بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة التّحقيق

الحمد لله الكريم البرّ الجواد ، الهادي إلى سبيل الرّشاد ، الذي خصّ هذه الأمّة ـ دون غيرها من الأمم ـ بخصيصة الإسناد ، وتكفّل بحفظ دينه إلى يوم التّناد ، فندب لذلك الجهابذة النّقّاد ؛ أهل الهدى والسّداد ، فرحلوا في سبيل ذلك إلى البلاد ، وفارقوا الأهل والأولاد ، وهجروا لذلك لذيذ الرّقاد ، وأنفقوا في ذلك الطّارف والتّلاد.

والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد ، خيرته من الخلق ، وصفوته من العباد ، أدّى الأمانة ، وبلّغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حقّ الجهاد ، صلاة وسلاما دائمين أدّخرهما عند ربي زادا ليوم المعاد.

أما بعد :

فإنّ من أفضل الطّاعات ، وخير ما صرفت فيه نفائس الأوقات ، الاشتغال بالعلم الشّرعي الذي يقرّب من ربّ الأرض والسّماوات ، ومن أعظمه نفعا وأكثره عوائد علم الحديث ؛ الذي به يعرف صحيح الحديث من سقيمه ، وصدقه من مكذوبه ، وسالمه من معلوله ، ومتّصله من منقطعه.

وقد بدأ تدوين الحديث في وقت مبكّر من حياة هذه الأمّة المباركة ، فكان عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي‌الله‌عنهما ـ يكتب كلّ ما يسمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت له صحيفة كتبها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وكان يقول فيها : «هذه


الصّادقة ؛ فيها ما سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وليس بيني وبينه أحد». وكذا غيره من الصحابة رضي‌الله‌عنهم.

ثمّ من جاء بعدهم ؛ فكانت صحيفة همّام بن منبّه عن أبي هريرة ، وكانت تسمّى الصّحيفة الصّحيحة.

إلى أن رأى عمر بن عبد العزيز ـ رحمه‌الله ـ أن يجمع حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحفظه خشية ضياعه. فأمر ابن شهاب الزهريّ وغيره بجمع حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فجمع في قراطيس وأوراق على غير ترتيب معيّن.

«ثم شاع التّدوين في النّصف الأوّل من القرن الهجريّ الثاني بين العلماء ، حتّى أصبح من النادر ألّا ترى لأحدهم تصنيفا أو جامعا فيه بعض أبواب في الحديث»(١).

فمن مصنّف على الجوامع ، ومن مصنّف على المسانيد ، ومن مصنّف على الأبواب ، ومن مقتصر على الصّحيح ، وهكذا.

ثم شاع فيمن أتى بعدهم وتأخّر عنهم طريقة الإملاء ، حيث إنّ المحدّث ينتقي من حديثه أعلاه ، وأكثره فوائد .. مع عنايتهم بالبدل ، والمساواة ، والموافقة ، والمصافحة (٢).

ومنهم من كان يملي في تخريج أحاديث كتاب معيّن ؛ كأمالي الحافظ ابن حجر ـ رحمه‌الله ـ على كتاب «الأذكار»للنّووي ـ رحمه‌الله ـ ولم يتمّ ، وأماليه على «مختصر ابن الحاجب»المسمى ب «موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر».

وحذا حذوه واقتفى أثره تلميذه ـ مصنّف كتابنا ـ الحافظ شمس الدين

__________________

(١) «السّنّة قبل التدوين»للدكتور محمد عجاج الخطيب صفحة (٣٥٧).

(٢) سيأتي تعريف كلّ منها إن شاء الله تعالى.


السّخاوي (١) ، وكان من جملة أماليه كتابنا هذا «البلدانيات». ذكر فيه البلاد والقرى التي دخلها ، وقد بلغت الثمانين ، خرّج «في كل بلد أو قرية عن واحد من أهلها أو القادمين إليها حديثا ، أو أثرا ، أو شعرا ، أو حكاية»(٢). «آتيا في غضون ذلك بفوائد ، راويا الكثير من عيون الزّوائد»(٣).

وها أنا أقدّمها لطلبة العلم راجيا من الله تعالى أن تقع منهم موقع الرضى ؛ وقد حقّقت أصلها ، واجتهدت في ضبط نصّها ، وعزوت الأقوال إلى قائليها ، وخرّجت الأحاديث بحسب الوسع.

وقد نبّهت في أثناء الكتاب على أشياء ركب فيها المصنّف خلاف الصّواب ؛ غير منتقص منه ، ولا طاعن فيه ؛ وإنّما استيضاحا للحقّ والصّواب ، واسترباحا للأجر والثّواب ، وإنّما الأعمال بالنيات.

__________________

(١) قال المصنّف ـ رحمه‌الله ـ : «وتوجّه له [أي : الإملاء] على وجهه جهابذة النقاد قديما وحديثا ، بحيث لم يخل عصر من الأعصار منه ، وكان من أواخرهم المزيّ ، ثم تلميذه العلائيّ ، ثم تلميذه العراقيّ ، وكذا ابن الملقّن ولم يرتض شيخنا صنيعه ، ثم الولي ابن العراقي ، وشيخنا ، وانقطع بعده على الوجه المعتبر قليلا ؛ إلى أن تصدّيت له بإشارة شيخنا الشّمّني ، فأمليت بمكة ، وبعدّة أماكن من القاهرة ، ما كتبه عنّي الأكابر من الفضلاء والأعيان ، وحضر عندي من الشّيوخ من كان يحضر إملاء شيخنا ورفيقه ، بل شيخهما ، وبلغ عدد ما أمليته أزيد من ستّ مئة مجلس ، لو لم يكن فيها إلا «تكملة الأذكار»الذي مات شيخنا وهو يملي فيه ، فلله الحمد. هذا مع رغبة النّاس عنه ، وعدم موقعه منهم ، وتمييز مراتبه لقلّة الاعتناء به ، ولذا قطعته مع المراجعة من كثيرين لي ، حتّى من أعيان المكيين هناك ، والأعمال بالنيات»ا ه.

وقوله هذا في كتابه «غنية اللّبيب في شرح التّقريب»شرح فيه كتاب «التقريب»للإمام النووي ـ رحمه‌الله ـ. وقد ألّفه بعد كتابه «فتح المغيث». وطريقته في شرحه تشبه طريقة شيخه في «نزهة النظر»من حيث سبك عبارة المتن مع الشرح. وقد شارفت على الانتهاء من تحقيقه ، يسّر الله إتمامه ، وجعله خالصا لوجهه الكريم.

(٢) «الجواهر والدرر»للمصنف ١ / ١٩٧. وانظر «الضوء اللامع»له أيضا ٨ / ١٥.

(٣) مقدمة المصنف ل «البلدانيات».


أسأل الله تعالى أن يتقبّل منّي عملي ، وينفع به.

كما أسأله سبحانه أن يغفر لوالديّ ، ويعلي درجتهما في الدّنيا والآخرة جزاء إحسانهما إليّ ، إنّه بكلّ جميل كفيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وكتبه

أبو محمد حسام بن محمد القطان

الرياض ـ في اللّيلة التي يسفر صباحها عن يوم السّبت ،

لسبع بقين من شهر شعبان ، لعام واحد وعشرين

وأربع مئة وألف من هجرة النبي العدنان صلى‌الله‌عليه‌وسلم

***


الباب الأول

ويتضمّن :

ـ ترجمة المصنّف.

ـ اسمه ـ نسبه ـ مولده ـ نشأته.

ـ ثناء العلماء عليه.

ـ ما وقع بينه وبين عصريّه السّيوطي.

ـ وفاته.

ـ مؤلّفاته.



ترجمة المصنف (١)

اسمه ونسبه :

هو العلّامة ، الحافظ ، شمس الدّين ، محمد بن عبد الرحمن بن محمد ، السّخاويّ الأصل ـ نسبة ل «سخا»بلدة بمصر ـ ، القاهريّ ، الشّافعيّ.

وربّما يقال له : ابن البارد ، شهرة لجدّه بين أناس مخصوصين ، ولذا لم يشتهر بها أبوه بين الجمهور ولا هو ؛ بل يكرهها ، كابن عليّة (٢) ، وابن الملقّن في الكراهة ، ولا يذكره بها إلا من يحقره.

__________________

(١) مختصرة من ترجمة المصنف لنفسه في «الضوء اللامع»٨ / ٢ ـ ٣٢. وقد أفرد ترجمته بمؤلف خاص سماه : «إرشاد الغاوي بل إسعاد الطالب والراوي للإعلام بترجمة السخاوي»كما في «التحفة اللطيفة»٣ / ٦٣٠ ـ وفيه : «إرشاد الغاوي»ـ ، وانظر كتاب «التراجم الذاتية»ضمن كتاب «النظائر»للشيخ بكر أبو زيد صفحة (١٤٥). وانظر لترجمة المصنّف أيضا :

ـ شذرات الذهب ١٠ / ٢٣.

ـ الكواكب السائرة ١ / ٥٣.

ـ تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر صفحة (١٨ ـ ٢٣).

ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٧.

ـ نظم العقيان في أعيان الأعيان صفحة (١٥٢ ـ ١٥٣).

ـ هديّة العارفين في أسماء الكتب وآثار المصنفين ٢ / ٢١٩ ـ ٢٢١.

ـ فهرس الفهارس والأثبات ٢ / ٩٨٩ ـ ٩٩٣.

ـ الأعلام ٦ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

وغيرها ممن تجده في حاشية كتاب «مؤلّفات السخاوي»صفحة (١١ ـ ١٢).

(٢) في المطبوع من «الضوء»: «عليبة»وأشار في الحاشية إلى أنه في الأصل : «علية». قلت : وهو الصواب. وتصحف عند بعض من نقل عنه إلى : «كليبة».


مولده ونشأته :

ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمان مئة ، بحارة بهاء الدّين ؛ علو الدّرب المجاور لمدرسة شيخ الإسلام البلقيني ، محلّ أبيه وجدّه. ثمّ تحوّل منه حين دخل في الرابعة مع أبويه لملك اشتراه أبوه مجاور لسكن شيخه ابن حجر ، ممّا كان له الأثر البالغ في انتفاعه به كما سيأتي.

حفظ كثيرا من المختصرات ، وقرأ على ابن خضر ، والجمال ابن هشام الحنبلي ، وصالح البلقيني ، والشرف المناوي ، والشّمّني ، وابن الهمام ، وابن حجر ، وداوم الملازمة له حتى حمل عنه علما جمّا ، واختصّ به كثيرا ؛ حتّى كان من أكثر الآخذين عنه. وأعانه على ذلك قرب منزله منه ، فكان لا يفوته ممّا يقرأ عليه إلّا النادر ؛ إما لكونه حمله ، أو لأنّ غيره أهمّ منه. وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء.

وعلم ابن حجر شدّة حرصه على ذلك ، فكان يرسل خلفه أحيانا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة.

وقرأ على شيخه الاصطلاح بتمامه ، وسمع عليه جلّ كتبه ، وأذن له في الإقراء والإفادة والتّصنيف ، وصلّى به إماما التراويح في بعض ليالي رمضان ، وتدرّب به في طريق القوم ، ومعرفة العالي والنّازل ، والكشف عن التّراجم والمتون ، وسائر الاصطلاح ، وغير ذلك.

ولم ينفكّ عن ملازمة شيخه ولا عدل عنه بملازمة غيره من علماء الفنون ؛ خوفا على فقده ، ولا ارتحل إلى الأماكن النائية ؛ بل ولا حجّ إلا بعد وفاته ، لكنّه حمل عن شيوخ مصر والواردين إليها كثيرا من دواوين الحديث وأجزائه ، بقراءته وقراءة غيره في الأوقات التي لا تعارض أوقاته عليه غالبا.


ثناء العلماء عليه :

قال الإمام الشوكانيّ ـ رحمه‌الله ـ في «البدر الطالع»٢ / ١٨٥ : «وبالجملة فهو من الأئمة الأكابر».

وقال تلميذه الشيخ جار الله بن فهد المكيّ فيما كتبه عقب ترجمة المصنّف لنفسه في «الضوء اللامع»ما نصه :

«إن شيخنا صاحب التّرجمة حقيق بما ذكره لنفسه من الأوصاف الحسنة ، ولقد ـ والله العظيم ـ لم أر في الحفّاظ المتأخرين مثله ، ويعلم ذلك كلّ من اطّلع على مؤلفاته ، أو شاهده. وهو عارف بفنّه ، منصف في تراجمه. ورحم الله جدّي حيث قال في ترجمته : إنّه انفرد بفنّه ، وطار اسمه في الآفاق به ، وكثرت مصنفاته فيه وفي غيره ، وكثير منها طار شرقا وغربا ، شاما ويمنا ، ولا أعلم الآن من يعرف علوم الحديث مثله ، ولا أكثر تصنيفا ولا أحسن. وكذلك أخذها عنه علماء الآفاق من المشايخ والطلبة والرّفاق ، وله اليد الطّولى في المعرفة بأسماء الرّجال ، وأحوال الرّواة ، والجرح والتعديل ، وإليه يشار في ذلك. ولقد قال بعض العلماء : «لم يأت بعد الحافظ الذّهبيّ مثله (١) ، سلك هذا المسلك»وبعده مات فنّ الحديث ، وأسف النّاس على فقده ، ولم يخلف بعده مثله»(٢).

وقرّض له شيخه على غير واحد من تصانيفه ، وكان من دعواته له قوله : «والله المسؤول أن يعينه على الوصول إلى الحصول ؛ حتى يتعجب السّابق من اللاحق».

وقال الزّين قاسم الحنفي : «وقد كان هذا المصنّف ـ يعني : السّخاويّ ـ

__________________

(١) وهذا فيه غلو ظاهر ، فإن الناظر في كتبه وكتب شيخه يعلم فضل علم شيخه على علمه ، هذا فضلا عن الحافظ العراقي ؛ ورحمة الله على الجميع.

(٢) البدر الطالع ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦.


بالرّتبة المنيفة في حياة حافظ العصر وأستاذ الزّمان ، حتى شافهني بأنه أنبه طلبتي الآن.

وقال أيضا : حتى كان ينوّه بذكره ، ويعرّف بعلى فخره ، ويرجّحه على سائر جماعته المنسوبين إلى الحديث وصناعته ؛ كما سمعته منه ، وأثبتّه بخطّي قبل عنه.

وقد كان السّخاويّ حريصا على تسجيل ثناء أهل عصره عليه ، بحيث جمع في ذلك مؤلّفا مستقلا سمّاه : «من أثنى عليه من العلماء والأقران»وعقد فصلا طويلا في ترجمته من «الضوء اللامع»لمن أثنى عليه.

ما وقع بين السخاوي وعصريّه الحافظ السيوطي :

وقع بين السّخاويّ وعصريّه السّيوطيّ ما يقع عادة بين الأقران ؛ حتّى ألّف كلّ منهما رسائل في الردّ على الآخر (١) ، والله يعفو عنهما. والأصل أن كلام الأقران يطوى ولا يذكر ، ولا يقبل قول كلّ واحد منهما في الآخر.

قال الحافظ الذهبي في «الميزان»١ / ١١١ في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني : «كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ، لا سيّما إذا لاح لك أنه لعداوة ، أو لمذهب ، أو لحسد ؛ ما ينجو منه إلا من عصم الله ، وما علمت أنّ عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء ، والصديقين ، ولو شئت لسردت من

__________________

(١) ألّف السّيوطيّ في ذلك رسائل منها : «الكاوي في تاريخ السّخاوي» و «القول المجمل في الردّ على المهمل». وألّف السخاوي رسائل منها : «انتقاد مدعي الاجتهاد» و «الاعتبار والموعظة لزاعم رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اليقظة». واستمر هذا حتى بعد وفاة السّخاوي ، حيث ألّف تلميذه أحمد بن الحسين المكي رسالتين في الردّ على السّيوطي وهما : «الشهاب الهاوي على قلال الكاوي» و «المنتقد اللّوذعي على المجتهد المدعي»والله المستعان. انظر «الضوء اللامع»٤ / ٦٥ ـ ٧٠ ، و «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة»١ / ١٧٧ ـ ١٧٨ كلاهما للسخاوي ، و «نظم العقيان في أعيان الأعيان»للسيوطي صفحة (١٥٢).


ذلك كراريس. اللهمّ ، فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم».

وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «الردّ الوافر»صفحة (٤٨ ـ ٤٩) : «.. لكنّ بعض الأعيان تكلّم في بعض الأقران ، مثل كلام أبي نعيم في ابن منده ، وابن منده فيه ، فلا نتخذ كلامهما في ذلك عمدة ، بل ولا نحكيه ؛ لأنّ النّاقد إذا بحث عن سبب الكلام في مثل ذلك وانتقد ، رآه إما لعداوة ، أو لمذهب ، أو لحسد. وقلّ أن يسلم عصر بعد تلك القرون الثلاثة من هذه المهلكات ، ومن نظر في التاريخ الإسلامي ـ فضلا عن غيره ـ حقّق ذلك ، وما وقع منه في الأغلب كان سببه المذهب».

وفاته :

قال تلميذه جار الله بن فهد : «وكانت وفاته في مجاورته الأخيرة بالمدينة الشريفة ، في عصر يوم الأحد ، سادس عشر شعبان ، سنة (٩٠٢) اثنتين وتسع مئة»(١).

مؤلفاته :

شرع المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في التصنيف في وقت مبكّر من حياته ، فقد ذكر في «الضوء اللامع»٨ / ١٥ أنه شرع في التصنيف قبل الخمسين ؛ أي : قبل سنة خمسين وثمان مئة ، فكان سنه حينها قريبا من التاسعة عشر ، فكان من أكثر أهل عصره تأليفا ، وقد عدّد مؤلّفاته في ترجمته في «الضوء اللامع»؛ فبلغت ما يقرب من مئتي عنوان. وقد نقل الكتانيّ في «فهرس الفهارس»٢ / ٩٨٩ أن مؤلّفاته تنيف على أربع مئة مجلّد ، كما ذكر وفصّل في كثير من إجازاته.

__________________

(١) البدر الطالع ٢ / ١٨٦.


وللأستاذين : مشهور بن حسن وأحمد شقيرات جهد مشكور في جمع مؤلّفات السّخاوي (١) وحصرها ، مع ذكر مواضع ورودها في مصنّفات السخاويّ نفسه ، أو في مصادر من ترجم له ، وذكر طبعات الكتاب ـ إن كان مطبوعا ـ وذكر أماكن وجوده في مكتبات العالم ـ إن كان مخطوطا ـ ؛ مما يرجى لهما معه الأجر والثّواب ، فأكتفى بالإحالة إليه ، اختصارا للوقت ، وعدم الإطالة.

***

__________________

(١) وقد استفدت من عملهما في ذكر من عزا الكتاب إلى مصنفه.


الباب الثاني

ويتضمن :

ـ وصف النّسخة المعتمدة في التحقيق.

ـ إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه.

ـ تحقيق اسم الكتاب.

ـ المآخذ على المصنف.

ـ تعريف بمصطلحات يكثر ورودها في الكتاب.

ـ عملي في الكتاب.



وصف النّسخة المعتمدة في التحقيق :

اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسخة وحيدة ـ فيما أعلم ـ أصلها في مكتبة تشستربتي برقم (٣٦٦٤ / ١) (١).

وهي بخطّ تلميذ المصنّف أبي بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي ، الشافعي. حيث فرغ من نسخها في رابع عشر جمادى الآخرة من سنة ستّ وثمانين وثمان مئة ، كما صرّح به في خاتمة الكتاب.

ويقع الكتاب في أربعين ورقة ، في كل ورقة لوحتان ، في كلّ لوحة ما يقرب من خمسة وعشرين سطرا. وقد كتبت بخطّ جيد ؛ مشكول شكلا قريبا من التمام ، وعليها إلحاقات في الهامش.

وهذه النسخة مقروءة على المؤلّف ، كما جاء في خاتمتها بخطّ المصنّف : «وبعد : فقد قرأ عليّ جميع هذه «البلدانيات»من نسخته هذه للمقابلة بعد أن سمعها من لفظي ..».

إثبات نسبة الكتاب إلى مصنّفه :

الكتاب ـ بحمد الله ـ ثابت النّسبة إلى مصنّفه ويدلّ على ذلك أمور :

١ ـ ذكر المصنّف له ضمن مؤلّفاته ـ كما في «الضوء اللامع»٨ / ١٥ ـ حيث قال : «الأحاديث البلدانيات ، في مجلّد ، ترجم فيه الأماكن مع ترتيبها على حروف المعجم ، مخرّجا في كلّ مكان حديثا ، أو شعرا ، أو حكاية عن واحد من أهلها أو الواردين عليها ، مستفتحة بمن سبقه أيضا لذلك ، وإن لم ير من تقدّمه لمجموع ما جمعه فيها أيضا».

٢ ـ خطّ المصنّف ؛ وذلك في إجازته في خاتمة «البلدانيات»لتلميذه أبي بكر

__________________

(١) وقد أمدّني بها الأخ محمد زياد تكلة وفقه الله.


الحيشي حيث قال : «وبعد : فقد قرأ علي جميع هذه البلدانيات ..».

٣ ـ نسبة الكتاب له وذلك من قبل العلماء الذين ترجموا له ، فقد نسبه له عبد الحي الكتاني في «فهرس الفهارس»٢ / ٩٩١ ، وإسماعيل بن محمد البغدادي في «إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون»٣ / ٢٩ ، وفي «هدية العارفين»٢ / ٢١٩.

تحقيق اسم الكتاب :

جاءت تسمية الكتاب بخطّ المصنف عند إجازته لتلميذه أبي بكر الحيشي ـ كما سبق قريبا ـ : «البلدانيات»، وكذا جاء في السّماعات ، وكذا عند الكتاني في «فهرس الفهارس»٢ / ٩٩١.

وجاءت تسميته في «الضوء اللامع»٨ / ١٥ ، وفي «إيضاح المكنون» و «هدية العارفين»: «الأحاديث البلدانيات».

وأثبت ما جاء أولا ؛ لأنّه ألصق بمضمون الكتاب ، فإنّه ربّما يذكر البلدة التي دخلها ولا يروي ولا يذكر فيها حديثا أصلا ، بل يذكر ما وقع له من شعر ، أو حكاية ، أو غير ذلك. والأمر في هذا قريب والله أعلم.

المآخذ على المصنّف :

١ ـ إنّ النّاظر في تصانيف السّخاوي ـ رحمه‌الله تعالى ـ ولا سيّما كتب التراجم ك «الضوء اللامع» و «التحفة اللّطيفة»، وغيرهما يتبيّن له بجلاء تأثّر المصنّف ـ رحمه‌الله تعالى ـ بما كان سائدا في ذلك العصر ؛ من تعظيم للمشاهد والمزارات ، وبناء للقباب عليها ، والثناء على من قصدها بالنذور والقربات وغير ذلك ، مما هو مصادم في حقيقته لأصل دعوة التوحيد التي تتابع عليها الأنبياء من لدن آدم حتى خاتمهم محمد عليهم أفضل الصّلاة والسلام.

ونتيجة لهذا التأثّر نجد المصنّف ـ رحمه‌الله ـ يورد في تصانيفه بعض


العبارات ؛ التي فيها من النّذر لغير الله ، والتبرك بالقبور والمزارات ، والثناء على من فعل ذلك ثم هو لا يتعقبها بشيء ؛ بل إنّه ـ عفا الله عنه ـ ربّما يذكر ذلك عن نفسه (!).

فتأمل قوله (١) : «وقبره بها ظاهر يزار ، ويتبرّك به ، ويقصد بالنذور والقربات ، وقد زرته ، ورجوت حصول القبول ، وبلوغ المأمول ـ إن شاء الله تعالى ـ».

وتأمّل قوله (٢) : «وقبره مقصود للتبرّك والزيارة ، وتحمل إليه النذور من الأقطار النائية!».

وقوله (٣) : «وقبره بها ظاهر يزار ؛ بل يحيون عنده اللّيلة المذكورة من كلّ سنة».

إلى غير ذلك (٤).

وقد وقفت على كلام للشّيخ حامد الفقي يصوّر فيه طبيعة العصر الذي كان يعيش فيه السّخاوي ـ رحمه‌الله ـ في مقدمة تحقيقه ل «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة»للسّخاوي.

قال ـ رحمه‌الله ـ (٥) : «ومن يقرأ مؤلّفات السّخاوي يرى فيه صورة العصر الذي عاش فيه ، فيعرف أنّه كان عصر تقليد عميق وجمود عنيف على الموروث عن الآباء والشيوخ».

__________________

(١) انظر صفحة (١٢٤) من كتابنا هذا مع التعليق عليه.

(٢) انظر صفحة (١٧٧) من كتابنا هذا.

(٣) انظر صفحة (١٨٥) من كتابنا هذا.

(٤) وهذا من غير تتبّع منّي ؛ إنّما هو بعض ما جاء في كتابه «البلدانيات»، ولعلّ هذا يكون نواة لدراسة شاملة ـ أساسها الاستقراء ـ حول الحافظ السخاوي ومنهجه في التوحيد والعقيدة عموما.

(٥) صفحة (١٢) منه.


«ولذلك ؛ فلم يكن من المستغرب أن تروج عندهم وثنيات الموالد والأعياد ؛ التي أوحاها شياطين الجنّ إلى شياطين الإنس ـ في الجاهلية الأولى والثانية ـ لعبادة الموتى من دون الله باسم الإسلام ، ولا من العجب أن تعظّم وتقدّس في نفوسهم القباب ، والمقاصير ، والمشاهد ومشيّدوها ؛ فيثنى عليهم أطيب الثناء ، فكان من ثمرات ذلك ـ ولابدّ ـ : أن تموت عقيدة التّوحيد الإسلامية من القلوب ، فتموت القلوب بموتها ، وأن تشيع الخرافات ، وتتحكّم البدع المحدثات ..»إلى آخر كلامه.

٢ ـ ظهر لي من خلال عملي في هذا الكتاب أنّ المصنّف ـ رحمه‌الله ـ ربّما تسمّح في تقوية بعض الأحاديث بتعدّد طرقها ، مع أنّ هذه الطرق ـ عند التحقيق ـ لا تصلح للتقوية ، إما لنكارتها ، أو شدة ضعفها.

فقد حسّن حديث : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل».

والحديث مرويّ عن أربعة من الصحابة (١) :

١ ـ أبي ذر ـ رضي‌الله‌عنه ـ وله عنه ثلاثة طرق :

الأولى : مدارها على عبد الله بن داهر ؛ وهو متروك.

الثانية : مدارها على مفضّل بن صالح ؛ وهو واه ، ضعّفه غير واحد من الأئمة.

الثالثة : مدارها على الحسن بن أبي جعفر ؛ وهو متروك ـ كما قال المصنف ـ ، وقد اختلف عليه أيضا.

٢ ـ ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ ومدارها على الحسن بن أبي جعفر نفسه.

٣ ـ أبي سعيد الخدري ـ رضي‌الله‌عنه ـ ومدارها على جماعة غير معروفين.

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك في صفحة (١٨٦) من كتابنا هذا.


وفيه أيضا عطيّة العوفي ، وحاله في الضعف والتدليس معروفة.

٤ ـ ابن الزبير ـ رضي‌الله‌عنهما ـ ومدارها على ابن لهيعة ، وهو ضعيف الحديث ، وقد تفرد به ؛ ولا يبعد أن يكون قد أخطأ فيه.

وقد ضعّف الحديث الشيخ الألباني ـ رحمه‌الله ـ في «ضعيف الجامع»(٥٢٤٧) ، وكذا شيخنا سعد الحميد ـ حفظه الله ـ في تحقيقه ل ... «مختصر استدراك الذهبي على الحاكم»لابن الملقن ٣ / ١٥٥٩. والله أعلم.

* وحسّن حديث : «إذا صلّت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ..»الحديث.

ومدار الحديث على ابن لهيعة ، وقد اضطرب فيه على ثلاثة أوجه (١) :

الأول : ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن ابن قارظ ، عن عبد الرحمن بن عوف.

الثاني : ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن ابن قارظ ، عن عبد الرحمن بن حسنة.

الثالث : ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة.

وهذا الاختلاف لو كان على ثقة لتوقف الأئمّة في قبوله ، فكيف ومداره على ابن لهيعة ـ وحاله في الضعف معروفة ـ. والأئمة إنما يقبلون مثل هذا الاختلاف بشرطين :

١ ـ أن تكون الطرق إلى المختلف عنه صحيحة كلّها.

٢ ـ أن يكون المختلف عليه واسع الرواية ، كثير الشيوخ ؛ كشعبة والزهريّ وأمثالهما (٢).

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك في صفحة (١٦١) من كتابنا هذا.

(٢) هذا على وجه العموم ؛ وإلا فهم قد يرجحون في بعض الأحاديث طريقا معينا ولو تحقق هذان ـ


وذكر له شاهدين :

الشاهد الأول : مداره على عبد الملك بن عمير ، وقد اضطرب فيه ـ كما قال الدار قطني ـ على أربعة أوجه :

الأول : أبو حمزة السّكري ، عنه ، عن رجل لم يسمّ ، عن عبد الرحمن بن عوف.

الثاني : شيبان وهدبة بن المنهال ، عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.

الثالث : أبو عوانة ، عنه ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الزبير.

الرابع : عبد الحكيم بن منصور ، عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي الهيثم بن التيهان.

وعبد الملك قد تفرد به ـ كما قال ابن حبان والطبراني ـ وتفرده به عن أبي سلمة ـ وهو ابن عبد الرحمن بن عوف ـ وهو من هو في ثقته وإمامته ووفور أصحابه ، مما يدلّ على خطئه فيه ، والله أعلم.

والشاهد الثاني : رواه البزار من طريق روّاد بن الجرّاح ، عن الثوري به. وقد بيّن ابن معين ـ رحمه‌الله ـ أن روّادا أخطأ فيه على الثوري.

* وحسّن حديث أبي العشراء الدارمي عن أبيه مرفوعا : «لو طعنت في فخدها لأجزأ عنك»(١).

وقد قال البخاري : «في حديث أبي العشراء واسمه وسماعه من أبيه نظر».

وجهّل أبا العشراء ابن سعد. وقال الذهبيّ : «لا يدرى من هو ولا من أبوه».

__________________

ـ الشرطان لقرائن تقوم عندهم ، انظر مثالا لذلك في «العلل»لابن أبي حاتم رقم (٦١). وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «ولكل حديث ذوق ، ويختص بنظر ليس للآخر»مجموع الفتاوى ١٨ / ٤٧.

(١) انظر تفصيل ذلك في صفحة (٩٥) من كتابنا هذا.


* وحسّن حديث : «أيّها النّاس إنّ لله سرايا من الملائكة تقف وتحلّ على مجالس الذّكر ..»في حديث طويل (١).

ومداره على عمر بن عبد الله مولى غفرة وهو ضعيف كما في «التقريب»وله شواهد من حديث أنس ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وكلّها ضعيفة ، وليس فيها موضع الشاهد.

تعريف بمصطلحات يكثر ورودها في الكتاب :

شاع عند المتأخرين من الحفّاظ عند إملائهم للحديث العناية بالموافقة ، والبدل ، والمساواة ، والمصافحة. ورأيت من الفائدة تعريف القارىء الكريم بمعاني هذه الأشياء ، حتى يكون على معرفة بها إذا ما مرّت به في الكتاب.

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه‌الله ـ (٢) :

الموافقة : وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنّفين من غير طريقه.

مثاله : روى البخاري ، عن قتيبة ، عن مالك حديثا.

فلو رويناه من طريقه ؛ كان بيننا وبين قتيبة ثمانية ، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السّرّاج ، عن قتيبة ـ مثلا ـ لكان بيننا وبين قتيبة سبعة. فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علوّ الإسناد على الإسناد إليه.

والبدل : وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك.

كأن يقع لنا ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي ، عن مالك.

فيكون القعنبي بدلا فيه من قتيبة.

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك في صفحة (١٤٣) من كتابنا هذا.

(٢) نزهة النظر صفحة (١٥٦) فما بعدها. وانظر «تدريب الراوي»٢ / ٦١١ ، و «فتح الباقي»صفحة (٤٨٣) ، و «فتح المغيث»٣ / ٤٦ فما بعدها ، و «الباعث الحثيث»٢ / ٤٤٩.


وأكثر ما يعتبرون الموافقة والبدل إذا قارنا العلوّ ؛ وإلا فاسم الموافقة والبدل واقع بدونه.

والمساواة : وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنّفين.

كأن يروي النسائيّ مثلا حديثا يقع بينه وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه أحد عشر نفسا ، فنساوي النسائيّ من حيث العدد ؛ مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص.

والمصافحة : وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف.

وسمّيت مصافحة ؛ لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا ، ونحن في هذه الصورة كأنّا لقينا النسائي ؛ فكأنّا صافحناه.

عملي في الكتاب :

١ ـ نسخ المخطوط ، ثمّ مقابلته على الأصل خشية وقوع سقط أو تصحيف.

٢ ـ تقسيم النّصّ إلى فقرات ؛ بحيث تسهل قراءته ، مع ضبط ما يشكل من أسماء الرّواة والأماكن وغيرهما.

٣ ـ عزو الأقوال والأشعار (١). والحكايات إلى قائليها.

٤ ـ عزو الأحاديث التي رواها المصنف بسنده ، مع ذكر من أخرجه المصنف من طريقه ـ إن أمكن ـ. وتخريج الأحاديث التي ذكرها في أثناء الكتاب بلا سند ، مع نقل أحكام الأئمّة من المتقدمين والمتأخرين على الحديث ـ إن وجدت ـ. وإن خالفت المصنّف في حكمه على الحديث ذكرت حجّتي ليكون أدعى لقبول العذر.

__________________

(١) وقد ساهم الأخ أيمن ذو الغنى بضبط ما أشكل من أبيات الشعر ؛ فجزاه الله خيرا.


٥ ـ تصدير الكتاب بمقدمة تحتوي على :

ـ ترجمة مختصرة للمصنّف.

ـ وصف النسخة المعتمدة في التحقيق.

ـ إثبات نسبة الكتاب إلى مصنّفه.

ـ تحقيق اسم الكتاب.

ـ المآخذ على المصنّف.

ـ تعريف بمصطلحات يكثر ورودها في الكتاب.

٦ ـ صنع فهارس للكتاب.

***





بسم الله الرّحمن الرّحيم

صلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما.

أما بعد حمد الله الذي أظهر السّنن النبوية ، وأسهر فيها الأعين السّوية ، في سائر الأحوال ، فأعمل الفكر في تحصيلها الفحول من الرجال ، وأقبل على النظر في تأصيلها ؛ جملتها وتفصيلها ، أهل العقول ؛ الجهابذة الأبطال ، فسعوا بأتمّ اجتهاد في التّوصّل إليها بالإسناد المتمكّن الاتصال ، ووعوا ما شذّ عنها بالانفراج ؛ أو أدرج معها بسند ظاهره الاعتماد مع اعتلال ، فميّزوه بحسن الانتقاد وأوضحوه بما بيّن به المراد بأحسن مقال ، وتتّبعوا الطّرق الفائقة ، لينتفعوا بها في معانيها الرائقة ، ويظهر من فوائدها ما لا ينحصر في مثال ، ورغبوا في العلوّ الذي يقرّبهم إلى الرّسول ، ويفيدهم قلّة ظنّ تطرّق الخطأ والغفلة في وسائط تلك النقول ، والقرب من الاعتدال ، ورأوا أن مجموع ذلك لا يتمّ إلا بلقاء الرجال ، والارتقاء إلى النّواحي القاصية ؛ فما دونها من المدن الكبار ، والقرى والمحال ، فارتحلوا وما كسلوا ، وساروا بعد أن استخاروا ، وأبعدوا المحال ، وحلّوا في تلك الزّوايا ، ففازوا بالخبايا ، ثمّ انتصبوا لمّا ظفروا بما فيه رغبوا ؛ لإبراز ما في تحصيله تعبوا في الحال والاستقبال.

والصلاة والسّلام على سيّد المرسلين ، وعلى آله وصحبه وتابعيهم إلى يوم الدّين ؛ فهم خير صحب وآل.

فلما كنت لمحبتي في هؤلاء القوم ، ورغبتي في أرباحهم المرجوّ حصولها بالسّوم ، أتشبّه بهم ، وأتنبّه لهديهم وترتيبهم ؛ في التعديل والتجريح ، والتعليل والتصحيح ، وتتبّع الطّرق بإمعان ، والتوسّع فيه إلى غير المظانّ ، مراعيا


قوانينهم المحرّرة ، واعيا من أستاذي (١) فمن يليه اصطلاحهم ؛ مع ملاحظة دواوينهم المعتبرة ، ولم آل جهدا في الاقتحام ؛ في تيّار بحار هذا الشأن والازدحام ؛ في المتابعة بحسن الاعتبار ، لذوي الإتقان رجاء لاستمرار ؛ قائم به في الجملة واعتناء بإكثار ، من أهله عند التحقيق في غاية من القلّة ؛ بل القول الأنسب ؛ أنّهم إلى العدم أقرب :

 وقد كنّا نعدّهم قليلا

فقد صاروا أقلّ من القليل

وما ذاك إلّا لأنه لا يدرك بالهوينى ، ولا يسلك ممّن أشرك غيره معه يقينا ؛ إذ هو بيقين ، كما قال بعض الحفاظ المحققين (٢) : لا يعلق إلّا بمن قصر نفسه عليه ، ولم يضمّ غيره من العلوم إليه. ونحوه تعليل شيخنا تفضيل شيخه العراقي ـ رحمهما‌الله ـ له على ولده المرحوم الوليّ ، بأكثريّة ممارسته لهذا العلم بالنسبة لغيره من فنون العلم المعتلي (٣). وقول إمامنا الشافعيّ مخاطبا لبعض أصحابه السّادات : أتريد الجمع بين الفقه والحديث؟ هيهات!

ورأيت (٤) جماعة من المحدثين ، والحفاظ المعتمدين ، ممّن رحل فاتصل ، وعلى قصده الشريف فيها حصل ، قد خرّج الأحاديث العليّات ؛ البلدانيات ، وهي عن شيوخ جملة ، سمع المخرّج من كلّ واحد منهم ببلد أو محلّة ، لا يكرّر فيها شيخا ولا مكانا ، ولا يقصّر في إيضاحها تبيينا وبيانا ، فكان أوّل من علمته ابتكر هذا الصّنيع ، وأظهر هذا القصد البديع ؛ عتيق بن علي بن داود السّمنطاري (٥) ، تلميذ أبي نعيم الأصبهاني.

__________________

(١) يعني : شيخه الحافظ ابن حجر رحمة الله على الجميع.

(٢) هو الحافظ الخطيب البغدادي كما صرح بذلك المصنف في «الضوء اللامع»٨ / ٥.

(٣) انظر «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»للمؤلف ١ / ٢٧٢.

(٤) ذكر المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ هذا الفصل ـ وهو الاعتناء بالبلدانيات ـ في كتابه الماتع «الجواهر والدّرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»١ / ١٩٥ ـ ١٩٧.

(٥) الزاهد ، الصالح ، العابد ، أحد عبّاد الجزيرة المجتهدين ، وزهادها العالمين ، ممن رفض الأولى ولم يتعلق منها بسبب ، وطلب الأخرى وبالغ في الطلب ، أكثر الترحال والتطواف ، ـ ـ


ثمّ الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السّلفي (١) ، فخرّج «الأربعين البلدانيات»واتصلت بنا بالأسانيد البينات ، وقال (٢) : إنه نوع لم يسبقه مؤلّف ـ فيما يظنّ ـ إلى مثله ، مع تشوّقه (٣) إليه وميله ؛ إذ لا يقدر عليه كلّ أحد إلّا من عرف بالرحلة (٤) الوافرة ، والرحلة المتوافرة ، من بلد إلى بلد في عنفوان شبابه ، وابتداء طلبه للحديث وانتصابه ، نائيا كان المقصد أو قريبا ، ولم يبال بموته غريبا ، ولا بأهله وآله ، وما قد خلّفه من ماله.

وتبعه في التأليف ـ وإن تقدّمت وفاته عنه بيسير ـ الحافظ الكبير ، أبو القاسم ، عليّ بن الحسين بن هبة الله بن عساكر (٥) في «الأربعين»التي سمعتها وقرأتها.

__________________

ـ سافر إلى الحجاز ، واليمن ، والشام ، وفارس ، وخراسان ، وغيرها.

قال ياقوت الحموي : «وله في دخول البلدان ، ولقياه العلماء كتاب بناه على حروف المعجم ؛ في غاية الفصاحة». توفي سنة (٤٦٤).

انظر ترجمته في «معجم البلدان»٣ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، و «تاريخ الإسلام»للذهبي وفيات سنة (٤٦١ ـ ٤٧٩) صفحة (١٥٣).

(١) الإمام ، الحافظ ، المحدّث. بقي في الرحلة ثمانية عشر عاما يكتب الحديث ، والفقه ، والأدب ، والشعر. له «السفينة الأصبهانية»، و «السفينة البغدادية»، و «مقدمة معالم السنن»وغيرها ، توفي سنة (٥٧٦).

انظر ترجمته في «السير»٢١ / ٥.

(٢) في «الأربعين البلدانية»صفحة (٣٢) / تحقيق : عبد الله رابح ، وصفحة (٢٨) / تحقيق (!) مسعد السعدني. وهذه الأخيرة سقيمة للغاية ، مليئة بالتصحيفات والتحريفات ، وقد تصحّفت فيها عبارة السّلفي تصحيفا قبيحا ، وسقط منها الحديث الأول ـ بعد المقدمة ـ وهو طريق معاذ ـ رضي‌الله‌عنه ـ لحديث : «من حفظ على أمتي أربعين حديثا ..»فالله المستعان.

(٣) كذا في الأصل : «بالقاف»وفي «الأربعين»تحقيق : رابح : «تشوفه»بالفاء. وتحرفت في نشرة السعدني إلى «تشرفه».

(٤) كذا في الأصل بالحاء المهملة. وفي «الأربعين»الرّجلة. «بالجيم»وفي «القاموس»: الرّجلة : القوة على المشي.

(٥) الإمام ، العلامة ، الحافظ ، محدّث الشام ، صاحب «تاريخ دمشق»توفي سنة (٥٧١). وكتابه مطبوع متداول.

انظر ترجمته في «السير»٢٠ / ٥٥٤.


ثمّ الحافظ ، أبو يعقوب ، يوسف بن أحمد بن إبراهيم الشيرازيّ (١) ، ثم البغداذي. جمع أيضا «الأربعين البلدانيات»وقال الذهبي (٢) : إنّه أجاد في تصنيفها.

ثمّ القاضي ، أبو البركات ، محمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي الأنصاريّ ، الموصليّ ، الشافعيّ (٣) ، جمعها كذلك.

ثمّ الشيخ ، أبو عبد الله ، محمد بن إسماعيل بن علي أبي الصّيف اليماني (٤) ، الفقيه ، الشافعي ، نزيل مكة ؛ فإنه خرّج أربعين حديثا عن أربعين شيخا من أهل أربعين مدينة ؛ لكن ممّن سمع منهم بمكة خاصة ، فليس هو من شرطنا ، وإنما أثبتّه دفعا لتوهّم كان وقع لي.

__________________

(١) الشيخ ، الإمام ، المحدّث. كان ذا رحلة واسعة ، ومعرفة جيدة ، وصدق وإتقان. توفي سنة (٥٨٥).

انظر ترجمته في «السير»٢١ / ٢٣٩.

(٢) وزاد : وهو في مجلد. انظر «السير»٢١ / ٢٤١.

(٣) ولاه نور الدين حماة ، ثم ذهب إلى مصر فتولى قضاء أسيوط ما يزيد على عشرين سنة. له كتاب «عيون الأخبار وغرر الحكايات والأشعار»قال المنذري : وقع فيه مواضع وهمها ظاهر جدا. توفي سنة (٦٠٠).

انظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة»للمنذري ٢ / ١٥ ـ ١٦ ، و «تاريخ الإسلام»للذهبي وفيات سنة (٥٩١ ـ ٦٠٠) صفحة (٤٧٧) ، و «طبقات الشافعية»لابن كثير ٢ / ٧٥٦ ، و «طبقات الشافعية»للإسنوي ٢ / ٤٤٣ ، و «الوافي بالوفيات»للصفدي ٤ / ١٧١ ، و «معجم المؤلفين»لكحالة ٣ / ٥٤٥ رقم (١٤٩١٣).

(٤) فقيه الحرم الشريف ، تفقه على مذهب الإمام الشافعي ، وكان على طريقة حسنة ، وسيرة جميلة وخير. أرّخ المنذري وفاته سنة (٦٠٧) ، وذكره أيضا فيمن توفي سنة (٦١٩) ، وتبعه الذهبي في «تاريخ الإسلام»على ذلك. قال تقي الدين الفاسي في «العقد الثمين»١ / ٤١٦ : وهذا عجيب منه ، وأعجب من ذلك ما ذكره الإسنائي من أنه توفي سنة سبع عشرة ، والصواب : أنه توفي سنة تسع وست مئة كما ذكره غير واحد ؛ منهم : الميورقي ، والجندي في «تاريخ اليمن».

انظر ترجمته في «التكملة»للمنذري ٢ / ٢٦٤ ، و «تاريخ الإسلام»للذهبي وفيات سنة (٦٠١ ـ ٦١٠) صفحة (٣٤٣) مع الحاشية.


وممّن كان في هذا الوقت ، وطوّف الأقاليم بحيث قال ابن خلّكان (١) : «إنّه كاد يطبّق الأرض بالدّوران ، ولم يترك برا ، ولا بحرا ، ولا سهلا ، ولا جبلا ؛ مما تمكن رؤيته إلا رآه ، وكتب خطّه في حائط ذلك الموضع»ـ الشّيخ ، تقي الدين ، علي بن أبي بكر الهروي الزاهد ، مصنف المزارات والمشاهد ، التي عاينها في الدنيا ، وأظنّ ذلك سبب دورانه ؛ فإنني لم أر له تخريجا في البلدانيات.

ثمّ الحافظ ، أبو محمد ، عبد القادر بن عبد الله الرّهاويّ (٢) ، الحنبلي ، عمل «الأربعين المتباينة الإسناد والبلدان»واختصّ بسبقه بجمعها في كتاب واحد.

ولذا قال الذهبي (٣) : إنّه شيء لم يسبق إليه ، ولا يرجى بعده. وهو كتاب كبير في مجلّد ضخم ، من نظر فيه علم سعته في الحديث والحفظ ؛ لكنه ـ كما نبّه عليه المزي ـ تكرّر عليه ذكر أبي إسحاق السّبيعي وسعيد بن محمد البحيري.

وقد وقع لي بعضها بالسّماع المتصل.

__________________

(١) في «وفيات الأعيان»٣ / ٣٤٦.

قال ابن خلكان : ولما سار ذكره بذلك ، واشتهر به ، ضرب به المثل فيه. ورأيت لبعض المعاصرين ـ وهو ابن شمس الخلافة جعفر ـ بيتين في شخص يستجدي من الناس بأوراقه ، وقد ذكر فيهما هذه الحالة وهما :

أوراق كديته في بيت كلّ فتى

على اتفاق معان واختلاف روي

قد طبّق الأرض من سهل إلى جبل

كأنّه خطّ ذاك السّائح الهروي

وإنما ذكرت البيتين استشهادا بهما على ما ذكرته من كثرة زياراته ، وكتب خطه ا ه.

(٢) الإمام ، المحدث ، الرحال ، الجوال. كان كثير السماع ، كثير التصنيف ، وكان به عسر في الرواية. توفي سنة (٦١٢).

انظر ترجمته في «السير»٢٢ / ٧١.

(٣) في «تاريخ الإسلام»وفيات سنة (٦١١ ـ ٦٢٠) صفحة (١٠٥).


ثمّ أبو الحسن ، علي بن أحمد (١) بن يحيى الأزدي ، الجياني ، أحد شيوخ ابن مسدي ؛ فإنّه دخل العراق وغيره ، وألزم نفسه الأذان بمنار كلّ بلد دخله ، ورواية حديث أو حديثين عمن يلقاه ، فاجتمع له أربعون حديثا عن أربعين شيخا من أربعين بلدا.

ثم الحافظ ، الصّدر ، أبو علي ، الحسن بن محمد بن أبي الفتوح محمد بن محمد بن عمرو (٢) البكري (٣) ، النيسابوري ، عمل أيضا «أربعي البلدان»وقد قرأتها بسندين أعلاهما عن أصحاب ابن الحافظ مغلطاي الحنفي ، عن أبي الحسن الواني سماعا ، أنا بها الصّدر فذكرها.

ثمّ الوجيه ، أبو المظفّر ، منصور بن سليم السّكندري (٤) ، الشافعي (٥) ، خرّج أربعين حديثا من أربعين موضعا ؛ بعضها بلدان ، وبعضها قرى ومحالّ.

ثمّ الشمس ، أبو عبد الله ، محمد بن محمد بن الحسين بن عبدك الكنجيّ (٦) ،

__________________

(١) في «الجواهر والدرر»للمصنف ١ / ١٩٦ : «علي بن محمد»ولم أقف عليه.

(٢) كذا في «الأصل»وفي «السير»عمروك.

(٣) كان يقول : اجتمع لي في رحلتي وأسفاري ما يزيد على مئة وستين بلدا وقرية ، أفردت لها معجما فسألني بعض الطلبة أربعين حديثا للبلدان ؛ فجمعتها في أربعين من المدن الكبار ، عن أربعين صحابيا ، لأربعين تابعيا.

قال الذهبي : ما هو بالبارع في الحفظ ، ولا هو بالمتقن.

انظر ترجمته في «السير»٢٣ / ٣٢٦.

(٤) الإمام ، الفقيه ، الحافظ ، المحدّث. سمع الكثير من أصحاب السّلفي ، ورحل إلى الشام والعراق. عني بفنون الحديث والرجال والتاريخ والفقه. درّس بالإسكندرية ، وجمع «المعجم»لنفسه.

قال الذهبي : كان ديّنا ، خيّرا ، حميد الطريقة ، كثير المروءة ، محسنا إلى الرّحالة ، لين الجانب. توفي سنة (٦٧٣).

انظر ترجمته في «تاريخ الإسلام»للذهبي وفيات (٦٧١ ـ ٦٨٠) صفحة (١٤١) مع التعليق عليه.

(٥) في «الجواهر والدرر»للمصنف ١ / ١٩٦ : المالكي.

(٦) كذا في «الأصل»: الكنجي بنون ثم جيم ، وكذا هو في النسخ الخطية من «الجواهر والدرر»، ـ ـ


الصوفيّ (١) ، خرّج أيضا «الأربعين البلدانيات».

ثمّ الحافظ ، الجمال ، أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهريّ (٢) ، الحنفيّ كذلك.

ثمّ الحافظ الشّرف ، أبو أحمد ، عبد المؤمن بن خلف الدّمياطيّ (٣) ، خرّج كلّا من «البلدانيات» و «المتباينات».

ثمّ الحافظ ، القطب ، أبو محمد عبد الكريم بن عبد النور ، الحلبيّ ،

__________________

ـ وكذا في «تذكرة الحفاظ»٤ / ١٤٩٢ ، وكذا جاء بخط الكنجي نفسه فيما نقله الزركلي في «الأعلام»٧ / ٣١.

وتصحفت في المطبوع من «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (٢٠٠) و «معجم الشيوخ»٢ / ٢٦٧ كلاهما للذهبي بتحقيق الدكتور محمد الحبيب الهيلة إلى «الكيخي»بياء ثم خاء معجمة. وتبعه على ذلك محقق «الجواهر والدرر»؛ فاقتضى التنبيه ، والله أعلم.

(١) قال الذهبي : «خرّج لنفسه معجما فيه أوهام ، وأربعين بلدانية يكرر من شيوخه». توفي سنة (٦٨٤).

انظر ترجمته في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (٢٠٠) و «معجم الشيوخ»٢ / ٢٦٧ كلاهما للذهبي.

(٢) قال الذهبي : كان ثقة ، خيّرا ، حافظا ، سهل العبارة ، مليح الانتخاب ، خبيرا بالموافقات والمصافحات ، لا يلحق في جودة الانتقاء.

وقال أيضا : «كان أحد من عني بهذا الشأن ، وكتب عن سبع مئة شيخ ، وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه». ا ه وقد خرج العديد من المشيخات من أشهرها : «مشيخة ابن البخاري»وهو مطبوع متداول. توفي سنة (٦٩٦).

انظر ترجمته في «العبر»٣ / ٣٨٦ ، و «تذكرة الحفاظ»٤ / ١٤٧٩ ، و «شذرات الذهب»٧ / ٧٥٩.

(٣) الإمام ، المحدث ، العلم. قال المزي : «ما رأيت أحفظ منه». وقال الذهبي : «كان صادقا ، حافظا ، متقنا ، جيّد العربية ، غزير اللغة ، واسع الفقه ، رأسا في علم النسب ، ديّنا ، كيسا ، متواضعا ، بسّاما ، محببا إلى الطلبة ، مليح الصورة ، نقي الشيبة ، كبير القدر».

انظر ترجمته في «تذكرة الحفاظ»٤ / ١٤٧٧ ، و «معجم الشيوخ»١ / ٤٢٤ ، و «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (٩٥) ثلاثتها للذهبي. و «الدرر الكامنة»٢ / ٤١٧ ، و «الأعلام»٤ / ١٦٩.


الحنفيّ (١) ، خرّجها أيضا.

ثمّ الحافظ ، العلم ، أبو محمد القاسم بن البهاء محمد بن يوسف البرزالي (٢).

ثمّ الحافظ ، الشمس ، أبو عبد الله ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (٣).

رأيت بخطّه قائمة ذكر فيها البلاد التي سمع فيها ، وأورد في كلّ بلد شيخا ، وعدتها : أربعة وأربعون. وكان خرّج منها قبل ذلك ثلاثين ؛ بل والتقط من «المعجم الصغير»للطبراني أربعين بلدانية.

__________________

(١) الإمام ، الحافظ ، المحدّث ، المصنف. قال الذهبي : جمع ، وخرّج ، وألّف تواليف متقنة ؛ مع التواضع ، والدين ، والسكينة ، وملازمة العلم ، والمطالعة ، ومعرفة الرجال ، ونقد الحديث.

انظر ترجمته في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (١٥٠) ، و «معجم الشيوخ»١ / ٤١٢ ، و «العبر»٤ / ١٠١ ، و «تذكرة الحفاظ»٤ / ١٥٠٢ كلها للذهبي ، و «الدرر الكامنة»٢ / ٣٩٨ ، و «الجواهر المضية في طبقات الحنفية»٢ / ٤٥٤.

(٢) الإمام ، الحافظ ، المتقن ، مؤرّخ الشام. كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : «نقل البرزالي نقش في حجر».

قال الذهبي : «وهو الذي حبّب إليّ طلب الحديث ؛ فإنه رأى خطي فقال : خطّك يشبه خطّ المحدثين. فأثّر قوله فيّ ، وسمعت منه ، وتخرجت به في أشياء». توفي سنة (٧٣٩).

انظر ترجمته في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (٧٧) ، و «معجم الشيوخ»٢ / ١١٥ ، و «الدرر الكامنة»٣ / ٢٣٧ ، و «الأعلام»٥ / ١٨٢.

(٣) الإمام ، الحافظ ، الناقد ، مؤرخ الإسلام ، وشيخ الجرح والتعديل. قال السبكي فيه : كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد ؛ فنظرها ، ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها.

وترجم لنفسه في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (٩٧) ومما قال : «وجمع تواليف ـ يقال مفيدة ـ والجماعة يتفضلون ويثنون عليه ، وهو أخبر بنفسه وبنقصه في العلم والعمل ، والله المستعان ، ولا قوة إلا به ، وإذا سلم لي إيماني فيا فوزي». ومناقبه وفضائله كثيرة.

توفي سنة (٧٤٨).

انظر ترجمته في «الدرر الكامنة»٣ / ٣٣٨ ، وتقدمة الدكتور بشار عواد ل «سير أعلام النبلاء».


ثم الشمس ، أبو عبد الله ، محمد بن جابر الوادياشي (١) ، المالكي ، وهي أربعون. وممن كتبها البرازلي عنه ، والشرف أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد الواني (٢) ، الحنفي ، خرّج «الأربعين البلدانيات».

وأبو العباس ، أحمد بن سعيد بن عمر السّيواسي (٣) ، خرّج كلا من «المتباينات» و «البلدانيات».

ثم التقي ، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرّام السّكندري (٤) ، سبط الشيخ أبي الحسن الشاذلي ، وعزّ عليه قول الحافظ الذهبي في تقريظه : مشيخة وجيهيّة التي خرّجها ، فلو أضاف إلى ذلك ارتحالا ، ومجالسة ، ولقاء ، ومذاكرة ، واعتناء ، وتحصيل العوالي ، ومشافهة الحفاظ ؛ لرجوت له أن يصير أوّل من

__________________

(١) الإمام ، الحافظ ، الرّحال ، إمام المحدثين في تونس ، كان حسن المشاركة ، عارفا بالنحو ، واللغة ، والحديث ، والقراءة. رحل إلى المشرق مرتين ، ثم رحل إلى المغرب ، ورجع إلى بلاده تونس ومات بها سنة (٧٤٩) في الطاعون العام الذي وقع بها وبعدّة بلدان غيرها.

انظر ترجمته في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (٢٢٦) ، و «الدرر الكامنة»٣ / ٤١٣ ، و «الأعلام»٦ / ٦٨.

(٢) الإمام ، الفقيه ، المحدّث. قال الذهبي : «هو فصيح الأداء ، جيد الذهن ، خائف من الله ، أخذ عني ، ثم أفتى ودرّس». توفي سنة (٧٤٩).

انظر ترجمته في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (١٢٣) ، و «الدرر الكامنة»٢ / ٣٨٨ ، و «لحظ الألحاظ»لابن فهد المكي (١٢٧).

(٣) المقرىء ، المحدث ، سمع من الجزري والمزي وغيرهما.

قال الذهبي : «قرأ القرآن ، وعني بالرواية». توفي سنة (٧٤٩) في الطاعون العام.

انظر ترجمته في «المعجم المختص بالمحدثين»صفحة (١٩) ، و «الدرر الكامنة»١ / ١٣٦.

(٤) الإمام ، المحدّث ، الفقيه ، المفتي. قال الحافظ : «حدّث ، وأفتى ، ودرس ، وصنف ، وخرج ، وتفرد بأشياء من مسموعاته». توفي سنة (٧٧٧).

انظر ترجمته في «الدرر الكامنة»٣ / ٤٦٣ ، و «الذيل على العبر»لأبي زرعة العراقي ٢ / ٤٢٠ ، و «شذرات الذهب»٨ / ٤٣٦.


تثنى عليه الخناصر ، وأن ينوّه بذكره في المحافل والمحاضر ، وبكلّ حال فالخمول مطلوب ، والإخلاص محبوب.

فقال المقرّظ له في كلام طويل : قد ارتحلت لمكة ، والمدينة ، وإسكندرية ، ومصر ، والقاهرة ، وثغر أسوان ، وقوص ، وأخميم ، وأسيوط ، ومنفلوط ، وفوّة ، ورشيد ، والجيزية ، ودمنهور ، والبحيرة ، وتروجة ، وغيرهن ، وزدت على أربعين بلدة ، وخرّجت لنفسي «الأربعين البلدانيات»وحدثت بها.

ثمّ الحافظ ، الزين ، أبو الفضل ، عبد الرحيم بن الحسين العراقي (١) ، وعدتها خمسة وثلاثون ، وسمعت تلميذه شيخنا يقول : إنه كان عزم على إخراج بعض الشيوخ المزاحمين للقرن التاسع ؛ ممن أخذ عنهم شيخنا لبعض القرى والسّماع منه ، قصدا لتكميلها أربعين ؛ فما قدّر.

ثمّ شيخنا ، وكاشف معضلاتنا ، الأستاذ ، الناقد ، الحجة ، الشهاب ، أبو الفضل ، أحمد بن علي بن حجر (٢).

__________________

(١) الإمام ، الحافظ ، المتقن. اشتغل بالعلوم ، وأحبّ الحديث ولازمه ، وأكب عليه ؛ حتى غلب عليه ، وتوغل فيه بحيث صار لا يعرف إلا به. وكان قد لهج بتخريج أحاديث «إحياء علوم الدين»وله من العمر نحو العشرين ، وخرجه تخريجا كبيرا ومتوسطا وصغيرا ، والصغير هو المسمى : «المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار»أما التخريج الكبير فقد مات عن أكثره وهو مسودة كما قال الحافظ ابن حجر في «النكت»٢ / ٧٢٧ ، توفي سنة (٨٠٦).

انظر ترجمته في «الضوء اللامع»٤ / ١٧١.

(٢) الإمام ، الحجة ، خاتمة الحفاظ ، أمير المؤمنين في الحديث ، صاحب المؤلفات النافعة ؛ ومن أنفعها «فتح الباري شرح صحيح البخاري».

قال تلميذه السخاوي : «وقد سمعته يقول : لست راضيا عن شيء من تصانيفي ؛ لأني عملتها في ابتداء الأمر ثم لم يتهيأ لي من يحررها معي سوى «شرح البخاري»، و «مقدمته»، و «المشتبه»، و «التهذيب»، و «لسان الميزان»؛ بل كان يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أتقيد بالذهبي ، ولجعلته كتابا مبتكرا. بل رأيته في موضع أثنى على «شرح البخاري»، و «التغليق»، و «النخبة». وأما سائر المجموعات فهي كثيرة العدد ، واهية العدد ، ضعيفة القوى ، ظامئة الروى ..»ا ه.


رأيت بخطه قائمة صورتها : البلدانيات لكاتبها ، وسرد أسماء القرى ، والبلاد ، والمحال ، وهي تسعة وثلاثون. فيذكر المكان ، والشيخ الذي سمع منه فيه ، والكتاب أو الجزء الذي يخرّج منه ، أو نحو ذلك. وفيها عن رفقائه فمن دونهم ؛ ولكن لم يتيسّر له تخريج ذلك فيما وقفت عليه ؛ مع أنني وقفت له أيضا على عشرة أماكن من نمط ما ذكره ؛ سمع فيها أيضا ؛ نعم خرّج «الأربعين المتباينات»وتوسّع هو وغيره ممن تقدم في أماكن شبيهة بالبلاد في الجملة ؛ وإن لم يكن بها خطبة ولا مستوطن بدون نقلة.

ولعمري إنّه نوع شريف ، وفرع ينشأ عنه غير معنى لطيف ؛ لأنه ربما انفرد بعض أهل ذلك البلد بشيء من السنن ، فيكون في الاجتهاد فيه إبرازه على هذا الوجه الحسن ، وذلك مما يحرصون عليه ، ويصرفون نظرهم إليه ، ولذا صنّف أبو داود السّجستاني «كتاب التفرد»(١). وأورد فيه ـ مما تفرد به أهل اليمامة ـ حديث طلق في كون مسّ الذّكر لا ينقض الوضوء للتعبد (٢).

__________________

وقد أفرد العلماء ترجمته في مؤلفات مستقلة ومن أجودها ترجمة تلميذه السخاوي الذي سماه «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»وهو مطبوع في ثلاث مجلدات.

وانظر أيضا : «ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتاب الإصابة»للدكتور شاكر عبد المنعم.

(١) قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «مجالس في تفسير قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...)»صفحة (٣٤٥) عند ذكره لأقسام التفرد : وتارة يأتي الحديث فيقال مثلا : تفرّد به أهل البصرة ، أو أهل الكوفة ، أو يقال : هذه سنة تفرّد بها أهل بلد كذا ، ولأبي داود صاحب «السنن»مصنّف مفرد في ذلك سمّاه «كتاب التفرد»وذكر في «سننه»شيئا يسيرا من ذلك ا ه.

(٢) رواه الطيالسي (١٠٩٦) ، وابن أبي شيبة ١ / ١٦٥ ، وأحمد ٤ / ٢٢ ، ٢٣ ، وأبو داود (١٨٢) ، والترمذي (٨٥) ، والنسائي ١ / ١٠٣ ، وابن حبان (١١١٩) (١١٢٠). وغيرهم من طريق قيس بن طلق ، عن أبيه قال : سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيتوضأ أحدنا إذا مسّ ذكره؟ قال : «إنّما هو بضعة منك أو جسدك».

وصحّح الحديث عمرو بن علي الفلاس وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة.

وقال علي بن المديني : حديث طلق أحسن من حديث بسرة.


وأيضا فمعرفة مخرج الأحاديث النبويات ، وهي كونها مكية ، مدنية ، شامية ، عراقية ؛ من الضروريات ، فأحببت اقتفاء أثرهم فيه ، والاكتفاء بتقليدهم فيما أبرزت البعض من فوائده بالتوجيه ، وخرّجت من كلّ بلد ، أو قرية ، أو محلّة من الأماكن التي دخلتها في الرحلة ، مما بلغ بحمد الله بالتعيين ؛ الثمانين ، عن واحد ممن عنه كتبت ، ومنه استفدت ، حديثا ، أو خبرا ، أو حكاية ، أو شعرا ، مرتّبا للأماكن على حروف المعجم ، مقرّبا تعريف ما لعلّه منها يستعجم ، آتيا في غضون ذلك بفوائد ، روايا الكثير من عيون الزوائد ، جعله الله خالصا لوجهه ، بعيدا عن الرياء وشبهه ، إنه قريب مجيب.

***

__________________

وقال الترمذي : هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب.

وقال الطحاوي : إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة.

وصححه أيضا ابن حبان ، والطبراني ، وابن حزم. وضعفه الشافعي ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، والدار قطني ، والبيهقي ، وابن الجوزي.

انظر الكلام على هذا الحديث في «الإمام»لابن دقيق العيد ١ / ٢٦٩ فما بعدها ، و «نصب الراية»١ / ٦٠ ـ ٦١ ، و «التلخيص الحبير»١ / ١٢٥.

وأما حديث بسرة فقد أسهب الإمام الدار قطني في الكلام عليه في «العلل»بما يزيد على خمس عشرة ورقة ، من ج ٥ / ق ١٩٧ / ب إلى ج ٥ / ق ٢١٢ / أ، وانظر «الإمام»١ / ٢٨٠ فما بعدها.


البلد الأول :

جدّة (١)

وقدّمت للضرورة. وهي بضمّ الجيم ، وتشديد الدال المهملة ، ثم هاء.

بليدة بشاطىء البحر ، على مرحلتين من مكة ؛ بينهما أربعون ميلا ، وهي مرساتها وفرضتها (٢) ؛ بل ساحلها الأعظم ، ومنها يركب المسافر في البحر إلى البلاد ، وأول من جعلها ساحلا عثمان (٣) ـ رضي‌الله‌عنه ـ بعد استشارته الناس في ذلك ، لما سئل فيه في سنة ست وعشرين من الهجرة ، وكان ساحل مكة قبل ذلك : الشّعيبة.

ويروى في فضلها ـ مما لا يصحّ ـ عن ابن عمر ـ رضي‌الله‌عنهما ـ مرفوعا : «يأتي على النّاس زمان يكون أفضل الرّباط رباط جدّة»(٤).

__________________

(١) انظر «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع»للبكري ١ / ٣٧١ ، و «مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن»لابن الجوزي ، و «تاريخ مكة والمدينة»لابن الضياء ، و «معجم البلدان»لياقوت الحموي ٢ / ١١٤ ، و «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع»لصفي الدين البغدادي ١ / ٣١٨ ، و «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام»للفاسي ١ / ١٤٠ ـ ١٤٢ ومنه استقى المصنف كلامه هنا ، و «منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم»للسنجاري.

قال البكري : سميت بذلك لأنها حاضرة البحر. والجدّة من البحر والنهر ما ولي البر ، وأصل الجدّة الطريق الممتدة.

(٢) فرضة البحر : محطّ السفن. انظر «القاموس المحيط»مادة : (فرض).

(٣) انظر «أخبار مكة»للفاكهي ٣ / ٢٣١ ، و «شفاء الغرام»للفاسي ١ / ١٤١.

(٤) رواه ابن عدي في «الكامل»٧ / ٣٨٢ ، ومن طريقه ابن الجوزي في «الموضوعات»٢ / ٣١٠ رقم (٨٧٥) من طريق محمد بن عبد الرحمن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر ـ رضي‌الله‌عنهما ـ به مرفوعا.

ومحمد هذا قال فيه أبو حاتم ، والبخاري ، والنسائي ، وأبو نعيم : منكر الحديث. وقال ابن حبان : «حدّث عن أبيه شبيها بمئتي حديث ؛ كلّها موضوعة ، لا يحل الاحتجاج بها». ا ه ـ ـ
وعن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ رفعه أيضا : «أربعة أبواب من أبواب الجنة مفتحة في الدّنيا أوّلهنّ : الإسكندرية ، وعسقلان ، وقزوين ، وعبّادان ، وفضل جدّة على هؤلاء كفضل بيت الله الحرام على سائر البيوت»(١).

ذكرهما ابن الجوزي في «الموضوعات»(٢).

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رفعه أيضا : «مكّة رباط ، وجدّة جهاد»(٣) أخرجه الفاكهي ، وسنده ضعيف جدا.

وهو عنده (٤) عن ابن جريج من قوله. وقال ابن جريج عقبه : إني لأرجو أن يكون فضل المرابط بها على غيرها كفضل مكة على سائر البلدان.

وعنده (٥) أيضا من جهة ابن جريج ، عن عطاء قال : إنّما جدّة خزانة مكة ،

__________________

ـ وأبوه ليّنه أبو حاتم. وقال ابن حبان : لا يجب أن يعتبر بشيء من حديثه إذا كان من رواية ابنه ؛ لأن ابنه محمد بن عبد الرحمن يضع على أبيه العجائب.

(١) رواه ابن حبان في «المجروحين»٢ / ١٣٣ ، ومن طريقه ابن الجوزي في «الموضوعات»٢ / ٣١٠ رقم (٨٧٦) من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ به مرفوعا.

وعبد الملك هذا قال فيه أبو حاتم : «متروك الحديث». وكذّبه ابن معين. وقال ابن حبان : «كان ممن يضع الحديث». وقال الحاكم : «روى عن أبيه أحاديث موضوعة». وقال الذهبي في «الميزان»: «والسند إليه ظلمة ؛ فما أدري من افتعله». وقال في «تلخيص الموضوعات»رقم (٣٥٣) : عبد الملك كذاب.

(٢) ٣ / ٣١٠ رقم (٨٧٥) (٨٧٦).

(٣) رواه الفاكهي في «أخبار مكة»(١٥٧٠) (١٧٨٠) قال : حدثنا عبد الله بن منصور ، عن سليم بن مسلم المكي ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب به.

وعزاه إليه الفاسي في «شفاء الغرام»١ / ١٤٠ وسليم بن مسلم قال فيه النسائي : «متروك الحديث». وقال أحمد : «لا يساوي حديثه شيئا». وقال ابن معين : «جهمي خبيث».

انظر «الميزان»٢ / ٢٣٢ ، و «اللسان»٣ / ١١٣. والمثنى بن الصباح قال فيه أحمد : «لا يساوي حديث شيئا ، مضطرب الحديث». وليّنه أبو حاتم وأبو زرعة.

(٤) رقم (١٧٨٢) قال : حدثنا ابن أبي يوسف ، ثنا يحيى بن سليم ، عن ابن جريج به.

(٥) رقم (١٧٨١) قال : حدثنا إبراهيم بن أبي يوسف ، ثنا يحيى بن سليم ، عن ابن جريج ،


وإنّما يؤتى به إلى مكة ولا يخرج به منها.

ومن جهة ضوء بن فجر (١) قال : كنت جالسا مع عبّاد بن كثير في المسجد الحرام فقلت : الحمد لله الذي جعلنا في أفضل المجالس وأشرفها.

قال : وأين أنت عن جدّة؟ الصلاة فيها سبعة عشر ألف صلاة (٢) ، والدرهم فيها مئة ألف ، وأعمالها بقدر ذلك ، يغفر للناظر فيها مدّ بصره.

قلت : رحمك الله ، مما يلي البحر؟ فقال : مما يلي البحر.

ومن جهة عبيد الله بن سعيد بن قنديل (٣) قال :

جاءنا فرقد السّبخي بجدّة فقال : إني رجل أقرأ هذه الكتب ؛ وإني لأجد فيما أنزل الله عزوجل من كتبه جدّة أو جديدة ؛ يكون بها قتلى ، وشهداء ، لا شهيد يومئذ على ظهر الأرض أفضل منهم.

وذكر ابن جبير (٤) أنه رأى بها أثر سور محدق بها ، وأنه كان بها موضع فيه قبّة مشيّدة عتيقة يذكر أنها منزل حواء ، أمّ البشر ، زوج آدم عليهما‌السلام. فلعلّه

__________________

ـ ـ سمعت عطاء ، فذكره.

(١) رواه الفاكهي (١٧٨٣) حدثنا محمد بن علي الصائغ ، ثنا خليل بن رجاء ، ثنا مسلم بن يونس ، حدثني محمد بن عمر ، عن ضوء بن فجر فذكره.

ومحمد بن عمر هو الواقدي : متروك.

تنبيه : كذا في «الأصل»: ضوء بن فجر. وفي المطبوع من «أخبار مكة»: صو بن فخر ، وفي «شفاء الغرام»نقلا عن الفاكهي : حنو بن فجر. ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام أنه في الكتابة القديمة كثيرا ما تهمل الهمزة الواقعة في نهاية الكلمات المعدودة وغيرها ، مثل سماء وشيء وضوء فتكتب : سما ، وشي ، وضو. انظر مبحثا نفيسا في ذلك للأستاذ عبد السلام هارون ـ رحمه‌الله ـ في كتابه «قطوف أدبية»صفحة (١٦).

(٢) في «أخبار مكة»(١٧٨٣) : سبع عشرة ألف ألف صلاة. وكذا نقله الفاسي ١ / ١٤٠ عن الفاكهي.

(٣) رقم (١٧٨٦) قال : حدثنا إبراهيم بن أبي يوسف قال : ثنا يحيى بن سليم قال : سمعت عبيد الله بن سعيد بن قنديل فذكره.

(٤) انظر «شفاء الغرام»١ / ١٤١.


المكان الذي يقال له الآن : قبر حواء. وقد قال ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ كما عند الفاكهي (١) : إن قبرها بجدّة.

ومما ذكره ابن جريج أنّ بها مسجدين ؛ ينسبان لعمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقال لأحدهما : «مسجد الأبنوس»لساريتين فيه من خشب الأبنوس ، وهو معروف إلى الآن.

وأما الآخر فيمكن أن يكون هو المسجد الذي تقام فيه الجمعة بها ، وهو من عمارة المظفّر صاحب اليمن فيما قيل.

وهي من البلاد التي سمع بها الطبراني على بعض شيوخه ، وأبو حيان على أحمد بن محمد بن الحسن الحرّاز ، الزبيدي ، وكذا شيخنا. وإليها ينسب جماعة منهم : أحمد بن سعيد بن فرقد ، وجابر بن مرزوق ؛ أبو عبد الرحمن ، وحفص بن عمر بن عبد الله ، وعبد الملك بن إبراهيم ، وعليّ بن محمد القطان ؛ شيخ لأبي محمد الأكفاني.

وفي الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ من ينتسب : الجدّي ـ بفتح الجيم ـ لكون بعض أجداده من اسمه : الجدّ.

وكذا في الألقاب : الجديّ بضم الجيم ، وفتح المهملة ، وتثقيل الياء ؛ لسعيد بن عبدوس الأندلسي. بل وفي الأسماء عدّة كذلك ، والله الموفق.

١ ـ أخبرني الإمام ، أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي اليماني ، ثمّ المكي ، الشافعي ، بقراءتي عليه بمنزل الخواجا جمال الدين الدقوقي من بندر جدة ـ حرسه الله ـ وهو أول حديث قرأته عليه ـ قلت له : قرأت على الإمام

__________________

(١) في «أخبار مكة»(٢٦٠٠) قال : حدثنا عبد الله بن منصور ، عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : قبر آدم عليه‌السلام بمكة أو في مسجد الخيف ، وقبر حواء بجدة.


الزيني أبي بكر بن الحسين المراغي بالرّوضة الشريفة من طيبة ـ وهو أول حديث قرأته عليه ـ فأقرّ به (ح).

وأنبأني عاليا الخطيب ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الخليلي ؛ وهو أول حديث رويته عنه قالا : حدثنا الصّدر ، أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدوميّ ، قال الأول : وهو أول حديث سمعته منه. وقال شيخي : وهو أول حديث حضرته عنده قال : ثنا النّجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرانيّ ؛ وهو أول حديث سمعته منه. قال : ثنا الحافظ ، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي ؛ وهو أول حديث سمعته منه قال : ثنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري ؛ وهو أول حديث سمعته منه قال : ثنا والدي أبو صالح المؤذّن ؛ وهو أول حديث سمعته منه قال : ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزياديّ ؛ وهو أول حديث سمعته منه قال : ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزّاز ؛ وهو أول حديث سمعته منه قال : ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ؛ وهو أول حديث سمعته منه قال : ثنا سفيان بن عيينة ؛ وهو أول حديث سمعته من سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي قابوس ؛ مولى عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن عبد الله بن عمرو رضي‌الله‌عنهما ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الرّاحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء».

هذا حديث حسن (١) ؛ بل صحّحه غير واحد (٢).

__________________

(١) وكذا حسنه الحافظ في «الإمتاع»رقم (١) ، وفي «الأمالي السّفرية»(الحلبية) المجلس الثاني صفحة (٢٧). وصححه في «الأمالي»أيضا صفحة (١٥).

(٢) صححه الترمذي (١٩٢٤) ، والحاكم ٤ / ١٥٩ ، وأبو الفتح الخرقي في «فوائده»والعراقي في «عشارياته»كما في «السلسلة الصحيحة»(٩٢٥) ، والذهبي في «معجم الشيوخ»١ / ٢٣ ، والألباني في «الصحيحة»(٩٢٥).


رواه الإمام أحمد (١) ، والحميدي (٢) في «مسنديهما»عن ابن عيينة.

والبخاري في «الأدب المفرد»(٣) وغيره من تصانيفه (٤) عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم. والبيهقي في «السّنن»(٥) وغيرها من تصانيفه (٦) عن أبي طاهر بن محمش ، فوافقناهم في شيوخهم بعلوّ.

ورواه أبو داود في الأدب من «سننه»(٧) عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومسدد.

والترمذي في البر من «جامعه»(٨) أتمّ من هذا عن العدني.

ثلاثتهم عن ابن عيينة ؛ فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وقال الترمذي : إنه حسن صحيح (٩).

__________________

(١) ٢ / ١٦٠.

(٢) رقم (٦٠٢) ولفظ أحمد والحميدي : «الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء».

(٣) وكذا عزاه المصنف في «المقاصد الحسنة»، والمناوي في «فيض القدير»، والعجلوني في «كشف الخفا»، والغماري في «المداوي»١ / ٥٠٦ ، ولم أقف عليه في المطبوع من «الأدب المفرد»، ولا عزاه مؤلفو «المسند الجامع»١١ / ١٩٥ له. وعزاه الحافظ في «الفتح»١٣ / ٤٤٤ وفي «الأمالي الحلبية»إلى «التاريخ الكبير»فقط. وهو عند البخاري في «الأدب المفرد»باللفظ الذي ساقه المصنف بعد. والله أعلم.

(٤) رواه في «الكنى»صفحة (٦٤).

(٥) ٩ / ٤١.

(٦) في «شعب الإيمان»(١١٠٤٨) وفي «الأسماء والصفات»(٨٩٣).

(٧) (٤٩٤١).

(٨) (١٩٢٤).

(٩) قال الحافظ في «الإمتاع»صفحة (٦٤) : وكأنه صححه باعتبار المتابعات والشواهد ؛ وإلا فأبو قابوس لم يرو عنه سوى عمرو بن دينار ، ولا يعرف اسمه ، ولم يوثقه أحد من المتقدمين. ا ه.

وبنحوه كلام المصنف في «المقاصد الحسنة»صفحة (٧١) ؛ إلا أنه قال : ولم يوثقه سوى ابن حبان.


قلت : وهو مما انفرد به ابن عيينة (١) فمن فوقه أعني : بتمامه ؛ وإلا فقد روى بعضه : حبّان ـ بكسر المهملة ، ثم موحدة ـ ابن زيد الشّرعبي ـ بالمعجمة والموحدة ـ ويقال : إنه صحابي (٢) ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر لكم».

أخرجه أحمد (٣) ، وعبد (٤) ، وغيرهما (٥). وسنده جيد (٦).

وعن ابن عيينة اشتهر ، فرواه عنه جماعة ؛ انفرد بتسلسله من بينهم : عبد الرحمن بن بشر بن الحكم. ومن سلسله عن أحد ممن فوق سفيان ـ فضلا عن جميعهم ـ فهو إما مخطىء ، أو كذاب (٧).

وهو من أصحّ المسلسلات إسنادا (٨) ، وإنما اقتصرت في الكلام عليه اكتفاء بما يسّره الله تعالى في أول المتباينات ؛ مما لا مزيد عليه (٩).

__________________

(١) وكذا قال الذهبي في «العلو»رقم (٢٧).

(٢) قال الحافظ في «التقريب»: ثقة ، أخطأ من زعم أن له صحبة.

(٣) ٢ / ١٦٥ ، ٢١٩.

(٤) «المنتخب»(٣٢٠).

(٥) منهم البخاري في «الأدب المفرد»(٣٨٠) ، والحسن بن موسى الأشيب في «حديثه»(٥٤) ، والطبراني في «مسند الشاميين»(١٠٥٥) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ»٢ / ٥٢٢ ، والبيهقي في «الشعب»(٧٢٣٦) و (١١٠٥٢) والخطيب في «تاريخ بغداد»٨ / ٢٦٥.

(٦) وكذا قال الدمياطي في «المتجر الرابح»صفحة (٣٨٠) ، والمنذري في «الترغيب والترهيب»(٣٦٢٨) ، والعراقي كما في «فيض القدير»١ / ٤٧٥ ، والحافظ في «الأمالي الحلبية»صفحة (٢٨) ، وصححه الألباني في «الصحيحة»(٤٨٢).

(٧) في هامش الأصل : كاذب.

وهذا الحديث مثّل به النووي على الحديث المسلسل الذي ينقطع تسلسله في وسطه فقال في «التقريب»: «كمسلسل أول حديث سمعته ، على ما هو الصحيح فيه»قال السخاوي في شرحه له : وإلا فقد وصل التسلسل فيه بتمامه غير واحد من الرواة إما غلطا أو كذبا ا ه. انظر «غنية اللبيب في شرح التقريب»للنووي تأليف السخاوي (ل ١٨٤ / أ) يسّر الله إتمامه بخير.

(٨) قال ابن الجزري في «عواليه»(ق ١٥) : هذا الحديث أصح حديث في المسلسلات مطلقا.

(٩) والكلام على هذا الحديث يطول ، وقد اعتنى به جمع من أهل العلم قديما وحديثا ، ولمحقق ـ ـ


والعادة جارية في الابتداء به قصدا لاستمرار التسلسل فيه ، كما أنه استحبّ الابتداء بحديث : «الأعمال بالنيات»(١) لعظم موقعه وشرفه (٢).

وأنشدكم ما أنشدنيه شيخنا أبو الحسن المذكور لفظا من نظمه :

ألا ليت شعري هل أرى قبّة بها

حبيب لربّ العالمين رسول

محمّد المختار من نسل هاشم

 وهل لي إلى تلك الدّيار وصول

***

__________________

ـ «المجلس الأول من أمالي ابن ناصر الدين الدمشقي»جهد مشكور في جمع طرق هذا الحديث والكلام عليه ؛ يرجى له معه الأجر والثواب.

وانظر «مجالس في تفسير قوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) لابن ناصر الدين الدمشقي (٣٣ ، ٣٦ ، ٤٠ ، ١٢٤ ، ١٢٧ ، ١٣٦ ، ١٣٨ ، ٢٠٨ ، ٢٦٣ ، ٢٩٩ ، ٣١٣ ، ٣٤١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٤ ، ٤١٨ ، ٤٤٨ ، ٤٥٧).

تنبيه : قوله : «من في السماء»«في»هنا ليست بالظرفية ؛ وإنما هي بمعنى «على»ولذلك نظائر كثيرة في كتاب الله ـ جلّ وعلا ـ كمثل قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ).

وهو من الأدلة الكثيرة على علوّه تعالى بذاته على خلقه ، وأنه فوق سماواته ، مستو على عرشه ، بائن من خلقه.

وقد ألّفت في ذلك مؤلفات مستقلة. انظر كتاب «العلو»للحافظ الذهبي ، و «مختصره»للعلامة الألباني ، و «الصواعق المرسلة»للإمام ابن القيم ٤ / ١٢٧٧ فما بعدها.

(١) متفق عليه. رواه البخاري (١) ، ومسلم (١٩٠٧). من حديث عمر رضي‌الله‌عنه.

(٢) وقد بيّن السيد عبد الحي الكتاني في «فهرس الفهارس»١ / ٩٣ سبب افتتاح الرواة لقاءاتهم به فقال : «وتداولته الأمة ، واعتنى به أهل الصناعة ، فقدموه في الرواية على غيره ليتم لهم بذلك التسلسل ، كما فعلنا ، وليقتدي به طالب العلم فيعلم أن مبنى العلم على التراحم والتوادد والتواصل ، لا على التدابر والتقاطع ، فإذا شبّ الطالب على ذلك شبّ معه نعرة التعارف والتراحم ، فيشتد ساعده بذلك ، فلا يشبّ إلا وقد تخلق بالرحمة ، وعرّف غيره بفوائدها ونتائجها ، فيتأدب الثاني بأدب الأول ، وعلى الله في الإخلاص والقبول المعوّل».


البلد الثاني :

مكّة (١)

وهي بلدة شريفة متّسعة ، فضائلها متنوعة ، في بطن واد ، لعظم بركته يتسارع إليه العباد ، محدق بها جبال ، هي لها كالسّور العال ، وفيها بيت الله الحرام ، الذي تحطّ به عن قاصده الأوزار والآثام ، ويأمن من المخاوف داخله ، ولا تردّ مسائله ووسائله ، وهو قبلة المسلمين أحياء وأمواتا ، ونحلة الملبّين جمعا وأشتاتا ، وقد قرأت الحديث فيه ، وفي الحجر ومقام سيدنا إبراهيم الوجيه ، وبمقام الحنفية المكرّم ، وعلى شفير زمزم المعظّم ، وبسقاية سيدنا العباس ، وعلى جبل أبي قبيس بدون إلباس ، وبالمكان المأثور لمولد المصطفى ، وغيرها من الأماكن الزائدة فخرا وشرفا ، يسّر الله إلى العود إليها سبيلا ، ونشر على أهلها ظلّا ظليلا.

٢ ـ أخبرني الإمام ، الثقة ، أبو الفتح محمد بن أبي بكر بن الحسين ، المدني ، الشهير بالمراغي ، فيما قرأت عليه بالمسجد الحرام تجاه الكعبة زادها الله تعالى شرفا وتعظيما ، وأبو الفتح محمد بن عمر القاهري ـ إذنا ـ كلاهما عن الإمام ، الحافظ ، البهاء ، أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل قال الثاني : سماعا ، أنا أبو محمد بيبرس العديمي بقراءتي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الكاشغري ، أنا الشيخان : أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ابن البطي ، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن تاج القراء قالا : أنا

__________________

(١) انظر «أخبار مكة»للفاكهي ، و «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام»للفاسي ، و «أخبار مكة»للأزرقي ، و «إتحاف الورى بأخبار أم القرى»لابن فهد ، و «معجم البلدان»لياقوت الحموي ٥ / ١٨١ ، و «مراصد الاطلاع»لصفي الدين البغدادي ٣ / ١٣٠٣.


أبو عبد الله مالك بن أحمد البانياسي ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي. إملاء ، ثنا أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي (١) ؛ هو الإمام مؤرخ أخبار مكة ، حدثني جدي ؛ هو أحمد بن محمد بن الوليد أحد شيوخ البخاري وأوصياء الشافعي ، ثنا سفيان ـ هو : ابن عيينة ـ ، عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير بن مطعم ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني عبد مناف ، إن وليتم من هذا الأمر شيئا ؛ فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت ؛ فصلّى أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار».

هذا حديث حسن.

أخرجه أبو داود في «سننه»(٢) عن أبي الطاهر بن السّرح ، والفضل بن يعقوب.

والترمذي في «جامعه»(٣) ، وابن خزيمة في «صحيحه»(٤) عن علي بن خشرم. زاد الترمذي : وعن أبي عمار الحسين بن حريث. وزاد ابن خزيمة : وعن أحمد بن منيع ، وعبد الجبار بن العلاء.

والنسائي في «سننه»(٥) عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري ، ومحمد بن منصور.

والدارمي في «مسنده»(٦) عن عمرو بن عون.

وابن ماجة في «سننه»(٧) عن يحيى بن حكيم.

__________________

(١) والحديث عنده في «أخبار مكة»٢ / ١٩.

(٢) (١٨٩٤).

(٣) (٨٦٨).

(٤) (٢٧٤٧).

(٥) ١ / ٢٨٤ و ٥ / ٢٢٣.

(٦) (١٨٦١).

(٧) (١٢٥٤).


والطحاوي في «شرح معاني الآثار»(١) له عن يونس بن عبد الأعلى. وأبو يعلى في مسنده (٢) عن أبي خيثمة زهير بن حرب :

كلّهم ـ وهم اثنا عشر ـ عن ابن عيينة. فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

وقال الترمذي : إنه حسن صحيح.

وصححه آخرون (٣) ؛ منهم الحاكم وقال (٤) : «إنه على شرط مسلم»يعني : دون البخاري ؛ لأنه إنما أخرج لأبي الزبير مقرونا. نعم الظاهر أنه أشار إلى هذا الحديث بقوله (٥) : باب الطواف بعد الصبح والعصر.

وهو عند أحمد (٦) ، والشافعي (٧) ، والحميدي (٨) ، وابن منيع ، عن ابن عيينة على الموافقة.

وكذا رواه الحسن بن عرفة (٩) ، وهارون بن معروف (١٠) ، وغيرهما عن ابن

__________________

(١) ٢ / ١٨٦.

(٢) (٧٣٩٦).

(٣) منهم ابن حبان في «صحيحه»(١٥٥٤) ، والنووي في «الخلاصة»رقم (٧٧٢) والألباني في «الإرواء»(٤٨١).

(٤) في «المستدرك»١ / ٤٤٨ ، ووافقه الذهبي.

(٥) كتاب الحج / باب (٧٣) الطواف بعد الصبح والعصر. قال الحافظ : ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة.

(٦) ٤ / ٨٠.

(٧) مسند الشافعي صفحة (١٦٧). ومن طريقه البغوي في «شرح السنة»(٧٨٠) وقال : هذا حديث حسن صحيح.

(٨) (٥٧١) ، ومن طريقه الفسوي في «المعرفة والتاريخ»٢ / ٢٠٦ ، والطبراني في «الكبير»(١٦٠٠) ، والحاكم ١ / ٤٤٨ ، والبيهقي في «السنن الكبرى»٢ / ٤٦١.

(٩) روايته عند الدارقطني ٢ / ٢٦٦. وتصحف فيه إلى : «الحصن بن عرفة»بالصاد المهملة بدل السين.

(١٠) وروايته عند أبي يعلى (٧٤١٥) ، وابن حبان (١٥٥٤).


عيينة ؛ بل رواه ابن جريج (١) ، وعمرو بن الحارث (٢) ، كلاهما عن أبي الزبير.

ووقع في حديث غير واحد تصريح أبي الزبير بسماعه له من عبد الله بن بابيه ؛ فأمن تدليسه (٣) ، مع أنه لم ينفرد به ؛ بل تابعه عبد الله بن أبي نجيح ، عن ابن بابيه (٤).

لكن رواه أبو العطوف الجراح بن منهال (٥) ـ وهو ضعيف ـ عن أبي الزبير فقال : «عن نافع بن جبير بن مطعم»بدل ابن بابيه.

وهكذا روي عن عطاء بن أبي رباح (٦) ، وعكرمة بن خالد (٧) ، وعمرو بن دينار (٨) ؛ ثلاثتهم عن نافع.

ثم إن الجمهور عن أبي الزبير كما تقدم (٩).

ورواه أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب

__________________

(١) روايته عند عبد الرزاق (٩٠٠٤) ، وأحمد ٤ / ٨١ ، ٨٤ ، والطبراني (١٥٩٩).

(٢) روايته عند الفاكهي في «أخبار مكة»(٤٨٨) ، وابن حبان (١٥٥٣) ، والطبراني (١٦٠١).

(٣) جاء تصريحه عند عبد الرزاق (٩٠٠٤) ، وأحمد ٤ / ٨٤ ، وابن خزيمة (١٢٨٠) وغيرهم.

(٤) روايته عند أحمد ٤ / ٨٢ ، ٨٣ ، والبزار «البحر الزخار»(٣٤٥٢) ، والطبراني (١٦٠٢) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ»٢ / ٢٠٦ ومن طريقه الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق»١ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ والبيهقي في «السنن الكبرى»٥ / ١١٠.

(٥) روايته عند الدارقطني في «السنن»١ / ٤٢٤.

(٦) روايته عند الدارقطني ١ / ٤٢٥ من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عنه. وعبد الوهاب متروك.

وقد كذبه الثوري كما في «التقريب».

(٧) روايته عند الدارقطني ١ / ٤٢٤ و ٢ / ٢٦٦ من طريق عمر بن قيس عنه. وعمر بن قيس أبو حفص ، المعروف بسندل. متروك كما في «التقريب».

(٨) روايته عند البزار «البحر الزخار»(٣٤٥٠) ، والطبراني (١٥٦٧) والدارقطني ١ / ٤٢٥ من طريق إسماعيل بن مسلم عنه. وإسماعيل هذا هو المكي ، قال فيه أحمد : «منكر الحديث»وضعفه غير واحد من الأئمة.

(٩) قال الحافظ في «التلخيص الحبير»١ / ١٩٠ ـ بعد ذكر الاختلاف في الحديث ـ : فإن المحفوظ عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير.


ـ رضي‌الله‌عنهم ـ عنه بدون واسطة بينه وبين جبير.

ورواه معقل بن عبيد الله (١) ، وأيوب السختياني (٢) كلاهما عن أبي الزبير ؛ فجعلاه من حديثه عن جابر.

وقيل : عن أيوب مرسلا.

ورواه ثمامة بن عبيدة (٣) ـ وهو ضعيف ـ (٤) عن أبي الزبير ؛ فجعله عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه.

ورواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع ـ وهو ضعيف أيضا ـ (٥) عن أبي

__________________

(١) روايته عند الدارقطني ١ / ٤٢٤ من طريق عبد الرحمن بن عمرو عنه.

قال الحافظ : وهو معلول ؛ فإن المحفوظ عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير لا عن جابر. «التلخيص الحبير»١ / ١٩٠.

(٢) روايته عند البزار (١١١١) «كشف الأستار»قال : حدثنا محمد بن المثنى. والدارقطني ١ / ٤٢٤ من طريق حفص بن عمر الربالي كلاهما عن عبد الوهاب ، ثنا أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر به مرفوعا.

قال البزار : هكذا حدثناه أبو موسى في سنة ثمان وأربعين في دار بني عمير ، ثم إنه حدث به مرة أخرى فقال : حدثنا عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي الزبير ، ولم يقل : عن جابر ، وهو الصواب من حديث أيوب ؛ وإنما كان سبقه لسانه عندنا ؛ إنما يعرف عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير بن مطعم.

وقال الدارقطني في «العلل»ج ٤ / ل ١٠٤ : واختلف عن أيوب ؛ فرواه سفيان بن وكيع ، عن عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب ، عن [أبي] الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ورواه محمد بن المثنى ، عن الثقفي ، عن أيوب ، عن أبي الزبير ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا ، والصحيح من حديث أيوب : المرسل.

(٣) روايته عند أبي نعيم في «تاريخ أصبهان»٢ / ٢٧٣ ، والخطيب في «تلخيص المتشابه»١ / ١٢١ ـ ١٢٢. قال أبو نعيم : تفرد به ثمامة عن أبي الزبير.

(٤) قال فيه أبو حاتم : «منكر الحديث». وكذبه ابن المديني. انظر «الميزان»١ / ٣٧٢ ، و «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٦ / ١٤٠.

(٥) ضعفه ابن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وغيرهم. انظر «تهذيب الكمال»٢ / ٤٦.


الزبير ؛ فجعله عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جدته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١). والأول أصح.

وبالسند المذكور إلى أبي إسحاق الهاشمي ، ثنا أبو سعيد الأشجّ ، ثنا ابن الأجلح هو عبد الله ، عن مجاهد قال : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نيّة ، ثم رزق الله تعالى النية بعد (٢).

***

__________________

(١) رواية إبراهيم هذه ذكرها الدارقطني في «العلل»ج ٤ / ل ١٠٤ ؛ لكن وقع فيه : إبراهيم بن إسماعيل ، عن أبي الزبير ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عمن حدّثه.

(٢) رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ»١ / ٧١٢ قال : حدثني أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج به.


البلد الثالث :

المدينة (١)

وهي التي إليها هاجر الرسول ، وبها قبره الشريف المشتمل على كلّ خير منقول ، والثابت في شريف السنة أن ما بينه (٢) وبين منبره روضة من رياض الجنة ، وفي تربتها وحيطانها وهوائها من الرّائحة الطيبة ما لا يتناهى ؛ ولذا كان طابة وطيبة والمطيّبة من أسمائها ؛ ليطابق ذلك مسمّاها ، وهي محروسة عن الأعور الدجال (٣) ، ومأنوسة على ممرّ الأيام والليال ، من أحدث فيها حدثا أو

__________________

(١) انظر «تاريخ المدينة المنورة»لابن شبة ، و «مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن»لابن الجوزي ، و «الدرة الثمينة في تاريخ المدينة»لابن النجار ، و «تاريخ المدينة»لقطب الدين الحنفي ، و «تاريخ مكة والمدينة»لابن الضياء المكي ، و «خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى»للسمهودي ، و «معجم البلدان»لياقوت الحموي ٥ / ٨٢ ، و «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع»لصفي الدين البغدادي ٣ / ١٢٤٧ ، و «الجواهر الثمينة في محاسن المدينة»للحسيني ، و «التاريخ الشامل للمدينة المنورة»للدكتور عبد الباسط بدر ، و «الروض المعطار في خبر الأقطار»صفحة (٦١٧) ، و «الأحاديث الواردة في فضائل المدينة»للدكتور صالح الرفاعي.

(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ عليه رحمة الله ـ : والثابت عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»هذا هو الثابت في «الصحيح»؛ ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال : «قبري»وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة ؛ إنما تنازعوا في موضع دفنه ، ولو كان هذا عندهم لكان نصا في محل النزاع ، ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه ، بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه. ا ه «التوسل والوسيلة»صفحة ٨٤.

وبنحو هذا قال العلامة الألباني ـ رحمه‌الله تعالى وطيّب ثراه ـ في «ظلال الجنة»صفحة (٣٢٦). وانظر «الأحاديث الواردة في فضائل المدينة»للدكتور صالح الرفاعي صفحة (٤٥٦).

(٣) كما في الحديث الذي رواه البخاري (١٨٨١) ، ومسلم (٢٩٤٣) عن أنس مرفوعا : «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ؛ إلا مكة والمدينة ، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافّين ـ ـ


آوى بها محدثا فهو ملعون (١) ، مستحقّ للشديد من العذاب الهون ، وبمزيد البركة فيها دعا الشارع (٢) ، وشوهد بها منها ما تقرّ به العيون ، وتلذّ بذكره المسامع. وقد قرأت الحديث هناك تجاه الحجرة المعظّمة ، وتشرّفت بذاك أيضا في عدّة من أماكنها المحترمة ، حقّق الله لنا إليها الرجوع ، ووفّق لسلوك تلك المعاهد والربوع.

٣ ـ أخبرني الإمام ، البدر ، عبد الله بن محمد بن عبد الله اليعمري ، المغربي ، المدني ، قاضيها المالكي ، ويعرف كأسلافه بابن فرحون ؛ بقراءتي عليه بالمسجد النبوي ، تجاه الحجرة الشريفة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قلت : أخبرك المسند أبو الربيع ، سليمان بن أحمد المدني السقاء سماعا فأقرّ به قال : أخبرتنا أم عبد الله فاطمة ابنة العز إبراهيم بن أبي عمر ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن خليل الأدمي ، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن علي اللخمي ، أنا أبو الحسن علي بن الحسن الموازيني (ح).

وأخبرني أبو المعالي بن الذهبي الدمشقي ، أنا أبو هريرة ابن الحافظ الذهبي الدمشقي بها ، أنا البهاء أبو محمد القاسم بن المظفر بن عساكر الدمشقي ، أنا عم أبي العز النّسابة أبو عبد الله محمد بن تاج الأمناء أبي الفضل بن عساكر الدمشقي ، أنا عمّ أبي الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي (٣) إذنا وأبو طالب

__________________

ـ تحرسه ، فينزل بالسّبخة ، فترجف المدينة ثلاث رجفات ، يخرج إليه منها كلّ كافر ومنافق».

(١) كما في الحديث الذي رواه البخاري (١٨٧٠) ومسلم (١٣٧٠) واللفظ له عن علي مرفوعا «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا ؛ أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ..»الحديث.

(٢) كما في الحديث الذي رواه البخاري (٢١٣٠) ، ومسلم (١٣٦٨) واللفظ له عن أنس مرفوعا : «اللهم ، بارك لهم في مكيالهم ، وبارك لهم في صاعهم ، وبارك لهم في مدّهم». وسيأتي برقم (٣٨).

(٣) وهو عنده في «تاريخ دمشق»١ / ٦١. دار الفكر. ومن طريقة النووي في «الإرشاد»صفحة (٢٥١) وعن النووي تلميذه برهان الدين الجعبري في «رسوم التحديث»صفحة (٢٠٠).


الخضر بن هبة الله بن طاوس سماعا قالا : أنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني ، خطيب دمشق قالا : أنا أبو عبد الله محمد بن علي بن سلوان التميمي ، أنا أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي ، أنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي (ح).

وأخبرني بعلو أم محمد ابنة أبي حفص بن جماعة بقراءتي والعلاء أبو الحسن علي بن إسماعيل البعلي إذنا كلاهما عن أبي حفص عمر بن الحسن المراغي ، قال الثاني : سماعا ، أنا الفخر أبو الحسن بن البخاري (١) ، عن أبي عبد الله محمد بن أبي زيد وأبي عبد الله محمد وأم هانىء عفيفة ابني عبد الله بن أحمد قال الأول : أنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي ، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه (٢). وقال الآخران : أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة ابنة عبد الله الجوزدانية (٣) قالت : أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الضبي قالا : أنا أبو القاسم الطبراني (٤) ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي قالا : أنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبد الله بن حوالة ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّكم ستجنّدون أجنادا ؛ فجندا بالشّام ، وجندا بالعراق ، وجندا باليمن»فقال الحوالي : يا رسول الله ، خر لي. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليك بالشّام»زاد الهاشمي : «فمن أبى فليلحق بيمنه ، وليسق من غدره ؛

__________________

(١) وهو عنده في «مشيخته»١ / ٢٢٤.

(٢) بفتح الفاء ، وسكون الذال المعجمة ، وفتح الشين المنقوطة بثلاث فوقها ، وفي آخرها الهاء بعد الألف. كما في «الأنساب»١٠ / ١١٤. وجاءت كنيته فيه «أبو الحسن»وهو مخالف لما جاء في مصادر ترجمته. انظر «تاريخ الإسلام»وفيات سنة (٤٣٣) صفحة (٣٧٦) ، و «السير»١٧ / ٥١٥ مع الحاشية.

(٣) بضم الجيم ، وسكون الزاي المنقوطة ، وفتح الدال المهملة. انظر ترجمتها في «تاريخ الإسلام»وفيات سنة (٥٢٤) صفحة (١٠١) ، و «السير»١٩ / ٥٠٤ مع الحاشية.

(٤) وهو عنده في «مسند الشاميين»(٣٣٧) ومن طريقه أبو نعيم في «معرفة الصحابة»(٤٠٨١) ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»(١ / ٦٠ دار الفكر) وله عنده طرق كثيرة.


فإنّ الله تعالى قد تكفّل لي بالشّام وأهله».

فكان أبو إدريس إذا حدّث بهذا الحديث التفت إلى ابن عامر فقال : من تكفّل الله به فلا ضيعة عليه.

هذا حديث حسن (١) مسلسل من طريقنا الثاني بالدمشقيين في جميع رجاله ، وقد دخلتها ، وكذا نزلها ابن حوالة رضي‌الله‌عنه.

أخرجه الطبراني (٢) أيضا عن أبي زرعة ، عن أبي مسهر على البدلية.

وهو عند ابن حبان في «صحيحه»(٣) من حديث الوليد بن مزيد ، والحاكم في «مستدركه»(٤) وقال : صحيح الإسناد من حديث بشر بن بكر. كلاهما عن سعيد بن عبد العزيز ؛ لكنهما قالا : عن «مكحول»بدل «ربيعة»وهكذا رواه عقبة بن علقمة عن سعيد (٥) ، والظاهر أنه سمعه منهما فقد رواه الوليد بن مسلم (٦) ، عن سعيد عنهما

__________________

(١) قال ابن أبي حاتم : «سألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن شيبان ، عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، عن أبي إدريس ، عن عبد الله بن حوالة. عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يجندون أجنادا»؟ قال : هو صحيح حسن غريب»ا ه. «العلل»١ / ٣٣٧.

وقال النووي والجعبري : «حديث حسن مشهور»زاد الجعبري : مناسب.

(٢) رقم (٣٣٧).

(٣) (٧٣٠٦).

(٤) ٤ / ٥١٠ ووافقه الذهبي.

(٥) رواه أبو القاسم الحنائي في «فوائده»٦ / ١٥ ومن طريقه ابن عساكر من «تاريخ دمشق»١ / ٥٧.

قال الحافظ النخشبي في «تخريجه لفوائد الحنائي»بعد أن ذكر الاختلاف على سعيد بن عبد العزيز : وحديث سعيد بن عبد العزيز أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى.

(٦) وروايته عند الفسوي في «المعرفة والتاريخ»٢ / ٣٠٢ قال : حدثني صفوان ، حدثنا الوليد ، ثنا سعيد به.

والوليد هذا هو : ابن مسلم الدمشقي. وأما ما ذهب إليه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «صحيح ابن حبان»(٧٣٠٦) من أنه ابن مزيد ففيه نظر ، وبيان ذلك من وجوه : ١ ـ صفوان هذا هو : ابن صالح الدمشقي ، وهو معروف بالرواية عن الوليد بن مسلم الدمشقي لا الوليد بن مزيد البيروتي ؛ أضف إلى هذا أنه قد صرح باسم أبي الوليد في حديث قبل هذا عند الفسوي نفسه ٢ / ٢٩٨.


معا ؛ لكن بدون «أبي إدريس»نبه عليها المزي في «أطرافه»(١).

وهو منقطع ؛ فربيعة لم يدرك ابن حوالة ، ومكحول لم يسمع منه (٢).

وقد رويناه في «فضائل الشام»(٣) لأبي محمد الربعي من طريق الوليد بن مسلم بإثبات أبي إدريس ؛ فكأنه سهو (٤) ؛ فقد روى أحمد (٥) طريق مكحول خاصة من طريق محمد بن راشد عنه بدونه.

وممن روى هذا الحديث عن ابن حوالة سلمان أو سليمان بن سمير (٦) ، ومرثد أبو قتيلة (٧) ، وكلاهما عند أحمد في «مسنده»والطبراني في «الكبير».

وثانيهما عند أبي داود في «سننه»(٨) والبغويّ وابن شاهين في «معجم الصحابة»لهما.

وكذا رواه بسر بن عبيد الله الحضرمي (٩) وصالح بن رستم (١٠) كلاهما عن ابن حوالة بنحوه.

__________________

٢ ـ أن المعروف بجمعه بين مكحول وربيعة هو الوليد بن مسلم كما في «تاريخ دمشق»لابن عساكر ١ / ٦١ ، و «تحفة الأشراف»للمزي ٤ / ٣١٥. والله أعلم.

(١) «تحفة الأشراف»٤ / ٣١٥ رقم (٥٢٤٨).

(٢) انظر «المراسيل»(٢١١) و «مقدمة الجرح والتعديل»صفحة (٢٩١) كلاهما لابن أبي حاتم و «جامع التحصيل»(٣٥٢) ، و «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل»لأبي زرعة العراقي صفحة (٣١٤). وانظر أيضا «العلل»لابن أبي حاتم ٢ / ٤٢١.

(٣) انظر «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق»للعلامة الألباني ـ رحمه‌الله تعالى وطيب ثراه ـ صفحة (١٣) ولم يذكر إسناد الربعي ، ولم أقف على المطبوع من «فضائل الشام».

(٤) إثبات أنه سهو يحتاج إلى مزيد بحث ؛ فقد روى الطبراني في «مسند الشاميين»(٢٩٢) بإسناد صحيح عن الوليد بن مسلم بإثبات أبي إدريس وكذا رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»١ / ٦١ ـ ٦٢ من طريقين عنه. وانظر أيضا «معجم الصحابة»لابن قانع ٢ / ٨٩.

(٥) ٥ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٦) روايته عند أحمد ٥ / ٢٨٨ ، وعند الطبراني في «مسند الشاميين»(١٠٥٤).

(٧) روايته عند أحمد ٤ / ١١٠ ، وعند الطبراني في «مسند الشاميين»(١١٧٢).

(٨) (٢٤٨٣).

(٩) روايته عند ابن عساكر في «تاريخ دمشق»١ / ٦٩.

(١٠) روايته عند ابن عساكر في «تاريخ دمشق»١ / ٦٩ ، ٧٠.


ورواه جبير بن نفير (١) ، والحارث بن الحارث الحمصي ، وعبد الله بن عبد الثّمالي (٢) ، وكثير بن مرّة (٣) ، وآخرون (٤) أن ابن حوالة قال فذكر نحوه.

ولفظ رواية أبي قتيلة (٥) : «عليك بالشّام ؛ فإنّه خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده ، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم ، واسقوا من غدركم ؛ فإنّ الله قد توكّل لي بالشّام وأهله».

وله شاهد عن أبي الدرداء ، وواثلة بن الأسقع ، وابن عمر ، وغيرهم من الصحابة رضي‌الله‌عنهم (٦).

وبالسند الأول (٧) إلى أبي بكر الهاشمي ، ثنا أبو مسهر ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، لعله عن ربيعة بن يزيد قال : قال أبو إدريس الخولاني رحمه‌الله : المساجد مجالس الكرام.

***

__________________

(١) روايته عند ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»(٢٢٩٥). والطبراني في «مسند الشاميين»(١٩٧٥) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ»٢ / ٢٨٨ ، وأبي نعيم في «الحلية»٢ / ٣ ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»١ / ٧٢.

(٢) بضم الثاء المنقوطة بثلاث وفتح الميم وفي آخرها اللام كما في «الأنساب»٣ / ١٤٦ ، وجاءت نسبته في «تحفة الأشراف»٤ / ٣١٥ بتحقيق العلامة عبد الصمد شرف الدين : «اليماني»، وفي «تاريخ دمشق»١ / ٦٩ / الفكر : «الثماني». وهي على الصواب في «الجرح والتعديل»٥ / ١٠٢ ، و «الآحاد والمثاني»٤ / ٣٦٩ ، و «تهذيب الكمال»١٤ / ٤٤١ ، و «الإصابة»٤ / ١٦٣ والله أعلم.

(٣) رواية الحارث ، وعبد الله ، وكثير ؛ عند ابن عساكر في «تاريخ دمشق»١ / ٨٠.

(٤) منهم يونس بن ميسرة ، وعبد الله بن شقيق. انظر «تاريخ دمشق»١ / ٦٨ ، ٦٩ ، ٨١.

(٥) مسند أحمد ٤ / ١١٠ ، و «مسند الشاميين»(١١٧٢).

(٦) انظر مروياتهم في «تاريخ دمشق»لابن عساكر ١ / ٦٦ فما بعدها. وانظر «المختارة»٩ / ٢٧١ ـ ٢٧٩.

(٧) رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٢٦ / ١٦٧ عن أبي القاسم علي بن إبراهيم بسنده إلى الهاشمي به.


البلد الرابع :

بيت المقدس (١)

واسمه أيضا : «إيليا». وهو بلد فضائله لا تستقصى ، وشمائل بهجتها زائدة بمسجده الشريف الأقصى ، ثالث الحرمين (٢) ، وثاني المسجدين ، وأول القبلتين ، ذي الصخرة المعظّمة ، والقبّة النّضرة المحترمة ، لا تشدّ الرحال بعد المسجدين إلا إليه ، ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه ، وبه صلّى

__________________

(١) انظر : «فضائل القدس»لابن الجوزي ، و «معجم البلدان»٥ / ١٦٦ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٢٩٦ ، و «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل»لمجير الدين الحنبلي ، و «بيت المقدس والمسجد الأقصى»لمحمد شرّاب.

(٢) قوله : «ثالث الحرمين»من الخطأ الشائع ؛ فليس ثمّ حرم إلّا بمكة والمدينة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه‌الله ـ : «الأقصى : اسم للمسجد كلّه ، ولا يسمّى هو ولا غيره حرما ؛ وإنّما الحرم بمكّة والمدنية خاصة»«اقتضاء الصراط المستقيم»٢ / ٣٤٦.

وقال : وليس ببيت المقدس مكان يسمّى «حرما»، ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع إلّا ثلاثة أماكن :

أحدها : هو حرم باتفاق المسلمين وهو حرم مكة ـ شرّفها الله تعالى ـ.

الثاني : حرم عند جمهور العلماء ، وهو حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عير إلى ثور ، بريد في بريد ؛ فإنّ هذا حرم عند جمهور العلماء ، كمالك والشافعي وأحمد ، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الثالث : «وج»وهو واد بالطائف ؛ فإنّ هذا روي فيه حديث رواه أحمد في «المسند»وليس في الصّحاح ، وهذا حرم عند الشافعيّ لاعتقاده صحّة الحديث ، وليس حرما عند أكثر العلماء ، وأحمد ضعّف الحديث المرويّ فيه فلم يأخذ به. وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرما عند أحد من علماء المسلمين ؛ فإن الحرم : ما حرّم الله صيده ونباته ، ولم يحرّم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة. ا ه «مجموع الفتاوى»١٧ / ٢٥.

وانظر «معجم المناهي اللفظية»للشيخ بكر أبو زيد صفحة (٢٠٩).


الرسول بالأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ ليلة الإسراء ، وعرج به منه إلى السماء بدون شكّ وامتراء ، الصلاة فيه مع الإخلاص وعدم الاشتباه ، تفضل عليها في غير المسجدين بخمس مئة أو بألف صلاة ، ولشرفه سأل الكليم موسى ـ عليه‌السلام ـ عند وفاته ربّه الدّنو منه ، ليفوز بتلك القربة ؛ بل استوطنه وورده خلق من الأنبياء والصحابة والأعيان ؛ جديرون بإفرادهم في ديوان ، وكنت ممّن تشرف بسلوكه ، وتعرّف بالأخذ عن أجلاء السند فيه وملوكه ، تفضّل الله الكريم بالعود إليه ، وتطوّل بما المعوّل في تحقيقه عليه.

٤ ـ أخبرني الشيخان ، الإمام ، التقي ، أبو بكر وأسماء ابنا محمد بن إسماعيل القلقشنديّ ببيت المقدس ، قلت لهما : أخبركما الشهاب ، أبو الخير أحمد بن الحافظ أبي سعيد العلائي سماعا للمرأة وإذنا إن لم يكن سماعا للآخر قال : أنا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني ، والعماد أبو بكر بن الرضي ، وأبو محمد عبد الله بن الحسين بن أبي التّائب الأنصاري ، وحبيبة ابنة الزين عبد الرحمن ، وزينب ابنة الكمال ، وعائشة ابنة محمد بن المسلم ، وفاطمة ابنة عبد الرحمن بن عيسى الذهبي سماعا قالوا : أنا إبراهيم بن خليل الدمشقي. زاد الثالث : وأبو محمد مكي بن المسلم بن مكي بن علّان قال أولهما : أنا عبد الرحمن بن علي بن الخرقي ، وقال ثانيهما : أنا الفضل بن الحسين البانياسي قالا : أنا علي بن الحسن ، أنا محمد بن علي المازني ، أنا الفضل بن جعفر المؤذن ، أنا عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج ، أنا عبد الأعلى بن مسهر ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن زياد بن أبي سودة ، عن ميمونة ـ رضي‌الله‌عنها ـ مولاة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : قلت يا رسول الله ، أفتنا في بيت المقدس. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ائتوه فصلّوا فيه»قالت : كيف والروم إذ ذاك فيه؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج في قناديله».

هذا حديث حسن.


أخرجه أبو داود في الصلاة من «سننه»(١) عن النّفيلي ، عن مسكين بن بكير.

وأبو أحمد العسكري في «معرفة الصحابة»من طريق مروان بن محمد كلاهما عن سعيد به. فوقع لنا عاليا. وسكت عليه أبو داود ؛ فهو على قاعدته صالح (٢).

ولم ينفرد به سعيد ؛ فقد رواه كذلك معاوية بن صالح عن زياد.

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»(٣) وعنه أبو نعيم في «المعرفة»(٤) بلفظ : قلت : يا رسول الله ، أفتنا عن بيت المقدس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرض المحشر والمنشر. ائتوه فصلّوا فيه ؛ فإنّ الصّلاة فيه كألف صلاة»قال : فقلت : أرأيت يا رسول الله ، من لم يطق أن يتحمّل إليه أن يأتيه. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن لم يطق ذلك فليهد إليه زيتا يسرج فيه ؛ فمن أهدى إليه كان كمن صلّى فيه».

وكذا رواه البيهقي في «الشعب»(٥) من حديث سعيد وعثمان بن عطاء الخراساني كلاهما عن زياد ولفظه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من لم يأت بيت

__________________

(١) باب في السّرج في المساجد رقم (٤٥٧). ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى»١ / ٤٤١.

وقال النووي في «المجموع»٨ / ٢٦٢ ـ كتاب الحج / فرع : أجمع العلماء على استحباب زيارة المسجد الأقصى ـ عن سند أبي داود : إسناده حسن.

(٢) انظر لهذه المسألة ـ سكوت أبي داود ـ كلام الحافظين الذهبي في «السير»١٣ / ٢١٤ ، وابن حجر في «النكت»١ / ٤٣٥.

(٣) ٢٥ / ٣٢ ، وكذا في «مسند الشاميين»(١٩٤٧). ومن طريقه المزي في «تهذيب الكمال»٩ / ٤٨٢.

(٤) «معرفة الصحابة»(٧٨٣٥).

(٥) (٣٨٧٨) / السلفية من طريق عبد الله بن بحر الخلال ، حدثنا رديح بن عطية ، عن سعيد به.

كذا وقع فيه «عبد الله بن بحر»وكذا في «الشعب»٤١٧٦ / زغلول. وصوابه : عبد الرحمن بن بحر. وسها محقق السلفية فترجم له على أنه عبد الله ونقل فيه ما قيل في عبد الرحمن.

وعبد الرحمن هذا قال فيه الحافظ : مقبول.


المقدس فيصلّي فيه ؛ فليبعث بزيت يسرج فيه».

ووصفت ميمونة في هذه الرواية بأنها زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو وهم.

فهؤلاء جماعة متفقون على أنه عن زياد ، عن ميمونة بلا واسطة.

لكن رواه ثور بن يزيد ، وصدقة بن يزيد ، ويزيد بن يزيد بن جابر كلّهم عن زياد ؛ بإثبات عثمان أخي زياد بينهما.

فحديث صدقة عند الطبراني في «الكبير»(١) ، وحديث ثور عنده أيضا (٢) ، وكذا عند أحمد في «مسنده»(٣) وابنه عبد الله في «زوائده»(٤) ، وابن ماجة في «سننه»(٥) كلّهم من حديث عيسى بن يونس عنه.

ورواه أبو يعلى في «مسنده»(٦) عن عمرو بن الحصين ، عن يحيى بن العلاء ، عن ثور ؛ فجعل الواسطة أبا أمامة. ونسب ميمونة : ابنة الحارث ، وأنها زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رضي‌الله‌عنها.

ولكن عمرو وشيخه ضعيفان جدا ؛ وهذا الإسناد خطأ من أحدهما.

ورواه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن ثور فقال : عن مكحول أن

__________________

(١) ٢٥ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) ٢٥ / ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) ٦ / ٤٦٣ ومن طريقه المزي في «تهذيب الكمال»٩ / ٤٨٢.

(٤) ٦ / ٤٦٣.

(٥) (١٤٠٧) وصحح إسناده البوصيري في «مصباح الزجاجة»٢ / ١٤. وقال العلائي في «جامع التحصيل»صفحة (٢١٥) : والصحيح أنه عن أخيه عثمان عن ميمونة.

(٦) «المطالب العالية»٢ / ٧٣ رقم (١٣٥٣) كتاب الحج / باب فضل المسجد الأقصى.

قال الحافظ : عمرو وشيخه ضعيفان جدا ، وهذا الإسناد خطأ ؛ إنما رواه زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان عن ميمونة رضي‌الله‌عنها ؛ وليست زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخبط يحيى أو عمرو في إسناده. وهو عند أبي داود وابن ماجة على الصواب ا ه.

وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة»٢ / ١٥٥ : هذا إسناد ضعيف لضعف عمرو بن حصين شيخ أبي يعلى.


ميمونة سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن بيت المقدس؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم المسكن بيت المقدس ، ومن صلّى فيه صلاة كانت بألف صلاة فيما سواه»قالت : فمن لم يطق ذلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فليهد زيتا»(١).

وهذا مرسل ، فظاهره شهود مكحول سؤال ميمونة رضي‌الله‌عنها ، وعلى تقدير روايته له عنها فهو لم يسمع منها (٢) ؛ والذي قبله أصحّ.

وزياد وثقه ابن حبان (٣) ، ومروان بن محمد الدمشقي (٤).

وكذا وثّقا أخاه عثمان (٥) ، وهو مشهور بالرواية عن الصحابة ، وباقي رجاله أيضا ثقات ، ولذا قال النووي في «شرح المهذب»(٦) عن سند ابن ماجة : «إنّه لا بأس به»بل قال العلائي : «إنّه حديث حسن أو صحيح إن شاء الله». قال : «وهو أقوى ما ورد في مقدار المضاعفة في الصّلاة بالمسجد الأقصى».

وحينئذ فقول الحافظ عبد الحق : «إنّه ليس بقوي»(٧).

وكذا قول الذهبي في «ميزانه»(٨) : «إنّه منكر جدا»(٩) فيه نظر ، ومقالة

__________________

(١) رواه أبو بكر الواسطي في كتاب «بيت المقدس»كما في «الدر المنثور»٤ / ٢٩٣ سورة الإسراء ١ ـ ٨ عن مكحول أن ميمونة رضي‌الله‌عنها .. فذكره.

(٢) انظر «المراسيل»لابن أبي حاتم (٢١١) و «مقدمة الجرح والتعديل»صفحة (٢٩١) و «جامع التحصيل»(٣٥٢) ، و «تحفة التحصيل»لأبي زرعة العراقي صفحة (٣١٤).

(٣) «الثقات»٤ / ٢٦٠.

(٤) رواه عنه أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه»١ / ٣٣٨ رقم (٦٦٨).

(٥) «الثقات»٥ / ١٥٤.

(٦) «المجموع»٨ / ٢٦٢ كتاب الحج / فرع : أجمع العلماء على استحباب زيارة المسجد الأقصى.

(٧) نقله عنه الذهبي في «الميزان»٢ / ٩٠. وقال ابن القطان : زياد وعثمان ممن يجب التوقف عن روايتهما.

(٨) ٢ / ٩٠.

(٩) قال الحافظ في «الإصابة»٨ / ١٣٠ : ميمونة بنت سعد روي عنها حديث واحد في فضل بيت المقدس فيه نظر.


أوّلهما أخفّ ؛ وكأنّ ثانيهما استنكره من جهة تضمّنه إهداء الزيت من الحجاز إلى الشام ، وهذا لا يصيّر الخبر منكرا ؛ خصوصا ولا يمتنع حمله على إرسال ثمن لشراء ذلك.

أخبرني العز أبو محمد الحنفي ، عن أم محمد حفيدة الفخر ، أنبأنا جدّي الفخر ابن البخاري حضورا وإجازة ، أنا أبو البركات بن ملاعب ، أنا الشريف ، أبو جعفر العباسي ، المكي ، أنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي ، أنا أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي ، أنا العباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني ، ثنا دهثم بن الفضل بن خلف الرملي (١) قال : سمعت ضمرة بن ربيعة يقول : ما رأيت لذّة العيش إلا في خصلتين : أكل الموز بالعسل في ظلّ صخرة بيت المقدس ، وحديث إبراهيم بن أبي عبلة ؛ فلم أر أفصح منه (٢).

***

__________________

(١) ترجمته في «تاريخ بغداد»٨ / ٣٨٦.

(٢) رواه المزي في «تهذيب الكمال»٢ / ١٤٤ من طريق أبي البركات بن ملاعب به.


البلد الخامس :

بلد الخليل (١)

ويقال له : «بلد حبرون»بفتح المهملة ، ثم موحّدة ساكنة ، ثم راء مهملة ، وآخره نون. وهو في وهدة بين جبال كثيفة الأشجار بيقين ، أغلب فواكهها الزيتون والخرنوب (٢) والتين ، وبينه وبين القدس بدون إشكال ، ستّة أميال ، وإنما أضيف للخليل أبي الأنبياء الكرام ؛ لشرفه بكونه محلا لدفنه مع ولده إسحاق وحفيده يعقوب عليهم الصلاة والسلام ، وكذا لدفن زوجته الصّديقة سارة أم إسحاق ، المتوفّية (٣) قبله باتفاق ؛ بل كلّ ذلك ممّا تلقّاه الجيل بعد الجيل ، من زمن بني إسرائيل وإلى هذا الوقت بدون تبديل ، وأنهم في المربعة التي بناها السيد سليمان ، وهي المغارة التي اشتراها الخليل من قرية حبرون بأرض كنعان ، وهو محلّ شريف ، مفضّل منيف ، خصوصا تلك المربعة ، المتضمنة للقبور الشريفة الأربعة ، على وجه الإجمال ، لا التعيين المزيل للاحتمال ، ولذا كان المتعيّن في جميعها الإجلال ، وصون كلّ موضع منها عن أن تدوسه النساء والرجال. وقد قرأت الحديث بتلك البقعة راجيا بركة ذلك ونفعه ، وشهدت ذاك السّماط المأنوس ، ووددت التفضّل من الرب سبحانه بإدراك الاغتباط بالعود لهذا المحل المحروس.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٣٨٧ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٤٨٠ ، و «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل»لمجير الدين الحنبلي ، و «معجم بلدان فلسطين»لمحمد محمد شرّاب صفحة (٣٤٥).

(٢) في هامش الأصل : بضم المعجمة فقط ، لغة في الخرنوب.

(٣) كذا ، وهو خلاف الفصاحة ، والصواب : المتوفّاة.


٥ ـ أخبرني المقرىء ، الخيّر ، صلاح الدين ، خليل بن أحمد بن عيسى بن العلّامة صلاح الدين القيمري ، الكردي ، الخليلي ، بقراءتي عليه بمسجدها الشريف قال : أنا محمد بن محمد بن السراج السّكندري بالقاهرة ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي الزّرزاري (١) ، وأبو نعيم أحمد بن التقي الإسعردي (٢) حضورا عليهما وإجازة (ح).

وأنبأني عاليا أبو عبد الله محمد بن أحمد الترمذي ؛ فيما أجاز به إلينا من البلد المشار إليه ، عن الصدر أبي الفتح الميدومي حضورا وإجازة.

قال الثلاثة : أنا النجيب أبو الفرج بن الصّيقل الحرّاني ، أنا أبو الفرج بن كليب الحراني ، أنا أبو القاسم بن بيان الرّزّاز ، أنا أبو الحسن بن مخلد البزار ، أنا أبو علي الصّفّار ، ثنا أبو علي الحسن بن عرفة العبدي (٣) ، ثنا هشيم بن بشير ، عن يزيد بن أبي زياد ، ثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا السّلام عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قولوا : اللهمّ ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

__________________

(١) ترجمته في «الدرر الكامنة»١ / ٥٣.

(٢) أحمد بن عبيد بن محمد الإسعردي. توفي سنة (٧٤٥) انظر ترجمته في «الدرر الكامنة»١ / ٢٣٢. وروى السبكي في «طبقات الشافعية»١ / ١٨٥ هذا الحديث عنه بسنده إلى كعب بن عجرة رضي‌الله‌عنه.

(٣) وهو عنده في «جزئه»رقم (٧٢). وعنه ابن أبي حاتم في «تفسيره»كما في «تفسير ابن كثير»٦ / ٤٥٨. ومن طريقه أيضا الخطيب في «الموضح»٢ / ٤٦٨ ، والبيهقي في «الدعوات الكبير»رقم (٢١٦).


قال يزيد : وكان عبد الرحمن يقول : وعلينا معهم.

هذا حديث صحيح (١).

رواه أحمد في «مسنده»(٢) ومن طريقه الطبراني (٣). عن محمد بن فضيل.

والحميدي (٤) والعدني في «مسنديهما»عن سفيان بن عيينة كلاهما عن يزيد.

والقاضي إسماعيل في «الصلاة النبوية»(٥) له عن مسدّد.

وأبو بكر بن أبي عاصم في «الصلاة النبوية»(٦) له أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة (٧) كلاهما عن هشيم ، فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

ومن طريق محمد بن فضيل رواه المحاملي في الجزء الثامن من «أماليه البغدادية»(٨).

ومن طريق ابن عيينة رواه الخلعي في الثاني من «فوائده».

ومن طريق مسدّد وابن أبي شيبة رواه الطبراني (٩) أيضا.

__________________

(١) قال ابن القيم ـ رحمه‌الله ـ في «جلاء الأفهام»صفحة ٧٣ : وهو حديث لا مغمز فيه بحمد الله تعالى.

(٢) ٤ / ٢٤٤.

(٣) في «الكبير»١٩ / ٢٨٧.

ورواه من طريق محمد بن فضيل أيضا ابن أبي شيبة ٢ / ٥٠٧ وأبو عوانة في «مسنده»٢ / ٢١٣ ، والطبري في «تهذيب الآثار»(٣٣٤ / الجزء المفقود).

(٤) (٧٢٨) (٧٢٩).

ومن طريق ابن عيينة رواه الطوسي في «مختصر الأحكام»٢ / (٤٥٩).

(٥) رقم (٥٧) (٥٨).

(٦) رقم (١٠).

(٧) وهو عنده في «مسنده»رقم (٥٠٥) وتصحف فيه إلى : «هشام بن بشار»!!.

(٨) (ج ٨ / ل ١٦١).

(٩) في «الكبير»١٩ / (٢٨٧).


ومن طريق ثانيهما فقط ابن بشكوال.

وهكذا أخرجه إسماعل القاضي (١) من طريق أبي الأحوص ، والطبراني في «الكبير»(٢) والمحاملي في الجزء المشار إليه (٣) من حديث جرير كلاهما عن يزيد.

وفي حديث كلّ منهم إلا الحميدي قول عبد الرحمن : «وعلينا معهم».

ولكن أبهم المحاملي في روايته قائل ذلك ؛ فالذي فيها بعد فراغ الحديث : قال : «ونحن نقول : وعلينا معهم»بإضمار القائل.

وزاد أحمد (٤) في روايته عن يزيد أنه قال : فلا أدري أشيء زاده عبد الرحمن من قبل نفسه أو رواه كعب.

وممن روى هذا الحديث عن يزيد : خالد بن عبد الله ، والثوري (٥) ، وأبو بكر بن عياش كما أخرجه الطبراني (٦) من حديثهم.

ويزيد وإن تكلّم فيه فهو ممن استشهد به مسلم في «صحيحه». وهو هنا لم ينفرد بالحديث ولا بزيادة قول عبد الرحمن ؛ بل تابعه عليه الحكم بن عتيبة (٧) ؛ فمرة بالزيادة ومرة بدونها.

أما الأول فهو بها عند النميري في «فضل الصلاة النبوية»له من طريق عبد ـ

__________________

(١) في «فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»رقم (٥٨).

(٢) ١٩ / ١٣١.

(٣) (ج ٨ / ل ١٦١).

(٤) ٤ / ٢٤٤.

(٥) وأثبته محقق «فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»صفحة (١٥٧): «ابن عيينة»وليس كذلك ؛ فأبو حذيفة من أصحاب سفيان الثوري المعروفين ؛ لكن بالضعف ، والله الموفق.

(٦) ١٩ / ١٣٠ ـ ١٣٢. وممن تابعه أيضا : إبراهيم بن مهاجر. رواه أبو عوانة في «مسنده»٢ / ٢١٢ ، والطحاوي في «مشكل الآثار»(٢٢٣٢).

(٧) متابعته بدون الزيادة هي عند البخاري (٤٧٩٧) ، ومسلم (٤٠٦) وغيرهما ، ومع الزيادة عند الترمذي (٤٨٣) ، والنسائي ٣ / ٤٧.


مما لم أره في «مسنده»ـ قال : ثنا يحيى بن آدم ، ثنا مالك بن مغول (١) ، ثنا الحكم ، عن ابن أبي ليلى به ولفظه : قال ابن أبي ليلى : «وأنا ألحق : وعلينا معهم».

وأخرجها الترمذي في «جامعه»(٢) والسراج في «مسنده»من جهة زائدة ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى قال : «ونحن نقول : وعلينا معهم».

وكذا رواها ـ لكن مدرجا لها في الخبر ـ الطبرانيّ (٣) من حديث فطر بن خليفة ، عن الحكم ولفظه : «يقولون : اللهمّ ، صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك الحميد المجيد ، وصلّ علينا معهم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك الحميد المجيد ، وبارك علينا معهم ، والسّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته».

ولم يأت بها من أصحاب الأعمش سوى زائدة (٤) ، ولا من أصحاب مالك بن مغول سوى يحيى بن آدم. ورواية فطر شاهد لهما.

__________________

(١) ومن طريق مالك بن مغول رواه أبو عوانة في «مسنده»٢ / ٢١٢.

(٢) رقم (٤٨٣).

قال الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه‌الله ـ : وهذه الزيادة من باب الدعاء ؛ ولكنا نراها غير جائزة في صيغة الصلاة المروية ؛ لأنها صيغة جاءت بالنص على سبيل التعبد ، فلا يجوز الزيادة فيها ، وليدع لنفسه بعد أدائها بما يشاء ، أما أن يزيد فلا. وقد أنكر القاضي أبو بكر بن العربي في «العارضة»هذه الزيادة من وجه آخر فقال : إنا لا نرى أن نشرك في هذه الخصيصة أحدا منا مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ بل نقف بالخبر حيث وقف ، ونقول منه ما عرف ، ونرتبط بما اتفق عليه دون ما اختلف.

(٣) في «الكبير»١٩ / (٢٧١).

قال المصنف في «القول البديع»صفحة (٤٥) : رواته موثقون.

وقال الحافظ في «الفتح»١١ / ١٥٨ شرح حديث (٦٣٥٧) : ورواته موثقون ؛ لكنه ـ فيما أحسب ـ مدرج لما بينه زائدة عن الأعمش.

(٤) وروايته عند الترمذي (٤٨٣). ورواه الطبراني ١٩ / (٢٦٧) من طريق زائدة عن الأعمش به بدون الزيادة.


وأما الثاني فممن رواه عن الحكم بدونها الأجلح (١). وقيل عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى لا ذكر للحكم فيه.

وإسماعيل بن مسلم ، وحمزة الزيات (٢) ، والأعمش (٣) ، وشعبة (٤) ، وعبد الله بن محرّر (٥) ، وعمرو بن قيس (٦) ، وقيس بن سعد (٧) ، ومالك بن مغول (٨) ، ومجّاعة بن الزبير (٩) ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (١٠) ، ومسعر (١١). وهو من حديث بعض هؤلاء في «الصحيحين».

وكذا رواه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى إسماعيل بن عبد الرحمن السّدّي (١٢) ، والزّبير بن عدي (١٣) ، وعبد الله بن عبد الله الرازي (١٤) ،

__________________

(١) وروايته عند أبي عوانة في «مسنده»٢ / ٢١٣ ، وعبد بن حميد (٣٦٨) ، والطبراني ١٩ / (٢٧٨) ، والطبري في «تهذيب الآثار»(٣٣٨ / الجزء المفقود).

(٢) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٧٧).

(٣) روايته عند مسلم (٤٠٦).

(٤) روايته عند البخاري (٦٣٥٧) ، ومسلم (٤٠٦).

(٥) في الأصل : «محرز»آخره زاي منقوطة ، وما أثبت من كتب الرجال ، وروايته عند عبد الرزاق (٣١٠٥).

(٦) روايته عند الطبري في «تهذيب الآثار»(٣٣٢ / القسم المفقود).

(٧) روايته عند ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»رقم (١١) ، والطبري في «تهذيب الآثار»(٣٣٩ / القسم المفقود) ، والطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٧٣) و «الأوسط»(٦٨٣٨).

(٨) روايته عند مسلم (٤٠٦) ، والطبري في «تهذيب الآثار»(٣٣٧ / القسم المفقود) ، والطبراني في «الأوسط»(٢٥٨٧).

(٩) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٧٩).

(١٠) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٧٤).

(١١) روايته عند البخاري (٤٧٩٧) ، ومسلم (٤٠٦).

وممن رواه عن الحكم أيضا عمر بن بشير عند الطبراني في «الصغير»(٢٠٢).

(١٢) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٩٢) ، و «الأوسط»(٤٤٨١).

(١٣) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٨٥) ، وابن مندة في «التوحيد»(٣٢٣).

(١٤) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٨٤).


وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (١) ، وعمرو بن مرة (٢) ، ومجاهد (٣) ، وقيل عنه عن كعب بلا واسطة (٤) ، وأبو سعد البقّال (٥) ، وفي عزوهم مع ما جاء في الباب عن غير كعب من الصحابة رضي‌الله‌عنهم طول.

وأنشدكم ما رأيته للحافظ أبي طاهر السّلفي رحمه‌الله :

دين الرّسول وشرعه أخباره

 وأجلّ علم يقتنى آثاره

من كان مشتغلا بها وبنشرها

من (٦) البريّة لا عفت آثاره (٧)

***

__________________

(١) روايته عند البخاري (٣٣٧٠) ، والطحاوي في «مشكل الآثار»(٢٢٣٥).

(٢) روايته عند النسائي في «المجتبى»٣ / ٤٧ ، وفي «الكبرى»(١٢١٠).

(٣) روايته عند النسائي في «الكبرى»(١٠١٩١) ، وابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»رقم (١٥) ، والطبري في «تهذيب الآثار»(٣٣٥ / الجزء المفقود) ، والطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٤١) (٢٤٢).

(٤) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٨١).

(٥) روايته عند الطبراني في «الكبير»١٩ / (٢٩١).

ورواه عن عبد الرحمن أيضا :

ـ ابن جريج : رواه عبد الرزاق (٣١٠٦).

ـ سلمة بن كهيل : رواه الطبراني في «الصغير»(٢٣٣) و «الأوسط»(٢٩٥٥).

(٦) كذا في الأصل وصوابه : «بين».

(٧) رواهما عنه السّمعاني في «الأنساب»٧ / ١٧١ «السّلفي».


البلد السادس :

إسكندريّة (١)

وهي من أجلّ المدن وأمتنها وضعا ، وأكمل السّواحل ، المحيط بها البحر في التحصين عن العدا ؛ طردا ودفعا ، بحيث كانت قبل فتحها للمملكة محلا ، وصارت لحفظ من يخلع من الملوك وشبههم في الغالب وطنا مستقلا ، بل دخلها سلطان وقتنا في قوّة سلطانه ، بأمرائه وجنده وأمنائه ؛ المحفوفين برفده ، مع تحلّيهم باللباس الكامل ، وتخلّيهم عن الإيناس بما هو عن قصدهم عاطل ، فقلق من بها من العدو لذلك ، وفرق أن يكون مقدمه للمهالك ، وفاز هو بما اغتبط به أتمّ الاغتباط ، وحاز مع أتباعه بحسن النية فضيلة الرباط ، لا سيّما وقد أمر ببناء برج بها حافل ، هو لتحصينها مع العدد والعدد كافل ، وتمّ بعد ذلك على أعظم الوجوه ، واهتمّ لرؤيته من شاء الله من المسلمين وابتهجوه ، نصر الله الإسلام بوجوده ، ونضّر وجهه ببلوغه في الخير غاية مقصوده.

جمع للمقيم بها بالقصد الحسن من الثواب ما تقرّ به العين ، وسمع تمنّي الأكابر كعمر بن عبد العزيز ـ لو لا الخلافة ـ نزولها ليقبر بين ذينك الميناوين.

وأظهر عطاء إليها شوقا زائدا ، وأشهر غيره من بهاء بياضها ورونقها قولا متعاضدا.

وإنّ جدرها وأرضها كانت زائدة الابتهاج ؛ لكسوتها بالرخام الأبيض المستغنية معه عن الإسراج ، فإنه كان قد سخّر شأنه لأهلها بلينه معهم كالعجين إلى نصف النهار ، فيفعل منه ما يرام ويشتهى ، ثم يشتدّ فلا يمتدّ. وهي من آخر

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ١٨٢ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٧٦ ، و «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ١ / ١٤٤.


خدّ ديار مصر للمقرّب على طرق بحر المغرب. وكان بها ـ فيما قيل ـ رأس مرقص أحد من كتب الأناجيل الأربعة ، فكان اليعاقبة (١) من النصارى لا يولّون بطريكا حتى يمضي إليها ، وتوضع هذه الرأس في حجره ، ثم يرجع ، ولا تتمّ البطركة إلا بهذه الفعلة المستبدعة ، فاحتال بعض الفرنج حتى سرقها من مكانها في سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة من الأيام المؤيّديّة ، وعظمت على اليعاقبة بهذا الصنيع البليّة. وما زال بها العلم والحديث قليلا حتى سكنها السّلفي ، فكانت بسببه إليها مرحولا. ونسب إليها جماعات ممّن تلبّس بالعلم والطاعات ، ثم تناقصت شيئا فشيئا ، وكدت لا أعلم الآن بها راويا ولا مرويا.

وقد حملت بها من المرويات جملة ، وزرت ممن قبر بها من السادات جلّة.

وممن مات بها : عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، المدني ، صاحب أبي هريرة.

ورأيت عمود السواري المعجب للناظرين ، والبعض مما هناك من البساتين ، حرس الله جوانبها مدى الليالي والأيام ، وحبس عنها الكفرة اللئام.

٦ ـ أخبرني الشهاب ، أحمد بن العلامة البدر بن الدّماميني ، المالكي ، السّكندري ، بقراءتي عليه بها ، أنا الشمس ، محمد بن علي بن علي بن غزوان السّكندري عرف بالهزبر ، في آخرين سماعا قالوا : أنا الشرف ، أبو العباس أحمد بن أبي الحسن بن المصفّى (٢) السكندري بها ، أنا أبو البركات ، هبة الله بن عبد الله بن أبي البركات بن روين السّكندري ، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن موقّى السّكندري ، (ح).

وأنبأني عاليا أبو عبد الله الخليلي ، عن أبي الفتح البكري ، أنبأنا أبو عيسى ابن علّاق ، أنا أبو الطاهر إسماعيل بن صالح بن ياسين قالا : أنا أبو عبد الله

__________________

(١) اليعاقبة : فرقة من النصارى أتباع يعقوب البراذعي ، الذي عاش في الشام في القرن السادس للميلاد ؛ يقولون باتحاد اللاهوت والناسوت ، ويعرفون بأصحاب الطبيعة الواحدة. انظر «المعجم الوسيط»مادة (عقب).

(٢) في هامش الأصل : سكّن الصاد شيخنا ، ومن قبله القطب الحلبي.


محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي ، البصري ، السّكندري ، بانتقاء الحافظ أبي الطاهر السّلفي. قال أولهما : وبقراءته أنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السّعدي بمصر ، أنا عبيد الله بن محمد بن بطّة العكبري بها ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (١) ، ثنا أبو خيثمة ، ثنا معاذ بن معاذ (ح).

وبه إلى الرازي قال : وأخبرنا ـ يعني : عاليا ـ أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي بفسطاط مصر ، أنا أبو الحسين علي بن عبد الله بن الفضل البغداذي بانتقاء الدارقطني وقراءته (ح).

وقرأت على العز أبي محمد الحنفي ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن الزقّاق ، أنا الفخر أبو الحسن علي بن أحمد السعدي ، أنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ ، أنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وغيره قالا : أنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، أنا (٢) أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف (٣) قالا : ثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، ثنا الوليد بن هشام القحذمي ، قالا : ثنا حريز بن عثمان قال : سألت عبد الله بن بسر ـ رضي‌الله‌عنه ـ : أشاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فأومأ إلى عنفقته ـ لفظ القحذمي ـ ولفظ معاذ : ثنا حريز بن عثمان الشامي قال : دخلنا على عبد الله بن بسر ـ وكانت له صحبة ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقلت له من بين أصحابي : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيخا كان؟ فوضع يده على عنفقته فقال : كان في عنفقته صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعرات بيض.

هذا حديث صحيح عال. توالى في أول سنده ستّة سكندريون.

رواه الطبراني في «معجمه الكبير»(٤) عن أبي خليفة على الموافقة.

__________________

(١) وهو عنده في «معجم الصحابة»٤ / ١٧١.

(٢) في هامش الأصل : «ثنا».

(٣) وهو عنده في «جزئه»رقم (٤٥).

(٤) ومسند عبد الله بن بسر في الجزء المفقود من المعجم ؛ لكن رواه في «مسند الشاميين»ـ


وأخرجه البخاري في الصفة النبوية من «صحيحه»(١) عن عصام بن خالد.

وأحمد في «مسنده»عن حجاج بن محمد الأعور (٢) ، وحسن بن موسى الأشيب (٣) ، وأبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني (٤) ، وأبي النضر الحارث بن النعمان الأكفاني (٥).

وعبد في «مسنده»(٦) عن يزيد بن هارون.

ومحمد بن سنان القزاز في «جزئه»(٧) الشهير ومن طريقه ابن الجميزي وابن عبد الدائم في «مشيختهما»عن عثمان بن عمر.

سبعتهم عن حريز بلفظ : كان في عنفقته صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعرات بيض.

فوقع لنا بدلا لهم عاليا مع علوّه لهم ؛ فإنه من ثلاثياتهم.

وهو عند البغوي ـ كما أخرجناه من جهته ـ في «معجم الصحابة»له. ورواه أبو نعيم في «معرفة الصحابة»(٨) له عن عبد الله بن محمد بن جعفر وعمر بن نوح البجلي وجماعة كلّهم عن أبي خليفة على البدلية.

وكذا أخرجه البزار في «مسنده»(٩) على البدلية أيضا عن يحيى بن حكيم ، عن معاذ. ومن طريق يزيد بن هارون بلفظ : كان في مقدّم لحيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعرات بيض. وأشار إلى مقدّم لحيته.

__________________

ـ (١٠٤٦) عن أبي خليفة به. ورواه أيضا ابن قانع في «معجم الصحابة»٢ / ٨١ عن أبي خليفة به.

(١) رقم (٣٥٤٦).

(٢) ٤ / ١٨٧.

(٣) ٤ / ١٨٨.

(٤) ٤ / ١٨٨.

(٥) ٤ / ١٩٠.

(٦) (٥٠٥).

(٧) (ق ٣ / ب / نسخة المكتبة العمرية).

(٨) ٣ / ١٥٩٦ رقم (٤٠٢٢).

(٩) ٨ / ٤٣١ رقم (٣٥٠٣).


بل رواه غير من ذكر عن حريز ؛ فأخرجه الحاكم في «مستدركه»(١) وعنه البيهقي في «الدلائل»(٢) من حديث علي بن عياش الحمصي ، عن حريز. ووهم في استدراكه (٣).

وأبو يعلى (٤) ، والحارث بن أبي أسامة في «مسنديهما»عن الحكم بن موسى ، عن الوليد بن مسلم ، عن حريز ولفظه : رأيت عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رضي‌الله‌عنه ـ بحمص والناس يسألونه قال : فدنوت منه ـ وأنا يومئذ غلام ـ قال : قلت : أنت رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : نعم. قلت : شيخا كان أم شابا؟ قال : فتبسّم وقال : رأيت هاهنا ـ وأشار بيده إلى ذقنه ـ شعرات بيضا.

والبغوي في «معجم الصحابة»ـ رضي‌الله‌عنهم ـ من حديث مبشر بن إسماعيل الحلبي (٥) ، عن حريز قال : رأيت عبد الله بن بسر ـ رضي‌الله‌عنه ـ وثيابه مشمّرة ، ورداؤه فوق القميص ، وشعره مفروق يغطي أذنيه ، وشاربه مقصوص مع الشّفة ، وكنّا نقف عليه ننظر إليه ونتعجب له. فقلت له من بينهم : هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صبغ؟ قال : يا ابن أخي ، لم يبلغ ذلك الشّيب ؛ إنّما كانت شعرات بيض ؛ وأشار إلى عنفقته.

أخبرني الشهاب المذكور ، أنا الهزبر ، أنا ابن المصفى ، أنا عثمان بن هبة الله ، أنا ابن موقّى ، أنا الرازي (٦) ، سمعت أبا زكريا عبد الرحيم بن

__________________

(١) ٢ / ٦٠٧.

(٢) ١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ باب ذكر شيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما ورد في خضابه.

(٣) وكذا تعقبه الذهبي ، وابن حجر في «إتحاف المهرة»٦ / ٥٣٦.

(٤) لم أقف عليه في النسخة المطبوعة من «مسند أبي يعلى»وهو من رواية أبي عمرو بن حمدان ؛ فلعله في «مسنده الكبير»برواية ابن المقرىء والله أعلم.

(٥) كذا في الأصل ، وفي «معجم الصحابة»للبغوي و «السير»٣ / ٤٣١ نقلا عنه : «ميسرة».

(٦) هو الشيخ ، العالم ، المعمّر ، الثقة ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي المعروف : بابن الحطاب. قال عنه السّلفي : لم يك في وقته في الدنيا من يدانيه في علو ـ ـ


أحمد بن نصر الحافظ البخاري بمصر يقول : رأى أبو إسحاق الهجيمي في منامه أنّه تعمّم ، فدوّر على رأسه مئة وثلاث دورات. فعبّر له أنه يعيش مئة سنة وثلاث سنين. فلم يحدّث حتى بلغ المئة ، فقرأ القارىء عليه حينئذ وأراد أن يختبر عقله :

إنّ الجبان حتفه من فوقه

كالكلب يحمي جلده بروقه

فقال له الهجيمي (١) : «قل : كالثّور يا ثور ، فإن الكلب لا روق (٢) له».

ففرح الناس بصحّة عقله.

***

__________________

ـ الإسناد. توفي سنة (٥٢٥). انظر ترجمته في «السّير»١٩ / ٥٨٣.

وهذه القصة رواها في «مشيخته»كما في «السّير»١٥ / ٥٢٥.

(١) في الأصل : «الجهيمي». وهو سبق قلم من الناسخ ، وقد ذكره قبل قليل على الصواب.

وانظر ترجمته في «السير»١٥ / ٥٢٥.

(٢) الرّوق : القرن.


البلد السابع :

أطرابلس (١)

وهي بفتح الهمزة ، وضمّ الموحدة واللام. مدينة رومية من سواحل الشام ، صحيحة الهواء ، طيّبة المياه ، بينها وبين بعلبك أربعة وخمسون ميلا. وإليها ينسب جماعة قديما وحديثا ، وممن سمع بها القرافيّ ، والذهبيّ. وكانت على طرف آخذ في البحر ؛ فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وست مئة خربوها ، ثم حوّلوها لنحو ميل منها مع بقاء الاسم. وبها بساتين وأشجار كثيرة ، ويزرع فيها قصب السّكر ، وغالب الفواكه المصرية ونحوها ، ومحلّ مفصل المياه منها نزه. وقد تسقط الهمزة من أولها لتتميّز عن أطرابلس المغرب.

٧ ـ أخبرني التقي ، أبو بكر بن محمد بن محمد بن الصدر البعلي ، الحنبلي ، القاضي ، بقراءتي عليه بالمدرسة القرطائية الملاصقة لجامعها الكبير ، أنا الشّموس أبو عبد الله المحمدون : ابن علي بن أحمد اليونيني الحنبلي ، وابن محمد بن إبراهيم بن مظفر الحسيني ، وابن محمد بن أحمد الجردي ببعلبك قالوا : أنا أبو العباس بن بيان ، أنا أبو عبد الله بن المبارك ، أنا أبو الوقت الهروي ، أنا أبو الحسن بن المظفر ، أنا أبو محمد بن أعين ، أنا أبو عبد الله بن يوسف (٢) ، أنا أبو عبد الله الجعفي (٣) ، حدثنا المكيّ بن إبراهيم ، ثنا يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كنّا نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٢١٦ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٩١.

(٢) رواه من طريقه البغوي في «شرح السنة»(٣٧٢).

(٣) وهو عنده في «صحيحه»رقم (٥٦١).


هذا حديث صحيح.

رواه أحمد في «مسنده»(١) عن مكيّ على الموافقة.

ورواه أيضا هو وعبد في «مسنديهما»(٢) عن صفوان بن عيسى عن يزيد.

وأخرجه الطحاوي (٣) عن علي بن معبد.

وأبو عوانة في «مستخرجه»(٤) عن الميموني ، كلاهما عن مكي ، فوقع لنا بدلا لهم بعلوّ على الآخرين.

وهو عند مسلم (٥) وغيره (٦) من حديث حاتم بن إسماعيل.

وعند ابن ماجة (٧) من حديث المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ، كلاهما عن يزيد ، فوقع لنا عاليا.

__________________

(١) ٤ / ٥٤.

(٢) مسند أحمد ٤ / ٥١ ، و «المنتخب»رقم (٣٨٦). ولفظه : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها.

ورواه عن صفوان أيضا أبو داود في «سننه»رقم (٤١٧) ، والدارمي رقم (١٢١٢).

(٣) في «شرح معاني الآثار»١ / ١٥٤ رقم (٩٢٩).

(٤) ١ / ٣٦١.

(٥) في «صحيحه»رقم (٦٣٦) بلفظ : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب.

قال الحافظ : فدل على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري ، وقد صرح بذلك الإسماعيلي. «الفتح»شرح حديث رقم (٥٦١).

(٦) كالترمذي في «سننه»(١٦٤) ، وابن حبان (١٥٢٣) ، والطبراني في «الكبير»رقم (٦٢٨٩) ، والبيهقي في «السنن الكبرى»١ / ٤٤٦.

قال الترمذي : حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح ، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن بعدهم من التابعين : اختاروا تعجيل صلاة المغرب ، وكرهوا تأخيرها ، حتى قال بعض أهل العلم : ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد ، وذهبوا إلى حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث صلى به جبريل. وهو قول ابن المبارك والشافعي.

(٧) في «السنن»رقم (٦٨٨).


وأنشدني بها أبو الفضل بن محمد الحبراضي لنفسه :

أصبّر قلبي في هواكم تجلّدا

 وأخفي جفاكم عن ضميري وأكتم

 وأنتم على الحالين في السّخط والرّضى

أحبّة قلبي صلتم أو هجرتم (١)

***

__________________

(١) صلتم : من الصّولة ، والمقصود : صولة الحبّ.


البلد الثامن :

أنبابة (١)

وهي بفتح الهمزة ـ وإن اقتضى صنيع شيخنا في «المشتبه»(٢) له الكسر كما هو على الألسنة فقد إ ل ى صرّح في «معجمه»(٣) بفتحها إ ل ى ـ وسكون النون ، بعدها موحدتان بينهما ألف ، من بحريّ جيزة مصر ، على شاطىء النيل تجاه بولاق. انتسب إليها من المتأخرين جماعة ؛ من أشهرهم الشيخ يوسف بن إسماعيل (٤) ، صاحب الزاوية بها وتلك الأحوال الغريبة ، وابنه إسماعيل ، أحد المتقدمين في العلم والصلاح ، وحفيده يوسف كذلك ؛ كانوا بركة تلك الناحية في وقتهم ؛ لكن كان يعمل بسببهم هناك المولد في كلّ سنة كطنتد (٥) ، ثم صار الوقت في الحادي عشر من كل شهر ، ويتفق في غضون ذلك من المناكير المتجاهر بها ما يفوق الوصف (٦) ، والمشار إليهم من أبعد الناس وأشدّهم نفرة عن شيء منها.

__________________

(١) انظر «الضوء اللامع»للمصنف ١١ / ١٨٥ ، و «تاج العروس»للزبيدي مادة : (نبب).

وقال المصنف أيضا ١٠ / ٣٠٢ : الأنبابي بفتح الهمزة ؛ فيما ضبطه شيخنا الشافعي الصالح بن الصالح ويعرف بالأنبابي.

(٢) ١ / ٣٦. وجاء في هامش الأصل الخطي له : «حاشية : اسمها منبوبة بميم ثم نون ثم موحدة ثم واو ثم باء ، وإنما اشتهرت بإنبابة». وانظر «معجم البلدان»٥ / ٢٠٧.

(٣) المجمع المؤسس للمعجم المفهرس ٣ / ٣٦٧.

(٤) ترجم له الحافظ ابن حجر في «المجمع المؤسس»٣ / ٣٦٧ ، و «إنباء الغمر»٧ / ٤٠٤ ، والسخاوي في «الضوء اللامع»١٠ / ٣٠٢.

(٥) كذا في الأصل.

(٦) اعلم ـ رحمك الله ـ أن الغلوّ في الأنبياء والصالحين هو من أعظم الأسباب المفضية إلى الشرك بالله تعالى.

روى البخاري في «صحيحه»(٤٩٢٠) عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ في ذكر قوله ـ ـ


وقد قرأ بها غير واحد من أصحابنا وشيوخنا الحديث ، وحدّث بها الوليّ العراقيّ ، وسمع منه هناك الشرف المناويّ. ولها في كل سبت سوق حافل يجلب إليه أشياء ، ويجتمع فيه عالم كثير ، وبها خطب ، ومساجد ، وحمام محكم ؛ بل وقصر على شاطىء النيل ، كان المؤيد شيخ يسير في المركب الذهبية من قصر بولاق إليه. وربّما يقال له : أنبوبة ، على وزن أفعولة ؛ وكأنّه لما يزرع بها من القصب ؛ فالأنبوبة ما بين كلّ عقدتين من القصب ، وتشتبه بالمنسوبين إليها من ينتسب إلى إبيانة بكسر الهمزة ، ثم موحّدة ، وتحتانية ، وبعد الألف نون ، من عمل الريّ ؛ وإن جعلها صاحب «القاموس»(١) كالأولى.

٨ ـ أخبرني الشيخ ، الخيّر ، المقرىء ، الثقة ، أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف العقبيّ بقراءتي عليه بزاوية الشيخ إسماعيل الأنبابي منها قلت له : أخبرك أم عيسى مريم ابنة الشهاب أحمد بن قاضي القضاة الحنفية الشمس محمد بن إبراهيم الأذرعي سماعا فأقرّ به (ح).

وأخبرني عبد الرحيم بن إبراهيم بن محمد اللّخمي ، عن أبيه ـ إذنا إن لم يكن سماعا ـ كلاهما عن أبي النون يونس بن إبراهيم الدّبوسي. قال إبراهيم : سماعا عن العلم أبي الحسن علي بن محمود الصابوني قال : أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السّلفي ، أنا أبو مطيع محمد بن عبد الواحد المصري ، ثنا الحافظ أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو النقاش (ح).

__________________

ـ تعالى : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)[نوح : ٢٣]. قال : «أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا ، وسمّوها بأسمائهم. ففعلوا ، فلم تعبد ؛ حتى إذا هلك أولئك ؛ وتنسّخ العلم عبدت».

قال ابن القيم ـ رحمه‌الله ـ : قال غير واحد من السلف : كان هؤلاء قوما صالحين من قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوّروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.

انظر «إغاثة اللهفان»١ / ٢٨٧ / المكتب الإسلامي.

(١) انظر «القاموس المحيط»مادة (نبب) حيث قال : «أنبابة قرية بالريّ بمصر».


وأخبرني عبد الكافي بن أحمد ، أنا عبد الرحمن بن محمد ، أنا أبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم حضورا وإجازة ، عن الفخر أبي عبد الله الإربلي كذلك ، أنا أبو القاسم بن ثابت البقال ، أنا أبو الحسن بن الخل ، أنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله المحاملي قالا : ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدثنا موسى بن سهل بن كثير الوشاء ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا فائد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاه غلام فقال : يا رسول الله ، غلام يتيم له أمّ أرملة وأخت يتيمة ؛ أطعمنا ممّا أطعمك الله ، أعطاك الله مما عنده حتى ترضى. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أحسن ما قلت ، يا بلال ، اذهب إلى أهلنا ؛ فائتنا بما وجدت عندهم من طعام»فذهب بلال ـ رضي‌الله‌عنه ـ فجاء بإحدى وعشرين تمرة ، فوضعها في كفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فرفعها صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى فيه ، ودعا فيها بالبركة وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا غلام ، سبع لك ، وسبع لأمّك ، وسبع لأختك ؛ تغدّ بتمرة ، وتعشّ بأخرى»فلما انصرف قام إليه معاذ بن جبل ؛ فوضع يده على رأسه ثم قال : يا غلام ، جبر الله يتمك ، وجعلك خلفا من أبيك. وكان من أولاد المهاجرين. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيتك يا معاذ وما صنعت»قال : رحمة له يا رسول الله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفس محمد بيده ؛ لا يلي مسلم يتيما فيحسن ولايته ، ويضع يده على رأسه إلّا رفع الله له بكلّ شعرة درجة ، وكتب له بكلّ شعرة حسنة ، ومحا عنه بكلّ شعرة سيئة».

هذا حديث ضعيف (١).

رواه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»(٢) عن يزيد بن هارون على الموافقة.

__________________

(١) وكذا ضعفه البوصيري في «مختصر إتحاف السادة المهرة»٧ / ١٩٨ رقم (٥٧٦٣) وأعله بفائد بن عبد الرحمن.

(٢) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث رقم (٩٠٨).


وقال عبد الله بن الإمام أحمد في «المسند»(١) : وجدت في كتاب أبي : ثنا يزيد .. فذكر بعضه ؛ فوقع لنا بدلا له مساويا.

وهو عند أحمد بن منيع في «مسنده»(٢) عن مروان بن معاوية.

والبزار في «مسنده»(٣) أيضا عن سلمة بن شبيب ، عن عبد الله بن بكر السّهمي.

والخرائطي في «مكارم الأخلاق»(٤) له عن أحمد بن يحيى بن مالك السّوسي ، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفّاف ؛ ثلاثتهم عن فائد أبي الورقاء.

فوقع لنا عاليا.

وقال البزار : لا نعلمه يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه. قال : وفائد ليس بالقوي.

قلت : اتفقوا على ضعفه (٥) ؛ حتى قال أبو حاتم (٦) : أحاديثه عن ابن أبي أوفى بواطيل ؛ لا تكاد ترى لها أصلا (٧) ، ولو أن رجلا حلف أن عامة حديثه كذب لم يحنث.

ولما أورد عبد الله هذا الحديث في مسند أبيه قال : ولم يحدّث به أبي ؛ لأنه لم يرض حديث فائد ، وكان عنده متروك الحديث.

__________________

(١) ٤ / ٣٨٢.

(٢) انظر «المطالب العالية»٣ / ١٢٤ «المسندة»كتاب البر والصلة ، باب : فضل الإحسان إلى اليتيم.

(٣) ٨ / ٣٠١ رقم (٣٣٧٥). وأورده الهيثمي في «كشف الأستار»٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦ رقم (١٩١١).

وانظر «مجمع الزوائد»٨ / ١٦١.

(٤) مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها ومرضيها ٢ / ٦٥٦ رقم (٧٠٤).

(٥) انظر أقوال الأئمة فيه في «تهذيب الكمال»٢٣ / ١٣٧ ، و «ميزان الاعتدال»٣ / ٣٣٩ رقم (٦٦٨٢).

(٦) «الجرح والتعديل»لابنه ٧ / ٨٤.

(٧) في «الجرح والتعديل»زيادة : كأنه لا يشبه حديث ابن أبي أوفى.


وأورد له الترمذي في «جامعه»(١) حديثا وقال : إنّه غريب ، وفي إسناده مقال ، وفائد يضعّف في الحديث.

وليس هذا الحديث في شيء من معاجم الطبراني الثلاثة ؛ وإن عزاه شيخنا (٢) ـ رحمه‌الله ـ إليه.

وبالسند الماضي إلى النّقاش قال : ثنا أبو الحسن محمد بن محمد الجرجاني ، سمعت الحسن بن علي (٣) الدّامغاني يقول : سمعت يحيى بن معاذ (٤) يقول :

عانقت دنياك مسرورا بزينتها

 وقد منعت التّقى والزّهد والورعا

فكيف ينفع منك العلم سامعه

 ولا يراك بهذا العلم منتفعا

***

__________________

(١) رقم (٤٧٩) أبواب الوتر ، باب : ما جاء في صلاة الحاجة.

(٢) في «إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي»٣ / ٣٢٥.

(٣) ويقال : الحسن بن علوية. انظر : «تاريخ بغداد»١٤ / ٢١٠.

(٤) الواعظ ، العابد. له كلام حسن رائق في الوعظ. ومن مليح كلامه : «طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته ، والفقر منيته ، والعزلة شهوته ، والآخرة همّته ، وطلب العيش بلغته ، وجعل الموت فكرته ، وشغل بالزّهد نيته ، وأرسل على الوجنة عبرته ، وشكى إلى الله غربته ، وسأله بالتوبة رحمته. طوبى لمن كان ذلك صفته ، وعلى الذنوب ندامته ، جأر باللّيل والنهار ، وبكاء إلى الله بالأسحار ، يناجي الرحمن ، ويطلب الجنان ، ويخاف النيران».

وقال أيضا : الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ؛ وهو يسألك عن جناح بعوضة.

انظر ترجمته في «الحلية»١٠ / ٥١ ـ ٧٠ ، و «السير»١٣ / ١٥.


البلد التاسع :

بدر (١)

وهي قرية شهيرة بين مكة والمدينة ؛ بل هي إلى المدينة أقرب بكثير.

سمّيت ـ فيما قيل ـ باسم بئر نسبت لبدر بن مخلد بن النضر بن كنانة بنزوله به ، أو لبدر بن الحارث ، أو لأنه لاستدارته وصفاء مائه ؛ كأنّ البدر يجري فيه.

وقال الواقديّ ـ فيما حكاه عن غير واحد من شيوخ بني غفار ـ : إنّه ما ملكها أحد قطّ يقال له بدر ؛ بل هي ماؤنا ومنازلنا ، وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد. انتهى.

وفيها كانت الغزوة الشهيرة المختصّ كلّ من شهدها من الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ بمزيد الفخر. ويقال : إن قبور المستشهدين فيها إذ ذاك بالقرب منها من جهة المغرب ؛ بل هناك ـ فيما قيل أيضا ـ موضع يذكر بأثر قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأثر ناقته. وماؤها حلو ، وبها بساتين وحدائق. والنسبة إليها : بدريّ.

٩ ـ أخبرني الإمام ، الكمال ، محمد بن عبد الواحد السّكندري الأصل فيما قرأت عليه ببدر قلت له : أخبرك الجمال عبد الله بن العلاء الحنبلي سماعا ، أنا العلاء علي بن محمد العرضي (ح).

وقرأت بعلوّ على أم محمد ابنة أبي حفص.

وأجازني عبد الرحمن بن يوسف والشهاب أحمد بن عبد الرحمن ، قال الأخير : أخبرنا أبو العباس بن الزّقاق حضورا وإجازة ، قال هو والعرضي :

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٣٥٧ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ١٧٠.


أخبرتنا زينب ابنة مكي ، وقال الآخران : أنا الصلاح ابن أبي عمر ، قالت المرأة : إذنا. وقال الأخير : سماعا ، أنا الفخر ابن البخاري ، قال هو وزينب : أنا أبو علي الرصافي ، أنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي التميمي ، أنا أبو بكر القطيعي ، ثنا أبو عبد الرحمن الشيباني ، حدثني أبي ، ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ـ واسمه : عبد الرحمن بن عبد الله ـ وحسين بن محمد هو : التميمي المؤدب ووكيع قالوا : ثنا إسرائيل هو : ابن يونس ابن أبي إسحاق السّبيعي ، عن أبي إسحاق ـ يعني : جدّه ـ عن عمرو بن ميمون ، عن عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتعوّذ من خمس : من البخل ، والجبن ، وفتنة الصّدر ، وعذاب القبر ، وسوء العمر.

هذا حديث صحيح.

رواه أبو داود (١) عن عثمان بن أبي شيبة.

وابن ماجة (٢) عن علي بن محمد ، كلاهما عن وكيع. فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

ورواه النسائي في الاستعاذة (٣) و «عمل اليوم والليلة»(٤).

والحاكم في «صحيحه المستدرك»(٥) كلاهما من حديث عبيد الله بن موسى.

والهيثم بن كليب في «مسنده»(٦) من حديث مصعب بن المقدام ثلاثتهم عن إسرائيل.

__________________

(١) رقم (١٥٣٩).

(٢) رقم (٣٨٤٤). وفيه : قال وكيع ـ أي : عن فتنة الصدر ـ : يعني الرجل يموت على فتنة لا يستغفر الله منها.

(٣) ٨ / ٢٥٥ و ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٤) رقم (١٣٤).

(٥) ١ / ٥٣٠.

(٦) النسخة المطبوعة من «المسند»إنما تشكّل بعض أجزاء المسند الأصل ، وقد فقد منه مسند ـ ـ


والنسائي (١) ، والهيثم (٢) أيضا ، وابن حبان في «صحيحه»(٣) كلّهم من حديث يونس بن أبي إسحاق ، كلاهما عن أبي إسحاق فوقع لنا عاليا.

وقال الحاكم : إنه صحيح على شرطيهما.

وكذا صححه ابن حبان كما تقدم ، والدارقطني (٤). ورواه الضياء في «المختارة»(٥).

ورواه النسائي (٦) من حديث زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق فجعل صحابيه : ابن مسعود ؛ لا عمر رضي‌الله‌عنهما.

ومن حديث زهير (٧) ، عن أبي إسحاق فلم يسمّ عمر ولا غيره ؛ بل قال : حدثني أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن حديث الثوري (٨) ، عن أبي إسحاق فأرسله بحذف الصحابي أصلا.

__________________

ـ الخلفاء الراشدين وغيرهم. فالله المستعان ؛ لكن رواه الضياء المقدسي في «المختارة»١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١ رقم (٢٥٨) من طريق الهيثم بن كليب قال : ثنا عيسى بن أحمد العسقلاني ، ثنا مصعب بن المقدام ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر به.

(١) ٨ / ٢٦٧.

(٢) رواه من طريقه الضياء في «المختارة»١ / ٣٧١ رقم (٢٥٩) قال ـ أي : الهيثم ـ : ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ، ثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يتعوذ من خمس ..فذكره.

(٣) الإحسان رقم (١٠٢٤) وانظر «البحر الزخار»للبزار ١ / ٤٥٥ رقم (٣٢٤).

(٤) في «العلل»٢ / ١٨٨ رقم (٢٠٩).

(٥) ١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١ رقم (٢٥٧) (٢٥٨) (٢٥٩).

(٦) ٨ / ٢٥٦ ، وفي «عمل اليوم والليلة»رقم (١٣٣).

(٧) ٨ / ٢٦٧ بلفظ : حدثني أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتعوّذ من الشّحّ ، والجبن ، وفتنة الصّدر ، وعذاب القبر. ورواه في «عمل اليوم والليلة»رقم (١٣٥).

(٨) ٨ / ٢٦٧. وقال النسائي عقبه : مرسل.

ورواه في «عمل اليوم والليلة»رقم (١٣٦).


وكذا أرسله شعبة ومسعر كلاهما عن أبي إسحاق (١) والله الموفق.

وأنشدني لنفسه (٢) :

إذا ما كنت تهوى خفض عيش

 وأن ترقى مدارج للكمال

فدع ذكر الحميّا والمحيّا

 وآثار التّواصل والمطال

 وأن تهدي بزهر وسط روض

 وأخبار المهاة أو الغزال

 وكن حبسا على ذكر (٣) المفدّى

رسول الله عين ذوي المعال

وذكر قصيدة عندي في موضع آخر.

***

__________________

(١) رواه الدارقطني في «الأفراد»١ / ١٣٨ رقم (١٦٥ / أطراف الغرائب) من طريق مسعر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون مرسلا. قال الدارقطني : «وهو غريب من حديث مسعر.

وكذلك رواه الثوري وشعبة عن أبي إسحاق مرسلا»ا ه. وانظر «العلل»للدارقطني ٢ / ١٨٨ ، و «سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني»١ / ١٨٢ رقم (١٢٣).

(٢) ذكرها المصنف في ترجمة شيخه محمد بن عبد الواحد من «الضوء اللامع»٨ / ١٣٢.

(٣) في هامش الأصل : «مدح»نسخة.


البلد العاشر :

برزة (١)

وهي بفتح الموحّدة ثم راء مهملة بعدها زاي منقوطة ، من شرقي دمشق.

وسميت بذلك لارتفاعها ؛ فالبرزة : العقبة من الجبل.

قال ابن السّمعاني (٢) : مضيت إليها يوما مع جماعة من أصحابنا متفرجين.

وإليها انتسب جماعة من أصحاب ابن عساكر ممن أدركهم ابن نقطة ؛ بل وقبلهم أبو القاسم عبد العزيز بن محمد ، في آخرين. وبها خطبة ، وسوق ، وفيها مقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، ونسب إليه إما لأنه صلّى فيه ؛ أو لكونه كان موضع موقف جيشه حين استنقذ لوطا ـ عليه‌السلام ـ ممن أسره من الجبارين ـ أعداء الله ورسوله ـ واسترجع ما أخذوه من أمواله ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، وهزمهم ، وساق في آثارهم حتى وصل المكان المذكور ؛ فعسكر به ، ثم رجع إلى بيت المقدس مؤيّدا منصورا.

ولأبي القاسم ابن عساكر «جزء في فضل مقام إبراهيم عليه‌السلام».

ومن حديث أهل برزة :

١٠ ـ أخبرني أبو العباس أحمد بن محمد الدمشقي ، الحنبلي ، النقيب ، بقراءتي عليه ببرزة وأحمد بن ناصر بالديار المصرية قال الأول : أنا عبد الرحمن بن خليل الحرستاني ، وقال الآخر : أنا الحافظ عبد الرحيم بن الحسين وعلي بن أبي بكر (ح).

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٣٨٢ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ١٨٣.

(٢) في «الأنساب»٢ / ١٥٩ / الهند.


وأنبأني بعلو عبد الرحمن بن عمر القبابي قالوا : أنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن القيم. قال شيخنا : إذنا. والباقون سماعا ، أنا علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي ، أنا عمر بن محمد بن معمر بن طبرزذ البغدادي ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ ، ثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، ثنا سليمان بن عبد الجبار وعبد الله بن عثمان الضرير.

وعبد الأعلى بن حماد النّرسي. قال الأول : ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي.

وقال الثاني : ثنا أبو عمر الضرير (ح).

وقرأت على أم محمد ابنة عمر ، عن أبي عبد الله بن أبي عمر ، أنا أبو الحسن المقدسي ، أنا أبو علي الرصافي ، أنا أبو القاسم الشيباني ، أنا أبو علي التميمي ، أنا أبو بكر القطيعي ، ثنا عبد الله بن الإمام أحمد ، حدثنا هدبة بن خالد وإبراهيم بن الحجّاج هو السّامي وحوثرة بن أشرس (١). قال الستة ـ وأولهم النّرسي واللفظ له ـ : ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي العشراء الدّارمي ، عن أبيه ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قلت يا رسول الله ، أما تكون الذّكاة إلا في اللّبّة؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك».

ولفظ يعقوب مثله ؛ إلا أنه قال : «لو طعنت في فخذها ـ وأبيك ـ لأجزأ».

ولفظ أبي عمر : «لو قلت : بسم الله ، ثم طعنت في فخذها لأجزأ عنك».

ولفظ الباقين نحو الأول.

هذا حديث حسن.

رواه أبو يعلى في «مسنده»(٢) عن إبراهيم ، وحوثرة ، وعبد الأعلى ، وهدبة. فوافقناه في الأربعة بعلو.

__________________

(١) انظر «الإكمال»لابن ماكولا ٢ / ٥٧١ ـ ٥٧٢.

(٢) ٣ / ٧٢ رقم (١٥٠٣) ، وفي «المفاريد»رقم (١٦). وعنه ابن حبان في «الثقات»٣ / ٣.


وأخرجه أيضا عن علي بن الجعد.

ورواه أحمد (١) والدارمي (٢) في «مسنديهما»عن عفان. زاد أحمد : «ووكيع»وزاد الدارمي «وعثمان بن عمرو أبي الوليد».

ورواه أبو داود في «الذبائح»من «سننه»(٣) عن أحمد بن يونس ، ستتهم عن حماد. فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

وهو عند البيهقي في «السنن»(٤) من حديث أبي قلابة الرّقاشي ، عن يعقوب الحضرمي.

وعند الترمذي (٥) وابن ماجة (٦) من حديث وكيع.

وعند الترمذي (٧) فقط من حديث يزيد بن هارون.

وعند النسائي (٨) وابن الجارود (٩) من حديث عبد الرحمن بن مهدي.

وعند أبي نعيم في «المعرفة»(١٠) من حديث أحمد بن يونس وعبد الأعلى.

كلّهم عن حماد فوقع لنا عاليا.

وهكذا وقع لنا من حديث عبيد الله العيشي ، وكامل بن طلحة ، وأبي نصر

__________________

(١) ٤ / ٣٣٤.

(٢) ٢ / ٩ رقم (١٩٧٨) كتاب الأضاحي باب : في ذبيحة المتردي في البئر.

(٣) رقم (٢٨٢٥).

(٤) ٩ / ٢٤٦.

(٥) رقم (١٤٨١).

(٦) رقم (٣١٨٤).

(٧) رقم (١٤٨١).

(٨) ٧ / ٢٢٨.

(٩) رقم (٩٠١).

(١٠) ٥ / ٢٤٧٢ رقم (٦٠٢٢) وأخرجه أيضا ٣ / ١٤٥٢ رقم (٣٦٨٠) (٣٦٨١).

ورواه في الحلية ٦ / ٢٥٧ من طريق حماد عن زيد ، عن حماد بن سلمة به.


التمار (١) في آخرين عن حماد ؛ منهم : مالك ، وحديثه عندنا في الثالث من «معجم الإسماعيلي»(٢) بلفظ : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذّكاة إلا في الخاصرة واللّبّة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو طعنت في فخذها لأجزأت عنك».

ومدار الحديث على حماد ؛ فقد قال الترمذي : إنه غريب لا نعرفه إلّا من حديثه. قال : ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه غيره.

وسبقه لذلك شيخه البخاري (٣).

وكذا قال ابن عبد البر في «الاستيعاب»(٤).

وقال أحمد (٥) ـ فيما رواه عنه أبو الحسن الميموني ـ : ما أعرف أنه يروى عن أبي العشراء حديث غيره.

يعني : بالإسناد المعتمد ؛ وإلا فقد ذكر أبو موسى المديني أنه وقع له من روايته عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة عشر حديثا (٦). وأفرد تمام الرازي (٧) ما وقع

__________________

(١) رواه الذهبي في «السير»١١ / ١١٠ من طريق أبي القاسم البغوي ، عن عبد الأعلى بن حماد وعلي بن الجعد وأبو نصر التمار وكامل بن طلحة وعبيد الله العيشي كلهم عن حماد به.

وتصحف فيه «العيشي»بالياء التحتانية بعدها شين معجمة إلى «العبسي»بالموحدة بعد سين مهملة. انظر : «الإكمال»لابن ماكولا ٦ / ٣٥٦ ، و «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٦ / ١١٩ ، و «حديث علي بن الجعد»٢ / ٤٨٤ رقم (٣٣٥٧) ، و «الميزان»٤ / ٥٥٢.

(٢) ٣ / ٧٥٥ رقم (٣٧٣). من طريق أحمد بن محمد بن غالب ، حدثنا محمد بن سليمان ، حدثنا مالك بن أنس ، حدثنا حماد بن سلمة به.

ورواه أبو نعيم في «الحلية»٦ / ٣٤١ من طريق أحمد بن محمد بن غالب به.

قال أبو نعيم : مشهور من حديث حماد ، غريب من حديث مالك ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه.

(٣) التاريخ الكبير ٢ / ٢٣ رقم (١٥٥٧).

(٤) ٣ / ١٣٥٧ رقم (٢٢٩٣) / البجاوي.

(٥) انظر «تهذيب الكمال»٣٤ / ٨٥.

(٦) نقله الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب»ترجمة أبي العشراء الدارمي.

(٧) وهو مطبوع متداول.


له من حديثه في جزء فبلغ نحو هذه العدّة.

وكلّها ـ كما قال شيخنا ـ (١) بأسانيد مظلمة ؛ بخلاف هذا فقد سكت عليه أبو داود.

وأورده الضياء في «الأحاديث المختارة».

وهو وإن توقف البخاري فيه حيث قال : «في حديث أبي العشراء واسمه وسماعه من أبيه نظر».

وجهّل ابن سعد (٢) أبا العشراء. وكذا قال الذهبي (٣) : «إنه لا يدرى من هو ولا من أبوه». وقال غيرهما : لا يعرف حاله ـ فقد وثقه ابن حبان (٤) وقال : «كان ينزل الجفرة (٥) على طريق البصرة»، ولحديثه شواهد (٦).

__________________

(١) في «تهذيب التهذيب»ترجمة أبي العشراء الدارمي.

(٢) في «الطبقات»٧ / ٢٥٤ ، وكذا جهله المزي في «تهذيب الكمال»٣٤ / ٨٥.

(٣) في «الميزان»٤ / ٥٥١ رقم (١٠٤١٩). وقال في «السير»١١ / ١١١ بعد روايته للحديث : هذا حديث صالح الإسناد غريبه!.

(٤) ذكره في «الثقات»٣ / ٣ وليس فيه هذه العبارة.

قلت : ذكر ابن حبان له في «الثقات»مما لا ينفعه ؛ لما هو معروف من منهجه في توثيق المجاهيل ؛ فكيف وهو معارض بكلام الأئمة كما ترى.

قال العلامة المعلمي رحمه‌الله : قاعدة ابن حبان أن يذكر في ثقاته المجهول إذا لم يعلم في روايته ما يستنكره ، وهذا معروف مشهور ، فذكر الرجل في ثقاته لا يمنع كونه مجهولا ا ه. من تعليقه على «الفوائد المجموعة»للشوكاني صفحة (٢٩٥). والله تعالى أعلم.

(٥) كذا في «الأصل»بالجيم. وكذا في «تهذيب التهذيب»/ الرسالة ٤ / ٥٥٦. ووقع في المطبوع من «تهذيب الكمال»٣٤ / ٨٥ : «الحفرة»بالحاء المهملة. والصواب ما أثبت ، انظر «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع»١ / ٣٨٧ ، و «معجم البلدان»٢ / ١٤٤ ، و «لسان العرب»مادة : جفر ، و «خطط البصرة ومنطقتها»للدكتور صالح العلي صفحة (١١٢). والله أعلم.

(٦) له شاهد من حديث أنس رضي‌الله‌عنه ، رواه الطبراني في «الأوسط»(٤٨٦٧) من طريق بكر بن الشارود ، عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس به مرفوعا.

قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن جعفر بن سليمان إلا بكر بن الشرود ، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد.


واسمه أسامة بن مالك بن قهطم بهاء أو حاء مهملة مع كسر أوله وثالثه فيهما. وقيل : عطارد بن برز ، بسكون المهملة أو اللام ثانيه أو فتحها. وقيل : يسار بن بلز بن مسعود. وقيل غير ذلك.

والحديث محمول على المتردّي ، والنافر المتوحّش ، وأشباههما للضرورة ، كما ذهب إليه يزيد بن هارون (١) وأحمد. وقال (٢) : إنه كيف ما أمكنت الذكاة لا تكون إلّا في الحلق واللّبّة. ومشى عليه أبو داود والبيهقي في «سننيهما»(٣) ؛ بل قال ابن عبد البر (٤) : أكثر الفقهاء قالوا به في ذكاة الضّرورة ، وجعلوها كالصيد.

قال : وبعضهم يأباه (ولم يعمل به) (٥) وأنكر معناه كمالك.

وبه إلى الباغندي (٦) قال : سمعت أحمد بن أبي الحواريّ يقول : أشرفت على أبي سليمان الدّاراني وهو يبكي فسمعته يقول : لئن طالبتني بذنوبي (٧) لأطالبنّك بعفوك ، ولئن طالبتني بلؤمي لأطالبنّك بسخائك ، ولئن أدخلتني النّار لأخبرنّ أهل النار أني أحبّك.

__________________

وقال الهيثمي في «المجمع»٤ / ٣٤ : رواه الطبراني في «الأوسط»وفيه بكر بن الشرود وهو ضعيف.

قلت : بكر هذا ضعفه غير واحد من الأئمة ، ولا يحتمل منه هذا التفرد بهذا الإسناد عن ثابت. انظر «الكامل»٢ / ١٩١ ، و «الميزان»١ / ٣٤٦.

ومما سبق يتبين أن الحديث مداره على أبي العشراء الدارمي ، وقد سبق ذكر أقوال الأئمة فيه ، وشاهد أنس مما لا يقويه ؛ فيبقى الحديث على ضعفه ، والله تعالى أعلم.

(١) نقله عنه الترمذي في «جامعه»رقم (١٤٨١).

(٢) رواه أبو الحسن الميموني عنه انظر «تهذيب الكمال»٣٤ / ٨٦.

(٣) «السنن»لأبي داود (٢٨٢٥) ، و «السنن الكبرى»للبيهقي ٩ / ٢٤٦.

(٤) في «الاستيعاب»٣ / ١٣٥٨ / البجاوي.

(٥) قوله : «ولم يعمل به»غير موجود في المطبوعة من «الاستيعاب».

(٦) رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٣٤ / ١٣٩ عن أبي بكر الأنصاري بسنده إلى الباغندي به.

ورواه أبو نعيم في «الحلية»٩ / ٢٥٥ من طريق ذي النون المصري بنحوه.

(٧) في المطبوع من «تاريخ دمشق»: بديوني.


البلد الحادي عشر :

برطس (١)

وهي بضمّ الموحّدة والطاء المهملة ثم سين مهملة. من بحريّ جيزة مصر.

أوردها العراقيّ في «بلدانياته»وحدّث بها ولده. ولعلّها اشتهرت باسم شخص كان بها ؛ بل أظنّ أنها برطاس بفتح الطاء المهملة ، كقرية بالقدس وافق اسمها بعض الأعلام ، ولكن الذي على الألسنة ما قدّمته.

١١ ـ أخبرني الإمام ، أبو الفضل بن أحمد بن الزّين عبد الرحمن البهدي ، المغربي الأصل ، القاهري ، الشافعي ، بقراءتي عليه غير مرة منها بهذا المكان قلت له : أخبرك محمد بن أبي اليمن سماعا فأقرّ به قال : أنا إبراهيم ومحمد وفاطمة بنو محمد البكري (ح).

وأنبأني بعلوّ محمد بن أحمد الخطيب ، عن محمد بن محمد البكري كلّهم عن أبي عيسى عبد الله بن عبد الواحد الأنصاري. قال الإخوة : سماعا ، أنا إسماعيل بن أبي البقاء المقرىء ، أنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أنا أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر الحافظ البخاري بمصر ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن يزداد الرازي ببخارى ، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ربيع (ح).

وقرأت على سارة ابنة أبي حفص عن عمر بن الحسن ، أنا علي بن أحمد ـ شفاها ـ ، عن أبي جعفر الصيدلاني ، أخبرتنا أم إبراهيم الجوزدانيّة قالت : أنا أبو بكر بن ريذة (٢) ، أنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا معاذ بن المثنى وأبو حصين

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٣٨٤ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ١٨٤.

(٢) أوله راء مكسورة ، تليها مثناة تحتانية ساكنة ، تليها معجمة مفتوحة. انظر «توضيح المشتبه»ـ ـ


القاضي وعلي بن عبد العزيز ، قال الأول : ثنا مسدّد وقال الثاني : ثنا يحيى الحمّاني قالا : ثنا أبو معاوية كلاهما عن الأعمش ، عن الشعبي ، وقال الثالث ـ وهو أعلى ـ : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، سمعت عامرا ـ هو : الشعبي ـ يقول : سمعت النعمان بن بشير ـ رضي‌الله‌عنهما ـ يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها ، وأصاب بعضهم أسفلها ، فقالوا : لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا»لفظ زكريا.

ولفظ أبي معاوية : «مثل القائم على حدود الله تعالى والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها يخرقون ويستقون الماء ، ويصبّون على الذين في أعلاها فيؤذونهم ، فمنعوهم فقالوا : لا ندعكم تمرّون علينا فتؤذوننا ، فقال الذين في أسفلها : أما إذ منعتمونا فننقب السّفينة من أسفلها فنستقي. فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا ، وإن تركوهم هلكوا جميعا».

ولفظ وكيع : «مثل الواقع في حدود الله والمداهن فيها ، كمثل قوم ركبوا سفينة ، فاستهموا عليها ، فركب بعضهم علوها وقوم سفلها ، فكانوا إذا استقوا آذوهم ، وأصابوهم بالماء ، فقالوا : قد آذيتمونا بما تمرّون علينا ، فأعطوا رجلا فأسا ينقب عندهم نقبا. قالوا : ما هذا الذي تصنعون؟ قالوا : تأذّيتم بنا ، فننقب عندنا نقبا لنستقي منه. فإن تركوهم هلكوا وهلكوا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا».

هذا حديث صحيح.

__________________

ـ لابن ناصر الدين الدمشقي ٤ / ٢٦٥.


رواه أحمد في «مسنده»(١) ، والبخاري في «صحيحه»(٢) معا عن أبي نعيم ، فوافقناهما فيه بعلو.

وكذلك أخرجه أحمد عن أبي معاوية (٣) على الموافقة. وعن إسحاق بن يوسف الأزرق ويحيى بن سعيد كلاهما (٤) عن زكريا.

والترمذي (٥) في «جامعه»عن أحمد بن منيع ، عن أبي معاوية. فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

ورواه العسكري في «الأمثال»من حديث الحسن بن خلف عن الأزرق.

فوقع لنا عاليا.

وممن رواه عن الأعمش أيضا جعفر بن عون كما في «الشعب»(٦) للبيهقي.

وحفص بن غياث كما في البخاري (٧). والشعبي ويعلى بن عبيد كما عند الطبراني (٨) من حديث أحمد عنه. وعن الشعبي : الأجلح بن عبد الله بن أبي الدنيا ، وجابر بن يزيد بن رفاعة ، وسلمة بن كهيل ، ومجالد بن سعيد عدني ، ومطرف ، ومغيرة ، ونعيم بن أبي هند.

__________________

(١) ٤ / ٢٧٠.

(٢) رقم (٢٤٩٣).

(٣) ٤ / ٢٦٨.

(٤) ٤ / ٢٦٩ ، ٢٧٠.

(٥) رقم (٢١٧٣).

(٦) رقم (٧٥٧٦) / العلمية.

(٧) في «صحيحه»رقم (٢٦٨٦).

(٨) مسند النعمان بن بشير من القسم المفقود من «المعجم الكبير»للطبراني ، وقد أشار محققه الفاضل الشيخ حمدي السلفي أنه وقف على قطعة من مسند النعمان ؛ لكنه أخّر نشرها رجاء الحصول على نسخة كاملة. انظر «المعجم الكبير»١ / ٢١.

وقد رواه الطبراني في «الأوسط»(٩٣١٠) من طريق مغيرة ، عن الشعبي ، عن النعمان به.

ورواه في «الصغير»(٨٤٩) من طريق سماك بن حرب ، عن النعمان به.


وعن النعمان سوى الشعبي : سماك بن حرب وحديثه في «الأمثال»للعسكري من حديث أبي الهذيل العلّاف ، عن الحسن بن دينار عنه.

وقال البزار (١) لا نعلم رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا اللفظ سوى النعمان.

وقال الترمذي : إنه حسن صحيح.

وبه إلى محمد بن أحمد بن إبراهيم قال : سمعت أبا عبد الله الحسن بن علي بن نعيم المصري قاضي البرلّس يقول عن بعض سكان البرلّس قال : سمعت قائلا يقول ليلا من جانب البحر وينشد بيتين ؛ فقصدت الصوت فلم أجد أحدا ، فعلمت أنه هاتف هتف بالحق ، والبيتان هما :

لولا رجال لهم ورد يقومونا

 وآخرون لهم سرد يصومونا

لزلزلت أرضكم من تحتكم سحرا

لأنّكم قوم سوء لا تبالونا

***

__________________

(١) في «مسنده»المطبوع باسم «البحر الزخار»٨ / ٢١١ رقم (٣٢٥٢).


البلد الثاني عشر :

بركة الحاجّ (١)

وهي في الجهة الشمالية من القاهرة ، على نحو بريد منها ، وعرفت بذلك لنزول الحاجّ بها ذهابا وإيابا ، وكانت تعرف قديما ب «جبّ عميرة»، وما برح الملوك يركبون إليها لرمي الكراكي (٢) ؛ بل كانت متنزّها لهم ، وبها خطبة ، وبساتين ، وسكان ، وخفراء. وأوردتها تبعا لمن ذكر نظيرها ؛ وإن لم أستوعب ما عندي من نمطها ؛ كبركة الحبش (٣).

١٢ ـ أخبرني أبو العباس أحمد بن الشرف بن أحمد الأزهري بقراءتي عليه ببركة الحاج ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد البعلي سماعا ، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب الصالحي ، عن القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلي وأبي الفضل عبد العزيز بن دلف بن أبي طالب المقرىء وأبي عبد الله محمد بن أبي البدر مقبل بن فتيان ابن المنّي وأبي إسحاق إبراهيم بن محمود بن الخيّر.

قال الأربعة : أخبرتنا الكاتبة ، فخر النساء ، شهدة ابنة أحمد بن الفرج الآبرّيّ (٤) قالت : أنا أبو محمد جعفر بن أحمد السّراج ، أنا أبو علي الحسن بن

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ١ / ٤٨٩ و ٢ / ١٦٣ ، و «معجم البلدان»٢ / ١٠٠ مادة : (جب). وفيه : جب عميرة.

(٢) طائر معروف.

(٣) انظر «معجم البلدان»١ / ٤٠١ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ١٨٨ ، و «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ٢ / ١٥٢.

(٤) كذا في الأصل : «الآبرّي»بألف ممدودة بعدها موحدة مضمومة ثم راء مشددة مكسورة ، ـ ـ


أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدّقاق ، أنا عبد الرحمن بن منصور ، ثنا معاذ بن هشام ، ثنا أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة عن أبي أسماء ، عن ثوبان ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله عزوجل زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وأعطى لي الكنزين : الأحمر والأبيض ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ، وإني سألت ربّي أن لا يهلكوا بسنة عامّة ، وأن لا يسلّط عليهم عدوا من غيرهم ليهلكهم ، وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض. فقال جلّ وعلا : يا محمّد ، إني إذا أعطيت عطاء لا مردّ له ؛ وإني أعطيتك لأمّتك أن لا يهلكوا بسنة عامّة ، وأن لا أسلّط عليهم عدوا فيسبيهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا. وإنه سترجع قبائل من أمّتي إلى الشّرك ، وعبادة الأوثان ، وإنّ من أخوف ما أخاف الأئمّة المضلّين ، وإنّه إذا وضع السّيف فيهم لم يرفع إلى يوم القيامة ، وإنّه سيخرج من أمّتي كذّابون ودجّالون قريب من ثلاثين ، وإني خاتم النّبيّين ؛ لا نبيّ بعدي ، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ منصورة حتى يأتي أمر الله عزوجل».

هذا حديث صحيح.

أخرجه أبو عوانة في «مستخرجه»(١) عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور.

فوافقناه فيه بعلو.

ورواه أيضا عن يزيد بن سنان. ومسلم (٢) وأبو يعلى (٣) عن أبي خيثمة زهير بن حرب. ومسلم فقط عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن بشار

__________________

ـ وكتب فوقها إشارة «صح»، وجاء في «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ١ / ١١٩ : الإبريّ ، بهمزة مكسورة بعدها موحدة مفتوحة ثم راء مكسورة مخففة ، وهو الصواب ـ إن شاء الله تعالى ـ. والإبري : نسبة إلى بيع الإبر وعملها ـ جمع إبرة ـ.

(١) انظر «إتحاف المهرة»٣ / ٤٨ رقم (٢٥٠٥).

(٢) في «صحيحه»رقم (٢٨٨٩).

(٣) رواه عنه ابن حبان (٦٧١٤).


ومحمد بن المثنى خمستهم عن معاذ. فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

ورواه ابن ماجة (١) من حديث سعيد بن بشير ، عن قتادة بنحوه.

ومسلم أيضا ، وأبو داود (٢) ، والترمذي (٣) وقال : «حسن صحيح»من حديث حماد بن زيد ، عن أيوب السّختياني. والحاكم في «مستدركه»(٤) مطولا بزيادة قصة أهل الفترة يوم القيامة من حديث أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير كلاهما عن أبي قلابة. فوقع لنا عاليا.

وبه إلى شهدة قالت : سمعت القاضي الإمام أبا المعالي عزيزي بن عبد الملك شيذلة (٥) من لفظه يقول : اللهمّ ، يا واسع المغفرة ، ويا باسط اليدين بالرحمة ، افعل بي ما أنت أهله.

إلهي ، أذنبت في بعض الأوقات ، وآمنت بك في كلّ الأوقات ؛ فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا.

إلهي ، لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدّة حاجتي إليها ، وأنا عبد ؛

__________________

(١) رقم (٣٩٥٢). قال أبو الحسن القطان ـ راوي «السنن»عن ابن ماجة ـ : لما فرغ أبو عبد الله من هذا الحديث قال : ما أهوله.

(٢) رقم (٤٢٥٢).

(٣) رقم (٢١٧٦) و (٢٢٢٩).

وقال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : سمعت عليّ بن المديني يقول ، وذكر هذا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق»قال عليّ : هم أهل الحديث.

(٤) ٤ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

(٥) وهو بفتح الشين المعجمة ، وسكون المثناة التحتانية ، وفتح الذال واللام. كان فقيها شافعيا ، فصيح الكلام ، جليل الوعظ.

قال السبكي : ومن نوادره أنه كان جيلانيا أشعري العقيدة (!) توفي سنة (٤٩٤ ه‍). انظر «طبقات الشافعية»للسبكي ٥ / ٢٣٥ ، و «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٦ / ٢٦٦.


فكيف لا أرجوك أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت ربّ. فيا من أعطانا خير ما في خزائنه وهو الإيمان به قبل السؤال ؛ لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك وهو العفو مع السؤال.

إلهي ، حجّتي حاجتي ، وعدّتي فاقتي ؛ فارحمني.

إلهي ، كيف أمتنع بالذّنب من الدعاء ولا أراك تمتنع مع الذّنب من العطاء ، فإن غفرت فخير راحم أنت ، وإن عذّبت فغير ظالم أنت.

إلهي أسألك تذلّلا ؛ فأعطني تفضلا.

***


البلد الثالث عشر :

بعلبكّ (١)

وهي بفتح الموحدة واللام ؛ بينهما عين ساكنة ، ثم موحدة وكاف ، وقد تزاد ألفا (٢). بعد الموحدة الأولى.

بلدة قديمة ، مذكورة في شعر امرىء القيس ؛ بل يقال : إنها كانت مهر بلقيس. وفيها في سوقها بحذاء مسجدها الجامع قصر سليمان بن داود عليهما‌السلام. وبها أشجار ، وأنهار ، وأعين ، وخير كثير ، وأسوار ، وقلعة حصينة عظيمة البناء ، مبنية بالحجارة. ونسب إليها جماعة كثيرون من المتقدمين والمتأخرين منهم : محمد بن هاشم ، شيخ للنسائي ، يروي عن أبيه ، وعنه ابنه أحمد ، شيخ للطبراني ، وسبطه أحمد بن هاشم بن عمرو ، شيخ لابن المقرىء وحنبليتها كاليونيّين. وقد عدّها الذهبي والعراقي في «بلدانياتهما»وما سمع بها شيخنا شيئا ؛ كأنه ما دخلها.

وأما أنا فدخلتها وأنا متوجّه إلى حلب ، ثم في الرجوع منها ، وكتبت عن غير واحد من أهلها ؛ ونعم أهلها.

١٣ ـ أخبرني الشيخ ، الأصيل ، الزين ، عبد الغني (٣) بن التقي الحسن بن

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٤٥٣ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٢٠٧.

(٢) فيه نظر!!

قال ياقوت : وهو اسم مركّب من بعل ـ اسم صنم ـ ، وبكّ ، أصله من بكّ عنقه ، أي : دقّها ، وتباكّ القوم أي : ازدحموا ا ه. فلا وجه لزيادة الألف بعد الباء الأولى ، والله أعلم.

(٣) في الأصل : «أبو عبد الغني»وصوّب في الحاشية ؛ وهو الصواب. انظر «الضوء اللامع»٤ / ٢٤٨ ، و «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة»٢ / ٥٤٩.


محمد بن عبد القادر بن الحافظ الشرف أبي الحسين الهاشمي ، الحسيني ، اليونيني ، البعلي ، الحنبلي ، بقراءتي عليه ببعلبكّ ، وأم محمد زينب ابنة عبد الله بن أحمد القاسمي بالقاهرة. الأول عن الزين عبد الرحمن بن التقي محمد بن الزعبوب البعلي إذنا ؛ إن لم يكن سماعا ، أنا الإمام ، القطب ، أبو الفتح موسى بن التقي أبي عبد الله محمد بن أحمد ، اليونيني ، البعلي ، سماعا ، عن أبي يعقوب يوسف بن أبي الثناء الساوي إذنا. وقالت الثانية أنا الجمال ، أبو محمد عبد الله بن العلاء أبي الحسن الباجي سماعا ، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن مخلوف الربعي ، أنا أبو الفضل جعفر بن علي الهمداني قالا : أنا الحافظ ، أبو طاهر أحمد بن محمد السّلفي ، أنا أبو عبد الله محمد بن مسعود بن أحمد المديني ، الخطيب ، أنا أبو علي الحسين بن محمد بن متّ الهروي بها ، أنا أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب ، القرّاب ، الحافظ ، أنا بشر بن محمد المزني ، وأبو حامد أحمد بن محمد بن عبد الله بن نعيم ، والخليل بن أحمد القاضي ، وأبو الفضل محمد بن عبد الله قال الأول : أنا محمد بن إسحاق الثقفي ، ثنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا معاذ بن هشام. وقال الثاني : ثنا زاهر بن عبد الله الصّغدي ، ثنا رجاء بن المرجى المروزي ، ثنا النضر بن شميل قالا : ثنا هشام الدستوائي وهو والد أولهما وقال الآخران : ثنا أبو بكر محمد بن حمّوية بن عباد السّراج ، ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا (١) إبراهيم بن طهمان ، عن الحجاج بن الحجاج ، كلاهما عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح السّلمي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حاصرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصر الطائف. فلفظ الحجاج بعده : فقال : «من بلغه برمية فله درجة في الجنّة»فقال رجل : يا رسول الله ، إن بلغته برمية فلي درجة في الجنة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم»فرماه فبلغه. قال : ثم رميت أنا ؛ فبلغته ستّة عشر سهما. وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله تعالى فإنّه كعدل محرّر».

__________________

(١) في هامش الأصل : «أنا»نسخة.


ولفظ معاذ : وأكثر ما يعمد قصر الطائف. فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنّة ، ومن بلغ بسهم في سبيل الله فهو عدل محرّر»فبلغت يومئذ ستّة عشر سهما. ولفظ النّضر : فسمعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله أو بلغ فله درجة في الجنّة»قال : فرميت يومئذ ستّة عشر سهما.

وأخبرنيه بعلو درجتين أو ثلاث عما قبله : سارة ابنة عمر عن محمد بن أحمد ، أنا علي بن أحمد ، أنا حنبل ، أنا هبة الله ، أنا الحسن ، أنا أحمد القطيعي ، ثنا عبد الله بن الإمام أحمد ، حدثني أبي ، ثنا روح ويحيى بن سعيد قالا : ثنا هشام أبو عبد الله هو : الدستوائي به ولفظه : حاصرنا مع نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حصن الطّائف فسمعته يقول : «من بلغ بسهمه فله درجة في الجنّة». قال فبلّغت يومئذ ستّة عشر سهما. وسمعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرّر ، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ، وأيّما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ جاعل وقاء (١) كلّ عظم من عظامه عظما من عظام محرّره من النّار ، وأيّما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ جاعل وقاء (١) كلّ عظم من عظامها عظما من عظام محرّرها من النّار».

هذا حديث صحيح.

أخرجه أبو داود في «سننه»(٢) عن محمد بن المثنى.

والترمذي في «جامعه»(٣) عن محمد بن بشار.

ورواه الحاكم في «مستدركه»(٤) من حديث ابن المثنى ، وأبي قدامة ،

__________________

(١) كذا في الأصل بالقاف. وفي «مسند أحمد»: «وفاء»بالفاء.

(٢) رقم (٣٩٦٥).

(٣) رقم (١٦٣٨).

(٤) ٢ / ٩٥ ، ١٢١.


وعبد الرحمن بن محمد بن منصور أربعتهم عن معاذ.

وأخرجه النسائي (١) من حديث خالد بن الحارث.

وابن حبان في «صحيحه»(٢) من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث.

والطبراني في «الرمي»(٣) من حديث يحيى بن سعيد.

والبيهقي في «الدلائل»(٤) من حديث يونس بن بكير أربعتهم عن هشام فوقع لنا عاليا.

وهو عند الطبراني (٥) أيضا من حديث سعيد بن بشير.

وأحمد (٦) من حديث سعيد بن أبي عروبة.

وأبي الشيخ في «الرمي»(٧) من حديث شيبان ثلاثتهم عن قتادة.

بل رواه عن أبي نجيح واسمه عمرو بن عبسة : أسد بن وداعة (٨) ، وأبو طيبة (٩) ، وشرحبيل بن السّمط (١٠) ، وعدي بن أرطاة (١١) ، والقاسم بن

__________________

(١) ٦ / ٢٦.

(٢) رقم (٤٦١٥).

(٣) (ق ٥ / ب).

(٤) ٥ / ١٥٩.

(٥) في «الرمي»(ق ٥ / ب) وهو عنده أيضا في «مسند الشاميين»(٢٧٥١).

(٦) ٤ / ٣٨٤. وهو عند ابن أبي عاصم في «الجهاد»(١٦٥).

(٧) وكذا البيهقي في «السنن»٩ / ١٦١.

(٨) وروايته عند الطبراني في «مسند الشاميين»رقم (١٩٨٠) ، وفي «الرمي»(ق ٥ / أ) والبيهقي في «السنن»١٠ / ٢٧٢.

(٩) بفتح الطاء المهملة بعدها مثناة تحتانية ساكنة بعدها موحدة مفتوحة. ويقال : أبو ظبية. بفتح الظاء المعجمة بعدها موحدة مفتوحة بعدها مثناة تحتانية ساكنة. انظر «تهذيب الكمال»٣٣ / ٤٤٧ وروايته عند أحمد ٤ / ٣٨٦ ، وعبد بن حميد في «المنتخب»(٣٠٤) ، والطبراني في «الرمي»(ق ٥ / أ، ٦ / ب).

(١٠) في الأصل : «أبو طيبة شرحبيل بن السمط»والصواب ما أثبت. وروايته عند النسائي ٦ / ٢٧ ـ ٢٨ ، والطبراني في «الرمي»(ق ٥ / أ).

(١١) وروايته عند ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٤٠ / ٥٨.


عبد الرحمن (١) ، وكثير بن مرة (٢) ، وأبو أمامة الباهلي (٣) ، وأبو عبد الله الصنابحي (٤) ؛ حسبما أشرت إليها بأبين مما هنا في كتاب «الرمي»(٥). وقال الترمذي : إنه حسن صحيح. وقال الحاكم : إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

أنشدني التقي بن عمر بن أحمد ، الحنبلي ، البعلي بها لنفسه :

يا عين إن تنأي عن المختار

بفوات رؤيته وبعد الدّار

فلكم لأوصاف الحبيب معاهد

فتمسّكي من ذاك بالآثار

***

__________________

(١) وروايته عند ابن ماجة (٢٨١٢) والطبراني في «الرمي»(ق ٦ / أ) ، والحاكم ٢ / ٩٦ ، والبيهقي ٩ / ١٦٢.

(٢) وروايته عند أحمد ٤ / ٣٨٦ ، والطبراني في «مسند الشاميين»(١١٦٢). والبغوي (٢٤٢٠) وقال : حسن غريب.

(٣) وروايته عند أحمد ٤ / ٣٨٦ ، وعبد بن حميد في «المنتخب»(٢٩٩) ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»٤٦ / ٢٥٠.

(٤) وروايته عند أحمد ٤ / ١١٣.

(٥) واسمه : «القول التام في فضل الرمي بالسهام»انظر «مؤلفات السخاوي»صفحة (١٣٣).


البلد الرابع عشر :

بلبيس (١)

وهي بموحدتين أولاهما مثلثة ، والأخرى بالفتح خاصة ؛ بينهما لام ، وآخرها سين مهملة. شرقي مصر ، بينها وبين فسطاطها أربعون ميلا (٢).

واسمها عند أهل الكتاب فيما قيل : أرض جاشر (٣). وقالوا : إن يوسف لما سمع بوصول والده يعقوب ومن معه من بنيه وآله من بلاد الخليل ـ عليهم‌السلام ـ إليها خرج لتلقّيه فيها ؛ بل أطلقها الملك لهم خدمة ليوسف ، وتعظيما لأبيه ؛ يكونون فيها ، ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم ؛ فالله أعلم.

وكذا قيل إن ابنة للمقوقس (٤) ملك مصر نزلتها في حياة أبيها ، فأسرها عمرو بن العاص ـ رضي‌الله‌عنه ـ في مجيئه لفتح مصر مع خلق من جندها وجند أبيها ؛ سوى من قتله منهم ، وأخذ جميع ما كان لها وللقبط مدّخرا فيها ، وسار إلى قصرها بعد أن اختار ملاطفة أبيها بالمنّ عليه بإرسالها في أموالها إليه ، مكرّمة مع قريبه قيس بن أبي العاص السّهمي ـ رضي‌الله‌عنه ـ أوّل من قضى بمصر ـ فيما قاله ابن يونس ـ (٥) فسرّ بقدومها.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٤٧٩ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٢١٦ ، و «معجم ما استعجم»١ / ٢٧٢ ، و «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، و «تاج العروس»مادة : (بلبس).

(٢) وقال ابن خرداذبه في «المسالك والممالك»صفحة (٢٢٠) : ومن بلبيس إلى مصر أربعة وعشرون ميلا.

(٣) كذا في الأصل. وفي «المواعظ والاعتبار»للمقريزي : أرض حاشان.

(٤) وهي : أرمانوسة. كما قال الواقدي. انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤.

(٥) وقال ابن عبد الحكم في «فتوح مصر والمغرب»صفحة (٢٥٧) : وكان أول قاض استقضي ـ ـ


وبها ـ فيما قيل ـ جامع عمريّ ؛ به عمود رخام ، مكتوب عليه : الله بسّ (١).

ثم لم تزل من المدن الكبار ؛ بحيث نزلها بعض ملوك الفرنج ، وأخذها عنوة بعد حصار طويل ، وقتل منها آلافا.

ولا زالت جليلة إلى أن أخذت في التناقص ؛ بعد السّور ، والقصور ، والعمائر ، والبساتين. ووصف أهلها باليسار ، والنّعم السّنيّة وأنّها قاعدة الولاة بالحوف (٢). ويمرّ بها من الأنهار الآخذة من النيل حال زيادته نهر يعرف ببحر بن منجا ، منه شرب تلك الناحية بأسرها.

وقد انتسب إليها جماعة منهم : الفقيه ، الإمام ، عماد الدين ، محمد بن إسحاق بن محمد بن مرتضى ، الشافعي ، والمجد ، إسماعيل بن إبراهيم ، الحنفي ، القاضي ، شيخ شيوخنا ، وكذا التاج ، أحمد بن محمد بن عبد الرحمن ، الخطيري ، والتاج محمد بن أحمد بن النعمان ؛ بل ولجده الأعلى الشيخ أبي عبد الله بن النعمان فيها عدة زوايا ، وحدث بها غير مرّة بمصنّفه «مصباح الظلام».

وبها ضريح الشيخ سعدون وغيره. وكذا كان فيها عكاز ينسب لسيدي إبراهيم بن أدهم ، وبرنس ينسب للشيخ أبي عبد الله القرشي ، إلى غير ذلك من الآثار.

وولي قضاءها مع سائر عمل الشّرقية مفضّل بن محمد بن يحيى بن عقيل ، البهنسي ، الشافعي ، المتوفى بها في سنة خمس وسبعين وست مئة ، وكان

__________________

ـ بمصر في الإسلام ـ كما ذكر سعيد بن عفير ـ قيس بن أبي العاص السهمي.

(١) كذا ، ومما تحتمله كلمة (بسّ) هنا معنيان : ١ ـ بسّ الجبال : فتّتها فصارت أرضا. ٢ ـ بسّ المال (الإبل) : أرسلها في البلاد وفرّقها.

ويمكن أن تكون العبارة : (الله بس) فتكون بس بمعنى : حسب ـ وإن استرذله بعضهم ـ.

وعليه فالعبارة عامية تعني : الله فقط. والله تعالى أعلم. انظر «القاموس»مادة : (بسس).

(٢) بالحاء المهملة. ناحية تجاه بلبيس كما في «القاموس».


مشكور السّيرة. والسّراج ، يونس بن عبد المجيد ، الأرمنتي (١) ، والزين ، عبد الكافي ، والد التقي السبكي ، وسمع منه بها المحدث أبو إسحاق إبراهيم بن يونس ، البعلي ، في سنة ثلاثين وسبع مئة.

وكذا ممّن سمع بها الذهبيّ ، والعراقيّ ، وشيخنا ، وآخرون ؛ منهم : التقي السّبكي ، قرأ بها على التقي يوسف بن بدران بن بدر الحجّي ، الشامي ، الحنبلي. ودخلتها غير مرّة ، وأخذت عن جماعة من أهلها أو انتسب إليها.

أنشدني الفقيه ، الصالح ، الرباني ، أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم ، الفاقوسي ثم البلبيسي ، الشافعي ، الرفاعي ، ويعرف بابن أبي الفتح لفظا بمكتبه بزاوية ابن الميلق من بلبيس قوله (٢) :

الحمد لله الحميد الصّمد

منوّر الأكوان بالممجّد

محمّد خير الورى المكمّل

أهدي إلينا في ربيع الأوّل

أعلام سعد المصطفى قد نشّرت

في الخافقين تلالأت وتضوّأت

فاح الوجود بنشر عرف المصطفى

لمّا مشى ما بين زمزم والصّفا

من قبل نشأة آدم أنواره

قد سطّرت في العرش لمّا اختاره (٣)

__________________

(١) جاء في هامش الأصل : نسبة إلى «أرمنت»بوزن : أمعنت. بلد بصعيد مصر.

(٢) ذكر المصنف هذه الأبيات في «الضوء اللامع»١ / ١٨١ في ترجمة إبراهيم المذكور ، وقال عنه : وعمل أرجوزة في المولد النبوي تزيد على أربع مئة سطر ، قليلة الحشو ، غير بعيدة من الحسن ؛ لكنه لعدم معرفته للعروض كانت مختلفة الأبحر ، كتبت عنه بعضها ، وناولني سائرها.

(٣) اعلم ـ رحمك الله ـ أن معنى هذا البيت مأخوذ من حديث مرويّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنّ أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»عزاه بعضهم إلى عبد الرزاق ، وهو حديث باطل لا أصل له ، وقد جزم غير واحد بعدم وجوده في «مصنف عبد الرزاق».

قال العلامة الألباني ـ رحمه‌الله ـ في «السّلسلة الصحيحة»١ / ٢٥٧ رقم (١٣٣) عند كلامه على حديث «إنّ أول شيء خلقه الله تعالى القلم ..»قال : وفي الحديث إشارة إلى ردّ ما يتناقله الناس ، حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم ، وهو أن النور المحمديّ هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى ؛ وليس لذلك أصل من الصحة ، وحديث عبد الرزاق غير ـ ـ


في أبيات.

١٤ ـ وأخبرني الإمام ، عالم الشرقية ، أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد البلبيسي قاضيها الشافعي ، ويعرف بابن البيشي إذنا من بلبيس قال : ثنا حافظ الوقت ، الزين ، أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي إملاء من لفظه قال : أخبرني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الأنصاري ، بقراءتي ، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى الأيوبي ، مشافهة قال ثانيهما : أنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني ، وقال الأول : أنا المسلم بن محمد بن المكي (ح).

وأخبرني عاليا أم محمد ابنة السّراج ، عن الصلاح بن أبي عمر ، أنا الفخر الصالحي قالا : أنا حنبل بن عبد الله ، أنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد ، أنا الحسن بن علي بن محمد ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، ثنا بشر بن السري.

وقال الصلاح أيضا : أنبأنا الفخر بإجازته هو والحراني من عفيفة الفارفانية قالت : أخبرتنا فاطمة الجوزدانية قالت : أنا محمد بن عبد الله بن ريذة ، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (١) ، ثنا أحمد بن داود المكي ، ثنا محمد بن كثير ، قال هو وابن السري : ثنا سفيان ـ هو : الثوري ـ ، عن ابن أبي نجيح ـ هو عبد الله بن يسار ـ ، عن أبيه ، عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : ما قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوما قطّ إلا دعاهم.

هذا حديث صحيح.

أخرجه الدارمي في «مسنده»(٢) عن عبيد الله بن موسى ، عن الثوري.

__________________

ـ معروف إسناده ، ولعلنا نفرده بالكلام في «الأحاديث الضعيفة»إن شاء الله تعالى.

(١) وهو عنده في «المعجم الكبير»١١ / ١١٢٦٩.

(٢) رقم (٢٤٤٨) وقال : سفيان لم يسمع من ابن أبي نجيح ؛ يعني : هذا الحديث. ا ه.


والطحاوي في «شرح معاني الآثار»(١) له عن محمد بن خزيمة ، عن محمد بن كثير ، فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وكذا أخرجه أبو يعلى في «مسنده»(٢) عن زهير ، عن عبيد الله بن موسى.

فوقع لنا عاليا.

وهو عند الحاكم في «صحيحه»(٣) من حديث أحمد بن سيّار (٤) ويوسف بن يعقوب ، كلاهما عن ابن كثير.

ورواه الطحاوي أيضا من طريق جماعة عن حجاج بن أرطاة ، عن عبد الله بن أبي نجيح.

وكذا رواه أحمد (٥) من حديث حجاج.

وأورده الضياء في «المختارة».

وقال الحاكم عقب تخريجه : احتج مسلم بأبي نجيح والد عبد الله واسمه يسار ؛ وهو من الموالي المكيين. قال : وقد روي عن علي بهذا اللفظ ، واتفقا على إخراج حديث عبد الله بن عون قال : كتبت إلى نافع مولى عبد الله بن عمر أسأله عن القتال قبل الدعاء؟ فكتب إليّ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أغار على بني المصطلق .. الحديث.

وفيه : وكان الدعوة قبل القتال. انتهى.

ومحل الشاهد منه إنما هو عند مسلم (٦) خاصة ولفظه : «كان الدعوة قبل

__________________

(١) ٣ / ٢٠٧ رقم (٥٠٨٢).

(٢) رقم (٢٤٩٤).

(٣) ١ / ١٥.

(٤) كذا في الأصل : سيّار. وهو كذلك في نسخة من «المستدرك»انظر ١ / ١٥ منه. وجاء في نشرة «المستدرك» و «إتحاف المهرة»٨ / ١٧٢ : سنان.

(٥) ١ / ٢٣١.

(٦) رقم (١٧٣٠).


القتال في أول الإسلام».

وأما حديث علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فهو بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياه بذلك ؛ كما رواه الطبراني في «الأوسط»(١) من حديث أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّ بن أبي طالب إلى قوم يقاتلهم ، ثمّ بعث إليه رجلا فقال : «لا تدعه من خلفه ، وقل له : لا تقاتلهم حتّى تدعوهم».

ورجال إسناده ثقات.

أنشدني أبو عبد الله البيشي إذنا عن العراقي فيما أنشده إياه لفظا لنفسه :

بروحي من نرجوه في الحشر شافعا

إذا ما قطعنا من سواه المطامعا

يقول وقد آلت (٢) إليه : أنا لها

 وقد أحجم الرّسل الكرام تدافعا

شفاعته ينجو بها كلّ مسلم

يموت على التّوحيد للشّرك دافعا

دعا النّاس للإسلام لم يلف قاتلا

لمن لم يكن وافته دعوة ما دعا

***

__________________

(١) رقم (٢٨٦٥) قال حدثنا موسى بن جمهور ، ثنا عثمان بن يحيى القرقساني ، ثنا سفيان ، عن عمر بن ذر ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس به.

قال الطبراني : لم يروه عن إسحاق إلا عمر ، تفرد به ابن عيينة.

وقال الهيثمي في «المجمع»٥ / ٣٠٥ : رجاله رجال الصحيح غير عثمان بن يحيى القرقساني وهو ثقة. ا ه. وانظر «مجمع البحرين»٥ / ٥٧ رقم (٢٦٩٦).

(٢) في هامش الأصل : أفضت.


البلد الخامس عشر :

بولاق (١)

وهي حادثة أوائل القرن الثامن بساحل نيل مصر وما يجاوره ، وبها من الجوامع عدة ؛ من أقدمها للعزّ أيدمر (٢) ، أحد خواصّ الناصر محمد بن قلاوون ويعرف بالخطيري ، وكلّ من جامع الواسطي والأسيوطي (٣) الذي جدّده ابن البارزي بعده بدهر ، إلى غيرها من القصور ، والرّبوع ، والبساتين ، والمتنزّهات ، والمناظر ، والأسواق ، والحواصل ، والشّون ، والحمّامات.

ولقد اتسعت جدا ، وكثر أهلها ، وصارت من البلاد الهائلة ، ولا زال الرؤساء من حين ابتدائها وهلمّ جرّا يتعاهدون أماكنهم فيها للتنزّه ؛ بل تكرّر نزول المؤيد شيخ المحمودي لذلك بالقصر البارزي منها ، وربما أقام فيه الشهر ؛ لكن في حال (٤) توغّله وأما في الصّحة فدون ذلك ، ويصلي الجمعة هناك ، وكان يمرّ في تلك الليالي من النّزه والبسط ما لا مزيد عليه ؛ مع الإعراض عن قبيح المنكرات لإعراضه عنها. وبالجملة فهي أقلّ في انتشار الفساد من غيرها ، وقلّ أن تخلو عن مدرّس ، وقاض. وقد كتبت بها عن جماعة.

١٥ ـ أخبرني أبو العباس أحمد بن علي الأنصاري ، بقراءتي عليه ببولاق ، أنا

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢. قال الزّبيدي في «التاج»(بلق) : و (بلاق) كغراب ، والعامّة تقول (بولاق) ك طوبار ، مدينة كبيرة على ضفة النيل ، على فرسخ من مصر. ا ه.

(٢) ويعرف بجامع التوبة. بناه الأمير عز الدين أيدمر الخطيري ؛ حيث بالغ في عمارته ، وتأنق في رخامه ، فجاء من أجلّ جوامع مصر وأحسنها. انظر «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ٢ / ٣١٢.

(٣) انظر المصدر السابق ٢ / ٣١٥.

(٤) في الأصل : «خلل»وفي الهامش : «حال»وكتب بجانبها إشارة «صح».


أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي ، سماعا ، أنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن المزكي عبد الرحمن المزي ، أنا العماد ، إسماعيل بن إسماعيل بن جوسلين ، البعلي ، الحنبلي (ح).

وأخبرني بعلوّ عبد الرحيم بن محمد القاهري ، عن إبراهيم بن عبد الله النابلسي ، أنا عبد الحافظ بن بدران النابلسي ، قالا : أنا الموفق ، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، أنا أبو زرعة طاهر بن الحافظ أبي الفضل بن طاهر المقدسي ، أنا أبو منصور محمد بن الحسين المقومي ، أنا أبو طلحة القاسم بن أبي المنذر القزويني ، الخطيب ، أنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان ، أنا الحافظ ، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني (١) ، حدثني (٢) أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا يزيد بن هارون (ح).

وأخبرني علي بن محمد الدسوقي ، أنا عبد الرحمن بن أحمد الغزي ، أنا علي بن أبي الطاهر المخزومي (ح).

وكتب إليّ عاليا محمد بن أحمد الخليلي ، عن أبي الفتح الميدومي ، كلاهما عن النجيب الحراني قال الأول : سماعا ، أنا أبو الحسن الجمال في كتابه ، أنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ ، ثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو يعلى ، ثنا المقدمي ـ هو محمد بن أبي بكر ـ ثنا يحيى ـ هو ابن سعيد القطان ـ كلاهما واللفظ للقطان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ـ هو : العرزمي ـ ، عن عطاء ـ هو ابن أبي رباح ـ ، عن أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ لله ـ عزوجل ـ مئة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الإنس ، والجنّ ، والهوامّ ، والسّباع ، وذخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة».

ولفظ الآخر : «إنّ لله ـ عزوجل ـ مئة رحمة ، قسم منها رحمة بين جميع الخلائق ؛ فبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها تعطف الوحش على أولادها ،

__________________

(١) وهو عنده في «سننه»برقم (٤٢٩٣).

(٢) في هامش الأصل : «ثنا»نسخة.


وأخّر تسعة وتسعين رحمة ؛ يرحم بها عباده يوم القيامة».

هذا حديث صحيح.

أخرجه أحمد (١) عن القطان على الموافقة.

ورواه مسلم في «صحيحه»(٢) من حديث عبد الله بن نمير.

وابن حبان (٣) من حديث ابن المبارك (٤) كلاهما عن العرزمي. فوقع لنا عاليا.

وله عن أبي هريرة طرق (٥) ؛ بل وفي الباب عن جماعة من الصحابة ، كما أوردت ذلك كلّه واضحا في أحاديث الرّحمة.

وأنشدني أحمد بن عمر الشّامي ببولاق قال : أنشدني عبد الرحيم بن الحسين الحافظ ، إملاء لنفسه :

الله أنزل للخلائق رحمة

وسعت جميع الخلق في دنياهم

 ويتمّها مئة غدا مخصوصة

بالمؤمنين فلا تنال سواهم

وأنشدني أبو الحسن بن البهاء السّلمي من لفظه لنفسه ببولاق :

إنّ الزّمان كميزان بلا ريب

يحطّ كلّ ثقيل العقل والدّين

لذاك قصّرت عن دنياي يا أملي

لأنّ لي ثقة بالله تكفيني

***

__________________

(١) ٤ / ٤٣٤.

(٢) رقم (٢٧٥٢) (١٩).

(٣) رقم (٦١٤٧).

(٤) وهو عنده في «الزهد»(٨٤٢).

(٥) منها :

ـ سعيد بن المسيب عنه. رواه البخاري رقم (٦٠٠٠).

ـ العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه رواه مسلم (٢٧٥٢) (١٨) ، والترمذي (٣٥٤١).

ـ سعيد بن أبي سعيد المقبري عنه رواه البخاري (٦٤٦٩).

ـ محمد بن سيرين وخلاس عنه. رواه أحمد ٢ / ٥١٤ ، والحاكم ١ / ٥٦.


البلد السادس عشر :

ترسا (١)

وهي من عمل الجيزة ؛ في قبليها ، بين أبي النّمرس وجزيرة الذهب.

اختطّها القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب السّلولي حين كان عاملا لهشام بن عبد الملك على خراج مصر ، وذلك في أوائل القرن الثاني. وبها كانت وقعة الخليفة أبي عبد الملك مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ، الذي يقال له : الجعدي ، نسبة لمؤدبه الجعد بن درهم ، ويلقب أيضا بالحمار ، وهو المقتول في سنة اثنتين وثلاثين ومئة (٢). وما علمت أحدا نسب إليها ، وقد كان بعض أهلها يجيء إليّ كل يوم منها للقراءة وقتا.

١٦ ـ حدثني بها أبو عبد الله محمد بن علي الحسيني قال : أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الحنبلي ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد العرضي (ح).

وأخبرني عاليا أبو الحسن علي بن إسماعيل ـ إذنا ـ وسارة ابنة عمر الحموي قراءة كلاهما عن عمر بن حسن المزي.

قال الأول : سماعا قالا : أنا علي بن أحمد السّعدي ، أنا عمر بن محمد البغدادي ، أنا عبد الملك بن أبي القاسم ، أنا محمود بن القاسم وجماعة قالوا : أنا عبد الجبار بن محمد ، أنا محمد بن أحمد ، أنا محمد بن عيسى الحافظ (ح).

وأخبرني عاليا العزّ بن محمد القاضي ، عن أبي عبد الله البياني ، أنا أبو الفضل بن عساكر ، عن أبي روح الهروي ، وأم مؤيد ابنة أبي القاسم. قال

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ١ / ٢٠٨.

(٢) انظر ترجمته في «السير»٦ / ٧٤.


الأول : أنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو عثمان العيّار (١) وقالت الأخرى : أنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنا أبو حامد الأزهري ، قالا : أنا أبو محمد المخلدي ، أنا أبو العباس السّرّاج (٢) قالا : ثنا قتيبة (ح).

وأخبرني عبد الوهاب بن محمد الحنفي ، أنا عبد الله بن العلاء علي الباجي ، أنا علي بن محمد بن هارون الثّعلبي ، أنا عبد الله بن عمر البغدادي ، أنا عبد الأول بن عيسى الهروي ، أنا محمد بن أبي مسعود الفارسي ، أنا عبد الرحمن بن أحمد بن أبي شريح (٣) ، أنا عبد الله بن محمد البغوي ، ثنا العلاء بن موسى الباهلي (٤) ـ إملاء من كتابه ـ قالا : أنا اللّيث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي‌الله‌عنهما ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الذي تفوته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله».

هذا حديث صحيح.

اتفق الشيخان عليه من حديث مالك (٥).

ورواه أبو عوانة (٦) من حديث عبيد الله بن عمر ، كلاهما عن نافع.

وانفرد به مسلم (٧) من حديث سفيان بن عيينة وعمرو بن الحارث كلاهما عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي‌الله‌عنهم.

وقال الترمذي عقب حديثنا : إنه حسن صحيح.

__________________

(١) العيّار ، بالعين المهملة بعدها تحتانية مثناة مشددة. انظر ترجمته «السير»١٨ / ٨٦.

(٢) ورواه من طريقه ابن البخاري في «مشيخته»٢ / ١١٢١.

(٣) رواه من طريقه ابن البخاري في «مشيخته»٢ / ١١٢٢.

(٤) وهو عنده في جزئه المشهور رقم (٤٧).

(٥) رواه البخاري (٥٥٢) ومسلم (٦٢٦) من طريق مالك ، وهو عنده في «موطئه»(٢٢).

(٦) في «مستخرجه»١ / ٣٥٤.

(٧) رقم (٦٢٦) (٢٠١).


البلد السابع عشر :

تفهنا (١)

وهي بفتح المثناة والفاء ، وسكون الهاء ، ثم نون. هكذا ضبطه شيخنا ـ رحمه‌الله ـ وهو المستفيض على الألسنة ؛ بل وبخط قاضي الحنفية ، الزين ، عبد الرحمن بن علي التّفهني ؛ ولكن قد زادها القطب الحلبي ، الحافظ بأولها فيما رأيته بخطه في غير ما موضع : ألفا.

غربي مصر بالقرب من سنباط. انتسب إليها جماعة أشهرهم : الشيخ داود العزب ، هو : ابن مرهف بن هبة ، أحد عباد الله الصالحين ، وأوليائه المقربين ، مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وست مئة ، وقبره بها ظاهر يزار ، ويتبرّك به ، ويقصد بالنذور والقربات. وقد زرته ، ورجوت حصول القبول ، وبلوغ المأمول إن شاء الله تعالى (٢).

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٣٧ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٢٦٧ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»لابن دقماق ٥ / ٨٧. قال ياقوت الحموي : وهي بالفتح ثم الكسر ، وسكون الهاء ، ونون.

(٢) هذا الكلام من المصنف ـ عفا الله عنّا وعنه ـ على وجازته ـ عليه مؤاخذات :

١ ـ قوله : «قبره بها ظاهر»هذا خلاف ما أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقد جاء في «صحيح مسلم»(٩٦٩) عن أبي الهيّاج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سوّيته.

وفي «صحيح مسلم»أيضا (٩٦٨) عن ثمامة بن شفي قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس ، فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوّي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمر بتسويتها.

قال الإمام النووي : فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ، ولا يسنّم ؛ بل يرفع نحو شبر ، ويسطّح. وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه.


__________________

وقال الإمام ابن القيم في «زاد المعاد»١ / ٥٠٤ : ولم يكن من هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعلية القبور ، ولا بناؤها بآجرّ ، ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ، ولا تطيينها ، ولا بناء القباب عليها ؛ فكلّ هذا بدعة مكروهة ، مخالفة لهديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»(١٤ / ١٧٢ / دار هجر) في ترجمة نفيسة بنت الحسن : وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها ، وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتسوية القبور وطمسها ، والمغالاة في البشر حرام.

٢ ـ قوله : «ويتبرك به»وهذا مخالف للحكم التي من أجلها شرعت زيارة القبور ؛ ألا وهي التذكير بالموت ، والدعاء بالرحمة والمغفرة لأهل القبور كما ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر عائشة أن تقول إذا مرت بالمقابر : «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون»رواه مسلم (٩٧٤). أضف إلى هذا أن التبرك إنما هو : «طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر ، وكلّ ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه ، بسبب ذات مباركة ، أو زمان مبارك ، وتكون هذه البركة قد ثبتت لذلك السبب ثبوتا شرعيا ، وثبتت الكيفية التي تنال بها هذه البركة عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

فيشترط للتبرك بشيء ما ثبوت بركة هذا الشيء شرعا.

قال شيخ الإسلام : فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء ، أو بعض الصالحين ؛ تبركا بالصلاة في تلك البقعة ، فهذا عين المحادّة لله ورسوله ، والمخالفة لدينه ، وابتداع دين لم يأذن به الله.

٣ ـ قوله : «ويقصد بالنذور والقربات»وهذا من أعجب العجب من المصنف ـ رحمه‌الله ـ ؛ فإن النذر والتقرّب بأنواع القربات لغير الله تعالى هو شرك صراح بالله تعالى.

قال شيخ الإسلام : «وأما ما نذر لغير الله ؛ كالنّذر للأصنام ، والشمس ، والقمر ، والقبور ، ونحو ذلك ؛ فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات ، والحلف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة ، وكذلك الناذر للمخلوقات ؛ فإن كلاهما شرك ليس له حرمة ؛ بل عليه أن يستغفر الله من هذا ويقول ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله».

وقال الأذرعي ـ فقيه شافعي ـ : وأما النذر للمشاهد على قبر وليّ ، أو شيخ ، أو على اسم من حلّها من الأولياء ، أو تردّد في تلك البقعة من الأولياء والصالحين ؛ فإن قصد الناذر بذلك ـ وهو الغالب أو الواقع من قصود العامة ـ تعظيم البقعة والمشهد ، أو الزاوية ، أو تعظيم من دفن بها ، أو نسبت إليه ، أو بنيت على اسمه ؛ فهذا النذر باطل غير منعقد. ا ه.

وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء : فهذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلان فهو لغير الله فيكون باطلا ، وفي التنزيل :


سمعت الفقيه ، الصالح ، أبا علي داود الغمريّ نزيل تفهنا ـ وكان كثير التّلاوة والخير ـ بمنزله منها وغيره يقول ـ فيما (١) قوّمته :

__________________

ـ (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ)[الأنعام : ١٦٢ ـ ١٦٣] ، (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)[الأنعام : ١٢١] والنذر لغير الله إشراك مع الله ، كالذبح لغيره. ا ه ـ انظر «فتح المجيد»١ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.

٤ ـ قوله : «ورجوت حصول القبول ...»وهذا من نوع اتخاذ القبور عيدا ؛ فإن الذهاب إلى القبور لا لقصد الزيارة وإنّما لقصد الدعاء عندها لأجل بركتها ، واعتقاد أنّ الدعاء عندها أفضل ، وأنّها موطن من مواطن إجابة الدعاء ؛ لا شكّ أنّ ذلك من اتخاذها عيدا ، وقد دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربّه أن لا يتّخذ قبره عيدا.

وهنا مسألة هامة لابدّ من التنبيه عليها قد غفل عنها كثير ممن ينتسبون إلى العلم فضلا عن غيرهم من العامة وهي : أنّ استجابة الدّعاء ، أو حصول المطلوب ليس مقياسا لصحّة هذا الفعل أو شرعيته ، فقد يكون ذلك استدراجا من الله تعالى لهذا العبد ، أو غير ذلك ، وإنما العبد مأمور بامتثال ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه‌الله وطيّب ثراه ـ : وأما إجابة الدّعاء فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه ، وقد يكون سببه مجرّد رحمة الله له ، وقد يكون أمرا قضاه الله لا لأجل دعائه ، وقد يكون له أسباب أخرى ، وإن كانت فتنة في حق الداعي ؛ فإنا نعلم أنّ الكفار قد يستجاب لهم فيسقون ، وينصرون ، ويعانون ، ويرزقون ؛ مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها وقال تعالى : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)[الإسراء : ٢٠]. ا ه.

وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه‌الله ـ في «تحفة الذاكرين»صفحة (١٤٠) : السّنة لا تثبت بمجرّد التجربة ، ولا يخرج الفاعل للشيء معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا. وقبول الدّعاء لا يدلّ على أنّ سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقد يجيب الله الدعاء من غير توسّل بسنّة ـ وهو أرحم الراحمين ـ وقد تكون الاستجابة استدراجا. ا ه.

انظر «اقتضاء الصراط المستقيم»٢ / ٦٥٤ و «الاستغاثة في الرد على البكري»كلاهما لشيخ الإسلام ، و «شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور»لمرعي بن يوسف الكرمي ، و «التبرك المشروع والتبرك الممنوع»للدكتور علي بن نفيع العلياني ، و «التبرك بأنواعه وأحكامه»للدكتور ناصر الجديع ، و «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية»لشمس الدين السلفي الأفغاني ، و «موسوعة أهل السنة»١ / ٢٦٧ للشيخ عبد الرحمن دمشقية.

(١) في هامش الأصل : مما.


خسر الذي ترك الصّلاة وخابا

 وأبى معادا صالحا ومآبا

إن كان يجحدها فحسبك أنّه

أمسى بربّك كافرا مرتابا

أو كان يتركها لنوع تكاسل

غشّى على وجه الصّواب حجابا

فالشّافعيّ ومالك رأيا له

إن لم يتب حدّ الحسام عقابا

 ورأى له بعض الأئمّة أنّه

لا ينتهى عنه وإن هو تابا

إيه ومنهم من يقول بقتله

كفرا ويقطع دونه الأسبابا

 وأبو حنيفة قال يترك مدّة

أبدا ويحبس مرّة إيجابا

 والظّاهر المشهور من أقواله

تعزيره زجرا له وعذابا

 والرأي عندي للإمام بكلّ تأ

ديب وتخويف يراه صوابا

 ويكفّ عنه القتل طول حياته

حتّى يجازى في المآب حسابا

 والأصل عصمته إلى أن يمتطي

إحدى الثّلاث إلى الهلاك ركابا

الكفر أو قتل المكافىء عامدا

أو محصن طلب الزّنا فأصابا

وقد أنشدنيها غير واحد إذنا عن العزّ أبي عمر بن جماعة ، أنبأنا عبد الرحيم بن عبد المنعم الدّميري ـ إن شاء الله ـ أنا الحافظ أبو الحسن علي بن المفضّل ، اللّخمي ، الفقيه ، المالكي ، لنفسه فذكرها (١) ..

***

__________________

(١) روى ابن دقيق العيد هذه الأبيات في «إحكام الأحكام»٤ / ٨٥ عن شيخه هارون بن عبد الله المهراني ، عن أبي الحسن علي بن المفضل فذكرها


البلد الثامن عشر :

جبرين (١)

وهي بكسر الجيم ، ثم موحدة ساكنة ، وراء مكسورة ، وآخره نون ؛ كغسلين. على ميلين من شرقي حلب ، ويقال لها : جبرين الفستق. بها زاوية جليلة ، وسماط ، وبساط ، ولشيوخها وجاهة ، وعرفت منهم غير واحد ؛ بل انتسب إليها عالم حلب القاضي ، علاء الدين بن خطيب الناصرية. وفي الرواة أبو الحسن محمد بن خلف بن عمر الجبريني ، شيخ لابن المقرىء ؛ ولكن نسبته إنما هي لبيت جبرين ، قرية كبيرة من أرض فلسطين عند بيت المقدس ، نحو مشهد الخليل ـ عليه‌السلام ـ وقد سمع بجبرين حلب شيخنا ، وأسمع ، واقتفيت أثره في السّماع خاصة.

١٧ ـ أخبرني بها الشيخ ، الأصيل ، أبو خالد محمد بن أبي بكر بن محمد الجبريني بقراءتي ، عن أم محمد عائشة ابنة محمد المقدسية (ح).

وقرأت على أبي المعالي الدمشقي بالقاهرة قلت له : أخبرك أبو هريرة بن الحافظ الذهبي وأم عبد الله زينب ابنت الشرف عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية سماعا على كل منهما. قال الثلاثة : أنا أبو العباس الصالحي. قالت الأخيرة : وأنا حاضرة في الثالثة ، أنا أبو المنجا بن اللّتي ، أنا أبو الفتح بن شنيف ، أنا أبو عبد الله بن السّراج وأبو غالب العطّار ، قالا : أنا أبو علي بن شاذان ، ثنا أبو الحسن بن الزبير القرشي ، الكوفي إملاء ، ثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس القاضي الزهري ، ثنا جعفر بن عون (ح).

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ١٠١ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٣١١.


وأخبرني عاليا مسند العصر عبد الرحيم بن محمد ـ بقراءتي ـ وأبو زيد القبابي في كتابه قال الأول : أنا أبو العباس بن الجوخي (١) إذنا. وقال الثاني : أنا أبو عبد الله محمد بن موسى الأنصاري سماعا قالا : أنا الفخر أبو الحسن بن البخاري ، أنا أبو اليمن الكندي وأبو حفص بن طبرزذ قالا : أنا القاضي أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو إسحاق البرمكي حضورا ، أنا أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو إسحاق البرمكي حضورا ، أنا أبو محمد بن ماسي (٢) ، حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ، وأبو بكر موسى بن إسحاق القاضي. قال الأول : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي. وقال الثاني : ثنا خالد بن يزيد ؛ يعني : العمريّ. قال الثلاثة ـ وألفاظهم متقاربة واللفظ للقعنبي ـ : ثنا سلمة بن وردان قال : سمعت أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول : ارتقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر فقال : «آمين»، ثم ارتقى ثانية فقال : «آمين»، ثم ارتقى ثالثة فقال : «آمين»ثم استوى عليه فقال : «آمين»، فقال أصحابه : على ما أمّنت يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتاني جبريل فقال لي : يا محمّد ، رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصلّ عليك. فقلت : آمين. ثمّ قال : رغم أنف امرىء أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنّة. فقلت : آمين. ثمّ قال : رغم أنف امرىء أدرك شهر رمضان فلم يغفر له. فقلت : آمين».

هذا حديث حسن عال.

رواه ابن وهب في «جامعه»(٣) عن سلمة بن وردان.

__________________

(١) رواه من طريقه السبكي في «طبقات الشافعية»١ / ١٥٢. وقال في ١ / ١٥٦ : ليس هذا الحديث من هذا الوجه في شيء من الكتب الستة.

(٢) أخرجه في «فوائده»٩ / ١ ـ ٢ كما أفاده العلامة الألباني في تحقيقه ل «فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»لإسماعيل القاضي. ومن طريقه ابن رشيد الفهري في «ملء العيبة»٣ / ١٤٦ ـ ١٤٧ وقال : هذا الحديث أول حديث من «الفوائد»وهو تساعي ، وليس في إسناده من ضعّف إلا سلمة بن وردان.

(٣) لم أقف عليه في المطبوع من «الجامع»بعد بحث ؛ فالله أعلم.


وإسماعيل القاضي في «الصّلاة النبوية»(١) له عن القعنبي.

والحسن بن عبد الملك في «جزئه»المسموع لنا عن البرمكي. فوافقناهم في شيوخهم بعلو.

ورواه البخاري في «الأدب المفرد»(٢) ، وأبو بكر بن أبي شيبة في «مسنده»(٣) ، كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سلمة.

والبزار في «مسنده»(٤) عن محمد بن معمر ، عن جعفر بن عون. فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وسلمة قال فيه ابن سعد (٥) : كان ثبتا ، وبعضهم يستضعفه.

ونحوه قول البزار : إنه صالح ، وله أحاديث يستوحش منها ، لا نعلم رواها بألفاظه غيره.

__________________

(١) رقم (١٥).

(٢) لم أقف عليه بلفظه في المطبوع من «الأدب المفرد»لكن رواه برقم (٦٤٢) قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سلمة بن وردان قال : سمعت أنسا ومالك بن أوس بن الحدثان أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يتبرز فلم يجد أحدا يتبعه ، فخرج عمر فاتبعه بفخارة أو مطهرة ، فوجده ساجدا في مسرب ، فتنحى فجلس وراءه ، حتى رفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه فقال : «أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ، إن جبريل جاءني فقال : من صلّى عليك واحدة صلى الله عليه عشرا ، ورفع له عشر درجات».

قال العلامة الألباني ـ رحمه‌الله ـ : وسلمة بن وردان ضعيف بغير تهمة ؛ فيصلح للاستشهاد به. ا ه «السلسلة الصحيحة»٢ / ٤٨٢ تحت رقم (٨٢٩).

وعزاه القرطبي في «تفسيره»١٠ / ٢٤٢ (الإسراء : ٢٣) : إلى كتاب «بر الوالدين»للبخاري.

وانظر ترجمة سلمة في «الكامل»لابن عدي ٤ / ٣٦١.

(٣) كما في «المطالب العالية»/ المسندة ٤ / ٧ رقم (٣٣٤٥). ورواه عن ابن أبي شيبة جعفر الفريابي كما في «جلاء الأفهام»لابن القيم صفحة (١٢٩).

(٤) كشف الأستار ٤ / ٤٩ رقم (٣١٦٨).

(٥) في «الطبقات الكبرى»صفحة ٣٦٣ ـ ٣٦٤ / الجزء المفقود ، تحقيق : زياد منصور. ونص عبارته فيه : وكانت عنده أحاديث يسيرة ، وكان ثبتا فقيها ، ولا يحتج بحديثه ، وبعضهم يستضعفه.


وقال أبو حاتم (١) : يكتب حديثه ولا يحتج به.

وقال أحمد بن صالح (٢) : كان ثقة حسن الحديث.

وقال ابن حبان (٣) : حدّث عن أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ بأشياء لا تشبه حديثه (٤) ، كان قد كبر فكان يحدّث على سبيل التّوهّم ، حتى خرج عن حدّ الاحتجاج به.

وقال ابن عدي (٥) : في المتون التي رواها أشياء يخالف فيها الناس.

وضعفه أحمد ، وابن معين ، وغيرهما ؛ لسوء حفظه (٦).

والظاهر أنه كان صالحا في نفسه (٧).

وقد أخرج حديثه هذا تمام في «فوائده»(٨) من حديث موسى الطويل ـ وهو أشدّ ضعفا منه (٩) ـ عن أنس.

__________________

(١) «الجرح والتعديل»لابنه ٤ / ١٧٥ رقم (٧٦١). ونص عبارته فيه. قال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول ـ وسئل عن سلمة بن وردان ـ فقال : ليس بقوي. تدبرت حديثه فوجدت عامتها منكرة ، لا يوافق حديثه عن أنس حديث الثقات إلا في حديث واحد ، يكتب حديثه.

(٢) نقله عنه ابن شاهين في «الثقات»انظر «تهذيب التهذيب»للحافظ ابن حجر.

(٣) في «المجروحين»١ / ٤٢٢ تحقيق : الشيخ حمدي السلفي.

(٤) وزاد ابن حبان : وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات.

(٥) في «الكامل»٤ / ٣٦١. ونص عبارته فيه : وفي متون بعض ما يرويه أشياء منكرة ويخالف سائر الناس.

(٦) انظر «تهذيب الكمال»١١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٨ ، و «ميزان الاعتدال»٢ / ١٩٣ رقم (٣٤١٤).

(٧) وقال في «القول البديع»صفحة (١٤٨) تعقيبا على قول البزار : «إنه صالح»قال : والظاهر أن قول البزار : «إنه صالح»عنى به الديانة. ا ه

وكأنه أخذ ذلك من شيخه الحافظ ابن حجر في تعليقه على «مجمع الزوائد»انظر ١٠ / ١٦٦ من المطبوع.

وقال ابن القيم في «جلاء الأفهام»صفحة (١٣١) : وسلمة هذا لين الحديث ، قد تكلم فيه ، وليس ممن يطرح حديثه ، ولا سيما حديثه له شواهد ، وهو معروف من حديث غيره.

(٨) ٤ / ٧ رقم ١٢٤٣ / الروض البسام.

(٩) قال ابن حبان : روى عن أنس بن مالك أشياء موضوعة ، كان يضعها أو وضعت له فحدّث بها ، لا تحلّ كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. «المجروحين»٢ / ٢٥١ تحقيق : السلفي.


وجاء عن بريدة (١) ، وجابر بن سمرة (٢) ، وجابر بن عبد الله (٣) ، وعبد الله ابن جعفر (٤) ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزّبيدي (٥) ، وابن عباس (٦) ، وابن

__________________

(١) رواه إسحاق بن راهويه كما في «القول البديع»صفحة (١٤٩) ، والروياني في «مسنده»١ / ٨٩ رقم (٥٥).

(٢) رواه البزار في «مسنده»٤ / ٤٨ رقم (٣١٦٦) / كشف الأستار ، والطبراني في «الكبير»٢ / ٢٤٣ رقم (٢٠٢٢) من طريق إسماعيل بن أبان ، عن قيس بن الربيع ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة به.

قال البزار : لا نعلمه يروى عن جابر بن سمرة إلا من هذا الوجه.

وقال المصنف في «القول البديع»: «إسماعيل بن أبان وهو الغنوي كذبه يحيى بن معين وغيره ، وقيس بن الربيع ضعيف ، لكن قد قال شيخنا : إن إسناده حسن ؛ يعني لشواهده».

وانظر «مختصر زوائد البزار»٢ / ٤٣٨. وقال المنذري في «الترغيب والترهيب»رقم (٣٦٧٦) : رواه الطبراني بأسانيد أحدها حسن.

(٣) رواه البخاري في «الأدب المفرد»(٦٤٤) من طريق عبد الله بن نافع الصائغ ، عن عصام بن زيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر به.

قال العلامة الألباني : رجاله ثقات غير عصام بن زيد ، قال الذهبي : ولا يعرف. ا ه.

وقال المصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٨) : وهو حديث حسن.

(٤) رواه الفريابي كما في «القول البديع»صفحة (١٥١).

(٥) رواه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»(٦٨) ، والبزار في «مسنده»٤ / ٤٨ رقم (٣١٦٧) / كشف الأستار ، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ»٢ / ٤٩٨ من طريق ابن لهيعة ، عن عبد الله بن يزيد الحضرمي ، عن مسلم الصدفي ، عن عبد الله به.

قال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٥ : رواه البزار والطبراني بنحوه ، وفيه من لم أعرفهم.

وقال المصنف في «القول البديع»صفحة (١٥١) : وفي سنده ابن لهيعة ؛ لكن لحديثه شواهد كما ترى.

(٦) رواه الطبراني ١١ / ٦٨ رقم (١١١١٥) من طريق يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس به.

قال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٥ : رواه الطبراني ، وفيه يزيد بن أبي زياد وهو مختلف فيه وبقية رجاله ثقات. ا ه وكذا قال المصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٩).

ورواه الطبراني أيضا ١٢ / ٦٥ ـ ٦٦ رقم (١٢٥٥١) وعبد الوهاب بن منده وأبو طاهر المخلص في «فوائدهما»كما في «القول البديع»صفحة (١٤٩) من طريق إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عنه.


مسعود (١) ، وعمار بن ياسر (٢) ، وكعب بن عجرة (٣) ، ومالك بن الحويرث (٤) ،

__________________

قال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٥ : وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان وفيه ضعف.

ا ه وكذا قال المصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٩).

وقال المنذري في «الترغيب والترهيب»رقم (٢٥٢٨) : رواه الطبراني بإسناد لين.

(١) رواه البزار ٤ / ٤٨ رقم (٣١٦٥) / كشف الأستار من طريق جارية بن هرم ، ثنا حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود به.

قال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٤ : وفيه جارية بن هرم الفقيمي وهو ضعيف.

وقال المصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٩) : وهو من رواية جارية بن هرم الفقيمي ، عن حميد الأعرج ، وهما ضعيفان.

(٢) رواه البزار ٤ / ٤٧ رقم (٣١٦٤) كشف الأستار من طريق عثمان بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن أبيه عن جده ، عن عمار به.

قال البزار : لا نعلمه يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد.

وقال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٥ : وفيه من لم أعرفهم.

وقال المصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٩) : ومحمد بن عمار ذكره ابن حبان في «الثقات»وابنه أبو عبيدة وثقه ابن معين ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث.

(٣) رواه إسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»رقم (١٩) ، والطبراني ١٩ / ١٤٤ رقم (٣١٥) ، والحاكم ٤ / ١٥٣ من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن أبيه ، عن كعب بن عجرة به.

قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

قال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٦ والمصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٧) : رجاله ثقات. ا ه كذا قالا ؛ مع أن إسحاق بن كعب مجهول الحال كما قال الحافظ في «التقريب». والله أعلم.

(٤) رواه ابن حبان (٤٠٩) ، والطبراني ١٩ / ٢٩١ ، وابن عدي في «الكامل»٨ / ١١٦ ترجمة (مالك بن الحسن) كلّهم من طريق عمران بن أبان ، حدثنا مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث ، عن أبيه ، عن جده به.

قال ابن عدي بعد أن أورد لمالك هذا أحاديث : «وهذه الأحاديث بهذا الإسناد عن مالك بن الحسن هذا لا يرويه عن مالك إلا عمران بن أبان الواسطي ، وعمران بن أبان لا بأس به ، وأظن أن البلاء فيه من مالك بن الحسن هذا». ومالك هذا قال فيه الذهبي : «منكر الحديث». وعمران ضعيف كما قال الحافظ في «التقريب».


وأبي ذر (١) ، وأبي هريرة (٢) رضي‌الله‌عنهم ؛ حسبما بينتها في «القول البديع»وآخرها أصحّها ؛ فهو عند ابن خزيمة (٣) ، وابن حبان (٤) في «صحيحيهما»، والحاكم في «مستدركه»(٥) من طرق ؛ بل أصله في «صحيح مسلم»(٦) باختصار ، والله الموفق.

***

__________________

وقال الهيثمي في «المجمع»١٠ / ١٦٦ : وفيه عمران بن أبان وثقه ابن حبان وضعفه غير واحد ، وبقية رجاله ثقات. ا ه وبنحوه قول المصنف في «القول البديع»صفحة (١٤٨).

(١) رواه الطبراني كما في «القول البديع»صفحة (١٤٩).

(٢) رواه البخاري في «الأدب المفرد»(٦٤٦) ، وابن أبي عاصم رقم (٦٥) (٦٦) ، وإسماعيل القاضي رقم (١٨) وغيرهم. وله طرق عديدة عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه انظر «الروض البسام»٤ / ١٣.

(٣) ٣ / ١٩٢ رقم (١٨٨٨).

(٤) رقم (٩٠٧).

(٥) ١ / ٥٤٩.

(٦) رقم (٢٥٥١) من حديث أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ مرفوعا : «رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف»قيل : من يا رسول الله؟ قال : «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة».


البلد التاسع عشر :

جزيرة الفيل

وهي حادثة بين المنية وبولاق ، متسعة ، فيها عدة بساتين ، وسوق ، وخطبة ، جدّد جامعها تجديدا حسنا (١) ، وأضيفت للفيل لأن مركبا ـ فيما قيل ـ كان يعرف بالفيل لعظمه وكبره ، انكسر في موضعها حين كان غامرا بالماء ، فترك إلى أن ربا عليه الرّمل ، وانطرد عنه الماء ؛ بحيث صار جزيرة.

والنسبة إليها : جزيريّ ، كبعض الطّلبة من فضلاء الحنابلة ، أو جزريّ ، كغير واحد ممن انتسب لجزيرة ابن عمر (٢) وغيرها ، وقد يثبتون الياء أيضا في بعض المنسوبين لجزيرة ابن عمر ، كالمنسوبين للجزيرة الخضراء بالأندلس ؛ وهم جماعة.

وقد قرأ بها شيخنا على شيخه العراقي ـ رحمهما‌الله ـ وتبعته في ذكرها.

وكان العراقيّ يملي بها أيام سكنه فيها.

١٨ ـ أخبرني بها الإمام ، الزّكي ، أبو العباس أحمد بن محمد الأنصاري ، المقرىء بقراءتي ، أنا المجد ، أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم الكناني ، الحنفي (ح).

وأنبأني عاليا عبد الرحمن بن عمر الحنبلي كلاهما عن أبي الحرم الحنبلي.

قال الأول : سماعا أخبرتنا مؤنسة ابنة أبي بكر بن أيوب ، عن عفيفة ابنة أحمد بن عبد الله قالت : أنا أبو محمد حمزة بن العباس العلوي ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد جعفر بن

__________________

(١) في هامش الأصل : «على وجه حسن»نسخة.

(٢) انظر «معجم البلدان»٢ / ١٣٨.


حيّان المعروف بأبي الشيخ ، ثنا الفضل بن العباس بن مهران ، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، ثنا الليث بن سعد ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن سعد بن سنان ، عن أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يكون بين يدي السّاعة فتن كقطع اللّيل المظلم ، يصبح الرّجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا ؛ يبيع أقوام دينهم بعرض من الدّنيا».

هذا حديث حسن (١).

أخرجه الترمذي في «جامعه»(٢) عن قتيبة ، عن الليث. فوقع لنا بدلا له عاليا. وقال : إنه غريب من هذا الوجه. وحسّن له بعض الأحاديث (٣) مما قال فيه أيضا : «إنه غريب من هذا الوجه»هذا مع قوله في موضع آخر (٤) : وقد تكلّم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان.

ورواه أبو يعلى في «مسنده»(٥) من حديث يونس ، عن الليث. فجعله : سعيد بن سنان.

__________________

(١) قال العلامة المباركفوري في «تحفة الأحوذي»٦ / ٣٦٧ : لم يحسنه الترمذي ، والظاهر أنه حسن.

وقال العلامة الألباني ـ بعد نقله لكلام المباركفوري ـ : وهو كما قال ؛ فإن سعد بن سنان وثقه ابن معين ، وحسبك به. «السلسلة الصحيحة»رقم (٨١٠).

قلت : نعم ، وثقه ابن معين كما في رواية ابن أبي خيثمة عنه ؛ لكن ضعّفه أحمد ، والنسائي ، والدارقطني ، والجوزجاني. وقال أحمد : لا يكتب حديثه. وقال مرة : تركت حديثه ؛ لأن حديثه مضطرب غير محفوظ. وقال مرة : يشبه حديثه حديث الحسن ، لا يشبه حديث أنس. وقال مرة : روى خمسة عشر حديثا ؛ منكرة كلّها ، ما أعرف منها واحدا. وقال الجوزجاني : أحاديثه واهية ، لا تشبه أحاديث الناس عن أنس. وقال الذهبي : ليس بحجة.

فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لضعف سعد بن سنان ، والمصنف ـ أي : السخاوي ـ نفسه قد ضعفه بهذا الإسناد ، حيث قال في نهاية تخريجه للحديث : وفي الباب عن النعمان بن بشير ، وأبي أمامة ، وغيرهما من الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ ولذلك حسّنته. والله أعلم.

(٢) رقم (٢١٩٧).

(٣) انظر «جامع الترمذي»رقم (٢٣٩٦).

(٤) انظر «جامع الترمذي»رقم (٦٤٦).

(٥) رقم (٤٦٢٠). وجاء في المطبوع : سعد بن سنان.


ورواه الحاكم في «مستدركه»(١) من حديث ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة كلاهما عن يزيد فقالا : عن سنان بن سعد (٢).

وفي الباب عن النعمان بن بشير (٣) ، وأبي أمامة (٤) ، وغيرهما (٥) من الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ ولذلك حسّنته.

وأنشدني أبو العباس المذكور بها لفظا لنفسه :

قالوا إذا لم يخلّف ميّت ذكرا

ينسى فقلت لهم في بعض أشعاري

بعد الممات أصيحابي ستذكرني

بما أخلّف من أولاد أفكاري

***

__________________

(١) ٤ / ٤٣٨. ولم يتكلم عليه الحاكم ، وسكت عليه الذهبي.

وقد نبه الذهبي أن الحاكم كثيرا ما يروي الأحاديث في «المستدرك»ولا يتكلم عليها ، ذكر ذلك في «تلخيصه للمستدرك»١ / ٣ عند كلامه على حديث : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»قال : لم يتكلم عليه المؤلف ، وهو صحيح ، ولذا لم أره يتكلم على أحاديث جمّة ؛ بعضها جيد ، وبعضها واه.

(٢) قال الترمذي في «جامعه»رقم (٦٤٦) : وسمعت محمدا يقول : والصحيح سنان بن سعد.

(٣) رواه ابن المبارك في «مسنده»(٢٦٣) ، وأحمد ٤ / ٢٧٣ و ٢٧٧ ، والحاكم ٣ / ٥٣١ وغيرهم من طريق الحسن البصري ، عن النعمان بن بشير. والحسن لم يسمع من النعمان كما قال علي بن المديني.

وروي عن الحسن ، عن أبي موسى الأشعري. قال أبو حاتم : الحسن عن أبي موسى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشبه منه من النعمان بن بشير. انظر «العلل»لابن أبي حاتم ٢ / ٤٢٨ (٢٧٩١).

(٤) رواه الدارمي (٣٤٥) ، وابن ماجة (٣٩٥٤) من طريق علي بن يزيد ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن أبي أمامة به.

قال البوصيري : «هذا إسناد ضعيف ، وقال البخاري وغيره في علي بن يزيد : منكر الحديث»ا ه.

(٥) منهم :

ـ أبو هريرة : رواه مسلم (١١٨) ، والترمذي (٢١٩٥).

ـ ابن عمر : رواه الحاكم ٤ / ٤٣٨. انظر : «السلسلة الصحيحة»(١٢٦٧).

ـ أبو موسى الأشعري : رواه أبو داود (٤٢٥٩). انظر : «الإرواء»٨ / ١٠٢.


البلد العشرون :

الجزيرة الوسطى (١)

وهي حادثة أوائل القرن الثامن حين انحسار الماء عنها ، ويقال : إن الطبيب الفاضل الشمس ابن الأكفاني تفرّس مصيرها مدينة حين كان يمرّ إذ ذاك بها ؛ فكان كذلك. بنيت فيها الدور الجليلة ، والجامع ، والطاحون ، والأسواق ، ونحوها ، وغرست فيها البساتين ، وحفرت بها الآبار ، وصارت متنزّها حسنا ؛ إلا أنّه خفّ شأنها في أوائل القرن التاسع مع وجود بقايا بهجة بها الآن مضافا لما تجدّد بعد من دور ، ومعاصر لقصب السّكر ؛ بل وجامع تقام فيه الجمعة (٢) أيضا ، وغير ذلك.

وقيل لها الوسطى لتوسطها بين الرّوضة وبولاق وبين القاهرة وبر الجيزة.

وربما يقال لها : جزيرة أروى.

وقد حدّث بها الوليّ العراقي ، سمع منه بها شيخنا المخرج عنه فيها ؛ بل كان يقرأ بها العلم ، وله فيها مآثر.

١٩ ـ أخبرني بها الإمام ، الفقيه ، عمدة المذهب في وقته أبو زكريا بن محمد الحدّادي التونسي الأصل بقراءتي ، أنا الجمال ، عبد الله بن علي بن يحيى بن فضل الله العمري ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد العرضي حضورا وإجازة (ح).

وقرأت عاليا على العز بن الفرات وأجاز لي الزين اللخمي قال الأول : أنا أبو العباس بن الزقاق إذنا. وقال الثاني : أنا محمد بن موسى بن سليمان سماعا

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ٢ / ١٨٦.

(٢) في هامش الأصل : «الخطبة»نسخة.


قال الثلاثة : أنا أبو الحسن علي بن أحمد الحنبلي ، أنا أبو حفص الدار قزي وأبو اليمن اللغوي قالا : أنا أبو بكر بن عبد الباقي ، أنا إبراهيم بن عمر الفقيه الحنبلي ، أنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب البزاز ، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجّي ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا إسماعيل بن مسلم المكي ، ثنا عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، عن الفضل بن عباس ـ رضي‌الله‌عنهم ـ أنه كان رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يزل يلبّي حتى رمى الجمرة التي عند العقبة يوم النّحر.

هذا حديث صحيح.

وإسماعيل وإن كان ضعيفا فقد اتفق الشيخان عليه (١) من طرق عن عطاء ، فوقع لنا عاليا.

وممن رواه عنه ابن جريج ، وقيس ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وخصيف ؛ بل رواه عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهم جماعة ، ومنهم من جعله من مسنده رضي‌الله‌عنه.

***

__________________

(١) رواه البخاري (١٦٨٥) ، ومسلم (١٢٨١) (٢٦٧).


البلد الحادي والعشرون :

الجعرانة (١)

وهو بالكسر مع سكون العين. وقد تكسر لكن مع تشديد الراء كما لابن وهب وأكثر المحدثين ، والأول للشافعي ، والأصمعي ، ومحققي المحدثين ، وغيرهم. قال صاحب «المطالع»: وكلاهما صواب.

واد في الحلّ بين الطائف ومكة ؛ هو إليها أقرب. أحرم منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي القعدة ، حيث قسم غنائم حنين ، ولذا كان أفضل بقاع الحلّ.

وقرأت هناك «الإبانة فيما ورد في الجعرانة»على مؤلفه رحمه‌الله تعالى ؛ إذ رحلت من مكة إليها بقصد الاعتمار.

وأخبرني بها أبو أحمد عبد الرحيم بن الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد اللّخمي بقراءتي ، أنا أبي ، أنا أبو النون الدّبوسي ، عن أبي محمد عبد المنعم بن رضوان ، أنشدنا أبو القاسم السهيليّ لنفسه إجازة من المغرب مما كتبه عنه أبو الخطاب بن دحية الحافظ وذكر قائلها أنه ما سأل الله بها أحد شيئا إلا أعطاه إياه (٢) :

يا من يرى ما في الضّمير ويسمع

أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع

يا من يرجّى للشّدائد كلّها

يا من إليه المشتكى والمفزع

__________________

(١) انظر : «معجم البلدان»٢ / ١٤٢ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٣٣٦.

قال النووي في «شرح مسلم»(٨ / ٧٦): «الجعرانة : فيه لغتان مشهورتان ، أحدهما : إسكان العين وتخفيف الراء ، والثانية : كسر العين وتشديد الراء ، والأولى أفصح ، وبهما قال الشافعيّ وأكثر أهل اللغة»ا ه.

(٢) هذا القول يحتاج إلى دليل من الشرع.


يا من خزائن رزقه في قول كن

أمنن فإنّ الخير عندك أجمع

مالي سوى فقري إليك وسيلة

 وبالافتقار إليك فقري أدفع

مالي سوى قرعي لبابك حيلة

فلئن رددت فأيّ باب أقرع

 ومن الذي أدعو وأهتف باسمه

إن كان فضلك عن فقيرك يمنع

حاشا لجودك (١) أن يقنّط عاصيا

الفضل أجزل والمواهب أوسع

***

__________________

(١) في «وفيات الأعيان»٣ / ١٤٣ ، و «شذرات الذهب»٦ / ٤٤٥ : لمجدك.


البلد الثاني والعشرون :

الجيزة (١)

وهي بكسر الجيم ، ثم تحتانية بعدها زاي. قديمة على شاطىء النيل الغربي تجاه مصر ، فيها عدّة مساجد ، أبهجها المدرسة الخروبيّة ؛ المضافة للمؤيد شيخ (٢) ؛ بل وفيها مسجد عمريّ ـ فيما قيل ـ وليس ببعيد ، فقد نزلتها همدان ومن والاها حين فتحت مصر ، وكتب عمر إلى عمرو بن العاص ـ رضي‌الله‌عنهما ـ : كيف رضيت أن تفرّق أصحابك ، ويكون بينك وبينهم بحر لا تدري ما يفجؤهم ، فلعلك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره ، فاجمعهم إليك ؛ فإن أبوا وأعجبهم موضعهم فابن عليهم من فيء المسلمين حصنا. ففعل وكان الفراغ من بنائه في سنة اثنتين (٣) وعشرين (٤).

ولها في يوم الأحد سوق حافل. وقد انتسب إليها خلق كثيرون حصّلت منهم جملة. ويقال : إنّ كعب الأحبار مدفون بها ، وإن مسجدا منها كان فيه التابوت الذي قذفت به أمّ موسى عليه‌السلام في النيل وهو فيه ، إلى غير ذلك من المآثر كمعبد ذي النون.

والحديث المرويّ فيها بلفظ : «الجيزة روضة من رياض الجنة»لا يصحّ (٥).

__________________

(١) انظر : «معجم البلدان»٢ / ٢٠٠ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٣٦٧.

(٢) كذا في الأصل. وانظر «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ٢ / ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

(٣) في الأصل : اثنين.

(٤) انظر : «فتوح مصر والمغرب»لابن عبد الحكم صفحة (١٥٥ ـ ١٥٦).

(٥) قال المصنف في «المقاصد الحسنة»رقم (١٧٨) : قال شيخنا : هو كذب موضوع ، وهو في نسخة نبيط الموضوعة.

وانظر «الأسرار المرفوعة»للقاري رقم (١٥٨).


وهي ممن سمع بها شيخنا وشيخه ـ رحمهما‌الله ـ في آخرين ؛ منهم : ابن رافع وغيره ، سمعوا فيها على نزيلها أبي علي الحسن بن عمر الكردي ، أحد شيوخ التقي السبكي ، وتكرر دخولي لها للسماع وغيره ، وآخر من كان يذكر فيها الفاضل نور الدين بن الجريّش رحمه‌الله.

٢٠ ـ أخبرني الشيخان ، أبو الصفاء خليل بن سبرج الحنفي وأبو المعالي الكاتب بقراءتي عليهما مفترقين ؛ الأول بزاوية سيدي سعد الدين من الجيزة ، والثاني بالقاهرة ، كلاهما عن أبي هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي قال الثاني : سماعا ، أنا أبو نصر محمد بن محمد بن القاضي أبي نصر محمد بن عبد الله الشيرازي سماعا ، أنا جدي أبو نصر حضورا وإجازة ، أنا الشيخان أبو طاهر إبراهيم بن الحسن بن طاهر الحصني الحموي ، وأبو البركات الخضر بن شبل الحارثي مفترقين قالا : أنا الشيخان ، أبو الحسن علي بن الحسن السلمي الموازيني وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي ، قالا : أنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن سعدان ، أنا أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي ، حدثنا أبو قصي إسماعيل بن محمد بن إسحاق الأصم ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب ، ثنا محمد بن شعيب ، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة ، عن أيوب بن خالد بن صفوان ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أيها النّاس ، إنّ لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحلّ على مجالس الذّكر ، اغدوا وروحوا في ذكر الله ، وذكّروه بأنفسكم ، من كان يحبّ أن يعلم كيف منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله ـ تبارك وتعالى ـ عنده ، فإنّ الله عزوجل ينزل العبد حيث أنزله من نفسه».

هذا حديث حسن.

رواه جعفر الفريابي في كتاب «الذكر»(١) له عن سليمان ، فوافقناه فيه بعلو.

__________________

(١) ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ١٧.


ورواه مسدد في «مسنده»(١) عن بشر بن المفضل عن مولى غفرة فوقع لنا بدلا له عاليا.

وهو عند عبد في «مسنده»(٢) عن حبّان (٣) بن هلال.

وأبي يعلى في «مسنده»(٤) عن عبيد الله القواريري.

والبزار في «مسنده»(٥) عن محمد بن عبد الملك.

والطبراني في «الأوسط»(٦) من حديث أبي عمر الضرير.

والحاكم في الدعاء من «مستدركه»(٧) من حديث مسدد.

خمستهم عن بشر بن المفضل.

وابن منيع في «مسنده»(٨) من حديث إسماعيل بن عياش كلاهما عن مولى غفرة فوقع لنا عاليا على أكثرهم.

وقال الطبراني : إنه لا يروى عن جابر ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عمر.

وكذا قال البزار وزاد : ولا روى أيوب عن جابر رضي‌الله‌عنه غيره.

وقال الحاكم : إنه صحيح الإسناد (٩).

__________________

(١) انظر «المطالب العالية»/ المسندة ٤ / ٢٨ رقم (٣٤٠٧).

(٢) «المنتخب»صفحة (١٣٣) رقم (١١٠٧) وانظر «المطالب العالية»٤ / ٢٨.

(٣) بفتح الحاء المهملة كما في «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٤) ٣ / ٣٩٠ رقم (١٨٦٥) و ٤ / ١٠٦ رقم (٢١٣٨). ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ١٧ وقال : هذا حديث غريب.

(٥) «كشف الأستار»٤ / ٥ رقم (٣٠٦٤).

(٦) (٢٥٠١).

(٧) ١ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥ ومن طريقه البيهقي في «الدعوات الكبير»(٦).

(٨) كما في «المطالب العالية»/ المسنده ٤ / ٢٨ ، ورواه أيضا الفريابي ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ١٧.

(٩) وتعقبه الذهبي وابن حجر بأن عمر ضعيف. انظر «نتائج الأفكار»١ / ١٨ ، و «مختصر ـ ـ


قلت : ومولى غفرة وإن اختلف فيه فعن ابن معين تضعيفه في رواية ، وأنه : ليس به بأس في أخرى. وكذا ضعفه النسائي. وقال ابن حبان : يقلب الأخبار لا يحتج به. وتركه مالك ، ووثقه ابن سعد ، وقال أحمد ، والبزار : ليس به بأس (١) ؛ فلحديثه هذا شواهد (٢).

__________________

ـ استدراك الذهبي على الحاكم»لابن الملقن ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧. وتصحف فيه غفرة. بالمعجمة إلى عفرة بالمهملة.

(١) انظر «تهذيب الكمال»٢١ / ٤٢٠ فما بعدها ، و «المجروحين»٢ / ٨١.

قلت : وفي الإسناد أيضا : أيوب بن خالد بن صفوان. قال الحافظ : فيه لين.

(٢) له شاهد من حديث أنس ، وأبي هريرة ، وابن عمر رضي‌الله‌عنهم :

١ ـ حديث أنس : رواه الترمذي (٣٥١٠) وأحمد ٣ / ١٥٠ ومن طريقه ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ١٨ ، وابن عدي في «الكامل ٧ / ٣١٢ ، والدارقطني في «الأفراد»كما في «نتائج الأفكار»١٧ / ١٩ من طريق محمد بن ثابت البناني قال : حدثني أبي ، عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا»قالوا : وما رياض الجنة؟ قال : «حلق الذّكر».

قال الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس.

قال الدارقطني : تفرد به محمد عن أبيه.

وقال الحافظ ابن حجر : هذا حديث غريب.

ومحمد بن ثابت هذا ضعفه غير واحد من الأئمة ، ولا يحتمل منه هذا التفرد عن ثابت دون أصحاب ثابت المشهورين.

وذكر ابن عدي أن محمد بن ثابت لا يتابع عليه.

وله طريق أخرى عن أنس رضي‌الله‌عنه. رواها أبو نعيم في «الحلية»٦ / ٢٦٨ ومن طريقه ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ١٩ من طريق زائدة بن أبي الرقاد ، ثنا زياد النّميري ، عن أنس به مرفوعا.

قال الحافظ ابن حجر : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وهي متابعة جيدة ا ه.

قلت : زائدة هذا قال فيه البخاري والنسائي : منكر الحديث. وقال أبو حاتم : «يحدث عن زياد النميري ، عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة ، ولا ندري منه أو من زياد ، ولا أعلم روى عن غير زياد فكنا نعتبر بحديثه»ا ه وبنحوه كلام ابن حبان.

وزياد النميري ضعفه غير واحد من الأئمة.

وبهذا يتبين أن قول الحافظ «وهي متابعة جيدة»فيه تساهل ملحوظ ، والله تعالى أعلم.


وبه إلى أبي عمر بن فضالة حدثنا إبراهيم بن دحيم ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ـ هو : النخعي ـ قال : إني لأسمع الحديث فأنظر ما يؤخذ به منه فآخذه وأترك سائره.

***

__________________

٢ ـ حديث أبي هريرة : رواه الترمذي (٣٥٠٩) من طريق حميد المكي ، عن عطاء بن أبي رباح عنه به مرفوعا بلفظ : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا»قلت : يا رسول الله ، وما رياض الجنة؟ قال : «المساجد»قلت : وما الرتع يا رسول الله؟ قال : «سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر».

قال الترمذي : حديث غريب.

وحميد هذا مجهول كما في «التقريب»ولا يتابع عليه ، انظر «الكامل»٧ / ٧٦ ، و «التهذيب»١ / ٥٠١ ، و «السلسلة الصحيحة»٦ / ١٣٢.

٣ ـ حديث ابن عمر : رواه أبو نعيم في «الحلية»٦ / ٣٥٤ حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله المقدسي ، ثنا محمد بن عبد الله بن عامر ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا مالك ، عن نافع ، عن سالم ، عن ابن عمر. مرفوعا بلفظ حديث أنس المتقدم. قال أبو نعيم : غريب من حديث مالك ، لم نكتبه إلا من حديث محمد بن عبد الله بن عامر.

وانظر «السلسلة الصحيحة»٦ / ١٣١.

ومما سبق يتضح أن هذه الشواهد لا تصلح لتقوية حديث جابر ـ رضي‌الله‌عنه ـ لنكارتها وشدة ضعفها ؛ أضف إلى هذا أنه ليس فيها موضع الشاهد من حديث جابر رضي‌الله‌عنه ؛ وعليه فيبقى الحديث على ضعفه والله تعالى أعلم.

فائدة تتعلق بقولهم : حديث غريب : قال الإمام أحمد ـ رحمه‌الله ـ : إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون : هذا حديث غريب ، أو فائدة ؛ فاعلم أنه خطأ ، أو دخل حديث في حديث ، أو خطأ من المحدّث ، أو حديث ليس له إسناد ؛ وإن كان قد روي عن شعبة وسفيان. ا ه انظر «الكفاية»للخطيب صفحة (١٧٢).


البلد الثالث والعشرون :

حلب (١)

وهي شامية ، قديمة ، كبيرة ، جليلة ، عامرة ، حسنة المنازل ، رقيقة الهواء.

مدرج طريق العراق إلى الثّغور وسائر الشامات. عليها سور من حجر. عظيمة السوق ، قليلة البساتين. يمرّ بها نهر قويق. وفي وسطها قلعة مرتفعة على تلّ ، حصينة لا ترام ، بها ـ فيما يقال ـ مقام إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ وأنه كان يحلب نعمه بموضعها أيام الجمعات ويتصدق بذلك ، ومن ثمّ قيل : حلب ـ أي : الخليل ـ الشهباء.

وقيل : إنما سميت باسم حلب بانيها ، وهو من ذرّية عمليق.

وجامعها الكبير أمويّ ، وانتسب إليها قديما وحديثا عالم لا يحصون ؛ يشتبهون بالحلبي بسكون اللام كما في «الإكمال»(٢) وغيره (٣).

وأفرد غير واحد تاريخها (٤). ولقي بها إسحاق بن راهوية سليمان بن نافع العبديّ أحد التابعين ـ إن شاء الله ـ. وكان لها في القرن التاسع جمال بالحافظ البرهان سبط بن العجمي ، وفي ولده بركة وخير ، فهو الآن شيخها ومحدّثها ،

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٢٨٢ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٤١٧.

جاء في هامش الأصل : حلب بفتح اللام ، ممنوعة للتأنيث المعنوي المتحتم والعلمية على البقعة المعروفة.

(٢) انظر «الإكمال»٣ / ٣٦ ، و «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٣ / ٢٨٩.

(٣) في هامش الأصل : «وبغيره»نسخة.

(٤) منهم ابن العديم في كتابه «بغية الطلب في تاريخ حلب»وهو مطبوع في اثني عشر مجلدا مع الفهارس.


يدرّس ، ويصنّف ، ويسمع ، ولا أعلم من أهلها قاطبة ممن هو مقيم بها أو فارقها من كتب له شيخنا ما كتب له ، زاده الله فضلا.

وأكثر من بها الآن من غير أهلها ، وهي من البلاد التي سمع فيها شيخنا ، وشيخه ، والذهبيّ ، ومن لا يحصى كثرة ، وأخذت بها عن جماعة كثيرين ، وسدّ الباب ، حرسها الله.

٢١ ـ أخبرني الشيخ ، الأصيل ، الزين ، عبد الواحد بن صدقة بن الشرف أبي بكر بن محمد بن يوسف بن عبد العزيز الحراني الحلبي سماعا عليه بها قال : أنا جدي الشرف المذكور سماعا ، أنا العز أبو إسحاق إبراهيم بن صالح بن هاشم بن العجمي ، أنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي (ح).

وكتب إلى عاليا أبو عبد الله الخليلي منها ، عن الصدر البكري ، أنا النجيب الحراني سماعا كلاهما عن أبي سعيد خليل بن أبي الرجاء الراراني (١). قال الأول : سماعا ، أنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد ، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، الحافظ ، ثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلّاد النّصيبي ، ثنا أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة ، ثنا عبد الله بن بكر السهمي ، ثنا حميد ، عن أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه سئل عن عذاب القبر وعن الدّجال؟ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اللهمّ ، إنّي أعوذ بك من الكسل ، والجبن ، والبخل ، وفتنة الدّجّال ، وعذاب القبر».

هذا حديث صحيح عال.

رواه أحمد في «مسنده»(٢) عن عبد الله بن بكر. فوافقناه فيه بعلوّ درجتين.

__________________

(١) في هامش الأصل : الراراني ، هو براءين مهملتين ، نسبة إلى قرية. ا ه

قلت : انظر ترجمته في «السير»٢١ / ٢٦٩.

(٢) ٣ / ٢٦٤ وانظر ٣ / ١٧٩ و ٢٠١ و ٢٠٥ و ٢٣٥.


وهو على شرط الشيخين ؛ لكنهما لم يخرجاه من هذا الوجه ؛ بل روياه (١) من طريق شعيب بن الحبحاب ، عن أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ نحوه ، سوى الاستعاذة من فتنة الدجال ، فلم أقف عليها في الكتابين من حديث أنس رضي‌الله‌عنه (٢).

وأخبرني أبو عبد الله القيم بحلب ، عن أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن المرداوي الحنبلي القاضي وغيره إذنا قالوا : أنا الحافظ ، أبو عبد الله الذهبي أنشدنا الحافظ ، القدوة ، الشهاب ، أبو العباس أحمد بن فرح الإشبيلي لنفسه :

غرامي (صحيح) والرّجا فيك (معضل)

 وحزني ودمعي (مرسل ومسلسل)

 وصبري عنكم يشهد العقل أنّه

(ضعيف ومتروك) وذلّي أجمل

 ولا (حسن) إلا سماع حديثكم

مشافهة يملى عليّ فأنقل

 وأمري (موقوف) عليك وليس لي

على أحد إلا عليك معوّل

 ولو كان (مرفوعا) إليك لكنت لي

على رغم عذّالي ترقّ وتعدل

 وعذل عذولي (منكر) لا أسيغه

(وزور وتدليس) يردّ ويهمل

أقضّي زماني فيك (متّصل) الأسى

(ومنقطعا) عمّا به أتوصّل

 وها أنا في أكفان هجرك (مدرج)

تكلّفني مالا أطيق فأحمل

 وأجريت دمعي بالدّماء (مدبّجا)

 وما هي إلا مهجتي تتحلّل

(فمتّفق) جفني وسهدي وعبرتي

(ومفترق) صبري وقلبي المبلبل

__________________

(١) صحيح البخاري (٤٧٠٧) ، و «صحيح مسلم»(٥٢) (٢٧٠٦).

(٢) كذا قال المصنف ـ رحمه‌الله تعالى ـ وقد رواه البخاري (٤٧٠٧) من طريق شعيب ، عن أنس ، وفيه ذكر الاستعاذة من الدجال. والله الموفق.


(ومؤتلف) وجدي وشجوي ولوعتي

(ومختلف) حظّي وما فيك آمل

خذ الوجد عنّي (مسندا ومعنعنا)

فغيري (بموضوع) الهوى يتحيّل (١)

إلى آخرها وهي مشهورة (٢).

***

__________________

(١) كذا في الأصل : يتحيل. وفي «طبقات الشافعية»للسبكي ٨ / ٢٨ «يتجمل». وفي غيرها : «يتحمل ويتحلل».

(٢) وقد ذكر هذه القصيدة كاملة السبكيّ في «طبقات الشافعية»٨ / ٢٧ ـ ٢٩ وختمها بقوله : «وهذه القصيدة بليغة ، جامعة لغالب أنواع الحديث».

ولشمس الدين ابن عبد الهادي شرح على هذه القصيدة ، نقله ابن عروة الحنبليّ في كتابه العظيم «الكواكب الدراري»وتوجد منه نسخ أخرى في مكتبات تركيا وغيرها.


البلد الرابع والعشرون :

حماة (١)

وهي شامية قديمة ، مذكورة في التّوراة ـ فيما قيل ـ بين حلب وحمص كما اتفق هنا. مليحة ، من أنزه البلاد الشّامية لاستدارة نهر العاصي على عاليها من شرقيّها وشماليّها ، مع ما عليه من النواعير الكثيرة التي تسقي أكثر بساتينها ، ويدخل منها الماء إلى كثير من دورها ، وتركيب الأرحاء على الماء ، ولها قلعة حسنة البناء ، مرتفعة ، وفيها الجامع النّوري والدّهشة ، وغيرهما من الجوامع والمدارس. وانتسب إليها جماعة فيهم علماء ورؤساء. ومن محاسن ملكها المؤيّد عماد الدين إسماعيل بن علي ؛ أحد أكابر العلماء أنّه كان رتّب بأبواب خاناتها من يعلمه بالفضلاء القاصدين لها أو المارّين عليها ؛ ليكرم موردهم ، ويستفيد ما لعله يحتاج إليه مما عندهم. وقد سمع بها كلّ من شيخنا ، وشيخه ، والذهبي ، وآخرين ، واقتفيت أثرهم في ذلك.

٢٢ ـ أخبرني محمد بن محمد بن هبة الله الحموي قاضيها بالمدرسة البارزية منها ، عن أحمد بن أبي الفضل الحافظ (ح).

وأخبرني عاليا عبد الرحيم بن محمد بالقاهرة كلاهما عن أبي حفص عمر بن الحسن المزني قال الأول : وأنا أسمع في الثالثة عليه وعلى أبي الحسن علي بن عثمان بن الحرستاني ، قال المزني : أنبأنا علي بن أحمد المقدسي ، أنا الإمام أبو اليمن اللّغوي. وقال ابن الحرستاني : أخبرتنا فاطمة ابنة سليمان بن عبد الكريم الأنصارية ، عن الفتح بن عبد الله بن عبد السلام قالا : أنا أبو

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٣٠٠ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٤٢٣.


منصور الرضواني ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري ، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلّص ، ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي (١) ، ثنا داود بن عمرو المسيّبي ، ثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء ، عن أبي الرّجال هو : محمد بن عبد الرحمن ، عن عمرة هي أمه ، عن عائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بيت لا تمر فيه جياع أهله».

هذا حديث صحيح عال.

رواه مسلم في «صحيحه»(٢) والدارمي في «مسنده»(٣) ، كلاهما عن القعنبي.

وأحمد في «مسنده»(٤) عن ابن مهدي ، كلاهما عن يعقوب ، فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

وهو عند أبي عوانة (٥) من حديث خالد بن مخلد والأصمعي ، كلاهما عن يعقوب ، فوقع لنا عاليا.

ورواه أحمد (٦) أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي الرّجال عن أبيه به بلفظ : «كأن ليس فيه طعام»(٧).

__________________

(١) رواه من طريقه المزي في «تهذيب الكمال»٣٢ / ٣٦٧.

(٢) رقم (٢٠٤٦).

(٣) ٢ / ٣٠ (٢٠٦٦).

(٤) ٦ / ١٧٩ و ١٨٨. وقال عبد الرحمن عقب روايته في الموضع الأول : كان سفيان حدثنا عنه.

(٥) في «مستخرجه»رقم (٨٣٣٨) (٨٣٣٩) من طريق خالد بن مخلد القطواني والأصمعي وسعيد بن سليمان ، ثلاثتهم عن يعقوب به.

(٦) ٦ / ١٠٥.

(٧) ورواه مسلم (٢٠٤٦) ، والدارمي ٢ / ٣٠ (٢٠٦٧) ، وابن ماجة (٣٣٢٧) عن طريق هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة به.

وله شاهد من حديث سلمى أم رافع رواه ابن ماجة (٣٣٢٨) ، والمزي في «تهذيب الكمال»١٩ / ١٢٣ من طريق الطبراني وهذا عنده في «المعجم الكبير»٢٤ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ من ـ


أنشدني العلامة الزين أبو حفص بن أحمد بن الخرزي الحموي بها قوله ؛ فيما ينسب إلى الإمام علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ في أيام الأسبوع ممّا لا يصحّ عنه :

صيد بناء وأفراح ونقص دما

شرب الدّواء قضاء الحاجات تزويج (١)

الصّيد للسّبت والباقي يقابله

بالنّشر ما لم يكن في اللّف تعويج

وقوله في الثلاثة الذين تخلّفوا وكون كلّ واحد منهم وافق اسم أبيه اسم من تخلّف عنه:

كعب هلال مع مرارة خلّفوا

عن مالك وأميّة وربيع

وأنشدني عمر بن أحمد بن علي الهلاليّ الحموي بها لنفسه في سلمى :

وظبية كقضيب البان قلت لها

 وسيف ناظرها للقلب قد أصمى

أريد أسأل منك اليوم مسألة

ما الاسم قالت سريعا سيّدي سلما (٢)

***

__________________

ـ طريق هشام بن سعد ، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع ، عن جدته سلمى به.

وعبيد الله هذا لين الحديث كما قال الحافظ في «التقريب».

(١) كذا في الأصل ، ولا يستقيم وزنه ، ولعل صوابه :

شرب الدّواء قضاء الحاج تزويج

(٢) في هامش الأصل : «سل ما»نسخة.


البلد الخامس والعشرون :

حمص (١)

وهي شاميّة ، قديمة ، خصبة جدا ، ذات بساتين ، وشربها من نهر العاصي ، وبظاهرها على دون ميل يجري النهر المقلوب ، وعليه لأهلها أجنّة حسنة وكروم ، وهي في مستوى من الأرض ، وأصحّ بلاد (٢) الشام تربة ، وليس بها عقارب ولا حيات. وكان لهرقل فيها بناء كالقصر كما في قصة أبي سفيان من أول الصحيح (٣).

وبها ـ فيما قيل ـ قبر خالد بن الوليد ، وغير واحد من الصحابة رضي‌الله‌عنهم ؛ كوحشي بن حرب قاتل حمزة عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «غيّب وجهك عنّي»(٤). وعبد الله بن بسر وهو آخر الصحابة بها موتا ، ولأجل خالد ـ رضي‌الله‌عنه ـ زعم الطاغية تيمور لنك حين اجتيازه بها وعدم دخوله لها إكرامه بذلك ، وسمّيت باسم حمص بانيها أخي حلب باني السّابقة.

وهي غير مصروفة وإن كانت اسما ثلاثيا ساكن الوسط ؛ لأنها أعجمية ، فاجتمع فيها العجمة والعلمية والتأنيث كحماة. وانتسب إليها خلق.

وأفرد عبد الصمد بن سعيد وغيره من نزلها من الصحابة. وبعضهم تاريخها.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٣٠٢ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٤٢٥.

(٢) في هامش الأصل : «بلدان»نسخة.

(٣) انظر «صحيح البخاري»(٧).

(٤) رواه البخاري في «صحيحه»(٤٠٧٢) في قصة مطولة بلفظ : «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني». وأما اللفظ الذي ذكره المصنف فقد رواه الطيالسي في «مسنده»(١٤١٠). وانظر كلام الحافظ ابن حجر في «الفتح»٧ / ٣٦٨.


وسمع بها شيخنا ، وشيخه ، والذهبي ، وآخرون وكنت ممن سمع بها. وفي الأندلس موضع يسمى حمص أيضا ، انتسب إليه بعضهم.

٢٣ ـ أخبرني الزين عبد الرحمن بن محمد بن خالد الحمصي بها ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم البعلي الصوفي ، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب ، أنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن الزبيدي ، أنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى الهروي ، أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن حمّويه السّرخسي ، أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري (١) ، أنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ح).

وأخبرني علي بن محمد الأبودرّي (٢) ، أنا عبد الرحمن بن أحمد الغربي.

أنا علي بن إسماعيل (ح).

وكتب إليّ عاليا أبو عبد الله الخليل ، عن أبي الفتح البكري ، كلاهما عن أبي الفرج الحراني قال الأول : سماعا عن أبي الحسن مسعود بن أبي منصور الجمال ، أنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ ، أنا عبد الله بن جعفر وأحمد بن يوسف وعبد الله بن محمد بن جعفر والغطريفي. قال الأول : ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود. وقال الثاني : ثنا الحارث بن محمد ، ثنا العباس بن محمد. وقال الثالث : ثنا أبو بكر بن أبي عاصم قال هو والبخاري : حدثنا هدبة بن خالد. وقال الرابع : ثنا أبو خليفة ، ثنا أبو الوليد هو الطيالسي قال الأربعة وألفاظهم متقاربة : حدثنا همام ، ثنا قتادة ، ثنا أنس ، عن أبي موسى ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجّة ، طعمها طيّب وريحها طيّب ، والذي لا يقرأ كالتّمرة ، طعمها طيّب ولا ريح لها ،

__________________

(١) بفتح الفاء ، ويقال بكسرها ، نسبة إلى فربر ، بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى. انظر «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٧ / ٧٠.

(٢) انظر «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي»للحلبي ١ / ٥١١.


ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كالرّيحانة ، ريحها طيّب وطعمها مرّ ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ ولا ريح لها».

هذا حديث صحيح.

رواه مسلم عن هدبة (١).

وابن حبان (٢) عن أبي خليفة فوافقناهما فيهما بعلو.

وأحمد (٣) عن بهز وعفان كلاهما عن همام فوقع لنا بدلا له عاليا.

واتفق الشيخان (٤) عليه أيضا من حديث أبي عوانة وشعبة.

ورواه النسائي (٥) من حديث سعيد بن أبي عروبة.

وأحمد (٦) أيضا من حديث أبان.

أربعتهم عن قتادة ، فوقع لنا عاليا.

***

__________________

(١) رقم (٧٩٧). عن هدبة ويقال هدّاب بن خالد. ورواه البخاري (٥٠٢٠) و (٧٥٦٠) عن هدبة بن خالد به.

(٢) رقم (٧٧٠).

(٣) ٤ / ٤٠٤.

(٤) البخاري (٥٠٥٩) (٥٤٢٧) ، ومسلم (٧٩٧).

(٥) ٨ / ١٢٤ ـ ١٢٥ (٥٠٣٨).

(٦) ٤ / ٤٠٤.


البلد السادس والعشرون :

الخانقاة السّرياقوسية (١)

وهي حادثة في شرقي مصر ، عرفت بالخانقاة بفتح النون ، رباط الصوفية التي بناها الناصر محمد بن المنصور قلاون ، وكمل بناؤها في سنة خمس وعشرين وسبع مئة.

والنسبة إليها : خانقاهي ، ولكن الجاري على الألسنة في النطق بها بالكاف بدل القاف ، ويقال في المنسوبين إليها : الخانكي. وقد اتسعت وتزايدت بهجتها بما جدّد فيها من المدارس والأسواق والدور ، وكثر النازل فيها والمستبضع منها ، وقد دخلتها كثيرا ، وكتبت بها عن غير واحد. وأول من قرّره الناصر في مشيختها الشيخ مجد الدين موسى بن أحمد بن محمود الأقصري نقلا له من مشيخة الخانقاه الكريمية بالقرافة إليها ؛ لإجلاله له ، وأوصافه الجميلة ، وأنسه خصوصا في السماع ، ورتب ذكرا فكان يقوله هو وطائفته بعد صلاة المغرب فلا ينقضي حتى يؤذن العشاء ، ومات في شهر ربيع الآخر سنة أربعين وسبع مئة قبل الناصر بثمانية أشهر ، وقد زاد على السبعين ، ودفن هناك وقبره يزار (٢).

وممن ولي مشيختها الشهاب أحمد بن سلامة المقدسي ثم المصري الواعظ ، فباشرها إلى أن مات سنة تسع وستين وسبع مئة ، وأظنه كان استقر بعد المجد المذكور.

وكذا ممن وليها الشمس محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي شيخ

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ٢ / ٤٢٢.

(٢) انظر ما سبق التعلق عليه من كلام للمصنف صفحة (١٢٤).


شيوخنا ، ومات في سنة اثنتي عشرة وثماني مئة ، فاستقر فيها الخادم بها شمس الدين محمد بن أوحد ، ثم رغب عنها بعد يسير في سنة خمس عشرة للمحب بن الأشقر ، ثم لابنه الأكبر ، وهي الآن مع أصغر أولاد المحب رحمهم‌الله وإيانا.

٢٤ ـ أخبرني الشيخ ، الصالح ، الثقة ، أبو علي محمود بن علي الصوفي الخانكي بها ، أنا الكمال أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة المكي بها (ح).

وأخبرني عاليا العز أبو محمد بن الفرات كلاهما عن العزّ أبي عمر عبد العزيز بن محمد بن جماعة قال الأول : سماعا ، أنا أبو عبد الله محمد بن ساعد الحلبي سماعا ، أنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي ، أنا أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن محمد الطرسوسي (ح).

قال شيخنا الثاني : وأخبرتنا بعلوّ أم محمد ست العرب ابنة محمد بن الفخر إذنا قالت : أنا جدي الفخر بن البخاري حضورا وإجازة ، عن أبي جعفر الصيدلاني ، أنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي قالا : أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه قال الأول : إذنا ، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (١) ، حدثنا محمد بن محمد التمار ، ثنا أبو الوليد الطيالسي ، هشام بن عبد الملك ، ثنا عكرمة بن عمار ، حدثني الهرماس بن زياد الباهلي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا رديف أبي وهو على ناقته العضباء يوم الأضحى والناس حوله فقلت لأبي : ما يقول رسول الله؟ قال : يقول : «ارموا الجمار بمثل حصى الخذف».

هذا حديث حسن.

رواه أحمد (٢) عن بهز وعبد الصمد وعبد الله بن واقد وهاشم بن القاسم

__________________

(١) وهو عنده في «المعجم الكبير»٢٢ / ٢٠٣ (٥٣٣).

(٢) رواه أحمد ٣ / ٤٨٥ عن يحيى بن سعيد وهاشم بن القاسم ، و ٥ / ٧ عن بهز وعبد الصمد ـ ـ


ويحيى بن سعيد خمستهم عن عكرمة.

وأبو داود في «سننه»(١) عن هارون بن عبد الله.

وابن حبان في «صحيحه»(٢) وأبو أحمد بن عدي في «كامله»(٣) كلاهما عن أبي خليفة.

كلاهما عن أبي الوليد ، فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

وأخرجه النسائي (٤) من حديث أبي نوح عبد الرحمن بن غزوان.

وابن خزيمة في «صحيحه»(٥) من حديث النضر بن محمد.

وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند»(٦) ، والطبراني في «الكبير»(٧) من حديث يحيى بن الضريس.

ثلاثتهم (٨) عن عكرمة ؛ لكن لفظ ابن الضريس : كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بعير وهو يقول : لبيك بحجة وعمرة.

قال شيخنا (٩) ـ رحمه‌الله ـ : وهي زيادة منكرة.

__________________

ـ بالشطر الأول فحسب دون قوله : «ارموا الجمار بمثل حصى الخذف».

وأما رواية عبد الله بن واقد فهي بلفظ : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي على بعير نحو الشام.

(١) رقم (١٩٥٤) بالشطر الأول فحسب.

(٢) رقم (٣٨٧٥) بالشطر الأول فحسب.

(٣) ٦ / ٤٨١ (ترجمة : عكرمة بن عمار اليمامي) بالشطر الأول فحسب.

(٤) في «الكبرى»(٤٠٩٥) بلفظ : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقة يخطب يوم الأضحى.

(٥) ٤ / ٣١٠ (٢٩٥٣) بالشطر الأول فحسب.

(٦) ٣ / ٤٨٥.

(٧) ٢٢ / ٢٠٣ (٥٣٤).

(٨) يعني : أبا نوح عبد الرحمن بن غزوان ، والنضر بن محمد ، ويحيى بن الضريس.

(٩) في «إطراف المسند المعتلي»٥ / ٤٢٩.

قال ابن أبي حاتم في «العلل»١ / ٢٩٢ (٨٧٢) : سألت أبي عن حديث رواه عبد الله بن عمران ، عن يحيى بن الضريس ، عن عكرمة بن عمارة ، عن الهرماس قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلبي بهما جميعا لبيك بحجة وعمرة؟ قال أبي : فذكرته لأحمد بن حنبل فأنكره. قال أبي : ـ ـ


وأخبرني أبو علي الصوفي بالخانقاة ، أنا أبو الحسن بن سلامة (ح).

وأخبرني عاليا سارة ابنة عمر كلاهما عن عمر بن الحسن قال الأول : سماعا ، أنا علي بن أحمد عن أبي المكارم اللّبّان ، أنا أبو علي المقرىء ، أنا أحمد الأصبهاني ، ثنا أبو محمد الجابري ، أنشدنا ابن المعتز :

ألم تر أنّ الدّهر يوم وليلة

يكرّان من سبت عليك إلى سبت

فقل لجديد العيش لابدّ من بلى

 وقل لاجتماع الشّمل لابدّ من شتّ

***

__________________

ـ أرى دخل لعبد الله بن عمران حديث في حديث ، وسرقه الشاذكوني ؛ لأنه حدث به بعد عن يحيى بن الضريس.


البلد السابع والعشرون :

الخطّارة (١)

وهي بفتح الخاء المعجمة ، ثم طاء مهملة مشددة. بلدة متوسطة بين بلبيس والصالحية من الشرقية ، بها خطبة وخان تجدّد مع مآثر للواردين وغيرهم.

٢٥ ـ أخبرني بها أبو الحسن بن محمد المخزومي بقراءتي على أبي أحمد بن علي الكناني سماعا ، أنا أبو الحسن بن محمد الدمشقي (ح).

وأخبرتني عاليا أم محمد ابنة عمر قراءة ، وأبو الفرج بن يوسف ، وأحمد بن أبي الفرج الصالحيان إذنا قال الأخير : أنا البدر أبو العباس بن الجوخي حضورا وإجازة قالا : أخبرتنا أم أحمد زينب ابنة مكي وقالا الأولان : أنا أبو عمر محمد بن أحمد المقدسي. قالت المرأة : إذنا ، وقال الآخر : سماعا ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد السعدي قالا : أنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي ، أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني ، أنا أبو علي الحسن بن علي الواعظ ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك ، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي (٢) ، ثنا يحيى بن إسحاق ، أنا ابن لهيعة هو : عبد الله ، عن عبيد الله بن أبي جعفر هو : المصري أن ابن قارظ هو : إبراهيم بن عبد الله أو عبد الله بن إبراهيم أخبره عن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا صلّت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت».

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»لابن دقماق ٥ / ٥٤.

(٢) وهو عنده في «المسند»١ / ١٩١.


هذا حديث حسن.

أخرجه الطبراني في «الأوسط»(١) عن مطلب بن شعيب ، عن عبد الله بن صالح ، عن ابن لهيعة. فوقع لنا عاليا.

وقال عقبه : إنه لا يروى عن عبد الرحمن إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ابن لهيعة.

قلت : وهو ثقة (٢) ، إلا أنه احترقت كتبه ، فما حدّث به بعد وانفرد به لا يقبل

__________________

(١) رقم (٨٨٠٥).

(٢) قال أحمد بن صالح المصري : ابن لهيعة ثقة ، وفيما روي عنه من الأحاديث ووقع فيه تخليط يطرح ذلك التخليط.

وقال أحمد بن حنبل : «من كان بمثل ابن لهيعة بمصر وكثرة حديثه وضبطه وإتقانه»وهذا في قول له وإلا فقد جاء عنه أنه إنما يكتب حديثه للاعتبار.

وقال قتيبة بن سعيد حضرت موت ابن لهيعة فسمعت الليث يقول : ما خلّف مثله.

وقال الثوري : عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع.

وقال ابن وهب : حدثني ـ والله ـ الصادق البار عبد الله بن لهيعة.

واعلم ـ رحمك الله ـ أن هذا أحد الأقوال في ابن لهيعة ؛ وإلا فقد اختلفت أقوال أهل العلم فيه : فمنهم من لم يكن يراه شيئا ولا يرو عنه. كما جاء عن يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي. وضعفه ابن معين في غير ما رواية عنه ، وابن سعد ، والنسائي ، والدارقطني ، والجوزجاني ، وأبو أحمد الحاكم. وقال الترمذي : ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه. انظر «الجامع»عقب الحديث رقم (١٠).

ومنهم من قال : يعتبر بما يروي عنه العبادلة : ابن المبارك ، والمقرىء ، وابن وهب ، وأن روايتهم عنه أصح من رواية غيرهم ؛ هذا مع تضعيفهم له. وهو قول الفلاس ، وقول للدارقطني.

ومنهم من يرى أن سماع القدماء والمتأخرين منه سواء. وهو قول أبي حاتم ، وأبي زرعة ، وابن حبان.

قال ابن أبي حاتم : سئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فقال : آخره وأوله سواء ؛ إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منه ، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ ، وكان ابن لهيعة لا يضبط ، وليس ممن يحتج بحديثه من أجمل القول فيه.


به ، ولذا لم يخرّج مسلم وابن خزيمة في «صحيحيهما»من حديثه إلا ما توبع عليه ، وكذا البخاري ؛ لكنه مع ذلك لا يفصح باسمه ، بل يبهمه فيقول : عن حيوة وغيره. والغير هو ابن لهيعة بلا شك.

وهو وإن اضطرب في هذا الحديث لما رواه الطبراني أيضا لكن في «الكبير»(١) من طريق سعيد بن أبي مريم عنه فقال : عن جعفر بن ربيعة ، عن ابن

__________________

هذا مع اختلافهم في احتراق كتبه ؛ قال إسحاق بن عيسى : احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين. وقال ابن معين : هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها. وقال ابن حبان : «.. ثم احترقت كتبه». ومنهم من يرى أنه ما احترق له كتاب. قال ابن أبي مريم : لم تحترق كتب ابن لهيعة ولا كتاب. وقال محمد بن يحيى بن حسان : سمعت أبي يقول : ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة بعد هشيم. قلت له : إن الناس يقولون : احترق كتب ابن لهيعة.

فقال : ما غاب له كتاب.

هذا مع كونه مدلسا كما قال ابن حبان.

هذا خلاصة كلام أهل العلم في ابن لهيعة ـ رحمه‌الله ـ ، ولابن حبان كلام حسن في بيان حال ابن لهيعة أسوقه بتمامه ، قال ـ رحمه‌الله ـ : وكان شيخا صالحا ؛ ولكنه كان يدلس عن الضعفاء قبل احتراق كتبه ، ثم احترقت كتبه في سنة سبعين ومئة قبل موته بأربع سنين ، وكان أصحابنا يقولون : إن سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة فسماعهم صحيح ، ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء. وكان ابن لهيعة من الكتّابين للحديث ، والجمّاعين للعلم ، والرحّالين فيه. وقال : قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه ، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا ، وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيرا ، فرجعت إلى الاعتبار ؛ فرأيته كان يدلّس عن أقوام ضعفى عن أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات ، فالتزقت تلك الموضوعات به. وقال : وأما رواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه ففيها مناكير كثيرة ، وذاك أنه كان لا يبالي ما دفع إليه قراءة سواء كان ذلك من حديثه أو غير حديثه ، فوجب التنكّب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها من الأخبار المدلسة عن الضعفاء والمتروكين ، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه لما فيه مما ليس من حديثه. ا ه

انظر «المجروحين»٢ / ١١ ـ ١٣ ، و «الجرح والتعديل»٥ / ١٤٥ ، و «ميزان الاعتدال»٢ / ٤٧٥ ، و «تهذيب الكمال»١٥ / ٤٨٧ مع التعليق عليه ، و «شرح علل الترمذي»لابن رجب ١ / ١٣٦. والله أعلم.

(١) رواه عنه أبو نعيم في «معجم الصحابة»٤ / ١٨١٤ رقم (٤٥٨٣) قال حدثنا سليمان بن أحمد به.


قارظ أنه سمع عبد الرحمن بن حسنة ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

بل رواه في «الأوسط»(١) نفسه من حديث سعيد بن كثير بن عفير عنه فقال : عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ ولفظه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيّما امرأة اتّقت ربّها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ؛ فتحت لها ثمانية أبواب الجنّة ، فقيل لها : ادخلي من حيث شئت».

وقال : إنّه لم يروه عن موسى إلا ابن لهيعة.

فله شواهد منها ما رواه أبو حمزة السكري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رجل لم يسم ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه رفعه بنحوه.

لكنه اختلف فيه على عبد الملك فقال شيبان وهدبة بن المنهال (٢) عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.

وقال أبو عوانة عنه ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الزبير.

وقال عبد الحكيم بن منصور عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي الهيثم بن التيهان.

والاضطراب فيه من عبد الملك فلم يكن بالحافظ مع ثقته (٣).

__________________

وذكره ابن كثير في «جامع المسانيد»٨ / ٣٠٢ من رواية أبي نعيم عنه ؛ لكن تصحف ـ في المطبوع منه ـ ابن قارظ إلى ابن قلابة.

وانظر «مجمع الزوائد»٤ / ٣٠٦.

(١) رقم (٤٧١٥).

(٢) رواية هدبة رواها ابن حبان في «صحيحه»(٤١٦٣) ، والطبراني في «الأوسط»(٥٤٩٨).

وقال ابن حبان عقبها : تفرد بهذا الحديث عبد الملك بن عمير من حديث أبي سلمة ، وما رواه عن عبد الملك إلا هدبة بن المنهال وهو شيخ أهوازي.

وقال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير إلا هدبة بن المنهال ، ولا عن هدبة إلا أبو همام تفرد به داهر بن نوح.

(٣) من قول المصنف : «ما رواه أبو حمزة السكري»إلى هنا إنما هو قول الدارقطني بعينه في ـ ـ


ومنها ما أخرجه البزار (١) من حديث أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ بسند فيه رواد بن الجراح ولفظه كالأول لكنه قال : «دخلت الجنّة».

ورواه أبو نعيم في «الحلية»(٢) من وجه آخر فيه يزيد بن أبان الرقاشي

__________________

ـ «العلل»٤ / ٣٠٣ إلا قوله : «فلم يكن بالحافظ مع ثقته»فهو قول المصنف رحمه‌الله.

وعبد الملك هذا ضعفه الإمام أحمد جدا ، وقال : مضطرب الحديث جدا مع قلّة روايته ، ما أرى له خمس مئة حديث وقد غلط في كثير منها.

وقال عنه ابن معين : مخلّط.

وقال عنه أبو حاتم : ليس بحافظ ، وهو صالح الحديث ، تغير حفظه قبل موته.

ووثقه العجلي ، وابن نمير ، ويعقوب بن سفيان. انظر «تهذيب الكمال»١٨ / ٣٧٠.

(١) ٢ / ١٨١ (١٤٧٣) «كشف الأستار»، وابن عدي ٤ / ١١٤ ، والسهمي في «تاريخ جرجان»(٣٣١) من طريق رواد بن الجراح ، ثنا سفيان الثوري ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فذكره.

قال البزار : رواد ليس بالقوي.

قال ابن معين : لا بأس به ، إنما غلط في حديث عن سفيان.

وقال أيضا : تخايل له سفيان ، لم يحدثه سفيان بذا قط ؛ إنما حدثه عن الزبير «أتينا أنسا نشكو الحجاج»وينبغي أن يكون إلى جانب سفيان ، عن الربيع بن صبيح ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال ابن عدي : سمعت ابن قتيبة يقول : سمعت محمد بن خلف يقول : سمعت روادا يقول : ما قرأت هذا الحديث على سفيان ولا قرأه علينا سفيان ، ولا قرىء عليه.

انظر «تاريخ دمشق»١٨ / ٢٠٩ ، و «تهذيب الكمال»٩ / ٢٢٩.

ورواد هذا ضعفه غير واحد ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه الناس عليه ، وكان شيخا صالحا ، وفي حديث الصالحين بعض النكرة ؛ إلا أنه يكتب حديثه. ا ه

فتبين من قول ابن معين أن هذه الطريق خطأ ، فجعل المصنف ـ رحمه‌الله ـ لها شاهدا لرواية ابن لهيعة فيه نظر. وانظر التعليق على الطريق التي تليها.

(٢) ٦ / ٣٠٨ من طريق الفريابي ، عن الثوري ، عن الربيع بن صبيح ، عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس به. ويزيد هذا ضعفه شعبة ، وأحمد ، وابن معين ، وغيرهم. وقال مسلم.

والنسائي ، وأبو أحمد الحاكم : متروك الحديث. وقال ابن حبان : كان من خيار عباد الله من البكائين في الخلوات والقائمين بالحقائق في السبرات ، ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظها ، واشتغل بالعبادة وأسبابها ، حتى كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس ، عن ـ ـ


ولفظه : «المرأة إذا صلّت خمسها ، وصامت شهرها ، وأحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ؛ فلتدخل من أيّ أبواب الجنّة شاءت».

ومنها ما أشار إليه الديلمي عن أبي مالك (١).

ولذلك حسنته (٢).

__________________

ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو لا يعلم ، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاج به ، فلا تحل الرواية عنه إلا على سبيل التعجب ، وكان قاصّا يقص بالبصرة ويبكي الناس ، وكان شعبة يتكلم فيه بالعظائم. انظر «تهذيب الكمال»٣٢ / ٦٤ ، و «المجروحين»٣ / ٩٨.

(١) لم أقف عليه ، وأخشى أن يكون تصحف عن أنس بن مالك والله أعلم.

(٢) وخلاصة الكلام على هذا الحديث : أن مداره على ابن لهيعة وقد اضطرب فيه على ثلاثة أوجه :

الوجه الأول : ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن ابن قارظ ، عن عبد الرحمن بن عوف.

الوجه الثاني : ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن ابن قارظ ، عن عبد الرحمن بن حسنة.

الوجه الثالث : ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة.

وهذا الاختلاف لو كان على ثقة لتوقف الأئمة في قبوله فكيف وهو على ابن لهيعة ـ رحمه‌الله ـ وقد سبق بيان حاله. والأئمة إنما يقبلون مثل هذا الخلاف على الراوي بشرطين :

١ ـ أن تكون الطرق إلى المختلف عنه صحيحة كلّها.

٢ ـ أن يكون المختلف عليه واسع الرواية ، كثير الشيوخ كالزهري ونحوه.

وأما شواهد الحديث ، فالشاهد الأول مداره على عبد الملك بن عمير ، وقد اضطرب فيه أيضا على أربعة أوجه :

١ ـ أبو حمزة السكري ، عنه ، عن رجل لم يسمّ ، عن عبد الرحمن بن عوف.

٢ ـ شيبان وهدبة بن المنهال عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.

٣ ـ أبو عوانة ، عنه عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الزبير.

٤ ـ عبد الحكيم بن منصور ، عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي الهيثم بن التيهان.

وعبد الملك قد تفرد به كما قال ابن حبان والطبراني ، وقد سبق بيان حاله وكلام أحمد وابن معين فيه ، فما قيل في ابن لهيعة يقال فيه. ثم أين أصحاب أبي سلمة عن هذا الحديث ، فهذا مما يدل على خطأ عبد الملك فيه. والله أعلم.


***

__________________

وأما الشاهد الثاني فهو ما رواه البزار من طريق رواد بن الجراح ، عن الثوري.

وتقدم نقل كلام ابن معين في أن روادا أخطأ فيه على الثوري ، وأن صوابه الطريق الثانية عن أنس والتي فيها يزيد الرقاشي ، وقد مرّ بك أنه متروك الحديث كما قال غير واحد من الأئمة.

فبضميمة ما سبق يتبين أنه لا يمكن تحسين الحديث بمجموع هذه الطرق ، والله تعالى أعلم.


البلد الثامن والعشرون :

خليص (١)

وهي بمعجمة مضمومة ، ثم لام وصاد مهملة ، بينهما مثناة تحتانية. قرية من أرض الحجاز ، قريبة من قديد ؛ بل على مرحلتين فأكثر من مكة. بها عين ماء ، طيّب ، حلو ، صاف ، وبركة هائلة. تنسب عمارتها لأرغون الدوادار نائب السّلطنة بالديار المصرية في أيام الناصر محمد بن استاده قلاون. وأظنه ـ إن صح ـ كان في سنة عشرين وسبع مئة فما بعدها ، لأنّه حجّ في هذه السنة ، ومشى وهو بهيئة الفقراء متمسكنا من مكة إلى عرفة. وقد جدّدها بعد السبعين سلطان الوقت تجديدا حسنا ، وأجرى العين إليها ؛ بل وعمّر بجانبها مسجدا متّسعا ، جزاه الله بحسن قصده خيرا. وقد سمع بها شيخنا رحمه‌الله تعالى ، واقتفيت أثره في ذلك.

أخبرني بها محمد بن النجم محمد القاضي ، وبالديار المصرية التقي بن الكمال الحنفي قراءة كلاهما عن أبي الطاهر بن العز السكندري. قال الثاني : سماعا ، وقال الأول : مشافهة إن لم يكن سماعا ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي القطبي وأبو نعيم الإسعردي (ح).

وكتب إلي عاليا أبو عبد الله التامري ، عن أبي الفتح الميدومي إذنا إن لم يكن حضورا قالوا : أنا أبو عيسى بن علاق ، أنا أبو القاسم البوصيري ، أنا أبو صادق المديني ، أنا أبو الحسن بن حمّصة الحراني ، ثنا الحافظ أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني إملاء ، أنا محمد بن عون الكوفي ، ثنا أحمد بن أبي

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٣٨٧ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ٤٧٩.


الحواري ، حدثني أخي محمد قال : قال علي بن الفضيل بن عياض لأبيه : يا أبت ، ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : يا بني ، وتدري لما حلا؟ قال : لا. قال : لأنهم أرادوا به الله تبارك وتعالى.

***


البلد التاسع والعشرون

داريّا (١)

وهي بفتح الدّال ، وسكون الألفين بينهما راء مفتوحة ، وفي آخرها (٢) مثناة تحتانية مشدّدة. قرية من غوطة دمشق ، على دون ثلاثة أميال منها. انتسب إليها جماعة كثيرون قديما وحديثا. أفرد ابن عساكر جملة من أحاديثهم في عدة أجزاء ؛ سمعت بعضهم ، منهم أبو سليمان الدّاراني وهما اثنان عنسيّان دمشقيان ، تعاصرا وقتا ، اسم كلّ منهما عبد الرحمن ، وآخرهما وفاة هو الزاهد المشهور القائل : ليس لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر ؛ فحينئذ يعمل به ، ويحمد الله على موافقة قلبه لذلك.

وفيها أيضا قبر أبي مسلم الخولاني ؛ بل ممن سكنها من الصحابة بلال المؤذن رضي‌الله‌عنه.

والنسبة إليها بإثبات النون وحذفها كالأسماء التي بآخرها ألف مقصورة.

قال أبو الفتح الهمداني (٣) : داريّا وزنها فعليّا من الدار ، والألف للتأنيث ، وإنما زيدت فيها هذه الزوائد دلالة على التكثير (٤) ؛ لأنها كانت مجمعا لدور آل

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٤٣١ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٥٠٩.

(٢) الأولى أن يقال : تتلوها.

(٣) نقله عنه النووي في «تهذيب الأسماء واللغات»٢ / ١٠٨.

(٤) قوله هذا مبني على أن اسم (داريّا) من العربية الفصحى. لكنّ الدارسين اللغويين العصريين أجمعوا على أن اسم (داريّا) ومثله : قدسيّا ، وحاصبيّا ، وراشيّا ... إلخ ، أسماء عربية آراميّة ، والياء المشددة فيها علامة الجمع ، والألف في آخرها بمزلة (ال) التعريف في الفصحى ا ه. عن بحث للأستاذ محمد حسام الدين الخطيب بعنوان : «تحقيق اسم مدينة داريّا»..


جفنة الغسانيين (١) ومنازلهم ، ومثلها من الكلام مرحيّا (٢) وبرديّا ، حكاهما سيبويه (٣).

وقد كتب بها أبو سعد بن السمعاني عن شيخين له شيئا من الشعر ، وأوردها السلفي في «بلدانياته»، وكذا الذهبي ، ثم العراقي وآخرون.

٢٦ ـ أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد الصالحي بقراءتي عليه عند ضريح الشيخ أبي سليمان الداراني منها ، وأبو المعالي الدمشقي بالقاهرة قالا : أنا أبو حفص عمر بن محمد البالسي. قال الأول : إذنا. والثاني : سماعا عليه وعلى العماد أبي بكر بن إبراهيم بن العز قالا : أخبرتنا أم محمد عائشة ابنة محمد الحرّانية سماعا للثاني وحضورا للأول في أول الثالثة وإجازة قالت : أنا النجم محمد بن أبي بكر البلخي وأنا في الرابعة ، عن الحافظ أبي طاهر السّلفي ، أنا أبو بكر أحمد بن علي الحسين الطّريثيثي بقراءتي ، أنا أبو الحسن بن مخلد البزاز ، ثنا أبو بكر النجاد ، ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (٤) بالبصرة ، ثنا محمد بن كثير (ح).

وأنبأني عاليا عبد الرحمن بن عمر ، عن عبد الله بن محمد العطار ، أنا علي بن أحمد الصالحي قال : كتب إلينا أبو عبد الله بن أبي زيد ، أنا محمود الصّيرفي ، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني ، أنا أبو القاسم الطبراني (٥) ، حدثنا

__________________

(١) أثبتت المكتشفات الأثرية الرومانية واليونانية في داريّا أن هذه البلدة أقدم من الغسّانيين بآماد طويلة.

(٢) في الأصل يشبه أن تكون : «مرجيا»بالجيم. وصوابه «مرحيا»بالحاء المهملة ؛ كما نقله النووي في «تهذيب الأسماء واللغات»٢ / ١٠٨. وانظر التعليق التالي.

(٣) جاء في «كتاب سيبويه»بتحقيق هارون ٤ / ٢٦٥ : «قالوا : المرحيّا وهو اسم ، وبرديّا وهو اسم ، وقلهيّا وهو اسم أيضا». وذلك في كلامه على صيغة (فعليّا).

(٤) وهو عنده في «السنن»(٥٢١) ومن طريقه البيهقي في «الدعوات الكبير»(٦٠).

(٥) وهو عنده في كتاب «الدعاء»رقم (٤٨٣). ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ٣٧٣.


إسحاق بن إبراهيم ، أنا عبد الرزاق قالا : أنا سفيان ـ يعني : الثوري ـ ، عن زيد العمّي ، عن أبي إياس هو : معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يردّ الدّعاء بين الأذان والإتامة».

هذا حديث حسن ، وهو غريب من هذا الوجه (١).

أخرجه أحمد (٢) عن وكيع ، عن الثوري.

والترمذي (٣) عن محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق. فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وهو عند الترمذي (٤) أيضا ، والنسائي (٥) من حديث وكيع ، وأبي أحمد الزبيري ، وأبي نعيم.

والترمذي (٦) فقط من حديث يحيى بن اليمان.

والنسائي (٧) فقط من حديث ابن المبارك.

خمستهم عن الثوري. فوقع لنا عاليا.

وزاد يحيى بن يمان فيه : قالوا : فماذا نقول يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلوا الله العافية في الدّنيا والآخرة».

وقال الترمذي عقبها : «إنه تفرد بهذا الحرف ؛ يعني : الزيادة»(٨).

__________________

(١) وهذا بعينه حكم شيخه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ٣٧٤.

(٢) ٣ / ١١٩.

(٣) (٢١٢).

(٤) (٣٥٩٥) وعنده زيادة : عبد الرزاق.

(٥) في «عمل اليوم والليلة»(٦٨).

(٦) (٣٥٩٤).

(٧) في «عمل اليوم والليلة»(٦٩).

(٨) قال العلامة الألباني رحمه‌الله : هو ضعيف منكر بهذه الزيادة ، تفرد بها ابن اليمان وهو ضعيف لسوء حفظه. «الإرواء»١ / ٢٦٢.


وابن يمان كان رجلا صالحا ؛ لكنهم اتفقوا على أنه كان كثير الخطأ ولا سيّما في حديث الثوري (١).

قال ابن حبان (٢) : شغلته العبادة عن إتقان الحديث.

وكذا انفرد ابن مهدي عن سائر أصحاب الثوري بوقفه كما عند النسائي أيضا ؛ بل هو عنده من حديث سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أنس أيضا كذلك (٣).

وقد سكت أبو داود حين إخراج هذا الحديث كما أوردناه عنه (٤) ، وذلك إما لحسن رأيه في العميّ ، وإما لشهرته في الضعف ، وإما لكونه في فضائل الأعمال.

وضعفه النسائي (٥). وأما الترمذي فقال : إنه حسن.

وقد رواه أبو إسحاق يعني : السبيعي ، عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس (٦).

وعزى النووي في «الأذكار»(٧) إليه تصحيحه ، والذي في النسخ التي وقفت

__________________

(١) كما قال أحمد ووكيع انظر «تهذيب الكمال»٣٢ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٢) ذكره في «الثقات»٩ / ٢٥٥ ، وعبارته فيه : «ربما أخطأ ، وكان متقشفا». والمصنف ـ رحمه‌الله ـ إنما أخذ جلّ هذا التخريج ـ ومنه هذه العبارة ـ من شيخه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ٣٧٣ ـ ٣٧٧ مع تقديم وتأخير في العبارات ، والحافظ كان يملي هذا التخريج من حفظه كما هو موضح في بداية المجلس ؛ فلعل الحافظ نقله بالمعنى والله أعلم.

(٣) انظر «عمل اليوم والليلة»(٧٠) (٧١).

(٤) في الأصل : «عليه»وصححت في الحاشية.

(٥) لم أقف على تضعيف النسائي له صراحة في النسخة المطبوعة من «عمل اليوم والليلة»إلا أن يكون المصنف ـ تبعا لشيخه ـ قد استنبط ذلك من صنيع النسائي ؛ حيث أتبعه بطريقي عبد الرحمن بن مهدي وسليمان التيمي الموقوفتين ، وهذه طريقة يستعملها الإمام النسائي وغيره في الإعلال ، والله تعالى أعلم.

(٦) رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة»(٦٧) ، وأحمد ٣ / ١٥٥ وغيرهما.

(٧) رقم (١١٠) باب : الدعاء بعد الأذان.


عليها وكذا شيخي التحسين فقط. وقول [أبي](١) الحسن بن القطان : «وإنما لم يصححه لضعف العمي ، وأما بريد فهو موثق ، وينبغي أن يصحح من طريقه»يقتضيه ، وإن كان لا مانع من تصحيحه فقد صحح ابن خزيمة (٢) وابن حبان (٣) طريق بريد ، وقال المنذري : إنها أجود من طريق معاوية. قال : وقد رواه سليمان التيمي ، عن أنس مرفوعا (٤). ا ه

__________________

(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل ، واستدرك من «نتائج الأفكار»١ / ٣٧٤ ، و «الفتوحات الربانية»لابن علان ٢ / ١٣٥.

وانظر لكلام ابن القطان «بيان الوهم والإيهام»٣ / ٣٤٩ و ٥ / ٢٢٧.

(٢) (٤٢٥) (٤٢٦) (٤٢٧).

(٣) رقم (١٦٩٦). وقال ابن القطان : وهذا إسناد جيد ، وبريد ثقة ، فاعلمه ا ه. انظر : «بيان الوهم والإيهام»٥ / ٢٢٧.

وقال الألباني : وهذا إسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير بريد بن أبي مريم وهو ثقة بلا خلاف. «الإرواء»١ / ٢٦٢.

(٤) رواه أبو يعلى (٤٠٧٢) ، والخطيب في «تاريخ بغداد»٨ / ٢٠٤ ، والدارقطني في «الأفراد»وأبو أحمد الحاكم في «الكنى»كما في «نتائج الأفكار»١ / ٣٩٥ ، والضياء المقدسي في «المختارة»٦ / رقم (٢١٦٨) (٢١٦٩) (٢١٧٠) ، وابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ٣٩٤ من طريق سهل بن زياد ، عن سليمان التيمي ، عن أنس به مرفوعا. وسهل هذا قال فيه الأزدي : منكر الحديث. لكن قال الذهبي في «الميزان»٢ / ٢٣٧ : ما ضعفوه. وترجم له في «تاريخ الإسلام»وفيات (١٩١ ـ ٢٠٠) صفحة ٤٣٥ وقال : صدوق.

قال الحافظ ابن حجر عقب تخريجه له : حديث حسن.

وتابعه عمرو بن النعمان ، رواه الطبراني في «الدعاء»(٤٨٨) من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة عنه به.

عبد الرحمن بن عمرو هذا قال عنه أبو حاتم : كان يكذب فضربت على حديثه. وقال الدارقطني : متروك يضع الحديث. انظر «الميزان»٢ / ٥٨٠ ، و «اللسان»٣ / ٤٢٤.

وسئل الحافظ الدارقطني عن حديث سليمان التيمي ، عن أنس فقال : «اختلف فيه على سليمان التيمي ، فرواه أبو زياد سهل بن زياد وعمرو بن النعمان عن سليمان التيمي ، عن أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ورواه ابن المبارك ، واختلف عنه فقال أسيد بن زيد : عن ابن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


وكأنه يشير إلى ما أخرجه البيهقي وغيره لكن بلفظ : «إذا أقيمت الصّلاة فتحت أبواب السّماء واستجيب الدّعاء».

وهو عندنا بعلو في «الثقفيات»(١).

وكذا أخرجه الطبراني (٢) بنحو هذا مطولا ومختصرا من حديث يزيد بن أبان الرقاشي ـ وهو ضعيف ـ عن أنس.

ورواه الحاكم في «مستدركه»(٣) من حديث حميد ، عن أنس. لكن الراوي له عن حميد ضعيف جدا ؛ فكأن الحاكم خفي عليه حاله.

وبه إلى النجاد ، ثنا أسلم بن سهل الواسطي ، ثنا علي بن الحسن بن

__________________

وخالفه حسان بن موسى ، فرواه عن ابن المبارك بهذا الإسناد موقوفا.

وكذلك رواه يحيى القطان ، وجرير ، وثابت بن يزيد ، عن التيمي ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وذلك وهم»ا. ه

انظر «العلل»للدارقطني (ج ٤ / ل ٣٩ / ب) ، و «الكامل»٢ / ٨٦ (ترجمة : أسيد بن زيد)

(١) (٤ / ٢٧ / ٢) كما في «السلسلة الصحيحة»(١٤١٣).

(٢) رواه الطيالسي (٢٢٢٠) ، وابن أبي شيبة ١٠ / ٢٢٦ ، وأبو يعلى (٤١٠٩) ، والطبراني في «الدعاء»(٤٨٥) (٤٨٦) ، وابن عدي ٣ / ١٢١ (ترجمة : الحسن بن دينار) ، وأبو نعيم في «الحلية»٣ / ٥٤ ، ٦ / ٣٠٨ والمعمري في «اليوم والليلة»كما في «نتائج الأفكار»، وابن حجر في «نتائج الأفكار»١ / ٣٩٥ كلهم من حديث يزيد الرقاشي ، عن أنس به مرفوعا.

قال الحافظ ابن حجر عقب تخريجه له : هذا حديث غريب ، ورجاله موثقون إلا الرقاشي ففيه ضعف ، أما الترمذي فحسّن له إذا اعتضد بالمتابعات.

وقد سبق بيان حال يزيد هذا في الحديث رقم (٢٥).

(٣) ١ / ١٩٨. ورواه ابن عدي في «الكامل»٧ / ١٢٤ (ترجمة : الفضل بن المختار) من طريق الفضل بن المختار ، عن حميد الطويل ، عن أنس به مرفوعا.

والفضل بن المختار هذا قال فيه أبو حاتم : «أحاديثه منكرة ، يحدث بالأباطيل». وقال الأزدي : «منكر الحديث جدا». وقال ابن عدي بعد روايته للحديث : «وعامة حديثه مما لا يتابع عليه إما إسنادا وإما متنا».

انظر «الميزان»٣ / ٣٥٨ ، و «اللسان»٤ / ٤٤٩.


سليمان ، ثنا أبو معاوية ، سمعت الأعمش يقول : تزوج إلينا جني ، فقلنا له : ما أحبّ الطعام إليكم؟ قال : الأرز. قال : فأتيناهم به ، فجعلت أرى اللّقم ترتفع ولا أرى أحدا. قلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال : نعم.

قلت : فما الرافضة فيكم؟ قال : شرّنا (١).

***

__________________

(١) رواه ابن الأعرابي في «معجمه»رقم (٤٢٨).


البلد الثلاثون

دسوق (١)

وهي بضم الدال والسين المهملتين ثم قاف ، من الغربية على شاطىء النيل بالقرب من فوه ، لها جلالة بالشيخ إبراهيم بن أبي المجد الدسوقي (٢) ذي الأتباع المعروفين بين طوائف الفقراء بالطائفة الدسوقية والإبراهيمية ، فإنه ولد بها وعمّر بها الزاوية المشهورة ، وكان مقامه فيها حتى مات في سنة ست وتسعين وست مئة (٣) ، ودفن بها ، وقبره مقصود للتبرك والزيارة ، وتحمل إليه

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»لابن دقماق ٥ / ٨٩.

(٢) قال عنه عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته»٢ / ٣٢٠ بتحقيق محمد أديب الجادر : شيخ الخرقة البرهانية ، صاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللدنية ، والأسرار العرفانية. أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيّبات (*) ، وخرق لهم العادات ، ذو الباع الطويل في التصرف النافذ ، واليد البيضاء في أحكام الولاية ، والقدم الراسخ في درجات النهاية. انتهت إليه رئاسة الكلام على خواطر الأنام ، وكان يتكلم بجميع اللغات : عجمي ، وسرياني ، وغيرهما.

ويعرف لغات الوحش والطير ، وذكر عنه : أنه صام في المهد ، وأنه رأى اللوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين (!) وأنه فكّ طلسم (**) السبع المثاني ، وأن قدمه لم تسعه الدنيا ، وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة ، وأن الدنيا جعلت في يده كخاتم. وقال : توليت القطبيّة ، فرأيت المشرقين ، وما تحت النجوم ، وصافحت جبريل (!) إلى آخر ما تجده في ترجمته التي نقلها عن «الطبقات»ابن العماد في «شذرات الذهب»٧ / ٦١٢ مما يضيق الصدر بذكره فضلا عن كتابته وتدوينه.

(٣) كذا في الأصل : «ست وتسعين وست مئة»والذي في «الشذرات»: ست وسبعين وست مئة.

__________________

(*) علّق شيخنا الفاضل عبد القادر الأرناؤوط على هذا الموضع من «شذرات الذهب»٧ / ٦١١ بقوله : لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، وجميع ما جاء في ترجمته بعد هذا فهو من الشطحات الصوفية التي لا يقرها الإسلام.

(**) أفهكذا يكون الأدب مع آيات الكتاب ؛ بأن توصف بأن فيها طلاسم (!) فاللهم هداك


النذور من الأقطار النائية (!) (١).

وكانت لشيوخها وجاهة (٢) ، وسماط للواردين وغيرهم ، ومتحصل وافر فزوحموا في ذلك ، وشرع ناظرها من الأتراك في توسعتها ، وعمارتها ، واستهلاك ما يفوق الوصف في ذلك ؛ مما كانت في غنية عنه ، ولو كان توجّههم إلى العلماء ونحوهم بالنظر في مصالحهم وما أرصد لهم لكان أولى ؛ فلله الأمر.

٢٧ ـ أخبرني الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن علي الأبودريّ بقراءتي عليه بالمقام الدسوقي ، أنا أبو المعالي الأزهري وأبو العباس القدسي قالا : أنا أبو العباس بن كشتغدي وأبو الفتح البكري وآخرون قالوا : أنا أبو الفرج بن الصيقل ، أنا أبو القاسم بن السبط ، أنا والدي أبو علي الحسن بن المظفر (ح).

وأنبأني عاليا أبو هريرة بن عمر ، عن أبي عبد الله بن الخباز ، أنا الفخر بن البخاري سماعا والتقي أبو محمد بن أبي اليسر وأنا في الرابعة قالا : أنا أبو حفص بن طبرزذ ، أنا أبو غالب بن البنّا قالا : ثنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال أولهما : إملاء ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، حدثنا بسر بن موسى ، ثنا هوذة بن خليفة ، ثنا عوف بن أبي جميلة ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«خلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. قال : قال ربّكم عزوجل : عبدي ترك شهوته وطعامه وشرابه ابتغاء مرضاتي ؛ فالصّوم لي وأنا أجزي به».

هذا حديث صحيح.

__________________

(١) انظر ما سبق التعليق عليه من كلام للمصنف نحو هذا (١٢٤).

(٢) في هامش الأصل : «مكانة»نسخة.


أخرجه أحمد (١) عن هوذة ، فوافقناه فيه بعلو. وقد اتفق الشيخان (٢) عليه من غير هذا الوجه عن أبي هريرة.

وأخبرني أبو الحسن عن شيخيه سماعا قالا : أنا البدر أبو عبد الله الفارقي ، أنا الإمام الشمس أبو بكر بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي ، أنا أبو منصور البندنيجيّ ، عن أبي المظفر عبد الملك بن علي الهمداني ، أنا أبو جعفر محمد بن أبي علي ، أنا أبو بكر محمد بن يحيى المزكي ، أنا محمد بن الحسين الصوفي قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس العصمي يقول : سمعت أبا محمد الدّيناري يقول : حدثني أبو جعفر بن شاكر الحافظ ، حدثني محمد بن الحسين البرجلاني (٣) ، حدثني محمد بن عبد الله الخراساني قال : دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق وقد أهدي له جام من بلور أبيض ، فيه ساقات من اللوزبنق ، معمول بنشاستق الفالوذق ، محشوا باللوز المفرك ، مخلطا بالمسك الفارد ، مغلى بالعسل الماذي ، مذرورا عليه الطبرزد ، مندى بالماورد الجوري ، إذا قلعته من الجام سمعت له صوتا مثل المطرقة على السندان ، إذا مسسته بيدك سمعت له صريرا كصرير النعل السندل ، فإذا أدخلته إلى فيك سمعت له نشيشا كنشيش الحديد إذا أخرجته من النار وطرحته في الماء البارد.

قال : فأخذ واحدة فأكلها ولم يطعمني ، ثم أخذ ثانية فأكلها ولم يطعمني ، ثم أخذ ثالثة فأكلها ولم يطعمني ؛ فقلت : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) [الصافات : ٤] فأخذ واحدة فأطعمنيها. فقلت : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) [التوبة : ٤٠] فأطعمني أخرى. فقلت : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٦] فأطعمني أخرى.

__________________

(١) ٢ / ٣٩٥.

(٢) البخاري (١٨٩٤) / أطرافه ، ومسلم (١١٥١).

(٣) كذا ضبط من الأصل : بفتح الموحدة. وضبطه السمعاني في «الأنساب»٢ / ١٣٩ بضم الموحدة.


فقلت : (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) [البقرة : ٢٦٠] فأطعمني أخرى. فقلت : (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢] فأطعمني ثنتين. فقلت : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) [البقرة : ١٩٦] فأطعمنيها. فقلت : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [الحاقة : ١٧] فأطعمنيها. فقلت : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل : ٤٨] فأطعمنيها.

فقلت : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦] فأطعمنيها. فقلت : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف : ٤] فأطعمنيها. فقلت : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] فأطعمنيها. فقلت : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) [الأنفال : ٦٥] فأطعمنيها. فقلت : (* وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] فأطعمنيها.

فقلت : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] فأطعمنيها. فقلت : (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤] فأطعمنيها. فقلت : (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٤] فأطعمنيها. فقلت : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) [التوبة : ٨٠] فأطعمنيها. فقلت : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤] فأطعمنيها. فقلت : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [ص : ٢٣] فأطعمنيها. فقلت : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ) [الأنفال : ٦٦] فرمى بالجام إليّ وقال : يا ابن البغيضة. فقلت : والله ، لو لم ترم بالجام لقلت : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧].

***


البلد الحادي والثلاثون :

دمشق (١)

وهي بكسر الدّال المهملة ، وفتح الميم ، ثم شين معجمة ساكنة ، وقاف.

مدينة أولية مشهورة ، كثيرة الفضائل ، يقال : إنها إرم ذات العماد (٢) ، وأنها التي لم يخلق مثلها في البلاد.

وهي قاعدة الشّام وغوطتها ، وأكثرها أهلا وأنزهها ؛ بحيث يضرب بحسنها الأمثال ، ومن خيرها وأكثرها بركة. وفي شماليّها جبل يعرف بجبل قاسيون ؛ يقال : إن عنده قتل قابيل أخاه هابيل. ومن متنزّهاتها الشهيرة : الرّبوة ، التي قال الله تعالى فيها : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ). قيل : ثمار وماء كثير. وهي كهف في فم واديها الغربي ، الذي عنده مقسم مياهها يقال : به مهد عيسى عليه‌السلام (٢).

وقد نزلها عدّة من الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ بل دخل الشام ـ فيما يقال ـ كما لابن عساكر وغيره ـ عشرة آلاف عين رأت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وبجامعها الأموي الذي بناه الوليد بن عبد الملك رأس يحيى بن زكريا ، وقبر هود (٢) ـ عليهم‌السلام ـ فالله أعلم بذلك كلّه.

وكثر بها العلم زمن معاوية ـ رضي‌الله‌عنه ـ ثم زمن عبد الملك وأولاده ، وما زال بها فقهاء ، ومحدثون ، ومقرؤون ، زمن التابعين فمن بعدهم ، ثم تناقص بها العلم في المئة الرابعة والخامسة ، ثم تراجع بعد ؛ ولا سيّما في دولة نور الدين ، وحالها الآن غنيّ عن الشرح.

__________________

(١) انظر : «معجم البلدان»٢ / ٤٦٣ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٥٣٤.

(٢) هذه الأقوال لا تثبت ، وهي موضع نظر وتحقيق.


وتاريخها لابن عساكر أكبر تواريخ المدن ، وقد اختصره غير واحد كأبي شامة ، والذهبي ، وأفردت فضائلها ، وكذا عمل غير واحد فتوحها حرسها الله تعالى.

٢٨ ـ أخبرني الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن خليل الدمشقي بقراءتي عليه بجامع بني أمية منها ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المؤذن ، عن أبي عبد الله محمد بن غالي الدمياطي سماعا ، أنا أبو إبراهيم بن محمود بانتقاء أبي بكر بن الحافظ المنذري (ح).

وأخبرني بعلو سارة ابنة عمر ، عن أبي حفص المزي ، أنا الفخر بن البخاري. قالا : أنا أبو الفتوح محمد بن أبي سعد البكري ، أنا الإمام أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري (ح).

وأخبرني أبو الطيب بن محمد المصري بالقاهرة ، عن أبي العباس أحمد بن علي بن عبد الحق الحنفي الدمشقي سماعا بها وأبي حفص عمر بن محمد بن سلمان البالسي مشافهة.

قال الأول : أنا أبو الحسن علي بن محمد بن مورود قال : كتب إلينا الضياء عبد الخالق المارديني ، عن أبي بكر وجيه بن طاهر قالا : أنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري جدّ أولهما. وقال البالسي : قرىء على زينب ابنة الكمال وأنا أسمع ، عن عجيبة الياقدارية أن مسعر الثقفي كتب إليهم قال : أنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق قالا : أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف. قال أبو القاسم : سماعا. وأبو عمرو : إجازة. قال : ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السّراج ، ثنا هناد بن السّري (١). زاد في رواية أبي عمرو : وحدثنا أبو همام وعبد الله بن عمر. قال هناد : ثنا ابن فضيل ، وقال الآخران : ثنا عبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن المختار بن فلفل قال : سمعت

__________________

(١) وهو عنده في «الزهد»(١٣٤).


أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول : أغفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه متبسّما ـ فإمّا قال لهم وإما قالوا له ـ : يا رسول الله ، لم ضحكت؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّه أنزلت عليّ آنفا سورة». ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) حتى ختمها ، فلما قرأ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل تدرون ما الكوثر؟»قالوا : الله ورسوله أعلم. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإنّه نهر في الجنّة وعدنيه ربّي عزوجل ، عليه خير كثير ، حوضي ترد عليه أمّتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب».

هذا حديث صحيح.

أخرجه أحمد في «مسنده»(١) عن ابن فضيل.

وأبو داود في «سننه»(٢) عن هناد. فوافقناهما بعلو على ثانيهما.

ورواه مسلم في «صحيحه»(٣) عن أبي كريب محمد بن العلاء ، عن ابن فضيل. فوقع لنا بدلا له عاليا.

وهو عند مسلم أيضا والنسائي (٤) من حديث علي بن مسهر ، عن المختار.

وبالسند الأول إلى أبي إبراهيم قال : أنا محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع بن عبدون البغدادي ، أنا أبو القاسم نصر بن نصر العكبري وأبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي. قال الأول : ثنا نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق إملاء ، أنا أحمد بن علي الإمام كتابة قال : قرأت على أحمد بن محمد الفقيه ، عن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي ـ رحمه‌الله ـ يقول : إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) ٣ / ١٠٢.

(٢) رقم (٧٨٤) (٤٧٤٧).

(٣) رقم (٤٠٠).

(٤) ٢ / ١٣٣ ـ ١٣٤.


وقال الثاني : أخبرنا تاج الإسلام أبو بكر محمد بن منصور السمعاني ، أنا الحافظ أبو بكر بن مردويه ، أنا أبو بكر عبد الواحد بن أحمد الباطرقاني ، ثنا أبو محمد بن حيّان إملاء ، ثنا محمد بن أحمد بن زيرك : سمعت ابن خزيمة يقول : سمعت سعد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : سمعت الشافعي يقول : كلّما رأيت رجلا من أصحاب الحديث كأنما رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ووقع لي الثاني منهما بعلوّ فيما أخبرني الإمام أبو الحسن اليماني بمكة ، أخبرتنا أم محمد الصالحية بدمشق ، أنا أبو العباس البياني ، عن أبي المنجا بن اللّتي ، أنا أبو الفتوح به.

وبالإسنادين إلى أبي الفتوح قال : أنشدنا الصائن أبو عبد الله محمد بن أميرجه الصوفي الهروي قال : أنشدنا الشيخ الأديب أبو الحسن علي بن أحمد بنيسابور لنفسه :

أحاديث الرّسول شفاء قلبي

 وقرّة ناظري وجلاء همّي

فدت نفسي ثقات قد رووها

 وما ملكت يدي وأبي وعمّي

أعاذلتي عليه إليك عنّي

فإنّ إليهم قصدي وأمّي

لمن والاهم حبّي ومدحي

لمن عاداهم بغضي وذمّي

***

__________________

(١) رواه البيهقي في «مناقب الشافعي»١ / ٤٧٧ وفي «المدخل إلى السنن الكبرى»٢ / ١٩٠ رقم (٦٨٩) من طريق سعد بن عبد الله بن عبد الحكم عنه.

ورواه أبو نعيم في «الحلية»٩ / ١٠٩ ، والذهبي في «السير»١٠ / ٦٩ من طرق عن الشافعي به.

وانظر «مناقب الشافعي»لابن كثير صفحة (١٨٨) ، و «توالي التأسيس»لابن حجر صفحة (١١٠).


البلد الثاني والثلاثون :

دمياط (١)

وهي بكسر الدال المهملة ، وأخطأ من أعجمها ، ثم ميم ساكنة بعدها مثناة تحتانية ، وآخرها طاء مهملة. بلدة قديمة شهيرة على ساحل (٢) البحر ، خرج منها جماعة من العلماء في كلّ فنّ ، وسمع بها الطبراني ، وخلق ، ولم يسمع بها شيخنا ولا شيخه ، وقد دخلتها غير مرّة.

وفيها أسواق ، وحمامات ، ومساجد ، وعدّة خطب ، وجدّد بها سلطان الوقت مدرسة حسنة بخطبة.

وكان فتحها في زمن الصحابة على يد المقداد بن الأسود ، بإرسال عمرو بن العاص من مصر إليها حين امتناع عظيمها من تسليمها ، واستعدّ للحرب ، وأعان المقداد ـ رضي‌الله‌عنه ـ شطا (٣) ولد المشار إليه بعد أن وفّقه الله تعالى للإسلام ، حتى تسلّمها المسلمون ، ثم حشد له من أطاعه من أهل تلك النواحي ، وسار بالمسلمين لفتح تنّيس ، فأنكى فيهم (٤) بالقتل وغيره ، وآل أمره إلى أن قتل بالمعركة في ليلة النصف من شعبان ، فحمل ودفن خارج دمياط ، وقبره بها ظاهر يزار ، بل يحيون عنده الليلة المذكورة من كل سنة (٥). وكذا ممن

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٢ / ٤٧٢ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٥٣٦ ، و «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ١ / ٢١٣.

(٢) في هامش الأصل : «شاطىء»نسخة.

(٣) وهو : شطا بن الهاموك كما في «المواعظ والاعتبار».

(٤) في هامش الأصل : «في أهلها»نسخة.

(٥) وهذا من نوع اتخاذ القبور عيدا ؛ وهو منهي عنه. وانظر ما سبق التعليق عليه من كلام للمصنف قريب من هذا صفحة (١٢٤).


يزار بها الشيخ فتح التكروري الأسمر ؛ الذي اشتهر به أحد جوامعها ، المدفون بجواره ، والمتوفى في سنة خمس وتسعين وست مئة. ثم لم تزل بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم في سنة تسعين من الهجرة ، ثم استنقذت ، وحصّنها المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد بالأسوار ونحوها ، وقصدها الفرنج بجمعهم المغلول مرّة بعد أخرى ؛ منها في سنة سبع وأربعين وست مئة ؛ فإنها هجمت عليها ، وأحاطت بها ، وخربوها بعد أن ملكوها ، وقاسى أهلها شدة إلى أن خذلهم الله عن قرب ، وعادت إلى المسلمين (١) ، حرسها الله من الآفات.

٢٩ ـ أخبرني الشيخ أبو الطيب محمد بن الحسن بن علي البدراني ثم الدمياطي خطيب جامع الزكي منها فيما قرأت عليه به ، أنا الجمال عبد الله بن العلاء الحنبلي بالقاهرة (ح).

وأنبأني عاليا أبو هريرة بن أبي حفص كلاهما عن أبي الحرم القلانسي قال الأول وهو سبطه : سماعا ، أخبرتنا مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، عن أم هانىء عفيفة ابنة أحمد وأبي الفخر أسعد بن سعيد بن روح في آخرين قالوا : أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة ابنة عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل قالت : أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الضّبي ، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخمي الحافظ ، حدثنا الحسين بن أحمد بن منصور سجّادة البغدادي ، ثنا عبد الله بن داهر الرازي ، ثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن حنش بن المعتمر أنه سمع أبا ذر الغفاري ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل».

__________________

(١) انظر «البداية والنهاية»لابن كثير ١٧ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ / دار هجر.


هذا حديث حسن.

رواه الحاكم في المناقب من «مستدركه»(١) عن عبد الله بن داهر فوافقناه فيه بعلو.

وهو عند الطبراني في «معجمه الصغير»(٢) كما أخرجناه ، وكذا في «الأوسط»(٣) أيضا وقال : إنه لم يروه عن الأعمش إلا ابن عبد القدوس.

ورواه أيضا في «الأوسط»(٤) من حديث الحسن بن عمرو الفقيمي.

وأبو يعلى في «مسنده»(٥) ، والحاكم في تفسير هود والمناقب جميعا من «مستدركه»(٦) ، كلاهما من حديث المفضل بن صالح.

كلاهما عن حنش قال : رأيت أبا ذر ـ رضي‌الله‌عنه ـ وهو آخذ بحلقة باب الكعبة وهو يقول : أنا أبو ذر من لم يعرفني فأنا جندب ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره باختصار.

__________________

(١) (ج ٣ / ل ٦٥ / أ) من مخطوطة رواق المغاربة للمستدرك ، كما أفاده محقق «إتحاف المهرة»لابن حجر ١٤ / ١١٣ ، وهو ساقط من المطبوع من «المستدرك».

(٢) ١ / ٢٤٠ رقم (٣٩١). وكذا رواه في «الكبير»٣ / ٤٥ ـ ٤٦ رقم (٢٦٣٧).

(٣) (٣٤٧٨) ، وانظر «مجمع البحرين»٦ / ٣٣٢.

(٤) (٥٣٩٠) ، وانظر «مجمع البحرين»٦ / ٣٣٣.

(٥) كما في «المطالب العالية»٤ / ٢٦٢ / المسندة. وعنه ابن عدي في «الكامل»٨ / ١٥٦ (ترجمة : المفضل بن صالح) ، والقطيعي (*) في زياداته على «فضائل الصحابة».

(٦) ٢ / ٣٤٣ و ٣ / ١٥٠ ـ ١٥١. وقال الذهبي في «الميزان»٤ / ١٦٧ بعد قول ابن عدي في المفضل : «أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي». قال : وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر.

__________________

(*) وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه‌الله تعالى ـ في مواضع كثيرة من كتبه ـ وبالأخص كتابه «منهاج السنة»ـ أن في زيادات القطيعي على «الفضائل»أحاديث كثيرة موضوعة. انظر «المنهاج»٣ / ٦ ، ٧ و ٤ / ٢٧ ، ٢٨ ، ٦١ ، ٧٥ ، ١٠٦. وانظر كتاب «شيخ الإسلام وجهوده في الحديث وعلومه»للدكتور الفريوائي ١ / ٥٤١ للإمام أحمد ٢ / ٧٨٥ ـ ٧٨٦.


وقال الحاكم في أحد الموضعين : إنه صحيح على شرط مسلم. وفي الآخر إنه صحيح الإسناد ، ثم اتفقا : ولم يخرجاه (١).

وهذا عجيب ؛ فابن داهر متروك الحديث. وقال العقيلي : إنه رافضي خبيث (٢).

لكن قد أخرجه الطبراني في «الأوسط»(٣) أيضا من حديث سماك بن حرب ، عن حنش. والبزار في «مسنده»(٤) من حديث مسلم بن إبراهيم ، عن الحسن بن أبي جعفر ـ وهو أيضا متروك ـ عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب.

وأبو يعلى في «مسنده»(٥) من حديث أبي الطفيل كلاهما عن أبي ذر.

وقال البزار (٦) : لا نعلم صحابيا رواه إلا أبا ذر.

__________________

(١) وتعقبه الذهبي بقوله : «مفضل واه». وفي الموضع الآخر : «مفضل خرج له الترمذي فقط ، ضعفوه».

(٢) انظر «الضعفاء»للعقيلي ٢ / ٢٥٠. و «الميزان»٢ / ٤١٦ ، و «لسان الميزان»٣ / ٢٨٢.

(٣) (٥٥٣٦) وانظر «مجمع البحرين»٦ / ٣٣٣.

(٤) المطبوع باسم «البحر الزخار»٩ / ٣٤٣ رقم (٣٩٠٠) ، و «كشف الأستار»٣ / ٢٢٢ رقم (٢٦١٤) و «مختصر زوائد مسند البزار»٢ / ٣٣٤ رقم (١٩٦٦). وفيه زيادة : «ومن قاتلنا في آخر الزمان كان كمن قاتل مع الدجال».

ورواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ»١ / ٥٣٨ ، والطبراني في «الكبير»٣ / ٤٥ رقم (٢٦٣٦) ، وابن عدي في «الكامل»٣ / ١٣٧ (ترجمه الحسن).

والحسن بن أبي جعفر مع كونه ضعيفا فقد اضطرب فيه كما سيأتي بيانه في حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٥) كما في «المطالب العالية»٤ / ٢٦٢ / المسندة. وعنه أبو الشيخ الصبهاني في «الأمثال»(٣٣٣).

(٦) وهذا فيما نقله عنه الهيثمي في «كشف الأستار»، ونص كلامه في «مسنده»المطبوع باسم «البحر الزخار»: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا عن أبي ذر من هذا الوجه ، ولا نعلم تابع الحسن بن أبي جعفر على هذا الحديث أحد.


وليس كذلك ؛ بل في الباب عن ابن عباس (١) ، وابن الزبير (٢) ، وأبي سعيد الخدري (٣) ـ رضي‌الله‌عنهم ـ وبعضها يقوّي بعضا ولذلك حسنته (٤).

__________________

(١) حديث ابن عباس رواه الحسن بن أبي جعفر ـ الذي سبق ذكره في حديث أبي ذر ـ واختلف عليه فيه ؛ فرواه الطبراني في «الكبير»٣ / ٤٦ رقم (٢٦٣٨) ، والبزار ٣ / ٢٢٢ رقم (٢٦١٥) «كشف الأستار»، وأبو نعيم في «الحلية»٤ / ٣٠٦ ، والقضاعي في «مسند الشهاب»(١٣٤٢) ، من طريقه عن أبي الصهباء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به.

ورواه ابن عدي في «الكامل»٣ / ١٣٧ (ترجمة الحسن) من طريقه عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس به.

وسبق أنه روي عنه ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي ذر.

فتبين أن حديث ابن عباس لا يصلح شاهدا ؛ لأن مداره على الحسن بن أبي جعفر.

(٢) رواه البزار ٣ / (٢٦١٣) / كشف الأستار ، و ٢ / ٣٣٣ / مختصر زوائد البزار ، قال : حدثنا يحيى بن معلى ، ثنا ابن أبي مريم ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه به مرفوعا.

قال البزار : لم نسمعه بهذا الإسناد إلا من يحيى.

قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وهو لين. «مجمع الزوائد»٩ / ١٦٨.

(٣) رواه الطبراني في «الصغير»٢ / ٨٥ (٨٢٥) ، وفي «الأوسط»(٥٨٧٠) قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة الكلابي ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقرىء ، عن أبي سلمة الصائغ ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعا. وفي آخره «مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له».

ورواه الشجري في «الأمالي»صفحة (١٥٤) من طريق عبد العزيز بن ربيعة به.

قال الهيثمي : فيه جماعة لم أعرفهم «مجمع الزوائد»٩ / ١٦٨.

وعطية هذا هو ابن سعد بن جنادة العوفي ، ضعيف الحديث كان يدلس تدليسا قبيحا. قال ابن حبان : سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث ، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه ، فإذا قال الكلبي : قال رسول الله كذا ، فيحفظه ، وكناه أبا سعيد ، ويروي عنه ، فإذا قيل له : من حدثك بهذا؟ فيقول : حدثني أبو سعيد ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد به الكلبي ، فلا يحل الاحتجاج به ، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. «المجروحين»٢ / ١٧٦.

انظر لبيان تدليس عطية «شرح علل الترمذي»٢ / ٦٩٠ ـ ٦٩١ و «السلسلة الضعيفة»١ / ٨٤ ـ ٨٦. ومع ضعف عطية وتدليسه فهو شيعي ..

(٤) وهذا فيه تسمّح من المؤلف ـ رحمه‌الله ـ وبيان ذلك : ـ ـ


وأنشدني (١) علي بن علي بن محمد الجوجري بجامع الزكي من دمياط لنفسه :

ثلاثين يوما بتّ أرقب وعده

 وعشر ليال والفؤاد كليم

فقولوا لربّ الحسن في طول وصله

يكلّمني إنّي لديه كليم

***

__________________

ـ ١ ـ حديث أبي ذر ـ رضي‌الله‌عنه ـ له عنه ثلاثة طرق :

الأولى : مدارها على عبد الله بن داهر ، وهو متروك.

الثانية : مدارها على مفضل بن صالح ، وهو واه ، ضعفه غير واحد من الأئمة.

الثالثة : مدارها على الحسن بن أبي جعفر ، وهو متروك كما قال المصنف ، وقد اختلف عليه أيضا.

٢ ـ حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما مدارها على الحسن بن أبي جعفر نفسه.

٣ ـ حديث ابن الزبير ـ رضي‌الله‌عنهما ـ مدارها على ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث.

وقد تفرد به ولا يبعد أن يكون أخطأ فيه.

٤ ـ حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي‌الله‌عنه ـ مداره على جماعة غير معروفين.

فأنى لحديث هذه طرقه التحسين ، والله أعلم.

وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني ـ رحمه‌الله ـ في «ضعيف الجامع»(٥٢٤٧).

وقال شيخنا سعد الحميد ـ حفظه الله ـ في تعليقه على «مختصر استدراك الذهبي على الحاكم»لابن الملقن ٣ / ١٥٥٩ بعد ذكره لشاهدي ابن عباس وأبي سعيد قال : وعليه فالحديث لا ينجبر ضعفه بشيء من هذين الشاهدين ، والله أعلم.

(١) ذكر المصنف هذين البيتين في ترجمة عليّ هذا من «الضوء اللامع»٥ / ٢٦٢.


البلد الثالث والثلاثون :

دنجية (١)

وهي متوسطة بين دمياط وسمنود على شاطىء النيل ، نسب إليها جماعة متأخرون ممّن له فضيلة ؛ منهم : الشمس محمد بن عمر بن عبد الله الأزهري ، الذي كان خازن كتب المؤيديّة يقال لكل منهم : الدّنجاوي ، أو الدّنجيهي ؛ وهو أنسب.

أنشدني بها (٢) الزّين ، عبد الرحمن بن أحمد القاضي لنفسه مما كتب به لشيخنا رحمه‌الله :

أأظما وأنت اليمّ والزّاخر الذي

تولّد منه للعفاة سحاب

 وأرقى بكيد الماكرين وبغيهم

 وأنت بأفق المنجدين شهاب

***

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»١ / ٤٧٧ ، و «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ١ / ٧٢ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٩٠.

وجاءت في «المعجم» و «الانتصار»دنجويه وكذا في «مراصد الاطلاع»٢ / ٥٣٧ ، وأفاد محققه أنه في نسخة خطية منه كتب فوقها «دنجية»وفوقها كلمة «صح»، وفي «المواعظ»: الدنجاوية.

(٢) ذكر المصنف هذين البيتين في ترجمة عبد الرحمن هذا من «الضوء اللامع»٤ / ٥٣.


البلد الرابع والثلاثون :

أمّ دينار (١)

وهي على شاطىء النيل بين المناشيّ والرّهاويّ من الجيزة.

أنشدني بها علي بن محمد الحريري الأديب لنفسه (٢) :

قد شاقني ظبي لو (٣) وجنا لها آنس

تدمى من اللّمح والنّاظر مع اللّامس

طرقوا على ورد خدّو (٤) قد صبح حارس

 وأقوى العجب صبت حارس منتبه ناعس

***

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٤ / ١٢٩ ، و «المواعظ والاعتبار»١ / ١٧٠.

(٢) هذا زجل عامّي.

(٣) لو : يعني (له)!.

(٤) خدّو : يعني (خدّه)!.


البلد الخامس والثلاثون :

رابغ (١)

وهي براء مهملة وموحدة ثم غين معجمة ، بوزن فاعل ، بين بدر وخليص من نواحي الحجاز ، قريبة من البحر ، بينها وبين مكة خمسة مراحل أو ستة ، وهي ميقات الحجيج المصري ومن يشركهم لمحاذاتها للجحفة ؛ المسماة أيضا مهيعة ؛ بوزن علقمة ، ميقاتهم وكذا الشاميين ، وينصب برابغ سوق عظيم ، وماء حفائرها حلو لكنه ثقيل.

٣٠ ـ أخبرنا بها أبو محمد بن أبي أحمد المقرىء بقراءتي ، عن أحمد بن أبي الفضل وأبي الخير الدمشقي مشافهة منهما (ح).

وأخبرني عاليا عبد الرحمن بن عمر اللخمي في كتابه. قال الثلاثة : أنا العماد محمد بن موسى بن سليمان سماعا (ح).

وقرأت على عبد الرحيم بن محمد القاضي ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن الزقاق وأم محمد ست العرب ابنة محمد بن الفخر. قال الثلاثة : أنا الفخر أبو الحسن بن البخاري (٢). قال الأول : سماعا ، والآخران : حضورا ، زاد أولهما : فقال وأخبرتنا أم أحمد زينب ابنة مكي حضورا قالا : أنا أبو اليمن زيد بن الحسن اللغوي ، زاد الفخر فقال : وأبو حفص عمر بن محمد البغدادي قالا : أنا القاضي أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي وأنا في الخامسة ، أنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن ماسي البزاز ، أنا أبو

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ١١ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٥٩٢ ، و «المواعظ والاعتبار»١ / ١٧.

(٢) وهو عنده في «مشيخته»٢ / ٨٨٩.


مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا حميد ، عن أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : إن الرّبيّع عمّته لطمت جارية فكسرت سنّها ، فعرضوا عليهم الأرش ؛ فأبوا ، فطلبوا العفو فأبوا ، فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمرهم بالقصاص ، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال : يا رسول الله ، أتكسر سن الرّبيّع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر سنّها. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أنس ، كتاب الله القصاص»فعفا القوم. فقال رسول الله : «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه».

هذا حديث صحيح.

رواه أحمد في «مسنده»(١) والبخاري في «صحيحه»(٢) ، كلاهما عن الأنصاري ، فوافقناهما فيه بعلو مع علوه لهما فهو من ثلاثياتهما.

ورواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»(٣) له عن ابن مرزوق ، عن الأنصاري ، فوقع لنا بدلا له عاليا.

وممن رواه عن حميد أيضا بشر بن المفضّل (٤) ، وخالد بن الحارث (٥) ، وسليمان بن حيان أبو خالد الأحمر (٦) ، وعبد الله بن بكر (٧) ، ومحمد بن أبي عدي (٨) ، ومروان بن معاوية (٩) ، ومعتمر بن سليمان (١٠) وحديثهما مع حديث

__________________

(١) ٣ / ١٦٧.

(٢) (٢٧٠٣) (٤٤٩٩) (٦٨٩٤).

(٣) ٣ / ١٧٦ ، وانظر «إتحاف المهرة»للحافظ ابن حجر ١ / ٦٤٣.

(٤) روايته عند النسائي ٨ / ٢٧.

(٥) روايته عند النسائي ٨ / ٢٧ ، وابن ماجة (٢٦٤٩).

(٦) روايته عند النسائي ٨ / ٢٦ ، وابن الجارود في «المنتقى»(٨٤١).

(٧) روايته عند البخاري (٤٥٠٠).

(٨) روايته عند أحمد ٣ / ١٢٨ ، وابن ماجة (٢٦٤٩).

(٩) هو الفزاري وروايته عند البخاري (٤٦١١).

(١٠) وروايته عند أبي داود (٤٥٩٥) ، ولم أقف عليها في البخاري ، ولم يعزها له المزي في «تحفة ـ ـ


عبد الله في البخاري. وبتخريجه له بان وهم الحاكم (١) حيث قال عقب تخريجه من حديث أبي خالد الأحمر : إنّه صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.

***

__________________

ـ الأشراف»١ / ٢٠٧ ولا مؤلفو «المسند الجامع»٢ / ٧٣. والله أعلم.

(١) في «المستدرك»٢ / ٢٧٣.


البلد السادس والثلاثون :

رشيد (١)

وهي بشين معجمة ودال مهملة ؛ ككثير. ثغر جليل ؛ لكنه صغير. من مواخير مصر ، وعلى ساحل النيل شرقي الثغر السّكندري ، بينهما مرحلة قويّة ، معظمها على ساحل البحر المالح ، يقال : ستة وثلاثون ميلا ، بظاهرها عدّة مشاهد ، يقال : إنها لجماعة من الأولياء والشهداء ؛ لا سيّما بكوم الأفراح.

وفيه منار يرى منه من لعلّه يطرقها من العدو ؛ بل في نفس البلد أماكن عامرة بالعدد والرجال المطوّعة. وجدّد بها سلطان الوقت برجا حسنا لأجل حفظها ؛ لأن بينها وبين البحر الملح ثمانية عشر ميلا ، وتسمى قديما : الأرمسيّة بفتح الهمزة ، وسكون الراء المهملة ، وضمّ الميم ، وكسر السين المهملة ، ثم مثناة تحتانية مشددة وهاء ، باسم جزيرة هناك بين البحرين ، وكثيرا ما يأخذ سرّاق الفرنج منها مما يكون للمسلمين ، حرسها الله تعالى.

وانتسب إليها جماعة من المتقدمين وغيرهم يقال لكل منهم : الرّشيدي.

وشاركهم في الانتساب كذلك جماعة ، فبعض لهارون الرشيد ، وبعض لمن كان يقال له لأجل بلوغ جميع مطالبه وأغراضه : الرشيد.

وتشتبه هذه النسبة بالرّشيديّ بالتصغير ، كما بيّن في محلّه.

٣١ ـ أخبرني بها الزين ، عبد الرحمن بن محمد بن عمر الدمياطي سبط الشيخ يوسف العجمي بقراءتي عليه بجامعها وأبو الطيب بن محمد المصري كلاهما ، عن أبي عبد الله بن منيع الوراق قال الثاني : سماعا ، أنا أبو المعالي بن أبي التائب الأنصاري ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن خليل ، أنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي (ح).

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ٤٥ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٦١٧.


وأخبرتني عاليا أم محمد ابنة أبي حفص عن أبي عمر الصالحي وغيره ، أخبرتنا زينب ابنة مكي وغيرها إذنا ، عن أم هانىء ابنة أحمد قالا : أخبرتنا فاطمة ابنة عبد الله. زاد أولهما وأبو عدنان بن أبي نزار حضورا قالا : أنا أبو بكر الثاني ، حدثنا أبو القاسم الطبراني (١) ، ثنا أحمد بن محمد بن أبي حفص النصيبي ، ثنا شيبان بن فروخ ، ثنا أبو عوانة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صياح المولود حين يولد نزغة من الشّيطان».

هذا حديث صحيح.

أخرجه مسلم (٢) عن شيبان ، فوافقناه فيه بعلو.

وهكذا رواه أبو يعلى عن شيبان.

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»(٣) عن أبي يعلى ، فوقع لنا بدلا له عاليا.

وبه إلى ابن أبي التائب قال : أنا أبو محمد مكي بن المسلم بن علان ، عن الحافظ أبي طاهر السّلفي ، أنا أبو الحسن مكي بن منصور بن علان ، أنا أبو سعد محمد بن المفضل بن شاذان ، ثنا محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم ، ثنا محمد بن هشام بن ملّاس النميري ، ثنا متوكل بن موسى ، عن ابن عبد السلام قال : توفّي جار لنا نصراني ، فأخذت النّصارى في غسله ، فبينما هم في غسله إذ استوى جالسا فقال : عليّ بالمسلمين ، عليّ بالمسلمين ، قال : فأتانا الصّريخ ، قال : فأتيناه ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

قال : ثم توفي ساعته ، قال : فتولّينا غسله ، والصلاة عليه ، ودفناه في مقابر المسلمين.

__________________

(١) وهو عنده في «المعجم الأوسط»(١٨٧٢) ، و «الصغير»(٢٩). وقال : لم يرو هذا الحديث عن أبي عوانة إلا شيبان.

(٢) (٢٣٦٧).

(٣) (٦١٨٣).


البلد السابع والثلاثون :

الرّملة (١)

وهي بفتح الراء المهملة ، ثم ميم ساكنة ، ولام ، وهاء. بلدة قديمة شهيرة في سهل من الأرض ، هي قصبة فلسطين ؛ بينها وبين باب لدّ الذي يقتل الدّجال عنده ثلاثة فراسخ ، وبين بيت المقدس دون يوم.

يقال : اختطّها سليمان بن عبد الملك ، وبنى له بها دارا ، وأجرى إليها قناة للشرب منها. وشربهم الآن من آبار عذبة ، وصهاريج يجتمع فيها مياه المطر.

والأحاديث المذكورة فيها غير صحيحة ، وكذا القول بأنها الربوة المذكورة في القرآن.

وقد انتسب إليها جماعة كثيرون من العلماء والصلحاء ، وسكنها جماعة للمرابطة بها.

وبها توفي أبو بكر البزار صاحب «المسند»، وكذا النسائي صاحب «السنن»فيما قيل (٢) ، وأنّه دفن ببيت المقدس.

ومن متأخري أهلها شيخ العصر في معناه وزاهده : الشهاب ابن رسلان ، وآخر المعتبرين ممن كان قاضيا بها صاحبنا الشيخ أبو الأسباط. وسمع بها خلق منهم شيخنا ، وشيخه ، والذهبي. وشاركها في الاسم عدة أماكن بسرخس ، والقاهرة ، وغيرهما.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ٦٩ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٦٣٣.

(٢) وقيل : بمكة وأنه مدفونا بين الصفا والمروة. ورجح الإمام الذهبي كونه مدفون في الرملة ، انظر «السير»١٤ / ١٣٢ ـ ١٣٣.


أخبرتني بها أم الخير ابنة عبد القادر الحنفي بقراءتي ، وبالقاهرة أستاذي أبو الفضل بن علي الحافظ ـ رحمه‌الله ـ كلاهما عن أبي الحسن علي بن محمد الدمشقي قال الثاني : قراءة. أنا أبو محمد القاسم بن خلف بن عساكر سماعا ، عن أبي نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي ، وأبو عبد الله محمد بن غسان الأنصاري إذنا إن لم يكن حضورا قالا : أنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر ، أنا أبو القاسم علي بن إبراهيم والعباس النسيب ، أنا رشأ (١) بن نظيف (ح).

وأنبأني عاليا أبو عبد الله الخليلي ، عن أبي الفتح الميدومي ، أنبأنا أبو عيسى بن علاق ، أنا أبو القاسم البوصيري إذنا إن لم يكن سماعا ، أنا أبو الحسن الفراء ، أنا أبو القاسم بن الضراب قالا : أنا الحسن بن إسماعيل ـ وهو والد ثانيهما ـ أنا أبو بكر أحمد بن مروان ، ثنا أحمد بن محمد البغدادي ، ثنا عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه قال : «أصيب على عمدان قصر سيف بن ذي يزن مكتوب بالمسند»فترجم بالعربية:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرّجال فلم تمنعهم القلل

 واستنزلوا من أعالي عزّ معقلهم

فأسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا

أين الأسرّة والتّيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت محجّبة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدّود تقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وما نعموا

فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلوا

***

__________________

(١) بفتح أوله ، والشين المعجمة ، وآخره همز. انظر «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٤ / ١٨٩.


البلد الثامن والثلاثون :

الزّبداني (١)

وهي بفتح الزاي والموحدة والدال المهملة وآخره نون وياء كياء النسب ، بلد حسن ، ليس له أسوار ، كثير المنازه والخصب ، على طرف نهر بردى ، متوسط بين دمشق وبعلبكّ ، بينه وبين كلّ منهما ثمانية عشر ميلا ، والبساتين متصلة منه إلى دمشق.

وهو ممن سمع به العراقي والذهبي. وبظاهره مكان للمسافرين يقال له : خان الفندق ، تهدّم حتى صار كالتل ، فساعد البلاطنسي المستولي عليه بجباية من التجار ونحوهم حتى بني.

وفي المتأخرين الإمام ، المفتي ، الجمال ، أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن عمار بن قاضي الزبداني الشافعي ، وكذا فيهم عز الدين ، محمد بن أبي بكر بن علي السّوقي من بابل السّوق ، وهي بليدة بالزبداني ، أروي عن أصحابها.

٣٢ ـ أخبرني (٢) بظاهره محمد بن أبي بكر القاضي لفظا ، عن أبي محمد بن أحمد بن محمد المقدسي سماعا (ح).

وأنبأني عاليا أبو هريرة بن أبي حفص كلاهما عن زينب ابنة قاسم الصالحية قال الأول : سماعا ، وقال الآخر : مشافهة إن لم يكن سماعا (ح).

وأخبرتني سارة ابنة عمر ، عن عمر بن الحسن قال : أنا علي بن أبي العباس

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ١٣٠ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٦٥٧.

(٢) في هامش «الأصل»: «حدثني»نسخة.


الحنبلي ، أنا عمر بن محمد وزيد بن الحسن قالا : أنا محمد بن عبد الباقي ، أنا إبراهيم بن عمر حضورا ، أنا عبد الله بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى الأشعري ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر ، فترقينا عقبة أو ثنيّة ، قال : فكان الرّجل منا إذا ما علاها قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّكم لا تنادون أصمّ ولا غائبا». وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بغلة يعرضها فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أبا موسى ، أو يا أبا عبد الله بن قيس ، ألا أعلّمك كلمة من كنز الجنّة؟». قال : قلت : بلى. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله».

هذا حديث صحيح متفق عليه (١) من حديث حماد بن زيد (٢) ، و (٣) خالد الحذاء ، وسليمان التيمي ، وعاصم الأحول.

وانفرد به البخاري من حديث أيوب (٤). ومسلم من حديث عثمان بن غياث.

ورواه أبو داود (٥) من حديث ثابت ، وسعيد الجريري ، وعلي بن زيد.

والترمذي (٦) ، والنسائي (٧) ، وابن خزيمة (٨) ، من حديث أبي نعامة السعدي.

__________________

(١) انظر «صحيح البخاري»(٢٩٩٢) (٤٢٠٢) (٦٤٠٩) (٦٦١٠) (٧٣٨٦) ، و «صحيح مسلم»(٢٧٠٤).

(٢) كذا في الأصل : «حماد بن زيد»وصوابه : حماد بن زيد ، عن أيوب. كما في «الصحيحين».

(٣) في الأصل : «بن»وجاء في هامش الأصل : «صوابه : وخالد الحذاء بالواو».

(٤) لم ينفرد به البخاري ؛ فقد رواه مسلم (٢٧٠٤) من حديث أيوب.

(٥) (١٥٢٦).

(٦) (٣٤٦١).

(٧) في «الكبرى»(١٠٣٨٦).

(٨) (٢٥٦٣).


عشرتهم عن النهدي فوقع لنا عاليا.

وأخرجه أبو بكر الشافعي في «فوائده»(١) عن إبراهيم بن عبد الله على الموافقة.

ورواه أحمد بن يحيى بن سعيد ، عن التيمي. وأبو عوانة في «صحيحه»(٢) عن إسحاق بن سيار ، عن الأنصاري.

وأبو نعيم في «مستخرجه»عن فاروق الخطابي ، عن إبراهيم بن عبد الله.

فوقع لنا بدلا لهم ، وعاليا على الأولين.

***

__________________

(١) رقم (١٥٥).

(٢) كما في «إتحاف المهرة»١٠ / ٤١.


البلد التاسع والثلاثون :

سرس (١)

وهي بمهملات ؛ مكسورة (٢) ، ثم ساكنة من المنوفية (٣) ؛ بل هي أعظم بلادها ، ولها سوق عظيم في يوم الأربعاء من الأسبوع ، يجتمع فيه من الخلق من لا يحصى.

لقيت بها عبيد بن أحمد السّرسي فأنشدني لنفسه مرثية في شيخنا كان من أبياتها :

تبّا لدنيانا التي نثق بها (٤)

 وهي التي ترمي بنا من جنبها

مالي أرى المستمسكين بحبّها

ما نالهم منها سوى اقصى صعبها

كم أقبرت (٥) وأفنت ملوكا كاسره (٦)

***

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»لابن دقماق ٥ / ١٠٧.

(٢) كذا في «الأصل».

(٣) انظر «معجم البلدان»٥ / ٢١٦.

(٤) كذا في الأصل ، ولعلّ الأشبه :

تبّا لدنيانا الّتي نشقى بها

(٥) في هامش «الأصل»: «أقهرت»نسخة.

(٦) كذا ألحق هذا الكلام بالبيتين ، وليس شعرا موزونا ، والله أعلم.


البلد الأربعون :

سرمين (١)

وهي بفتح السين ، وسكون الراء المهملتين ، ثم ميم مكسورة ، بعدها تحتانية ونون. انتسب إليها جماعة من المتأخرين ، بينها وبين حلب نحو يوم ، وحلب في شماليها ، ذات خصب ، وأسواق ، ومسجد جامع ، وأشجار كثيرة ؛ من زيتون وغيره. ولها ولاية ، وعمل متّسع ؛ ولكن لا سور لها ولا نهر ؛ إنما يشرب أهلها من صهاريج يجتمع فيها ماء الأمطار. وقد سمع بها الذهبي وغيره.

أنشدني الشيخ علاء الدين ، أبو الحسن علي بن كامل السّلمي ثم السّرميني بها ، الشافعي ، قال : أنشدني العزّ محمد بن خليل الحنفي لغيره :

 وكنّا على بين نؤلّف شملنا

فأعقبه البين الذي شتّت الشّملا

فيا عجبا ضدّان واللّفظ واحد

فلله لفظ ما أمرّ وما أحلا

***

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ٢١٥ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٧١٠.


البلد الحادي والأربعون :

سرياقوس (١)

وهي بالقرب من الخانقاه الناصرية الماضية ؛ بل هي التي تضاف الخانقاه إليها. سمع بها شيخنا ، والتقي الفاسي ، وآخرون. وممن ولي قضاءها التاج عبد الواحد الصّردي ؛ أحد شيوخ شيوخنا.

٣٣ ـ أخبرني أجلّ عدولها وصلحائها الخطيب ، التاج ، عبد الواحد بن الفخر عثمان بن أبي بكر السّرياقوسي بها ، أنا بها العلامة قاضيها الصّدر سليمان بن عبد الناصر الأبشيطي (ح).

وأنبأني عاليا أبو عبد الله الخليلي الخطيب كلاهما عن أبي الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم البكري قال الأول : سماعا. أنا أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد ، أنا أبو القاسم هبة الله بن علي الأنصاري ، أنا أبو صادق مرشد بن يحيى المديني ، أنا أبو الحسن علي بن عمر الحراني ، ثنا أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني الحافظ إملاء ، أنا محمد بن إسماعيل البغدادي ، ثنا ابن أبي صفوان (ح).

وحدثني الأستاذ أبو الفضل بن أبي الحسن ـ رحمه‌الله ـ إملاء قال : قرأت على فاطمة ابنة محمد الصالحية والزين عمر البالسي. الأولى عن عمر بن يحيى الإسكندراني والثاني عن أم عبد الله الكمالية سماعا كلاهما عن عبد الرحمن بن مكي سبط السلفي. قال الأول : سماعا. قال : أنا جدي ، أنا أبو الخطاب

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ٢١٨ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٧١٢.


القارىء ، أنا أبو محمد بن البيّع ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا محمد بن عمرو الباهلي ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، ثنا شعبة ، عن عبدان بن بشر الخثعمي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا سافر فركب راحلته قال بإصبعه هكذا وقال : «اللهمّ ، أنت الصّاحب في السّفر ، والخليفة في الأهل والمال ، اللهمّ ، اصحبنا بنصح ، واقلبنا بذمّة ، اللهمّ ، ازو لنا الأرض ، وهوّن علينا السّفر. أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنقلب».

هذا حديث حسن.

أخرجه الترمذي (١) والنسائي (٢) جميعا عن محمد بن عمر بن علي المقدمي ، عن محمد بن أبي عدي. فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وقال الترمذي : إنه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعبة.

انتهى (٣).

وممن رواه عنه (٤) ابن المبارك كما عند الترمذي أيضا ، وأحمد في «مسنده»(٥) ، بل رواه النسائي (٦) وغيره (٧) من حديث محمد بن عجلان ، عن

__________________

(١) (٣٤٣٨).

(٢) ٨ / ٢٧٣ وفي «عمل اليوم والليلة»(٥٠٣).

ورواه المحاملي في «الدعاء»(٢٩) وقال : قال شعبة وجدته مكتوبا ، ولا أحفظه من فيه.

ورواه المحاملي في «الدعاء»(٣٠) ، والحاكم ٢ / ٩٩ من طريق عبد الجبار بن العباس ، عن عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة به مرفوعا.

(٣) وقال الترمذي قبله : كنت لا أعرف هذا إلا من حديث ابن أبي عدي حتى حدثني به سويد.

(٤) أي : عن شعبة.

(٥) ٢ / ٤٠١ وعنده عن شعبة عن فلان الخثعمي.

(٦) في «عمل اليوم والليلة»(٥٠٠).

(٧) رواه أحمد ٢ / ٤٣٣ ، وأبو داود (٢٥٩٨) ، والطبراني في «الدعاء»(٨٠٨) ، والمحاملي في «الدعاء»(٢٧) ، والبيهقي في «الدعوات الكبير»(٣٩٩).


سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة (١) رضي‌الله‌عنهم.

***

__________________

(١) جاء من حديث ابن عباس ، وابن عمر ، وعبد الله بن سرجس رضي‌الله‌عنهم :

١ ـ حديث ابن عباس : رواه أحمد ١ / ٢٥٦ ، وأبو يعلى (٢٣٥٣) ، وابن حبان (٢٧١٦) ، والمحاملي في «الدعاء»(٣٤).

٢ ـ حديث ابن عمر : رواه مسلم (١٣٤٢) ، وأحمد ٢ / ١٤٤ و ١٥٠.

٣ ـ حديث عبد الله بن سرجس : رواه مسلم (١٣٤٣) ، وأحمد ٥ / ٨٢.


البلد الثاني والأربعون :

سمنّود (١)

وهي قديمة من الغربية بشاطىء النيل ، متوسطة بين القاهرة ودمياط ، يردها المسافرون. ونسب إليها جماعة من المتأخرين فيهم صلحاء.

٣٤ ـ قرأت بها على أبي الروح بن عبد اللطيف السلمي الحاكم ، وبغيرها على غير واحد ، كلّهم عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الرسام سماعا لمن عدا المذكور ، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب الدمشقي ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن عثمان الكاشغري قال : أنا أبو الفتح بن البطي وأبو الحسن بن تاج القراء قالا : أنا أبو عبد الله مالك بن أحمد البانياسي (٢) ، أنا أبو الحسن بن الصلت ، أنا أبو إسحاق بن عبد الصمد الهاشمي ، ثنا أبي ، ثنا عمي إبراهيم بن محمد عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكرموا الشّهود ؛ فإنّ الله تعالى يستخرج بهم الحقوق ، ويدفع بهم الظّلم».

هذا حديث ضعيف جدا.

رواه ابن جهضم ، عن أبي إسحاق ، فوافقناه فيه بعلو.

وأخرجه النقاش في كتاب «القضاة والشهود»له عن هارون بن عيسى ، عن أبي إسحاق.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٣ / ٢٥٤ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٧٣٨ ، و «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ١ / ١٨٣.

(٢) أخرجه في «جزئه»كما في «الجامع الصغير»للسيوطي. ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٣٦ / ٢٤٢.


والعقيلي في «الضعفاء»(١) عن أبي يحيى بن أبي مسرة ، عن عبد الصمد بن علي. فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وقال العقيلي في عبد الصمد : حديثه غير محفوظ ، ولا يعرف إلّا به.

وكذا قال الديلمي (٢) : إنه تفرد به.

وقال الذهبي (٣) : إنه منكر.

***

__________________

(١) ٣ / ٨٤ رقم (١٠٥٣).

ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد»٥ / ٩٤ و ٦ / ١٣٨ و ١٠ / ٣٠٠ ، والشجري في «أماليه»٢ / ٢٣٧.

(٢) وقال الخطيب في «تاريخه»٦ / ١٣٨ : تفرد برواية هذا الحديث عبد الصمد بن موسى الهاشمي بهذا الإسناد.

(٣) في «الميزان»٢ / ٦٢٠ وفيه : «هذا منكر ، وما عبد الصمد بحجة ، ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة».

وقال ابن الملقن في «شرح المنهاج»: هذا حديث غير محفوظ عن أحد ، ضعفه البرقاني.

وضعفه الحافظ ابن حجر. انظر «كشف الخفا»١ / ١٧١. وقال السيوطي في «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة»رقم (٩٦) : منكر.

وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع»(١١٢٨).

وحكم عليه الصغاني بالوضع ، انظر «الأسرار المرفوعة»لعلي القاري رقم (٥٧) ، و «المقاصد الحسنة»للمصنف.


البلد الثالث والأربعون :

شبرى الخيمة (١)

وهي بشاطىء النيل بين القاهرة وقليوب ، شاركها في الاسم بلاد كثيرة من جهات شتّى ؛ تميّزت هذه بالإضافة. وقد كتب شيخنا بظاهرها عن رفيقه ابن الديري من نظمه شيئا.

٣٥ ـ قرأت بها على أحمد بن محمد الكناني ، عن أبوي العباس بن أبي أحمد الفقيه وابن محمد المقدسي سماعا (ح).

وأنبأني عاليا الزين بن أبي حفص القدسي والشمس محمد بن أحمد الخطيب. قال الأول والثالث : أنا أبو عبد الله بن الشّيرجي (ح).

وأخبرني العز بن الفرات ، عن أبي العباس بن الجوخي وست العرب الصالحية قال الثلاثة : أنا علي بن أبي العباس. قال ابن الشّيرجي : سماعا.

وقال الآخران : حضورا. زاد أولهما فقال : وأخبرتنا أم محمد الحرّانية حضورا قالا : أنا زيد بن الحسن الكندي ، زاد ابن أبي العباس : وعمر بن محمد الدارقزي. وقال الثاني والرابع : أنا الصدر المقدسي قال أولهما : سماعا ، أنا النجيب الحراني ، أنا الحافظان أبو الفرج بن الجوزي وأبو محمد بن الأخضر قالا والدارقزي وزيد : أنا محمد بن عبد الباقي الحاسب قال : قرىء على إبراهيم بن عمر الفقيه وأنا حاضر ، أنا عبد الله بن إبراهيم ، أنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثني حميد ، عن أنس ـ رضي الله

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»٢ / ٢٩٢ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٤٧.


عنه ـ قال : لما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة أخذت أمّ سليم ـ رضي‌الله‌عنها ـ بيدي فقالت : يا رسول الله ، هذا أنس ، غلام لبيب ، كاتب يخدمك. فقبلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

هذا حديث صحيح.

رواه أحمد (١) عن يزيد بن هارون ، عن حميد. فوقع لنا بدلا له عاليا.

وهكذا رواه الحارث بن أبي أسامة ، عن عبد الله بن بكر عن حميد على البدلية.

وأصله في «الصحيحين»من حديث ثابت (٢) ، عن أنس رضي‌الله‌عنه.

وأنشدني المذكور ـ وما أتحقّق أذلك له أم لغيره (٣) ـ :

__________________

(١) في «المسند»٣ / ١٢٤ و ٢٠٠.

(٢) لم أقف عليه في «صحيح البخاري»من حديث ثابت ، عن أنس ؛ إنما هو عنده من طريقه في «الأدب المفرد»(٨٨). وهو عند مسلم من طريقه برقم (٢٤٨١).

ورواه البخاري في «صحيحه»(١٩٨٢) (٦٣٣٤) (٦٣٧٨) (٦٣٨٠) ، ومسلم (٢٤٨٠) من طرق أخرى عن أنس.

هذا ؛ وقد استوفى العلامة الألباني ـ رحمه‌الله ـ طرق هذا الحديث عن أنس رضي‌الله‌عنه. انظر «السلسلة الصحيحة»(١٤٠) (١٤١) (٢٢٤١).

(٣) هذان البيتان للأعور الشّنّي ، وهو بشر بن منقذ من عبد القيس ، كان مع عليّ ـ رضي‌الله‌عنه ـ يوم الجمل. ترجمته في «الشعر والشعراء»(١٢٢) ٢ / ٦٣٩ بتحقيق أحمد شاكر.

وقد عزاهما للأعور : الجاحظ في «البيان والتبيّن»١ / ١٧٠ ـ ١٧١ بتحقيق عبد السلام هارون ، وابن أبي الدنيا في «الصّمت وآداب اللسان»ص ٧٢ بتحقيق الحويني ، والبصريّ في «حماسته»(٨٣٢) ٢ / ٤٤٧ بتحقيق د. عادل سليمان جمال.

ونسبا إلى زهير بن أبي سلمى في معلّقته ، كما في «جمهرة أشعار العرب»١ / ٢٩٩ بتحقيق د. محمد علي الهاشمي ، ولم يروهما من شرّاح المعلّقات سوى الزّوزني ص (١٩٧) بضبط وتعليق محمد علي حمد الله ، ولم يردا في «ديوان زهير»برواية وشرح أبي العباس ثعلب وتحقيق د. فخر الدين قباوة.

وقد رواهما المبرّد في «الفاضل»ص (٦) بلا عزو ، قال محقّقه عبد العزيز الميمنيّ : ـ ـ


لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

فلم يبق إلا صورة اللّحم والدّم

 وكم من وجيه ساكت لك معجب

زيادته أو نقصه في التّكلّم (١)

***

__________________

ـ تروى لزهير في آخر معلّقته ، والمعروف أنهما للأعور الشّنّي ... ورواهما البحتريّ [في حماسته] لعبد الله بن معاوية الجعفري.

(١) روايته في كتب الأدب : وكائن ترى من صامت لك معجب.

وقد وقع في الأصل : زياداته أو نقصه ... ، والصواب ما أثبت.


البلد الرابع والأربعون :

صالحيّة دمشق (١)

وهي بسفح جبل قاسيون ، نسبت لأناس صالحين ؛ فإنّ شيخ الإسلام أبا عمر ابن قدامة أول ما هاجر هو وأخوه الشيخ الموفق عبد الله ووالدهما وابن خالتهما الحافظ التقي عبد الغني بن عبد الواحد ، ومن يلوذ بهم من المقادسة ، وذلك في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة ، نزلوا ظاهر «باب شرقيّ»من دمشق بمسجد يعرف بأبي صالح ، فأقاموا به نحو سنتين ؛ مجتهدين فيما يقربهم إلى الله تعالى ، ثم انتقلوا إلى الجبل المشار إليه فقال الناس : الصالحية الصالحية.

قال الشيخ أبو عمر ـ سالكا التواضع ـ : ينسبونا إلى مسجد أبي صالح لا إلى الصّلاح.

ولم يكن إذ ذاك بالجبل عمارة سوى دير الحوراني وأماكن يسيرة ، فقام أبو عمر ببناء الدّير المبارك ؛ فعرف بدير المقادسة. وكان ممن ولد به ابن أختهما الحافظ الضياء المقدسي صاحب «المختارة»، وبنى أبو عمر لأهله دورا خارجة عن الدّير ؛ بل وبنى هناك مدرسة مركبة على نهر «يزيد»وقفها على القرآن والفقه ، وحفظ بها القرآن أمم لا يحصون ، وكذا بنى بها المظفر جامعا هائلا وجعله إمامه وخطيبه ، ثم خطب فيه بعده أخوه الموفق.

__________________

(١) قال ياقوت الحموي في «معجم البلدان»٣ / ٣٩٠ : والصالحية أيضا : قرية كبيرة ذات أسواق وجامع في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق ، وفيها قبور جماعة من الصالحين ، ويسكنها أيضا جماعة من الصالحين لا تكاد تخلو منهم ، وأكثر أهلها ناقلة البيت المقدس على مذهب أحمد بن حنبل ا. ه وانظر : «مراصد الاطلاع»٢ / ٨٣٠.


وللضياء المشار إليه بالقرب من بابه مدرسة عرفت بدار الحديث الضيائية ، إلى غير ذلك من المدارس ، والمساجد ، والزوايا ، والدّور الجليلة.

وهي صحيحة الهواء ، كثيرة الخفر ، تقصد بالزيارة لأهلها أحياء وأمواتا ، وصارت بنزول المقادسة بها دار قرآن وحديث وفقه ، وأكثر من بها الحنابلة ، والمذهب الآن هناك حيّ.

وقد سمع بها شيخنا ، وشيخه ، وخلق. وللسيف بن المجد الحافظ تاريخ جبل قاسيون ، ولكن ما بيّضه.

٣٦ ـ قرأت على أبي حفص عمر بن إبراهيم القاضي بالمدرسة النظامية من صالحية دمشق قلت له : أخبرك أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن المرداوي القاضي ؛ فأقر به ، أنا أبو العباس بن المحب (ح).

وأخبرني بعلوّ العز أبو محمد الحنفي ، عن أم محمد الصالحية.

كلاهما عن أبي الحسن بن البخاري. قال الأول : سماعا ، أنا أبو حفص بن طبرزذ ، أنا أبو محمد يحيى بن الطرّاح ، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله ، ثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير الحافظ (١) ، ثنا محمد بن عبد الله العسكري ، ثنا أبو يعقوب إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ، ثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا شداد بن سعيد الراسبي ، عن سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس ـ رضي‌الله‌عنهم ـ قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ولد له مولود فليحسن أدبه واسمه ، فإذا بلغ فليزوّجه ، فإن بلغ ولم يزوّجه فأصاب إثما فإنّما إثمه عليه»أو قال : «باء بإثمه».

__________________

(١) رواه في «فضائل من اسمه أحمد ومحمد»(٦٠ / ٢) كما في «السلسلة الضعيفة»(٧٣٧) للعلامة الألباني رحمه‌الله.


هذا حديث ضعيف (١).

رواه البيهقي في «شعب الإيمان»(٢) له من حديث أحمد بن عبيد ، عن إسحاق الحربي. فوقع لنا عاليا.

والجريري ممن اختلط ، وليس شداد ممن ذكر في الذين سمعوا منه قبله.

وفي الباب عن عمر بن الخطاب رفعه قال : «مكتوب في التوراة : من بلغت له ابنة ثنتي عشرة سنة فلم يزوّجها فارتكبت إثما فإثم ذلك عليه».

أخرجه البيهقي (٣) أيضا.

وكذا عنده (٤) من حديث أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ نحوه لكن قال الحاكم : إنه شاذ بمرة. وكذا استنكر أحمد إسناد حديث أنس رضي‌الله‌عنه وقال : إنما نرويه بالإسناد الأول.

وعلى كلّ حال فهي ضعيفة (٥).

__________________

(١) وكذا ضعفه العلامة الألباني في «الضعيفة»(٧٣٧).

(٢) (٨٢٩٩) / السلفية.

(٣) (٨٣٠٢) / السلفية من طريق أبي بكر بن أبي مريم الغساني ، عن أبي مجاشع ، عن عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ به.

وأبو بكر هذا ضعيف كما في «التقريب»وأبو مجاشع قال عنه الذهبي : لا يعرف. انظر «الميزان»٤ / ٥٦٩. وضعف الحديث الألباني في «ضعيف الجامع»(٥٢٧١).

(٤) (٨٣٠٣) / السلفية. وكلام الحاكم والإمام أحمد موجود فيه.

(٥) وفي الباب أيضا عن عائشة رضي‌الله‌عنها مرفوعا : «حق الولد على والده أن يحسن اسمه ، ويحسن مرضعه ، ويحسن أدبه».

رواه البيهقي في «الشعب»(٨٣٠٠) / السلفية من طريق عبد الملك بن حسين ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مصعب بن شيبة ، عن عائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ به

وضعفه البيهقي بعد روايته له.

وعبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي الواسطي ضعفه غير واحد من الأئمة ، وقال الحافظ في «التقريب»: «متروك». ومصعب بن شيبة لين الحديث كما في «التقريب»أيضا.

والحديث ضعفه العلامة الألباني في «ضعيف الجامع»(٢٧٣٣).


البلد الخامس والأربعون

صالحيّة القاهرة (١)

وهي بأرض السّباخ على طرف الرمل ، أنشأها الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في سنة أربع وأربعين وست مئة ، وصار ينزل بها ويقيم فيها ، ونزلها من بعده من الملوك خصوصا سلطان وقتنا ؛ فإنه بنى بها مدرسة للجمعة والجماعات ، وتكرر نزوله لها ؛ بل أدركه عيد الفطر من شهرنا هذا فيها حين رجوعه من السفرة الشمالية ، فصلّى به الشّافعي العيد ، وصار في يومه حتى دخل القاهرة في اليوم الرابع ، وكان يوما مشهودا ، بارك الله في حياته.

وهي ممن سمع بها شيخنا ، ولقيت بها الفاضل أبا عبد الله بن الأمير ناصر الدين محمد بن محمد المعري ثم القاهري ـ رحمه‌الله ـ فأنشدني لفظا قال : أنشدني الشيخ نور الدين بن خطيب الدّهشة لفظا لنفسه (٢) :

وصل حبيبي خبر

لأنّه قد رفعه

بنصب قلبي غرضا

إذ صار مفعولا معه

***

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»٢ / ٢١٢.

(٢) انظر «الضوء اللامع»١٠ / ١٣٠ ، و «شذرات الذهب»٩ / ٣٠٦. ووقع في «الضوء اللامع»: «ينصب»بالتحتانية بدل الموحدة.

وابن خطيب الدهشة هو محمود بن أحمد بن محمد الهمداني.


البلد السادس والأربعون :

الطّالبيّة

من عمل الجيزة ، وهي متوسطة بينها وبين الأهرام الذي سمعت بعلوّه أيضا.

٣٧ ـ أخبرني بها محمد بن المحبّ المصريّ بقراءتي ، عن محمد بن العز السّكندري سماعا ، عن أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم (ح).

وأخبرني إمامي أبو الفضل بن علي رحمهما (١) الله ، أنا العماد أبو بكر بن العز وأبو العباس أحمد بن علي بن يحيى بن تميم قال الأول : أنا أبو بكر بن محمد الرضي وقال الثاني : أنا أبو الحسن بن غانم (ح).

وأنبأني عاليا أبو هريرة اللّخمي ، عن أبي عبد الله بن الخباز قالوا : أنا أبو العباس بن نعمة النابلسي قال الأخير : حضورا وإجازة ، وقال الباقون : سماعا ، أنا أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد (ح).

وقرىء على عبد الرحيم بن محمد وأنا أسمع ، عن ستّ العرب ابنة ابن البخاري قالت : أنا جدّي حضورا وإجازة ، عن أبي جعفر الصّيدلاني قالا : أنا أبو علي الحسين بن أحمد ، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، ثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، ثنا أحمد بن عصام ، ثنا عثمان بن سعد قال : سمعت أنس بن مالك يقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا سافر ؛ فنزل منزلا لم يرتحل حتّى يودّع المنزل بركعتين.

__________________

(١) كذا في الأصل ، والضمير يعود على شيخيه. والله أعلم.


هذا حديث حسن.

أخرجه الدارمي في «مسنده»(١) عن أبي عاصم النّبيل ، عن عثمان ، فوقع لنا بدلا له عاليا.

وممن رواه عن عثمان (٢) : عبد السلام بن هاشم ومحمد بن ربيعة ، فحديث أولهما (٣) عندنا في «أمالي المحاملي الأصبهانية»، وحديث ثانيهما أخرجه ابن خزيمة ، وعند الحاكم في «صحيحهما»(٤).

__________________

(١) رقم (٢٧٢٣) وقال : عثمان بن سعد ضعيف.

وكذا رواه البزار (٧٤٧)/ «كشف الأستار»، والطبراني في «الأوسط»(٣٤٤١) ، والحاكم ١ / ٤٤٦ وعنه البيهقي في «الدعوات الكبير»(٣٩٦).

قال البزار : أحاديث عثمان بن سعد تخالف الذي يروى عن أنس.

وقال الحاكم : حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ا ه فتعقبه الذهبي بقوله : كذا قال ، وعثمان ضعيف ما احتج به البخاري.

(٢) ورواه عن عثمان أيضا مما لم يذكر المصنف :

ـ وكيع ، رواه أبو يعلى (٤٣١٥) (٤٣١٦).

ـ يحيى بن كثير ، رواه ابن عدي في «الكامل»٦ / ٢٨٩ (ترجمة عثمان بن سعد) ، والبيهقي ٥ / ٢٥٣.

ـ مكي بن إبراهيم ، رواه العقيلي في «الضعفاء»٣ / ٩٤٠ (ط : الصميعي).

(٣) كذا قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ ولعله سبق لسان ، وهذا إنما يستقيم على أن تكون العبارة كالآتي : «وممن رواه عن عثمان : محمد بن ربيعة وعبد السلام بن هاشم»لأن رواية عبد السلام بن هاشم هي التي أخرجها ابن خزيمة والحاكم. والله أعلم.

(٤) رواه ابن خزيمة في «صحيحه»٢ / ٢٤٨ و ٤ / ١٥١ ، والحاكم ١ / ٣١٥ ـ ٣١٦ و ٢ / ١٠١ ، وزاهر الشحامي في «السباعيات»(ج ٧ / ١٨ / ٢) كما في «السلسلة الضعيفة»(١٠٤٧) من طريق عبد السلام بن هاشم ، عن عثمان به.

وصححه الحاكم في الموضعين ، وتعقبه الذهبي في الموضع الأول بقوله : ذكر أبو حفص الفلاس عبد السلام هذا فقال : لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه.

وتعقبه في الموضع الثاني بقوله : لا ، فإن عبد السلام كذبه الفلاس ، وعثمان لين ا ه.

قلت : عبد السلام توبع كما هو ظاهر من التخريج ؛ فإعلال الحديث بعثمان أولى. والله أعلم.


وقال (١) : إنه صحيح على شرط البخاري.

كذا قال (٢) : وعثمان لم يخرج له البخاري ؛ لا احتجاجا ولا استشهادا ، وهو مختلف فيه ، فوثقه الحاكم وأبو نعيم وغيرهما ، وقال أبو حاتم الرازي : شيخ. وقال أبو زرعة : ليّن. وقال النسائي : ليس بالقوي (٣). وقال الترمذي (٤) : كان يحيى القطان يضعّفه من قبل حفظه. وكذا ضعفه غيره.

لكن ؛ لحديثه هذا متابع من وجه آخر عن أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ رويناه في «غرائب شعبة»لأبي عبد الله بن مندة ، ولذلك (٥) كان الحديث حسنا (٦).

***

__________________

ونقل المناوي في «فيض القدير»٥ / ٢٩٠ عن الحافظ ابن حجر قوله : حديث صحيح السّند معلول المتن ، خرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة بلفظ : «الظهر ركعتين»فظهر أن في رواية الأول وهما أو سقوطا ، والتقدير «حتى يصلي الظهر ركعتين»وقد جاء صريحا في الصحيحين. ا ه.

(١) قاله في «المستدرك»١ / ٤٤٦.

(٢) وكذا تعقبه الذهبي في «التلخيص»١ / ٤٤٦.

(٣) انظر «تهذيب الكمال»١٩ / ٣٧٥ ـ ٣٧٧.

(٤) في «جامعه»٣ / ٣٠٨ رقم (١٦٨٣) ولفظه : «وقد تكلم يحيى بن سعيد القطان في عثمان بن سعد الكاتب وضعفه من قبل حفظه».

(٥) في هامش الأصل «ولذا»نسخة.

(٦) لم أقف على إسناد هذه الطريق حتى أتمكن من معرفة صلاحيته للمتابعة من عدمها ؛ وإن كان يغلب على الظن عدم صلاحيته ؛ لكونه في جزء إنما هو مجمع للغرائب ، والله أعلم.

وقال العقيلي بعد روايته لطريق عثمان بن سعد : وقد روي بإسناد أصلح من هذا.

هذا ؛ والحديث ضعفه الشيخ الألباني في «الضعيفة»(١٠٤٧).


البلد السابع والأربعون :

الطّائف (١)

وهي بفتح الطاء المهملة وكسر المثناة التحتانية وآخرها فاء. مدينة على اثني عشر فرسخا من مكّة ، كثيرة الفواكه والمياه الطيبة ، طيبة الهواء ، أبرد مكان بالحجاز ، وربما جمد الماء في ذروة غزوان ؛ الجبل التي هي على ظهره ، وأكثر ثمرها الزبيب. حاصرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتح مكّة لما فرغ من حنين ، واستشهد معه فيها غير واحد من المهاجرين والأنصار.

وينسب إليه بها عدّة آبار منها بناحية ليّة بئر يقال إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم شرب منها.

وشهرتها بالفضل تغني عن الإطالة بشرحه.

ويروى من سبب تسميتها أنّ جبريل ـ عليه‌السلام ـ اقتلع قرية من الشام ، ثم طاف بها بالبيت أسبوعا ، ثم وضعها محلّها ؛ إجابة لدعوة إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ لما قال : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) [البقرة : ١٢٦].

وبها مات ابن عباس ، ومحمد بن الحنفية وغيرهما (٢) من السّادات رضي‌الله‌عنهم.

وأكثر من نزلها ثقيف ، واعتزل بها المغيرة بن شعبة ، وكذا أقام فيها الحكم ابن أبي العاص عمّ عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنهما ، ووالد مروان بإرسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به إليها ؛ فاستمر إلى خلافة عثمان ، فأعاده إلى المدينة حتى مات.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٤ / ٧٨ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٨٧٧ ، و «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع»٣ / ١٥٥.

(٢) وفيها توفي سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه‌الله ـ ، وذلك في فجر يوم الخميس السابع والعشرين من شهر محرم لعام عشرين وأربع مئة وألف.


ولم يزل أهل مكة وغيرها يرحلون إليها للزيارة والنزهة. وانتسب إليها جماعة قديما وحديثا.

ويروى : «صيد وجّ وعضاهه حرام محرّم»(١).

ووجّ موضع بناحية الطائف ، وقيل : هو اسم لحصونها ، وقيل : اسم واحد مخصوص منها. ولذا قال الحميدي : إنّه هو الطائف. وعن سعيد بن المسيب : وجّ واد مقدّس. وكذا جاء عن كعب.

وتحريمه يحتمل أن يكون على سبيل الحمى له ، ويحتمل أن يكون حرّمه في وقت معلوم ثم نسخ. قاله ابن الأثير (٢).

أخبرني الشيخ أبو القاسم بن أبي أحمد الهاشمي ؛ بقراءتي عليه في القبة المباركة تجاه ضريح ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ من الوادي المقدس ، عن أبي بكر بن الحسين العثماني ، أنبأنا العلم أبو محمد البرزالي ، عن الرضي أبي

__________________

(١) رواه أحمد ١ / ١٦٥ ومن طريقه المزي في «تهذيب الكمال»١٤ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، والحميدي ١ / ٣٤ وعنه البخاري في «التاريخ الكبير»١ / ١٤٠ وعن البخاري العقيليّ في «الضعفاء»٤ / ١٢٥٠ / الصميعي ، وأبو داود (٢٠٣٢) ، والشاشي ١ / ١٠٨ ، والفاكهي في «أخبار مكة»٥ / ١٠٠ ، والبيهقي ٥ / ٢٠٠ من طريق محمد بن عبد الله بن إنسان ، عن أبيه ، عن عروة بن الزبير ، عن الزبير به مرفوعا.

وإسناده ضعيف.

محمد بن عبد الله قال فيه أبو حاتم : ليس بالقوي ، في حديثه نظر. «الجرح والتعديل»٧ / ٢٩٤. وقال البخاري والأزدي : لم يصح حديثه. «الميزان»٢ / الترجمة ٤٢١٥.

وقال البخاري أيضا : «لا يتابع عليه». وقال العقيلي : ـ لا يتابع عليه إلا من جهة تقارب هذا». وضعف الحديث الإمام أحمد فيما ذكره الخلال عنه في «العلل»انظر «المغني»لابن قدامة ٥ / ١٩٤.

وضعفه أيضا الإمام النووي في «المجموع»٧ / ٣٩٤ ، و «تهذيب الأسماء واللغات»٣ / ٣٧١.

وانظر «خلاصة البدر المنير»٢ / ٣٩ ، و «التلخيص الحبير»٢ / ٢٨٠. وما سبق نقله من كلام شيخ الإسلام في البلد الرابع : بيت المقدس ، صفحة (٦٣).

(٢) في «النهاية في غريب الحديث»٥ / ١٥٤ ـ ١٥٥.


عبد الله بن أبي بكر العثماني ، أن أبا العباس العبدري أنبأه ـ إن لم يكن سماعا ـ ثنا التقي أبو محمد القرشي لفظا في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ بإزاء ضريح ابن عباس ؛ ما بين منبره وقبور الشهداء من الوادي المقدس «وجّ»بحضرة الطائف منه ، أنا بشير بن حامد بن سليمان الجعفري إذنا قال : كتب إليّ أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني ، أنا أبو الحسن رشأ بن نظيف العدل (ح).

وأنبأني بعلو جدا محمد بن أحمد التدمري ، عن الصدر المقدسي ، أن أبا عيسى أنبأهم ، أنا هبة الله إذنا ـ إن لم يكن سماعا ـ أنا أبو الحسن الفراء ، أنا أبو القاسم بن الضّرّاب قالا : أنا الحسن بن إسماعيل وهو والد ثانيهما ، ثنا أحمد بن مروان المالكي ، ثنا محمد بن موسى البصري قال : كان أحمد بن المعذّل ـ رحمه‌الله ـ إذا حزبه أمر قام من (١) الليل يصلي ، ويأمر أهله بالصلاة ويتلو هذه الآية : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) [طه : ١٣٢] ثم ينشد :

أشكو إليك حوادثا أقلقتني

فتركتني (٢) متواصل الأحزان

من لي سواك يكون عند شدائدي

إن أنت لم تكلأ فمن يكلاني

لو لا رجاؤك والذي عوّدتني

من حسن صنعك لاستطير جناني

وشافهني المذكور ، عن الجمال محمد بن علي بن محمد القرشي الشيبي قوله :

يا أيها الطّائف في حيّهم

دمعي غدا كالمطر الواكف

مذ غبت عن عيني فأوحشتني

فصحت واشوقي إلى الطّائف

***

__________________

(١) في هامش الأصل : «في»نسخة.

(٢) كذا في الأصل والصواب : «أقلقنني فتركنني».


البلد الثامن والأربعون :

طنان (١)

وهي بطاء مهملة ، ثم نون مخففة ، وبعد الألف نون. قرية من أعمال القليوبية بالديار المصرية. كتب بها الحافظ أبو الفتح الأبيوردي (٢) عن بعض أهلها ، وحدّث بها الوليّ العراقي بقراءة الشرفي المناوي. وسمعت أبا عبد الله محمد بن مبارك الغمري ـ وكان معي بها في الرحلة الأولى إلى دمياط ـ يقول وغيره مما هو لبعضهم وقوّمت بعض ألفاظه :

لكسرة من جشيب الخبز تشبعني

 وشربة من قراح الماء ترويني

 وخرقة من جريش الثّوب تسترني

حيّا وإن متّ تكفيني لتكفيني

قلت : وهذان البيتان عندي فيما رويته عن غير واحد ؛ عن الشمسين الحنفيين : ابن سكّر المكي ، والحريري القاهري ، كلاهما عن عبد الله بن حجّاج الكاشغري الحنفي ، عن الحسام علي بن حجاج السّغناقي ، عن حافظ الدين النّسّابة ، عن شمس الأئمة الكردري ، عن برهان الدين المرغيناني صاحب «الهداية»، أنشدني معين الدين أبو العلاء محمد بن محمود الغزنوي النيسابوري لنفسه ، فذكرهما وقال بعدهما :

 ولا أردّد في الأبواب مضطهدا

كما يردّد ثور في الفداديني

لأجعلنّ ولايات فتنت بها

فداء عرضي والدّنيا فدا ديني

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٤٢ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٨٩٣ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٤٩.

(٢) بفتح الهمزة ، والواو ، وسكون المثناة التحتانية ، وكسر الباء الموحدة ، وسكون الراء. نسبة إلى «أبي ورد»بليدة بخراسان.

انظر ترجمته في : «العبر»للذهبي ٥ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، و «شذرات الذهب»٧ / ٥٦٥.


البلد التاسع والأربعون :

الطّور (١)

وهي بضم المهملة ، بندر على ساحل البحر بين القلزم وأيلة ، مرساة للواردين من جدّة وتلك النواحي غالبا ، ومنه يركب المسافرون كذلك أيضا ؛ لا سيما التجار. وفيه خطبة ؛ لا يقيم فيها الجمعة غالبا إلا من يرده ؛ لأن أكثر أهله نصارى. وعلى مرحلة منه طور سيناء.

وجبال الطور داخلة في بحر القلزم ، وبها كروم وبساتين مع كنائس وصوامع ؛ هدم في أيام الظاهر جقمق أكثرها لدعوى حدوثها.

وقد كتب بها شيخنا عن بعض رفقائه ، وسمعت أبا العباس أحمد بن محمد الغزي المالكي (٢) ؛ وقد اجتمعنا هناك في توجّه كلّ منا إلى مكة يقول : سمعت أبا الخير محمد بن محمد الدمشقي يقول :

 وبعد فالإنسان ليس يشرف

إلا بما يحفظه ويعرف

لذاك كان حاملو القرآن

أشراف الأمّة أولي الإحسان (٣)

 وإنّهم في النّاس أهل الله

 وإنّ ربّنا بهم يباهي

 وقال في القرآن عنهم وكفى

بأنّه أورثه من اصطفى

 وهو في الاخرى شافع مشفّع

فيه وقوله عليه يسمع

***

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٤ / ٤٧ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٨٩٦.

(٢) انظر ترجمته في «الضوء اللامع»للمصنف ٢ / ١٨٨.

(٣) كذا في الأصل ، وهو غير مستقيم ، ولعلّ صوابه :

أشراف أمّتنا أولي الإحسان


البلد الخمسون :

عرفات (١)

وعرفة اسم موضع الوقوف. قيل : سمّيت بذلك لأن آدم عرف حواء ـ عليهما‌السلام ـ هناك. وقيل : لأن جبريل عرّف إبراهيم ـ عليهما‌السلام ـ فيها المناسك. وقيل : لاعتراف الناس فيها بذنوبهم ، وسؤالهم غفرانها ، وقيل لغير ذلك (٢). وجمعت وإن كانت موضعا واحدا ؛ لأن كلّ جزء منها يسمّى عرفة ، ولهذا كانت مصروفة ؛ كقصبات (٣).

قال النحاة : ويجوز ترك صرفه كما يجوز في أذرعات ونحوها على أنها اسم مفرد لبقعة ، ولذا ـ كما حكاه ـ النووي (٤) قرىء (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) بفتح التاء بدون تنوين.

وقد عمّر سلطان الوقت عينها بعد انقطاعها دهرا ، حتى جرت ؛ ووصل الماء إليها في سنة خمس وسبعين ، وكذا أصلح فساقيها ، وقبّتها ، وأعلامها مع مسجد نمرة منها ؛ بل وعمل به صهريجا ، إلى غير ذلك من المآثر التي شرحت في محل آخر ؛ مما عمّ الانتفاع به ، وكثرت فيها المياه جدا بعد عزتها ، جوزي على ذلك خيرا. وممن سمع بها الذهبي.

__________________

(١) انظر «تهذيب الأسماء واللغات»للنووي ٣ / ٢٣٧ ، و «معجم البلدان»٤ / ١٠٤ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٩٣٠.

(٢) قال الفيروزآبادي : «وغلط الجوهري فقال : موضع بمنى سميت لأن آدم وحواء تعارفا بها ، أو لقول جبريل لإبراهيم عليهما‌السلام لما علمه المناسك : أعرفت؟ فقال : عرفت. أو لأنها مقدسة معظمة كأنهما عرفت أي : طيّبت»القاموس مادة : (عرف).

(٣) قال الأخفش : «إنّما صرف لأن التاء صارت بمنزلة الياء والواو في «مسلمين»؛ لا أنه تذكيره ، وصار التنوين بمنزلة النون ، فلما سمّي به ترك على حاله». نقله في «معجم البلدان».

(٤) في «تهذيب الأسماء واللغات»٣ / ٢٣٧. حيث قال : وعلى هذا تتوجه قراءة أشهب العقيلي.


أخبرني الوالد ـ رحمه‌الله ـ بها في آخرين بغيرها ، عن أبي زرعة بن عبد الرحيم الحافظ إذنا (ح).

وأخبرني بعلو العزّ أبو محمد الحنفي كلاهما عن العز أبي عمر بن جماعة قال الأول : سماعا ، أنبأنا أبو الفضل بن عساكر ، عن أم المؤيد زينب ابنة أبي القاسم الجرجاني ، أنبأنا العلامة أبو القاسم الزّمخشري (١) ، أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق الخوارزمي ، أنشدنا أبو سعيد (٢) المحسّن بن محمد الجشمي في كتاب «جلاء الأبصار في الأخبار»، أنشدنا الحاكم أبو الفضل إسماعيل بن محمد بن الحسن ، أنشدنا علي بن عبد العزيز الجرجاني (٣) القاضي لنفسه :

يقولون لي فيك انقباض وإنّما

رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما

ترى النّاس من داناهم هان عندهم

 ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما

 وما كلّ برق لاح لي يستفزّني

 ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما

 وما زلت منحازا بعرضي جانبا

عن الذّلّ أعتدّ الصّيانة مغنما

إذا قيل هذا مورد قلت قد أرى

 ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما

 وإنّي إذا ما فاتني الأمر لم أبت

أقلّب كفّي إثره متندّما

 ولكنّه إن جاء عفوا قبلته

 وإن مال لم أتبعه هلّا وليتما

 وأقبض خطوي عن حظوظ قريبة (٤)

إذا لم أنلها وافر العرض مكرما

__________________

(١) رواية الزمخشري هذه في «جزء فيه شيء من مرويات العلامة أبي القاسم الزمخشري ونظمه»انتقاء ابن جماعة الكناني وروايته ، الورقة ٢ / ب و ٣ / أ، ضمن مجموع من مخطوطات المكتبة الأحمدية بحلب ، وقد شرع أخي أيمن ذو الغنى أبو أحمد بالعناية به ، أعانه الله على إتمامه.

(٢) كذا في الأصل : «سعيد»وجاء في مخطوط «جزء مرويات الزمخشري» و «طبقات الشافعية»٣ / ٤٦٠ ، و «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين الدمشقي ٢ / ٣٦٣ ، و «الأعلام»للزركلي ٦ / ٢٨٩ ، و «معجم المؤلفين»لكحالة ٨ / ١٨٧ : «سعد».

(٣) انظر «السير»١٧ / ١٩ ، و «معجم الأدباء»١٤ / ١٧ ، ١٨ ، و «طبقات الشافعية»٣ / ٤٦٠.

(٤) في هامش الأصل : «كريمة».


 وأكرم نفسي أن أضاحك عابسا

 وأن أتلقّى بالمديح مذمّما

أنهنهها (١) عن بعض ما قد يشينها

مخافة أقوال العدى فيم أو لما

 ولم أقض حقّ العلم إن كنت كلّما

بدا طمع صيّرته لي سلّما

 ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي

لأخدم من لاقيت إلا لأخدما

أأغرسه عزّا وأجنيه ذلّة

إذا فاصطناع اللهو قد كان أحزما

فإن قلت جدّ العلم كاب فإنّما

كبا حين لم يحم (٢) حماه وأسلما

 ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم

 ولو عظّموه في النّفوس لعظّما (٣)

 ولكن أهانوه فهان ودنّسوا

محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما (٤)

***

__________________

(١) أي : أكفها ، وأزجرها.

(٢) كذا! وفيه زحاف. وقد ورد في مخطوط «جزء فيه شيء من مرويات الزمخشرية»الملمع إليه قريبا : لم يحمى ، وهو صواب ، بإهمال عمل (لم) وعليه شواهد قديمة.

(٣) قال العلامة أبو فهر محمود محمد شاكر رحمه‌الله : (لعظّما) بالبناء للمجهول.

من قرأه : (لعظّما) فقد أساء وغيّر معنى الشعر ، وجعله كبعر الكبش ، كما قالوا. انظر «طبقات فحول الشعراء»لابن سلّام ٢ / ٩٨١.

(٤) قال السبكي في «طبقاته»٣ / ٤٦١ : لله هذا الشعر ، ما أبلغه وأصنعه ، وما أعلى على هام الجوزاء موضعه ، وما أنفعه لو سمعه من سمعه ، وهكذا فليكن ـ وإلا فلا ـ أدب كلّ فقيه ، ولمثل هذا الناظم يحسن النظم الذي لا نظير له ولا شبيه ، وعند هذا ينطق المنصف بعظيم الثناء ، على ذهنه الخالص لا بالتمويه.


البلد الحادي والخمسون :

عقبة أيلة (١)

وهو بجانب البحر الملح من الجهة الشرقية ، ينزله الحجيج ذهابا وإيابا ؛ فيقيمون به أياما ، ويتزوّدون منه ما يحتاجون إليه من البضائع المصريّة والغزّاوية المحمولة إليه منها ، وماؤها طيّب حلو. وقد سمع بها صاحبنا النّجم ابن فهد من الكمال بن البارزي وغيره ؛ بل وسمع بها أبو حيان من رفيقه الحافظ مسعود الحارثي.

وأيلة ـ المضاف إليه ـ بلدة وهي بفتح الهمزة ، ثم تحتانية مثناة ساكنة ، بلدة على ساحل بحر القلزم مما يلي ديار مصر. نسب إليها جماعة ، كانت عامرة في أوائل الإسلام ، وهي حاضرة البحر التي ذكرها الله في كتابه.

٣٨ ـ أخبرني الصّدر أحمد بن الزّكي أبي بكر الميدومي بقراءتي عليه في رجوعي أنا وإياه فيها من الحج ، وغيره بغيرها ، قالوا : أنا النجم محمد بن علي بن عقيل قال الأول : قراءة عليه وأنا حاضر ، وإجازة ، وقال الآخرون : سماعا ، أنا محمد بن علي بن محمد بن عبد المجيد الملّفي ، أنا الزين محمد بن محمد بن أبي الفتوح الدّلاصي وغيره ، قالوا : أخبرنا أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب الزهري ، أنا أبو بكر محمد بن الوليد الطّوطوشي ، أنا أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي ، أنا يونس بن عبد الله بن مغيث الصّفار مناولة ، أنا أبو عيسى يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، أنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، أنا أبي (ح).

__________________

(١) انظر «معجم ما استعجم»١ / ٢٠٠ ، و «معجم البلدان»١ / ٢٩٢ ، و «مراصد الاطلاع»١ / ١٣٨ ، و «المواعظ والاعتبار»١ / ١٨٤ ، و «فتح الباري»٢ / ٣٨١.


وقرأت عاليا جدا على أبي المعالي بن الذهبي بالقاهرة ، أنا أبو هريرة بن الذهبي بدمشق ، أنا القاسم بن المظفر بن محمود ، أنا عبد الله بن عمر ، أنا أبو المعالي بن اللّحاس ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد البندار ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصّلت ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي ، ثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري ، كلاهما عن مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اللهمّ ، بارك لهم في مكيالهم ، وبارك لهم في صاعهم ، وبارك لهم في مدّهم». يعني : أهل المدينة.

هذا حديث صحيح متفق على صحّته.

رواه البخاري (١) ، عن القعنبي وعبد الله بن يوسف.

ورواه مسلم (٢) والنسائي (٣) ، عن قتيبة.

والدارمي في «مسنده»(٤) عن أبي محمد الحنفي.

أربعتهم عن مالك (٥).

ورواه ابن حبان في «صحيحه»(٦) عن الحسين بن إدريس ، عن أبي مصعب. فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

***

__________________

(١) (٢١٣٠) (٦٧١٤).

(٢) (١٣٦٨).

(٣) في «الكبرى»(٤٢٦٩).

(٤) (٢٤٧٧).

(٥) وهذا عنده في «الموطأ»٢ / ٨٨٤ ـ ٨٨٥.

(٦) (٣٧٤٥).


البلد الثاني والخمسون :

عمريط

وهي بمهملة ، ثم ميم ساكنة ، بعدها راء مكسورة ، ثم مثناة تحتانية ، وطاء مهملة. من الشّرقية.

كتبت عن الجمال أبي محمد بن أحمد العلائي بها ما ذكر أنّه من قوله فقال :

 وربّ غصن غنج طرفه

ذي وجنة حمرا وقدّ قويم

سألته ما الاسم يا باخلا

بالوصل قل قال عبد (١) الكريم

***

__________________

(١) كذا في الأصل وصوابه : «عبيد»والله أعلم.


البلد الثالث والخمسون :

غزّة (١)

وهي بمعجمتين مفتوحتين ، والثانية مشدّدة. من بلاد فلسطين ، قريبة من بيت المقدس ، متوسطة في العظم ، ذات كروم على ساحل البحر ، وبساتين ، ونخل قليل ، وبينها وبين البحر أكوام رمال على بساتينها ، ولها قلعة صغيرة ، وشربهم من آبار ؛ بعضها طيب ، وهواؤها معتدل ، وكانت مستطرقا لأهل الحجاز ؛ حتى قيل : إن عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ أسر فيها في الجاهلية ، وإنّ هاشم بن عبد مناف جدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في تجر (٢) من قريش أربعين من بني عبد مناف ومخزوم وسهم وعامر بن لؤي ، فاشتكى بغزّة ، فأقاموا عليه حتّى مات بها ، فدفنوه هناك ، ورجعوا بتركته إلى بنيه.

وقد خرج منها جماعة من الأئمة والمحدثين ؛ فيهم كثرة. وولد بها أو بعسقلان إمامنا الشافعي ـ رضي‌الله‌عنه ـ كما جاء كلّ منهما عنه في رواية ، وجمع بينهما بثالثة قال فيها : ولدت بغزّة ، وحملتني أمي إلى عسقلان (٣) ،

__________________

(١) انظر «معجم ما استعجم»٢ / ٢٥١ ، و «معجم البلدان»٤ / ٢٠٢ ، و «مراصد الاطلاع»٢ / ٩٩٣.

(٢) جمع تاجر ، وذلك كصاحب وصحب ، ويجوز في جمعه أيضا : تجار ، وتجّار ، وتجر ؛ كرجال ، وعمّال ، وكتب.

انظر «القاموس المحيط»مادة : (تجر).

الأولى : أنه ولد بغزة.

رواه أبو نعيم في «الحلية»٩ / ٦٧ ، والخطيب في «تاريخ بغداد»٢ / ٥٩ ، والبيهقي في «مناقب الشافعي»١ / ٧٣ ، والحافظ ابن حجر في «توالي التأسيس»(٥٠).

الثانية : أنه ولد بعسقلان.


وبالجملة فهما متقاربتان ، وعسقلان هي الأصل في قديم الزمان ، وهي المدينة ، فحيث قال الشافعي : غزّة فقط أراد القرية ، أو عسقلان فقط أراد المدينة. وممن سمع بها شيخنا ، وشيخه ، وخلق. ولها فخر بأحد نوّابها سنجر الجاولي (١) شارح «مسند الشافعي»، وأحد من وقع لنا «المسند»من طريقه ، وأحد شيوخ العراقي ، وغيره من شيوخ شيوخنا ، وصاحب الجامع المأنوس الذي بظاهرها ، وبداخلها عدة جوامع ومدارس منها : مدرسة جدّدها سلطان

__________________

رواه ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه»(٢٢ ـ ٢٣) ، والبيهقي في «مناقب الشافعي»١ / ٧٤ ، والخطيب في «تاريخ بغداد»٢ / ٥٩. قال الحافظ ابن حجر في «توالي التأسيس»(٥١) : وسنده صحيح كالشمس.

الثالثة : أنه ولد باليمن.

رواه ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي»(٢١ ـ ٢٢) ، والبيهقي في «مناقب الشافعي»١ / ٧٣ ، والخطيب في «تاريخ بغداد»٢ / ٥٩.

قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه‌الله ـ في «مناقب الشافعي»(٦٧) : قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : قوله «باليمن»غلط ؛ إلا أن يريد به القبيلة ، وهذا محتمل ؛ لكن خلاف الظاهر. ا ه.

وقال البيهقي : كذا ورد في هذه الرواية باليمن ، والأول [أي بغزة] أصح.

وقال أيضا : والذي يدل عليه سائر الروايات من ولادته بغزة ، ثم حمله منها إلى عسقلان ، ثم إلى مكة أشهر والله أعلم. ا ه.

وقال الحافظ ابن حجر في «توالي التأسيس»(٥٢) بعد ذكره لكلام الذهبي : «سبقه إلى نحو ذلك البيهقي في «المدخل»وهو محتمل ، أو وهم أحمد بن عبد الرحمن في قوله : «ولدت»وإنما أراد «نشأت».

فالذي يجمع الأقوال : أنه ولد بغزة عسقلان ، ولما بلغ سنتين حولته أمه إلى الحجاز ، ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن لأنها كانت أزدية ، فنزلت عندهم ، فلما بلغ عشرا خافت على نسبه الشريف أن ينسى ويضيع فحولته إلى مكة»ا. ه.

وانظر «مناقب الشافعي»لابن الأثير (٧٠ ـ ٧٥) ، و «مناقب الشافعي»لابن كثير (٦٥ ـ ٦٩) مع التعليق عليهما.

(١) انظر ترجمته في «طبقات السبكي»١٠ / ٤١ ، و «الدرر الكامنة»٢ / ١٧٠ ـ ١٧٢ ، و «شذرات الذهب»٨ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.


الوقت الآن ، وتكرر دخوله لها بارك الله في حياته.

أنشدني أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن إسحاق التميمي الخليلي (١) بالمدرسة الباسطية منها لنفسه بعد قراءتي عليه وعلى غيره أشياء :

الجسم مضنى من بعادك بالي

 وسوى حديثك لا يمرّ ببالي

 والجفن مهمول ينقّط أدمعا

مشكولة في شكلها شكوى لي

 والوصل مفصول أذاب لمهجتي

 والقطع موصول أحال لحالي

 والإسم مقصور وصدري مصدر (٢)

 والفعل في الأحشاء كالأفعى لي

من مبتدا خبري عرفت بعبدكم

فرفعت في ماض وفي استقبالي

منكم بكم أغرى الوشاة وحذّروا

هيهات لا أصغي إلى العذّال

لمّا جزمتم بالبعاد جررتم

قلبي العليل بلازم الأفعال

الحلو مرّ فزاد عظم تشوّقي

 والمرّ في حبّ الحبيب حلالي

أخبار سقمي في الصّحاح سندتها

برواية عن مدمعي السّلسال

 وكنوح نوحي ، والخليل بمهجتي

نيرانه ، والرّوح في التّرحال

يعقوب أحزاني لفائق يوسف

في الحسن أحمد غاية الآمال

في أبيات كثيرة.

***

__________________

(١) انظر ترجمته في «الضوء اللامع»للمصنف ٤ / ٩٥.

وقد ذكر المصنف فيه البيتين الأولين ثم قال : في أبيات كتبتها مع غيرها في ترجمته من موضع آخر.

(٢) الأفصح مصدور ، لكن اضطّره إلى استعمال الرباعي (أصدره).


البلد الرابع والخمسون :

فارسكور (١)

وهي على ساحل البحر بالقرب من النيل ، قريبة من دمياط ، بها عدّة جوامع ، وللبدر بن شعبة فيها مدرسة يتردّد إليها صاحبنا الشهاب البيجوري من دمياط ؛ للتدريس وغيره.

وممن انتسب إليها الزين عبد الرحمن بن علي بن خلف (٢) شارح «شرح العمدة»لابن دقيق العيد ، وأحد من سمع بقراءته غير واحد ممن أخذنا عنهم ، ومات في سنة ثمان وثماني مئة ، وقد كتبت بها عن غير واحد من أهلها.

أنشدني يوسف بن علي بن محمد الأديب لنفسه (٣) :

كم من لئيم مشى بالزّور ينقله

لا يتّقي الله لا يخشى من العار

يودّ لو أنّه للمرء يهلكه

 ولم ينله سوى إثم وأوزار

فإن سمعت كلاما فيك جاوزه

 وخلّ قائله في غيّه ساري

فما تبالي السّما يوما إذا نبحت

كلّ الكلاب وحقّ الواحد الباري

 وقد وقعت ببيت نظمه درر

قد صاغه حاذق في نظمه داري

لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا

لأصبح الصّخر مثقالا بدينار

***

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»١ / ٥٧ ، ٢٢٠ ، ٢٢٢ ، و ٢ / ١٧٠ ، ٢٣٧ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٧٤ ، و «معجم البلدان»٤ / ٢٢٨ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٠١٣.

(٢) انظر ترجمته في «إنباء الغمر»٥ / ٣٢٦ ، و «الضوء اللامع»٤ / ٩٦ ، و «شذرات الذهب»٩ / ١١٣.

(٣) ذكر المصنف هذه الأبيات في ترجمة يوسف من «الضوء اللامع»١٠ / ٣٢٤.


البلد الخامس والخمسون :

فوّة (١)

وهي بضمّ الفاء ، وتشديد الواو ، على نيل مصر بالقرب من دسوق ، ويقابلها مكان بهج يسمى : جزيرة الذهب. متسعة كثيرة البساتين ، بها ضريح أبي المنجا سالم ، وعدّة حمامات ، وأسواق ، وجوامع ، ومدارس ؛ منها جامع لابن نصر الله على البحر. انتسب إليها جماعة ؛ كمال الدين ابن السمعاني وغيره ، ولقيت بها غير واحد.

٣٩ ـ أخبرني البدر محمد بن أحمد بن محمد المصري الفقيه بقراءتي عليه بها ، وأبو الطيب بن محمد العسقلاني بالقاهرة قال الأول : أنبأنا (٢) أبو علي محمد بن أحمد المهدوي ، وقال الثاني : أنا التاج عبد الواحد الصّردي ، قالا : أنا أبو الحسن الواني ، أنا أبو القاسم الطرابلسي ، أنا جدي لأمي الحافظ أبو الطّاهر السّلفي ، أنا أبو الحسن مكي بن منصور ، أنا القاضي أبو بكر الحيري ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا أبو يحيى المروزي ، ثنا أبو محمد سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : سقط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فرس فجحش شقّه الأيمن ، فدخلنا عليه نعوده ، فحضرت الصّلاة ، فصلّى قاعدا ، فصلّينا قعودا ، فلمّا قضى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلاة قال : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربّنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلّى قاعدا فصلّوا قعودا أجمعون».

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٤ / ٢٨٠ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٠٤٧.

(٢) في هامش الأصل : «أنا»نسخة.


هذا حديث صحيح.

رواه أحمد (١) عن سفيان. وأبو عوانة (٢) عن المروزي ، فوافقناهما فيهما بعلو على ثانيهما.

وأخرجه البخاري عن علي بن المديني (٣) وأبي نعيم (٤).

ومسلم (٥) عن زهير بن حرب ، وقتيبة ، وعمرو الناقد ، ويحيى بن يحيى ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كريب.

والنسائي (٦) عن هناد بن السّري.

وابن ماجة (٧) عن هشام بن عمار.

وابن الجارود (٨) عن ابن المقرىء.

وابن خزيمة (٩) عن أحمد بن عبدة ، وسعيد بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن محمد الزهري ، وعبد الجبار بن العلاء ، وعلي بن خشرم.

كلهم وهم ستة عشر عن ابن عيينة ، فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

وفي رواية في «الصحيح»(١٠) أنهم صلوا في الابتداء قياما فأمرهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجلوس.

__________________

(١) ٣ / ١١٠.

(٢) ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٣) (٨٠٥).

(٤) (١١١٤).

(٥) (٤١١).

(٦) ٢ / ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٧) (١٢٣٨).

(٨) (٢٢٩).

(٩) ٢ / ٨٩ رقم (٩٧٧).

(١٠) في «صحيح البخاري»(٦٨٨) ، و «صحيح مسلم»(٤١٢) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.


وفي رواية للبخاري (١) يقتضي أنّه صلّى بهم مرتين.

والجمهور على أن هذا الأمر منسوخ بصلاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مرض موته قاعدا وأبو بكر والناس خلفه قياما.

وذهب آخرون إلى أنّه محكم وأجابوا عن هذا الحديث بأن أبا بكر كان هو الإمام. وأشار الشافعيّ إلى أنّ صلاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مرض موته كانت مرارا.

***

__________________

(١) (٦٨٧) و (٦٨٩)

وانظر «الفتح»٢ / ٢٢٨ شرح حديث (٦٨٩).


البلد السادس والخمسون :

فيشا الصّغرى

وهي بكسر الفاء ، ثم مثناة تحتانية ساكنة وشين معجمة ، بالقرب من تلوانة من المنوفية ، شاركها في مجرد الاسم عدّة أماكن ، كفيشا المنارة بالغربية ؛ بل وبالقرب من تلوانة : فيشا الحمري ، وليس في المتقدمين من ينسب لواحدة منها.

أنشدني بها صدقة بن فرح الفيشيّ لنفسه :

غرامي صحيح من قديم الأوائل

 وجسمي سقيم والهوى في مقاتلي

أرى الفضل عنكم مسندا ومعنعنا

 ولولاكم ما طاب نقل لناقل

فأنتم منائي في الوجود وليس لي

فخار سوى مدحي لكم في المحافل

***


البلد السابع والخمسون :

القاهرة المعزّيّة (١)

وهي نسبة للمعزّ لدين الله : أبي تميم معدّ (٢) بن المنصور إسماعيل بن القاسم محمد بن المهدي عبد الله العبيدي صاحب المغرب ، وأول من تملّك الديار المصرية ـ من بني عبيد ـ الرافضة ؛ المدّعين أنهم علويّون ؛ لكون المعزّ هو التي اختطّت له ، وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة ، بناها له أبو الحسن جوهر الرومي ، القائد المعروف بالكاتب ، لسكنى الخليفة ، وخدمه ، وجنده ، وخواصه خاصة.

ثم بنى جامعها الأزهر ، وانتهى في رمضان سنة إحدى وستين بعد ثلاث سنين ، فكان أوّل جامع وضع للناس بها ، وشاع فيها التشيّع ؛ بحيث قلّ الحديث والسنة منها ، واستمرّت كذلك إلى انقراض الدّولة الفاطمية باستيلاء النّاصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة سبع وستين وخمس مئة ، فصيّرها مدينة للعامة ، وتراجع العلم إليها ، وضعف الرّفض فيها ، ثم لا زالت في اتّساع حتى صارت أعظم مدن الدّنيا ، و

هي مع ما هي عليه ؛ لا أعلم الآن على وجه الأرض بلدا اجتمع فيه من الفنون والفضائل ما اجتمع فيها. وخرج منها في كلّ فنّ وعلم ومذهب خلق لا يحصون كثرة ؛ جديرون بإفرادهم في تأليف وسمع بها شيخنا ، وشيخه [و](٣) الذهبي وأمم. وكنت ممّن ولد هو وأبوه بها. وفي

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٤ / ٣٠١ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٠٦٠ ، و «المواعظ والاعتبار»١ / ٣٤٨.

(٢) انظر «تاريخ الإسلام»وفيات (٤٨١ ـ ٤٩٠) صفحة (٢٢٧).

(٣) ما بين معقوفين زيادة لابد منها ؛ إذ إن الذهبي ليس شيخ الحافظ ؛ وإنما هو في طبقة شيوخ شيوخه. والله أعلم.


شيوخي منها كثرة ، وأرجو الله حسن الخاتمة.

٤٠ ـ حدثني شيخي ، إمام الأئمة ، أبو الفضل بن علي الحافظ ـ رحمه‌الله ـ مما كتبته عنه إملاء بالكاملية في «بين القصرين»من القاهرة قال : أنا عبد الرحمن بن أحمد ، أنا علي بن إسماعيل (ح).

وأنبأني عاليا محمد بن أحمد ، عن محمد بن محمد البكري ، قالا : أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم ، قال الثاني : إذنا إن لم يكن سماعا ، عن مسعود الجمال ، أنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم (١) الحافظ ، ثنا محمد بن علي بن حبيش ومحمد بن إبراهيم قال الأول : ثنا أحمد بن يحيى الحلواني وأحمد بن شعيب الحراني قال أولهما : ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، وقال ثانيهما : ثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد قالا : ثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية وقال الثاني : ثنا أحمد بن علي ، ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، ثنا جرير ، كلاهما عن الأعمش ، عن أبي حازم هو سلمان الأشجعي ، عن أبي هريرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : ما عاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعاما قط ؛ إذا اشتهاه أكله وإلا تركه.

ولفظ جرير «شيئا»بدل «طعاما» و «إن كرهه تركه»بدل «وإلا تركه».

هذا حديث صحيح.

أخرجه مسلم (٢) عن أحمد بن يونس. وعن زهير بن حرب ، ويحيى بن يحيى ، وإسحاق بن إبراهيم ، ثلاثتهم عن جرير. فوقع لنا موافقة له في شيخيه الأوّلين ، وبدلا له في الآخرين بعلو.

وهو عند البخاري من حديث شعبة (٣) ، وسفيان (٤) ، كلاهما عن الأعمش به.

__________________

(١) وهو عنده في «الحلية»٧ / ١٣١ من طريق سفيان ، عن الأعمش به.

وقال : مشهور من حديث الثوري ، عن الأعمش.

(٢) (٢٠٦٤).

(٣) (٣٥٦٣).

(٤) (٥٤٠٩).


وأنشدني (١) لنفسه إملاء بالمكان المذكور أيضا :

يقول راجي إله الخلق أحمد من

أملى حديث نبيّ الحقّ متّصلا

تدنو من الألف إن عدّت مجالسه

فالسّدس منها بلا قيد لها حصلا

يتلوه تخريج أصل الفقه يتبعها

تخريج أذكار ربّ قد دنا وعلا

دنا برحمته للخلق يرزقهم

كما علا عن سمات الحادثات علا (٢)

في مدّة نحو «كج»رحت أحسبها

ولي من العمر في ذا اليوم قد كملا

ستّا وسبعين (٣) عاما قد مضت هملا

من سرعة السّير كالسّاعات ، يا خجلا (٤)

إذا رأيت الخطايا أوبقت عملي

في موقف الحشر لولا أنّ لي أملا

توحيد ربّي يقينا والرّجاء له

 وخدمتي ولإكثاري الصّلاة على

محمّد في صباحي والمساء وفي

خطّي ونطقي عساها تمحق الزّللا

فأقرب النّاس منه في قيامته

من بالصّلاة عليه كان مشتغلا

يا ربّ حقّق رجائي والألى سمعوا

منّي جميعا بعفو منك قد شملا

***

__________________

(١) ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ هذه الأبيات في كتابه «الجواهر والدرر»٢ / ٥٨٤ ـ ٥٨٥.

(٢) وهذا من الحافظ ـ رحمه‌الله ـ تأويل لصفتي النزول والعلو ، حيث أوّل النزول بنزول رحمته ـ جل وعلا ـ ، والعلو بعلوه ـ جل وعلا ـ عن سمات الحادثات.

والذي عليه أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات أنها تثبت لله ـ جل وعلا ـ من غير تأويل ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل.

(٣) كذا في الأصل ، والصواب : ست وسبعون.

(٤) كذا في الأصل ، ولعلّ الأشبه : (واخجلا).


البلد الثامن والخمسون :

القرافة (١)

وهي بسفح الجبل المقطّم ، سميت بذلك لأنّ قبيلة من المعافر تسمى كذلك نزلت بموضعها ، وكانت محلّة فسمّي الموضع باسمها. وقد انتسب إليها جماعة قديما وحديثا ، وسمع بها شيخنا ، والذهبي ، وفيها عدّة أماكن للجمعة والجماعات ، وقبور جماعة من الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ فمن بعدهم من الأكابر لا يحصون كثرة ؛ لأنها مقبرة المصريين ، ويقال : إن عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ أرصدها لدفن موتى المسلمين ، وقد كتبت فيها جزءا جوابا لصاحبنا الفقيه الفخر أبي عمرو المقسّي رحمه‌الله وإيانا.

٤١ ـ قرأت على الزين ، أبي محمد عبد الغني بن محمد السّمنّودي ثم القرافي بها ، أخبرنا العفيف أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري بمكة ، أنا الرضي أبو أحمد إبراهيم بن محمد الطبري ، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حرمي (٢) ، أنا أبو الحسن علي بن حميد الأطرابلسي ، أنا أبو مكتوم عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي ، أنا أبي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي (ح).

وأخبرني بعلو أبو إسحاق بن صدقة ، أنا أبو محمد بن رزين ، أخبرتنا أم محمد التّنوخيّة ، أنا أبو عبد الله بن الزبيدي ، أنا أبو الوقت السّجزي ، أنا أبو

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٤ / ٣١٧ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٠٧٢.

(٢) بالحاء المهملة المفتوحة بعدها راء مفتوحة.

انظر : «تاريخ الإسلام»وفيات (٦٤١ ـ ٦٥٠) صحفة (٢٧٤) ، و «العقد الثمين»للفاسي ٥ / ٣٩٨.


الحسن بن المظفّر ، أنا أبو محمد بن حمّويه قالا : أنا أبو عبد الله بن مطر ، أنا أبو عبد الله الجعفي ، حدثنا المكيّ بن إبراهيم ، ثنا يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا : صلّ عليها. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل عليه دين؟». قالوا : لا. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فهل ترك شيئا؟». قالوا : لا. فصلّى عليه. ثم أتي بجنازة أخرى ، فقالوا : يا رسول الله ، صلّ عليها. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل عليه دين؟». قيل : نعم. قال : «فهل ترك شيئا؟». قالوا : ثلاثة دنانير. فصلّى عليها. ثم أتي بالثالثة ، فقالوا : صلّ عليها. قال : «هل ترك شيئا؟». قالوا : لا. قال : «فهل عليه شيء؟». قالوا :ثلاثة دنانير. قال : «صلّوا على صاحبكم». قال أبو قتادة : صلّ عليه يا رسول الله ، وعليّ دينه. فصلّى عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

هذا حديث صحيح.

رواه أحمد ، عن حماد بن مسعدة (١) ويحيى بن سعيد (٢) فرّقهما.

والبخاري (٣) أيضا ، عن أبي عاصم ثلاثتهم عن يزيد ، على البدلية.

وهو عند النسائي (٤) ، وابن حبان في «صحيحه»(٥) من حديث يحيى بن سعيد ، عن يزيد. فوقع لنا عاليا.

***

__________________

(١) ٤ / ٤٧.

(٢) ٤ / ٥٠.

(٣) (٢٢٩٥).

(٤) ٤ / ٦٥.

(٥) (٣٢٦٤).


البلد التاسع والخمسون :

قطيا (١)

وهي بين القاهرة وغزّة في الرمل ، بها سكان ونخيل ، ولبعض قضاتها فيما كان وجاهة ، وكانت محلا للمكس ، فأبطله سلطان وقتنا منها. وهي ممن سمع بها شيخنا وشيخه رحمة الله عليهما.

كتبت بها عن الشّرف بن رجب الكناني قوله :

لمّا جفاني منيتي عامدا

 وصدّ عنّي ولعهدي غدر

أصبحت ولهانا به مغرما

 ومهجتي من حبّه في سعر

 وراح يهوى الغير مستصحبا

 وقال عنّي ليس فيه نظر

ضربت فيه مثلا سائرا

بحسن لفظ ومعانيّ درر

كالخان لا يوحشه غائب

كلّا ولا يؤنسه من حضر

***

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»١ / ٩٠ و ٢ / ٣١٤ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٥٢.


البلد الستون :

قليوب (١)

وهي كرسي تلك (٢) النواحي بها عدة خطب (٣) ، وسوق يجتمع فيه يوم الجمعة من لا يحصى ، وقد انتسب إليها جماعة من المتأخرين منهم : إبراهيم بن عيسى بن رضوان ، مات في سنة عشرين وسبع مئة ، وعبد الله بن ريحان التّقوي (٤) مات في سنة عشر وسبع مئة وباشر قضاءها من الأكابر : الضياء محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي.

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»١ / ٧٤ ، ١٢٩ ، ٣٧٠ ، ٣٨٢ ، ٤٨٨ ، و ٢ / ٣٠ ، ١٧٠ ، ١٧١ ، ٢١٨ ، ٤٠١ ، ٤٠٧ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٤٧.

(٢) في الأصل : «بلد»وصححت في الهامش.

(٣) وقع في الأصل بعد كلمة «خطب»كلمة ألحقت في الهامش ، وذهب بعضها بسبب التصوير ، وظهر الأحرف الأول منها هكذا : «وتراج».

وجاء في «الانتصار»في وصف قليوب : وهي مدينة عظيمة حسنة ، يقال : إنه كان بها ألف وسبع مئة بستان ، والآن قد خرب أكثرها ولم يبق بها إلا القليل ، وهي كرسي الإقليم ، وبها يقيم متولي الحرب السعيد ، وبها من أنواع الفواكه شيء كثير رخيص جدا وبها خليج السردوس ، وهو أحد نزهات الدنيا ، وهو خليج يسار فيه بين بساتين مشتبكة ، وأشجار ملتفة ، وفواكه دانية ، وهذا الخليج حفره هامان وزير فرعون ، ولا يرى أكثر عطفا منه ، وقد تقدم الكلام عليه ، ويقال : إن خراج هذه البلدة كان قدر خراج مدينة طرابلس وأعمالها ، وكانت حينئذ كثيرة العمار جدا ، وبها أسواق وحمامات وفنادق ومعاصر شيرج وزيت حار ، وبها جامع ومساجد وزوايا ، وقد خرج الآن أكثر أرضها رزقا ، وهي الآن تمير مصر بأكثر فواكهها وخيراتها وألبانها وقشطاتها ا. ه.

(٤) بالمثناة الفوقانية بعدها قاف ، نسبة إلى تقي الدين صالح القليوبي. قال الذهبي : «كان سمسارا صدوقا». وقال الحافظ : وكان عسرا في التحديث.

انظر «العبر»للذهبي ٤ / ٢٤ ، و «الدرر الكامنة»٣ / ٣٤.


وأنشدني محمد بن علي بن محمد الخطيب قوله (١) :

الجفن قد حاكى السّحاب وناظره

فاعذر إذا فقد المتيّم ناظره

لو أنّ عاذله رأى ما قد رأى

لغدا له بعد الملامة عاذره

يا عاذلي دعني فلي حزن على

طول المدى لم يلق يوما آخره

وذكر مرثيّة في شيخنا رحمة الله تعالى عليه.

***

__________________

(١) انظر «الجواهر والدرر»للمصنف ٣ / ١٢٤١.


البلد الحادي والستون :

كفر بطنا (١)

وهي بفتح الكاف ، والموحدة ، وسكون الفاء ، والطاء ، ثمّ نون. من أعمال دمشق ، منها أبو علي حسن بن علي بن روح الدّمشقي ، شيخ لابن المقرىء.

والنجم محمود بن محمد بن حمدان بن جرّاح الحراني النميري ، وشيخ شيوخنا محمد بن إسماعيل بن سراج ، وكان الحافظ الذهبي خطيبا بجامعها وإمامه ، وأمّ به ابنه أبو هريرة وقتا. وأمّه وأخوها ضياء بن محمد منها. وذكرها أبوه في «بلدانياته». والنسبة إليها الكفريّ ، وقد يقال : الكفر بطناني. والكفور كثيرة ؛ متميزة بالإضافات.

٤٢ ـ أخبرني بها أبو العباس أحمد بن علي بن محمد الصالحي المؤذن ، أنا الكمالي أحمد بن علي بن محمد بن عبد الحق الحنفي ، أنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي (ح).

وأنبأني عاليا عبد الرحمن بن عمر وغيره ، عن ستّ العرب ابنه محمد كلاهما عن الفخر أبي الحسن ابن البخاري. قال الأول : قراءة ، قال : أنبأنا أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار ، أنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ، أنا أبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء القرشي ، أنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ، حدثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك (ح).

وأخبرني عاليا أحمد بن علي الحافظ ، أنا إبراهيم بن أحمد ، أنا أحمد بن

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٤ / ٤٦٨ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١١٦٩.


أبي طالب ، أنا عبد الله بن عمر ، أنا عبد الأول بن عيسى ، أنا عبد الرحمن بن محمد ، أنا عبد الله بن أحمد ، أنا عيسى بن عمر ، أنا عبد الله بن عبد الرحمن ، أنا أبو المغيرة ، قالا : حدثنا الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني أبو أسماء الرحبي ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرّات ثم قال : اللهمّ أنت السّلام ، ومنك السّلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

هذا حديث صحيح.

أخرجه أحمد (١) عن أبي المغيرة على الموافقة.

وهو عند مسلم (٢) من حديث عيسى بن يونس.

وعند أبي داود من حديث ابن المبارك.

وعند الترمذي من حديث الوليد بن مسلم.

وعند النسائي من حديث حبيب بن أبي العشرين.

__________________

(١) ٥ / ٢٧٥. ورواه في ٥ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ من طريق ابن المبارك ، عن الأوزاعي به.

(٢) الذي يظهر أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ كان يملي هذا الحديث من حفظه ؛ فحصل له بعض الوهم في رواة الحديث عن الأوزاعي ومن خرجه عنهم.

فمسلم إنما رواه (٥٩١) من حديث الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، لا من حديث عيسى بن يونس عنه.

وأبو داود إنما رواه (١٥١٣) من حديث عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، لا من حديث ابن المبارك عنه.

والترمذي إنما رواه (٣٠٠) من حديث ابن المبارك عن الأوزاعي ، لا من حديث الوليد بن مسلم.

والنسائي إنما رواه ٣ / ٦٨ وفي «عمل اليوم والليلة»(١٣٩) ، وهو في «الكبرى»(٩٩٦٧) من حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي لا من حديث حبيب بن أبي العشرين عنه.

ورواية حبيب بن أبي العشرين رواها ابن ماجة (٩٢٨).

انظر لذلك «تحفة الأشراف»للمزي رقم (٢٠٩٩).


وعند ابن خزيمة (١) من حديث بشر بن بكر وعمرو بن أبي سلمة وعمرو بن هاشم.

وعند ابن حبان (٢) من حديث عمر بن عبد الواحد.

ثمانيتهم عن الأوزاعي ، فوقع لنا عاليا.

وقال الترمذي : إنه حسن صحيح.

***

__________________

(١) رواه من حديث بشر بن بكر وعمرو بن أبي سلمة برقم (٧٣٧).

ورواه (٧٣٨) عن محمد بن ميمون المكي ، نا عمرو بن هاشم البيروتي ، حدثني الأوزاعي به بلفظ : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يسلّم من الصلاة استغفر ثلاثا ، ثم قال : اللهمّ أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يسلم.

قال ابن خزيمة : وإن كان عمرو بن هاشم أو محمد بن ميمون لم يغلط في هذه اللفظة ـ أعني : قوله : قبل السلام ـ فإن هذا الباب يرد إلى الدعاء قبل السلام. ا ه.

قلت : والذي يظهر أن هذه اللفظة أي : «قبل السلام»لا تصح ، ويشبه أن يكون الخطأ فيها من عمرو بن هاشم فقد قال فيه أبو حاتم : كان قليل الحديث ، ليس بذاك ، كان صغيرا حين كتب عن الأوزاعي. وقال العقيلي : مجهول النقل ، ولا يتابع على حديثه. «الضعفاء»٣ / ١٠٠٩ / ت : السلفي. والله أعلم.

(٢) (٢٠٠٣).


البلد الثاني والستون :

كوم الرّيش (١)

وهي بالقرب من منية الشيرج من ضواحي القاهرة ، وكانت من أجلّ متنزّهات القاهرة حين كان النيل يمرّ بغربيها ؛ بحيث كان يسكنها كثير من العلماء والأمراء والجند ، ولذلك كان سوقها عامرا بأنواع المعايش ، وبها حمام وخطبتان. خطب الشهاب الريشي أحد من كتبت عنه في أحديهما نيابة عن قاضي الحنفية المجد إسماعيل شيخ شيوخنا ، وعمل فيها الصّدر محمد بن الجمال عبد الله بن العلاء علي بن عثمان التركماني الحنفي حوضا ، وكتب عليه من نظمه (٢) كما ذكره شيخنا في «درره»(٣). وتناقصت حتى صارت بلاقع (٤).

وقد انتسب إليها جماعة من المتأخرين يقال لكل منهم : الرّيشي ، أو الكومي تخفيفا ، والكوم أماكن متميزة بالإضافات.

أخبرني أبو العباس بن الجمال عبد الله العسقلاني ، أنا أبي وأبو العباس أحمد بن يوسف المحلّي الطّريني ، قالا : أنا أبو الحسن علي بن أحمد العرضي (ح).

وأخبرتني عاليا أم محمد ابنة عمر قراءة وغيرها إذنا ، عن أبي حفص المزي ، قالت المرأة : إذنا والآخر سماعا ، قالا : أنا أبو الحسن علي بن أحمد الصالحي ، أنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد ، أنا أبو غالب أحمد بن

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»٢ / ١٣٠.

(٢) في الأصل كلمة ألحقت في الهامش وهي غير واضحة ويشبه أن تكون : «مقطوعا».

(٣) ٥ / ٢٢٣ ، ترجمة : محمد بن عبد الله بن علي بن عثمان القاضي.

(٤) البلقعة : الأرض القفر التي لا شيء فيها. انظر «مختار الصحاح»مادة : (بلقع).


الحسن بن البنّاء ، أنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري ، أنا أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الحافظ ، ثنا إبراهيم بن حماد وأحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل ، قالا : ثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يعقوب بن الوليد الأزدي ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : وضع عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ للناس ثمانية عشر (١) كلمة ؛ حكما كلّها قال : ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك ، ولا تظننّ بكلمة خرجت من مسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا ، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده ، ومن عرّض نفسه للتهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به ، وعليك بإخوان الصّفا تعش في أكنافهم ؛ فإنهم زينة في الرّخاء وعدّة للبلاء ، ولا تهاونوا بالحلف بالله فيهينكم الله ، ولا تسأل عمّا لم يكن ؛ فإن فيما كان شغلا عما لم يكن ، ولا تعرّض فيما لا يعنيك ، وعليك بالصّدق وإن قتلك الصدق ، ولا تطلب حاجتك إلى من لا يحبّ نجاحها ، واعتزل عدوّك واحذر صديقك ؛ إلا الأمين ، ولا أمين إلّا من خشي الله ، ولا تصحب الفجّار فتعلّم من فجورهم ، وذلّ عند الطاعة ، واستصغر عند المعصية ، وتخشّع عند القبور ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله ، قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢) [فاطر : ٢٨].

***

__________________

(١) كذا في الأصل ، وصوابه : ثماني عشرة.

(٢) رواه ابن عدي في الكامل ٨ / ٤٧٩ ترجمة يعقوب بن إسحاق الأنصاري ، والرافعي في «التدوين»١ / ٢١٧ من طريق الحسن بن عرفة به. ورواه المحاملي في «الأمالي»١ / ٣٩٥ مختصرا بلفظ : «لا تظنن بكلمة خرجت من امرىء مسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا».

وذكره العجلوني في «كشف الخفا»١ / ٤٥ وعزاه إلى الخطيب في «المتفق والمفترق».


البلد الثالث والستون :

المجدل

وهي بفتح الميم والدال المهملة بينهما جيم وآخره لام ، مقابل عسقلان ، بين غزّة والرّملة.

أنشدني بها أحمد بن عبد الله بن محمد الكناني (١) ـ مما ذكر أنه لنفسه ـ جوابا لبيتي ابن الوردي وهما :

عندي سؤال حسن مستظرف

فرع على أصلين قد تفرّعا

قابض شيء برضى مالكه

 ويضمن القيمة والمثل معا

فقال :

خذ الجواب نظم درّ مبدعا

بالحسن هذا محسن تبرّعا

أعار صيدا من حلال ثمّ إذ

أحرم ذا أتلفه فاجتمعا

***

__________________

(١) ذكر المصنف هذه الأبيات في كتابه «الضوء اللامع»١ / ٣٦٦.


البلد الرابع والستون :

المحلّة (١)

وهي بفتح الميم والمهملة ، وتشديد اللام ، ثم هاء تأنيث.

مدينة كبيرة قصبة كورة الغربية من الديار المصرية وأمها ، ذات أسواق كثيرة ، وحمامات ، وبضائع جمّة ، وفيها من الخلائق من لا يحصى ، وبها عدّة خطب ومساجد ، ومن أجلّها الآن جامع الشيخ محمد الغمري ، ثم جامع التوبة ؛ الذي أنشأه ولده ، ولكون أولهما محلّ إقامته وبجانبه مقبرة والده هو أكثرهما ؛ بل أكثر جوامع تلك الناحية (٢) على الإطلاق عبادة وتلاوة ، عمّره الله ببقائه وذريته.

وأكبر جوامع البلد وأكثره جمعا الجامع المعروف بالشيخ الطّريني.

وليست على النيل وما وقع في «الأنساب»(٣) لابن السّمعاني ـ ومن تبعه ـ من أنها عليه يحتاج إلى تأويل.

وفي بلاد مصر نحو مئة قرية يقال لكل منها : محلة ؛ ولكن عند الإطلاق لا ينصرف إلا لهذه ، وغيرها متميز بالإضافات ، بل كان يقال لهذه أيضا : محلة الدّقلا بفتح المهملة والقاف ، وربما تتميز بالكبرى.

وقد انتسب إليها جماعة قديما وحديثا ، فمن القدماء : أبو الثّريّا ، كان فقيها ، فاضلا ، مفتيا ، حسن السيرة ، ممّن تفقه بإسكندرية على أبي بكر

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٦٣ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٢٣٦ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٨٢.

(٢) في هامش الأصل «النواحي»نسخة.

(٣) ١٢ / ١٢٠.


الطّرطوشي (١) ، ومات بعد سنة عشرين وخمس مئة.

وممن بعد ذلك الكمال الضرير عليّ بن شجاع ، من قراء القاهرة ، وولي قضاءها الشمس ابن خلكان ، والصّدر يحيى ، وأخوه الزين عبد الكافي ، والتقيّ السّبكي ؛ بل كانت وفاة ثانيهما بها في سنة خمس وثلاثين وسبع مئة ، ودفن بظاهرها ، وكذا كان قاضيها من قبل العماد عبد العزيز بن أحمد الهكّاري (٢) بن خطيب الأشمونين ، شارح حديث «المجامع في رمضان»أبدى فيه ألف فائدة وفائدة. ونزل (٣) منها ليلي القضاء الأكبر بالديار المصرية ؛ فلم يلبث أن مات قبل ذلك في سنة سبع وعشرين وسبع مئة.

٤٣ ـ أخبرتني آمنة وحنيفة ابنتا الشرف موسى بن أحمد الدّمهوجي ، عن البهاء أبي محمد عبد الله بن أبي بكر بن محمد القرشي الدّماميني ، أنا الزين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أحمد المرّاكشي ، أنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن رواج (ح).

وأخبرني عبد الكافي بن أحمد ، عن عبد الرحمن بن محمد ؛ سماعا ، أنا يحيى بن محمد بن سعد ، أنا جعفر بن علي قالا : أنا الحافظ أبو طاهر السّلفي ، أنا الرئيس أبو عبد الله الثقفي ، حدثنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران (ح).

وأنبأني عاليا أبو هريرة القبابي ، عن أبي عبد الله بن الخباز ، أنا أحمد بن نعمة (٤) حضورا وإجازة ، أنا أبو الفرج بن كليب ، أنا أبو القاسم بن بيان ، أنا أبو

__________________

(١) وقع في «الأنساب»: «الطرطوسي»بالسين المهملة. وصوابه بالشين المعجمة. انظر ترجمته في «السير»١٩ / ٤٩٠.

(٢) انظر ترجمته في «طبقات الشافعية»للسبكي ١٠ / ٨٢ ، و «الدرر الكامنة»لابن حجر ٣ / ١٦٤ ، و «شذرات الذهب»لابن العماد الحنبلي ٨ / ١٣٨.

(٣) هذه الكلمة ألحقت في الهامش ، وهي غير واضحة ، وهكذا يمكن أن تقرأ والله أعلم.

(٤) رواه عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في «الأربعين»رقم (١٣) انظر «مجموع الفتاوى»١٨ / ٩٠ ـ ٩١.


الحسن بن مخلد قالا : أنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل النحوي ، ثنا الحسن بن عرفة العبدي (١) ، ثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن بحير بن سعد الكلاعي ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن مرة الحضرمي ، عن عقبة بن عامر الجهني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة ، والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصّدقة».

هذا حديث حسن.

رواه الترمذي (٢) عن الحسن بن عرفة ، فوافقناه فيه بعلو. وقال : حسن غريب.

ورواه أبو داود (٣) عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن إسماعيل بن عياش ، فوقع لنا بدلا له عاليا.

ولم ينفرد به إسماعيل ؛ فقد رواه النسائي (٤) وابن حبان في «صحيحه»(٥) وآخرون (٦) من حديث معاوية بن صالح ، عن بحير ؛ بل له طريق أخرى عن كثير (٧) ، وأخرى عن عقبة.

__________________

ومن طريق أحمد بن نعمة رواه الذهبي في «معجم الشيوخ»١ / ٣٤٥ وقال : هذا حديث قويّ الإسناد متصل.

(١) وهو عنده في «جزئه»رقم (٨٤).

(٢) (٢٩١٩).

قال الترمذي : ومعنى هذا الحديث أن الذي يسرّ بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بقراءة القرآن ؛ لأن صدقة السّرّ أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية ، وإنما معنى هذا عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب ؛ لأن الذي يسرّ العمل لا يخاف عليه العجب ما يخاف عليه من علانيته.

(٣) (١٣٣٣).

(٤) ٥ / ٨٠.

(٥) (٧٣٤).

(٦) أخرجه أيضا أحمد ٤ / ١٥١ و ١٥٨ ، والبخاري في «خلق أفعال العباد»(٧١) ، والطبراني في «الكبير»١٧ / ٣٣٤ من طريق معاوية بن صالح به.

(٧) أخرجه أحمد ٤ / ٢٠١ والطبراني ١٧ / ٣٣٤ من طريق سليمان بن موسى ، عن كثير به.


وبه إلى الثقفي حدثنا أبو الفرج عثمان بن أحمد بن إسحاق بن بندار البرجي ، ثنا محمد بن عمر بن حفص ، ثنا إسحاق بن إبراهيم النهشلي شاذان ، ثنا سعد بن الصلت ، عن إبراهيم بن محمد الكندي قال : دخل الحسن بن أبي الحسن على عمرو بن الهيثم التميمي يعوده ، فجعل يقلّب عينيه في جوانب البيت. فقال له الحسن : أراك تقلّب عينيك (!) فقال : ما تقول في مئة ألف في هذا الصندوق ولم تؤدّ منها زكاة ، ولم توصل منها رحم؟

قال : ولم ذاك لله أبوك؟

قال : لروعة الزمان ، وجفوة السّلطان ، ومكاثرة العشيرة.

فلما كان الغد دعي الحسن إلى جنازته ، فحضره ، وصلّى عليه ، ثمّ تبعه إلى قبره فقال : انظروا إلى صاحب هذا القبر ، أنّا شيطانه فحذّره روعة زمانه ، وجفوة سلطانه عما استودعه الله إياه واسترعاه فيه ، ثم خرج منه سليبا حريبا ذميما ، فيا هذا الوارث ؛ إنّ هذا المال قد أتاك حلالا ؛ فلا يكوننّ عليك وبالا ، أتاك ممن كان له جموعا منوعا ؛ من باطل جمعه ، وعن حقّ منعه ، ركب به لجج البحار ومفاوز القفار ، جمعه فأوعاه ، وشدّه فأوكاه ، ألا إنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة رجل آتاه الله مالا فبخل به عما أمره الله فيه (١) ، فورثه من بعده وارث ، عمل فيه بطاعة الله ، فهو ينظر إلى كسبه في ميزان غيره ، فيا لها توبة لا تنال ، وعثرة لا تقال (٢).

***

__________________

(١) في هامش الأصل : «به».

(٢) رواه أبو نعيم في «الحلية»٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ بنحوه. وفيه أن الذي قال فيه الحسن هذا الكلام هو عبد الله بن الأهتم لا عمرو بن الهيثم التميمي. والله أعلم. وانظر «تهذيب الكمال»٦ / ١١٧.


البلد الخامس والستون :

المرج (١)

وهي بفتح الميم وسكون الراء وفي آخرها جيم ، بين الزيات والمطرية ، اشترك معها في الاسم غيرها ، ويتميّز ذلك بالنواحي (٢) ، وهي ممن سمع بها شيخنا وغيره ممن بعده. وولي قضاءها مع منية الشيرج (٣) من الحنفية الشهير أحمد بن إسماعيل بن الروي.

أخبرني العلاء أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله التركماني المرجي (٤) بها وأبو العباس أحمد بن محمد الموصلي بدمشق ، كلاهما عن أم عبد الله عائشة ابنة محمد الصالحية. قال الثاني : سماعا ، أنا أبو محمد عبد الله بن الحسين بن أبي التائب ، أنا أبو محمد مكي بن المسلم بن علان ، عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد ، أنشدنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد ، أنشدنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن منصور العتيقي ، أنشدنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيوية الخزاز ، أنشدنا أبو عبد الله بن عرفة نفطويه :

الحسن الظّنّ مستريح

يغترّ من ظنّه مليح (٥)

 وليس من باطن صحيح

إلّا له ظاهر مليح (٦)

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»لابن دقماق ٥ / ٤٨ و ١٠٤.

(٢) انظر «معجم البلدان»٥ / ١٠٠.

(٣) انظر ما يأتي في البلد الثاني والسبعين.

(٤) انظر ترجمته في «الضوء اللامع»٥ / ٢٦٧.

(٥) مليح : ضدّ العذب.

(٦) مليح : حسن جميل.


البلد السادس والستون :

المزّة (١)

وهي بكسر الميم ، وفتح الزّاي المشدّدة. من غوطة دمشق. سمع بها أبو سعد السمعاني وآخرون منهم : الذهبي ، والعراقي. ونسب إليها جماعة منهم : أبو الحجاج المزي ، وابن أميلة (٢) ؛ بل كان مؤذن الجامع المرجاني منها ، وفي شيوخ الميدومي عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى يعرف بابن خطيب المزّة ؛ فأبوه وجدّه كانا خطيبين بها. وكذا خطب بها الشهاب أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد المنبجي.

٤٤ ـ أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الوهاب بن الحافظ العماد ابن كثير البصروي ثم المزي بها ، وأبو الطيب بن محمد العسقلاني بالقاهرة. قال الأول : أخبرتنا عمة أبي ستّ القضاء ابنة عبد الوهاب ابن كثير إذنا. وقال الثاني : أخبرتنا فاطمة ابنة محمد بن عبد الهادي. كلاهما عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب. قالت الثانية : سماعا ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الكاشغري وغيره قالوا : أنا أبو الفتح البطّي ، أنا أبو الحسن بن الخطيب الأنباري ؛ أنا أبو عمر بن مهدي ، أنا أبو جعفر بن البختري ، أنا أبو الفضل أحمد بن ملاعب ، ثنا أبو إسماعيل ثابت بن محمد الزاهد ، ثنا سفيان بن سعيد الثوري وزائدة بن قدامة (ح).

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ١٢٢ ، و «الأنساب»للسمعاني ١٢ / ٢٣٤ ، و «توضيح المشتبه»لابن ناصر الدين ٨ / ١٣١ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٢٦٦.

(٢) مسند الشام ، زين الدين ، أبو حفص ، عمر بن حسن بن مزيد.

انظر ترجمته في «ذيل التقييد»للفاسي ٣ / ٢١٢ ، و «الدرر الكامنة»٣ / ٢٣٥ ، و «إنباء الغمر»١ / ٢١٦.


وأخبرني عاليا سارة ابنة عمر ، عن محمد بن أحمد ، أنا علي بن أحمد ، أنا حنبل ، أنا هبة الله ، أنا الحسن بن علي ، أنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي (١) ، ثنا يحيى بن سعيد ثلاثتهم واللفظ للرواية الأولى ، عن محمد بن عمرو ، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي ، عن أبي الجعد الضّمري ـ قال زائدة : وكانت له صحبة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ترك الجمعة ثلاث مرّات تهاونا طبع الله على قلبه».

هذا حديث صحيح.

رواه الدارمي (٢) عن يعلى بن عبيد ، عن محمد بن عمرو.

وأبو داود (٣) عن مسدد.

والنسائي (٤) عن يعقوب بن إبراهيم ، وابن الجارود (٥) عن عبد الله بن هاشم ، وابن خزيمة (٦) عن الدورقي ، كلهم عن يحيى ، فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

وممن رواه عن محمد بن عمرو : ابن إدريس ، ومحمد بن بشر ، ويزيد بن هارون ، وحديثهم عند ابن ماجة (٧).

وإسماعيل بن جعفر ، وعبد الوهاب الثقفي ، والمعتمر ، ووكيع ، وحديثهم عند ابن خزيمة (٨).

__________________

(١) وهو عنده في «المسند»٣ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٢) في «مسنده»(١٦١٢).

(٣) (١٠٥٢).

(٤) في «المجتبى»٣ / ٨٨ ، وفي «الكبرى»(١٦٥٦).

(٥) في «المنتقى»(٢٨٨).

(٦) (١٨٥٨).

(٧) (١١٢٥).

(٨) (١٨٥٧) (١٨٥٨).


ويزيد بن زريع ، وحديثه عند ابن حبان (١).

وعيسى بن يونس ، وحديثه عند الترمذي (٢). وقال عقبه : إن محمد بن عمرو انفرد به ، وسألت محمدا يعني : البخاري عن اسم أبي الجعد فلم يعرفه.

وقال : لا أعرف له غير هذا الحديث.

وممّن صحّحه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم (٣) ، وآخرون (٤).

***

__________________

(١) (٢٧٨٦).

(٢) (٥٠٠).

(٣) ذكره الحاكم ـ رحمه‌الله ـ في موضعين من «المستدرك»:

الأول : ١ / ٢٨٠ وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

الثاني : ٣ / ٦٢٤ وسكت عليه. وقال الذهبي : حسن.

وقول الذهبي الثاني هو الصواب ؛ لأن مسلما لم يحتج بمحمد بن عمرو ؛ بل روى له متابعة. والله أعلم.

(٤) وصححه ابن السكن كما في «التلخيص الحبير»٢ / ٥٢.

وقال الإمام البغوي في «شرح السنة»(١٠٥٣) : حديث حسن.

وقال الشيخ الألباني في تعليقه على «صحيح ابن خزيمة»: إسناده حسن صحيح.


البلد السابع والستون :

مصر (١)

وهو بلد شريف ، على ساحل النيل ، افتتحه عمرو بن العاص في خلافة عمر ـ رضي‌الله‌عنهما ـ وسكنه خلق من الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ وفضائله كثيرة.

كتبت فيها أوراقا. ولو لم يكن منها إلا أنّها ذكرت في بضع وعشرين موضعا من القرآن صريحا. وأن فيما يروى : «ما كاد أهله أحد إلا كفاهم الله مؤنته»(٢).

وقال كعب (٣) ـ رحمه‌الله ـ : «من أراد أن ينظر إلى جنة عدن فلينظر إليه إذا أزهر». وسمي فيما قيل بمصر ابن حام بن نوح عليه‌السلام.

والفسطاط منه هو المحلّ الذي ضرب به عمرو خيمته حتى فتحه ، وبنى جامعه موضعها ، وشهد الصلاة فيه أكثر من أربعة آلاف نفس من كبار الصحابة والتابعين ، ونسب إليه من العلماء من لا يحصى كثرة ، ولذا قال ابن

__________________

(١) انظر «فتوح مصر»لابن عبد الحكم ، و «الأنساب»للسمعاني ١٢ / ٢٨٦ ، و «معجم البلدان»٥ / ١٣٧ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٢٧٧ ، و «المواعظ والاعتبار»١ / ١٨ فما بعدها ، و «الأجوبة المرضية فيما سئل عنه السخاوي من الأحاديث النبوية»٢ / ٤٥٢.

(٢) رواه ابن يونس في «تاريخ مصر»عن أبي موسى الأشعري موقوفا وعن معاذ مرفوعا. كما في «إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن»لنجم الدين الغزي صفحة (٥٤١).

وانظر «المقاصد الحسنة»للسخاوي ، و «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة»للسيوطي ، و «الشذرة في الأحاديث المشتهرة»لابن طولون ، و «كشف الخفا»للعجلوني كلّهم عند حديث : «مصر كنانة الله في أرضه ، ما طلبها عدو إلا أهلكه الله».

وانظر «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ١ / ٢٤.

(٣) رواه ابن عبد الحكم في «فتوح مصر»صفحة (٢٤) قال : حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافري ، عن كعب الأحبار به.

وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.


السمعاني (١) : «هم أشهر وأكثر من أن يحصيهم العادّ». وعمل أبو سعيد بن يونس وغيره لأهله والواردين عليه تاريخا.

وممن سمع به شيخنا ، وشيخه ، والذّهبي ، وأمم ، وكثر العلم به في زمن التابعين ، ثم ازداد في زمن عمرو بن الحارث ، ويحيى بن أيوب ، وحيوة بن شريح ، واللّيث ، وابن لهيعة ، وإلى زمن ابن وهب ، والشافعي ، وابن القاسم ، وأصحابهم. وما زال به علم جمّ إلى أن ضعف باستيلاء العبيديين ـ كما أشير إليه في القاهرة ـ. ومع سعة البلد وكثرة أهله مكث نحو سبع مئة سنة لا تقام الجمعة في غير جامعه العتيق ؛ إلى أن بني الجامع الجديد في طرفه على شاطىء النيل في دولة الناصر ، ثم حدث تكثير الجوامع مع تناقص أهله ؛ خصوصا حين بنيت القاهرة. والنّسبة إليه مصريّ بفتح الميم وكسرها ؛ وهو أفصح.

٤٥ ـ أخبرني الإمام ، شيخ المذهب ، أبو التقي بن السّراج أبي حفص الكناني ـ رحمه‌الله ـ بقراءتي عليه بمحلّ جلوس إمامنا الشافعي من جامع عمرو ـ وهو المكان المعروف : بالخشابية ـ عن أبي العباس أحمد بن علي بن يحيى بن تميم (ح).

وأخبرني شيخ السّنّة أبو الفضل العسقلاني ـ رحمه‌الله ـ عن أبي الفداء البعلي ـ سماعا ـ قالا : أنا أبو العباس البياني ، أنا عبد الله بن عمر الحريمي ، أنا عبد الأول بن عيسى الهروي ، أنا عبد الرحمن بن محمد بن المظفر ، أنا عبد الله بن أحمد بن حمّويه ، أنا عيسى بن عمر السّمرقندي ، أنا عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ (٢) ، أنا يعلى بن عبيد ، ثنا حجاج يعني : ابن دينار ، عن أبي هاشم ، عن رفيع أبي العالية ، عن أبي برزة الأسلمي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال :

__________________

(١) في «الأنساب»١٢ / ٢٨٧.

(٢) هو الدارمي وهو عنده في «مسنده»(٢٧٠٠). ورواه من طريق يعلى أيضا الحاكم في «المستدرك»١ / ٥٣٧ ، والبيهقي في «الآداب»(٣١٥).


لما كان بأخرة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا جلس في المجلس فأراد أن يقوم قال : «سبحانك اللهمّ وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، أستغفرك ، وأتوب إليك».

فقالوا : يا رسول الله ، إنّك تقول الآن كلاما ما كنت تقوله فيما خلا. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا كفّارة لما يكون في المجلس».

هذا حديث حسن.

أخرجه أحمد (١) عن عبد الله بن نمير عن حجّاج على البدلية.

ورواه أبو داود (٢) عن محمد بن الصباح الجرجرائي وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن عبدة بن سليمان.

والنسائي (٣) عن علي بن خشرم ، عن عيسى بن يونس كلاهما عن الحجّاج ، فوقع لنا عاليا.

وكذا أخرجه المحاملي في الرابع من «أماليه الأصبهانية»من حديث عيسى.

وسمويه في «فوائده»من حديث عبدة ؛ ولكنه قال : عن حجاج الصواف.

وهو وهم ؛ فالحديث إنما اشتهر بحجاج بن دينار.

وقد رواه عنه سوى من ذكر عتّاب بن بشير كما في «المعرفة»(٤) لأبي نعيم.

وأبو خالد الأحمر كما في «الدعاء»(٥) للطبراني وآخرون.

وسنده صحيح ؛ إلا أن أبا العالية اختلف عليه فيه ، فرواه الربيع بن أنس ،

__________________

(١) ٤ / ٤٢٠. وفيه حجاج ، عن أبي هاشم الواسطي ، عن أبي برزة الأسلمي به. ليس فيه أبو العالية.

وانظر «إطراف المسند»٦ / ٧٠ ، و «إتحاف المهرة»١٣ / ٥٠٤.

(٢) (٤٨٥٩) وفيه : محمد بن حاتم الجرجرائي.

(٣) في «عمل اليوم والليلة»(٤٢٦).

(٤) ٦ / ٢٦٨٢ رقم (٦٤١٩).

(٥) ٣ / ١٦٥٩ رقم (١٩١٧).


عنه ، عن رافع بن خديج (١).

ورواه زياد بن الحصين ، عنه ؛ فمرة رفعه مرسلا (٢) ومرة جعله من قوله (٣).

وذكر ابن أبي حاتم (٤) عن أبيه وأبي زرعة أن المرسل أشبه.

وحينئذ فتحسينه لشواهده (٥).

***

__________________

(١) رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة»(٤٢٧) ، والطبراني في «الكبير»(٤٤٤٥) ، وفي «الأوسط»(٤٤٦٤) ، وفي «الصغير»(٦٢٠) ، وفي «الدعاء»(١٩١٨) من طريق يونس بن محمد ، عن مصعب بن حيان ، عن أخيه مقاتل بن حيان عن الربيع به.

قال الطبراني : لم يروه عن أبي العالية عن رافع إلا مقاتل ، ولا عن مقاتل إلا أخوه مصعب ، تفرد به يونس بن محمد.

ورواه الحاكم ١ / ٥٣٧ من طريق يونس بن محمد ، عن مصعب بن حيان ، عن الربيع به.

ليس فيه «عن مقاتل».

انظر «إتحاف المهرة»٤ / ٤٨٩.

وثمّ خلاف آخر ذكره أبو موسى المديني أن الربيع بن أنس رواه عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب. انظر «النكت»لابن حجر ٢ / ٧٢٨.

(٢) رواه ابن أبي شيبة ١٠ / ٢٥٦ ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة»(٤٢٨).

(٣) رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة»(٤٢٩).

(٤) في «العلل»٢ / ١٨٨.

وكذا رجح الدارقطني في «العلل»٦ / ٣١١.

(٥) انظر شواهده في :

ـ «النكت»للحافظ ابن حجر ٢ / ٧١٥ ـ ٧٤٣ ، وخاتمة «الفتح»للحافظ أيضا ، فقد استوعب فيهما طرق الحديث.

ـ «مسند أحمد»١٦ / ٢٦١ ـ ٢٦٣ / طبعة الرسالة.


البلد الثامن والستون :

معرّة النّعمان (١)

وهي بفتح الميم ، والعين المهملة ، وكسر (٢) الرّاء المشدّدة. مدينة من الشام ، كثيرة الفواكه والثمار والخصب ، وشرب أهلها من الآبار ، وبينها وبين حلب ستة وثلاثون ميلا. ينسب إليها كثير من العلماء في كلّ فنّ وممن سمع بها العراقي ، والذهبي. قيل : والنسبة الصحيحة إليها معرنمي ؛ لأنّ ثمّ معرتين : معرة النعمان ، ومعرة نسرين (٣) ، والنسبة إلى الأول معرنمي وإلى الثانية معرنسي (٤).

٤٦ ـ أخبرني أبو عبد الله بن العلم الكتبيّ المفيد بجامعها ، أنا الجمال عبد الله بن أبي بكر (ح).

وأخبرني عاليا عبد الرحيم بن محمد الحنفي كلاهما عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري. قال الأول : وأنا في الخامسة ، أنا الفخر أبو الحسن بن البخاري ـ قراءة عليه وأنا في الثالثة ـ أنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أنا القاضي أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو الحسن بن المفرج الصقلي ، أنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ ، أنا محمد بن عبد الله بن خميروية ،

__________________

(١) انظر «الأنساب»١٢ / ٣٤٥ ، و «معجم البلدان»٥ / ١٥٦ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٢٨٨.

(٢) كذا في الأصل : «وكسر»والمعروف أن المعرة بفتح الراء ، وبالفتح ضبطها ياقوت الحموي في «معجم البلدان».

(٣) كذا في «الأصل»بالنون ، وفي المطبوع من «الأنساب»بالباء الموحدة : بسرين. وجاء في «معجم البلدان»٥ / ١٥٥ : مصرين بفتح الميم ، وسكون الصاد المهملة تليها راء مكسورة.

(٤) قال السمعاني بعد ذكره ما سبق من التفريق بين المعرتين : «غير أن أكثر أهل العلم لا يعرفون ذلك».


أخبرنا أحمد بن نجدة ، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني (ح).

وأخبرني أبو الحسن الدسوقي ، أنا أبو الفرج العزي ، أنا أبو الحسن المخزومي (ح).

وكتب إليّ عاليا أبو عبد الله الخطيب ، عن الصدر الميدومي ، كلاهما عن النجيب الحراني. قال الأول : سماعا ، أنبأنا أبو الحسن بن أبي منصور في كتابه ، أنا الحسن بن أحمد المقرىء ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، ثنا محمد بن أحمد وإبراهيم بن محمد. قال الأول : ثنا بشر بن موسى ، ثنا الحميدي.

وقال الثاني : ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا قتيبة بن سعيد قالا والحماني : ثنا عبد العزيز بن محمد. زاد الحماني : وسليمان بن بلال ، كلاهما عن عمارة بن غزيّة ، عن يحيى بن عمارة ، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله».

هذا حديث صحيح.

أخرجه مسلم (١) عن قتيبة. فوافقناه فيه بعلو. وهو عنده أيضا من حديث خالد بن مخلد ، عن سليمان بن بلال. فوقع لنا عاليا.

وبه إلى الصّقلي ، أنشدني أبو نصر عبيد الله بن سعيد الحافظ ، أنشدنا أبو بكر محمد بن يعقوب بن حمّويه الوزير ، أنشدنا أبو الحسين محمد بن حامد بن هارون ، أنشدنا محمد بن إسماعيل الصايغ :

للبس ثوبين باليين

 وطيّ يوم وليلتين

أحسن من نعمة لقوم

أغضّ منها جفون عيني

إنّي وإن كنت ذا عيال

قليل مال كثير دين

لمستعفّ برزق ربّي

حوائجي بينه وبيني

***

__________________

(١) (٩١٦).


البلد التاسع والستون :

منشأة المهراني (١)

وهي من ضواحي مصر ، قريبة من السدّ ، بها خانقاه للبهاء أرسلان الدّوادار ، وخطبتان. وأضيفت لمهران بكسر الميم لتتميز عن غيرها ؛ كمنشأة نهيا من عمل الجيزة بقناطر الأهرام ، والنسبة لكلّ منهما : منشاويّ ، أو منشائيّ.

أخبرني الصّلاح محمد بن أحمد بن محمد الشاذلي بها ، عن الرضي أبي حامد بن التقي عبد الرحمن بن محمد المطيري بمكة (ح).

وأخبرني عاليا العز أبو محمد بن الفرات الحنفي ، كلاهما عن العز أبي عمر بن جماعة. قال الأول : سماعا. قال : أنشدنا الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الصّنهاجيّ البوصيري لنفسه من قصيدته المشهورة (٢) إجازة :

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٢) وهي المسماة ب «البردة». وهي تقع في ستين ومئة بيت.

وقد بالغ فيها في إطراء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخالفا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تطروني كما أطرت النّصارى عيسى ابن مريم»متفق عليه.

مما أدى به إلى الوقوع في محاذير ، فأتى في ثنايا قصيدته بأبيات فيها من سؤال غير الله ، وطلب العياذ والملاذ من غيره ؛ فاسمع إليه وهو يقول في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العمم

فما اشتمل عليه هذا البيت لا يجوز صرفه لغير الله ، فلا يكون العياذ والملاذ والالتجاء إلّا به. ويستقيم هذا البيت إذا قيل : «يا خالق الخلق ...».

واسمع إليه وهو يقول :

فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها

 ومن علومك علم اللّوح والقلم

وهذا لا يليق إلا لمن بيده ملكوت السموات والأرض.


محمّد سيّد الكونين والثّقلي

ن والفريقين من عرب ومن عجم

نبيّنا الآمر النّاهي فلا أحد

أبرّ في قول لا منه ولا نعم

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته

لكلّ هول من الأهوال مقتحم

 ومن تكن برسول الله نصرته (١)

إن تلقه الأسد في آجامها تجم

والبوصيري هذا هو القائل في المركب التي تعلو قبّة (٢) إمامنا الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيما روّيناه عنه بالسّند الثاني :

بقبّة قبر الشّافعيّ سفينة

رست من بناء محكم فوق جلمود

 ومذ غاض طوفان العلوم بموته

استوى الفلك من ذاك الضّريح على الجودي

***

__________________

إلى غير ذلك مما يضيق المقام بذكره.

ومحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما تكون باتباعه ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وتعظيم سنته.

ومن نفائس كلام الشّيخ المعلمي ـ رحمه‌الله ـ قوله : «كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس ؛ فيتخطى الحجة ويحاربها ، ومن وفّق علم أن ذلك مناف للمحبّة المشروعة ، والله المستعان». من تعليقه على «الفوائد المجموعة»صفحة (٣٢٢).

وانظر «نقد البردة مع الرد والتصحيح»لعبد البديع صقر.

(١) وهذا من جنس غير المشروع ؛ فإن طلب النصر لا يكون إلا من الله جل وعلا.

(٢) كذا في «الأصل»وهي قبة قبره ، وقد اشتهرت وصارت معلما ، فيقال عنها : «قبة الشافعي»بلا ذكر القبر. وبناء هذه القبة وأمثالها خلاف أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتسوية القبور. انظر ما سبق ذكره صفحة (١٢٤).


البلد السبعون :

المنصورة (١)

وهي بفتح الميم ، وصاد مهملة مضمومة. مدينة كبيرة قريبة من دمياط ، ومقابلة لجوجر عند مفترق النيلين إلى دمياط ـ وهو الغربي ـ وأشموم طناح ـ وهو الشرقي ـ بناها كما قال في «المشترك»الكامل محمد بن العاذل أبي بكر بن أيوب في وجه العدو لما حاصروا دمياط ـ يعني : سنة ستّ عشرة وست مئة ـ زاد غيره : وأدار عليها سورا مما يلي البحر ، وأقام بقصره منها قبل الفتح ثم بعده حين قرب عينه (٢) ، ومعه من إخوته المعظم عيسى صاحب دمشق ، والأشرف موسى صاحب بلاد الشرق. وقيل في حضرتهم الأشعار البديعة.

وممن كان بها في سنة سبع وأربعين وست مئة الحافظ أبو اليمن بن عساكر ، فقد أنشد أبو حيّان عنه أبياتا من قصيدة ؛ كتب بها منها إلى بعض فضلاء القاهرة حين هزيمة الفرنج الذين استولوا على دمياط ، وكانت له في قتالهم البيضاء (٣).

وانتسب إليها جماعة من المتأخرين ، وفيها خطبتان ، وحمامات وفنادق ، وأسواق. وسمّيت بذلك من أجل ما تقدّم. وقد شاركها في الاسم عدّة مدن حصرها صاحب «المشترك»في تسعة وقال : إنها خربت عن آخرها.

٤٧ ـ أخبرني بها أبو محمد بن محمد بن خلف القاضي ، عن أبي العباس بن

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٢١٢ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٣٢٢ ، و «المواعظ والاعتبار»١ / ٢٣١ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٧١.

(٢) كذا في «الأصل».

(٣) كذا في «الأصل»ولعل الأشبه : «الأيادي البيضاء».


أبي أحمد الحافظ ، أنا أبو الحجاج يوسف بن محمد بن يوسف بن الزكي ، والمجد أحمد بن محمد بن عبد الله عرف بالميت بن المجد ، والجمال محمد بن أحمد بن محمد الشّريشي الدمشقيون (ح).

وأخبرني عاليا عبد الرحيم بن محمد الحنفي ، عن العز عبد العزيز بن محمد الحموي قالوا : أنبأنا الكمال أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف المقرىء المكبر إذنا ، زاد العز : وأبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي (١) سماعا.

قال الأول : أنا أبو العباس أحمد بن أبي الفتح بن صرما الحنبلي الدقاق.

وقال الثاني : أنا أبو القاسم بن أبي الحسن بن أبي الجود قالا : أنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن الطّلّاية الوراق ، أنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي ابن بنت الحربي السكري ، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلّص ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا داود بن رشيد ، ثنا مروان بن معاوية الفزاري ، ثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن يزيد بن الأصم ـ هو عمّه ـ ، عن أبي هريرة قال : أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعمى فقال : إنّه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرخّص له أن يصلّي في بيته.

فرخّص له ، فلمّا ولّى دعاه فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل تسمع النّداء؟». قال : نعم.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فأجب».

هذا حديث صحيح.

رواه مسلم (٢) والنسائي (٣) معا عن إسحاق بن إبراهيم. وأولهما فقط عن

__________________

(١) بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف.

انظر ترجمته في «الدرر الكامنة»١٥ / ١٠٢ ، و «شذرات الذهب»٨ / ٩.

(٢) (٦٥٣).

(٣) ٢ / ١٠٩.


سويد بن سعيد ، وقتيبة بن سعيد ، ويعقوب بن إبراهيم أربعتهم عن مروان.

فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وممن رواه عن مروان : أيوب بن موسى الرّقيّ ، وموسى بن مروان البغدادي ، وحديثهما في «صحيح أبي عوانة»(١).

***

__________________

(١) ٢ / ٦.


البلد الحادي والسبعون :

منوف (١)

وهي مدينة قديمة من غربي النيل ؛ بل إقليم متوسط من أقاليم مصر ، يضاف إليه عمل كبير ، وقد انتسب إليها في المتأخرين جماعة ، وكان للقضاء بها جلالة ؛ حتّى كان ممن وليه الولي العراقي ، وربما أقرأ فيها وحدّث. وممن سمع منه هناك في سنة ثماني عشرة الشرف المناوي. وبها خطبتان ، وحمامات ، وسوق يهرع إليه من تلك النواحي.

٤٨ ـ أخبرني قاضيها أبو عبد الله محمد بن التاج محمد بن محمد المنوفي ، عن أبي عبد الوهاب بن أبي الفضل الكردي سماعا ، أنا البدر أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القرشي ، أنا أبو الفضل محمد بن عمر بن أبي بكر بن ظافر ، أنا أبو يوسف يعقوب بن محمد الهدباني (٢) ، أنا أبو الفضل منصور بن علي المخزومي ، أنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي (ح).

وأخبرني عاليا سارة ابنة أبي حفص ، عن محمد بن أحمد بن العز ، أنا الفخر بن أبي العباس ـ إذنا ـ ، عن أبي روح عبد المعز بن محمد الهروي ، أنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني قالا : أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي ، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان ، أنا أبو

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٢١٦ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٣٢٥.

(٢) كذا في «الأصل»بالدال المهملة ، وكذا في «شذرات الذهب»٧ / ٤٠٣. وفي «السير»٢٣ / ٢٣١ ، و «تاريخ الإسلام»وفيات (٦٤٥) صفحة (٣٠٠) ، و «ذيل التقييد»للفاسي ٣ / ٣٢٦ رقم (١٧٠٩): «الهذباني»بالذال المعجمة.


يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي (١) ، ثنا الحسن بن عرفة (ح).

وبه إلى ابن العز أنا الفخر ـ سماعا ـ ، أنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر ، أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني ، أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي (٢) ، ثنا أبو عمر محمد بن جعفر ، ثنا إسماعيل بن محمد الطلحي.

قالا ـ واللفظ لابن عرفة ـ : ثنا وكيع بن الجراح (ح).

وقرأت عاليا على عبد الكافي بن الذهبي ، عن أبي هريرة بن الذهبي ـ سماعا ـ وأبي العباس أحمد بن أبي بكر الفقيه ـ إذنا ـ كلاهما عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وأبي المعالي عيسى بن عبد الرحمن المطعم. قال ثانيهما : سماعا. قالا : أنا الفخر محمد بن إبراهيم الإربلي ـ حضورا وإجازة ـ قال : أخبرتنا شهدة الكاتبة (٣) قالت : أنا طراد بن محمد ، أنا هلال بن محمد ، ثنا إبراهيم بن مجشّر ، ثنا عبد الله بن المبارك. قالا : ثنا يونس بن أبي إسحاق ـ هو : السّبيعي ـ ، عن الشعبي ، عن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقبل أبو بكر وعمر ـ رضي‌الله‌عنهما ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ؛ إلّا النّبيّين والمرسلين.

يا عليّ : لا تخبرهما».

هذا حديث حسن.

وسنده منقطع ؛ فالشعبي لم يسمعه من عليّ ؛ إنما رواه عن الحارث الأعور وهو ضعيف.

__________________

(١) وهو عنده في «مسنده»(٥٣٣) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٣٠ / ١٧٤.

(٢) وهو عنده في «فوائده»المعروف ب «الغيلانيات»(١٦).

(٣) رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٣٠ / ١٧٣ ، وابن قدامة في «فضائل الخلفاء الأربعة»(ق ٢٤ / ب) من طريق طراد بن محمد ؛ لكن فيهما : أخبرنا هلال الحفار ، حدثنا الحسين بن يحيى بن عياش ، حدثنا إبراهيم بن مجشر به.

وانظر «مسند علي»ليوسف أوزبك ٣ / ١٢١٧.


وحينئذ ففيه تدليس التّسوية ، ونسب صنيعه ليونس ؛ وفيه نظر ، فقد رواه النّسائيّ في «مسند علي»رضي‌الله‌عنه ، وأبو بكر الشافعي في الأول من «فوائده»المعروفة ب «الغيلانيات»(١) من حديث طعمة بن غيلان ، وثانيهما فقط من حديث زبيد (٢) ، وسيار أبي الحكم (٣).

ورواه الحارث بن أبي أسامة في العاشر من «مسنده»من حديث يسار بن ثوبان (٤) ، أربعتهم عن الشعبي بحذفه أيضا (٥).

والذي رووه عن الشعبي بإثباته فراس بن يحيى كما في ابن ماجة (٦) وأول

__________________

(١) رقم (١٥).

ورواه أيضا من طريق طعمة : ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٣٠ / ١٧٢ ، والمزي في «تهذيب الكمال»١٣ / ٣٨٦.

(٢) رقم (١٨).

ورواه أيضا ابن عساكر في «تاريخه»٣٠ / ١٧٢.

(٣) رقم (١٧).

ورواه أيضا ابن عساكر في «تاريخه»٣٠ / ١٧٢.

(٤) ورواه من طريق يسار بن ثوبان : ابن عساكر في «تاريخه»٣٠ / ١٧٢.

(٥) ورواه أيضا عن الشعبي بحذف الحارث كل من :

ـ أبي الوليد ، أخرجه الخطيب في «تاريخه»٥ / ١٥ ، والذهبي في «السير»١٥ / ٣٤٣.

ـ عبد الأعلى الثعلبي ، أخرجه القطيعي في «زوائد فضائل الصحابة»(٧٠٨) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٧٥.

وجاء عن عبد الأعلى بإثبات الحارث. رواه ابن عساكر ٣٠ / ١٦٩.

ـ أبي إسحاق الكوفي أخرجه ابن عدي في «الكامل»٤ / ١٧٢ ، والقطيعي في زوائد «فضائل الصحابة»(٧٠٩).

وجاء عن أبي إسحاق بإثبات الحارث. رواه عبد الله بن أحمد في زوائد «فضائل الصحابة»(٢٩٠).

ـ محمد بن بشر. أخرجه ابن عساكر ٣٠ / ١٧١.

ـ مالك بن مغول. أخرجه ابن عدي ٥ / ٢٨٢ ، والقطيعي (٧٠٩). وسوف يأتي عن مالك بن مغول بإثبات الحارث فيما عزاه المصنف. وأيضا عنه عن الشعبي معضلا.

(٦) (٩٥).


«الغيلانيات»(١). وداود كما في الترمذي (٢) ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وعبيد المكتب كما في أول «الغيلانيات»(٣) ، والحكم بن عتيبة كما «الكنجروذيات»(٤) ، ومالك بن مغول وأبو إسحاق السبيعي كما في ثامن «الخلعيات»(٥).

__________________

(١) رقم (٨) (٩).

ورواه أيضا الطبراني في «الأوسط»(١٣٤٨) ، والخطيب ٧ / ١١٨ ، والقطيعي (٦٣٢) (٦٣٣) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٦٩ ، ١٧٠ ، وابن البخاري في «مشيخته»٣ / ١٢٤٣.

(٢) (٣٦٦٦).

ورواه أيضا ابن عساكر ٣٠ / ١٦٨.

(٣) رقم (١٠) من طريق ابن أبي مريم ، عن سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي به.

ورواه أيضا عبد الله بن أحمد في زوائد «فضائل الصحابة»(١٩٦) ، والطحاوي في «المشكل»(١٩٦٥) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٦٦ ، وابن البخاري في «مشيخته»٣ / ١٢٤١ ـ ١٢٤٣. والذهبي في «معجم شيوخه»٢ / ٢٦١ وقال : «هكذا يرويه سعيد بن أبي مريم وهو ثقة صاحب غرائب. وأخرجه الترمذي عن يعقوب الدورقي عن ابن عيينة فقال : عن داود ، عن الشعبي. وأخرجه ابن ماجة عن هشام ، عن ابن عيينة فقال : عن الحسن بن عمارة ، عن فراس ، عن الشعبي. الحديث معلل ، والحارث لين»ا ه.

ورواه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات»(١١) من طريق عبيد المكتب ، عن الشعبي به.

ورواه أيضا ابن عساكر ٣٠ / ١٦٧.

(٤) ورواه أيضا من طريقه ابن عساكر ٣٠ / ١٦٧. وانظر «مسند علي»ليوسف أوزبك ٢ / ٤٤٠.

(٥) كذا قال المصنف رحمه‌الله : «أبو إسحاق السبيعي»ولم أقف على «الخلعيات». والذي يظهر لي أن قوله : «السبيعي»وهم ؛ فالحديث رواه ابن عدي ٥ / ٢٨٢ (ترجمة : عبد الله بن ميسرة) من طريق هشيم ، ثنا مالك بن مغول ، عن الشعبي ، وأبو إسحاق ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي به.

هكذا «أبو إسحاق»غير منسوب ، فنسبه المصنف ـ رحمه‌الله ـ : «السبيعي»وليس كذلك ؛ فإن هشيما لم يلق أبا إسحاق السبيعي كما قال ابن معين ، وإنما هو يروي عن عبد الله بن ميسرة الكوفي ويدلسه فيكنيه أبا إسحاق ، ومرة يكنيه أبا عبد الجليل وغير ذلك كما في «التقريب».

ومما يقوي ما ذكرت أن القطيعي رواه في زوائد «فضائل الصحابة»(٧٠٩) من طريق ـ ـ


وفيه من الاختلاف غير ذلك حسبما أوضحه الدارقطني في «علله»(١) مما لا نطيل الآن بإيراده. ومن ذلك ما في أول «الغيلانيات»(٢) من حديث أبي جناب الكلبي ، عن الشعبي ، عن زيد بن يثيع ، بدل الحارث على (٣) عليّ رضي‌الله‌عنه.

ومن حديث سلم بن قتيبة ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة ؛ بدل علي رضي‌الله‌عنهما (٤).

ومن حديث مالك بن مغول وطعمة الماضي ذكرهما ، عن الشعبي معضلا (٥).

__________________

ـ هشيم ، أنا مالك بن مغول ، عن الشعبي ، وأبو إسحاق الكوفي ، عن الشعبي به.

هذا ما ظهر لي ، فإن كان صوابا فلله الحمد والمنة وإلا فالقول ما قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ.

ورواه عن الشعبي أيضا بإثبات الحارث كلّ من :

ـ خراش. أخرجه القطيعي (٦٦٦).

ـ الحسن بن عمارة. أخرجه ابن عساكر ٣٠ / ١٦٩.

ـ زكريا بن أبي زائدة. أخرجه ابن عساكر ٣٠ / ١٦٩.

ـ عبد الله بن ميسرة. أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد «فضائل الصحابة»(٢٩٠).

(١) انظر «العلل»للدارقطني ٣ / ٩٣ ، ١٤٢ ، ٢٠١.

(٢) رقم (١٣).

ورواه أيضا الطحاوي في «المشكل»(١٩٦٤) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٧١ ، ١٧٥.

(٣) كذا في «الأصل».

(٤) الغيلانيات (٢٠).

ورواه أيضا عبد الله بن أحمد في زوائد «فضائل الصحابة»(٢٠٠) ، والقطيعي (٧٠٥) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٧٦ ، ١٨٢.

قال ابن عساكر : غريب جدا.

(٥) رواه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات»(١٤) ـ ومن طريقه المزي في «تهذيب الكمال»١٣ / ٣٨٦ ـ ، والقطيعي (٧١٠) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٧٦.

ورواه أحمد في «فضائل الصحابة»(١٨٠) من طريق شريك ، عن فراس ، عن عامر الشعبي رفعه.


وبالجملة ؛ فللحديث طرق ؛ منها ما في أول «الغيلانيات»من حديث زرّ بن حبيش (١) ، وعاصم بن ضمرة (٢) ، وهرم (٣).

وفي الترمذي (٤) من حديث علي بن الحسين.

وفي غيرهما من حديث الحسين والحسن ابني علي (٥) ، وجابر بن عبد الله (٦) رضي‌الله‌عنهم كلهم عن علي رضي‌الله‌عنه (٧).

__________________

(١) الغيلانيات (٣) (٤) (٥) (٦).

ورواه أيضا الدولابي في «الكنى»٢ / ٩٩ ، وابن عدي في «الكامل»٣ / ٢٧١ (ترجمة : حفص بن سليمان الأسدي) ، وابن عساكر ٣٠ / ١٧٧ ، وعبد الغني المقدسي في «الإكمال»(١ / ١٤ / ٢) ـ كما في «السلسلة الصحيحة»٢ / ٤٦٨ ـ ، والمزي ٢١ / ١٧٧.

قال المقدسي : «هذا حديث مشهور له طرق جمة ، روي عن جماعة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ا ه.

(٢) الغيلانيات رقم (٢).

ورواه أيضا ابن عساكر ٣٠ / ١٧٧.

(٣) الغيلانيات رقم (١) ومن طريقه ابن عساكر ٣٠ / ١٧٨ وعنده : «هرمز»بدل «هرم».

(٤) (٣٦٦٥). من طريق الوليد بن محمد الموقري ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن علي به.

ورواه أيضا ابن عساكر ٤٤ / ١٦٨.

قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث. وقد روي هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه. ا ه. وعلي بن الحسين لم يسمع من علي.

(٥) رواه ـ من طريق الحسن بن علي عن علي ـ عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند»١ / ٨٠.

ورواه ـ من طريق الحسين عن علي ـ ابن عساكر ٤٤ / ١٦٩.

(٦) رواه ابن عساكر ٣٠ / ١٧٨.

(٧) ورواه عن علي أيضا :

نفيع ، رواه عبد الله بن أحمد في زوائد «فضائل الصحابة»(٩٤).

خطاب أو أبو خطاب ، رواه ابن أبي شيبة ٦ / ٣٥٠ ، وابن أبي عاصم في «السنة»(١٤١٩).

زيد ، رواه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات»(١٣).


بل للحديث شواهد منها عن قتادة ، عن أنس (١) ، وعن جابر (٢) ، وابن عباس (٣) ، وابن عمر (٤) ، وأبي جحيفة (٥) ، وأبي سعيد الخدري (٦) ، رضي‌الله‌عنهم (٧) ولذلك كان حسنا (٨).

***

__________________

أبو المطر عمرو بن عبد الله الجهني ، رواه ابن عساكر ٤٤ / ١٦٨.

(١) رواه من طريق أنس الترمذي (٣٦٦٤) ، وابن أبي عاصم في «السنة»١٤٢٠) ، والطبراني في «الأوسط»(٦٨٧٣) ، والقطيعي (١٢٩) ، والخطيب ٥ / ٣٠٧ ، وابن عساكر ٧ / ١١٨ و ٣٠ / ١٧٩ ـ ١٨١ ، والضياء في «المختارة»٦ / ٢٤٤ و ٧ / ٩٦ ، والذهبي في «معجم الشيوخ»١ / ١٧٥.

وانظر «العلل»لابن أبي حاتم ٢ / ٣٩٠.

(٢) رواه الطبراني في «الأوسط»(٨٨٠٨).

(٣) رواه الخطيب ١٤ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ، وابن عساكر ٣٠ / ١٨٢.

(٤) رواه العقيلي ٢ / ٩٢٦ ـ ٩٢٧ ، والسهمي في «تاريخ جرجان»صفحة (٩٦).

وانظر «العلل»لابن أبي حاتم ٢ / ٣٨٩.

(٥) رواه ابن ماجة (١٠٠) ، والدولابي في «الكنى»١ / ١٢٠ ، وابن حبان (٦٩٠٤) ، والطبراني في «الكبير»٢٢ / ١٠٤ ، و «الأوسط»(٤١٧٤).

(٦) رواه الطحاوي في «المشكل»(١٩٦٦) ، والبزار (٢٤٩٢).

وانظر «العلل»لابن أبي حاتم ٢ / ٣٨٢.

(٧) وجاء أيضا عن :

الحسن بن علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه ابن عساكر ٣٠ / ١٧٨ ـ ١٧٩.

أبو مريم السّلولي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه ابن قانع في «معجم الصحابة»٣ / ٣٠ رقم (٩٧٨).

(٨) قال ابن عساكر ٣٠ / ١٧٧ : والحديث محفوظ عن علي.

وقال العلامة الألباني في «الصحيحة»٢ / ٤٧١ : وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب.


البلد الثاني والسبعون :

منية الأمراء (١)

ويقال لها منية الشّيرج ، وبكلّ من الإضافتين تتميز عن نحو مئتي منية بالديار المصرية خاصّة. وهي على فرسخ من القاهرة ، بحريّها في طريق إسكندرية ، ولها في كلّ أحد سوق شهير للبقر والغنم وغيرهما ، وكانت عامرة بكثرة السّكان والمساكن والمناظر والملاهي والأسواق ، مقصودة للتنزّه ، ثم تناقصت جدا.

وهي ممّن سمع بها العراقي ، وبها زاوية للشيخ علي بن مصباح ؛ بل هو مدفون فيها. وولي قضاءها من تقدم في المرج (٢).

أخبرني الإمام أبو البركات بن إبراهيم القاضي الحنبلي ـ رحمه‌الله ـ ، أنا أبو أحمد بن علي الكناني الحنبلي (ح).

وكتب إليّ عاليا أبو هريرة المقدسي ، كلاهما عن أبي الحرم القلانسي الحنبلي. قال الأول : سماعا ، أنا أبو محمد بن الصّيرفي وأبو العباس بن نبا ، قالا : أنا أبو محمد بن اللّمط ، ثنا محمد بن مكي بن أبي الرجاء الحنبلي ـ إملاء ـ (ح).

وأخبرني بعلو شيخنا إمام الأئمة أبو الفضل بن علي ـ رحمه‌الله ـ قال : قرأت على أبي حفص البالسي ، أخبرتنا أم عبد الله ابنة الكمال ، عن عجيبة ابنة

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٢١٨ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٣٢٧ ، و «المواعظ والاعتبار»٢ / ١٣٠ ، و «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٤٧.

(٢) انظر البلد (٦٥).


أبي بكر ، قالا : أنا أبو الخير محمد بن أحمد الباغبان. قالت المرأة : إجازة ، أنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر بن محمد بن علي الخرقي ، أنا أبو سعيد النّقاش الحافظ ، أنا أبو القاسم حبيب بن الحسن القزّاز ، ثنا عبيد الله بن سقير المؤدب ، ثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال : كنت أحبّ أن أرى أحمد بن حنبل ، فصرت إليه ، فلما دخلت عليه قال : فيم تنظر؟ فقلت : في النحو والعربية والشعر. فأنشدني (١) أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه‌الله تعالى :

إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل

خلوت ولكن قل عليّ رقيب

لهونا عن الآثام حتّى تتابعت

ذنوب على آثارهنّ ذنوب (٢)

فيا ليت أنّ الله يعفو ما مضى (٣)

 ويأذن في توباتنا فنتوب

ووقع لي من وجه آخر قال فيه بعد البيت الأول :

إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم

 وخلّفت في قرن فأنت غريب

فلا تك مغرورا تعلّل بالمنى

فعلّك مدعوّ غدا فتجيب

ألم تر أنّ الدّهر أسرع ذاهب

 وأنّ غدا للنّاظرين قريب (٤)

بل روّينا في «مناقب إمامنا الشافعي»(٤) للبيهقي ـ رحمة الله عليهما ـ من

__________________

(١) رواه أبو نعيم في «الحلية»٩ / ٢٢٠ ، وعنه الخطيب في «تاريخ بغداد»٥ / ٢٠٥ ، ومن طريقه ابن نقطة في «التقييد»ص (١٦٣).

ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»١٣ / ٤٥٥ ، ٤٥٦.

وانظر «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد»١ / ٢٠٧.

(٢) في هامش الأصل : «حاشية : علينا ذنوب بعدهن ذنوب».

(٣) كذا في الأصل : ولعل صوابه :

فيا ليت أن الله يغفر ما مضى

(٤) ٢ / ١٠٨. ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٥١ / ٤١٥.

وانظر «شعب الإيمان»٥ / ٤٦١.

(٤) ٢ / ١٠٨. ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»٥١ / ٤١٥.

وانظر «شعب الإيمان»٥ / ٤٦١.


طريق الرّبيع بن سليمان ، سمعت الشافعي ينشد فذكر البيت الأول والثالث من الرواية الأولى وبينهما :

 ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة

 ولا أنّ ما تخفي عليه يغيب

غفلنا لعمر الله حتّى تداركت

علينا ذنوب بعدهنّ ذنوب

***


البلد الثالث والسبعون :

منية الرّديني (١)

براء ودال مهملتين ونون مصغّر ، وهي من الشرقية بالقرب من سفط الحنّاء.

٤٩ ـ أخبرني القاضي أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود الرّديني بها ، عن التقي محمد بن محمد بن عبد الرحمن الدّجوي ، أنا أبو الفرج بن عبد الهادي ، أنا أبو العباس بن عبد الدائم ، أنا أبو عبد الله بن صدقة (ح).

وأخبرني بعلو أبو زيد القبابي ـ إذنا ـ ، عن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم التونسي ـ سماعا إن شاء الله ـ وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأنصاري ـ إذنا ـ قال أولهما : أنا أبو محمد بن الحصري ، وقال الآخر : أنا القاسم بن أبي بكر الإربلي ، كلاهما عن أبي الحسن المؤيد الطوسي. قال ثانيهما : سماعا. قال هو وابن صدقة : أنا فقيه الحرم أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو الحسين الفارسي ، أنا أبو أحمد الجلودي ، أنا أبو إسحاق بن سفيان ، أنا أبو الحسين النيسابوري الحافظ (٢) ، ثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى (ح).

وأخبرني عاليا أحمد بن أبي الحسن الحافظ ـ رحمه‌الله ـ ، أنا أبو الفداء التّنوخي ، أنا أبو محمد بن مكتوم ـ إذنا ـ ، أنا أبو المنجّا البغدادي ، أنا أبو الوقت الهروي ، أنا أبو الحسن بن المظفر الفقيه ، أنا أبو محمد بن أعين ، أنا أبو العباس عيسى بن عمر ، أنا أبو محمد الدارمي الحافظ (٣) ، قالوا ـ واللفظ لابن

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ٦٧.

(٢) هو : الإمام مسلم ، والحديث عنده في «الصحيح»(٥٣٣). ورواه البخاري في «صحيحه»(٤٥٠) من غير وجه عن عثمان رضي‌الله‌عنه.

(٣) وهو عنده في «مسنده»(١٤٣٢).


مثنى ـ : حدثنا الضحاك بن مخلد ، أنا عبد الحميد بن جعفر ، ثنا أبي ، عن محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد ، فكره الناس ذلك وأحبّوا أن يدعه على هيئته ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من بنى مسجدا لله ، بنى الله ـ عزوجل ـ له [في الجنة](١) مثله».

هذا حديث صحيح.

رواه أحمد (٢) عن أبي عاصم ـ هو : الضحاك ـ فوافقناه فيه.

ورواه أبو عوانة في «صحيحه»(٣) عن الصاغاني ، وعباس الدّوري ، وأبي داود الحرّاني ، وعلي بن الحسن الهلالي ؛ أربعتهم عن أبي عاصم. فوقع لنا بدلا له عاليا.

وهو عند مسلم وابن خزيمة في «صحيحيهما»(٤) والترمذي وابن ماجة في «سننيهما»(٥) من حديث أبي بكر الحنفي. زاد مسلم : وعبد الملك بن الصباح ، كلاهما عن عبد الحميد ، فوقع لنا عاليا. وقال الترمذي : إنه حسن صحيح.

***

__________________

(١) ما بين معقوفين ليس في الأصل ، والمثبت من مصادر التخريج.

(٢) ١ / ٧٠.

(٣) رواه في كتاب الصلاة من «صحيحه»١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ عن الصغاني ، وأبي داود الحراني ، وعلي بن الحسن الهلالي.

ورواه في كتاب الرقاق من «صحيحه»عن عباس الدوري والصغاني ـ فرقهما ـ انظر «إتحاف المهرة»١١ / ٨٢ ـ ٨٣.

(٤) صحيح مسلم كتاب الزهد والرقائق ، باب فضل بناء المساجد بعد الحديث (٢٩٨٣) ، و «صحيح ابن خزيمة»(١٢٩١).

(٥) الترمذي (٣١٨) ، وابن ماجة (٧٣٦).


البلد الرابع والسبعون :

منية عسّاس (١)

وهي بمهملات أولاها مفتوحة ، والثانية مشدّدة ، على شاطىء النيل من الغربية بين سمنّود وجوجر.

٥٠ ـ أخبرني التقي أبو المعالي بن الشرف الخطيب بجامعها بشرطه ولم أسمع منه سواه ، حدثني الشمس محمد بن محمد الدمشقي ـ لفظا ـ وهو أول حديث سمعته منه (ح).

وأخبرني عاليا العزّ أبو محمد بن الفرات ـ وهو أول حديث قرأته عليه في يوم تاريخه ـ كلاهما عن أبي الثناء محمود بن خليفة. قال الأول : من لفظه ـ وهو أول حديث سمعته منه ـ ، ومن الجمال أبي محمد عبد الرحيم بن علي القرشي الأسنوي مفترقين. قال الأول : أنا الرشيد أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم البغدادي ـ وهو أول حديث قرأته عليه ـ أنا الإمام الشهاب أبو حفص عمر بن محمد البكري ـ وهو أول حديث سمعته منه ـ قال : أنا عمي الضياء أبو النجيب عبد القاهر بن محمد بن عبد الله البكري ـ وهو أول حديث سمعته منه ـ ومن الكاتبة شهدة ابنة أحمد قالا : أنا أبو القاسم بن طاهر الشّحامي ـ وهو أول حديث سمعناه منه ـ وقال الإسنوي : أنا أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد بن محمد بن الصابوني ـ وهو أول حديث سمعته منه ـ (ح).

وأخبرني عاليا أبو عبد الله الخليلي ـ إذنا وهو أول حديث رويته عنه ـ قال : أخبرني الصّدر الميدومي حضورا ـ وهو أول حديث حضرته عنده ـ قالا : ثنا

__________________

(١) انظر «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»٥ / ١٠٩.


النجيب أبو الفرج الحرّاني ـ وهو أول حديث سمعناه منه ـ ثنا الحافظ أبو الفرج بن الجوزي ـ وهو أول حديث سمعناه منه ـ ثنا أبو سعد النيسابوري ـ وهو أول حديث سمعناه منه ـ قال هو وزاهر : ثنا أبو صالح المؤذن ـ والد ثانيهما ـ وهو أول حديث سمعناه منه ـ بسنده الماضي مع المتن في أول أحاديث هذا الكتاب (١).

***

__________________

(١) انظر صفحة (٢٢).


البلد الخامس والسبعون :

منية عقبة (١)

وهي بضم المهملة ثم قاف ، وهو ابن عامر اليمني الصحابي الشهير ، أمير مصر ، والمدفون بمقبرتها في المقطم. اختطها ـ رضي‌الله‌عنه ـ وهي ألف ذراع في مثلها على شاطىء النيل بالجيزة بإذن معاوية بن أبي سفيان ـ رضي‌الله‌عنهما ـ ليرتفق بها.

وانتسب إليها جماعة من المتأخرين ليس فيهم ـ كما قال شيخنا ـ أحد من الصحابة ، منهم تقي الدين صالح بن عيسى بن عبد الله ، وقد سمع منه بها ابن أيبك وغيره ، وخطب بها الشرف أبو عبد الله محمد بن عبد الحميد بن عبد الله القرشي المصري المالكي. ويشترك في النسبة معها من نسب إلى الجد ، ويشتبه بهما من شهد العقبة فهم عقبيّون بفتحتين ؛ بل في غيرهم ممن نسب كذلك : حمزة بن العباس العقبي.

أنشدني أبو الأسعد بن حسن الحلبي الحنفي لنفسه ـ ما غاب الآن عني ـ لكنه تمثل لي بقول غيره :

تزين معانيه ألفاظه

 وألفاظه زاينات المعاني

في أشياء من نظمه أثبتّها في موضع آخر.

***

__________________

(١) انظر «المواعظ والاعتبار»١ / ٢٠٨.


البلد السادس والسبعون :

منية نابت

بنون ، ثم موحدة ، بعدها مثناة فوقانية ، على شاطىء النيل من الغربية قريبة من جوجر.

٥١ ـ أخبرني العز عبد العزيز بن عبد الواحد التكروري الأصل ، الفقيه ، الصالح ، الشافعي ، بقراءتي عليه بزاوية أبي صالح منها ، عن الكمال محمد بن موسى الدّميري ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد العرضي (ح).

وأخبرني عاليا العز عبد الرحيم بن محمد الحنفي ، عن أبي العباس بن الزّقاق ، قالا : أخبرتنا أم أحمد زينب ابنة مكي ، قالت : أنا أبو علي حنبل بن عبد الله (١) ، أنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي التميمي ، أنا أبو بكر القطيعي ، ثنا أبو عبد الرحمن الشيباني ، حدثني أبي (٢) ـ رحمه‌الله ـ ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي (٣) ، عن (٤) مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي الله

__________________

(١) رواه من طريقه الحافظ ابن حجر في «توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس»صفحة (١٩٤).

(٢) وهو عنده في «المسند»٢ / ١٠٨.

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه‌الله ـ في «النكت»١ / ٢٦٦ : وليس في «مسند أحمد»على كبره من روايته عن الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ سوى أربعة أحاديث ، جمعها في موضع واحد ، وساقها سياق الحديث الواحد. وقد ساقها شيخنا في شرح منظومته. وجمعتها مع ما يشبهها من رواية أحمد ، عن الشافعي ، عن مالك ومع عدم التقييد بنافع في جزء مفرد فما بلغت عشرة ، والله الموفق. ا ه.

وانظر «توالي التأسيس»صفحة (١٩١ ـ ١٩٢) ففيه زيادة بيان.

(٣) وهو عنده في «مسنده»٢ / ١٤٥ ، ١٥٣ بترتيب السندي.

(٤) في هامش الأصل «أنا»نسخة.


عنهما ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يبع بعضكم على بيع بعض». ونهى عن النّجش ، ونهى عن بيع حبل الحبلة ، ونهى عن المزابنة ، والمزابنة بيع الثّمر بالتمر كيلا ، وبيع الكرم بالزبيب كيلا.

هذا حديث صحيح.

أخرجه البخاري في «صحيحه»(١) عن عبد الله بن يوسف ؛ ما عدا الجملة الثانية فعن القعنبي (٢).

وكذا أخرج أبو داود في «سننه»(٣) الجملة الأولى والثالثة عنه.

والبخاري (٤) أيضا : الأولى والرابعة عن إسماعيل بن أبي أويس ، وهو أيضا (٥) والنسائي (٦) الثانية عن قتيبة. وكذا أخرج النسائي (٧) الأولى عنه ، وأخرج مسلم (٨) ما عدا الثالثة عن يحيى بن يحيى ، وابن ماجة (٩) الأولى عن سويد بن سعيد ، والثانية عن مصعب الزهري وأبي حذافة ، ثمانيتهم عن مالك (١٠). فوقع لنا بدلا لهم عاليا.

__________________

(١) (٢١٦٥).

(٢) (٢١٤٢).

(٣) (٣٤٣٦) و (٣٣٨٠).

(٤) (٢١٣٩) (٢١٧١).

(٥) (٦٩٦٣).

(٦) ٧ / ٢٥٨.

(٧) ٧ / ٢٥٨.

(٨) (١٤١٢) بعد (١٥١٤) ، و (١٥١٦) ، و (١٥٤٢).

(٩) (٢١٧١) و (٢١٧٣).

(١٠) انظر «الموطأ»(١٩٩٤) (٢٤٠٦) (٢٤٥٣).


والجملة الثالثة عند النسائي (١) أيضا ، عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين ، كلاهما عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك. فوقع لنا عاليا.

وهو حديث شريف لاجتماع الأئمّة الثلاثة فيه في نسق.

***

__________________

(١) ٧ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.


البلد السابع والسبعون :

منى (١)

وهي بكسر الميم ؛ مع الصرف وعدمه. سمّيت بذلك ـ كما قاله جماهير اللّغويين وغيرهم ـ لما يمنى بها من الدّماء أي : يراق ويصبّ (٢) وهي من حرم مكّة ، بينهما ثلاثة أميال ، وتتّسع للحجيج كاتساع الرّحم للولد. وفضائلها كثيرة.

وممّن سمع بها شيخنا ، وشيخه ، والذهبي ، وأبو حيّان وسماعه فيها على أبي اليمن بن عساكر ؛ بل وسمع بها أبو القاسم بن عساكر وقال في «بلدانياته»(٣) : «إنها كانت مدينة بها أدور (٤) ، وسوق ، ومسجدها مسجد الخيف مسجد شريف». وقد عمّره سلطان الوقت عمارة هائلة يفوق الوصف ، وكنت ممّن سمع به وبغيره منها على غير واحد ، وقرأت بالغار الشّريف النبوي من جبل حراء ـ ظاهر مكة من جهتها ـ على الحافظ التقي أبي الفضل الهاشمي ـ رحمه‌الله ـ تصنيفه «بشرى الورى مما ورد في حرا»، وبأسفل الجبل غير ذلك.

٥٢ ـ أخبرني الكمال ، أبو الفضائل محمد بن الجمال محمد بن إبراهيم المكي ، بقراءتي عليه في الغار الشريف غار المرسلات من منى المعظّم ، وغيره بالقاهرة وغيرها ، كلّهم عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن صديق الدمشقي.

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ١٩٨ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٣١٢.

(٢) ومنه قوله تعالى : (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى)[القيامة : ٣٧].

انظر «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام»لابن الملقن ٣ / ٣١٧.

(٣) صفحة (٥٧).

(٤) في المطبوع من «البلدانيات»لابن عساكر : «آدر». وكلاهما بمعنى.


قال الكمال : حضورا. وقال الآخرون : سماعا ، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب ، عن أبي طالب بن القبيطي وغيره أن أبا الفتح بن البطّي أخبرهم أنا أبو عبد الله مالك بن أحمد البانياسي ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأهوازي المجبر ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي (١) بمكة ، ثنا عبد الله بن المبارك (٢) والفضل بن موسى قالا : ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس : الصّحّة والفراغ».

هذا حديث صحيح.

رواه أحمد والدارمي في «مسنديهما»(٣) والبخاري في «صحيحه»(٤) عن المكّي بن إبراهيم. زاد أولهم : «وعن وكيع»(٥) كلاهما عن عبد الله بن سعيد.

والترمذي (٦) والنسائي (٧) معا عن سويد بن نصر. زاد أولهما : «وعن صالح بن عبد الله الترمذي»، كلاهما عن ابن المبارك ، فوقع لنا بدلا لهم وعاليا على الأخيرين.

وممن رواه عن عبد الله بن سعيد ـ سوى من تقدم ـ :

صفوان بن عيسى كما عند ابن ماجة (٨) وعلقه البخاري (٩).

__________________

(١) وهو راوي كتاب «الزهد»عن ابن المبارك وله زيادات عليه ، وهو هنا يرويه عن شيخه الفضل بن موسى مقرونا مع عبد الله بن المبارك.

(٢) وهو عنده في «الزهد»(١).

(٣) مسند أحمد ١ / ٢٥٨ ، و «مسند الدارمي»(٢٧٤٩).

(٤) (٦٤١٢).

(٥) وهو عنده في «الزهد»(٨).

(٦) (٢٣٠٤).

(٧) في الرقائق من «الكبرى»كما في «تحفة الأشراف»رقم (٥٦٦٦).

(٨) (٤١٧٠).

(٩) (٦٤١٢).


ويحيى بن سعيد كما عند الترمذي (١) وقال : إنه حسن صحيح (٢).

قلت : والجمهور عن عبد الله بن سعيد على رفعه. ووقفه بعضهم. ووهم الحافظ (٣) حيث استدركه من حديث مكّي وقال : إنه صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. فهو ـ كما ترى ـ عند البخاري عن مكّي ، والله الموفق.

***

__________________

(١) (٢٣٠٤).

(٢) وتتمة كلامه : ورواه غير واحد عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند فرفعوه ، وأوقفه بعضهم عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند.

(٣) كذا في الأصل ، وصوابه : الحاكم. وهو عنده في «المستدرك»٤ / ٣٠٦ وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله : ذا في البخاري.


البلد الثامن والسبعون :

نابلس (١)

وهي بفتح النون ، وضمّ الموحّدة واللام ، بعدها سين مهملة. قديمة من أمهات بلاد فلسطين وحسانها (٢) ، وفيها الجامع القديم ، وغيره من الجوامع والمساجد. وانتسب إليها جماعة منهم : ابن عبد الدّائم ، وخالد شيخ النووي.

وسمع بها شيخنا ، وشيخه ، والذهبي ، وآخرون منهم : أبو سعد السّمعاني وقال : «بتّ بها ليلتين في توجّهي وصدري (٣) عن بيت المقدس ، وكتبت عن خطيبها بيتين من الشعر».

٥٣ ـ أخبرني أبو عبد القادر بن خليل بن عبد القادر النابلسي بالمدرسة الفخرية الحنبلية منها ، عن أبي هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذّهبي ، أنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن سعد المقدسي ، أنا أبو الفضل جعفر بن علي الهمداني ، أنا الحافظ أبو طاهر السّلفي ، أنا أبو المعالي ثابت بن بندار البقال ، أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الحافظ ، ثنا عمر بن محمد بن علي الزيات ، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ، ثنا عيسى بن مساور اللؤلؤي ، ثنا سويد بن عبد العزيز ، ثنا حصين ، عن هلال بن يساف ، عن الربيع بن خثيم ، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من يقرأ ثلث القرآن في يوم؟»فتعاظم ذلك على القوم. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فكأنّما قرأ ثلث القرآن».

__________________

(١) انظر «الأنساب»١٣ / ٣ ، و «معجم البلدان»٥ / ٢٤٨ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٣٤٧.

(٢) في المطبوع من «الأنساب»: «وحسناتها».

(٣) في المطبوع من «الأنساب»: (وصدوري).


وقرأت على شيخي الأستاذ ، الحجّة ، أبي الفضل بن علي ـ رحمه‌الله ـ ، أنا أبو الحسن الخطيب ، عن أحمد بن محمد بن أبي القاسم الدّشتي ، أنا الحافظ الضياء أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (ح).

وأخبرتني عاليا أم محمد ابنة عمر عن عمر بن الحسن ، أنبأنا علي بن أحمد ، كلاهما عن أبي جعفر الصيدلاني. قال الأول : سماعا ، أنا أبو علي الحدّاد ـ حضورا ـ ، أنا أبو نعيم الحافظ (١) ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن وسليمان بن أحمد الطبراني (٢) ـ إملاء ـ قالا : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عبيد الله بن معاذ ، حدثني أبي ، ثنا شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن إبراهيم النخعي ، عن الرّبيع به بلفظ : «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كلّ ليلة». قالوا : ومن يطيق ذلك؟ قال : «قل هو الله أحد».

هذا حديث حسن.

أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة (٣) عن محمد بن عبيد الله بن عبد العظيم.

وابن حبان في «صحيحه»(٤) عن أبي يعلى ، كلاهما عن عبيد الله بن معاذ.

فوقع لنا بدلا لهما عاليا.

وهو عند النسائي (٥) أيضا من حديث الأعمش ، عن إبراهيم معضلا. ومن

__________________

(١) وهو عنده في «الحلية»٧ / ١٦٨.

(٢) وهو عنده في «معجمه الكبير»١٠ / ٢٠٧ رقم (١٠٤٨٤).

(٣) رقم (٦٧٥) وفيه : «أخبرني محمد بن عبد الله بن معاذ ثنا أبي»وهو خطأ ، وهو على الصواب في «تحفة الأشراف»٧ / ٢٠.

(٤) (٢٥٧٦).

(٥) رقم (٦٧٦).


حديث زرّ (١) ، وأبي عبد الرحمن السّلمي (٢) ، كلاهما عن ابن مسعود ـ رضي‌الله‌عنه ـ موقوفا ، والأول أصحّ (٣).

***

__________________

(١) رقم (٦٧٣).

(٢) رقم (٦٧٤).

(٣) وقد وقع في هذا الحديث اختلاف كثير ينظر في : «عمل اليوم والليلة»للنسائي رقم (٦٧٣) فما بعده ، و «العلل»للدارقطني ٥ / ٢٢٨ ، ٢٨٣ ، و ٦ / ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٧٧ ، و «الحلية»لأبي نعيم ٢ / ١١٧ و ٧ / ١٦٩.

وقد توسع الخطيب البغدادي ـ رحمه‌الله ـ في ذكر طرق هذا الحديث والخلاف فيه في جزء مفرد سماه : «حديث الستة من التابعين وذكر طرقه واختلاف وجوهه»وهو مطبوع متداول.

وهذا الحديث مخرج في «صحيح البخاري»(٥٠١٥) من حديث أبي سعيد الخدري ، وفي «صحيح مسلم»(٨١١) من حديث أبي الدرداء.


البلد التاسع والسبعون :

وسيم (١)

وهي بفتح الواو ، وكسر السّين المهملة ، وآخرها ميم. قديمة من الجيزية ، ينزلها السّلاطين في أيام الربيع ، وقد بنى بها المؤيد شيخ (٢) حماما هائلا.

٥٤ ـ أخبرني محمد بن أبي الفضل المصري بقراءتي ، أنا الفخر عثمان بن أحمد ، أنا العلاء علي بن أحمد العرضي (ح).

وأخبرني عاليا العزّ الحنفي ، عن ست العرب ابنة محمد ، كلاهما عن الفخر علي بن أحمد. قال الأول : سماعا. وقالت الأخرى : إذنا ـ إن لم يكن حضورا ـ زاد الأول فقال : وأنا الكمال عبد الرحيم بن عبد الملك المقدسي ـ إذنا ـ قال الأول : أنا أبو طاهر بركات الخشوعي ـ إذنا ـ وقال الآخر : أنا أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القاسم الأسدي ـ سماعا ـ. قال الخشوعي : أنا أبو المفضل يحيى بن علي القرشي بن الزكي وولده أبو المعالي ، وقال الأسدي : أنا جدي أبو القاسم الحسين. قال الثلاثة : أنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء المصيصي ، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن حبيب التميمي ، أنا أبو الحسن أحمد بن سليمان بن حذلم الأسدي القاضي ، ثنا أحمد بن المعلّى ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا مسلمة بن عليّ ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العائد في هبته كمثل الكلب يقيء ثمّ يرجع في قيئه».

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٣٧٧ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٤٣٧.

(٢) كذا في الأصل.


هذا حديث صحيح اتفق الشيخان عليه (١) من طريق سعيد بن المسيب ، ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه (٢). وانفرد به البخاري (٣) من حديث أيوب السختياني ، عن عكرمة ، ثلاثتهم عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وليس هو من الوجه الذي أوردناه في شيء من الكتب الستة ؛ بل راويه مسلمة ـ وهو ابن عليّ بضمّ أوله مصغّر ـ ضعيف (٤).

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي‌الله‌عنهم.

***

__________________

(١) رواه البخاري (٢٦٢١) ، ومسلم (١٦٢٢) (٧).

(٢) البخاري (٢٥٨٩) ، ومسلم (١٦٢٢) (٨).

(٣) (٢٦٢٢).

(٤) قال فيه البخاري وأبو زرعة : منكر الحديث. وقال النسائي والدارقطني والبرقاني : متروك الحديث.

انظر «تهذيب الكمال»٢٧ / ٥٦٩.


البلد الثمانون :

ينبع (١)

وهي بفتح المثناة التحتانية ، وضمّ الموحدة ـ وقد تشبع ـ ثم عين مهملة.

قرية كبيرة من بلاد الحجاز قريبة من المدينة الشّريفة ، بينهما سبع مراحل. بها حصن ، وعيون جارية حلوة طيبة ، وحدائق ، وبساتين ، وينزلها الحجيج المصري ـ ذهابا وإيابا ـ ولها فرضة على البحر على مرحلة منها ، وبقربها جبل رضوى (٢) ، مطلّ عليها من شرقيها ، يحمل منه حجر المسنّ إلى سائر الأقطار ، وأكثر سكانها والكثير منهم زيديّة شرفاء من بني حسن ، سمر الألوان. ويقال : إنّ بها وقفا لعلي ـ رضي‌الله‌عنه ـ يتولاه أولاده. وهي ممّن سمع بها شيخنا ، وشيخه ، وحدّث بها الوليّ العراقي بقراءة الشرف المناوي ، وكذا سمع بها أبو حيان ، ومسعود الحارث الحنبلي ، على عبد السلام بن محمد بن مزروع المدني. وكنت ممن سمع بها الحديث ممن أوردت حديثه في العقبة (٣) ، وكذا في سرياقوس (٤). ولقيت بها الشيخ علاء الدين عليّ بن أحمد بن محمد الشّيرازي ثم المكي الشافعي ، فسمعت من لفظه خطبة شرحه على «الحاوي»، وشيئا من أوّل تفسيره ، وأشياء من تصانيفه ، وغير ذلك مما لم يتهيأ لي الآن إيراد شيء منه.

وأخبرني أبو الفضل بن أحمد الأزهريّ ـ وكان جاري في النّزول بها حين

__________________

(١) انظر «معجم البلدان»٥ / ٤٥٠ ، و «مراصد الاطلاع»٣ / ١٤٨٥.

(٢) جبل بالمدينة. انظر «مختار الصحاح»مادة : (رضي).

(٣) انظر البلد (٥١).

(٤) انظر البلد (٤١).


توجهنا إلى مكة ـ وغيره بغيرها ، عن أبي العباس أحمد بن عثمان الحنفي (ح).

وأخبرني عاليا العزّ عبد الرحيم بن محمد ، كلاهما عن العز أبي عمر بن جماعة فيما أنشد لنفسه :

اعذر أخاك إذا وافى بمنكرة

فهل رأيت صديقا ماله زلل

 وهل رأيت صفاء ما به كدر

ضوء السّراج له التّدخين يحتمل

***

ستر الله عيوبنا ، وغفر ذنوبنا ، وجمعنا مع أحبابنا وأهالينا في مستقرّ رحمته ، وصلى الله على أشرف خلقه ؛ سيدنا محمد ، وسلّم تسليما كثيرا.

آخر المجلس السّادس والأربعون (١) من «البلدانيات»وبه انتهاؤها ، وهو المجلس الرابع عشر بعد الخمس مئة من الأمالي.

وكان الفراغ في يوم الثلاثاء ثامن عشر من المحرّم الحرام ، سنة ثلاث وثمانين وثماني مئة ، بجامع الغمري ، باستملاء أخي نفع الله به ، وصرف عنه كلّ مكروه ، وختم لي وله ولسائر أهلي وأحبابي بخير.

قاله وكتبه : محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السّخاوي الشّافعي ، غفر الله له ذنوبه ، وستر عيوبه. حسبنا الله ونعم الوكيل.

هذا لفظه بحروفه ـ أبقاه الله تعالى ـ والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم. حسبنا الله ونعم الوكيل.

وكان الفراغ من نسخه رابع عشر جمادى الآخر (٢). من شهور سنة ست وثمانين وثمان مئة ، في مكة المشرفة ، على يد الفقير ، الحقير ، تراب نعال

__________________

(١) كذا في الأصل وصوابه : «والأربعين».

(٢) كذا في الأصل وهو خطأ ، صوابه : الآخرة ، لأن (جمادى) مؤنث.


الفقراء والمساكين ، أبي بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي (١) بن نصر بن عمر بن هلال بن معدي بن زيد بن أبي يزيد بن عشائر بن عشلبية بن أحمد بن أبي الكرم بن عبد الله بن عبد الغفار بن مهلهل بن عروة بن عمرو بن معدي كرب بن زيد الخير الطائي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين (٢).

***

__________________

(١) ترجم له المصنف في «الضوء اللامع»١١ / ٧٥ ، وممّا قاله فيه : ولقيني بمكة في سنتي ست وثمانين والتي بعدها ، فلازمني حتى حمل عني أشياء من مروياتي ومصنفاتي ، وكتب بخطه منها جملة ، واغتبط بذلك ، وكتبت له إجازة ؛ أشرت لمقاصدها في الكبير ، ونعم الرجل أدبا ، وفهما ، وسمتا ، وتواضعا ، واشتغالا بنفسه ، وإقبالا على الخير ، وتقنعا ، وعفّة ، وربما وردت علي مطالعاته من بلده.

(٢) وكان الفراغ من تحقيقه وضبط نصّه ـ على قدر الوسع والطّاقة ـ بعد عشاء يوم الثلاثاء تاسع عشر من شهر شعبان ، لعام واحد وعشرين وأربع مئة وألف من هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


السماعات

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد :

فقد قرأ عليّ جميع هذه «البلدانيات»من نسخته هذه للمقابلة ـ بعد أن سمعها من لفظي مع الجماعة ـ صاحبها وكاتبه سيدنا ، الشيخي ، الإمامي ، الفاضلي ، المرشدي ، مربي المريدين ، قدوة السالكين ، الشرفي ، أبو بكر الحيشي ، الحلبي ، أبقاه الله تعالى ، ورحم سلفه الكريم ، ونفعنا والمسلمين ببركاتهم ؛ في مجالس آخرها يوم الخميس سادس عشرين شهر ذي القعدة الحرام ، سنة تاريخه ، بالمسجد الحرام تجاه الكعبة المعظّمة ، وسمع معه جماعة بأفوات منهم : أولاده النّجبا : قوام الدين محمد ، وضياء الدين أحمد ، وفتح الدين عمر ، فكان سماعهم من أولها إلى الحديث الحادي والخمسين ، بحيث كمل ما كان فاتهم سماعه من لفظي ؛ إلا أن الضياء فاته أيضا من فوته الأول من الرابع والعشرين إلى التاسع والعشرين ، وأجزت لجميعهم ـ بارك الله فيهم ـ وكذا لأختهم أم هانىء عائشة ـ وهي أصغرهم ـ.

قاله وكتبه : محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي ، الشافعي ، غفر الله ذنوبه ، وستر عيوبه ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا. آمين.

***

الحمد لله ـ تبارك وتعالى ـ وكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد :

فقد قرأ عليّ جميع «البلدانيات»للإمام ، الحافظ ، الجهبذ ، شمس الدين ، أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السّخاوي


الأصل ، ثم القاهري الشافعي ـ رحمه‌الله ورضي عنه ورضي عنا به ـ الشيخ ، الإمام ، الكامل ، الفاضل ، المحصّل ، المحقق ، المجدّ ، المجتهد في تحصيل الفضائل ، المقرىء ، المحدث ، أحد المدرسين بالجامع الكبير الأموي بحلب المحروسة ، بدر الدين ، أبو الثناء ، محمود بن شقيقي المرحوم الشيخ الفاضل المدرس بالجامع المذكور شمس الدين أبي البركات محمد ، وقد أجزت له أن يرويه عني بحق روايتي له ، عن والدي الشيخ الإمام المعمّر أحد المدرسين أيضا بالجامع المذكور ، شمس الدين ، أبي عبد الله محمد بن الشيخ ، الإمام ، العامل ، بدر الدين أبي الثناء حسن ، وعن الشيخ ، الإمام ، المرشد ، أبي بكر الحيشي المذكور قبيل ذلك في خط المؤلف.

وعن الإمام ، الفقيه ، المحدث ، محي الدين عبد القادر بن الأبار ، بحق روايتهم ـ رحمهم‌الله ، ورضي عنهم وعنّا بهم ـ عن المؤلّف ـ رحمه‌الله تعالى ـ بمكة شرفها الله ، متفرقين ، وأجزت له أيضا ولإخوته وأهل بيته جميع ما يجوز لي وعني روايته من سائر كتب الحديث وغيرها ، وما هو مذكور في ثبت الحافظ رحمه‌الله تعالى.

قال ذلك وكتبه الفقير شمس الدين ، أبو اليسر محمد بن محمد بن البدر حسن الشهير بابن البيلوني ، حامدا مصليا مسلما ، سائلا من المجاز المذكور أن لا ينساني من دعواته ؛ في جميع حالاته ، وأن يدعو لي بإصلاح فساد القلب ، وحسن الخاتمة ، ورضى الرب. صحّ ذلك ، وثبت بتاريخ ختام شوال ، من شهور سنة ثلاث وأربعين وتسع مئة عدا تاريخ الإجازة المتقدمة على القراءة ، وأما القراءة وغيرها من السماع فبعد ذلك.

والحمد لله وحده.

***

الحمد لله على نعمه.

قرأت قطعة من أول هذا الكتاب وهو «بلدانيات»الحافظ ، شمس الدين


محمد السّخاوي ، القاهري ، الشافعي ، على شيخنا ، المسند ، المعمر ، الصالح ، المنور ، تقي الدين ، أبي بكر بن الشيخ القدوة شمس الدين ، محمد بن الشيخ ، العالم ، الصالح المسلك ، شرف الدين ، أبي بكر الحيشي الأصل ، ثم الحلبي الشافعي ، البسطامي ، كان الله له ، ولطف به ، وأعاد عليّ من بركته وبركات أسلافه. وأجاز لي روايته إجازة مقرونة بالمناولة بحق أخذه له عن مؤلفه سماعا ، ثم قراءة لجميعه ، كما هو مكتوب في آخر هذه النسخة بخط مؤلفه ، ثم وهبني شيخنا المسمع المذكور جميع هذا المجلد المشتمل على «البلدانيات»المذكورة وعلى «الجواهر المكلّلة في الأخبار المسلسلة»وقبلت ذلك منه بعد أن ناولنيه بيده المباركة (١) ، وقبضته. وسمع القراءة المذكورة مع جريان الإيجاب والقبول الشرفي يحيى بن علي بن اقجا (٢) الحلبي الحنفي ، إمام المقصورة بالجامع الكبير الأموي ، وجماعة منهم : حسام الدين بن رجب بن تميم الشافعي.

صحّ ذلك وثبت بمنزل المسمع في يوم الخميس ثامن عشر ربيع الآخر سنة ثلاثين وتسع مئة.

قال ذلك وكتبه : العبد الفقير عمر بن أحمد بن علي الحلبي الشماع الشافعي.

***

__________________

(١) وهذا من جنس غير المشروع ، وقد سبق بيان ذلك في غير ما موضع من هذا الكتاب ؛ فإن طلب البركة إنما يكون «بسبب ذات مباركة أو زمان مبارك ، وتكون هذه البركة قد ثبتت لذلك السبب ثبوتا شرعيا».

فيشترط للتبرك بشيء ما ثبوت بركة هذا الشيء شرعا ؛ وإلا فلا يجوز طلب البركة به كما هو حاصل هنا. والله أعلم.

وانظر صفحة (١٢٤) من هذا الكتاب.

(٢) كذا في الأصل «اقجا»وفي «الشذرات»١٠ / ٣١٨ ، و «الكواكب السائرة»٢ / ٢٥٤ : «قجا»بلا ألف.


الفهارس

ـ فهرس الآيات القرآنية

ـ فهرس الأحاديث النبوية

ـ فهرس الآثار والأقوال المأثورة

ـ فهرس الأشعار

ـ فهرس الفوائد النثورة

ـ فهرس الموضوعات


فهرس الآيات القرآنية

الآية

رقمها  السورة  الصفحة

الآية

رقمها السورة الصفحة

(فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ

٦٠ البقرة   ١٨٠

(فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ

٦٠ البقرة  ١٨٠

(وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ

١٢٦ البقرة ٢٢٠

(خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ

٢٢ الكهف ١٨٠

(فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ

١٩٦ البقرة ١٧٩

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِوَاصْطَبِرْ

١٣٢ طه ٢٢٢

(وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ

١٩٦ البقرة ١٨٠

(وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ

٥٠ المؤمنون ١٨١

(تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ

١٩٦ البقرة ١٨٠

(فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)

٤ النور ١٨٠

(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ

١٩٨ البقرة ٢٢٥

(وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ

٤٨ النمل ١٨٠

(أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)

٢٦٠ البقرة ١٨٠

(أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً

١٤ العنكبوت ١٨٠

(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ)

١٢١ الأنعام ١٢٦ (ت)

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ)

٥٦ الأحزاب ٧٠

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي)

١٦٢ الأنعام ١٢٦ (ت)

(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ

٢٨ فاطر ٢٥١

(وَواعَدْنا مُوسى)

١٤٢ الأعراف ١٨٠

(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ)

 ٤ الصافات ١٧٩

(فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ)

١٤٢ الأعراف ١٨٠

(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ)

١٤٧ الصافات ١٨٠

(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ)

٦٥ الأنفال ١٨٠

(إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً

٢٣ ص ١٨٠

(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌصابِرَةٌ

٦٦ الأنفال ١٨٠

(فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)

٤ المجادلة ١٨٠

(ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ

٤٠ التوبة ١٧٩

(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ

١٧ الحاقة ١٨٠

(إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً

٨٠ التوبة ١٨٠

(وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً)

٢٣ نوح ٨٦ (ت)

(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً

٤ يوسف ١٨٠

(مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى)

٣٧ القيامة ٩٠(ت)

(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ)

٢٠ الإسراء ١٢٦(ت)

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)

 ١ الكوثر ١٨٣


فهرس الأحاديث النبوية

طرف الحديث

الراوي

 الصفحة

ائتوه فصلوا فيه

ميمونة

٦٤

أتاني جبريل فقال يا محمد

أنس

١٢٩

أحسنت يا عمر حين وجدتني

أنس ومالك بن أوس

١٣٠ (ت)

إذا أقيمت الصلاة

أنس ومالك بن أوس

١٧٥

إذا صلت المرأة خمسها

عبد الرحمن بن عوف

٢٣ و ١٦١

إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا

أنس

١٤٥ ، ١٤٦ (ت)

أربعة أبواب من الجنة

علي

٤٤

ارتقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر

أنس

١٢٩

ارحموا ترحموا

عبد الله بن عمرو

٤٩

أرض المحشر والمنشر

ميمونة

٦٥

ارموا الجمار بمثل حصى الخذف

الهرماس

١٥٨

أشاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

عبد الله بن بسر

٧٨

أكرموا الشهود

ابن عباس

٢٠٨

أكمل المؤمنين إيماناذ

١٣٧ (ت)

الأعمال بالنيات

عمر

٥٠

ألا أبعثك على ما بعثني

علي

١٢٤ (ت)

الذي تفوته صلاة العصر

ابن عمر

١٢٣

اللهم أنت السلام

ثوبان

٢٤٨

اللهم أنت الصاحب في السفر

أبو هريرة

٢٠٦

اللهم إني أعوذ بك من الكسل

أنس

١٤٨

اللهم بارك لهم في مكيالهم

أنس

٥٨ (ت) ٢٢٩

إن الله زوى لي الأرض

ثوبان

١٠٥

إن أول ما خلق الله نور نبيك

جابر

١١٥ (ت)

أنت رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كعب بن عجرة

٧٨

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يسلم

ثوبان

٢٤٩ (ت)


طرف الحديث

الراوي

 الصفحة

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا سافر

أنس

٢١٧

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتعوذ من خمس

عمر

٩١

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي المغرب

سلمة

٨٣ (ت)

إن لله عزوجل مئة رحمة

أبو هريرة

١٢٠

إن من عباد الله من

أنس

١٩٤

أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يزل يلبي حتى

الفضل بن عباس

١٣٩

إنكم ستجندون أجنادا

عبد الله بن حوالة

٥٩

إنكم لا تنادون أصم ولا غائبا

أبو موسى الأشعري

٢٠١

إنما جعل الإمام ليأتم به

أنس

٢٣٥

إنما هو بضعة منك طلق بن

علي

٤١ (ت)

إنه أنزلت علي آنفا سورة

أنس

١٨٣

أنه كان رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

الفضل بن العباس

١٣٩

أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن

ابن مسعود

٢٩٤

أيما امرأة اتقت ربها

أبو هريرة

١٦٤

أيها الناس إن لله سرايا

جابر

٢٥ ، ١٤٣

بيت لا تمر فيه جياع أهله

عائشة

١٥٢

الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة

عقبة بن عامر

٢٥٥

الجيزة روضة من رياض الجنة

عقبة بن عامر

١٤٢

حق الولد على والده أن يحسن اسمه

عائشة

٢١٥ (ت)

خلوف فم الصائم

أبو هريرة

١٧٨

الراحمون يرحمهم الرحمن

عبد الله بن عمرو

٤٧ و ٢٨٥

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقة

عبد الله بن واقد

١٥٩ (ت)

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقة

عبد الله بن واقد

١٥٩ (ت)

رأيتك يا معاذ وما صنعت

ابن أبي أوفى

٨٧

رغم أنف ثم رغم أنف

أبو هريرة

١٢٩

سبحانك اللهم وبحمدك

أبو برزة

٢٦٣

السلام على أهل الديار

عائشة

١٢٥ (ت)

سلوا الله العافية

أنس

١٧٢

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمر بتسويتها

فضالة بن عبيد

١٢٤ (ت)


طرف الحديث

الراوي

 الصفحة

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يتعوذ من خمس

عمر

٩٢ (ت)

سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلبي بهما

لهرماس

١٥٩ (ت)

صلوا على صاحبكم

سلمة

٢٤٣

صياح المولود حين يولد

أبو هريرة

١٩٧

صيدوج وعضاهه حرام محرم

الزبير

٢١١

العائد في هبته كمثل

ابن عباس

٢٩٦

عليك بالشام

عبد الله بن حوالة

٥٩

عليك بالشام فإنه خيرة

عبد الله بن حوالة

٦٢

غيب وجهك عني

عبد الله بن حوالة

١٥٤

فأجب

أبو هريرة

٢٧٠

فإن لم تستطيعوا فابعثوا

بزيت ميمونة

٦٤

فإن لم يطق فليهد إليه زيتا

ميمونة

٦٥

فمن أبى فليلحق بيمنه

عبد الله بن حوالة

٥٩

فهل ترك شيئا

سلمة

٢٤٣

قولوا اللهم صل على محمد

كعب بن عجرة

٧٠

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن ينصرف

ثوبان

٢٤٨

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن يسلم

ثوبان

٢٤٩ (ت)

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي المغرب

سلمة

٨٣ (ت)

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اللهم

أنس

١٤٨

كان في عنفقته شعرات بيض

عبد الله بن بسر

٧٨

كان في مقدم لحيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعرات بيض

عبد الله بن بسر

٧٩

كنا صلي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المغرب

سلمة

٨٢

لا تدعه من خلفه

أنس

١١٨

لا حول ولا قوة إلا بالله

أبو موسى الأشعري

٢٠١

لا يبع بعضكم على بيع بعض

ابن عمر

٢٨٨

لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة

أنس

١٧٢

لقنوا موتاكم لا إله إلا الله

أبو سعيد

٢٦٦

لو طعنت في فخذها

أبو العشراء عن أبيه

٢٤ ، ٩٥ ، ٩٧

لو قلت بسم الله

أبو العشراء عن أبيه

٩٥


طرف الحديث

الراوي

 الصفحة

ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال

أنس

٥٧ (ت)

ما أحسن ما قلت يا بلال

ابن أبي أوفى

٨٧

ما بين بيتي ومنبري روضة

ابن أبي أوفى

٥٧ (ت)

ما عاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعاما

أبو هريرة

٢٤٠

ما قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوما إلا دعاهم

ابن عباس

١١٦

ما كاد أهله أحد إلا كفاهم الله

ابن عباس

٢٦١

مثل أهل بيتي فيكم

أبو ذر

٢٢ ، ١٨٦

مثل القائم على حدود الله

النعمان بن بشير

١٠١

مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن

أبو موسى الأشعري

١٥٥

مثل الواقع في حدود الله

النعمان بن بشير

١٠١

المدينة حرم ما بين عور إلى ثور

علي

٥٨ (ت)

المرأة إذا صلت خمسها

أنس

١٦٦

مصر كنانة الله في أرضه

أنس

٢٦١ (ت)

مكتوب في التوراة من بلغت له

عمر

٢١٥

مكة رباط وجدة جهاد

عبد الله بن عمرو

٤٤

من أدرك أبويه

أبو هريرة

١٣٤ (ت)

من بلغ بسهمه فله درجه

أبو نجيح السلمي

١١٠

من بلغه برمية فلهذ

أبو نجيح السلمي

١٠٩

من بنى مسجدا لله

عثمان

٢٨٣

من ترك الجمعة ثلاث مرات

أبو الجعد الضمري

٢٥٩

من حلف باللات والعزى فليقل

أبو الجعد الضمري

١٢٥ (ت)

من رمى بسهم في سبيل الله

أبو نجيح السلمي

١٠٩ – ١١٠

من لم يأت بيت المقدس

ميمونة

٦٥

من ولد له مولود

أبو سعيد وابن عباس

٢١٤

من يقرأ ثلث القرآن في يوم

ابن مسعود

٢٩٣

نعم المسكن بيت المقدس

ميمونة

٦٧

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

ابن عباس

٢٩١

هذه كفارة لما يكون في المجلس

أبو برزة

٢٦٣

هذان سيدا كهول أهل الجنة

علي

٢٧٣


طرف الحديث

الراوي

 الصفحة

هل تدرون ما الكوثر

أنس

١٨٣

هل تسمع النداء

أبو هريرة

٢٧٠

هل عليه دين

سلمة

٢٤٣

هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صبغ

عبد الله بن بسر

٨٠

والذي نفس محمد بيده لا يلي مسلم

ابن أبي أوفى

٨٧

يأتي على الناس زمان يكون

ابن عمر

٤٣

يا أبا موسى ألا أعلمك كلمة

أبو موسى الأشعري

٢٠١

يا أنس كتاب الله القصاص

أنس

١٩٤

يا بني عبد مناف

جبير بن مطعم

٥٢

يا رسول الله هذا أنس

أنس

٢١١

يا غلام سبع لك

ابن أبي أوفى

٨٧

يجندون أجنادا

عبد الله بن حوالة

٦٠ (ت)

يقولون اللهم صل على محمد

كعب بن عجرة

٧٠

يكون بين يدي الساعة فتن

أنس

١٣٦

***


فهرس الآثار والأقوال المأثورة

طرف الأثر

القائل

 الصفحة

إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث

الشافعي

١٨٣

أصيب على عمدان قصر سيف

وهب بن منبه

١٩٩

انظروا إلى صاحب هذا القبر

الحسن البصري

٢٥٦

إلهي أذنبت في بعض الأوقات

عزيزي بن عبد الملك شيذلة

١٠٦

اللهم يا واسع المغفرة

عزيزي بن عبد الملك شيذلة

١٠٦

تزوج إلينا جني

الأعمش

١٧٦

توفي جار لنا نصراني

ابن عبد السلام

١٩٧

دخل الحسن على عمرو بن الهيثم

إبراهيم بن محمد

٢٥٦

دخلت على أبي جعفر

محمد الخراساني

١٧٩

طلبنا العلم وما لنا فيه كبير نية

مجاهد

٥٦

كلما رأيت رجلا من أصحاب الحديث

الشافعي

١٨٤

لئن طالبتني بذنوبي

أبو سليمان الداراني

٩٩

لا تظنن بكلمة خرجت من امرىء

عمر

٢٥١ (ت)

ما تقول في مئة ألف في هذا الصندوق

إبراهيم بن محمد

٢٥٦

ما رأيت لذة العيش إلا في خصلتين

ضمرة بن ربيعة

٦٨

المساجد مجالس الكرام

أبو إدريس الخولاني

٦٢

من أراد أن ينظر إلى جنة عدن

كعب الأحبار

٢٦١

هذه الصادقة فيها ما سمعته

عبد الله بن عمرو

٦

وضع عمر للناس ثمانية عشرة كلمة

سعيد بن المسيب

٢٥١

يا أبت ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

علي بن الفضيل

١٦٩


فهرس الأشعار

صدر البيت

القافية

الصفحة

صدر البيت

القافية

الصفحة

(حرف الألف)

فلا تك مغرورا

فتجيب

٢٨٠

الله أنزل للخلائق

دنياهم

١٢١

ألم تر أن الدهر

قريب

٢٨٠

ويتمها مئة غدا

سواهم

ولا تحسبن الله يغفل

يغيب

٢٨١

(حرف الباء)

غفلنا لعمر الله

ذنوب

٢٨١

أأظمأ وأنت اليم

سحاب

١٩١

(حرف التاء)

وأرقى بكيد الماكرين

شهاب

١٩١

أعلام سعد المصطفى

تضوأت

١١٥

تبّا لدنيانا التي

جنبها

٢٠٣

ألم تر أن الدهر

سبت

١٦٠

ما لي أرى المستمسكين

صعبها

٢٠٣

فقل لجديد العيش

شت

١٦٠

خسر الذي ترك

مآبا

١٢٧

(حرف الجيم)

إن كان يجحدها

مرتابا

١٢٧

صيد بناء وأفراح

تزويج

١٥٣

أو كان يتركها

حجابا

١٢٧

الصيد للسبت والباقي

تعويج

١٥٣

فالشافعي ومالك

عقابا

١٢٧

(حرف الحاء)

ورأى له بعض

تابا

١٢٧

الحسن الظن مستريح

مليح

٢٥٧

إيه ومنهم

الأسبابا

١٢٧

وليس من باطن

مليح

٢٥٧

وأبو حنيفة

إيجابا

١٢٧

(حرف الدال)

والظاهر المشهور

عذابا

١٢٧

الحمد لله الحميد

بالممجد

١١٥

والرأي عندي

صوابا

١٢٧

بقية قبر الشافعي

جلمود

٢٦٨

ويكف عنه

حسابا

١٢٧

ومذ غاض طوفان

الجودي

٢٩٨

والأصل عصمته

ركابا

١٢٧

(حرف الراء)

الكفر أو قتل

فأصابا

١٢٧

دين الرسول وشرعه

آثاره

٧٥

إذا ما خلوت الدهر

رقيب

٢٨٠

من كان مشتغلا

آثاره

٧٥

لهونا عن الآثام

ذنوب

٢٨٠

وأنتم على الحالين

هجرتهم

٨٤

فيا ليت أن الله

فنتوب

٢٨٠

يا عين إن تنأي

الدار

١١٢

إذا ما مضى القرن

غريب

٢٨٠

فلكم لأوصاف الحبيب

بالآثار

١١٢


 صدر البيت

القافية

 الصفحة

 صدر البيت

القافية

 الصفحة

من قبل نشأة

اختاره

١١٥

بنصب قلب غرضا

معه

٢١٦

قالوا إذا لم يخلف

أشعاري

١٣٧

وهو في الأخرى

يسمع

٢٢٤

بعد الممات أصيحابي

أفكار ي

١٣٧

يا من يرى ما في

يتوقع

١٤٠

كم من لئيم العار

٢٣٤

يا من يرجى للشدائد

المفزع

١٤٠

يود لو أنّه للمرء

أوزار

٢٣٤

يا من خزائن رزقه

أجمع

١٤١

فإن سمعت كلاما

ساري

٢٣٤

مالي سوى فقري

أدفع

١٤١

فما تبالي السما

الباري

٢٣٤

مالي سوى قرعي

أدفع

١٤١

وقد وقعت ببيت

داري

٢٣٤

ومن الذي أدعو

يمنع

١٤١

لو كل كلب

بدينار

٢٣٤

حاشا لجودك

أوسع

١٤١

لما جفاني منيتي

غدر

٢٤٤

عندي سؤال حسن

تفرعا

٢٥٢

أصبحت ولهانا به

سعر

٢٤٤

قابض شيء برضى

معا

٢٥٢

وراح يهوى الغير

نظر

٢٤٤

خذ الجواب نظم

تبرعا

٢٥٢

ضربت فيه مثلا

درر

٢٤٤

أعار صيدا من

فاجتمعا

٢٥٢

كالخان لا يوحشه

حضر

٢٤٤

(حرف الفاء)

الجفن قد حاكى

ناظره

٢٤٦

فاح الوجود بنشر

الصفا

١١٥

لو أن عاذله

عاذره

٢٤٦

وبعد فالإنسان

يعرف

٢٢٤

يا عاذلي دعني

آخره

٢٤٦

يا أيها الطائف

الواكف

٢٢٢

(حرف السين)

مذ غبت عن عيني

الطائف

٢٢٢

قد شاقني ظبي

اللامس

١٩٢

وقال في القرآن

اصطفى

٢٢٤

طرقوا على ورد

ناعس

١٩٢

(حرف القاف)

(حرف العين)

إن الجبان حتفه

بروقه

٨١

عانقت دنياك مسرورا

الورعا

٨٩

(حرف اللام)

فكيف ينفع منك العلم

منتفعا

٨٩

وقد كنا نعدهم قليلا

القليل

٣٢

بروحي من نرجوه

المطامعا

١١٨

ألا ليت شعري

رسول

٥٠

يقول وقد آلت

تدافعا

١١٨

محمد المختار

وصول

٥٠

شفاعته ينجو بها

دافعا

١١٨

إذا ما كنت تهوى

للكمال

٩٣

دعا الناس للإسلام

دعا

١١٨

فدع ذكر الحميا

المطال

٩٣

كعب هلال

ربيع

١٥٣

وأن تهدي بزهر

الغزال

٩٣

وصل حبيبي خبر

رفعه

٢١٦

وكن حبسا على ذكر

المعال

٩٣


صدر البيت

القافية

 الصفحة

 صدر البيت

 القافية

 الصفحة

لزلزلت أرضكم

تبالونا

١٠٣

الحلو مر فزاد

حلالي

٢٣٣

محمد خير الورى

الأول

١١٥

أخبار سقمي

السلسال

٢٣٣

غرامي صحيح

مسلسل

١٤٩

وكنوح نوحي

الترحال

٢٣٣

وصبري عنكم

أجمل

١٤٩

يعقوب أحزاني

الآمال

٢٣٣

ولا حسن إلا

فأنقل

١٤٩

غرامي صحيح من قديم

مقاتلي

٢٣٨

وأمري موقوف

مهول

١٤٩

أرى الفضل عنكم

لناقل

٢٣٨

ولو كان مرفوعا

تعدل

١٤٩

فأنتم منائي في الوجود

المحافل

٢٣٨

وعذل عذولي

يهمل

١٤٩

يقول راجي إله

متصلا

٢٤١

أقضي زماني

أتوصل

١٤٩

تدنو من الألف

حصلا

٢٤١

وها أنا في أكفان

فأحمل

١٤٩

تخريج أصل الفقه

وعلا

٢٤١

وأجريت دمعي

تتحلل

١٤٩

دنا برحمته للخلق

علا

٢٤١

فمتفق جفني

المبلبل

١٤٩

في مدة نحو

كملا

٢٤١

ومؤتلف وجدي

آمل

١٤٩

ستا وسبعين عاما

خجلا

٢٤١

خذ الوجد عني

يتحيل

١٤٩

إذا رأيت الخطايا

أملا

٢٤١

باتوا على قلل

القلل

١٩٩

توحيد ربي يقينا

على

٢٤١

واستنزلوا من أعالي

نزلوا

١٩٩

محمد في صباحي

الزللا

٢٤١

ناداهم صارخ

الحلل

١٩٩

فأقرب الناس

مشتغلا

٢٤١

أين الوجوه التي

الكلل

١٩٩

يا رب حقق رجائي

شملا

٢٤١

فأفصح القبر عنهم

تقتتل

١٩٩

اعذار أخاك إذا

زلل

٢٩٩

قد طال ما أكلوا

أكلوا

١٩٩

وهل رأيت صفاء

يحتمل

٢٩٩

وكنا على بين

الشملا

٢٠٤

(حرف الميم)

فيا عجبا ضدان

أحلا

٢٠٤

أصبر قلبي

أكتم

٨٤

الجسم مضنى

ببالي

٢٣٣

لو لا رجال لهم ورد

يصومنا

١٠٣

والجفن مهمول

لي

٢٣٣

وظبية كقضيب البان

أصمى

١٥٣

والوصل مفصول

لخالي

٢٣٣

أريد أسأل منك

سلما

١٥٣

والاسم مقصور

لي

٢٣٣

ثلاثين يوما بت

كليم

١٩٠

من مبتدأ خبري

استقبالي

٢٣٣

فقولوا لرب الحسن

كليم

١٩٠

منكم بكم أغرى

العذال

٢٣٣

أحاديث الرسول

همي

١٨٤

لما جزمتم بالبعاد

الأفعال

٢٣٣

فدت نفسي ثقات

عمي

١٨٤


صدر البيت

القافية

 الصفحة

 صدر البيت

 القافية

 الصفحة

أعاذلتي عليه

أمي

١٨٤

ومن تكن برسول الله

تجم

٢٦٨

لمن والاهم حبي

ذمي

١٨٤

يا أكرم الخلق

العمم

٢٦٧ (ت)

لسان الفتى نصف

الدم

٢١٢

فإن من جودك الدنيا

القلم

٢٦٧ (ت)

وكم من وجيه

التكلم

٢١٢

(حرف النون)

يقولون لي فيك

أحجما

٢٢٦

إن الزمان كميزان

الدين

١٢١

ترى الناس من داناهم

أكرما

٢٢٦

لذاك قصرت عن

تكفيني

١٢١

وما كل برق

منعما

٢٢٦

أشكو إليك حوادثا

الأحزان

٢٢٢

وما زلت منحازا

مغنما

٢٢٦

من لي سواك يكون

يكلاني

٢٢٢

إذا قيل هذا مورد

الظما

٢٢٦

لو لا رجاؤك والذي

جناني

٢٢٢

وإني إذا ما فاتني

متندما

٢٢٦

لكسرة من جشيب

ترويني

٢٢٣

ولكنه إن جاء عفوا

ليعتما

٢٢٦

وخرقة من جريش

لتكفيني

٢٢٣

وأقبض خطوي عن

مكرما

٢٢٦

ولا أردد في الأبواب

الفداديني

٢٢٣

وأكرم نفسي

مذمما

٢٢٧

لأجعلن ولايات

فداديني

٢٢٣

أنهنهها عن بعض

أولما

٢٢٧

لذا كان حاملو

الإحسان

٢٢٤

ولم أقض حق

سلما

٢٢٧

للبس ثوبين

ليلتين

٢٦٦

ولم أبتذل في

لأخدما

٢٢٧

أحسن من نعمة

عيني

٢٦٦

أأغرسه عزا

أحزما

٢٢٧

إني وإن كنت

دين

٢٦٦

فإن قلت جد العلم

أسلما

٢٢٧

لمستعف برزق

بيني

٢٦٦

ولو أن أهل العلم

لعظما

٢٢٧

تزين معانيه

المعاني

٢٨٦

ولكن أهانوه

تجهما

٢٢٧

(حرف الهاء)

ورب غصن غنج

قويم

٢٣٠

وإنهم في الناس

يباهي

٢٢٤

سألته ما الاسم

الكريم

٢٣٠

٢٢٤

محمد سيد الكونين

عجم

٢٦٨

(حرف الياء)

نبينا الآمر الناهي

نعم

٢٦٨

أوراق كديته في بيت

روي

٣٥ (ت)

هو الحبيب الذي

مقتحم

٢٦٨

قد طبق الأرض

الهروي

٣٥ (ت)

***


فهرس الفوائد المنثورة

كتابة الحديث كانت معروفة في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٥

إكمال المصنف ل «أمالي الأذكار»لشيخه الحافظ ابن حجر

٧

وصف مختصر ل «غنية اللبيب في شرح التقريب»للمصنف

٧

كراهية المصنف لمن يلقبه ب «ابن البارد»

١١

السخاوي كان حريصا على تسجيل ثناء عصره عليه

١٤

كلام الأقران يطوى ولا يذكر

١٤

الخلاف على الراوي وشروط قبوله

٢٣ ، ١٦٧

علم الحديث لا يعلق إلا بمن قصر نفسه عليه

٣٢

تفضيل العراقي للحافظ ابن حجر على ولده ولي الدين

٣٢

التنبيه على سقم نشرة «الأربعين البلدانية»للسلفي بتحقيق : السعدني

٣٣

التنبيه على تصحيف وقع في «المعجم المختص بالمحدثين» و «معجم الشيوخ» و «الجواهر والدرر»

٣٧

البرزالي هو الذي حبب للذهبي طلب الحديث وذلك بقوله له : خطك يشبه خط المحدثين

٣٨

شغف العراقي بتخريج أحاديث «الإحياء»، وأنه خرجه تخريجا صغيرا ومتوسطا وكبيرا ؛ والمشهور هو الصغير ، وأما الكبير فقد مات عن أكثره وهو مسودة

٤٠

تصانيف ابن حجر التي كان راضيا عنها

٤٠

وصف موجز لكتاب «التفرد»لأبي داود

٤١

إسهاب الدارقطني في الكلام على حديث بسرة في نقض الوضوء بما يزيد على خمس عشرة ورقة مخطوطة

٤٢

إهمال الهمزة الواقعة في نهاية الكلمة في الكتابة القديمة وأمثلة على ذلك

٤٥

حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن ...»من الأدلة الكثيرة على علوه جل وعلا

٤٧

بيان سبب افتتاح الرواة لقاءاتهم بحديث «الراحمون يرحمهم الرحمن»

٤٩

التنبيه على عدم ثبوت حديث : «ما بين قبري ومنبري»وأن الثابت في «الصحيح»: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»

٥٧

التنبيه على خطأ وقع للمعلق على «صحيح ابن حبان»في نسبة راو

٦٠

من الخطأ الشائع قولهم : «بيت المقدس ثالث الحرمين»

٦٣


التنبيه على سهو وقع لمحقق «شعب الإيمان»للبيهقي الطبعة السلفية

٦٥

التنبيه على خطأ وقع لمحقق «فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم»في نسبة راو

٧٢

كلام للشيخ أحمد شاكر في عدم جواز الزيادة على صيغة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المروية

٧٣

مسند عبد الله بن بسر من الأجزاء المفقودة من معجم الطبراني الكبير

٧٨

تنبيه على وهم للحاكم في استدراكه حديثا على الصحيحين

٨٠

تعجيل صلاة المغرب هو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتابعين بعدهم

٨٣

الغلو في الأنبياء والصالحين من أعظم الأسباب المفضية إلى الشرك

٨٥

النسخة المطبوعة من «مسند الشاشي»تمثل بعض أجزاء المسند الأصل ، وقد فقد منه مسند الخلفاء الراشدين وغيرهم

٩١

أبو العشراء الدارمي له نحو من خمسة عشر حديثا عن أبيه وكلها ـ كما قال الحافظ ـ بأسانيد مظلمة

٩٧ ـ ٩٨

ذكر ابن حبان للراوي في «الثقات»مما لا ينفعه ، ونقل كلام للمعلمي في قاعدة ابن حبان في ثقاته

٩٨

التنبيه على تصحيف وقع في المطبوع من «تهذيب الكمال»

٩٨

مسند النعمان بن بشير من القسم المفقود من «المعجم الكبير»للطبراني

١٠٢

قول علي بن المديني أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث

١٠٦

التنبيه على أن زيادة الألف بعد الباء الأولى من «بعلبك»لا وجه له

١٠٨

حديث : «إن أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»باطل لا أصل له ، والتنبيه على عدم وجوده في «مصنف عبد الرزاق»

١١٥

نقل كلام النووي وابن القيم في أن السنة عدم تعلية القبور

١٢٤

قول ابن كثير : أصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها

١٢٥

التبرك بالقبور مخالف للحكم التي من أجلها شرعت زيارة القبور

١٢٥

تعريف التبرك وضابطه

١٢٥

النذر والتقرب بأنواع القربات لغير الله تعالى شرك صراح

١٢٥

استجابة الدعاء أو حصول المطلوب ليس مقياسا لصحة الفعل أو شرعيته

١٢٦

كلام للشوكاني في أن السنة لا تثبت بمجرد التجربة

١٢٦

التعقيب على الشيخ الألباني في الحكم على راو

١٣٦

تنبيه الذهبي على سكوت الحاكم على كثير من الأحاديث في مستدركه

١٣٧

ضبط كلمة «الجعرانة»

١٤٠

تنبيه على تصحيف في «مختصر استدراك الذهبي على الحاكم»

١٤٥


تعقب المصنف في زيادة لم يقف عليها في «الصحيحين»وبيان أنها في البخاري

١٤٩

شرح ابن عبد الهادي على قصيدة ابن فرح الإشبيلي

١٥٠

الفربري وبيان أنه بفتح الفاء وكسرها

١٥٥

مثال في دخول حديث في حديث على الراوي

١٦٠

أقوال الأئمة في ابن لهيعة

١٦٢

بلدة داريا أقدم من الغسانيين بآماد طويلة

١٧١

الحافظ ابن حجر كان يملي «نتاج الأفكار»من حفظه

١٧٣

من طرق إعلال الحديث الخفية عند الأئمة النقاد إتباعهم الطريق الموقوفة أو المرسلة للطريق المرفوعة أو المسندة

١٧٣

ترجمة لإبراهيم بن أبي المجد الدسوقي وذكر شيء من شطحاته

١٧٧

تعظيم الشافعي لأصحاب الحديث

١٨٣

زيادات القطيعي على «فضائل الصحابة»للإمام أحمد فيها الكثير من الموضوعات

١٨٧

وهم للحاكم في استدراكه حديثا على «الصحيحين»وهو في البخاري

١٩٥

الخلاف في مكان دفن النسائي

١٩٨

وفاة الشيخ ابن باز كانت بالطائف

٢٢٠

الخلاف في مكان مولد الشافعي

٢٣٢

التعقيب على الحافظ ابن حجر في تأويله لصفتي النزول والعلو ، وبيان مذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات

٢٤١

استظهار أن المصنف كان يملي هذه المجالس من حفظه

٢٤٨

بيان الترمذي لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة»

٢٥٥

مسلم لم يحتج بمحمد بن عمرو بن علقمة وإنما روى له متابعة

٢٦٠

قصيدة البردة للبوصيري وذكر نماذج من المخالفات فيها

٢٦٧

كلام للشيخ المعلمي في أن المحبة كثيرا ما تجمح ببعض الناس فيتخطى الحجة ويحاربها

٢٦٨

استظهار خطأ المصنف في نسبة راو

٢٧٥

مسند أحمد على كبره ليس فيه من رواية أحمد ، عن الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر سوى أربعة أحاديث

٢٨٧

مثال للتبرك غير المشروع

٢٠٣

***


فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق

ترجمة المصنف

مولده ونشأته

ثناء العلماء عليه

ما وقع بينه وبين عصريه السيوطي

بيان أن كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأبه

مؤلفاته

وصف النسخة المعتمدة في التحقيق

وصف النسخة المعتمدة في التحقيق

إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه

تحقيق اسم الكتاب

المآخذ على المصنف

وصف النسخة المعتمدة في التحقيق

تأثر المصنف بما كان سائدا في عصره من تعظيم المشاهد والمزارات

كلام للشيخ حامد الفقي يصور طبيعة العصر الذي كان يعيشه المصنف

تنبيه المحقق على ضرورة وجود دراسة شاملة حول الحافظ السخاوي ومنهجه في التوحيد والعقيدة

تسمّح المصنف في تقوية بعض الحاديث بتعدد طرقها وأمثلة على ذلك

تعريف بمصطلحات يكثر ورودها في الكتاب : الموافقة ، البدل ، المساواة ، والمصافحة منهج العمل في الكتاب

نماذج من النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق

مقدمة المؤلف

أول من ألّف في البلدانيات وذكر من ألّف بعده

٥

١١

١٢

١٣

١٤

١٤

١٥

١٩

١٩

١٩

٢٠

٢٠

١٩

٢١

٢١

٢١

٢٢

٢٥

٢٦

٢٨

٣١

٣٢

٢٥

٢٦

٢٨

٣١

٣٢

البلد الأول : جدّة

البلد الثاني : مكة

البلد الثالث : المدينة

البلد الرابع : بيت المقدس

البلد الخامس : بلد الخليل

البلد السادس : إسكندرية

البلد السابع : أطرابلس

البلد الثامن : أنبابة

البلد الثامن : أنبابة

البلد التاسع : بدر

البلد العاشر : برزة

البلد الحادي عشر : برطس

البلد الثامن : أنبابة

البلد الثاني عشر : بركة الحاج

البلد الثالث عشر : بعلبك

البلد الرابع عشر : بلبيس

البلد الخامس عشر : بولاق

البلد السادس عشر : ترسا

البلد السابع عشر : تفهنا ١٢٤

البلد الثامن عشر : جبرين ١٢٨

البلد التاسع عشر : جزيرة الفيل ١٣٥

البلد العشرون : الجزيرة الوسطى ١٣٨

البلد الثاني والعشرون : الجيزة ١٤٢

البلد الثالث والعشرون : حلب ١٤٧

البلد الرابع والعشرون : حماة ١٥١

البلد الخامس والعشرون : حمص

البلد السادس والعشرون : الخانقاة

السرياقوسية

٤٣

٥١

٥٧

٦٣

٦٣

٧٦

٨٢

٨٥

٨٥

٩٠

٩٤

١٠٠

٨٥

١٠٤

١٠٨

١١٣

١١٩

١٢٢

١٢٤

١٢٨

١٣٥

١٣٨

١٤٢

١٤٧

١٥١

١٥٤

١٥٧


البلد السابع والعشرون : الخطارة

البلد الثامن والعشرون : خليص

البلد التاسع والعشرون : داريا

البلد الثلاثون : دسوق

البلد الحادي والثلاثون : دمشق

البلد الثاني والثلاثون : دمياط

البلد الثالث والثلاثون : دنجية

البلد الرابع والثلاثون : أم دينار

البلد الخامس والثلاثون : رابغ

البلد السادس والثلاثون : رشيد

البلد السابع والثلاثون : الرملة

البلد الثامن والثلاثون : الزبداني

البلد التاسع والثلاثون : سرس

البلد الأربعون : سرمين

البلد الحادي والأربعون : سرياقوس

البلد الثاني والأربعون : سمنود

البلد الثالث والأربعون : شبرى الخيمة

البلد الرابع والأربعون : صالحية دمشق

البلد الخامس والأربعون : صالحية القاهرة

البلد السادس والأربعون : الطالبية

البلد السابع والأربعون : الطائف

البلد الثامن والأربعون : طنان

البلد التاسع والأربعون : الطور

البلد الخمسون : عرفات

البلد الحادي والخمسون : عقبة أيلة

البلد الثاني والخمسون : عمريط

البلد الثالث والخمسون : غزة

البلد الرابع والخمسون : فارسكو

البلد الخامس والخمسون : فوة

البلد السادس والخمسون : فيشا الصغرى

١٦١

١٦٨

١٧٠

١٧٧

١٨١

١٨٥

١٩١

١٩٢

١٩٣

١٩٦

١٩٨

٢٠٠

٢٠٣

٢٠٤

٢٠٥

٢٠٨

٢١٠

٢١٣

٢١٦

٢١٧

٢٢٠

٢٢٣

٢٢٤

٢٢٥

٢٢٨

٢٣٠

٢٣١

٢٣٤

٢٣٥

٢٣٨

البلد السابع والخمسون : القاهرة المعزية

البلد الثامن والخمسون : القرافة

البلد التاسع والخمسون : قطيا

البلد الستون : قليوب

البلد الحادي والستون : كفر بطنا

البلد الثاني والستون : كوم الريش

البلد الثالث والستون : المجدل

البلد الرابع والستون : المحلة

البلد الخامس والستون : المرج

البلد السادس والستون : المزة

البلد السابع والستون : مصر

البلد الثامن والستون : معرة النعمان

البلد التاسع والستون : منشأة المهراني

البلد السبعون : المنصورة

البلد الحادي والسبعون : منوف

البلد الثاني والسبعون : منية المراء

البلد الثالث والسبعون : منية الرديني

البلد الرابع والسبعون : منية عساس

البلد الخامس والسبعون : منية عقبة

البلد السادس والسبعون : منية نابت

البلد السابع والسبعون : منى البلد الثامن والسبعون : نابلس

البلد التاسع والسبعون : وسيم

البلد الثمانون : ينبع

السماعات

فهرس الآيات القرآنية

فهرس الأحاديث النبوية

فهرس الأشعار

فهرس الفوائد المنثورة

فهرس المواضيع

٢٣٩

٢٤٢

٢٤٤

٢٤٥

٢٤٧

٢٥٠

٢٥٢

٢٥٣

٢٥٧

٢٥٨

٢٦١

٢٦٥

٢٦٧

٢٦٩

٢٧٢

٢٧٩

٢٧٩

٢٨٤

٢٨٦

٢٨٧

٢٩٠

٢٩٣

٢٩٦

٢٩٨

٣٠١

٣٠٥

٣٠٦

٣١٢

٣١٦

٣١٩

البلدانيات

المؤلف:
الصفحات: 320