ، فإنه يجوز أن يكون في بعضه وفي جميعه نحو : قدم زيد شهر رمضان وصمت شهر رمضان ، هذا مذهب


الجمهور ، وزعم الزجاج أنه لا فرق بين المضاف إليه (شهر) وغيره وأنه يجوز أن يكون العمل في بعضه وأن يكون في جميعه.

قال أبو حيان : وهو خلاف نص سيبويه ، قال : والتفرقة بين ذلك بالاستقراء والسماع ، وليس للقياس فيه مجال ، وزعم ابن خروف أن الفرق بين رمضان وشهر رمضان من جهة أن (رمضان) علم ، و (شهر) ليس كذلك إنما هو معرفة بإضافته إلى رمضان ، وكذلك سائر أسماء الشهور.

والعلم واقع على الشخص بجميع صفاته فكذلك أسماء الشهور كالأعلام فلا تقع على بعض الشهر ، قال : وليس كالشهر ؛ لأنه واقع على جزء من الشهر متفرقا أو مجتمعا من جهة أنه ليس علما ، فأجاز أن يقال : سرت الشهر ، وأنت تريد أن السير في بعضه ، وأجاز أن يعمل في الشهر ما لا يتطاول نحو : لقيتك الشهر ، وكذا زعم في أعلام الأيام أنها كأعلام الشهور.

فإذا قلت : سرت السبت أو سرت الخميس لم يكن العمل إلا في جميعهما ؛ لأنهما علمان ، فإذا أضفت إليه يوم أو ليلة فقلت : سرت يوم السبت أو ليلة السبت ، جاز أن يكون السير في بعضه وفي جميعه ؛ لأن تعريفه بالإضافة.

وأجاز لذلك أن يعمل في المضاف إليهما ما لا يتطاول نحو : لقيتك يوم الخميس ، ولم يجزه في الخميس وسائر أيام الأسبوع فلا يقال : لقيتك الخميس ، ولا لقيتك السبت.

قال أبو حيان : وما زعمه باطل ؛ لأن الاسم يتناول مسماه بجملته نكرة أو معرفة علما أو غيره ، وإنما التفرقة بين أسماء الشهور إذا أضيف إليها شهر ، وبينها إذا لم يضف إليها شهر من جهة أنه إذا انفرد الشهر ولم يضف فالعمل في جميعه ؛ لأنه يراد به ثلاثون يومان ولا يجوز أن يكون في بعضه ، وكذلك أسماء الأيام يجوز أن يكون في كلها وفي بعضها ؛ لأنها من قبيل المختص غير المعدود ، ويعمل فيه المتطاول وغيره ، فسواء أضيف إليه يوم أم لا ، انتهى.

وكذا إذا كان جواب متى الأبد والدهر والليل والنهار مقرونة بالألف واللام فإنها مثل رمضان إذا لم يضف إليه (شهر) يكون للتعميم نحو : سير عليه الليل والنهار والدهر والأبد ، ولا يقال : لقيته الليل والنهار وأنت تريد لقاءه في ساعة من الساعات ولا لقيته الدهر والأبد وأنت تريد يوما فيه ، فإن قصدت المبالغة جاز إطلاقه على غير العام نحو : سير عليه الأبد


تريد المبالغة مجازا لا تعميم السير في جميع الأبد ، وما سوى ما ذكر من جواب متى من أعلام الشهور غير المضاف إليها والأبد ونحوه ، وذلك نحو : اليوم والليلة ويوم كذا وليلة كذا ، وأسماء الأيام ، وأشباه ذلك يجوز فيه التعميم والتبعيض إن صلح له.

فالأول نحو : قام زيد اليوم ، والثاني : نحو : لقيت زيدا اليوم ، ويحتملهما نحو : سار زيد اليوم ، وكون ما يكون العمل في جميعه هو ظرف ، وانتصب انتصاب الظروف هو مذهب البصريين ، وزعم الكوفيون أنه ليس بظرف ، وأنه ينتصب انتصاب المشبه بالمفعول ؛ لأن الظرف عندهم ما انتصب على تقدير في ، وإذا عم الفعل الظرف لم يتقدر عندهم فيه (في) ؛ لأن (في) يقتضي عندهم التبعيض وإنما جعلوه مشبها بالمفعول لا مفعولا به ؛ لأنهم رأوه ينتصب بعد الأفعال اللازمة.

قال أبو حيان : وما ذهبوا إليه باطل ؛ لأنهم بنوه على أن (في) تقتضي التبعيض ، وإنما هي للوعاء قال تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) [فصلت : ١٦] ، فأدخل (في) على الأيام ، والفعل واقع في جميعها بدليل (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] ، وقال : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) [الحاقة : ٧] ، فأدخل (في) على ضمير الأيام والليالي مع أن الرؤية متصلة في جميعها ، وذهب بعض النحويين إلى أن ما كان من الظروف معطيا غير ما أعطى الفعل كالظروف المعدودة والمؤقتة فنصبها نصب المفعول على تقدير نيابتها عن المصدر ، ففي سرت يومين كأنه قال : سرت سيرا مقدرا بيومين ؛ لأنه لا دلالة للفعل عليه ، وقيل : هو بمنزلة ضربته سوطا ، أي : سير يومين فحذف ، والصحيح أنه يتعدى إليه بعد حذف الجار فينصبه ، والقولان المحكيان في آخر القولة راجعان إلى أصل الظرف لا إلى مسألة التعميم ، وهما مقابلان لقولي في أول الباب : «لواقع فيه ناصب له».

وبقي مسألة إضافة شهر إلى أسماء الشهور قال أبو حيان : ظاهر كلام «التسهيل» جواز إضافة (شهر) إلى كل أسماء الشهور ، وليس كذلك فلم تستعمل العرب من أسماء الشهور مضافا إليه شهر إلا رمضان وربيع الأول وربيع الآخر ، وأما غير هذه الثلاثة فلا يضاف إليه شهر ، لا يقال : شهر المحرم ولا شهر صفر ولا شهر جمادى ، قال : إلا أن في كلام سيبويه ما يخالف هذا فإنه أضاف (شهر) إلى ذي القعدة ، قال : وبهذا أخذ أكثر النحويين ، فأجازوا إضافة (شهر) إلى سائر أعلام الشهور ، ولم يخصوا ذلك بالثلاثة التي ذكرناها انتهى.


أنواع ما يصلح للظرفية من الأمكنة :

(ص) مسألة : يصلح للظرفية من الأمكنة ما دل على مقدر ، وفي كونه مبهما خلاف ، وما لا يعرف إلا بإضافة ، أو جرى مجراه باطراد ، ومنعه الكوفية إلا بإضافة لا تختص إلا بفي ونحوها ، وألحق به ما قرن بدخلت ، وقيل : هو مفعول به ، وقيل : اتساع ، وقيل : يجب النصب إن اتسع المدخول لا إن ضاق ، قال الفراء : وكذا ذهبت وانطلقت ، وابن الطراوة : والطريق مطلقا ، وألحق به قياسا ما اشتق من الواقع فيه ، وسماعا عند سيبويه ، والجمهور ما دل على قرب أو بعد كهو مني مزجر الكلب.

(ش) الذي يصلح للظرفية ويتعدى إليه الفعل من الأمكنة أربعة أنواع :

أحدها : ما دل على مقدار ويعبر عنه بمقدر قال أبو حيان : وهما متقاربان نحو : ميل وفرسخ وبريد وغلوة ، وهذا النوع اختلف فيه هل هو داخل تحت حد المبهم أم لا؟ فالشلوبين على الثاني ؛ لأن المبهم ما لا نهاية له ولا حدود محصورة ، وهذه الظروف المقدرة لها نهاية معروفة وحدود محصورة ؛ لأن الميل مقدار معلوم من المسافة ، وكذا الباقي ، والفارسي وغيره على الأول ؛ لأنه إنما يرجع تقديرها إلى السماع ألا ترى أن الغلوة مائة باع ، والميل عشرة غلاء ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والبريد أربعة فراسخ ، والباع لا ينضبط إلا بتقريب ؛ لأنه يزيد وينقص ، فيلزم أن تكون هذه المقدرات غير محققة النهاية والحدود ، بل تحديدها على جهة التقريب.

قال أبو حيان : والصحيح أنه شبيه بالمبهم ولذلك وصل إليه الفعل بنفسه ، وما ذكر من أن هذا المقدار ينصبه الفعل نصب الظرف هو قول النحويين ، إلا السهيلي فإنه زعم أن انتصاب هذا النوع انتصاب المصادر لا انتصاب الظروف ؛ لأنه لا يقدر بفي ولا يعمل فيه إلا ما كان في معنى المشي والحركة ، لا يقال : قعدت ميلا ، ولا رقدت ميلا ، والظرف يقع فيه كل ناصب له فهو اسم لخطى معدودة ، فكما أن سرت خطوة مصدر فكذلك سرت ميلا ونحوه.

الثاني : ما لا تعرف حقيقته بنفسه ، بل ما يضاف إليه كمكان وناحية ووراء ، وأمام ووجه وجهة وكجنابتي في قولهم : (هما خطان جنابتي أنفها) يعنون خطين اكتنفا جنبي أنف الظبية ، و (كجنبي) في قوله :


٧٦٧ ـ جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل

وكأقطار في قولهم : قومك أقطار البلاد ، وسواء في جواز نصب ما ذكر على الظرف المبهم والمبين.

وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز نصب المبهم ؛ لعدم الفائدة ، بل لا بد من وصف يخصصه ، وما في حكمه نحو : قعدت مكانا صالحا وكذلك في الجهة ، ولا يقال : قعدت قداما ولا خلفا إلا على الحال ؛ كأنك قلت : متقدما ومتأخرا ، فإن خصصت بالإضافة جاز نحو : قعدت قدامك وخلفك.

الثالث : ما جرى مجراه باطراد ، قال ابن مالك : وذلك صفة المكان الغالبة نحو : هم قريبا منك ، وشرقي المسجد ، ومصادر قامت مقام مضاف إليها تقديرا نحو قولهم : قرب الدار ، ووزن الجبل وزنته ، قال : والمراد بالاطراد ألا تختص ظرفيته بعامل ما كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه ، وجعل أبو حيان من ذلك قبلك ونحوك وقرابتك بمعنى قريبا إلا أنه أشد مبالغة ، قال : وشرقي منسوب إلى الشرق ومعناه المكان الذي يلي الشرق ، قال : وذكر سيبويه من هذا النوع هو قصدك وهو صددك وهو صقبك.

وسواء في هذا النوع وما قبله النكرة والمعرفة هذا مذهب البصريين ، وأما الكوفيون فلا يكون ظرف المكان عندهم إلا معرفة بالإضافة ، فإن كان نكرة فليس بظرف نحو : قام عبد الله خلفا ووراء بمعنى متأخرا وقداما بمعنى متقدما ، أما المختص وهو الذي له اسم من جهة نفسه كالدار والمسجد والحانوت ، وقيل : هو ما كان لفظه مختصا ببعض الأماكن دون بعض ، وقيل : ما كان له أقطار تحصره ونهايات تحيط به ، فلا يتعدى إليه الفعل إلا بواسطة (في) إذا أريد معنى الظرفية كجلست في الدار ، إلا ما سمع من ذلك بدونها فإنه يحفظ ولا يقاس عليه ، وهو كل مكان مختص مع (دخلت) نحو : دخلت الدار والمسجد.

فمذهب سيبويه والمحققين أنه منصوب على الظرف تشبيها للمختص بغير المختص ، وذهب الفارسي ومن وافقه إلى أنه مما حذف منه (في) اتساعا ، فانتصب على المفعول به ، وذهب الأخفش وجماعة إلى أنه مما يتعدى بنفسه فهو مفعول به على الأصل لا على الاتساع ، وذهب السهيلي إلى أنه اتسع المدخول فيه حتى يكون كالبلد العظيم ، كان النصب

__________________

٧٦٧ ـ البيت من البسيط ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١١٣ ، والاشتقاق ص ٣٤ ، والخزانة ٨ / ٣٩٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٩ ، والكتاب ١ / ٤٠٦ ، واللسان مادة (حنا ، صيل) ، والتاج مادة (حنا) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٠.


لا بد منه كدخلت العراق ، ويقبح أن يقال : دخلت في العراق وإن ضاق بعد النصب جدا ؛ لأن الدخول قد صار ولوجا وتقحما كدخلت في البئر ، وأدخلت أصبعي في الحلقة.

قال أبو حيان : وسكت عن المتوسط ، وقياس تفصيله أنه يجوز فيه الوجهان التعدي بنفسه وبواسطة (في) ، وألحق الفراء ب : (دخلت) (ذهبت) و (انطلقت) فقال : العرب عدت إلى أسماء الأماكن دخلت وذهبت وانطلقت ، وحكي أنهم يقولون : دخلت الكوفة ، وذهبت اليمن ، وانطلقت الشام ، قال أبو حيان : وهذا شيء لم يحفظه سيبويه ولا غيره من البصريين ، والفراء ثقة فيما ينقله ، وقال المبرد : ذهبت ليس من هذا الباب ، بل هو مما أسقط منه حرف الجر وهو (إلى) لا (في) ، ومما سمع نصبه (الطريق) قال :

٧٦٨ ـ كما عسل الطّريق الثّعلب

أي : في الطريق ، وهو ضرورة كقوله :

٧٦٩ ـ قالا خيمتي أمّ معبد

أي : في خيمتي ، وذهب بعضهم إلى أن انتصاب (الطريق) ظرفا يجوز في الاختيار ، وأنه مشهور في كلام العرب ومقيس ، واختاره ابن الطراوة.

النوع الرابع : ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه كمقعد ومرقد ومصلى ومعتكف نحو : قعدت مقعد زيد وقعودي مقعد زيد ، أي : فيه ، وهو مقيس بشرط أن يكون العامل فيه أصله المشتق منه ، ولا يجوز أن يعمل فيه غيره فلا يقال : ضحكت مجلس زيد ، أي : فيه ، وما سمع من نصب ذلك يقتصر فيه على السماع ولا يقاس نحو : هو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار ومنزلة الولد ، أي : في القرب ومناط الثريا ومزجر الكلب ، أي : في الارتفاع والبعد وأشباه ذلك مما دل على قرب أو بعد ، وما ذكرناه من الاقتصار فيه على السماع هو مذهب سيبويه والجمهور ، فلا يقال : هو مني مجلسك ، ومتكأ زيد ، ومربط الفرس ، ومعقد الشراك ، ولا هو مني مقعد القابلة ، ومزجر الكلب بمعنى المكان الذي

__________________

٧٦٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لساعدة بن جؤية في شرح أشعار الهذليين ص ١١٢٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٣ ، والخزانة ٣ / ٨٣ ، ٨٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥ ، والكتاب ١ / ٣٦ ، ٢١٤ ، واللسان مادة (وسط ، عسل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٣.

٧٦٩ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٣٠٥ ، واللسان مادة (قيل) ، والمقرب ١ / ١٤٧ ، وهو من قصيدة في بلاغات النساء ص ٦٧ ، والفائق ١ / ٧٨ ، وديوان حسان بن ثابت ص ١٤٢ (طبعة الصاوي) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٧.


يقعد فيه ويزجر ؛ لأن العرب لم تستعملها إلا على معنى التمثيل للقرب والبعد ، وذهب الكسائي إلى أن ذلك مقيس.

أنواع الظروف المكانية :

(ص) مسألة : كثر تصرف يمين وشمال وذات مضافا إليهما ، ومكان ، وندر في وسط ساكنا ، والمتحرك اسم ، وقال الكوفية : ظرفان ، والفراء : ما حسن فيه (بين) ظرف والأحسن تسكينه ، وما لا اسم والأحسن تحريكه ، وثعلب والمرزوقي : ما كان أجزاء تنفصل سكن ، وما لا حرك ، ومما عدم فيه بدل لا بمعنى بديل ، وأنكر الكوفية ظرفيته ، ومكان بمعناه ، وحول وحوالي وحولي وأحوالي وأحوال وحوال ، ووزن الجبل وزنة الجبل ، وصددك وصقبك وسوى ، ويقال : سوى وسوى وسواء.

وقال الزجاجي وابن مالك : هي اسم متصرف ، والرماني وأبو البقاء وابن هشام : ظرف كثيرا وغيره قليلا ، ويستثنى ويوصف بها ك : (غير) ، فتضاف لمعرفة وكذا نكرة في الأصح ، وزعم عبد الدائم بناء (سواء) على الفتح ، وترد بمعنى وسط ، وسوى بمعنى مستو ، وشطر بمعنى نحو ، ذكره أبو حيان ، وعند مثلث العين لمكان الحضور والقرب حسا أو معنى ، وتأتي لزمانه وبمعناها (لدى) معربة لا بمعنى (لدن) في الأصح ، ولكن لا تجر أصلا ولا تكون ظرفا للمعاني بخلاف (عند) ، ولا تطلق على غائب وفاقا للحريري والعسكري وابن الشجري ، وخلافا للمعري ، وتقلب ألفها مع الضمير لا غيره غالبا.

(ش) الظروف المكانية أنواع : أحدها : ما كثر فيه التصرف وهو الاستعمال غير ظرف مبتدأ وفاعلا ونائبا ومضافا إليه ، وهو يمين وشمال نحو : جلست يمين زيد وشمال بكر ، ويمين الطريق أسهل ، وشمال الطريق أقرب ، وقال تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧] ، و (ذات) مضافة إليهما قال تعالى : (تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) [الكهف : ١٧] ، وقال الشاعر :

٧٧٠ ـ وكان الكأس مجراها اليمينا

__________________

٧٧٠ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص ٦٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٧٢ ، والكتاب ١ / ٢٢٢ ، ٤٠٥ ، واللسان مادة (صبن) ، ولعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ٢١٣ ، ولعمرو بن عدي أو لعمرو بن كلثوم في الخزانة ٨ / ٢٧٢ ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٣٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩١.


وتقول : دارك ذات اليمين ، ومنازلهم ذات الشمال ، ومكان نحو : اجلس مكانك ، ومكانك حسن.

الثاني : ما ندر فيه التصرف كوسط ساكن السين ، قال ابن مالك : تجرده عن الظرفية قليل لا يكاد يعرف ، ومنه قوله يصف سحابا :

٧٧١ ـ وسطه كاليراع أو سرج المج

دل طورا يخبو وطورا ينير

فوسطه مبتدأ خبره كاليراع ، أما وسط المتحرك السين فاسم ، قال في «البسيط» : جعلوا الساكن ظرفا والمتحرك اسم ظرف ، فالأول نحو : زيد وسط الدار ، والثاني نحو : ضربت وسطه ، وقال الفراء : إذا حسنت فيه (بين) كان ظرفا نحو : قعد وسط القوم ، وإن لم يحسن فاسم نحو : احتجم وسط رأسه ، ويجوز في كل منهما التسكين والتحريك لكن السكون أحسن في الظرف ، والتحريك أحسن في الاسم ، وأما بقية الكوفيين فلا يفرقون بينهما ويجعلونهما ظرفين إلا أن ثعلب قال : يقال : وسط بالسكون في المتفرق الأجزاء نحو : وسط القوم ، ووسط بالتحريك فيما لا تتفرق أجزاؤه نحو : وسط الرأس ، وتابعه المرزوقي قاله أبو حيان ، وقول الفرزدق :

٧٧٢ ـ أتته بمجلوم كأنّ جبينه

صلاية ورس وسطها قد تفلّقا

شاذ من حيث استعمال (وسط) مرفوعا بالابتداء ، وعند الكوفيين من حيث استعماله فيما لا تتفرق أجزاؤه وهو الصلاية.

الثالث : ما عدم فيه التصرف فلم يخرج عن الظرفية أصلا وهو ألفاظ منها (بدل) لا بمعنى بديل نحو : هذا بدل هذا ، أي : مكان هذا ، قال أبو حيان : ولم يذكر الكوفيون (بدل) ظرف مكان وإنما ذكره البصريون ، وإذا استعمل (مكان) بمعناه لم يتصرف أيضا ، ومنها (حول) و (حوالي) و (حولي) و (حوالي) و (أحوالي) وحوال وأحوال ، قال تعالى :

__________________

٧٧١ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ٨٥ ، واللسان مادة (وسط) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٠.

٧٧٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٥٩٦ (طبعة الصاوي) ، والخزانة ٣ / ٩٢ ، ٩٦ ، والخصائص ٢ / ٣٦٩ ، واللسان مادة (وسط ، جلم) ، والتاج مادة (جلم) ، ونوادر أبي زيد ص ١٦٣ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٥٨ ، وشرح الرضي ١ / ٥٠٠ ، والمسائل العضديات ص ١٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٦.


(فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) [البقرة : ١٧] ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم حوالينا ولا علينا» (١) ، وقال الشاعر :

٧٧٣ ـ ماء رواء ونصيّ حوليه

وقال :

٧٧٤ ـ ألست ترى السّمّار والنّاس أحوالي

ومنها فيما ذكر سيبويه (زنة الجبل) ، أي : حذاءه متصلا به ، و (وزن الجبل) ، أي : ناحية تقابله قريبة كانت أو بعيدة ، و (صددك) و (صقبك) ، لكن قال أبو حيان : يجوز أن يستعمل اسما ؛ إذ قياس كل ظرف أن يتصرف فيه إلا إن نقل أنه مما يلزم أن يكون ظرفا ، قال أبو حيان : ومما أهمل النحويون ذكره من الظروف التي لا تتصرف (شطر) بمعنى نحو : قال تعالى (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٥٠] ، وقال الشاعر :

٧٧٥ ـ أقول لأمّ زنباع أقيمي

صدور العيس شطر بني تميم

وقال :

٧٧٦ ـ تعدو بنا شطر نجد وهي عائدة

__________________

٧٧٣ ـ الرجز لزفيان السعدي في ديوانه ص ١٠٠ ، والخصائص ١ / ٣٣٢ ، واللسان مادة (زيز ، روي ، زبي) ، ونوادر أبي زيد ص ٩٧ ، وبلا نسبة في اللسان مادة (أبي) ، (حول) ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢٤١ ، ١٣ / ٢٧٠ ، ٢٧٩ ، ١٥ / ٣١٣ ، والتاج مادة (زبي) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٩٨.

٧٧٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣١ ، واللسان والتاج مادة (حول) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٨.

٧٧٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي زنباع الجذامي في اللسان مادة (شطر) ، ولأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٣٦٣ ، وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٠٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٣.

٧٧٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لعمرو بن أحمر في ديوانه ص ٣ ، والخزانة ٦ / ٢٥٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة (٩٣٣) ، ومسلم ، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء (٨٩٧).


ومن جرها بمن قوله :

٧٧٧ ـ وقد أظلّكم من شطر ثغركم

هول له ظلم يغشاكم قطعا

ومنها سوى بكسر السين وضمها مقصورا ، وسواء بفتحها وكسرها ممدودا ، وعدم تصرفها بأن تلزم الظرفية مذهب سيبويه والجمهور ؛ لأنها بمعنى مكانك الذي يدخله معنى (عوضك) و (بدلك) ، فكما أنك إذا قلت : مررت برجل مكانك ، أي : عوضك وبدلك لا يتصرف ، فكذا ما هو بمعناه ، وسبب ذلك أن مكانا بهذا المعنى ليس بمكان حقيقي ؛ لأن مكان الشيء حقيقة إنما هو موضعه ومستقره ، فلما كانت الظرفية على طريقة المجاز لم يتصرفوا به كما يتصرفون في الظروف الحقيقية ، وذهب جماعة منهم الرماني وأبو البقاء العكبري إلى أنها ظرف متمكن ، أي : يستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا.

قال ابن هشام في «التوضيح» : وإليه أذهب ، ونقله في «البسيط» عن الكوفيين ، وذهب الزجاجي وابن مالك إلى أنها ليست ظرفا البتة فإنها اسم مرادف ل : (غير) فكما أن (غير) لا تكون ظرفا ، ولا يلتزم فيها النصب فكذلك سوى وحكم المقصورة والممدودة فيما ذكر على الأقوال الثلاثة سواء نص عليه الأبذي ، وحكم المكسورةو المضمومة أيضا سواء ، نص عليه ابن مالك وابن عصفور ، ومن تصرفها ما حكي (أتاني سواؤك) ، وقوله:

٧٧٨ ـ فسواك بائعها وأنت المشتري

وقوله :

٧٧٩ ـ ولم يبق سوى العدوان

__________________

٧٧٧ ـ البيت من البسيط ، وهو للقيط بن يعمر في ديوانه ص ٤٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٢.

٧٧٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لابن المولى محمد عن عبد الله في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٧٦١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٥ ، ومعجم الشعراء ص ٣٤٢ ، والحماسة البصرية ١ / ١٨٤ ، والحماسة المغربية ص ٣١٩ ، وبلا نسبة في الأغاني ١٠ / ١٤٥ ، والحيوان ٦ / ٥٠٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٥ ، ٢ / ١٥٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٠.

٧٧٩ ـ البيت من الهزج ، وهو للفند الزماني (شهل بن شيبان) في أمالي القالي ١ / ٢٦٠ ، وحماسة البحتري ص ٥٦ ، والخزانة ٣ / ٤٣١ ، والسمط ص ٩٤٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٨١ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٦ ، ٢ / ١٥٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٣.


وقوله :

٧٨٠ ـ أأترك ليلى ليس بيني وبينها

سوى ليلة إنّي إذن لصبور

وقوله :

٧٨١ ـ ذكرك الله عند ذكر سواه

صارف عن فؤادك الغفلات

وقوله :

٧٨٢ ـ معلّل بسواء الحقّ مكذوب

وقوله :

٧٨٣ ـ فإنّ أخا سوائكم الوحيد

وقوله :

٧٨٤ ـ وما قصدت من أهلها لسوائكا

والأشهر في سوى لغة الكسر والقصر ، ولغة الضم والقصر حكاها الأخفش ، ولغة الفتح والمد حكاها سيبويه ، ولغة الكسر والمد حكاها ابن الخباز في شرح «ألفية ابن معط» ، وزعم عبد الدائم بن مرزوق القيرواني أن (سواء) الممدودة مبنية على الفتح ؛

__________________

٧٨٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لمجنون ليلى في ديوانه ص ١٠٨ ، وجواهر الأدب ص ٢٨٢ ، ومصارع العشاق ٢ / ١٠٠ ، ولأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص ٢٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣١٩ ، وللمجنون أو لأبي دهبل في أمالي المرتضى ١ / ١١٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٦ ، ٢ / ١٥٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٣.

٧٨١ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية ٣ / ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٣.

٧٨٢ ـ صدر البيت :

وكلّ من ظنّ أنّ الموت مخطئه

والبيت من البسيط ، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٢٩٤ ، والإنصاف ١ / ٢٩٥ ، والخزانة ٣ / ٤٣٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٤ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٥ ، ٢ / ١٥٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٩.

٧٨٣ ـ الشطر من الوافر ، تفرد به السيوطي ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.

٧٨٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٣٩ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٦٤ ، ١٧٢ ، والأضداد ص ٤٤ ، ١٩٨ ، والخزانة ٣ / ٤٣٥ ، ٤٣٨ ، ٤٤١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٧ ، والكتاب ١ / ٣٢ ، ٤٠٨ ، واللسان والتاج مادة (جنف ، سوا) ، ٢ / ٨٤ ، والصاحبي ص ١٥٤ ، والمحتسب ٢ / ١٥٠ ، والمقتضب ٤ / ٣٤٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٧.


لتضمنها معنى إلا ، قال أبو حيان : والذي حمله على ذلك أنه رآها لازمة الفتح لا تتغير بوجوه الإعراب تغير (غير).

والصحيح أن فتحها إعراب وهي لازمة الظرفية فلذلك لم ترفع ولم تجر ، قال : ويلزمه أن يقول ببناء سوى وسوى ، أو يبدي فرقا بينها وبين هذين ، أما سواء بمعنى وسط نحو : (سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] ، أو بمعنى مستو نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] فمعربة إجماعا ، وكذا سواء بمعنى (حذاء) نحو : زيد سواء عمرو ، ويستعمل سوى ك : (غير) فيستثنى بها نحو : قام القوم سوى زيد ، وما في الدار سوى حمار ، قال :

٧٨٥ ـ كلّ سعي سوى الذي يورث الفو

ز فعقباه حسرة وخسار

وقال :

٧٨٦ ـ لم ألف في الدّار ذا نطق سوى طلل

ويوصف بها نحو : جاءني رجل سوى زيد قال :

٧٨٧ ـ أصابهم بلاء كان فيهم

سوى ما قد أصاب بني النّضير

وتنفرد (سوى) عن (غير) بأنها تلزم الإضافة لفظا ، بخلاف (غير) فإنها تقطع عنها لفظا وتنوى كما سيأتي ، ولا يتعرض على هذا بقوله تعالى : (مَكاناً سُوىً) [طه : ٥٨] ، فإن (سوى) فيه بمعنى مستو وليس الكلام فيه ويضاف (سوى) إلى المعرفة والنكرة كالبيتين السابقين.

وقيل : إنها تنفرد عن (غير) بأنها لا تضاف إلا إلى معرفة بخلاف (غير) فإنها تضاف إليهما ، ورده أبو حيان بقوله : (سوى طلل) و (سوى ليلة) ، وهما نكرتان.

ومنها (عند) وهي لبيان كون مظروفها حاضرا حسا أو معنى ، أو قريبا حسا أو معنى ،

__________________

٧٨٥ ـ البيت من الخفيف ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٢.

٧٨٦ ـ عجز البيت :

قد كاد يعفو وما بالعهد من قدم

والبيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية ٣ / ١١٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٩.

٧٨٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٤٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٣.


فالأول نحو : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [النمل : ٤٠] ، والثاني نحو : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) [النمل : ٤٠] ، والثالث نحو : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [النجم ١٤ ـ ١٥] ، والرابع نحو : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥] ، (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) [التحريم : ١١] ، (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) [ص : ٤٧] ، (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦].

وقد ترد للزمان نحو : «الصبر عند الصدمة الأولى» (١) ، ولم تستعمل إلا منصوبة على الظرفية كما مثل ، أو مجرورة بمن نحو : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) [الكهف : ٦٥] ، وإنما لم تتصرف لشدة توغلها في الإبهام ؛ لأنها تصدق على الجهات الست ، والأشهر كسر عينها ، ومن العرب من يفتحها ، ومنهم من يضمها.

ومنها (لدى) وهي بمعنى عند لا بمعنى لدن في الأفصح ، ومن ثم كانت معربة لكن تفارق (لدى) (عند) من أوجه :

أحدها : أنها لا تجر أصلا ، و (عند) تجر بمن كما تقدم.

الثاني : أن (عند) تكون ظرفا للأعيان والمعاني كما تقدم ، و (لدى) لا تكون ظرفا للمعاني ، بل للأعيان خاصة ، يقال : عندي هذا القول صواب ، ولا يجوز : لدي ، ذكره ابن الشجري في «أماليه» ، ومبرمان في «حواشيه».

الثالث : أنك تقول : عندي مال وإن كان غائبا ، ولا تقول : لديّ مال إلا إذا كان حاضرا ، قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجري ، وزعم المعري أنه لا فرق بين (لدى) و (عند).

قال ابن هشام في «المغني» : وقول غيره أولى ، وتقلب ألف (لدى) مع الضمير ياء ك : (عليّ وإليّ) قال تعالى : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥] ، (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) [آل عمران : ٤٤] ، لا مع الظاهر نحو : (لَدَى الْحَناجِرِ) [غافر : ١٨] ، (لَدَى الْبابِ) [يوسف : ٢٥].

ومن العرب من يقر الألف مع المضمر أيضا كالظاهر ، وكذا إلى وعلى قال :

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب زيارة القبور (١٢٨٣) ، ومسلم ، كتاب الجنائز ، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى (٩٢٦).


٧٨٨ ـ إلى كم يا خناعة لا إلانا

عزا الناس الضّراعة والهوانا

فلو برأت عقولكم بصرتم

بأنّ دواء دائكم لدانا

وذلكم إذا واثقتمونا

على نصر اعتمادكم علانا

التوسع في الظرف المتصرّف :

(ص) مسألة : يتوسع في المتصرف فيجعل مفعولا به ويضمر غير مقرون ب : (في) ، ويضاف ويسند إليه لا إن كان العامل حرفا أو اسما جامدا ولا متعديا لثلاثة على الأصح ، قيل : أو اثنين ، ولا كان إن عملت فيه على الأصح.

(ش) التوسع : جعل الظرف مفعولا به على طريق المجاز فيسوغ حينئذ إضماره غير مقرون ب : (في) نحو : اليوم سرته ، ولا يجوز ذلك في المنصوب على الظرف ، بل إذا أضمر وجب التصريح ب : (في) ؛ لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها ، فيقال : اليوم سرت فيه ، وسواء في التوسع ظرف الزمان والمكان فالأول نحو :

٧٨٩ ـ ويوم شهدناه سليما وعامرا

٧٩٠ ـ يا ربّ يوم لي لا أظلّله

الثاني نحو :

٧٩١ ـ ومشرب أشربه وشيل

والأصل : شهدنا فيه وأظلل فيه وأشرب فيه ، ويجوز حينئذ الإضافة إليه على طريق الفاعلية نحو : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣].

__________________

٧٨٨ ـ الأبيات من الوافر ، وهي بلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٧.

٧٨٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لرجل من بني عامر في شرح المفصل ٢ / ٤٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٨ ، والخزانة ٧ / ١٨١ ، ٨ / ٢٠٢ ، ١٠ / ١٧٤ ، واللسان مادة (جزي) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٠٣ ، والمقتضب ٣ / ١٠٥ ، والمقرب ١ / ١٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠١.

٧٩٠ ـ الرجز لأبي مروان في شرح التصريح ٢ / ٣٤٦ ، ولأبي الهجنجد في شرح شواهد المغني ١ / ٤٤٨ ، ولأبي ثروان في المقاصد النحوية ٤ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٣٥١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٨ ، والخزانة ٢ / ٣٩٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٣ ، ٣ / ٧٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٩٨١ ، وشرح المفصل ٤ / ٨٧ ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٥.

٧٩١ ـ الرجز لأحيحة بن الجلّاح في المقاصد النحوية ٤ / ٣٦ ، وبلا نسبة في كتاب الجيم ٢ / ١ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٤٦.


٧٩٢ ـ يا سارق اللّيلة أهل الدّار

والمفعولية نحو : (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] ، (يا مسروق الليلة أهل الدار).

ولا تصح الإضافة عند إرادة الظرف ؛ لأن تقدير (في) يحول بين المضاف والمضاف إليه فتمتنع ، قاله الفارسي ، ولأن الخافض إذا دخل على الظرف يخرجه عن الظرفية ، قاله ابن عصفور ويجوز حينئذ الإسناد إليه نحو : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [إبراهيم : ١٨] ، (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) [الإنسان : ١٠].

٧٩٣ ـ صيد عليه اللّيل والنّهار

قال بعضهم : ويؤكد ويبدل ويستثنى منه ، ولا يجوز ذلك في الظرف غير المتوسع فيه ، قال صاحب «البسيط» : وفي هذا نظر.

وللتوسع شروط :

الأول : أن يكون الظرف متصرفا فما لزم الظرفية لا يتوسع فيه ؛ لأن التوسع مناف لعدم التصرف ؛ إذ يلزم منه أن يسند إليه ويضاف إليه.

والثاني والثالث : ألا يكون العامل حرفا ولا اسما جامدا ؛ لأنهما يعملان في الظرف لا في المفعول به والمتوسّع فيه مشبه بالمفعول به فلا يعملان فيه.

الرابع : ألا يكون فعلا متعديا إلى ثلاثة ؛ لأن الاتساع في اللازم له ما يشبه به وهو المتعدي إلى واحد ، والاتساع في المتعدي إلى واحد له ما يشبه به وهو المتعدي إلى اثنين ، والاتساع في المتعدي إلى اثنين له ما يشبه به وهو المتعدي إلى ثلاثة ، فيجوز فيها ، وأما ما يتعدى إلى ثلاثة فليس له ما يشبه به ؛ إذ ليس لنا فعل يتعدى إلى أربعة فيمنع ، هذا ما صححه ابن مالك ، ونسبه ابن عصفور للأكثرين وعزاه غيره للمبرد ، وقيل : يجوز في المتعدي إلى ثلاثة أيضا ونسبه ابن خروف إلى سيبويه ، وأبو حيان إلى الجمهور ، ولا مبالاة بعدم النظير ، وإلا لم يجز في اللازم ؛ إذ لم يعهد نصبه المفعول ، وإنما جاز فيه لضرب من المجاز فكذا هنا ، وقيل : يمتنع الاتساع مع المتعدي إلى اثنين أيضا ؛ لأنه ليس له أصل

__________________

٧٩٢ ـ الرجز بلا نسبة في الخزانة ٣ / ١٠٨ ، ٤ / ٢٣٣ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٥١ ، ٦ / ٣٥٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٥٥ ، وشرح المفصل ٢ / ٤٥ ، والكتاب ١ / ١٧٥ ، ١٧٧ ، ١٩٣ ، والمحتسب ٢ / ٢٩٥ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٥٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٥١.

٧٩٣ ـ تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٥.


يشبه به ؛ إذ لا يوجد ما يتعدى إلى ثلاثة بحق الأصل ، والحمل إنما يكون على الأصول لا على الفروع وهذا ما صححه ابن عصفور قياسا لما ذكر وسماعا ؛ لأنه لم يرد إلا في المتعدي لواحد واللازم.

قال أبو حيان : والأمر كما قال من عدم السماع مع المتعدي لاثنين.

الخامس : ألا يكون العامل كان وأخواتها إن قلنا : إنها تعمل في الظرف حذرا من كثرة المجاز ؛ لأنها رفعت ونصبت لشبهها بالفعل المتعدي ، والعمل بالشبه مجاز فإذا نصبت الظرف على الاتساع ، وهو مجاز أيضا كثر المجاز فيمنع منه ، قال أبو حيان : وهذا ما يقتضيه النظر ، ونظيره قولهم : دخلت في الأمر ، لا يجوز حذف (في) ؛ لأن هذا الدخول مجاز ، ووصول (دخل) إلى الظرف بغير وساطة (في) مجاز ، فلم يجتمع عليها مجازان.

وقال ابن عصفور : يجوز الاتساع معها كسائر الأفعال ، أما إن قلنا بأنها لا تعمل في الظرف فواضح أنه لا توسع ، ولا يمنع التوسع إضافة الظرف إلى المظروف المقطوع عن الإضافة المعوض منه التنوين نحو : سير عليه حينئذ ، وما انتصب من المصادر نصب الظرف يجوز فيه التوسع ، ومنه (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] ، وأما صفة الظرف نحو : سرت قليلا فيضعف فيها التوسع إلا إن وصف.

نيابة المصدر عن ظرفي الزمان والمكان :

(ص) وينوب مصدر عن مكان بقلة ، وزمان بكثرة ، وقد يجعل ظرفا دون تقدير ، أو اسم عين مضاف إليه ، لا مصدر مؤول خلافا للزمخشري.

(ش) قد ينوب عن الظرف مصدر إذا كان الظرف مضافا إليه فحذف ، ولا بد من كونه معينا لوقت أو مقدار ، وهو كثير في ظرف الزمان نحو : جئتك صلاة العصر ، أو قدوم الحاج ، وانتظرتك حلب ناقة ، وقليل في المكان نحو : جلست قرب زيد ، أي : مكان قربه ، وقد يجعل المصدر ظرفا دون تقدير مضاف كقولهم : أحقا إنك ذاهب ، أي : أفي حق.

وقد يكون النائب اسم عين نحو : لا أكلمه القارظين ، والأصل مدة غيبة القارظين ، ولا ينوب في ذلك المصدر المؤول وهو أن والفعل نحو : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧] ، إذا قدر ب : (في) خلافا للزمخشري.

الظروف المبنيات :

(ص) الكلام في الظروف المبنيات


(ش) أوردت في هذا الفصل ما لم أسبق إلى جمعه واستيفائه من مبني ظروف الزمان والمكان مرتبا على حروف المعجم.

إذ :

(ص) (إذ) للوقت الماضي ، وللمستقبل في الأصح ، وتلزم الظرفية ما لم يضف لها زمان ، والإضافة إلى جملة غير مصدرة بزال وأخواته ، أو دام ، أو ليس ، أو لكن ، أو ليت ، أو لعل ، ويقبح أن يليها اسم بعده ماض ، وقد يحذف جزؤها وكلها فتعوض تنوينا ، وتكسر للساكنين ، وقال الأخفش : إعرابا ، وقد تفتح ، وألحق بها شيخنا الكافيجي في ذلك (إذا).

وجوز الأخفش والزجاج والمتأخرون وقوعها مفعولا به وبدلا منه ، والزمخشري مبتدأ وهي تجيء للتعليل ، خلافا للجمهور حرفا ، وقيل : ظرفا ، وللمفاجأة بعد بينا وبينما ، حرفا ، أو ظرف مكان ، أو زمان ، أو زائدة ، أقوال ، وعلى الظرفية عاملها : قال ابن جني وابن الباذش : تاليها ، وعامل بينا مقدر ، والشلوبين : عاملهما محذوف ، وإذا بدل ، قال أبو عبيدة : وللتحقيق وزائدة ، واختاره ابن الشجري بعد بينا وبينما.

(ش) من الظروف المبنية (إذ) ، والدليل على اسميتها قبولها التنوين والإخبار بها نحو : مجيئك إذ جاء زيد ، والإضافة إليها بلا تأويل نحو : (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) [آل عمران : ٨] ، وبنيت لافتقارها إلى ما بعدها من الجمل ، ولوضعها على حرفين ، وأصل وضعها أن تكون ظرفا للوقت الماضي ، وهل تقع للاستقبال؟ قال الجمهور : لا ، وقال جماعة منهم ابن مالك : نعم ، واستدلوا بقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة ٤] ، والجمهور جعلوا الآية ونحوها من باب (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] ، أي : من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع.

قال ابن هشام : ويحتج لغيرهم بقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) [غافر : ٧٠ ـ ٧١] ، فإن يعلمون مستقبل لفظا ومعنى لدخول حرف التنفيس عليه ، وقد عمل في (إذ) ، فيلزم أن يكون بمنزلة إذا ، وتلزم (إذ) الظرفية فلا تتصرف بأن تكون فاعلة أو مبتدأة ، إلا أن يضاف اسم الزمان إليها نحو : حينئذ ويومئذ ، و(بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) [آل عمران : ٨] ، ورأيتك أمس إذ جئت.

وجوز الأخفش والزجاج وابن مالك وقوعها مفعولا به نحو : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) [الأعراف : ٨٦] ، وبدلا منه نحو : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) [مريم : ١٦] ،


والجمهور لا يثبتون ذلك ، ووافقهم أبو حيان قال : لأنه لا يوجد في كلامهم أحببت إذ قدم زيد ، ولا كرهت إذ قدم ، وإنما ذكروا ذلك مع (اذكر) لما اعتاص عليهم ما ورد من ذلك في القرآن ، وتخريجه سهل وهو أن تكون (إذ) معمولة لمحذوف يدل عليه المعنى ، أي : اذكروا حالتكم ، أو قضيتكم ، أو أمركم.

وقد جاء بعض ذلك مصرحا به قال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) [آل عمران : ١٠٣] ، فإذ ظرف معمول لقوله : (نِعْمَتَ اللهِ ،) وهذا أولى من إثبات حكم كلي بمحتمل ، بل بمرجوح انتهى.

وجوز الزمخشري وقوعها مبتدأ فقال في قراءة بعضهم : لمن من الله على المؤمنين [آل عمران : ١٦٤] : إنه يجوز أن التقدير (منه إذ بعث) ، وأن تكون (إذ) في محل رفع كإذا في قولك : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما.

قال ابن هشام : فمقتضى هذا أن (إذ) مبتدأ ، ولا نعلم بذلك قائلا ، وتلزم (إذ) الإضافة إلى جملة إما اسمية نحو : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) [الأنفال : ٢٦] ، (إِذْ هُما فِي الْغارِ) [التوبة : ٤٠] ، أو فعلية كما سبق ، ويقبح في الاسمية أن يكون عجزها فعلا ماضيا نحو : جئتك إذ زيد قام ، ووجه قبحه أن (إذ) لما كانت لما مضى وكان الفعل الماضي مناسبا لها في الزمان ، وكانا في جملة واحدة لم يحسن الفصل بينهما ، بخلاف ما إذا كان مضارعا نحو : إذ زيد يقوم فإنه حسن.

ويشترط في الجملة ألا تكون شرطية ، فلا يقال : أتذكر إذ إن تأتنا نكرمك ، ولا إذ من يأتك تكرمه ، إلا في ضرورة.

وقد يحذف جزء الجملة المضاف إليها (إذ) فيظن من لا خبرة له أنها أضيفت إلى المفرد كقوله :

٧٩٤ ـ والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا

والتقدير : إذ ذاك كذلك ، وقد تحذف الجملة كلها للعلم بها ويعوض منها التنوين ،

__________________

٧٩٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٩٥ ، وحاشية ياسين ٢ / ٣٩ ، ورصف المباني ص ٣٥٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٠٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٤٧ ، واللمع ص ٢٧٥ ، والمحتسب ١ / ١٢٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٨٤ ، ونوادر أبي زيد ص ١٨٤ ، وفي الأغاني ١٠ / ٢٨٩ ، بيت لابن المعتز كهذا البيت ، ورواية عجزه :

والدار جامعة أزمان أزمانا

انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٩.


قال أبو حيان : الذي يظهر من قواعد العربية أن هذا الحذف جائز لا واجب وتكسر ذالها حينئذ ؛ لالتقاء الساكنين نحو : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة : ٨٤] ، أي : حين إذ بلغت الروح الحلقوم ، وزعم الأخفش أنها حينئذ معربة والكسر جر إعراب بالإضافة لا بناء ، وحمله على ذلك أنه جعل بناءها ناشئا عن إضافتها إلى الجملة فلما زالت من اللفظ صارت معربة ، وهو مردود بأنه قد سبق ل : (إذ) حكم البناء ، والأصل استصحابه حتى يقوم دليل على إعرابه ، وبأن العرب قد بنت الظرف المضاف ل : (إذ) ، ولا علة لبنائه إلا كونه مضافا لمبني ، فلو كانت الكسرة إعرابا لم يجز بناء الظرف ، وبأنهم قالوا : (يومئذا) بفتح الذال منونا ، ولو كان معربا لم يجز فتحه ؛ لأنه مضاف إليه ، فدل على أنه مبني مرة على الكسر ؛ لالتقاء الساكنين ، ومرة على الفتح طلبا للتخفيف ، وهذا معنى قولي : «وقد تفتح».

وقولي : «وألحق بها شيخنا الكافيجي في ذلك إذا» أشرت به إلى مسألة غريبة قل من تعرض لها ، وذلك أني سمعت شيخنا رحمه‌الله يقول في قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) [المؤمنون : ٣٤] : ليست (إذن) هذه الكلمة المعهودة ، وإنما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها ، وعوض منها التنوين كما في (يومئذ) ، وكنت أستحسن هذا جدا وأظن أن الشيخ لا سلف له في ذلك حتى رأيت بعض المتأخرين جنح إلى ما جنح إليه الشيخ ، وقد أوسعت الكلام في ذلك في «الإتقان» وحاشية «المغني».

وتزاد (إذ) للتعليل خلافا للجمهور كقوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٩] ، أي : لأجل ظلمكم في الدنيا ، (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ) [الأحقاف : ١١] ، (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا) [الكهف : ١٦] ، وهي حرف بمنزلة لام العلة ، وقيل : ظرف ، والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ ، وترد للمفاجأة نص على ذلك سيبويه ، وهي الواقعة بعد (بينا) و (بينما) كقوله :

٧٩٥ ـ فبينما العسر إذ دارت مياسير

__________________

٧٩٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لحريث بن جبلة أو لعثير بن لبيد في شرح شواهد المغني ١ / ٢٤٤ ، واللسان مادة (دهر) ، ولحريث بن جبلة في المعمرون والوصايا ص ٥٢ ، وعيون الأخبار ٢ / ٣٠٥ ، ولجبلة بن الحريث في الحماسة البصرية ٢ / ٦٤ ، ولحريث أو لعثير أو لأبي عيينة المهلبي في التاج مادة (دهر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩٣.


وقوله :

٧٩٦ ـ بينا كذلك والأعداد وجهتها

إذ راعها لحفيف خلفها فزع

وهل هي حينئذ ظرف مكان أو زمان أو حرف لمعنى المفاجأة أو حرف مؤكد ، أي : زائد؟ أقوال اختار الثاني أبو حيان إقرارا لها على ما استقر لها ، وابن مالك والشلوبين الثالث ، وعلى القول بالظرفية قال ابن جني وابن الباذش : عاملها الفعل الذي بعدها ؛ لأنها غير مضافة إليه ، وعامل (بينا) و (بينما) محذوف يفسره الفعل المذكور ، وقال الشلوبين (إذ) : مضافة للجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في (بينا) و (بينما) ؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف ، ولا فيما قبله ، وإنما عاملها محذوف يدل عليه الكلام ، و (إذ) بدل منهما.

وذكر ل : (إذ) معنيان آخران ، أحدهما : التوكيد وذلك بأن تحمل على الزيادة ، قاله أبو عبيدة وتبعه ابن قتيبة ، وحملا عليه آيات ، منها قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) [الحجر : ٢٨].

والثاني التحقيق كقد وحملت عليه الآية قال في «المغني» : وليس القولان بشيء ، واختار ابن الشجري أنها تقع زائدة بعد (بينا) و (بينما) خاصة ، قال : لأنك إذا قلت : بينما أنا جالس إذ جاء زيد فقدرتها غير زائدة أعملت فيها الخبر وهي مضافة إلى جملة جاء زيد ، وهذا الفعل هو الناصب ل : (بين) ، فيعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف.

إذا :

(ص) (إذا) للمستقبل مضمنة معنى الشرط غالبا ، قال ابن مالك : والماضي ، وأنكره أبو حيان وقوم للحال ويختص بالمجزوم به وكذا المظنون خلافا للبيانيين بخلاف (إن) ، ومن ثم لم تجزم في السعة خلافا لمن جوزه بقلة أو مع (ما) ، ولا تدل على تكرار ولا عموم على الصحيح فيهما ، وتضاف أبدا لجملة صدرها فعل ولو مقدرا قبل اسم يليه ، وجوزه الأخفش إلى اسمية الجزأين ، وأوجب الفراء إيلاءها الماضي شرطية ، وقال غيره : هو الغالب ، ومن ثم قال الأكثرون : ناصبها الجواب لا الشرط ، قال ابن مالك : وتجيء مفعولا به ، ومجرورة ب : (حتى) ، ومبتدأ ، وترد

__________________

٧٩٦ ـ البيت من البسيط ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى ، الأعداد : جمع عدّ ، وهو الماء الدائم مثل ماء العين ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٢٦.


للمفاجأة فأقوال ، إذا وتلزمها الفاء ، قال المازني : زائدة ، ومبرمان : عاطفة ، والزجاج : جزائية ، ولا يليها فعل ، وثالثها يجوز مع قد ، قال أبو عبيدة : وتزاد.

(ش) من الظروف المبنية (إذا) ، والدليل على اسميتها الإخبار بها مع مباشرتها الفعل نحو : القيام إذا طلعت الشمس ، وإبدالها من اسم صريح نحو : أجيئك غدا إذا طلعت الشمس ، وهي ظرف للمستقبل مضمنة معنى الشرط غالبا ، ومن ثم وجب إيلاؤها الجملة الفعلية ولزمت الفاء في جوابها نحو : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) إلى قوله : (فَسَبِّحْ) [النصر ١] ، وقد لا تضمن معنى الشرط ، بل تتجرد للظرفية المحضة نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل ١] ، و(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى : ٢].

وزعم قوم أنها تخرج عن الظرفية ، فقال ابن مالك : إنها وقعت مفعولا به في حديث : «إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى» (١) ، ومبتدأ في قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الواقعة : ١] ، والخبر (إذا) الثانية و(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) [الواقعة : ٣] ، بالنصب حالان ، والمعنى وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين هو وقت رج الأرض ، ومجرورة ب : (حتى) في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها) [الزمر : ٧٣] ، وسبقه إلى ذلك ابن جني في الثاني ، والأخفش في الثالث ، والجمهور أنكروا ذلك كله وجعلوا (حتى) في الآية حرف ابتداء داخلا على الجملة بأسرها ، ولا عمل له ، وإذا وقعت ظرفا جوابه محذوف ، أي : انقسمتم أقساما ، وكنتم أزواجا ، وإذا الثانية بدل من الأولى ، وإذا في الحديث ظرف لمحذوف هو مفعول أعلم ، أي : شأنك ونحوه.

وزعم آخرون أنها تخرج عن الاستقبال ، فقال ابن مالك : إنها وقعت للماضي في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١] ، فإن الآية نزلت بعد انفضاضهم ، وكذا (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ) [التوبة : ٩٢] الآية ، وقال قوم : إنها وقعت للحال في قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل ١] ؛ لأن الليل مقارن للغشيان ، وتختص إذا ما بما يتيقّن وجوده نحو : آتيك إذا احمر البسر ، أو رجح نحو : آتيك إذا دعوتني ، بخلاف إن فإنها تكون للمحتمل والمشكوك فيه والمستحيل كقوله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) [الزخرف : ٨١] ، ولا تدخل على متيقن ولا راجح ، وقد تدخل على المتيقن ؛ لكونه مبهم الزمان نحو : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] ، ولكون

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب غيرة النساء ووجدهن (٩٢٨) ، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل عائشة (٢٤٣٩).


(إذا) خاصا بالمتيقن والمظنون خالفت أدوات الشرط ، فلم تجزم إلا في الضرورة كقوله :

٧٩٧ ـ وإذا تصبك خصاصة فتجمّل

وإذا دلت (إذا) على الشرط فلا تدل على التكرار على الصحيح ، وقيل : تدل عليه ك : (كلما) واختاره ابن عصفور ، فلو قال : إذا قمت فأنت طالق فقامت ثم قامت أيضا في العدة ثانيا وثالثا ، لم يقع بهما شيء على الأول دون الثاني ، وكما لا تدل على التكرار لا تدل أيضا على العموم على الصحيح ، وقيل : تدل عليه فلو قال : إذا طلقت امرأة من نسائي فعبد من عبيدي حر فطلق أربعا لم يعتق إلا عبد واحد ، وتنحل اليمين على الأول ، ويعتق أربع على الثاني.

وتلزم (إذا) الإضافة إلى الجملة صدرها فعل سواء كان مضارعا نحو : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) [الأحقاف : ٧] ، (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) [الأعراف : ٢٠٣] ، أم ماضيا نحو : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) [المنافقون : ١].

وزعم الفراء أن (إذا) إذا كان فيها معنى الشرط لا يكون بعدها إلا الماضي ، وقال ابن هشام : إيلاؤها الماضي أكثر من المضارع ، وقد اجتمعا في قوله :

٧٩٨ ـ والنّفس راغبة إذا رغّبتها

وإذا تردّ إلى قليل تقنع

وقد يليها اسم بعد فعل فيقدر قبله فعل يفسره الفعل بعد الاسم نحو : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق ١] ، وجوز الأخفش إيلاءها جملة فيها اسمان مبتدأ وخبر من غير تقدير فعل كقوله :

٧٩٩ ـ إذا باهليّ تحته حنظليّة

__________________

٧٩٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لعبد قيس بن خفاف في شرح اختيارات المفضل ص ١٥٥٨ ، وشرح شواهد المغني ص ٢٧١ ، واللسان مادة (كرب) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٠٣ ، ولحارثة بن بدر الغداني وفي أمالي المرتضى ١ / ٣٨٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٢.

٧٩٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٧ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٦٩٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤١.

٧٩٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤١٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٢٧٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٢٧ ، والجنى الداني ص ٣٦٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٦ ، واللسان مادة (ذرع) ، ومغني اللبيب ١ / ٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٢٢.


وفي ناصب إذا قولان : أحدهما : أنه شرطها ، وعليه المحققون واختاره أبو حيان حملا لها على سائر أدوات الشرط ، والثاني : أنه ما في جوابها من فعل وشبهه وعليه الأكثرون لما تقدم من أنها ملازمة الإضافة إلى شرطها ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ، فالإشارة إليه بقولي : «ومن ثم» إلى قولي : «وتضاف أبدا» ، والأولون انفصلوا عن ذلك بأن قالوا بعدم إضافتها.

وترد (إذا) للمفاجأة فتختص بالجملة الاسمية فيما جزم به ابن مالك ، ورده أبو حيان ، وقيل : تدخل على الفعل مطلقا ، وقيل : تدخل على الفعل المصحوب ب : (قد) ، نقل الأخفش ذلك عن العرب نحو : خرجت فإذا قد قام زيد ، قال في «المغني» : ووجهه أن التزام الاسمية معها إنما هو للفرق بينهما وبين الشرطية الخاصة بالفعلية ، والفرق حاصل ب : (قد) ؛ إذ لا يقترن الشرط بها ولا يحتاج لجواب ولا تقع في الابتداء ، ومعناها الحال لا الاستقبال نحو : خرجت فإذا الأسد بالباب ، ومنه (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه : ٢٠] ، وهي حينئذ حرف عند الكوفيين والأخفش ، واختاره ابن مالك ، ويرجحه قولهم : خرجت فإذا إن زيدا بالباب بكسر إن ؛ لأن إن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وظرف مكان عند المبرد والفارسي وابن جني وأبي بكر بن الخياط ، واختاره ابن عصفور ، وظرف زمان عند الرياشي والزجاج واختاره الزمخشري وابن طاهر وابن خروف والشلوبين إبقاء لها على ما ثبت لها.

فإذا قلت : خرجت فإذا زيد صح كونها خبرا على المكان ، أي : فبالحضرة زيد ، لا على الزمان ؛ لأنه لا يخبر به عن الجثة ، ولا على الحرف ؛ لأنه لا يخبر به ، وتلزمها الفاء داخلة عليها ، واختلف فيها فقال المازني : هي زائدة للتأكيد ؛ لأن إذا الفجائية فيها معنى الإتباع ، ولذا وقعت في جواب الشرط موقع الفاء ، وهذا ما اختاره ابن جني ، وقال مبرمان : هي عاطفة لجملة إذا ومدخولها على الجملة قبلها ، واختاره الشلوبين الصغير ، وأيده أبو حيان بوقوع ثم موقعها في قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) [الروم : ٢٠] ، وقال الزجاج : دخلت على حد دخولها في جواب الشرط ، وزعم أبو عبيدة أن (إذا) قد تزاد واستدل بقوله :

٨٠٠ ـ حتى إذا أسلكوهم في مناوءة

شلّا كما شلّت الجمّالة الشّردا

__________________

٨٠٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لعبد مناف بن ربع الهذلي في الأزهية ص ٢٠٣ ، ٢٥٠ ، والإنصاف ٢ / ٤٦١ ، وجمهرة اللغة ص ٨٥٤ ، والخزانة ٧ / ٣٩ ، ٤١ ، ٤٦ ، ٧١ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٦٧٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٣١ ، واللسان مادة (شرد ، قتد ، سلك ، إذا) ، ومراتب النحويين ص ٨٥ ، ولعمرو بن أحمر في ملحق ديوانه ص ١٧٩ ، واللسان مادة (حمر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩٦.


قال : فزادها ؛ لعدم الجواب فكأنه قال : حتى أسلكوهم ، وتأوله ابن جني على حذف جواب إذا.

الآن :

(ص) (الآن) لوقت حضر أو بعضه ، وزعمه الفراء منقولا من (آن) ، والمختار إعرابه ، وألفه عن واو ، وقيل : ياء ، وقيل : أصله أوان ، وقيل : ظرفيته غالبة.

(ش) من الظروف المبنية (الآن) ، والدليل على اسميته دخول (أل) وحرف الجر عليه ، وهو اسم للوقت الحاضر جميعه كوقت فعل الإنسان حال النطق به ، أو الحاضر بعضه نحو : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) [الجن ٩] ، (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) [الأنفال : ٦٦] ، قال ابن مالك : وظرفيته غالبة لازمة ، فقد يخرج عنها إلى الاسمية كحديث : «فهو يهوي في النار الآن حين انتهى إلى قعرها» (١) ، ف : (الآن) في موضع رفع بالابتداء ، و (حين انتهى) خبره ، وهو مبني لإضافته إلى جملة صدرها ماض كقوله :

٨٠١ ـ أإلى الآن لا يبين ارعواء

لك بعد المشيب عن ذا التّصابي

وألفه منقلبة عن واو ؛ لقولهم في معناه الأوان ، وقيل : عن ياء ؛ لأنه من آن يئين إذا قرب ، وقيل : أصله أوان قلبت الواو ألفا ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين ورد بأن الواو قبل الألف لا تنقلب كالجواد والسواد ، وقيل : حذفت الألف وغيرت الواو إلى الألف ، كما قالوا : راح ورواح استعملوه مرة على فعل ومرة على فعال ، كزمن وزمان ، واختلف في علة بنائه فقال الزجاج : بني لتضمنه معنى الإشارة ؛ لأن معناه هذا الوقت ، ورد بأن تضمين معنى الإشارة بمنزلة اسم الإشارة ، وهو لا تدخله أل ، وقال أبو علي : لتضمنه لام التعريف ؛ لأنه استعمل معرفة وليس علما ، وأل فيه زائدة ، وضعفه ابن مالك بأن تضمن اسم معنى حرف اختصارا ينافي زيادة ما لا يعتد به هذا مع كون المزيد غير المضمن معناه فكيف إذا كان إياه ، وقال ابن المبرد وابن السراج : لأنه خالف نظائره ؛ إذ هو نكرة في

__________________

٨٠١ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٤٢٣ ، (طبعة دار صادر) ، وبلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٣.

(١) أخرجه مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب في شدة حر نار جهنم ... (٢٨٤٤) ، وأحمد في مسنده (٨٦٢٢).


الأصل استعمل من أول وضعه باللام ، وباب اللام أن يدخل على النكرة ، وكذا قال الزمخشري : سبب بنائه وقوعه في أول أحواله بالألف واللام ؛ لأن حق الاسم في أول أحواله التجرد منها ، ثم يعرض تعريفه فيلحقه ، فلما وقع الآن في أول أحواله بالألف واللام خالف الأسماء وأشبه الحروف ، ورده ابن مالك بلزوم بناء الجماء الغفير واللات ونحوهما مما وقع في أول أحواله بالألف واللام ، وبأنه لو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف واستحقاق البناء لوجب بناء كل اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره ، وهو باطل بإجماع ، وقال ابن مالك : بني لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد ؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر بخلاف حين ووقت وزمان ومدة.

قال أبو حيان : وهو مردود بما رد به هو على الزمخشري ، وقال الفراء : إنما بني ؛ لأنه نقل من فعل ماض ، وهو (آن) معنى حان فبقي على بنائه استصحابا على حد : «أنهاكم عن قيل وقال» (١) ، ورد بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه (أل) كما لا تدخل على قيل وقال ، ولجاز فيه الإعراب كما يجوز في قيل وقال ، وذهب بعضهم إلى أنه معرب وفتحته إعراب على الظرفية واستدل له بقوله :

٨٠٢ ـ كأنّهما ملآن لم يتغّيرا

بكسر النون ، أي : من الآن فحذف النون ؛ لالتقاء الساكنين ، وجر فدل على أنه معرب وضعفه ابن مالك باحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء ، ويكون في بناء الآن لغتان الفتح والكسر ، كما في شتان إلا أن الفتح أكثر وأشهر.

والمختار عندي القول بإعرابه ؛ لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة ، فهو منصوب على الظرفية ، وإن دخلته (من) جر ، وخروجه عن الظرفية غير ثابت ولا يصلح الاستدلال له

__________________

٨٠٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٩٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٩ ، والمنصف ١ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٣٣ ، والخصائص ١ / ٣١٠ ، ورصف المباني ص ٣٢٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٥.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب قول الله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (١٤٧٧) ، ومسلم ، كتاب الأقضية باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة (٥٩٣).


بالحديث السابق لما تقرر غير مرة ، وفي شرح «الألفية» لابن الصائغ أن الذي قال بأن أصله (أوان) يقول بإعرابه كما أن أوانا معرب.

أمس :

(ص) (أمس) لما يلي يومك مبني على الكسر ، قال الزجاج والزجاجي : والفتح لغة ، وإعرابه غير منصرف رفعا ، ومطلقا ومنصرفا لغة ، وزعمه قوم محكيا من الأمر ، فإن قارن (أل) أعرب غالبا ، وكذا إن أضيف أو نكر أو ثني أو جمع أو صغر.

(ش) أمس اسم معرفة متصرف يستعمل في موضع رفع ونصب وجر ، وهو اسم زمان موضوع لليوم الذي يليه اليوم الذي أنت فيه ، أو ما هو في حكمه في إرادة القرب ، فإن استعمل ظرفا فهو مبني على الكسر عند جميع العرب ، وعلة بنائه تضمنه معنى الحرف ، وهو لام التعريف ولذا لم يبن (غد) مع كونه معرفة ؛ لأنه لم يتضمنها إنما يتضمنها ما هو حاصل واقع ، و (غد) ليس بواقع ، والفرق بينه وبين (سحر) حيث لم يبن : أنه لما عدل عن السحر لم يضمن معنى الحرف ، بل أنيب مناب السحر المعرف فصار معرفة مثله بالنيابة كما صار عمر معرفة بالنيابة عن عامر العلم.

وقال ابن كيسان : بني ؛ لأنه في معنى الفعل الماضي وأعرب (غد) ؛ لأنه في معنى الفعل المستقبل ، والمستقبل معرب ، وقال قوم : علة بنائه شبه الحرف إذا افتقر في الدلالة على ما وضع له إلى اليوم الذي أنت فيه ، وقال آخرون : بني لشبهه بالأسماء المبهمة في انتقال معناه ؛ لأنه لا يختص بمسمى دون آخر ، وأجاز الخليل في لقيته أمس أن يكون التقدير لقيته بالأمس ، فحذف الحرفين الباء وأل فتكون الكسرة على هذا كسرة إعراب ، وزعم قوم منهم الكسائي أنه ليس مبنيا ولا معربا ، بل هو محكي سمي بفعل الأمر من المساء كما لو سمي بأصبح من الصباح فقولك : جئت أمس ، أي : اليوم الذي كنا نقول فيه أمس عندنا أو معنا ، وكانوا كثيرا ما يقولون ذلك للزور والخليط إذا أراد الانصراف عنهم ، فكثرت هذه الكلمة على ألسنتهم حتى صارت اسما للوقت ، وتعريفه بأل إشارة إلى أنه اليوم الذي قبل يومك ، وقال السهيلي : تعريفه بالإضافة كتعريف جمع.

وإن استعمل غير ظرف فذكر سيبويه عن الحجازيين بناءه على الكسر رفعا ونصبا وجرا كما كان حال استعماله ظرفا ، تقول : ذهب أمس بما فيه ، وأحببت أمس ، وما رأيتك مذ أمس ، قال :


٨٠٣ ـ اليوم أعلم ما يجيء به

ومضى بفصل قضائه أمس

ونقل عن بني تميم أنهم يوافقون الحجازيين حالة النصب والجر في البناء على الكسر ، ويعربونه إعراب ما لا ينصرف حالة الرفع قال شاعرهم :

٨٠٤ ـ اعتصم بالرّجاء إن عنّ يأس

وتناس الّذي تضمّن أمس

ومن بني تميم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في حالتي النصب والجر أيضا ، وعلته ما ذكر في (سحر) من العدل والتعريف ، وعليه قوله :

٨٠٥ ـ إنّي رأيت عجبا مذ أمسا

ومنهم من يعربه إعراب المنصرف فينونه في الأحوال الثلاثة حكاه الكسائي ، وحكى الزجاج أن بعض العرب ينونه وهو مبني على الكسر تشبيها بالأصوات ، وحكى الزجاجي والزجاج أن من العرب من يبنيه وهو ظرف على الفتح ، فتلخص فيه حال الظرفية لغتان البناء على الكسر ، وعلى الفتح ، وحال غير الظرفية خمس لغات : البناء على الكسر بلا تنوين مطلقا ، وبتنوين وإعرابه منصرفا ، وغير منصرف مطلقا ، وإعرابه غير منصرف رفعا وبناؤه نصبا وجرا ، فإن قارنه (أل) أعرب غالبا نحو : إن الأمس ليوم حسن ، وقال تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس ٢٤] ، ومن العرب من يستصحب البناء مع أل قال :

٨٠٦ ـ وإنّي وقفت اليوم والأمس قبله

ببابك حتى كادت الشّمس تغرب

__________________

٨٠٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لأسقف نجران في الحيوان ٣ / ٨٨ ، والسمط ص ٤٨٦ ، والحماسة البصرية ٢ / ٤٠٧ ، واللسا مادة (أمس) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٧٣ ، وله أو لتبع بن الأقران في شرح التصريح ٢ / ٢٢٦ ، ولبعض ملوك اليمن في الصناعتين ص ٢٠١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧٣.

٨٠٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٣٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٣٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦٥.

٨٠٥ ـ الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٢ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٣٢ ، وجمهرة اللغة ص ٨٤١ ، ٨٦٣ ، والخزانة ٧ / ١٦٧ ، ١٦٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٣٧ ، ٣ / ١٦٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢٦ ، وشرح شذور الذهب ص ١٢٨ ، وشرح قطر الندى ص ١٦ ، وشرح المفصل ٤ / ١٠٦ ، ١٠٧ ، والكتاب ٣ / ٢٨٥ ، واللسان مادة (أمس) ، انظر المعجم المفصل ٤ / ١١٧٨ ، وفي نسخة (لقد رأيت) بدلا من (إني رأيت).

٨٠٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لنصيب في ديوانه ص ٩ ، والأغاني ٩ / ٤٥ ، واللسان مادة (أمس ، أين) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٠٤ ، والإنصاف ص ٣٢٠ ، والخصائص ١ / ٣٩٤ ، ٣ / ٥٧ ، وشرح شذور الذهب ص ١٣١ ، والصاحبي ص ١٤٣ ، واللسان مادة (لوم) ، والمحتسب ٢ / ١٩٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٥.


فكسر السين ، وهو في موضع نصب عطفا على اليوم ، قالوا : والوجه في تخريجه أن تكون أل زائدة لغير تعريف ، واستصحب تضمن معنى المعرفة فاستديم البناء ، أو تكون هي المعرفة ويجر على إضمار الباء ، فالكسرة إعراب لا بناء ، ويعرب أيضا حال الإضافة نحو : إن أمسنا يوم طيب ، وحال التنكير نحو : مضى لنا أمس حسن ، لا تريد اليوم الذي قبل يومك ، وحال التثنية نحو : أمسان ، وحال الجمع نحو : آمس وآماس وأموس قال :

٨٠٧ ـ مرّت بنا أوّل من أموس

تميس فينا ميسة العروس

قال ابن مالك في شرح «الكافية الشافية» : وحال التصغير ، قال أبو حيان : وهو مخالف لنص سيبويه وغيره من النحاة أن أمس لا يصغر ، وكذا (غدا) استغناء بتصغير ما هو أشد تمكنا وهو اليوم والليلة ، قال : نعم ذكر المبرد أنه يصغر فتبعه عليه ابن مالك ، وكذا ذكر ابن الدهان في «الغرة» وهو ذهول عن نص سيبويه.

بعد :

(ص) (بعد) ظرف زمان لازم الإضافة ، فإن أضيف أو حذف مضافه ونوي لفظه أعرب ، أو معناه ضم بناء ، وقد ينون حينئذ ويفتح إعرابا ، وإن نكر نصب ظرفا ، وقد يجر ويرفع ، ولا يضاف لجملة حتى يكف ب : (ما).

(ش) من الظروف المبنية في بعض الأحوال (بعد) ، وهي ظرف زمان لازم الإضافة ، وله أحوال :

أحدها : أن يصرح بمضافه نحو : جئت بعدك ، فهو معرب منصوب على الظرفية.

ثانيها : أن يقطع عن الإضافة لفظا ومعنى قصدا للتنكير فكذلك قوله :

٨٠٨ ـ فما شربوا بعدا على لذّة خمرا

وقد يجر ، قرئ : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] بالجر والتنوين ، وقد يرفع ، روي : فما شربوا بعد بالرفع.

__________________

٨٠٧ ـ الرجز بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ١٢٩ ، واللسان والتاج مادة (أمس) ، والمحتسب ٢ / ٢٢٤ ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٢٥٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ٨١٨.

٨٠٨ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١٤٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٥٨ ، والخزانة ٦ / ٥٠١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٠ ، وشرح شذور الذهب ص ١٣٧ ، واللسان مادة (بعد ، خفا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٣٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢٥.


ثالثها : أن يقطع عنها بأن يحذف المضاف إليه ، لكن ينوى لفظه فيعرب ولا ينون ؛ لانتظار المضاف إليه المحذوف.

رابعها : أن يحذف وينوى معناه فيبنى على الضم نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ) (بَعْدُ) [الروم : ٤] ، أي : قبل الغلبة وبعدها ، وعلله ابن مالك بأنه كان حقها البناء في الأحوال كلها ؛ لشبهها بالحرف لفظا من حيث إنها لا تتصرف بتثنية ولا جمع ولا اشتقاق ، ومعنى ؛ لافتقارها إلى غيرها في بيان معناها ، لكن عارض ذلك لزومها للإضافة فأعربت ، فلما قطعت عنها ونوي معنى الثاني دون لفظه أشبهت حروف الجواب في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها ، فانضم ذلك إلى الشبهين المذكورين فبنيت ، وفي «الإفصاح» : أكثر النحويين يقولون : لما أفردت من مضافها وتضمنته أشبهت الحروف ؛ لتعلقها بالمحذوف بعدها معنى تعلق الحروف بغيرها فبنيت لذلك ، وقد تفتح في هذه الحالة بلا تنوين ، وقد تضم مع التنوين ، وكلاهما إعراب ، حكى هشام : رأيته قبل ومن قبل ، وأنشد :

٨٠٩ ـ ولا وجد العذريّ قبل جميل

وأنشد الخليل قوله :

٨١٠ ـ فما شربوا بعد على لذة خمرا

بالضم والتنوين.

ولا يضاف (بعد) لجملة ما لم يكف ب : (ما) كقوله :

٨١١ ـ أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس

قبل ، أول ، أمام ، قدام ، وراء ، خلف ، أسفل ، يمين ، شمال ، فوق ، تحت ، عل ، دون ، حسب ، غير.

__________________

٨٠٩ ـ صدر البيت :

فما وجد النهدي وجدا وجدته

والبيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٤٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٣٠.

٨١٠ ـ تقدم برقم (٨٠٩).

٨١١ ـ البيت من الكامل ، وهو للمرار الأسدي في ديوانه ص ٤٦١ ، وأشعار اللصوص ص ٣٦٣ ، وإصلاح المنطق ص ٤٥ ، والخزانة ١١ / ٢٣٢ ، ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٢٢ ، والكتاب ١ / ١١٦ ، ٢ / ١٣٩ ، واللسان مادة (علق ، ثغم ، فنن) ، والتاج مادة (علق ، ثغم ، فتن ، ما) ، وشرح المفصل ٨ / ١٣١ ، ١٣٤ ، وبلا نسبة في الأضداد ص ٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧٢.


(ص) ومثله فيما ذكر قبل وأول وأمام وقدام ووراء وخلف وأسفل ، وتصرف الكل متوسط ، وأنكره الجرمي ، ويمين وشمال وفوق وتحت ولا يتصرفان ، وعل وأنكر ابن أبي الربيع إضافتها لفظا ، وأثبته الجوهري ، ودون وحسب لكن نصبهما على الحال ، وغير بعد ليس قال السيرافي وابن السراج وأبو حيان : ولا ، ويجوز فتحها ، والمختار وفاقا للأخفش إعرابها مطلقا ، وألحق بعضهم كلا ولا يتصرف مبنيها ، والصحيح أن أصل (أول) أوأل ، وأنه لا يستلزم ثانيا ، وإذا وقع اسما صرف ، وأنث بالتاء بقلة.

(ش) مثل (بعد) فيما تقدم من إعرابها في الأحوال الثلاثة وبنائها في الحال الرابعة على الضم للعلة المذكورة (قبل) و (أول) و (أمام) و (قدام) و (وراء) و (خلف) و (أسفل) و (يمين) و (شمال) و (فوق) و (تحت) و (عل) و (دون) و (حسب) و (غير) ، ومن بناء (قبل) الآية السابقة ، ومن تنكيرها قوله :

٨١٢ ـ فساغ لي الشّراب وكنت قبلا

وقد تقدمت قراءة (مِنْ قَبْلُ) [الروم : ٤] بالجر والتنوين ، ومن نية لفظ المضاف إليه فيه قوله :

٨١٣ ـ ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

كذا رواه الثقات بكسر اللام ، وحكى أبو علي : (ابدأ بهذا من أوّل) بالفتح على تنكيره ممنوع الصرف ، وبالضم على نية الإضافة دون قصد إلى لفظ المضاف إليه ، وبالجر على قصد لفظه ، قال في «الصحاح» : فإن أظهرت المحذوف نصبت فقلت : ابدأ به أول فعلك ، وقال الشاعر :

٨١٤ ـ أمام وخلف المرء من لطف ربه

كوالئ تزوي عنه ما كان يحذر

__________________

٨١٢ ـ البيت من الوافر ، وهو لزيد بن الصعق في الخزانة ١ / ٤٢٦ ، ٤٢٩ ، ولعبد الله بن يعرب في المقاصد النحوية ٣ / ٤٣٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٥٦ ، وتذكرة النحاة ص ٥٢٧ ، والخزانة ٦ / ٥٠٥ ، ٥١٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤١.

٨١٣ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٥٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٢ ، ٢ / ٢٦٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٠ ، وشرح قطر الندى ص ٢٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧١.

٨١٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٨٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥٨.


وحكى الكسائي أفوق تنام أم أسفل؟ بالنصب على تقدير أفوق هذا أم أسفله ، قال الشاعر :

٨١٥ ـ ولم يكن لقاؤك إلّا من وراء وراء

وقال :

٨١٦ ـ لعنا يشنّ عليه من قدّام

وقال :

٨١٧ ـ وأتيت فوق بني كليب من عل

وقال :

٨١ ـ كجلمود صخر حطّه السّيل من عل

أي : من مكان عال ، ويقال : قبضت عشرة فحسب ، أي : فحسبي ذلك ، وهذا حسبك من أجل ، وقبضت عشرة ليس غير ، أي : ليس غير ذلك مقبوضا.

وذكر ابن هشام أن شرطها أن تقع بعد ليس ، وأن قول الفقهاء (لا غير) لحن ، وليس كما قال فقد صرح السيرافي وابن السراج وأبو حيان بأن (لا) كليس في ذلك ، وأنشد ابن مالك :

__________________

٨١٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لعتيّ بن مالك في اللسان مادة (ورى) ، والكامل ص ٨٥ ، وبلا نسبة في الخزانة ٦ / ٥٠٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٢ ، وشرح شذور الذهب ص ١٣٤ ، وشرح المفصل ٤ / ٨٧ ، واللسان مادة (بعد) ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦.

٨١٦ ـ البيت من الكامل ، وهو لرجل من بني تميم في شرح التصريح ٢ / ٥١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٣٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٦٠ ، وتذكرة النحاة ص ٢٧٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٦.

٨١٧ ـ البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٦١ ، وتذكرة النحاة ص ٨٥ ، وشرح التصريح ٣ / ٤٤٧ ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ١٣٩ ، وشرح المفصل ٤ / ٨٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٩.

٨١٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٩ ، واللسان مادة (علا) ، وجمهرة اللغة ص ١٢٦ ، وكتاب العين ٧ / ١٧٤ ، وإصلاح المنطق ص ٢٥ ، والخزانة ٢ / ٣٩٧ ، ٣ / ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥١ ، والكتاب ٤ / ٢٢٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٩ ، والتاج مادة (فرر ، علا) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٢.


٨١٩ ـ لعن عمل أسلفت لا غير تسأل

ويجوز فيها زيادة على أخواتها البناء على الفتح ، فيقال : ليس غير ، والأخفش يقول بإعرابها في الضم والفتح معا ، وإن حذف التنوين لانتظار المضاف إليه ، وعلى الفتح هي خبر ليس والاسم محذوف ، أي : ليس المقبوض غير ذلك ، ورأيه هو المختار عندي ؛ لما تقدم في أي الموصولة ، ثم النصب في الجميع على الظرفية إلا (حسب) فعلى الحالية.

قال ابن هشام : وما أظن نصب (عل) موجودا ، وأنكر ابن أبي الربيع إضافة (عل) لفظا لكن الجوهري صرح بجوازه فقال : يقال : أتيته من عل الدار بكسر اللام ، قال أبو حيان : ومن غريب المنقول ما ذهب إليه محمد بن الوليد من جواز حذف التنوين من كل فتقول : كل منطلق ، جعله غاية مثل (قبل) و (بعد) ، حكاه عنه أبو جعفر النحاس ، وأنكر عليه علي بن سليمان ؛ لأن الظروف قد خصت بعلة ليست في غيرها ، وما بني من الظروف المذكورة فإنه لا يتصرف ، وأما المعرب منها فذكر ابن مالك أن (فوق) و (تحت) لا يتصرفان أصلا ، قال أبو حيان : ونص على ذلك الأخفش ، فقال : اعلم أن العرب تقول : فوق رأسك ، وتحت رجليك ، لا يختلفون في نصب الفوق والتحت ؛ لأنهم لم يستعملوهما إلا ظرفين أو مجرورين ب : (من) ، قال تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦] ، وقال : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥] ، وقد جاء جر فوق بعلى في قوله :

٨٢٠ ـ فأقسم بالله الّذي اهتزّ عرشه

على فوق سبع ...

وبالباء في قوله :

٨٢١ ـ لست رهنا بفوق ما أستطيع

وكلاهما شاذ.

وأما (يمين) و (شمال) فكثير تصرفهما كما تقدم ، وأما (قبل) و (بعد) والستة بعدهما إلى أسفل فتصرفها متوسط ، قرئ : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) [:] بالرفع ، وقال :

__________________

٨١٩ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢١ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٥.

٨٢٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٩٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٢.

٨٢١ ـ البيت من الخفيف ، تفرد به السيوطي ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٤.


٨٢٢ ـ فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه

مولى المخافة خلفها وأمامها

ويقال : أمام زيد آمن من ورائه ، وزعم الجرمي أنه لا يجوز استعمالها إلا ظرفا ، ولا يقاس على استعمالها اسما ، ولا تضاف (قبل) أيضا لجملة ما لم تكف ب : (ما) نحو : قبلما.

وبقي مسائل تتعلق بأول :

الأولى : الصحيح أن أصله (أوأل) بوزن أفعل قلبت الهمزة الثانية واوا ، ثم أدغمت بدليل قولهم في الجمع أوائل ، وقيل : أصله ووّل بوزن فوعل ، قلبت الواو الأولى همزة ، وإنما لم يجمع على أواول ؛ لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع.

الثانية : الصحيح أن أول لا يستلزم ثانيا ، وإنما معناه ابتداء الشيء ، ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون ، تقول : هذا أول مال اكتسبته ، وقد تكتسب بعده شيئا وقد لا تكتسب ، وقيل : إنه يستلزم ثانيا كما أن الآخر يقتضي أولا ، فلو قال : إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق فولدت ذكرا ولم تلد غيره وقع الطلاق على الأول دون الثاني.

الثالثة : ل : (أول) استعمالان :

أحدهما : أن تكون صفة ، أي : أفعل تفضيل بمعنى الأسبق فيعطى حكم أفعل التفضيل من منع الصرف وعدم تأنيثه بالتاء ودخول (من) عليه نحو : هذا أول من هذين ولقيته عام أول.

والثاني : أن يكون اسما فيكون مصروفا نحو : لقيته عاما أولا ، ومنه ما له أول ولا آخر ، قال أبو حيان : وفي محفوظي أن هذا يؤنث بالتاء ، ويصرف أيضا فيقال : أولة وآخرة بالتنوين.

بين :

(ص) (بين) للمكان ، وقيل : للزمان ، وقال الزنجاني : بحسب ما تضاف إليه ،

__________________

٨٢٢ ـ البيت من الكامل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٣١١ ، وإصلاح المنطق ص ٧٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٧٠ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢٩ ، والكتاب ١ / ٤٠٧ ، واللسان مادة (أمم ، كلا ، ولي) ، والمقتضب ٤ / ٣٤١ ، وكتاب العين ٨ / ٤٢٩ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٠٩ ، واللسان مادة (فرج) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥٣.


وتصرفه متوسط ، ويجب العطف عليه بالواو إن أضيف لمفرد ، فإن لحقته (ما) أو الألف عرض عليه الزمان ، ولزومه ، والإضافة للجمل ولو فعلية على الأصح ، وقيل : يضاف لزمن محذوف لا الجملة ، وقيل : ما والألف كافة ولا موضع للجملة ، وقيل : ما كافة والألف إشباع ، وقيل : للتأنيث وتضاف (بينا) لمصدر لا بينما على الأصح ، وقيل : هي محذوفة منها وتليت ضرورة بكاف التشبيه وتركب (بين) كخمسة عشر ، فتبنى على الفتح ، فإن أضيف صدرها جاز بقاء الظرفية ، أو أضيف إليها تعين زوالها.

(ش) قال أبو حيان : أصل بين أن تكون ظرفا للمكان وتتخلل بين شيئين ، أو ما في تقدير شيئين أو أشياء ، ثم لما لحقتها (ما) أو الألف لزمت الظرفية الزمانية ، وصرح بعض أصحابنا أنها ظرف زمان بمعنى (إذا) ومنه الحديث : «ساعة يوم الجمعة بين خروج الإمام وانقضاء الصلاة» (١). انتهى.

وذكر الزنجاني أنها بحسب ما تضاف إليه ، وتصرفها متوسط قال تعالى : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] ، (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] بالرفع ، (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) [العنكبوت : ٢٥] بالجر ، ولا تضاف إلا إلى متعدد ، ومتى أضيفت لمفرد وجب تكرارها معطوفة بالواو كالآية الأولى ، وإذا لحقتها الألف أو (ما) لزمت إضافتها إلى الجمل ، سواء كانت اسمية كقوله :

٨٢٣ ـ فبينا نحن نرقبه أتانا

وقوله :

٨٢٤ ـ فبينما العسر إذ دارت مياسير

أو فعلية وهو قليل كقوله :

__________________

٨٢٣ ـ البيت من الوافر ، وهو لنصيب في ديوانه ص ١٠٤ ، ولرجل من قيس عيلان في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٨ ، والكتاب ١ / ١٧١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٣٦ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٣٤٢ ، والجنى الداني ص ١٧٦ ، والخزانة ٧ / ٤٧ ، ورصف المباني ص ١١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٣ ، ٢ / ٧١٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٧.

٨٢٤ ـ تقدم الشاهد برقم (٧٩٦).

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة (٦٤٠٠) ، ومسلم ، كتاب الجمعة ، باب في الساعة التي في يوم الجمعة (٨٥٢).


٨٢٥ ـ فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا

وتقول : بينما أنصفتني ظلمتني ، ومنع بعضهم إضافتها إلى الفعلية وقال : لا تضاف إلا إلى الاسمية ، وأوّل البيت ونحوه على إضمار (نحن) ، وزعم ابن الأنباري أن (بين) حينئذ شرطية ، وما ذكر من أن الجملة بعد (بينا) و (بينما) مضاف إليها نفسها دون حذف مضاف وأنها في موضع جر مذهب الجمهور ، وذهب الفارسي وابن جني إلى أن إضافتها إلى الجملة على تقدير حذف زمان مضاف إلى الجملة ؛ لأن المضاف إلى الجمل ظرف الزمان دون ظرف المكان ، ولأن (بين) تقع على أكثر من واحد ؛ لأنها وسط ولا بد من اثنين فما فوقهما ، والتقدير بينا أوقات زيد قائم أقبل عمرو ، واختاره ابن الباذش ، وذهب قوم إلى أن (ما) و (الألف) كافتان والجملة بعدهما لا موضع لها من الإعراب.

وذهب آخرون إلى أن (ما) كافة عن الخفض والألف إشباع ؛ لأن كون الألف كافة لم يثبت ، وثبت كونها إشباعا ، فالجملة بعد الألف في موضع جر بالإضافة ، وبعد (ما) لا محل لها من الإعراب ، واختاره المغاربة ، وزعم قوم أن الألف للتأنيث ووزنها فعلى ، ورد بأن الظروف كلها مذكرة إلا ما شذ وهو قدام ووراء ، ولا حاجة إلى الدخول في الشاذ من غير داعية ، وقد تضاف (بينا) إلى المصدر قال :

٨٢٦ ـ بينا تعنّقه الكماة وروغه

وألحق بعضهم (بينما) بها فأجاز إضافتها إلى مفرد مصدر نحو : بينما قيام زيد قام عمرو.

وقال أبو حيان : والصحيح أنه لا يجوز ؛ لأنه لم يسمع ، ولا يسوغ قياس بينما على بينا ، ولا تضاف (بينا) إلى مفرد غير مصدر وفاقا ، قال أبو حيان : وسببه أنها تستدعي

__________________

٨٢٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لحرقة بنت النعمان في الجنى الداني ص ٣٧٦ ، والخزانة ٧ / ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٨ ، ٧٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٢٠٣ ، واللسان والتاج مادة (سوق ، نصف ، بين) ، والمؤتلف والمختلف ص ١٠٣ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٣١١ ، ٣٧١ ، واللسان والتاج مادة (وإذا) ، وأساس البلاغة (نصف) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٠.

٨٢٦ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي ذؤيب في شرح أشعار الهذليين ١ / ٣٧ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٤٨ ، والخزانة ٥ / ٢٥٨ ، ٧ / ٧١ ، ٧٣ ، ٧٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٥ ، ٢ / ٧١٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٧٣ ، ٢ / ٧٩ ، وشرح المفصل ٤ / ٣٤ ، واللسان مادة (بين) ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٢٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣١.


جوابا فلم يقع بعدها إلا ما يعطي معنى الفعل ، وذلك الجملة والمصدر من المفردات ، وقد يحذف خبر المبتدأ بعد بينا و (بينما) لدلالة المعنى عليه كقوله : فبينما العسر ، كما قد يحذف الجواب لذلك كقوله :

٨٢٧ ـ فبينا الفتى في ظل نعماء غضّة

تباكره أفنانها وتراوح

إلى أن رمته الحادثات بنكبة

يضيق بها منه الرّحاب الفسائح

وتليت بينا بكاف التشبيه في الشعر قال :

٨٢٨ ـ بينا كذاك رأينني متعصّبا

قال أبو حيان : وبإضافة (بينا) إلى المصدر احتج أبو علي أن (بينا) ليست محذوفة من بينما كما قال بعضهم ؛ لأن (بينما) لا تضاف ، وإنما هي مكفوفة ب : (ما) داخلة على الجملتين.

وتركب (بين) كخمسة عشر فتبنى على الفتح كقوله :

٨٢٩ ـ نحمي حقيقتنا وبع

ض القوم يسقط بين بينا

الأصل بين هؤلاء وبين هؤلاء ، فأزيلت الإضافة وركب الاسمان تركيب خمسة عشر ، فإن أضيف صدر بين بين إلى عجزها جاز بقاء الظرفية ، كقولك : في أحكام الهمزة التسهيل بين بين ، وزوالها كقولك : بين بين أقيس من الإبدال ، وإن أضيف إليها تعين زوال الظرفية ، ومن ثم خطأ أبو الفتح من قال : همزة بين بين بالفتح ، وقال : الصواب همزة بين بين بالإضافة.

حيث :

(ص) حيث للمكان مثلثا ، وحوث ، وإعرابها لغة ، وتلزم الإضافة لجملة ، وندر لمفرد ، وقاسه الكسائي ، وتركها أندر فتعوض (ما) ، وجوز الأخفش وقوعها للزمان ،

__________________

٨٢٧ ـ البيتان من الطويل ، تفرد بهما السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٤ ، ١٦٥.

٨٢٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لابن ميادة في ديوانه ص ٩٩ ، والحماسة البصرية ٢ / ١١٠ ، وكتاب الجيم ٢ / ٨٧ ، وبلا نسبة في الخزانة ٧ / ٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٠.

٨٢٩ ـ البيت بهذه الرواية من الوافر ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٤١ ، والخزانة ٢ / ٢١٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٥٨ ، وشرح المفصل ٤ / ١١٧ ، واللسان مادة (بين) ، واللمع ص ٢٤٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٩١ ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٩٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٠.


وتصرفها نادر ، وأنكره أبو حيان ، وفي وقوعها اسم إن ومفعولا خلف ، وزعمها الزجاج موصولة.

(ش) من الظروف المبنية (حيث) ، وعلة بنائها شبهها بالحرف في الافتقار ؛ إذ لا تستعمل إلا مضافة إلى جملة ، وبنيت على الضم تشبيها بقبل وبعد ؛ لأن الإضافة للجملة كلا إضافة ؛ لأن أثرها وهو الجر لا يظهر ، ومن العرب من بناها على الفتح طلبا للتخفيف ، ومنهم من بناها على الكسر على أصل التقاء الساكنين ، ولغة طيئ إبدال يائها واوا فيقولون : حوث ، وفي ثائها أيضا الحركات الثلاث ، ولغة فقعس إعرابها يقولون : جلست حيث كنت ، وجئت من حيث جئت ، فيجرونها ب : (من) ، وهي عندهم ك : (عند) ، وقرئ : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف : ١٨٢] بالكسر ، فيحتمل الإعراب ، ولغة البناء على الكسر ، وسواء في الجملة الاسمية أو الفعلية ، قال في «المغني» : وإضافتها إلى الفعلية أكثر ، ولهذا رجح النصب في جلست حيث زيدا أراه ، وندرت إضافتها إلى المفرد كقوله :

٨٣٠ ـ ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

وقوله :

٨٣١ ـ أما تري حيث سهيل طالعا

والكسائي يقيسه ، وأندر من ذلك عدم إضافتها لفظا بأن تضاف إلى جملة محذوفة معوضا منها (ما) كقوله :

٨٣٢ ـ إذا ريدة من حيث ما نفحت له

__________________

٨٣٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في شرح شواهد المغني ١ / ٣٨٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٢٥ ، والخزانة ٦ / ٥٥٣ ، ٥٥٧ ، ٥٥٨ ، ٧ / ٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٢ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٤.

٨٣١ ـ الرجز بلا نسبة في الخزانة ٧ / ٣ ، وشرح شذور الذهب ص ١٦٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٩٠ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٥ ، والمفصل ص ١٦٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٤ ، وعمدة الحافظ (حيث) ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢١١ ، واللسان والتاج مادة (حيث) ، وشرح الرضي ٣ / ١٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٩٧ ، وفي نسخة (طالعا) بدلا من (ساطعا).

٨٣٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي حية النميري من ديوانه ص ٧٢ ، والخزانة ٦ / ٥٥٤ ، ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٩٠ ، واللسان مادة (ريد ، خلل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٦ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ١٣٢ ، والتاج مادة (خلل) ، وكتاب العين ٨ / ٦٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٤.


أي : من حيث هبت ، والأصل فيها أن تكون للمكان ، قال الأخفش : وقد ترد للزمان كقوله :

٨٣٣ ـ للفتى عقل يعيش به

حيث تهدي ساقه قدمه

أي : حين تهدي ، ولا تستعمل غالبا إلا ظرفا ، وندر جرها بالباء في قوله :

٨٣٤ ـ كان منّا بحيث يعكي الإزار

وب : (إلى) في قوله :

٨٣٥ ـ إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم

وب : (في) في قوله :

٨٣٦ ـ فأصبح في حيث التقينا شريدهم

وقال ابن مالك : تصرفها نادر ، ومن وقوعها مجردة عن الظرفية قوله :

٨٣٧ ـ إنّ حيث استقرّ من أنت راعي

ه حمى فيه عزّة وأمان

ف : (حيث) اسم إن ، وقال أبو حيان : هذا خطأ ؛ لأن كونها اسما ل : (إن) فرع عن كونها تكون مبتدأ ، ولم يسمع ذلك فيها البتة ، بل اسم إن في البيت (حمى) و (حيث) الخبر ؛ لأنه ظرف ، والصحيح أنها لا تتصرف فلا تكون فاعلا ولا مفعولا به ولا مبتدأ انتهى.

وقال ابن هشام في «المغني» : الغالب كونها في محل نصب على الظرفية أو خفض ب : (من) ، وقد تخفض بغيرها وقد تقع مفعولا وفاقا للفارسي نحو : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ

__________________

٨٣٣ ـ البيت من المديد ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٨٦ ، والخزانة ٧ / ١٩ ، والسمط اللآلي ص ٣١٩ ، واللسان مادة (سوق ، هدي) ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٤ / ٩٢ ، ومجالس ثعلب ص ٢٣٨ ، وشرح الرضي ٣ / ١٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥٩.

٨٣٤ ـ الشطر من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد الإيضاح ص ١٥٩ ، واللسان ٤ / ١٨ ، مادة (أزر) ، والتاج ١٠ / ٤٥ ، مادة (أزر).

٨٣٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٢ ، والخزانة ٣ / ١٥ ، ٧ / ٨ ، ٩ / ١٣ ، ١٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٨٤ ، واللسان مادة (قشعم) وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ١٣١ ، وشرح الرضي ٣ / ١٨٣ ، وانظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٦.

٨٣٦ ـ الشطر من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٧ / ٩.

٨٣٧ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٦.


رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ؛ إذ المعنى أنه سبحانه يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة لا شيئا في المكان ، وناصبها (يعلم) محذوفا مدلولا عليه (بأعلم) لا (بأعلم) نفسه ؛ لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به إلا إن أولته بعالم ، قال : ولم يقع اسما ل : (إن) خلافا لابن مالك ، انتهى.

وزعم الزجاج أن (حيث) موصولة.

دون :

(ص) دون للمكان ، وتصرفه قال البصريون : ممنوع ، والأخفش : قليل ، والمختار وفاقا لبعض المغاربة يستثنى به ، فإن كان بمعنى (رديء) فغير ظرف.

(ش) من الظروف المبنية في بعض الأحوال (دون) كما تقدم ذكره في أخوات (قبل) و (بعد) ، وهو للمكان تقول : قعد زيد دون عمرو ، أي : في مكان منخفض عن مكانه ، وهو ممنوع التصرف عند سيبويه وجمهور البصريين ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه يتصرف لكن بقلة ، وخرج عليه (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن ١١] ، فقال : (دون) مبتدأ وبني ؛ لإضافته إلى مبني ، والأولون

قالوا : تقديره ما دون ذلك فحذف (ما) ، وقال الشاعر :

٨٣٨ ـ وباشرت حدّ الموت والموت دونها

وقال :

٨٣٩ ـ وغبراء يحمي دونها ما وراءها

بالرفع ، ويستثنى به ك : (سوى) فيما نقله أبو حيان في شرح «التسهيل» عن بعض الفقهاء الحنفية ، ونقله أما (دون) بمعنى رديء كقولك : هذا ثوب دون ، فليس بظرف وهو متصرف بوجوه الإعراب.

ريث :

(ص) (ريث) مصدر استعمل بمعنى الزمان فأضيف للفعل ، وقد تليه (ما)

__________________

٨٣٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لموسى بن جابر في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٧١ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ١ / ٢٩٠ ، وشرح شذور الذهب ص ١٠٦ ، وعمدة الحفاظ (دون) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٠.

٨٣٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٠٢٥ ، وأساس البلاغة (قوت) ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٦.


زائدة أو مصدرية ، وأكثر وقوعه مستثنى في منفي ، ولم يصرحوا ببنائه والعلة قائمة.

(ش) (ريث) مصدر راث يريث إذا أبطأ ، فإذا استعمل في معنى الزمان جاز أيضا أن يضاف إلى الفعل فتقول : أتيتك ريث قام زيد ، أي : قدر بطء قيام زيد ، فلما خرجت إلى ظروف الزمان جاز فيها ما جاز في الزمان ، هذا كلام أبي الفضل الصفار في شرح كتاب سيبويه ، ونقله أبو حيان ، وذكر ابن مالك نحوه ، ويؤخذ من قوله : جاز فيه ما جاز في الزمان أنه مبني كسائر أسماء الزمان المضافة إلى الفعل المبني ، فلذا ذكرته في الظروف المبنيات ، ومن شواهده قوله :

٨٤٠ ـ لا يصعب الأمر إلّا ريث يركبه

وقوله :

٨٤١ ـ خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة

وقد يفصل بين ريث والفعل ب : (ما) قال ابن مالك : زائدة أو مصدرية كقوله :

٨٤٢ ـ محيّاه يلقى ينال السؤال

راجيه ريث ما ينثني

عوض :

(ص) (عوض) مثلث لعموم المستقبل ، وقد يرد للمضي ، وقد يضاف للعائضين ، أو يضاف إليه فيعرب ، وقد يجري كالقسم.

(ش) من الظروف المبنية عوض ، وهو للوقت المستقبل عموما كأبدا ، وقد ترد للمضي كقوله :

٨٤٣ ـ فلم أر عاما عوض أكثر هالكا

__________________

٨٤٠ ـ البيت من البسيط ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ٩٥ ، وصدر البيت مع عجز آخر هو :

وكل أمر سوى الفحشاء يأتمر

وهو لأعشى باهلة في اللسان مادة (صب ، ريث ، قفر) ، والأصمعيات ص ٩١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٣.

٨٤١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٦ ، ومغني اللبيب ص ٤٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٠٨.

٨٤٢ ـ البيت من المتقارب ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٠.

٨٤٣ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في اللسان ٧ / ٩٣ ، مادة (عوض) ، والتاج ١٨ / ٤٤٨ ، مادة (عوض) ، والمعاني الكبير ص ١٢٠٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٧.


وبني لشبهه بالحرف في إبهامه ؛ لأنه يقع على كلّ ما تأخر من الزمان ، وبناؤه إما على الضم كقبل وبعد ، أو على الفتح طلبا للخفة ، أو على الكسر على أصل التقاء الساكنين.

فإن أضيف إلى العائضين كقولهم : لا أفعل ذلك عوض العائضين ، أي : دهر الداهرين ، أو أضيف إليه كقوله :

٨٤٤ ـ ولو لا نبل عوض في

حظبّاي وأوصالي

أعرب في الحالين لمعارضته الشبه بالإضافة التي هي من خصائص الأسماء ، قال أبو حيان : وقد كثر استعمال (عوض) حتى أجروه مجرى القسم كقوله :

٨٤٥ ـ رضيعي لبان ثدي أمّ تحالفا

بأسحم داج عوض لا نتفرّق

قط :

(ص) (قط) مقابل عوض ، ويختصان بالنفي ، والأفصح فتح القاف وتشديد الطاء ضما ، وقال الكسائي : أصله قطط ، ويقال : قط وقط وقط وقط وقط ، وقال الأخفش : إن أريد الزمان ضم ، أو التقليل سكن ، فإن لقي همز وصل وكسر ، وترد (قط) و (قد) اسمي فعل بمعني يكفي مبنيين ، فقيل : الدال بدل من الطاء ، وقيل : قد منقولة من الحرفية ، وبمعنى حسب فالغالب البناء ، ويضافان للياء والكاف والظاهر.

(ش) من الظروف المبنية قط وهو مقابل عوض فهي للوقت الماضي عموما ، وبنيت لشبه الحروف في إبهامه ؛ لوقوعها على كل ما تقدم من الزمان ، وقيل : لأنها تضمنت معنى (في) ؛ لأنها لا يحسن فيها بخلاف الظروف ، وقيل : لأنها تضمنت معنى منذ فمعنى ما رأيته قط منذ خلقت ، وقيل : لأنها تضمنت معنى من الاستغراقية ، وقيل : لافتقارها إلى الجملة ، وقيل : لأنها أشبهت الفعل الماضي ؛ لأنها لزمانه ، وبنيت على الضم تشبيها بقبل

__________________

٨٤٤ ـ البيت من الهزج ، وهو للفند الزماني في الخزانة ٧ / ١١٦ ، ١١٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٣٨ ، واللسان والتاج مادة (خظب) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٦ ، وفي نسخة (خضماتي) بدلا من (خظباي).

٨٤٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٧٥ ، وأدب الكاتب ص ٤٠٧ ، وإصلاح المنطق ص ٢٩٧ ، وجمهرة اللغة ص ٩٠٥ ، والخزانة ٧ / ١٣٨ ، ١٤٠ ، ١٤٤ ، والخصائص ١ / ٢٢٦٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٠٣ ، وشرح المفصل ٤ / ١٠٧ ، والصاحبي ص ١٥٦ ، واللسان والتاج مادة (عوض ، سحم ، لبن) ، وأساس البلاغة ، وعمدة الحفاظ (رضع) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٩١.


وبعد ، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وقد تتبع قافه طاءه في الضم ، وقد تخفف طاؤه مع ضمها وإسكانها فهذه خمس لغات.

وزعم الأخفش : أنك إذا أردت بها الزمان تضم أبدا نحو : ما رأيت مثله قط ، فإن قللت ب : (قط) شيئا سكنت نحو : ما عندك إلا هذا قط ، فإن لقيت ألف وصل كسرت لالتقاء الساكنين نحو : ما علمت إلا هذا قط اليوم وما عندك إلا هذا قط الآن ، وزعم الكسائي أن أصل قط قطط بضم الطاء الأولى وسكون الثانية سكنت الأولى وأدغمت وجعلت الثانية على حركتها ، قالوا : وأصلها مصدر وهو القط بمعنى القطع ، نقلت إلى الظرف ، فقولك : ما رأيته قط معناه ما رأيته فيما انقطع من عمري ، وتختص هي و (عوض) بالنفي نحو : ما أفعله عوض ولا فعلته قط فلا يستعملان في الإيجاب.

وترد (قط) و (قد) اسمي فعل بمعنى يكفي نحو : قد زيدا درهم ، أي : يكفيه ، وقدني وقطني بنون الوقاية ، أي : يكفيني ، وليس فيهما إلا البناء على السكون ، ثم قيل : هما كلمتان مستقلتان ، وقيل : الدال بدل من الطاء ، وقيل : (قد) هي الحرفية نقلت إلى الاسمية ويردان أيضا اسمين مرادفين ل : (حسب) فالغالب حينئذ بناؤهما على السكون لوضعهما على حرفين ، ويضافان إلى الاسم الظاهر وإلى ياء المتكلم وكاف المخاطب نحو : قد زيد درهم ، وقط زيد درهم ، وقدي وقطي بلا نون ، وقدك وقطك ، وقد يعربان وهو قليل : يقال قد زيد أو قط زيد درهم بالرفع كما يقال حسبه درهم.

كيف :

(ص) (كيف) ويقال : (كي) اسم يستفهم به عن الخبر قبل ما لا يستغنى به ، والحال قبل ما يستغني ، ومعناها على أي حال ، قال سيبويه : ظرف ، وأنكره غيره ، وابن مالك أطلقه مجازا ، فعلى الأول محلها نصب دائما ، ويجاب بعلى كذا.

(ش) (كيف) اسم لدخول الجار عليها في قولهم : على كيف تبيع الأحمرين؟ وإبدال الاسم الصريح منها نحو : كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ والإخبار بها مع مباشرة الفعل نحو : كيف كنت؟ ويقال فيها كي كما يقال في سوف : (سو) قال :

٨٤٦ ـ كي تجنحون إلى سلم وما تئرت

__________________

٨٤٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٦٥ ، وجواهر الأدب ص ٢٣٣ ، والخزانة ٧ / ١٠٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٤٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥٠٧ ، ٢ / ٥٥٧ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٢ ، ٢٠٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٧٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦١.


والغالب فيها أن تكون استفهاما إما حقيقيا نحو : كيف زيد؟ أو غيره نحو : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨] ، وتقع خبرا قبل ما لا يستغنى به نحو : كيف أنت وكيف كنت وكيف ظننت زيدا ، وحالا قبل ما يستغني نحو : كيف جاء زيد؟ أي : على أيّ حالة جاء زيد.

وإنما بنيت لتضمنها معنى همزة الاستفهام ، وبنيت على فتحة طلبا للخفة ، وعن سيبويه أن (كيف) ظرف ، وأنكره الأخفش والسيرافي وقالا : هي اسم غير ظرف ، ورتبوا على الخلاف أمورا :

أحدها أن موضعها عند سيبويه نصب دائما وعند غيره رفع مع المبتدأ نصب مع غيره.

الثاني أن تقديرها عنده في أيّ حال؟ أو على أيّ حال؟ وعنده غيره تقديرها في نحو :كيف زيد أصحيح زيد؟ وفي نحو : كيف جاء زيد أراكبا جاء زيد؟ ونحوه.

الثالث أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال : على خير ونحوه ، وعند غيره أن يقال : صحيح أو نحوه.

وقال ابن مالك : لم يقل أحد إن (كيف) ظرف ؛ إذ ليست زمانا ولا مكانا ، ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أيّ حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا ؛ لأنها في تأويل الجار والمجرور واسم الظرف يطلق عليهما مجازا.

قال ابن هشام : وهذا حسن.

لدن :

(ص) لدن لأول غاية زمان أو مكان ، وتلزم (من) غالبا ، ويقال : لدن ولدن ولدن ولدن ولد ولد ولد ولت ، وإعراب الأولى لغة ، وترد النون مضافة لمضمر ، وتضاف لمفرد وجملة ، خلافا لابن الدهان ، وسمع نصب (غدوة) بعدها تمييزا ، ورفعها بإضمار (كان) ، ويعطف على (غدوة) المنصوبة وجوبا ، وفاقا لأبي حيان ، وخلافا للأخفش وابن مالك.

(ش) من الظروف المبنية (لدن) وهي لأول غاية زمان أو مكان ، وبنيت لشبهها بالحرف في لزومها استعمالا واحدا ، وهي كونها مبتدأ غاية ، وامتناع الإخبار بها وعنها ،


ولا يبنى عليها المبتدأ بخلاف (عند) و (لدى) فإنهما لا يلزمان استعمالا واحدا ، بل يكونان لابتداء الغاية وغيرها ، ويبنى عليهما المبتدأ ، قال تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩] ، (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥].

والغالب اقترانها ب : (من) نحو : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ) [آل عمران : ٨] ، (آتَيْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الكهف : ٦٥] ، وقد تجرد منها كقوله : لدن غدوة ، لدن شبت.

وإعراب لدن لغة قيسية تشبيها بعند ، وبه قرأ عاصم (بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف : ٢] بالجر وإشمام الدال الساكنة الضم ، والأصل من لدنه بضم الدال ، قال ابن مالك : وفيها على غير اللغة القيسية تسع لغات : سكون النون مع ضم الدال ، وفتحها ، أو كسرها ، وسكونها مع سكون الدال ، وفتح اللام ، أو ضمها ، وفتح النون مع سكون الدال ، وحذف النون مع سكون الدال وفتح اللام ، أو ضمها ، وحذف النون مع ضم الدال وفتح اللام ، وزاد أبو حيان عاشرة وهي لت بلام مفتوحة وتاء مكسورة ، قال سيبويه : و (لد) بلا نون محذوفة من (لدن) كما أن (يك) محذوفة من (يكن) ، ألا ترى أنك إذا أضفته لمضمر رددته إلى أصله فتقول : من لدنه ومن لدني؟ ولا يجوز من لدك ولا من لده ، ويجر تالي لدن بالإضافة لفظا إن كان مفردا كقوله :

٨٤٧ ـ تنتفض الرّعدة في ظهيري

من لدن الظّهر إلى العصير

وتقديرا إن كان جملة اسمية كقوله :

٨٤٨ ـ وتذكر نعماه لدن أنت يافع

أو فعلية كقوله :

٨٤٩ ـ لدن شبّ حتى شاب سود الذّوائب

__________________

٨٤٧ ـ الرجز لرجل من طيىء في المقاصد النحوية ٣ / ٤٢٩ ، وبلا نسبة في اللسان والتاج مادة (نهض) ، والخصائص ٢ / ٢٣٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٨ ، ٢ / ٢٦٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٣ ، وسيعاد برقم (١٧٨٥) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٤.

٨٤٨ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٧ / ١١١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٨ ، ٢ / ٢٦٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٩.

٨٤٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٤٤ ، والخزانة ٧ / ٨٦ ، والسمط ص ١٣٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٥٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٢٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٤٧ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٤٥ ، وتخليص الشواهد ص ٢٦٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٨ ، ومغني اللبيب ص ١٥٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٨.


ومنع ابن الدهان من إضافة لدن إلى الجملة ، وأول ما ورد من ذلك على تقدير أن المصدرية ، بدليل ظهورها معها في قوله :

٨٥٠ ـ أراني لدن أن غاب رهطي

وقوله :

٨٥١ ـ وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا

قرابة ذي قربى ولا حقّ مسلم

وسمع نصب (غدوة) بعدها في قوله :

٨٥٢ ـ لدن غدوة حتى دنت لغروب

وخرج على التمييز ، وحكى الكوفيون رفع (غدوة) بعدها وخرج على إضمار كان ، أي : لدن كانت غدوة ، قال سيبويه : لا تنصب (لدن) غير (غدوة) ، ولا تقول : (لدن بكرة) ؛ لأنه لم يكثر في كلامهم ، وإذا عطف على غدوة المنصوب بعدها فقيل : لدن غدوة وعشية جاز عند الأخفش في المعطوف الجر على الموضع ، والنصب على اللفظ ، وضعف ابن مالك في شرح «الكافية» النصب ، وأوجبه أبو حيان ومنع الجر ؛ لأن (غدوة) عند من نصبه ليس في موضع جر فليس من باب العطف على الموضع ، قال : ولا يلزم من ذلك أن يكون (لدن) انتصب بعدها ظرف غير (غدوة) ، وهو غير محفوظ إلا فيها ؛ لأنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل ، وهذه المسألة مذكورة في «الكافية الشافية» ساقطة من «التسهيل».

لما :

(ص) لما حرف وجود لوجود ، وقال ابن السراج والفارسي وابن جني : ظرف ك : (إذ) ، وتختص بالماضي ، وتقتضي جملتين ، وعاملها الجواب ، ويكون ماضيا ، قال ابن عصفور : ومضارعا ، وابن مالك : واسمية ب : (إذا) أو الفاء ، وتحذف لدليل.

__________________

٨٥٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٦٥ ، وأساس البلاغة (رنب).

٨٥١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٧ / ١١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٢.

٨٥٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي سفيان بن حرب في الحيوان ١ / ٣١٨ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٢٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٨ ، ٢ / ٢٦٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٤ ، واللسان مادة (لدن) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٢٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٩.


(ش) من الظروف المبنية (لما) التي هي كلمة وجود لوجود ، والقول بظرفيتها رأي ابن السراج والفارسي وابن جني وجماعة ، حتى قالوا : إنها ظرف بمعنى (حين) ، وعبارة ابن مالك : بمعنى (إذ).

قال ابن هشام : وهو حسن ؛ لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة ، ومذهب سيبويه وابن خروف أنها حرف وتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عن وجود أولاهما نحو : لما جاءني أكرمته ، والعامل فيها على الظرفية جوابها ويكون فعلا ماضيا اتفاقا كالمثال المذكور ، وكقوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء : ٦٧] ، وجوز ابن عصفور كونه مضارعا نحو : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا) [هود : ٧٤] ، والجمهور أولوه بالماضي ، أي : جادلنا ، والجواب محذوف ، أي : أقبل يجادلنا ، وجوز ابن مالك كونه جملة اسمية مقرونة بالفاء أو بإذا الفجائية نحو : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢] ، (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ، وقيل : في آيةالفاء إن الجواب محذوف ، أي : انقسموا قسمين ، وقد يحذف الجواب لدليل كالآية المذكورة.

مذ ومنذ :

(ص) (مذ ومنذ) وهي الأصل ، خلافا لابن ملكون ، وقيل : المحذوف اللام وليست مركبة ، وقيل : أصلها (من ذو) ، وقيل : (من إذ) ، وقيل : (من ذا) ، وكسر ميمها لغة ، وسكون مذ قبل حركة وضمها قبل (ساكن) أشهر ، فإن وليهما جملة فظرفان مضافان إليها ، أو إلى زمان مقدر قولان ، وقيل : مبتدآن خبرهما زمن مقدر أو اسم مرفوع ، فقال المبرد وابن السراج والفارسي : مبتدآن له ومعناهما الأبد في حاضر ومعدود ، وأول المدة في ماض ، والأخفش والزجاج والزجاجي : ظرفان خبراه ومعناهما بين ، والكوفية والسهيلي وابن مضاء وابن مالك : مضافان لفعل حذف ، والثاني فاعله ، وقوم : خبر لمحذوف أو مجرور فحرفان ، وقيل : اسمان بمعنى (من) في ماض وفي حاضر ، و (من) و (إلى) في معدود ، وأكثر العرب توجب جرهما الحال ، وترجح جر منذ الماضي ورفع (مذ) له ، ويجوز رفع مصدر بعدهما وجره وأن وصلتها ولا يجران مضمرا ، ولا يلحقان بالمتصرف على الأصح فيهما.

(ش) من الظروف المبنية في بعض الأحوال مذ ومنذ ومنذ بسيطة ، وقيل : مركبة


وعليه الكوفيون ، ثم اختلفوا فقال الفراء : أصلها (من ذو) من الجارة وذو الطائية بمعنى الذي ، وقال غيره : أصلها (من إذ) حذفت الهمزة فالتقى ساكنان النون والذال فحركت الذال وجعلت حركتها الضمة التي هي أثقل الحركات ؛ لأنها ضمنت معنى شيئين (من) و (إلى) ؛ إذ قولك : ما رأيته منذ يومان ، معناه من أول هذا الوقت ، فقامت مقامهما فقويت ، ثم ضمت الميم إتباعا لحركة الذال ، وعندي أن التعليل بالحمل على سائر الظروف قبل وبعد وقط وعوض أولى.

ومذ أصله منذ وهي محذوفة منها عند الجمهور بدليل رجوعهم إلى ضم ذال (مذ) عند ملاقاة الساكن نحو : مذ اليوم ، ولو لا أن الأصل الضم لكسر ، أو لأن بعضهم يقول :مذ زمن طويل ، فيضم مع عدم الساكن ، على أن بعض العرب يكسر قبل الساكن على أصل التقاء الساكنين ، وقال ابن ملكون : هما أصلان ؛ لأن الحذف والتصريف لا يكونان في الحروف ولا في الأسماء غير المتمكنة ، ورده الشلوبين بأنه قد جاء الحذف في الحروف ، ألا ترى تخفيفهم إن وأن وكأن ، وقالوا في لعل : علّ ، وقد جعل سيبويه عل من العلو.

وكسر ميم مذ ومنذ لغة بني سليم كذا قال ابن مالك ، وقال أبو حيان : حكى اللحياني في «نوادره» كسر منذ عن بني سليم وكسر مذ عن عكل.

ولهما ثلاثة أحوال :

الأول : أن يليهما الجملة الاسمية أو الفعلية كقوله :

٨٥٣ ـ وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

وقوله :

٨٥٤ ـ ما زال مذ عقدت يداه إزاره

__________________

٨٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٥ ، وتذكرة النحاة ص ٥٨٩ ، ٦٣٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٧ ، ٧٥٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩٧.

٨٥٤ ـ البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣٠٥ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٢٣ ، والجنى الداني ص ٥٠٤ ، وجواهر الأدب ص ٣١٧ ، والخزانة ١ / ٢١٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣١٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢١ ، ٦ / ٣٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٠.


وقوله :

٨٥٥ ـ منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع

والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان ، فقيل : إلى الجملة وعليه سيبويه والسيرافي والفارسي وابن مالك ، وقيل : إلى زمان مضاف إلى الجملة وعليه ابن عصفور ؛ لأنهما لا يدخلان عنده إلا على أسماء الزمان ملفوظا بها أو مقدرة ، فالتقدير في ما رأيته مذ زيد قائم مذ زمن زيد قائم ، وقيل : إنهما حينئذ مبتدآن فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر ، وعليه الأخفش.

الحال الثاني : أن يليهما اسم مرفوع نحو : مذ يوم الخميس ومنذ يومان وفيهما حينئذ مذاهب :

أحدها : وعليه المبرد وابن السراج والفارسي أنهما حينئذ مبتدآن وما بعدهما خبر ، ومعناهما الأمد إن كان الزمان حاضرا ، أو معدودا ، وأول المدة إن كان ماضيا ، هذه عبارة «المغني» ، وعبارة أبي حيان : وتقديرهما في المنكر الأمد ، والتقدير أمد انقطاع الرؤية يومان ، وفي المعرفة أول الوقت والتقدير : أول انقطاع الرؤية يوم الخميس.

الثاني : وعليه الأخفش والزجاج والزجاجي أن المرفوع بعدهما مبتدأ ومذ ومنذ ظرفان خبر له كما إذا أضيفا إلى جملة ، ومعناهما بين وبين مضافين فمعنى ما لقيته مذ يومان بيني وبين لقائه يومان ، ولا يخفى ما في هذا من التعسف ؛ لأنه تقدير ما لم يصرحوا به في موضع ما.

الثالث : وعليه أكثر الكوفيين والسهيلي وابن مضاء وابن مالك أنهما ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها وبقي فاعلها ، والأصل مذ كان أو مضى يومان ، قال ابن مالك : ويرجحه أن فيه إجراء مذ ومنذ على طريقة واحدة ، فهو أولى من اختلاف الاستعمال ، وفيه تخلص من ابتداء بنكرة بلا مسوغ إن ادعي التنكير ، ومن تعريف غير معتاد إن ادعي التعريف ، قال أبو حيان : وقد يرد بأن الكوفيين إنما قالوا ذلك بناء على رأيهم أنها مركبة من (من) و (ذو الطائية) ، أو من (من) و (إذ) فما بعدهما من الصلة ، أو المضاف إليه وهما باطلان ، وبأن إضمار الفعل ليس بقياس.

__________________

٨٥٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي ذؤيب في شرح أشعار الهذليين ١ / ٥ ، واللسان مادة (نفع ، أمم) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٢.


الرابع : وعليه بعض الكوفيين أنه خبر لمبتدأ محذوف بناء على أنها من (من) و (ذو الطائية) ، والتقدير ما رأيته من الزمن الذي هو يومان ، والكلام على هذا القول وما قبله واحدة جملة واحدة ، وعلى الأولين جملتان ، وعلى هذا اختلف هل لجملة مذ ومنذ ومرفوعهما محل من الإعراب؟ فقال الجمهور : لا ، وقال السيرافي : إنها في موضع الحال ، كأنه قال : ما رأيته متقدما ، ورد بأنها خرجت مخرج الجواب كأنه قيل له : ما أمد ذلك؟ قال : يومان ، وبأنه لا رابط فيها من ضمير أو واو.

الحال الثالث : أن يقع بعدهما اسم مجرور فقيل : هما اسمان مضافان ؛ لأن الاسمية قد تثبت لهما فلا يخرجان عنها ما أمكن بقاؤهما عليها ، وقد أمكن ذلك بأن يجعلا ظرفين في موضع نصب بالفعل قبلهما ، والجمهور على أنهما حينئذ حرفا جر ؛ لإيصالهما الفعل إلى (كم) كما يوصل حرف الجر تقول : منذ كم سرت؟ كما تقول : بكم اشتريت؟ ولو كانا ظرفين لجاز أن يستغني الفعل بعدهما عن العمل فيهما بإعماله في ضميرهما ، فكان يقال : منذ كم سرت فيه أو سرته إن اتسع ، كما تقول : يوم الجمعة قمت فيه أو قمته ، ولم تتكلم العرب بذلك ، وعلى هذا فهما بمعنى (من) إن كان الزمان ماضيا ، وبمعنى (في) إن كان حاضرا.

وبمعنى (من) و (إلى) جميعا إن كان معدودا نحو : ما رأيته مذ يوم الخميس أو منذ يومنا أو عامنا ، أو مذ ثلاثة أيام ، وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر ، وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه ، وعلى ترجيح رفع مذ للماضي على جره ، ومن الكثير في منذ قوله :

٨٥٦ ـ وربع عفت آثاره منذ أزمان

ومن القليل في (مذ) قوله :

٨٥٧ ـ أقوين مذ حجج ومذ دهر

__________________

٨٥٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٨٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٤ ، ٢ / ٧٥٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٤٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٧ ، ٢ / ٢٢٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٣٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١٩.

٨٥٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٨٦ ، والأزهية ص ٢٨٣ ، وأسرار العربية ص ٢٧٣ ، والأغاني ٦ / ٨٦ ، والإنصاف ١ / ٣٧١ ، والخزانة ٩ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٤ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٣ ، ٨ / ١١ ، والشعر والشعراء ١ / ١٤٥ ، واللسان مادة (حجر ، منن) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٦.


ويجوز وقوع المصدر بعدهما نحو : ما رأيته مذ قدوم زيد بالرفع والجر ، وهو على حذف زمان ، أي : من زمن قدوم زيد ، ويجوز وقوع (أن) وصلتها بعدهما نحو : ما رأيته مذ أن الله خلقني فيحكم على موضعهما بما حكم به للفظ المصدر من رفع أو جر ، وهو على تقدير زمان أيضا ، ومذ ومنذ لا يجران إلا الظاهر من اسم الزمان أو المصدر على ما بين ، وأجاز المبرد أن يجرا مضمر الزمان نحو : يوم الخميس ما رأيته منذه أو مذه ، ورد بأن العرب لم تقله.

ولا يلحق مذ ومنذ بالظروف المتصرفة عند الجمهور من البصريين ، ومن قال بأنهما مبتدآن في الحال الثاني ألحقهما بالمتصرف.

مع :

(ص) (مع) لمكان الاجتماع أو وقته ، وتجر ب : (من) وتقع خبرا وصلة وصفة وحالا ، وسكونها قبل حركة وكسرها قبل سكون لغة ، وليست حينئذ حرف جر خلافا للنحاس ، وتفرد فتكون حالا بمعنى جميع وغيره بقلة ، وهل هي حينئذ مقصورة؟ خلاف ، ولا لسلب الاتحاد في الوقت وفاقا لثعلب وابن خالويه وأبي حيان.

(ش) من الظروف العادمة التصرف (مع) وهي اسم لمكان الاجتماع أو وقته ، تقول : زيد مع عمرو ، وجئت مع العصر ، ويدل على اسميتها تنوينها في قولك : معا ، ودخول (من) عليها في قولهم : ذهب من معه ، وقرئ : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) [الأنبياء ٢٤].

قال ابن مالك : (وكان حقه البناء لشبهه بالحروف في الجمود المحض وهو لزوم وجه واحد من الاستعمال والوضع الناقص ؛ إذ هي على حرفين بلا ثالث محقق العود ، إلا أنها أعربت في أكثر اللغات لمشابهتها (عند) في وقوعها خبرا وصفة وحالا وصلة ودالا على حضور ، وعلى قرب ، فالحضور ك : (نَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ) [الشعراء : ١١٨] ، والقرب ك : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح ٦] ، وتسكينها قبل حركة نحو : زيد مع عمرو ، وكسرها قبل سكون نحو : زيد مع القوم لغة ربيعة وحركتها حركة إعراب فلذلك تأثرت بالعوامل في من معه ، ومن سكن بنى وهو القياس ، واسميتها حين السكون باقية على الأصح كما يشعر به كلام سيبويه ؛ لأن معناها مبنية ومعربة واحد ، وزعم النحاس أنها حينئذ حرف جر وليس بصحيح) انتهى.

وبذلك عرف وجه ذكر (مع) في الظروف المبنيات ؛ لأنها مبنية في بعض اللغات مع


التصريح في أول الكتاب بإعرابها ، وتفرد عن الإضافة فتكون في الأكثر منصوبة على الحال نحو : جاء زيد وبكر معا ، وقل وقوعها في موضع رفع خبرا كقوله :

٨٥٨ ـ أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معا

وقوله :

٨٥٩ ـ أكفّ صحابي حين حاجاتنا معا

واختلف في (معا) فذهب الخليل وسيبويه وصححه أبو حيان إلى أن فتحتها إعراب كما في حال الإضافة ، والكلمة ثنائية اللفظ حين الإفراد وحال الإضافة ، وذهب يونس والأخفش وصححه ابن مالك إلى أن فتحتها كفتحة تاء فتى ، وأنها حين أفردت رد إليها المحذوف وهو لام الكلمة فصار مقصورا ، وأيده ابن مالك بوقوعه كذلك حالة الرفع كالمقصور ، ورده أبو حيان بأن شأن الظرف غير المتصرف إذا أخبر به أن يبقى على نصبه ، ولا يرفع تقول : الزيدان عندك ، وذهب ابن مالك إلى أنها في الإفراد مساوية لمعنى (جميع) ، قال أبو حيان : وليس بصحيح ، فقد قال ثعلب : إذا قلت جاءا جميعا احتمل أن فعلهما في وقت أو وقتين ، وإذا قلت جاءا معا فالوقت واحد ، وكذا ذكر ابن خالويه أنها باقية الدلالة على الاتحاد في الوقت.

الزمن المبهم المضاف لجملة :

(ص) ومنها كل زمن مبهم مضاف لجملة ، فإن صدرت بمبني فبناؤه راجح ، أو معرب فمرجوح ، ومنعه البصرية ، أو (ما) أو (لا) لم تتغير ، أو (لا) التبرئة فكذلك ، وقد يجر اسمها ويرفع ، ومنع سيبويه إضافة مستقبل لاسمية ، وجوزه الأخفش وابن مالك.

(ش) من الظروف التي تبنى جوازا لا وجوبا كل أسماء الزمان المبهمة إذا أضيفت إلى الجمل ، والمراد بالمبهمة ما لا يختص بوجه ك : حين ومدة ووقت وزمن ، وما يختص

__________________

٨٥٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لجندل بن عمرو في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٤٦ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣١٢ ، ومغني اللبيب ص ٣٣٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١٨.

٨٥٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ١٧٤ ، وأمالي القالي ٢ / ٣١٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٤٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٥.


بوجه دون وجه كنهار وصباح ومساء وغداة وعشية ، بخلاف ما يختص بتعريف أو غيره ك : أمس وغد ، فإنه لا يضاف إلى الجمل ، ومنه المحدود والمعدود والموقت كيومين وليلتين وأسبوع وشهر وسنة ، فلا يضاف شيء من ذلك إلى الجمل على الصحيح عند ابن مالك وغيره ، ويضاف الجميع إليها كالمفرد ، وسواء في الجمل الفعلية والاسمية لكن البناء راجح فيما كان صدرها مبنيا نحو : «كيوم ولدته أمه» (١).

٨٦٠ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع

٨٦١ ـ على حين يستصبين كلّ حليم

مرجوح فيما كان صدرها معربا ، قرأ نافع : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) [المائدة : ١١٩] بالبناء ، وقرأ الستة بالإعراب ، وقال الشاعر :

٨٦٢ ـ على حين لا بدو يرجّي ولا حضر

وقال :

٨٦٣ ـ كريم على حين الكرام قليل

__________________

٨٦٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣٢ ، والأضداد ص ١٥١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٥ ، والخزانة ٢ / ٤٥٦ ، ٣ / ٤٠٧ ، ٦ / ٥٥٠ ، ٥٥٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٦ ، ٨٨٣ ، والكتاب ٢ / ٣٣٠ ، واللسان مادة (وزع ، خشف) ، والتاج مادة (وزع) ، وأساس البلاغة (عتب) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٢٤.

٨٦١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٣٥ ، والخزانة ٣ / ٣٠٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٥ ، ٢ / ٢٥٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥١٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٢.

٨٦٢ ـ الشطر من الطويل ، تفرد به السيوطي ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.

٨٦٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لمبشر بن هذيل في ديوان المعاني ١ / ٨٩ ، وله أو لموبال بن جهم المذحجي في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٢ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣١٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥١٨ ، وانظر الحماسة البصرية ٢ / ٥٤ ، القطعة رقم ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٩.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الحج ، باب فضل الحج المبرور (١٥٢١) ، ومسلم ، كتاب الحج ، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (١٣٥٠).


وقال :

٨٦٤ ـ على حين التّواصل غير داني

رويت الثلاثة بالفتح ، ومنع البصريون البناء في هذا القسم ، وأوجبوا الإعراب ، وأيد ابن مالك مذهب الكوفيين بالسماع لقراءة نافع السابقة والأبيات ، وإن صدرت الجملة ب :(ما) أو (لا) أختي ليس لم يختلف الحكم من بقاء رفعهما الاسم ونصبهما الخبر ، والإضافة بحالها كقوله :

٨٦٥ ـ على حين ما هذا بحين تصاب

وقوله :

٨٦٦ ـ وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

وإن صدرت ب : (لا) التبرئة بقي اسمها أيضا على ما كان من بناء أو نصب ، وقد يجر وقد يرفع حكي : جئتك يوم لا حر ولا برد بالبناء ، وبالجر وبالرفع وقال :

٨٦٧ ـ تركتني حين لا مال أعيش به

بالرفع.

ومذهب سيبويه أن الظرف إذا كان بمعنى المستقبل تعين إضافته للفعلية ، ولا يجوز إضافته إلى الاسمية ؛ لأنه حينئذ بمعنى (إذا) ، وهي لا تضاف إليها فلا يقال : آتيك حين زيد ذاهب ، بخلاف الذي بمعنى الماضي فإنه بمعنى (إذ) ، فيضاف للفعلية والاسمية معا كهي ، وذهب الأخفش إلى جواز إضافة المستقبل إلى الاسمية أيضا ، وصححه ابن مالك مستدلا بنحو قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) [غافر : ١٦] ، قال أبو حيان : إنما أجاز الأخفش ذلك ؛ لأنه يجيز في (إذا) أن تضاف إلى الاسمية فكذا ما هو بمعناها.

__________________

٨٦٤ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٣٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٥ ، ٢ / ٢٥٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٢ ، وشرح شذور الذهب ص ١٠٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٩.

٨٦٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٧١٧.

٨٦٦ ـ تقدم الشاهد برقم (٤٥٠).

٨٦٧ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي الطفيل عامر بن واثلة في الخزانة ٤ / ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١ ، والكتاب ٢ / ٣٠٣ ، وشرح الرضي ٢ / ١٦٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥.


(ص) أو لمبني ، وألحق به في ذلك ناقص الدلالة ك : (غير) و (مثل) ، والمختار وفاقا لابن مالك لا يبنى مضاف لمبني مطلقا.

(ش) من الظروف التي تبنى جوازا لا وجوبا أسماء الزمان المبهمة إذا أضيفت إلى مبني مفرد نحو : (يومئذ) و (حينئذ) ، وألحق بها الأكثرون كل اسم ناقص الدلالة ك : (غير) و (مثل) و (دون) و (بين) ، فبنوه إذا أضيف إلى مبني نحو : ما قام أحد غيرك ، وقال تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] ، وقرئ : (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ) [هود : ٨٩] بفتح اللام ، وقال : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن ١١] ، (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] ، وقال الشاعر :

٨٦٨ ـ وإذ ما مثلهم بشر

وقال :

٨٦٩ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

والقول ببناء المضاف إلى ياء المتكلم من شعب هذا الأصل ، وذهب ابن مالك إلى أنه لا يبنى مضاف إلى مبني بسبب إضافته إليه أصلا لا ظرفا ولا غيره ؛ لأن الإضافة من خصائص الأسماء التي تكف سبب البناء ، وتلغيه في غير موضع فكيف تكون داعية إليه؟ والفتحات في الشواهد السابقة حركات إعراب ف : (مثل) في الآية الأولى حال من ضمير (لحقّ) المستكن ، وفي الثانية مصدر أو حال ، وفاعل يصيبكم (الله) ، وفي البيت حال ، و (غير) في المثال والبيت حال أو مستثنى ، و (دون) و (بين) منصوبان على الظرفية ، وهذا الذي ذهب إليه هو المختار.

(ص) ولا يعلق الرابط الجملة المضاف إليها إلا نادرا.

(ش) قال ابن مالك : كل مضاف إلى جملة مقدر الإضافة إلى مصدر من معناها ، ومن أجل ذلك لا يعود منها ضمير إلى المضاف إليها كما لا يعود من المصدر ، فإن سمع ذلك عد نادرا كقوله :

__________________

٨٦٨ ـ تقدم الشاهد برقم (٤٢٤).

٨٦٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي قيس بن الأسلت في ديوانه ص ٨٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٦ ، والخزانة ٣ / ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ولأبي قيس بن رفاعة في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٨٠ ، وشرح شواهد المغني ، ١ / ٤٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٦٥ ، ٢١٤ ، ٥ / ٢٩٦ ، والإنصاف ١ / ٢٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥١.


٨٧٠ ـ مضت مائة لعام ولدت فيه

وقوله :

٨٧١ ـ وتسخن ليلة لا يستطيع

نباحا بها الكلب إلّا هريرا

والمعروف أنه إذا كان في الجملة ضمير فصلت عن الإضافة وجعلت صفة كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١].

المفعول معه :

(ص) هو التالي واو المصاحبة ، والأصح أنه مقيس ، فقيل : لا يختص ، والجمهور : بما صلح فيه العطف ولو مجازا ، والمبرد والسيرافي : بما كان الثاني مؤثرا للأول ، وهو سببه ، والخضراوي : بما في معنى ما سمع.

(ش) المفعول معه هو التالي واو المصاحبة ، فخرج غير التالي واوا مما قد يطلق عليه في اللغة مفعولا معه كالمجرور ب : (مع) وبباء المصاحبة كجلست مع زيد ، وبعتك الفرس بلجامه ، والتالي واو العطف فإن المصاحبة فيه مفهومة من العامل السابق لا من الواو ، وهنا لا تفهم إلا من الواو.

وفي كون هذا الباب مقيسا خلاف ، فبعض النحويين : يقتصر في مسائله على السماع ، ونسبه جماعة إلى الأكثرين ، قال ابن عصفور : ومعناه أنهم لا يجيزونه إلا حيث لا يراد بالواو معنى العطف المحض ؛ لأن السماع إنما ورد به هناك ، والصحيح استعمال القياس فيه.

ثم اختلف فقوم يقيسونه في كل شيء حتى حيث يراد بالواو معنى العطف المحض نحو : قام زيد وعمرا ، وحيث لا يتصور معنى العطف أصلا نحو : قعدت أو ضحكت أو انتظرتك وطلوع الشمس وعليه ابن مالك والجمهور كما قال أبو حيان : خصوه بما صلح فيه معنى العطف ومعنى المفعول به فلا يجوز حيث لا يتصور معنى العطف لقيام الأدلة

__________________

٨٧٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٦١ ، والأغاني ٥ / ٦ ، والخزانة ٣ / ١٦٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦١٤ ، ٩٢٠ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٠٠ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ٢ / ٥٩٢ ، والمقرب ١ / ٢١٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٧.

٨٧١ ـ البيت من المتقارب ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٤٥ ، والخزانة ١ / ٦٦ ، والحيوان ١ / ٣٨٨ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ٢ / ٥٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٣١.


على أن واو (مع) عطف في الأصل ، ولا حيث تمحض معنى العطف ؛ لأن دخول معنى المفعول به هو الذي سوغ خروجه بما يقتضيه العطف من المشاكلة التي تؤثرها العرب على غيرها إلى النصب.

وسواء صلح فيه العطف حقيقة نحو : جاء البرد والطيالسة ؛ لأن المجيء يصح منهما ، أو مجازا نحو : سار زيد والنيل ؛ إذ يصح عطفه على المجاز من جهة أنه لا يفارق زيدا في حال سيره كما لا يفارقه من سايره ، وقال المبرد والسيرافي : يقاس فيما كان الثاني مؤثرا للأول وكان الأول سببا له نحو : جاء البرد والطيالسة ، فالبرد سبب لاستعمال الطيالسة ، وجئت وزيدا ، أي : كنت السبب في مجيئه ، وقال ابن هشام الخضراوي : الاتفاق على أن هذا مطرد في لفظ الاستواء والمجيء والصنع وفي كل لفظة سمعت ، وينبغي عندي أن يقاس على ما سمع ما في معناه وإن لم يكن من لفظه فيقاس (وصل) على (جاء) ، و (وافق) على (استوى) ، و (فعلت) على (صنعت) وكذا ما في معناه ، وما ليس من ألفاظها ومعانيها لا ينبغي أن يجوز انتهى.

ناصب المفعول معه :

(ص) وناصبه ما سبقه من فعل أو شبهه ، وقيل : الواو ، وقال الزجاج : مضمر بعدها ، والكوفية : الخلاف ، والأخفش : انتصب انتصاب الظرف ، والأصح ينصبه المتعدي و (كان) لا معنوي كإشارة.

(ش) في ناصب المفعول معه أقوال :

أحدها : وهو الأصح أنه ما تقدمه من فعل أو شبهه نحو : جاء البرد والطيالسة ، واستوى الماء والخشبة ، وأعجبني استواء الماء والخشبة ، والناقة متروكة وفصيلها ، ولست زائلا وزيدا حتى فعل ، وسواء في الفعل المتعدي أو اللازم عند الأكثرين نحو : لو خليت والأسد لأكلك ، ونحو : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها.

وقال قوم : لا يكون إلا مع غير المتعدي ؛ لئلا يلتبس بالمفعول به ، فلا يقال : ضربتك وزيدا على أنه مفعول معه ، وهل يكون مع كان الناقصة؟ خلاف قال قوم : لا ؛ لأنه ليس فيها معنى حدث تعدى بالواو ، والجمهور : نعم ؛ لأن الصحيح أنها مشتقة ، وأنها تدل على معنى سوى الزمان ، وقد قال الشاعر :


٨٧٢ ـ يكون وإيّاها بها مثلا بعدي

وقال :

٨٧٣ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم

ومذهب سيبويه أنه لا ينصبه العامل المعنوي كحرف التشبيه واسم الإشارة والظرف والجار والمجرور ، وأجازه أبو علي وغيره نحو : هذا لك وإياه ، وعليه :

٨٧٤ ـ هذا ردائي مطويّا وسربالا

القول الثاني : أن ناصبه الواو وعليه الجرجاني ؛ لاختصاصها لما دخلت عليه من الاسم فعملت فيه ، ورد بأنه لو كان كذلك لاتصل الضمير معها كما يتصل بإن وأخواتها ، وبأنه لا نظير لها ؛ إذ لا يعمل الحرف نصبا إلا وهو مشبه بالفعل.

الثالث : أن ناصبه فعل مضمر بعد الواو وعليه الزجاج ، قال : فإذا قلت : ما صنعت وإياك؟ فالتقدير ولابست إياك ، وإنما لم يعمل فيه الفعل السابق لفصل الواو ، وعورض بالعطف ، فإن فصل الواو فيه لم يمنع من تسلط العامل ، وبأن فيما ذكره إحالة للباب ؛ إذ يصير منصوبا على أنه مفعول به لا مفعول معه.

الرابع : أن نصبه بالخلاف ونسبه ابن مالك للكوفيين ، ورد بأن الخلاف معنى من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني المجردة من الألفاظ ، وبأنه لو كان الخلاف ناصبا لقيل : ما قام زيد لكن عمرا ، ويقوم زيد لا عمرا ، ولم يقله أحد من العرب ، قال أبو حيان : وهذا القول لبعض الكوفيين ، وأكثرهم والأخفش على أن الواو مهيئة لما بعدها أن ينتصب انتصاب الظرف ؛ لأن أصل جاء البرد والطيالسة مع الطيالسة ، فلما حذفت مع

__________________

٨٧٢ ـ تقدم الشاهد برقم (١٦٢).

٨٧٣ ـ البيت من الوافر ، وهو لشعبة بن قمير في نوادر أبي زيد ص ١٤١ ، وللأقرع بن معاذ في السمط ص ٩١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٤٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٢٦ ، ٢ / ٦٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٥ ، ٢ / ١٣٩ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٥ ، وشرح قطر الندى ص ٢٣٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٢.

٨٧٤ ـ سقط البيت من الأصل وهو من البسيط ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٧٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٨٦. الشاهد في «وسربالا» ، حيث نصب على أنه مفعول معه ولم يتقدمه الفعل ، بل ما يتضمن معناه ؛ وهو «مطويا». وأجاز أبو علي أن يكون العامل هذا ، انظر شرح الأشموني ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٤ ، وفي نسخة (مطريا) بدلا من (مطويا).


وكانت منتصبة على الظرف ، ثم أقيمت الواو مقامها انتصب ما بعدها على انتصاب (مع) التي وقعت الواو موقعها ؛ إذ لا يصح انتصاب الحروف ، كما يرتفع ما بعد إلا الواقعة موقع (غير) بارتفاع (غير) نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] ، والأصل غير الله.

منع تقدمه على عامله :

(ص) ولا يقدم على عامله ولا مصاحبه ، خلافا لابن جني ، ولا يفصل بين الواو بظرف ، ولا يكون جملة ، خلافا لصدر الأفاضل.

(ش) المفعول معه لا يتقدم على عامله باتفاق ؛ لأن أصل واوه للعطف ، والمعطوف لا يتقدم على عامل المعطوف عليه إجماعا ، ولا يتقدم على مصاحبه أيضا لما ذكر ، وأجازه ابن جني فيقال : استوى والخشبة الماء ؛ لوروده في العطف قال :

٨٧٥ ـ عليك ورحمة الله السّلام

وسماعه هنا قال :

٨٧٦ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ولأن باب المفعولية في التقديم أوسع مجالا من باب التابعية ، وإنما المانع هنا من التقديم الحمل على ذلك ، فإذا جاء في الأصل بقلة أو اضطرار جاز هنا بكثرة وسعة.

ولا يجوز الفصل بين الواو والمفعول معه بظرف ولا بغيره ، فلا يقال : قام زيد واليوم عمرا ، وإن جاز الفصل بالظرف بين الواو العاطفة ومعطوفها ؛ لأن الواو هنا نزلت منزلة الجار مع المجرور فمنعوا الفصل بينهما.

وزعم صدر الأفاضل أن المفعول معه يكون جملة ، وخرج عليه قولهم : جاء زيد

__________________

٨٧٥ ـ تقدم برقم (٦٦٦).

٨٧٦ ـ البيت من الطويل ، وهو ليزيد بن الحكم في الخزانة ٣ / ١٣٠ ، ١٣٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٨٦ ، ٢٦٢ ، وأمالي القالي ١ / ٦٨ ، والأغاني ١٢ / ٢٩٦ ، (دار الكتب المصرية) ، وبلا نسبة في الخزانة ٩ / ١٤١ ، والخصائص ٢ / ٣٨٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٤ ، ٢ / ١٣٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٠.


والشمس طالعة ، وفر من جعلها حالا ؛ لأنها لا تنحل إلى مفرد يبين هيئة فاعل ولا مفعول ، ولا هي مؤكدة ، وأجيب بأنها مؤولة بالحال السببية ، أي : جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه ، وقيل : تؤول بمنكر أو نحوه.

أقسام المفعول معه :

(ص) ويجب العطف بعد مفرد خلافا للصيمري ، وثالثها يجوز إن أول بجملة ، والنصب بعد ضمير متصل لم يؤكد وهو في نحو : ما لك وزيدا ب : (كان) مضمرة قبل الجار ، أو بمصدر (لابس) بعد الواو ، وقال السيرافي : ب : (لابس) فإن كان منفصلا أو ظاهرا رجح العطف ، وأوجبه بعضهم ، وقد ينصب بعد (ما) و (كيف) بمقدر وهو (كان) ناقصة ، وقيل : تامة ، وقدر سيبويه مع (ما) (كنت) و (كيف) تكون ، فقال ابن ولاد : متعين وفرق ، والسيرافي لا ، ورجح النصب إن خيف فوات المعية ، فإن لم يصلح الفعل لها جاز إضمار صالح ، فإن لم تحسن (مع) وجب ، وقيل : تضمن معنى يتسلط به ، ويستويان في مضمر أكد نحو : رأسه والحائط من كل متعاطفين بإضمار الفعل.

(ش) مسائل هذا الباب بالنسبة إلى العطف والمفعول معه خمسة أقسام :

الأول : ما يجب فيه العطف ولا يجوز النصب على المفعول معه ، وذلك شيئان :

أحدهما : ألا يتقدم الواو إلا مفرد نحو : أنت ورأيك ، وكل رجل وضيعته ، والرجال وأعضادها ، والنساء وأعجازها ، هذا قول الجمهور ، وجوز الصيمري فيه النصب بلا تأويل ، وجوز بعضهم فيه النصب على تأويل ما قبل الواو أنه جملة حذف ثاني جزأيها ، والتقدير كل رجل كائن وضيعته.

والثاني : أن يتقدم الواو جملة غير متضمنة معنى فعل نحو قولك : أنت أعلم ومالك ، والمعنى بمالك ، وهو عطف على (أنت) ، ونسبة العلم إليه مجاز.

الثاني : ما يجب فيه النصب ولا يجوز فيه العطف ، وذلك أن تتقدم الواو جملة اسمية أو فعلية متضمنة معنى الفعل ، وقبل الواو ضمير متصل مجرور أو مرفوع لم يؤكد بمنفصل نحو : ما لك وزيدا ، وما شأنك وزيدا ، وما صنعت وأباك ، فيتعين النصب على المفعول معه ، ولا يجوز العطف ؛ لامتناعه إلا في الضرورة ، والنصب في الاسمية (بكان مضمرة) قبل الجار وهو اللام ، وشأن ، أي : ما كان شأنك وزيدا ، أو بمصدر لابس منويا بعد


الواو ، أي : ما شأنك وملابسة زيدا ، أو ملابستك زيدا كذا نص عليه سيبويه ، قال أبو حيان نقلا عن شيخه ابن الضائع : وهكذا تقدير معنى الإعراب ؛ لأنه عند سيبويه مفعول معه ، وتقدير الملابسة مفعولا به لا مفعولا معه ، وقال السيرافي وابن خروف : المقدر فعل وهو (لابس) ؛ لأن المصدر لا يعمل مقدرا.

الثالث : ما يختار فيه العطف مع جواز النصب ، وذلك أن يكون المجرور في الصورة السابقة ظاهرا أو ضمير المرفوع منفصلا نحو : ما شأن عبد الله وزيد ، وما أنت وزيد ، فالأحسن جر زيد في الأول ورفعه في الثاني ؛ لإمكان العطف وهو الأصل ، ويجوز فيه النصب مفعولا معه ، ومنعه بعض المتأخرين كابن الحاجب ورد بالسماع قال :

٨٧٧ ـ وما أنت والسّير في متلف

وسمع ما أنت وزيدا ، وكيف أنت وزيدا ، وكيف أنت وقصعة من ثريد ، قال سيبويه : أي : ما كنت وزيدا ، وكيف تكون وقصعة من ثريد ؛ لأن (كنت) و (تكون) يقعان هنا كثيرا ، انتهى.

قال الفارسي وغيره : و (كان) هذه المضمرة تامة ؛ لأن الناقصة لا تعمل هنا ، فكيف حال دون هنا؟ واختاره الشلوبين ، وقال أبو حيان : الصحيح أنها الناقصة وأنها تعمل هنا فكيف خبرها؟ وكذا (ما) ، واختلف في تقدير سيبويه مع (ما كنت) ومع (كيف تكون) ، أذلك مقصود لسيبويه أم لا؟ فقال السيرافي : هو غير مقصود ولو عكس لأمكن ، ورد المبرد على سيبويه وقال : يصلح في كل منهما الماضي والمستقبل ، وتابعه ابن طاهر ، ورد ابن ولاد على المبرد وقال : إنه لا يجوز إلا ما قدره سيبويه ؛ لأن (ما) دخلها معنى التحقير والإنكار ؛ إذ يقال لمن أنكر عليه مخالطة زيد أو ملابسته : ما أنت وزيدا لا لمن يقع منه ذلك ، ولا ينكر إلا ما ثبت واستقر دون ما لم يقع ، وليست لمجرد الاستفهام ، وأما كيف فعلى بابها من الاستفهام ، والمعنى : كيف تكون إذا وقع كذا ، أي : على أيّ حال ؛ لكون الاستفهام إنما يكون عن المستقبل.

__________________

٨٧٧ ـ البيت من المتقارب ، وهو لأسامة بن الحارث في شرح أشعار الهذليين ص ١٢٨٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩٣ ، وللهذلي في اللسان مادة (عبر) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٢٤ ، ٢ / ١٣٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٠٤ ، والكتاب ١ / ٢٠٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٨٧ ، وفي نسخة (فما أنا) بدلا من (وما أنت).


الرابع : ما يختار فيه النصب مع جواز العطف ، وذلك أن يجتمع شروط العطف ، لكن يخاف منه فوات المعية المقصودة نحو : لا تغتذ بالسمك واللبن ، ولا يعجبك الأكل والشبع ، أي : مع اللبن ومع الشبع ؛ لأن النصب يبين مراد المتكلم والعطف لا يبينه ، وكذا إذا كان فيه تكلف من جهة المعنى نحو :

٨٧٨ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال

فإن العطف وإن حسن من حيث اللفظ لكنه يؤدي إلى تكلف في المعنى ؛ إذ يصير التقدير : كونوا أنتم وليكونوا هم ، وذلك خلاف المقصود ، فإن لم يصلح الفعل للتسلط على تالي الواو امتنع العطف عند الجمهور ، وجاز النصب على المعية وعلى إضمار الفعل الصالح نحو : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] ، لا يجوز أن يجعل (وَشُرَكاءَكُمْ) معطوفا ؛ لأن (أجمع) لا ينصب إلا الأمر والكيد ونحوهما ، فأما أن يجعل مفعولا معه أو مفعولا ب : (أجمعوا) مقدرا ، ومثله (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] ، فالإيمان مفعول معه أو مفعول ب : (اعتقدوا) مقدرا فإن لم يحسن والحالة هذه (مع) موضع (الواو) تعين الإضمار ، وامتنع المفعول معه أيضا كقوله :

٨٧٩ ـ وزجّجن الحواجب والعيونا

لأن (زججن) غير صالح للعمل في العيون ، وموضع الواو غير صالح ل : (مع) فيقدر (وكحلن) ، وذهب جماعة منهم أبو عبيدة والأصمعي وأبو محمد اليزيدي والمازني والمبرد إلى جواز العطف على الأول بتضمين العامل معنى يتسلط به على المتعاطفين ، واختاره الجرمي وقال : يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد نحو : أكلت خبزا ولبنا ، فيضمّن وزجّجن معنى حسّنّ.

الخامس : ما يجوز فيه العطف والمفعول معه على السواء ، وذلك إذا أكد ضمير الرفع المتصل نحو : ما صنعت أنت وأباك ، ونحو : رأسه والحائط ، أي : (خل) أو (دع) ، وشأنك والحج ، أي : عليك بمعنى الزم ، وامرأ ونفسه ، أي : (دع) ، وذلك مقيس في كل

__________________

٨٧٨ ـ تقدم الشاهد برقم (٨٧٤).

٨٧٩ ـ البيت من الوافر ، وهو للراعي النميري في ديوانه ص ٢٦٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٥ ، واللسان والتاج وأساس البلاغة (زجج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١٢ ، ٧ / ٢٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٦١٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٤٣٢ ، وتذكرة النحاة ص ٦١٧ ، وحاشية ياسين ١ / ٤٣٢ ، والخصائص ٢ / ٤٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٨.


متعاطفين على إضمار فعل لا يظهر ، فالمعية في ذلك والعطف جائزان ، والفرق بينهما من جهة المعنى أن المعية يفهم منها الكون في حين واحد دون العطف ؛ لاحتماله مع ذلك التقدم والتأخر ، قال أبو حيان : وفي تمثيل سيبويه بهذه الأمثلة رد على من يعتقد أن المفعول معه لا يكون إلا مع الفاعل.

(ص) ويطابق الأول خبر وحال بعده ، وأوجبه ابن كيسان.

(ش) إذا وقع بعد المفعول معه خبر لما قبله أو حال طابق ما قبله نحو : كان زيد وعمرا متفقا ، وجاء البرد والطيالسة شديدا ، ويجوز عدم المطابقة لما قبل بأن تثني نحو : كان زيد وعمرا متفقين ، وجاء البرد والطيالسة شديدين ، ومنع ذلك ابن كيسان ، وأوجب المطابقة للأول قال أبو حيان : وإياه نختار ؛ لأن باب المفعول معه باب ضيق ، وأكثر النحويين لا يقيسونه فلا ينبغي أن نقدم على إجازة شيء من مسائله إلا بسماع من العرب.

المستثنى :

(ص) المستثنى هو المخرج ب : (إلا) أو إحدى أخواتها بشرط الإفادة ، فإن كان بعضا فمتصل ، وإلا فمنقطع يقدّر ب : (لكن) ، وقال الكوفية : بسوى ، وابن يسعون : (إلا) فيه مع ما بعدها كلام مستأنف ، ولا يستثنى بفعل ، فإن حذف المستثنى منه فله مع (إلا) ما له مع سقوطها ، ولا يكون بعد مصدر مؤكد قطعا ، ولا في غير نفي وشبهه في الأصح ، وفي لازمه ك : (لو لا) ولو خلف ، وجوز الزجاج الإبدال في التحضيض ، وقوم : نصب ما قام إلا زيدا ، وإن ذكر نصب ب : (إلا) أو ب : (ما) قبلها أو به بواسطتها ، أو بأن مقدرة بعدها ، أو بأن مخففة من أن ركبت إلا منها ، ومن (لا) ، أو بخلافه للأول ، أو (بأستثني) ، أقوال ، فإن كان متصلا مؤخرا منفيا أو كمنفي اختير إتباعه بدلا ، وقال الكوفية : عطفا ، ولا يشترط إفراد المستثنى منه ، ولا عدم صلاحيته للإيجاب ، ولا في نصبه تعريف المستثنى منه ، ولا يختار النصب في متراخ ، ولا مردود به متضمن الاستثناء ، خلافا لزاعميها ، فإن توسط بين المستثنى منه وصفته فكذلك ، وقيل : النصب راجح ، وقيل : مساو ، وقيل : واجب ، وإتباع منقطع صح إغناؤه ، ومتصل متقدم وموجب لغة ، وهل المتقدم بدل أو مبدل أو يقاس؟ خلف.

ولا يتبع مجرور بزائد واسم لا التبرئة على اللفظ وجوزه الكوفية في نكرة لمجرور ب : (من) ، والأخفش : ومعرفة ، وإن عاد قبل صالح للإتباع على مبتدأ ، أو


منسوخ بغير زال وأخواته ضمير خبر ، أو وصف ، قال أبو حيان : أو حال أتبع العائد جوازا ، وصاحبه اختيارا ، وكذا مضاف ومضاف إليه.

(ش) عبرت بالمستثنى كابن مالك في «التسهيل» خلاف تعبير النحاة سيبويه فمن بعده بالاستثناء ؛ لأن الباب للمنصوبات والمستثنى أحدها ، لا الاستثناء كما ترجم في بقية الأبواب بالمفعول والحال دون المفعولية والحالية ، قال أبو حيان : أجرى ابن مالك الباب على ما قبله من المفعول معه ، فكما بوب لما بعد واو (مع) بالمفعول معه كذلك بوب لما بعد (إلا) وشبهها بالمستثنى.

وحدّه : المخرج بإلا أو إحدى أخواتها تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك بشرط الفائدة.

فالمخرج شامل لجميع المخصصات ، وبإلا يخرج ما عدا المستثنى منها ، وتحقيقا هو المتصل ، فإن بعض المخرج منه نحو : قام إخوانك إلا زيدا ، وتقديرا هو المنقطع نحو : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧] ، فإن الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا ؛ لأنه ليس بعضه فهو في تقدير الداخل فيه ؛ إذ هو مستحضر بذكره ؛ لقيامه مقامه في كثير من المواضع ، فهو حين استثني مخرج مما قبله تقديرا ، ومن هذا القبيل : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] إذا لحظ في الإضافة معنى الإخلاص ، (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣](وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] ؛ لأن السابق زمانه لا يصح دخوله ، ومثال المذكور ما تقدم والمتروك ما ضربت إلا زيدا ، أي : أحدا.

وقولنا : «بشرط الفائدة» لبيان أن النكرة لا يستثنى منها في الموجب ما لم تفد ، فلا يقال : جاء قوم إلا رجلا ، ولا قام رجال إلا زيدا ؛ لعدم الفائدة ، فإن أفاد جاز ، نحو :(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤] ، وقام رجال كانوا في دارك إلا رجلا ، والفائدة حاصلة في النفي للعموم نحو : ما جاءني أحد إلا رجلا أو إلا زيدا ، وكذا لا يستثنى من المعرفة النكرة التي لم تخصص نحو : قام القوم إلا رجلا ، فإن تخصصت جاز نحو : قام القوم إلا رجلا منهم.

ثم المنقطع يقدر عند البصريين ب : (لكن) المشددة ؛ لأنه في حكم جملة منفصلة عن الأولى ، فقولك : ما في الدار أحد إلا حمارا في تقدير لكن فيها حمارا ، على أنه استدراك مخالف ما بعد (لكن) فيه ما قبلها ، غير أنهم اتسعوا فأجروا (إلا) مجرى (لكن) ، ولما


كانت لا يقع بعدها إلا المفرد ، بخلاف (لكن) فإنه لا يقع بعدها إلا كلام تام لقبوه بالاستثناء تشبيها بما إذا كانت استثناء حقيقة ، وتفريقا بينها وبين لكن ، والكوفيون يقدرونه ب : (سوى) ، وقال قوم منهم أبو الحجاج وابن يسعون : إلا مع الاسم الواقع بعدها في المنقطع يكون كلاما متسأنفا ، وقال في نحو قوله :

٨٨٠ ـ وما بالرّبع من أحد

إلّا الأواريّ ...

(إلا) فيه بمعنى لكن ، والأواري اسم لها منصوب بها ، والخبر محذوف كأنه قال : لكن الأواري بالربع ، وحذف خبر إلا كما حذف خبر لكن في قوله :

٨٨١ ـ ولكنّ زنجيّا عظيم المشافر

قال أبو حيان : ولا يستوي المتصل والمنقطع في الأدوات ، فإن الأفعال التي يستثنى بها لا تقع في المنقطع ، لا تقول : ما في الدار أحد خلا حمارا.

ثم المستثنى منه تارة يكون محذوفا ، وتارة يكون مذكورا.

فالأول : يجري على حسب ما يقتضيه العامل قبله من رفع أو نصب أو جر بحرفه ؛ لتفريغه له ، ووجود (إلا) كسقوطها نحو : ما قام إلا زيد ، وما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد ، (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران : ١٤٤] ، وما في الدار إلا عمرو ، ولا يكون ذلك عند أكثر النحاة إلا في غير الموجب وهو النفي ، كما مثل والنهي والاستفهام نحو : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) [النساء : ١٧١] ، (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) [البقرة : ٨٣] ، (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٤٧] ، وجوز بعضهم وقوعه في الموجب أيضا نحو : قام إلا زيد ، وضربت إلا زيدا ، ومررت إلا بزيد ، والجمهور على منعه ؛ لأنه يلزم منه الكذب ؛ إذ تقديره ثبوت القيام والضرب والمرور بجميع الناس إلا زيدا وهو غير جائز ، بخلاف النفي فإنه جائز ، ولو كان الموجب لازما له نفي ك : (لو) و (لو لا) ، فذهب المبرد إلى

__________________

٨٨٠ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٤ ، والأغاني ١١ / ٢٧ ، والإنصاف ١ / ١٧٠ ، والخزانة ٢ / ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١١ / ٣٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩١ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٠ ، والكتاب ٢ / ٣٢١ ، واللسان مادة (أصل) ، واللمع ص ١٥١ ، والمقتضب ٤ / ٤١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥٢ ، ٢٦٩.

٨٨١ ـ تقدم الشاهد برقم (٥١٢).


جواز التفريغ نحو : لو لا القوم إلا زيدا لأكرمتك ، ولو كان معنا إلا زيد لأكرمتك ، وأباه غيره ؛ لأن التفريغ يدخل في الجملة الثابتة ، وأما الجواب الذي هو منفي فخارج عما دخلت فيه إلا ، وأجاز الزجاج الإبدال في التحضيض إجراء له مجرى النفي نحو : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨].

والتفريغ يكون في كل المعمولات من فاعل ومفعول به وغيره ، إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه ، ولذلك أولوا قوله تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية : ٣٢] على حذف الوصف ، أي : ظنا ضعيفا ، وأجاز الكسائي في نحو : ما قام إلا زيد مع الرفع على الفاعلية النصب على الاستثناء ، قال أبو حيان : وهو مبني على ما أجازه من حذف الفاعل ، وجوز أيضا بناء عليه الرفع على البدل من الفاعل المحذوف ، ووافق الكسائي على إجازة النصب طائفة واستدلوا بقوله :

٨٨٢ ـ لم يبق إلا المجد والقصائدا

غيرك يا ابن الأكرمين والدا

يروى بنصب (المجد) و (غير) ، أي : لم يبق أحد غيرك وأجيب ب : أن (غير) فاعل مرفوع والفتحة بناء لإضافته إلى مبني.

والثاني : وهو المستثنى من مذكور ينصب على التفصيل الآتي ، وفي ناصبه أقوال :

أحدها : أنه (إلا) ، وصححه ابن مالك وعزاه لسيبويه والمبرد ، واستدل بأنها مختصة بدخولها على الاسم وليست كجزء منه فعملت فيه ك : (إن) و (لا) التبرئة.

الثاني : أنه بما قبل (إلا) من فعل ونحوه ، من غير أن يعدى إليه بواسطة إلا ، وعزي لابن خروف ؛ لانتصاب (غير) به بلا واسطة إذا وقعت موقع إلا.

الثالث : أنه بما قبل (إلا) معدى إليه بواسطتها وعليه السيرافي وابن الباذش والفارسي وابن بابشاذ والرندي ، وعزاه الشلوبين للمحققين قياسا على المفعول معه ، فإن ناصبه الفعل بواسطة الواو ، ونسبه ابن عصفور لسيبويه ، واختاره ابن الضائع وفرقوا بينه وبين (غير) بأن ما بعد (إلا) مشبه بالظرف المختص الذي لا يصل فيه الفعل إلا بواسطة حرف الجر ،

__________________

٨٨٢ ـ تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٣.


و (غير) لإبهامها كالظرف المبهم يصل إليه الفعل بنفسه ، وقدح فيه بأنه قد لا يكون قبل إلا فعل نحو : القوم إخوتك إلا زيدا.

الرابع : أنه ب : (أنّ) مقدرة بعد (إلا) ، وعليه الكسائي فيما نقله السيرافي قال :التقدير إلا أنّ زيدا لم يقم.

الخامس : أنه ب : (إن) مخففة ركبت (إلا) منها ومن (لا) ، وعليه الفراء ، قال : ولهذا رفع من رفع تغليبا لحكم (لا) ، ومن نصب غلب حكم (إن).

السادس : أنه انتصب لمخالفة الأول ؛ لأن المستثنى موجب له القيام بعد نفيه عن الأول ، أو عكسه ، وعليه الكسائي فيما نقله ابن عصفور.

السابع : أنه ب : (أستثني) مضمرا ، وعليه المبرد والزجاج فيما نقله السيرافي ، ولم يترجح عندي قول منها فلذا أرسلت الخلاف ، وأقواها الثلاثة الأول والأخير.

وسواء في نصب المستثنى من المذكور المتصل والمنقطع الموجب وغيره نحو : قام القوم إلا زيدا ، وجاء القوم إلا حمارا ، وما قام أحد إلا زيدا ، وما في الدار أحد إلا حمارا ، لكن يختار الإتباع في المتصل المؤخر المنفي وشبهه نحو : ما قام أحد إلا زيد ، وما ضربت أحدا إلا زيدا ، وما مررت بأحد إلا زيد ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران ١٣٥] ، (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦] ، (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦] ، وهو بدل عند البصريين بدل بعض من كل ؛ لأنه على نية تكرار العامل ، وعطف عند الكوفيين ، و (إلا) عندهم حرف عطف ؛ لأنه مخالف للأول ، والمخالفة لا تكون في البدل ، وتكون في العطف ب : (بل) و (لا) و (لكن).

وأجيب بأن المخالفة واقعة في بدل البعض ؛ لأن الثاني فيه مخالف للأول في المعنى ، وقد قالوا : مررت برجل لا زيد ولا عمرو ، وهو بدل لا عطف ؛ لأن من شرط (لا) العاطفة ألا تكرر ، وقال ابن الضائع : لو قيل إن البدل في الاستثناء قسم على حدته ليس من تلك الأبدال التي عينت في باب البدل ، لكان وجها وهو الحق ، وحقيقة البدل هنا أنه يقع موقع الأول ويبدل مكانه ، انتهى.

وزعم بعض النحويين أن الإتباع يختص بما يكون فيه المستثنى منه مفردا ، وقد رد عليه سيبويه بقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [النور : ٦] ، (فشهداء) جمع


وقد أبدل منه ، وشرط بعض القدماء للإتباع عدم صلاحية المستثنى منه للإيجاب كأحد ونحوه ، ورد بالسماع قال تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦].

وشرط الفراء لجواز النصب فيما اختير فيه الإتباع أن يكون المستثنى منه معرفة ، ورد بالسماع قال تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود : ٨١] ، فيمن نصب ، وحكى سيبويه ما مررت بأحد إلا زيدا ، وما أتاني أحد إلا زيدا ، واختار ابن مالك النصب في المتراخي نحو : ما ثبت أحد في الحرب ثباتا نفع الناس إلا زيدا ، ولا تنزل على أحد من بني تميم إن وافيتهم إلا قيسا ، قال : لأنه قد ضعف التشاكل بالبدل لطول الفصل بين البدل والمبدل منه ، قال أبو حيان : وهذا الذي ذكره لم يذكره أصحابنا ، واختار ابن مالك أيضا النصب فيما ورد به كلام تضمن الاستثناء ، كقول القائل : قاموا إلا زيدا ، وأنت تعلم أن الأمر بخلافه فتقول : ما قام القوم إلا زيدا فتنصب ولا ترفع ؛ لأنه غير مستقل والبدل في حكم الاستقلال ، قال أبو حيان : وهذا أيضا لم يذكره أصحابنا ، إلا أن ابن عصفور حكى نحوه عن ابن السراج ورده ، وإذا أتبع المجرور ب : (من) أو الباء الزائدتين أو اسم (لا) الجنسية تعين اعتبار المحل نحو : ما في الدار من أحد إلا زيد ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) [:] ، وليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به ، ولا إله إلا الله.

وإنما لم يجز الإتباع على اللفظ ؛ لأنها لا تعمل في المعرفة سوى الباء ، ولا في الموجب ، وأجازه الكوفيون في مجرور (من) إذا كان المستثنى نكرة ، وأجاز الأخفش ولو كان معرفة بناء على رأيه من جواز زيادة (من) في المعرفة والموجب وأنشد عليه قوله :

٨٨٣ ـ وما بالرّبع من أحد

إلّا الأواريّ ...

بالخفض ، وعلم من القيود أن المتصل والمنقطع المقدم والمؤخر الموجب لا يختار فيه الإتباع ، بل يجب النصب في الثلاثة في اللغة الشهيرة نحو : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧].

٨٨٤ ـ وما لي إلّا آل أحمد شيعة

__________________

٨٨٣ ـ تقدم البيت برقم (٨٨١).

٨٨٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في شرح هاشميات الكميت ص ٥٠ ، والإنصاف ١ / ٢٧٥ ، وتخليص الشواهد ص ٨٢ ، والخزانة ٤ / ٣١٤ ، ٣١٩ ، ٩ / ١٣٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٣٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٤١ ، وشرح قطر الندى ص ٢٤٦ ، واللسان مادة (شعب) ، واللمع ص ١٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٨.


(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٩] ، وفي لغة تميم يتبع المنقطع بشرط صحة إغنائه عن المستثنى منه نحو : ما في الدار أحد إلا زيد قال :

٨٨٥ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

وقد شبه سيبويه نصب المقدم بنعت النكرة إذا تقدم عليها فإنه ينتصب على الحال بعد إتباعه ، فإن لم يصح إغناؤه نحو : ما زاد إلا ما نقص ، وما نفع إلا ما ضر ، تعين نصبه عند جميع العرب ، وكذا إن تقدم نحو : ما في الدار إلا حمارا أحد ، وفي لغة يتبع المقدم ، حكى سيبويه : (ما لي إلا أبوك أحد) ، قال سيبويه : فيجعلون (أحد) بدلا ، وأبوك مبدلا منه ، ووجهه الأبدي بأن البدل لا يمكن تقديمه ، وقيل : هو بدل وهو في نية التأخير ، وقال ابن الصائغ : (أحد) بدل من (إلا) مع الاسم مجموعين وهو شبيه ببدل الشيء من الشيء ؛ لأن (ما قام إلا أبوك) في قوة ما قام غير أبيك أحد ، فيصح إطلاقه عليه.

قال ابن عصفور : ولا يقاس على هذه اللغة ، وقد قاسه الكوفيون والبغداديون وابن مالك ، ومن الوارد منه قوله :

٨٨٦ ـ إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع

وقوله :

٨٨٧ ـ فلم يبق إلّا واحد منهم شفر

أما المتوسط بين المستثنى منه وصفته نحو : ما جاءني أحد إلا زيدا خير منك ، وما قام القوم إلا زيدا العقلاء ، وما مررت بأحد إلا زيد خير منك ، فيجوز فيه الإتباع بدلا ،

__________________

٨٨٥ ـ الرجز لجران العود في ديوانه ص ٩٧ ، والخزانة ١٠ / ١٥ ، ١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٣ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٧ ، ٣ / ٢٧ ، ٧ / ٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٩١ ، والإنصاف ١ / ٢٧١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٦١ ، والجنى الداني ص ١٦٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٩.

٨٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٤١ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٦٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٩ ، ٢ / ١٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٠٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٠.

٨٨٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لتوبة بن مضرس في أساس البلاغة (شفر) ، والحماسة البصرية ١ / ٢٥١ ، وحماسة البحتري ص ٣٦٢ ، والتاج مادة (شفر) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٨٨ ، واللسان مادة (شفر) ، والمقرب ١ / ١٦٩ ، ويروى «فرد» مكان (شفر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٠.


والنصب على الاستثناء كالمتأخر ، والإتباع فيه هو المختار أيضا مثله ؛ للمشاكلة ، هذا مذهب سيبويه ، واختلف النقل عن المازني فالمشهور عنه موافقة سيبويه ، ونقل ابن عصفور عنه أنه يختار النصب ولا يوجبه ؛ لأن المبدل منه منوي الطرح فلا ينبغي أن يوصف بعد ذلك ، ونقل عنه أيضا أنه يوجب النصب ويمنع الإبدال ، فحصل عنه ثلاثة أقوال ، قال أبو حيان : والنصب حينئذ أجود من النصب متأخرا ، ونقل ابن مالك في شرح «الكافية» عن المبرد اختيار النصب ، ثم قال : وعندي أن النصب والبدل مستويان ؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا فتكافئا ، وفي لغة يتبع المؤخر الموجب وخرج عليها قراءة (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) [البقرة : ٢٤٩].

وإذا عاد على المستثنى منه العامل فيه الابتداء أو أحد نواسخه ضمير قبل المستثنى الصالح للإتباع أتبع الضمير العائد جوازا ، وصاحبه اختيارا نحو : ما أحد يقول ذلك إلا زيد ، وما كان أحد يجترئ عليك إلا زيد ، وما حسبت أحدا يقول ذاك إلا زيد ، فيجوز في هذه الأمثلة أن يجعل (زيد) تابعا للمبتدأ ، أو لاسم (كان) ، أو للمفعول الأول ، فيكون بدلا منه وهو المختار ؛ لأن المسوغ للإتباع هو النفي وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى الضمير ، ويجوز أن يجعل تابعا للمضمر فيكون بدلا منه ؛ لأن النفي متوجه عليه من جهة المعنى ، وسواء كان العائد من الخبر كما تقدم أو من الوصف نحو : ما فيهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد ، وما كان فيهم أحد يقول ذاك إلا زيد ، قال أبو حيان : والقياس يقتضي إجراء الحال مجرى الصفة في ذلك نحو : ما إخوتك في البيت عاتبين عليك إلا زيد ، فيجوز إتباع زيد لإخوتك ، أو للمضمر المستكن في (عاتبين) ؛ لأن الحال يتوجه عليها النفي في المعنى ، وسواء في المسألة المتصل أو المنقطع نحو : ما أحد يقيم بدارهم إلا الوحش قال :

٨٨٨ ـ في ليلة لا نرى بها أحدا

يحكي علينا إلّا كواكبها

فكواكبها بالرفع بدل من ضمير (يحكي) وهو منقطع ، إلا أن أحدا وضميره خاص بالعاقل ، فلو كان العائد بعد المستثنى نحو : ما أحد إلا زيدا يقول ذاك ، أو المستثنى غير

__________________

٨٨٨ ـ البيت من المنسرح ، وهو لأحيحة بن الجلاح في الأغاني ١٥ / ٣١ ، ٣٦ ، (دار الكتب المصرية) والحماسة البصرية ٢ / ١٨٧ ، والخزانة ٣ / ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ، ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، والكتاب ٢ / ٣١٢ ، وله أو لبعض الأنصار في شرح شواهد المغني ص ٤١٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٠.


صالح للإتباع نحو : ما أحد ينفع إلا الضر ، ولا مال يزيد إلا النقص ، تعين النصب وامتنع الإتباع البتة.

ولو كان العامل غير ما ذكر نحو : ما شكر رجل أكرمته إلا زيد وما مررت بأحد أعرفه إلا عمرو تعين إتباع الظاهر ، وامتنع إتباع الضمير ؛ إذ لا تأثير للنفي في أكرمت وأعرف.

وكذا ما زال وإخوته من النواسخ نحو : ما زال وافد من بني تميم يسترفدنا إلا زيد ، لا يجوز فيه إلا إتباع الظاهر ؛ لأنه نفي معناه الإيجاب ، قال أبو حيان : وهل تختص المسألة بالاستثناء بإلا ، لم يمثل النحويون إلا بها ، والظاهر أن (غير) كذلك نحو : ما ظننت أحدا يقول ذاك غير زيد بالنصب تبعا لأحد ، والرفع تبعا للضمير ، قال ابن مالك : وفي حكم الظاهر والمضمر من إتباع أيهما شئت المضاف والمضاف إليه نحو : ما جاء أخو أحد إلا زيد ، إن شئت أتبعت المضاف فترفع ، أو المضاف إليه فتجر.

منع تقديم المستثنى أول الكلام

(ص) ولا يقدم أول الكلام ، وجوزه الكوفية والزجاج ، ولا بعد حرف نفي خلافا للأبذي ، وقدمه الكسائي عليه ، والفراء إلا مع المرفوع ، وهشام مع الدائم ، وفي تقديمه على المستثنى منه وعامله متوسط كلام ، ثالثها يجوز إن كان العامل متصرفا.

(ش) الجمهور على منع تقديم المستثنى أو الكلام موجبا كان أو منفيا ، فلا يقال : إلا زيدا قام القوم ، ولا إلا زيدا ما أكل أحد طعاما ، ولا ما إلا زيدا قام القوم ؛ لأنه لم يسمع من كلامهم ، ولأن إلا مشبهة ب : (لا) العاطفة وواو (مع) ، وهما لا يتقدمان ، وجوز الكوفية والزجاج تقديمه واستدلوا بقوله :

٨٨٩ ـ خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا

وقوله :

__________________

٨٨٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في الخزانة ٣ / ٣١٤ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٨٢ ، وحاشية ياسين ١ / ٣٥٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٧ ، ٢ / ١٦٣ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٧ ، واللسان مادة (خلا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٣٧ ، وسيعاد برقم (٩١٣) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٩.


٨٩٠ ـ وبلدة ليس بها طوريّ

ولا خلا الجنّ بها إنسيّ

ورد في (خلا) وهي فرع إلا فالأصل أولى بذلك.

وجوزه الأبذي في المنفي بعد سبق حرف النفي كقوله : ولا خلا الجن ، قال : لأنه لم يتقدم على الكلام بجملته لسبق (لا) النافية ، وجوز الكسائي تقديمه على حرف النفي أيضا ، وأجازه الفراء إلا مع المرفوع ، ومنعه هشام إلا مع الدائم.

أما تقديمه على المستثنى منه وعلى العامل فيه إذا لم يتقدم وتوسط بين جزأي كلام ، ففيه مذاهب :

أحدها : المنع مطلقا سواء كان العامل متصرفا أم غير متصرف ، فلا يقال : القوم إلا زيدا قاموا ، ولا القوم إلا زيدا قائمون ، ولا القوم إلا زيدا في الدار ، تشبيها بالمفعول معه ، قال أبو حيان : وهذا مذهب من يرى أن العامل في المستثنى ما تقدم من فعل وشبهه.

والثاني : الجواز مطلقا وصححه بعض المغاربة ؛ لوروده قال :

٨٩١ ـ ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فالاستثناء من ضمير (باطل) ، و (باطل) عامل في ذلك الضمير ، وقال :

٨٩٢ ـ كلّ دين يوم القيامة عند ال

لّه إلا دين الحنيفة بور

والثالث : الجواز مع المتصرف والمنع في غيره ، وعليه الأخفش وصححه أبو حيان ؛ لأن السماع إنما ورد بالتقديم في المتصرف فيقتصر عليه ، ولا يقدم على غيره إلا بثبت من العرب.

عدم جواز استثناء شيئين بأداة واحدة :

(ص) مسألة : لا يستثنى بأداة شيئان دون عطف على الأصح ، وقيل : قطعا ، والخلاف في موهمه فقيل : لحن ، وقيل : صحيح على أنهما بدل ومعمول مضمر ، وقيل : بدلان.

__________________

٨٩٠ ـ الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٤٩٨ ، والخزانة ٣ / ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٤ ، ٣٣٨ ، والسمط ص ٥٥٦ ، واللسان مادة (أنس) ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٧٤ ، وجمهرة اللغة ص ١١٤٥ ، واللسان ٥ / ١٣ ، مادة (طأا) ، والمنصف ٣ / ٦٢ ، ونوادر أبي زيد ص ٢٢٦ ، وشرح الرضي ٢ / ٨٤ ، والإنصاف ١ / ٢٧٧ ، وسيعاد برقم (٩٠٨).

٨٩١ ـ تقدم الشاهد برقم (١).

٨٩٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٣٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٢.


(ش) لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ، فلا يقال : أعطيت الناس إلا عمرا الدنانير ، ولا ما أعطيت أحدا درهما إلا عمرا دانقا ، تشبيها بواو (مع) وحرف الجر فإنهما لا يصلان إلا إلى معمول واحد ، وأجازه قوم تشبيها بواو العطف حيث يقال : ضرب زيد عمرا وبشر خالدا ، وقيل : لم يقل أحد بجوازه ، وإنما الخلاف في صحة التركيب ، فقوم قالوا بفساده وأنه لحن ، وقوم قالوا : إنه صحيح لا على الاستثناء ، بل على أن الأول بدل ، والثاني منصوب بفعل مضمر من لفظ الفعل الظاهر والتقدير إلا عمرا أعطيته الدنانير ، وأعطيته دانقا ، وأخذ درهما ، وضرب بعضا ، وقيل : كلاهما بدلان من الاسمين السابقين قبل إلا ، فيبدل من المرفوع مرفوع ، ومن المنصوب منصوب ، وعليه ابن السراج وقد ورد إبدال اسمين في الموجب في قوله :

٨٩٣ ـ فلما قرعنا النّبع بالنّبع بعضه

ببعض ...

أما تعدد المستثنى مع العطف نحو : قام القوم إلا زيدا وعمرا فجائز اتفاقا.

المستثنى الوارد بعد جمل متعاطفة :

(ص) والوارد بعد جمل متعاطفة للكل ، ولو اختلف العامل في الأصح ، وقيل : إن سبق لغرض ، وقيل : إن عطف بالواو ، وبعد مفردين يصح لكل للثاني فإن تقدم فللأول ، فإن كان أحدهما مرفوعا ولو معنى فله مطلقا.

(ش) قال أبو حيان : هذه المسألة قل من تعرض لها من النحاة ، ولم أر من تكلم عليها منهم سوى ابن مالك في «التسهيل» ، والبهاباذي في شرح «اللمع». قلت : والأمر كما قال ، فإن المسالة بعلم الأصول أليق ، وقد ذكرها أبو حيان نفسه في «الارتشاف» ، فأحببت ألّا أخلي كتابي منها ، فنقول : إذا ورد الاستثناء بعد جمل عطف بعضها على بعض فهل يعود للكل؟ فيه مذاهب :

أحدها : وهو الأصح نعم ، وعليه ابن مالك إلا أن يقوم دليل على إرادة البعض ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) [النور : ٦] الآية ، فقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [النور : ٧] عائد إلى فسقهم وعدم قبول شهادتهم معا إلا في الجلد لما قام عليه من الدليل ، وسواء

__________________

٨٩٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٧١ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٢٠٩ ، والخزانة ٣ / ١٧١ ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (نبع) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٧.


اختلف العامل في الجمل أم لا بناء على أن العامل في المستثنى إنما هو إلا ، لا الأفعال السابقة.

الثاني : أنه يعود للكل إن سيق الكل لغرض واحد نحو : حبست داري على أعمامي ، ووقفت بستاني على أخوالي ، وسبّلت سقايتي لجيراني إلا أن يسافروا ، وإلا فللأخيرة فقط نحو : (أكرم العلماء ، واحبس ديارك على أقاربك ، وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم).

الثالث : إن عطف بالواو عاد للكل ، أو بالفاء ، أو ثم عاد للأخيرة فقط ، وعليه ابن الحاجب.

الرابع : أنه خاص بالجملة الأخيرة ، واختاره أبو حيان.

الخامس : إن اتحد العامل فللكل ، أو اختلف فللأخيرة خاصة ؛ إذ لا يمكن عمل العوامل المختلفة في مستثنى واحد ، وعليه البهاباذي بناء على أن عامل المستثنى الأفعال السابقة دون إلا ، وأما الوارد بعد مفردين وهو بحيث يصح لكل منهما فإنه للثاني فقط ، كذا جزم به ابن مالك نحو : غلب مائة مؤمن مائتي كافر إلا اثنين.

فإن تقدم الاستثناء على أحدهما تعين للأول نحو : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ) [المزمل : ٢ ـ ٣] ف : (إِلَّا قَلِيلاً) صالح لكونه من (الليل) ، ومن (نصفه) ، لكنه تقدم على (نصفه) فاختص بالليل ؛ لأن الأصل في الاستثناء التأخير وكذا لو تقدم عليهما معا ، فإنه يكون للأول نحو : استبدلت إلا زيدا من أصحابنا بأصحابكم ، فإلا زيدا مستثنى من قوله : (من أصحابنا) ، لا من قوله : (بأصحابكم) ، هذا إن لم يكن أحدهما مرفوعا لفظا أو معنى ، فإن كان اختص به مطلقا ، أولا كان أو ثانيا نحو : ضرب إلا زيدا أصحابنا أصحابكم ، وملكت إلا الأصاغر عبيدنا أبناءنا ، وضرب إلا زيدا أصحابكم أصحابنا ، وملكت إلا الأصاغر أبناءنا عبيدنا ، فالأبناء في المثالين فاعل من حيث المعنى ؛ لأنهم المالكون فإن لم يصح كونه لكل منهما ، بل لأحدهما فقط تعين له نحو : طلق نساءهم الزيدون إلا الحسينات ، وأصبى الزيدين نساؤهم إلا ذوي النهى ، واستبدلت إلا زيدا من إمائنا بعبيدنا.

تكرار إلا :

(ص) وتكرر إلا توكيدا فيبدل غير الأول منه إن كان مغنيا عنه ، وإلا عطف بالواو ، وجوز الصيمري طرحها ولغيره ، فإن أمكن استثناء بعض من بعض فكل لما يليه ، وقيل : للأول ، وقيل : الثاني منقطع أولا ، فإن فرغ العامل شغل بأحدها ونصب


غيره ، وإلا نصب الكل إن تقدمت استثناء ، وقال ابن السيد يجوز حالا واستثناء الأول ، وحالية الباقي وعكسه وغير واحد إن تأخرت ، وله ما له مفردا ، وجوز الأبذي نصب الكل استثناء ورفعها ، وأحدها نعتا أو بدلا أيضا في النفي ، وحكمها معنى كالأول.

(ش) إذا كررت (إلا) فلها حالان :.

الأول : أن تكون للتأكيد فتجعل كأنها زائدة لم تذكر ، ويكون ما بعد الثانية بدلا مما بعد الأولى ، نحو : قام القوم إلا محمدا إلا أبا بكر ، وهي كنيته.

وشرط هذا التكرار أن يكون الثاني يغني عن الأول ، كما أن أبا بكر يغني عن ذكر محمد ، فإن لم يكن يغني عنه عطف بالواو لمباينته للأول نحو : قام القوم إلا زيدا وإلا جعفرا ، وقد اجتمعا في قوله :

٨٩٤ ـ ما لك من شيخك إلّا عمله

إلّا رسيمه وإلّا رمله

والرسيم والرمل ضربان من العدو ، والرمل لا يغني عن قوله : إلا رسيمه ، فعطف بالواو وهما يغنيان عن قوله : إلا عمله ، فلم يعطف إلا رسيمه.

الحال الثاني : أن تكرر لغير تأكيد فإن أمكن استثناء بعضها من بعض ففيه مذاهب:

أحدها : وعليه البصريون والكسائي أن الأخير يستثنى من الذي قبله ، والذي قبله يستثنى من الذي قبله إلى أن ينتهي إلى الأول ، نحو : له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ، فإلا سبعة مستثنى من ثمانية يبقى واحد يستثنى من تسعة وهي من عشرة ، فيضم الأشفاع داخلة والأوتار خارجة ، فالمقر به اثنان.

الثاني : أنها كلها راجعة إلى المستثنى منه الأول ، فإذا قال : له علي مائة إلا عشرة إلا اثنين فالمقر به ثمانية وثمانون ، وعلى الأول المقر به اثنان وتسعون.

الثالث : أن الاستثناء الثاني منقطع ، والمقر به على هذا اثنان وتسعون أيضا ، وعليه الفراء والمعنى عليه له عندي مائة إلا عشرة سوى الاثنين التي له عندي ، وإن لم يمكن استثناء بعضها من بعض ، فإن كان العامل مفرغا شغل بواحد منها أيا كان متقدما أو متأخرا

__________________

٨٩٤ ـ الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٧٢ ، ورصف المباني ص ٨٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٢ ، ٢ / ١٥١ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١١ ، والكتاب ٢ / ٣٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٥.


أو متوسطا ، ونصب ما سواه نحو : ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا ، ولك أن ترفع بدل زيد عمرا أو بكرا ، لكن الأول أولى ، وإن لم يكن مفرغا فإن تقدمت نصبت الجميع على الاستثناء نحو : ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا أحد.

وزعم ابن السيد أنه يجوز في ذلك أربعة أوجه : النصب على الاستثناء كما نص عليه النحويون ، والنصب على الحال قال : لأنها لو تأخرت لجاز كونها صفات ؛ لأن إلا يوصف بها ، فإذا تقدمت انتصبت على الحال ، وجعل الأول حالا والثاني استثناء ، وعكسه ، وردّ بأن (إلا) غير متمكنة في الوصف بها فلا تكون صفة إلا وهي تابعة في اللفظ ، ولا يجوز تقديمها أصلا ، وإن تأخرت فلأحدها ما له مفردا ، وللباقي النصب نحو : قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا ، وما جاء أحد إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا ، وجوز الأبذي في الإيجاب نصب الجميع على الاستثناء كما قاله النحويون ، ورفع الجميع على الصفة ورفع أحدها على الصفة ، ونصب الباقي على الاستثناء كما قال ابن السيد فيما تقدم إن إلا صفة في المكرر ، وجوز في النفي نصب الجميع على الاستثناء ورفع الجميع على البدل أو النعت ، ورفع أحدهما على الوجهين ، ونصب الباقي على الاستثناء ، وحكم ما بعد الأول من هذا النوع حكم الأول من دخوله في غير الموجب ، وخروجه من الموجب.

الاستثناء من العدد :

(ص) ويجوز استثناء المساوي خلافا لقوم ، والأكثر وفاقا لأبي عبيدة والسيرافي والكوفية ، وعليه : «كلكم جائع إلا من أطعمته» (١) ، إلا المستغرق خلافا للفراء ، وفي العدد ثالثها لا يجوز عقد صحيح ، وهو من الإثبات نفي وعكسه ، خلافا للكسائي ، ومباحث الاستثناء من صناعة الأصوليين.

(ش) قال أبو حيان : اتفق النحويون على أنه لا يجوز أن يكون المستثنى مستغرقا للمستثنى منه ، ولا كونه أكثر منه ، إلا أن ابن مالك نقل عن الفراء جواز له علي ألف إلا ألفين.

واختلفوا في غير المستغرق فأكثر النحويين أنه لا يجوز كون المستثنى قدر المستثنى منه أو أكثر ، بل يكون أقل من النصف ، وهو مذهب البصريين واختاره ابن عصفور والأبذي ، وأكثر الكوفيين أجازوا ذلك وهو مذهب أبي عبيدة والسيرافي ، واختاره ابن

__________________

(١) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم الظلم (٢٥٧٧).


خروف والشلوبين وابن مالك ، وذهب بعض البصريين وبعض الكوفيين إلى أنه يجوز أن يكون المخرج النصف فما دونه ، ولا يجوز أن يكون أكثر من ذلك ، ويدل لجواز الأكثر قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] ، والغاوون أكثر من الراشدين (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠] ، وحديث مسلم : «يا عبادي كلم جائع إلا من أطعمته» ، والمطعمون أكثر قطعا ، ولجواز النصف قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) [المزمل : ٢ ـ ٣] ، قال أبو حيان : وجميع ما استدل به محتمل التأويل ، والمستقرأ من كلام العرب إنما هو استثناء الأقل ، واختلف النحويون في الاستثناء من العدد على مذاهب :

أحدها : الجواز مطلقا ، واختاره ابن الصائغ.

والثاني : المنع مطلقا ، واختاره ابن عصفور ؛ لأن أسماء العدد نصوص ، فلا يجوز أن ترد إلا على ما وضعت له.

والثالث : المنع إن كان عقدا نحو : عندي عشرون إلا عشرة ، والجواز إن كان غير عقد نحو : له عشرة إلا اثنين ، ورد هذا وما قبله بقوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤].

وقال أبو حيان : لا يكاد يوجد استثناء من عدد في شيء من كلام العرب إلا في هذه الآية الكريمة ، قال : ولم أقف في شيء من دواوين العرب على استثناء من عدد ، والآية خرجت مخرج التكثير ، ومذهب الجمهور أن الاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي فنحو قام القوم إلا زيدا ، وما قام أحد إلا زيدا ، يدل الأول على نفي القيام عن زيد ، والثاني على ثبوته له ، وخالف في ذلك الكسائي ، وقال : إنه مسكوت عنه لا دلالة له على نفيه عنه ولا ثبوته ، واستفادة الإثبات في كلمة التوحيد من عرف الشرع ، وبقية مباحث الاستثناء المذكورة في «الارتشاف» من علم الأصول لا تعلق لها بالنحو ، فلذا أضربنا عن ذكرها ههنا.

الاستثناء ب : (إلا) والوصف بها :

(ص) مسألة : يوصف ب : (إلا) ، وبتاليها جمع منكر ، قال ابن الحاجب : غير محصور أو شبهه أو ذو أل الجنسية ، قال الأخفش : أو غيرها ، وسيبويه : كل نكرة ، وقوم : كل ظاهر ومضمر ، وقيل : المراد بالوصف البيان ، وشرطه أن يصح الاستثناء ،


وقيل : المتصل ، وقيل : البدل ، وقيل : أن يتعذر ، وألا يحذف موصوفها ولا يليها.

(ش) الأصل في (إلا) أن تكون للاستثناء ، وفي (غير) أن تكون وصفا ، ثم قد تحمل إحداهما على الأخرى فيوصف ب : (إلا) ، ويستثنى ب : (غير) ، والمفهوم من كلام الأكثرين أن المراد الوصف الصناعي ، وقال بعضهم : قول النحويين : إنه يوصف بإلا يعنون بذلك أنه عطف بيان ، وعلى الأول الوصف بها وبتاليها لا بها وحدها ، ولا بالتالي وحده ، وحكمه كالوصف بالجار والمجرور.

وشرط الموصوف أن يكون جمعا منكرا نحو : جاءني رجال قرشيون إلا زيد ، ومنه (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) [الأنبياء : ٢٢] ، أو مشبه الجمع نحو : ما جاءني أحد إلا زيد.

وزاد ابن الحاجب في «الكافية» بعد قوله : جمع منكر غير محصور ، قال النيلي : وهو احتراز من العدد نحو : له علي عشرة إلا درهما ، فإنه يتعين فيه الاستثناء أو ذا أل الجنسية ؛ لأنه في معنى النكرة نحو :

٨٩٥ ـ قليل بها الأصوات إلّا بغامها

بخلاف ذي أل العهدية ، هذا ما جزم به ابن مالك تبعا لابن السراج والمبرد ، وجوز الأخفش أن يوصف بها المعرف بأل العهدية ، وجوز سيبويه أن يوصف بها كل نكرة ولو مفردا ، ومثل ب : (لو كان معنا رجل إلا زيد) ، واختاره وما قبله صاحب «البسيط» ، وجوز بعض المغاربة أن يوصف بها كل ظاهر ومضمر ونكرة ومعرفة ، وقال : إن الوصف بها يخالف سائر الأوصاف ، ومن شروط الوصف بها أن لا يصح الاستثناء ، بخلاف (غير) فلا يجوز عندي درهم إلا جيد ، ويجوز غير جيد ، كذا قاله ابن مالك وغيره ، وقال أبو حيان : إنه كالمجمع عليه إلا أن تمثيل سيبويه ب : (لو كان معنا رجل إلا زيد) يخالفه ؛ لأنه لا يجوز فيه الاستثناء ، وكذا (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) [الأنبياء : ٢٢] لا يجوز فيه الاستثناء ؛ لأنه لا عموم فيه استغراقي يندرج فيه ما بعد إلا ، وقد انفصل بعض أصحابنا عن ذلك بأنه لا يعني بصحة الاستثناء المتصل ، بل أعم منه ومن المنقطع ، والآية يصح فيها

__________________

٨٩٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٠٠٤ ، والخزانة ٣ / ٤١٨ ، ٤٢٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٢ ، والكتاب ٢ / ٣٣٢ ، واللسان مادة (بلد ، بغم) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٤ ، ٢ / ١٥٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٨ ، ٣٩٤ ، ٢ / ٧٢٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٢ ، والمقتضب ٤ / ٤٠٩ ، وكتاب العين ٨ / ٤٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٩.


الاستثناء المنقطع ، وقد صرح المبرد والجرمي بجواز الوصف بها حيث يصح المنقطع ، وشاهده قوله :

٨٩٦ ـ لدم ضائع تغيّب عنه

أقربوه إلّا الصّبا والجنوب

ف : (أقربوه) موصوف بإلا الصبا والجنوب وليسا من جنسه ، والقصيدة مرفوعة ، وسواء كان الاستثناء مما يجوز فيه البدل أم لا ، وزعم المبرد أن الوصف بإلا لم يجئ إلا فيما يجوز فيه البدل ، ولذلك منع قام إلا زيد بحذف الموصوف ، وجعل إلا صفة له ؛ لأنه لا يجوز فيه البدل ورد بالسماع قال :

٨٩٧ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

ف : (إلا الفرقدان) صفة ولا يمكن فيه البدل ، وأغرب ابن الحاجب فشرط في وقوع إلا صفة أن يتعذر الاستثناء ، وجعل البيت المذكور شاذا.

ومن شروط الوصف ب : (إلا) ألا يحذف موصوفها بخلاف (غير) ، فلا يقال : جاءني إلا زيد ، ويقال : جاءني غير زيد ، ونظيرها في ذلك الجمل والظروف فإنها تقع صفات ، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها ، وألا يليها بأن تقدم عليه منصوبة على الحال ؛ لأنها غير متمكنة في الوصف كما تقدم.

(إلا) عاطفة وزائدة :

(ص) قال الكوفية والأخفش : وترد عاطفة كالواو ، والإعراب كالاستثناء ، والأصمعي وابن جني : وزائدة.

(ش) أثبت الكوفيون والأخفش ل : (إلا) معنى ثالثا وهو العطف كالواو ، وخرجوا عليه (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ١٥٠] ، (لا يَخافُ لَدَيَ

__________________

٨٩٦ ـ البيت بهذه الرواية غير مستقيم وقد رواه الشارح برواية مستقيمة وهو في الخفيف في المقاصد النحوية ٣ / ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٣.

٨٩٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ١٧٨ ، والكتاب ٢ / ٣٣٤ ، واللسان مادة (ألا) ، والممتع في التصريف ١ / ٥١ ، ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة ص ٩٠ ، وحماسة البحتري ص ١٥١ ، والحماسة البصرية ٢ / ٤١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٦ ، والمؤتلف والمختلف ص ٨٥ ، ولعمرو أو لحضرمي في الخزانة ٣ / ٤٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٩.


الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل : ١٠ ـ ١١] ، أي : ولا الذين ظلموا ، ولا من ظلم ، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع.

وأثبت الأصمعي وابن جني لها معنى رابعا وهو الزيادة وخرجوا عليه قوله :

٨٩٨ ـ حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة

وخرج عليه ابن مالك :

٨٩٩ ـ أرى الدّهر إلّا منجنونا بأهله

وأجيب بتقدير (لا) في الثاني ، وبأن (تنفك) تامة فنفيها نفي ، و (مناخة) حال.

(ص) ولا يليها نعت ما قبلها خلافا للزمخشري ، ويليها في النفي مضارع مطلقا ، وماض إن وليت فعلا ، قيل : أو صحبت (قد) ، ولا يعمل تاليها فيما قبلها ، ولا عكسه ، إلا مستثنى منه ، أو صفته ، قال الأخفش : أو ظرف أو حال ، وابن الأنباري : أو مرفوع ، والكسائي : مطلقا.

(ش) فيه مسائل :

الأولى : لا يفصل بين الموصوف وصفته بإلا ، فلا يقال : جاءني رجل إلا راكب ؛ لأنهما كشيء واحد فلا يفصل بينهما بها كما لا يفصل بها بين الصلة والموصول ، ولا بين المضاف والمضاف إليه ، ولأن (إلا) وما بعدها في حكم جملة مستأنفة ، والصفة لا تستأنف ، ولا تكون في حكم المستأنف ، كذا ذكره ابن مالك تبعا للأخفش والفارسي.

وذكره أيضا صاحب «البسيط» ، ورد على الزمخشري حيث جوز ذلك في المفرد نحو : ما مررت برجل إلا صالح ، وفي الجملة نحو : (ما مررت بأحد إلا زيد خير منه) ، (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] ، بأنه مذهب لا يعرف لبصري ولا كوفي ، وقال : الصواب أن الجملة في الآية والمثال حالية ، وإنما لم تقس الصفة على الحال ؛ لوضوح الفرق بينهما بجواز تقديم الحال على صاحبه ويخالفه في الإعراب والتنكير.

الثانية : يلي إلا في النفي فعل مضارع مطلقا ، سواء تقدمها فعل أو اسم نحو : ما كان زيد إلا يضرب عمرا ، وما خرج زيد إلا يجر ثوبه ، وما زيد إلا يفعل كذا.

__________________

٨٩٨ ـ تقدم الشاهد برقم (٣٩٦).

٨٩٩ ـ تقدم الشاهد برقم (٤١٨).


وماض بشرط أن يتقدمها فعل نحو : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الحجر : ١١] ، قال ابن مالك : ويغني عن تقديم فعل اقتران الماضي بقد كقوله :

٩٠٠ ـ وما المجد إلّا قد تبيّن أنّه

بندى وحلم لا يزال مؤثّلا

لأنها تقربه من الحال فأشبه المضارع ، والمضارع لا يشترط فيه ذلك لشبهه بالاسم ، والاسم بإلا أولى ؛ لأن المستثنى لا يكون إلا اسما ومؤولا به ، وإنما ساغ وقوع الماضي بتقديم الفعل ؛ لأنه مع النفي يجعل الكلام بمعنى كلما كان كذا كان كذا فكان فيه فعلان ، كما كان مع كلما ، وقال ابن طاهر : أجاز المبرد وقوع الماضي مع (قد) بدون تقدم فعل ، ولم يذكره من تقدم من النحاة ، وفي «البديع» : لو قلت : ما زيد إلا قام لم يجز ، فإن دخلت (قد) أجازها قوم.

الثالثة : الاستثناء في حكم جملة مستأنفة ؛ لأنك إذا قلت : جاء القوم إلا زيدا ، فكأنك قلت : جاء القوم وما منهم زيد ، فمقتضى هذا ألا يعمل ما بعد إلا فيما قبلها ، ولا ما قبلها فيما بعدها ، فلا يقدم معمول تاليها عليها ، فلا يقال : ما زيد إلا أنا ضارب.

وقال الرماني : لا يقال : ما قومك زيدا إلا ضاربون ؛ لأن تقدم الاسم الواقع بعد إلا عليها غير جائز ، فكذا معموله ، لما تقرر من أن المعمول لا يقع إلا حيث يقع العامل ، ولا يؤخر معمول ما قبلها عنها ، فلا يقال : ما ضرب إلا زيد عمرا ، وما ضرب إلا زيدا عمرو ، وما مر إلا زيد بعمرو ، إلا على إضمار عامل يفسره ما قبله ، ويستثنى من هذا القسم المستثنى منه وصفته ، فيجوز تأخيرهما كما تقدم ، نحو : ما قام إلا زيدا أحد ، وما مررت بأحد إلا زيدا خير من عمرو ، وأجاز الكسائي تأخير المعمول مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا ، واستدل بقوله :

٩٠١ ـ فما زادني إلّا غراما كلامها

وقوله :

٩٠٢ ـ وما كفّ إلا ماجد ضرّ بائس

__________________

٩٠٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٥٠٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤٧.

٩٠١ ـ تقدم الشاهد برقم (٦٣٣).

٩٠٢ ـ الشطر من الطويل ، تفرد به السيوطي ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.


وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) إلى قوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [النحل : ٤٣ ـ ٤٤].

ووافقه ابن الأنباري في المرفوع فقط كما تقدم في باب الفاعل توجيهه ، ووافقه الأخفش في الظرف والمجرور والحال ، نحو : ما جلس إلا زيد عندك ، وما مر إلا عمرو بك ، وما جاء إلا زيد راكبا ، قال أبو حيان : وهو المختار ؛ لأنه يتسامح في المذكورات ما لا يتسامح في غيرها.

غير :

(ص) مسألة : يوصف ب : (غير) ويستثنى جرا ، ولها إعراب تلو (إلا) ، وفتحها مطلقا لغة ، وناصبها قال الجمهور : كونها فضلة ، والسيرافي : السابق ، والفارسي : حال فيها معنى الاستثناء ، والمختار أنها قائمة مقام مضافها ، وأن أصله النصب ب : (أستثني) ، ويجوز مراعاة المعنى في تابع المستثنى بها ، قيل وب : (إلا) ، والصفة ، وفي العطف ب : (لا) بعد (غير) خلف ، ويحذف تالي (إلا) و (غير) بعد (ليس) ، قيل : ولم يكن.

(ش) تقدم أن (غير) أصلها الوصف وأنها محمولة في الاستثناء على إلا ، والمستثنى بها مجرور بإضافتها إليه ، وتعرب بما للاسم الواقع بعد إلا من وجوب نصب في الموجب نحو : قام القوم غير زيد ، وفي المنقطع وفي المقدم نحو : ما جاء القوم غير الحمير ، وما جاء زيد غير أحد ، ومن جوازه ورجحان الإتباع في المنفي نحو : ما جاء أحد غير زيد ، ومن كونه على حسب العامل في المفرغ نحو : ما جاء غير زيد ، وما رأيت غير زيد ، وما مررت بغير زيد ، وبعض بني أسد وقضاعة يفتحها في الاستثناء مطلقا ، وإذا انتصب على الاستثناء ففي الناصب لها أقوال :

أحدها : وعليه المغاربة أن انتصابها انتصاب الاسم الواقع بعد إلا ، والناصب له كونه جاء فضلة بعد تمام الكلام ، وذلك موجود في (غير).

الثاني : وعليه السيرافي وابن الباذش أنها منصوبة بالفعل السابق.

الثالث : وعليه الفارسي أنها منصوبة على الحال وفيها معنى الاستثناء ، كما أن ما عدا زيدا مقدر بمصدر في موضع الحال ، وفيها معنى الاستثناء.

والذي أختاره أنها انتصبت ؛ لقيامها مقام مضافها ، وأن أصله النصب ب : (أستثني)


مضمرا ، وهو الذي أميل إليه في أصل الاستثناء أن نصبه بأستثني لازم الإضمار ، وجعلت إلا عوضا عن النطق به.

وإذا عطف على المستثنى بها جاز في المعطوف مراعاة اللفظ فيجر وهو الأجود ، نحو : جاؤوا غير زيد وعمرو ، ويجوز مراعاة المعنى فينصب في نحو : جاؤوا غير زيد وعمرا ، ويرفع في نحو : ما جاء أحد غير زيد وعمرو ، وليس ذلك عطفا على (غير) ، بل على المجرور ؛ لأن أصله النصب أو الإتباع ، كذا قالوه ، وهو يؤيد ما اخترته من أن (غير) قائمة مقام مضافها في الإعراب ، ووجهوا منع عطفه على (غير) نفسها بأنه يلزم فيه التشريك في العامل فيستحيل المعنى.

قال أبو حيان : وما ذكروه في العطف يقتضي جريانه في سائر التوابع من نعت وبيان وتأكيد وبدل ، نحو : ما جاءني غير زيد نفسه أو العاقل أو أبي حفص أو أخيك ، فالقياس أن يجوز في الجميع الجر والرفع ، ولم ينصبوا إلا على العطف ، إلا أن في لفظ ابن عصفور ما يقتضي العموم حيث عبر بالتابع ، فقال : ويجوز في تابعه الحمل على المعنى ، قال : وقد صرح صاحب «البسيط» بجريان ذلك أيضا في (غير) ، إذا كانت صفة إلا أنه فيها من الحمل على المعنى وفي الاستثناء من الحمل على الموضع فهو في الاستثناء أقوى وذكره سيبويه أيضا ، وقال قوم : إنه خاص بالاستثناء ولا يكون في الصفة ، والظاهر الأول ، قال : ويجوز وجه آخر وهو القطع على الابتداء.

وأما المعطوف على المستثنى بإلا فلا يجوز فيه إلا مشاركته في الإعراب ، وأجاز قوم منهم ابن خروف العطف عليه بالجر نحو : قاموا إلا زيدا وعمرو ، على أن إلا في معنى غير ؛ لأن مكانهما واحد ، وأنشدوا عليه :

٩٠٣ ـ وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامة

تغنّت على خضراء سمر قيودها

يروى برفع لفظ (سمر) على لفظ (حمامة) ، وبالجر على معنى غير حمامة ، قال أبو حيان : وفي هذا دليل على إجراء النعت مجرى العطف ، وأنها لا تتقيد به ، والمانعون حملوا الجر على الجوار ، وإذا كانت (غير) استثناء ففي العطف بعدها ب : (لا) خلاف،

__________________

٩٠٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لعلي بن عميرة الجرمي في السمط ص ١٩ ، وبلا نسبة في أمالي القالي ١ / ٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٧.


فذهب أبو عبيدة والأخفش وابن السراج والزجاج والفارسي والرماني إلى جواز ذلك ، فيقال : جاؤوا غير زيد ولا عمرو إما على تقدير زيادة (لا) ، وإما على الحمل على المعنى ؛ لأن الاستثناء في معنى النفي فإن قولك : جاء القوم إلا زيدا في معنى جاء القوم لا زيد ، وهو هنا أولى ؛ لأن (غير) في أصلها تعطي النفي ، وذهب الفراء وثعلب إلى المنع كما في إلا إذ لا يقال : جاؤوا إلا زيدا ولا عمرا.

ويجوز حذف ما بعد (إلا) وبعد (غير) ، وذلك بعد (ليس) خاصة يقال : جاءني زيد ليس إلا أو ليس غير ، أي : ليس الجائي إلا هو أو غيره ، وقبضت عشرة ليس إلا وليس غير ، أي : ليس المقبوض غير ذلك ، أو ليس غير ذلك مقبوضا.

قال أبو حيان : وليس هذا باستثناء من الأول ؛ لأنه يكون تابعا لما ليس مبعضا ؛ ولأن ما بعد ليس هو الأول كيف كان ، واختلف هل يجوز الحذف مع (لم يكن)؟ فأجازه الأخفش وابن مالك نحو : لم يكن غير ، ومنعه السيرافي ؛ لأن الأصل في باب كان ألا يجوز فيها حذف الاسم ولا الخبر ، ومجيء ليس إلا ، وليس غير على خلاف الأصل.

بيد :

(ص) ويستثنى ب : (بيد) منقطعا لازم النصب ، والإضافة إلى (أن) وصلتها غالبا ، وهي بمعنى (غير) ، وقيل : على ، وقيل : من أجل ، ويقال : ميد ، وجعلها ابن مالك حرفا.

(ش) من أدوات الاستثناء (بيد) ، ويقال : ميد بإبدال بائها ميما وهو اسم ملازم الإضافة إلى (أن) وصلتها نحو : (نحو الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا) ، ومعناها معنى (غير) في المشهور إلا أنها لا تقع مرفوعة ولا مجرورة ، بل منصوبة ، ولا تقع صفة ولا استثناء متصلا ، وإنما يستثنى بها في الانقطاع خاصة ، قال في «الصحاح» : (بيد بمعنى غير ، يقال : إنه كثير المال بيد أنه بخيل) ، وفي «المحكم» أن هذا المثال حكاه ابن السكيت ، وأن بعضهم فسرها بمعنى (على) ، وقيل : هي بمعنى من أجل ، وخرج عليه حديث : «أنا أفصح من نطق بالضاد ، بيد أني من قريش» (١) ، وقال ابن مالك وغيره : إنها فيه بمعنى (غير) على حد :

__________________

(١) قال الملا علي القاري في المصنوع ص ٦٠ (٤٠) : قال السيوطي : لا يعلم من أخرجه ولا إسناده.


٩٠٤ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

البيت ، وأنشد أبو عبيدة على مجيئها بمعنى (من أجل) قوله :

٩٠٥ ـ عمدا فعلت ذاك بيد أنّي

أخاف إن هلكت أن ترنّي

حاشا وخلا وعدا :

(ص) وبحاشا وخلا وعدا بالنصب أفعالا جامدة ، قيل : بلا فاعل ، والأصح أنه ضمير البعض ، وقيل : المصدر والجر حروفا متعلقة كغيرها ، أو لا كالزائد ، أو محلها ك : (غير) ، أقوال.

ونفى الفراء حرفية (حاشا) ، والجر بلام مقدرة ، والأكثرون فعليتها وحرفية تاليها ، ويليان (ما) وهي مصدرية ، ومن ثم تعين النصب معها ، وقيل : زائدة فتجر ، وقيل : بمعنى المدة ولا تدخل على (حاشا) خلافا لبعضهم ، ولا إلا مطلقا ، وقيل : يجوز إن جرت ، وقد تدخل على (خلا) و (عدا) مع (ما) ، وترد (حاشا) فعلا متصرفا ، وقيل : لام الجر فعلا أو اسما بمعنى التنزيه مبنيا إلا في لغة أو اسم فعل أقوال ، وقد تحذف (عدا) بعد (ما) نحو : كل شيء مهمة ما النساء ، وقال الفراء والأحمر : (ما) استثناء.

(ش) من أدوات الاستثناء (حاشا) و (خلا) و (عدا) ، وينصب المستثنى بها ويجر فإذا نصب كن أفعالا ؛ لأنهن لسن من قبيل الأسماء العاملة ، ومدخولها لا يلي العوامل كمدخول (إلا) ؛ إذ لا يقال : ما قام القوم خلا زيد بالرفع ، فانتفت الاسمية والحرفية معا ، وهي جامدة قاصرة على لفظ الماضي فلا تتصرف بمضارع ولا أمر ، وإذا جرت كن حروف جر ؛ لأنها لم تباشر العوامل ك : (غير) فليست أسماء ، ولو كانت أفعالا لم تباشر الجر بغير واسطة حرفه ، وهي على هذا متعلقة بما قبلها من فعل أو شبهه كسائر حروف الجر

__________________

٩٠٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤٤ ، والأزهية ص ١٨٠ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤ ، والخزانة ٣ / ٣٢٧ ، ٣٣١ ، ٣٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٩ ، والكتاب ٢ / ٣٢٦ ، ومعاهد التنصيص ٣ / ١٠٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٦.

٩٠٥ ـ الرجز لمنظور بن مرثد في التاج مادة (رنن) ، وبلا نسبة في اللسان مادة (بيد ، رنن) ، وإصلاح المنطق ص ٢٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٥٢ ، والصاحبي ص ١٤٧ ، ومغني اللبيب ١ / ١١٥ ، وجمهرة اللغة ص ٦٨٦ ، ١٠١٩ ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٢٦ ، وديوان الأدب ٣ / ٣٠٠ ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٢٠٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٨٢.


فمحلها مع المجرور نصب ، واختار ابن هشام في «المغني» أنها لا تتعلق كالحروف الزائدة ؛ لأنها لا توصل معنى الفعل إلى الاسم ، بل تزيله عنه ، ولأنها بمنزلة إلا وهي غير متعلقة ، وقيل : موضعها نصب من تمام الكلام ك : (غير) إذا استثني بها ، ومن النصب بها قوله :

٩٠٦ ـ حاشا قريشا فإن الله فضّلهم

وحكي : «اللهم اغفر لي ولمن يسمعني حاشا الشيطان وأبا الأصبغ» (٢) ، وقوله :

٩٠٧ ـ ولا خلا الجنّ بها إنسيّ

وقوله :

٩٠٨ ـ عدا سليمى وعدا أباها

ومن الجر بها قوله :

٩٠٩ ـ من رامها حاشا النّبيّ ورهطه

وقوله :

٩١٠ ـ حاشا أبي ثوبان إنّ به

__________________

٩٠٦ ـ البيت من البسيط وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٢٥١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٩ ، ٢ / ١٦٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٢٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٢ ، ٢ / ١٠٤٠.

٩٠٧ ـ تقدم الشاهد برقم (٨٩١).

٩٠٨ ـ الرجز بلا نسبة في الخزانة ٤ / ١٠٥ ، وجواهر الأدب ص ٣٨١.

٩٠٩ ـ عجز البيت :

في الأرض غطفطه الخليج المزبد

والبيت من الكامل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٩١ ، واللسان مادة (حشا) ، وتهذيب اللغة ٥ / ١٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١٢.

٩١٠ ـ البيت من الكامل ، وهو للجميح الأسدي في الأصمعيات ص ٢١٨ ، والجنى الداني ص ٥٦٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٥٠٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٨ ، وشرح المفصل ٨ / ٤٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٩ ، وله أو لسبرة بن عمرو الأسدي في اللسان والتاج ، مادة (حشا) ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٨٠ ، والخزانة ٤ / ١٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٣.

(١) ذكره القرطبي في تفسيره ٩ / ١٨١.


وقوله :

٩١١ ـ حاشاي إنّي مسلم معذور

وقوله :

٩١٢ ـ خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

وقوله :

٩١٣ ـ عدا الشّمطاء والطّفل الصّغير

وأنكر بعض الكوفيين منهم الفراء حرفية (حاشا) ، وقال : إنها فعل أبدا ؛ لقولهم : حاشا يحاشي ، وإن الجر بعدها بلام مقدرة ، والأصل حاشا لزيد ، لكن كثر الكلام بها فأسقطوا اللام وخفضوا بها ، وأنكر سيبويه وأكثر البصريين فعليتها ، وقالوا : إنها حرف دائما بمنزلة (لا) ، لكنها تجر المستثنى ، وأنكروا أيضا حرفية (خلا) و (عدا) ، وقالوا : إنهما فعلان بمعني المفارقة والمجاوزة ضمّنا معنى الاستثناء ، والعذر لسيبويه أنه لم يحفظ النصب ب : (حاشا) ، ولا الجر ب : (عدا) ؛ لقلته ، وإنما نقله الأخفش والفراء ، ثم على فعلية هذه الأفعال ذهب الفراء إلى أن حاشا فعل لا فاعل له ، قال أبو حيان : ويمكن القول في خلا وعدا بذلك ك : (قلما) لما أشربت به من معنى (إلا).

واتفق بقية الكوفيين والبصريين على أن فاعلها ضمير مستكن فيها لازم الإضمار ، ثم قال البصريون : هو عائد على البعض المفهوم من الكلام ، والتقدير قام القوم عدا هو ، أي : بعضهم زيدا ، وقال الكوفيون : عائد على المصدر المفهوم من الفعل ، أي : عدا قيامهم زيدا ، وهو غير مطرد فيما لم يتقدمه فعل أو نحوه ، ولكون الضمير عائدا على البعض أو المصدر لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث ؛ لأنه عائد على مفرد مذكر وتدخل (ما) على خلا وعدا فيتعين النصب بعدها ؛ لأنها مصدرية فدخولها يعين الفعلية كقوله :

__________________

٩١١ ـ البيت من الكامل ، وهو للأقيشر الأسدي من ديوانه ص ٤١ ، وشرح التصريح ١ / ١١٢ ، واللسان والتاج مادة (حشا) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١١٩ ، والجنى الداني ص ٥٦٦ ، وجواهر الأدب ص ٤٢٦ ، واللسان مادة (عذر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٥.

٩١٢ ـ تقدم الشاهد برقم (٨٩٠).

٩١٣ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٨٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٣٢ ، وعمدة الحفاظ (حشي) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٣.


٩١٤ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وقوله :

٩١٥ ـ تملّ النّدامى ما عداني فإنّني

وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني أنه يجوز الجر على تقدير (ما) زائدة ، قال في «المغني» : فإن قالوه بالقياس ففاسد ؛ لأن (ما) لا تزاد قبل حروف الجر بل بعدها ، أو بالسماع فشاذ بحيث لا يقاس عليه ، وقيل : (ما) ظرف بمعنى المدة فمحله نصب ، والتقدير قام القوم في وقت مجاوزتهم زيدا ، أو وقت خلوهم ، و (ما) المصدرية كثيرا ما تكون ظرفا ، وأجاز بعضهم دخول (ما) المصدرية على (حاشا) بقلة تمسكا بقوله :

٩١٦ ـ رأيت النّاس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا

والذي نص عليه سيبويه المنع ، وذهب الكسائي إلى أنه يجوز دخول إلا على (حاشا) إذا جرت ، وحكى : قام القوم إلا حاشا زيد ، ومنع البصريون ذلك كما إذا نصبت ؛ لأنه جمع بين أداتين لمعنى واحد ، والحكاية شاذة لا يقاس عليها ، وترد (حاشا) في غير الاستثناء فعلا متصرفا متعديا ، تقول : حاشيته بمعنى استثنيته ، ومنه الحديث : «ما حاشا فاطمة ولا غيرها» (٤) ، وقال النابغة :

٩١٧ ـ ولا أحاشي من الأقوام من أحد

__________________

٩١٤ ـ تقدم الشاهد برقم (١ ، ٨٩٢).

٩١٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٠٧ ، والجنى الداني ص ٥٦٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٨٢ ، وشرح التصريح ١ / ١١٠ ، ٣٦٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٦٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٨ ، ٢ / ١٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٨.

٩١٦ ـ البيت من الوافر ، هو للأخطل في الخزانة ٣ / ٣٨٧ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٣٦ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٦٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٩ ، ٢ / ١٦٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٢١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢١ ، وشرح الرضي ٢ / ١٢٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٨.

٩١٧ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٠ ، وأسرار العربية ص ٢٠٨ ، والإنصاف ١ / ٢٧٨ ، والجنى الداني ص ٥٩٩ ، ٥٦٣ ، والخزانة ٣ / ٤٠٣ ، ٤٠٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٥ ، ٨ / ٤٨ ، واللسان مادة (حشا) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٢٧ ، ـ

(١) أخرجه أحمد بن مسنده (٥٦٧٤).


وتقع حاشا قبل لام الجر نحو : حاشا لله ، وهي عند المبرد وابن جني والكوفيين فعل ، قالوا : لتصرفهم فيها بالحذف ، قالوا : حاش وحشا ؛ ولإدخالهم إياها على الحرف قبل لام الجر ، والصحيح أنها اسم مصدر مرادف للتنزيه بدليل قراءة بعضهم حاشا لله [يوسف : ٣١] بالتنوين ، كما يقال : تنزيها لله وبراءة ، وقراءة ابن مسعود : (حاشا الله) بالإضافة كمعاذ الله ، وإنما ترك التنوين في قراءة الجمهور ؛ لأنها مبنية لشبهها بحاشا الحرفية لفظا.

وزعم بعضهم أنها اسم فعل بمعنى أتبرأ أو تبرأت ، وحامله على ذلك بناؤها ، ويرده إعرابها في بعض اللغات ، وروي من كلام العرب : كل شيء مهمة ما النساء وذكرهن ، فخرجه ابن مالك على أن صلة (ما) محذوفة ، وهي (عدا) حذفوها وأبقوا معمولها ، وإنما أضمر (عدا) ؛ لأنها متفق على فعليتها بخلاف (حاشا) و (خلا) ، فإنهما مختلف في فعليتهما ، فكان المتفق على فعليته أولى بأن يكون هو المحذوف ، وزعم الفراء والأحمر أن (ما) يستثنى بها ك : (إلا) ، وخرجا عليه الحكاية المذكورة ، ورد بأن الاستثناء بها غير محفوظ فلا يخرج عليه ، ومعنى الحكاية كل شيء يسير ما عدا النساء وذكرهن ، وخرجها السهيلي على أن (ما) نافية كليس استثني بها.

ليس ولا يكون :

(ص) وبليس وبلا يكون نصبا خبرا ، ولا يقدمان أول الكلام ، ويجوز كونهما صفة حيث صح الاستثناء فيرفعان ضميره المطابق.

(ش) من أدوات الاستثناء ليس ولا يكون ، وهي الناقصة لا أخرى ارتجلت للاستثناء ، وينصبان المستثنى على أنه خبر لهما والاسم ضمير لازم الاستتار ، كما تقدم في مبحث الضمير نحو : قام القوم ليس زيدا ، وخرج الناس لا يكون عمرا ، و (لا) قيد في يكون ، فلو نفيت ب : (ما) أو (لما) أو (لن) لم تقع في الاستثناء ، ومن شواهد (ليس) قوله :

٩١٨ ـ إذ ذهب القوم الكرام ليسي

__________________

ـ وشرح الأشموني ١ / ٢٤٠ ، ٢ / ١٦٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٤٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢١ ، وشرح الرضي ٢ / ١٢٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥٢.

٩١٨ ـ تقدم الشاهد برقم (١٦٦).


وحديث : «يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب» (١) ، وقد يوصف ب : (ليس) ولا يكون حيث يصح الاستثناء بأن يكون نكرة منفية ، قال ابن مالك : أو معرفا بلام الجنس نحو : ما أتاني أحد ليس زيدا ، وما أتاني رجل لا يكون بشرا ، وأتاني القوم ليسوا إخوتك.

قال أبو حيان : ولا أعلم في ذلك خلافا إلا أن المنقول اختصاصه بالنكرة دون المعرف بلام الجنس ، ولا يجوز في النكرة المثبتة نحو : أتتني امرأة لا تكون فلانة ؛ إذ لا يصح الاستثناء منها ، ولا في المعرفة نحو : جاء القوم ليسوا إخوتك ، بل يكونان في موضع نصب على الحال ، وإذا وصف بهما رفعا ضمير الموصوف المطابق له ، فيبرز نحو : ما جاءتني امرأة ليست أو لا تكون فلانة ، وما جاءني رجال ليسوا زيدا ، أو نساء لسن الهندات.

قال السيرافي : أجازوا الوصف بليس ولا يكون ؛ لأنهما نص في النفي عن الثاني ، وهو معنى الاستثناء ، وليس ذلك في عدا وخلا إلا بالتضمن ، فلم يوصف بهما ؛ لأنهما ليسا موضعي جحد ، فلا يقال : ما أتتني امرأة عدت هندا أو خلت دعدا.

لا سيما :

(ص) وبلا سيما عند الأخفش وأبي حاتم والنحاس ، والأصح ليس ما بعدها مستثنى ، بل منبه على أولويته بما نسب لما قبله ، وقال خطاب : مسكوت عنه ، و (سي) اسم لا ، وقيل : حال ، وقيل : (لا) زائدة ، وأصله سوى ، وتخفف ياؤها خلافا لابن عصفور ، وتسكن فالمحذوف اللام أو العين قولان ، فإن تلاها معرفة جر بالإضافة ، و (ما) زائدة يجوز حذفها خلافا للخضراوي ، أو رفع خبر محذوف ، و (ما) موصولة أو موصوفة أو نكرة جاز النصب تمييزا ل (ما) نكرة تامة ، وقيل : ظرفا أو صلة لها ، وقيل : هي كافّة ، وقال دريود : يختص الجر بالتخفيف ، والرفع بالتثقيل ، وقد يليها ظرف وفعل ، وشرط ف : (ما) كافة ، وفي وجوب الواو قبل (لا) خلف ، ويقال : لا تيما ، وتا سيما.

(ش) عد الكوفيون وجماعة من البصريين كالأخفش وأبي حاتم والفارسي والنحاس وابن مضاء من أدوات الاستثناء (لا سيما) ، ووجهه أنك إذا قلت : قام القوم لا سيما زيد

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده (٢١٦٦٦).


فقد خالفهم زيد في أنه أولى بالقيام منهم ، فهو مخالفهم في الحكم الذي ثبت لهم بطريق الأولوية ، قال الخضراوي : لما كان ما بعدها بعضا مما قبلها وخارجا عنه ، بمعنى الزيادة كان استثناء من الأول ؛ لأنه خرج عنه بوجه لم يكن له وأقرب ما يشبه به قوله :

٩١٩ ـ فتى كملت خيراته غير أنه

جواد فما يبقي من المال باقيا

لأن كونه (جوادا) خير لكن زاد في هذا الخير على غيره بما هو خير ، والصحيح أنها لا تعد من أدوات الاستثناء ؛ لأنه مشارك لهم في القيام ، وليس تأكيد القيام في حقه يخرجه عن أن يكون قائما ، ومما يبطل ذلك دخول الواو عليها ، وعدم صلاحية إلا مكانها بخلاف سائر الأدوات فالمذكور بعدها ليس مستثنى ، بل منبه على أولويته بالحكم المنسوب لما قبلها ، فإن تلاها معرفة مجرور نحو : لا سيما زيد فبالإضافة ، و (ما) زائدة ، وزيادة (ما) بين المضافين مسموعة ويجوز حذفها نحو : لا سي زيد ، نص عليه سيبويه ، وزعم ابن هشام الخضراوي أنها زائدة لازمة لا تحذف ، وليس كما قال ، أو مرفوع نحو : لا سيما زيد فخبر مبتدأ محذوف ، و (ما) موصولة بمعنى الذي مجرورة بإضافة (سي) إليها ، والجملة صلة والتقدير لا سي الذي هو زيد ، وأجاز ابن خروف أن تكون (ما) نكرة موصوفة ، والجملة صفة وإن تلاها نكرة جاز فيها الأمران ، وثالث وهو النصب ، وقد روي بالأوجه الثلاثة قوله :

٩٢٠ ـ ولا سيّما يوم بدارة جلجل

واختلف في وجه النصب فقيل : إنه على التمييز ، و (ما) نكرة تامة غير موصوفة في موضع خفض بالإضافة والمنصوب تفسير لها ، أي : ولا مثل شيء يوما.

وقيل : إنه على الظرف ، و (ما) بمعنى الذي وهو صلة لها ، أي : ولا مثل الذي اتفق

__________________

٩١٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٧٣ ، والأزهية ص ١٨١ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٦٨ ، والخزانة ٣ / ٣٣٤ ، ٣٣٦ ، وديوان المعاني ١ / ٣٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٠٦٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦١٤ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٩٩ ، والكتاب ٢ / ٣٢٧ ، واللسان مادة (وحح) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٩٣ ، والصاحبي ص ٢٦٧ ، وشرح الرضي ٢ / ٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٩.

٩٢٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٠ ، والجنى الداني ص ٣٣٤ ، ٤٤٣ ، والخزانة ٣ / ٤٤٤ ، ٤٥١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٢ ، ٢ / ٥٥٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٦ ، والصاحبي ص ١٥٥ ، واللسان والتاج مادة (سوى) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٩٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٤١ ، ٢ / ١٦٧ ، ومغني اللبيب ص ١٤٠ ، ٣١٣ ، ٤٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٧.


يوما ، فحذف للعلم كما قالوا : رأيت الذي أمس ، أي : الذي وقع واتفق ، وقيل : إن (ما) حرف كاف ل : (سي) عن الإضافة ، والمنصوب تمييز مثل قولهم : (على التمرة مثلها زبدا).

واستحسنه ابن مالك والشلوبين ، وقيل : إنها كافة وهو ظرف قاله ابن الصائغ ، أي :ولا مثل ما كان لك في يوم ، وقد يليها ظرف كقوله :

٩٢١ ـ يسرّ الكريم الحمد لا سيما لدى

شهادة من في خيره يتقلّب

وتقول : يعجبني الاعتكاف ولا سيما عند الكعبة ، ولا سيما إذا قرب الصبح ، وفعل كقوله :

٩٢٢ ـ فق النّاس في الخير لا سيّما

ينيلك من ذي الجلال الرّضا

وشرط كقوله :

٩٢٣ ـ أرى النّيك يجلو الهمّ والغمّ والعمى

ولا سيّما إن نكت بالمرس الضّخم

ومن أحكام (لا سيما) أنه لا يجيء بعدها الجملة بالواو ، وقال أبو حيان : ولحن من المصنفين من قال : لا سيما والأمر كذا ، ولا تحذف (لا) من لا سيما ؛ لأنه لم يسمع إلا في كلام المولدين ، كقوله :

٩٢٤ ـ سيّما من حالت الأح

راس من دون مناه

وذكر ثعلب أنه يجب اقتران (لا) بالواو كالبيت السابق ، وجوز غيره حذفها كقوله:

٩٢٥ ـ فه بالعقود والأيمان لا سيما

عقد وفاء به من أعظم القرب

والجمهور على أن (سي) اسم لا التبرئة وفتحته بناء كهي في لا رجل ، وقال الفارسي : إنه منصوب على الحال من الجملة السابقة ، ورد بوجوب تكرار (لا) حينئذ

__________________

٩٢١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٣ / ٤٤٧ ، وشفاء العليل ص ٥١٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٤.

٩٢٢ ـ البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٣ / ٤٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٢.

٩٢٣ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٦.

٩٢٤ ـ البيت من مجزوء الرمل ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.

٩٢٥ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٨٨ ، والخزانة ٣ / ٤٤٧ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٤١ ، ٢ / ١٦٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٣ ، ومغني اللبيب ص ١٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١٥.


وبمنع الواو ؛ إذ لا يقال : جاء زيد ولا ضاحكا ، وحكى في «البديع» عن بعضهم أن (لا) في لا سيما زائدة ، قال أبو حيان : وهو غريب.

وأصل سي (سوى) فعينه واو ساكنة قلبت ياء ؛ لسكونها ، وأدغمت في الياء ، وقد سمع تخفيف الياء من (لا سيما) حكاه الأخفش وابن الأعرابي وآخرون ، ومنه البيت السابق ، ومنعه ابن عصفور حذرا من بقاء الاسم المعرب على حرفين ، وإذا خففت فقال ابن جني : المحذوف لام الكلمة ، وانفتحت الياء بإلقاء حركة اللام عليها.

وقال أبو حيان : الأولى عندي أن يكون المحذوف العين ، وإن كان أقل من حذف اللام وقوفا مع الظاهر ؛ لأنه لو كان المحذوف اللام لردت العين واوا ؛ لزوال الموجب لقلبها فكان يقال : لا سوما ، وقد أبدلت العرب سين (سيما) تاء فقالوا : (لا تيما) ، كما قالوا في الناس : النات ، وقرئ : قل أعوذ برب النات [الناس : ١] ، وأبدلت أيضا (لا) تاء فقالوا : (تا سيما) ، كما قالوا : قام زيد تا بل عمرو ، أي : لا ، بل عمرو.

ما ألحق بلا سيما :

(ص) وألحق به (لا مثل ما) ، و (لا سوا ما) ، و (لا تر ما) ، و (لو تر ما) ، لكن لا يجر تلو هذين.

(ش) حكى ابن الأعرابي في «نوادره» وأبو الحسن النسائي (لا مثل ما) بمعنى لا سيما ، وأنه يرفع ما بعده ويجر كما بعد لا سيما.

وفي «التسهيل» أن (لا سوا ما) كذلك ، فيقال : قام القوم لا سوا ما زيد ، قال أبو حيان : وإطلاقه يدل على جواز الرفع والجر بعده أيضا ، وقال النسائي : (لا تر ما) و (لا سيما) و (لا مثل ما) بمعنى واحد.

وذكر ابن الأعرابي لو تر ما بمعنى لا سيما ، قال : إلا انه لا يكون بعدها إلا الرفع ، وكذا قال الآخر ، ووجهه أن (تر) فعل فلا يمكن أن تكون (ما) بعدها زائدة.

وينجر تاليها بالإضافة ؛ لأن الفعل لا يضاف فتعين أن تكون موصولة ، وهي مفعول (تر) ، وزيد خبر محذوف ، و (تر) بعد (لا) مجزوم بها ، وهي ناهية ، والتقدير في قام القوم لا تر ما زيد لا تبصر أيها المخاطب الشخص الذي هو زيد ، فإنه في القيام أولى به منهم ، أو غير مجزوم ولا نافية وحذفت ألفه شذوذا ، أو للتركيب ، وكذا بعد (لو) ، والتقدير لو تبصر الذي هو زيد لرأيته أولى بالقيام منهم ، قاله أبو حيان.


بله :

(ص) وبله أثبته أهل بغداد والكوفية ، وسمع جر تاليها فقيل ك : (غير) منقطعا ، وقيل : مصدر مضاف ، وقيل : حرف جر ونصبه مفعولا ، وهي مصدر ، أو اسم فعل ، ورفعه مبتدأ وهي ك : (كيف) ، وهاؤه تفتح وتكسر ، ويقال : بهل وبهل.

(ش) عد الكوفيون والبغداديون من ألفاظ الاستثناء (بله) وهي بمعنى (لا سيما) ، نحو : أكرمت العبيد بله الأحرار ، على معنى أن إكرام الأحرار يزيد على إكرام العبيد ، وأنكر ذلك البصريون ؛ لأن إلا لا تقع مكانها ؛ ولأن ما بعدها لا يكون إلا من جنس ما قبلها ، ولأن حرف العطف يجوز دخوله عليها ، قال ابن الصائغ : ولو صح دخول (لا سيما) و (بله) في أدوات الاستثناء لدخلت فيها (حتى) ؛ لأن ما بعدها يختص بصفة لم تثبت لما قبلها ، والجر لما بعدها مجمع على سماعه ، وأجاز الكوفيون فيه النصب ، وأنكره أكثر البصريين وهم محجوجون بالسماع قال جرير :

٩٢٦ ـ وهل كنت يا ابن القين في الدّهر مالكا

بغير بعير بله مهريّة نخبا

قال قطرب : وروي برفع ما بعدها على أنها بمعنى (كيف) ، وقد روي بالجر والنصب والرفع قوله :

٩٢٧ ـ تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكفّ كأنّها لم تخلق

وإذا جرت فقال بعض الكوفيين : هي اسم بمعنى (غير) ، والجر بإضافتها فيكون استثناء منقطعا ، وقال الفارسي : هي مصدر لم ينطق له بفعل مضاف إلى ما بعده ، وهي إضافة نصب ، وقال الأخفش : هي حرف جر ، وإذا نصبت فالمنصوب مفعول.

و (بله) مصدر وضع موضع الفعل بمعنى تركا ، أو اسم فعل بمعنى دع ، وإذا رفعت فمبتدأ وبله الخبر ، وفي هائها لغتان الفتح بناء والكسر على أصل التقاء الساكنين إلا على المصدرية ، فالفتح إعراب ، وقالت العرب في بله بهل بفتح الهاء وسكونها.

__________________

٩٢٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في الخزانة ٦ / ٢٣١ ، وديوانه ص ١٠٢٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧.

٩٢٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٤٥ ، والخزانة ٦ / ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢١٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٥٣ ، واللسان والتاج مادة (بله) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢١٧ ، وتذكرة النحاة ص ٥٠٠ ، والجنى الداني ص ٤٢٥ ، والخزانة ٦ / ٢٣٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥١ ، ٢ / ١٢١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٢.


لمّا :

(ص) وبلما بمعنى إلا قليلا نحو : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ، وأنكره الجوهري ، وقاسه الزجاجي ، وتوقف أبو حيان ، وتقدم استثناء سوى ودون.

(ش) قال أبو حيان : تكون (لما) بمعنى إلا وهي قليلة الدور في كلام العرب ، وينبغي ألا يتسع فيها ، بل يقتصر على التركيب الذي وقع في كلام العرب نحو : قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ، (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [يس : ٣٢] في قراءة من شدد الميم ، ف : (إن) نافية ، ولما بمعنى إلا ، وممن حكى أن (لما) بمعنى (إلا) الخليل وسيبويه والكسائي ، وقرأ ابن مسعود : وما منا لما له مقام معلوم [الصافات : ١٦٤] ، أي : إلا له ، وقالوا : نشدتك الله لما فعلت كذا ، وعمرك الله لما فعلت كذا ، وعزك الله وقعدك الله لما فعلت كذا ، ولما مع هذه بمعنى إلا.

وقد يحذف نشدتك الله أو سألتك وما أشبهه فيقال : بالله لما صنعت كذا ، أي : سألتك ، أو نشدتك بالله إلا صنعت ، قال الشاعر :

٩٢٨ ـ قالت له : بالله يا ذا البردين

لمّا غنثت نفسا أو اثنين

فهذه التراكيب ونحوها من المسموع ينبغي أن يعتمد في مجيء لما بمعنى إلا ، وزعم الزجاجي أنه يقال : لم يأت من القوم لما أخوك ، ولم أر من القوم لما زيدا بمعنى إلا أخوك وإلا زيدا ، قال أبو حيان : وينبغي أن يتوقف في إجازة هذه التراكيب ونحوها حتى يثبت سماعها أو سماع نظائرها من لسان العرب ، وزعم الجوهري أن لما بمعنى إلا غير معروف في اللغة.

وبقي من أدوات الاستثناء (سوى) وقد تقدم الكلام عليها في الظروف ، وكذا (دون) عند من يرى الاستثناء بها.

الحال :

(ص) الحال هو فضلة دالة على هيئة صاحبه ، ونصبه نصب المفعول به ، أو

__________________

٩٢٨ ـ الرجز بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٩٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٨٣ ، واللسان والتاج مادة (غنث) ، ومغني اللبيب ١١ / ٢٨١ ، وتهذيب اللغة ٨ / ٩٢ ، وجمهرة اللغة ص ٤٢٨ ، والمخصص ١١ / ٩٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٧١.


المشبه به ، أو الظرف ، أقوال ، ويغلب انتقاله إلا في مؤكدة ، وقيل : يشترط لزومها وانتقال غيرها واشتقاقه ، ويغني وصفه أو تقدير مضاف قبله أو دلالته على سعر أو مفاعلة نحو : كلمته فاه إلى في ، وهل هو مصدر سد عن الحال أو تقدر (من) ، أو جاعلا ، أو حذف أو ناب أقوال ، ولا يقاس خلافا لهشام ، وسمع رفعه ، ولا يقدم المجرور وجوزه الكوفية رفعا ، ويؤخر العامل على الأصح ، أو على ترتيب كعلمته الحساب بابا بابا ، ونصب الثاني قال الفارسي : بالأول ، وابن جني : صفة له ، والزجاج : تأكيد ، وأبو حيان : منصوبان بالعامل ؛ لأن مجموعهما الحال ، والمختار عطف بفاء بمحذوفة ؛ لظهورها في «لتتبعن سنن من قبلكم باعا فباعا» (١) ، أو على أصل أو فرع أو نوع أو تشبيه أو تقسيم أو تفضيل على نفسه أو غيره.

(ش) الحال يذكر ويؤنث ، وهو فضلة دال على هيئة صاحبه نحو : جاء زيد ضاحكا ، ف : (ضاحكا) فضلة دال على الهيئة التي جاء عليها زيد.

وخرج بالفضلة العمدة نحو : زيد ضاحك ، وبدال على هيئة سائر المنصوبات إلا المصدر النوعي ، وبصاحبه نحو : رجعت القهقرى فإنه يدل على هيئة الرجوع لا على هيئة الصاحب ، ولا يقدح في جعله فضلة عدم الاستغناء عنه في بعض المواضع نحو : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء : ١٣٠] ؛ لأنه عارض ، كما لا يقدح في العمدة عروض الاستغناء عنه.

واختلفوا من أي باب نصب الحال؟ فقيل : نصب المفعول به ، وقيل : نصب الشبيه بالمفعول به وهو الأرجح ، وقيل : نصب الظروف ؛ لأن الحال يقع فيه الفعل ؛ إذ المجيء في وقت الضحك أو الإسراع مثلا فأشبهت ظرف الزمان ، ورد بأن الظرف أجنبي من الاسم والحال هي الاسم الأول ، والغالب في الحال المبينة أن تكون منتقلة ، أي : وصفا غير لازم ، وقد تكون ثابتة نحو : (أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) [الأنعام : ١١٤] ، (قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] ، خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها ، ولد زيد قصيرا خلق أشهل ، أما المؤكدة فلا يغلب فيها الانتقال ، بل هو والثبوت فيها كثيران نحو : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة : ٩١] ، (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) [الأنعام : ١٥٣] ، (وَلا تَعْثَوْا فِي

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (٣٤٥٦) ، ومسلم ، كتاب العلم ، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (٣٦٦٩).


الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] ، (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ١٥] ، (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) [النمل : ١٩].

وقيل : لا تكون المبنية إلا منتقلة ، وما ورد من الثابت كالأمثلة السابقة محمول على المؤكدة ؛ لأنه في حكم المعلوم ، وقيل : لا تكون المؤكدة إلا غير منتقلة.

والغالب في الحال أن تكون وصفا مشتقا إما من المصدر كاسم الفاعل ، أو المفعول ، أو من الاسم غير المصدر كأظفر من الظفر ، ومستحجر من الحجر ، ومستنسر من النسر.

ويغني عن الاشتقاق أمور :

أحدها : وصفه نحو : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧].

الثاني : تقدير مضاف قبله كقولهم : وقع المصطرعان عدلي عير ، أي : مثل عدلي.

الثالث : دلالة على سعر نحو : بعت الشياه شاة بدرهم ، والبر قفيزا بدرهم ، والدار ذراعا بدرهم ، أي : مسعرا.

الرابع : دلالته على مفاعلة نحو : كلمته فاه إلى في ، أي : مشافهة ، وبعته يدا بيد ، أي : مناجزة ، ورأسا برأس ، أي : مماثلة.

وقد اختلف في إعراب كلّمته فاه إلى فيّ ، فمذهب سيبويه ما ذكر أنه حال على أنه اسم وضع موضع المصدر ، أي : مشافهة الموضوع موضع الحال ، أي : مشافها ، وتعقب بأن الاسم الذي تنقل العرب إلى المصدر لا بد أن يكون نكرة ، كما قال سيبويه : ولا بد أن يكون له مصدر من لفظه كالدهن والعطاء ، وفاه إلى في ليس كذلك ، ومذهب الأخفش أن أصله من فيه إلى في حذف الجار فنصب كقوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥] ، أي : على عقدة ، وتعقب بأنه لا يعهد حذف الجر ملتزما ، وبأن مبدأ غاية المتكلم فمه لا فم المكلم ، ولو كان معنى (من) مقصودا لقيل : من في إلى فيه ، إذا أظهرت ، وفي إلى فيه إذا قدرت ، وقد ورد في الحديث : أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاه إلى فيّ (١) ، ومبدأ الإقراء من فم النبي على ما هو الظاهر في الغاية على أن الفارسي أجاب عنه في

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب المناقب ، باب مناقب عمار وحذيفة (٣٧٤٢) ، ومسلم ، كتاب صلاة المسافر ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف (٨١٨).


المثال الشهير ، بأنه من المفاعلة ، فلما تضمن كلمته معنى كلمني وكلمته صح ذلك ؛ لأن كلمني من فيه صحيح ، أي : لا بواسطة ولا بكتابة ، والعرب إذا ضمنت شيئا معنى شيء علقت به ما يتعلق بذلك الشيء ، ومذهب الكوفيين أن أصله كلمته جاعلا فاه إلى في ، فهو مفعول به.

ومذهب الفارسي أنه حال نائبة مناب (جاعلا) ، ثم حذف وصار العامل فيها (كلمته) ، ولا يقاس على هذا التركيب ، بل يقتصر فيه على مورد السماع فلا يقال : كلمته وجهه إلى وجهي ، ولا عينه إلى عيني ، وأجاز هشام القياس عليه فأجاز ماشيته قدمه إلى قدمي ، وكافحته وجهه إلى وجهي ، وصارعته جبهته على جبهتي ، وجاورته بيته إلى بيتي ، وناضلته قوسه عن قوسي ، ونحو ذلك ، ورد بأن فيه إيقاع جامد موقع مشتق ، ومعرفة موقع نكرة ، ومركب موضع مفرد ، وبأقل من هذا الشذوذ يمتنع القياس ، وسمع كلمني زيد فوه إلى في بالرفع على أنها جملة حالية ، ولا يجوز تقديم (إلى في) على (فاه) نصب أو رفع عند البصريين ؛ لأن الجار للتبيين ك : (لك) بعد (سقيا) ، وهو لا يقدم.

وجوز الكوفية تقديمه إذا رفع ، ويجوز تقديم كليهما وتأخير العامل فيقال : فاه إلى في كلمت زيدا ، عند سيبويه وأكثر البصريين ؛ لتصرف العامل ، واتفق الكوفيون على منعه وتبعهم بعض البصريين وعزي لسيبويه أيضا ؛ لأنها حال متأولة لم تقو قوة غيرها ، ولم يسمع فيها تقديم ، ولو قيل : فوه إلى في كلمني زيد لم يجز أيضا عند الكوفيين ، قال أبو حيان : ولا أحفظ عن البصريين نصا في ذلك ، والقياس يقتضي الجواز.

الخامس : دلالته على ترتيب نحو : ادخلوا رجلا رجلا ، أي : مرتبين واحدا بعد واحد ، وعلمته الحساب بابا بابا ، أي : مفصلا أو مصنفا ، وفي نصب الثاني من المكرر خلاف ، ذهب الفارسي إلى أن الأول لما وقع موقع الحال جاز أن يعمل في الثاني ، وذهب ابن جني إلى أنه في موضع الصفة للأول وتقديره بابا ذا باب حذف (ذا) ، وأقيم الثاني مقامه فجرى عليه جريان الأول ، كما تقول : زيد عمرو ، أي : مثل عمرو ، وقيل : هو صفة بلا تقدير ؛ لأن التفصيل لا يفهم بالأول وحده ، وقال الزجاج : الثاني تأكيد للأول ، قيل : وهو أولى ؛ لأن التكرار للتأكيد ثابت من كلامهم ، وأما التكرير للتفصيل فلم يثبت في موضع.

وتعقب بأنه لو كان تأكيدا لأدى ما أدى الأول ، وقال أبو حيان : الذي أختاره أن كليهما منصوب بالعامل السابق ؛ لأن مجموعهما هو الحال لا أحدهما ، ومتى اختلف


بالوصفية أو غيرها لم يكن له مدخل في الحالية ؛ إذ الحالية مستفادة منهما فصارا يعطيان معنى المفرد ، فأعطيا إعرابه وهو النصب ، ونظير ذلك قولهم : هذا حلو حامض وكلاهما مرفوع على الخبرية وإنما حصل الخبر بمجموعهما ، فلما ناب مناب المفرد الذي هو (مز) أعربا إعرابه ، قال : ولو ذهب ذاهب إلى أن النصب إنما هو بالعطف على تقدير حذف الفاء ، أي : رجلا فرجلا ، وبابا فبابا لكان وجها حسنا عاريا عن التكلف ؛ لأن المعنى ادخلوا رجلا بعد رجل ، وعلمته الحساب بابا بعد باب.

قلت : وهذا هو المختار عندي ؛ لظهورها في بعض التراكيب كحديث : «لتتبعن سنن من قبلكم باعا فباعا» (١) ، قال أبو حيان : والتكرار في مثل هذا لا يدل على أنه أريد به شفع الواحد ، بل الاستغراق لجميع الرجال والأبواب ونحو ذلك.

السادس : دلالته على أصالة الشيء نحو : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [الإسراء : ٦١] ، وهذا خاتمك حديدا ، وهذه جبتك خزا.

السابع : دلالته على فرعيته نحو : هذا حديدك خاتما.

الثامن : دلالته على نوعيته نحو : هذا مالك ذهبا.

التاسع : دلالته على تشبيه نحو : كر زيد أسدا ، أي : مشبها أسدا.

العاشر : دلالته على تقسيم نحو : أقسم المال عليهم أثلاثا أو أخماسا.

الحادي عشر : دلالته على تفضيل باعتبارين نحو : هذا بسرا أطيب منه رطبا.

الثاني عشر : دلالته على تفضيل على غيره ذكره ابن مالك في «كافيته» نحو : أحمد طفلا أجل من علي كهلا.

ورود الحال مصدرا :

(ص) وورد مصدرا فأول بوصف ، وقيل : بحذف مضاف ، وقيل : مفعول مطلق لما قبله ، وقيل : لمقدر هو الحال ولا يقاس ولو نوع الفعل في الأصح إلا نحو : أنت الرجل

__________________

(١) أخرجه بهذا اللفظ الحاكم في المستدرك ١ / ٩٣ (١٠٦).


علما وزهير شعرا ، والمختار أنهما تمييزان ، وأما علما فعالم ، والمختار مفعول به ، وقيل : مطلق ورفعه لغة فإن عرف فراجح والنصب مفعول له أو به أو مطلق أقوال ، ولا يقع (أنّ) أو (أن) والفعل حالا خلافا لابن جني.

(ش) ورد الحال مصدرا بكثرة ، قال أبو حيان : وهو أكثر من وروده نعتا ، فمنه (ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ) [البقرة : ٢٦٠] ، (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) [البقرة : ٢٧٤] ، (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف : ٥٦] ، (إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) [نوح ٨] ، وقالوا : قتلته صبرا ، وأتيته ركضا ومشيا وعدوا ، ولقيته فجأة وكفاحا وعيانا ، وكلمته مشافهة ، وطلع بغتة ، وأخذت ذلك عنه سماعا.

فاختلف النحويون في تخريج هذه الكلم وما أشبهها من المسموع ، فذهب سيبويه وجمهور البصريين إلى أنها مصادر في موضع الحال مؤولة بالمشتق ، أي : ساعيا وراكضا ومفاجئا ومسرا ومعلنا وخائفين وطائعين ومجاهرا ومصبورا ، وكذا الباقي ، وقال بعضهم : هي مصادر على حذف مضاف ، أي : إتيان ركض وسير عدو ولقاء فجأة ، وقيل : هي أحوال على حذف مضاف ، أي : ذا سعي وذا فجأة.

وقيل : هي مفاعيل مطلقة للأفعال السابقة نوعية وعليه الكوفيون ، وقيل : هي مفاعيل مطلقة لفعل مقدر من لفظها ، وذلك الفعل هو الحال ، أي : أتيت أركض ركضا ، وعليه الأخفش والمبرد ، وأجمع البصريون والكوفيون على أنه لا يستعمل من ذلك إلا ما استعملته العرب ، ولا يقاس عليه غيره فلا يقال : جاء زيد بكاء ، ولا ضحك زيد اتكاء.

وشذ المبرد فقال : يجوز القياس ، واختلف النقل عنه ، فنقل عنه قوم أنه أجاز ذلك مطلقا ، ونقل عنه آخرون أنه أجازه فيما هو نوع الفعل نحو : أتيته سرعة ، ويستثنى ثلاثة أنواع جوزوا القياس فيها :

الأول : ما وقع بعد خبر قرن بأل الدالة على الكمال نحو : أنت الرجل علما ، أي : الكامل في حال علم ، فيقال : أنت الرجل أدبا ونبلا وحلما ، قال أبو حيان : وعندي أن النصب في هذا على التمييز كأنه قال : أنت الكامل من حيث العلم ؛ لأن إطلاق الرجل بمعنى الكامل معروف ، والأصل أنت الكامل علمه.

الثاني : ما وقع بعد خبر يشبه به مبتدؤه نحو : أنت زهير شعرا ، فيقال : أنت حاتم


جودا ، والأحنف حلما ، ويوسف حسنا ، قال أبو حيان : والتمييز فيه أظهر أيضا ، وقد نصوا على أنه تمييز في قولك : زيد القمر حسنا ، وثوبك السلق خضرة.

الثالث : ما وقع بعد أما نحو : أما علما فعالم ، والأصل فيه أن رجلا وصف عنده شخص بعلم وغيره ، فقال الرجل للواصف : أما علما فعالم ، يريد مهما يذكر إنسان في حال علم فالذي وصفت عالم ، كأنه منكر ما وصفه به من غير العلم ، فالناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف ، وصاحب الحال هو المرفوع بفعل الشرط ، ويقال قياسا عليه : أما سمنا فسمين ، وأما نبلا فنبيل ، وذهب بعضهم إلى أن نصب (عالما) في هذا المثال على أنه مفعول به ب : فعل الشرط المقدر ، فيقدر متعديا على حسب المعنى ، فكأنه قال : مهما تذكر علما فالذي وصف عالم.

وهذا مذهب الكوفيين واختاره السيرافي وابن مالك قال : لأنه لا يخرج منه شيء عن أصله ؛ إذ الحكم عليه بالحالية فيه إخراج المصدر عن أصله ووضعه موضع اسم الفاعل ، ولأنه ورد فيما ليس مصدرا ، سمع : أما قريشا فأنا أفضلها ، وأما العبيد فذو عبيد ، وذهب الأخفش إلى أنه مفعول مطلق مؤكد لناصبه وهو (عالم) المؤخر ، والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور عالم علما ، فلزم تقديمه كما لزم تقديم المفعول في (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ، والأصل مهما يكن من شيء فاليتيم لا تقهر.

ورفع المصدر الواقع بعد أما جائز في لغة تميم ، أما علم فعالم مع ترجيحهم النصب ، فإن وقع بعد (أما) معرفة فالأرجح عند الحجازيين رفعه ، وأوجبه بنو تميم نحو : أما العلم فعالم ، أي : فهو عالم ، ويجوز نصبه أيضا في لغة الحجاز ، ووجهه سيبويه بأن مفعول له ؛ لتعذر الحال بالتعريف والمصدر ؛ لأنه مؤكد والمؤكد لا يكون معرفة ، وذهب الأخفش إلى أنه مفعول مطلق ، والكوفيون ومن وافقهم إلى أنه مفعول به كالقولين في المنكر ، ومذهب سيبويه أن أن والفعل وإن قدرت بمصدر لا يجوز أن تقع حالا ؛ لأن العرب أجرتها مجرى المعارف في باب الإخبار بكان ، ولأن أن للاستقبال ، والمستقبل لا يكون حالا ، وأجازه ابن جني وخرج عليه قوله :

٩٢٩ ـ وقالوا لها : لا تنكحيه فإنّه

لأوّل نصل أن يلاقي مجمعا

__________________

٩٢٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لتأبط شرا في ديوانه ص ١١٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٤٩١ ، وتاج العروس مادة (بطل) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٧.


تنكير الحال :

(ص) مسألة يجب تنكيره ، وثالثها لا إن كان فيه معنى الشرط وورد باللام والإضافة وعلما فمؤول ، ومنه العدد من ثلاثة إلى عشرة مضافا لضمير سابق ، وتجعله بنو تميم توكيدا ، وكذا مركبة في الأصح ، والأصح أن (وحده) موضع مصدر حال ، وقيل : مصدر بحذف الزيادة ، وقيل : من (وحد) ، وقيل : لا فعل له ، وقيل : نصب ظرفا ، وقيل : بمضمر.

(ش) يجب في الحال التنكير ؛ لأنها خبر في المعنى ، ولئلا يتوهم كونها نعتا عند نصب صاحبها ، أو خفاء إعرابها ، هذا مذهب الجمهور ، وجوز يونس والبغداديون تعريفها نحو : جاء زيد الراكب ، قياسا على الخبر ، وعلى ما سمع من ذلك ، وقال الكوفيون : إذا كان في الحال معنى الشرط جاز أن يأتي على صورة المعرفة ، وهي مع ذلك نكرة نحو : عبد الله المحسن أفضل منه المسيء ، التقدير إذا أحسن أفضل منه إذا أساء ، وأنت زيدا أشهر منك عمرا ، أي : إذا سميت ، وسمع لذو الرمة ذا الرمة أشهر منه غيلان فإن لم يكن فيها معنى الشرط لم يجز أن تأتي معرفة في اللفظ نحو : جاء زيد الراكب ، والأولون قالوا : المنصوب في الأول بتقدير إذا كان ، وفي الآخرين بفعل التسمية ، وورد عن العرب أحوال مقترنة باللام كقولهم : مررت بهم الجماء الغفير ، و:

٩٣٠ ـ فأرسلها العراك

وادخلوا الأول فالأول ، وقرئ : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون ٨] ، وهي مؤولة على زيادة اللام ، وورد أيضا أحوال مضافة نحو : (تفرّقوا أيادي سبأ) ، فأول بتقدير (مثل) أو (تبددا لا بقاء معه) ، وطلبته جهدي وطاقتي ووحدي ، فأول بتقدير جاهدا ومطيقا ومنفردا ، ورجع عوده على بدئه ، أي : عائدا.

ومنه عند الحجازيين العدد من ثلاثة إلى عشرة مضافا إلى ضمير ما تقدم نحو : مررت بهم ثلاثتهم أو خمستهم أو عشرتهم ، وتأويله عند سيبويه أنه في موضع مصدر وضع موضع

__________________

٩٣٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للبيد في ديوانه ص ٨٦ ، والخزانة ٣ / ١٩٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٣ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٢ ، والكتاب ١ / ٣٧٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢١٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٨٢٢ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٨٥ ، والمقتضب ٣ / ٢٣٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٣.


الحال ، أي : مثلثا أو مخمسا لهم ، وبنو تميم يتبعون ذلك لما قبله في الإعراب توكيدا فعلى هذا يقدر ب : (جميعهم) ، وعلى الأول ب : (جميعا) ، وهل يجري ذلك في مركب العدد؟ قيل : لا ، والصحيح الجواز ، فيقال : جاء القوم خمسة عشرهم ، والنسوة خمسة عشرتهن بالنصب ، وورد أيضا من الحال ما هو علم ، قالوا : جاءت الخيل بداد ، وبداد علم جنس فأول بمتبددة.

وفي (وحده) مذاهب قال سيبويه والخليل : هو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال كأنه قال : إيحادا ، وإيحادا موضع موحدا في المتعدي ، ومتوحدا في اللازم ، وقال قوم : إنه مصدر على حذف حروف الزيادة من إيحاد واقع موقع الحال ، وقال آخرون : إنه مصدر لم يلفظ له بفعل كالأخوة ، وقيل : إنه مصدر بلا حذف ؛ لأنه سمع وحد يحد ، وقال يونس وهشام : إنه منصوب انتصاب الظرف فيجري مجرى (عنده) ، والأصل في جاء زيد وحده على وحده حذف الجار ، ونصب على الظرف ، وسمع جلسا على وحديهما ، والتقدير في زيد وحده زيد موضع التفرد وهذا المثال مسموع وهو أقوى دليل على ظرفيته حيث جعلوه خبرا لا حالا ؛ إذ لا يجوز زيد جالسا ، وقيل : إنه في زيد وحده منصوب بفعل مضمر ، أي : وحد وحده كما قالوا : زيد إقبالا وإدبارا ، أي : يقبل ويدبر.

صاحب الحال :

(ص) مسألة : لا يجيء من نكرة غالبا إلا بمسوغ ابتداء ، قال أبو حيان : ودونه قياسا ، وقيل : يختص بالوصف وشرط بعضهم الوصف بوصفين ما لم يقدم ، أو يكن جملة بالواو ، والأصح أنه في نحو : فيها قائما رجل من المبتدأ لا ضمير الظرف ، ويجيء من المضاف إليه مفعوله ، قال الأخفش وابن مالك : أو جزؤه أو كجزئه ، وبعضهم مطلقا ، وفي مجيئه من المنادى ثالثها يجوز مؤكدة لا مبينة.

(ش) لما كانت الحال خبرا في المعنى وصاحبها مخبرا عنه أشبه المبتدأ فلم يجز مجيء الحال من النكرة غالبا إلا بمسوغ من مسوغات الابتداء بها ، ومن النادر قولهم : (عليه مائة بيضا) و (فيها رجل قائما) ، واختار أبو حيان مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ كثيرا قياسا ، ونقله عن سيبويه ، وإن كان دون الإتباع في القوة ، ومن المسوغات النفي كقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] ، والنهي نحو :


٩٣١ ـ لا يركبن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوّفا لحمام

والاستفهام نحو :

٩٣٢ ـ يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى

والوصف نحو : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً) [الدخان ٤ ـ ٥] ، وبالآية رد على من قال : إنه لا يجوز إلا أن تكون النكرة موصوفة بوصفين ، والإضافة نحو : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) [فصلت : ١٠] ، (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) [الأنعام : ١١١] ، والعمل نحو : مررت بضارب هندا قائما ، وقيل : لا يجوز في غير الموصوف إلا سماعا.

فإن قدم الحال على صاحبه النكرة جاز وإن لم يكن له مسوغ تخلصا من تقدم الوصف نحو : هذا قائما رجل ، وكذا إن كان جملة مقرونة بالواو نحو : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) [البقرة : ٢٥٩].

٩٣٣ ـ مضى زمن والنّاس يستشفعون بي

وظاهر كلام سيبويه أن صاحب الحال في نحو : (فيها قائما رجل) هو المبتدأ ، وصححه ابن مالك ، وذهب قوم إلى أن صاحبه الضمير المستكن في الخبر بناء على أنه لا يكون إلا من الفاعل والمفعول ، وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو مجرورا لا ضمير فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخر ، وأما إذا تقدم فلا ضمير فيه ؛ لأنه لو كان لجاز أن يؤكد ويعطف عليه ويبدل منه كما يفعل ذلك مع المتأخر ، وحق صاحب الحال ألا يكون مجرورا بالإضافة كما لا يكون صاحب الخبر ؛ لأن المضاف إليه مكمل للمضاف وواقع منه موقع التنوين فإن كان المضاف بمعنى الفعل حسن جعل المضاف إليه صاحب

__________________

٩٣١ ـ البيت من الكامل ، وهو لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص ١٧١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٥٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣١٤ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٤٧ ، ٢ / ١٧٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٥.

٩٣٢ ـ البيت من البسيط ، وهو لرجل من طيىء في شرح التصريح ١ / ٣٧٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٥٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣١٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٤٧ ، ٢ / ١٧٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٢٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٨.

٩٣٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٥١ ، وسمط اللآلي ص ١٣٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٣٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٣٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٥.


حال ؛ لأنه في المعنى فاعل أو مفعول نحو : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٤] ، وعرفت قيام زيد مسرعا ، وجوز بعض البصريين وصاحب «البسيط» مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا ، وخرجوا عليه (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦] ، وقوله :

٩٣٤ ـ حلق الحديد مضاعفا يتلهّب

وجوزه الأخفش وابن مالك إن كان المضاف جزء ما أضيف إليه أو مثل جزئه نحو : (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧] ، (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النساء : ١٢٥] ؛ لأنه لو استغني به عن المضاف ، وقيل : نزعنا ما فيهم إخوانا ، واتبع إبراهيم حنيفا لصح.

ورده أبو حيان وقال : إن النصب في (إخوانا) على المدح ، و (حنيفا) حل من (ملة) بمعنى دين ، أو من الضمير في (اتبع) ، قال : وإنما لم يجز الحال من المضاف إليه لما تقرر من أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها ، وعامل المضاف إليه اللام أو الإضافة ، وكلاهما لا يصلح أن يعمل في الحال ، وفي مجيء الحال من المنادى مذاهب.

تقديم الحال على صاحبه :

(ص) ويقدم على صاحبه لا مجرور بإضافة ، وقيل : إلا بوصف ، ولا منصوب بكأن وليت ولعل وفعل تعجب ، ولا ضمير متصل بصلة أل ، أو حرف ، ويجب إن أضيف لضمير ملابسه ، قيل : أو قرن بإلا ، ومنعه البصريون على مجرور بغير زائد ، وثالثها إلا الضمير والفعلية ، والكوفية على ظاهر مرفوع آخر رافعه ومنصوب ، وقيل : إلا الفعلية.

(ش) الأصل في الحال التأخير عن صاحبها كالخبر ، ويجوز تقديمها عليه ، كما يجوز فيه سواء كان مرفوعا كقوله :

٩٣٥ ـ فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الغمام وديمة تهمي

أم منصوبا كقوله :

٩٣٦ ـ وصلت ولم أصرم مسبّين أسرتي

__________________

٩٣٤ ـ البيت من الكامل ، وهو لزيد الفوارس في الخزانة الأدب ٣ / ١٧٣ ، ١٧٥ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٥١٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٧.

٩٣٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٨٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٣١ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣٦٢ ، وبلا نسبة في لسان العرب ١٥ / ٣٦٥ ، مادة (همي) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٧.

٩٣٦ ـ الشطر من الطويل ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.


أم مجرورا بحرف زائد نحو : ما جاء عاقلا من أحد ، وكفى معينا بزيد ، أو أصلي نحو : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ : ٢٨] ، هذا هو الأصح في الجميع ، أما المجرور بالإضافة فلا يجوز تقديم الحال عليه ، كعرفت قيام هند مسرعة فلا يقدم (مسرعة) على (هند) ؛ لئلا يفصل بين المضاف والمضاف إليه ، ولا على (قيام) الذي هو المضاف ؛ لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول ، فلا يقدم عليه شيء من معمولاته ، وسواء كانت الإضافة محضة كالمثال ، أم غير محضة نحو : هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا ، كما قال ابن هشام في «الجامع» : إنه الأصح ، وأجاز ابن مالك في الثاني تقديم الحال على المضاف ؛ لأن الإضافة في نية الانفصال ، كذا ذكره في شرح «التسهيل» ، لكنه نقل ذلك في شرح «العمدة» عن بعض النحويين وقال : المنع عندي أولى.

ومنع أكثر النحويين منهم البصريين تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف غير زائد سواء كان ظاهرا أو ضميرا ، فمنعوا مررت ضاحكة بهند ، ومررت ضاحكا بك ، وتأولوا الآية بأن (كافة) حال من الكاف ، وعللوا المنع بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه ، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة ، لكن منع من ذلك خوف التباس الحال بالبدل ، وأن فعلا واحدا لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين ، فجعلوا عوضا من الإشراك في الواسطة التزام التأخير ، وبأن حال المجرور بحرف شبيه بحال عمل فيه حرف جر مضمن معنى الاستقرار نحو : زيد في الدار متكئا ، فكما لا يجوز تقديم الحال على حرف الجر في مثل هذا لا يقدم عليه هنا ، وجوز الكوفية التقديم إن كان صاحب الحال ضميرا أو ظاهرا ، والحال فعل نحو : مررت تضحك بهند ، ومنعوه إذا كان ظاهرا وهي اسم.

ونقل ابن الأنباري الإجماع على المنع حينئذ ، وليس كذلك ، فقد قال بالجواز مطلقا الفارسي وابن كيسان وابن برهان ، وصححه ابن مالك ، ومنع الكوفيون أيضا التقديم على المرفوع الظاهر المؤخر رافعه فلا يجيزون : مسرعا قام زيد ، ويجيزون قام مسرعا زيد ؛ لتقدم الرافع ، ومنع الكوفيون أيضا التقديم على المنصوب الظاهر سواء كان الحال اسما أو فعلا فلا يجيزون لقيت راكبة هندا ، ولا لقيت تركب هندا ، وعللوه بأنه يوهم كون الاسم مفعولا وما بعده بدل منه ، وجوزه بعضهم إذا كانت الحال فعلا لا اسما ؛ لانتفاء توهم المفعولية ؛ إذ لا يتسلط الفعل على الفعل تسلط المفعول به ، وفي شرح «العمدة» لابن مالك : ومما يمتنع فيه تقديم الحال على صاحبها أن يكون منصوبا بكان أو ليت أو لعل أو


فعل تعجب ، أو اتصل بصلة (أل) نحو : القاصدك سائلا زيد ، أو اتصل بفعل موصول به حرف نحو : أعجبني أن ضربت زيدا مؤدبا ، ولم يتعرض لذلك في «التسهيل» ، وقد يعرض للحال ما يوجب تقديمها على صاحبها كإضافته إلى ضمير ملابسها نحو : جاء زائرا هندا أخوها وجاء منقادا لعمرو صاحبه ، وجعل قوم من ذلك اقتران صاحب الحال بإلا نحو : ما قدم مسرعا إلا زيد.

تقديم الحال على عامله :

(ص) وعلى عامله ، وثالثها يمنع في نحو : راكبا زيد جاء ، ورابعها إن كانت من ظاهر ، وفي المؤكدة خلاف المصدر ، ويمتنع إن كان العامل فعلا غير متصرف ، أو صلة لأل ، أو حرفا ، أو مصدرا ، قال ابن مالك : أو نعتا ، أو أفعل تفضيل ، أو اتصل بلام ابتداء ، أو قسم ، أو أفهم تشبيها ، خلافا للكسائي ، أو ضمن معنى الفعل لا حروفه كإشارة وتنبيه وتمن وترج ، أو قرن الحال بالواو ، وثالثها يجوز إن كان فعلا.

(ش) في تقديم الحال على عاملها مذاهب :

أحدها : المنع مطلقا وعليه الجرمي تشبيها بالتمييز.

والثاني : الجواز مطلقا إلا ما يأتي استثناؤه ، وهو الأصح ، وعليه الجمهور قياسا على المفعول به والظرف ، والفرق بينه وبين التمييز أن الحال يقتضيها الفعل بوجه فقدمت كما تقدم سائر الفضلات ، وقد ورد به السماع قال تعالى : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ) [القمر : ٧٠] ، وسواء كانت الحال مصدرا أم غيره ، مؤكدة أم غير مؤكدة ، وفي المؤكدة خلاف كالخلاف في المصدر المؤكد.

ومنع الأخفش راكبا زيد جاء لبعدها عن العامل ، وهذا هو المذهب الثالث.

والرابع : وعليه الكوفيون إن كانت الحال من مرفوع ظاهر تأخرت وتوسطت ، والرافع قبلها ولم يتقدم على الرفع والمرفوع معا ، فلا يجوز راكبا جاء زيد ؛ لأنها عندهم في معنى الشرط فيؤول إلى تقديم المضمر على الظاهر لفظا ورتبة ، وإن كانت من مرفوع مضمر جاز تأخيرها وتوسيطها وتقديمها على الرافع والمرفوع معا نحو : قائما في الدار أنت ، وراكبا جئت وإن كانت من منصوب ظاهر أو مجرور ظاهر لم يجز تقديمها كالمرفوع ، ولا توسطها حذرا من توهم المفعول ، أو مضمر جاز التقديم نحو : ضاحكا لقيتني هند ، وضاحكا مرت بي هند ، وعلى الأصح يستثنى صور لا يجوز فيها التقديم ، منها أن يكون العامل فعلا غير


متصرف نحو : ما أحسن هندا متجردة ، فلا يقال : متجردة ما أحسن هندا ، أو صفة غير محضة ، أو صلة لأل نحو : الجائي مسرعا زيد ، فلا يجوز المسرعا جاءني زيد ، بخلاف صلة غيرها فيقال : من الذي خائفا جاء ، أو صلة لحرف مصدري نحو : يعجبني أن يقوم زيد مسرعا ، فلا يجوز أن مسرعا يقوم زيد ، أو مصدرا نحو : يعجبني ركوب الفرس مسرجا ، أو نعتا نحو : مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها ، فلا يقال : برجل مكسورا سرجها ذاهبة فرسه ، كذا قاله ابن مالك.

وقال أبو حيان : إنه غفلة منه ، ونصوص النحويين على جواز تقديم معمول النعت عليه من مفعول به ، وحال وظرف ، ومصدر ونحوها ، وإنما منعوا تقديم المعمول على المنعوت لا على النعت العامل فيه ، فيجوز في مررت برجل يركب الفرس مسرجا مررت برجل مسرجا يركب الفرس ، ولا يجوز مررت مسرجا برجل يركب الفرس ، قال : وأما المثال الذي ذكره فلم يمتنع فيه تقديم (مكسورا سرجها) من جهة أن العامل في (مكسورا) النعت ، بل من جهة تقديم المضمر على ما يفسره.

وقد نص النحويون على منع تقديم المضمر في هذه المسألة وما أشبهها ، وأنه مما يلزم فيه تأخير الحال ؛ إذ ليس من المواضع التي يفسر فيها المضمر ما بعده ومن الصور المستثناة أن يكون العامل أفعل التفضيل نحو : زيد أكفاهم ناصرا ؛ لانحطاطه عن درجة اسم الفاعل والصفة المشبهة فأشبه الجوامد ، أو متصلا بلام الابتداء أو لام القسم نحو : لأصبر محتسبا والله لأقومن طائعا ، أو مفهم تشبيه نحو : زيد مثلك شجاعا وزيد زهير شعرا ، وزيد الشمس طالعة.

والمنع في هذه الصورة مذهب البصريين ، وأجاز الكسائي التقديم فيقال : زيد شجاعا مثلك ، وزيد طالعة الشمس.

ومنها أن يكون العامل غير فعل ولا وصف فيه معنى الفعل وحروفه ، وهو الجامد المتضمن معنى مشتق ك : (أما) في مثل أما علما فعالم ، أو اسم الإشارة وحروف التنبيه نحو : هذا زيد قائما يجوز كون العامل في الحال حرف التنبيه ، وأن يكون الإشارة فعلى تقدير الأول يجوز : ها قائما ذا زيد ، ولا يجوز على تقدير الثاني ، وكحرف التمني وهو ليت والترجي وهو لعل.

ومنها أن يكون الحال جملة معها واو نحو : جاء زيد والشمس طالعة ، فلا يجوز


والشمس طالعة جاء زيد ، وأجازه الكسائي والفراء وهشام مطلقا ، وأجازه بعضهم إذا كان العامل فعلا.

إذا كان عامل الحال أفعل التفضيل :

(ص) واغتفر ، بل وجب على الأصح توسط أفعل بين حالين ، وإنما يجيئان معه لمختلفي حال أو ذات ، والأصح أنه يعمل فيهما.

(ش) كان القياس إذا كان العامل أفعل التفضيل واقتضى حالين أن يتأخر الحالان عنه ؛ لأنه إذا كان يقتضي حالا واحدة وجب تأخيرها عنه ، ولا ينتصب مع أفعل التفضيل إلا المختلف الذات مختلف الحالين نحو : زيد مفردا أنفع من عمرو معانا ، أو متفقا الحال نحو : زيد مفردا أنفع من عمرو مفردا ، أو إلا المتحد الذات مختلف الحالين نحو : هذا بسرا أطيب منه رطبا ، وزيد قائما أخطب منه قاعدا.

واختلف في العامل في هذين الحالين فالأصح أنه أفعل التفضيل ف : (بسرا) حال من الضمير المستكن في (أطيب) ، و (رطبا) حال من ضمير (منه) ، والعامل فيهما (أطيب) ، وذهب المبرد وطائفة إلى أنهما منصوبان على إضمار كان التامة صلة ل : (إذ) في الماضي و (إذا) في المستقبل ، وهما حالان من ضميرهما ، وقيل : على إضمار (كان) و (يكون) الناقصة وعلى الحالية ، فالمسموع من كلام العرب توسط (أفعل) بين هذين الحالين ، فاقتصر الجمهور على ما سمع فقالوا : لا يجوز تأخيرهما عن أفعل ولا تقديمها عليه ؛ لأن القياس في أصل هذه المسألة المنع لو لا أن السماع ورد بها ؛ إذ لا يعهد نصب (أفعل) فضلتين بدليل أنه لا ينصب مفعولين ، فلما وردت أجريت كما سمعت ، ووجهه الزجاج بأنهم أرادوا أن يفصلوا بين المفضل والمفضل عليه ؛ لئلا يقع الالتباس ، ولا يعلم أيهما المفضل ، فلذا قدم المفضل وأخر المفضل عليه.

وأجاز بعض المغاربة تأخير الحالين عن (أفعل) بشرط أن يليه الحال الأولى مفصولة عنه من الثانية ، فيقال : هذا أطيب بسرا منه رطبا ، وزيد أشجع أعزل من عمرو ذا سلاح.

قال أبو حيان : وهذا حسن في القياس لكنه يحتاج إلى سماع ، أما التأخير على غير هذا الوجه نحو : هذا أطيب منه بسرا رطبا ، أو التقديم نحو : هذا بسرا منه رطبا أطيب ، فلا يجوز بإجماع.

إذا كان عامل الحال ظرفا أو مجرورا :


(ص) فإن كان العامل ظرفا لم يقدم على الجملة ، وثالثها يجوز إن كان مثله ، وفي تقدمه عليه لا الجملة الأقوال ، ورابعها يجوز إن كانت من مضمر مرفوع ، وقال ابن مالك : إن كانت مثله قوي وإلا ضعف ، فإن تأخر المبتدأ جاز اتفاقا.

(ش) إذا كان عامل الحال ظرفا أو مجرورا ففي جواز تقديم الحال على الجملة التي منها الظرف والمجرور أقوال :

أحدها : وهو الأصح المنع مطلقا ، وحكى فيه ابن طاهر الاتفاق فلا يقال : قائما في الدار زيد.

والثاني : الجواز وعليه الأخفش.

والثالث : وعليه ابن برهان التفصيل بين أن يكون الحال أيضا ظرفا أو حرف جر ، فيجوز تقديمها نحو : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) [الكهف : ٤٤] ، ف : (هنالك) ظرف مكان وهو حال من ضمير (لله) الذي هو خبر (الولاية) ، والمنع في غير ذلك.

وفي توسطه بأن يقدم على العامل دون المبتدأ أقوال :

أحدها : الجواز مطلقا ، وصححه ابن مالك نحو : زيد متكئا في الدار ، وزيد عند هند في بستانها.

والثاني : المنع مطلقا ؛ لضعف العامل وعليه الجمهور ، وصححه أبو حيان ، ورد بالسماع ، قال تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧].

والثالث : الجواز إن كانت الحال أيضا ظرفا أن مجرورا والمنع في غير ذلك.

والرابع : الجواز إذا كانت من مضمر مرفوع ، نحو : أنت قائما في الدار ، والمنع إن كانت من ظاهر وعليه الكوفيون.

واختار ابن مالك أنه إن كانت الحال اسما صريحا ضعف التوسط ، أو ظرفا أو مجرورا جاز التوسط بقوة ، ومحل الخلاف ما إذا تقدم المبتدأ وتأخر الخبر ، فإن تأخر المبتدأ وتقدم الخبر جاز توسط الحال بينهما بلا خلاف نحو : في الدار عندك زيد وفي الدار قائما زيد.

جواز جعل ما صلح للخبرية حالا :

(ص) وإن وقع ظرف واسم يصلحان للخبرية فإن تقدم الظرف اختير حالية


الاسم وإلا فخبريته ، وقال المبرد : لا فرق فإن تكرر مطلقا رجحت الحالية ، وأوجبها الكوفية فإن كان ناقصا فالخبرية مطلقا ، خلافا لهم ، أو تام وناقص ، وبدئ بأيهما جاز على الأصح.

(ش) إذا ذكر مع المبتدأ اسم وظرف أو مجرور وكلاهما صالحان للخبرية بأن حسن السكوت عليه جاز جعل كل منهما حالا والآخر خبرا بلا خلاف ، لكن إن تقدم الظرف أو المجرور على الاسم اختير عند سيبويه والكوفيين حالية الاسم وخبرية الظرف ، نحو : فيها زيد قائما ؛ لأنه من حيث تقديمه الأولى به أن يكون عمدة لا فضلة ، فإن لم يقدم اختير عندهم خبرية الاسم نحو : زيد في الدار قائم ، وقال المبرد : التقديم والتأخير في هذا واحد فإن كرر الظرف أو المجرور جاز الوجهان أيضا ، وحكم برجحان حالية الاسم تقدم الظرف أو تأخر ؛ لنزول القرآن به قال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨] ، (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) [الحشر : ١٧] ، وادعى الكوفيون أن النصب مع التكرار لازم ؛ لأن القرآن نزل به لا بالرفع ، وأجيب بأنه يدل على أنه أجود لا واجب على أنه قد قرئ في الآيتين (خالدون) و (خالدين).

فإن كان الظرف أو المجرور غير مستغنى به تعين خبرية الاسم وحالية الظرف مطلقا تكرر أو لا ، نحو : فيك زيد راغب وزيد راغب فيك.

وأجاز الكوفيون نصب (راغب) وشبهه على الحال ، وإن اجتمع ظرفان تام وناقص جاز الرفع والنصب في الاسم ، سواء بدأت بالتام نحو : إن عبد الله في الدار بك واثقا ، أو واثق ، أو ناقص نحو : إن فيك عبد الله في الدار راغبا أو راغب ، وأوجب الكوفيون الرفع في الصورتين ؛ لأنك حين قدمت ما هو من تمام الخبر وصلته وهو (بك) و (فيك) ، كأنك اخترت إخراج الاسم عن الحالية إلى الخبرية.

(ص) مسألة : اختلف هل يعمل فيه غير عامل صاحبه؟ ومنع السهيلي عمل الإشارة والتنبيه ، وأبو حيان ليت ولعل ، وبعضهم كان ، والأصح جواز تعدده لمفرد وغيره ، متفقين أو لا ، ولا يجمعان إلا إن صلح انفراد كل بالموصوف ، وقيل : يجوز في متضايفين وفي التفريق يكون للأقرب ، والمختار للأسبق ، ولا يفرد بعد (إما) ، وندر بعد (لا).

(ش) فيه مسائل :


الأولى : اختلف هل يعمل في الحال غير العامل في صاحبه؟ فالجمهور لا كالصفة والموصوف ، وجوزه ابن مالك بقلة كالتمييز والمميز ، والخبر والمخبر عنه ، وخرج عليه : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [الأنبياء : ٩٢] ، ف : (أمتكم) صاحب الحال والعامل فيه إن ، وفي الحال الإشارة.

الثانية : تقدم أن العوامل المعنوية تعمل في الحال كإشارة ونحوها ، ومنع السهيلي عمل حرف التنبيه في الحال فقال : (ها) حرف ، ومعنى الحروف لا يعمل في الظروف والأحوال ، قال : ولا يصح أن يعمل فيه اسم الإشارة ؛ لأنه غير مشتق من لفظ الإشارة ولا من غيرها ، وإنما هو كالمضمر ولا يعمل (هو) ولا (أنت) بما فيه من معنى الإضمار في حال ولا ظرف ، والعامل في مثل هذا زيد قائما إنما هو (انظر) مقدرة دل عليها الإشارة ؛ لأنك أشرت إلى المخاطب لينظر ، وقال أبو حيان : إنه قريب ؛ لأنه فيه إبقاء العمل للفعل إلا أن فيه تقدير عامل لم يلفظ به قط ثم صرح باختياره ، واختاره أيضا صاحب «البسيط» ، وقال أبو حيان : الصحيح أيضا أن (ليت) و (لعل) وباقي الحروف لا تعمل في الحال ولا الظرف ولا يتعلق بها حرف جر إلا (كان) و (كاف) التشبيه ، ومنع بعضهم عمل (كان) أيضا في الحال نقله صاحب «البسيط».

الثالثة : يجوز تعدد الحال كالخبر والنعت سواء كان صاحب الحال واحدا نحو : جاء زيد راكبا مسرعا أم متعددا ، وسواء في المتعدد اتفق إعرابه نحو : جاء زيد وعمرو مسرعين ، أم اختلف نحو : لقي زيد عمرا ضاحكين هذا هو الأصح.

ومذهب الجمهور وزعم جماعة منهم الفارسي وابن عصفور أن الفعل الواحد لا ينصب أكثر من حال واحد لصاحب واحد قياسا على الظرف ، واستثنى أفعل التفضيل فإنه يعمل في حالين كما تقدم ، وخرجوا المنصوب ثانيا على أنه صفة للحال ، أو حال من الضمير المستكن فيه ، ونسب أبو حيان هذا القول إلى كثير من المحققين ، وعلى الأول لا يجمع الحالان حتى يصلح انفراد كل وصف بالموصوف ، فإن اختلفا في هذا المعنى لم يجمعا ، وأجاز الكسائي وهشام أن تجيء مجموعة من مضاف ومضاف إليه نحو : لقيت صاحب الناقة طليحين على أن طليحين حال من الصاحب والناقة.

وتخريجه عندنا على أنه حال من صاحب الناقة ومن المعطوف المقدر ، أي : والناقة ؛ لأن الحال كالخبر والمضاف إليه لم يقصد الإخبار عنه إنما الإخبار عن المضاف ، وإن تعدد ذو الحال ، وتفرق الحالان نحو : لقيت زيدا مصعدا منحدرا حمل الحال الأول


على الاسم الثاني ؛ لأنه يليه ، والحال الثاني على الاسم الأول ف : (مصعدا) لزيد و (منحدرا) للتاء كذا قالوه ، ووجهوه بأن فيه اتصال أحد الحالين بصاحبه وعود ما فيه من ضمير إلى أقرب مذكور واغتفر انفصال الثاني وعود ضميره على الأبعد ؛ إذ لا يستطاع غير ذلك ، ويجوز عكس هذا مع أمن اللبس ، فإن خيف تعين المذكور أولا.

وفي «التمهيد» : «العرب تجعل ما تقدم من الحالين للفاعل الذي هو متقدم ، وما تأخر للمفعول ولو جعلت الآخر للأول لجاز ما لم يلبس» ، قال أبو حيان : وهذا الذي ذكره صاحب «التمهيد» مخالف لما قرره غيره ، قلت : وهو المختار عندي ومنه قوله :

٩٣٧ ـ خرجت بها أمشي تجرّ وراءنا

على أثرينا ذيل مرط مرحّل

ف : (أمشي) لأول الاسمين ، و (تجر) لثانيهما ، ويجب للحال إذا وقعت بعد (إما) أن تردف بأخرى معادا معها (إما) أو (أو) كقوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : ٣] ، وقول الشاعر :

٩٣٨ ـ وقد شفّني ألا يزال يروعني

خيالك إمّا طارقا أو مغاديا

وإفرادها بعد (إما) ممنوع في النثر والنظم وبعد (لا) نادر تقول : لا راغبا ولا راهبا ، فتكرر وقد تفرد كقوله :

٩٣٩ ـ قهرت العدا لا مستعينا بعصبة

ولكن بأنواع الخدائع والمكر

أقسام الحال :

(ص) مسألة : تقع موطئة ومؤكدة خلافا لقوم ، إما لجملة من معرفتين جامدين لتعين ، أو فخر ، أو تعظيم ، أو ضده ، أو تصاغر ، أو تهديد ، فعاملها مضمر ، وقيل : المبتدأ ، وقيل : الخبر ، أو لعاملها فالأكثر مخالفته لفظا ، زاد ابن هشام : أو لصاحبها ، أو مقدّرة ومحكية وسببية.

__________________

٩٣٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٢٧ ، وشرح التصريح ١ / ٣٨٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٨٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥٢ ، ٩٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٦٢ ، ولسان العرب ٥ / ٢٤٦ ، مادة (نير) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٣٩ ، ورصف المباني ص ٣٣٠ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٣٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٦٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٩.

٩٣٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للأخطل في شفاء العليل ص ٧٨٩ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٥١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٢.

٩٣٩ ـ تقدم الشاهد برقم (٥٦٩).


(ش) للحال أقسام باعتبارات فتنقسم بحسب قصدها لذاتها والتوطئة بها إلى قسمين :مقصودة وهو الغالب ، وموطئة وهي الجامدة الموصوفة نحو : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧] ، وتقول : جاءني زيد رجلا محسنا.

وتنقسم بحسب التبيين والتأكيد إلى قسمين : مبينة وهو الغالب وتسمى مؤسسة أيضا ، وهي التي تدل على معنى لا يفهم مما قبلها ، ومؤكدة وهي التي يستفاد معناها بدونها ، وإثباتها مذهب الجمهور ، وذهب المبرد والفراء والسهيلي إلى إنكارها ، وقالوا : لا تكون الحال إلا مبينة ؛ إذ لا يخلو من تجديد فائدة ما عند ذكرها ، وعلى إثباتها هي ثلاثة أنواع : مؤكدة لمضمون الجملة ، وشرط الجملة كون جزئيها معرفتين ؛ لأن التأكيد إنما يكون للمعارف ، وكونهما جامدين لا مشتقين ولا في حكمهما ، وفائدتها إما بيان تعين نحو : زيد أخوك معلوما نحو :

٩٤٠ ـ أنا ابن دارة معروفا بها نسبي

أو فخر نحو : أنا فلان شجاعا أو كريما ، أو تعظيم نحو : هو فلان جليلا مهيبا ، أو تحقير نحو : هل فلان مأخوذا مقهورا ، أو تصاغر نحو : أنا عبدك فقيرا إلى عفوك ، أو وعيد نحو : أنا فلان متمكنا فاتق غضبي.

وفي عاملها أقوال : أحدها : أنه مضمر تقديره إذا كان المبتدأ (أنا أحق) أو (أعرف) أو (أعرفني) ، وإذا كان غيره (أحقه) أو (أعرفه).

الثاني : أنه المبتدأ مضمنا معنى التنبيه ، وعليه ابن خروف.

الثالث : أنه الخبر مؤولا بمسمى وعليه الزجاج ، ولظهور تكلف القولين كان الراجح الأول.

مؤكدة لعاملها وهي التي يستفاد معناها من صريح لفظ عاملها ، فالأكثر أن تخالفه لفظا نحو : (وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥] ، (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ١٥] ، (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) [النمل : ١٩] ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] ، وقد توافقه نحو :

__________________

٩٤٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لسالم بن دارة في خزانة الأدب ١ / ٤٦٨ ، ٢ / ١٤٥ ، ٣ / ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، والخصائص ٢ / ٢٦٨ ، ٣١٧ ، ٣٤٠ ، ٣ / ٦٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٤ ، والكتاب ٢ / ٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٨٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٥٥ ، ٢ / ١٨٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٢٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤١٠.


(وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩] ، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) [النحل : ١٢].

قال ابن هشام في «المغني» : ومؤكدة لصاحبها ، وأهملها النحويون نحو : جاء القوم طرا ، وفسرها في شرح «الشذور» بأنها التي يستفاد معناها من صريح لفظ صاحبها.

وتنقسم بحسب الزمان إلى ثلاثة : مقارنة وهو الغالب نحو : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] ، ومقدرة وهي المستقبلة كمررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي : مقدرا ذلك ، ومنه (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] ، ومحكية وهي الماضية نحو : جاء زيد أمس راكبا.

وتنقسم بحسب حصول معناها إلى صاحبها وعدمه إلى قسمين حقيقية ، وهي الغالب ، وسببية كالنعت السببي نحو : مررت بالدار قائما ساكنها.

وقوع الحال جملة :

(ص) مسألة : تقع جملة خبرية غير ذات استقبال ، وشرطية خلافا للمطرزي ، ففي لزومها الواو خلف ، وجوز الفراء الأمر والأمين المحلي النهي ، فإن كانت مؤكدة أو معطوفة على حال أو صدرت بمضارع مثبت أو منفي ب : (لا) ، أو ماض تال إلا أو متلو بأو ، قيل : أو ذات خبر مشتق تقدم لزمها ضمير صاحبها ، وخلت من الواو غالبا ، وإلا فهما أو أحدهما واجتماعهما في اسمية ، وذات لبس أكثر من الضمير فقط ، وقيل : حتم ، وقد تخلو عنهما فيقدر وقال ابن جني : لا تغني عنه الواو أصلا ، وتجب في مضارع بقد ، قيل : وبلم الواو ، وفي ماض مثبت متصرف عار من الضمير قد وكذا معه ، فإذا فقدت قدرت في الأصح ، وليست الواو عاطفة ولا أصلها العطف في الأصح.

(ش) تقع الحال جملة خبرية خالية من دليل استقبال أو تعجب ، فلا تقع جملة طلبية ولا تعجبية ولا ذات السين أو (سوف) أو (لن) أو (لا) ، وجوز الفراء وقوع جملة الأمر تمسكا بنحو : (وجدت الناس أخبر تقله) ، وأجيب بأنّه على تقدير مقولا فيهم ، وجوز الأمين المحلّي وقوع جملة النهي نحو :

٩٤١ ـ اطلب ولا تضجر من مطلب

__________________

٩٤١ ـ البيت من السريع ، وهو لبعض المولدين في شرح التصريح ١ / ٣٨٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢١٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٤٧ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٣.


ورد بأن الواو عاطفة ، ومن الخبرية الشرطية فتقع حالا ، خلافا للمطرزي نحو : أفعل هذا إن جاء زيد ، فقيل : بلزوم الواو ، وقيل : لا تلزم ، وعليه ابن جني ، والجملة الواقعة حالا إما ابتدائية نحو : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [البقرة : ٣٦](خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) [البقرة : ٢٤٣].

٩٤٢ ـ نظرت إليها والنّجوم كأنّها

مصابيح رهبان تشبّ لقفّال

(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) [الأنفال : ٥] ، (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران : ١٥٤] ، أو مصدّرة ب : (لا) التبرئة ، نحو : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد : ٤١] ، أو ب : (ما) نحو :

٩٤٣ ـ فرأيتنا ما بيننا من حاجز

أو ب : (إنّ) نحو : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) [الفرقان : ٢٠].

٩٤٤ ـ ما أعطياني ولا سألتهما

إلّا وإنّي لحاجزي كرمي

أو ب : (كأن) نحو : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٠١] ، جاء زيد وكأنه أسد ، أو بمضارع مثبت عار من (قد) نحو : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠] ، أو مقرون (بقد) نحو : (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ) [الصف : ٥] ، أو منفي ب : (لا) نحو : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) [المائدة : ٨٤].

٩٤٥ ـ عهدتك لا تصبو وفيك شبيبة

أو ب : (لم) نحو : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عمران :١٧٤] ، وخال منهما نحو : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] ، (كَيْفَ تَكْفُرُونَ

__________________

٩٤٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣١ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٩.

٩٤٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لعنترة بن شداد في ديوانه ص ٢٥٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٧.

٩٤٤ ـ البيت من المنسرح ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٢٧٣ ، وتخليص الشواهد ص ٣٤٤ ، والكتاب ٣ / ١٤٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٠٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٣٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١٨٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٢٧ ، والمقتضب ٢ / ٣٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٧.

٩٤٥ ـ البيت من الطويل ، هو بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٥٤ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٧ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٠.


بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) [البقرة : ٢٨] ، أو بماض تال ل : (إلا) نحو : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الحجر : ١١] ، أو متلو ب : (أو) نحو :

٩٤٦ ـ كن للخليل نصيرا جار أو عدلا

لأضربنه ذهب أو مكث ، قال تعالى : (أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) [الأنعام : ٩٣] ، ولا بد للجملة الواقعة حالا من رابط وهو ضمير صاحبها ، أو الواو ، ويتعين الضمير في المؤكدة كقوله :

٩٤٧ ـ خالي ابن كبشة قد علمت مكانه

وقولك : هو زيد لا شك فيه ، فلا يجوز الاقتصار على الواو ، ولا دخولها مع الضمير ، ويتعين الضمير أيضا في المصدرة بمضارع مثبت عار من (قد) ، أو منفي ب : (لا) ، أو ماض بعد (إلا) ، أو بعده (أو) كما تقدم ، ولا تغني عنه الواو ولا تجامعه غالبا ، وقد ورد دخولها معه في قولهم : قمت وأصك عينه وقوله :

٩٤٨ ـ نجوت وأرهنهم مالكا

وقوله : تعالى : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ) [يونس : ٨٩] بتخفيف النون ، (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) [البقرة : ١١٩] ، فأول على حذف المبتدأ ، أي : وأنا أصك وأنا أرهنهم ، وأنتما لا تتبعان ، وأنت لا تسأل ، وما عدا ما ذكر من الجمل السابقة يجوز فيه الاقتصار على الضمير وعلى الواو والجمع بينهما كما تقدم من الأمثلة ، لكن تلزم الواو في المضارع المثبت المقرون بقد ولا يغني عنه الضمير نحو : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ) [الصف : ٥].

واجتماعهما في الاسمية أكثر من الاقتصار على الضمير ، ومثلها المصدرة بليس نحو : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) [البقرة : ٢٦٧] ، ومن انفراد الواو فيها قوله :

__________________

٩٤٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٥٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٤٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤٩.

٩٤٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٦.

٩٤٨ ـ البيت من المتقارب ، هو لعبد الله بن همام السلولي في إصلاح المنطق ص ٢٣١ ، ٢٤٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٦ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٥٥ ، ولسان العرب ١٣ / ١٨٨ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٨٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٩٠ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٦٤ ، ورصف المباني ص ٤٢٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٦ ٢ / ١٨٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٠ ، والمقرب ١ / ١٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٨.


٩٤٩ ـ دهم الشّتاء ولست أملك عدّة

وذهب الفراء والزمخشري إلى أنه لا يجوز انفراد الضمير في الاسمية إلا ندورا شاذا ، بل لا بد منه ومن الواو معا ، وذهب الأخفش إلى أنه كان خبر المبتدأ فيها مشتقا متقدما لم يجز دخول الواو عليه ، فلا يقال : جاز زيد وحسن وجهه ، وقال ابن مالك : وقد تخلو الاسمية من الواو والضمير معا نحو : مررت بالبر قفيز بدرهم على حد السمن منوان بدرهم ، وقال أبو حيان : هو على تقدير الضمير كما في المشبه به ، وكذا قال ابن هشام ، وزاد أنه يقدر إما الضمير كالمثال أو الواو ، كقوله :

٩٥٠ ـ نصف النّهار الماء غامره

أي : والماء وذهب ابن جني إلى أنه لا بد من تقدير الضمير مع الواو ، فإذا قلت : جاء زيد والشمس طالعة ، فالتقدير طالعة وقت مجيئه ، ثم حذف الضمير ودلت عليه الواو.

وقد يجب انفراد الضمير ولا يجوز الإتيان بالواو معه ، وذلك في الاسمية إذا عطفت على حال كراهة اجتماع حرفي عطف نحو : جاء زيد ماشيا ، أو هو راكب ، لا يجوز أو وهو راكب قال تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، قال في «البسيط» : وكذا في الاسمية الواقعة بعد إلا ؛ لأن الاتصال يحصل بإلا نحو : ما ضربت أحدا إلا عمرو خير منه.

وزعم ابن خروف أن المضارع المنفي لا بد فيه من الواو كان ضميرا أو لم يكن ، ورد بالسماع كالآية السابقة ، قال ابن مالك : والمنفي بلما كالمنفي بلم في القياس إلا أني لم أجده إلا بالواو نحو : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ) [التوبة : ١٦] ، والمنفي ب : (ما) فيه الوجهان أيضا نحو : جاء زيد وما يضحك أو ما يضحك ، والمنفي ب : (إن) قال أبو حيان : لا أحفظه من كلام العرب ، والقياس يقتضي جوازه نحو : جاء زيد إن يدري كيف

__________________

٩٤٩ ـ عجز البيت :

والصبر في السبرات غير مطيعي

والبيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٤٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٥٦.

٩٥٠ ـ البيت من الكامل ، وهو للمسيب بن علس في أدب الكاتب ص ٣٥٩ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤١ ، ٢٥٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٨ ، ولسان العرب ٩ / ٣٣١ ، مادة (نصف) ، وللأعشى في جمهرة اللغة ص ١٢٦٢ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٨٣ ، وجمهرة اللغة ص ٨٩٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٦.


الطريق قياسا على وقوعه خبرا في حديث : «فظل إن يدري كم صلى» (١) ، ويجب في الماضي المثبت المتصرف غير التالي إلا والمتلو ب : (أو) العاري من الضمير قد مع الواو كقوله :

٩٥١ ـ فجئت وقد نضت لنوم ثيابها

فإن كان جامدا كليس ، أو منفيا فلا نحو : جاء زيد وما طلعت الشمس بالواو فقط ، وجاء زيد وما درى كيف جاء بالواو والضمير ، وجاء زيد ما درى كيف جاء بالضمير فقط ، وكذا التالي إلا أو المتلو (بأو) وإن كان مثبتا وفيه الضمير وجبت (قد) أيضا ؛ لتقربه من الحال نحو : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ١١٩] ، (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) [آل عمران : ٤٠] ، فإن لم تكن ظاهرة قدرت نحو : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ) [النساء : ٩٠] ، (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥].

هذا ما جزم به المتأخرون كابن عصفور والأبذي والجزولي ، وهو قول المبرد والفارسي ، قال أبو حيان : والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون (قد) ولا يحتاج لتقديرها لكثرة ورود ذلك ، وتأويل الكثير ضعيف جدا ؛ لأنا إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة ، وهذا مذهب الأخفش ونقله صاحب «اللباب» عن الكوفيين ، وابن أصبغ عن الجمهور.

ثم هذه الواو تسمى واو الحال والابتداء ، وليست عاطفة ولا أصلها العطف ، وزعم بعض المتأخرين أنها عاطفة كواو رب ، قال : وإلا لدخل العاطف عليها ، وقدرها سيبويه والأقدمون ب : (إذ) ، ولا يريدون أنها بمعنى (إذ) ؛ إذ لا يرادف الحرف الاسم ، بل أنها وما بعدها قيد للفعل السابق كما أن (إذ) كذلك.

الجملة الاعتراضية :

(ص) وتشبه هذه الجملة الاعتراضية الواقعة بين جزأي صلة ، أو إسناد ، أو شرط ، أو قسم ، أو إضافة ، أو جر ، أو صفة وموصوفها ، أو حرف ومدخوله ، وتتميز

__________________

٩٥١ ـ تقدم الشاهد برقم (٧٥٦).

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب فضل التأذين (٦٠٨) ، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب السهو في الصلاة والسجود له (٣٨٩).


بجواز الفاء ولن وتنفيس ، وكونها طلبية ، وعدم قيام مفرد مقامها ، ومن ثم لا محل لها ولا للمستأنفة ، والمجاب بها قسم ، أو شرط غير جازم ، أو غير مقترن بالفاء ، أو (إذا) ، والصفة ، قالوا : والمفسرة الكاشفة حقيقة ما تليه صدرت بحرف أو لا ، والمختار أنها بحسبه وفاقا للشلوبين ، وأنه لا محل لتالي (حتى) ، وفي أفعال الاستثناء ومذ ومنذ خلف.

(ش) لما انقضى الكلام على الجملة الحالية ، وكان من الجمل ما يشبهها وهي الاعتراضية نبه عليها عقبها ، وذكر ما تتميز به عنها ، ولما كان من وجوه التمييز كونها لا محل لها من الإعراب استطرد إلى ذكر بقية الجمل التي لا محل لها ، والاعتراضية هي التي تفيد تأكيدا وتسديدا للكلام الذي اعترضت بين أجزائه ، وفي «البسيط» : شرطها أن تكون مناسبة للجملة المقصودة بحيث تكون كالتأكيد ، أو التنبيه على حال من أحوالها ، وألا تكون معمولة لشيء من أجزاء الجملة المقصودة ، وألا يكون الفصل بها إلا بين الأجزاء المنفصلة بذاتها ، بخلاف المضاف والمضاف إليه ؛ لأن الثاني كالتنوين منه على أنه قد سمع قطع بينهما نحو : لا أخا فاعلم لزيد انتهى.

والاعتراضية تقع بين جزأي صلة إما بين الموصول وصلته كقوله :

٩٥٢ ـ ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا

أو بين أجزاء الصلة نحو : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) [يونس : ٢٧] الآيات ، فإن (وَتَرْهَقُهُمْ) عطف على (كَسَبُوا) فهي من الصلة ، وما بينهما اعتراض بيّن به قدر جزائهم ، والخبر جملة (ما لَهُمْ ،) وبين جزأي إسناد إما بين المبتدأ والخبر كقوله :

٩٥٣ ـ وفيهنّ والأيّام يعثرن بالفتى

أو بين ما أصله المبتدأ والخبر كقوله :

__________________

٩٥٢ ـ تقدم مع الشاهد رقم (٢٧٧) ، وهو لجرير في ديوانه ص ٥٨٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩١ ، والمقرب ١ / ٦٢ واللسان مادة (تره) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٠.

٩٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لمعن بن أوس في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٦١ ، والخصائص ١ / ٣٣٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٠٨ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٦.


٩٥٤ ـ لعلّك والموعود حقّ لقاؤه

بدا لك في تلك القلوص بداء

وقوله :

٩٥٥ ـ يا ليت شعري والمنى لا تنفع

هل أغدون يوما وأمري مجمع

وقوله :

٩٥٦ ـ إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا

وقوله :

٩٥٧ ـ أراني ولا كفران لله إنما

أواخي من الأقوام كل بخيل

أو بين الفعل ومرفوعه كقوله :

٩٥٨ ـ وقد أدركتني والحوادث جمّة

أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل

أو بين الفعل ومفعوله كقوله :

٩٥٩ ـ وبدّلت والدّهر ذو تبدّل

هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل

__________________

٩٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لمحمد بن بشير في ديوانه ص ٢٩ ، والأغاني ١٦ / ٧٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢١٣ ، ٢١٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٨١٠ ، وللشماخ بن ضرار في ملحق ديوانه ص ٤٢٧ ، ولسان العرب ١٤ / ٦٦ ، مادة (بدا) ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٤٠ ، وسمط اللآلي ص ٧٠٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٢١٨ ، ومغني اللبيب ص ٣٨٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤.

٩٥٥ ـ الرجز بلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٢٦٣ ، والخصائص ٢ / ١٣٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١١ ، ولسان العرب ٨ / ٥٧ ، مادة (جمع) ، ١٤ / ٣٥٧ ، مادة (رمى) ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٨ ، ونوادر أبي زيد ص ١٣٣ ، والتاج مادة (جمع) ، وتهذيب اللغة ١ / ٣٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠٠.

٩٥٦ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٤ ، وسفر السعادة ص ٧٩٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٧٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢١٩ ، والخصائص ١ / ٣٤٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٣ ، وشرح المفصل ٢ / ٣ ، ٣ / ٧٢ ، والكتاب ٢ / ١٨٥ ، ١٨٦ ، ولسان العرب ٥ / ٢١١ ، مادة (نصر) ، ولذي الرمة في شرح شذور الذهب ص ٥٦٤ ، وليس في ديوانه ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٠.

٩٥٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٥٠٨ ، والكتاب ٣ / ١٣١ ، وشرح المفصل ٨ / ٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٠٤.

٩٥٨ ـ البيت من الطويل ، لرجل من بني دارم في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٠٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٠ ، واللسان مادة (هيم) ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٢.

٩٥٩ ـ الرجز لأبي النجم العجلي في خزانة الأدب ٢ / ٣٩١ ، والخصائص ١ / ٣٣٦ ، وشرح شواهد ـ


وبين جزأي شرط ، أي : بين الشرط وجوابه نحو : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] ، وبين جزأي قسم ، أي : بين القسم وجوابه نحو : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَ) [ص : ٨٤ ـ ٨٥] ، وبين جزأي إضافة وتقدم ، وبين جزأي جر ، أي : بين الجار والمجرور نحو : اشتريته بأرى ألف درهم ، وبين جزأي صفة ، أي : بين الصفة وموصوفها نحو : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦] ، وبين الحرف ومدخوله كقوله :

٩٦٠ ـ ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت

وقوله

٩٦١ ـ كأنّ وقد أتى حول جديد

أثافيها حمامات مثول

وقوله :

٩٦٢ ـ وسوف إخال أدري

وقوله :

٩٦٣ ـ أخالد قد والله أوطأت عشوة

وقوله :

٩٦٤ ـ ولا أراها تزال ظالمة

__________________

ـ المغني ١ / ٤٥٠ ، ٢ / ٨٠٨ ، والطرائف الأدبية ص ٥٨ ، وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٤٩ ، مادة (بدل) ، ومغني اللبيب ٣ / ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٧.

٩٦٠ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ١٧١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢٤ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ٩٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٥٥ ، وتخليص الشواهد ٤٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨١ ، ٢ / ٦٣ ، وشرح ابن عقيل ٢٥٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢١.

٩٦١ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي الغول الطهوي في شرح شواهد المغني ٢ / ٨١٨ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥١ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣٧ ، ولسان العرب ١٤ / ١١٣ ، مادة (ثفا) ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩٢ ، والمنصف ٢ / ١٨٥ ، ٣ / ٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٦.

٩٦٢ ـ تقدم الشاهد برقم (٥٩٩).

٩٦٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لأخي يزيد في شرح شواهد المغني ص ٤٨٨ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٦ ، والجنى الداني ص ٢٦٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٢٠ ، ومغني اللبيب ص ٢٨٤ ، ٣٩٣ ، وهو لأخي يزيد بن عبد الله البجلي كما في شرح شواهد المغني ص ٤٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٦.

٩٦٤ ـ تقدم الشاهد برقم (٣٥٧).


وتتميز الاعتراضية من الحالية بأمور :

أحدها : أنه يجوز اقترانها بالفاء كقوله :

٩٦٥ ـ واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتي كلّ ما قدرا

الثاني : أنه يجوز اقترانها بدليل استقبال (لن) في (وَلَنْ تَفْعَلُوا ،) وحرف التنفيس في (وسوف إخال).

الثالث : أنه يجوز كونها طلبية كقوله :

٩٦٦ ـ إنّ الثّمانين وبلّغتها

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

الرابع : أنه لا يقوم مقامها مفرد بخلاف جملة الحال ، ومن ثم كان محل جملة الحال النصب ، ولم يكن للاعتراضية محل من الإعراب.

وكذا سائر الجمل التي لا محل لها إنما سببه عدم حلول مفرد محلها ، وهي المستأنفة الواقعة ابتداء كلام لفظا ونية نحو : زيد قائم وقام زيد أو نية لا لفظا نحو : راكبا جاء زيد ، والمجاب بها القسم نحو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، والواقعة جواب شرط غير جازم مطلقا كجواب (لو) و (لو لا) و (لما) و (كيف) ، أو شرط جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية نحو : إن لم تقم أقم ، وإن قمت قمت ، أما الأول : فلظهور الجزم في لفظ الفعل ، وأما الثاني : فلأن المحكوم لموضعه بالجزم الفعل لا الجملة بأسرها ، والواقعة صلة لاسم أو حرف نحو : جاء الذي قام أبوه وأعجبني أن قمت ، والمفسرة وهي الكاشفة لحقيقة ما تليه سواء صدرت بحرف التفسير نحو : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) [المؤمنون : ٢٧].

٩٦٧ ـ وترميني بالطّرف ، أي : أنت مذنب

__________________

٩٦٥ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣٧٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٤.

٩٦٦ ـ البيت من السريع ، وهو لعوف بن محلم في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٢١ ، وطبقات الشعراء ص ١٨٧ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣٦٩ ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٥٩ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٨ ، ٣٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٥.

٩٦٧ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٢٣ ، والجنى الداني ص ٢٣٣ ، وجواهر الأدب ص ٢١٨ ، ٤١١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥٥ ، ٢٢٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٣٤ ، ٢ / ٨٢٨ ، وشرح المفصل ٨ / ١٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٥.


أم لم يصدر به نحو : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩] الآية ، فجمله (خلقه) إلى آخره تفسير لمثل آدم ، (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ) [الصف : ١٠] ، ثم قال : (تُؤْمِنُونَ) [الصف : ١١] ، والقول بأن المفسرة لا محل لها هو المشهور ، وقال الشلوبين : إنه ليس على ظاهره ، والتحقيق أنها على حسب ما كانت تفسيرا له ، فإن كان المفسر له موضع فكذلك هي ، وإلا فلا ، ومما له موضع قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [المائدة : ٩] ، فقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) في موضع نصب ؛ لأنه تفسير للموعود به ، ولو صرح بالموعود به لكان منصوبا ، وكذلك (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ) [القمر : ٤٩] ف : (خلقناه) فسر عاملا في (كُلَّ شَيْءٍ ،) وله موضع كما للمفسر ؛ لأنه خبر لإن ، وهذا الذي قاله الشلوبين هو المختار عندي ، وعليه تكون الجملة عطف بيان أو بدلا.

وقد اختلف في جمل ألها محل أم لا؟ ومنشأ الخلاف أهي مستأنفة أم لا؟ الأولى الجملة بعد حتى الابتدائية كقوله :

٩٦٨ ـ حتى ماء دجلة أشكل

فقال الجمهور : إنها مستأنفة فلا محل لها ، وقال الزجاج وابن درستويه : إنها في موضع جر بحتى ، ورد بأن حروف الجر لا تعلق عن العمل.

الثانية : جمل أفعال الاستثناء ليس ولا يكون وخلا وعدا وحاشا ، فقال السيرافي : حال ؛ إذ المعنى قام القوم خالين عن زيد ، وقال قوم : مستأنفة وصححه ابن عصفور ؛ إذ لا رابط لها بذي الحال.

الثالثة : جملة مذ ومنذ وما بعدهما وقد قدمت ذلك عند شرحهما في الظروف.

وعلم أن ما عدا ما ذكر من الجمل له محل من الإعراب.

__________________

٩٦٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٣ ، والأزهية ص ٢١٦ ، والجنى الداني ص ٥٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٧ ، وشرح المفصل ٨ / ١٨ ، واللمع ص ١٦٣ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٦ ، والأخطل في الحيوان ٥ / ٣٣٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٢ ، واللسان مادة (شكل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٣.


إجراء الحال مجرى الظرف في التركيب :

(ص) مسألة : وردت منه ألفاظ مركبة منها ما أصله العطف ك : شغر وشذر ومذر وأخول أخول وحيث بيث وبيت بيت ، وما أصله الإضافة كبادئ بدء وأيادي سبأ ، فقال قوم : مبنية كخمسة عشر ، وقوم : مركبة تركيب الإضافة وحذف التنوين من الثاني للإتباع.

(ش) لما كانت الحال شبيهة بالظرف حتى قيل فيها : إنها مفعول فيها من حيث المعنى ، وتوسعوا فيها توسع الظروف أجريت مجراها أيضا في الجريان كخمسة عشر ، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها فمنها ما أصله العطف نحو : تفرقوا شغر بغر بمعنى منتشرين ، وشذر مذر بفتح أولهما وكسره بمعنى متفرقين ، وأخول أخول في قوله :

٩٦٩ ـ سقاط شرار القين أخول أخولا

بمعنى متفرقا ، وتركت البلاد حيث بيث بمعنى مبحوثة ، أي : بحث عن أهلها واستخرجوا منها ، وهو جاري بيت بيت بمعنى مقاربا ، ولقيته كفة كفة بمعنى مواجها ، ومنها ما أصله الإضافة كبادئ بدء بمعنى مبدوء به ، وتفرقوا أيادي سبأ بمعنى مثل أيادي سبأ.

والذي جزم به ابن مالك أن هذه الألفاظ مركبة تركيب خمسة عشر مبنية على الفتح للسبب الذي بني لأجله خمسة عشر وهو تضمن معنى حرف العطف في القسم الأول ، وشبه ما هو متضمن له في الثاني ، وذكر صاحب «البسيط» : أنها ليست بمبنية ، بل مضافة ، وإنما حذف التنوين من الثاني للإتباع ، وحركة الإتباع ليست حركة إعراب فهو مخفوض في التقدير ، كما أتبع الأول في يا زيد بن عمرو ، للثاني في حركته.

منع حذف الحال وجواز حذف عامله :

(ص) مسألة : تحذف إلا إن حصر أو نهي عنه أو كان جوابا ، أو ناب عنه خبر ،

__________________

٩٦٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لضابىء بن الحارث في الخصائص ٣ / ٢٩٠ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٥٩ ، ولسان العرب ٧ / ٣١٦ ، مادة (سقط) ١١ / ٢٢٦ ، مادة (خول) ، والمحتسب ٢ / ٤١ ، ونوادر أبي زيد ص ١٤٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٦٢١ ، والخصائص ٢ / ١٣٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٩٨ ، والمحتسب ١ / ٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٠.


أو عن فعله وعامله لا المعنوي عند الأكثر ، ويجب إن جرى مثلا ، أو بين نقصا أو زيادة بتدريج مع الفاء وثم ، أو كان مؤكدا أو نائبا أو توبيخا.

(ش) الأصل في الحال أن تكون جائزة الحذف وقد يعرض لها ما يمنع منه ككونها جوابا نحو : راكبا لمن قال : كيف جئت؟ أو مقصودا حصرها نحو : لم أعده إلا حرضا ، أو نائبة عن خبر نحو : ضربي زيدا قائما ، أو عن اللفظ بالفعل نحو : هنيئا لك ، أو منهيا عنه نحو : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ، (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [لقمان : ١٨].

ويجوز حذف عاملها ؛ لقرينة حالية كقولك للمسافر : راشدا مهديا ، أي : تذهب ، وللقادم : مسرورا ، أي : رجعت ، وللمحدث : صادقا ، أي : تقول ، أو لفظية نحو : راكبا لمن قال : كيف جئت؟ وبلى مسرعا لمن قال : لم ينطلق ، ومنه : (بَلى قادِرِينَ) [القيامة : ٤] ، أي : نجمعها ، ويستثنى ما إذا كان العامل معنويا كالظرف والمجرور واسم الإشارة ونحوه ، فإنه لا يجوز حذفه عند الأكثر فهم أم لا لضعفه في نفسه ، ولأنه إنما عمل بالنيابة والفرع لا يقوى قوة الأصل ، ولأنه يجتمع فيه تجوزان تنزيله منزلة الفعل وحذفه ، وأجاز المبرد الحذف في الظرف فقال في قوله :

٩٧٠ ـ وإذ ما مثلهم بشر

إن (مثلهم) حال ، والتقدير وإذ ما في الدنيا بشر مثلهم.

وجوب حذف العامل :

وقد يجب حذف العامل كأن جرى مثلا كقولهم : (حظيين بنات صلفين كنات) ، أي : عرفتهم ، أو بين نقصا أو زيادة بتدريج ، أي : شيئا فشيئا نحو : بعته بدرهم فصاعدا أو فسافلا ، أي : فزاد الثمن صاعدا أو فذهب صاعدا أو فانحط سافلا ، وشرط نصب هذه الحال أن تكون مصحوبة بالفاء أو بثم ، والفاء أكثر في كلامهم ، ولا يجوز أن تكون بالواو لفوات معنى التدريج معها ، ولفظة (فسافلا) ذكرها ابن مالك.

قال أبو حيان : ولم أرها لغيره فإن لم ينقل عن العرب فهي ممنوعة ؛ لأن حذف العامل في الحال وجوبا على خلاف الأصل ، ومما التزم حذف عامله الحال المؤكدة ،

__________________

٩٧٠ ـ تقدم الشاهد برقم (٤٢٤).


والنائبة عن خبر والواقعة بدلا من اللفظ بفعله كهنيئا مريئا ، أي : ثبت له ذلك ، والواقعة توبيخا نحو : أقائما وقد قعد الناس؟ ألاهيا وقد جد قرناؤك؟.

التمييز :

(ص) التمييز هو نكرة بمعنى (من) رافع لإبهام جملة ، أو مفرد عددا ، أو مبهم مقدارا أو مماثلة ، أو مغايرة ، أو تعجب بالنص على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين أو نون ، ومنع الكوفية التمييز بمثل وغير ، وأبو ذر ب : (ما) في نعم ، والأعلم عن التعجب.

(ش) التمييز ويقال له : المميز والتبيين والمبين والتفسير والمفسر : نكرة فيه معنى (من) الجنسية رافع لإبهام جملة نحو : تصبب زيد عرقا ، أو مفرد عددا نحو : أحد عشر رجلا ، أو مبهم كمقدار كيل أو وزن أو مساحة أو شبهها كمثقال ذرة ، وذنوب ماء ، ونحي سمنا ، أو مماثلة نحو : «مثل أحد ذهبا» (١) ، أو مغايرة نحو : لنا غيرها شاء ، أو تعجب نحو : ويحه رجلا ، وما أنت جارة ، ويا حسنها ليلة ، وناهيك رجلا.

وقولي : (بالنص على جنس المراد) يتعلق بقولي : (رافع لإبهام)».

والحال والتمييز مشتركان في سائر القيود إلا في كونه بمعنى (من) ، وإنما يأتي التمييز بعد تمام بإضافة نحو : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [آل عمران : ٩١] ، (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] ، أو تنوين ظاهر كرطل زيتا ، أو مقدر كخمسة عشر ، أو نون تثنية كمنوين سمنا ، أو نون جمع نحو : (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : ١٠٣] ، أو شبه الجمع نحو : ثلاثين ليلة ، وشملت النكرة كل نكرة.

وقد اختلف في نكرات : منها (مثل) فمنع الكوفيون التمييز بها ؛ لإبهامها فلا يبين بها ، وأجازه سيبويه فيقول : لي عشرون مثله ، وحكى : لي ملء الدار أمثاله ، ومنها (غير) فمنع الفراء التمييز بها ؛ لأنها أشد إبهاما ، وأجازه يونس وسيبويه ؛ لأنه لا يخلو من فائدة ؛ إذ أفاد أن عنده ما ليس بمماثل لهذا ، وهذا المقدار فيه تخصيص ، ومنها (ما) في باب نعم ، وأجاز الفارسي أن تكون نكرة تامة بمعني شيء وتنتصب تمييزا ، وتبعه الزمخشري ،

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب ما أدّي زكاة فليس بكنز (١٤٠٨).


ومنع ذلك قوم منهم أبو ذر مصعب بن أبي بكر الخشني ، وذهب الأعلم فيما تقدم أنه منصوب عن التعجب إلا أنه مما انتصب عن تمام الكلام.

ناصب التمييز وجاره :

(ص) وناصبه مميزه تشبيها (بأفعل من) ، أو باسم الفاعل ، قولان ، وتجره الإضافة إن حذف التنوين أو النون ، ولا يحذف غيره إلا مضاف يغني عنه التمييز ، وتجب إضافة مفهم مقدار إن كان في الثاني معنى اللام أو جزء ، ويختار في نحو : جبة خز ، ويجوز نصبه تمييزا وحالا ، وإظهار (من) مع كل تمييز إلا (أفعل) ، والعدد ونعم ومنقول فاعل ومفعول وهي تبعيض ، وقيل : زائدة وإن كان المقدار من جنسين جاز عطف أحدهما ، خلافا للفراء.

(ش) تمييز المفرد ينصبه مميزه كعشرين ميلا وعشرين درهما ، ورطل وقفيز وذراع في : رطل زيتا ، وقفيز برا ، وذراع ثوبا ، وجاز لمثل هذه أن تعمل وإن كانت جامدة ؛ لأن عملها على طريق التشبيه ، واختلف البصريون في الذي شبهت به ، فقيل : باسم الفاعل في طلبها اسما بعدها ، وقيل : (بأفعل من) في طلبها اسما بعدها على طريق التبيين ملتزما فيه التنكير.

قال أبو حيان : وهو أقوى ؛ لأن اسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ويعمل في النكرة وغيرها ، ويجر التمييز بإضافة ما قبله إليه إن حذف التنوين أو النون نحو : رطل زيت ، وإردب شعير ، ومنوا سمن ، ولا يحذف شيء غير التنوين أو النون إلا مضاف إليه صالح لقيام التمييز مقامه ، نحو : زيد أشجع الناس رجلا ، فيقال : أشجع رجل ، فإن لم يصلح لذلك نحو : لله دره رجلا ، وويحه رجلا ، لم يجز الحذف ، فلا يقال : لله در رجل ، ولا ويح رجل ، والمقادير إذا أريد بها الآلات التي يقع بها التقدير لا يجوز إلا إضافتها ، نحو : عندي منوا سمن ، وقفيز بر وذراع ثوب ، يريد الرطلين اللذين يوزن بهما السمن ، والمكيال الذي يكال به البر ، والآلة التي يذرع بها الثوب.

وإضافة هذا النوع على معنى (اللام) لا على معنى (من) ، وكذا تجب الإضافة فيما ميز بجزء منه نحو : غصن ريحان وثمرة نخلة وحب رمان وسعف مقل ، هذا إن لم تتغير تسميته بالتبعيض بأن بقي على اسمه الأول ، فإن تغيرت كجبة خز وخاتم فضة وسوار ذهب ، فإنها أسماء حادثة بعد التبعيض والعمل الذي هيأها للهيئات اللائقة بها ، فلك في هذا النوع الجرّ بالإضافة والنصب على التمييز أو الحال ، والإضافة أرجح ؛ لأن الحال يحوج إلى التأويل بمشتق كما تقدم.


والتمييز باب ضعيف ؛ لكونه في خامس رتبة من الفعل ؛ لأن النصب فيه على التشبيه ب : (أفعل من) و (أفعل من) مشبه بالصفة المشبهة وهي مشبهة باسم الفاعل وهو بالفعل فلا يحسن إلا عند تعذر الإضافة وإذا كان المقدار مخلطا من جنسين فقال الفراء : لا يجوز عطف أحدهما على الآخر ، بل تقول : عندي رطل سمنا عسلا إذا أردت أن عندك من السمن والعسل مقدار رطل ؛ لأن تفسير الرطل ليس للسمن وحده ولا للعسل وحده ، وإنما هو مجموعهما فجعل سمنا عسلا اسما للمجموع على حد قولهم : هذا حلو حامض.

وذهب غيره إلى أن العطف بالواو ؛ لأن الواو الجامعة تصير ما قبلها وما بعدها بمنزلة شيء واحد ، ألا ترى أنك تقول : هذان زيد وعمرو فصيرت الواو الجامعة زيدا وعمرا خبرا عن (هذان) ، ولا يمكن أن يكون زيد على انفراده خبرا ولا عمرو على انفراده ، وكذلك زيد وعمرو قائمان.

وقال بعض المغاربة : الأمران سائغان العطف وتركه ، ويجوز إظهار (من) مع كل تمييز ذكر في هذا الفصل أو غيره نحو : ملء الأرض من ذهب ، وإردب من قمح ، ولي أمثالها من إبل ، وغيرها من شاء ، وويحه من رجل ، ولله دره من فارس ، وحسبك من رجل ، و (ما أنت من جارة) قال :

٩٧١ ـ يا سيدا ما أنت من سيّد

وقال :

٩٧٢ ـ فيا لك من ليل

ويستثنى العدد فلا يقال : عشرون من درهم ، ما لم يخرج عن التمييز بالتعريف نحو : عشرون من الدراهم ، وأفعل التفضيل فلا يقال في زيد أكثر مالا : من مال ، ونعم فلا يقال في نعم زيد رجلا : نعم زيد من رجل ، والمنقول عن فاعل ومفعول وهما من تمييز الجملة ، فلا يقال : طاب زيد من نفس ، ولا فجرت الأرض من عيون.

و (من) المذكورة فيها قولان : أحدهما أنها للتبعيض وصححه ابن عصفور ، والثاني أنها زائدة قال في «الارتشاف» : ويؤيده العطف على موضعها نصبا في قوله :

__________________

٩٧١ ـ تقدم الشاهد برقم (٦٧٣).

٩٧٢ ـ ذكر في نسخة العلمية ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦١.


٩٧٣ ـ طافت أمامة بالرّكبان آونة

يا حسنه من قوام ما ومنتقبا

تمييز الجملة :

(ص) مسألة : مميز الجملة ناصبة ما فيها من فعل وشبهه ، وقال ابن عصفور : هي ، ويكون منقولا من فاعل ومبتدأ ومفعول ، وأنكره الشلوبين والأبذي وابن أبي الربيع ، ومشبها به وهو بعد أفعل فاعل معنى حقيقة ، أو مجازا ، ومنه نحو : حسبك به فارسا ، ولله دره رجلا ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩] ، فإن صح أن يخبر به عما قبله فله ، أو لملابسه المقدر وإن دل على هيئة وعني به الأول جاز كونه حالا وإظهار (من).

(ش) تمييز الجملة ما ينتصب عن تمام الكلام فتارة يكون منقولا من فاعل نحو : طاب زيد نفسا ، (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] ، والأصل طابت نفس زيد ، واشتعل شيب الرأس ، وتارة من المبتدأ نحو : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) [الكهف : ٣٤] ، والأصل مالي أكثر من مالك.

وتارة من المفعول نحو (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] ، والأصل فجرنا عيون الأرض ، هذا مذهب المتأخرين وبه قال ابن عصفور وابن مالك ، وقال الأبذي : هذا القسم لم يذكره النحويون ، وإنما الثابت كونه منقولا عن الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وقال الشلوبين : (عيونا) في الآية نصب على الحال المقدرة لا التمييز ، ولم يثبت كون التمييز منقولا من المفعول فينبغي ألا يقال به ، وقال ابن أبي الربيع : (عيونا) نصب على البدل من الأرض وحذف الضمير ، أي : عيونها أو على إسقاط حرف الجر ، أي : بعيون ، وتارة يكون مشبها بالمنقول نحو : امتلأ الإناء ماء ونعم زيد رجلا ، ووجه الشبه أن (امتلأ) مطاوع (ملأ) فكأنك قلت : ملأ الماء الإناء ثم صار تمييزا بعد أن كان فاعلا ، والأصل نعم الرجل ثم أضمر وصار بعد أن كان فاعلا تمييزا.

والتمييز بعد أفعل التفضيل فاعل في المعنى إما حقيقة أو مجازا ، ومن تمييز الجملة فيما نقله أبو حيان عن النحويين منكرا على ابن مالك حيث جعله من تمييز المفرد قولهم : حسبك به فارسا ، ولله دره رجلا ، ومنه عند ابن مالك وغيره (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء :

__________________

٩٧٣ ـ البيت من البسيط ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ١١ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٧٠ ، ٢٨٩ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٣٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ ، ٢ / ٢٠٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣.


٧٩] ، وفي ناصب تمييز الجملة قولان أصحهما ما فيها من فعل وشبهه ؛ لوجود ما أصل العمل له وعليه سيبويه والمازني والمبرد والزجاج والفارسي ، وصحح ابن عصفور أن العامل فيه نفس الجملة التي انتصب عن تمامها لا الفعل ولا الاسم الذي جرى مجراه ، كما أن تمييز المفرد ناصبه نفس الاسم الذي انتصب عن تمامه.

ومتى صح الإخبار بالتمييز عما قبله نحو : كرم زيد أبا ، فإنه يصح أن يقع أب خبرا لزيد ، فتقول : زيد أب فلك فيه وجهان : عوده إليه بأن يكون هو الأب ، أي : ما أكرمه من أب ، وعلى هذا لا يكون منقولا عن الفاعل ، ويجوز دخول (من) عليه وعوده إلى ملابسه المقدر بأن يكون الأب أبا زيد لا زيدا نفسه ، أي : ما أكرم أباه ، وعلى هذا يكون منقولا عن الفاعل ، ولا يجوز دخول (من) عليه.

وإن دل التمييز على هيئة وعني به الأول نحو : كرم زيد ضيفا إذا أريد أن زيدا هو الضيف ، جاز أن يكون ضيفا منصوبا على الحال ؛ لدلالته على هيئة وعلى التمييز ؛ لصلاحية (من) ، ويجوز حينئذ إظهار (من) معه ، وهو الأجود رفعا لتوهم الحالية نحو : كرم زيد من ضيف ، فإن لم يعن به الأول على قصد كرم ضيف زيد تعين النصب تمييزا ، وامتنعت الحالية ، ولم يجز دخول (من) عليه ؛ لأنه فاعل في الأصل.

مطابقة تمييز الجملة ما قبله في الإفراد وفرعيه :

(ص) ويطابق ما قبله اتحد معنى أم لا ، ما لم يلزم إفراده لإفراد معناه ، أو كان مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه ، ويلزم الجمع بعد مفرد مباين لا يفيد معناه.

(ش) يلزم في تمييز الجملة المطابقة لما قبله في الإفراد وفرعيه إن اتحدا معنى ، نحو : كرم زيد رجلا ، وكرم الزيدان رجلين ، وكرم الزيدون رجالا ، وكذا إن لم يتحدا من حيث المعنى نحو : حسن الزيدون وجوها إلا أن يلزم إفراد التمييز لإفراد معناه نحو : كرم الزيدون أصلا إذا كان أصلهم واحدا ، وأصل لم يتحد من حيث المعنى بالزيدين ، إلا أنه لإفراد مدلوله يلزم إفراده ؛ لأن الجمع يوهم اختلاف أصولهم ، أو يكون التمييز مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه نحو : زكي الزيدون سعيا ، فإن قصد اختلاف الأنواع في المصدر لاختلاف محاله جاء التمييز جمعا نحو : (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : ١٠٣] ؛ لأن أعمالهم مختلفة المحال هذا خسر بكذا ، وهذا خسر بكذا ، وكقولك : تخالف الناس أو تفاوتوا أذهانا ، ويلزم جمع التمييز بعد مفرد مباين إذا كان معنى الجمع يفوت بقيام المفرد مقامه نحو : نظف زيد ثيابا ؛ إذ لو قيل : ثوبا لتوهم أن له ثوبا واحدا نظيفا.


توسط التمييز :

(ص) ويجوز توسيطه بين متصرف وفاقا لا تقديمه اختيارا ، وجوزه قوم على فعل متصرف غير (كفى) ، والفراء على اسم شبه به الأول.

(ش) يجوز توسط التمييز بين الفعل ومرفوعه بلا خلاف نحو : طاب نفسا زيد ، قال أبو حيان : وقياسه جواز توسطه مع الوصف نحو طيّب نفسا زيد ، قال : وكذا قياسه الجواز بين الفعل ومنصوبه نحو : فجرت عيونا الأرض ، وأما تقديمه على الفعل فمنعه ابن عصفور جزما بناء على أن الناصب له ليس هو الفعل ، وإنما هو الجملة بأسرها ، والقائلون بأن الناصب له ما فيها من فعل وشبهه اختلفوا فمنع سيبويه والأكثرون من البصريين والكوفيين والمغاربة تقديمه ، فلا يقال : نفسا طاب زيد كما يمتنع التقديم في تمييز المفرد وما ورد من ذلك فضرورة وجوزه الكسائي والمبرد والمازني والجرمي وطائفة ، واختاره ابن مالك بشرط كون الفعل متصرفا لوروده قال :

٩٧٤ ـ وما كاد نفسا بالفراق تطيب

وقياسا على سائر الفضلات ، ويستثنى من المتصرف كفى ، فلا يقال : شهيدا كفى بالله بإجماع ذكره أبو حيان.

فإن كان الفعل جامدا امتنع بإجماع فلا يقال : ما رجلا أحسن زيدا كذا ولا رجلا أحسن بزيد كما يمتنع إذا كان عامله جامدا بإجماع ، نعم استثني من محل الإجماع في الثاني صورة ، وهو التمييز بعد اسم شبه به الأول نحو : زيد القمر حسنا ، فإن الفراء جوز فيه التقديم فيقال : زيد حسنا القمر.

جواز تعريف التمييز :

(ص) وجوز الكوفيون وابن الطراوة تعريفه وتأول البصرية ما ورد.

(ش) البصريون على اشتراط تنكير التمييز ، وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى أنه يجوز أن يكون معرفة كقوله :

__________________

٩٧٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للمخبل السعدي في ديوانه ص ٢٩٠ ، والخصائص ٢ / ٣٨٤ ، ولسان العرب ١ / ٢٩٠ ، مادة (حبب) ، وللمخبل السعدي ، أو لأعشى همدان ، أو لقيس بن الملوح في المقاصد النحوية ٣ / ٢٣٥ ، وللمخبل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٨ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٣.


٩٧٥ ـ وطبت النّفس يا قيس عن عمرو

وقوله :

٩٧٦ ـ علام ملئت الرّعب والحرب لم تقد

وقولهم : سفه زيد نفسه ، وألم رأسه ، و(بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨] ، والأولون تأولوا ذلك على زيادة اللام ، والمضافات نصبت على التشبيه بالمفعول به ، أو على إسقاط الجار ، أي : في نفسه وفي رأسه وفي معيشتها.

مفارقة الحال التمييز :

(ص) ولا يتعدد والجمهور لا يكون مؤكدا ، ويحذف لقرينة ، أو قصد الإبهام لا المميز ، ما لم يوضع غيره موضعه.

(ش) فارق التمييز الحال في أنه لا يتعدد بخلافها وفي أنه لا يكون مؤكدا والحال تكون مؤكدة كذا قاله الجمهور ، وذكر ابن مالك أن التمييز قد يكون مؤكدا كقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [التوبة : ٣٦] ، وأجيب بأن شهرا وإن أكد ما فهم من (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ،) إلا أنه بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر مبين ، ويجوز حذف التمييز إذا قصد إبقاء الإبهام ، أو كان في الكلام ما يدل عليه ، ولا يجوز حذف المميز ؛ لأنه يزيل دلالة الإبهام ، إلا أن يوضع غيره موضعه كقولهم : ما رأيت كاليوم رجلا ، وقد يحذف من غير بدل كقولهم : تالله رجلا ، أي : تالله ما رأيت كاليوم رجلا.

تمييز الأعداد :

(ص) مسألة : مميز العدد إن كان ما بين عشرة ومائة مفرد منصوب ، وأجاز الفراء جمعه وإضافة عشرين وأخواته لغة ، أو عشرة فما دونها مجموع مضاف إليه ، إلا إن كان (مائة) ، وقد يجمع وفي اسم الجمع والجنس ، ثالثها : إن استعمل للقلة جاز قياسا ، أو مائة فما فوقها فمفرد مضاف وجمعه معها ضرورة ، وقال الفراء : سائغ ويجوز جره بمن ونصبه مع مائة ومائتين وألف ضرورة ، وأجازه ابن كيسان ، ولا يميز واحد واثنان دون شذوذ أو ضرورة ، ولا يجمع تمييز كثرة إن أمكن قلة غالبا ، ولا

__________________

٩٧٥ ـ تقدم الشاهد برقم (٢٢٣).

٩٧٦ ـ الشطر من الطويل ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.


يفصل من العدد اختيارا وينعت حملا عليه ، وعلى العدد ، ويتعين الثاني في الجمع السالم ، ويغني العدد عن تمييزه إضافته لغيره.

(ش) حولت ذكر تمييز الأعداد من باب العدد إلى هنا للمناسبة الظاهرة خصوصا وقد تقدم في صدر الباب أن من أنواع تمييز المفرد تمييز العدد ، فأقول : العدد إن كان واحدا أو اثنين لم يحتج إلى تمييز استغناء بالنص على المفرد والمثنى ، فيقال : رجل ورجلان ؛ لأنه أخصر وأجود ، ولا يقال : واحد رجلا ، ولا اثنا رجل ، وأما قولهم : شربت قدحا واثنيه ، وشريت اثني مد البصرة فشاذ ، وقوله :

٩٧٧ ـ ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

فضرورة ، وإن كان ثلاثة فما فوقها إلى العشرة ميز بمجموع مجرور بإضافة العدد إليه نحو : ثلاثة أثواب وثلاث ليال وعشرة أشهر وعشر سنين ، ما لم يكن التمييز لفظ (مائة) فيفرد غالبا نحو : ثلاث مائة ، وقد يجمع أيضا نحو : ثلاث مئين ، أما الألف فتجمع البتة نحو : ثلاثة آلاف وهل يجوز إضافته إلى اسم الجمع نحو : ثلاث القوم ، أو اسم الجنس نحو : ثلاث نخل؟ أقوال :

أحدها : نعم ويقاس وإن كان قليلا وعليه الفارسي ، وصححه صاحب «البسيط» ، لشبهه بالجمع ولوروده قال :

٩٧٨ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود

وقال تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل : ٤٨].

والثاني : لا ينقاس وعليه الأخفش وابن مالك وغيرهما.

__________________

٩٧٧ ـ الرجز لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو لشماء الهذلية في خزانة الأدب ٧ / ٤٠٠ ، ٤٠٤ ، ولجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية في المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥ ، ولجندل بن المثنى في شرح التصريح ٢ / ٢٧٠ ، وللشماء الهذلية في خزانة الأدب ٧ / ٥٢٦ ، ٥٢٩ ، ٥٣١ ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٤١.

٩٧٨ ـ البيت من الوافر ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ٢٧٠ ، والأغاني ٢ / ١٤٤ ، والإنصاف ٢ / ٧٧١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٩٤ ، والخصائص ٢ / ٤١٢ ، والكتاب ٣ / ٥٦٥ ، ولسان العرب ٣ / ١٦٨ ، مادة (ذود) ، ٦ / ٢٣٥ ، مادة (نفس) ، ولأعرابي من أهل البادية في المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٠.


والثالث : التفرقة بين ما يستعمل من اسم الجمع للقلة فيجوز ، أو للكثرة فلا يجوز ، وعليه المازني.

وعلى المنع طريقه أن يبين ب : (من) فيقال : ثلاثة من القوم وأربعة من الطير ، وثلاث من النخل ، وهو في اسم الجنس آكد من اسم الجمع ، وإن كان أحد عشر إلى تسعة وتسعين ميز بمفرد منصوب نحو : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف : ٤] ، (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] ، (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] ، (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥] ، ولا يجوز جمعه عند الجمهور وجوزه الفراء نحو : عندي أحد عشر رجالا ، وقام ثلاثون رجالا ، وخرج عليه (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) [الأعراف : ١٦٠].

قال الكسائي : ومن العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى التمييز نكرة ومعرفة ، فيقول : عشرو درهم ، وأربعو ثوب ، وإن كان مائة فما فوقها ميز بمفرد مجرور بالإضافة نحو : مائة رجل ومائتا عام وألف إنسان ، وجمعه مع المائة ضرورة ، وجوزه الفراء في السعة ، وخرج عليه قراءة حمزة والكسائي (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) [الكهف : ٢٥] ، بإضافة مائة ، ويجوز جره ب : (من) فيقال : ثلاث مائة من السنين ، ونصب المفرد مع مائة ومائتين وألف ضرورة قال :

٩٧٩ ـ إذا عاش الفتى مائتين عاما

وأجاز ابن كيسان أن يقال في السعة : المائة دينارا والألف درهما ، وبقي مسائل :

الأولى : لا يجب التمييز مع (ثلاثة) ونحوها جمع كثرة ما أمكن جمع القلة غالبا ، ومن جموع القلة جمع التصحيح قال تعالى : (سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] ، و(سَبْعَ بَقَراتٍ) [يوسف : ٤٣ ـ ٤٦] ، (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ) [يوسف : ٤٣ ـ ٤٦] ، و(تِسْعَ آياتٍ) [الإسراء : ١٠١] ، ومن القليل (سَبْعَ سَنابِلَ) [البقرة : ٢٦١] ، و(ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، (ثَمانِيَ

__________________

٩٧٩ ـ البيت من الوافر ، وهو للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى ١ / ٢٤٥ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٢٥ ، والكتاب ١ / ٢٠٨ ، ٢ / ١٦٢ ، ولسان العرب ١٥ / ١٤٥ ، مادة (فتا) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨١ ، وبلا نسبة في أدب الكتاب ص ٢٩٩ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٥٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣.


حِجَجٍ) [القصص : ٢٧] ، فإن لم يكن جمع القلة بأن لم يستعمل تعين جمع الكثرة نحو : ثلاثة رجال.

الثاني : لا يجوز الفصل بين التمييز والعدد إلا في ضرورة كقوله :

٩٨٠ ـ في خمس عشرة من جمادى ليلة

وقوله :

٩٨١ ـ ثلاثون للهجر حولا كميلا

وقوله :

٩٨٢ ـ وعشرون منها أصبعا من ورائنا

الثالثة : إذا جيء بنعت مفرد أو جمع تكسير جاز الحمل فيه على التمييز ، وعلى العدد نحو : عندي عشرون رجلا صالحا ، أو صالح ، وعشرون رجلا كراما ، أو كرام ، فإن كان جمع سلامة تعين الحمل على العدد نحو : عشرون رجلا صالحون ، ذكره في «البسيط».

الرابعة : يغني عن تمييز العدد إضافته إلى غيره نحو : خذ عشرتك وعشري زيد ؛ لأنك لم تضف إلى غير التمييز ، إلا والعدد عند السامع معلوم الجنس ، فاستغني عن المفسر ، وقد قال الشاعر :

٩٨٣ ـ وما أنت أم ما رسوم الدّيار

وستّوك قد قاربت تكمل

__________________

٩٨٠ ـ عجز البيت :

لا أستطيع على الفراش رقادي

والبيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في المقتضب ٣ / ٥٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٣٩.

٩٨١ ـ البيت من المتقارب ، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣٦ ، وأساس البلاغة ص ٣٩٨ ، مادة (كمل) ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٩٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٠٨ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٦٧ ، ٤٧٠ ، ٨ / ٢٥٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٤.

٩٨٢ ـ صدر البيت :

فأشهد عند الله أن قدر رأيتها

والبيت من الطويل ، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص ٢١ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٦.

٩٨٣ ـ البيت من المتقارب ، وهو للكميت بن زيد في ديوانه ٢ / ٢٩ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٥ ، وبلا نسبة في شرح الرضي ٢ / ٥٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٩.


تمييز كم الاستفهامية :

(ص) مسألة : مميز (كم) الاستفهامية منصوب ، وفي جره ثالثها يجوز إن جرت ، وهو ب : (من) مقدرة ، وقال الزجاج بإضافتها ، ولا يكون جمعا خلافا للكوفيين مطلقا ، وللأخفش فيما أريد به الأصناف ، ويجوز فصله وحذفه.

(ش) ختمت الكلام في التمييز بأنواع منه لم تجر عادتهم بذكرها في هذا الباب كما ذكرت تمييز الأعداد ، وذلك (كم) الاستفهامية ، والخبرية ، وكأين ، وكذا ، وسيأتي الكلام عن معانيها في مبحث الأدوات ، فمميز (كم) الاستفهامية مفرد منصوب كمميز عشرين وأخواته نحو : كم شخصا سما؟ وقال ابن مالك : لما كانت الاستفهامية بمنزلة عدد مقرون بهمزة الاستفهام أشبهت العدد المركب ، فأجريت مجراه بأن جعل مميزها كمميزه في النصب والإفراد ، وأجاز الكوفيون كونه جمعا مطلقا كما يجوز ذلك في (كم) الخبرية نحو : كم غلمانا لك ، ورد بأنه لم يسمع.

وأجازه الأخفش إذا أردت بالجمع أصنافا من الغلمان تريد : كم عندك من هذه الأصناف ، واختاره بعض المغاربة فقال : كم الاستفهامية لا تفسر بالجمع ، إنما هو بشرط أن يكون السؤال بها عن عدد الأشخاص ، وأما إن كان السؤال عن الجماعات فيسوغ تمييزها بالجمع ؛ لأنه إذ ذاك بمنزلة المفرد وذلك نحو : كم رجالا عندك تريد كم جمعا من الرجال ، إذا أردت أن تسأل عن عدد أصناف القوم الذين عنده لا عن مبلغ أشخاصهم ، ويسوغ باسم الجنس نحو : كم بطا عندك ، تريد كم صنفا من البط عندك.

وهل يجوز جر تمييز كم الاستفهامية حملا على الخبرية؟ مذاهب أحدها : لا ، والثاني : نعم ، والثالث : الجواز بشرط أن يدخل على (كم) حرف جر نحو : على كم جذع بيتك مبني ، ثم الجر حينئذ ب : (من) مقدرة حذفت تخفيفا ، وصار الحرف الداخل على (كم) عوضا عنها ، هذا مذهب الخليل وسيبويه والفراء والجماعة ، وخالف الزجاج فقال : إنه بإضافة (كم) لا بإضمار (من) ، ورده أبو الحسن الأبذي بأنهم حين خفضوا بعدها لم يخفضوا إلا بعد تقدم حرف جر ، فكونهم لم يتعدوا هذا دليل لقوم الجماعة ، ويجوز فصل تمييز (كم) الاستفهامية في الاختيار ، وإن لم يجز في عشرين وإخوته إلا اضطرارا ، ويكثر بالظرف والمجرور ، وقد يفصل بعاملها وبالخبر نحو : كم ضربت رجلا وكم أتاك رجلا ، ولكن اتصاله هو الأصل والأقوى ، ومما وجه به جواز الفصل فيها أنها لما لزمت الصدر ونظيرها من الأعداد التي ينصب تمييزها ليس كذلك ، بل يقع صدرا وغير صدر جعل هذا


القدر من التصرف فيها عوضا من ذلك التصرف الذي سلبته ، ويجوز حذف تمييزها نحو : كم ضربت رجلا على أن رجلا مفعول ضربت ، والتمييز محذوف ، وكم رجل جاءك ، أي : كم مرة أو يوما ، ورجل مبتدأ وما بعده الخبر.

تمييز كم الخبرية :

(ص) والخبرية مجرورة بإضافتها ، وقيل : ب : (من) وينصب إن فصل ، ودونه لغة ، وجره مفصولا بظرف ضرورة ، وثالثها يجوز إن كان ناقصا ، وبجملة ثالثها يجوز في الشعر فقط ويكون جمعا ، وقيل : شاذ ، وقيل : على معنى الواحد ، وقيل : إن لم ينصب ، والأصح جواز حذفه ، وثالثها إن لم يقدر مضافا ، ورابعها يفتح إن لم يقدر منصوبا ، ومنع نفيه فيهما.

(ش) تمييز (كم) الخبرية مجرور ويكون مفردا وجمعا ، قال :

٩٨٤ ـ كم عمّة لك يا جرير وخالة

وقال :

٩٨٥ ـ كم ملوك باد ملكهم

والإفراد أكثر من الجمع وأفصح حتى زعم بعضهم أن تمييزها بالجمع شاذ ، وعليه العكبري في شرح «الإفصاح» ، وقيل : يكون الجمع على معنى الواحد.

فإذا قلت : كم رجال ، كأنك قلت : كم جماعة من الرجال ، ثم الجر بإضافتها إليه عند البصريين ، وقال الكوفيون : بمن مقدرة حذفت ، وأبقي عملها كما في قوله :

٩٨٦ ـ رسم دار وقفت في طلله

__________________

٩٨٤ ـ البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣٦١ ، والأشباه والنظائر ٨ / ١٢٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٧١ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٥٨ ، ٤٨٩ ، ٤٩٢ ، ٤٩٣ ، ٤٩٥ ، ٤٩٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥١١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٦ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٣ ، والكتاب ٢ / ٧٢ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ولسان العرب ٤ / ٥٧٣ ، مادة (عشر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٦.

٩٨٥ ـ البيت من مجزوء المديد ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ١ / ٥١١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١١.

٩٨٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٩ ، والأغاني ٨ / ٩٤ ، وأمالي القالي ١ / ٢٤٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٠ ، وسمط اللآلي ص ٥٥٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٩٥ ، ٤٠٣ ، ولسان العرب ١١ / ١٢٠ ، مادة (جلل) ، ومغني اللبيب ص ١٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٧٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٩.


وضعف بأن إضمار حرف الجر وإبقاء عمله إنما يكون في ضرورة أو شذوذ ، فإن فصل نصب حملا على الاستفهامية كقوله :

٩٨٧ ـ كم نالني منهم فضلا على عدم

وربما ينصب غير مفصول روي (كم عمة لك) البيت بالنصب ، وذكر بعضهم أن النصب بلا فصل لغة تميم ، وذكره سيبويه عن بعض العرب قال أبو حيان : وهي لغة قليلة ، وإذا نصب بفصل أو بغير فصل جاز كونه أيضا مفردا أو جمعا ، كما إذا جر هذا مذهب الجمهور ، وذهب الأستاذ أبو علي وابن هشام الخضراوي إلى أنها إذا نصب تمييزها التزم فيه الإفراد ؛ لأن العرب التزمته في كل تمييز منصوب عن عدد أو كناية ككم الاستفهامية وكأيّن وكذا ، وردّ بأن ذلك فيما يجب نصبه لا فيما يجوز نصبه وجره.

وهل يجوز جره مع الفصل بظرف أو مجرور؟ مذاهب :

أصحها : لا ؛ لما فيه من الفصل بين المتضايفين ، وذلك ممنوع إلا في ضرورة نحو :

٩٨٨ ـ كم بجود مقرف نال العلى

وكريم بخله قد وضعه

والثاني : نعم ، وعليه الكوفيون بناء على رأيهم أن الجر بمن مضمرة ، ويونس بناء على رأيه من جواز الفصل بين المتضايفين في الاختيار بذلك.

والثالث : الجواز إن كان الظرف أو المجرور ناقصا نحو : كم بك مأخوذ أتاني ، وكم اليوم جائع جاءني ، والمنع إن كان تاما ، ورد بأن العرب لم تفرق بين الظرف التام والناقص في الفصل ، بل تجريهما مجرى واحدا ، فإن كان الفصل بجملة لم يجز الجر في كلام ولا في شعر عند البصريين ؛ لأن الفصل بالجملة بين المتضايفين لا يجوز البتة ،

__________________

٩٨٧ ـ البيت من البسيط ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٣٠ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧٧ ، ٤٧٨ ، ٤٨٣ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣١ ، والكتاب ٢ / ١٦٥ ، واللمع ص ٢٢٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩٨ ، ٤ / ٤٩٤ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٢٨٣ ، والإنصاف ١ / ٣٠٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٦٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٦ ، ٤ / ٨٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٥ ، والمقتضب ٣ / ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٧.

٩٨٨ ـ البيت من الرمل ، وهو لأنس بن زنيم في ديوانه ص ١١٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٥٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٣ ، ولعبد الله بن كريز في الحماسة البصرية ٢ / ١٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٠٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٥ ، ٤ / ٨٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٤ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٢ ، والكتاب ٢ / ١٦٧ ، والمقتضب ٣ / ٦١ ، والمقرب ١ / ٣١٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٠.


وجوزه الكوفيون فيهما بناء على أن الجر بمن لا بالإضافة ، وجوزه المبرد في الشعر فقط وروي قوله :

٩٨٩ ـ كم نالني منهم فضل على عدم

بالجر.

ويجوز حذف تمييز (كم) الخبرية ، ولا يجوز كون المميز منفيا لا في الاستفهامية ولا في الخبرية ، لا يقال : كم لا رجلا جاءك ، ولا كم لا رجل صحبت ، نص عليه سيبويه ، وأجاز ذلك بعض النحويين ، نعم يجوز العطف عليه بالنفي نحو : كم فرس ركبت ، لا فرسا ولا فرسين ، أي : كثيرا من الأفراس ركبت لا قليلا.

تمييز كأين :

(ص) ومميز كأين بمن غالبا ، وقال ابن عصفور : لازما ، ومع فقدها بإضمارها ، وقيل : بالإضافة ، قال أبو حيان : ولا يجمع وحذفه سائغ ، أو ضعيف ، أو ممنوع أقوال ، والأصح ألا يفصل.

(ش) مميز كأين الأكثر جره بمن ظاهرة قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) [يوسف : ١٠٥] ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) [آل عمران : ١٤٦] ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) [العنكبوت : ٦٠] ، قال أبو حيان : ويظهر من كلام سيبويه أن (من) هنا لتأكيد البيان ، فهي زائدة. قال : وقد يقال : إنها لا تزاد في غير الواجب ، فيقال : إن هذا روعي فيه أصله من الاستفهام وهو غير واجب ، وينصب قليلا قال الشاعر :

٩٩٠ ـ وكائن لنا فضلا عليكم ونعمة

وقال :

٩٩١ ـ اطرد الياس بالرّجا فكأيّن

آلما حمّ يسره بعد عسر

وزعم ابن عصفور أن جره بمن لازم ، وأنه لا ينصب ، قال في المغني : ويرده نص

__________________

٩٨٩ ـ تقدم الشاهد برقم (٩٨٨).

٩٩٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٦٣٧ ، ٤ / ٨٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٣ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٧.

٩٩١ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٦٣٧ ، ٤ / ٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٨.


سيبويه على خلافه ، ويجوز جره مع فقد (من) ، قال أبو حيان : إلا أنه لا يحفظ ، فإن جاء كان على إضمار (من) ، وهو مذهب الخليل والكسائي ، ولا يحمل على إضافة كأين كما ذهب إليه ابن كيسان ؛ لأنه لا يجوز إضافتها ؛ إذ المحكيّ لا يضاف ؛ ولأن في آخرها تنوينا فهو مانع من الإضافة أيضا ، وقد قال سيبويه : إن جرها أحد من العرب فعسى أن يجرها بإضمار (من) انتهى.

وقال ابن خروف : يكون في مميزها النصب ، ويجوز الجر ب : (من) وبغير (من) ، بفصل وبغير فصل. قال أبو حيان : ومقتضى الاستقراء أن تمييز (كأين) لا يكون جمعا ، فليست كمثل (كم) الخبرية في ذلك ، واختلف في جواز حذفه فجوزه المبرد والأكثرون ، وقال صاحب «البسيط» : إنه ضعيف للزوم (من) ففيه حذف عامل ومعمول ، قال أبو حيان : ومن يقول بجواز حذفه لا يلتزم أنه حذف وهو مجرور بمن ، بل حذف وهو منصوب ، كما حذف من (كم) الاستفهامية وهو منصوب ، والأفصح اتصال تمييز (كأين) بها ، وكذا وقعت في القرآن ويجوز الفصل بينهما بالجملة وبالظرف قال :

٩٩٢ ـ وكائن رددنا عنكم من مدجّج

وقال :

٩٩٣ ـ وكائن بالأباطح من صديق

تمييز كذا :

(ص) ومميز (كذا) لا يجر بمن وفاقا ، ولا بالإضافة ، ولا البدلية ، ولا يرفع ولا يجمع خلافا لزاعميها.

(ش) مميز (كذا) لا يكون إلا مفردا منصوبا قال الشاعر :

٩٩٤ ـ عد النّفس نعمى بعد بوساك ذاكرا

كذا وكذا لطفا به نسي الجهد

__________________

٩٩٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن شأس في سر صناعة الإعراب ١ / ٣٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩٧ ، والكتاب ٢ / ١٧٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٠.

٩٩٣ ـ تقدم الشاهد برقم (١٨٩).

٩٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٢٨١ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٨ ، ٤ / ٨٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٤ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢١.


ولا يجوز جره بمن اتفاقا ، ولا بالإضافة خلافا للكوفيين ، أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال : كذا ثوب وكذا أثواب قياسا على العدد الصريح ، ورد بأن المحكي لا يضاف ، وبأن في آخرها اسم الإشارة ، واسم الإشارة لا يضاف ، وأجاز بعضهم كذا درهم بالجر على البدل ، وجوز الكوفيون الرفع بعد (كذا) ، قال أبو حيان : وهو خطأ ؛ لأنه لم يسمع ، وجوزوا الجمع بعد الثلاثة إلى العشرة.

[نواصب المضارع]

أن :

(ص) نواصب المضارع (أن) ، ويقال : (عن) وهي الموصولة بالماضي ، خلافا لابن طاهر ، لا بعد يقين غير مؤول في الأصح ، ويجوز في تلو (ظن) الرفع مخففة ، وكذا خوف تيقن مخوفه في الأصح ، والأصح لا تعمل زائدة ولا يتقدم معمول معمولها ، وثالثها يجوز مع أريد وعسى ولا يفصل ، وقيل : يجوز بظرف ، وقيل : بشرط ، وترفع إهمالا على الأصح ، وعن الكسائي لا يقاس ولا تجزم وحكاه الرؤاسي واللحياني وأبو عبيدة لغة ، وتقع مبتدأ وخبرا ومعمول حرف ناسخ وجار ولكان وظن ، وبعض المقاربة وفعل غير الجزم ومضاف ، خلافا لابن الطراوة لا بمعنى (الذي) خلافا لابن الذكي.

(ش) لما أنهيت منصوبات الأسماء عقبت بمنصوبات الأفعال كما ذكر عقب المرفوعات المضارع المرفوع ، فنواصب الفعل المضارع أربعة أحرف :

أحدها : (أن) وهي أم الباب.

قال أبو حيان : بدليل الاتفاق عليها والاختلاف في (لن) و (إذن) و (كي) ، ويقال فيها : (عن) بإبدال الهمزة عينا ، وأن هذه الناصبة للمضارع هي التي توصل بالماضي في نحو : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [القلم : ١٤] ، وبالأمر في نحو : كتبت إليه أن قم ، وبالنهي في نحو : كتبت إليه أن لا تفعل ، وزعم أبو بكر بن طاهر أنها غيرها فتكون (أن) على مذهبه مشتركة أو متجوزا بها ، واستدل لذلك بأمرين :

أحدهما : أنها تخلص للاستقبال فلا تدخل على الماضي كالسين وسوف وكذا الأمر.

والثاني : أنا لو فرضنا دخولها على الماضي لوجب أن تصيره بصيغة المضارع كلم لما دخلت على الماضي قلبت صيغته إلى المضارع ؛ لتعمل فيه.


وشرط نصب المضارع بعد (أن) أن لا تقع بعد فعل يقين كعلم وتحقق وتيقن ونحوها ، فإنها حينئذ المخففة من الثقيلة نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) [المزمل : ٢٠] ، خلافا للفراء حيث جوز أن تلي أن الناصبة للمضارع لفظ العلم وما في معناه ، مستدلا بقراءة (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) [طه : ٨٩] بالنصب وهي بمعنى أفلا يعلمون ، وبقول جرير:

٩٩٥ ـ نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا

ألّا يدانينا من خلقه أحد

وأجيب بأن العلم إنما يمتنع وقوع أن الناصبة بعده إذا بقي على موضعه الأصلي ، أما إذا أول بالظن واستعمل استعماله فإنه يجوز فيه ذلك ، والدليل على استعمال العلم بمعنى الظن قوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] ، فإن المراد بالعلم فيه الظن القوي ؛ إذ القطع بإيمانهن غير متوصل إليه ، ومنع المبرد النصب أيضا في المؤول بالظن ، فقولي : في الأصح راجع إلى المستثنى والمستثنى منه جميعا ، ويجوز في الواقعة بعد الظن الرفع على أنها المخففة من الثقيلة وهو قليل ، والأكثر في لسان العرب النصب بعده قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢] ، وقرئ بالوجهين (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة : ٧١] ، قال أبو حيان : وليس في الواقعة بعد الشك إلا النصب وفي الواقعة بعد فعل خوف تيقن مخوفه ، نحو : خفت ألا تقوم وخفت ألا تكرمني قولان أصحهما جواز الرفع كما بعد الظن ، وقد سمع ، قال أبو محجن :

٩٩٦ ـ أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها

والثاني : تعين النصب وعليه المبرد ، ولا تعمل أن الزائدة عند الجمهور ؛ لأنها لا تختص بدليل دخولها على الفعل الماضي في قوله : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) [يوسف : ٩٦] ، ولا يعمل إلا المختص ، وجوز الأخفش إعمالها حملا لها على المصدرية ، وقياسا على الباء الزائدة حيث تعمل الجر ، وفرق بأن الباء الزائدة تختص بالاسم ولا يجوز تقديم معمول معمول أن الناصبة عليها ؛ لأنها حرف مصدري ومعمولها صلة لها ومعموله من تمام

__________________

٩٩٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ١ / ١٥٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٥١ ، ٤ / ٢٨٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١٣.

٩٩٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي محجن الثقفي في ديوانه ص ٤٨ ، والأزهية ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٨ ، ٤٠٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٠١ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٣١ ، ولسان العرب ٨ / ٢٥٧ ، مادة (فنع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٥٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠ ، وشرح الرضي ٤ / ٣٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٦.


الصلة فكما لا تتقدم الصلة لا يتقدم معمولها هذا مذهب البصريين ، وجوز الفراء تقديمه لقوله :

٩٩٧ ـ كان خير بالعصا أن أجلدا

فقوله : (بالعصا) متعلق ب : (أجلد) ، وأجيب بندوره أو تأويله على تقدير متعلق دل عليه المذكور ، ونقل ابن كيسان عن الكوفيين الجواز في نحو : طعامك أريد أن آكل ، وطعامك عسى أن آكل.

ولا يجوز فصل أن الناصبة من الفعل لا بظرف ولا بمجرور ولا قسم ولا غير ذلك هذا مذهب سيبويه والجمهور ، وجوزه بعضهم بالظرف وشبهه نحو : أريد أن عندي تقعد ، وأريد أن في الدار تقعد ، قياسا على أن المشددة حيث يجوز ذلك فيها بجامع ما اشتركا فيه من المصدرية والعمل ، وجوزه الكوفيون بالشرط نحو : أردت أن إن تزرني أزورك بالنصب ، مع تجويزهم الإلغاء أيضا ، وجزم أزرك جوابا.

ويجوز إهمال (أن) حملا على أختها ما المصدرية فيرفع الفعل بعدها ، وخرج عليه قراءة (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : ٢٣٣] بالرفع ، وقيل : لا وأن المرفوع بعدها الفعل مخففة من الثقيلة لا المصدرية وعليه الكوفيون.

ولا يجوز الجزم ب : (أن) عند الجمهور ، وجوزه بعض الكوفيين قال الرؤاسي من الكوفيين : فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل ، ودونهم قوم يرفعون بها ، ودونهم قوم يجزمون بها ، وأنشد على الجزم :

٩٩٨ ـ أحاذر أن تعلم بها فتردّها

وممن حكى الجزم بها لغة من البصريين أبو عبيدة واللحياني ، وزاد أنها لغة بني صباح ، ثم لما كانت أن مع معمولها في تقدير الاسم تسلط عليها العامل المعنوي واللفظي فتقع مبتدأ نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، وخبر مبتدأ نحو : الأمر أن تفعل

__________________

٩٩٧ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٢٨١ ، والخزانة ٨ / ٤٢٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣٢ ، والمحتسب ٢ / ٣١٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٣ ، وتقدم الشاهد برقم ٢٨٦ ، ٣٦٠.

٩٩٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ٢٢٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٩٨ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٢٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨٩.


كذا ، ولا يكون مبتدؤها إلا مصدرا ، فإن وقع جثة أول ، ومعمولا لحرف ناسخ نحو : إن عندي أن تخرج ، ولا بد أن يكون أحد الجزأين مصدرا إلا في لعل فيجوز أن يكون جثة نحو : لعل زيد أن يخرج ، حملا على (عسى) ، ومعمولا بحرف جر ويكثر حذفه ، ومعمولا لكان وأخواتها اسما وخبرا نحو : كان أن تقعد خيرا من قيامك ، وتكون عقوبتك أن أعزلك ، ومعمولا لظن وأخواتها مفعولا أولا وثانيا نحو : ظننت أن تقوم خيرا من أن تقعد ، وقوله :

٩٩٩ ـ إني رأيت من المكارم حسبكم

أن تلبسوا خزّ الثّياب وتشبعوا

أي : لبس الثياب ، ومعمولا لبعض أفعال المقاربة ولغيرها من أفعال غير الجزم نحو : طلبت منك أن تقوم ، وأردت أن تفعل ، وبدا لي أن أقوم ، بخلاف أفعال الجزم ، لا يقال : فعلت أن أقوم ، أي : القيام ، ولا أعطيتك أن تأمن ، أي : الأمان ، ومعمولا لاسم مضاف نحو : إنه أهل أن يفعل ، ومخافة أن تفعل ، وأجيء بعد أن تقوم ، وقبل أن تخرج ، وقال ابن الطراوة : لا يجوز أن يضاف إلى أن ومعمولها ؛ لأن معناها التراخي فما بعدها في جهة الإمكان ، وليس بثابت والنية في المضاف إثبات عينه بثبوت عين ما أضيف إليه ، فإذا كان ما أضيف إليه غير ثابت في نفسه فإن ثبوت غيره محال.

لن :

(ص) (لن) بسيطة ، وقال الخليل : من (لا أن) ، والفراء : لا النافية أبدلت نونا ، وإنما تنصب مستقبلا وتفيد نفيه ، وكذا التأكيد لا التأبيد على المختار ، وقال بعض البيانين : لنفي ما قرب ، والمختار وفاقا لابن عصفور : ترد للدعاء ويقدم معمول معمولها ، خلافا للأخفش الصغير ، ولا يفصل اختيارا وجوزه الكسائي بقسم ومعمول ، والفراء بشرط وأظن ، وتهمل ، وحكى اللحياني الجزم بها.

(ش) الثاني من نواصب المضارع (لن) والجمهور أنها حرف بسيط لا تركيب فيها ولا إبدال ، وقال الخليل والكسائي : إنها مركبة من (لا أن) ، فأصلها (لا أن) حذفت

__________________

٩٩٩ ـ البيت من الكامل ، وهو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب ٤ / ٧١ ، والكتاب ٣ / ١٥٣ ، ولسعيد بن عبد الرحمن بن حسان في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٨ ، ولبعض المحدثين في العقد الفريد ٣ / ٢٠ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ٤١٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٦ ، وفي نسخة (حرّ الثياب) بدلا من (خزّ الثياب).


الهمزة ؛ لكثرة الاستعمال كما حذفت في قولهم : ويلمّه والأصل ويل أمه ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ألف (لا) ونون (أن) فصارت (لن) ، والحامل لهما على ذلك قربها في اللفظ من (لا أن) ووجود معنى (لا) و (أن) فيها وهو النفي والتخليص للاستقبال.

وقال الفراء : هي لا النافية أبدل من ألفها نون ، وحمله على ذلك اتفاقهما في النفي ونفي المستقبل وجعل (لا) أصلا ؛ لأنها أقعد في النفي من (لن) ؛ لأن (لن) لا تنفي إلا المضارع ، وقد ذكرت رد القولين في حاشية «المغني».

وتنصب (لن) المستقبل ، أي : إنها تخلص المضارع إلى الاستقبال وتفيد نفيه ، ثم مذهب سيبويه والجمهور أنها تنفيه من غير أن يشترط أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا ، وذهب الزمخشري في «مفصله» إلى أن (لن) لتأكيد ما تعطيه (لا) من نفي المستقبل ، قال : تقول : لا أبرح اليوم مكاني ، فإذا أكدت وشددت قلت : لن أبرح اليوم ، قال تعالى : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الكهف : ٦٠] ، وقال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) [يوسف : ٨٠] ، وذهب الزمخشري في «أنموذجه» إلى أنها تفيد تأبيد النفي ، قال : فقولك : لن أفعله كقولك : لا أفعله أبدا ، ومنه قوله تعالى : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣] ، قال ابن مالك : وحمله على ذلك اعتقاده في (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] أن الله لا يرى وهو باطل ، ورده غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦] ، ولم يصح التوقيت في قوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١] ، ولكان ذكر (الأبد) في قوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة : ٩٥] تكرارا ؛ إذ الأصل عدمه ، وبأن استفادة التأبيد في آية : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣] من خارج ، وقد وافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] : لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة ، لكن ثبت في الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه (١) ، ووافقه على إفادة التأكيد جماعة منهم ابن الخباز ، بل قال بعضهم : إن منعه مكابرة فلذا اخترته دون التأبيد.

وأغرب عبد الواحد الزملكاني فقال في كتابه «التبيان في المعاني والبيان» : إن (لن) لنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها ، قال : وسر ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعاني ،

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، باب قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (٤٥٨١) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية (١٨٣).


(ولا) آخرها ألف والألف يكون امتداد الصوت بها ، بخلاف النون ، ونقل ذلك عنه ابن عصفور وأبو حيان ورداه ، والجمهور على أن الفعل بعد (لن) لا يخرج عن كونه خبرا كحاله بعد سائر حروف النفي غير لا.

وذهب قوم إلى أنه قد يخرج بعد (لن) إلى الدعاء كحاله بعد لا قال الشاعر في لا :

١٠٠٠ ـ ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

وقال في لن :

١٠٠١ ـ لن تزالوا كذلكم ثم لا زل

ت لكم خالدا خلود الجبال

وهذا القول اختاره ابن عصفور وهو المختار عندي ؛ لأن عطف الدعاء في البيت قرينة ظاهرة في أن المعطوف عليه دعاء لا خبر.

وتقدم معمول معمول (لن) عليها جائز ، بخلاف معمول معمول (أن) ؛ إذ لا مصدرية فيها ، وقد قالوا : إن (لن أضرب) نفي ل : (سأضرب) ، فكما جاز زيدا سأضرب جاز زيدا لن أضرب ، ومنعه الأخفش الصغير أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي ؛ لأن النفي له صدر الكلام فلا يقدم معمول معموله عليه ، كسائر حروف النفي.

ولا يجوز الفصل بين (لن) وبين الفعل في الاختيار ؛ لأنها محمولة على سيفعل ، وكذلك لم يجز لن تفعل ولا تضرب زيدا بنصب (تضرب) ؛ لأن الواو كالعامل فلا يفصل بينها وبين الفعل ب : (لا) كما لا يقال : لن لا تضرب زيدا هذا مذهب البصريين وهشام ، واختار الكسائي الفصل بالقسم ومعمول الفعل نحو : لن والله أكرم زيدا ولن زيدا أكرم ، ووافقه الفراء على القسم وزاد جواز الفصل ب : (أظن) نحو : لن أظن أزورك بالنصب ، وبالشرط نحو : لن إن تزرني أزورك بالنصب ، وجوز الإلغاء والجزم جوابا قال أبو حيان : وأصحاب الفراء لا يفرقون بين لن والفعل اختيارا وهو الصحيح ؛ لأن (لن) وأخواتها من الحروف الناصبة للأفعال بمنزلة إن وأخواتها من الحروف الناصبة للأسماء ، فكما لا يجوز الفصل بين إن واسمها لا يجوز بين لن وأخواتها والفعل ، بل الفصل بين عوامل الأفعال

__________________

١٠٠٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٥٦٦ ، وجمهرة اللغة ٢٣٤ ، المعجم المفصل ١ / ٣٦٦ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٥٣).

١٠٠١ ـ البيت من الخفيف ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٦٣ ، المعجم المفصل ٢ / ٧٣٦ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٤٩).


والأفعال أقبح منه بين عوامل الأسماء والأسماء ؛ لأن عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء.

وحكى اللحياني الجزم بلن لغة وأنشد عليه :

١٠٠٢ ـ لن يخب الآن من رجائك من حر

رك من دون بابك الحلقه

كي

(ص) كي إن كانت الموصولة فالنصب بها عند الجمهور ، أو الجارة فبأن مضمرة ، وجوز الكوفية إظهارها ، وتتعين الأولى بعد اللام ، والثانية قبلها ، وتترجح مع إظهار أن ، وأنكر الكوفية كونها جارة ، وقوم كونها ناصبة ، ولا تفيد الناصبة علة ولا تتصرف ، بل تجر باللام ، ويجوز تأخير معلولها والفصل بلا النافية وما الزائدة وبهما لا بغير ذلك ، وجوزه الكسائي بمعمول وقسم وشرط ولا عمل ، وابن مالك وولده وتعمل ولا يقدم معمول منصوبها ، ولا على المعلول في الأصح ، وجوز الكوفية والمبرد النصب ب : (كما).

(ش) الثالث من نواصب المضارع كي ، ومذهب سيبويه والأكثرين أنها حرف مشترك ، فتارة تكون حرف جر بمعنى اللام فتفهم العلة ، وتارة تكون حرفا تنصب المضارع بعده ، واختلف هؤلاء فمذهب سيبويه أنها تنصب بنفسها ، ومذهب الخليل والأخفش أن (أن) مضمرة بعدها ، وذهب الكوفيون إلى أنها مختصة بالفعل فلا تكون جارة في الاسم ، وقيل : إنها مختصة بالاسم فلا تكون ناصبة للفعل.

واحتج من قال : إنها مشتركة ، بأنه سمع من كلام العرب : جئت لكي أتعلم ، وسمع من كلامهم كيمه ، فأما لكي أتعلم فهي ناصبة بنفسها ؛ لدخول حرف الجر عليها ، وليست فيه حرف جر ؛ لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر ، وأما كيمه فهي حرف جر بمعنى اللام كأنه قال : لمه ، ووجه الاستدلال من هذا اللفظ أنه قد تقرر من لسان العرب أن (ما) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها نحو : بم ولم وفيم وعم ، فإذا وقف عليها جاز أن تلحقها هاء السكت ويدل أيضا على أنها جارة دخولها على (ما) المصدرية كقوله :

__________________

١٠٠٢ ـ البيت من المنسرح ، وهو لأعرابي في شرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٤٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٨٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٦.


١٠٠٣ ـ يراد الفتى كيما يضرّ وينفع

فرفع الفعل على معنى يراد الفتى للضر والنفع ، وأما جئت كي أتعلم فيحمل عندهم أن تكون الناصبة بنفسها ؛ إذ قد ثبت أنها تنصب بنفسها فتكون بمعنى أن ، واللام المقتضية للتعليل محذوفة كما تحذف في جئت أن أتعلّم ، ويحتمل عندهم أن تكون الجارة وتكون أن مضمرة بعدها كما أضمرت بعد غيرها من الحروف على ما سيأتي بيانه ، ويبنى على هذا المذهب فرع وهو أنه هل يجوز أن تدخل كي على (لا) أم لا يجوز؟ والجواب أنك إن قدرتها الجارة لم يجز ؛ لأن (كي) كاللام فلا تدخل عليها إلا مع (أن) كما في اللام نحو : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) [الحديد : ٢٩] ، وإن قدرتها الناصبة جاز نحو : كيلا تقدم.

وهي إذا كانت ناصبة لا يفهم منها السببية ؛ لأنها مع الفعل بعدها بتأويل المصدر كأن ولا تتصرف تصرف (أن) فلا تقع مبتدأة ولا فاعلة ولا مفعولة ولا مجرورة بغير اللام ، وتتعين الناصبة بعد اللام نحو : جئت لكي أتعلم ؛ لئلا يجمع بين حرفي جر ، ودخول اللام على الناصبة ؛ لكونها موصولة كأن ، ولذلك شبه سيبويه إحداهما بالأخرى.

وتتعين الجارة إذا جاءت قبل اللام نحو : جئت كي لأقرأ ، ف : (كي) حرف جر واللام تأكيد لها ، وأن مضمرة بعدها ، ولا يجوز أن تكون كي ناصبة للفصل بينها وبين الفعل باللام ، ولا يجوز الفصل بين الناصبة والفعل بالجار ولا بغيره ، ولا يجوز أن تكون كي زائدة ؛ لأن (كي) لم يثبت زيادتها في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه ، وهذا التركيب ـ أي : مجيء (كي) قبل اللام ـ نادر ، ومنه قول الطرماح :

١٠٠٤ ـ كادوا بنصر تميم كي ليلحقهم

وإضمار (أن) بعد الجارة على جهة الوجوب فلا يجوز إظهارها عند البصريين إلا في

__________________

١٠٠٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص ٢٤٦ ، وله أو للنابغة الذبياني في شرح شواهد المغني ١ / ٥٠٧ ، وللنابغة الجعدي ، أو للنابغة الذبياني أو لقيس بن الخطيم في خزانة الأدب ٨ / ٤٩٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٥ ، ولقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص ٢٣٥ ، وكتاب الصناعتين ص ٣١٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٣ ، وفي نسخة (يرجّى) بدلا من (يراد).

١٠٠٤ ـ عجز البيت :

فيه فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

والبيت من البسيط ، وهو للطرماح في ديوانه ص ١٢٩ ، «طبعة دار الشرق» ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١١.


ضرورة ، وجوزه الكوفيون في السعة قال أبو حيان : والمحفوظ إظهارها بعد (كي) الموصولة بما كقوله :

١٠٠٥ ـ كيما أن تغرّ وتخدعا

ولا أحفظ من كلامهم جئت كي أن تكرمني ، ومع إظهار اللام نحو : جئت لكيما أن تقوم يترجح كونها جارة مؤكدة للام على كونها ناصبة مؤكدة بأن ؛ لأن (أن) هي التي وليت الفعل وهي أم الباب ، وما كان أصلا في بابه لا يجعل تأكيدا لما ليس أصلا مع ما فيه من الفصل بين الناصب والفعل ، واللام أصل في باب الجر فكانت كي توكيدا لها ، ولا يجوز أن تكون كي تأكيدا ل : (أن) ؛ لأن التأكيد في غير المصادر لا يتقدم على المؤكد.

ومن أحكام كي أنه لا يمتنع تأخير معلولها فيجوز أن تقول : كي تكرمني جئتك ، سواء كانت الناصبة أو الجارة وذلك أنها في المعنى مفعول من أجله وتقدم المفعول من أجله سائغ ، قال أبو حيان : وأجمعوا على أنه يجوز الفصل بينها وبين معمولها ب : (لا) النافية نحو : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) [الحشر : ٧] وب : (ما) الزائدة كقوله :

١٠٠٦ ـ تريدين كيما تجمعيني وخالدا

وبهما معا كقوله :

١٠٠٧ ـ أردت لكيما لا تري لي عشرة

ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل

وأما الفصل بغير (ما) فلا يجوز عند البصريين وهشام ومن وافقه من الكوفيين في الاختيار ، وجوزه الكسائي بمعمول الفعل الذي دخلت عليه وبالقسم وبالشرط فيبطل عملها فتقول : أزورك كي والله تزورني ، وأكرمك كي غلامي تكرم ، وأزورك كي إن تكافئ

__________________

١٠٠٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٨١ ، ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، ٤٨٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٣ ، ٢٣١ ، وشرح المفصل ٩ / ١٤ ، ١٦ ، وله أو لحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني ١ / ٥٠٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١١ ، وخزانة الأدب ص ١٢٥ ، وجواهر الأدب ص ١٢٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٧.

١٠٠٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب ٥ / ٨٤ ، ٨ / ٥١٤ ، وشرح الرضي ٤ / ٥٦ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٢١٩ ، ولسان العرب ٣ / ٢٦٦ ، مادة (ضمد) ، وللهذلي في إصلاح المنطق ٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٤.

١٠٠٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ثروان العكلي في خزانة الأدب ٨ / ٤٨٦ ، ولسان العرب ١١ / ٨ ، مادة (أثل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٠.


أكرمك ، واختار ابن مالك وولده جواز الفصل بما ذكر مع العمل ، قال أبو حيان : وهو مذهب ثالث لم يسبقا إليه.

وتقدم معمول معمولها ممنوع وله ثلاث صور :

أحدها : تقدمه على المعمول فقط نحو : جئت كي النحو أتعلم.

والثانية : على كي فقط نحو : جئت النحو كي أتعلم.

والثالثة على المعلول أيضا نحو : النحو جئت كي أتعلم.

وعليه المنع في الأولى للفصل ، وفي الثانية والثالثة أن كي من الموصولات ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول وإن كانت جارة ، فأن مضمرة وهي موصولة أيضا ، وفي الصورة الثانية خلاف للكسائي قال أبو حيان : ولا يبعد أن يجزي في الثالثة لكنه لم ينقل.

وأثبت الكوفيون من حروف النصب (كما) بمعنى (كيما) ، ووافقهم المبرد واستدلوا بقوله :

١٠٠٨ ـ وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنّه

كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر

وأنكر ذلك البصريون وتأولوا ما ورد على أن الأصل (كيما) حذفت ياؤه ضرورة ، أو الكاف الجارة كفت بما وحذف النون من الفعل ضرورة.

إذن

(ص) إذن الجمهور أنها حرف بسيط ، وقال الخليل : من (إذ أن) ، والرندي (إذا أن) ، وقوم اسم وأنها تنصب بنفسها لا بأن المضمرة وتليها جملة اسمية وخبر ذي خبر ، وإنما تنصب مستقبلا وليها مصدرة ، والرفع حينئذ لغية أنكرها الكوفيون ، فإن وليت عاطفا قلّ النصب ، أو ذا خبر امتنع ، وجوزه هشام بعد مبتدأ ، والكسائي بعد اسمي إن وكان ، ويفصل بقسم حذف جوابه ولا النافية ، وجوزه ابن بابشاذ بنداء ودعاء ، وابن عصفور والأبذي بظرف ، والكسائي وهشام والفراء بمعمول ، ثم اختار

__________________

١٠٠٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ١٠١ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٢٠ ، ولجميل بثينة في ديوانه ص ٩٠ ، ولعمر أو لجميل في شرح شواهد المغني ١ / ٤٩٨ ، وللبيد أو لجميل في المقاصد النحوية ٤ / ٤٠٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٨٦ ، والجنى الداني ٤٨٣ ، وجواهر الأدب ص ٢٣٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٠٢ ، ١٠ / ٢٢٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٨.


الرفع والكسائي النصب وجوز تقدمه مع العمل ودونه ، والفراء وأبطله ، ولا نص للبصرية ، قال أبو حيان : ومقتضى قواعدهم المنع ، ومعناها قال سيبويه : الجواب والجزاء ، قال الشلوبين : دائما ، والفارسي : غالبا ، ولا يحذف معمول ناصب دونه ولا لدليل على الأصح.

(ش) اختلف النحويون في حقيقة (إذن) فذهب الجمهور إلى أنها حرف بسيط ، وذهب قوم إلى أنها اسم ظرف وأصلها ؛ إذ الظرفية لحقها التنوين عوضا من الجملة المضاف إليها ، ونقلت إلى الجزائية فبقي فيها معنى الربط والسبب ، ولهذا قال سيبويه : معناها الجواب والجزاء ، فقال الشلوبين : دائما في كل موضع ، وقال أبو علي الفارسي : غالبا في أكثر المواضع كقولك لمن قال : أزورك : إذن أكرمك ، فقد أجبته وجعلت إكرامه جزاء زيارته ، أي : إن تزرني أكرمتك.

قال : وقد تتمحض للجواب كقولك لمن قال : أحبك : إذن أصدقك ؛ إذ لا مجازاة هنا ، والشلوبين يتكلف في جعل مثل هذا جزاء ، أي : إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك ، وذهب الخليل إلى أنها حرف تركب من (إذ) و (أن) وغلب عليها حكم الحرفية ، ونقلت حركة الهمزة إلى الذال ثم حذفت ، والتزم هذا النقل فكأن المعنى إذا قال القائل : أزورك فقلت : إذ أن أكرمك ، قلت : حينئذ زيارتي واقعة ، ولا يتكلم بهذا ، وذهب أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي إلى أنها مركبة من (إذا) و (أن) ؛ لأنها تعطي ما تعطي كل واحدة منهما ، فتعطي الربط كإذا ، والنصب كأن ، ثم حذفت همزة أن ثم ألف إذا ؛ لالتقاء الساكنين ، وعلى الأول فهي ناصبة للمضارع بنفسها عند الأكثرين ؛ لأنها تقلبه إلى الاستقبال ، وقال الزجاج والفارسي : الناصب أن مضمرة بعدها لا هي ؛ لأنها غير مختصة ؛ إذ تدخل على الجمل الابتدائية نحو : إذن عبد الله يأتيك.

وتليها الأسماء مبنية على غير الفعل ، ولنصبها المضارع ثلاثة شروط :

أحدها : كونه مستقبلا فلو قيل لك : أحبك ، فقلت : إذن أظنك صادقا رفعت ؛ لأنه حال ومن شأن الناصب أن يخلص المضارع للاستقبال.

ثانيها : أن يليها فيجب الرفع في نحو : إذن زيد يكرمك للفصل ، ويغتفر الفصل بالقسم وبلا النافية خاصة ؛ لأن القسم تأكيد لربط إذن و (لا) لم يعتد بها فاصلة في أن ، فكذا في إذن ، قال الشاعر :


١٠٠٩ ـ إذن والله نرميهم بحرب

وجوز أبو الحسن طاهر بن بابشاذ الفصل بينهما بالنداء والدعاء نحو : إذن يا زيد أحسن إليك ، وإذن يغفر الله لك يدخلك الجنة ، قال أبو حيان : ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع من العرب ، وأجاز ابن عصفور والأبذي الفصل بالظرف نحو : إذن غدا أكرمك ، وأجاز الكسائي وابن هشام والفراء الفصل بمعمول الفعل ، والاختيار عند الكسائي حينئذ النصب ، وعند هشام الرفع نحو : إذن فيك أرغب وأرغب وإذن صاحبك أكرم وأكرم ، فلو قدمت معمول الفعل على إذن نحو : زيدا إذن أكرم فذهب الفراء إلى أنه يبطل عملها ، وأجاز الكسائي إذ ذاك الرفع والنصب ، قال أبو حيان : ولا نص أحفظه عن البصريين في ذلك ، ومقتضى اشتراطهم التصدير في عملها ألا تعمل والحالة هذه ؛ لأنها غير مصدرة ، ويحتمل أن يقال : تعمل ؛ لأنها وإن لم تصدر لفظا فهي مصدرة في النية ؛ لأن النية بالمفعول التأخير.

ثالثها : أن تكون مصدرة فلا تنصب متأخرة نحو : أكرمك إذن بلا خلاف ؛ لأن الفعل المنصوب لا يجوز تقديمه على ناصبه ، وأما المتوسطة فإن افتقر ما بعدها إلى ما قبلها افتقار الشرط لجزائه نحو : إن تزرني إذن أكرمك أو القسم لجوابه نحو :

١٠١٠ ـ لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقيلها

أو الخبر للمخبر عنه نحو : زيد إذن يكرمك امتنع النصب في الصور كلها ، وفي الأخيرة خلاف فأجاز هشام النصب بعد مبتدأ كالمثال ، وأجازه الكسائي بعد اسم إن نحو:

١٠١١ ـ إني إذن أهلك أو أطيرا

__________________

١٠٠٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ملحق ديوانه ص ٣٧١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٦٨ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٤ ، ٣ / ٢٨٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٧٦ ، وشرح قطر الندى ص ٥٩ ، ومغني اللبيب ص ٦٩٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٣.

١٠١٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٣٠٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٧٣ ، ٤٧٤ ، ٤٧٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ٦٣ ، وشرح المفصل ٩ / ١٣ ، ٢٢ ، والكتاب ٣ / ١٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٦٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٦.

١٠١١ ـ الرجز بلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٧٧ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٦٦ ، والجنى الداني ص ٣٦٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٥٦ ، ٤٦٠ ، ورصف المباني ص ٦٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٤ ، وشرح التصريح ـ


وبعد اسم كان نحو : كان عبد الله إذن يكرمك ، ووافق الفراء الكسائي في إن وخالفه في كان فأوجب الرفع ، ونص الفراء على تعين الرفع بعد ظن نحو : ظننت زيدا إذن يكرمك ، قال أبو حيان : وقياس قول الكسائي جواز النصب أيضا.

وإن وليت عاطفا قلّ النصب ، والأكثر في لسان العرب إلغاؤها قال تعالى : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٦] ، (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء : ٥٣] ، وقرئ شاذا لا يلبثوا ولا يؤتوا فمن ألغى راعى تقدم حرف العطف ، ومن أعمل راعى كون ما بعد العاطف جملة مستأنفة.

وإلغاء (إذن) مع اجتماع الشروط لغة لبعض العرب حكاها عيسى بن عمر ، وتلقاها البصريون بالقبول ووافقهم ثعلب ، وخالف سائر الكوفيين فلم يجر أحد منهم الرفع بعدها ، قال أبو حيان : ورواية الثقة مقبولة ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ إلا أنها لغة نادرة جدا ، ولذلك أنكرها الكسائي والفراء على اتساع حفظهما وأخذهما بالشاذ والقليل.

ونواصب المضارع لا يجوز أن يحذف معمولها وتبقى هي لا اقتصارا ولا اختصارا ، فلو قيل : أتريد أن تخرج؟ لم يجز أن تجيب بقولك : (أريد أن) ، وتحذف (أخرج) ، وأجازه بعض المغاربة مستدلا بما وقع في صحيح البخاري : «فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحدا» (١) ، يريد كيما يسجد ، قال : وهذا كقولهم : جئت ولما ، قال أبو حيان : وليس مثله ؛ لأن حذف الفعل بعد لما للدليل جائز منقول في فصيح الكلام ، ولم ينقل من نحو هذا شيء من كلام العرب.

لام الجحود

(ص) مسألة تنصب (أن) مضمرة لزوما بعد لام الجحود المؤكدة ، وليست لام كي على الصحيح ، وهي المسبوقة بكون ماض لفظا أو معنى منفي بما أو لم ، قيل : أو أخوات كان ، قيل : أو ظن ، قيل : أو كل فعل ، وحذف الخبر معها حتم غالبا ، وزعم

__________________

ـ ٢ / ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٧٠ ، وشرح المفصل ٧ / ١٧ ، ولسان العرب ٤ / ٤٠٨ ، مادة (شطر) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (٧٤٤٠).


الكوفية النصب بها ، فمدخولها الخبر ، وهي زائدة للتأكيد ، وثعلب : بقيامها مقام (أن) ، والفهري : لا يرفع مدخولها ضمير السببي ، وجوز قوم إظهار (أن) مع حذفها ، وقوم دونه ، ولا تلي مفردا.

(ش) (أن) أم الباب فلهذا تنصب ظاهرة ومضمرة ، ولها إذا أضمرت حالان : حال وجوب ، وحال جواز.

فالأول بعد نوعين من الحروف : أحدهما ما هو حرف جر ، والآخر ما هو حرف عطف.

فالأول : حرفان :

أحدهما : اللام التي يسميها النحويون لام الجحود ، ومذهب البصريين أن النصب بعدها بأن مضمرة ، وذهب الكوفيون إلى أن الناصب هو لام الجحود نفسها ، وذهب ثعلب إلى أن اللام هي الناصبة لقيامها مقام أن.

وعلى الأول لا يجوز إظهار أن ؛ لأن إيجابه كان زيد سيقوم فجعلت اللام في مقابلة السين ، فكما لا يجوز أن يجمع بين أن الناصبة وبين السين ، فكذلك كرهوا أن يجمعوا بين اللام وأن في اللفظ ، وأجاز بعض الكوفيين إظهارها بفتح اللام تأكيدا كما جاز ذلك في (كي) نحو : ما كان زيد لأن يقوم ، قال أبو حيان : ويحتاج إلى سماع من العرب ، وأجاز بعض النحاة حذف اللام وإظهار (أن) نحو : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] ، أي : ليفترى ، وأوله المانعون بأن (أن) وما بعدها في تأويل المصدر ، والقرآن أيضا مصدر فأخبر بمصدر عن مصدر ، ولام الجحود عند البصريين تسمى مؤكدة لصحة الكلام بدونها ؛ إذ يقال في ما كان زيد ليفعل : ما كان زيد يفعل ، لا لأنها زائدة ؛ إذ لو كانت زائدة لما كان لنصب الفعل بعدها وجه صحيح ، قال أبو حيان : ومن أغرب المنقولات ما نقله بعض أصحابنا عن أبي البقاء من أن اللام في نحو : قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] هي لام كي ، وهذا نظير من سمى اللام في ما جئتك لتكرمني لام الجحود ، بل قول هذا أشبه ؛ لأن اللام جاءت بعد جحد لغة ، وإن كان ليس الجحد المصطلح عليه في لام الجحود وأما أن تسمى هذه لام كي فسهو من قائله ، وإنما تقع لام الجحود بعد كون منفي بما أو لم دون إن ، ولما هو ماض لفظا نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] ، أو


معنى نحو : لم يكن زيد ليقوم ، ومذهب البصريين أن خبر كان حينئذ محذوف ، وأن هذه اللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف ، وأن الفعل ليس بخبر ، بل المصدر المنسبك من أن المضمرة والفعل المنصوب بها في موضع جر ، والتقدير ما كان الله مريدا لكذا ، والدليل على هذا التقدير أنه قد جاء مصرحا به في بعض كلام العرب قال :

١٠١٢ ـ سموت ولم تكن أهلا لتسمو

فصرح بالخبر الذي هو أهلا مع وجود اللام والفعل بعدها ، ومذهب الكوفيين أن الفعل في موضع نصب على أنه الخبر واللام زائدة للتأكيد.

وذهب بعض النحويين إلى أن لام الجحود تكون في أخوات كان قياسا عليها نحو : ما أصبح زيد ليضرب عمرا ، ولم يصبح زيد ليضرب عمرا ، وزعم بعضهم أنها تكون في ظننت وأخواتها نحو : ما ظننت زيدا ليضرب عمرا ، ولم أظن زيدا ليضرب عمرا ، قال أبو حيان : وهذا كله تركيب لم يسمع فوجب منعه ، وذهب بعضهم إلى أنها تدخل في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو : ما جئت لتكرمني ، قال أبو حيان : وهذا فاسد ؛ لأن هذه لام كي والفرق بينهما من وجوه كثيرة ستأتي.

حتى

(ص) وبعد حتى الجارة ، وزعمها الفراء غيرها والنصب بها ، والكسائي بها ، والجر بإلى مضمرة جوازا ، وقوم ناصبة جارة بنفسها تشبيها بأن وإلى ، وعليها يجوز إظهار (أن) ، وعلى الأصح قد يظهر مع معطوف منصوبها ومعناها كي أو إلى ، قال الخضراوي وابن مالك : أو إلا ، وإنما تنصب مستقبلا وجوبا إن كان حقيقة ، وإلا فجوازا ، وترفع الحال أو المؤول كذلك بأن يكون مسببا عما قبلها فضلة صالحا لحلول الفاء محلها ، والأصح تعين النصب مع فعل غير موجب وقلما لا (كثرما) و (طالما) ، وربما جوزه الكسائي لرفع مستقبل غير سبب ونصب حال مسبب ، والنصب بها مطلقا لغة ، ولا تفصل ، وجوزه الأخفش وابن السراج بظرف وشرط ماض ، وهشام بقسم ومفعول وجر ، والأخفش وابن مالك تعليقها.

(ش) الحرف الثاني حتى وكونها الجارة والنصب بعدها ب : (أن) لازمة الإضمار

__________________

١٠١٢ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.


وجوبا هو مذهب البصريين ، واستدلوا بثبات كونها جارة للاسم بدليل حذف (ما) الاستفهامية بعدها نحو :

١٠١٣ ـ فحتّام حتّام العناء المطوّل

وإذا ثبت ذلك انتفى كونها ناصبة للفعل لما تقرر من أن عوامل الأسماء لا تكون عوامل في الأفعال ؛ لأن ذلك ينفي الاختصاص ، واختلف الكوفيون فذهب الفراء إلى أنها ناصبة بنفسها وليست الجارة ، وعنده أن الجر بعدها إنما هو لنيابتها مناب إلى ، وذهب الكسائي إلى أنها ناصبة بنفسها أيضا ، وأنها جارة بإضمار إلى وهذا عكس مذهب البصريين ، ثم إنه جوز إظهار (إلى) بعدها ، فقال : الجر بعد حتى يكون بإلى مظهرة ومضمرة ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ناصبة بنفسها ك : أن ، أو جارة بنفسها أيضا تشبيها بإلى ، ومع قول الكوفيين : إنها ناصبة بنفسها أجازوا إظهار أن بعدها ، قالوا : لو قلت : لأسيرن حتى أن أصبح القادسية جاز ، وكان النصب بحتى وأن توكيد كما أجازوا ذلك في لام الجحود ، وعلى قول البصريين لا تظهر وقد تظهر في المعطوف على منصوبها ؛ لأن الثواني تحتمل ما لا تحتمله الأوائل كقوله :

١٠١٤ ـ حتّى تكون عزيزا من نفوسهم

أو أن تبين جميعا وهو مختار

وفيه دليل لقولهم : إن (أن) مضمرة بعدها ، وحتى هذه هي المرادفة لكي الجارة أو إلى ، بخلاف الابتدائية التي لا ترادف واحدا منهما ، فالمرادفة ل : (كي) نحو : أسلمت حتى أدخل الجنة ، فهي هنا حرف تعليل ، والمرادفة لإلى نحو : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١] فهي هنا حرف غاية ، قال أبو حيان : والذي ذكره معظم النحويين في معنى حتى هذه أنها تكون للتعليل أو الغاية فهي تنصب عندهم على أحد هذين المعنيين ، وزاد ابن مالك أن تكون مرادفة ل : (إلا أن) فتكون للاستثناء وأنشد عليه :

__________________

١٠١٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١١١ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٠٩ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٦٣ ، مادة (لوم) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٩٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٠.

١٠١٤ ـ البيت من البسيط ، وهو ليزيد بن حمار (أو حمّان) السكوني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٠١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٣٧.


١٠١٥ ـ ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

قال أبو حيان : وقد أغنانا ابنه عن الرد عليه في ذلك ، وقال : إنه يصح فيه تقدير (إلى أن) ، وإذا احتمل أن تكون حتى فيه للغاية فلا دليل في البيت على أن حتى بمعنى إلا أن ، وقال ابن هشام الخضراوي في حديث «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه» (٢) : عندي أنه يجوز أن يكون (على الفطرة) حالا من الضمير ، ويولد في موضع خبر ، وحتى بمعنى إلا أن المنقطعة كأنه قال : إلا أن يكون أبواه ، والمعنى لكن أبواه يهودانه أو ينصرانه. قال : وقد ذكر النحويون هذا المعنى في أقسام (حتى) ، ومنه قوله :

١٠١٦ ـ والله لا يذهب شيخي باطلا

حتى أبير مالكا وكاهلا

المعنى : إلا أن أبير وهو منقطع بمعنى لكن أبير انتهى.

وإنما ينصب المضارع بعد حتى إذا كان مستقبلا نحو : لأسيرن حتى أصبح القادسية ، أو ماضيا في حكم المستقبل نحو : سرت حتى أدخل المدينة ، فهذا مؤول بالمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل حتى ، فهو مستقبل بالإضافة إليه ، فإن كان حالا أو مؤولا به رفع ، وذلك بأن يكون ما قبلها سببا لما بعدها ، ولا يكونان متصلي الوقوع فيما مضى ، بل ما قبل حتى وقع ومضى وما بعدها في حال الوقوع ، وعلامة ذلك صلاحية جعل الفاء مكان حتى نحو : قولهم مرض فلان حتى لا يرجونه ، أي : فهو الآن لا يرجى ، وضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرك اليوم والمؤول بالحال أن يكون ما بعد حتى لم يقع ، لكنك متمكن من إيقاعه في الحال نحو : سرت حتى أدخل المدينة ، أي : فأنا الآن متمكن من دخول المدينة

__________________

١٠١٥ ـ البيت من الكامل ، وهو للمقنع الكندي في خزانة الأدب ٣ / ٣٧٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٧٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٢ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٥٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٦٠ ، ٣ / ٢٩٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٢.

١٠١٦ ـ الرجز لامرىء القيس في ديوانه ص ١٣٤ ، والأغاني ٩ / ٨٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٢١٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٢ ، ومعجم ما استعجم ص ٥٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٣.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه (١٣٥٨) ، ومسلم ، كتاب القدر ، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة .. (١٦٥٨).


لا أمنع من ذلك ، وشرط الرفع أيضا أن يكون ما بعدها فضلة ، فلو كان واقعا خبر المبتدأ أو خبر كان أو نحوهما وجب نصبه نحو : كان سيري حتى أدخلها ؛ لأنه لو رفع كانت حتى حرف ابتداء فيبقى المخبر عنه بلا خبر ، وأجاز الكسائي رفع المستقبل إذا كان غير مسبب عما قبل نحو : سرت حتى تطلع الشمس ، ونصب الحال إذا كان مسببا عما قبل وجوزه في قول حسان :

١٠٠٧ ـ يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم

ورد بعدم السماع وبمخالفته للقياس بأن النواصب من مخلصات المضارع للاستقبال.

ويتعين النصب عند سيبويه والأكثرين بعد فعل غير موجب وهو المنفي وما فيه الاستفهام وقلما نحو : ما سرت حتى أدخل المدينة وقلما سرت حتى أدخلها ، إذا أردت بقلما النفي المحض ، وأسرت حتى تدخل المدينة؟ وإنما لم يجز الرفع ؛ لأنه على معنى السببية للأول في الثاني والأول منفي لم يقع ، فلا يكون نفي السبب موجبا لوجود مسببه ، وخالف الأخفش فجوز الرفع على أن أصل الكلام موجب وهو سرت حتى أدخل المدينة ، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره فنفت أن يكون سير كان عند دخول ، فكأنك قلت :ما وقع السير الذي كان سببا لدخول المدينة ، واتفقوا على أن الرفع في ذلك غير مسموح وإنما أجازه الأخفش ومن تبعه قياسا ، ولو أريد بقلما التقليل لا النفي فكذلك عند سيبويه ، وجوز أبو علي والرماني وجماعة الرفع بعدها.

وذهب طائفة من القدماء إلى امتناع الرفع أيضا بعد (كثر ما) و (طالما) و (ربما) نحو : كثر ما سرت حتى أدخلها ، وطالما سرت حتى أدخلها ، وربما سرت حتى أدخلها إلحاقا لها بقلما ، إلا أن السير لما كان مجهول العدد غير معلوم المراتب صار بمنزلة ما ليس بواجب ، وعارضه سيبويه بقولهم : مررت غير مرة حتى أدخلها ؛ لأنهم كانوا يجيزون الرفع في هذه المسألة ، وفيه (غير مرة) الذي من أجله صار السير عندهم ليس معلوما ، وحكى الجرمي في (الفرخ) أن من العرب من ينصب بحتى في كل شيء ، قال أبو حيان : وهي لغة شاذة.

__________________

١٠١٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٨ ، ٢ / ٩٦٤ ، والكتاب ٣ / ١٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٢ ، ٣ / ٣٠١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٢.


ومن أحكام حتى أنها لا يفصل بينها وبين الفعل بشيء ، وجوز الأخفش وابن السراج فصلها بالظرف نحو : أقعد حتى عندك يجتمع الناس ، وبشرط ماض نحو : أصحبك حتى إن قدر الله أتعلم العلم.

وجوزه هشام بالقسم والمفعول والجار والمجرور نحو : وأصبر حتى إليك تجتمع الناس ، وأجاز الأخفش وابن مالك تعليقها قبل الشرط المذكور جوابه نحو : أصحبك حتى إن تحسن إلى أحسن إليك ، قال أبو حيان : ويعني بالتعليق هذا إبطال العمل ، قال : وذلك كما أجاز الكسائي ومن أخذ بمذهبه ذلك في (كي) نحو : جئت كي إن تكافئني أكافئك ، فيرد على الأخفش في (حتى) بما رد به على الكسائي في (كي) انتهى.

أو

(ص) وبعد (أو) بمعنى (إلى أن) أو (إلا أن) ، وقيل : النصب بها ، وقيل : بالخلاف ، ولا يفصل خلافا للأخفش.

(ش) النوع الثاني مما يضمر بعده (أن) حرف العطف وهو ثلاثة : أحدها : (أو) إذا وقعت موقع (إلى أن) ، أو (إلا أن) نحو : لألزمنك أو تقضيني حقي ، وقوله :

١٠١٨ ـ لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى

أي : إلى أن تقضيني حقي ، وإلا أن أدرك ، فإن لم يقع موقعهما لم يلزم الإضمار نحو:

١٠١٩ ـ ولو لا رجال من رزام أعزّة

وآل سبيع أو أسوءك علقما

وما ذكر من أن النصب بعد (أو) بإضمار أن هو مذهب البصريين ولذلك لا يتقدم معمول الفعل عليها ولا يفصل بينها وبين الفعل ؛ لأنها حرف عطف ، وذهب الفراء وقوم

__________________

١٠١٨ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٧٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٨ ، ٣ / ٢٩٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٨٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٠٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٦٨ ، وشرح قطر الندى ص ٦٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٦٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤١٧.

١٠١٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للحصين بن الحمام في خزانة الأدب ٣ / ٣٢٤ ، وشرح اختيارات المفضل ص ٣٣٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٤ ، وشرح المفصل ٣ / ٥٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١١ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٢٧٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٩ ، ٣ / ٢٩٦ ، والمحتسب ١ / ٣٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٣١.


من الكوفيين إلى أن الفعل انتصب بالخلاف ، أي : مخالفة الثاني للأول من حيث لم يكن شريكا له في المعنى ، ولا معطوفا عليه ، وذهب الكسائي وأصحابه والجرمي إلى أن الفعل انتصب بأو نفسها ، وذهب بعض النحويين إلى أن النصب هنا بمعنى ما وقع موقعه ؛ لأنه وقع موقع (إلى أن) أو (إلا أن) فانتصب كنصبه ، قال أبو حيان : وهذا ضعيف جدا ، ونقل ابن مالك عن الأخفش أنه جوز الفصل بين أو والفعل بالشرط نحو : لألزمنك أو إن شاء الله تقضيني حقي.

فاء السبب

(ص) وبعد فاء السبب جوابا لأمر ، خلافا لشذوذ لا اسم فعل ، وثالثها إن اشتق أو لنهي أو دعاء بفعل أصيل ، قال الكسائي : أو بخبر أو لاستفهام مطلقا ، وقيل : إن لم يكن عن المسند إليه ، وقيل : إن لم يتضمن وقوع الفعل فإن أخبر عن تاليه بغير مشتق فالرفع ، أو سبقه ظرف جاز ، أو قد يحذف السبب بعده ، وقيل : يختص بالإثبات أو للنفي مطلقا ، ومنه (قلما) و (قد) فيما حكي أو عرض أو تحضيض أو تمن ، قال الكوفية وابن مالك : أو رجاء أو غير أو كأن عارية من تشبيه ، وجوزوا سبق ذا الجواب سببه وتأخير معموله ، والجمهور لا ، ولا ينصب بعد جملة اسمية ، وثالثها ينصب بشرط وصف أو ظرف محل الفعل.

(ش) الثاني الفاء إذا كانت متضمنة معنى التسبيب وكانت هي ومدخولها جوابا لأحد أمور :

أحدها : الأمر نحو : اضرب زيدا فيستقيم ، قال أبو حيان : ولا نعلم خلافا في نصب الفعل جوابا للأمر إلا ما نقل عن العلاء بن سبابة ـ قالوا : وهو معلم الفراء ـ أنه كان لا يجيز ذلك ، وهو محجوج بثبوته عن العرب ، وأنشد سيبويه لأبي النجم :

١٠٢٠ ـ يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا

إلا أن يتأوله ابن سبابة على أنه من النصب في الشعر فيكون مثل قوله :

١٠٢١ ـ سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

__________________

١٠٢٠ ـ الرجز لأبي النجم في شرح التصريح ٢ / ٢٣٩ ، والمعجم المفصل ٣ / ١١٣٦ ، وتقدم الشاهد برقم (٧١٦).

١٠٢١ ـ البيت من الوافر ، وهو للمغيرة بن حبناء في خزانة الأدب ٨ / ٥٢٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٢ ، وتقدم الشاهد برقم (٢١٠).


قال : ولا يبعد هذا التأويل ، ولمنعه وجه من القياس وهو إجراء الأمر مجرى الواجب ، فكما لا يجوز ذلك في الواجب كذلك لا يجوز في الأمر ، ومن إجراء الأمر مجرى الواجب باب الاستثناء فإنه لا يجوز فيه البدل كما لا يجوز في الواجب ، وذلك بخلاف النفي والنهي فإنه يجوز فيهما ذلك ، وإلى هذا أشرت بقولي : (خلافا لشذوذ).

وصورة المسألة : أن يكون الأمر بصريح الفعل فإن دل عليه بخبر أو اسم فعل لم يجز النصب على الصحيح ؛ لأنه غير مسموع ، وجوزه الكسائي قياسا نحو : حسبك الحديث فينام الناس ، وصه فأحدثك ، وفصل ابن جني وابن عصفور فأجازا النصب بعد اسم فعل الأمر إذا كان مشتقا كنزال من النزول ، ودراك من الإدراك ، ورده بدر الدين بن مالك بأنه ليس في كونه مشتقا ما يسوغ تأوله بالمصدر فإن المصحح للنصب في نحو : نزال فأنزل هو صحة تأول فعل الأمر بالمصدر من قبل أن فعل الأمر يصح أن يقع في صلة أن بمصدر لها كما في نحو : أو عزت إليه بأن افعل ، ولا يصح ذلك في اسم الفعل المشتق من المصدر كما لا يصح في غير المشتق فلا فرق بينهما في امتناع نصب الجواب ، قال أبو حيان : والصواب أن ذلك لا يجوز ؛ لأنه غير مسموع من كلام العرب.

الثاني : النهي نحو : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ) [طه : ٦١] ، (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَ) [طه : ٨١].

الثالث : الدعاء بفعل أصيل في ذلك نحو : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا) [يونس : ٨٨].

١٠٢٢ ـ ربّ وفّقني فلا أعدل عن

سنن السّاعين في خير سنن

واحترز (بفعل) من الدعاء بالاسم نحو : سقيا لك ورعيا ، و (بأصيل) من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر نحو : رحم الله زيدا فيدخله الجنة ، وأجاز الكسائي نصبه.

الرابع : الاستفهام سواء كان بحرف نحو : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا)

__________________

١٠٢٢ ـ البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٩٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧١ ، وشرح قطر الندى ص ٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٧.


[الأعراف : ٥٣] ، أو باسم نحو : من يدعوني فأستجيب له؟ متى تسير فأرافقك؟ كيف تكون فأصحبك؟ أين بيتك فأزورك؟ قال أبو حيان : وزعم بعض النحويين أن الاستفهام إذا كان عن المقرض لا عن القرض فلا يصح النصب بعد الفاء على الجواب ، ومنع النصب في نحو : أزيد يقرضني فأسأله؟ وقال : لا يصح هذا الجواب ، قال : وهو محجوج بقراءة (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) [البقرة : ٢٤٥] بالنصب ، ووجه الدلالة من الآية أن الفعل وقع صلة فليس مستفهما عنه ولا هو خبر عن مستفهم عنه ، بل هو صلة للخبر ، وإذا جاز النصب بعد (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ ؛) لكونه في معنى (من يقرض) فجوازه بعد (من يقرض) و (أزيد يقرض فأسأله) أحرى وأولى.

وقيد ابن مالك الاستفهام بكونه لا يتضمن وقوع الفعل فإن تضمنه لم يجز النصب نحو : لم ضربت زيدا فيجازيك ؛ لأن الضرب قد وقع. قال أبو حيان : وهذا الشرط لم أر أحدا يشترطه ، وقال بدر الدين بن مالك : إن أباه اقتدى في هذه المسألة بما ذكره أبو علي في «الإغفال» ردا على الزجاج حيث قال في قوله تعالى : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) [آل عمران : ٧١] لو قال : (وتكتموا الحق) لجاز على معنى لم تجمعون بين ذا وذا؟ ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب انتهى.

قال أبو حيان : ورد أبي علي على الزجاج في هذا غير متوجه ، وإذا تقدم اسم غير اسم استفهام وأخبر عنه بغير مشتق نحو : هل أخوك زيد فأكرمه فالرفع ، ولا ينصب فإذا تقدمه ظرف أو مجرور نحو : أفي الدار زيد فتكرمه جاز النصب ؛ لأن المجرور ناب مناب الفعل ، وقد يحذف السبب بعد الاستفهام لدلالة الجواب عليه وفهم الكلام نحو : متى فأسير معكم ، أي : متى تسير جزم به ابن مالك في «التسهيل» ، ونقله أبو حيان عن الكوفيين ، ثم قال : وينبغي أن يكون في استفهام الاستثبات بأن يقول : القائل : أسير ، فتقول له : متى؟ فإنك لو اقتصرت على قولك : (متى) جاز ، بخلاف أن يكون ابتداء استفهام فإنه لا يجوز ، وإذا كان كذلك كان الفعل مدلولا عليه بسابق الكلام فكأنه ملفوظ به فيجوز بهذا المعنى.

الخامس : النفي سواء كان محضا نحو : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦] ، أم مؤولا بأن دخلت عليه أداة الاستفهام التقريري نحو : ألم تأتنا فتحدثنا ، ويجوز في هذا القسم أعني المؤول الجزم والرفع أيضا كقوله :


١٠٢٣ ـ ألم تسأل الرّبع القواء فينطق

ومن المؤول ما نقض بإلا نحو : ما تأتينا فتحدثنا إلا بخير ، قال أبو حيان : والتقليل المراد به النفي كالنفي في نصب جوابه نحو : قلما تأتينا فتحدثنا كما كان كذلك في مسألة (حتى) ، نحو : قلما سرت حتى أدخلها ، وذكر ابن سيده وابن مالك أنه ربما نفي بقد فنصب الجواب بعدها ، وحكى بعض الفصحاء : (قد كنت في خير فتعرفه) بالنصب ويريد ما كنت في خير فتعرفه.

السادس : العرض سمع ألا تقع الماء فتسبح ، أي : في الماء ، فحذف الحرف وعدى الفعل وقال الشاعر :

١٠٢٤ ـ يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما

قد حدّثوك فما راء كمن سمعا

السابع : التحضيض سمع هلا أمرت فتطاع ، وقال الشاعر :

١٠٢٥ ـ لو لا تعوجين يا سلمى على دنف

فتخمدي نار وجد كاد يفنيه

قال أبو حيان : والعرض والتحضيض مقاربان ، والجامع بينهما التنبيه على الفعل ، إلا أن التحضيض فيه زيادة تأكيد وحث على الفعل ، فكل تحضيض عرض ؛ لأنك إذا حضضته على فعل فقد عرضته عليه ، ولذلك يقال في (هلا) عرض ؛ إذ لا يخلو منه وألا مخففة لمجرد العرض.

الثامن : التمني نحو : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) [النساء : ٧٣] ، واختلف النحاة في الرجاء هل له جواب فينتصب الفعل بعد الفاء جوابا له ، فذهب البصريون إلى أن الترجي في حكم الواجب وأنه لا ينصب الفعل بعد الفاء جوابا له ، وذهب الكوفيون إلى جواز

__________________

١٠٢٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٣٧ ، والأغاني ٨ / ١٤٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٢٤ ، ٥٢٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٧٤ ، وشرح المفصل ٧ / ٣٦ ، ٣٧ ، ولسان العرب ١٠ / ١٦٤ ، مادة (سملق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٠٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٨٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٤.

١٠٢٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٣ ، ٣ / ٣٠٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٩٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧١ ، وشرح قطر الندى ص ٧٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٩.

١٠٢٥ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٤ ، ٣ / ٣٠٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٨.


ذلك ، قال ابن مالك : وهو الصحيح ؛ لثبوته في النثر والنظم ، قال تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) [عبس : ٣ ـ ٤] ، وقال : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر : ٣٦ ـ ٣٧] في قراءة من نصب فيهما ، وقال أبو حيان : يمكن تأويل الآيتين بأن النصب فيهما من العطف على التوهم ؛ لأن خبر لعل كثر في لسان العرب دخول أن عليه ، وفي شرح «كتاب سيبويه» لأبي الفضل الصفار : خالفنا الكوفيون في (غير) فأجازوا بعدها النصب ؛ لأن معناها النفي نحو : أنا غير آت فأكرمك ؛ لأن معناه ما أنا آت فأكرمك ، قال : وهذا لا يجوز ؛ لأن (غيرا) مع المضاف إليها اسم واحد ، و (ما) بخلافها ؛ لأنك تقدر بعدها المصدر فتقول : لكن كذا وما يكون كذا و (غير) لا يتصور فيها ذلك ؛ لأنها مع ما بعدها اسم فلا يفصل منها ويحذف لشيء آخر ؛ لأن في ذلك إزالة لوضعها.

وأشار بدر الدين بن مالك إلى أن أباه وافق الكوفيين في ذلك ، قال أبو حيان : وزعم الكوفيون أن (كأن) إذا خرجت عن التشبيه جاز النصب بعد الفاء نحو : كأني بزيد يأتي فتكرمه ؛ لأن معناه ما هو إلا يأتي فتكرمه ، قال : وهذا الذي قالوه لا يحفظه البصريون ولا يكون (كأن) أبدا للتشبيه ، وفي «التسهيل» يلحق بالنفي التشبيه الواقع موقعه نحو : كأنك وال علينا فتشتمنا ، تقديره ما أنت وال علينا فتشتمنا ، قال أبو حيان : وهذا شيء قاله الكوفيون ، قال ابن السراج : وليس بالوجه ، ومنع البصريون من تقدم هذا الجواب على سببيه ؛ لأن الفاء عندهم للعطف ، وجوز الكوفيون فيقال : ما زيد فنكرمه يأتينا ؛ لأن الفاء عندهم ليست للعطف ، فقولي : «وجوزوا» ، أي : الكوفية ، وجوز الكوفيون أيضا تأخير معمول السبب بعد الفاء والمنصوب نحو : ما زيد يكرم فنكرمه أخانا ، تريد ما زيد يكرم أخانا فنكرمه.

ومنع أكثر النحويين النصب بناء على أن الفاء عاطفة على مصدر متوهم فكما لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله فكذا لا يجوز بين (يكرم) ومعموله ؛ لأنه في تقدير المصدر ، وإن تقدمت جملة اسمية نحو : ما زيد قادم فتحدثنا ، فأكثر النحويين على أنه لا يجوز النصب ؛ لأن الاسمية لا تدل على المصدر وذهب طائفة إلى جوازه ، وقال أبو حيان : الصحيح الجواز بشرط أن يقوم مقام الفعل ظرف أو مجرور أو اسم فاعل أو مفعول ؛ ليدل ذلك على المصدر المتوهم نحو : ما أنت عندنا فنكرمك ، وما أنت منا فنحسن إليك ، وما زيد مكرم لنا فنكرمه ، وما زيد يكرم فنكرمه ، فإن كان اسما لا دلالة فيه على المصدر نحو : ما أنت زيد فنكرمه لم يجز النصب ويتعيّن القطع أو العطف ، والقطع أحسن ؛ لأن العطف


ضعيف لعدم المشاكلة من حيث إنه عطف جملة فعلية على اسمية ، قال : ويدلك على أن الجار والمجرور والظرف تجري مجرى الفعل في الدلالة على المصدر أن العرب نصبت بعد الجار والمجرور وجزمت الفعل بعد الظرف ووصلت الموصول وأدخلت الفاء في خبر (ما) الموصولة بالمجرور ، كما أدخلتها في خبرها إذا كانت موصولة بالفعل ، قال الفرزدق :

١٠٢٦ ـ ما أنت من قيس فتنبح دونها

وقال الآخر :

١٠٢٧ ـ مكانك تحمدي أو تستريحي

وقال تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣].

واو الجمع

(ص) وبعد واو الجمع جوابا لما مر ، وتوقف أبو حيان في الدعاء والعرض والتحضيض والرجاء ، وتميز بحلول مع والفاء بتقدير شرطها قبلها ، أو حالّ محلها.

(ش) الثالث الواو إذا كانت للجمع في الزمان أو المعية التي هي أحد محتملاتها وكانت هي ومدخولها جوابا للمواضع السابقة في الفاء.

مثال الأمر قوله :

١٠٢٨ ـ فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان

__________________

١٠٢٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣١٣ ، والرد على النحاة ص ١٢٤ ، والكتاب ٣ / ٣٣ ، ولسان العرب ١٢ / ٤٤١ ، مادة (غلصم) ، وبلا نسبة في المقتضب ٢ / ١٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٣.

١٠٢٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن الإطنابة في إنباه الرواة ٣ / ٢٨١ ، وحماسة البحتري ص ٩ ، والحيوان ٦ / ٤٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٩٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٢٨ ، وديوان المعاني ١ / ١١٤ ، وسمط اللآلي ص ٥٧٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٤٦ ، ومجالس ثعلب ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٦.

١٠٢٨ ـ البيت من الوافر ، وهو للأعشى في الرد على النحاة ص ١٢٨ ، والكتاب ٣ / ٤٥ ، وليس في ديوانه وللفرزدق في أمالي القالي ٢ / ٩٠ ، وليس في ديوانه ، ولدثار بن شيبان النمري في الأغاني ٢ / ١٥٩ ، وسمط اللآلي ص ٧٢٦ ، ولسان العرب ١٥ / ٣١٦ ، مادة (ندى) ، وللأعشى أو للحطيئة أو لربيعة بن جشم في شرح المفصل ٧ / ٣٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٧.


والنهي قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) [البقرة : ٤٢] ، وقول أبي الأسود :

١٠٢٩ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

والدعاء قولك : (رب اغفر لي ويوسّع عليّ في الرزق).

والاستفهام ما أنشده بعض النحاة قال أبو حيان : ولا أدري أهو مسموع أم مصنوع:

١٠٣٠ ـ أتبيت ريّان الجفون من الكرى

وأبيت منك بليلة الملسوع

والنفي قوله تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، أي : ولما يجتمع علم بالجهاد وعلم بالصبر.

والمؤول قول الحطيئة :

١٠٣١ ـ ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء

والعرض قولك : ألا تنزل وتصيب خيرا ، أي : ألا تجمع بين النزول وإصابة الخير.

والتحضيض قولك : هلّا تأتينا وتكرمنا ، أي : هلّا تجمع لنا بين إتياننا وإكرامنا؟

والتمني قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام : ٢٧] في قراءة من نصب.

والرجاء قولك : لعلي سأجاهد وأغنم ، قال أبو حيان : ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو بعد الدعاء والعرض والتحضيض والرجاء فينبغي ألا يقدم على ذلك إلا بسماع ، قال :

__________________

١٠٢٩ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ٤٠٤ ، والأزهية ص ٢٣٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٣١٠ ، وللمتوكل الليثي في الأغاني ١٢ / ١٥٦ ، وحماسة البحتري ص ١١٧ ، والعقد الفريد ٢ / ٣١١ ، والمؤتلف والمختلف ص ١٧٩ ، ولأبي الأسود أو للمتوكل في لسان العرب ٧ / ٤٤٧ ، مادة (عظظ) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٨٧.

١٠٣٠ ـ البيت من الكامل ، للشريف الرضي في ديوانه ١ / ٤٩٧ ، وحاشية الشيخ ياسين ١ / ١٨٤ ، وللشريف الرضي المرتضي في مغني اللبيب ٢ / ٦٦٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٦ ، ٣ / ٣٠٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٥٥.

١٠٣١ ـ البيت من الوافر ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ٥٤ ، والرد على النحاة ص ١٢٨ ، وشرح أبيات الكتاب ٢ / ٧٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٠٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٥٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٤ ، والكتاب ٣ / ٤٣ ، ومغني اللبيب ص ٦٦٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٧ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٦٨ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤.


ومقتضى كلام ابن مالك جواز ذلك مع التشبيه الواقع موقع النفي ومع المنفي بها ، ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب.

وتميز واو الجمع من الفاء بتحتم تقدير (مع) موضعها ، ولا ينتظم مما قبلها وما بعدها شرط وجزاء ، ألا ترى أن قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن لا ينتظم منه إن تأكل السمك تشرب اللبن ، ولا إن لا تأكل السمك تشرب اللبن ، بخلاف الفاء فإنها في جواب غير النفي أو في جواب النفي الذي تدخل عليه همزة الاستفهام للتقرير فينتظم منه شرط وجزاء ؛ لأن ما بعدها مسبب عما قبلها ، ألا ترى أن معنى (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ) [طه : ٦١] : إن افتريتم أسحتكم ، وكذا ليت لي مالا فأنفق منه ، معناه إن وجدت مالا أنفق منه. قال أبو حيان : وتلخص من ذلك أن قولهم تقع الواو في جواب كذا وكذا إنما هو على جهة المجاز لا الحقيقة ؛ لأنها إذا كانت بمعنى (مع) لا تكون جوابا ولا متهيأ مما هي منه أن ينتظم منه شرط وجزاء.

وتميز فاء الجواب من الواو بتقدير شرط قبلها كما مر ، أو حال مكانها وذلك أن هذه الفاء تقع إما قبل مسبب انتفى سببه ، فيصح حينئذ أن تقدر بشرط قبل الفاء ، كما إذا قصدت الإخبار بنفي الحديث ؛ لانتفاء الإتيان ، قلت : ما تأتينا فتحدثنا ، فيصح أن يقال : ما تأتينا وإن تأتنا تحدثنا ، وأما بين أمرين أريد نفي اجتماعهما فيصح أن يقدر حال مكانها ، فإذا قصدت أن تنفي اجتماع الحديث والإتيان فقلت : ما تأتينا فتحدثنا صح أن يقال : ما تأتينا محدثا ، فالنفي الداخل على الفعل المقيد بالحال لم ينفه مطلقا ، إنما نفاه بقيد حاله فهو نفي الجمع بينهما ، وذلك هو المقصود من النصب على أحد معنييه.

العطف بالفاء والواو وأو

(ص) وإذا عطف بهما أو بأو على فعل قبل أو قصد الاستئناف بطل إضمار أن ، وفيهما خلافها ، ورابعها : النصب بنيابهما عن الشرط ، وخامسها : بانتفاء موجب الرفع والجزم.

(ش) إذا عطف بالفاء والواو أو بأو على فعل قبل ، أي : قبل الفعل الذي ولي الفاء أو الواو ، أو قصد الاستئناف ، أي : القطع عن الفعل الذي قبله فيكون إذ ذاك الفعل خبرا لمبتدأ محذوف ، بطل إضمار أن ؛ لأن العطف يشرك الثاني مع الأول في رفعه أو نصبه أو جزمه ، والاستئناف إن كان بعد الواو والفاء فهو جزم في الإخبار ، وإن كان بعد (أو) ففيها نوع من الإضراب ؛ لأنك إذا قلت الزم زيدا أو يقضيك حقك وجعلته مستأنفا فالمعنى أو


هو يقضيك حقك ، أي : يقضيكه على كل حال سواء لزمته أم لم تلزمه ، فكأنه قال : بل يقضيك حقك ، وإذا عطف ما بعد الفاء والواو على ما يصح عليه العطف من الفعل قبلها لم يكن معنى العطف كمعنى النصب فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا بالرفع على معنى العطف على تأتينا فكل واحد من الفعلين مقصود نفيه ، وكأن أداة النفي منطوق بها بعد الفاء ، فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا بالنصب كان انتفاء الحديث مسببا عن انتفاء الإتيان ، وفي التنزيل : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦] ، وما ذكر من أن النصب بعد الفاء والواو بإضمار أن هو مذهب البصريين ، وفيهما المذهبان الآخران السابقان في أو وفي الفاء والواو مذهبان زائدان :

أحدهما : قاله ثعلب إنما نصبا ؛ لأنهما دلا على شرط ؛ لأن معنى هلّا تزورني فأحدثك ، إن تزرني أحدثك فلما نابت عن الشرط ضارعت (كي) فلزمت المستقبل وعملت عمله.

والثاني : قاله هشام إنه لما لم يعطف على ما قبله لم يدخله الرفع ولا الجزم ؛ لأن ما قبله من الفعل لا يخلو من أحد هذين ، ولما لم تستأنف بطل الرفع أيضا ، فلما لم يستقم رفع المستقبل معها ولا جزمه ؛ لانتفاء موجبهما لم يبق إلا النصب.

حذف الفاء

(ص) وتحذف الفاء فيجوز رفع تاليها حالا أو وصفا أو استئنافا ، وجزمه ، وهل هو بما قبلها مضمنا معنى الشرط ، أو نائبا عن جملته ، أو بأن ، أو اللام مضمرة ، أو مبني؟ أقوال ، ويجوز بعد أمر بخبر واسم ، والأصح منعه بعد نفي وبعد أمر ونهي لا يصلح إن تفعل وإلا تفعل ، وثالثها رديء ، ورابعها يجوز حملا على اللفظ لا الجواب.

(ش) تنفرد الفاء بأنها إذا حذفت جاز فيما بعدها أن يرفع إذا لم يرد بما قبله شرط مقصودا به الحال إن كان قبله ما يكون حالا منه نحو : ليت زيدا يقدم يزورنا ، أو النعت إن كان قبله ما يحتاج أن ينعت نحو : ليت لي مالا أنفق منه ، أو الاستئناف قال أبو حيان : وقوله تعالى : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) [طه : ٧٧] يحتمل الحال ويحتمل الاستئناف ، أي : غير خائف أو إنك لا تخاف ، وأن يجزم نحو:(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣١] ، (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٥٣] ، (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [النور : ٣٠] ، وتقول : (لا تعص الله يدخلك الجنة) ، رب وفقني أطعك ، ألا تنزل تصب خيرا ، ليت لي مالا أنفق


منه ، قال أبو حيان : وجزمه بعد الترجي غريب جدا ، والقياس يقبله قال الشاعر :

١٠٣٢ ـ لعلّ التفاتا منك نحوي ميسّر

يمل بك من بعد القساوة لليسر

وسواء في جواز الجزم بعد الأمر الصريح والمدلول عليه بخبر نحو : اتقّى الله امرؤ فعل الخير يثب عليه ، أي : ليتق ، أو اسم فعل نحو : حسبك الحديث ينم الناس ؛ لأن معناه اكتف ينم الناس ، ونزال أكرمك وعليك زيدا يحسن إليك ، قال أبو حيان : وقال بعض أصحابنا : الفعل الخبري لفظا الأمري معنى لا ينقاس إنما هو موقوف على السماع ، والمسموع اتقى الله امرؤ فعل الخير يثب عليه انتهى.

فإن لم يحسن إقامة (إن يفعل) مقام الأمر ، وإلا يفعل مقام النهي لم يجزم جوابهما مثاله أحسن إليّ لا أحسن إليك يرفع على الاستئناف ؛ لأنك لو قدرته إن تحسن إليّ لا أحسن إليك لم يناسب أن يكون شرطا وجزاء ؛ لأن مقتضى الإحسان لا يترتب عليه عدم الإحسان ، وكذلك لا تقرب الأسد يأكلك ؛ إذ لا يصح تقدير إلا تقرب الأسد يأكلك ، فيتعين الرفع هذا مذهب سيبويه وأكثر البصريين ، وجوز الكسائي الجزم فيهما ، ونسبه ابن عصفور للكوفيين ، وذكر أبو عمر الجرمي في (الفرخ) أنه يجوز على رداءة وقبح.

قال أبو حيان : وفيه مذاهب أخر أنه يجوز الجزم لا على أنه جواب ، بل حملا على اللفظ ؛ لأن الأول مجزوم ، وإلى هذا ذهب الأخفش ، أما النفي فلا يجوز الجزم بعده على الصحيح ؛ لأنه خبر محض فليس فيه شبه بالشرط كما في البواقي.

وعن أبي القاسم الزجاجي أنه أجاز الجزم في النفي ، وقال بعضهم : نختار فيه الرفع ، ويجوز الجزم وهو موافق لإطلاق بعضهم أن كل ما ينصب فيه بالفاء يجزم ، ولم يستثن النفي ، قال أبو حيان : ولم يرد بالجزم في النفي سماع من العرب وحيث جزم في البواقي فقال ابن مالك في شرح «الكافية» : هو بما قبلها من الأمر والنهي وسائرها على تضمن معنى الطلب معنى (إن) ، كما في أسماء الشرط نحو : من يأتني أكرمه فأغنى ذلك التضمين عن تقدير لفظها بعد الطلب ، قال : وهذا مذهب الخليل وسيبويه ، وقد رد ولده هذا المذهب فقال : تضمن هذه الأشياء معنى الشرط ضعيف ؛ لأن التضمين زيادة بتغير الوضع والإضمار زيادة بغير تغيير فهو أسهل ، ولأن التضمين لا يكون إلا لفائدة ، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط ؛ لأنه يدل عليه بالالتزام فلا فائدة في تضمينه بمعناه ،

__________________

١٠٣٢ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٠.


ورده أيضا ابن عصفور فقال : التضمين يقتضي أن يكون العامل جملة ، ولا يوجد عامل جملة في موضع من المواضع.

قال أبو حيان : وأقول إن التضمين لا يجوز أصلا ؛ لأن المضمن شيئا يصير له دلالة على ذلك الشيء بعد أن لم يكن له دلالة عليه مع إرادة مدلوله الأصلي ، فإذا قلت : من يأتني آته ، فمن ضمنت معنى الحرف ودلت على مدلولها من الاسم فصارت لها دلالتان دلالة مجازية وهي معنى إن ، ودلالة حقيقية وهي مدلول الشخص العاقل ، وأما هنا فقولك : ائتني أكرمك يكون فيه تضمين ائتني معنى إن تأتني فتضمنت معنى إن ومعنى الفعل المعمول لها ، وذلك معنى مركب ودلت على معناها الأصلي من الطلب وهو دلالته الحقيقية ، ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين إنما يكون التضمين لمعنى واحد ، ولا يقال : إنه تضمن معنى (إن) وحدها ؛ لأن فعل الطلب ليس قابلا لتضمن معنى (إن) ؛ لتنافيهما من حيث إن فعل الطلب يقتضي مدلوله من الطلب ، وإن يقتضي معناها أن يكون الفعل خبرا ، ولا يكون الشيء الواحد طلبا وخبرا انتهى.

وممن قال بالتضمين ابن خروف ، وذهب الفارسي والسيرافي إلى أن الجزم بهذه الأشياء لا على جهة التضمين ، بل على جهة أنها نابت مناب الشرط بمعنى أنه حذفت جملة الشرط وأنيبت هذه منابها في العمل ، ونظيره قولهم : ضربا زيدا ، فإن (ضربا) ناب عن اضرب ، فنصب زيدا لا أنه ضمن المصدر معنى فعل الأمر ، بل ذلك على طريق النيابة ، وكذا زيد في الدار أبوه ارتفع (أبوه) بالجار والمجرور ؛ لأنه ناب مناب كائن لا أنه ضمن معناه ، فيكون جزمه إذ ذاك ؛ لنيابته مناب الجازم لا لتضمن الجازم ؛ لأن الجازم بطريق التضمين جازم بحق الأصل ، وكذا تقول : الجازم في من يأتني أكرمه إنه هو لفظ اسم الشرط ، وهذا ما صححه ابن عصفور ، وذهب أكثر المتأخرين إلى أنه مجزوم بشرط مقدر بعد هذه الأشياء ؛ لدلالة ما قبل وما بعد عليه والتقدير مثلا : ائتني إن تأتني أكرمك.

قال أبو حيان : وهذا الذي نختاره ولا حاجة إلى التضمين ولا إلى النيابة ، قال : وقد حكى بعض أصحابنا مذهبا رابعا وهو أنه مجزوم بلام مقدرة ، فإذا قال : ألا تنزل تصب خيرا ، فمعناه لتصب خيرا ، قال : وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا يطرد في مواضع الجزم إلا بتجوز كثير ، وزعم الفراء والمازني والزجاج أن (يقيموا) في قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) [إبراهيم : ٣١] وشبهه مبني لوقوعه موقع (أقيموا) ، وهو معمول القول.

إضمار أن بعد الواو والفاء وغيرهما.


(ص) مسألة قد تضمر (أن) بعد واو وفاء ، قيل : وأو ، قيل : وثم بين شرط وجزاء أو بعدهما ، قال سيبويه : وبعد فعل شك ، قيل : وقسم ، قيل : وحصر بإنما ، فإن كان بإلا أو الفعل مثبتا خاليا من الشرط فضرورة ، ويرفع منفي بلا صالح لكي ، وجوز الكوفية وابن مالك جزمه اختيارا ، ويثلث معطوف على منصوب بعد جزاء.

(ش) ينصب الفعل بإضمار (أن) جوازا إذا وقع بين شرط وجزاء بعد الفاء والواو ، وزاد بعضهم بعد أو ، وزاد الكوفيون بعد (ثم) ، والأحسن التشريك في الجزم مثاله : إن تأتني فتحدثني أحسن إليك ، ومن يأتني ويحدثني أحسن إليه ، وإن تزرني أو تحسن إلي أحسن إليك ، وقرئ : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠] بالنصب ، وإنما كان التشريك في الجزم أحسن ؛ لأن العطف ؛ إذ ذاك يكون على ملفوظ به وهو الفعل السابق ، والنصب يكون العطف فيه على تقدير المصدر المتوهم من الفعل السابق ، وقولي : (بين شرط وجزاء) أحسن من قول «التسهيل» : بين مجزومي أداة شرط ؛ لأنه لا فرق في ذلك بين أن يكون فعلا الشرط مضارعين أو ماضيين ، ولا يلزم أيضا أن يكونا مذكورين ، بل لو كان الجزاء محذوفا جاز النصب كقوله :

١٠٣٣ ـ فلا يدعني قومي صريحا لحرّة

وإن كنت مقتولا ويسلم عامر

فقوله : ويسلم عامر واقع بين شرط مذكور وجزاء محذوف ، أي : فلا يدعني قومي لدلالة ما قبله عليه ، وكذا لو وقع ذلك بعد تمام الشرط والجزاء جاز نصبه ، والأحسن جزمه ويجوز رفعه أيضا استئنافا ، قال تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤] قرئ بجزم (يغفر) ونصبه ورفعه ، ومثله قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ) [البقرة : ٢٧١] قرئ (يكفر) بالثلاثة ، وإذا نصبت الفعل بعد فعل الجزاء وعطفت فعلا آخر فلك فيه أيضا الرفع والنصب والجزم نحو : إن تأتني أحسن إليك وأزورك وأكرم أخاك فيجوز رفع (أكرم) استئنافا ، ونصبه عطفا على لفظ (أزورك) ، وجزمه عطفا على موضعه ؛ لأنه يجوز فيه أن يكون مجزوما.

__________________

١٠٣٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لقيس بن زهير في الرد على النحاة ص ١٢٩ ، والكتاب ٣ / ٤٦ ، ولورقاء بن زهير العبسي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٤ ، وبلا نسبة في أمالي المرتضي ١ / ٤٨٠ ، وتذكرة النحاة ص ٣٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٣٠ ، ٣٣٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٦.


قال أبو حيان : وذهب بعض النحويين إلى أنه يجوز النصب بعد أفعال الشك نحو : حسبته شتمني فأثب عليه ؛ وذلك لأن الفعل غير المحقق قريب من المنفي فألحق به في النصب بعده ، قال : وقد اضطرب في هذه المسألة ابن عصفور فأجازه في شرح «القانون» ، ومنعه في شرح «الجمل» الكبير ، قال : والصحيح جواز ذلك وإليه ذهب سيبويه قال وزاد بعض أصحابنا من مواضع النصب بعد الفاء والواو النصب بعدهما ، بعد جواب القسم ؛ لأنه غير واجب وجوابه كجواب الشرط ، فما جاز فيه نحو : أقسم لتقوم فيضرب زيدا ، ولتقومن فتضربه ، قال هذا الذاهب : ولم يذكر سيبويه القسم ، وقياس قوله في الشرط يقتضيه على ضعيفه ، قال أبو حيان : وما ذهب إليه هذا الذاهب لا يجوز ؛ لأنه لم يسمع من كلام العرب على كثرة الأقسام على ألسنتهم ، بل المسموع أنك إذا عطفت على جواب القسم كان حكمه حكم الجواب ، فما جاز في الجواب جاز في المعطوف انتهى.

وزاد ابن مالك في مواضع النصب بعد الفاء والواو النصب بعدهما بعد حصر (بإنما) كقراءة ابن عامر (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧] بالنصب ، قال ابنه : وهذا نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة الشعر ، وغيره جعل الآية من جواب الأمر وهو (كن) وإن لم يكن أمرا في الحقيقة لكنه على صورته فعومل معاملته.

فإن كان الحصر بإلا نحو : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا لم يجز النصب إلا في ضرورة الشعر ، وكذا نصب الفعل الخبري المثبت الخالي من أداة الشرط ، قال سيبويه : وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ونصبه في الاضطرار من حيث النصب في غير الواجب ، ولك أن تجعل أن العاملة وأنشد على ذلك قوله :

١٠٣٤ ـ سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

قال ابن مالك : ويجوز في المنفي ب : (لا) الصالح قبلها (كي) الرفع والجزم سماعا عن العرب ، قال ابنه : فقول العرب : (ربطت الفرس لا تنفلت ، وأوثقت العبد لا يفر) حكى الفراء أن العرب ترفع هذا وتجزمه ، قال : وإنما جزم ؛ لأن تأويله إن لم أربطه ، فجزم على التأويل ، قال أبو حيان : وما ادعياه ولم يحكيا فيه خلافا خالفا فيه الخليل وسيبويه وسائر البصريين ، وفي شرح «الجمل» الصغير لابن عصفور : أجاز الكوفيون جزمه جوابا للفعل الواجب إذا كان سببا للمجزوم نحو : زيد يأتي الأمير لا يقطع اللص ، وهذا عندنا

__________________

١٠٣٤ ـ تقدم الشاهد برقم (٢١٠) ، (١٠٢٢).


يجب رفعه ولا يجزم إلا ضرورة ، وفي «كتاب سيبويه» : سألته ـ يعني الخليل ـ عن آتي الأمير لا يقطع اللص ، فقال : الجزاء ههنا خطأ لا يكون الجزاء أبدا حتى يكون الكلام الأول غير واجب ، إلا أن يضطر الشاعر ولا نعلم هذا جاء في الشعر البتة انتهى.

إضمار أن بعد لام كي جوازا

(ص) مسألة تضمر جوازا بعد لام كي ما لم تقترن بلا فيجب الإضمار ، وقال الكوفية : هي الناصبة ، وقال ثعلب : قيامها مقام أن ، وابن كيسان : تقدر أن أو كي ، وفتحها لغة ، وبعد عاطف فعل على اسم صريح واو أو فاء أو ثم أو (أو) ، ولا يحذف سوى ما مر إلا ندورا ، ولا يقاس في الأصح ، وقيل : يجوز ولا نصب.

(ش) الحال الثاني ما تضمر أن فيه جوازا وذلك في موضعين :

أحدهما : بعد لام الجر غير الجحودية نحو : جئت لأكرمك فالفعل منصوب بعد هذه اللام بأن مضمرة ويجوز إظهارها نحو : جئت لأن أكرمك ، وتسمى هذه اللام لام كي بمعنى أنها للسبب كما أن (كي) للسبب ، يعنون إذا كانت جارة تكون جارة وتكون ناصبة بمعنى (أن) ، ولا يعنون بذلك أن (كي) تقدر بعدها فتكون للنصب بإضمار (كي) لا بإضمار أن ، وإن كان يجوز أن ينطق ب : (كي) بعدها فتقول : جئت لكي أكرمك ؛ لأن (كي) لم يثبت إضمارها في غير هذا الموضع فحمل هذا عليه وإنما ثبت إضمار (أن) فلزم أن يكون المضمر هنا (أن).

وزعم أبو الحسن بن كيسان والسيرافي أنه يجوز أن يكون المضمر (أن) ويجوز أن يكون (كي) ، وحملهما على ذلك ما ذكرناه من أن العرب أظهرت بعدها (أن) تارة وكي تارة ، وزعم أهل الكوفة أن النصب في الفعل بهذه اللام نفسها كما زعموا ذلك في لام الجحود المتقدمة ، وأن ما ظهر بعدها من أن وكي هو مؤكد لها وليست لام الجر التي تعمل في الأسماء لكنها لام تشتمل على معنى كي ، فإذا رأيت (كي) مع اللام فالنصب للام وكي مؤكدة ، وإذا انفردت (كي) فالعمل لها.

وزعم ثعلب أن اللام بنفسها تنصب الفعل كما قال الكوفيون إلا أنه قال : لقيامها مقام (أن) ، قال أبو حيان : وذلك باطل ؛ لأنه قد ثبت كونها من حروف الجر ، وعوامل الأسماء لا تعمل إلا في الأسماء ، فإن اقترن الفعل ب : (لا) بعد اللام تعين الإظهار كقوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] ، قال أبو حيان : وسواء كانت لا نافية أو زائدة.


ولا يجوز الفصل بين لام كي والفعل المنصوب إلا بها ، وإنما ساغ ذلك ؛ لأنها حرف جر ، و (لا) قد يفصل بها بين الجار والمجرور في فصيح الكلام نحو : غضبت من لا شيء ، وجئت بلا زاد ، ويلزم إذ ذاك إظهار أن ليقع الفصل بين المتماثلين ؛ لأنهم لو قالوا : جئت للا تغضب كان في ذلك قلق في اللفظ ونبوة في النطق ، فتجنبوه بإظهار (أن).

وحكم لام كي الكسر وفتحها لغة تميم.

الموضع الثاني : بعد عطف بالواو أو الفاء أو ثم أو (أو) على اسم صريح كقوله :

١٠٣٥ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشّفوف

وقوله :

١٠٣٦ ـ لو لا توقّع معترّ فأرضيه

ما كنت أوثر إترابا على ترب

وقوله :

١٠٣٧ ـ إنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله

كالثّور يضرب لما عافت البقر

وقوله : تعالى (إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ) [الشورى : ٥١] ، وشمل الاسم المصدر وغيره كقوله :

١٠٣٨ ـ ولو لا رجال من رزام أعزّة

وآل سبيع أو أسوءك علقما

__________________

١٠٣٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب ٨ / ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٧٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٠٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥٣ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٠٨ ، مادة (مسن) ، والمحتسب ١ / ٣٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨١.

١٠٣٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٩٤ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٠٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١٢.

١٠٣٧ ـ البيت من البسيط ، وهو لأنس بن مدركة في الأغاني ٢٠ / ٣٥٧ ، والحيوان ١ / ١٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٤ ، ولسان العرب ٤ / ١٠٩ ، مادة (ثور) ، ٨ / ٣٨٠ ، مادة (وجع) ، ٩ / ٢٦٠ ، مادة (عيف) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٩٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٦٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧١ ، ٣ / ٣١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٣.

١٠٣٨ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٢٠).


واحترز بالصريح من العطف على المصدر المتوهم فإنه يجب فيه إضمار (أن) كما تقدم.

ولا تنصب (أن) محذوفة في غير المواضع المذكورة إلا نادرا ، وذهب جماعة إلى أنه يجوز حذفها في غير المواضع المذكورة ، ثم اختلف هؤلاء فذهب أكثرهم إلى أنه يجب رفع الفعل إذا حذفت ، وعليه أبو الحسن وجعل منه قوله :

١٠٣٩ ـ ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

يريد أن أحضر ، قيل : ومنه قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] ، أي : أن أعبد ، ووجهه أن العامل إذا نسخ عاملا وحذف رجع الأول ؛ لأن لفظه هو الناسخ ، وذهب أبو العباس إلى أنه إذا حذفت (أن) بقي عملها قال : لأن الإضمار لا يزيل العمل كما في (رب) وأكثر العوامل ، وأنشد عليه ما روي في البيت السابق أحضر بالنصب وقوله :

١٠٤٠ ـ وهمّ رجال يشفعوا لي فلم أجد

شفيعا إليه غير جود يعادله

وقوله :

١٠٤١ ـ ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله

وحكي من كلامهم : خذ اللص قبل يأخذك ، ومره يحفرها ، وقرأ الحسن : (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] ، وقرأ الأعرج : (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] ، واختلف النحاة في القياس على ما سمع من ذلك فذهب الكوفيون وبعض البصريين إلى القياس عليه ، قال أبو حيان : والصحيح قصره على السماع ؛ لأنه لم يرد منه إلا ما ذكرناه وهو نزر فلا ينبغي أن يجعل ذلك قانونا كليا يقاس عليه ، فلا يجوز الحذف وإقرار الفعل منصوبا ولا مرفوعا ، ويقتصر في ذلك على مورد السماع.

__________________

١٠٣٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٣٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٣).

١٠٤٠ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٨.

١٠٤١ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ملحق ديوانه ص ٤٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٣ ، وتقدم الشاهد برقم (١٣٢).


خاتمة

(ص) خاتمة ترد (أن) زائدة وليست المخففة ولا تفيد غير توكيد على الأصح فيهما بعد (لما) وبين قسم ولو ، وزعمها ابن عصفور رابطة ، وسيبويه في قول موطئة ، وأبو حيان مخففة ، وشذوذا بعد كي ، وقاسه الكوفية ، وكاف الجر وإذا ومفسرة ، وأنكرها الكوفية بين جملتين في الأولى معنى قول لا لفظه ، قيل : أو لفظه عارية من جار ، فإن وليها مضارع مثبت جاز رفعه ونصبه ، أو مع لا جازا والجزم ، قال الكوفية والأصمعي : وشرطية ، قيل : ونافية ، قيل : وبمعنى لئلا ، قيل : وإذ مع الماضي ، قيل : والمضارع.

(ش) لما انقضى الكلام في أحكام (أن) الناصبة للمضارع وكان لفظا مشتركا بين المصدرية والزائدة والتفسيرية وغير ذلك على ما ذهب إليه بعضهم ، تمم الكلام وختم الباب بذكر بقية مواضعها وهي ستة :

أحدها : الزيادة ، وأن الزائدة حرف ثنائي بسيط مركب من الهمزة والنون فقط ، وذهب بعضهم إلى أنها هي الثقيلة خففت فصارت مؤكدة ، قال أبو حيان : ولا تفيد عندنا غير التأكيد ، وزعم الزمخشري أنه ينجر مع إفادة التوكيد معنى آخر فيقال في قوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ) [العنكبوت : ٣٣] : دخلت (أن) في هذه القصة ولم تدخل في قصة إبراهيم في قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً) [هود : ٦٩] تنبيها وتأكيدا في أن الإساءة كانت تعقب المجيء ، فهي مؤكدة للاتصال واللزوم ، ولا كذلك في قصة إبراهيم ؛ إذ ليس الجواب فيه كالأول ، وقال الأستاذ أبو علي : دخلت منبهة على السبب وأن الإساءة كانت لأجل المجيء ؛ لأنها قد تكون للسبب في قولك : جئت أن تعطي ، أي : للإعطاء ، قال أبو حيان : وهذا الذي ذهب إليه لا يعرفه كبراء النحويين ، ومواقع زيادتها بعد لما كالآية ، وبين القسم ولو كقوله :

١٠٤٢ ـ أما والله أن لو كنت حرّا

__________________

١٠٤٢ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٢١ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٤١ ، ١٤٣ ، ١٤٥ ، ١٠ / ٨٢ ، والجنى الداني ص ٢٢٢ ، وجواهر الأدب ص ١٩٧ ، ورصف المباني ص ١١٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١١١ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٠٩ ، والمقرب ١ / ٢٠٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٣.


وزعم ابن عصفور في «المقرب» أنها حرف يربط جملة القسم بجملة المقسم عليه ، والذي نص عليه سيبويه أنها زائدة ، ونص في موضع آخر على أنها بمنزلة لام القسم الموطئة ، وقال أبو حيان : الذي يذهب إليه في (أن) هذه غير هذه المذاهب الثلاثة ، وهو أنها المخففة من الثقيلة وهي التي وصلت ب : (لو) ، كقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) [الجن ١٦] ، وتقديره أنه إذا قيل : أقسم أن لو كان كذا لكان كذا ، فمعناه أقسم أنه لو كان كذا لكان كذا ، ويكون فعل القسم قد وصل إليها على إسقاط حرف الجر ، أي : أقسم على أنه لو كان فصلاحية أن المشددة مكانها يدل على أنها مخففة منها وتزاد شذوذا بعد (كي) ، وقاسه الكوفيون نحو : جئت لكي أن أكرمك ، قالوا : ولا موضع ل : (أن) ؛ لأنها مؤكدة للام كما أكدتها كي ، وبعد كاف الجر كقوله :

١٠٤٣ ـ ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم

وبعد إذا كقوله :

١٠٤٤ ـ فأمهله حتى إذا أن كأنّه

معاطي يد في لجّة الماء غامر

الموضع الثاني : التفسير أثبته البصريون ، وأنكر الكوفيون كون ذلك من معانيها وهي عندهم الناصبة للفعل ، قال أبو حيان : وليس ذلك بصحيح ؛ لأنها غير مفتقرة إلى ما قبلها ، ولا يصح أن تكون المصدرية إلا بتأويلات بعيدة ، والكلام على مذهب البصريين فنقول : أجريت أن في التفسير مجرى ، أي : لكن تفارقها في أنها لا تدخل على مفرد ، لا يقال : مررت برجل أن صالح ، وكأنهم أبقوا عليها ما كان لها من الجملة وهي في هذا غير مختصة بالفعل ، بل تكون مفسرة للجملة الاسمية والفعلية نحو : كتبت إليه أن افعل وأرسل إليه أن ما أنت وهذا ، ومنه : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) [الأعراف : ٤٣] ، ول : (أن) التفسيرية شرطان :

أحدهما : أن تكون مفسرة لما يتضمن القول أو يحتمله ، لا لقول مصرح به أو محذوف أو فعل متأول بمعنى القول ، فإن صرح بالقول خلصت الجملة للحكاية دون (أن)،

__________________

١٠٤٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لعلباء بن أرقم في الأصمعيات ص ١٥٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٣ ، وتقدم الشاهد برقم (٥٤٠).

١٠٤٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر في ديوانه ص ٧١ ، وفيه «غارف» مكان «غامر» ، وشرح شواهد المغني ١ / ١١٢ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٢٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٣١ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٤ ، وشرح الرضي ٤ / ١١٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٦.


وكذلك إن كان القول منويا وتقدم فعل مؤول به ، لكنه إذا لم يتأول كانت أن داخلة للتفسير ، بخلاف المصرح والمقدر فإنها تجيء بعده (أن) ، وذكر ابن عصفور في شرح «الجمل» الصغير أنّ أن تأتي تفسيرا بعد صريح القول ، وفي «البسيط» : اختلف في تفسير صريح القول فأجازه بعضهم وحمل عليه قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] ، ومنهم من يمنع في الصريح ويجيز في المضمر كقولك : كتبت إليه أن قم.

الشرط الثاني : ألا تتعلق بالأول لفظا فلا تكون معمولة ولا مبنية على غيرها ، ولذلك لم تكن تفسيرية في قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) [يونس : ١٠] ؛ لأنها واقعة خبرا للمبتدأ ، ولا في قولهم : كتبت إليه بأن قم ؛ لأنها معمولة لحرف الجر ، فإن لم تأت بحرف الجر جاز فيها الوجهان ، وإن ولي (أن) الصالحة للتفسير مضارع مثبت نحو :أو حيث إليه أن يفعل كان فيه الرفع على أنها حرف تفسير ، والنصب على أنها مصدرية ، أو معه (لا) نحو : أشرت إليه أن لا يفعل كان فيه الأمران لما ذكر ، والجزم أيضا على النهي وتكون (أن) فيه تفسيرا.

الموضع الثالث : الشرط بمعنى (إن) أثبته الكوفيون والأصمعي واستدلوا بقوله :

١٠٤٥ ـ أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا

جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم

قالوا : لصحة وقوع (أن) موقعها وامتناع أن تكون أن الناصبة ؛ لأنها لا تفصل بين الفعل أو المخففة ؛ لأنه لم يتقدم عليها فعل تحقيق ولا شك ، وقال الخليل : بل هي الناصبة ، وقال المبرد : هي المخففة من الثقيلة على تقدير أتغضب من أجل أنه أذنا ، ثم حذف الجار وخفف.

الرابع : النفي أثبته بعضهم وخرج عليه : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) [آل عمران : ٧٣] ، أي : لا يؤتى ، وأنكره الجمهور.

الخامس : بمعنى لئلا أثبته بعضهم وخرج عليه (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء:

__________________

١٠٤٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣١١ ، والأزهية ص ٧٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٠ ، ٩ / ٧٨ ، ٨٠ ، ٨١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٨٦ ، والكتاب ٣ / ١٦١ ، ومراتب النحويين ص ٣٦ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٢١٨ ، والجنى الداني ص ٢٢٤ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٨.


١٧٦] ، أي : لئلا تضلوا ، قال أبو حيان : والصحيح المنع وتأويل الآية كراهة أن تضلوا.

السادس : بمعنى إذ أثبته بعضهم مع الفعل الماضي ، قيل : ومع الفعل المضارع ، وجعل منه قوله تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) [ق : ٢] ، وقوله تعالى : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة : ١] أي : إذ آمنتم.

قال أبو حيان : وهذا ليس بشيء ، بل (أن) في الآيتين مصدرية والتقدير بل عجبوا لأن جاءهم ، وكذلك (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة : ١].

وقد انقضى القول في شرح الكتاب الثاني من كتابنا «جمع الجوامع» وهذا القدر إلى هنا نصف الكتاب ، واعلم أني لما شرعت في شرحه كنت بدأت أولا بشرح النصف الثاني ، فكتبت من أول الكتاب الثالث إلى بناء جمع التكسير على طريقة المزج ، ثم بدا لي أن أغير الأسلوب فشرحت من أوله على النمط المتقدم ، وكان في نيتي الاستمرار على هذه الطريقة إلى آخر الكتاب وإلغاء القطعة التي كتبتها أولا ممزوجة ، ثم لما ضاق الزمان عن ذلك أبقيت كل قطعة على حكمها ، وضممت هذه القطعة إلى تلك ووصلت بينهما ولا يضير كون الشرح على أسلوبين نصفه بلا مزج ونصفه ممزوج ، ونعود هناك إن شاء الله تعالى إلى تكملة بقية الكتاب من جمع التكسير إلى آخره على طريقة أوله والله الموفق.

***



الكتاب الثالث :

في المجرورات وما حمل عليها وهي المجزومات

وما يستتبعها من ذكر أدوات الشرط غير الجازمة ، وما استطرد إليه من ذكر بقية حروف المعاني المرتبة على حروف المعجم ، وآخرها نون التوكيد ، وعقب بخاتمة في التنوين.

المجرورات

(الجر إما بحرف أو إضافة) لا ثالث لهما ، ومن زاد التبعية فهو رأي الأخفش مرجوح عند الجمهور كما سيأتي.

فإن قلت : الجر بالإضافة أيضا رأيه وهو مرجوح! قلت : نعم ولكن المراد الجر الكائن بسببها أو فيها على رأي سيبويه من أن الجار المضاف ، وعلى رأي ابن مالك أنه الحرف المقدر لا جارّ سواه.

الحروف

(الحروف) أي : هذا مبحث حروف الجر ، وسميت به قال ابن الحاجب : لأنها تجر معنى الفعل إلى الاسم ، وقال الرضي : بل لأنها تعمل إعراب الجر ، كما قيل : حروف النصب وحروف الجزم ، وكذا قال الرضي ، وتسميها الكوفيون حروف الإضافة ؛ لأنها تضيف الفعل إلى الاسم ، أي : توصله إليه وتربطه به ، وحروف الصفات ؛ لأنها تحدث صفة في الاسم ، فقولك : جلست في الدار ، دلت (في) على أن الدار وعاء للجلوس ، وقيل : لأنها تقع صفات لما قبلها من النكرات ، وإنما عملت لما تقدم من اختصاصها بما دخلت عليه فأشبهت الفعل ولم تعمل رفعا ؛ لأنه إعراب العمد ومدخولها فضلة ، ولا نصبا ؛ لأن محل مدخولها نصب بدليل الرجوع إليه في الضرورة ولو نصبت لاحتمل أنه بالفعل ، ودخل الحرف لإضافة معناه إلى الاسم كما في ما ضربت إلا زيدا فتعين عملها الجر.


إلى

(إلى) له معان فيكون (لانتهاء الغاية مطلقا) أي : زمانا نحو : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] ، ومكانا نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] ، قال الرضي : ومعنى قولهم : انتهاء الغاية وابتداؤها نهايتها ومبدؤها ، (قال ابن مالك) في «التسهيل» : (والتبيين) ، قال في شرحه : وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف : ٣٣] ، قال : (وبمعنى في) أي : الظرفية ؛ لقوله تعالى (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [النساء : ٨٧] ، أي : فيه ، وذكره جماعة في قوله :

١٠٤٦ ـ فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني

إلى الناس مطليّ به القار أجرب

قال (و) بمعنى (اللام) نحو : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) [النمل : ٣٣] ، أي : لك ، وقيل : هي لانتهاء الغاية ، أي : منته إليك (و) قال (الكوفية) وطائفة من البصرية : (و) بمعنى (مع) أي : المعية ، وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر في الحكم به أو عليه أو التعلق كقوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] ، وقوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ، وقولهم : (الذود إلى الذود إبل) ، ولا يجوز إلى زيد مال تريد مع زيد مال ، قال الرضي : والتحقيق أن (إلى) هذه للانتهاء ، فقوله : (إِلَى الْمَرافِقِ ،) أي : مضافة إليها ، والذود إلى الذود ، أي : مضافة إلى الذود ، وقال غيره : وما ورد من ذلك مؤول على تضمّن العامل وإبقاء إلى على أصلها ، والمعنى في قوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) من يضيف نصرته إلى نصرة الله ، و (إلى) حينئذ أبلغ من (مع) ؛ لأنك لو قلت : من ينصرني مع فلان لم يدل على أن فلانا وحده ينصرك ، وقيل : التقدير من ينصرني حال كوني ذاهبا إلى الله ، (و) بمعنى (من) كقوله :

١٠٤٧ ـ تقول وقد عاليت بالكور فوقها :

أيسقى فلا يروى إليّ ابن أحمرا

__________________

١٠٤٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٧٣ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٦ ، والأزهية ص ٢٧٣ ، والجنى الداني ص ٣٨٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٦٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٢٢٣ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٣٥ ، مادة (إلى) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٧٩٨ ، وجواهر الأدب ص ٣٤٣ ، ورصف المباني ص ٨٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ، ومغني اللبيب ص ٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٣.

١٠٤٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لابن أحمر في ديوانه ص ٨٤ ، وأدب الكاتب ص ٥١١ ، والجنى الداني ص ٣٨٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢٥ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢٥.


أي : مني ، (و) بمعنى (عند) كقوله :

١٤٠٨ ـ أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره

أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل

أي : أشهى عندي ، كذا مثل ابن مالك وابن هشام في «المغني» ، ونازعه ابن الدماميني بأنه تقدم أن المتعلقة بما يفهم حبا أو بغضا من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين ، فعلى هذا تكون (إلى) في البيت مبينة لفاعلية مجرورها لا قسما آخر.

وأجاب شيخنا الإمام الشمني بأن تلك شرطها كون التعجب والتفضيل من نفس الحب والبغض وهي هنا متعلقة بتفضيل من الشهوة ، (و) قال أبو الحسن (الأخفش : و) بمعنى (الباء) نحو : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) [البقرة : ١٤] ، أي : بشياطينهم ، (و) قال (الفراء) : تكون (زائدة) للتوكيد كقوله تعالى : (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم : ٣٧] بفتح الواو ، أي : تهواهم ، وغيره خرجها على تضمين تهوي معنى تميل ، أو على أن الأصل تهوي بالكسر فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كما قيل في (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق : ١٦] : ناصاة ، ذكره ابن مالك.

قال ابن هشام : وفيه نظر ؛ لأن شرط هذه اللغة تحرك الياء في الأصل ، وأجاب ابن الصائغ بأن أصل هذه الياء الحركة وسكونها عارض للاستثقال.

الباء

(الباء مكسورة) مطلقا (وقيل : تفتح مع الظاهر) فيقال : بزيد ، قال أبو حيان : حكاه أبو الفتح عن بعضهم (للإلصاق) ويقال : الإلزاق ، قال في شرح «اللب» : وهو تعلق أحد المعنيين بالآخر ، قال أبو حيان : قال أصحابنا : هي نوعان :

أحدهما : الباء التي لا يصل الفعل إلى المفعول إلا بها نحو : سطوت بعمرو ، ومررت بزيد ، قال : والإلصاق في مررت بزيد مجاز لما التصق المرور بمكان بقرب زيد جعل كأنه ملتصق بزيد.

__________________

١٠٤٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي كبير الهذلي في أدب الكاتب ص ٥١٢ ، والجنى الداني ص ٣٨٩ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٦٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢٦ ، ولسان العرب ١١ / ٣٤٣ ، مادة (سلسل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥ / ٢٣٧ ، والاشتقاق ص ٤٧٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٥.


والآخر : الباء التي تدخل على المفعول المنتصب بفعله إذا كانت تفيد مباشرة الفعل للمفعول نحو : أمسكت بزيد ، الأصل أمسكت زيدا فأدخلوا الباء ؛ ليعلموا أن إمساكك إياه كان بمباشرة منك له ، بخلاف نحو : أمسكت زيدا بدون الباء فإنه يطلق على المنع من التصرف بوجه ما من غير مباشرة ، قيل : والإلصاق معنى لا يفارق الباء ولهذا لم يذكر لها سيبويه معنى غيره ، زاد غيره (والتعدية) وتسمى باء النقل أيضا ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا ، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد وأذهبته ، ومنه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] ، وقد تكون مع المتعدي نحو : (دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [الحج : ٤٠] ، وصككت الحجر بالحجر ، والأصل : دفع بعض الناس بعضا ، وصك الحجر الحجر.

(والسببية والاستعانة) جمع بينهما ابن مالك في «الألفية» وابن هشام في «المغني» ، وفسر الثانية بالداخلة على آلة الفعل نحو : كتبت بالقلم ، ومثل الأولى بنحو (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤] : وقال الرضي : السببية فرع الاستعانة ولذا اقتصر عليها ـ أعني الاستعانة ـ ابن مالك في «الكافية» الكبرى ، وحذف السببية ، وعكس في «التسهيل» فاقتصر على السببية ، وقال في شرحه : باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معد لها مجازا نحو : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : ٢٢] ، فلو قصد إسناد الإخراج إلى الماء ، وقيل : أنزل ماء أخرج من الثمرات رزقا لصح وحسن لكنه مجاز والآخر حقيقة ، ومنه كتبت بالقلم وقطعت بالسكين فإنه يصح أن يقال : كتب القلم وقطع السكين ، والنحويون يعبرون عن هذه الباء بباء الاستعانة ، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إليه تعالى فإن استعمال السببية فيها يجوز واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز انتهى.

وقال أبو حيان : ما ذهب إليه ابن مالك من أن باء الاستعانة مدرجة في باء السببية قول انفرد به ، وأصحابنا فرقوا بين باء السببية وباء الاستعانة فقالوا : باء السببية هي التي تدخل على سبب الفعل نحو : مات زيد بالحب وبالجوع ، وحججت بتوفيق الله ، وباء الاستعانة هي التي تدخل على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله الذي هو آلة نحو : كتبت بالقلم ، ونجرت الباب بالقدوم ، وبريت القلم بالسكين ، وخضت الماء برجلي ؛ إذ لا يصح جعل القلم سببا للكتابة ، ولا القدوم سببا للنجارة ، ولا السكين سببا للبري ، ولا الرجل سببا للخوض ، بل السبب غير هذا.


(والظرفية) وهي التي يحسن موضعها (في) نحو : (نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) [آل عمران : ١٢٣] ، (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤].

(والمصاحبة) وهي كما قال ابن مالك : التي يحسن موضعها (مع) ويغني عنها وعن مصحوبها الحال نحو : (اهْبِطْ بِسَلامٍ) [هود : ٤٨] ، أي : مع سلام ، (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) [النساء : ١٧٠] ، أي : مع الحق ومحقا ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [النصر : ٣] ، أي : مع حمده وحامدا ، وهذه المعاني الخمسة تجامع الإلصاق كما نقله أبو حيان عن الأصحاب ، وضم إليها باء القسم ولذا ذكرتها متوالية خلاف صنيع «التسهيل».

(والغاية) نحو : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) [يوسف : ١٠٠] ، أي : إلي ، (وكذا البدل) وهي التي يحسن موضعها بدل ، (والتبعيض) وهي التي يحسن موضعها (من) (على الصحيح) فيهما ، مثال الأول قول عمر رضي‌الله‌عنه : كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا (١) ، أي : بدلها ، وقول الحماسي :

١٠٤٩ ـ فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا

ومثال الثاني قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] ، أي : منها ، وقوله :

١٠٥٠ ـ شربن بماء البحر

وقول الآخر :

١٠٥١ ـ شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج

وهذا المعنى أثبته الكوفيون والأصمعي والفارسي والعتبي وابن مالك ، والأول وهذا المعنى أثبته الكوفيون والأصمعي والفارسي والعتبي وابن مالك ، والأول

__________________

١٠٤٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لقريط بن أنيف في خزانة الأدب ٦ / ٢٥٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٧٥٩).

١٠٥٠ ـ ذكر في نسخة العلمية بدون شرح.

١٠٥١ ـ البيت من الكامل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٨٨ ، والأغاني ١ / ١٨٤ ، وجمهرة اللغة ١١٣٣ ، ولجميل بثينة في ملحق ديوانه ٢٣٥ ، ولجميل أو لعمر في البداية والنهاية ٩ / ٤٧ ، ولسان العرب ٢ / ٢٣٧ ، مادة (حشرج) ١٢ / ٥٣٣ ، مادة (لثم) ، ولعبيد بن أوس الطائي في الحماسة البصرية ٢ / ١١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٩.

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء (١٤٩٨).


المتأخرون ، وأنكرهما جماعة وقالوا في أمثلة الأول : الباء للسببية ، وأولوا أمثلة الثاني بأن (يشرب) و (شربن) و (شرب) ضمن معنى يروى ونحوه ، وقيل : المعنى يشرب بها الخمر كما تقول : شربت الماء بالعسل ، قال بعضهم : ولو كانت الباء للتبعيض لصح زيد بالقوم تريد من القوم وقبضت بالدراهم ، أي : من الدراهم.

(قال ابن مالك) في «التسهيل» : (والتعليل) قال في شرحه : وهي التي يحسن موضعها اللام غالبا نحو : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) [القصص : ٢٠].

قال : واحترزت بقولي : «غالبا» من قول العرب : غضبت لفلان إذا غضبت من أجله وهو حي ، وغضبت به إذا غضبت من أجله وهو ميت ، قال أبو حيان : ولم يذكر أصحابنا هذا المعنى ، وكأن التعليل والسبب عندهم شيء واحد ، قال : ويدل لذلك أن المعنى الذي سمى به باء السبب موجود في باب التعليل ؛ لأنه يصلح أن ينسب الفعل لما دخلت عليه باء التعليل كما يصح ذلك في باء السبب فتقول : ظلم أنفسكم اتخاذكم العجل ، وأما (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) [القصص : ٢٠] فالباء فيه ظرفية ، أي : يأتمرون فيك ، أي : يتشاورون في أمرك لأجل القتل انتهى. وهذا هو الحق.

قال أيضا : (والمقابلة) قال : وهي الداخلة على الأعواض والأثمان ، قال : وقد تسمى باء العوض نحو : اشتريت الفرس بألف ، وكافأت الإحسان بضعف ، والظاهر أنها داخلة في باء البدل ، (و) قال (الكوفية : وبمعنى على) أي : الاستعلاء ، وجزم به ابن مالك نحو : (إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) [آل عمران : ٧٥] ، أي : عليه ، بدليل (إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ) [يوسف : ٦٤] ، (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) [المطففين : ٣٠] ، أي : عليهم بدليل (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) [الصافات : ١٣٧].

١٠٥٢ ـ أربّ يبول الثّعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب

قالوا : (و) بمعنى (عن ، وفي اختصاصها بالسؤال خلاف) فقيل : تختص به ، وظاهر

__________________

١٠٥٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للعباس بن مرداس في ملحق ديوانه ص ١٥١ ، وللعباس أو لغاوي بن ظالم السّلمي ، أو لأبي ذر الغفاري في لسان العرب ١ / ٢٣٧ ، مادة (ثعلب) ، ولراشد بن عبد ربه في شرح شواهد المغني ص ٣١٧ ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ١٠٣ ، ٢٩٠ ، وجمهرة اللغة ص ١١٨١ ، ومغني اللبيب ص ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٢.


كلام أبي حيان أن الكوفية كلهم عليه كقوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] بدليل (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) [الأحزاب : ٢٠] ، وقول علقمة :

١٠٥٣ ـ فإن تسألوني بالنّساء فإنني

بصير بأدواء النّساء طبيب

وقيل : لا ، وعليه ابن مالك نحو : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد :١٢] ، (تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥] ، والبصرية أنكروا هذا المعنى وأولوا الآية والبيت على أن المعنى اسأل بسببه خبيرا وبسبب النساء لتعلموا حالهن ، أو تضمين السؤال معنى الاعتناء والاهتمام ، قالوا : ولو كانت الباء بمعنى (عن) لجاز أطعمته بجوع وسقيته بعيمة تريد عن جوع وعن عيمة.

قال ابن هشام : في التأويل الأول بعد ؛ لأن المجرور بالباء هو المسؤول عنه ولا يقتضي قولك : سألت بسببه أن المجرور هو المسؤول عنه.

(و) قال ابن هشام (الخضراوي : و) بمعنى (الكاف) داخلة على الاسم حيث يراد التشبيه نحو : لقيت بزيد الأسد ورأيت به القمر ، أي : لقيت بلقائي إياه الأسد ، أي : شبهه ، قال أبو حيان : والصحيح أنها للسبب ، أي : بسبب لقائه وسبب رؤيته ، (وتزاد توكيدا في مواضع) ستة هي : الفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر والحال والتوكيد ، وهي مذكورة في محالها ، ومن غريب زيادتها أنها تزاد في المجرور كقوله :

١٠٥٤ ـ فأصبحن لا يسألنه عن بما به

(قال ابن مالك : و) تزاد (عوضا) ومثله بقوله :

١٠٥٥ ـ ولا يواتيك فيما ناب من حدث

إلّا أخو ثقة فانظر بمن تثق

__________________

١٠٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٣٥ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٨ ، والأزهية ص ٢٨٤ ، والجنى الداني ص ٤١ ، وحماسة البحتري ص ١٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٦ ، ٤ / ١٠٥ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٦ ، ورصف المباني ص ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٥.

١٠٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٢١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٤٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٢٧ ، ٥٢٨ ، ٥٢٩ ، ١١ / ١٤٢ ، وسر صناعة الإعراب ص ١٣٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤١١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٧٤ ، ولسان العرب ٣ / ٢٥١ ، مادة (صعد) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧.

١٠٥٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لسالم بن وابصة في شرح شواهد المغني ٢ / ٤١٩ ، والمؤتلف والمختلف ص ١٩٧ ، ونوادر أبي زيد ص ١٨١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٩٢ ، ٢ / ٢١٩ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٠٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٩.


قال : أراد من تثق به ، فزاد الباء قبل (من) عوضا ، (وحكاه) أيضا (في عن وعلى) ، وأنشد قوله :

١٠٥٦ ـ أتجزع إن نفس أتاها حمامها

فهلّا التي عن بين جنبيك تدفع

أي : فهلا عن التي بين جنبيك تدفع ، فحذف (عن) وزادها بعد التي عوضا ، وقول الآخر :

١٠٥٧ ـ إنّ الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل

أي : إن لم يجد من يتكل عليه ، فحذف (عليه) وزاد (على) قبل (من) عوضا.

(وقاسه في إلى ، وفي اللام ، ومن) فقال في الشرح : يجوز عندي أن يعامل بهذه المعاملة (من) و (اللام) و (إلى) و (في) قياسا على (عن) و (على) و (الباء) فيقال : عرفت ممن عجبت ، ولمن قلت ، وإلى من أديت ، وفيمن رغبت ، والأصل عرفت من عجبت منه ، ومن قلت له ، ومن أديت إليه ، ومن رغبت فيه ، فحذف ما بعد من وزيد ما قبلها عوضا (ورده أبو حيان) أي : العوض بأنواعه فقال في الأبيات المستشهد بها : لا يتعين فيها التأويل المذكور ؛ لاحتمال أن يكون الكلام تم عند قوله : فانظر ، أي : فانظر لنفسك ، ولما قدم أنه لا يواتيه إلا أخو ثقة استدرك على نفسه فاستفهم على سبيل الإنكار على نفسه حيث قرر وجود أخي ثقة ، فقال : بمن تثق ، أي : لا أحد يوثق به ، فالباء في بمن متعلقة ب : (تثق) ، وكذا البيت الآخر يحتمل تمام الكلام عند قوله : إن لم يجد يوما ، أي : إنه إذا لم يجد ما يستعين به اعتمل بنفسه ، ثم قال : على من يتكل ، ومن استفهامية ، أي : لا أحد يتكل عليه ، فعلى متعلقة بيتكل ، ولم يؤول البيت الثاني ، وقال في المقيس : هذا الذي أجازه قياسا لم يثبت الأصل الذي يقاس عليه ألا ترى إلى ما ذكرناه من التأويل فيما استدل به ،

__________________

١٠٥٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لزيد بن رزين في جواهر الأدب ص ٣٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٦ ، وله أو لرجل من محارب في ذيل أمالي القالي ص ١٠٥ ، وذيل سمط اللآلي ص ٤٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦ ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣١.

١٠٥٧ ـ الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٩٢ ، والجنى الداني ص ٤٧٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٦ ، والخصائص ٢ / ٣٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغني ٤١٩ ، والكتاب ٣ / ٨١ ، ولسان العرب ١١ / ٤٧٥ ، مادة (عملا) ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، وانظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢٨.


ولو كانت لا تحتمل التأويل لكانت من الشذوذ والندور والبعد من الأصول بحيث لا يقاس عليها ولا يلتفت إليها ، قال : وقد نص سيبويه على أن (عن) و (على) لا يزادان لا عوضا ولا غير عوض.

حتى

(حتى كإلى) في انتهاء الغاية ، لكن (إلى) أمكن منها ، ولذلك خالفتها في أشياء:

الأول : أنها (تفيد تقضّي الفعل شيئا فشيئا) ، ولذا لا يجوز كتبت حتى زيد وأنا حتى عمرو ، ويجوز كتبت إلى زيد وأنا إلى عمرو ، أي : هو غايتي كما في حديث مسلم : «أنا بك وإليك» (١).

(و) الثاني : أنها (لا تقبل الابتداء) لضعفها في الغاية ، فلا يقال : سرت من البصرة حتى الكوفة ، كما يقال : إلى الكوفة.

(و) الثالث أنها (لا تجر إلا آخرا) أي : آخر جزء نحو : أكلت السمكة حتى رأسها ، (قال الأكثر : أو ملاقيا له) أي : متصلا به نحو : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥] ، ولا يجوز سرت حتى نصف الليل ، بخلاف (إلى) ، ومقابل الأكثر قول السيرافي وجماعة : إنها لا تجر إلا الآخر فقط دون المتصل به.

قال الرضي : وهو مردود بالآية ، (خلافا لابن مالك) ؛ إذ قال في «التسهيل» وشرحه : والتزم الزمخشري كون مجرورها آخر جزء أو ملاقي آخر جزء ، وهو غير لازم بدليل قوله :

١٠٥٨ ـ عيّنت ليلة فما زلت حتى

نصفها راجيا فعدت يؤوسا

قال أبو حيان : وما نقله الزمخشري هو قول أصحابنا ، وما استدل به لا حجة فيه ؛ لأنه لم يتقدم العامل فيها حتى ما يكون ما بعدها جزءا له في الجملة المغياة بحتى ، فليس البيت نظير ما مثل به أصحابنا ، ولو صرح فقال : ما زلت راجيا وصلها تلك الليلة حتى نصفها كان ذلك حجة على الزمخشري ، ونحن نقول : إذا لم يتقدم في الجملة المغياة بحتى ما يصح أن يكون ما بعدها آخر جزء ، جاز أن تدخل على ما ليس به ولا ملاقيا له ، وكذا قال ابن هشام في «المغني» ، على أن ابن مالك جزم باشتراط ذلك في «الكافية».

__________________

١٠٥٨ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦١.


الرابع : أنها لا تجر إلا (ظاهرا ، خلافا للمبرد والكوفية) في تجويزهم جرها المضمر ، مستدلين بنحو قوله :

١٠٥٩ ـ فلا والله لا يلقى أناس

فتى حتّاك يا ابن أبي زياد

والجمهور قالوا : إنه ضرورة ، قال أبو حيان : ومن أجاز جرها المضمر أدخلها على المضمرات المجرورة كلها ، قال : ولا ينبغي القياس على (حتاك) في هذا البيت ، فيقال ذلك في سائر الضمائر ، قال : وانتهاء الغاية في (حتاك) هنا لا أفهمه ، ولا أدري ما يعني هنا بحتاك فلعل هذا البيت مصنوع انتهى.

ومثل ابن هشام في «المغني» بقوله :

١٠٦٠ ـ أتت حتّاك تقصد كلّ فجّ

ترجّي منك أنها لا تخيب

قال : واختلف في علة المنع فقيل : هي أن مجرورها لا يكون إلا بعضا لما قبلها أو كبعض منه ، فلم يمكن عود ضمير البعض على الكل ، قال : ويرده أنه قد يكون ضميرا حاضرا كما في البيت فلا يعود على ما تقدم ، وأنه قد يكون ضميرا غائبا عائدا على ما تقدم غير الكل ، كقولك : زيد ضربت القوم حتاه ، وقيل : العلة خشية التباسها بالعاطفة فإنها تدخل عليه على الأصح ، قال : ويرده أنها لو دخلت عليه لقيل في العاطفة : قاموا حتى أنت ، وأكرمتهم حتى إياك بالفصل ؛ لأن الضمير لا يتصل إلا بعامله ، وفي الخافضة حتاك بالوصل كما في البيت ، وحينئذ فلا التباس ، وقيل : العلة أنها لو دخلت عليه قلبت ألفها ياء كما في إليّ ، وهي فرع عن (إلى) فلا تحتمل ذلك وإلا ساوى الفرع الأصل.

قال شيخنا الإمام الشمني : والجواب بعد تسليم بطلان هذا اللازم أن فرعية حتى عن إلى إنما هي في المعنى والعمل ، وذلك يوجب ألا يحتمل ما يحتمله إلى فيهما لا في غيرهما ، وقال الشاطبي : قال سيبويه : استغنوا عن الإضمار في (حتى) بقولهم : حتى ذاك ، وبالإضمار في (إلى) ؛ لأن المعنى واحد كما استغنوا ب : (ترك) عن (وذر) و (ودع).

__________________

١٠٥٩ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤٤ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٤ ، ٤٧٥ ، ورصف المباني ص ١٨٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٦٥ ، والمقرب ١ / ١٩٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٦.

١٠٦٠ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٧ ، ٢ / ٢١٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٧٠ ، ومغني اللبيب ص ١٢٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٧.


(وإمالتها وعتّى) بإبدال حائها عينا (لغة) الأولى يمنية والثاني هذلية ، قال ابن مالك : قرأ ابن مسعود : ليسجننه عتى حين [يوسف ٣٥] ، فكتب إليه عمر إن الله أنزل هذا القرآن عربيا وأنزله بلغة قريش فلا تقرئهم بلغة هذيل.

(ومنع البصرية جر ما لا يصلح) أن يكون (غاية لما قبلها) ، وأوجبوا فيه الرفع على أنها ابتدائية نحو : العجب حتى الخز يلبس زيد ، وجوز جره الكسائي (و) الفراء ، ومنعوا أيضا الجر فيما إذا تلا الاسم بعدها جملة اسمية وما بعدها غير شريك لما قبلها في المعنى (نحو ضربت القوم حتى زيد فتركت) ، وحتى زيد أبوه مضروب ، وجوز جره الكوفية (و) منع (الكوفية) الجر فيما إذا تلا الاسم الذي بعدها فعل عامل في ضميره نحو : ضربت القوم (حتى زيد ضربته) وقالوا : لا يجوز حتى يقال : فضربته ، وجوزه البصرية فيهما ، وجوزوا في الأول أيضا العطف والابتداء (و) منع (الكل) الجر فيما إذا تلاه اسم مفرد نحو : ضربت القوم (حتى زيد مضروب) ، وأوجبوا الابتداء وجوزوهما ، والعطف فيما إذا تلاه ظرف أو مجرور نحو : القوم عندك حتى زيد عندك ، والقوم في الدار حتى زيد في الدار ، أو جملة اسمية وما بعدها شريك لما قبلها في المعنى نحو : ضربت القوم حتى زيد هو مضروب ، وجوزوا الجر والعطف فيما إذا تلاه فعل عامل في ضمير ما قبل حتى نحو : ضربت القوم حتى زيد ضربتهم ، فإن كان في ضميره وهو غير شريك فالابتداء والحمل على الإضمار نحو : ضربت القوم حتى زيد ضربت أخاه ، وأوجبوا العطف فيما إذا قامت عليه قرينة نحو : ضربت القوم حتى زيدا أيضا ، فأيضا تدل على إرادة تكرر الفعل وهذا المعنى لا يعطيه إلا العطف ، كأنك قلت : ضربت القوم حتى ضربت زيدا أيضا.

(وزعم الفراء الجر) بحتى (نيابة) عن إلى لا بنفسها كما جرت الواو نيابة عن رب ، قال : وربما أظهروا (إلى) في بعض المواضع ، قالوا : جاء الخبر حتى إلينا ، جمعوا بينهما بتقدير إلغاء أحدهما ، كما جمعوا بين اللام وكي ، (وتكون) حتى (حرف ابتداء) أي : حرفا تبتدأ بعده الجمل ، أي : تستأنف ، وحينئذ (تليه الجملتان) الاسمية كقول جرير :

١٠٦١ ـ فما زالت القتلى تمجّ دماءها

بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

وقول الفرزدق :

__________________

١٠٦١ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٣ ، وتقدم الشاهد برقم (٩٦٩).


١٠٦٢ ـ فوا عجبا حتى كليب تسبّني

والفعلية المضارعة كقراءة نافع : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤] ، والماضية نحو : (حَتَّى عَفَوْا) [الأعراف : ٩٥] ، والمصدرة بشرط نحو : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) [النساء : ٦] ، (خلافا لابن مالك في زعمه) أنها (جارة قبل) الفعل (الماضي) بإضمار (أن) بعدها على تأويل المصدر.

قال أبو حيان : وقد وهم في ذلك. وقال ابن هشام : لا أعرف له في ذلك سلفا ، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة ، (و) خلافا (له وللأخفش) أبي الحسن (في) زعمهما (أنها) جارة (قبل إذا) ، وأن إذا في موضع جر بها ، والجمهور على أنها حينئذ ابتدائية ، وإذا في موضع نصب بشرطها أو جوابها ، قال أبو حيان : وليس معنى قولهم حرف ابتداء أنه يصحبها المبتدأ دائما ، بل معناه أنها بصدد أن يقع بعدها المبتدأ كما قالوا : هل وبل ولكن من حروف الابتداء ، وإن كان يقع بعدها غير المبتدأ ، وإنما المعنى أنها تصلح أن يقع بعدها المبتدأ ، وما تقدم في تفسيره أخذا من ابن هشام في «المغني» أولى وأقعد ، ثم قال : قال بعض شيوخنا : ضابط حتى أنها إذا وقع بعدها اسم مفرد مجرور أو مضارع منصوب فحرف جر ، واسم مرفوع أو منصوب فحرف عطف ، أو جملة فحرف ابتداء ، وتقدم في باب الحال أنه لا محل لهذه الجملة على الأصح.

(مسألة : متى دلت قرينة على دخول الغاية) أي : التي بعد إلى وحتى في حكم ما قبلها ، (أو) على (عدمه) أي : عدم دخوله فواضح أنه يعمل به ، فالأول نحو : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، وبعتك الحائط من أوله إلى آخره ، دل ذكر الآخر وجعله غاية على الاستيفاء (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ، دلت السنة على دخول المرافق في الغسل.

١٠٦٣ ـ ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتى نعله ألقاها

__________________

١٠٦٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤١٩ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤١٤ ، ٩ / ٤٧٥ ، ٤٧٦ ، ٤٧٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢ ، ٣٧٨ ، وشرح المفصل ٨ / ١٨ ، والكتاب ٣ / ١٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٩ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٨١ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٢ ، والمتقضب ٢ / ٤١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٢٧.

١٠٦٣ ـ البيت من الكامل ، وهو للمتلمس في ملحق ديوانه ص ٣٢٧ ، وشرح شواهد المغني ١٠ / ٣٧٠ ، ولأبي (أو لابن) مروان النحوي في خزانة الأدب ٣ / ٢١ ، ٢٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤١ ، والكتاب ١ / ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٤ ، ولمروان بن سعيد في معجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٢.


والثاني نحو : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] ، دل النهي عن الوصال على عدم دخول الليل في الصوم ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] فإن الغاية لو دخلت هنا لوجب الإنظار حال اليسار أيضا وذلك يؤدي إلى عدم المطالبة وتفويت حق الدائن.

١٠٦٤ ـ سقى الحيا الأرض حتى أمكن عزبت

لهم فلا زال عنها الخير مجذوذا

دل على عدم الدخول دعاء الشاعر على ما بعد حتى بانقطاع الخير عنه ، (وإلا) أي : وإن لم تقم قرينة تدل على الدخول ولا عدمها (فثالثها) أي : الأقوال (وهو الأصح) ورأي الجمهور (تدخل مع حتى دون إلى) حملا على الغالب في البابين ؛ لأن الأكثر مع القرينة عدم الدخول في (إلى) ، والدخول في (حتى) فوجب الحمل عليه عند التردد ، وأولها يدخل فيهما ، وثانيهما لا فيهما واستدل القولان في استواء حتى وإلى بقوله تعالى (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) [الصافات : ١٤٨] ، وقرأ ابن مسعود : عتى حين.

(ورابعها يدخل معهما) أي : مع إلى وحتى (إن كان من الجنس) و (لا) يدخل (إن لم يكن) نحو : إنه لينام الليل حتى الصباح أو إلى الصباح نقله أبو حيان في حتى عن الفراء والرماني وجماعة وابن هشام في إلى غير المسمى قائله ، وهو قول الأندلسي فيما نقله الرضي.

(فإن كانت حتى عاطفة دخلت وفاقا) نحو : أكلت السمكة حتى رأسها. قال ابن هشام : ووهم من ادعى الاتفاق في دخول الغاية في حتى مطلقا ، وإنما هو في العاطفة ، والخلاف في الخافضة مشهور ، قال : والفرق أن العاطفة بمنزلة الواو.

رب

(رب) بضم الراء وتشديد الباء وفتحها (ويقال رب) بفتح الراء (وربت) بضمها (وربت) بالضم وفتح الباء والتاء (وربت) بسكون التاء (وربت) بفتح الثلاثة (وربت) بفتح الأولين وسكون التاء (وتخفيف) الباء في هذه (السبعة وربتا) بالضم وفتح الباء المشددة (ورب) بالضم وبالسكون (ورب) بالفتح والسكون فهذه سبع عشرة لغة حكاها ما عدا (ربتا) ابن هشام في «المغني» ، وحكى ابن مالك منها عشرا ، وزاد أبو حيان (ربتا) وزعم أبو

__________________

١٠٦٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧١ ، والقافية في هذه المصادر : «محدودا» مكان «مجذوذا» ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٨٨.


الحسن علي (بن فضال) المجاشعي في كتاب «الهوامل والعوامل (أنها ثنائية الوضع) ساكنة الثاني كهل وبل وقد ، (وأن فتح التاء مخففة دون الباء ضرورة) لا لغة (وأن فتح الراء مطلقا) أي : في الجميع مشددا ومخففا مع التاء ودونها (شاذ) ، والجمهور على أنها ثلاثية الوضع وأن التخفيف المذكور وفتح الراء لغة معروفة.

(و) زعم (الكوفية وابن الطراوة أنها اسم) مبني ؛ لأنها في التقليل مثل (كم) في التكثير ، وهي اسم بإجماع ، وللإخبار عنها في قوله :

١٠٦٥ ـ إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك وربّ قتل عار

ف : (رب) عندهم مبتدأ ، و (عار) خبره ، قال : وتكون معمولة بجوابها كإذا فيبتدأ بها فيقال : رب رجل أفضل من عمرو ، ويقع مصدرا كرب ضربة ضربت ، وظرفا كرب يوم سرت ، ومفعولا به كرب رجل ضربت ، واختار الرضي أنها اسم ؛ لأن معنى رب رجل في أصل الوضع قليل في هذا الجنس ، كما أن معنى كم رجل كثير من هذا الجنس ، لكن قال : إعرابه أبدا رفع على أنه مبتدأ لا خبر له كما اختاره في قولهم : أقل رجل يقول ذلك إلا زيدا ؛ لتناسبهما في معنى القلة ، قال : فإن كفت ب : (ما) فلا محل لها حينئذ ؛ لكونها كحرف النفي الداخل على الجملة ، ومنع ذلك البصريون بأنها لو كانت اسما لجاز أن يتعدى إليها الفعل بحرف الجر ، فيقال : برب رجل عالم مررت ، وأن يعود عليها الضمير ويضاف إليها ، وذلك وجميع علامات الاسم منتفية عنها ، وأجيب عن البيت الأول بأن المعروف وبعض قتل عار وإن صحت تلك الرواية فعار خبر محذوف ، أي : هو عار كما صرح به في قوله :

١٠٦٦ ـ يا ربّ هيجا هي خير من دعه

والجملة صفة المجرور أو خبره ؛ إذ هو في موضع مبتدأ ، قال أبو علي : ومن الدليل على أنها حرف لا اسم أنهم لم يفصلوا بينها وبين المجرور كما فصلوا بين كم وبين ما تعمل فيه ، وفي مفادها أقوال :

__________________

١٠٦٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لثابت بن قطنة في ديوانه ص ٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٣.

١٠٦٦ ـ الرجز للبيد في ديوانه ص ٣٤٠ ، والأغاني ١٥ / ٢٩٥ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤٤٩ ، ومجمع الأمثال ٢ / ١٠٣ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٣ / ٦٧ ٥٨٢ ، ٥٨٧ ، وشرح الرضي ٤ / ٢٩١ ، ٢٩٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٩٦.


أحدها : أنها للتقليل دائما وهو قول الأكثر ، قال في «البسيط» : كالخليل وسيبويه وعيسى بن عمر ويونس وأبي زيد وأبي عمرو بن العلاء وأبي الحسن الأخفش والمازني وابن السراج والجرمي والمبرد والزجاج والزجاجي والفارسي والرماني وابن جني والسيرافي والصيمري ، وجملة الكوفيين كالكسائي والفراء وابن سعدان وهشام ، ولا مخالف لهم إلا صاحب «العين» انتهى.

ثانيها : للتكثير دائما ، وعليه صاحب «العين» وابن درستويه وجماعة ، وروي عن الخليل.

ثالثها : وهو (المختار) عندي (وفاقا للفارابي) أبي نصر وطائفة (أنها للتقليل غالبا والتكثير نادرا).

(ورابعها : عكسه) أي : للتقليل قليلا وللتكثير كثيرا ، جزم به في «التسهيل» ، واختاره ابن هشام في «المغني».

(وخامسها :) موضوعة (لهما) من غير غلبة في أحدهما ، نقله أبو حيان عن بعض المتأخرين.

(وسادسها : لم توضع لواحد) منهما ، بل هي حرف إثبات لا يدل على تكثير ولا تقليل ، وإنما يفهم ذلك من خارج واختاره أبو حيان.

(وسابعها :) أنها (للتكثير في) موضع (المباهاة) والافتخار ، وللتقليل فيما عدا ذلك ، وهو قول الأعلم وابن السيد.

(وقيل :) هي (لمبهم العدد) تكون تقليلا وتكثيرا ، قاله ابن الباذش وابن طاهر ، فهذه ثمانية أقوال حكاها أبو حيان في شرح «التسهيل» ، ومن ورودها للتكثير قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : ٢] ، فإنه يكثر منهم تمني ذلك ، وحديث البخاري : «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» (١) ، ومن مواضع الفخر قول عمارة بن عقيل :

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب تحريض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صلاة الليل ... (١١٢٦) ، والترمذي ، كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (٢١٩٦).


١٠٦٧ ـ فإن تكن الأيّام شيّبن مفرقي

وأكثرن أشجاني وفلّلن من غربي

فيا ربّ يوم قد شربت بمشرب

شفيت به عني الصدى بارد عذب

وقول الآخر :

١٠٦٨ ـ فيا رب يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنها خطّ تمثال

ومن ورودها للتقليل :

١٠٦٩ ـ ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

وذي شامة غرّاء في حرّ وجهه

مجلّلة لا تنقضي لأوان

أراد عيسى وآدم والقمر ، (وتصدر) وجوبا (غالبا) قال أبو حيان : والمراد تصديرها على ما تتعلق به فلا يقال : لقيت رب رجل عالم ، لا أول الكلام فقد وقعت خبرا ل : (إن) و (أن) المخففة من الثقيلة ، وجوابا (للو) قال :

١٠٧٠ ـ أماويّ إنّي ربّ واحد أمّه

ملكت فلا أسر لديّ ولا قتل

وقول الآخر :

١٠٧١ ـ تيقّنت أن ربّ أمرىء خيل خائنا

أمين وخوّان يخال أمينا

__________________

١٠٦٧ ـ البيتان من الطويل ، وهما لعمارة بن عقيل في ديوانه ص ٩٠ ، القصيدة ٩٣ ، تفرد بهما السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٩.

١٠٦٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، ٣٩٣ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ١٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٥ ، والمقرب ١ / ١٩٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤١.

١٠٦٩ ـ البيتان من الطويل ، وهما لرجل من أزد السراة في شرح التصريح ٢ / ١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٢ ، وتقدم الشاهدان برقم (١٢٨).

١٠٧٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٠١ ، والأغاني ١٧ / ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢١٠ ، ٢١١ ، ولسان العرب ٣ / ٤٤٩ ، مادة (وحد) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٦٧ ، ورواية عجز البيت :

تركت فلا قتل عليه ولا أسر

انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٢.

١٠٧١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٦٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٥٣٥).


وقال :

١٠٧٢ ـ ولو علم الأقوام كيف خلفتهم

لربّ مفدّ في القبور وحامد

قال شيخنا الإمام الشمني : ويحتمل أن يعد ذلك ضرورة.

(ولا تجر غير نكرة) معها معربا كان أو مبنيا كقوله :

١٠٧٣ ـ ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

 (خلافا لبعضهم) في تجويز جرها المعرف بأل محتجا بقوله :

١٠٧٤ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيح بينهن المهار

بجر الجامل ، وأجاب الجمهور بأن الرواية بالرفع وإن صحت بالجر خرج على زيادة (أل) ، ولأنها إما للقلة أو للكثرة وغير النكرة لا يحتملها ؛ لأن المعرفة إما للقلة فقط كالمفرد والمثنى ، أو للكثرة فقط كالجمع ، وما لا يحتملها لا يحتاج إلى علامة يصير بها نصا.

(وفي وجوب نعته) أي : مجرورها (خلف) فقال المبرد وابن السراج والفارسي والعبدي وأكثر المتأخرين وعزي للبصريين : يجب ؛ لأن (رب) أجريت مجرى حرف النفي حيث لا تقع إلا صدرا ، ولا يتقدم عليها ما يعمل في الاسم بعدها ، بخلاف سائر حروف الجر ، وحكم حرف النفي أن يدخل على جملة فالأقيس في مجرورها أن يوصف بجملة لذلك.

وقد يوصف بما يجري مجراها من ظرف أو مجرور أو اسم فاعل أو مفعول ، وجزم به ابن هشام في «المغني» ، واختاره الرضي.

وقال الأخفش والفراء والزجاج وأبو الوليد الوحشي وابن طاهر وابن خروف : لا

__________________

١٠٧٢ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٦ / ٢٧١.

١٠٧٣ ـ البيت من الرمل ، وهو لسويد بن أبي كاهل في الأغاني ١٣ / ٩٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٠٢).

١٠٧٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٣١٦ ، والأزهية ص ٩٤ ، ٢٦٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٦ ، ٥٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٥ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٩ ، ٣٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٢٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٧١ ، والجنى الداني ص ٤٤٨ ، ٤٥٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٦.


يجب وتضمنها القلة أو الكثرة يقوم مقام الوصف ، واختاره ابن مالك وتبعه أبو حيان ومنع كونها لا تقع إلا صدرا بما تقدم ، وكون ما يعمل فيما بعدها لا يتقدم مقتضيا لشبهها بحرف النفي بأن لنا ما لا يتقدم على المجرور الذي يتعلق به ، ولا يلزم أن يكون جاريا مجرى النفي نحو : بكم درهم تصدقت على الخبرية.

(ويجر مضافا إليه ضمير مجرورها معطوفا) عليه (بالواو) خاصة نحو : رب رجل وأخيه رأيت ، وسوغ ذلك كون الإضافة غير محضة فلم تفد تعريفا ، وقال الجزولي : لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، قال الرضي : ولو كان كذلك لجاز رب غلام والسيد ، ولا يجوز ذلك في غير العطف من التوابع ، ولا في العطف بغير الواو.

(وفي القياس) في المعطوف بالواو (خلف) فأجازه الأخفش ، واختاره ابن مالك وأبو حيان ، وقصره سيبويه على المسموع ، أما ما حكاه الأصمعي من مباشرة (رب) للمضاف حيث قال لأعرابية : ألفلان أب أو أخ؟ فقالت : (رب أبيه ورب أخيه) تريد رب أب له ورب أخ له تقديرا للانفصال ؛ لكون أب وأخ من الأسماء التي يجوز الوصف بها ، فلا يقاس عليه اتفاقا (وتجر ضميرا) ويجب كونه (مفردا مذكرا) وإن كان المميز مثنى أو جمعا أو مؤنثا ، وكونه (يفسره نكرة منصوبة) مطابقة للمعنى الذي يقصده المتكلم (تليه) غير مفصولة عنه فيقال : ربه رجلا ، وربه رجلان ، وربه رجالا ، وربه امرأة ، وربه امرأتين ، وربه نساء ، قال :

١٠٧٥ ـ ربه امرأ بك نال أمنع عزّة

وغنى بعيد خصاصة وهوان

قال أبو حيان : وسمع جره في قوله :

١٧٠٦ ـ وربّه عطب أنقذت من عطبه

على نية (منه) وهو شاذ.

(وجوز الكوفية مطابقته) إلى الضمير لها ، أي : النكرة المفسرة في التثنية والجمع والتأنيث قياسا وسماعا ، قال :

__________________

١٠٧٥ ـ البيت من الكامل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٦.

١٠٧٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٧ ، وتقدم برقم ١٨١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٠.


١٠٧٧ ـ ربّه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد دائما فأجابوا

قال ابن عصفور : وذلك لا يجوز عندنا ؛ لأن العرب استغنت بتثنية التمييز وجمعه عنه كما استغنوا بتركه من (وذر) و (ودع) ، قال أبو حيان : ومن ذهب إلى وجوب وصف مجرور رب لم يقل به هنا ، قال ابن أبي الربيع : لأنه استغني بما دل عليه الإضمار من التفخيم عن الوصف فصار قولك : ربه رجلا بمنزلة رب رجل عظيم لا أقدر على وصفه ، (والأصح أنه) أي : هذا الضمير (معرفة) جرى مجرى النكرة في دخول رب عليه لما أشبهها في أنه غير معين ولا مقصود.

وقال بعضهم : إنه نكرة واختاره ابن عصفور ؛ لوقوعه موقع النكرة وكأنك قلت : رب شيء ، ثم فسرت الشيء الذي تريده بقولك : رجلا ، قال : بخلاف الضمير العائد على نكرة مقدمة نحو : لقيت رجلا فضربته ؛ لأنه نائب مناب معرفة ؛ إذ الأصل فضربت الرجل ، أو متأخرة وهو واقع موقع معرفة نحو : نعم رجلا زيد فالضمير في نعم واقع موقع ظاهر معرف بأل ، أو مضاف إلى ما هي فيه.

(و) الأصح (أنه) أي : جر رب الضمير (ليس قليلا ولا شاذا) ، بل جائز بكثرة فصيحا ، وقال ابن مالك : هو قليل ، وفي بعض كتبه : شاذ. قال أبو حيان : وليس بصحيح إلا إن عنى بالشذوذ شذوذ القياس ، وبالقلة بالنسبة إلى جرها الظاهر ، فإنه أكثر من جرها الضمير.

(و) الأصح (أنها زائدة في الإعراب لا المعنى) قال أبو حيان : ويدل عليه قولهم : رب رجل عالم يقول ذلك ، فلو لا أن رب زائدة في الإعراب ما جاز ذلك لما يلزم من تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره ، فجعل رب رجل في موضع رفع بالابتداء هو الذي سوغ ذلك ، وإن كانت تدل على معنى ؛ لأن الزائد منه ما لا يتغير المعنى بزواله وهو الزائد للتوكيد ، ومنه ما يتغير ويسمى زائدا اصطلاحا باعتبار تخطي العامل إليه كقولهم : جئت بلا زاد ، فإن النحاة قالوا : لا زائدة ولو أزيلت لتغير المعنى ، ومقابل الأصح قول ابن أبي الربيع : إنها غير زائدة ؛ لأنها تحرز معنى ، والزائدة لا تحرز وإنما يكون مؤكدا.

__________________

١٠٧٧ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٤ ، وشرح شذور الذهب ص ١٧٢ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٧٤ ، ومغني اللبيب ص ٤٩١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١.


(و) الأصح بناء على أنها زائدة في الإعراب (أن محل مجرورها على حسب العامل) بعدها فهو نصب في نحو : رب رجل صالح لقيت ، ورفع في نحو : رب رجل عندي ، ورفع أو نصب في نحو : رب رجل صالح لقيته (لا لازم النصب) بالفعل الذي بعدها أو بعامل محذوف ، خلافا للزجاج ومتابعيه في قولهم بذلك لما يلزم عليه من تعدي الفعل المتعدي بنفسه إلى مفعوله بوساطة رب ، وهو لا يحتاج إليها ، وعلى الأول (فيعطف عليه) أي : على محل مجرورها كما يعطف على لفظه قال :

١٠٧٨ ـ وسنّ كسنّيق سناء وسنّما

ذعرت بمدلاج الهجير نهوض

فعطف (سنما) على محل (سن) ؛ لأنه في موضع نصب بذعرت أراد ذعرت بهذا الفرس النهوض ثورا وبقرة ، والسنم بقرة الوحش بضم السين المهملة وفتح النون المشددة.

(و) الأصح (أنها تتعلق) كسائر حروف الجر ، وقال الرماني وابن طاهر : لا تتعلق بشيء كالحروف الزائدة ، والأصح أن التعلق بالعامل الذي يكون خبرا لمجرورها ، أو عاملا في موضعه ، أو مفسرا له ، قاله أبو حيان ، وقال ابن هشام : قول الجمهور إنها معدية للعامل ، إن أرادوا المذكور فخطأ ؛ لأنه يتعدى بنفسه أو محذوفا تقديره حصل أو نحوه ، كما صرح به جماعة ففيه تقدير ما معنى الكلام مستغن عنه ، ولم يلفظ به في وقت ، فقولي :«والأصح» منصب على مسألتي التعلق وكونه بالعامل معا كما قررته ، ومقابله في الثانية قول الجماعة المذكورين.

(ثم) على التعليق (قال لكدة) الأصبهاني : (حذفه لحن) ممنوع ، وقال : ما ورد من ذلك مصنوع (و) قال (الخليل وسيبويه : نادر) كقول الشماخ :

١٠٧٩ ـ ودوّية قفر تمشّي نعامها

كمشي النّصارى في خفاف اليرندج

أي : قطعتها ، قال أبو حيان : ومما يرد قول (لكذة) قولهم : رب رجل قام ، ورب ابنه خير من ابن ، وقول الشاعر :

__________________

١٠٧٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٧٦ ، وجمهرة اللغة ص ٨٦١ ، ولسان العرب ١٠ / ١٦٥ ، مادة (سنق) ، وله أو لأبي دؤاد الإيادي في شرح شواهد المغني ١ / ٤٠٣ ، ولم أقع عليه في ديوان أبي دؤاد ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٦٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٨٥.

١٠٧٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للشماخ في ديوانه ص ٨٣ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٤٩ ، والكتاب ٣ / ١٠٤ ، ولسان العرب ٢ / ٢٨٣ ، مادة (ردج) ، ١٤ / ٢٧٧ ، ومادة (دوا) ، ١٥ / ٢٨١ ، ومادة (مشى) ، والمعاني الكبير ١ / ٣٤٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٨ ، وفي نسخة (نعاجها) بدلا من (نعامها).


١٠٨٠ ـ ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح

ومؤتمن بالغيب غير أمين

(و) قال (أبو علي) الفارسي (والجزولي : كثير) وبه جزم ابن الحاجب.

(ورابعها : واجب) نقله صاحب «البسيط» عن بعضهم قال : لأنه معلوم كما حذف من (بسم الله) وتالله لأفعلن.

(وخامسها) قال ابن أبي الربيع : (يجب) حذفه (إن قامت الصفة مقامه) نحو : رب رجل يفهم هذه المسألة ، أي : وجدته ، فإن لم تقم مقامه جاز الحذف وعدمه سواء كان هناك دليل أم لا ، كأن تسمع إنسانا يقول : ما رأيت رجلا عالما ، فتقول : رب رجل عالم رأيت ، ولك حذف رأيت ، وكأن يقول ذلك ابتداء غير جواب.

(ويجب كونه) أي : الفعل الذي يتعلق به رب (ماضيا) معنى قاله المبرد والفارسي وابن عصفور ، وقال أبو حيان : إنه المشهور ورأي الأكثرين ، (وقيل : يأتي حالا) أيضا فلا يقال : رب رجل سيقوم قاله ابن السراج.

(وقيل : و) يأتي (مستقبلا) أيضا قاله ابن مالك ، كقوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ، وقول هند أم معاوية :

١٠٨١ ـ يا رب قائلة غدا

يا لهف أمّ معاويه

والأولون تأولوا الآية على أنه موضع الماضي على حد (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] ، قال ابن هشام : وفيه تكلف ؛ لاقتضائه أن الفعل المستقبل عبر به عن ماض متجوز به عن المستقبل ، قال : والدليل على صحة استقبال ما بعدها قوله : يا رب قائلة غدا ، وأجاب شيخنا الإمام الشمني بأنه لا تكلف لأنهم قالوا : إن هذه الحالة المستقبلة جعلت بمنزلة الماضي المتحقق فاستعمل معها ربما المختصة بالماضي ، وعدل إلى لفظ المضارع ؛ لأنه كلام من لا خلف في إخباره ، فالمضارع عنده بمنزلة الماضي فهو مستقبل في التحقيق ماض بحسب التأويل ، وأما البيت فأجاب أبو حيان بأنه من باب الوصف بالمستقبل لا من

__________________

١٠٨٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن همام في حماسة البحتري ص ١٧٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤٧ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٠٠).

١٠٨١ ـ البيت من مجزوء الكامل ، وهو لهند بنت عتبة والدة معاوية بن أبي سفيان في الجنى الداني ص ٤٥١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٠ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ١٣٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٩٠.


باب تعلق (رب) بما بعدها ، قال : ونظيره قولك : رب مسيء اليوم يحسن غدا ، أي : رب رجل يوصف بهذا (ولا يسبقها) متعلقها ؛ لأن لها الصدر ، (وقد يسبق بألا ويا) واقعة (صدرا جواب شرط غالبا) كقوله :

١٠٨٢ ـ ألا ربّ مأخوذ بإجرام غيره

فلا تسأمن هجران من كان مجرما

وقوله :

١٠٨٣ ـ فإن أمس مكروبا فيا ربّ فتية

ومن سبقها بيا لا في جواب شرط حديث : «يا رب كاسية».

على

(على للاستعلاء) حسا نحو : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [المؤمنون : ٢٢] ، أو معنى نحو : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣] ، (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة : ٢٢٨] ، قال ابن مالك : ومنه المقابلة للام المفهمة ما يجب كقوله :

١٠٨٤ ـ فيوم علينا ويوم لنا

وما وقع بعد (وجب) أو شبهه أو كبر أو صعب ونحوه مما فيه ثقل ، أو دل على تمكن نحو : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] ، «أنا على عهدك ووعدك ما استطعت» (٤).

(قال الكوفية والعتبي وابن مالك : وبمعنى مع) أي : المصاحبة نحو : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة : ١٧٧] ، أي : مع حبه ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦] ، أي : مع ظلمهم ، (و) بمعنى (في) أي : الظرفية نحو : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] ، أي : في ملكه ، (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) [القصص :

__________________

١٠٨٢ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٢٥.

١٠٨٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٥.

١٠٨٤ ـ البيت من المتقارب ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٢٩٣ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٢٤).

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب فضل الاستغفار (٦٣٠٦).


١٥] ، أي : في حين ، (و) بمعنى (من) نحو : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) [المطففين : ٢] أي : من الناس ، (لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) [المؤمنون : ٥ ـ ٦] ، أي : منهم ، بدليل الحديث : «احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك» (١).

(و) بمعنى (عن) أي : المجاوزة نحو :

١٠٨٥ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير

(و) بمعنى (الباء) نحو : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ) [الأعراف : ١٠٥] ، أي : بأن كما قرأ أبيّ ، (و) بمعنى (اللام) أي : التعليل نحو : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) [البقرة : ١٨٥] ، أي : ولأجل هدايته إياكم ، والبصريون قالوا : لو كان لها هذه المعاني لوقعت موقع هذه الحروف فكنت تقول : وليت عليه ، أي : عنه ، وكتبت على القلم ، أي : به ، وجاء زيد على عمرو ، أي : معه ، والدرهم على الصندوق ، أي : فيه ، وأخذت على الكيس ، أي : منه ، وأولوا ما تقدم على التضمين ونحوه ، فضمن (تتلو) معنى تقول ، و (رضي) معنى عطف ، و (اكتالوا) معنى حكموا في الكيل ، و (حافظون) معنى قاصرون ، و (حقيق) معنى حريص ، و (لتكبروا) معنى تحمدوا.

(وحذفها وزيادتها ضرورة) كقوله :

١٠٨٦ ـ تحن فتبدي ما بها من صبابة

وأخفي الذي لو لا الأسى لقضاني

أي : لقضى علي ، وقوله :

__________________

١٠٨٥ ـ البيت من الوافر ، وهو للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٧ ، والأزهية ص ٢٧٧ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٣٢ ، ١٣٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٦ ، ولسان العرب ١٤ / ٣٢٣ ، مادة (رضي) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٨٢ ، ونوادر أبي زيد ص ١٧٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥١.

١٠٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لعروة بن حزام في خزانة الأدب ٨ / ١٣٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥٢ ، ولرجل من بني حلاف في تخليص الشواهد ص ٥٠٤ ، وللكلابي في لسان العرب ٧ / ١٩٥ ، مادة (غرض) ، ١٥ / ١٨٧ ، مادة (قضى) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٧٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٢٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١٣.

(١) أخرجه الترمذي ، كتاب الأدب ، باب ما جاء في حفظ العورة (٢٧٦٩) ، وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب التستر عند الجماع (١٩٢٠).


١٠٨٧ ـ أبى الله إلا أن سرحة مالك

على كل أفنان العضاه تروق

ف : (على) زائدة ؛ لأن (راق) يتعدى بنفسه ، وجوز ابن مالك زيادتها في النثر كحديث : «من حلف على يمين» (٢) ، أي : يمينا ، وقال أبو حيان : هو على تضمين حلف بمعنى (جسر).

(وجوز الأخفش حذفها ونصب تاليها مفعولا) نحو : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) [البقرة : ٢٣٥] ، أي : على سر ، (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] ، أي : على صراطك ، (وزعمها ابن الطراوة وأبو علي) الفارسي (والشلوبين اسما) دائما معربا ؛ لأنها لا يظهر فيها علامة البناء من شبه الحرف ؛ إذ لا حرف في معناها ، وقلة تصرفها لا يوجب لها البناء ، قال ابن خروف : وهو القياس ، (وقيل : مبنيا) ك : (هذا) بدليل أن (على) الاسم على رأي الجمهور مبنية ، وكذا (عن) والكاف ومذ ومنذ اسما ؛ لتضمنها معنى الحرف الذي يكونه ؛ لأنها بمعنى واحد فحملت عليها (على) طردا للباب.

قال صاحب «الإفصاح» : وهذا هو الوجه والقياس ، (و) زعمها (الأخفش) اسما (إذا كان مجرورها وفاعل متعلقها ضميري) مسمى (واحد) كقوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧] ، وقول الشاعر :

١٠٨٨ ـ هوّن عليك فإن الأمور

بكفّ الإله مقاديرها

لأنه لا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غير باب ظن وفقد وعدم كما تقدم ، قال أبو حيان وابن هشام : وفيه نظر ؛ لأنها لو كانت اسما حينئذ لصح حلول

__________________

١٠٨٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لحميد بن ثور في ديوانه ص ٤١ ، وأدب الكاتب ص ٥٢٣ ، وأساس البلاغة (روق) ، والجنى الداني ص ٤٧٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٠ ، ولسان العرب ٢ / ٤٧٩ ، مادة (سرح) ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٤ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٧٧ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٤٩ ، ١٠ / ١٤٤ ، ١٤٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٧.

١٠٨٨ ـ البيت من المتقارب ، وهو للأعور الشني في شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٧ ، ٢ / ٨٧٤ ، والكتاب ١ / ٦٤ ، ولبشر بن أبي خازم في العقد الفريد ٣ / ٢٠٧ ، ولم أقع عليه في ديوانه ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٦٢ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٧٩ ، والجنى الداني ص ٤٧١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩٢.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب المساقاة ، باب الخصومة في البئر والقضاء فيها (٢٣٥٧) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار (١٣٨).


(فوق) محلها ، ولأنها لو لزمت اسميتها لما ذكر لزم الحكم باسمية إلى في نحو : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) [البقرة : ٢٦٠] ، (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ) [القصص : ٣٢] ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ) [مريم : ٢٥] ، قال : فليتخرج هذا كله على التعلق بمحذوف كما في (سقيا لك) ، أو على حذف مضاف ، أي : هون على نفسك واضمم إلى نفسك ، انتهى.

قال ابن الدماميني : وقد يقال : لا نسلم أن ما كان بمعنى شيء يصح حلوله محله.

(وأجراه) أي : أجرى الأخفش ما قاله في (على) من اسميتها في الحالة المذكورة كقول امرئ القيس :

١٠٨٩ ـ دع عنك نهبا صيح في حجراته

وقول أبي نواس :

١٠٩٠ ـ دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء

قال ابن هشام : وقد تقدم ما فيه ، قال : ومما يدل على أنها ليست اسما أنه لا يصح حلول الجانب محلها.

عن

(عن للمجاوزة) وهي الأصل ولهذا عدي بها صد وأعرض وأضرب وانحرف وعدل ونهى ونأى وحرف ورحل واستغنى ورغب ونحوها ، ومنه باب الرواية والإخبار ؛ لأن المروي والمخبر به مجاوز لمن أخذ عنه.

(قال الكوفية وابن قتيبة وابن مالك : والاستعانة) كالباء نحو : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم ٣] ، أي : به ، (والتعليل) نحو : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) [التوبة : ١١٤] ، (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) [هود : ٥٣] ، (وبمعنى على) أي : الاستعلاء كقوله تعالى : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد : ٣٨] ، وقول الشاعر :

__________________

١٠٨٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٩٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٥٩ ، ١١ / ١٧٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٤٠ ، ولسان العرب ٢ / ٥٢٢ ، مادة (صيح) ، ٤ / ١٦٨ ، مادة (حجر) ، ٦ / ٩٧ ، مادة (رسس) ، ٧ / ٣١٨ ، مادة (سقط) ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٠٧ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٤ ، والمقرب ١ / ١٩٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٨.

١٠٩٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي نواس في ديوانه ١ / ٢١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ولسان العرب ٨ / ١٨٤ ، مادة (شفع) ، ومغني اللبيب ص ١٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥.


١٠٩١ ـ لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني

أي : عليّ ، (و) بمعنى (بعد) نحو : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق ١٩] ، أي : بعد طبق ، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء : ٤٦] بدليل (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) [المائدة : ٤١] ، (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠] ، والبصريون قالوا : هي للمجاوزة في الجميع ولو كانت لها معاني هذه الحروف لجاز أن تقع موقعها ، فيقال : زيد عن الفرس ، أي : عليه ، وجئت عن العصر ، أي : بعده ، وتكلم عن خير ، أي : به ، بل التقدير ما صدر نطقه عن الهوى ، وما كان استغفار إبراهيم إلا صادرا عن موعدة ، وما نحن بتاركي آلهتنا صادرين عن قولك ، وضمن يبخل معنى يرغب ، وأفضلت معنى انفردت.

(قال بعض شيوخنا) : قال أبو حيان : ووقوعها بمعنى بعد ؛ لتقارب معنى البعدية والمجاوزة ؛ لأن الشيء إذا جاء بعد الشيء فقد عدا وقته وجاوزه ، قال أبو حيان : قال بعض شيوخنا وينبغي على قولهم أنها بمعنى بعد أن تكون حينئذ ظرفا ، قال : ولا أعلم أحدا قال : إنها اسم إلا إذا دخل عليها حرف الجر.

(و) بمعنى (في) أي : الظرفية كقوله :

١٠٩٢ ـ وآس سراة الحيّ حيث لقيتهم

ولا تك عن حمل الرّباعة وانيا

أي : (في) كقوله تعالى : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [طه : ٤٢] ، ورد بأن تعدية (ونى) ب : (عن) معروف ، وفرق بين ونى عنه وونى فيه بأن معنى الأول جاوزه ولم يدخل فيه والثاني دخل فيه وفتر.

(زاد ابن مالك والبدل نحو) : قوله تعالى : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] وحديث الصحيحين : («صومي عن أمك» (٣) و) زاد (ابن هشام) في «المغني» : (و) معنى

__________________

١٠٩١ ـ البيت من البسيط ، وهو لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب ص ٥١٣ ، والأزهية ص ٢٧٩ ، وإصلاح المنطق ص ٣٧٣ ، والأغاني ٣ / ١٠٨ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٥٢ ، وجمهرة اللغة ص ٥٩٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، وسمط اللآلي ص ٢٨٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٦.

١٠٩٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٣٧٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٤ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٧ ، وجواهر الأدب ص ٣٢٤ ، وشرح الأشموني ص ٢٩٥ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨٨.

(١) أخرجه الطبراني في مسند الشاميين ٣ / ٣٤٩ (٢٤٤٦) ، والبيهقي في السنن الكبرى ٤ / ١٥١ (٧٤٢٤).


(من) نحو : (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشورى : ٢٥] ، (نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) [الأحقاف : ١٦] ، بدليل (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) [المائدة : ٢٧] الآية.

(و) بمعنى (الباء) وفرق بينه وبين الاستعانة ومثله بالآية السابقة ، ومثل الاستعانة بنحو رميت عن القوس ؛ لأنهم يقولون : (رميت بالقوس) حكاه الفراء.

(وزيادتها ضرورة) كقوله :

١٠٩٣ ـ فأصبحن لا يسألنه عن بما به

(خلافا لأبي عبيد) حيث أجازها في الاختيار ، واستدل بقوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) [النور : ٦٣] ، أي : أمره.

في

(في للظرفية مكانا وزمانا) وقد اجتمعا في قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم : ٢ ـ ٤] (حقيقة) كالآية (ومجازا) نحو : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ، (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ) [يوسف : ٧].

(قال الكوفية وابن قتيبة وابن مالك : ومعنى الباء) نحو : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] ، أي : بسببه.

١٠٩٤ ـ بصيرون في طعن الأباهر والكلى

أي : بطعن.

(و) بمعنى (على) نحو : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] ، أي : عليها (و) بمعنى (مع) أي : المصاحبة نحو : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) [الأعراف ٣٨] ، أي : معهم (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩] ، (و) بمعنى (من) كقوله :

__________________

١٠٩٣ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٥٥).

١٠٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ٦٧ ، وأدب الكاتب ص ٥١٠ ، والأزهية ص ٢٧١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٩٣ ، ٤٩٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٤ ، ولسان العرب ١٥ / ١٦٧ ، مادة (فيا) ، ونوادر أبي زيد ص ٨٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٩ ، والجنى الداني ص ٢٥١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤ ، ومغني اللبيب ١ / ١٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٣.


١٠٩٥ ـ وهل يعمن من كان أحدث عصره

ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال

أي : منها ، (و) بمعنى (إلى) نحو : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم : ٩] ، أي : إليها.

(زاد ابن مالك : والتعليل) كحديث : «إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها» (٢) ، «في النفس مائة من الإبل» (٣) ، «الحب في الله والبغض في الله من الإيمان» (٤) ، بدليل الحديث الآخر : «أن تحب لله وتبغض لله» (٥).

(والمقايسة) وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق نحو : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة : ٣٨] ، وقول الخضر لموسى : «ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما غمس هذا الطائر بمنقاره من البحر» (٦) ، والبصريون قالوا : لا تكون إلا للظرفية وما لا تظهر فيه حقيقة فهي مجازية.

(وهل تزاد؟) أقوال :

أحدها : نعم في الاختيار وغيره نحو : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ) [هود : ١].

ثانيها : لا ، ولا في الضرورة.

ثالثها : وهو رأي الفارسي تزاد (ضرورة) لا اختيارا كقوله :

__________________

١٠٩٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٧ ، وأدب الكاتب ص ٥١٨ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٥ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٢ ، والجنى الداني ص ٢٥٢ ، وجواهر الأدب ص ٢٣٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٦ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣١٣ ، ورصف المباني ص ٣٩١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٢ ، ولسان العرب ١٥ / ١٦٨ ، مادة (فيا) ، ومغني اللبيب ١ / ١٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٧.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب المساقاة ، باب فضل سقي الماء (٢٣٦٥) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان (٣٢٤٢).

(٢) أخرجه النسائي ، كتاب القسامة ، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول (٤٨٥٦).

(٣) أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم (٤٥٩٩) ، بلفظ : «أفضل الأعمال الحب في الله ...».

(٤) أخرجه أحمد في مسنده (٢١٦٢٥).

(٥) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب حديث الخضر مع موسى عليهما‌السلام (٣٤٠١).


١٠٩٦ ـ أنا أبو سعد إذا الليل دجا

يخال في سواده يرندجا

أي : يخال سواده.

الكاف

(الكاف للتشبيه) نحو : زيد كالأسد (والتعليل) أثبته قوم ، قال ابن هشام : وهو الحق سواء جردت نحو : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) [القصص : ٨٢] ، أي : أعجب لأنه لا يفلح الكافرون ، أو وصلت بما المصدرية نحو : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨].

(ونفاه الأكثرون وثالثها :) تفيده (إن كفت بما) كحكاية سيبويه : كما أنه لا يعلم فيتجاوز الله عنه ، واختاره ابن مالك.

قال الكوفية والأخفش : والاستعلاء ، وحكوا أن بعضهم قيل له : كيف أصبحت؟ فقال : كخير ، أي : على خير ، وكن كما أنت ، أي : على ما أنت عليه ، وغيرهم قال : هي للتشبيه على حذف مضاف ، أي : كصاحب خير ، وعلى أن (ما) موصولة ، أي : كالذي هو أنت.

(و) قال (السيرافي وابن الخباز) في «النهاية» : (والمبادرة) إذا اتصلت ب : (ما) نحو : صل كما يدخل الوقت وسلم كما تدخل ، قال ابن هشام وهو غريب جدا.

(وتزاد توكيدا) قال في «التسهيل» : إن أمن اللبس نحو : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، أي : ليس مثله شيء ، وإلا لزم إثبات المثل وهو محال ، وبعضهم قال :الزائد لفظ المثل ، والأول أولى ، بل القول بزيادة الاسم لم يثبت ، (وجرها المضمر ضرورة) كقوله :

١٠٩٧ ـ وإن يك إنساما كها الإنس تفعل

__________________

١٠٩٦ ـ الرجز لسويد بن أبي كاهل اليشكري في خزانة الأدب ٦ / ١٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٦ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٣٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٣ ، ٢ / ٢١٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٣١.

١٠٩٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للشنفزى في ديوانه ص ٧١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، وشرح شواهد المغني ٣ / ٩٠٠ ، ولسان العرب ١٥ / ٢٣٥ ، مادة (كها) ، ٤٧٩ ، مادة (ها) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٨ ، وفي نسخة (إنسانا) بدلا من (إنساما).


أي : ما مثلها ، وقوله :

١٠٩٨ ـ فلا تري بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا

وعبارة «التسهيل» : ودخولها على ضمير الغائب المجرور قليل ، قال أبو حيان : ومعنى كلامه يفهم جوازه على قلة واختصاصه بالغائب والمجرور ، وأصحابنا خصوه وأطلقوا المضمر وأنشدوا في دخولها على ضمير المتكلم ، وحركتها حينئذ الكسر :

١٩٩٩ ـ وإذا الحرب شمّرت لم تكن كي

حين تدعو الكماة فيها نزال

وحكوا فيه وفي المخاطب عن الحسن : أنا كك ، وأنت كي ، وفي المرفوع :

١١٠٠ ـ قلت أي كأنت ثمّت لمّا

وفي المنصوب :

١١٠١ ـ فأحسن وأجمل في أسيرك إنه

ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر

وحكوا : أنت كأنا وكهو انتهى.

فلذا عبرت بما تقدم وإنما لم تجره اختيارا استغناء عنها بمثل وشبهه ، كما استغنوا فيه ب : (إلى) عن (حتى) نص عليه سيبويه.

(وتقع اسما مرادفة) لمثل جارة أيضا ، (ثم قال سيبويه) والمحققون : لا تقع كذلك إلا (ضرورة) وحينئذ فتجر بالحرف كقوله :

١١٠٢ ـ يضحكن عن كالبرد المنهمّ

__________________

١٠٩٨ ـ الرجز لرؤية في ديوانه ص ١٢٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٦ ، وللعجاج في الكتاب ٢ / ٣٨٤ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٨ ، وجواهر الأدب ص ١٢٤ ، ورصف المباني ص ٢٠٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣١.

١٠٩٩ ـ البيت من الخفيف ، وهو لبشار بن برد في خزانة الأدب ١٠ / ١٩٧ ، ١٩٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ، ٢ / ٢٠٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٦٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٤.

١١٠٠ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٧٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٥.

١١٠١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ١٩٤ ، ١٩٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧٠ ، ومجالس ثعلب ١ / ١٦١ ، وشرح الرضي ٤ / ٣٢٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٠.

١١٠٢ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٢٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٦ ، ١٦٨ ، وشرح شواهد المغني ـ


١١٠٣ ـ بكاللّقوة الشّعواء جلت فلم أكن

وبالإضافة كقوله :

١١٠٤ ـ تيّم القلب حبّ كالبدر لا بل

فاق حسنا من تيّم القلب حبّا

وتقع فاعلة كقوله :

١١٠٥ ـ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل

ومبتدأ كقوله :

١١٠٦ ـ بنا كالجوى مما نخاف وقد ترى

شفاء القلوب الصاّديات الحوائم

واسم (كان) كقوله :

١١٠٧ ـ لو كان في قلبي كقدر قلامة

فضلا لغيرك ما أتتك رسالتي

ومفعوله كقول النابغة :

١١٠٨ ـ لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله

برد الشتاء من الإمحال كالأدم

وذلك في الشعر كثير جدا ، ولم يرد في النثر فاختص به.

__________________

ـ ٢ / ٥٠٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩٤ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٥٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٥٤ ، والجنى الداني ص ٧٩ ، وجواهر الأدب ص ١٢٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٦ ، ٢ / ٢٢٥ ، وشرح المفصل ٨ / ٤٢ ، ٤٤ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٠ ، وشرح الرضي ٤ / ٣٢٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦٧.

١١٠٣ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٨٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٦ ، ٢ / ٢٢٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٥٤.

١١٠٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٨٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧.

١١٠٥ ـ البيت من البسيط ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١١٣ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٢٧٩ ، والجنى الداني ص ٨٢ ، والحيوان ٣ / ٤٦٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٤٣ ، ٤٥٤ ، ١٠ / ١٧٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٤٣ ،. ولسان العرب ١٤ / ٢٧٢ ، مادة (دنا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٢.

١١٠٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٥.

١١٠٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٧٨ ، والأغاني ٨ / ١٠٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٢٢ ، والزهرة ١ / ١٥٥ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٣٣.

١١٠٨ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٠١ ، والجنى الداني ص ٨٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٨ ، وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٦١٧ ، (محل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٧.


(و) قال أبو الحسن (الأخفش و) أبو علي (الفارسي) : تقع كذلك (اختيارا كثيرا) نظرا إلى كثرة السماع ، وعلى هذا يجوز في زيد كالأسد أن تكون الكاف في موضع رفع والأسد مخفوضا بالإضافة ، وعلى ذلك كثير من المعربين منهم الزمخشري ، قال ابن هشام : ولو صح ذلك لجمع في الكلام مثل مررت بكالأسد.

(و) قال (أبو حيان) : تقع اختيارا (قليلا) قال : لأنه تصرف فيها بكثرة ورودها فاعلة واسم كان ومفعولة ومبتدأة ومجرورة بحرف وإضافة ، وهكذا شأن الأسماء المتصرفة يتقلب عليها وجود الإسناد والإعراب.

(و) قال أبو جعفر (بن مضاء) هي اسم (أبدا) ؛ لأنها بمعنى مثل ، وما هو بمعنى اسم فهو اسم ، ورده الأكثرون بمجيئها على حرف واحد ، ولا يكون على ذلك من الأسماء الظاهرة إلا محذوف منه ، أو شاذ ، وبورود زيادتها ولا تزاد إلا الحروف.

(و) قال قوم : هي اسم (إذا زيدت) ، ورد بأن زيادة الاسم لم تثبت ، وقلّ جرها.

كي

(كي للتعليل وتختص بما الاستفهامية وأن وما المصدريتين) فلا تجر غيرها كقولهم في السؤال عن العلة : كيمه؟ وقولك : جئت كي تكرمني ، وقوله :

١١٠٩ ـ يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع

وقد تقدم في نواصب المضارع أن الكوفية أنكروا كونها جارة مع دليله ورده.

اللام

(اللام للملك) نحو : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الصف : ١] ، (والاختصاص) نحو : (إِنَّ لَهُ أَباً) [يوسف : ٧٨] ، (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [النساء : ١١] ، الجنة للمؤمنين ، والسرج للفرس ، وهذا الشعر لفلان ، (والاستحقاق) وهي الواقعة بين معنى وذات نحو : (الحمد لله) ، (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١] ، و(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) [المائدة : ٤١] ، قال ابن هشام : وبعضهم يستغني بالاختصاص عن ذكر الملك والاستحقاق ، ويمثله بالأمثلة المذكورة ويرجحه أن فيه تقليلا للاشتراك ، وفرق بعضهم بين الاستحقاق والاختصاص بأن الأول أخص ؛ إذ هو ما شهدت به العادة وقد يخص الشيء بالشيء من

__________________

١١٠٩ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٠٤).


غير شهادة عادة ؛ إذ ليس من لازم البشر أن يكون له ولد (والتمليك) نحو : وهبت لزيد دينارا (أو شبهه) نحو : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل : ٧٢] ، والنسب نحو : لزيد عم هو لعمرو خال (والتبليغ) وهي الجارة لاسم السامع لقول ، أو ما في معناه نحو : قلت له وأذنت له وفسرت له (والتبيين) وهي أقسام : ما يبين المفعول من الفاعل بأن يقع بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل من حب أو بغض ، تقول : ما أحبني وما أبغضني ، فإن قلت : لفلان فأنت فاعل الحب والبغض وهو مفعول لهما ، فإن قلت : إلى فلان فالأمر بالعكس ، ذكره ابن مالك ، قال ابن هشام : وليكن ذلك أيضا في معنى إلى.

وما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية أو مفعولية غير ملتبسة بفاعلية ، ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها ، أو معلوم ولكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له ، واللام في ذلك متعلقة بمحذوف ، فالأول نحو : تبا لزيد وويحا له ، والثاني نحو : سقيا وجدعا له.

(والتعجب) إما مع القسم وهي الداخلة على اسم الله تعالى نحو :

١١١٠ ـ لله يبقى على الأيّام ذو حيد

أو مجردا عنه وهي المستعملة في النداء نحو :

١١١١ ـ فيا لك من ليل كأنّ نجومه

بكل مغار الفتل شدّت بيذبل

 (وبمعنى عند) نحو : كتبته لخمس خلون ، قال ابن جني : ومنه قراءة الجحدري (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) [ق : ٥] بكسر اللام وتخفيف الميم (قال الأخفش : والصيرورة) وتسمى لام العاقبة ولام الملك نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].

__________________

١١١٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح الإيضاح ص ٥٤٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٢٧٥ ، مادة (ظين) ، ولأمية بن أبي عائذ في الكتاب ٣ / ٤٩٧ ، ولمالك بن خالد الخناعي في جمهرة اللغة ص ٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩٩ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٤٣٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٠٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦٢.

١١١١ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ، ٣ / ٢٦٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٠٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٦٩ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٢٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩١ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٥١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦١.


١١١٢ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب

(و) قال (الكوفيون : والتعليل) نحو : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) [آل عمران : ٨١] الآية في قراءة حمزة بكسر اللام ، (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات : ٨] ، (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١].

(ومعنى إلى) نحو : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة ٥] ، (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) [الرعد : ٢] ، (سمع الله لمن حمده) ، أي : استمع إليه ، (و) بمعنى (على) نحو : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) [الإسراء : ١٠٧] ، (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات : ١٠٣] ، (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ، و «اشترطي لهم الولاء» (٢).

(و) بمعنى (مع) كقوله :

١١١٣ ـ فلما تفرّقنا كأنّي ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

 (و) بمعنى (من) كقول جرير :

١١١٤ ـ لنا الفضل في الدّنيا وأنفك راغم

ونحن لكم يوم القيامة أفضل

وقولك : سمعت له صراخا ، (و) بمعنى (في) نحو : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء : ٤٧] ، (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) [الأعراف : ١٨٧] ، (و) بمعنى (بعد) نحو : (أَقِمِ

__________________

١١١٢ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي العتاهية في ديوانه ص ٣٣ ، وللإمام علي بن أبي طالب في خزانة الأدب ٩ / ٥٢٩ ـ ٥٣١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٣ ، والجنى الداني ص ٩٨ ، وشرح التصريح ٢ / ١٢ ، وشرح الرضي ٤ / ٢٨٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٥.

١١١٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ١٢٢ ، وأدب الكاتب ص ٥١٩ ، والأزهية ص ٢٨٩ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٨ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٧٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١١٧٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٦٥ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٤٥ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٠٢ ، ورصف المباني ص ٢٢٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٦.

١١١٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٣ ، والجنى الداني ص ١٠٢ ، وجواهر الأدب ص ٧٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٨٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٧ ، ولسان العرب ٢ / ٢٤ ، مادة (حتت) ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٣ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٧٥ ، وشرح الأسموني ٢ / ٢٩١ ، ٢ / ٢١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩٥.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل (٢١٦٨).


الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] ، «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (١).

(و) قال (ابن الحاجب) في «الكافية» : (و) بمعنى (عن) مع القول نحو : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الأحقاف : ١١] الآية ، أي : عنهم ، وليس المعنى أنهم خاطبوا به المؤمنين ، وإلا لقال : ما سبقتمونا إليه ، قال ابن الصباغ : وفيه نظر لجواز أن يكون من باب الحكاية ، وجعلها ابن مالك وغيره للتعليل ، وقوم للتبليغ ، ومن ذلك : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) [الأعراف : ٣٨] ، (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) [هود : ٣١].

١١١٥ ـ كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسدا وبغضا : إنه لدميم

 (و) قال (ابن مالك) في «الخلاصة» و «الكافية» : (والتعدية) ومثل له في شرحها بقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) [مريم : ٥] ، ومثل ابنه بقولك : قلت له كذا ، ولم يذكره في التسهيل ولا شرحه ، بل فيه أن اللام في الآية لشبه التمليك ، وفي المثال للتبليغ.

قال ابن هشام : والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو : ما أضرب زيدا لعمرو ، وما أضربه لبكر ، وقال الرضي الشاطبي : لم يذكر أحد من المتقدمين هذا المعنى للام فيما أعلم ، وأيضا فالتعدية ليست من المعاني التي وضعت الحروف لها ، وإنما ذلك أمر لفظي مقصوده إيصال الفعل الذي لا يستقل بالوصول بنفسه إلى الاسم فيتعدى إليه بوساطته ، وهذا القصد يشترك فيه جميع الحروف ؛ لأنها وضعت لتوصيل الأفعال إلى الأسماء.

(والتوكيد) وهي الزائدة بين المتضايفين نحو : لا أبا لزيد ، ولا أخا له ، ولا غلامي له ، و

١١١٦ ـ يا بوس للحرب

__________________

١١١٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ٤٠٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٦٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٠ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٣٦٠ ، والجنى الداني ص ١٠٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩١ ، ٢ / ٢١٨ ، ولسان العرب ١٢ / ٢٠٨ ، مادة (دمم) ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٠.

١١١٦ ـ ذكر في نسخة العلمية بدون شرح.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا رأيتم ...» (١٩٠٩) ، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته (١٠٨١).


والأصح أن الجر حينئذ بها لا بالمضاف ؛ لأنها أقرب أو الفعل المتعدي ومفعوله كقوله تعالى : (يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) [النمل : ٧٢] ، وقول الشاعر :

١١١٧ ـ وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

 (والتقوية) في مفعول عامل (ناصب واحد) ضعف بالتأخير نحو : (لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف : ١٥٤] ، وبكونه فرعا في العمل نحو : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] ، (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) [المعارج : ١٦] ، قال في شرح «الكافية» : ولا يفعل ذلك بمتعد إلى اثنين ؛ لأنه إن زيدت فيهما لزم تعدية فعل واحد إلى مفعولين بحرف واحد ولا نظير له ، أو في أحدهما لزم الترجيح بلا مرجح ، وإيهام غير المقصود ، ووافقه أبو حيان.

قال ابن هشام : والأخير ممنوع ؛ لأنه إذا تقدم أحدهما دون الآخر وزيدت اللام في المقدم لم يلزم ذلك ، وقد قال الفارسي في قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة :١٤٨] بإضافة كل : إنه من هذا ، والمعنى الله مولّ كل ذي وجهة وجهته ، وقالوا في قوله:

١١١٨ ـ هذا سراقة للقرآن يدرسه

إن الهاء مفعول مطلق لا ضمير القرآن ، وقد دخلت اللام في أحد المفعولين المقدم ، بل ودخلت في أحد المتأخرين في قول ليلى :

١١١٩ ـ أحجّاج لا تعط العصاة مناهم

ولا الله يعطي للعصاة مناها

قال : لكنه شاذ لقوة العامل انتهى.

(والأشهر كسرها) أي : لام الجر مع كل ظاهر إلا المستغاث كما سبق (إلا مع

__________________

١١١٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لابن ميادة في الأغاني ٢ / ٢٨٨ ، وشرح التصريح ٢ / ١١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٨٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٩ ، والجنى الداني ص ١٠٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩١ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٥١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٨.

١١١٨ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٢ / ٣ ، ٥ / ٢٢٦ ، ٩ / ٤٨ ، ٦١ ، ٥٤٧ ، ورصف المباني ٢٤٧ ، ٣١٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٢٦ ، وشرح شواهد المغني ٥٨٧ ، والكتاب ٣ / ٦٧ ، ولسان العرب ١٠ / ١٥٧ ، مادة (سرق) ، والمقرب ١ / ١١٥ ، وشرح الرضي ١ / ٣٠٤ ، ٢ / ٤٠٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٧.

١١١٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لليلى الأخيلية في ديوانها ص ١٢٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٨٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٨ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٣.


مضمر) فالأشهر فتحها (غير الياء) ومقابل الأشهر أن بعض العرب يفتحها مع الظاهر مطلقا ، فتقول : المال لزيد ، وبعضهم إذا دخلت على الفعل ، وقرئ : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] ، وخزاعة تكسرها مع المضمر ، وإنما كسرت هي والباء وإن كان الأصل في الحرف الواحد بناؤه على الفتح تخفيفا ؛ لموافقة معمولها ولم تكسر الكاف ؛ لأنها تكون اسما أيضا فكان جرها ليس بالأصالة ، ولئلا تلبس بلام الابتداء ونحوها ، وبقيت في المضمر على الأصل ؛ لأنه يتميز ضمير الجر من غيره ، ولم يعول في الظاهر على الفرق بالإعراب ؛ لعدم اطراده ؛ إذ قد يكون مبنيا وموقوفا عليه.

لعل

(لعل والجر بها لغة) عقيلية ، حكاها أبو زيد والأخفش والفراء ، قال شاعرهم :

١١٢٠ ـ لعلّ أبي المغوار منك قريب

(وقد أنكرها قوم) منهم الفارسي ، وتأول البيت على أن الأصل لعله لأبي المغوار جواب قريب ، فحذف موصوف (قريب) وضمير الشأن ولام لعل الثانية تخفيفا ، وأدغم الأولى في لام الجر ، ومن ثم كانت مكسورة ، ومن فتح فهو على لغة المال لزيد ، وهذا تكلف كثير مردود بنقل الأئمة.

(وفيها حينئذ) أي : إذا جرت فتح الآخر وكسره كما ذكر (مع حذف الأول ودونه) أي : عل ولعل (وحكم محلها ومجرورها كرب) فالأصح أنها تتعلق بالعامل ، وقيل : لا تنزيلا لها منزلة الزائد ، وأن محل مجرورها على حسب ما بعدها ففي البيت المذكور محله رفع بالابتداء وقريبا خبره (بمعنى لعل) نقل الفراء وابن الأنباري الجر بها ، قال الفراء : وفي خبرها الرفع والنصب.

لو لا

لو لا الامتناعية إذا تلاها ضمير جر نحو : لولاي ولولاك ولولاه قال :

__________________

١١٢٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات ص ٩٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٢٦ ، ٤٢٨ ، ٤٣٠ ، ٤٣٦ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٠٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٩١ ، ولسان العرب ١ / ٢٨٣ ، مادة (جوب) ١١ / ٤٧٣ ، مادة (علل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٠.


١١٢١ ـ وكم موطن لولاي طحت كما هوى

وقال :

١١٢٢ ـ لولاك في ذا العام لم أججج

وقال :

١١٢٣ ـ لولاكم ساغ لحمي عندها ودمي

وقال :

١١٢٤ ـ ولولاه ما قلّت لديّ الدّراهم

وقال :

١١٢٥ ـ فلولاهم لكنت كحوت بحر

فقال سيبويه والجمهور (موضعه جر بها) واختصت به كما اختصت (حتى) و (الكاف) بالظاهر ، قالوا : ولا جائز أن يكون مرفوعا ؛ لأنها ليست ضمائر رفع ، ولا منصوبا وإلا لجاز وصلها بنون الوقاية مع ياء المتكلم كالياء المتصلة بالحروف ، ولأنه كان حقها أن تجر الاسم مطلقا ، لكن منع من ذلك شبهها بما اختص بالفعل من أدوات الشرط في ربط جملة بجملة ، فأرادوا التنبيه على موجب العمل فجروا بها المضمر ، (و) قال (الأخفش)

__________________

١١٢١ ـ البيت من الطويل ، وهو ليزيد بن الحكم في الأزهية ص ١٧١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٤٢ ، وسر صناعة الإعراب ص ٣٩٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٢ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٨ ، ٩ / ٢٣ ، والكتاب ٢ / ٣٧٤ ، ولسان العرب ١٢ / ٩٢ ، مادة (جرم) ، ١٥ / ٣٧٠ ، مادة (هوا) ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦٩١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٠.

١١٢٢ ـ صدر البيت (أومت بعينيها في الهودج) والبيت من السريع وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٨٧ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٣ ، ٣٣٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، وكتاب الصناعتين ص ١١٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٩٣ ، وشرح قطر الندى ص ٢٥١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٧.

١١٢٣ ـ البيت من البسيط ، وهو للأخطل في ديوانه ص ٣١٣ ، وتذكرة النحاة ص ٤٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٢.

١١٢٤ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٢.

١١٢٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لعبد الرحمن بن حسان في ديوانه ص ١٨ ، وجمهرة اللغة ص ٤٥٢ ، ١٠٣٨ ، وشرح المفصل ٩ / ١١٤ ، وبلا نسبة في الممتع في التصريف ص ٣٨٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٦.


والكوفية : موضعه (رفع) على الابتداء إنابة لضمير الجر عن ضمير الرفع ، كما عكسوا في أنا كأنت وأنت كأنا ، ولو لا غير جارة ؛ لأن المضمر فرع الظاهر وهي لا تجر الأصل فكيف تجر الفرع؟ وما قيل من أنها مختصة بالاسم ممنوع ، وإنما هي داخلة على الجملة الابتدائية.

(و) قال (المبرد) : هو (لحن) ورد باتفاق أئمة البصريين والكوفيين على روايته عن العرب ، (ولا يعطف عليه بالجر) ، بل يتعين الرفع نحو : لولاك وزيد ؛ لأنها لا تجر الظاهر ، وخرج بالامتناعية التحضيضية فلا يليها غير الفعل البتة.

متى

(متى والجر بها لغة) لهذيل (بمعنى من) كقوله :

١١٢٦ ـ شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج

 (و) تأتي بمعنى (وسط) حكي : وضعته متى كمي ، أي : وسطه ، وإذا كانت بمعنى (وسط) فهي اسم ، أو (من) فحرف جزم به ابن هشام وغيره.

من

(من) مبنية على السكون مكسورةالأول ، قال ابن درستويه : وكان حقه الفتح لكن قصد الفرق بينها وبين من الاسمية ، (قال الكسائي والفراء : أصلها منا) فحذفت الألف ؛ لكثرة الاستعمال واستدلا بقوله :

١١٢٧ ـ بذلنا مازن الخطّيّ فيهم

وكلّ مهنّد ذكر حسام

منا إن ردّ قرن الشّمس حتى

أغاب شريدهم قتر الظّلام

قال : فرد (من) إلى أصلها لما احتاج إلى ذلك ، فعلى هذا هي ثلاثية ، والجمهور أنها ثنائية وأولوا البيت على أن (منا) مصدر مني يمني إذا قدر استعمل ظرفا كخفوق النجم ، أي تقدير : إن رد قرن الشمس وموازنته إلى أن غربت.

__________________

١١٢٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في الأزهية ص ٢٠١ ، والأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٧ ، وجواهر الأدب ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٧ ، ٩٧ ، ٩٩ ، والخصائص ٢ / ٨٥ ، وسر صناعة الإعراب ١٣٥ ، ٤٢٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٢٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٢١٨ ، ولسان العرب ١ / ٤٨٧ ، مادة (شرب) ٥ / ١٦٢ ، مادة (مخر) ، ١٥ / ٤٧٤ ، مادة (متى) ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٤.

١١٢٧ ـ البيتان من الوافر ، وهما لبعض قضاعة في لسان العرب ١٣ / ٤٢٣ ، مادة (منن) ، والتاج (منن) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٣.


(و) قال (ابن مالك : هو لغة) لبعض العرب ، (و) قال (أبو حيان : ضرورة لابتداء الغاية مطلقا) أي : مكانا وزمانا وغيرهما نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] ، (أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة : ١٠٨] ، (مطرنا من الجمعة إلى الجمعة) ، (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [الحج : ٥] الآية ، «من محمد رسول الله إلى هرقل» (١).

(وخصها البصرية) إلا الأخفش والمبرد وابن درستويه (بالمكان) ، وأنكروا ورودها للزمان ، قال ابن مالك : وغير مذهبهم هو الصحيح ؛ لصحة السماع بذلك ، وكذا قال أبو حيان : لكثرة ذلك في كلام العرب نظما ونثرا ، وتأويل ما كثر وجوده ليس بجيد.

وقال الرضي : المقصود من معنى الابتداء في (من) أن يكون الفعل المعدى بها شيئا ممتدا كالسير والمشي ، ويكون المجرور بمن الشيء الذي منه ابتدأ ذلك الفعل نحو : سرت من البصرة ، أو يكون الفعل أصلا للشيء الممتد نحو : تبرأت من فلان ، وخرجت من الدار ؛ لأن الخروج ليس ممتدا لحصوله بالانفصال ولو بأقل خطوة ، وليس (التأسيس) في الآية حدثا ممتدا ولا أصلا له ، بل هو حدث واقع فيما بعد (من) فهي بمعنى (في) ، ثم قال : والظاهر مذهب الكوفيين ؛ إذ لا منع من قولك : نمت من أول الليل إلى آخره ، وهو كثير الاستعمال ، قال : وضابطها أن يحسن في مقابلتها (إلى) ، أو ما يفيد فائدتها نحو :أعوذ بالله منك ؛ إذ المعنى ألتجئ إليه ، فالباء أفادت معنى الانتهاء.

(والتبعيض) وهي التي تسد (بعض) مسدها نحو : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢٥٣] ، وقرأ ابن مسعود : حتى تنفقوا بعض ما تحبون [آل عمران : ٩٢] ، (والتبيين) للجنس وكثيرا ما يقع بعد (ما) و (مهما) ، وهما بها أولى ؛ لإفراط إبهامها نحو : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ) [فاطر : ٢] ، (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦] ، (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف : ١٣٢] ، ومن وقوعها بعد غيرهما (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ) [الكهف : ٣١] ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].

(وأنكرهما طائفة) فمن أنكر التبعيض المبرد والأخفش الصغير وابن السراج والجرجاني والزمخشري ، وقالوا : هي للابتداء ، وأنكر الثاني أكثر المغاربة وقالوا في الآية : هي للتبعيض ، وفي الثانية : للابتداء ، والمعنى فاجتنبوا من الرجس والأوثان وهو

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس (٢٩٤١) ، ومسلم ، كتاب الجهاد ، باب كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هرقل (١٧٧٣).


عبادتها ، وكذا قال الزمخشري ، قال الرضي : وهو بعيد ؛ لأن الأوثان نفس الرجس فلا تكون مبدأ له.

(قال ابن مالك : وللتعليل) نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ٢٥] ، (والبدل) وهي التي يصلح محلها لفظ بدل نحو : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] ، (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) [الزخرف : ٦٠] ، «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (١) ، أي : بدلك.

(والفصل) وهي الداخلة على ثاني المتضايفين نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران : ١٧٩] ، ورد بأن الفصل مستفاد من العامل وهو العلم وماز ، وأن الظاهر كونها للابتداء أو المجاوزة.

(وبمعنى عن) نحو : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء : ٩٧] ، (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] ، (و) بمعنى (على) نحو : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٧] ، (و) بمعنى (الباء) نحو : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) [الشورى : ٤٥].

(و) قال (الكوفية : و) بمعنى (في) نحو : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة : ٩] ، (و) بمعنى (إلى) نحو : رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك ، أي :محلا للابتداء والانتهاء ، وقربت منه ، أي : إليه (قيل : و) بمعنى (عند) قاله أبو عبيدة نحو :(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١٠] ، قيل : (و) بمعنى (ربما) إذا اتصلت مع (ما) ، قاله السيرافي وابن خروف وابن طاهر والأعلم ، كقوله :

١١٢٨ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

على رأسه تلقي اللسان من الفم

والأكثرون قالوا : إنها في الأمثلة كلها ابتدائية.

تنبيه : علم مما حكي عن البصريين في هذه الأحرف من الاقتصار على معنى واحد

__________________

١١٢٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي حية النميري في الأزهية ص ٩١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، وشرح شواهد المغني ٧٢ ، ٧٣٨ ، والكتاب ٣ / ١٥٦ ، ومغني اللبيب ص ٣١١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢٦٠ ، والجنى الداني ص ٣١٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩ ، ومغني اللبيب ٣٢٢ ، ٥١٣ ، والمقتضب ٤ / ١٧٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٧.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة (٨٤٤) ، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته (٥٩٣).


لكل حرف أن مذهبهم أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس ، كما أن أحرف الجزم كذلك ، وما أوهم ذلك فإما مؤول تأويلا يقبله اللفظ ، أو على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف ، أو على النيابة شذوذا والأخير محمل الباب كله عند غيرهم بلا شذوذ وهو أقل تعسفا.

(وتزاد) للتنصيص على العموم من نكرة لا تختص بالنفي نحو : ما جاءني من رجل ، وللتوكيد (قال الأخفش) من البصرية (والكسائي وهشام) من الكوفية : (مطلقا) أي : في النفي والإيجاب والنكرة والمعرفة ، واختاره في «التسهيل» وشرحه ، قال : لصحة السماع بذلك كقوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [الأحقاف : ٣١] ، (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام : ٣٤] ، وحديث : «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» (١) ، وقول الشاعر :

١١٢٩ ـ وكنت أرى كالموت من بين ساعة

فكيف ببين كان موعده الحشر

أي : وكنت أرى بين ساعة كالموت ، وقوله :

١١٣٠ ـ ويكثر فيه من حنين الأباعر

(و) قال (بعضهم) أي : الكوفية (في نكرة) منفية كانت أم موجبة سمع (قد كان من مطر) ، (و) قال قوم منهم الفارسي (في نكرة شرط) كقوله :

١١٣١ ـ ومهما تكن عند امرىء من خليقة

وإن خالها تخفى على النّاس تعلم

 (و) قال (الجمهور في نكرة ذات نفي) بأي حرف كان من حروفه (أو نهي) نحو:

__________________

١١٢٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لسلمة بن يزيد الجعفي في سمط اللآلي ص ٧٠٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٠٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٣ ، ولليلى بنت سلمى في حماسة البحتري ص ٢٧٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٢.

١١٣٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣١٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٥.

١١٣١ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٢ ، والجنى الداني ص ٦١٢ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٨٦ ، ٧٣٨ ، ٧٤٣ ، وشرح قطر الندى ص ٣٧ ، ومغني اللبيب ص ٣٣٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٧٩ ، ومغني اللبيب ص ٣٢٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب اللباس ، باب عذاب المصورين يوم القيامة (٥٩٥٠) ، ومسلم كتاب اللباس والزينة ، باب تحريم تصوير صورة الحيوان ... (٢١٠٩).


(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩] ، (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) [الأنعام : ٥٩] ، لا تضرب من أحد (أو استفهام بهل) نحو : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] ، (ولا غيرها) من سائر الأدوات كيف ونحوها ؛ إذ لم تحفظ قاله أبو حيان.

(قال أبو حيان) في «الارتشاف» : (وفي) إلحاق (الهمزة) بهل (نظر) ولا أحفظه من كلام العرب ، وظاهر كلام شيخه الرضي الشاطبي الإلحاق ؛ لأنه قال : لا تدخل من مع كل أداة استفهام كأين ومتى ، بل مع هل وما يقوم مقامها من استدعاء الجواب بالنفي ، ثم الجمهور أولوا ما استدل به الأولون بأن التقدير بعض ذنوبكم ، ولقد جاءك نبأ من نبأ ، فحذف الموصوف ، أو هو ، أي : جاء من الخبر كائنا من نبأ أو القرآن ، وما بعده حال ، وقد كان هو ، أي : كائن من جنس المطر ، أو قصد به الحكاية كأنه سئل هل كان من مطر؟ فأجيب على نمطه وأنه من أشد الناس ، أي : الشأن ومن عليه.

تنبيه : شرط ابن هشام في «المغني» أن تكون المزيدة فيه أيضا فاعلا أو مفعولا به أو مبتدأ ، كما مثلت قال : وأهمل أكثرهم هذا الشرط فيلزمهم زيادتها في الخبر والتمييز والحال المنفيات ، وهم لا يجيزون ذلك انتهى.

وقد سبقه إلى معناه الرضي الشاطبي نقلا عن ابن أبي الربيع وغيره.

(وتفيد) إذا زيدت في الحالة المذكورة (توكيدا ، وقال) علي بن سليمان (الأخفش الصغير : ابتداء) الغاية ، قال : كأنه ابتدأ النفي من هذا النوع ، ثم عرض أن يقتصر به عليه ، (وتنفرد) من (بجر بله) كحديث البخاري عن أبي هريرة يقول الله : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ذخرا من بله ما اطلعتم عليه» (١) ، والمعروف نصبه أو فتحه كما تقدم ، على أن في بعض طرق الحديث (من بله) بفتح الهاء مبنية.

(وجر عند) نحو : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) [الكهف : ٦٥] ، قال الحريري وغيره : وقول العامة : ذهبت إلى عنده ، وقول بعض المريدين :

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، باب قوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (٤٧٨٠).

قال ابن حجر في فتح الباري ٨ / ٥١٦ : (من بله ما أطلقتم عليه) كأنه يقول : داع ما أطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادّخر لهم.


١١٣٢ ـ كل عند لك عندي

لا يساوي نصف عندي

لحن.

(و) يجر (مع) قرئ (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) [الأنبياء : ٢٤] ، وحكى سيبويه : ذهبت من معه (و) يجر (لدن) نحو : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) [مريم : ١٣] ، (و) يجر (قبل وبعد) نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، (و) يجر (عن وعلى) كقوله :

١١٣٣ ـ من عن يميني مرّة وأمامي

وقوله :

١١٣٤ ـ من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

(وهما اسمان حينئذ) بمعنى جانب وفوق (مبنيان على الأصح) وبه جزم ابن الحاجب ، قال : لحصول مقتضى البناء وهو مشابهة الحرف في لفظه وأصل معناه ، ونقل أبو حيان عن بعض أشياخه أنهما معربان ، ولا ينافي ما رجحته هنا ما سبق ترجيحه من إعرابها على القول باسميتها ؛ لعدم العلة هناك ؛ إذ لا حرف حينئذ بمعناها تشبه به ، ولذا حكى بعضهم الاتفاق على إعرابها حينئذ مع حكاية الخلاف هنا.

(وقال الكوفية : حرفان) بقيا على حرفيتهما (قالوا) أيضا : (وتدخل) من (على كل) حرف (جار إلا من واللام والباء وفي ، وسمع جر عن ب : على) في بيت واحد ، وهو قوله :

١١٣٥ ـ على عن يميني مرّت الطّير سنّحا

(والأصح أنها) أي : من (في قبل وبعد) ابتدائية وهو قول الجمهور ، واستشكل بأنها

__________________

١١٣٢ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

١١٣٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص ١٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٦١١).

١١٣٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٤ ، والأزهية ص ١٩٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٧ ، ١٥٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٣٨ ، ولسان العرب ١١ / ٣٨٣ ، مادة (صلل) ، ١٥ / ٨٨ ، مادة (علا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٠١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٧ ، وفي نسخة (خمسها) بدلا من (ظمؤها).

١١٣٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٥٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٠٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٤.


لا ترد عندهم للزمان ، وأجيب بأنهما غير متأصلين في الظرفية ، وإنما هما في الأصل صفتان للزمان ؛ إذ أصل جئت قبلك جئت زمانا قبل زمن مجيئك فجعل ذلك فيهما ، وقال ابن مالك وجماعة : هي فيهما زائدة بناء على ما اختاره من زيادتها في الإيجاب.

(و) الأصح أنها (في أفعل) التفضيل (ابتدائية) وهو قول سيبويه ، ففي نحو : زيد أفضل من عمرو لابتداء الارتفاع ، وشر منه لابتداء الانحطاط ؛ إذ لا يقع بعدها (إلى) ، وقال ابن مالك وابن ولاد : للمجاوزة ، وكأنه قيل : جاوز زيد عمرا في الفضل أو الشر ، أي : ابتداء التفضيل منه. قال ابن هشام : ولو صح ذلك لوقع موضعها (عن).

(قال الزمخشري) في «الكشاف» (والطيبي) في حاشيته : (وترد) من (اسما مفعولا) كقوله تعالى : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : ٢٢] ، أعرب من مفعولا لأخرج ، ورزقا مفعولا لأجله ، قال : وكذا حيث كانت للتبعيض فهي في موضع المفعول به ، قال الطيبي : وإذا قدرت (من) مفعولا كانت اسما ك : (عن) في قوله : من عن يمينه.

(تنبيه) ترد (إلى) أيضا اسما بمعنى النعمة وجمعه الآلاء ، و (في) اسما بمعنى (الفم) مجرورا ، و (كي) اسما مختصرا من (كيف) ، كما قيل في سوف سو ، ومتى اسما بمعنى وسط كما تقدم.

(ومرت أحرف في) مبحث (الاستثناء) وهي بيد وحاشا وخلا وعدا وبله ، (و) في (الظروف) وهي مذ ومنذ ومع على خلف وتفصيل ، فأغنى عن إعادتها هنا.

(مسألة : لا يحذف الجار ويبقى عمله اختيارا) وإن وقع فضرورة كقوله :

١١٣٦ ـ إذا قيل : أي النّاس شرّ قبيلة؟

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

وقوله :

١١٣٧ ـ وكريمة من آل قيس ألفته

حتى تبذّخ فارتقى الأعلام

__________________

١١٣٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٤٢٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ١١٣ ، ١١٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٧٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٩٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٥.

١١٣٧ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٧٥ ، ولسان العرب ٩ / ٩ ، مادة (ألف) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٣.


أي : إلى كليب ، وفي الأعلام ، أو نادر لا يقاس عليه كحديث البخاري : «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمس وعشرين ضعفا» (١) ، أي : بخمس (إلا مع كم) كما تقدم في مبحث التمييز ، (أو رب بعد) الفاء و (الواو العاطفة كثيرا) جدا ، حتى قال أبو حيان : لا يحتاج إلى مثال فإن دواوين العرب ملأى منه ، والتأويل قليل كقوله :

١١٣٨ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

١١٣٩ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه

(وقيل : الجر بالثلاثة) أي : الواو والفاء وبل.

أما الأول : فقاله المبرد والكوفية ، قالوا : ولا تنكر أن يكون للحرف الواحد معان ويدل لذلك مجيئها في أول القصائد ، كقول رؤبة :

١١٤٠ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

فليست عاطفة ، ورد بأنها لو كانت بمنزلة (رب) وليست عاطفة لدخل عليها واو العطف كما يدخل على رب ، ولا يقال : كرهوا اتفاق اللفظين ؛ لأنهم أدخلوها على واو القسم ، وأما الابتداء بها في القصائد لإمكان عطفه على ما في خاطره مما يناسب ما عطف عليه بدليل قول زهير أول قصيدة :

__________________

١١٣٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢ ، والأزهية ص ٢٤٤ ، والجنى الداني ص ٧٥ ، وجواهر الأدب ص ٦٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٤١٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٢ ، ٤٦٣ ، والكتاب ٢ / ١٦٣ ، ولسان العرب ٨ / ١٢٦ ، ١٢٧ ، مادة (رضع) ، ١١ / ٥١١ ، مادة (غيل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٨.

١١٣٩ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٥٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ٣٧٦ ، ٤٣١ ، ٤٤٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٧ ، ولسان العرب ١١ / ٦٥٤ ، مادة (ندل) ، ١٢ / ١١١ ، مادة (جهرم) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٥ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٢٢٥ ، وجواهر الأدب ص ٥٢٩ ، ورصف المباني ص ١٥٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤١٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦١.

١١٤٠ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٠٤ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٥ ، والأغاني ١٠ / ١٥٨ ، وجمهرة اللغة ص ٤٠٨ ، ٦١٤ ، ٩٤١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٥ ، والخصائص ٢ / ٢٢٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٤ ، ٧٨٢ ، ولسان العرب ١٠ / ٨٠ ، مادة (خفق) ، ١٠ / ٢٧١ ، مادة (عمت) ، ١٥ / ١٣٣ ، مادة (غلا) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠٩.

(١) أخرجه بهذا اللفظ السراج في مسنده ص ٢٢٣ (٦٥٣).


١١٤١ ـ دع ذا وعدّ القول في هرم

فأشار ب : (ذا) إلى ما في نفسه ، وأما حكاية الخلاف في التأويل فقد وقع في «المغني» لابن هشام نقلا عن المبرد في (الفاء) ، وعن بعضهم في (بل) ، وفي «الارتشاف» نقلا عن بعضهم فيهما ، لكن ابن مالك وابن عصفور وغيرهما قالوا : لا خلاف في أن الجر فيهما برب محذوفة لا بهما ، وأقره أبو حيان في شرح «التسهيل» ، وادعى الرضي أن الجر برب محذوفة بعد الثلاثة خاص بالشعر.

(قيل) : وتجر رب محذوفة بعد (ثم) أيضا نقله أبو حيان عن صاحب «الكافي» ، قال : وسبب ذلك أن هذه الأحرف من حروف العطف جامعة في المعنى واللفظ ، وما عداها إنما يجمع في اللفظ.

(و) الجر بها محذوفة (دونها) أي : دون الحروف المذكورة (أقل) كقوله :

١١٤٢ ـ رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله

 (قال ابن مالك : أو غيرها) أي : غير رب قد تجر محذوفا (في جواب ما يضمر مثله) كزيد في جواب من قال : بمن مررت؟ وبل زيد لمن قال : ما مررت بأحد ، ومنه حديث : «أقربهم منك بابا» لمن قال : «فإلى أيهما أهدي» (٣).

(أو معطوفا عليه) أي : على ما يضمر بحرف (متصل) نحو : في الدار زيد والقصر عمرو ، أي : وفي القصر ، ومنه : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الجاثية : ٤ ـ ٥] الآية ، (أو منفصل بلا) كقوله :

__________________

١١٤١ ـ البيت من الكامل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٨٨ ، والأغاني ٦ / ٨٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٩٦ ، ٣٢١ ، ٩ / ٤٤٣ ، ٤٤٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٢.

١١٤٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٩ ، وتقدم الشاهد برقم (٩٨٧).

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الشفعة ، باب أي الجوار أقرب (٢٢٥٩) ، وأبو داود ، كتاب الأدب ، باب في حقه الجوار (٥١٥٥).


١١٤٣ ـ ما لمحبّ جلد أن يهجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا

(أو لو) كقوله :

١١٤٤ ـ متى عذتم بنا ولو فئة منّا

وإن كان المعتاد في مثل هذا النصب كقولهم : ائتني بدابة ولو حمارا ، (أو) في (مقرون بعده) أي : بعد ما تضمر (بالهمزة) نحو : أزيد بن عمرو؟ في جواب مررت بزيد ، (أو هلا) نحو : هلا دينار ، في جواب جئت بدرهم ، حكاهما الأخفش ، أو إذا والفاء (الجزائيتين) نحو : مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح ، حكاه يونس ، أي : إلا أمر بصالح فقد مررت بطالح ، وفي الصحيح : «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربعة فخامس أو سادس» (٣).

قال في «التسهيل» : ويقاس على جميعها ، خلافا للفراء في الصورة الأولى ؛ لقول العرب : خير بالجر لمن قال : كيف أصبحت؟ بحذف الباء وبقاء عملها ؛ لأن معنى كيف بأي حال ، فجعلوا معنى الحرف دليلا ، فلو لفظ به لكانت الدلالة أقوى وجواز الجر أولى.

قال أبو حيان : وينبغي أن يثبت في جواز هذه الصور ؛ لأن أصحابنا نصوا على أنه لا يجوز حذف الجار وإبقاء عمله إلا إذا عوض منه ، وذلك في باب كم والقسم ، وجعلوا قول العرب : (خير) من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، وقد صرح صاحب «البسيط» بوجوب إعادة الجار بعد الهمزة فيقال : أبزيد في جواب مررت بزيد انتهى.

(وقال سيبويه : أو الباء).

تنبيه : قالت العرب : (لاه أبوك) يريدون لله أبوك ، قال سيبويه : حذف لام الجر وأل وهو شاذ لا يقاس عليه ، ثم قالوا : لهي أبوك قلبوا وأبدلوا من الألف ياء وهو مبني ؛ لتضمنه معنى لام الجر المحذوفة ، كما بني أمس لتضمنه معنى لام التعريف ، على الفتح ؛

__________________

١١٤٣ ـ الرجز بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠١ ، ٢ / ٢٣٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٥٩.

١١٤٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠١ ، ٢ / ٢٣٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٥.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب السمر مع الضيف والأهل (٦٠٢).


لخفته على الياء ، وقال ابن ولاد : بل أصله إله أبوك حذفت الهمزة ، ثم قالوا : لهي بالقلب تشبيها للألف الزائدة بالأصلية ، وقال المبرد : المحذوفة لام التعريف ولام الأصل والباقية لام الجر ، قال : لأن حرف الجر لمعنى وعلة ، وحذفه وإبقاء عمله شاذ فالحكم بحذف غيره أولى ، أما لام التعريف فواضح ؛ إذ لا معنى لها هنا ؛ لصيرورة الكلمة علما فلم يفتقر إليها ، وأما لام الأصل فقد عهد حذف بعض الأصول تخفيفا ك : (يد) و (دم).

فصل الجار من المجرور وتأخيره عنه

(وفصله) أي : الجار (من مجروره وتأخيره عنه) كلاهما (ضرورة).

أما الأول فيكون بظرف كقوله :

١١٤٥ ـ إنّ عمرا لا خير في اليوم عمرو

وبجار ومجرور كقوله :

١١٤٦ ـ ربّ في الناس موسر كعديم

وعديم يخال ذا إيسار

ومفعول كقوله :

١١٤٧ ـ وأقطع بالخرق الهبوع المراجم

أي : وأقطع الخرق بالهبوع ، وسمع في النثر بقسم ، حكى الكسائي : اشتريته بو الله درهم ، وقاسه تلميذه علي بن المبارك الأحمر في رب نحو : رب والله رجل عالم لقيته ، قال أبو حيان : ولا يبعد ذلك إلا أن الاحتياط ألا يقدم عليه إلا بسماع.

وأما الثاني : (وقيل : يجوز فصل رب بقسم) قاله علي بن المبارك الأحمر نحو : رب والله رجل صالح صحبته ، والأصح المنع.

اتصال ما بحرف الجر

(مسألة) في اتصال (ما) بحرف الجر (تزاد ما بعد عن فلا تكف) أصلا كقوله تعالى :(عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠] ، وقول الشاعر :

__________________

١١٤٥ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١١.

١١٤٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٤.

١١٤٧ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب ٨ / ٣٦٦ ، مادة (هبع) ، وتاج العروس ٢٢ / ٣٨٠ ، مادة (هبع) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٦.


١١٤٨ ـ وأعلم أنني عمّا قريب

(و) بعد (الباء ومن فيكفان بقلة ويليهما حينئذ الفعل) كقوله :

١١٤٩ ـ فلئن صرت لا تحير جوابا

لبما قد ترى وأنت خطيب

وقوله :

١١٥٠ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

ومسألة كف من بقلة ذكرها ابن هشام في «المغني» ، ولم يذكر ذلك ابن مالك في «التسهيل» ولا أبو حيان ، بل سويا بينهما وبين (عن) ، نعم في «سبك المنظوم» لابن مالك : وتقترن ما بالباء والكاف فتكفهن ، والأكثر عدم الكف ، قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] ، (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] ، (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ٢٥].

(وتفيدان) مع (ما تعليلا) كربما ، ذكره ابن مالك في «التسهيل» في الباء ، وقال : فمعنى لبما قد ترى وأنت خطيب : ربما أرى ، والسيرافي وغيره في من ، وجزم به في «سبك المنظوم» (وأنكره أبو حيان) أي : إفادتهما التعليل حينئذ ، وقال : ما ورد من ذلك مؤول.

(و) تزاد (ما) بعد (رب ، فالغالب الكف وإيلاؤها) حينئذ (الماضي) ؛ لأن التكثير والتقليل إنما يكون فيما عرف حده ، والمستقبل مجهول قال :

١١٥١ ـ ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

__________________

١١٤٨ ـ البيت من الوافر ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٠٠ ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٤.

١١٤٩ ـ البيت من الخفيف ، وهو لصالح بن عبد القدوس في خزانة الأدب ١٠ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ولمطيع بن إياس في أمالي القالي ١ / ٢٧١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢٠ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٣١٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٣.

١١٥٠ ـ تقدم الشاهد برقم (١١٢٩).

١١٥١ ـ البيت من المديد ، وهو لجذيمة الأبرش في الأزهية ص ٩٤ ، ٢٦٥ ، والأغاني ١٥ / ٢٥٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٩٣ ، والكتاب ٣ / ٥١٨ ، ولسان العرب ٣ / ٣٢ ، مادة (شيخ) ، ١١ / ٣٦٦ ، مادة (شمل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٤ ، ٤ / ٣٢٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٦.


وقد يليها المضارع نحو : (رُبَما يَوَدُّ) [الحجر : ٢] ، وقد يليها الجملة الاسمية نحو :

١١٥٢ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وقد لا يكف نحو :

١١٥٣ ـ ربّما ضربة بسيف صقيل

(وقيل : يتعين) بعدها (الفعلية) إذا كفت ، قاله الفارسي ، وأوّل البيت على أن (ما) نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدؤها ، أي : رب شيء هو الجامل.

(وقد يحذف الفعل بعدها) كقوله :

١١٥٤ ـ فذلك إن يلق المنيّة يلقها

حميدا ، وإن يستغن يوما فربّما

 (و) قد (تلحق التاء) بها (ولا تكف) كقوله :

١١٥٥ ـ ماويّ يا ربّتما غارة

(و) تزاد (ما) بعد (الكاف فتكف) غالبا ، ويليها حينئذ (الجمل) الاسمية والفعلية ، كما صرح به في «الارتشاف» نقلا عن «النهاية» ، كقوله :

١١٥٦ ـ أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

__________________

١١٥٢ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٧٥).

١١٥٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن الرعلاء في الأزهية ص ٨٢ ، ٩٤ ، والاشتقاق ص ٤٨٦ ، والأصمعيات ص ١٥٢ ، والحماسة الشجرية ١ / ١٩٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٢ ، ٥٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢٥ ، ومعجم الشعراء ص ٢٥٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٤٣ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥.

١١٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص ١٥ ، والأصمعيات ص ٤٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٤٢٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٥٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٥٠ ، وله أو لحاتم الطائي في الأغاني ٦ / ٣٠٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٩ ، ١٠ / ١٣ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الأغاني ٦ / ٢٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٢٠.

١١٥٥ ـ البيت من السريع ، وهو لضمرة بن ضمرة في الأزهية ص ٢٦٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٥٥٤ ، مادة (هبة) ، ١٤ / ٤٣٥ ، مادة (شعا) ، ١٥ / ٣٠٠ ، مادة (موا) ، ٤٧٣ ، مادة (ما) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٠ ، ونوادر أبي زيد ص ٥٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٨٦ ، والإنصاف ١ / ١٠٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٣٩ ، ١١ / ١٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣١.

١١٥٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لنهشل بن حري في شرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٧٢ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٠٢ ، ٧٢٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٦٨ ، وجواهر الأدب ص ١٣٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦١.


وقوله :

١١٥٧ ـ ألم تر أن البغل يتبع إلفه

كما عامر واللؤم مؤتلفان

وقد لا يكف كقوله :

١١٥٨ ـ وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما الناس مجروم عليه وجارم

وقوله :

١١٥٩ ـ لا تشتم النّاس كما لا تشتم

(وقال أبو حيان : لا يكف أصلا) وأول الأبيات الواردة في ذلك على أن (ما) مصدرية منسبكة من الجملة بعدها بمصدر ، بناء على جواز وصلها بالاسمية ومحله حينئذ جر.

حروف القسم

(حروف القسم الجارة) أي : هذا مبحثها ، وأفردت بترجمة ؛ لاختصاص القسم بأحكام وفروع.

باء القسم

أحدها : (الباء وهي الأصل) أي : أصل أحرفه وإن كانت الواو أكثر استعمالا منها ؛ لأنها للإلصاق ، فهي تلصق فعل القسم بالمقسم به (ومن ثم) أي : من هنا وهو كون الباء الأصل (اختص بها الطلب والاستعطاف) فلا يقسم فيهما بغيرها نحو : بالله أخبرني وبالله هل قام زيد ، أي : أسألك بالله مستحلفا (وجاز إظهار الفعل) أي : فعل القسم (معها)

__________________

١١٥٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لزياد الأعجم في ديوانه ص ١٠٣ ، وتذكرة النحاة ص ٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١٤.

١١٥٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن براقة في أمالي القالي ٢ / ١٢٢ ، وسمط اللآلي ص ٧٤٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٠٢ ، ٥٠٠ ، ٢ / ٧٢٥ ، ٧٧٨ ، والمؤتلف والمختلف ص ٦٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٩٧ ، والجنى الداني ص ١٦٦ ، ٤٨٢ ، وجواهر الأدب ص ١٣٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٠.

١١٥٩ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٣ ، وجواهر الأدب ص ١٣١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٠٠ ، ٥٠١ ، ٥٠٣ ، ١٠ / ٢١٣ ، ٢٢٤ ، والكتاب ٣ / ١١٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٠٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٨٤ ، ورصف المباني ص ٢١٤ ، واللمع في العربية ص ٥٨ ، ٥٩ ، ١٥٤ ، وشرح الرضي ٤ / ٣٢٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦٠.


نحو : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) [النور : ٥٣] كما يجوز إضماره نحو : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) [ص : ٨٢] ، بخلاف غيرها (و) جاز (حذفها) لا غيرها من أحرفه (فينصب ثالثها) بإضمار فعل القسم ، قال ابن خروف وابن عصفور : أو فعل آخر ك : (الزم) ونحوه.

(ويرفع) على الابتداء والخبر محذوف ، وروي بهما قوله :

١١٦٠ ـ فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

ولا تجر (خلافا لمن جوز الجر) بالحرف المحذوف وهم الكوفيون وبعض البصريين (أو منع النصب إلا في) حرفين (قضاء الله وكعبة الله) وهو بعض أئمة الكوفية ، قال : لأن فعل القسم لا يعمل ظاهرا إلا بحرف ، فكيف يكون مضمرا أقوى منه مظهرا؟ وأجيب باتساعهم في هذا الباب كثيرا ، أما الحرفان المذكوران فجوز نصبهما وأنشد :

١١٦١ ـ لا كعبة الله ما هجرتكم

إلّا وفي النفس منكم أرب

 (فإن كان) المقسم به (الله ، وعوض) عن حذف الباء (هاء) محذوفة الألف ؛ لالتقاء الساكنين أو ثابتة ؛ لأن الثاني مشدد فنزل منزلة دابة مع وصل ألفه وقطعها نحو : ها الله ، ها ألله ، هألله ، هالله ، (أو) عوض (همزة محذوفة) مفتوحة نحو : آلله لأفعلن ، قال أبو حيان : وأصحابنا يعبرون عن هذه الهمزة بهمزة الاستفهام وليس استفهاما حقيقة.

وقال الرضي : بل هو استفهام حقيقي ، وقد يكون إنكارا (أو لم) يعوض ، ولكن (قطع ألفه) نحو : ألله لأفعلن ، (حملا نقل) الحرفية (بدونه) أي : التعويض.

حكى سيبويه (آلله لأفعلن) ، وحكى غيره (كلا لله لأخرجن) ، وأنشدوا :

١١٦٢ ـ ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح

وإنما جاز ذلك في هذا اللفظ فقط ؛ لأن استعماله في القسم أكثر من غيره ، ولهذا لحقه أنواع من التغيير.

__________________

١١٦٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ١٠ / ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، والخصائص ٢ / ٢٨٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ١٨٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، وشرح المفصل ٧ / ١١٠ ، ٨ / ٣٧ ، ٩ / ١٠٤ ، والكتاب ٣ / ٥٠٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٦٣ ، مادة (يمن) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٦.

١١٦١ ـ البيت من المنسرح ، وهو بلا نسبة في مجالس ثعلب ص ٣٩١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٣.

١١٦٢ ـ تقدم الشاهد برقم (٣٠٠ ، ١٠٨١).


قالوا : (وله لا أفعل) وله (مدعو) أي : الجر حال التعويض (بالعوض) أي : بالعوض من الهمزة ، أو (ها) ، (أو) بالحرف (المحذوف) منه ، فالأخفش وجماعة من المحققين على الأول في شرح «الكافية» وهو قوي ؛ لأنه شبيه بتعويض الواو من الباء ، والتاء من الواو ، ولا خلاف في كون الجر بهما فكذا ينبغي في ها والهمزة ، وصحح في «التسهيل» وشرحه الثاني.

وإن كان لا يلفظ به كما كان النصب بعد الباء والواو وأو وكي واللام بأن المحذوفة ، وإن كانت لازمة الحذف ، وعزاه في «البسيط» إلى الكوفيين ، ومقتضى كلام شرح «الكافية» تضعيفه ، ولم يصرح أبو حيان بترجيح واحد من القولين.

(أو عوض غيره) أي : غير لفظ (الله) شيئا مما ذكر (نصب حتما) نحو : العزيز لأفعلن به.

تاء القسم

(الثاني) أي : ثاني حروف القسم (التاء ، وتختص بالله) نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ، فلا تجر غيره لا ظاهرا ولا مضمرا ؛ لفرعيتها (وشذت في الرحمن ورب الكعبة وربي وحياتك) سمع تالرحمن وترب الكعبة وتربي وتحياتك.

لام القسم

(الثالث) أي : الثالث من حروف القسم (اللام يكون لما فيه معنى التعجب وغيره) كقولهم : لله لا يؤخر الأجل ، أي : تالله ، وقوله :

١١٦٣ ـ لله يبقى على الأيام منتعل

واو القسم

(الرابع) أي : الرابع من حروف القسم : (الواو ، وتختص) بالظاهر فلا تجر ضميرا بخلاف الباء : قال : (بك رب أقسم لا بغيرك) ، (ولا يظهر معها الفعل) أي : فعل القسم ، بل يضمر وجوبا نحو : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [يس : ٢] ، (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ، (خلافا لابن كيسان) من تجويزه إظهار الفعل مع الواو ، فيقال : حلفت والله لأقومن.

__________________

١١٦٣ ـ تقدم الشاهد برقم ١١١١.


قال أبو حيان : ولم يحفظ ذلك ، فإن جاء فمؤول على أن حلفت كلام تام ، ثم أتي بعده بالقسم ، ولا يجعل والله متعلقة بحلفت.

(ولا) يظهر الفعل أيضا (مع التاء واللام) بلا خلاف ، بل يجب إضماره كما تقدم.

(وهل هي) أي : الواو (العاطفة ، أو بدل من الباء ، أو التاء) بدل (منها؟ خلاف) فجزم الزمخشري وابن مالك في شرحي «الكافية» و «التسهيل» ، ونقله أبو حيان عن الجمهور بأنها بدل من الباء ؛ لتقارب معناهما ؛ لأن الواو جمع والباء للإلصاق وهو جمع في المعنى ، ولأنهما من حروف مقدم الفم ، وأنّ التاء بدل من الواو كما أبدلت منها في نحو : اتصل واتصف وتراث وتجاه.

وقال السهيلي وغيره : بل الواو هي العاطفة كواو (رب) عطفت على مقدر ، ويقويه أنها لا تدخل على مضمر ، وكذلك العاطفة ، وأنها لو كانت بدلا من الباء لم يختلفا في الحركة كما لم تختلف حركة الهمزة المبدلة من الواو في إشاح ووشاح ، وأنها لم توجد قط بدلا منها ؛ لأنها ليست من مخرجها ولما بينهما من المضادة ؛ إذ في الواو لين وفي التاء شدة.

قال : ويضعف عندي أن تكون التاء بدلا من الواو لما فيها من معنى العطف ، وليس ذلك في التاء ، ولأن التاء إنما أبدلت منها حيث كثرت زيادتها في تصاريف الكلمة.

قال أبو حيان : ولا يقوم دليل على صحة شيء من هذه المذاهب ، ولو كان أصلها العطف لم يدخل عليها واو العطف في قوله :

١١٦٤ ـ أرقت ولم تهجع لعيني هجعة

ووالله ما دهري بعسر ولا سقم

قال : وممن ذهب إلى أن التاء حرف مستقل غير بدل من الواو قطرب وغيره.

أيمن

(الخامس) أي : الخامس من حروف القسم (أيمن) بفتح الهمزة وضم الميم ، (ويقال) فيه : (إيمن) بالكسرة فالضم ، (وأيمن) بفتحهما ، (وإيمن) بالكسر فالفتح ، (وإيم) بالكسر والضم لغة لسليم ، (وأيم) بالفتح والضم لغة لتميم ، (وإيم) بكسرتين ، (وهيم) بفتح الهاء

__________________

١١٦٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لراشد بن شهاب في شرح اختيارات المفضل ص ١٣١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٢.


مبدلة من الهمزة والضم ، قال أبو حيان : وهي أغرب لغاتها ، (وإيم) بكسرتين ، (وأم) بفتحتين ، (وأم) بالفتح والضم ، (وأم) بالفتح والكسر ، (وإم) بالكسر والضم لغة أهل اليمامة ، (وإم) بالكسر والفتح ، (ومن مثلث الحرفين) أي : الميم والنون ، أي : بفتحهما وكسرهما وضمهما ، (وم مثلثا) حكى الفتح الهروي ، والكسر والضم الكسائي والأخفش ، وأن رجلا من بني العنبر سئل ما الدهدران؟ فقال : م ربي الباطل ، فهذه عشرون لغة ، حكى ابن مالك منها بضع عشرة ، والسبب في كثرة تصرفهم فيها كثرة الاستعمال.

(والأصح أنه اسم) وقال الرماني والزجاج : هو حرف جر ، قال أبو حيان : وهو خلاف شاذ.

(وثالثها من وم) بلغاتهما (حرفان) وليس بقية (أيمن) ، وجزم به ابن مالك في كتابه «سبك المنظوم» ؛ لأنهما لو كانا منها لم يستعملا إلا مع الله كأيمن ، وقد استعملتا مع غيره حكى من ربي لأفعلن ، ولأن الاسم المعرب لا يجوز حذفه حتى يبقى على حرف واحد ، ورد بأن كثرة تصرفهم فيها اقتضى ذلك ، وهو أولى من إثبات حرف جر لم يستقر في موضع من المواضع.

(و) الأصح (أن همزه وصل) بدليل سقوطها بعد متحرك كقوله :

١١٦٥ ـ فقال فريق القوم : لا ، وفريقهم :

نعم ، وفريق : ليمن الله لا ندري

وقال الكوفيون : قطع بناء على أنه عندهم جمع يمين ، واستدلوا بأنها مفتوحة ولا تكون همزة وصل مفتوحة ، وإبدالها هاء في بعض اللغات.

وأجابوا عن حذفها في الدرج بأنه تخفيف ؛ لكثرة الاستعمال ، ولا تبدل من الوصل.

(وثالثها) همز (أيم قطع) بخلاف (أيمن) حكي عن الأخفش قال : همزة أيمن قد علمت أنها وصل ولا أحمل عليها (أيم) لأن همزة الوصل ليست مطردة في الأسماء.

(و) الأصح (أنه معرب) لعدم سبب البناء ، وقال الكوفيون : مبني لشبهه الحرف في

__________________

١١٦٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لنصيب في ديوانه ص ٩٤ ، والأزهية ص ٢١ ، وتخليص الشواهد ص ٢١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٩٩ ، والكتاب ٣ / ٥٠٣ ، ٤ / ١٤٨ ، ولسان العرب ١٠ / ٤٦٢ ، مادة (يمن) ، ومغني اللبيب ١ / ١٠١ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٤٠٧ ، ورصف المباني ص ٤٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٥ ، وفي نسخة (لما نشدتهم) بدلا من (لا وفريقهم).


عدم التصرف ؛ إذ لم يستعمل في موضع من المواضع التي تستعمل فيها الأسماء ، إلا في الابتداء خاصة كالحرف.

(وثالثها : إيم المكسورةمبني) وأصله السكون كسر ؛ لالتقاء الساكنين ، وعلى الأول هي جرة إعراب بواو قسم مقدرة.

(ورابعها من وم) مبنيان ؛ لأنهما على وضع الحرف ، وحركة الثاني لضرورة الابتداء ، والأول لالتقاء الساكنين في الاسم بعدها.

(و) الأصح بناء على الإعراب (أنه لازم الرفع) إذ لم يرو عن العرب إلا بذلك ، وقال ابن درستويه : يجوز جره بواو القسم ، (و) الأصح على الرفع (أنه مبتدأ) خبره محذوف ، أي : قسمي ، وقال ابن عصفور : هو خبر والمحذوف مبتدأ ، (و) الأصح (أنه مضاف لله والكعبة والكاف والذي) والأول هو الغالب ، والباقي كقولهم : أيمن الكعبة ، وقول عروة بن الزبير : أيمنك لئن ابتليت لقد عافيت ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وايم الذي نفسي بيده» (١) ، وقال الفارسي : لا يضاف إلا إلى الله والكعبة ، وقال ابن هشام : لا تضاف إلا إلى الله فقط ، أما إضافته لغير ما ذكر فشاذ أنشد الكسائي :

١١٦٦ ـ ليمن أبيهم لبئس العذرة اعتذروا

(و) الأصح (أنه مفرد) وقال الكوفيون : هو جمع يمين على أفعل كأفلس ؛ لأن بناء أفعل لا يوجد في الأسماء مفردا ، ورد بأنه لو كان جمعا للزمت همزته الفتح والقطع ، وميمه الضم ، ولجاء مرفوعا ومنصوبا.

(و) الأصح على الإفراد (أنه مشتق من اليمن) ، وبه جزم ابن مالك في شرح «الكافية» ، وحكى ابن طاهر عن سيبويه أنه مشتق من اليمين ، (و) الأصح (أن م ليست بدلا عن الواو ولا أصلها من ، ولا أيمن) ، وقيل : هي بدل من الواو كالتاء ؛ لكونهما شفهيتين ، ورد بأنه لو كان كذلك للزمت الفتح كالتاء ، وبأن إبدال التاء من الواو معروف مطرد كاتصف واتصل ، وغير مطرد كتراث وتجاه ، ولم تبدل الميم منها إلا في موضع شاذ وهو فم ، وفيه مع شذوذه خلاف.

__________________

١١٦٦ ـ الشطر من البسيط ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤١ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣١٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦٦٣٩) ، ومسلم ، كتاب الأيمان ، باب الاستثناء (١٦٥٤).


وقال الزمخشري : هي من الداخلة على ربي حذفت نونها ، ورده ابن مالك بأنها لو كانت لجاز دخولها على ربي كالأصل ، وأجاب أبو حيان بأنه قد سمع ذلك كما تقدم ، وقيل : أصلها أيمن حذف منها حتى بقيت الميم.

جملة القسم

(مسألة القسم جملة) لفظا كأقسمت بالله أو تقديرا ك : (بالله) إنشائية كما ذكر ، أو خبرية كأشهد لعمرو خارج ، وعلمت لزيد قائم (مؤكدة لخبرية) أخرى تالية (غير تعجب) فخرج بالمؤكدة لأخرى نحو : زيد قائم زيد قائم ، فإنه يصدق عليها أنها جملة مؤكدة ليست أخرى ، بل هي هي ، وبالخبرية غيرها فلا تقع مقسما عليها ، وبالباقي التعجبية بناء على الصحيح أنها خبرية.

(وتتلقى) أي : تستقبل بمعنى تجاب (في الإثبات بلام مفتوحة) مع الاسمية ، والفعلية مع التنفيس أو لا نحو : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ) [مريم : ٧٠] ، (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف : ٣٢] ، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٥] ، والله لسيقوم زيد.

(وقد تكسر مع الفعل) في لغة نحو : والله لتفعلن ، ومنعها ، أي : اللام الفراء مع السين ؛ لأنه لم يسمع بخلاف سوف ، والفرق أن اللام كالجزء مما تدخل عليه فيؤدي دخولها إلى توالي أربع حركات فيما هو كالكلمة الواحدة ، وهو مرفوض في كلامهم ، وأجيب باغتفار ذلك كما قالوا : والله لكذب زيد.

(و) يتلقى أيضا في الإثبات (بإن) المكسورةمثقلة ومخففة سواء كان في خبرها اللام نحو : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل : ٤] ، (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ، أم لا ، (وقيل : إن كان في خبرها اللام) جاز تلقيه به ، وإلا فلا ؛ لأن القصد بذلك إفادة التأكيد الذي لأجله القسم ، (قيل : ولام كي) قاله الأخفش ، ومثل بقوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) [التوبة : ٦٢] ، وقول الشاعر :

١١٦٧ ـ إذا قال : قدني قلت : بالله حلفة

لتغني عني ذا إنائك أجمعا

__________________

١١٦٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لحريث بن عناب في خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣ ، ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٦.


ووافقه الفارسي في «العسكريات» ورجع في «البصريات» و «التذكرة» ، وأجاب عن الآية بأنه لم يرد القسم بلا خبر فإنهم يحلفون بالله ما عابوا النبي ليرضوا المؤمنين ، وعن البيت بأنه كذلك ، أي : حلفت لتغنيني عني ، أو بأن الجواب محذوف لدلالة الحال ، أي : لتشربن.

قيل : (وبل) قاله بعض القدماء ، واستدل بقوله تعالى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص : ١ ـ ٢] ، قال أبو حيان : وهو رأي باطل والجواب في الآية محذوف ، أو كم أهلكنا ، وحذف اللام لطول الفصل فيه.

قيل : (وأن) المفتوحة ، قاله ابن عصفور في «المقرب» ، واستدل بقوله :

١١٦٨ ـ أما والله أن لو كنت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا العتيق

ورده ابن الصائغ وقال : بل جواب القسم جواب لو ، أي : ما يكون جوابها لو لا القسم ، قال أبو حيان : وقد رجع عن ذلك ابن عصفور.

(و) يتلقى (في النفي بما ولا وإن) قال ابن مالك في شرح «الكافية» : ولا فرق في ذلك بين الاسمية والفعلية ، إلا أن الاسمية إذا نفيت بلا قدم الخبر ، أو كان المخبر عنه معرفة لزم تكرارها في غير الضرورة ، نحو : والله لا زيد في الدار ولا عمرو ، ولعمري لا أنا هاجرك ولا مهينك ، قال أبو حيان : وغلط في أن الجملة الاسمية لا تنفى بلا ، قال : ولا ينفى بها أيضا الماضي فلا تقول : والله لا قام زيد ، لكن في شرح «التسهيل» و «الكافية» لابن مالك أنه ينفى بها كقوله :

١١٦٩ ـ ردّوا فو الله لا ذدناكم أبدا

ومثاله ب : (ما) : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥] ، وب : (إن) (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ) [فاطر : ٤١].

(قيل : ولن ولم) في الفعلية كقول أبي طالب :

١١٧٠ ـ والله لن يصلوا إليك بجمعهم

__________________

١١٦٨ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٤٣).

١١٦٩ ـ تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٥ ، وتقدم الشاهد برقم (١١).

١١٧٠ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي طالب في الجنى الداني ص ٢٧٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٩٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٨٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٧.


وحكى الأصمعي أنه قال لأعرابي : ألك بنون؟ قال : نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة ، وقال أبو حيان : لا سلف لابن مالك في تجويزه ذلك ، إلا ما حكي عن ابن جني أنه زعم أنه يتلقى بهما في الضرورة ، وهو غلط من ابن جني انتهى.

فظاهره أنه لا يجوز عنده لا في الضرورة ولا غيرها ، فنشأ من ذلك قول مفصل حكيته بقولي : (وثالثها : ضرورة ، ورابعها) : يجوز (بلم دون لن) ، نقله أبو حيان عن محمد بن خلصة الضرير ، قال : ولن وإن كانت ك : (لا) في نفي المستقبل إلا أنها نفي ل : سيفعل فلما كانت في مقابلة السين لم يتلق بها كالسين.

(وعندي عكسه) وهو جواز التلقي بلن دون لم ؛ لأنها للماضي والقسم بالمستقبل أجدر ، ولأن المثال السابق يظهر فيه الحمل على الاستئناف ، وتمام الكلام عند وخالقهم ، والبيت لا يحتمله ، وما قاله من إلحاقها بالسين مردود ؛ لأن الحرف المتلقى به جعل لتأكيد الجملة المقسم عليها ، ولا تأكيد في السين ولن يفيد تأكيد النفي ، فالتلقي بها حسن حينئذ.

(و) يتلقى (في الطلب به) أي : بالطلب أداة أو فعلا كقوله :

١١٧١ ـ بربّك هل للصّب غيرك رأفة

وقوله :

١١٧٢ ـ بعينيك يا سلمى ارحمي ذا صبابة

وقوله :

١١٧٣ ـ زقي بعير كي لا تهجرينا

(أو لما) نحو :

١١٧٤ ـ قالت له : بالله يا ذا البردين

لمّا غنيت نفسا أو اثنين

__________________

١١٧١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٩١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩٥.

١١٧٢ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ٥٨٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٥.

١١٧٣ ـ البيت من الوافر ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ١٣٧ ، والمحتسب ١ / ٤٣ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٤٣٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٩.

١١٧٤ ـ الرجز بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٩٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٧١ ، وتقدم الشاهد برقم (٩٢٩).


(أو إلا) نحو :

١١٧٥ ـ بالله ربّك إلا قلت صادقة

هل في لقائك للمشغوف من طمع

 (أو إن ، وتلزم اللام مع النون) الشديدة أو الخفيفة (في مضارع مستقبل) كما تقدم مثاله بخلاف غير المستقبل كالحال نحو : والله لأظنك صادقا ، ولا حاجة إلى تقييده بالمثبت كما في «التسهيل» ؛ لأن اللام لا تدخل غيره إلا شذوذا كما سيأتي.

(والاكتفاء بأحدهما) أي : باللام أو النون (إن لم يفصل) بينه وبين اللام (ضرورة) كقوله :

١١٧٦ ـ تألّى ابن أوس حلفة ليردّني

وقوله :

١١٧٧ ـ وقتيل مرّة أثارت فإنّه

(خلافا لأبي علي) الفارسي (والكوفية) في تجويزهم ذلك في الاختيار ، قال أبو حيان : ووهم الخضراوي فادعى الإجماع على المنع فإن فصل جاز وفاقا إما بمعمول مقدم نحو: (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران : ١٥٨] ، أو حرف تنفيس نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) [الضحى : ٥] ، و (قد) نحو : والله لقد أقوم غدا.

(و) تلزم (اللام مع قد ولو مقدرة في ماض مثبت غير جامد) نحو : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ) [يوسف : ٩١] ، (ولو) كان (بعيدا من الحال ، خلافا لابن عصفور) في منعه قد حينئذ ؛ لأنها للتقريب من زمن الحال ، أما المنفي فلا تدخله اللام ، وكذا الخالي من قد إذا لم تقدر كخبر إن الماضي ، والجامد لا يقترن بقد كقوله :

١١٧٨ ـ يمينا لنعم السيّدان وجدتما

__________________

١١٧٥ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٩١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٥٤.

١١٧٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لزيد الفوارس في خزانة الأدب ١٠ / ٦٥ ، ٧١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٧ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٤٠ ، وشرح قطر الندى ص ٢٢٤ ، والمقرب ١ / ٢٠٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢١.

١١٧٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لعامر بن الطفيل في ديوانه ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٦٠ ، ٦٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٤٥ ، وبلا نسبة في وصف المباني ص ٢٤٠ ، وشرح شواهد الرضي ٤ / ٣١١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٠.

١١٧٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٤ ، والأشباه والنظائر ٨ / ٢١٠ ، وجمهرة ـ


(وشذ) دخول اللام (مع ربما وبما) في الماضي كقوله :

١١٧٩ ـ لئن نزحت دار لليلى لربّما

غنينا بخير والديار جميع

وقوله :

١١٨٠٢ ـ فلئن بان أهله

بما كان يؤهل

وأوله أبو حيان على تقدير فعل بعد اللام ، أي : لبان بما.

(و) شذ دخولها (مع مضارع بأحد الثلاثة) أي : قد وربما وبما كقوله :

١١٨١ ـ لئن أمست ربوعهم يبابا

لقد تدعو الوفود لها وفودا

وقوله :

١١٨٢ ـ فلئن تغيّر ما عهدت وأصبحت

صدفت فلا بذل ولا ميسور

لبما يساعف في اللّقاء وليها

فرح بقرب مزارها مسرور

 (و) شذ دخولها مع (منفي) كقوله :

١١٨٣ ـ أما والّذي لو شاء لم يخلق النّوى

لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي

 (و) شذ (حذفهما) أي : اللام وقد من الماضي ذي الشروط ، (أو) حذف (أحدهما) أي : قد فقط إذا لم يقدر أو اللام فقط كقوله :

١١٨٤ ـ حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صال

__________________

ـ اللغة ص ٥٣٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦ ، ٩ / ٣٨٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٩٢ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٣٩٠ ، وشرح الرضي ٤ / ٢٤٤ ، ٢٤٧ ، ٣١٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٣.

١١٧٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لقيس بن ذريح في خزانة الأدب ١٠ / ٧٦ ، ١١ / ٣٤٤ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٨٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٦.

١١٨٠ ـ البيت من مجزوء الخفيف ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٣٤٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١١.

١١٨١ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي عطاء السندي في خزانة الأدب ٤ / ١٦٧ ، (بولاق) ، وبلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٩٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٠٨.

١١٨٢ ـ البيتان من الكامل ، وهما بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٧٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٥.

١١٨٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لمسعود بن بشر في أمالي القالي ٢ / ١٩٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦٦ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٢٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٥.

١١٨٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٤٢٧).


وقوله :

١١٨٥ ـ تالله قد علمت قيس إذا قذفت

(أو) حذف (اللام من الاسمية) كقول أبي بكر : والله أنا كنت أظلم منه (٢) ، وقولي : (حيث لا طول) راجع إلى الاسمية والماضي معا ، فإن كان في الكلام طول حسن الحذف للام أو قد أو هما ، قال تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) [الشمس : ١] إلى قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] ، وقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [البروج : ١] إلى قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) [البروج : ٤] ، وقال الشاعر :

١١٨٦ ـ وربّ السموات العلى وبروجها

والأرض وما فيها المقدّر كائن

 (أو نافيها) أي : الاسمية كقوله :

١١٨٧ ـ فو الله ما نلتم ولا نيل منكم

بمعتدل وفق ولا متقارب

أراد ما نلتم ، فحذف ما النافية وأبقى الموصولة لدلالة الباء والعطف عليها.

(ونافي الماضي) كقوله :

١١٨٨ ـ فإن شئت آليت بين المقا

م والرّكن والحجر الأسود

نسيتك ما دام عقلي معي

أمدّ به أمد السّرمد

أراد لا نسيتك ، (ويجوز) بلا شذوذ (حذف لا) النافية (مع مضارع لم يؤكد) بالنون نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ، أي : لا تفتأ ؛ للعلم بأن الإثبات غير مراد ؛ لأنه لو كان

__________________

١١٨٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٢١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٧٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٤.

١١٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩١٩ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٩١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٢.

١١٨٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن رواحة ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٢٩٠).

١١٨٨ ـ البيتان من المتقارب ، وهما لأمية بن عائذ الهذلي في خزانة الأدب ١٠ / ٩٤ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٤٩٣ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ١ / ٩٣١ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٣.

(١) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٠ / ١٠٩.


مرادا لجيء باللام والنون ، بخلاف المؤكد بها ؛ لأنه يلتبس حينئذ بالمثبت (إلا ما على الأصح) لعدم وروده ولما فيه من الإلباس ، إذا لم يعلم هل القسم على النفي في الحال أو الاستقبال ، وقيل : يجوز حملا على لا.

(وتدخل اللام كأن) كقول أعرابي : ما هذه القنمة والله لكأنها على حششة ، القنمة : الرائحة الرديئة ، والحششة جمع حش ، (لا إن وأن ، وإذا تقدم) القسم (على لو أو لو لا) ولم يؤت إلا بجواب واحد (فالمحذوف جوابه أو جوابهما ، بخلاف) فنقل أبو حيان عن الجمهور أنه جوابهما ، وأن المذكور جوابه كما إذا تقدم على أداة الشرط وإن لزم أن يكون ماضيا ؛ لأنه مغن عن جوابهما ونقل عن مقتضى كلام «التسهيل» في الجوازم أنه جوابه والمذكور جوابهما ، وقد صرح بذلك في «الكافية» ، وعن مقتضى كلامه هنا أنه لا حذف وأن (لو) و (لو لا) ومدخولهما جواب القسم حيث قال : وتصدر في الشرط الامتناع ب : (لو) أو لو لا ، ونقل عن بعضهم أنه إن لم يصلح جوابا للقسم بأن نفي ب : (لم) نحو : والله لو قام زيد لم يقم عمرو ، أو ب : (ما) مع اللام نحو : والله لو قام عمرو ما قام زيد ، تعين جعله للو وهو تقييد لمحل الخلاف ، لا قول آخر ، ومن أمثلة المسألة قوله :

١١٨٩ ـ والله لو لا الله ما اهتدينا

وقوله :

١١٩٠ ـ فو الله لو كنّا شهودا وغبتم

إذن لملأنا جوف جيرانهم دما

 (أو توالى شرط وقسم ، وتقدمهما طالب خبر فالجواب للشرط) تقدم أو تأخر (حتما) تفضيلا له بلزوم الاستغناء بجوابه عن جواب القسم ؛ لأن سقوطه مخل بالجملة بخلافه ؛ لأنه لمجرد التأكيد نحو : زيد والله إن تقم يقم ، وزيد إن يقم والله أقم ، (وقيل : جوازا) حكاه أبو حيان ، فيقال عليه : زيد والله إن قام لأقومن.

(وقيل : يجوز رفعه وحذفهما) حكاه (أو لا) أي : لم يتقدمهما طالب خبر (فالجواب للسابق في الأصح) قسما كان أو شرطا ، وجواب الآخر محذوف نحو : والله إن قام زيد لأقومن وإن يقم والله أقم.

__________________

١١٨٩ ـ الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٨ ، ولعامر بن الأكوع في المقاصد النحوية ٤ / ٤٥١ ، وله أو لعبد الله في شرح شواهد المغني ١ / ٢٨٧ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ١٦٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٧٨.

١١٩٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٩٠ ، وأشار المحقق في الحاشية أن البيت لسويد بن كراع في شرح التسهيل لابن مالك ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٢٣.


وجوز الفراء وابن مالك جعل الجواب للشرط وإن تأخر كقوله :

١١٩١ ـ لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ للشمس باديا

وجعل ابن مالك الجواب للقسم المؤخر إن اقترن بالفاء ؛ لدلالته على الاستئناف كقوله :

١١٩٢ ـ فإما أعش حتى أدبّ على العصا

فو الله أنسى ليلتي بالمسالم

ورده أبو حيان بأن القسم مع جوابه جواب الشرط ، ولذا اقترن بالفاء ؛ لأنه محذوف دل عليه جواب القسم (أو سبق القسم) وحده (طالب خبر ، أو) طالب (صلة بني على أيهما) شئت (فإن بني عليهما) أي : طالب الخبر أو الصلة (فجوابه محذوف) لدلالة الخبر والصلة عليها ، وإلا فهو وجوابه الخبر أو الصلة نحو : زيد والله يقوم ، وجاءني الذي والله يقوم ، وزيد والله ليقومن ، وجاءني الذي والله ليقومن.

(وحيث أغنى الجواب عن) جواب (الشرط لزم كونه مستقبلا) لأنه مغن عن مستقبل ودال عليه ، (و) لزم كون (فعل الشرط ماضيا ولو معنى) كالمضارع المنفي بلم (غالبا) لأن جواب الشرط لا يحذف إلا حيث كان فعله كذلك ، فلا يجوز أن يقال : والله إن يقم زيد لأقومن ، ولا والله إن لم يقم لأقومن ، ولا والله إن قام زيد لقمت ، إلا إن أوقع الماضي موقع المستقبل كقوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) [الروم : ٥١] ، أي : ليظلن.

(وإذا كان للمقسم عليه جواب شرط مستقبل مسبوق بقسم) ملفوظ أو مقدر (قرنت الأداة) الشرطية إن أو غيرها (بلام مفتوحة) نحو : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) [النور : ٥٣] ، (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) [الأحزاب : ٦٠] ، وهذه اللام (تسمى الموطئة) لأنها وطأت الجواب للقسم المذكور قبلها ، أي : مهدته له ، (والمؤذنة) لأنها آذنت بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها ، لا على الشرط ، أي : أعلمت بذلك.

__________________

١١٩١ ـ البيت من الطويل ، وهو لأمرأة من عقيل في خزانة الأدب ١١ / ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٣١ ، ٣٣٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦١٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢١٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٥ ، ولسان العرب ١٢ / ١٦٤ ، مادة (ختم) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٣٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٠.

١١٩٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لقيس بن العيزارة في شرح أشعار الهذليين ٢ / ٦٠١ ، ومعجم البلدان ٥ / ١٣٣ ، مادة (مشرف) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٠.


(ويجوز حذفها ما) دام (لم يحذف القسم) فإن حذف لم تحذف (غالبا) لتدل عليه ، ومن القليل (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَ) [المائدة : ٧٣] ، (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَ) [الأعراف : ٢٣].

قال أبو حيان : فإن كان الفعل الواقع جوابا منفيا (بلا) لم يجز أصلا ؛ لأنه حينئذ لا دلالة فى اللفظ على القسم المحذوف ، ولا يوجد في كلامهم : إن قام زيد لا يقوم زيد ، ومن دخولها على غير إن قوله :

١١٩٣ ـ ولما رزقت ليأتينّك سبيّة

وقوله :

١١٩٤ ـ لمتى صلحت ليقضين لك صالح

قال وقد شبه بعضهم (إذ) ب : (إن) فأدخل عليها هذه اللام ، قال :

١١٩٥ ـ غضبت عليّ وقد شربت بجزّة

فلإذ غضبت لأشربن بخروف

 (والجواب المقرون بما أو إن) المؤكدة (أو اللام مع اسم لا يقدم معمول عليه) مطلقا بلا خلاف ، كما قال أبو حيان : فإذا قلت : والله ما يقوم زيد الآن ، أو والله إن زيدا قائم الآن ، أو والله لزيد قائم الآن لم يجز تقديم الآن (أو هي) أي : اللام (مع مضارع ، فكذلك) لا يجوز التقديم مطلقا ، صححه أبو حيان ، وقيل : يجوز مطلقا ، ظرفا كان أو مفعولا ، وهو رأي الفراء وأبي عبيدة واستدلا بقوله : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَ) [ص :٨٤ ـ ٨٥] ، أي : حقا.

(وثالثها : يقدم الظرف) والمجرور دون المفعول ، وهو رأي ابن مالك واستدل بقوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠].

__________________

١١٩٣ ـ البيت من الكامل ، وهو للقطامي في ديوانه ص ١١٢ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١١.

١١٩٤ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ١٣٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٣٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٩.

١١٩٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لذي الرمة في ملحق ديوانه ص ١٨٩١ ، وله أو لأعرابي في شرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٧ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٣٨ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٣٨ ، ورصف المباني ص ٢٤٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٣٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨١.


(ويقع القسم بين منفيين توكيدا) لنفي المحلوف عليه كقوله :

١١٩٦ ـ أخلّاي لا تنسوا مواثيق بيننا

فإنّي لا والله ما زلت ذاكرا

 (وقد يغني) النفي (السابق) عن النفي المباشر للجواب كقوله :

١١٩٧ ـ فلا والله نادى الحيّ ضيفي

أي : ما نادى.

(ويغني عنه) أي : عن القسم بأن يحذف (الجواب لدليل) يدل عليه ، (وقيل) : وعليه ابن مالك (إن وقع بعد لقد) نحو : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) [آل عمران : ١٥٢] ، (أو لئن) نحو : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) [الحشر : ١٢] ، (أو مصاحبا لإما مفتوحة ونونا) للتوكيد نحو : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) [النمل : ٢١].

(وقيل :) وعليه أبو حيان (إن كان الجواب باللام) أو إن المشددة فإن كان بغيرهما ك : (ما) ولا وإن فلا.

(و) يغني (عن الجواب) بحذف (معموله) نحو : (وَالنَّازِعاتِ) [النازعات : ١] إلى قوله (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) [النازعات : ٦] ، أي : ليبعثن ، (وقسم مسبوق بحرف جواب) نحو : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا) [الأحقاف : ٣٤] ، وقولك لمن قال : أتفعل كذا؟ : إي والله ، أو نعم والله ، أو أجل والله.

(و) تغني (عن القسم جير) قال :

١١٩٨ ـ قالوا : قهرت ، فقلت : جير ليعلمن

عمّا قليل أيّنا المقهور

 (كسرا) أي : مكسورا بناء ؛ لالتقاء الساكنين ، (ويفتح) تخفيفا ، ثم (قال سيبويه : اسما) لدخول التنوين عليها في قوله :

__________________

١١٩٦ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢٢.

١١٩٧ ـ البيت من الوافر ، وهو للمنتخل الهذلي في خزانة الأدب ١٠ / ٩٤ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٦٩ ، ولسان العرب ٧ / ٣٥٤ ، مادة (علط) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ٢ / ٦٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٨٦.

١١٩٨ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٩٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩٠.


١١٩٩ ـ  وقائلة : أسيت ، فقلت : جير

(بمعنى حقا) فيكون مصدرا ، (وقيل : أبدا) فيكون ظرفا كعوض ، وبنيت لقلة تمكنها ؛ إذ لا تستعمل إلا في القسم قاله صاحب «الملخص».

(و) قال (قوم : حرف جواب) بمعنى نعم ، وصححه ابن مالك ، قال : لأن كل موضع تقع فيه يصلح أن يقع فيه نعم ، وليس كل موضع تقع فيه يصلح أن يقع فيه حقا ، فإلحاقها ب : نعم أولى ؛ لأنها أشبه بها لفظا أو استعمالا ، ولذلك بنيت ، ولو وافقت حقا في الأمكنية أعربت ، ولجاز أن يصحبها الألف واللام ، كما أن حقا كذلك ، ولو لم تكن بمعنى نعم لم تعطف عليها في قوله :

١٢٠٠ ـ أبي كرما لا آلفا جير أو نعم

بأحسن إيفاء وأنجز موعد

ولم تؤكد بها في قوله :

١٢٠١ ـ وقلن على البرديّ أوّل مشرب :

نعم جير إن كانت رواء أسافله

ولا قوبل بها (لا) في قوله :

١٢٠٢ ـ إذا تقول : لا ابنة العجير

تصدق ، لا إذا تقول : جير

قال : وأما تنوينها فضرورة أو ترنم ، زاد الفارسي : أو شاذ كتنوين اسم الفعل في قولهم : فداء لك بكسر الهمزة ، واختار هذا القول أبو حيان وابن هشام والرضي ، وقال : إنما صح وقوعها قسما بجامع أن التصديق توكيد وتوثيق كالقسم ، قال ابن الدماميني : ولقائل أن يمنع لزوم الإعراب لو كانت بمعنى حقا ، ودخول أل وسنده ما التي بمعنى شيء

__________________

١١٩٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لأعرابي من بني أسد في الأشباه والنظائر ٦ / ٢٠٢ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ١١١ ، ١١٣ ، ورصف المباني ١٢٤ ، ١٧٧ ، ٤٠٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٢ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٤٩ ، ولسان العرب ١٤ / ٣٥ ، مادة (أسا) ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٠ ، وشرح الرضي ٤ / ٣١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٥.

١٢٠٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لبعض الطائيين في الجنى الداني ص ٤٣٤ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٣.

١٢٠١ ـ البيت من الطويل ، وهو للطفيل الغنوي في ديوانه ص ٨٤ ، والجنى الداني ص ٤٣٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٠٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٠٠.

١٢٠٢ ـ الرجز بلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٢ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٣.


ونحوها ، وسبب البناء حينئذ موافقتها ل : جير الحرفية لفظا ، وكونها مؤكدة في البيت المذكور ؛ لاحتمال أن يكون المعنى نعم يحق ذلك حقا ، وأجاب شيخنا الإمام الشمني عن الأول بأن اللزوم ؛ لعدم مشابهتها الحرف حينئذ بوجه من الوجوه المقتضية للبناء ، بخلاف ما بمعنى شيء فإنها مشابهة له في الوضع.

قال : وقوله : إن سبب بنائها موافقتها لجير الحرفية ، فيه نظر ، فإن القائل باسمية جير لا يثبت جيرا تجري حرفا حتى تكون هذه مشابهة لها انتهى.

(و) قال قوم : (اسم فعل) حكاه صاحب «الملخص» ، واختاره فيما نقل أبو حيان قال : لأن تنوينها للتنكير وهو لا يوجد إلا في اسم الفعل أو الصوت ، (وتنون ضرورة) كالبيت السابق.

(وقد يجاب بها دونه) أي : دون قسم ، كما يجاب ب : (نعم) و (أجل) كقوله:

١٢٠٣ ـ قالت : أراك هاربا للجور

من هدّة السّلطان ، قلت : جير

لا جرم

(و) يغني عن القسم أيضا (لا جرم) حكى الفراء أن العرب تقول : لا جرم لآتينك ، ولا جرم لقد أحسنت ، فاستغنوا بها عن القسم قاصدين بها معنى (حقا) وأصلها بمعنى لا بد.

عوض

(قال الكوفية) : ويغني عن القسم أيضا (عوض) فيقال : عوض لأفعلن ، قال أبو حيان : والبصريون لا يعرفون القسم به وإن ذكره الزجاجي ، (ويجمع بين أيمان) توكيدا سواء اختلف حرف القسم أم لا ، (لكن إن اختلف الحرف لم يؤت بالثاني حتى يوف الأول جوابه) فيقال : تالله لأفعلن ، بالكعبة لأفعلن ، (خلافا للأخفش) في تجويزه الموالاة فيقال :والله تالله بالله لا أفعل ، كما يقال : والله والله لا أفعل.

القسم غير الصريح

(مسألة من القسم غير صريح) وهو ما لا يعلم بمجرد لفظه كون الناطق به مقسما

__________________

١٢٠٣ ـ الرجز لبعض الأغفال في لسان العرب ٤ / ١٥٦ ، مادة (جير) ، وتاج العروس ١٠ / ٤٩٩ ، مادة (جير).


(كعلمت) نحو : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة : ١٠٢] ، قال سيبويه : ومنه قولهم : علم الله ، (وشهدت) نحو : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ) [آل عمران : ١٨] في رواية الكسر ، (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) [المنافقون : ١] ، وجاهدت وأوثقت وأخذت ، ومنه : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ) [آل عمران : ١٨٧] ، وهذه الألفاظ (في الخبر ، ونشدتك الله وعمرتك الله) بالتشديد (وعمرك الله) بضم الراء وفتحها مع ضم العين ، (وقعدك الله) بفتح القاف وكسرها ، (وقعيدك الله وعزمت في الطلب) وقد تقدم أن جواب الطلب يتلقى به أو بلما أو إلا أو إن ، ومن أمثلته هنا قولهم : أنشدك الله إلا فعلت ، وفي الصحيح : «الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله» (١) ، وقوله :

١٢٠٤ ـ عمّرتك الله إلّا ما ذكرت لنا

هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم

وقوله :

١٢٠٥ ـ يا عمرك الله إلّا قلت صادقة

أصادقا وصفه المجنون أو كذبا

وقوله :

١٢٠٦ ـ عمرك الله يا سعاد عديني

بعض ما أبتغي ولا تؤيسيني

وقوله :

١٢٠٧ ـ عمرك الله أما تعرفني

أنا حرّاث المنايا في الفزع

وقوله :

١٢٠٨ ـ قعيدكما الله الذي أنتما له

ألم تسمعا بالبيضتين المناديا

__________________

١٢٠٤ ـ البيت من البسيط ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٩٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٣ ، ١٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٧٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٣٤ ، ٤ / ٢٥٠ ، والكتاب ١ / ٣٢٣ ، ولسان العرب ٤ / ٦٠٢ ، والمقتضب ٢ / ٣٢٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٢.

١٢٠٥ ـ البيت من البسيط ، وهو للمجنون في ديوانه ص ٦٧ ، والأغاني ٢ / ٥١ ، وتزيين الأسواق ص ١٠٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٥١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨.

١٢٠٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٥٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤٢.

١٢٠٧ ـ البيت من الرمل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٠.

١٢٠٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣٦٠ ، ولسان العرب ٣ / ٣٦٤ ، مادة (قعد) ، ولجرير في –

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الحدود ، باب الاعتراف بالزنا (٦٨٢٨).


وقوله :

١٢٠٩ ـ قعيدك أن لا تسمعيني ملامة

ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا

 (ويجوز حذف نشدت) فيقال : بالله لما فعلت ، ومنه قوله :

١٢١٠ ـ قالت له : بالله يا ذا البردين

لما غنيت نفسا أو اثنين

 (و) يجوز حذف (الباء فينتصب تاليها) نحو : نشدتك الله لما فعلت ، والأصل بالله ، ومعنى نشدتك بالله إلا فعلت أقسمت به (لا ترى إلا فاعلا) أي : سألتك وطلبت منك من نشد الضالة طلبها ، (و) معنى (عمرك الله) يعمرك ، أي : عمرك تعميرا ، وهو مخفف عمرتك الله بحذف الزوائد (سألت بتعميرك) أي : بإقرارك له بالبقاء ، كما أن عمرك الله أحلف ببقاء الله ودوامه ، فإن لم يرد بهما القسم فالمعنى سألت الله أن يطيل عمرك ، وقيل : المراد به ضد الخلو من عمر الرجل منزله ، كأنه أراد تذكير القلب بذكر الله تأكيدا للصدق ، والتقدير : ذكرتك بالله تذكيرا يعمر القلب فلا يخلو منه.

(و) معنى (قعدك الله وقعيدك الله معك) أي : رقيب عليك وحفيظ ، وقيل : مقاعدك وهو بمعناه وضمن القسم ، قال في «الصحاح» : على معنى يصاحبك الله الذي هو صاحب كل نجوى ، وقيل : هما مصدران بمعنى المراقبة ، والتقدير : أقسم بمراقبتك الله ، ونصب (الجلالة) في الجميع على إسقاط الجار.

المجرورات الإضافة

(الإضافة) أي : هذا مبحثها هي في اللغة الإمالة ، ومنه ضافت الشمس للغروب مالت ، أو ضفت ظهري إلى الحائط أملته إليه ، وضاف السهم عن الهدف عدل ، وأضفته إلى فلان ألجأته ، والمضاف في الحرب المحاط به ، والمضاف الملزق بالقوم ، وضافه

__________________

ـ لسان العرب ٧ / ١٢٩ ، مادة (بيض) ، وليس في ديوانه وبلا نسبة في لسان العرب ١٠ / ٢٥ ، مادة (بقق) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٢.

١٢٠٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ١١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٠ ، ١٠ / ٥٤ ، ٥٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٦٦ ، ولسان العرب ١ / ١٧٣ مادة (نكأ) ، ٣ / ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، مادة (قعد) ، ٨ / ٣٧٩ ، مادة (وجع) ، والمنصف ١ / ٢٠٦ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٦٦٢ ، والمقتضب ٢ / ٣٣٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٦.

١٢١٠ ـ تقدم الشاهد برقم (١١٧٥).


الهم نزل به ، وتضايف الوادي تضايق كأنه مال أحد جانبيه إلى الآخر ، وأضفت من الأمر أشفقت.

وفي الاصطلاح : (نسبة تقييدية بين اسمين توجب لثانيهما الجر) فخرج بالتقييدية الإسنادية نحو : زيد قائم ، وبما بعده نحو : قام زيد ، ولا ترد الإضافة إلى الجمل ؛ لأنها في تأويل الاسم ، وبالأخير الوصف نحو : زيد الخياط.

(وتصح بأدنى ملابسة) كقوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦] ، لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صحت إضافة أحدهما إلى الآخر ، وقولهم : (كوكب الخرقاء) أضيف إليها ؛ لأنها كانت تنتبه وقت طلوعه.

(والأصح أن الأول) هو (المضاف ، والثاني) هو (المضاف إليه) وهو قول سيبويه ؛ لأن الأول هو الذي يضاف إلى الثاني فيستفيد منه تخصيصا وغيره ، وقيل : عكسه.

(وثالثها : يجوز في كل) منهما (كل) منهما ، (وتجري) هذه الأقوال (في المسند والمسند إليه) فقيل : المسند الأول مبتدأ كان أو غيره ، والمسند إليه الثاني ، وقيل : عكسه ، وقيل : يجوز أن يقال كل منهما في الأول والثاني.

والأصح قول رابع : أن المسند المحكوم به والمسند إليه المحكوم عليه ، (و) يجري أيضا في (البدل والمبدل منه) ، والأصح هنا أن الثاني البدل والأول المبدل منه كما يؤخذ من مبحثه.

(و) الأصح (أن الجر) في المضاف إليه (بالمضاف) قال سيبويه : وإن كان القياس ألا يعمل من الأسماء إلا ما أشبه الفعل ، والفعل لاحظ له في عمل الجر ، لكن العرب اختصرت حروف الجر في مواضع وأضافت الأسماء بعضها إلى بعض ، فناب المضاف مناب حرف الجر فعمل عمله ، ويدل له اتصال الضمائر به ولا تتصل إلا بعاملها (وقال الزجاج وابن الحاجب : هو بالحرف المقدر) لأن الاسم لا يختص ، (و) قال (الأخفش : بالإضافة) المعنوية ، قال (الجمهور : وتقدر اللام) قال في شرح «الكافية» : ومعناها هو الأصل ، ولذا يحكم به مع صحة تقديرها وامتناع تقدير غيرها نحو : دار زيد ، ومع صحة تقديرها وتقدير غيرها نحو : يد زيد ، وعند امتناع تقديرها وتقدير غيرها نحو : عنده ومعه ، ومنه إضافة كل إلى ما بعدها.

(و) قال (قوم : و) يقدر (من إن كان الأول بعض الثاني ، وصح الإخبار به عنه)


كثوب خز وخاتم فضة ، فالثوب بعض الخز والخاتم بعض الفضة ، ويصح أن يطلق على كل اسم الخز والفضة.

ومنه إضافة العدد إلى المعدود ، والمقدر إلى المقدرات على الصحيح ، بخلاف يد زيد وعين عمرو فبالإضافة فيه بمعنى اللام ؛ إذ لا يصح إطلاق اسم الثاني فيه على الأول.

(قيل : أو لم يصح) ذلك اكتفاء بكونه بعضا ، وهو رأي ابن كيسان والسيرافي ، واستدلا بظهورها في قوله :

١٢١١ ـ فالعين مني كأن قرب لحظ به

وقوله :

١٢١٢ ـ كأنّ على الكفّين منه إذا انتحي

ورده ابن مالك بأن الفصل ب : (من) لا يدل على أن الإضافة بمعناها ، وقد فصل بها ما ليس بجزء ، قال :

١٢١٣ ـ وإنّ حديثا منك لو تعلمينه

وأنكر قوم الإضافة بمعنى (من) أصلا ، وقالوا : الإضافة بمعنى اللام ؛ لأن الخز مستحق للثوب كما أنه أصله.

(و) قال الجرجاني وابن الحاجب في «كافيته» و (ابن مالك) في كتبه : (و) تقدر (في) حيث كان ظرفا له ، قال في شرحي «الكافية» و «التسهيل» : قد أغفلها أكثر النحويين ، وهي ثابتة في الفصيح كقوله : (أَلَدُّ الْخِصامِ) [البقرة : ٢٠٤] ، (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] ، (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) [يوسف : ٣٩] ، وفي الحديث :

__________________

١٢١١ ـ البيت من البسيط ، وهو لعلقمة بن عبدة في ديوانه ص ٥٣ ، وجمهرة اللغة ص ١٥٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٧.

١٢١٢ ـ عجز البيت :

مداك عروس أو صلابة حنظل

وهو من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢١ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٩٥ ، ٩ / ١٨٠ ، ولسان العرب ١٤ / ٤٦٩ ، مادة (صلا) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٠.

١٢١٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ١٤١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٨٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٤٤ ، ولسان العرب ٤ / ٧٩ ، مادة (بكر) ، ١١ / ٤٠٢ ، مادة (طفل) ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ١٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٤.


«فلا تجدون أعلم من عالم المدينة» (١) ، فمعنى (في) في هذه الأمثلة ظاهر ، ولا يصح تقدير غيرها إلا بتكلف.

قال أبو حيان : ولا أعلم أحدا ذهب إلى هذه الإضافة غيره ، وهو مردود فقد قال بها الجماعة المذكورون معه كما صرحت بنقله عنهم تقوية لابن مالك ، وردا لدعوى تفرده ، وصرح ابن الحاجب في «مقدمته» بأن تقدير (في) أقل من (اللام) و (من) ، وكذا قال ابن مالك وزاد : إن تقدير (من) أقل من تقدير (اللام).

(و) قال (الكوفية : و) يقدر (عند) نحو : هذه ناقة رقود الحلب ، أي : رقود عند الحلب ، وأجاب أبو حيان بأن هذا وما قدر فيه من باب الصفة المشبهة ، والأصل رفعه على الفاعلية مجازا للمقايسة.

(و) قال (أبو حيان : لا تقدير) أصلا لا للام ولا لغيرها ، وإنما الإضافة تفيد الاختصاص وجهاته متعددة بين كل جهة منها الاستعمال ، فإذا قلت : غلام زيد ودار عمرو فالإضافة للملك ، أو سرج الدابة فللاستحقاق ، أو شيخ أخيك فلمطلق الاختصاص.

(ويختص) التقدير عند من قال به (بالمحضة ، وقيل : تقدر اللام في غيرها) لظهورها في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) [فاطر : ٣٢] ، (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) [النساء : ٣٤] ، (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٨٩] ، (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، ورد بعدم اطراده ؛ إذ لا يسوغ في الصفة المشبهة.

(و) المحضة (هي التي تفيد تعريفا) إذا كان المضاف إليه معرفة (أو تخصيصا) إذا كان نكرة ، قال أبو حيان : هكذا قالوا ، وليس بصحيح ؛ لأنه من جعل القسم قسيما وذلك أن التعريف تخصيص فهو قسم منه ، والصواب أنها تفيد التخصيص فقط ، وأقوى مراتبه التعريف انتهى وهو بحث لفظي.

(وفي إسناد إضافة الجمل) أي : الإضافة إليها (احتمالان) لصاحب «البسيط» ، وجه التخصيص أن الجمل ثلاث ، ووجه التعريف أنها في تأويل المصدر المضاف في التقدير إلى فاعله أو مفعوله ، هكذا حكاهما أبو حيان بلا ترجيح ، ثم قال : وفي التعريف نظر ؛ لأن تقدير المصدر تقدير معنى كما في همزة التسوية ، فلا يلتفت إلى الإضافة فيه ، كما لا

__________________

(١) أخرجه الترمذي ، كتاب العلم ، باب ما جاء في عالم المدينة (٢٦٨٠).


يتعرف قولك : غلام رجل وأنت تريد واحدا بعينه ، وأيضا فلا يلزم في المصدر أن يقدر مضافا ، بل قد يقدر منونا عاملا انتهى.

(وغيرها) أي : غير المحضة ما لا يفيد واحدا منهما ، (بل تخفيفا) في اللفظ بحذف التنوين وشبهه ، (فمنه) أي : من غير المحضة (إضافة غير ومثل وشبه وخدن) بكسر المعجمة وسكون المهملة بمعنى صديق ، (ونحو) بمعنى مثل ، (وناهيك وحسبك) من رجل ، أي : كافيك ، (وما في معناها) كترب بمعنى لدة ، وضرب وند في معنى مثل ، وشرعك وبجلك وقطك وقدك في معنى حسبك ، فهذه الأسماء نكرة وإن أضيفت إلى معرفة ، إما لأنها على نية التنوين قصدا للتخفيف كالوصف ، كما قاله سيبويه والمبرد وهو صريح المتن وجزم به ابن مالك في (حسب) ونحوها ؛ لأنها مراد بها اسم الفاعل ، أو لأنها شديدة الإبهام كما قال ابن السراج والسيرافي وغيرهما ، وجزم به ابن مالك في غير ومثل ونحوهما ؛ لأنك إذا قلت : غير زيد فكل شيء إلا زيد غيره ، ومثل زيد فمثله كثير واحد في طوله وآخر في عمله وآخر في صنعته وآخر في حسنه وهذا لا يكاد يكون له نهاية.

ونقض هذا بأن كثرة المتماثلين والمغايرين لا توجب التنكير ، كما أن كثرة غلمان زيد لا توجب كون غلام زيد نكرة ، بل يجب بالوقوع على واحد معهود للمخاطب ، وقال الأخفش : يجوز أن يكون السبب في ذلك كون أول أحوالها الإضافة ؛ لأنها لا تستعمل مفصولة عنها ، لا يقال : هذا مثل لك ولا غير لك.

وأول أحوال الاسم التنكير فلذلك كانت نكرة مطلقا (وكذا واحد أمه ، وعبد بطنه ، وأبوك في لغة) لبعض العرب حكاها أبو علي في الأولين ، والأصمعي في الأخير حيث أدخل عليها (رب) في قول حاتم :

١٢١٤ ـ أماويّ إني ربّ واحد أمّه

وقولها : رب أبيه رب أخيه ، قال أبو حيان : كله لوحظ في واحد أمه معنى مفرد أمه ، وفي عبد بطنه خادم بطنه ، والضمير فيهما لا يرجع إلى واحد ولا عبد ، بل إلى غيرهما مما تقدم ، وفي أبيه وأخيه مناسب له بالأبوة والأخوة ، والأشهر استعمال ما ذكر معرفة.

(وقيل : و) منه أيضا (الظروف) سواء أضيفت إلى مفرد أم جملة ، حكاه أبو حيان عن

__________________

١٢١٤ ـ الشاهد برقم ١٠٧١ ، ورواية عجزه :

ملكت فلا أسر لدي ولا قتل


بعضهم ، (ويعرف ما ذكر) من (غير) وما بعده (إن تعين المغاير والمماثل) كأن وقع (غير) بين ضدين نحو : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧] ، وقولك : مررت بالكريم غير البخيل ، والجامد غير المتحرك ، أو قارن مثلا مما يشعر بمماثلة خاصة.

(وقال المبرد : لا يتعرف (غير) بحال) لأن كل من خالفك فهو غيرك حقيقة ، والذي يماثلك من كل وجه قد يتعين أن يكون واحدا ، قال أبو حيان : ورد بأنه قد يكون معرفة باعتبار أنه نهاية في المغايرة كما يكون نهاية في المثل.

(ومنه) أي : غير المحضة (إضافة الصفة) أي : اسم الفاعل والمفعول وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة (إلى معمولها) المرفوع بها في المعنى أو المنصوب ؛ لأنها في تقدير الانفصال ، ولذلك وصف بها النكرة في قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ، ووقعت حالا في قوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) [الحج : ٩] ، ودخل عليه رب في قول جرير :

١٢١٥ ـ يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم

وذكر ابن مالك في نكته على «الحاجبية» أنها قد تفيد التخصيص أيضا ، فإن ضارب زيد أخص من ضارب.

قال ابن هشام : وهذا سهو ، فإن ضارب زيد أصله ضارب زيدا ، لا ضارب فقط ، فالتخصيص حاصل بالمعمول قبل الإضافة ، وفهم من تقييد الإضافة بكونها إلى المعمول اشتراط كونها بمعنى الحال أو الاستقبال ، فإن كانت بمعنى الماضي فإضافتها محضة ؛ لأنها ليست في تقدير الانفصال.

(قيل : و) منه إضافة (المصدر) إلى مرفوعه أو منصوبه ، قاله ابن برهان وعلله بأن المجرور به مرفوع المحل أو منصوبه فأشبه الصفة ، وابن الطراوة وعلله بأن عمله بالنيابة عن الفعل فهو أقوى من الصفة العاملة بالشبه ، بدليل اختصاصها ببعض الأزمنه دونه ، وإذا كان أقوى كان أولى أن يحكم له بحكم الفعل في عدم التعريف ، والأصح لا ورد

__________________

١٢١٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٦٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٢ ، ٨٨٠ ، والكتاب ١ / ٤٢٧ ، ولسان العرب ٧ / ١٧٤ ، مادة (عرض) ، ومغني اللبيب ١ / ٥١١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٦٤ ، والمتقضب ٤ / ١٥٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٩ ، ومن نسخة (يعرفكم) بدلا من (يطلبكم).


الاستدلال ؛ لأنه لم ينب مناب الفعل وحده ، بل مع أن ، والموصول محكوم بتعريفه ، فكذلك ما وقع موقعه ، وبانتفاء لوازم التنكير من دخول (رب) وأل ، ونعته بالنكرة ، وبورود نعته وتأكيده بالمعرفة في قوله :

١٢١٦ ـ إنّ وجدي بك الشّديد أراني

وقوله :

١٢١٧ ـ فلو كان حبّي أمّ ذي الودع كلّه

وبأن تقدير الانفصال في الصفة للضمير المستتر فيها وهو بخلافها.

(قيل : و) منه إضافة اسم (التفضيل) قاله الكوفيون والفارسي وأبو الكرم بن الدباس والجزولي وابن عصفور وابن أبي الربيع ، قال الفارسي : لأنه ينوى بها الانفصال ؛ لكونها تضاف إلى جماعة هو أحدها ، وإلا لزم إضافة الشيء إلى نفسه ؛ إذ لا ينفك أن يكون بعض الجملة المضاف إليها ، ولأن فيه معنى الفعل ولهذا نصب الظرف ، وتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف جر ، والأصح أنها محضة ؛ إذ لا يحفظ وروده حالا ولا تمييزا ، ولا بعد رب وأل ، قال سيبويه : العرب لا تقول : هذا زيد أشبه الناس ؛ لأن الحال لا يكون إلا نكرة.

(وثالثها : إن نوي) معنى (من) فغير محضة ؛ لأنه حينئذ في حكم الانفصال ، وإلا فمحضة قاله ابن السراج ، ونزل قول سيبويه على الثاني ، وقول الكوفيين على الأول.

(فإن قصد تعريفها) أي : الصفة المضافة إلى معمولها ، بأن قصد الوصف بها من غير اختصاص بزمان دون زمان (تعرفت) ، ولذا وصف بها المعرفة في قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] ، (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام : ٩٥] ، (غافِرِ الذَّنْبِ) [غافر : ٣] ، (إلا) الصفة (المشبهة) فلا تتعرف ؛ لأن الإضافة فيها نقل عن أصل وهو الرفع بخلافها في غيرها فهي عن فرع وهو النصب ، ولأنه إذا قصد تعريفها أدخل عليها اللام.

(وزعم الكوفية والأعلم) فقالوا : إنها تتعرف بقصده إذ الإضافة لا تمنع منه (ومن ثم) أي : من هنا وهو أن إضافة الصفة إلى معمولها لا تفيد تعريفا ، بل تخفيفا (جاز اقتران هذا المضاف دون غيره) من المضافات (بأل) لأن المحذوف في غيره من اجتماع أداتي تعريف

__________________

١٢١٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٦٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٦٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦١.

١٢١٧ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٧٠.


منتف فيه ، وإنما يقرن بها هذا (إن كان مثنى أو جمعا على حدّه) نحو : الضاربا زيد ، والضاربو زيد ، قال الشاعر :

١٢١٨ ـ ليس الأخلّاء بالمصغي مسامعهم

وقال :

١٢١٩ ـ إن يغنيا عنّي المستوطنا عدن

(أو أضيف لمقرون بها) نحو : الضارب الرجل ، وقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) [الحج : ٣٥] ، (أو) أضيف إلى (مضاف إليه) أي : إلى مقرون بها نحو : القاصد باب الكريم ، (وكذا) إن أضيف إلى (ضمير هي في مرجعه على الأصح) نحو : الضارب الرجل والشاتمه ، وقوله :

١٢٢٠ ـ الودّ أنت المستحقّة صفوه

وقوله :

١٢٢١ ـ الواهب المائة الهجان وعبدها

ومنع المبرد هذه الصورة ، وأوجب النصب ، قيل : أو إلى ضمير ما نحو : الضاربك والضاربي والضاربه ، قاله الرماني والمبرد والزمخشري ، ومنع سيبويه والأخفش ذلك وجعلا موضع الضمير نصبا كما لو كان موضعه ظاهرا فإنه يتعين نصبه.

(قال الفراء : أو) أضيف إلى (معرفة) ما نحو : الضارب زيد بخلاف الضارب رجل ولا مستند له في السماع ، (و) قال (الكوفية) : أو أضيف عدد إلى (معدود) نحو : الثلاثة

__________________

١٢١٨ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٩٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٦.

١٢١٩ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٩٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٠٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٣.

١٢٢٠ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٣٠٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤٥.

١٢٢١ ـ البيت من الكامل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٧٩ ، وأمالي المرتضى ٢ / ٣٠٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٥٦ ، ٢٦٠ ، ٥ / ١٣١ ، ٦ / ٤٩٨ ، والكتاب ١ / ١٨٣ ، والمقتضب ٤ / ١٦٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٩ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٢٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٧ ، والمقرب ١ / ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٩.


الأثواب ، قال ابن مالك : وحجتهم السماع ، وأما البصريون فاستندوا في المنع إلى القياس ؛ لأنه من باب المقادير ، فكما لا يجوز الرطل زيت لا يجوز هذا.

(مسألة : الجمهور على أنه لا يضاف اسم لمرادفه ونعته ومنعوته ومؤكده) لأن المضاف يتعرف أو يتخصص بالمضاف إليه ، والشيء لا يتعرف ولا يتخصص إلا بغيره ، والنعت عين المنعوت ، وكذا ما ذكر بعده (إلا بتأويل) كقولهم : سعيد كرز ، أي : مسمى هذا اللقب ، وخشرم دبر ، أي : الذي له ذا الاسم ؛ لأنهما اسمان للنحل ، وصلاة الأولى ومسجد الجامع ، و(دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] ، أي : الساعة الأولى واليوم أو الوقت الجامع والملة القيمة ، وسحق عمامة وجرد قطيفة الأصل عمامة سحق وقطيفة جرد قدم وجعل نوعا مضافا إلى الجنس كخاتم فضة ويوم يوم وليلة ليلة.

(وشرط الكوفية) في الجواز (اختلاف اللفظ فقط) من غير تأويل تشبيها بما اختلف لفظه ومعناه ، كيوم الخميس ، و(شَهْرُ رَمَضانَ) [البقرة : ١٦٥] ، و(وَعْدَ الصِّدْقِ) [الأحقاف : ١٦] ، و(حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة : ٩٥] ، و(مَكْرَ السَّيِّئِ) [فاطر : ٤٣] ، و (يا نساء المؤمنات) [:] ، كما جاء ذلك في النعت والعطف والتأكيد نحو : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) [فاطر : ٢٧].

١٢٢٢ ـ كذبا ومينا

(كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠].

(و) قال (أبو حيان : لا يتعدى السماع) بل يقتصر عليه فلا يقاس (وهل هي) أي : هذه الإضافة (محضة أو لا أو واسطة) بينهما (أقوال) :

الأول : قاله جماعة واختاره أبو حيان ؛ لأنه لا يقع بعد (رب) ولا (أل) ، ولا ينعت بنكرة ، ولا ورد نكرة فلا يحفظ (صلاة أولى) و (مسجد جامع).

والثاني : قاله الفارسي وابن الدباس وغيرهما ؛ لشبهه بحسن الوجه وأمثاله ؛ لأن الأصل في (صلاة الأولى) ونحوه (الصلاة الأولى) على النعت ، ثم أزيل عن حده كما أن أصل حسن الوجه (حسن وجهه) فأزيل عن الرفع.

والثالث : قاله ابن مالك ، قال : لأن لها اعتبارين اتصال من وجه أن الأول غير مفصول بضمير منوي وانفصال من وجه أن المعنى لا يصح إلا بتكلف خروجه عن الظاهر.

__________________

١٢٢٢ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.


قال أبو حيان : ولم يسبقه أحد إلى ذكر هذا القسم الثالث ، (ثم تجري) هذه الأقوال (فيما ألغي فيه مضاف) نحو :

١٢٢٣ ـ إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

(أو مضاف إليه) نحو :

١٢٢٤ ـ أقام ببغداد العراق وشوقه

لأهل دمشق الشّام شوق مبرّح

 (ولا يقدم) على المضاف (معمول مضاف إليه) لأنه من تمامه كما لا يتقدم المضاف إليه على المضاف (وجوزه الكسائي على أفعل) نحو : أنت أخانا أول ضارب ، واقتصر في «التسهيل» على ذكر المثال وأن ثعلبا حكاه عنه. قال أبو حيان : فهل هو مختص بلفظ (أول) أو (عام) في كل أفعل تفضيل يحتاج إلى تحرير النقل في ذلك ، ولا يظهر فرق بين (أول) وغيره فيجوز هذا بالله أفضل عارف ، والصحيح أنه لا يجوز شيء من ذلك ؛ لعدم سماع ذلك من كلامهم ولمخالفة الأصول.

(وجوز الزمخشري وابن مالك) التقديم (على غير) النافية (مطلقا) نحو : زيد عمرا غير ضارب ، قال :

١٢٢٥ ـ فتى هو حقّا غير ملغ فريضة

ولا تتّخذ يوما سواه خليلا

قال أبو حيان : والصحيح أنه لا يجوز ذلك ، والبيت نادر لا يقاس عليه ، (و) جوزه (قوم) على غير (إن كان) المعمول (ظرفا) أو مجرورا ؛ لتوسعهم فيه كقوله :

١٢٢٦ ـ إنّ امرأ خصّني يوما مودّته

على التّنائي لعندي غير مكفور

قال أبو حيان : والصحيح المنع ؛ لاتحاد العلة في ذلك في المفعول ، أما (غير) التي

__________________

١٢٢٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢١٤ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٩٦ ، والأغاني ١٣ / ٤٠ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٢٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٣٧ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، والخصائص ٣ / ٢٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١٤ ، والعقد الفريد ٢ / ٧٨ ، ٣ / ٥٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧٥ ، والمنصف ٣ / ١٣٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٢.

١٢٢٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لبعض الطائيين في المقاصد النحوية ٣ / ٣٧٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٧١.

١٢٢٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٧٥.

١٢٢٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي زبيد الطائي في سر صناعة الإعراب ١ / ٣٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٠.


لم يرد بها نفي فلا يجوز التقديم عليها باتفاق ، فلا يقال : أكرم القوم زيدا غير شاتم ، (وجوز قوم) التقديم (على حق) كقوله :

١٢٢٧ ـ فإن لا أكن كلّ الشجاع فإنّني

بضرب الطّلى والهام حقّ عليم

قال أبو حيان : والصحيح المنع لندور هذا البيت وإمكان تأويله ، وجوز قوم التقديم على (مثل) نقله ابن الحاج نحو : أنا زيدا مثل ضارب ، (وقد يكتسب المضاف) من المضاف إليه (تأنيثا وتذكيرا إن صح حذفه) ولم يختل الكلام به (وكان بعضا) من المضاف إليه (أو كبعض) منه كقولهم : قطعت بعض أصابعه ، وقرئ : تلتقطه بعض السيارة [يوسف : ١٠] ، وقوله :

١٢٢٨ ـ كما شرقت صدر القناة من الدّم

وقوله :

١٢٢٩ ـ رؤية الفكر ما يؤول له الأم

ر معين على اجتناب التّواني

بخلاف ما إذا لم يصح لو حذف فلا يقال : قامت غلام هند ، ولا أمة زيد جاء ، أو صح ولم يكن بعضا ولا كبعض ، فلا يقال : أعجبتني يوم الجمعة ، ولا جاءت يوم عاشوراء.

أسماء لازمة الإضافة

(مسألة) في أسماء لازمت الإضافة ؛ لاحتياجها إليها في فهم معناها (لزم الإضافة) مطلقا (حمادى وقصارى) بضم أولاهما وقصرهما بمعنى الغاية ، يقال : قصاراك أن تفعل كذا ، أي : غايتك وآخر أمرك ، وحكى الجوهري فيما فتح القاف وقصر أيضا قال :

١٢٣٠ ـ قصر الجديد إلى بلى

والعيش في الدّنيا انقطاعه

__________________

١٢٢٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للأشتر في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٢٧٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٢.

١٢٢٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٥٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤ ، والكتاب ١ / ٥٢ ، ولسان العرب ٤ / ٤٤٦ ، مادة (صدر) ، ١٠ / ١٧٨ ، مادة (شرق) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٥ ، والخصائص ٢ / ٤١٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٠.

١٢٢٩ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣١١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٢.

١٢٣٠ ـ البيت من مجزوء الكامل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٣.


(و) لزم (الإضافة إلى ضمير وحده) فلا يضاف إلى ظاهر وسواء ضمير الغائب وغيره ، وتجب مطابقته لما قبله نحو : (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) [غافر : ١٢].

١٢٣١ ـ والذّنب أخشاه إن مررت به

وحدي ...

١٢٣٢ ـ وكنت إذ كنت إلهي وحدكا

وقوله :

١٢٣٣ ـ أعاذل هل يأتي القبائل حظّها

من الموت أم خلّي لنا الموت وحدنا

 (لازم النصب) على المصدر لفعل من لفظه ، حكى الأصمعي : وحد الرجل يحد إذا انفرد ، وقيل : لم يلفظ بفعله كالأبوة والأخوة والخؤولة ، وقيل : محذوف الزوائد من إيحاد ، وقيل : نصبه على الحال لتأويله بموحد ، وقيل : على حذف حرف الجر والأصل على وحده.

(و) لازم (الإفراد والتذكير) لأنه مصدر (وقد يثنى) شذوذا (أو يجر بعلى) سمع حلبا على وحديهما ، وقلنا ذلك وحدينا ، واقتضيت كل درهم على وحده ، وجلس على وحده ، (أو إضافة نسيج وقريع) بوزن كريم (وجحيش وعيير) مصغرين إليه (ملحقات بالعلامات على الأصح) يقال : هو نسيج وحده ، وقريع وحده إذا قصد قلة نظيره في الخير ، وأصله في الثوب ؛ لأنه إذا كان رفيعا لم ينسج على منواله ، والقريع السيد ، وهو جحيش وحده وعيير وحده إذا قصد قلة نظيره في الشر وهما مصغر عير وهو الحمار وجحش وهو ولده ، يذم بهما المنفرد باتباع رأيه ، ويقال : (هما نسيجا وحدهما) و (هم نسجاء وحدهم) ، و (هي نسيجة وحدها) وهكذا ، وقيل : لا يتصل بنسيج وأخواته العلامات ، فيقال : هما نسيج

__________________

١٢٣١ ـ البيت من المنسرح ، وهو للربيع بن ضبع الفزاري في أمالي المرتضى ١ / ٢٥٦ ، وحماسة البحتري ص ٢٠١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٨٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٦ ، والكتاب ١ / ٩٠ ، ولسان العرب ١٣ / ٢٥٩ ، مادة (ضمن) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٧ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٩.

١٢٣٢ ـ الرجز لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨١ ، وشرح المفصل ٢ / ١١ ، والكتاب ٢ / ٢١٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١١٢ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٤١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٧٩ ، والمقتضب ٤ / ٢٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢١.

١٢٣٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لمعن بن أوس المزني في لسان العرب ١٤ / ٢٣٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٣.


وحدهما وهكذا ، و (قريع) لم يذكرها في «التسهيل» ، وذكرها أبو حيان وشيخه الشاطبي ، وزاد الشاطبي : (رجل وحده) ، (و) لزم الإضافة (إلى معرفة مثناة) لفظا أو معنى (تفريقه) معطوفا (بالواو) فقط (ضرورة كلا وكلتا) نحو : وكلا الرجلين ، (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ) [الكهف : ٣٣].

١٢٣٤ ـ كلانا غنيّ عن أخيه حياته

١٢٣٥ ـ إنّ للخير وللشرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

ومن تعريفه بالواو :

١٢٣٦ ـ كلا أخي وخليلي واجدي عضدا

(وقال الكوفية : أو نكرة) محدودة بناء على جواز توكيدها ، سمع : كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها ، (وقال ابن الأنباري : و) إلى (مفرد إن كررت) كلا نحو : كلاي وكلاك محسنان ، (و) لزم الإضافة (ذو وفروعه) أي : ذوا وذوو وذات وذاتا وذوات ، (وأولو وأولات إلى اسم جنس) قياسا كذي علم وذي حسن ، (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) [الطلاق : ٢] ، (ذَواتا أَفْنانٍ) [الرحمن : ٤٨] ، (وإلى علم سماعا) نحو : ذو يزن وذو رعين وذو الكلاع وذو سلم وذو عمرو وذو تبوك ، (وقيل : قياسا) قاله الفراء.

(والغالب إلغاؤها) أي : كونها ملغاة ، أي : زائدة (حينئذ) وقد لا تلغى نحو : (أنا الله ذو بكة) ، أي : صاحب بكة ، (والمختار جوازها) أي : إضافتها (إلى ضمير) كما يفهم من كلام أبي حيان أن الجمهور عليه ، كقوله :

__________________

١٢٣٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للأبيرد الرياحي في الأغاني ١٣ / ١٢٧ ، ولعبد الله بن معاوية بن جعفر في الحماسة الشجرية ١ / ٢٥٣ ، وللمغيرة بن حبناء التيمي في لسان العرب ١٥ / ١٣٧ ، مادة (غنا) ، ولعبد الله ابن معاوية أو للأبيرد الرياحي في شرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٥ ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٣١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨٦.

١٢٣٥ ـ البيت من الرمل ، وهو لعبد الله بن الزبعرى في ديوانه ص ٤١ ، والأغاني ١٥ / ١٣٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٤٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٢ ، ٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٣٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٠٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٦.

١٢٣٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٤٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٥٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٠ ، ومغني اللبيب ص ٢٠٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٣.


١٢٣٧ ـ إنّما يعرف ذا الفض

ل من النّاس ذووه

وقوله :

١٢٣٨ ـ أبار ذوي أرومتها ذووه

وقوله :

١٢٣٩ ـ رجوناه قدما من ذويك الأفاضل

(خلافا للكسائي والنحاس والزبيدي والمتأخرين) في منعهم ذلك ، إلا في الشعر وجزم به الجوهري في «الصحاح» ، وفي «رؤوس المسائل» بعد نقله المنع عن الثلاثة المذكورين ، وأجازه غير هؤلاء.

وقد استعمل جمع (ذي) مقطوعا عن الإضافة في قوله :

١٢٤٠ ـ فلا أعني بذلك أسفليكم

ولكنّي أريد به الذّوينا

وجميع ما تقدم لزم الإضافة لفظا (و) لزم الإضافة (معنى لا لفظا) فيجوز القطع على نيتها.

آل

(آل) وأصله أول قلبت واوه ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها بدليل قولهم : أويل ، وقيل : أهل أبدلت هاؤه همزة ، ثم الهمزة ألفا لسكونها بعد همزة مفتوحة بدليل أهيل ، وإنما يضاف (إلى علم عالم غالبا) كقوله :

__________________

١٢٣٧ ـ البيت من مجزوء الرمل ، وهو بلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٥٣ ، ٣ / ٣٨ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٥٨ ، مادة (ذو) ، والمزهر ١ / ١٥٧ ، وعمدة الحفاظ (ذوو) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٨.

١٢٣٨ ـ البيت من الوافر ، وهو لكعب بن زهير في ديوانه ، وأمالي ابن الحاجب ص ٣٤٤ ، وشرح المفصل ١ / ٥٣ ، ٣ / ٣٦ ، ٣٨ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٥٨ ، مادة (ذو) ، وبلا نسبة في المقرب ١ / ٢١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٤.

١٢٣٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٨٢ ، والعقد الفريد ٢ / ٩٠ ، وفيه (الأوائل) مكان (الأفاضل) ولسان العرب ١٥ / ٤٥٨ ، مادة (ذو) وفيه (الأوائل) مكان (الأفاضل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٨.

١٢٤٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للكميت بن زيد في ديوانه ٢ / ١٠٩ ، وخزانة الأدب ١ / ١٣٩ ، ١٤١ ، ١٤٣ ، ٤ / ٤٩٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٧ ، والكتاب ٣ / ٢٨٢ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٥٧ ، ٤٥٩ ، مادة (ذو) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ١٧٩ ، ٧ / ٤٣٠ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٢.


١٢٤١ ـ نحن آل الله في بلدتنا

لم نزل آلا على عهد إرم

ومن إضافته إلى علم غيره.

١٢٤٢ ـ من الجرد من آل الوجيه ولا حق

وهما علما فرس ، وإلى الجنس آل الصليب ، (والصحيح جوازه إلى ضمير) كقوله :

١٢٤٣ ـ وانصر على آل الصّلي

ب وعابديه اليوم آلك

وقيل : لا يجوز ، وعزي للكسائي والنحاس والزبيدي.

كل وبعض

(و) لزم الإضافة معنى أيضا (كل وبعض ، والجمهور) على (أنهما) عند التجرد منها (معرفتان بنيتها) لأنهما لا يكونان أبدا إلا مضافين ، فلما نويت تعرف من جهة المعنى ، (ومن ثم) أي : من هنا وهو كونهما عند القطع معرفتين بنيتها ، أي : من أجل ذلك (امتنع وقوعهما حالا ، وتعريفهما بأل خلافا للأخفش وأبي علي) الفارسي (وابن درستويه) في قولهم بأنهما نكرتان ، وأنهما معرفان بأل ، وينصبان على الحال قياسا على نصف وسدس وثلث ، فإنها نكرات بإجماع وهي في المعنى مضافات ، وحكوا مررت بهم كلا بالنصب على الحال ، وهذا القول مشهور عن الأولين وظفرت بنقله عن ابن درستويه أيضا في «كتاب ليس» لابن خالويه ، فذكرته تقوية لهما.

أي

(و) لزم الإضافة معنى أيضا (أي) بأقسامها فتكون نفس ما تضاف إليه ، (وهي مع النكرة ككل ، ومع المعرفة كبعض ، ومن ثم) أي : من هنا وهو كونها مع المعرفة كبعض ، أي : من أجل ذلك (لم تضف لمفرد معرفة إلا مكررة ، أو منويا بها الأجزاء) ليصح فيها معنى البعضية نحو :

١٢٤٤ ـ إني وأيّك فارس الأحزاب

__________________

١٢٤١ ـ البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٧١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٠.

١٢٤٢ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

١٢٤٣ ـ البيت من مجزوء الكامل ، وهو لعبد المطلب بن هاشم في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٠٧ ، وشرح الأشموني ١ / ٥ ، وبلا نسبة في الممتع في التصريف ١ / ٣٤٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٦.

١٢٤٤ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٤٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٤ ، ١٣٨ ، والمحتسب ١ / ٢٥٤ ، ومغني اللبيب ص ١٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٢٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٣.


ونحو : أيّ زيد حسن؟ ، أي : أيّ أجزائه ، فإن لم يكن تعين إضافتها إلى نكرة أو مثنى نحو : أي رجل ، وأي الزيدين عندك؟ هذا حكم شامل لأي بأنواعها ، وتقدم ما يختص بكل نوع منها في مبحث الموصول.

(ومر كثير) مما لزم الإضافة في المصادر والظروف والاستثناء (فلم نعده) حذرا من التكرار.

(مسألة : أضيف للفعل آيةبمعنى علامة) مع (ما) المصدرية أو النافية ودونهما تشبيها لها بالظرف كقوله :

١٢٤٥ ـ بآية تقدمون الخيل شعثا

وقوله :

١٢٤٦ ـ ألكني إلى سلمى بآية أو مأت

وقوله :

١٢٤٧ ـ بآية ما تحبّون الطّعاما

وقوله :

١٢٤٨ ـ بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا

__________________

١٢٤٥ ـ البيت من الوافر ، وهو للأعشى في خزانة الأدب ٦ / ٥١٢ ، ٥١٥ ، ولسان العرب ١٢ / ٢٩٢ ، مادة (سلم) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٥٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١١ ، وشرح المفصل ٣ / ١٨ ، والكتاب ٣ / ١١٨ ، ولسان العرب ١٤ / ٦٢ ، مادة (أيا) ، ومغني اللبيب ١ / ٤٢ ، ٥٣٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٤.

١٢٤٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٧١٨ ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٥١.

١٢٤٧ ـ البيت من الوافر ، وهو ليزيد بن عمرو بن الصعق في خزانة الأدب ٦ / ٥١٢ ، ٥١٤ ، ٥١٥ ، ٥١٨ ، ٥١٩ ، ٥٢٣ ، ٥٢٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٨٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٦ ، وشرح المفصل ٣ / ١٨ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٤٠ ، والكتاب ٣ / ١١٨ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٥٠ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٢٠ ، ٦٣٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٥.

١٢٤٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن شأس في شرح أبيات سيبويه ١ / ٧٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٥ ، والكتاب ١ / ١٩٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٩٦ ، وبلا نسبة في المنصف ١ / ١٠٣ ، وفي لسان العرب ١٠ / ٣٩٣ ، مادة (ألك) ، والأشباه والنظائر ٨ / ٧٠ ، والخصائص ٣ / ٢٧٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٢٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٠.


(وقيل : هو على حذف ما) المصدرية ، والإضافة إلى المصدر المؤول ، قال ابن جني : وعلى الأول (ما) الموجودة زائدة ويؤيده عدم تصريحهم بالمصدر أصلا ، وإضافتها إلى الجملة الاسمية في قوله :

١٢٤٩ ـ بآية الخال منها عند برقعها

(وقيل : لا يطرد) ذلك ، بل يقتصر فيه على السماع قاله المبرد ، (و) أضيف إليه أيضا (ذو في قولهم : اذهب) بذي تسلم (أو افعل بذي تسلم) وهي بمعنى صاحب (أي بذي سلامتك) والمعنى في وقت ذي سلامة ، فالباء بمعنى في ، وقيل : للمصاحبة ، أي : افعله مقترنا بسلامتك ، كما تقول : افعله بسعادتك ، وقيل : للقسم ، أي : بحق سلامتك ، وهلا هو خبر في معنى الدعاء ، أي : والله يسلمك ، (وقيل : ذو موصولة) أعربت على لغة ، و (تسلم) صلتها والمعنى اذهب في الوقت الذي تسلم فيه ، ثم حذف الجار اتساعا فصار تسلمه ، ثم الضمير.

(ويلحق الفعلين الفروع) فيقال : اذهبا بذي تسلمان ، واذهبوا بذي تسلمون ، واذهبي بذي تسلمين.

(مسألة : يحذف المضاف لدليل) جوازا نحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ) [البقرة : ١٩] ، أي : كأصحاب صيب ، (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ) [النور : ٤٠] ، أي : كذي ظلمات بدليل (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) [البقرة : ١٩] ، (يَغْشاهُ مَوْجٌ) [النور : ٤٠].

(ودونه ضرورة) كقوله :

١٢٥٠ ـ عشيّة فرّ الحارثيّون بعد ما

قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر

يريد : ابن هوبر.

(وإنما يقاس إذا لم يستبد الثاني بنسبة الحكم) نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ،

__________________

١٢٤٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لمزاحم بن عمرو السلولي ، وبلا نسبة في لسان العرب ٧ / ٢٢٣ ، مادة (قضض) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٧.

١٢٥٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ٢ / ٦٣٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٧١ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٣ ، ولسان العرب ٥ / ٢٤٨ ، مادة (هبر) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٣٢٧ والمقرب ١ / ٢١٤ ، ٢ / ٢٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٩.


أي : أهلها ، (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] ، أي : حبه ، فإن جاز استبداده به اقتصر فيه على السماع ولم يقس ، (خلافا لابن جني) في قوله بالقياس مطلقا ، فأجاز جلست زيدا على تقدير جلوس زيد.

(وقد يحذف متضايفان وثلاثة) نحو : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج : ٣٢] ، أي : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى ، (قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) [طه : ٩٦] ، أي : أثر حافر فرس الرسول ، (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) [النجم ٩] ، أي : مقدار مسافة قربه مثل قاب ، (ثم الأفصح نيابة الثاني) أي : المضاف إليه عن المضاف (في أحكامه) من الإعراب كما تقدم والتذكير نحو :

١٢٥١ ـ يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل

أي : ماء بردى ، وإلا لقال : تصفق وهو نهر بدمشق ألفه للتأنيث ، والتأنيث نحو :

١٢٥٢ ـ والمسك من أردانها نافحه

أي : رائحته ، وعود ضميره نحو : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ) [الكهف : ٥٩] ، أي : أهلها ، وغير ذلك كحديث : «إن هذين حرام على ذكور أمتي» (٣) ، أي : استعمال هذين.

(وفي) نيابته عنه في (التنكير إذا كان) المضاف المحذوف (مثلا خلف) فقال ابن مالك تبعا للخليل : نعم ، ولذلك نصب على الحال نحو : (تفرقوا أيادي سبأ) ، أي : مثلها ، أو ركب مع (لا) كحديث : «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر

__________________

١٢٥١ ـ البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٨٤ ، ١١ / ١٨٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٥ ، ولسان العرب ٣ / ٨٨ ، مادة (برد) ، ٧ / ٦ ، مادة (برص) ، ١٠ / ٢٠٢ ، مادة (صفق) ، ومعجم ما استعجم ص ٢٤٠ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٥.

١٢٥٢ ـ البيت من السريع ، وصدره :

مرّت بنا في نسوة خولة

وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢٤ ، ٢ / ٢٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٢.

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب اللباس ، باب في الحرير للنساء (٤٠٥٧) ، والنسائي ، كتاب الزينة ، باب تحريم الذهب على الرجال (٥١٤٤).


بعده» (١) ، وقال سيبويه : لا ، (ويجوز إبقاء جره إن عطف على مماثل للمحذوف أو مقابل) له ، فالأول نحو :

١٢٥٣ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرأ

ونار توقّد باللّيل نارا

أي : وكل نار ، والثاني نحو : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] ، أي : ما في الآخرة.

(وشرط ابن مالك) للجواز (اتصال العطف) كما مثل ، (أو فصله بلا) نحو :

١٢٥٤ ـ ولم أر مثل الخير يتركه الفتى

ولا الشرّ يأتيه امرؤ وهو طائع

ولم يشترطه الأكثرون كما في الآية المذكورة (و) شرط (قوم سبق نفي أو استفهام ، كما تقدم في الأمثلة) قال أبو حيان : والصحيح جوازه مع عدمهما كقوله :

١٢٥٥ ـ لو انّ طبيب الإنس والجنّ داويا ال

لذي بي من عفراء ما شفياني

وقوله :

١٢٥٦ ـ كل مثر في رهطه ظاهر العز

ز وذي غربة وفقر مهين

 (و) الجر (دون عطف ضرورة) كقوله :

١٢٥٧ ـ الآكل المال اليتيم بطرا

__________________

١٢٥٣ ـ البيت من المتقارب ، وهو لأبي دؤاد في ديوانه ص ٣٥٣ ، والأصمعيات ص ١٩١ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، ٢٩٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، ١٠ / ٤٨١ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٦ ، والكتاب ١ / ٦٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٠٩.

١٢٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لبشر القشيري في شرح عمدة الحافظ ص ٥٠١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢٥ ، ٢ / ٢٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٣.

١٢٥٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لعروة بن حزام في خزانة الأدب ٣ / ٢١٦ ، وذيل الأمالي ص ١٦١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٧.

١٢٥٦ ـ البيت من الخفيف ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٥.

١٢٥٧ ـ الرجز تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦١.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام (٣٦١٨) ، ومسلم ، كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... (٢٩١٨).


أي : مال اليتيم ، (خلافا للكوفية) في تجويزهم ذلك في الاختيار ، حكوا : أطعمونا لحما سمينا شاة ، أي : لحم شاة ، فقاسوا عليه نحو : يعجبني ضرب زيد ، أي : ضرب زيد ، والبصريون حملوا ذلك على الشذوذ.

(ويحذف المضاف إليه) منويا (ويكثر) هذا الحذف (في الأسماء التامة) ، ويقل في غيرها كقبل وبعد ونحوهما ، وقال ابن عصفور : لا يقاس إلا في مفرد مضافه زمان ، وقد يبقى المضاف بلا تنوين إن عطف هو على مضاف لمثله ، (أو عطف عليه مضاف لمثله).

فالأول نحو : حديث البخاري عن أبي برزة : غزوت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبع غزوات أو ثماني (١) بفتح الياء بلا تنوين.

والثاني نحو : حديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تحيضين في علم الله ستة أو سبعة أيام» (٢).

(وخصه الفراء بالمصطحبين كاليد والرجل) نحو : قطع الله يد ورجل من قالها ، والنصف والربع وقبل وبعد ، بخلاف نحو : دار وغلام ، فلا يقال : اشتريت دار غلام زيد.

قال ابن مالك : وقد ينفى بلا تنوين من غير عطف كقراءة ابن محيصن (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [البقرة : ٣٨] ، أي : لا خوف شيء عليهم ، وقوله :

١٢٥٨ ـ سبحان من علقمة الفاخر

الفصل بين المتضايفين

(مسألة : لا يفصل بين المتضايفين) أي : المضاف والمضاف إليه (اختيارا) لأنه من تمامه ومنزل منه منزلة التنوين ، (إلا بمفعوله وظرفه على الصحيح) كقراءة ابن عامر : قتل أولادهم شركائهم [الأنعام : ١٣٧] ، وقرئ : (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [إبراهيم : ٤٧] ، وحديث البخاري : «هل أنتم تاركو لي صاحبي» (٤) ، وقوله : ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها ، وقوله :

__________________

١٢٥٨ ـ البيت من السريع ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٩٣ ، وأساس البلاغة ص ٢٠٠ ، (سبح) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٣ ، وتقدم برقم ٧٤٣.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة (١٢١١).

(٢) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ٥ / ٢٨ (٢١٩٠) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٧ / ١٤٢.

(٣) أخرجه البخاري ، كتاب المناقب ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كنت متخذا خليلا» (٣٦٦١).


١٢٥٩ ـ كناحت يوما صخرة بعسيل

وقيل : لا يجوز بهما ، وعلى المفعول أكثر النحويين ، ورد في الظرف بأنه يتوسع فيه وفي المفعول بثبوته في السبع المتواترة ، وحسنه كون الفاصل فضلة فإنه يصلح بذلك ؛ لعدم الاعتداد ، وكونه غير أجنبي من المضاف ، ومقدر التأخير.

وخرج بمفعوله وظرفه المفعول والظرف الأجنبيان فالفصل بهما ضرورة كقوله :

١٢٦٠ ـ تسقي امتياحا ندي المسواك ريقتها

وقوله :

١٢٦١ ـ كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهوديّ ...

وقوله :

١٢٦٢ ـ هما أخوا في الحرب من لا أخا له

(وجوزه) أي : الفصل (الكوفية مطلقا) بالظرف والمجرور وغيرهما (و) جوزه (يونس بالظرف والمجرور) غير المستقل ، (و) جوزه (ابن مالك بقسم) ، حكى الكسائي : هذا غلام والله زيد ، وقال أبو عبيدة : إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها.

(وإما) كقوله :

__________________

١٢٥٩ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٨٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٢٨ ، ولسان العرب ١١ / ٤٤٧ ، مادة (عسل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٨١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٠٣.

١٢٦٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ١ / ٧٧١ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٧٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٨٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٠.

١٢٦١ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي حية النميري في الإنصاف ٢ / ٤٣٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢١٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٩ ، والكتاب ١ / ١٧٩ ، ولسان العرب ١٢ / ٣٩٠ ، مادة (عجم) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٧٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٨٩ ، والخصائص ٢ / ٤٠٥ ، ورصف المباني ص ٦٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٥.

١٢٦٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرة الخثعمية في الإنصاف ٢ / ٤٣٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٠٨٣ ، ولسان العرب ١٤ / ١٠ ، مادة (أبي) ، ولها أو لدرنا بنت عبعية في شرح المفصل ٣ / ٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٧٢ ، والكتاب ١ / ١٨٠ ، ولدرنا بنت عبعبة أو لدرنا بنت سيار في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٣٦.


١٢٦٣ ـ هما خطّتا إمّا إسار ومنّة ،

وإما دم ، والموت بالحرّ أجدر

ذكرها في «الكافية» ، والأول في «الخلاصة» ، ولا ذكر لهما في «التسهيل».

(ويجوز) الفصل ضرورة لا اختيارا (بنعت) نحو :

١٢٦٤ ـ من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

(ونداء) قال في شرح «الكافية» : كقوله :

١٢٦٥ ـ كأنّ برذون أبا عصام

زيد حمار دقّ باللّجام

أراد كأن برذون زيد يا أبا عصام ، وقال ابن هشام : يحتمل أن يكون (أبا) هو المضاف إليه على لغة القصر ، وزيد بدل أو عطف بيان ، ومثّله أبو حيان بقول زهير :

١٢٦٦ ـ وفاق كعب بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة والخلد في سقرا

أي : يا كعب ، (وفاعل) يتعلق بالمضاف أو غيره كقوله :

١٢٦٧ ـ ما إن وجدنا للهوى من طبّ

ولا عدمنا قهر وجد صبّ

وقوله :

١٢٦٨ ـ أنجب أيّام والداه به

إذ نجلاه فنعم ما نجلا

__________________

١٢٦٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لتأبط شرا في ديوانه ص ٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٨ / ٣٥٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٨٦).

١٢٦٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لمعاوية بن أبي سفيان في شرح التصريح ٢ / ٥٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٧٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٥٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٠٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٩٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٣.

١٢٦٥ ـ الرجز بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٠٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٠٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٩٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٨٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦.

١٢٦٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لبجير بن زهير في المقاصد النحوية ٣ / ٤٨٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢١.

١٢٦٧ ـ الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٩٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٩٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦.

١٢٦٨ ـ البيت من المنسرح ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٨ ، ولسان العرب ١ / ٦٤٦ ، مادة (نجل) ، والمحتسب ١ / ١٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٧٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٨٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٣٢٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٩٤ ، ولسان العرب ١ / ٧٤٨ ، مادة (نجب) ، ومجالس ثعلب ص ٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤٨.


(وفعل ملغى) كقوله :

١٢٦٩ ـ بأيّ تراهم الأرضين حلّوا

أي : بأي الأرضين تراهم حلوا؟ (ومفعول له) أي : من أجله كقوله :

١٢٧٠ ـ أشمّ كأنّه رجل عبوس

معاود جرأة وقت الهوادي

أي : معاود وقت الهوادي جرأة.

المضاف للياء

(مسألة : المضاف للياء يكسر آخره) لمناسبة الياء (إلا مثنى ومجموعا) على حده ، وما حمل عليهما ، (ومعتلا) لا يجري مجرى الصحيح (فيسكن) آخره وهو الألف من الأول والأخير ، والواو من الثاني ، والياء من الثلاثة ، (ثم تدغم) في ياء الإضافة (الياء) التي في آخر الكلمة (والواو) بعد قلبها ياء ، ويكسر ما قبلها إن كان ضما للمجانسة نحو : يدي وزيدي وقاضي ومسلمي ، (وتسلم الألف) فلا تقلب في المثنى كزيداي ، والمقصور كعصاي ومحياي ، (وقلبها) ياء (في المقصورة لغة) لهذيل وغيرهم كما قال أبو حيان ، كقوله :

١٢٧١ ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

وقرأ الحسن : يا بشراي [يوسف : ١٩].

(و) قلبها (في لدى وإلى وعلى) الاسمين (أكثر) وأشهر في اللغات من السلامة ، نحو : لدي وعلي الشيء وإلي ، وبعض العرب يقول : لداي وعلاي نقله أبو حيان معترضا به على صاحب «التمهيد» في نفيه ذلك.

__________________

١٢٦٩ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٠ ، وفي الأصل (أبي الدبران) والتصويب من المقاصد النحوية وشرح الأشموني ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٠٧.

١٢٧٠ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٩٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦٦.

١٢٧١ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي ذؤيب في إنباه الرواة ١ / ٥٢ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٠ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، وشرح قطر الندى ص ١٩١ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٣ ، وكتاب اللامات ص ٩٨ ، ولسان العرب ١٥ / ٣٧٢ ، مادة (هوا) ، والمحتسب ١ / ٧٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٣ ، انظر المفصل ١ / ٥٢٣.


(ثم الياء) المضاف إليها (في غير المفرد الصحيح تفتح) كما تقدم ، (وقد تكسر مع المقصور) ، قرأ الحسن : (عَصايَ) [طه : ١٨] ، (و) قد تكسر المدغمة في جمع أو غيره كقراءة حمزة : (بِمُصْرِخِيَ) [إبراهيم : ٢٢] ، وقول الشاعر :

١٢٧٢ ـ عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة

سمع بكسر الياء (و) الياء (فيه) أي : في المفرد الصحيح (تفتح وتسكن) أي : يجوز كل منهما (وفي الأصل) منهما (خلاف) قيل : الفتح أصل ؛ لأنه حرف واحد فقياسه التحريك به ، ثم سكن تخفيفا وجزم به ابن مالك في «سبك المنظوم» ، وقيل : السكون أصل ؛ لأنه حرف علة ضمير فوجب السكون كواو ضربوا ، ولأن بناء الحرف على حركة إنما هو لتعذر الابتداء به ، والمتصل بغيره لا تعذر فيه.

(وقل حذفها) أي : الياء (مع كسر المتلو) أي : ما قبلها كقوله تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ) [الزمر : ١٧ ـ ١٨] بحذف الياء وصلا ووقفا خطا.

(و) قل (قلبها ألفا) كقوله :

١٢٧٣ ـ أطوّف ما أطوّف ثم آوي

إلى أمّا ويرويني النقيع

 (وخصه ابن عصفور بالضرورة) وأطلق غيره جوازه ، (و) قل حذفها ، أي : الألف (مع فتح المتلو) به دالا عليها كقوله :

١٢٧٤ ـ ولست بمدرك ما فات منّي

بلهف ولا بليت ولا لو انّي

قال أبو عمرو بن العلاء (و) مع (ضمه) كقوله :

__________________

١٢٧٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٢٤ ، ٤ / ٤٣٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٣ / ٣٢٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١١.

١٢٧٣ ـ البيت من الوافر ، وهو لنقيع بن جرموز في المؤتلف والمختلف ص ١٩٥ ، ونوادر أبي زيد ص ١٩ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٣٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥١٢ ، ولسان العرب ٨ / ٣٦٠ ، مادة (نقع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٧ ، والمقرب ١ / ٢١٧ ، ٢ / ٢٠٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٦.

١٢٧٤ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٦٣ ، ١٧٩ ، والإنصاف ١ / ٣٩٠ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣٧ ، وخزانة الأدب ١ / ١٣١ ، والخصائص ٣ / ١٣٥ ، ورصف المباني ص ٢٨٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٥٢١ ، ٢ / ٧٢٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٢ ، ٢ / ٢٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٥.


١٢٧٥ ـ ذريني إنّما خطئي وصوبي

عليّ وإنما أهلكت مال

أي : مالي ، (وأنكره أبو زيد) الأنصاري ، وقال : المعنى في البيت إن الذي أهلكته مال لا عرض ، (قال ابن مالك : فإن كانت) الإضافة (غير محضة) كإضافة مكرمي مرادا به الحال أو الاستقبال (فلا حذف ولا قلب) ؛ لأنها حينئذ في نية الانفصال فلم تمازج ما اتصلت به فتشبه ياء قاض في جواز الحذف ، فلا حظ لها في غير الفتح والسكون ، قال أبو حيان : وغيره من النحويين لم يذكروا هذا القيد ، ثم نقله في «الارتشاف» عن «المجالس» لثعلب و «النهاية».

(فإن نودي) المضاف للياء لا بعد ساكن (ففيها) أي : الياء لغات أشهرها (الحذف وإبقاء الكسر) دالا عليها ؛ لأن المنادى كثير التغيير لكثرة الاستعمال نحو : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر : ١٦] ، (فالإبقاء ساكنة) يليه ، (فمفتوحة) نحو : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) [الزمر : ٥٣] ، (فقلبها ألفا) يليه نحو : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ) [الزمر : ٥٦] ، (فحذفها) أي : الألف (مع فتح المتلو) استغناء به عنها ، كما استغنوا بالكسر على الياء ، وهذا الوجه أجازه الأخفش والمازني والفارسي ، (ومنعه الأكثرون) ، قال أبو حيان : ويحتاج إلى سماع من العرب في النداء.

(فمع ضمه) أي : المتلو (حيث لا لبس) يحصل بالمنادى المفرد ، قرئ (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ، (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف : ٣٣] ، أي : إليّ يا رب ، وحكى سيبويه : يا قوم لا تفعلوا ، ويا رب اغفر لي ، ووجه بأنه لما حذف المعاقب للتنوين بني على الضم ، كما بني ما ليس بمضاف إذا حذف تنوينه.

قال أبو حيان : والظاهر أن حكمه في الإتباع حينئذ حكم المبني على الضم غير المضاف ، لا حكم المضاف للياء ، (وأنكره) أي : الضم ابن هشام (اللخمي) وقال : إنما أجازه سيبويه فيما كثر إرادة الإضافة فيه ، (وقال خطاب) الماردي : هو رديء قبيح ؛ لأنه يلتبس المضاف بغيره ، إما بعد ساكن مدغم أو غيره فلا سبيل إلى نحو : يا قاضي وبني،

__________________

١٢٧٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لأوس بن غلفاء في إنباه الرواة ١ / ١٢٠ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣١٣ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٤٠ ، ولسان العرب ١ / ٥٣٥ ، مادة (صوب) والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٩ ، ونوادر أبي زيد ص ٤٦ ، ولابن عنقاء الفزاري في الأشباه والنظائر ٦ / ١٩٤ ، وجمهرة اللغة ص ٣٥١ ، ١٣١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٥.


(فإن كان) المضاف إلى الياء في النداء (أما أو عما مع ابن وابنة قل إثباتها وقلبها ألفا) ثابتة ، حتى لا يكاد يوجد إلا في ضرورة كقوله :

١٢٧٦ ـ يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي

وقوله :

١٢٧٧ ـ يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي

(وغلب الحذف) لكثرة استعمالها في النداء (مع كسر الميم دلالة على الياء) المحذوفة (وفتحها) دلالة (على الألف) المحذوفة المنقلبة عن الياء المقدر فتح ما قبلها (لا تركيبا ، خلافا لسيبويه) وأصحابه في قولهم : إنه مركب مبني كأحد عشر وبعلبك ، قال تعالى : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [طه : ٩٤] ، قرئ في السبع بالكسر والفتح (قال قوم : ومع ضمها) ، أما غير أم وعم مع ابن وابنة فلا يحذف منه الياء كيا ابن أخي ويا ابن خالي ، (وتزيد أم وأب) على الحذف والإبقاء والقلب بوجوهها (بقلبها) أي : الياء (تاء مكسورة) وهو الأكثر ، (ومفتوحة) وبهما قرئ في السبع ، (قيل : ومضمومة) ، قال الفراء والنحاس : وحكى الخليل يا أمت لا تفعلي ، ومنعه الزجاج ، (والأصح أنها) توصل ، أي : التاء (عوض) من الياء أو الألف.

(ومن ثم) أي : من أجل ذلك (لا يجتمعان اختيارا) إذ لا يجمع بين العوض والمعوض ، وقولهم : يا أبتا بالألف ، وهي التي توصل بآخر المنادى لبعد أو استغاثة ، لا المبدلة من الياء كالتي في حسرتا.

وأجاز كثير من الكوفيين الجمع بينهما ، (أو ندب) المنادى المضاف للياء (فعلى

__________________

١٢٧٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأبي زبيد في ديوانه ص ٤٨ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٩ ، والكتاب ٢ / ٢١٣ ، ولسان العرب ١٠ / ١٨٢ ، مادة (شقق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٤٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٥٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٠٧ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢ ، والمقتضب ٤ / ٣٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٨٥.

١٢٧٧ ـ الرجز لأبي النجم في ديوانه ص ١٣٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٦٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٩ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢ ، والكتاب ٢ / ٢١٤ ، ولسان العرب ١٢ / ٤٢٤ ، مادة (عمم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٤ ، ونوادر أبي زيد ص ١٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٤١ ، ورصف المباني ص ١٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠١.


السكون) أي : على لغة من أثبتها ساكنة (تفتح ، أو تقلب) فتحذف لاجتماع ألفين نحو :وا عبديا وا عبدا ، (وعلى) لغة (الفتح تفتح) فقط وتزاد الألف ولا تحتاج إلى عمل ثان ؛ لأن الياء مهيأة لمباشرة الألف بفتحها.

(وعلى) لغة (غيره) أي : الحذف مع كسر المتلو أو فتحه أو ضمه والقلب ألفا ، (تقلب) ألفا ، (وتحذف لألف الندبة) لاجتماع ألفين ، (وقد يستغنى بالكسرة) في المنادى (فلا يجب رد الياء في المعطوف عليه) المندوب عند الجمهور فيقال : يا غلام وا حبيباه ، (خلافا للفراء) في إيجابه الرد ، فتقول : يا غلامي وا حبيباه.

(ويقال في) إضافة (ابنم) إلى الياء : (ابنمي ، و) يقال (في فم : في) برد الواو التي هي الأصل وقلبها ياء وإدغامها في الياء ، (وقيل : فمي) ، وقيل : لا يجوز إلا في الضرورة ؛ لأن الإضافة ترد إلى الأصل ، واستدل ابن مالك وأبو حيان على جواز إبقاء الميم بحديث الصحيحين : «لخلوف فم الصائم» (١) (ويقال فيه في لغة التضعيف (فمي و) القصر (فماي ، و) يقال (في أب وإخوته : أبي وأخي وحمي وهني) بلا رد ؛ لأنه المستعمل كالإضافة إلى غير الياء نحو : إن هذا أخي ، (وجوز الكوفية والمبرد وابن مالك) أن يقال : (أبي) برد اللام كقوله :

١٢٧٨ ـ كأن أبيّ كرما وسؤدا

يلقي على ذي اللّبد الجديدا

 (زاد) ابن مالك : (وأخي) قال : ولم أجد له شاهدا ، لكن أجيزه قياسا على أبي كما فعل المبرد ، (و) يقال (على المختار) في ذي : ذي ؛ لأن الأصل في الرفع ذوي ، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها كالجر والنصب ، ومقابل المختار هو منع إضافتها إلى الضمير.

الجر بالمجاورة

(خاتمة) في سبب للجر ضعيف (أثبت الجمهور) من البصريين والكوفيين (الجر بالمجاورة للمجرور في نعت) كقولهم : هذا جحر ضب خرب ، (وتوكيد) كقولهم :

__________________

١٢٧٨ ـ الرجز بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٥١٥ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب فضل الصوم (١٨٩٤) ، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب فضل الصيام (١١٥١).


١٢٧٩ ـ يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم

بجر كلهم على المجاورة ؛ لأنه توكيد لذوي المنصوب لا للزوجات ، وإلا لقال : كلهن.

(زاد قوم : وعطف نسق) كقوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] ، فإنه معطوف على وأيديكم ؛ لأنه موصول ، قال أبو حيان : وذلك ضعيف جدا ولم يحفظ من كلامهم ، قال : والفرق بينه وبين النعت والتوكيد أنهما تابعان بلا واسطة فهما أشد مجاورة من العطف المفصول بحرف العطف.

وأجيب عن الآية بأن العطف فيها على المجرور الممسوح إشارة إلى مسح الخف ، (و) زاد (ابن هشام) في شرح «الشذور» (و) عطف (بيان) ، وقال : لا يمتنع في القياس جره على الجوار ؛ لأنه كالنعت والتوكيد في مجاورة المتبوع ، أما البدل فقال أبو حيان : لا يحفظ من كلامهم ولا خرج عليه أحد شيئا ، قال : وسببه أنه معمول لعامل آخر غير العامل الأول على الأصح ، ولذلك يجوز إظهاره إذا كان حرف جر بإجماع ، فبعدت مراعاة المجاورة ونزل منزلة جملة أخرى ، وكذا قال ابن هشام ، (وأنكره) أي : الجر بالمجاورة مطلقا (السيرافي وابن جني) ، وقال الأول : الأصل هذا جحر ضب خرب الجحر منه ، كمررت برجل حسن الوجه منه ، ثم حذف الضمير للعلم به ، ثم أضمر الجحر فصار خرب ، وقال الثاني : أصله خرب جحره نحو : حسن وجهه ، ثم نقل الضمير فصار خرب الجحر ، ثم حذف ورد بأن إبراز الضمير حينئذ واجب للإلباس وبأن معمول هذه الصفة لضعفها لا يتصرف فيه بالحذف.

(وقصره الفراء على السماع) ومنع القياس على ما جاء منه فلا يجوز هذه جحرة ضب خربة بالجر ، (وخصه قوم بالنكرة) كالمثال ، ورد بما حكاه أبو مروان كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك.

(و) خصه (الخليل بغير المثنى) أي : بالمفرد والجمع فقط ، قيل : (و) بغير (الجمع) أيضا بالمفرد فقط ، لا يجوز عليهما هذان جحر ضب خربين ، ولا على الثاني هذه جحرة

__________________

١٢٧٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لأبي الغريب النصري في خزانة الأدب ٥ / ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١ ، وتذكرة النحاة ص ٥٣٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٦٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٢٨ ، ولسان العرب ٢ / ٢٩٢ ، مادة (زوج) ، ومغني اللبيب ص ٦٨٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٦.


ضب خربة ، والجواز في المثنى معزو إلى سيبويه ، قال أبو حيان : وقياسه الجواز في الجمع والمانع ، قال : لم يرد إلا في الإفراد ، وهو قريب من رأي الفراء.

الجوزام

أي : هذا بحثها

لام الطلب

أي : أحدها (لام الطلب) أمرا كان نحو : (فَلْيُنْفِقْ) [الطلاق : ٧] ، أو دعاء نحو : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] ، وحركتها الكسر ؛ لضرورة الابتداء ، (وفتحها لغة) لسليم طلبا للخفة ، (وقيل) : إنما تفتح على هذه اللغة (إن فتح تاليها) ، بخلاف ما إذا انكسر نحو : لتيذن ، أو ضم نحو : لتكرم ، (وقيل) : إنما تفتح عليها (إن استؤنفت) أي : لم تقع بعد الواو أو الفاء أو ثم ، حكاها الفراء.

(وتسكن) أي : يجوز تسكينها رجوعا إلى الأصل في المبني ، ومشاكلة عملها (تلو واو وفاء وثم) نحو : (فَلْيَسْتَجِيبُوا) [البقرة : ١٨٦] ، (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) [الحج : ٢٩] ، (وَلِيَتَمَتَّعُوا) [العنكبوت : ٦٦] ، وقرئ بالتحريك في الثلاثة الأخيرة فقط ، (وقيل : يقل مع ثم) لأن التسكين إنما كثر في الأولين ؛ لشدة اتصالهما بما بعدهما ؛ لكونهما على حرف فصارا معه ككلمة واحدة ، فخفف بحذف الكسر ، ومن ثم حملت عليهما فلا تبلغ في الكثرة مبلغهما ، (وقيل) : هو معها (ضرورة) لا يجوز في الاختيار ، قاله خطاب وأنكر قراءة حمزة وهو مردود ، قال أبو حيان : ما قرئ به في السبعة لا يرد ولا يوصف بضعف ولا بقلة.

(وتلزم) اللام (في أمر فعل غير الفاعل المخاطب) أي : في الغائب والمتكلم والمفعول نحو : ليقم زيد (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] ، قوموا فلأصلّ لكم (١) ، لتعن بحاجتي ، (وثقل في) أمر (متكلم) لأن أمر الإنسان لنفسه قليل الاستعمال.

(و) تقل اللام في (أمر فاعل مخاطب) نحو : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨] ، وحديث : «لتأخذوا مصافكم» (٢) ، والأكثر أمره بصيغة افعل. قال الرضي : فإن كان المأمور

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على الحصير (٣٨٠).

(٢) قال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار ٢ / ١٢٧ (٥٩٦) : غريب ، وروى الترمذي عن معاذ بلفظ : كما أنتم على مصافكم» ، وأخرج مسلم عن أبي هريرة : فيأخذ الناس مصافهم.


جماعة بعضهم غائب فالقياس تغليب الحاضر فيؤتى بالصيغة ، ويقل الإتيان باللام.

(وحذفها) أي : اللام فيه أقوال : أحدها : يجوز مطلقا حتى في الاختيار بعد قول أمر ، وهو رأي الكسائي قال كقوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) [إبراهيم : ٣١] ، أي : ليقيموا.

ثانيها : لا يجوز مطلقا ولا في الشعر وهو رأي المبرد.

(ثالثها : وهو الصحيح يجوز في الشعر فقط) كقوله :

١٢٨٠ ـ محمّد تفد نفسك كلّ نفس

ولا يجوز في الاختيار سواء تقدم أمر بالقول أو قول غير أمر أم لم يتقدمه ، والجزم في الآية ؛ لأنه جواب الأمر أو جواب شرط محذوف كما سيأتي.

(ورابعها) : يجوز في الاختيار (بعد قول) ولو كان (غير أمر) نحو : قلت لزيد يضرب عمرا ، أي : ليضرب ، ولا يجوز في غيره إلا ضرورة ، واختاره ابن مالك وجعله أقل من حذفها بعد قول أمر ، واستدل فيه بقوله :

١٢٨١ ـ قلت لبوّاب لديه دارها :

تيذن فإني حمؤها وجارها

قال : وليس بضرورة ؛ لتمكنه من أن يقول : ائذن ، أو تيذن إني ، ولا تفصل اللام عما عملت فيه لا بمعموله ولا بغيره ، قال أبو حيان : وهي أشد اتصالا من حروف الجر ؛ لأنه قد روي فيه الفصل ، ولم يجز ذلك فيها ؛ لأن عامل الجزم أضعف من عامل الجر.

لا الطلبية

أي : الثاني : (لا الطلبية) أي : المطلوب بها الترك سواء النهي نحو : (وَلا تَنْسَوُا

__________________

١٢٨٠ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي طالب في شرح شذور الذهب ص ٢٧٥ ، وله أو للأعشى في خزانة الأدب ٩ / ١١ ، وللأعشى أو لحسان أو لمجهول في شرح الأشموني ٣ / ٥٧٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ٣١٩ ، ٣٢١ ، والإنصاف ٢ / ٥٣٠ ، والجنى الداني ص ١١٣ ، ورصف المباني ص ٢٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٤.

١٢٨١ ـ الرجز لمنظور بن مرثد في شرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٤ ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣٤٠ ، والجنى الداني ص ١١٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٥ ، ولسان العرب ١ / ٦١ ، مادة (حمأ) ١٢ / ٥٦٠ ، مادة (لوم) ، ١٣ / ١٠ ، مادة (أذن) ، ١٤ / ١٩٧ ، مادة (حما) ، ١٥ / ٤٤٤ ، مادة (ثا) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٢٥ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٥.


الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة : ٢٣٧] ، والدعاء نحو : (لا تُؤاخِذْنا) [البقرة : ٢٨٦] ، (وليس أصلها لا النافية) ، والجزم بلام الأمر مقدرة قبلها وحذفت كراهة اجتماع لامين ، (ولا) أصلها (لام الأمر) زيدت عليها ألف ففتحت لأجلها (خلافا لزاعم ذلك) وهو السهيلي في الأولى ، وبعضهم في الثانية ، قال أبو حيان : لأن ذلك دعوى لا دليل على صحتها ، (وجزم فعل المتكلم بها قليل جدا) كقوله : «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به» (١) ، الحديث رواه كذا ، والأكثر أن يكون المنهي بها فعل الغائب والمخاطب ، قال الرضي : على السواء ولا تختص بالغائب كاللام ، وفي «الارتشاف» : الأكثر كونها للمخاطب ، ويضعف كونها للغائب كالمتكلم ، ومن أمثلته : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) [الإسراء : ٣٣] ، (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران : ٢٨].

(وفصلها) من الفعل (بمعمول مجزومها) نحو : لا اليوم يضرب زيد (قليل ، أو ضرورة ، خلف) حكاه في «الارتشاف» ، ومنه قوله :

١٢٨٢ ـ وقالوا أخانا لا تخشّع لظالم

عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم

أي : ولا تظلم ذا حق قومك ، قال في شرح «الكافية» : وهذا رديء ؛ لأنه شبيه بالفصل بين حرف الجر والمجرور. (وجوز ابن عصفور والأبذي حذفه) أي : مجزومها وإبقاءها (لدليل) نحو : اضرب زيدا إن أساء وإلا فلا ، وتوقف أبو حيان فقال : يحتاج إلى سماع عن العرب.

لم

أي : الثالث (لم) وهي حرف نفي (وتختص بمصاحبة أدوات الشرط) نحو : إن تقم لم أقم ، بخلاف (لما) فلا تصاحبها ، قال الرضي : كأنه لكونها فاصلة قوية بين العامل الحرفي وشبهه ، وقال غيره : لأن مثبتها وهو (قد فعل) لا يصحبها ، بخلاف مثبت لم ، (وجواز انفصال نفيها عن الحال) لأنها لمطلق الانتفاء فتكون للمتصل به نحو : (وَلَمْ أَكُنْ

__________________

١٢٨٢ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٧٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٢.

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة (٤٦٠٥) ، والترمذي ، كتاب العلم ، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢٦٦٣).


بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم : ٤] ، ولغيره نحو : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١] ، ولهذا جاز لم يكن ثم كان.

(ودخول الهمزة عليها) بخلاف اللام ولا (والأكثر كونها) أي : الهمزة الداخلة عليها (للتقرير) أي : حمل المخاطب على الإقرار ، أي : الاعتراف بثبوت ما بعدها ، نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، ولهذا عطف عليه الموجب (وضعنا) و (رفعنا) ، وقد يجيء لغيره كالإبطاء نحو : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ) [الحديد : ١٦] ، والتوبيخ نحو : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) [فاطر : ٣٧] ، وقد تدخل على (لما) لكن دخولها على (لم) أكثر ، (وفصلها) عن الفعل (بمعمول مجزومها وحذفه) أي : مجزومها كلاهما (ضرورة) كقوله :

١٢٨٣ ـ فأضحت مغانيها قفارا رسومها

كأن لم سوى سرب من الوحش تؤهل

وقوله :

١٢٨٤ ـ احفظ وديعتك التي استودعتها

يوم الأعازب إن وصلت وإن لم

ولا يجوزان في الاختيار ، (وقد تهمل) فلا تجزم حملا على (ما) ، وقيل : (لا) كقوله :

١٢٨٥ ـ لو لا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار

وهل هو ضرورة أو لغة خلاف ، (والنصب بها لغة) حكاها اللحياني ، وقرئ : (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الشرح : ١].

__________________

١٢٨٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٤٦٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥ ، والخصائص ٢ / ٤١٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٧٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٥ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٦٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧٨ ، وشرح الرضي ٤ / ٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٦.

١٢٨٤ ـ البيت من الكامل ، وهو لإبراهيم بن هرمة في ديوانه ص ١٩١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٨ ، ١٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ١١٤ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٠٢ ، وجواهر الأدب ص ٢٥٦ ، ٤٢٤ ، والجنى الداني ص ٢٦٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٥.

١٢٨٥ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٦٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٠٥ ، ٩ / ٣ ، ١١ / ٤٣١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٤٨ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٧٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٦ ، وشرح المفصل ٧ / ٨ ، ولسان العرب ٩ / ١٩٨ ، مادة (صلف) ، والمحتسب ٢ / ٤٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٢.


لمّا

أي : الرابع (لما) قال (الأكثر) : هي (مركبة من لم) الجازمة (وما) الزائدة ، كما في (أما) ، وقال بعضهم : هي بسيطة ، (ويجب اتصال نفيها بالحال) ويعبر عن ذلك بالاستغراق ، فقولك : (لما يقم) دليل على انتفاء القيام إلى زمن الإخبار ، ولهذا لا يجوز ثم قام ، بل وقد يقوم.

(وقيل : يغلب) ذلك ولا يجب فقد لا يتصل به ، (وقيل) : إنما يكون لنفي الماضي (القريب) من الحال دون البعيد ، وهذا القول أخص من الأول ، وجزم به ابن هشام ، فلا يقال : لما يكن زيد في العام الماضي ، (وقال الأندلسي) شارح «المفصل» : هي (كلم) تحتمل الاتصال والانفصال ، (ويكون) منفيها (متوقعا) ثبوته نحو : (لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) [ص : ٨] ، أي : لم يذوقوه إلى الآن وذوقه لهم متوقع ، بخلاف (لم) فلا يكون منفيها متوقعا ، ولهذا يقال : لم يقض ما لا يكون دون (لما) ، وهذا معنى قولهم : (لم) لنفي فعل ولما لنفي قد فعل.

(ويحذف) مجزومها لدليل كقوله :

١٢٨٦ ـ فجئت قبورهم بدءا ولمّا

فناديت القبور فلم يجبنه

وتقول : شارفت المدينة ولما ، أي : ولما أدخلها ، قال أبو حيان : وهذا أحسن ما يخرج عليه قراءة : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) [هود : ١١١] ، أي : لما ينقص من عمله ، بدليل (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١] ، قال : وقد خرجه على ذلك ابن الحاجب ومحمد بن مسعود الغزني في «البديع» ، لكنه قدره (لما يوقنوا) بدلالة (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍ) [هود : ١١٠] ، قال : وإنما جاز في (لما) دون (لم) ؛ لأنه يقوم بنفسه بسبب أنه مركب من (لم) و (ما) ، وكأن (ما) عوض من المحذوف ، انتهى.

وقال غيره : لأن مثبتها وهو (قد فعل) يجوز فيه ذلك بأن يقتصر على قد كقوله :

١٢٨٧ ـ وكأن قد

__________________

١٢٨٦ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ١١٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١١٣ ، ١١٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨١ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٤٩ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٥٤ ، مادة (لمم) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٨٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٣.

١٢٨٧ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح وتقدم برقم (٥٤١).


(وفصله) منها ضرورة (وأجازه الفراء بشرط) إن (فيهما) أي : في لم ولما نحو : لم أو لما إن تزرني أزرك ، ومنعه هشام.

أدوات الشرط

(ومنها) أي : الجوازم (أدوات الشرط) وهي (إن) أم الباب ، (وما ومن ومهما) بمعنى (ما) ، وقيل : أعم منها ، (وهي بسيطة وزنها فعلى وألفها تأنيث) ، ولذا لم تنون باقية على التنكير أو مسمى بها ، (أو إلحاق) وزال تنوينها للبناء ، (أو مركبة) من ما الجزائية وما الزائدة كما قيل في (متى ما) و (أما) ، ثم أبدلت الهاء من الألف الأولى دفعا للتكرار لتقاربهما في المعنى ، وهو رأي الخليل واختاره الرضي قياسا على أخواتها.

(أو) مركبة من (مه) بمعنى كف (وما الشرطية) وهو رأي الأخفش والزجاج ، ورد بأنه لا معنى للكف هنا إلا على بعد وهو أن يقال في مهما تفعل أفعل : إنه رد لكلام مقدر ، كأنه قيل : لا تقدر على ما أفعل.

(أو) هي (مه) المذكورة (أضيفت لما) الشرطية وهو رأي سيبويه (أقوال) ، قال أبو حيان : المختار أولها وهو البساطة ؛ لأنه لم يقم على التركيب دليل ، وقول أصلها (ماما) دعوى أصل لم ينطق به في موضع من المواضع.

متى وأيان

(ومتى وأيان) وهما (ظرفا زمان) للعموم نحو : متى تقم أقم وأيان تقم أقم ، (وكسر) همزة (إيان لغة) لسليم ، (وأنكر قوم جزمها لقلته) وكثرة وروده استفهاما نحو : (أَيَّانَ مُرْساها) [النازعات : ٤٢] ، (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النحل : ٢١] ، قال أبو حيان : وممن لم يحفظ الجزم بها سيبويه لكن حفظه أصحابه ، (وتختص) إذا وردت (في الاستفهام بمستقبل) كما تقدم فلا يستفهم بها عن الماضي ، كذا قال ابن مالك وأبو حيان ولم يحكيا فيها خلافا ، وأطلق السكاكي والقزويني في «الإيضاح» كونها للزمان ، ومثّلا بأيان جئت ، وهو يشعر بأنها تستعمل في الماضي ، والصواب خلافه ، وقد قيده في «تلخيصه» ، نعم نقل عن علي بن عيسى الربعي أنها تختص بمواقع التفخيم نحو : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] ، (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) [القيامة : ٦] ، والمشهور أنها لا تختص به ، (بخلاف متى) إذا استفهم بها فإنها يليها الماضي والمستقبل.

حيثما وأين وأنى


(وحيثما وأين وأنى) والثلاثة ظروف (للمكان) عموما ، وقد تخرج (أين) عن الشرطية فتقع استفهاما ، بخلاف (حيثما) ، وتقع (أنى) استفهاما بمعنى (متى) نحو : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : ٢٢٣] ، وبمعنى من أين نحو : (أَنَّى لَكِ هذا) [آل عمران : ٣٧] ، وبمعنى كيف نحو : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) [البقرة : ٢٥٩] ، واختار أبو حيان في الآية الأولى أنها شرطية أقيمت فيها الأحوال مقام الظروف المكانية والجواب محذوف.

أي

(وأي) وهي (بحسب ما تضاف إليه) فإن أضيفت إلى ظرف مكان فظرف مكان نحو : أيّ جهة تجلس أجلس ، أو زمان أو مفعول أو مصدر فكذلك ، وهي لعموم الأوصاف.

إذ ما

(وإذ ما وأنكر قوم الجزم بها) وخصوه بالضرورة ك : إذا (ولا ترد ما و) لا (مهما للزمان) وقيل : تردان له ، وجزم به الرضي قال : نحو : ما تجلس من الزمان أجلس فيه ، ومهما تجلس من الزمان أجلس فيه ، وحمل عليه بعضهم قوله :

١٢٨٨ ـ مهما تصب أفقا من بارق تشم

أي : أيّ وقت تصب بارقا من أفق ، فقلب ، واستدل له ابن مالك بقوله :

١٢٨٩ ـ وإنّك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا

ورد بجواز كونها للمصدر ، أي : إعطاء كثيرا أو قليلا ، (ولا) ترد (مهما حرفا) بل تلزم الاسمية ، وقال خطاب والسهيلي : ترد حرفا بمعنى (إن) كقوله :

١٢٩٠ ـ ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

__________________

١٢٨٨ ـ البيت من البسيط ، وهو لساعدة بن جؤية في خزانة الأدب ٨ / ١٦٣ ، ١٦٦ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١١٢٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٥٧ ، ٢ / ٧٤٣ ، ولسان العرب ١٤ / ٤ ، مادة (أبي) ٤٧٣ ، مادة (صوي) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٢٦٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٢.

١٢٨٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ١٧٤ ، والجنى الداني ص ٦١٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٨١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٤٤ ، ومغني اللبيب ص ٣٣١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٠٧.

١٢٩٠ ـ تقدم الشاهد برقم (١١٣٢).


إذ لا محل لها ، وأجيب بأنها خبر (تكن) ، و (خليقة) اسمها ، أو مبتدأ واسم (تكن) ضميرها ، و (من خليقة) تفسيره ، والظرف خبر ، (ولا) ترد (مهما استفهاما) وقيل : ترد له قاله ابن مالك كقوله :

١٢٩١ ـ مهما لي اللّيلة مهما ليه

فمهما مبتدأ خبره (لي) ، وأجيب باحتمال أن (مه) اسم فعل ، واستؤنف الاستفهام ب : (ما) وحدها.

(ولا تجر) مهما بحرف ولا إضافة فلا يقال : على مهما تكن أكن ، ولا جهة مهما تقصد أقصد ، وقال ابن عصفور : يجوز ذلك كسائر الأدوات.

[إن بمعنى إذ وإذا]

(ولا) ترد (إن بمعنى إذا) وقال الكوفيون : ترد بمعناها نحو : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة : ٥٧] ، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ) [الفتح : ٢٧] ؛ إذ لا يصح هنا معنى (إن) وهو الشك ، وأجيب بأنها في الأولى شرط جيء بها للتهييج كقولك لابنك : إن كنت ابني فلا تفعل كذا ، وفي الثانية لتعليم العباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل ، أو أنّ أصله الشرط ثم صار يذكر للتبرك.

(و) لا ترد بمعنى (إذا) وقال قوم : ترد بمعناها ، وتأولوا عليه الآيتين السابقتين ؛ لأن إذا تحتاج إلى جواب كما تحتاج إليه إن ، والشيئان إذا تقاربا فربما وقع أحدهما موقع الآخر.

(ولا تهمل) (إن) فيرفع ما بعدها ، وقيل : نعم حملا على (لو) ، قاله ابن مالك كحديث : «فإنك إن لا تراه فإنه يراك» (٢).

__________________

١٢٩١ ـ البيت من السريع ، وهو لعمرو بن ملقط في الأزهية ص ٢٥٦ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٦٥٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٨ ، ١٩ ، ٢٣ ، شرح شواهد المغني ص ٣٣٠ ، ٧٢٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٥٨ ، ونوادر أبي زيد ص ٦٢ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥١ ، ٦١١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٥٤٣ ، مادة (مهه) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨١.

(١) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (٩).


[إهمال متى]

(ولا) تهمل (متى) ، وقيل : نعم حملا على إذا كحديث البخاري : «وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس» (١) ، قاله ابن مالك ، قال أبو حيان : وهذا شيء غريب ، ثم تكلم في استدلاله بما أثر في الحديث على إثبات الأحكام النحوية.

[المجازاة بكيف]

(ولا يجازى بكيف) وقال سيبويه وكثير : يجازى بها معنى لا عملا ، ويجب كون فعليها متفقي اللفظ والمعنى نحو : كيف تصنع أصنع ، ولا يجوز كيف تجلس أذهب بالاتفاق.

(ولا تجزم بها) وقال الكوفيون وقطرب : نعم مطلقا ، وقوم : إن اقترنت بما نحو : كيفما تكن أكن ، (ولا) يجزم (بحيث وإذ) مجردين من (ما) ، وأجازه الفراء قياسا على (أين) وأخواتها ، ورد بأنه لم يسمع فيهما إلا مقرونين بها بخلافها.

(ولا) يجزم (المسبب عن صلة الذي و) عن (النكرة الموصوفة) ، وأجازه الكوفيون تشبيها بجواب الشرط ، فيقال : الذي يأتيني أحسن إليه ، وكل رجل يأتيني أكرمه ، واختاره ابن مالك ، (خلافا لزاعميها) أي : الأقوال في المسائل الأربعة عشرة وقد بينت.

(مسألة : أدوات الشرط) كلها (أسماء ، إلا إن) فإنها حرف بالاتفاق ، والبواقي متضمنة معناها ، فلذا بنيت إلا أيا فإنها معربة ، (وفي إذما خلف) فذهب سيبويه إلى أنها حرف كإن ، وذهب المبرد وابن السراج والفارسي إلى أنها اسم ظرف زمان ، وأصلها إذ التي هي ظرف لما مضى ، فزيد عليها (ما) وجوبا في الشرط فجزم بها ، واستدل سيبويه بأنها لما ركبت مع (ما) صارت معها كالشيء الواحد فبطل دلالتها على معناها الأول بالتركيب ، وصارت حرفا ، ونظير ذلك أنهم حين ركبوا (حب) مع (ذا) فقالوا : حبذا زيد بطل معنى (حب) من الفعلية وصارت مع (ذا) جزء كلمة وصارت حبذا كلها اسما بالتركيب ، وخرجت عن أصل وضعها بالكلية.

(وتقتضي) أدوات الشرط (جملتين الأولى شرط ، والثانية جزاء وجواب) أي : يسمى كل منهما بما ذكر ، قال أبو حيان : والتسمية بالجزاء والجواب مجاز ووجهه أنه شابه

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة (٦٧٩).


الجزاء من حيث كونه فعلا مترتبا على فعل آخر ، فأشبه الفعل المرتب على فعل آخر ثوابا عليه ، أو عقابا الذي هو حقيقة الجزاء ، وشابه الجواب من حيث كونه لازما عن القول الأول فصار كالجواب الآتي بعد كلام السائل.

(فإن كانا) أي : الشرط والجزاء (فعلين فالأحسن أن يكونا مضارعين) كما مر ؛ لظهور تأثير العمل فيهما ، (ثم) أن يكونا (ماضيين) للمشاكلة في عدم التأثر نحو : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) [الإسراء : ٧] ، (ثم) أن يكون (الأول ماضيا) والثاني مضارعا ؛ لأن فيه الخروج من الأضعف إلى الأقوى ، وهو من عدم التأثر إلى التأثر نحو : إن قام أقم ، (ثم) أن يكون الأول (مضارعا) والثاني ماضيا ، وهذا القسم أجازه الفراء في الاختيار وتبعه ابن مالك ، (وخصه سيبويه والجمهور بالضرورة) كقوله :

١٢٩٢ ـ إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا

ملأتم أنفس الأعداء إرهابا

 (ويجب استقبالهما) ؛ لأن أدوات الشرط من شأنها أن تقلب الماضي إلى الاستقبال ، وتخلص المضارع له.

لو

(ولو كإن) إذا وقعت شرطا فإنها كذلك تقلب معناها إلى المستقبل في الأصح كغيرها ، نحو : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة ٦] ، قال أبو حيان : ونقل عن المبرد أنه زعم أن (إن) تبقى على مدلولها من المضي ، ولا تغير أدوات الشرط دلالتها عليه نحو : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : ١١٦] ، (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) [يوسف : ٢٦] ، (وذا الفاء مع قد) ظاهرة أو مقدرة ، حال كونه (جوابا في الأصح) ، وذكر ابن مالك تبعا للجزولي وغيره : أن الفعل المقرون بالفاء وقد ظاهرة أو مقدرة يكون جواب الشرط ، وهو ماضي اللفظ والمعنى نحو : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) [يوسف : ٧٧] ، (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ) [يوسف : ٢٧] ، أي : فقد كذبت ، قال أبو حيان : وذلك مستحيل من حيث إن الشرط يتوقف عليه مشروطه ، فيجب أن يكون الجواب بالنسبة إليه مستقبلا وإلا لزم من ذلك تقدم المستقبل على الماضي في الخارج أو في الذهن ، وذلك محال فيتأول ما ورد من ذلك على حذف الجواب ، أي : إن سرق فتأس فقد سرق أخ له من قبل ، ومثله : (وَإِنْ

__________________

١٢٩٢ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦.


يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ) [فاطر : ٤] ، أي : فتسلّ فقد كذبت ، قال : وسمي المذكور جوابا ؛ لأنه مغن عنه بحيث لا يجامعه ؛ لكثرة ما استعمل كذلك محذوفا ، (وإنما يصدر الشرط بفعل مضارع غير دعاء ، ولا ذي تنفيس مثبت ، أو مع لا أو لم) نحو : إن تقم أقم ، «إن لا يكنه فلا خير لك في قتله» (١) ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] ، ولا يصدر بمضارع دعاء أو مقرون بالسين أو سوف ، (أو) يصدر بفعل (ماض عار من قد و) حرف (نفي ودعاء وجمود) نحو : إن قام زيد قمت ، ولا يصدر بماض مقرون بقد أو بحرف نفي أو ذي دعاء أو جامد ، ولا بفعل الأمر البتة.

(ولو) كان الفعل (مضمرا فسره فعل) بعد معموله ، فإنه يجوز تصدير الشرط به نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٤٦] ، التقدير إن استجارك أحد من المشركين استجارك ، ف : (استجارك) المتأخرة فسرت الأولى المضمرة وارتفع (أحد) على الفاعلية بها ، (وكونه) والحالة هذه (مضارعا دون لم ضرورة) كقوله :

١٢٩٣ ـ يثني عليك وأنت أهل ثنائه

ولديك إن هو يستزدك مزيد

والاختيار أن يكون عند الإضمار والتفسير إما ماضيا كما تقدم أو مضارعا مقرونا بلم كقوله :

١٢٩٤ ـ فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

وقوله :

١٢٩٥ ـ فإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها

(وكذا تقديم الاسم) على إضمار الفعل قبله ، والتفسير بعده (مع غير إن) من الأدوات

__________________

١٢٩٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لعبد الله بن عنمة في خزانة الأدب ٩ / ٤١ ، ٤٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٠٤١ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ١١٠ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٥ ، ٤ / ١٣٠ ، وشرح الرضي ٤ / ٩٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٩.

١٢٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٣ ، وتقدم الشاهد برقم (١٥٩).

١٢٩٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للسموءل في ديوانه ص ٩٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٣ ، وتقدم عرضا مع الشاهد ١٢٩٤ ، وتقدم برقم (١٥٨).

(١) أخرجه الترمذي ، كتاب الفتن ، باب ما جاء في ذكر ابن صائد (٢٢٤٩).


ضرورة ، والشائع وقوع ذلك مع إن وحدها كما تقدم ، واختصت بذلك ؛ لأنها أم الباب وأصل أدوات الشرط ، ومن الضرورة قوله :

١٢٩٦ ـ فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن

وقوله :

١٢٩٧ ـ فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كاس السّاقي

وقوله :

١٢٩٨ ـ أينما الرّيح تميّلها تمل

(وجوزه الكسائي) اختيارا (مع من وإخوته) فأجاز نحو : من زيدا يضرب أضربه ، (و) جوزه (قوم) من الكوفيين (في غير المرفوع) أي : المنصوب والمجرور ؛ لأنهما فضله ومنعوه في المرفوع (و) جوزه (قوم) منهم (في المرفوع) أيضا (إن لم يمكن عود ضمير على الشرط) كما في (متى) و (أينما) ، فإن أمكن عود الضمير عليه لم يجز تقديم الاسم لا تقول : من هو يضرب زيدا أضربه ؛ لأن المضمر هو من ، واختار هذا المذهب الأخير أبو علي صاحب «المهذب» ، قال أبو حيان : والصحيح المنع ؛ لأن الفضلة والعمدة سيان ؛ إذ فيه الفصل بجملة بين الأداة والفعل.

(وفي الفصل بين من) وأخواتها (والفعل بعطف وتوكيد خلف كوفي) أجازه الكسائي ومنعه الفراء ، قال أبو حيان : وهو الذي تقتضيه قواعد البصريين ، (وشرط الجواب الإفادة) فلا يكون بما لا يفيد كخبر المبتدأ ، فلا يجوز إن يقم زيد يقم ، كما لا يجوز في الابتداء

__________________

١٢٩٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لهشام المري في خزانة الأدب ٩ / ٣٨ ، ٤٠ ، ٥ / ٧٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٩ ، والكتاب ٣ / ١١٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦١٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٤٠٣ ، والمقتضب ٢ / ٧٥ ، وشرح الرضي ١ / ٤٦١ ، ٤ / ٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٠.

١٢٩٧ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٥٦ ، والإنصاف ٢ / ٦١٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٦ ، ٩ / ٣٧ ، ٣٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٨ ، والكتاب ٣ / ١١٣ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٩ / ١٠ ، ولسان العرب ١١ / ٧٣٢ ، مادة (وغل) ، والمقتضب ٢ / ٧٦ ، وتاج العروس مادة (وغل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٠٣.

١٢٩٨ ـ البيت من الرمل ، وهو لكعب بن جعيل في خزانة الأدب ٣ / ٤٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٩٦ ، والمؤتلف والمختلف ص ٨٤ ، وله أو للحسام بن ضرار في المقاصد النحوية ٤ / ٤٢٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦١٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٠ ، وشرح المفصل ٩ / ١٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣١.


زيد زيد ، فإن دخله معنى يخرجه للإفادة جاز نحو : إن لم تطع الله عصيت ، أريد به التنبيه على العقاب ، فكأنه قال : وجب عليك ما وجب على العاصي ، كما جاز في الابتداء نحو:

١٢٩٩ ـ أنا أبو النّجم وشعري شعري

ومنه : «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» (٢) الحديث ، (وتدخله الفاء إن لم يصح) تقديره (شرطا) بأن كان جملة اسمية كقوله :

١٣٠٠ ـ إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا

أو فعل أمر نحو : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١] ، أو دعاء نحو : إن مات زيد فيرحمه‌الله أو فرحمه‌الله ، أو مقرونا بحرف تنفيس نحو : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ) [المائدة : ٥٤] ، أو بحرف نفي غير لا ولم نحو : إن قام زيد فما يقوم أو فلن يقوم عمرو ، أو بقد نحو : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ) [يوسف : ٧٧] ، أو جامد نحو : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : ٢٧١] ، (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي) [الكهف : ٣٩ ـ ٤٠] ، إن أقبل زيد فما أحسنه.

قال أبو حيان : وهذه الفاء هي فاء السبب الكائنة في الإيجاب في نحو قولك : يقوم زيد فيقوم عمرو ، كما يربط بها عند التحقيق يربط بها عند التقدير ، ولا يجوز غيرها من حروف العطف ؛ لأنه بمنزلة الربط السببي ، وسيقت هنا للربط لا للتشريك ، وقال بعض أصحابنا : هي هنا عاطفة جملة على جملة فلم تخرج عن العطف ، قال : وهذا عندي فيه نظر انتهى.

(وفي) جواز (حذفها) أي : الفاء (أقوال) :

أحدها : يجوز ضرورة واختيارا ، نقله أبو حيان عن بعض النحويين ، وخرج عليه قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١].

__________________

١٢٩٩ ـ الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص ٩٩ ، وتقدم برقم ١٤١ ، مع تخريج واف ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٩.

١٣٠٠ ـ البيت من البسيط ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١١٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٤ ، ٥٥٢ ، ٥٥٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٧٦ ، والكتاب ٣ / ٥١ ، والمحتسب ١ / ١٩٥ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ٢ / ٦٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٩١.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء إن الأعمال بالنية ... (٥٤) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما الأعمال بالنية ....» (١٩٠٧).


ثانيها : المنع في الحالين ، قال أبو حيان : في محفوظي قديما أن المبرد منع من حذف الفاء في الضرورة ، وأنه زعم في قوله :

١٣٠١ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

أن الرواية : من يفعل الخير فالرحمن يشكره ، قال : وهذا ليس بشيء ؛ لأنه على تقدير صحة الرواية لا يطعن ذلك في الرواية الأخرى.

ثالثها : وهو (الأصح يجوز ضرورة) ويمتنع في السعة ، وهو مذهب سيبويه ، (وينوب عنها في الأصح إذا الفجائية في) جملة (اسمية غير طلبية ولا منفية) قال أبو حيان : النصوص متظافرة في الكتب على الإطلاق في الربط بإذا ، ولكن السماع إنما ورد في (إن) قال تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦] ، فيحتاج في إثبات ذلك في غير (إن) من الأدوات إلى سماع ، واحترز بالاسمية من الفعلية فإن إذا لا تدخل عليها ، لا يجوز : إن قام زيد إذا يقوم عمرو ، وبغير الطلبية من الطلبية فلا يجوز : إن يعص زيد إذا ويل له ، وإن أطاع إذا سلام عليه ، وبغير المنفية من المنفية فلا يجوز : إن يقم زيد إذا ما عمرو قائم ، وإنما تدخل الفاء في الصور كلها.

ومقابل الأصح في المتن قول الأخفش : لا أرى إذا بمنزلة الفاء إلا رديئا ، لا تقول : إن تأتني إذا أكرمك ، كما تقول : فأنا أكرمك ، ولكن أرى الآية على حذف الفاء ، أي : (فإذا هم يقنطون) ، ورده أبو حيان بأن حذف الفاء فيما يلزمه الفاء لم يجئ في كلامهم إلا في الشعر ، ولو جاز حذف الفاء رفعت في قولك : إن تقم أقوم ، ولم يجئ منه شيء ، فالصحيح ما ذهب إليه الخليل وسيبويه انتهى.

(ومن ثم) أي : من هنا وهو أن (إذا) نائبة عن الفاء ، أي : من أجل ذلك (لا يجتمعان) لأن المعوض لا يجتمع مع العوض ، فلا يقال : إن يقم زيد فإذا عمرو قائم.

(ويرفع) الجواب (وجوبا إن قرن بالفاء) سواء كان فعل الشرط ماضيا نحو : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] ، أم مضارعا نحو : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) [الجن : ١٣] رفع ؛ لأنه حينئذ من جملة اسمية ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم الله

__________________

١٣٠١ ـ البيت من البسيط ، وهو لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٨٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٩ ، وله أو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب ٩ / ٤٩ ، ٥٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٧٨ ، ولعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب ٢ / ٣٦٥ ، ولسان العرب ١١ / ٤٧ ، مادة (بجل) ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١٦.


منه ، فهو لا يخاف ، قالوا : ولو لا ذلك الحكم بزيادة الفاء لكان الفعل ينجزم ، ولكن العرب التزمت فيه الرفع ، فعلم أنها غير زائدة ، (و) يرفع الجواب (جوازا إن كان الشرط) فعلا (ماضيا) نحو : إن قام زيد يقوم عمرو ، وقوله :

١٣٠٢ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول : لا غائب مالي ولا حرم

ومن شواهد الجزم قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) [هود : ١٥] ، (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) [الشورى : ٢٠] ، قال أبو حيان : ولا نعلم خلافا في جواز الجزم وأنه فصيح مختار ، إلا ما ذكره صاحب كتاب «الإعراب» عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح ، وإنما يجيء مع كان ؛ لأنها أصل الأفعال ، قال : والذي نص عليه الجماعة أن ذلك لا يختص بها ، بل سائر الأفعال في ذلك مثلها ، وأنشد سيبويه للفرزدق :

١٣٠٣ ـ دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير

قال : وأما الرفع فهو مسموع ، ونص بعض أصحابنا أنه أحسن من الجزم ، واختلف في تخريجه ، فقال سيبويه ، إنه على نية التقديم والجواب محذوف ، وقال المبرد والكوفيون : إنه الجواب وإنه على حذف الفاء ، وقال آخرون : هو الجواب لا على إضمار الفاء ولا على نية التقديم ، ولكن لما لم يظهر لأداة الشرط تأثير في فعلة لكونه ماضيا ضعف عن العمل في فعل الجواب ، (وإلا) بأن كان الشرط مضارعا (فضرورة) يرفع الجواب كقوله :

١٣٠٤ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

__________________

١٣٠٢ ـ البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٥٣ ، والإنصاف ٢ / ٦٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٨ ، ٧٠ ، ورصف المباني ص ١٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٨ ، والكتاب ٣ / ٦٦ ، ولسان العرب ١١ / ٢١٥ ، مادة (خلل) ، ١٢ / ١٢٨ ، مادة (حرم) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٠.

١٣٠٣ ـ البيت من البسيط ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٢١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧١ ، والكتاب ٣ / ٦٩ ، ولسان العرب ٥ / ٢٨٦ ، مادة (وغر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٤.

١٣٠٤ ـ الرجز لجرير بن عبد الله البجلي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢١ ، والكتاب ٣ / ٦٧ ، ولسان العرب ١١ / ٤٦ ، مادة (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم العجلي في خزانة الأدب ٨ / ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٠ ، ولعمرو بن خثارم البجلي في شرح الأشموني ٣ / ٥٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٩٩.


والاختيار جزمه قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق : ٢] ، وإذا رفع فمذهب سيبويه أنه على نية التقديم والتأخير إن كان قبله مما يمكن أن يطلبه كالبيت وإلا فعلى إضمار الفاء نحو : إن تأتني آتيك إذا جاء في الشعر ، ومذهب المبرد أنه على إضمار الفاء في الحالين ؛ لأنه جواب في المعنى قد وقع في محله فلا ينوى به التقديم.

(وجازمه) أي : الجواب (الأداة) عملت فيه كما عملت في الشرط باتفاق ؛ لاقتضائها إياهما فعملت فيهما كما عملت كان وظن وإن في جزئيها ، هذا مذهب المحققين من البصريين ، وعزاه السيرافي لسيبويه ، واختاره الجزولي وابن عصفور والأبذي ، (وقيل) : جازمه فعل (الشرط) قاله الأخفش واختاره ابن مالك ؛ لأنه مستدع له بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام ، ورد بأن النوع لا يعمل ؛ إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر ، وإنما يعمل بمزية وهو أن يضمن العامل من غير النوع أو شبهه كعمل الأسماء في الأسماء ، (وقيل) : جازمه (هما) أي : الأداة والفعل معا ، ونسب أيضا للأخفش قال : المجموع هو الطالب فهو العامل ، قال : وباطل أن يكون العمل ل : (إن) ؛ لأن الجزم نظير الجر فإذا كان الجار وهو أقوى لا يعمل عملين فأحرى ألا يعمله الجازم.

ورد بأن الجار لا يقتضي معمولين والجازم يقتضيهما فيعمل فيهما ، وبأن كل عامل مركب من شيئين لا يجوز حذف أحدهما كإذما وحيثما ، وقد يحذف فعل الشرط دون الأداة فدل على أن العامل ليس مركبا منهما ، وبأن الجازم لا يحذف معموله والجواب يجوز حذفه ، فلو كان العامل مجموع الأداة والشرط لزم إبقاء الجازم مع حذف معموله ، بخلاف ما إذا كان العامل الأداة وحذف فإنها تكون قد أخذت معمولا واحدا فلا يقبح ، (وقيل) : جازمه (الجوار) قاله الكوفيون قياسا على الجر بالجوار ، قال أبو حيان : وهذا الخلاف لا يترتب عليه فائدة ولا حكم نطقي.

(وقيل) : فعل الجواب (مبني) وفعل الشرط معرب ، (وقيل) : هو (والشرط) أيضا مبنيان ، والقولان للمازني استدل على بنائهما بأن الفعل لا يقع موقع الاسم في المحلين فلا يكون معربا بناء على أن سبب إعراب المضارع وقوعه موقع الاسم ، واستدل لبناء الجواب فقط بأنه لم يكن له عامل فكان مبنيا ؛ لأنه لم يصح عنده عمل ما تقدمه فيه ، قال أبو حيان : والمازني في رأيه مخالف لجميع النحويين.

(مسألة : البصريون) قالوا : (لأداة الشرط الصدر) أي : صدر الكلام (فلا يسبقها معمول معمولها) أي : لا يجوز تقديم شيء من معمولات فعل الشرط ، ولا فعل الجواب


عليها ؛ لأنها عندهم كأداة الاستفهام وما النافية ونحوهما مما له الصدر ، ولا يعمل ما قبلها فيما بعدها وإنما تقع مستأنفة أو مبنية على ذي خبر أو نحوه.

وجوز الكسائي تقديم معمول فعل الشرط أو الجواب على الأداة نحو : خيرا إن تفعل يثبك الله ، وخيرا إن أتيتني تصب ، قال أبو حيان : وتحتاج إجازة هذا التركيب إلى سماع من العرب ، (غير معمول) فعل (الجواب المرفوع) فإنه يجوز تقديمه نحو : خيرا إن أتيتني نصب ، وسوغ ذلك أنه ليس فعل جواب حقيقة ، بل هو في نية التقديم ، والجواب محذوف والتقدير تصيب خيرا إن أتيتني ، (قال أكثرهم) أي : البصريون : (ولا الجواب) أيضا لا يجوز تقديمه على الأداة ؛ لأنه ثان أبدا عن الأول متوقف عليه.

وقال الأخفش : يجوز تقديمه عليها كمذهب الكوفيين ماضيا كان أو مضارعا نحو : قمت إن قمت ، وأقوم إن قمت.

(وثالثها : يجوز) تقديم الجواب (إن كان مضارعا) ويمتنع إن كان ماضيا وعليه المازني ؛ لأن المضارع هو الأصل فلم يكثر فيه التجوز ، بخلاف الماضي فإنه يجوز فيه بأن عبر بصيغته عن المستقبل ، فإن قدم وحقه التأخير كثر التجوز.

(ورابعها) : يجوز تقديم الجواب (إن كانا) أي : الشرط والجواب (ماضيين) بخلاف ما إذا كان الشرط وحده ماضيا ، ووجه أنه لما لم يظهر للأداة فيه عمل إذا تأخر جاز تقديمه ؛ لأنه مقدما كحاله مؤخرا ، فكان كأنما لم يعمل فيه ، بخلاف المضارع فإنه متأثر بها فصار تقديمه على الجازم كتقديم المجرور على الجار ، (قيل : ولا) يسبق (الجواب المجزوم معموله) قال الفراء : والصحيح جوازه وعليه سيبويه والكسائي نحو : إن تأتني خيرا تصب ، (وعلى الأول) وهو مذهب الأكثر من منع تقديم الجواب على الأداة مطلقا (إن تقدم شبهه فدليله) وليس إياه (وشرطه اختيارا مضي الشرط لفظا أو معنى) بأن كان مضارعا مقترنا بلم (في الأصح) ، نحو : قمت إن قمت وأقوم إن قمت وأقوم إن لم تقم ، قال سيبويه : هكذا جرى في كلامهم ، وأما الشعر فمحل ضرورة واتساع.

وأجاز الكوفيون سوى الفراء أن يحذف جواب الشرط في الاختيار وفعل الشرط مستقبل قياسا على الماضي ، فأجازوا أنت ظالم إن تفعل ، (فإن لم يكن) فعل الشرط ماضيا تفريعا على الأصح (وهو مع ما أو من أو أيّ صرن موصولات) أي : حكم لهن بذلك الذي هو من معانيها (اختيارا) ، وزال حكم الشرطية لزوال شرطها وهو المضي ، فينتفي الجزم


نحو : أي من يأتيني ، وزيد يحب ما تحبه ، وأكرم أيهم يحبك ، وحينئذ فتأتي أحكام الموصولات من جواز عمل ما قبلها فيها ، وحكم الضمير العائد عليها وصلتها وغير ذلك.

وأما في الشعر فيجوز بقاء الشرطية والجزم (وكذا إن أضيف لهن) أي : لمن وما وأي (زمان) يجب لهن في السعة أن يكن موصولات نحو : أتذكر إذ من يأتينا نأتيه ، ولا يجوز الجزم عند سيبويه والجرمي والمازني ؛ لأن أسماء الأحيان لا تضاف إلى الجملة الشرطية المصدرة ب : إن ، فكذا لاتصاف إلى ما تضمن معنى إن (خلافا للزيادي) أبي إسحاق في ذهابه إلى جواز الجزم اختيارا كقوله :

١٣٠٥ ـ على حين من تلبث عليه ذنوبه

يرث شربه إذ في المقام تداثر

والأولون قالوا : هو ضرورة.

(و) يجري هذا الحكم وهو وجوب الرفع وامتناع الجزم (مطلقا) أي : في الاختيار والضرورة إذا وقعن (بعد باب كان وإن) نحو : من كان يأتينا نأتيه ، وإن من يأتينا نأتيه ، وليت من يحسن إلينا نحسن إليه ؛ لأن الشرط لا يعمل فيه عامل قبله ، (ولكن) المخففة نحو : ولكن من يزورني أزوره ، (وإذا المفاجأة) نحو : مررت بزيد فإذا من يزوره يحسن إليه (وما) النافية نحو : ما من يأتينا نعطيه ؛ لأن (ما) لا تنفي الجملة الشرطية ، (وهل) نحو : هل من يأتينا نأتيه ؛ لأن (هل) لا يستفهم بها عن الجمل الشرطية ، (قيل : والهمزة) ، قال يونس : قياسا على هذا ، والأصح جواز الجزم بعدها وكون من شرطية ؛ لأنه توسع فيها فاستفهم بها عن الجملة الشرطية كما استفهم بها عن غير ذلك نحو : أإن تأتني آتك ، فلما حسن ذلك في (إن) حسن في أخواتها نحو : أمن يأتنا نأته.

(مسألة) : (يحذف الجواب) لدليل كقوله تعالى : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) [يس : ١٩] ، أي : تطيرتم ، وقوله : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) [الأنعام : ٣٥] الآية ، أي : فافعل ، ويكثر الحذف (لتقدم شبهه) على الأداة كما مر ، (و) لتقدم (جواب قسم) يدل عليه.

(و) يحذف (الشرط) وهو أقل من حذف الجواب ، نص عليه ابن مالك في شرح

__________________

١٣٠٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢١٧ ، وإصلاح المنطق ص ٣٦١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٠٧ ، والكتاب ٣ / ٧٥ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٩١ ، وفي الأصل «سربه» مكان «شربه» ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٨ ، وفي نسخة (يجد فقدها) بدلا من (يرث شربه).


«الكافية» ، ومنه : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ، وقولهم : (إن خيرا فخير) ، (وقيل :) إنما يجوز حذفه (إن عوض) منه (لا) وعليه ابن عصفور والأبذي كقوله :

١٣٠٦ ـ فطلّقها فلست لها بكفء

وإلّا يعل مفرقك الحسام

أي : وإلا تطلقها ، قال أبو حيان : وليس بشيء ؛ لأنها لو كانت عوضا من الفعل المحذوف لم يجز الجمع بينهما مع أنه يجوز نحو : وإلا يسئ فلا تضربه ، فهي في نحو ذلك نافية لا عوض ، وورد الحذف وهو مثبت كما تقدم.

(ويحذفان) أي : الشرط والجواب (مع إن) دون سائر الأدوات ، واختصت بذلك ؛ لأنها أم الباب ، ولأنه لم يرد في غيرها قال :

١٣٠٧ ـ قالت بنات الحيّ : يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما ، قالت : وإن

أي : وإن كان كما تصفين فزوجنيه ، قال أبو حيان : وكذا حذف الجواب وحده والشرط وحده لا أحفظه بعد غير (إن) ، قال : إلا أن ابن مالك أنشد بيتا في شرح «الكافية» ، وزعم أنه حذف فيه فعل الشرط بعد متى وهو قوله :

١٣٠٨ ـ متى تؤخذوا قسرا بظنّة عامر

ولا ينج إلّا في الصّفاد يزيد

 (وقيل) حذفهما معا (ضرورة) قاله ابن مالك ، قال أبو حيان : وتبع فيه ابن عصفور ، قال : ولم ينص غيرهما على أن ذلك ضرورة ، بل أطلقوا الجواز إذا فهم المعنى ، قلت : وقد ورد في النثر في عدة من الآثار.

(لا الأداة) أي : لا يجوز حذف أداة الشرط (ولو) كانت (إن في الأصح) كما لا يجوز حذف غيرها من الجوازم ، ولا حذف حرف الجر ، وجوز بعضهم حذف (إن) فيرتفع

__________________

١٣٠٦ ـ البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٧ ، ٩٣٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٨.

١٣٠٧ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٤ ، ١٦ ، ١١ / ٢١٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٠٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٨ ، ورصف المباني ص ١٠٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٢ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦٩.

١٣٠٨ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٩٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٦ ، وتقدم مع الشاهد ص ١٣٠٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٩.


الفعل وتدخل الفاء إشعارا بذلك ، وخرج عليه قوله تعالى : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) [المائدة : ١٠٦].

(وإن توالى شرطان) فصاعدا من غير عطف (فالأصح أن الجواب للسابق) ويحذف جواب ما بعده لدلالة الأول وجوابه عليه ، ومنهم من جعل الجواب للأخير ، وجواب الأول الشرط الثاني وجوابه ، وجواب الثاني الشرط الثالث وجوابه ، وهكذا على إضمار الفاء ، فإذا قال : إن جاء زيد إن أكل زيد إن ضحك فعبدي حر ، فعلى الأصح الضحك أول ثم الأكل ثم المجيء ، فإذا وقع على هذا الترتيب ثبت عتقه وعلى مقابله عكسه ، فإذا وقع المجيء ثم الأكل ثم الضحك لزم العتق ، فإن كان عطف فالجواب لهما معا ، ومنه : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ) [محمد : ٣٦] الآية.

(و) الأصح (أن الأحسن) حينئذ (مجيء) فعل الشرط (الثاني ماضيا) بناء على أن الجواب للسابق ، وأن جواب الثاني محذوف لما مر من أنه لا يحذف جواب الشرط في الاختيار حتى يكون فعله ماضيا ، وعلى أن الجواب للمتأخر لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنه غير محذوف الجواب ، (و) الأصح (أنه) أي : الشرط الثاني (مقيد للأول تقييد الحال) الواقعة موقعه قاله ابن مالك ، قال : فقولك : من أجابني إن دعوته أحسنت إليه ، في تقدير من أجابني داعيا له ، وقول الشاعر :

١٣٠٩ ـ إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم

في التقدير : إن تستغيثوا بنا مذعورين ، قال أبو حيان : وغير ابن مالك جعله متأخرا في التقدير ، فكأنه قال : من أجابني أحسنت إليه إن دعوته ، فمن أجابني هو جواب (إن) في المعنى ، حتى كأنه قال : إن دعوت من أجابني أحسنت إليه ، فإذا وقع دعاءه لشخص فأجابه ذلك الشخص بعد دعائه إياه لزم الإحسان ؛ لأن جواب الشرط في التقدير بعد الشرط ، وكذا البيت تقديره على هذا إن تذعروا فإن تستغيثوا بنا تجدوا ، فأول الشرط يصير جزاء.

(وإن توسط الجزاء والشرط مضارع وافقه) أي : الشرط (معنى) حال كونه (غير صفة ،

__________________

١٣٠٩ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٥٨ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦١٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٥٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦١.


وصح حذفه أبدل منه) مثال إن تأتني تمش أكرمك (وإلا) بأن لم يوافقه معنى (رفع حالا) نحو : إن تأتني تضحك أحسن إليك ، والماضي كالمضارع في ذلك ، وإنما فرضت المسألة فيه ك «التسهيل» ؛ لأنه فيه يظهر الأثر ، مثاله : إن أتيتني مشيت أكرمك ، وإن تأتني قد ضحكت أحسن إليك ، واحترز بغير صفة عن الواقع صفة نحو : إن يأتني رجل يعرف النحو أكرمه ، (فيعرف) في موضع الصفة لرجل ، ولصحة الحذف من خبر كان وثاني ظننت نحو : إن تكن تحسن إلي أحسن إليك ، وإن تظنني أصدق أصدقك ، فالمتوسط لا بدل ولا حال ، بل في موضع نصب على أنه خبر ومفعول ، ومنه قول زهير :

١٣١٠ ـ ومن لا يزل يستحمل النّاس نفسه

ولا يغنها يوما من الدّهر يسأم

 (وتزاد ما) توكيدا (في إن) ومنه : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) [الأعراف : ٢٠٠] ، (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ) [الأنعام : ٦٨] ، قال أبو حيان : وذلك في القرآن كثير ، ولم يأت فيه إلا والفعل مؤكد بالنون ، وأما في لسان العرب فقد جاء أيضا بغير نون كثيرا قال :

١٣١١ ـ زعمت تماضر أنّني إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي

 (و) في (أي غير مضافة لضمير) بأن لم تضف أصلا ، أو أضيفت لظاهر ، ومنه : (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] ، (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) [القصص : ٢٨] ، (و) في (أين ومتى) قال تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] ، وقال الشاعر :

١٣١٢ ـ متى ما تلقني فردين ترجف

(وكذا أيان) في الأصح قال :

__________________

١٣١٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٩٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٤ ، والكتاب ٣ / ٨٥ ، ولسان العرب ١١ / ١٧٦ ، مادة (حمل) ، وبلا نسبة في المقتضب ٢ / ٦٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠١.

١٣١١ ـ البيت من الكامل ، وهو لسلمى بن ربيعة في خزانة الأدب ٨ / ٣٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٤٧ ، ولسان العرب ١١ / ٢١٥ ، مادة (خلل) ، ونوادر أبي زيد ص ١٢١ ، ولعلباء بن الأرقم في الأصمعيات ص ١٦١ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٩ / ٥ ، ٤١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٧.

١٣١٢ ـ البيت من الوافر ، وهو لعنترة في ديوانه ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٧ ، ٧ / ٥٠٧ ، ٥١٤ ، ٥٥٣ ، ٨ / ٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٩٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٥٠٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٦٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٥ ، ولسان العرب ٤ / ٥١٣ ، مادة (طير) ، ١٤ / ٤٣ ، مادة (ألا) ، ١٤ / ٢٣١ ، مادة (خصا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٧٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٠٥.


١٣١٣ ـ فأيّان ما تعدل به الرّيح تنزل

قال أبو حيان : وزعم بعض أصحابنا أنها لا تزاد فيها ، وليس بصحيح لورود السماع به ، (لا ما ومن وأنى في الأصح) وذهب الكوفيون إلى جواز زيادتها بعدها فيجوز : من ما يكرمني أكرمه.

إعراب أسماء الشرط وأسماء الاستفهام

مسألة في إعراب أسماء الشرط وأسماء الاستفهام (إذا وقعت الأداة) الشرطية (على مكان أو زمان فظرف) أي : فهي في موضع نصب على الظرف نحو : متى تقم أقم ، و(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] ، (أو) على (حدث فمفعول مطلق) نحو : ... (وإلا فإن وقع بعدها فعل لازم) نحو : من يقم أقم معه (فمبتدأ خبره فعل الشرط ، وفيه) ضميرها ، (وقيل) : هو (والجواب) معا ؛ لأن الكلام لا يتم إلا بالجواب ، فكان داخلا في الخبر ، ورد بأنه أجنبي من المبتدأ ، (أو متعد واقع عليها) نحو : من يضرب زيدا أضربه ، ومن تضرب أضربه ، (فمفعول به ، أو) واقع (على ضميرها) نحو : من يضربه زيد أضربه ، ومن تضربه أضربه ، (أو متعلقها) نحو : من يضرب زيد أخاه أضربه (فاشتغال) أي : فالمسألة من باب الاشتغال ، فيجوز في أداة الشرط أن يكون في موضع رفع على الابتداء ، وأن يكون في موضع نصب بفعل مضمر يفسره الظاهر بعدها ، (ومثلها) في هذا التفصيل (أسماء الاستفهام).

لو

(مسألة : لو شرط للماضي غالبا) وقد ترد للمستقبل ك : (إن) ، وخرج عليه قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) [النساء : ٩] ، وقول توبة :

١٣١٤ ـ ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت

عليّ ودوني جندل وصفائح

__________________

١٣١٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لأمية بن أبي عائذ في شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٣ ، وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص ٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٣.

١٣١٤ ـ البيتان من الطويل ، وهما لتوبة بن الحمير في الأغاني ١١ / ٢٢٩ ، وأمالي المرتضى ١ / ٤٥٠ ، والحماسة البصرية ٢ / ١٠٨ ، وسمط اللآلي ص ١٢٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣١١ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٤٤ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٥٣ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٦١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٥٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٥.


لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من داخل القبر صائح

 (وقيل : دائما) قال بدر الدين بن مالك : وعليه أكثر المحققين ، قال : وورود شرطها في الآية والبيت مستقبلا في نفسه أو بقيد لا ينافي امتناعه فيما مضى لامتناع غيره ، ولا يحوج إلى إخراج (لو) عما عهد فيها من معناها إلى غيره ، وقال أبو حيان متعقبا عليه ورود (لو) في المستقبل : قد قاله النحويون في غير موضع ، (وجزمها) لفعلها (ضرورة) لا يحسن في الاختيار ؛ لعدم تمكنها بكونها للمضي ، ومن الضرورة قوله :

١٣١٥ ـ لو يشأ طار بها ذو هيعة

(وقيل) : بل هو (لغة) لقوم فيطرد عندهم في الكلام ، (وقيل : ممنوع) لا يجوز لا في الكلام ولا في الشعر ، حكى الأقوال الثلاثة أبو حيان ، واختلفت عبارات النحاة في معناها حتى قال بعضهم : إن النحاة لم يفهموا لها معنى ، (قال سيبويه : هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره) أي : إنها تقتضي فعلا ماضيا كأنه يتوقع ثبوته لثبوت غيره ، والمتوقع غير واقع ، فكأنه قال : حرف يقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته ، (و) قال (المعربون) : هي حرف (امتناع لامتناع) أي : تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ، واختلف في المراد بذلك (قيل) : المراد (امتناع الأول) أي : الشرط (للثاني) أي : لامتناع للجواب ، ذكره ابن الحاجب في (أماليه) بحثا من عنده ، ووجهه بأن انتفاء السبب لا يدل على انتفاء مسببه ؛ لجواز أن يكون ثم أسباب أخر ، قال : ويدل على هذا (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] ، فإنها مسوقة لنفي التعدد في الآلهة بامتناع الفساد ، لا أن امتناع الفساد لامتناع الآلهة ؛ لأنه خلاف المفهوم من مساق أمثال هذه الآية ، ولأنه لا يلزم من انتفاء الآلهة انتفاء الفساد ؛ لجواز وقوع ذلك وإن لم يكن تعدد في الآلهة ؛ لأن المراد به فساد نظام العالم عن حالته ، وذلك جائز أن يفعله الإله الواحد سبحانه انتهى.

وتابعه على ذلك ابن الخباز (وقيل : عكسه) أي : المراد أن جواب (لو) ممتنع لامتناع شرطه ، فقولك : لو جئت لأكرمتك دال على امتناع الإكرام لامتناع المجيء ، وهذا هو

__________________

١٣١٥ ـ البيت من الرمل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ١٣٤ ، ولامرأة من بني الحارث في الحماسة البصرية ١ / ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٩٨ ، ٣٠٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٠٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦٤ ، ولعلقمة أو لامرأة من بني الحارث في المقاصد النحوية ٢ / ٥٣٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٤ ، وانظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٧.


الذي قرره الناس ممن أثبت الامتناع فيها وهو المتبادر إلى الأفهام ، واستنكر ابن هشام في (المفتي) مقالة ابن الحاجب ومن تبعه.

(ثم إفادتها) لذلك قيل : (نطقا) أي : بالمنطوق ، (وقال بدر الدين بن مالك) في تكملة شرح «التسهيل» و (شيخنا) العلامة محيي الدين (الكافيجي) رحمه‌الله فيما سمعناه من لفظه حال تدريسه ل «المغني» : (فهما) أي : بالمفهوم.

قال أبو حيان : كأن (لو) عند سيبويه لها منطوق ومفهوم كما أن (إن) لها منطوق ومفهوم ، فإذا قلت : لو أكلت لشبعت ، فعنده أن الشبع كان يقع لوقوع الأكل ، ولو قلت : إن قام زيد قام عمرو فمنطوقه تعليق وجود قيام عمرو على تقدير وجود قيام زيد ، وتارة يكون المفهوم مرادا ، وتارة يكون غير مراد ، فنظر غير سيبويه إلى المفهوم فقالوا : إذا قلت : لو أكلت لشبعت امتنع الشبع لامتناع الأكل ، وسيبويه نظر إلى المنطوق فاطرد له في جميع مواردها ، (وقيل) : هي حرف امتناع لامتناع و (إن كان بعدها مثبتان وإلا) بأن كان بعدها منفيان (فوجود) أي : فحرف وجود (لوجود) ، فإن كان الأول منفيا والثاني مثبتا فحرف وجود لامتناع ، أو عكسه فحرف امتناع لوجود.

قال أبو حيان : والسبب في ذلك عند هذا القائل أن المنفي بعد (لو) موجب ، والموجب منفي ، قال : هذا وقول من قال حرف امتناع لامتناع يرجعان إلى معنى واحد ، ألا ترى أنها إذا كانت حرف امتناع لزم من ذلك إذا كان ما بعدها موجبا أن يمتنع وجود الثاني لامتناع وجود الأول ، أو منفيا لزم امتناع نفي الثاني لامتناع نفي الأول ، أو الأول منفيا والثاني موجبا لزم امتناع وجود الثاني لامتناع نفي الأول ، فيكون الأول إذ ذاك موجبا والثاني منفيا ، أو الأول موجبا والثاني منفيا لزم امتناع نفي الثاني لامتناع وجود الأول ، فيكون الأول إذ ذاك منفيا والثاني موجبا ، فهو اختلاف عبارة.

وقد رد القولان بعدم امتناع الجواب في مواضع كثيرة ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧] ، وقول عمر : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه (١) ؛ لأن عدم النفاد محكوم به سواء وجد الشرط أم لا ، وعدم العصيان كذلك سواء وجد الخوف أم لا.

(وقال) أبو علي (الشلوبين) وابن هشام (الخضراوي) : إنها لا تفيد الامتناع بوجه ولا يدل على امتناع الشرط ولا امتناع الجواب ، بل هي (لمجرد الربط) أي : ربط الجواب

__________________

(١) قال الزركشي في التذكرة ص ١٦٩ : لم أقف له على أصل ، وسئل بعض شيوخنا الحفاظ عنه فلم يعرفه.


بالشرط دلالة على التعليق في الماضي ، كما دلت إن على التعليق في المستقبل ، ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت بإلا ؛ إذ لو كان من مدلولها الامتناع ما أغفله سيبويه في بيان معناها ، قال الجمال بن هشام في «المغني» : وهذا الذي قالاه كإنكار الضروريات ؛ إذ فهم الامتناع فيها كالبديهي ، فإن كل من سمع لو فعل فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد ، ولهذا جاز استدراكه فنقول : لو جاء زيد لأكرمته لكنه لم يجئ.

(والمختار) في تحرير العبارة في معناها (وفاقا لابن مالك) أنها حرف يقتضي (امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه) من غير تعرض لنفي التالي ، قال : فقيام زيد من قولك : لو قام زيد قام عمرو محكوم بانتفائه ، وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام من عمرو ، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد ، أو ليس له؟ لا تعرض لذلك ، قال ابن هشام في «المغني» : وهذه أجود العبارات.

(ثم ينتفي التالي) أيضا (إن ناسب) الأول بأن لزمه عقلا أو شرعا أو عادة ، (ولم يخلف المقدم غيره) في ترتب التالي عليه (ك : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)) [الأنبياء : ٢٢] ، أي : السموات والأرض ، ففسادهما ، أي : خروجهما عن نظامهما المشاهد مناسب لتعدد الآلهة ؛ للزومه على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء ، وعدم الاتفاق عليه ، ولم يخلف التعدد في ترتب الفساد غيره فينتفي الفساد بانتفاء التعدد المفاد بلو.

(ولا) ينتفي التالي (إن خلفه) أي : الأول غيره (كقولك : لو كان إنسانا لكان حيوانا) فالحيوان مناسب للإنسان للزومه له عقلا ؛ لأنه جزؤه ، وخلف الإنسان في ترتب الحيوان غيره كالحمار فلا يلزم بانتفاء الإنسان عن شيء المفاد بلو انتفاء الحيوان عنه ؛ لجواز أن يكون حمارا كما لا يجوز أن يكون حجرا ، (ويثبت التالي) مع انتفاء الأول (إن لم يناف) انتفاؤه (وناسب) الأول (إما بالأولى نحو) : نعم العبد صهيب (لو لم يخف الله لم يعصه) رتب عدم العصيان على عدم الخوف ، وهو بالخوف المفاد بلو أنسب ، فيترتب عليه أيضا في قصده ، والمعنى أنه لا يعصي الله مطلقا لا مع الخوف وهو ظاهر ، ولا مع انتفائه إجلالا له تعالى عن أن يعصيه ، (أو المساوي نحو) قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بنت أم سلمة : (لو لم تكن ربيبتي) في حجري (ما حلت) لي إنها لابنة أخي من الرضاعة ، رواه الشيخان (١) ، رتب عدم

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم (٥١٠١) ، ومسلم ، كتاب الرضاع ، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة (١٤٩).


حلها على عدم كونها ربيبته (للرضاع) المناسب له شرعا ، فترتب أيضا في قصده على كونها ربيبته المفاد بلو المناسب له شرعا كمناسبته للأول ، سواء لمساواة حرمة المصاهرة لحرمة الرضاع ، والمعنى أنها لا تحل لي أصلا ؛ لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت له كونها ربيبة وكونها ابنة أخي من الرضاع.

(أو الأدون كقولك : لو انتفت أخوة الرضاع ما حلت للنسب) هو على نسق ما تقدم فيما قبله ، وحرمة الرضاع أدون من حرمة النسب.

(ويليها) أي : لو (اسم على إضمار فعل) يفسره ظاهر بعده (اختيارا) كقولهم : (لو ذات سوار لطمتني) ، وقول عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة (١).

(و) يليها أيضا (جزءا ابتداء اختيارا) فيقال : لو زيد قائم ، وفارقت (إن) في ذلك حيث لزمت الماضي ولم تعمل ، (خلافا للبصرية فيهما) حيث قالوا : لا يليها إلا الفعل ظاهرا ، ولا يليها مضمرا إلا في الضرورة ، أو في نادر كلام ، ومن الضرورة عندهم قوله :

١٣١٦ ـ لو غيركم علق الزّبير بحبله

أدّى الجوار إلى بني العوّام

وقوله :

١٣١٧ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

وفي التنزيل : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء : ١٠٠] فاستدل به الأولون ، وتأوله المانعون على أن الأصل لو كنتم تملكون فحذفت كان وانفصل الضمير.

(وجوابها) في الغالب (فعل) مضارع مجزوم (بلم) كقوله :

__________________

١٣١٦ ـ البيت من الكامل ، وهو لجرير في ديوانه ص ٩٩٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٣٢ ، ٤٣٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥٧ ، وبلا نسبة في اللامات ص ١٢٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٦٨ ، والمقتضب ٣ / ٧٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٨.

١٣١٧ ـ البيت من الرمل ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ٩٣ ، والأغاني ٢ / ٩٤ ، وجمهرة اللغة ص ٧٣١ ، والحيوان ٥ / ١٣٨ ، ٥٩٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٠٨ ، ١١ / ١٥ ، ٢٠٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥٨ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٣٥ ، واللامات ص ١٢٨ ، ولسان العرب ٤ / ٥٨٠ ، مادة (عصر) ٧ / ٦١ ، مادة (غصص) ، ١٠ / ١٧٧ ، مادة (شرق) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٧.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الطب ، باب ما يذكر في الطاعون (٥٧٢٩) ، ومسلم ، كتاب السّلام ، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (٢٢١٩).


١٣١٨ ـ فلو كان حمد يخلد الناس لم يمت

ولكنّ حمد الناس ليس بمخلد

(أو) فعل (ماض مثبت ، والغالب) حينئذ (اقترانه باللام) المفتوحة ، كقوله تعالى :(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) [الأنفال : ٢٣] ، ومن غير الغالب : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة : ٧٠] ، (أو) ماض (منفي ، والغالب خلوه) من اللام نحو : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) [الأنعام : ١٤٨] ، ومن غير الغالب قوله :

١٣١٩ ـ ولو نعطى الخيار لما افترقنا

(وقد يقترن) جوابها (بإذا) نحو : (لو جئتني إذا لأكرمتك) ، (وندر كونه تعجبا) مقرونا باللام قال :

١٣٢٠ ـ فلو متّ في يوم ولم آت عجزه

يضعّفني فيها امرؤ غير عاقل

لأكرم بها من ميتة إن لقيتها

أطاعن فيها كل خرق منازل

 (و) ندر (كونه مصدرا برب أو الفاء) كقوله :

١٣٢١ ـ لو كان قتل يا سلام فراحة

(أو قد) كقوله :

١٣٢٢ ـ لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا

__________________

١٣١٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٣٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٤٢ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٠.

١٣١٩ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٣١ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٤٥ ، ١٠ / ٨٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٠٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٦٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦٥ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٠.

١٣٢٠ ـ البيتان من الطويل ، وهما لعبيد الله بن الحر الجعفي في أشعار اللصوص ١ / ٢٧٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٢.

١٣٢١ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٨٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٧.

١٣٢٢ ـ البيت من الكامل ، وهو لجرير في شرح شواهد الشافية ص ٥٣ ، ولسان العرب ٨ / ٣٦١ ، مادة (نقع) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩١ ، وليس في ديوانه ، وهو للبيد بن ربيعة في شرح شافية ابن الحاجب ١ / ٣٢ ، وللبيد أو جرير في لسان العرب ٣ / ٤٤٥ ، مادة (وجد) ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ٢ / ٥٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٨.


(فإن وقع) الجواب في الظاهر (جملة اسمية فجواب قسم محذوف مغن عن جوابها) وليس بجوابها (خلافا للزجاج) كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) [البقرة : ١٠٣] فجواب لو محذوف لدلالة ما بعده عليه ، وتقديره لأثيبوا ، وقوله :لمثوبة .. إلخ جواب قسم محذوف تقديره : والله لمثوبة ، وقال الزجاج : بل هو جواب (لو) واللام هي الداخلة في جوابها.

(ويحذف) جواب (لو لدليل) وهو كثير في القرآن قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) [الرعد : ٣١] الآية ، أي : لكان هذا القرآن ، قال أبو حيان : ويحسن حذفه في طول الكلام.

(وترد) لو (للتمني) كقولك : لو تأتيني فتحدثني ، وأنكر ذلك قوم وقالوا : ليست قسما برأسها وإنما هي الشرطية أشربت معنى التمني ، (و) على الأول (لا جواب لها في الأصح) قال أبو حيان : هذا ظاهر المنقول ، ونص عليه شيخنا أبو الحسن بن الصائغ وأبو مروان عبيد الله بن عمر بن هشام الحضرمي في شرح قصيدة ابن دريد ، قال : والذي يظهر أنها لا بد لها من جواب ، لكنه التزم حذفه لإشرابها معنى التمني ؛ لأنه متى أمكن تقليل القواعد وجعل الشيء من باب المجاز كان أولى من تكثير القواعد وادعاء الاشتراك ؛ لأنه يحتاج إلى وضعين ، والمجاز ليس فيه إلا وضع واحد وهو الحقيقة انتهى.

ونقل الشيخ جمال الدين بن هشام في «المغني» عن ابن الصائغ وابن هشام أنهما قالا : يحتاج إلى جواب كجواب الشرط وهو سهو ، وقولي : «في الأصح» راجع إلى الأمرين معا ورودها للتمني واستغناؤها عن الجواب كما تبين ، (وقيل : وترد للتقليل) نحو : «تصدقوا ولو بظلف محرق» (١).

لو لا ولو ما

(لو لا ولو ما حرفا امتناع لوجود) نحو : لو لا زيد لأكرمتك فامتنع الإكرام لوجود زيد ، (وإنما يليها اسم أو أن) الثقيلة وتقدم إعرابه في باب المبتدأ (أو أن) المخففة منها أو الناصبة نحو : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ) [الصافات : ١٤٣ ـ ١٤٤] ، (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) [القصص : ٨٢] ، (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا)

__________________

(١) أخرجه الترمذي ، كتاب الزكاة ، باب ما جاء في حق السائل (٦٦٥) ، وأبو داود ، كتاب الزكاة باب حق السائل (١٦٦٧) ، بلفظ : «إن لم تجدي شيئا تعطينه إياه إلا ظلفا محرقا فادفعيه إليه في يده».


[الزخرف : ٣٣] ، قال في «المغني» : وتصير أن وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، أو مبتدأ لا خبر له ، أو فاعلا يثبت محذوفا على الخلاف السابق في (لو).

(وجوابهما ماض مع ما) النافية نحو : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) [النور : ٢١] ، (أو مثبت مع اللام) نحو : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ) [النور : ١٤] ، (وحذفها) أي : اللام (ضرورة) خاص بالشعر ، (أو قليل) في الكلام اختلف فيه كلام ابن عصفور ، فمرة قال بالأول ، ومرة قال بالثاني ، ولم يقع منه في القرآن شيء ، ومن وقوعه في الشعر قوله :

١٣٢٣ ـ لو لا الحياء وباقي الدّين عبتكما

(ويجوز حذفه) أي : جواب (لو لا) لدليل ، قال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [النور : ٢٠] ، أي : لو اخذكم ، (وتردان) أي : لو لا ولو ما (للتحضيض) وهو طلب بحثّ وإزعاج.

وترد أيضا له (هلا وألّا) بالتشديد ، والأربعة حينئذ (بسائط) أي : غير مركبة كما اختاره القواس في شرح «الكافية» قال : لأن الأصل عدم التركيب ، (وقيل) : الأربعة (مركبات) من (لو) و (لا) ، و (لو) و (ما) ، و (هل) و (لا) ، وقلبت الهاء في هلا همزة ، ذكره في الأربعة أبو حيان في شرح «التسهيل» ، والسكاكي في «المفتاح» ، وذكره في (هلا) و (ألا) ابن مالك في باب الاشتغال من شرح «التسهيل».

(فتختص بفعل ولو مقدرا في الأصح) نحو : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) [النور : ١٣] ، (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) [الحجر : ٧] ، هلا ضربت زيدا ، ألا أكرمت عمرا ، ومثال تقدير الفعل : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) [النور : ١٦].

١٣٢٤ ـ فهلا نفس ليلى شفيعها

__________________

١٣٢٣ ـ البيت من البسيط ، وهو لابن مقبل في ديوانه ص ٧٦ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٦٣ ، ولسان العرب ٧ / ١٢٠ ، مادة (بعض) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٩٨ ، ورصف المباني ص ٢٤٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٠.

١٣٢٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٥٤ ، ولإبراهيم الصولي في ديوانه ص ١٨٥ ، ولابن الدمينة في ملحق ديوانه ص ٢٠٦ ، وللمجنون أو لابن الدمينة أو للصمة بن عبد الله القشيري في شرح شواهد المغني ١ / ٢٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٦ ، ولأحد هؤلاء أو لإبراهيم الصولي في خزانة الأدب ٣ / ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٥.


ألا زيدا ضربته.

وذهب بعضهم إلى جواز مجيء جملة الابتداء بعد هذه الحروف ، مستدلا بالبيت المذكور ومن خلوها من التوبيخ : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [المنافقون : ١٠] ، (وقد تفيده) أي : التحضيض (لو وألا) بالتخفيف ، ذكر ذلك ابن مالك في «التسهيل» نحو : لو تنزل عندنا فتصيب خيرا ، (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) [النور : ٢٢] ، (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا) [التوبة : ١٣].

(وقيل : وترد لو لا وهلا استفهامية ، ولو لا نافية) وجعل من الأول : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [المنافقون ١٠] ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] ، ومن الثاني : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) [يونس : ٩٨].

قال ابن هشام : وأكثرهم لم يذكروا ذلك ، والظاهر أن الأولى للعرض ، والثانية مثل : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) [النور : ١٣] ، والثالثة كذلك ، أي : فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجيء العذاب فنفعها ذلك ، ويؤيده قراءة أبيّ : (فهلا) ، ويلزم من هذا المعنى النفي ؛ لأن التوبيخ يقتضي عدم الوقوع.

(وقال المالقي : لم ترد لو ما إلا للتحضيض) نقله عنه ابن هشام في «المغني».

أما

(أما) بالفتح والتشديد (ويقال) فيها : (أيما) بإبدال ميمها الأولى ياء استثقالا للتضعيف قال :

١٣٢٥ ـ رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت

(الأصح) أنها (حرف بسيط) ، وقيل : مركب من أم وما (معناه مهما يكن من شيء) فهي نائبة عن أداة الشرط وفعل الشرط معا بعد حذفهما ، وقيل : عن فعل الشرط فقط قاله في «البسيط» ، وقال أبو حيان : ما ذكر في معناه هو من حيث صلاحية التقدير ، ولا جائز أن يكون مرادفا له من حيث المعنى ؛ لأن معقولية الحرف مباينة لمعقولية الاسم والفعل

__________________

١٣٢٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٩٤ ، والأزهية ص ١٤٨ ، والأغاني ١ / ٨١ ، ٨٢ ، ٩ / ٨٨ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣١٥ ، ٣٢١ ، ١١ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٧٠ ، وشرح شواهد المغني ص ١٧٤ ، والمحتسب ١ / ٢٨٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٥٥ ، ٥٦ ، والممتع في التصريف ١ / ٣٧٥ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ١٢٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٤.


فتستحيل المرادفة ، ولأن في يكن ضميرا يعود على (مهما) ، وفي الجواب ضمير يعود على الشرط وذلك منتف في أما ، وقال بعض أصحابنا : لو كانت شرطا لكان ما بعدها متوقفا عليها ، وأنت تقول : أما علما فعالم فهو عالم ، ذكرته أو لم تذكره ، بخلاف إن قام زيد قام عمرو فقيام عمرو متوقف على قيام زيد ، وأجيب بأنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه كقوله :

١٣٢٦ ـ من يك ذا بتّ فهذا بتّي

ألا ترى أن بته موجود كان لغيره بت أم لم يكن.

(ومن ثم) أي : من هنا وهو كونها في معنى الشرط ، أي : من أجل ذلك (لزمت الفاء جوابها) فلم تحذف (دون ضرورة ، وكذا دون تقدير قول على الأصح) نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٦] ، لا جائز أن تكون الفاء للعطف ؛ لأن العاطفة لا تعطف الخبر على مبتدئه ، ولا زائدة ؛ إذ لا يصح الاستغناء عنها ، فتعين أنها فاء الجزاء ، وقال أبو حيان : هذه الفاء جاءت في اللفظ خارجة عن قياسها ؛ لأنها لم تجىء رابطة بين جملتين ولا عاطفة مفردا على مثله ، والتعليل بكون أما في معنى الشرط ليس بجيد ؛ لأن جواب مهما يكن من شيء لا تلزم فيه الفاء إذا كان صالحا لأداة الشرط ، والفاء لازمة بعد أما ، كان ما دخلت عليه صالحا لها أم لم يكن ، ألا ترى أنه يقال : مهما يكن من شيء لم أبال به ، ويمتنع ذلك في (أما) ، ويجب ذكر الفاء فدل على أن لزوم الفاء ليس لأجل ذلك انتهى.

وقد تحذف الفاء في الضرورة كقوله :

١٣٢٧ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم

ويجوز حذفها في سعة الكلام إذا كان هناك قول محذوف كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] ، الأصل : فيقال لهم : أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف ، ورب شيء يصحّ تبعا ولا يصح استقلالا ،

__________________

١٣٢٦ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٦.

١٣٢٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص ٤٥ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٢ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٦ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٥٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٣٤ ، والجنى الداني ص ٥٢٤ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٦٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٧ ، وشرح شواهد المغني ص ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٢.


هذا قول الجمهور ، وزعم بعض المتأخرين أن الفاء لا تحذف في غير الضرورة أصلا وأن الجواب في الآية فذوقوا العذاب ، والأصل فيقال لهم : ذوقوا ، فحذف القول وانتقلت الفاء للمقول وأن ما بينهما اعتراض.

(و) من أجل ذلك أيضا (لم يلها فعل) لأنها لما قدرت بمهما يكن وجعلوا لها جوابا تعذر إيلاؤها الفعل من حيث إن فعل الشرط لا يليه فعل إلا إن كان جوابا ، والفرض أن ما بعد الفاء جواب (وتفيد) أما (التفصيل فتكرر غالبا) نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) [البقرة : ٢٦].

قال ابن هشام في «المغني» : والتفصيل غالب أحوالها ، قال : وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر ، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم ، فالأول نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) [النساء : ١٧٥] الآية ، أي : وأما الذين كفروا فلهم كذا وكذا ، والثاني نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) [آل عمران : ٧] الآية ، أي : وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ، ويدل على ذلك : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] إلى آخره.

(و) تفيد (التوكيد) قال في «المغني» : وقل من ذكره ، قال : ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري فإنه قال : فائدة (أما) في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت : أما زيد فذاهب ، وكذلك قال سيبويه في تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، وهذا التفسير يدل بفائدتين : بيان كونه توكيدا ، وأنه في معنى الشرط انتهى.

(وتفصل) أما (من الفاء) بواحد من أربعة أمور : (إما بمبتدأ) كالآيات السابقة ، (أو خبر) نحو : أما في الدار فزيد ، (وقيل : الفصل به قليل) نقله في «المغني» عن الصفار ، (أو معمول لما بعدها) إما صريحا نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ، أو مفسرا نحو : أما زيدا فاضربه ، (قال سيبويه : أو) جملة (شرط) نحو : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقعة : ٨٨ ـ ٨٩] ، الآيات (لا بجملة تامة) لأن هذا التقديم إنما جاز للاضطرار ليحصل الفصل بين أما والفاء ، وذلك حاصل باسم واحد فبقي الزائد على أصله من المنع ؛ إذ الفاء لا يتقدم عليها ما بعدها ، قال أبو حيان : إلا إن كانت للدعاء نحو : أما زيدا رحمك الله فاضرب.

عمل ما بعد الفاء فيما قبلها


(مسألة) يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هنا وفاقا كما تقدم في قوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ، (ثم قال سيبويه : ما جاز عمله بعد حذف أما والفاء) عمل فيما قبل وما لا فلا ، ألا ترى أنك لو حذفت أما والفاء في الآية وقلت : اليتيم لا تقهر لكان جائزا ، بخلاف نحو : أما زيدا فإني ضارب لا يجوز ؛ إذ لو حذفت أما والفاء لم يجز تقدم معمول خبر إن عليها ، وكذا لا يجوز أما درهما فعندي عشرون ؛ إذ المميز لا يعمل فيما قبله وفاقا ، وقال المبرد أوّلا (وابن درستويه) زيادة على ذلك : (وإن) أيضا يعمل ما بعدها فيما قبلها مع أما خاصة نحو : أما زيدا فإني ضارب ، واختاره ابن مالك.

قال أبو حيان : وهذا لم يرد به سماع ولا يقتضيه قياس صحيح ، قال : وقد رجع المبرد إلى مذهب سيبويه فيما حكاه ابن ولاد عنه ، قال الزجاج : رجوعه مكتوب عندي بخطه فلذا لم أحكه عنه في المتن.

(و) قال (الفراء) زيادة على ذلك : (وكل ناسخ) يدخل على المبتدأ من أخوات إن وغيرها نحو : أما زيدا فليتني ضارب ، وأما عمرا فلعلي مكرم ، (وقيل : يختص ذلك بالظرف) والمجرور ؛ للتوسع فيه نحو : أما اليوم فإني ذاهب ، وأما في الدار فإن زيدا جالس ، (وقيل) : زيادة على ذلك ، (و) فعل (التعجب) إذا كان متعديا نحو : أما زيدا فما أزورني له ، قاله الكوفيون وعللوه بأن التعجب محمول على معناه ، والمعنى أما زيدا فأنا أزوره كثيرا ، بخلاف غير المتعدي إذا اتصل بضمير الاسم فلا يجوز أما زيدا فما أحسنه ، نعم يجوز إذا لم يتصل به نحو : أما زيدا فما أحسن.

(ولا تعمل أما في اسم صريح) فلا تنصب المفعول ، (خلافا للكوفية) حيث أجازوه لما فيها من معنى الفعل ، ورد بأن الأسماء الصريحة لا تعمل فيها المعاني ، وبأنه لا يحفظ من كلامهم أما زيدا فعنده عشرون درهما ، ولا أما زيدا فقائم ، (غير الظرف والمجرور والحال) فإنها تعمل فيها وفاقا ؛ لأن هذه الأشياء يعمل فيها ما فيه معنى الفعل.

الحروف غير العاطفة

(الكلام في بقية الحروف غير العاطفة) فإن تلك تأتي في مبحث عطف النسق.

الهمزة

(الهمزة للاستفهام) والمراد به طلب الإفهام ، (وهي الأصل فيه) لكونها حرفا ، بخلاف ما عدا هذه من أدواته فلم تخرج عن موضوعها فلم تستعمل لنفي ولا بمعنى قد ،


بخلاف هل (ومن ثم) أي : من أجل أصالتها فيه (اختصت بالحذف) أي : بجواز حذفها كقوله :

١٣٢٨ ـ طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب

أراد : أو ذو الشيب ، وسائر الأدوات لا تحذف ، (ودخولها على النفي) كما تدخل على الإثبات نحو : ألم يقم زيد ، وغيرها لا يدخل إلا على الإثبات خاصة ، (و) دخولها على (واو العطف وفائه وثم) تنبيها على أصالتها في التصدير نحو : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [الروم : ٩] ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [آل عمران : ٦٥] ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) [يونس : ٥١] ، بخلاف غيرها من الأدوات فلا يتقدم العاطف ، بل يتأخر عنه كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة نحو : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ، (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ) [النساء : ٦٢] ، (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [التكوير ٢٦] ، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [الأنعام : ٩٥] ، (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) [الأنعام : ٨١] ، (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨] ، هذا مذهب سيبويه والجمهور.

(خلافا للزمخشري) حيث قال : إن الهمزة في المواضع السابقة ونحوها في محلها الأصلي ، وإن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف محافظة على إقرار حرف العطف على حاله من غير تقديم ولا تأخير ، فيقدر : امكثوا ولم يسيروا أتجهلون أفلا تعقلون ، قال أبو حيان : وهو تقدير ما لا دليل عليه من غير حاجة إليه ، وقال ابن هشام : يضعفه ما فيه من التكلف وأنه غير مطرد ، (و) دخولها على (الشرط) نحو : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] ، بخلاف (هل) فلا تدخل عليه ، (و) على (إن) نحو : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) [يوسف : ٩٠] بخلاف (هل) ، (وعدم إعادتها بعد أم) يقال : أزيد في الدار أم عمرو وأقام زيد أم قعد ، ولا يجوز أم أعمرو ، ولا أم أقعد بإعادة الهمزة ، كما يعاد الجار بعدها توكيدا في نحو : أعلى زيد غضب أم على عمرو ؛ لأن الهمزة لم تقع بعد حرف العطف تأسيسا ، بل يجب تقديمها عليه كما تقدم فلم تقع بعده تأكيدا ، بخلاف غيرها من الأدوات فإنها تعاد بعد (أم) نحو : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد : ١٦] ، (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) [الملك : ٢٠] ، (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) [الملك : ٢١].

__________________

١٣٢٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في جواهر الأدب ص ٣٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٩.


(وورودها لطلب التصور) نحو : أزيد قائم أم عمرو؟ أدبس في الإناء أم خل؟ (والتصديق) نحو : أزيد قائم؟ وأقام زيد؟ بخلاف (هل) فإنها للتصديق خاصة وبقية الأدوات للتصور خاصة ، (و) ورودها (للتسوية) نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] ، (والإنكار) نحو : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) [الإسراء : ٤٠] ، (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) [ق : ١٥] ، أي : لم يقع ذلك ومدعيه كاذب ، (والتوبيخ) أي : اللوم على ما وقع نحو : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥] ، (والتقرير) أي : حمل المخاطب على الإقرار نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] أي : شرحنا ، (والتهكم) نحو : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) [هود : ٨٧] ، (والأمر) نحو : (أَسْلَمْتُمْ) [آل عمران : ٢٠] ، أي : أسلموا ، (والتعجب) نحو : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] ، (والاستبطاء) نحو : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الحديد : ١٦] ، وسائر الأدوات لا ترد لشيء من ذلك.

الألف اللينة

(الألف اللينة) وهي (التي لا تقبل الحركة ، قال ابن جني : وهذا المسمى لا) الذي يذكر قبل الياء عند عدّ الحروف ، وأنه لم يمكن أن يلفظ به في أول اسمه كما فعل في أخواته ؛ إذ قيل : صاد جيم ، (توصل إلى النطق به باللام) كما توصل إلى اللفظ بلام التعريف بالألف حين قيل في الابتداء : الغلام ليتقارضا ، وأن قول المعلمين : لام ألف خطأ ؛ لأن كلا من اللام والألف قد مضى ذكره ، وليس الغرض بيان كيفية تركيب الحروف ، بل سرد أسماء الحروف البسائط ، قال : وأما قول أبي النجم :

١٣٢٩ ـ أقبلت من عند زياد كالخرف

تخطّ رجلاي بخطّ مختلف

تكتّبان في الطريق لام ألف

فلعله تلقاه من أفواه العامة ؛ لأن الخط ليس له تعلق بالفصاحة انتهى.

وفي حاشية «الكشاف» للتفتازاني : كل الحروف إذا عدت صدر فيها الاسم بالمسمى

__________________

١٣٢٩ ـ الرجز لأبي النجم في خزانة الأدب ١ / ٩٩ ، والخصائص ٣ / ٢٩٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٥١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٥٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٠ ، ولسان العرب ٩ / ٦٢ ، مادة (خرف) ، ومغني اللبيب ١ / ٣٧٠ ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٢٣ ، والكتاب ٣ / ٢٦٦ ، ولسان العرب ١ / ٦٩٨ ، مادة (كتب) ، ٧ / ٢٨٨ ، مادة (خطط) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠٣.


إلا الألف فإنه لا يتأتى فيه ذلك ، (وفي أيتهما الأصل قولان) قال الفراء : الهمزة هي الأصل والألف الساكنة هي الهمزة ترك همزتها ، وقال ابن كيسان : الألف هي الأصل ، وفي حاشية «الكشاف» للتفتازاني قالوا : الألف على ضربين لينة ومتحركة ، فاللينة تسمى ألفا ، والمتحركة تسمى همزة ، والهمزة اسم مستحدث لا أصلي ، وإنما يذكر في التهجي الألف لا الهمزة انتهى.

وهذه الجملة معترضة ، وكذا ما قبلها ، وخبر المبتدأ قولي : (ترد للإنكار جوازا في منتهى المنكور وقفا بعد همزة لم تفصل) كقولك لمن قال : لقيت عمرا : أعمراه ، منكرا لقاءه له ، وشمل المنتهى وصفه والمعطوف عليه كقولك لمن قال : رأيت عمرا الفاضل : أعمرا الفاضلاه ، ولمن قال : رأيت زيدا وعمرا : أزيدا وعمراه ، وذلك غير لازم فلك أن لا تلحق وتقول : أعمرا ، أو عمرا الفاضل ، أو زيدا وعمرا ، فإن وصل المتكلم ولم يقف امتنع الإلحاق نحو : أعمرا يا هذا ، وكذا إن فصلت الهمزة من المنكور نحو : أتقول عمرا ، أو اليوم عمرا.

(وتقلب بعد ضم) واوا (وكسر) ياء للمجانسة كقولك لمن قال : قام عمرو : أعمروه ، ولمن قال : قام زيد الفاضل : أزيد الفاضلوه ، ولمن قال : مررت بالحارث : الحارثيه ، (أو) تقلب بعد (تنوين) مطلقا (ياء) ساكنة بعد كسر التنوين لالتقاء الساكنين ، فيقال في قام زيد : أزيدنيه ، وفي ضربت زيدا : أزيدنيه ، وفي مررت بزيد : أزيدنيه.

(و) ترد (للتذكر كذلك) أي : كالإنكار من الاتصال بمنتهى الكلمة جوازا كقول من أراد أن يقول : رأيت الرجل الفاضل فنسي الفاضل فأراد مد الصوت ليتذكره ؛ إذ لم يرد قطع الكلام رأيت الرجلا ، ومن أراد أن يقول : قام زيد فنسي زيدا قاما ، وفي قلبها واوا بعد ضمة وياء بعد كسرة للمجانسة كقول من أراد أن يقول : يقوم زيد فنسي زيد يقومو ، ومن أراد أن يقول : قد قام فنسي قام قدي ، وتقلب بعد الساكن الصحيح أيضا ياء كقول من أراد أن يقول : لم يضرب زيد فنسي زيد لم يضربي ، بخلاف المعتل فإنه يستغني بمدّه عن مدة التذكر نحو : موسى ، وتفارق مدة الإنكار في أنها لا تلحقها هاء السكت ؛ لأنه غير قاصد للوقف ، وإنما عرض له ما أوجب قطع كلامه وهو طالب لتذكر ما بقي ، بخلاف المنكر.

(و) ترد (فاصلة بين الهمزتين) جوازا نحو : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] ، ولا فرق بين


كون الثانية محققة أو مسهلة ، (و) ترد فاصلة بين (النونين) نون النسوة ونون التوكيد نحو : اضربنانّ وهذه واجبة كما سيأتي ، (و) ترد (لغير ذلك) كمد الصوت للمنادي المستغاث أو المتعجب منه أو المندوب كما تقدم في محله.

ألا

(ألا) بفتح الهمزة والتخفيف (حرف استفتاح وتنبيه) ، وتدخل على الجملتين نحو : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) [البقرة : ١٣] ، (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] ، (وتكثر قبل النداء) كقوله :

١٣٣٠ ـ ألا يا عباد الله قلبي متيّم

(ويقال) فيها : (هلا) بإبدال الهمزة هاء قرئ هلا يا اسجدوا لله [النمل : ٢٥].

ياء التنبيه وهاؤه

(وكهي في التنبيه) يا كهذه الآية (وها) وأكثر استعمالها مع ضمير رفع منفصل نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) [آل عمران : ١١٩] ، ومع اسم الإشارة كهذا زيد ، وتقع مع غيرهما كقول النابغة :

١٣٣١ ـ ها إنّ ذي عذرة إن لا تكن نفعت

فإن صاحبها مشارك النّكد

 (ويلي يا غالبا أمر) كالآية ، وكقوله :

١٣٣٢ ـ ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

(أو ليت) نحو : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس : ٢٦] ، (أو رب) نحو : «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» (٤) ، وقد يليها الجملة الاسمية كقوله :

__________________

١٣٣٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الحيوان ٣ / ٥٢٥ ، وشرح قطر الندى ص ٢٠٢ ، والدرة الفاخرة ١ / ٢٠٠ ، والكامل ص ٥٩٥ ، والحلل لابن السيد ص ١٩٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٦.

١٣٣١ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٨ ، والجنى الداني ص ٣٤٩ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٥٩ ، وشرح المفصل ٨ / ١١٣ ، ولسان العرب ٤ / ٥٤٥ ، مادة (عذر) ، ١٥ / ٤٤٥ ، مادة (تا) ، ١٥ / ٤٧٥ ، مادة (ها) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١١ / ١٩٤ ، ١٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٦٦ ، ٣ / ٧٧٢ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٨٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٧.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب تحريض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صلاة الليل والنوافل ... (١١٢٦).


١٣٣٣ ـ يا لعنة الله والأقوام كلهم

والصّالحين على سمعان من جار

أما

(أما) بالفتح والتخفيف (كألا) ، فهو حرف استفتاح وتنبيه ، (ويكثر قبل القسم) كقوله :

١٣٣٤ ـ أما والذي أبكى وأضحك والّذي

أمات وأحيا والذي أمره الأمر

 (وتبدل همزتها هاء وعينا) فيقال : هما وعما ، (وتحذف) أي : الهمزة فيقال (ما) قال :

١٣٣٥ ـ ما ترى الدّهر قد أباد معدّا

وأباد السّراة من عدنان

 (أو) تحذف (الألف) في الأحوال الثلاثة فيقال : أم وهم وعم لغات ، (و) تكون (بمعنى حقا) وتفتح بعدها أن نحو : أما أنك ذاهب ، وهي حينئذ (اسم) مرادف له ، (أو حرف) قاله ابن خروف ، وجعلها مع أن ومعمولها كلاما تركب من حرف واسم ، كما قال الفارسي في يا زيد ، (أو مركبة) من كلمتين (همزة الاستفهام وما) اسم بمعنى شيء ذلك الشيء حق فالمعنى أحقا ، (وهي) أي : أما حينئذ (نصب على الظرفية) كما انتصب حقا على ذلك في نحو قوله :

١٣٣٦ ـ أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

__________________

١٣٣٢ ـ تقدم الشاهد برقم ٣٥٣ ، ١٠٠١.

١٣٣٣ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٤٤٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٢ ، وتقدم الشاهد برقم (٦٧٧).

١٣٣٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي صخر الهذلي في الأغاني ٢٣ / ٢٨١ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٦٩ ، ٢١٠ ، والشعر والشعراء ٢ / ٥٦٧ ، ولسان العرب ٢ / ١٥٥ ، مادة (رمث) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٧٠ ، وجواهر الأدب ص ٣٣٦ ، ٣٣٨ ، ورصف المباني ص ٩٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٣٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٧.

١٣٣٥ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢٦١ ، والجنى الداني ص ٢٩٣ ، وفيه (قحطان) مكان (عدنان) ، وشرح شذور الذهب ص ١٧٣ ، ومغني اللبيب ١ / ٥٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٧٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢١.

١٣٣٦ ـ البيت من الوافر ، وهو للمفضل النكري في الأصمعيات ص ٢٠٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٧٠ ، ولرجل من عبد القيس ، أو للمفضل بن معشر البكري في تخليص ـ


هذه (أقوال).

قال ابن هشام : الثالث قول سيبويه وهو الصحيح ، (قال المالقي : وترد) أما (للعرض) بمنزلة ألا فتختص بالفعل نحو : أما تقوم أما تقعد ، قال ابن هشام : وقد يدعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري وما نافية.

(تنبيه) : ظاهر كلام ابن هشام في «المغني» أن الاستفتاح والتنبيه في (ألا) و (أما) متلازمان ، حيث جعل التنبيه معناها والاستفتاح مكانها ، وعبارته : إن (ألا) تكون للتنبيه فتدل على تحقق ما بعدها ، ويقول المعربون فيها حرف استفتاح فيبينون مكانها ويهملون معناها ، وإفادتها التحقيق من حيث تركبها من الهمزة (ولا) ، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ، وظاهر كلام ابن مالك وأبي حيان أنهما معنيان مستقلان ، وعبارة «التسهيل» : وقد يعزى التنبيه إلى ألا وأما وهما للاستفتاح مطلقا ، قال أبو حيان في شرحه : في قوله : «وقد يعزى» إشعار بالقلة بمعنى أن الأكثر أن يكونا للاستفتاح مطلقا ، سواء قصد مع ذلك التنبيه أم لم يقصد انتهى.

أي

(أي) بالفتح والسكون حرف (للتفسير بمفرد) نحو : عندي عسجد ، أي : ذهب ، وغضنفر ، أي : أسد ، (فتاليها) عطف (بيان) على ما قبلها (أو بدل) منه ، (وقيل) : عطف (نسق) قاله الكوفيون وصاحبا «المستوفي» و «المفتاح» ، ورد بأنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دائما ، ولا عاطفا ملازما لعطف الشيء على مرادفه ، (و) لتفسير (جملة) أيضا كقوله :

١٣٣٧ ـ وترمينني بالطّرف ، أي : أنت مذنب

(فإن وقعت بعد تقول ، وقبل) فعل (مسند للضمير حكي) الضمير نحو : تقول استكتمته الحديث ، أي : سألته كتمانه ، يقال ذلك بضم التاء ، ولو جئت بإذا مكان أي فتحت فقلت : إذا سألته ؛ لأن (إذا) ظرف ل : (تقول).

__________________

ـ الشواهد ص ٣٥١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٣٥ ، وللعبدي في خزانة الأدب ١٠ / ٢٧٧ ، والكتاب ٣ / ١٣٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٩.

١٣٣٧ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٢٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٩٦٨).


إي

(إي) بالكسر والسكون حرف (للجواب كنعم) فيكون لتصديق المخبر ولإعلام المستخبر ولوعد الطالب ، وتقع بعد قام زيد وهل قام زيد واضرب زيدا ونحوهن ، كما تقع نعم بعدهن (و) تفارق نعم في أنها (لا تقع إلا قبل القسم) كقوله تعالى : (أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) [يونس : ٥٣] ، ونعم تكون مع قسم وغير قسم.

(قال ابن الحاجب : و) لا تقع أيضا إلا (بعد الاستفهام) كالآية ، وغيره لم يذكر ذلك ، وأشار في «المغني» إلى تضعيفه ، وإذا وليها حرف القسم نحو : إي والله فلا يجوز فيها إلا إثبات الياء ، (فإن حذفت) الواو (ووليها) لفظ (الله جاز) فيها (سكون الياء) وحينئذ فيلتقي ساكنان على غير حدهما وهو من المستثنى من قاعدة المنع ، (و) جاز أيضا (فتحها وحذفها) لالتقاء ياء ساكنة مع لام الله.

أجل

(أجل) بسكون اللام حرف (للجواب كنعم) فتكون تصديقا للمخبر وإعلاما للمستخبر ووعدا للطالب ، وتقع بعد نحو : قام زيد وما قام زيد وهل قام زيد واضرب زيدا ولا تضرب زيدا ، (وخصها قوم بالخبر) دون الاستفهام والطلب وعليه الزمخشري وابن مالك ، (و) خصها (ابن خروف) به (في الغالب) قال : أكثر ما تكون بعده ، (و) خصها (المالقي بغير النفي والنهي) وجعلها للخبر المثبت والطلب بغير النهي ، (و) خصها (بعضهم بغير الاستفهام) أي : بالخبر والطلب ، وقال : لا تجيء بعد الاستفهام ، وعن الأخفش هي بعد الخبر أحسن من (نعم) ، و (نعم) بعد الاستفهام أحسن منها.

بجل

(بجل) حرف (له) أي : للجواب كنعم واسم فعل (بمعنى يكفي و) اسم (مرادف لحسب) ويقال على الأول : بجلني ، وهو نادر ، وعلى الثاني : بجلي ، قال :

١٣٣٨ ـ ألا بجلي من الشّراب ألا بجل

بلى

(بلى) حرف مرتجل (له) أي : للجواب أصلي الألف (وليس أصلها ، بل) العاطفة بعد

__________________

١٣٣٨ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.


النفي في الفعل (والألف زائدة) عليها دخلت للإيجاب ، وقيل : للإضراب (أو للتأنيث ، خلافا لزاعمه) استدل قائل الأول بلزوم كون ما قبلها منفيا أبدا ، والثاني بإمالتها وكتابتها بالياء ، والقياس على تأنيث (رب) وثم ونحوهما بالتاء ، (وتختص بالنفي وتثبته) سواء كان مجردا نحو : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى) [التغابن ٧] ، أو مقرونا بالاستفهام حقيقيا كان نحو : أليس زيد بقائم ، فيقال : بلى ، أو توبيخا نحو : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٣ ـ ٤] ، أو تقريريا نحو : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، أجري النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده (ببلى) ، ولذلك قال ابن عباس وغيره : لو قالوا : نعم كفروا ، ووجهه أن (نعم) تصديق للخبر بنفي أو إيجاب ، وأما وقوعها بعد الاستفهام المثبت في حديث : «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟» (١) قالوا : بلى ، فهو إما قليل ، أو من تغيير الرواة كما تقرر في غير ما موضع.

جلل

(جلل) حرف (له) أي : للجواب (كنعم ، حكاه الزجاج) في كتاب الشجرة ، (ويرد اسما بمعنى عظيم) قال :

١٣٣٩ ـ قومي هم قتلوا أميم أخي

فإذا رميت يصيبني سهمي

ولئن عفوت لأعفون جللا

ولئن سطوت لأوهنن عظمي

 (و) بمعنى (حقير) قال امرؤ القيس وقد قتلوا أباه :

١٣٤٠ ـ ألا كلّ شيء سواه جلل

__________________

١٣٣٩ ـ البيتان من الكامل ، وهما للحارث بن وعلة في سمط اللآلي ص ٣٠٥ ، ٥٨٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٠٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٦٣ ، ولسان العرب ١١ / ١١٨ ، مادة (جلل) ، والمؤتلف والمختلف ص ١٩٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٢٣ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٥٣ ، مادة (وهن) ، ومغني اللبيب ص ١٢٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٥.

١٣٤٠ ـ البيت من المتقارب ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٦١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٤ ، ولسان العرب ١١ / ١١٧ ، مادة (جلل) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ١٢٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٠.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب كيف الحشر (٦٥٢٨) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة (٢٢١).


(و) بمعنى (أجل) قالوا : فعلت ذلك من جللك ، أي : من أجلك ، وقال جميل:

١٣٤١ ـ رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الغداة من جلله

قيل : أراد من أجله ، وقيل : أراد من عظمه في عيني.

جير

(جير بالكسر) على أصل التقاء الساكنين كأمس ، (والفتح) للتخفيف كأين وكيف حرف (له) أي : للجواب (كنعم) قال في «المغني» : لا اسم بمعنى حقا فيكون مصدرا ، ولا بمعنى (أبدا) فيكون ظرفا ، وإلا لأعربت ودخل عليها (أل) ، ولم تؤكد (أجل) في قوله :

١٣٤٢ ـ أجل جير إن كانت رواء أسافله

ولا قوبل بها (لا) في قوله :

١٣٤٣ ـ إذا تقول لابنة العجير

تصدق لا إذا تقول جير

وأما قوله :

١٣٤٤ ـ وقائلة : أسيت؟ فقلت ، جير

فالتنوين فيه للترنم وهو غير مختص بالاسم انتهى.

وفي شرح «التسهيل» لأبي حيان : جير من حروف الجواب فيها خلاف أهي اسم أو حرف؟.

السين وسوف

(السين وسوف) كلاهما (للتنفيس) أي : تخليص المضارع من الزمن الضيق وهو الحال إلى الزمان الواسع وهو الاستقبال ، (قال البصرية : وزمانه مع السين أضيق منه) مع سوف نظرا إلى أن كثرة الحروف تفيد مبالغة في المعنى ، والكوفيون أنكروا ذلك ، ورده ابن مالك بتعاقبهما على المعنى الواحد في الوقت الواحد ، قال تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ

__________________

١٣٤١ ـ تقدم الشاهد برقم (٩٨٧) ، (١١٤٣).

١٣٤٢ ـ تقدم تخريج الشاهد برقم (١٢٠٢).

١٣٤٣ ـ تقدم تخريج الشاهد برقم (١٢٠٣).

١٣٤٤ ـ تقدم تخريج الشاهد برقم (١٢٠٠).


الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٤٦] ، (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٦٢] ، (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [النبأ : ٤] ، (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٤] ، وقال الشاعر :

١٣٤٥ ـ وما حالة إلّا سيصرف حالها

إلى حالة أخرى وسوف تزول

وبالقياس على الماضي فإن الماضي والمستقبل متقابلان ، فكما أن الماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب أو بعد ، فكذلك المستقبل ، قلت : وهو ممنوع فإن الماضي أيضا فرقوا فيه ، وقالوا : إن (قد) تقربه من الحال ، (قيل : والاستمرار) ذكره بعضهم في (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) [البقرة : ١٤٢] الآية ، مدعيا أن ذلك إنما نزل بعد قوله : (ما وَلَّاهُمْ) [البقرة : ١٤٢] ، فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال ، قال في «المغني» : وهذا لا يعرفه النحويون وما ذكره من أن الآية نزلت بعد قوله : (ما وَلَّاهُمْ) غير موافق عليه.

(وتختص سوف خلافا للسيرافي بدخول اللام) نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضّحى : ٥] ، (و) بجواز (فصلها بالفعل ملغى) نحو :

١٣٤٦ ـ وما أدري وسوف إخال أدري

والأمران ممتنعان في السين ، وجوزهما السيرافي فيها أيضا.

(وسو) بحذف الفاء (وسي) بحذفها وقلب الواو ياء مبالغة في التخفيف ، (وسف) بحذف الوسط (لغات) حكاها الكوفيون قال الشاعر :

١٣٤٧ ـ فإن أهلك فسو تجدون فقدي

(وقيل) : إن هذا الحذف بوجوهه (ضرورة) خاص بالشعر لا لغة ، (وليست السين مقتطعة منها) أي : من سوف ، بل هي أصل برأسها (على الأصح) لأن الأصل عدم الاقتطاع ، وقيل : إنها فرعها ومقتطعة منها ، ورجحه ابن مالك ، ورد بأنها لو كانت فرعا لها لساوتها في المدة ، ولكانت أقل استعمالا منها ، وأجيب عن الأول بالتزامه كما تقدم ،

__________________

١٣٤٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٨.

١٣٤٦ ـ البيت من الوافر ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٧ ، وتقدم الشاهد برقم (٥٩٩) ، (٩٦٣).

١٣٤٧ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٥٨ ، ورصف المباني ص ٣٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧٦.


وعن الثاني بأن الفرع قد يفوق الأصل كنعم وبئس فإنهما فرعا محرك العين وهما أكثر استعمالا.

قد

(قد حرف يختص بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد) من جازم وناصب وحرف تنفيس ، فلا يدخل على الجامد كعسى وليس ، ولا الإنشائي كنعم وبئس ، ولا المنفي ولا المقترن بما ذكر ، (و) هي معه كالجزء ، ومن ثم (لا يفصل منه بشيء) فيقبح أن يقال : قد زيدا رأيت (إلا بقسم) كقوله :

١٣٤٨ ـ أخالد قد والله أوطأت عشوة

وسمع : (قد لعمري بت ساهرا) ، و (قد والله أحسنت) ، (وتكون للتوقع) من المضارع كقولك : قد يقدم الغائب اليوم إذا كنت تتوقع قدومه.

ومع الماضي قال الخليل : يقال : قد فعل لقوم ينتظرون الخبر ، ومنه قول المؤذن : قد قامت الصلاة ؛ لأن الجماعة منتظرون لذلك ، وفي التنزيل : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) [المجادلة : ١] ؛ لأنها كانت تتوقع إجابة الله عزوجل لدعائها ، (وقيل) : لا تكون له (مع الماضي) ، بل مع المضارع خاصة ؛ لأن التوقع انتظار الوقوع والماضي قد وقع.

(وأنكره ابن هشام) في «المغني» (مطلقا) فقال : والذي يظهر لي قول ثالث وهو أنها لا تفيد التوقع أصلا ، أما في المضارع فلأن قولك يقدم الغائب يفيد التوقع بدون (قد) ؛ إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له ، وأما في الماضي فلأنه لو صح إثبات التوقع لها بمعنى أنها تدخل على ما هو متوقع لصح أن يقال في لا رجل بالفتح : إن لا للاستفهام ؛ لأنها لا تدخل إلا جوابا لمن قال : هل من رجل ونحوه ، فالذي بعد (لا) يستفهم عنه من جهة شخص آخر كما أن الماضي بعد (قد) متوقع كذلك ، قال : وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة فإنه قال : إنها تدخل على ماض متوقع ، ولم يقل إنها تفيد التوقع ولم يتعرض للتوقع في الداخلة على المضارع البتة ، وهذا هو الحق انتهى.

وقال أبو حيان في شرح «التسهيل» : لا يتحقق التوقع في (قد) مع دخوله على

__________________

١٣٤٨ ـ البيت من الطويل ، وتقدم الشاهد برقم (٩١٤) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٦.


الماضي ؛ لأنه لا يتوقع إلا المنتظر ، وهذا قد وقع والذي تلقفناه من أفواه الشيوخ بالأندلس أنها حرف تحقيق إذا دخلت على الماضي ، وحرف توقع إذا دخلت على المستقبل ، إلا إن عني بالتوقع أنه كان متوقعا ثم صار ماضيا.

(و) تكون (لتقريب الماضي من الحال) تقول : قام زيد فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد ، فإذا قلت : قد قام اختص بالقريب ، (والتقليل مع المضارع) نحو : قد يصدق الكذوب ، وقد يجود البخيل ، (والتحقيق معهما) مثاله مع الماضي : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] ، ومع المضارع : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [النور : ٦٤] ، (قال سيبويه : والتكثير) كقوله :

١٣٤٩ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله

كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد

 (و) قال (ابن سيده : والنفي) وحكي : (قد كنت في خير فتعرفه) بنصب (تعرف) ، وأشار إليه في التسهيل بقوله : وربما نفي بقد فنصب الجواب.

قال ابن هشام : ومحله عندي على خلاف ما ذكر وهو أن يكون كقولك للكذوب : هو رجل صادق ، ثم جاء النصب بعدها نظرا إلى المعنى ، قال : وإن كانا إنما حكما بالنفي لثبوت النصب فغير مستقيم لمجيء قوله :

١٣٥٠ ـ وألحق بالحجاز فأستريحا

وقراءة بعضهم : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [الأنبياء : ١٨] بالنصب.

كل

(كل اسم) موضوع (لاستغراق أفراد المنكر) نحو : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، (والمعرف المجموع) نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) [مريم : ٩٥] ، (وأجزاء المفرد المعرف) نحو : كل زيد حسن ، (وتقع توكيدا ، وسيأتي) في مبحث التأكيد في الكتاب الخامس ، (ونعتا دالا على الكمال) لنكرة أو معرفة (فتضاف حتما لظاهر مماثلة لفظا

__________________

١٣٤٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ٦٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥٣ ، ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٦٨ ، ولعبيد بن الأبرص أو للهذلي في شرح شواهد المغني ص ٤٩٤ ، وللهذلي في الأزهية ٢١٢ ، والجنى الداني ص ٢٥٩ ، وشرح المفصل ٨ / ١٤٧ ، والكتاب ٤ / ٢٢٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٣٧.

١٣٥٠ ـ تقدم الشاهد برقم (٢١٠) ، (١٠٢٢).


ومعنى) نحو : أطعمنا شاة كل شاة ، وقوله :

١٣٥١ ـ وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد

 (قيل : ومعنى فقط وتالية للعوامل فتضاف للظاهر) نحو : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨] ، (أو ضمير محذوف) نحو : (كُلًّا هَدَيْنا) [الأنعام : ٨٤] ، أي : كلهم ، (فإن أضيف لضمير مذكور لم يعمل فيها غير الابتداء غالبا) نحو : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤] فيمن رفع كله ، (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) [مريم : ٩٥] ، ومن القليل قوله :

١٣٥٢ ـ يميد إذا مادت عليه دلاؤهم

فيصدر عنه كلّنا وهو ناهل

 (وقيل : دائما ، ثم إن أضيفت لمعرفة روعي في ضميرها المعنى أو اللفظ) ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٩٣ ـ ٩٥] (وأوجبه) أي : مراعاة اللفظ (ابن هشام) فقال في «المغني» : والصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردا مذكرا على لفظها نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) [مريم : ٩٥] ، (كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [:] ، «كلكم جائع إلا من أطعمته» (٤) ، وقوله : «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» (٥) ، و «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (٦) ، و «كلنا لك عبد» (٧) ، وأما الآية الأولى فجملة (لقد أحصاهم) أجيب بها القسم وليست خبرا عن (كل) ، وضميرها راجع ل : (من) لا لكل ، (أو) أضيفت (إلى نكرة ، فثالثها) أي : الأقوال (وهو المختار وفاقا له)

__________________

١٣٥١ ـ البيت من الطويل ، وهو للأشهب بن رميلة في خزانة الأدب ٦ / ٧ ، ٢٥ ، ٢٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٧ ، وتقدم برقم (٩٣).

١٣٥٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٥٠٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧٥ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٥٢١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٩٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١١.

(١) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم الظلم (٢٥٧٧).

(٢) أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة ، باب فضل الوضوء (٢٢٣).

(٣) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب الجمعة في القرى والمدن (٨٩٣) ، ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر (١٨٢٩).

(٤) أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (٤٧٧) ، وأبو داود ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (٨٣٧).


أي : لابن هشام (إن نسب الحكم لكل فرد فاللفظ) نحو : كل رجل يشبعه رغيفان (أو) نسب (للمجموع فالمعنى) نحو : كل رجل قائمون ، أي : مجموع الرجال ، وأول الأقوال وعليه ابن مالك وجوب مراعاة المعنى مطلقا فلذلك جاء الضمير مفردا مذكرا في نحو : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [القمر : ٥٢] ، ومفردا مؤنثا نحو : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨] ، ومثنى في نحو :

١٣٥٣ ـ وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما

تعاطى القنا قوماهما أخوان

ومجموعا مذكرا في نحو : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢] ، ومجموعا مؤنثا في نحو :

١٣٥٤ ـ وكلّ مصيبات الزّمان وجدتها

سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب

والثاني : وعليه أبو حيان جواز الأمرين مطلقا كقوله :

١٣٥٥ ـ جادت عليه كلّ عين ثرّة

فتركن كلّ حديقة كالدّرهم

فقال : تركن ، ولم يقل : تركت ، فدل على جواز كل رجل قائم وقائمون ، (أو قطعت) عن الإضافة لفظا (فجوزهما) أي : مراعاة اللفظ والمعنى (أبو حيان) مثال اللفظ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء : ٨٤] ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ، ومثال المعنى : (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) [الأنفال : ٥٤].

(وقال ابن هشام) في «المغني» : الصواب أنه (إن قدر) المنوي (مفردا نكرة وجب الإفراد) كما لو صرح بالمفرد ، (أو) قدر (جمعا معرفا فالجمع) واجب ، وإن كانت المعرفة

__________________

١٣٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣٢٩ ، وخزانة الأدب ٧ / ٥٧٢ ، ٥٧٣ ، ٥٧٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٣٦ ، ولسان العرب ٥ / ٤٢٤ ، مادة (يدي) ، ومغني اللبيب ١ / ١٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٣.

١٣٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لقيس بن ذريح في ديوانه ص ٦٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٣٨ ، ومجالس ثعلب ص ٢٨٦ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ١٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١٩ ، وتقدم عرضا مع الشاهد (١٣٥٤).

١٣٥٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لعنترة في ديوانه ص ١٩٦ ، وجمهرة اللغة ص ٨٢ ، ٩٧ ، والحيوان ٣ / ٣١٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٨٨١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٠ ، ٢ / ٥٤١ ، ولسان العرب ٤ / ١٠١ ، مادة (ثرر) ، ١٨٢ ، مادة (حرر) ، ١٠ / ٣٩ ، مادة (حرق) ، ومغني اللبيب ١ / ١٩٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٠ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٢٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٨.


لو ذكرت لوجب الإفراد ، ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما ، فالأول نحو : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الاسراء : ٨٤] ، (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨٥] ، (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور : ٤١] ، والثاني نحو : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ١١٦] ، (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣] ، (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧].

(مسألة) قال البيانيون : (إذا وقعت) كل (في حيز النفي توجه) النفي (إلى الشمول) خاصة ، (وأفاد) بمفهومه (ثبوت الفعل لبعض الأفراد) كقولك : ما جاء كل القوم ، ولم آخذ كل الدراهم ، وكل الدراهم آخذ ، وقوله :

١٣٥٦ ـ ما كلّ رأي الفتى يدعو إلى رشد

(أو وقع النفي) في (حيزها توجه إلى كل فرد) نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قال له ذو اليدين : أنسيت أم قصرت الصلاة؟ : «كل ذلك لم يكن» (٢).

كلما

(كلما ظرف يقتضي التكرار مركب من كل وما المصدرية أو النكرة) التي بمعنى وقت ، ومن هنا جاءتها الظرفية كقوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) [البقرة : ٢٥] ، فإما أن يكون الأصل كل رزق ، ثم عبر عن معنى المصدر بما والفعل ثم أنبأ عن الزمان ، أي : كل وقت رزق ، كما أنيب عنه المصدر الصريح في جئتك خفوق النجم ، أو يكون التقدير كل وقت رزقوا فيه ، فحذف العائد ولا يحتاج في هذا إلى تقدير وقت (وناصبه) الفعل الذي هو (جوابه في المعنى) مثل قالوا في الآية ، (قال أبو حيان : ولا يكون تاليه وجوابه إلا فعلا ماضيا).

كلا

(كلا : الأكثر) على أنها (بسيطة) وقال ثعلب : هي مركبة من كاف التشبيه ولا النافية ، قال : وإنما شددت لامها لتقوية المعنى ، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين ، قال أبو حيان : وهذه دعوى لا يقوم عليها دليل ، (و) الأكثر على (أنها حرف ردع وزجر) لا معنى لها

__________________

١٣٥٦ ـ الشطر من البسيط ، وهو بلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ٢٠٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣١٤.

(١) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٣).


عندهم إلا ذلك ، حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها والابتداء بما بعدها ، وحتى قال جماعة منهم : متى سمعت (كلا) في سورةفاحكم بأنها مكية ؛ لأنه فيها معنى التهديد والوعيد ، وأكثر ما نزل ذلك بمكة ؛ لأن أكثر العتو كان بها.

(وزاد) لها (قوم) لما رأوا أن معنى الردع والزجر ليس مستمرا فيها معنى (ثانيا) يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بها ، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى (فالكسائي) قال : تكون (بمعنى حقا) أيضا (وزعمها مكي اسما حينئذ كمرادفها) ، ولأنها تنون في قراءة بعضهم : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم : ٨٢] ، وغيره قال : اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية قليل ومخالف للأصل ، ومحوج لتكلف دعوى علة لبنائها ، وخرج التنوين في الآية على أنه بدل من حرف الإطلاق المزيد في رؤوس الآي ، ثم إنه وصل بنية الوقف ، (وأبو حاتم) قال : تكون بمعنى (ألا) الاستفتاحية ، قال أبو حيان : ولم يتقدمه إلى ذلك أحد ، ووافقه على ذلك الزجاج وغيره ، (والنضر) ابن شميل قال : (تكون بمعنى إي) فتكون حرف تصديق ، وتستعمل مع القسم وخرج عليه قوله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ) [المدثر : ٣٢] ، فقال : معناه : إي والقمر.

قال ابن هشام : وقول أبي حاتم عندي أولى من قول الكسائي والنضر ؛ لأنه أكثر اطرادا ، فإن قول النضر لا يتأتى في قوله : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ) [المؤمنون : ١٠٠] ، وقوله : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦٢] ؛ لأنها لو كانت فيهما بمعنى إي لكانت للوعد بالرجوع وللتصديق بالإدراك ، وقول الكسائي لا يتأتى في نحو : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) [المطففين : ١٨] ؛ لأن إن تكسر بعد ألا الاستفتاحية ، ولا تكسر بعد حقا ولا بعد ما كان بمعناها ، قال أبو حيان : وذهب الفراء وأبو عبد الرحمن اليزيدي ومحمد بن سعدان إلى أن كلا بمنزلة سوف ، قال : وهذا مذهب غريب.

كم

(كم) على وجهين (خبرية بمعنى كثير ، واستفهامية بمعنى أيّ عدد ، لا لقلة ولا كثرة ، ولا هي حرف ولا مركبة ، خلافا لزاعمي ذلك) ، بل هي اسم بسيط ، وضعت مبهمة تقبل قليل العدد وكثيره ، والدليل على اسميتها دخول حرف الجر عليها والإضافة إليها ، وعود الضمير عليها ، وذهب بعضهم فيما حكاه صاحب «البسيط» إلى أن الخبرية حرف للتكثير في مقابلة (رب) الدالة على التقليل ، وذهب الكسائي والفراء إلى أن (كم) بوجهيها مركبة من (كاف) التشبيه و (ما) الاستفهامية ، وحذفت ألفها كما تحذف مع سائر حروف الجر نحو :


بم ولم وعم ، وكثر الاستعمال لها فأسكنت وحدث لها بالتركيب معنى غير الذي كان لكل واحد من مفرديها ، كما قاله النحويون في لو لا وهلا.

وزعم بعضهم على أن الاستفهامية للتكثير (وتقع) كم في حالتيها (مبتدأ) قال بعضهم : وجاز الابتداء بالخبرية وإن كانت نكرة مجهولة حملا على الاستفهامية ، (فيقبح الإخبار عنها بمعرفة وظرف ، ويمنع بمؤقت) ، وإنما يحسن بنكرة ، نحو : كم رجل قام أو زارك وكم غلاما دخل في ملكك ، (و) تقع (معمول ناسخ يعمل فيما قبله) ككان وظن ، نحو : كم كان مالك وكم ظننت إخوتك ، بخلاف ناسخ لا يعمل فيما قبله ك : (ما) وإن وأخواتها.

(و) تقع (خبرا) للمبتدأ نحو : كم دراهمك ، أو ل : (كان) نحو : كم كان غلمان قومك ، (ومفعولا به) نحو : كم غلاما اشتريت ، ومجرورة بحرف تعلق بتاليها نحو : بكم درهما اشتريت ثوبك ، وبكم جارية عتقت ، (ومضافة ، قيل : إن كان) ذلك المضاف (معمولا له) أي : لتاليها ، نحو : غلام كم رجل ضربت ، ورقبة كم أسير فككت ، فإن غلاما معمول لضربت ، ورقبة معمول لفككت ، بخلاف غلام كم رجل قام أو أتاك ، غلام كم رجل دخل في ملكك ، قال أبو حيان : وهذا الشرط شرطه بعض أصحابنا ولا أراه ، بل أرى جواز الصورتين الأخيرتين.

ولا فرق بين (كم) والمضاف إليها فكما أن (كم) تقع مبتدأة في كم رجل قام أو أتاك وفي كم غلاما دخل في ملكك ، فكذلك ما أضيف إليها ، (وظرفا) نحو : كم ميلا سرت وكم يوما صمت ، (ومصدرا) نحو : كم ضربة ضربت زيدا ، (وقيل : ومفعولا له) نحو : لكم إكراما لك وصلت ، قاله ابن هشام الخضراوي ، قال : ولا بد من حرف العلة ؛ لأنه لا يحذف إلا في لفظ المصدر ، قال أبو حيان : ولا نعلم أحدا نص على جواز ذلك غيره ، (وقد توقف أبو عبد الله) السوسي (الرعيني) من نحاة تونس في إجازة ذلك ، (ولا) تقع مفعولا (معه) لأنه لا يتقدم.

(وجواب) كم (الاستفهامية يجوز رفعه) ، وإن اختلف محل كم من النصب والرفع والجر ، (والأولى) فيه (مراعاة محلها) فيجري على حسبه إن رفعا فرفع ، وإن نصبا فنصب ، وإن جرا فجر ، مثال ذلك كم عبدا دخل في ملكك ، وكم عبدا اشتريت ، وبكم عبدا استعنت ، فجواب هذه كلها على الأول أن تقول : عشرون عبدا ، وعلى الثاني أن تقول في المثال الأول : عشرون ، وفي الثاني : عشرين ، وفي الثالث : بعشرين.


كأين

(كأين اسم ككم) في المعنى (مركب من كاف التشبيه و) أيّ الاستفهامية المنونة ، وحكيت ولهذا جاز الوقف عليها بالنون ؛ لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية ، ولهذا رسم في المصحف نونا ، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمه في الأصل وهو الحذف في الوقف ، وقيل : الكاف فيها هي (الزائدة) ، قال ابن عصفور : ألا ترى أنك لا تريد بها معنى تشبيه ، قال : وهي مع ذلك لازمة كلزوم (ما) الزائدة في (لا سيما) ، وغير متعلقة بشيء كسائر حروف الجر الزوائد ، وأي مجرور بها ، (وقيل) : هي (اسم بسيط) واختاره أبو حيان قال : ويدل على ذلك تلاعب العرب بها في اللغات الآتية ، (وإفادتها للاستفهام نادر) ، والغالب وقوعها خبرية بمعنى كثير نحو : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها) [العنكبوت : ٦٠] ، ومثالها استفهامية قولك : بكأين تبيع هذا الثوب؟ كذا مثله ابن عصفور ، ومثله ابن مالك بقول أبيّ لابن مسعود : كأين تقرأ سورةالأحزاب آية؟ فقال : ثلاثا وسبعين (١) ، (ومن ثم) أي : من أجل أن إفادتها للاستفهام نادر (أنكره الجمهور) فقالوا : لا تقع استفهامية البتة.

(وتلزم الصدر فلا تجر ، خلافا لابن قتيبة وابن عصفور) حيث ذكرا أنها يدخل عليها حرف الجر في المثال السابق ، قال أبو حيان : ويحتاج دخول حرف الجر عليها إلى سماع ، ولا ينبغي القياس على (كم) الخبرية ؛ لأن ذلك يقتضي أن يضاف إليها ككم ، ولا يحفظ من كلامهم.

(ولا يخبر عنها) إذا وقعت مبتدأ (إلا بجملة فعلية) مصدرة بماض أو مضارع نحو : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ) [آل عمران : ١٤٦] ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها) [يوسف : ١٠٥] ، قال أبو حيان : قد استقرأت ما وقعت فيه فوجدت الخبر فيه لا يكون إلا كذلك ، ولم أقف على كونه اسما مفردا ولا جملة اسمية ولا فعلية مصدرة بمستقبل ، ولا ظرفا ولا مجرورا فينبغي ألا يقدم على شيء من ذلك إلا بسماع من العرب ، قال : والقياس يقتضي أن يكون في موضع نصب على المصدر أو الظرف أو خبر كان ، كما كان ذلك في (كم) ، وفي «البسيط» : أنها تكون مبتدأ وخبرا ومفعولا ، (ويقال) فيها : (كائن) بالمد بوزن اسم الفاعل من كأن ساكنة النون ، وبذلك قرأ ابن كثير ، وقال الشاعر :

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده (٢٠٧٠٢).


١٣٥٧ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يراني لو أصبت هو المصابا

(وكئن) بالقصر بوزن عم ، (وكأي) بوزن رمي وبه قرأ ابن محيصن ، (وكيء) بتقديم الياء على الهمزة ، قال أبو حيان : وهذه اللغات الثلاث نقلها النحويون ، ولم ينشدوا فيها شعرا فيما علمت.

كذا

(كذا اسم مركب) من (كاف) التشبيه و (ذا) اسم إشارة ، وهو بعد التركيب (كناية عن عدد) مبهم (ككم) الخبرية ، (لكن) يفارقها في أنها (ليس لها الصدر) تقول قبضت كذا وكذا درهما ، (و) في أنها (الغالب) في استعمالها (تكرارها بالعطف) عليها كالمثال ، (وأوجبه ابن خروف) فقال : إنهم لم يقولوا كذا درهما ولا كذا كذا درهما ، وذكر ابن مالك أنه مسموع ولكنه قليل.

(وتتصرف) بوجوه الإعراب فتكون في موضع رفع وفي موضع نصب وفي موضع جر بالإضافة والجر ، ولا تقتصر على إعراب خاص ، (ولا تتبع) بتابع لا بنعت ولا عطف بيان ولا تأكيد ولا بدل ، (ولا محل لكافها) من الإعراب فلا تتعلق بشيء ؛ لأن التركيب أخرجها عن ذلك ، ومن النحويين من حكم على موضع الكاف بالإعراب وجعلها اسما مبتدأ كمثل.

(وثالثها) : هي (زائدة) لازمة فرارا من التركيب ؛ إذ لا معنى للتشبيه فيها وذا مجرورة بها كما في كائن سواء ، وقائل ذلك فيهما واحد وهو ابن عصفور.

لا

(لا) حرف (للجواب نقيض نعم) وهذه تحذف الجمل بعدها كثيرا ، تقول : أجاءك زيد؟ فيقال : لا ، والأصل لا لم يجئ.

نعم

(نعم) بفتح النون والعين في أشهر اللغات ، (وكسر عينها) مع فتح النون لغة لكنانة ، وبها قرأ الكسائي ، (و) كسر (نونها) مع كسر العين إتباعا لغة لبعضهم حكاها في

__________________

١٣٥٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لجرير في خزانة الأدب ٥ / ٣٩٧ ، ٤٠١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢ ، وتقدم برقم (١٨٩).


«المغني» ، (وإبدالها) أي : العين (حاء) فيقال : نحم (لغة) حكاها النضر بن شميل ، وفي «المغني» أن ابن مسعود قرأ بها ، قال أبو حيان : لأن الحاء تلي العين في المخرج وهي أخف من العين ؛ لأنها أقرب إلى حروف الفم.

حرف (للجواب تصديقا لمخبر) كقولك لمن قال : قام زيد ، أو ما قام زيد : نعم ، (وإعلاما لمستخبر) كقولك لمن قال : هل جاء زيد؟ نعم ، وفي التنزيل : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [الأعراف : ٤٤] ، (ووعدا لطالب) كقولك لمن قال : اضرب زيدا : نعم ، وكذا لمن قال : لا تضرب زيدا ، وهلا تفعل ، (وتكون بعد إيجاب) نحو : قام زيد فيقال : نعم ، (و) بعد (نفي) نحو : ما قام زيد فيقال : نعم ، (و) بعد (سؤال عنهما) نحو : أكان كذا؟ وأما قام زيد؟ فيقال : نعم ، فهي في الموجب والسؤال عنه تصديق في الثبوت ، وفي المنفي والسؤال عنه تصديق النفي.

(قيل : وترد للتذكير) بما بعدها ، وذلك إذا وقعت صدرا لجملة بعدها كقولك : نعم هذه أطلالهم.

قال ابن هشام : والحق أنها في ذلك حرف إعلام ، وأنها جواب لسؤال مقدر ، وقال أبو حيان : هي فيه تصديق لما بعدها وقدمت ، قال : والتقديم أولى من ادعاء معنى لم يثبت لها.

هل

(هل ويقال) فيها : (أل) بإبدال هائها همزة (لطلب التصديق) نحو : هل قام زيد وهل زيد قائم ، (وباقي الأدوات للتصور) نحو : من جاءك متى تقوم ، (وتختص) عن الهمزة (بورودها للجحد) أي : يراد بالاستفهام بها النفي ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إلا في نحو : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠] ، والباء في قوله :

١٣٥٨ ـ ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وصح العطف في قوله :

__________________

١٣٥٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٨٦٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٢ ، وتقدم الشاهد برقم (٤٥١).


١٣٥٩ ـ وإنّ شفائي عبرة مهراقة

وهل عند رسم دارس من معوّل

إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر ، والهمزة لا ترد لذلك.

(و) تختص (بعدم دخولها على اسم بعده فعل اختيارا) ولذلك وجب النصب في نحو : هل زيدا ضربته ؛ لأن (هل) إذا كان في حيزها فعل وجب إيلاؤها إياه ، فلا يقال : هل زيد قام؟ إلا في ضرورة قال :

١٣٦٠ ـ أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

قال أبو حيان : ويمتنع حينئذ أن تكون مبتدأ وخبرا ، بل يجب حمله على إضمار فعل ، قال : وسبب ذلك أن (هل) في الجملة الفعلية مثل (قد) ، فكما أن (قد) لا تليها الجملة الابتدائية فكذلك (هل) ، بخلاف الهمزة فتدخل على اسم بعده فعل اختيارا نحو : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤] ، وتقول : أزيد قام على الابتداء والخبر ؛ لأنها أمّ أدوات الاستفهام فاتسع فيها.

(وجوزه) أي : دخول (هل) على اسم بعده فعل في الاختيار (الكسائي) فأجاز هل زيد قام جوازا حسنا ؛ لأنهم أجازوا هل زيد قائم وابتدؤوا بعدها الأسماء ، فكذا مع وجود الفعل ، ورد بأنهم ضعفوا بناءه على الفعل مع حضوره فالابتداء أحرى.

(قيل : وترد للتسوية) كما ترد الهمزة نحو : علمت هل قام زيد أم عمرو ، قال أبو حيان : كذا زعم بعضهم ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب ، والمعروف أن ذلك مما تفرد به الهمزة.

(قيل : والتقرير) قال أبو حيان : والمعروف أن ذلك للهمزة دون هل (قال) الجلال (القزويني) : في بعض (والتمني) في بعض ، وقال المبرد في «المقتضب» : وترد (بمعنى

__________________

١٣٥٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٩ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٨ ، ٥ / ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ١١ / ٢٩٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٢ ، والكتاب ٢ / ١٤٢ ، ولسان العرب ١١ / ٤٨٥ ، مادة (عول) ، ٧٠٩ ، مادة (هلل) ، والمنصف ٣ / ٤٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٩.

١٣٦٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٥٠ ، والأزهية ص ١٢٨ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٤٩ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٦٠٠ ، ١٦٠١ ، والكتاب ٣ / ١٧٨ ، ولسان العرب ١٢ / ٣٧ ، مادة (أمم) ، واللمع ص ١٨٢ ، والمحتسب ٢ / ٢٩١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٩.


قد) ، وبذلك فسر قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] ، قال جماعة : قد أتى (وأنكره قوم) آخرهم أبو حيان وقال : لم يقم على ذلك دليل واضح ، إنما هو شيء قاله المفسرون في الآية ، وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، ولا يرجع إليهم في مثل هذا إنما يرجع في ذلك إلى أئمة النحو واللغة لا إلى المفسرين.

(وقال الزمخشري) في «المفصل» (والسكاكي) في «المفتاح» : أبلغ من هذه الدعوى (هو) أي : معنى قد (معناها أبدا ، والاستفهام المفهوم منها) إنما هو (من همزة مقدرة) معها.

قال ابن هشام : ونقله عن سيبويه وعبارته في «المفصل» : وعند سيبويه أن (هل) بمعنى (قد) ، إلا أنهم تركوا الألف قبلها ؛ لأنها لا تقع إلا في الاستفهام ، وقد جاء دخولها عليها في قوله :

١٣٦١ ـ سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم

انتهى.

قال ابن هشام : ولو كان كما ذكر لم تدخل إلا على الفعل كقد ، قال : ولم أر في «كتاب سيبويه» ما نقله عنه ، إنما قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم ما نصه : وهل هي للاستفهام ، لم يزد على ذلك ، وقال أبو حيان : وفي «الإفصاح» ذكر جماعة من النحويين وأهل اللغة أن (هل) تكون بمعنى (قد) مجردة من الاستفهام ، وربما فسروا بذلك قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] ، وأرى هذا القول مأخوذا من قول سيبويه ، وتقول : قعد أم هل قام هي بمنزلة (قد) ، فقيل : أراد أنها بمنزلة (قد) في الأصل ، وقال أبو حيان في موضع آخر : زعموا أن (هل) بمنزلة (قد) ، ولا يتأتى ذلك إلا إذا دخلت على الجملة الفعلية المثبتة ، أما إذا دخلت على الجملة الاسمية فلا تكون إذ ذاك بمعنى قد ؛ لأن (قد) لا تدخل على الجملة الاسمية.

(و) قال (ابن مالك : تتعين له إذا قرنت بالهمزة) كالبيت السابق ، قال أبو حيان : ولا

__________________

١٣٦١ ـ البيت من البسيط ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ١٥٥ ، والجنى الداني ص ٣٤٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٢ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٢ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٨٥ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٤٢٧ ، ٧ / ٥٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٨ ؛ وجواهر الأدب ص ٢٨١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٦١ ، ٢٦٣ ، ٢٦٦ ، والخصائص ٢ / ٤٦٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٨.


دلالة له في ذلك على التعيين ؛ لأن ذلك لم يكثر كثرة توجب القياس ، إنما جاء منه هذا البيت أو بيت آخر إن كان جاء ، وإذا كان الأمر كذلك احتمل أن يكون مما دخل فيه أداة الاستفهام على مثلها على سبيل التأكيد ، كدخول حرف الجر على مثله في نحو :

١٣٦٢ ـ فأصبحن لا يسألنه عن بما به

ونحو :

١٣٦٣ ـ ولا للما بهم أبدا دواء

وإذا احتمل ذلك لم تتعين مرادفة (قد) انتهى.

ووافقه ابن هشام في «المغني» ، ثم المراد بمعنى (قد) المذكورة قيل : التقريب ، قال في «الكشاف» : (هَلْ أَتى) أي : قد ، أي : على معنى التقرير والتقريب جميعا ، أي : أتى على الإنسان قبل زمان قريب طائفة من الزمان الطويل الممتد لم يكن فيه شيئا مذكورا.

قال ابن هشام : وفسرها غيره ب : (قد) خاصة ، ولم يحملوا (قد) على معنى التقريب ، بل على معنى التحقيق ، وقال بعضهم : معناها التوقع وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عما أتى على الإنسان وهو آدم عليه‌السلام ، قال : والحين زمن كونه طينا.

(مسألة : صدر الكلام للاستفهام والتحضيض والتنبيه غير (ها) ولام الابتداء ولعل وما النافية) فلا يقدم عليها معمول الفعل بعدها ، لا يقال : عمرا ما ضرب زيد ، (وفي لا) النافية أقوال :

أحدها : أن لها الصدر ك : (ما).

(ثانيها وثالثها) وهو (الأصح) إن كانت في جواب قسم (ورب) غالبا لا للتنفيس في الأصح.

نونا التوكيد

(نون التوكيد) نوعان (خفيفة وثقيلة ، والتأكيد بها) أي : الثقيلة (أشد من التأكيد)

__________________

١٣٦٢ ـ تقدم البيت برقم (١٠٥٥) ، (١٠٩٤).

١٣٦٣ ـ البيت من الوافر ، وهو لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب ٢ / ٣٠٨ ، ٣١٢ ، ٦ / ١٥٧ ، ٩ / ٥٢٨ ، ٥٣٤ ، ١٠ / ١٩١ ، ١١ / ٢٦٧ ، ٢٨٧ ، ٣٣٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٧٣ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٥٧١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٣ ، والجنى الدني ص ٨٠ ، ٣٤٥ ، والخصائص ٢ / ٢٨٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١ ، وتقدم البيت عرضا مع الشاهد (١٠٥٥) ، (١٠٩٤).


بالخفيفة نص عليه الخليل ، (وليست هي الأصل) ، والخفيفة فرع عنها خففت كما تخفف أن (خلافا للكوفية) حيث ذهبوا إلى ذلك ، واستدل البصريون على أن الخفيفة نون على حدتها بأن لها أحكاما ليست للشديدة كما سيأتي ، (وتدخل جوازا على الأمر) كاضربن وقوله :

١٣٦٤ ـ فأنزلن سكينة علينا

(والمضارع الخالي من تنفيس ذا طلب) سواء كان ذلك الطلب أمرا أم نهيا أم تحضيضا أم تمنيا أم استفهاما بحرف أم باسم كقوله :

١٣٦٥ ـ فإيّاك والميتات لا تقربنّها

وقوله :

١٣٦٦ ـ هلا تمنّن بوعد غير مخلفه

وقوله :

١٣٦٧ ـ فليتك يوم الملتقى ترينني

وقوله :

١٣٦٨ ـ وهل يمنعنّي ارتيادي البلا

د من حذر الموت أن يأتين

__________________

١٣٦٤ ـ الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٢٢ ، والكتاب ٣ / ٥١١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٤ ، وتخليص الشواهد ص ١٣٠ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٣٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٨ ، ٢٦٩ ، ٣١٧ ، ٢ / ٣٣٩ ، ٥٣٩ ، ٦٩٤ ، والمقتضب ٣ / ١٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٧٩.

١٣٦٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٧ ، والأزهية ص ٢٧٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٢ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٧ ، ٧٩٣ ، والكتاب ٣ / ٥١٠ ، ولسان العرب ١ / ٧٥٩ ، مادة (نصب) ، ٢ / ٤٧٣ ، مادة (سبح) ، ١٣ / ٤٢٩ ، مادة (نون) ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩٣.

١٣٦٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٩٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٢.

١٣٦٧ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٠٠ ،. وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٤.

١٣٦٨ ـ البيت من المتقارب ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٦٥ ، ٦٩ ، والكتاب ٤ / ١٨٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٠ ، ٨٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٤ ، والمحتسب ١ / ٣٤٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٧.


وقوله :

١٣٦٩ ـ أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا

وقوله :

١٣٧٠ ـ فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث

مساعينا حتى ترى كيف نفعلا

وقوله :

١٣٧١ ـ ألا ليت شعري ما يقولن فوارس

إذا حارب الهام المصيّح هامتي

 (خلافا لابن الطراوة في المستفهم عنه باسم) حيث قال : لا يلحقه ، وخص ذلك بالهمزة وهل ، ورد بالسماع في البيتين المذكورين.

(و) تدخل (لزوما) المضارع (المثبت المستقبل جواب قسم) نحو : والله ليقومن ، بخلاف المنفي نحو : (لا أُقْسِمُ) [القيامة : ١] ، والحال نحو : والله ليقوم زيد الآن ، والمقرون بحرف تنفيس نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] ؛ لأنهما معا يخلصان للاستقبال فكرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد.

(و) تدخل (كثيرا ، وقيل : لزوما) المضارع (التالي) إما الشرطية نحو : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) [الزخرف : ٤١] ، (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) [الأعراف : ٢٠٠] ، ولم يقع في القرآن إلا مؤكدا بالنون ، ومن ثم قال المبرد والزجاج : إنها لازمة لا يجوز حذفها إلا في الضرورة كقوله :

١٣٧٢ ـ إمّا تري رأسي تغيّر لونه

__________________

١٣٦٩ ـ صدر البيت :

قالت فطيمة حلّ شعرك مدحه

وهو من الكامل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٥٨ ، وهو للمقنع في الكتاب ٣ / ٥١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٠١ ، وجواهر الأدب ص ١٤٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، وشرح التصريح ص ٢٠٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٣.

١٣٧٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥١ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، والكتاب ٣ / ٥١٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٤.

١٣٧١ ـ البيت من الطويل ، وهو لرجل من ضبة في نوادر أبي زيد ص ٢٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٩.

١٣٧٢ ـ البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٣٤ ، وتاج العروس (محل ، ثغم) ، واللسان ١٤ / ٤٧ ، مادة (أما) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٠.


ولكثرة حذفها في الشعر قال سيبويه والجمهور بجوازه في الكلام ، (لا الجزاء والمنفي بما ولا ولم والتعجب والماضي ومدخول ربما وما الزائدة وسائر أدوات الشرط ، والخالي مما ذكر واسم الفاعل) أي : لا تدخل في شيء من هذه الأنواع (إلا شذوذا وضرورة أو مثلا) كقوله :

١٣٧٣ ـ حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا

وقولك : ما في الدار يقومن زيد ، وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] ، وقول الشاعر :

١٣٧٤ ـ فلا ذا نعيم يتركن لنعيمه

وقوله :

١٣٧٥ ـ يحسبه الجاهل ما لم يعلما

وقوله :

١٣٧٦ ـ فأحر به من طول فقر وأحريا

__________________

١٣٧٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنجاشي الحارث في ديوانه ص ١١٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٨٧ ، ٣٩٥ ، ٣٩٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٤٤ ، وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ٥١٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٣.

١٣٧٤ ـ عجز البيت :

وإن قال مرّطني وخذ رشوة أبي

والبيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٨٨٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣١٣.

١٣٧٥ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٣١ ، وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للدبيري أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب ١١ / ٤٠٩ ، ٤١١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٨٠ ، ولمساور العبسي أو للعجاج في المقاصد النحوية ٤ / ٣٢٩ ، ولأبي حيان في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٥٧.

١٣٧٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في جواهر الأدب ص ٥٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٠٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٤٦ ، ولسان العرب ١ / ٦٥٠ ، مادة (غضب) ، ١٤ / ١٧٣ ، مادة (حرى) ، ١٥ / ١٢٩ ، مادة (غضا) ، ومغني اللبيب ١ / ٣٣٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٤٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٥.


وقوله :

١٣٧٧ ـ دامنّ سعدك لو رحمت متيّما

وقوله :

١٣٧٨ ـ ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

وقوله :

١٣٧٩ ـ قليلا به ما يحمدنك وارث

وقوله :

١٣٨٠ ـ من يثقفن منهم فليس بآيب

وقوله :

١٣٨١ ـ ومهما تشا منه فزارة تمنعا

وقوله :

١٣٨٢ ـ ليت شعري وأشعرنّ إذا ما

__________________

١٣٧٧ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ١٤٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٦٠ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٣٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٢٠ ، ٤ / ٣٤١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٢.

١٣٧٨ ـ تقدم الشاهد مع تخريجه برقم (١١٥٢).

١٣٧٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٢٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٥١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٨ ، ونوادر أبي زيد ص ١١٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٠٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٣٥.

١٣٨٠ ـ البيت من الكامل ، وهو لبنت مرّة بن عاهان في خزانة الأدب ١١ / ٣٨٧ ، ٣٩٩ ، ولبنت أبي الحصين في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٠٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٠٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٤٧ ، والكتاب ٣ / ٥١٦ ، والمقتضب ٣ / ١٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٨.

١٣٨١ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت بن معروف في حماسة البحتري ص ١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧٢ ، وللكميت بن ثعلبة في خزانة الأدب ١١ / ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، ٣٩٠ ، ولسان العرب ٨ / ٢٧٣ ، مادة (قزع) ، وللكميت بن معروف أو للكميت بن ثعلبة الفقعسي في المقاصد النحوية ٤ / ٣٣٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١١.

١٣٨٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو للسموءل بن عادياء في لسان العرب ٢ / ٧٥ ، مادة (قوت) ، والمقاصد ـ


وقوله :

١٣٨٣ ـ أقائلنّ أحضروا الشّهودا

(ويفتح آخره) أي : المضارع مع النون لتركيبه معها ، وقيل : لالتقاء الساكنين آخر الفعل وأول النون الأولى ، وسواء في فتح آخره أكان صحيحا كاعتضدن ، أم معتلا كاخشين وارمين ، (وحذفه) حال كونه ياء (تلو كسرة لغة) لفزارة ، يقولون في ابكين : ابكن بحذف الياء ، قال شاعرهم :

١٣٨٤ ـ وابكنّ عيشا تولّى بعد جدّته

وقال :

١٣٨٥ ـ ولا تقاسنّ بعدي الهمّ والجزعا

وغيرهم بفتح الياء ولا يحذفها فيقول : ابكين ولا تقاسين ، (فإن كان) مع آخره (واو أو ضمير أو ياء) وهي (بعد حركة مجانسة حذفت) نحو : لتقومن يا رجال ولتقومن يا هند ، وأصلهما لتقوموا ولتقومي فحذفت الواو والياء ؛ لالتقاء الساكنين ، (وإلا) بأن كانت بعد حركة غير مجانسة وهي الفتحة (تثبت محركة بها) أي : بالحركة المجانسة نحو : اخشون يا قوم بضم الواو ، واخشين يا هند بكسر الياء ؛ إذ لو حذفت بعد الفتحة لم يبق ما يدل عليها.

(وجوز الكوفية حذف يائه تلو فتحة) فيقال : اخشن يا هند بحذف الياء ، (وقيل) : هو لغة طائية نقل ذلك عنهم الفراء ، (أما ألف) الضمير فلا يحذف ، بل يبقى كما يؤخذ من قولي : (ولا يقع بعد الألف الاثنين ونون الإناث إلا الثقيلة) نحو : اضربان يا زيدان

__________________

ـ النحوية ٤ / ٣٣٢ ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٢٧٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٠٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٩.

١٣٨٣ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٤٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ١١٨ ، ٣ / ٦٤٨ ، ٤ / ٣٣٤ ، ولرجل من هذيل في حاشية ياسين ١ / ٤٢ ، والخزانة ٦ / ٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٨ ، ولرؤبة أو لرجل من هذيل في الخزانة ١١ / ٤٢٠ ، ٤٢٢ ، وبلا نسبة في اللسان ١٤ / ٢٩٣ ، مادة (رأي) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٤.

١٣٨٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ١١ / ٤٣٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٦١ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٥٩ ، مادة (لوم) ، ومغني اللبيب ١ / ٢١١ ، والمقرب ٢ / ٧٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٨.

١٣٨٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لمحمد بن يسير في سمط اللآلي ص ١٠٤ ، ولمحمد بن بشير في أمالي القالي ١ / ٢٢ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٥٠١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٠.


واضربنان يا هندات ولا تقع الخفيفة ؛ لأن فيه جمعا بين ساكنين ، (خلافا ليونس والكوفية) حيث أجازوا وقوع الخفيفة بعدهما مكسورة ، قال ابن مالك : ويؤيده قراءة بعضهم : تدمرانهم تدميرا [الفرقان : ٣٦] ، ويمكن أن يكون منه قراءة ابن ذكوان : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [يونس : ٨٩] انتهى.

وأما سيبويه فإنه قال ردا على من أجاز ذلك : هذا لم تقله العرب وليس له نظير في كلامهم ، وعلى الأول (فتكسر الثقيلة) في هذين الحالين لالتقاء الساكنين (وتفصل النون) من نون الإناث (بألف على القولين) أي : على قول الجمهور ويونس معا ، أي : من أكد بالثقيلة فصل بها نحو : اضربنانّ ، ومن أكد بالخفيفة فصل بها نحو : اضربنان ، (وتحذف الخفيفة لملاقاة ساكن) كقوله :

١٣٨٦ ـ لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

 (وندر) حذفها (في الوصل) دونه كقوله :

١٣٨٧ ـ اصرف عنك الهموم طارقها

(و) تحذف الخفيفة (للوقف بعد كسر أو ضم ، مردودا ما حذف لها) من ياء أو واو لزوال سبب حذفهما وهو التقاء الساكنين بحذفها ، كقولك في اضربن واضربن : اضربي واضربوا ، وقال أبو حيان : الذي يظهر أن دخولها في الوقف خطأ ؛ لأنها لا تدخل لمعنى التوكيد ، ثم يحذف ولا يبقى دليل على مقصودها الذي جاءت له ، وأجاز يونس في هذه الحالة (إبدالها ياء وواوا) ويظهر ذلك ظهورا بينا في نحو : اخشون واخشين ، فيقال : اخشيي واخشووا (كما أبدلت ألفا بعد الفتح) إجماعا كقولك في اضربن : اضربا ، وفي التنزيل : (لَنَسْفَعاً) [العلق : ١٥] ، ولذلك رسم بالألف على نية الوقف.

(خاتمة التنوين نون تثبت لفظا لا خطا) هذا أحسن حدوده وأخصرها وأوجزها ؛ إذ سائر النونات المزيدة الساكنة أو غيرها تثبت خطا ، وهو أقسام :

__________________

١٣٨٦ ـ البيت من المنسرح ، وهو للأضبط بن قريع في الأغاني ١٨ / ٦٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٣ ، وتقدم الشاهد برقم (٤٩٥).

١٣٨٧ ـ البيت من المنسرح ، وهو لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٣ ، وشرح المفصل ٦ / ١٠٧ ، ولسان العرب ٦ / ١٨٣ ، مادة (قنس) ، ١٣ / ٤٢٩ ، مادة (نون) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٧ ، ونوادر أبي زيد ص ١٣ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٦٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧٠.


(تمكين يدخل في الاسم) المعرب المنصرف (دلالة على أصالته إذا لم يبن ولم يمنع الصرف) لسلامته من شبه الحرف ومن شبه الفعل ، (ومن ثم) أي : من أجل ذلك (سمي صرفا) أيضا فالصرف في تنوين التمكين الذي إذا حرمه الاسم لمشابهة الفعل ، قيل : منع من الصرف ، (وقيل) : يدخل (فرقا بين المنصرف و) غيره ، وقال (الفراء : فرقا) بين الاسم والفعل ، (وقال قطرب والسهيلي : فرقا بين المفرد والمضاف ، ومن ثم حذف في الإضافة).

(وتنكير يلحق بعض المبني) كأسماء الأفعال والأصوات (فرقا بين المعرفة والنكرة) نحو : صه ، وسيبويه آخر ، وهو مسموع في باب اسم الفعل ومطرد في كل علم مختوم ب : (ويه).

(وعوض يلحق إذ وكلا وبعضا وأيا عوضا عن مضافها) إذا حذفت نحو : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة : ٨٤] ، (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) [يس : ٤٠] ، (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣] ، (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠].

(والمتناهي المعتل) اللام إذا حذفت ياؤه رفعا وجرا كجوار وغواش ، (عوضا من الياء بحركتها) عند سيبويه ، (وقيل : من الحركة فقط) قاله المبرد والزجاجي ، (وقيل : هو) في الجميع تنوين (صرف) ، ودخل في (إذ) لإعرابها بالإضافة إليها ، ورجع في (كل) ونحوه لزوال الإضافة التي كانت تعارضه ، وفي باب جوار ؛ لأن الياء لما حذفت التحق الجمع بأوزان الآحاد كسلام وكلام فصرف ، ورد بأن الحذف عارض فلا يعتد به.

(ومقابلة في) باب جمع المؤنث السالم (نحو : مسلمات) فإنه في مقابلة النون في نحو : مسلمين ، (وقال) علي بن عيسى (الربعي : هو فيه للصرف) ويرده ثبوته مع التسمية به كعرفات ، (و) قال الرضي : هو (لهما ، وقيل) : هو (عوض من الفتحة) نصبا ، ورد بأنه لو كان كذلك لم يوجد في الرفع والجر ، ثم الفتحة قد عوض منها الكسرة فما هذا العوض.

(وترنم في الروي المطلق في لغة تميم) يأتون به بدلا من حرف الإطلاق وهو الألف والواو والياء ؛ لقطع الترنم الحاصل بها ، بخلاف لغة الحجاز فإنهم يثبتون المدة.

(وغال في) الروي (المقيد) أثبته الأخفش وغيره ، (وأنكره الزجاج) والسيرافي ؛ لأنه يكسر الوزن ، وقال (ابن يعيش : هو ضرب من الترنم) زاعما أن الترنم يحصل بالنون نفسها ؛ لأنها حرف أغن ، (ويكونان) أي : تنوين الترنم والغالي في ذي أل والفعل والحرف كقوله :


١٣٨٨ ـ أقلّي اللّوم عاذل والعتابن

وقولي إن أصبت لقد أصابن

وقوله :

١٣٨٩ ـ لمّا تزل بركابنا وكأن قدن

وقوله :

١٣٩٠ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

وقوله :

١٣٩١ ـ ويعدو على المرء ما يأتمرن

وقوله :

١٣٩٢ ـ قالت بنات العمّ : يا سلمى وإنن

(بخلاف غيرهما) من أقسام التنوين فإنه لا يكون إلا في الاسم الخالي من (أل) (ومن ثم قال ابن مالك) في شرح «الكافية» (وابن هشام) في «توضيحه» : (هما نونان لا تنوينان) قالا : ولعل الشاعر زاد في آخر كل بيت فضعف صوته بالهمزة ، فتوهم السامع أنه نون وكسر الروي ، وقال أبو الحجاج يوسف (بن معزوز) هما نونان (أبدلا من المدة) ، وليسا بتنوين.

__________________

١٣٨٨ ـ البيت من الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٣ ، والخزانة ١ / ٦٩ ، ٣٣٨ ، ٣ / ١٥١ ، والخصائص ٢ / ٩٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٧١ ، ٤٧٩ ، ٤٨٠ ، ٤٨١ ، ٤٩٣ ، ٥٠١ ، ٥٠٣ ، ٦٧٧ ، ٧٢٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٢٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٢٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢.

١٣٨٩ ـ البيت من الكامل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٨٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٥٤١) ، (١٢٨٨).

١٣٩٠ ـ تقدم الشاهد برقم (١١٤١).

١٣٩١ ـ البيت من المتقارب ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٤ ، ٢ / ٢٧٩ ، واللسان ٤ / ٣٠ ، مادة (أمر) ، ٤ / ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، مادة (خمر) ، ٦ / ٢٣٩ ، مادة (نفس) ، والمقاصد النحوية ١ / ٩٥ ، ٤ / ٢٦٤ ، وللنمر بن تولب في ملحق ديوانه ص ٤٠٤ ، واللسان ٤ / ٢٩ ، مادة (أمر) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٢ ، والمقتضب ٤ / ٢٣٤ ، وأساس البلاغة ، مادة (أسر) ، والبيت من قصيدة رائية ساكنة (ويعدو على المرء ما يأتمر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٩.

١٣٩٢ ـ تقدم الشاهد برقم (١٣٠٨).


(وزاد ابن الخباز) في شرح «الجزولية» (تنوين ضرورة في المنادى وما لا ينصرف) قال ابن هشام : وبقوله أقول في المنادى دون الآخر ؛ لأن الضرورة أباحت الصرف ، فهو حينئذ تمكين بخلاف المنادى نحو :

١٣٩٣ ـ سلام الله يا مطر عليها

فإن الاسم مبني على الضم.

(و) زاد أيضا (تنوين حكاية) كأن يسمي رجلا بعاقلة لبيبة ، فإنك تحكي اللفظ المسمى به. قال ابن هشام : وهذا اعتراف منه بأنه تنوين الصرف ؛ لأن الذي كان قبل التسمية حكي بعدها.

وزاد بعضهم : وتنوين شذوذ كقول بعضهم : هؤلاء قومك ، حكاه أبو زيد ، وفائدته تكثير اللفظ ، قال ابن مالك : والصحيح أن هذا نون زيدت في آخر الاسم كنون ضيفن ، وليس بتنوين. قال ابن هشام : وفيما قاله نظر ؛ لأن الذي حكاه سماه تنوينا فهذا دليل منه على أنه سمعه في الوصل دون الوقف ، ونون ضيفن ليست كذلك.

***

__________________

١٣٩٣ ـ البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥١ ، وتقدم الشاهد برقم (٦٧٠).



فهرس المحتويات

الكتاب الثاني : ف الفضلات............................................... ٥

الإغراء............................................................... ١٦

المستثنى............................................................. ١٤٤

[نواصب المضارع]................................................... ٢٢٣

الكتاب الثالث : ف المجرورات وما حمل علها وه المجزومات................. ٢٦٣

الحروف............................................................ ٢٦٣

الباء................................................................ ٢٦٥

همع الهوامع - ٢

المؤلف:
الصفحات: 427