
الإهداء
ـ إلى روح والدي ووالدتي ...
ـ إلى شهداء ثرى فلسطين الطاهر ...
ـ إلى الأمتين العربية والإسلامية ...
ـ إلى كل من ساهم ويساهم في تحرير القدس
والخليل ...
ـ إلى عشيرة الكعابنة في فلسطين والأردن
...
ـ إلى زوجي سمر وأولادي مقداد ، أحمد ،
آلاء ، عز الدين وولاء ...
وفاء للجميل ...
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة
بعد الاطلاع
على كتب التراث الإسلامي ، ومحاولة تحقيق ما يمكن منها ، مهمة جليلة يطلع بها
الباحثون والدارسون لهذا التراث ، ومخطوط الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل من
المخطوطات التي تبحث في فترة مهمة من فترات هاتين المدينيتن ، في مقدمة المخطوطات
التي تم الاهتمام بها ، غير أن هذا الاهتمام جاء مبتورا ، فقد طبع هذا المخطوط في
فترة مبكرة عدة مرات وفي عدة بلدان ، دون أن يلقى حقه من التحقيق والمراجعة.
وجاء اهتمام
الباحث بهذا السفر العظيم ، لأنه يؤرخ لفلسطين بشكل عام ، وللقدس والخليل بشكل خاص
، وحسب اطلاع الباحث فقد كان هذا المخطوط هو الأول من نوعه الذي يحمل هذا العنوان
، رابطا أقدس مدينتين في العالمين العربي والإسلامي معا بعد مكة المشرفة والمدينة
المنورة ، وكأن مجير الدين الحنبلي يستقرئ التاريخ لما نلاحظه من ربط ديني وتاريخي
وسياسي في الوقت الراهن ، إذ تشكل هاتان المدينتان الأساس الموضوعي لنسف ما يسمى
بعملية السلام التي لم يؤمن بها اليهود على الإطلاق.
وقد واجه
الباحث في عمله صعوبات عدة ، ومنها جمع مخطوطاته المنتشرة في أرجاء العالم ، وقد
تمكن من جمع بعضها التي يطمح من خلالها إبراز هذا المخطوط بشكل يليق بمكانته
العلمية والتاريخية.
والصعوبة
الثانية تأتي من مركز إحياء التراث الإسلامي في القدس الذي توجه إليه الباحث طلبا
للمساعدة ، غير أنه واجه رفضا متواصلا منه ، ولم يتمكن من تصوير المخطوطات التي
عنده ، والتي هي جزء من التراث الإسلامي العام ، ليطلع عليه الباحثون ، وهو أول
أهداف إقامة ذلك المركز ، الذي حرم من هذه الرسالة العظيمة.
وصعوبة ثالثة
هي مشكلة الطباعة ، إذ أن هذا النمط من الرسائل غير معتاد عليه وبخاصة وجود هامشين
ورموز.
وقد بدأ عمله
هذا بدراسة عن المؤلف ، إذ أن التوسع في موضوعه يدخل في إطار دراسة أخرى ، ثم قام
بدراسة مستفيضة حول مخطوط الأنس الجليل ، حاول من خلالها إبراز المواضيع التي ركز
عليها هذا المخطوط ، وحاول أن يعطينا معلومات دقيقة وتفصيلية عنها.
ثم قام بتحقيق
المخطوط من خلال المخطوطات التي جمعها ، وبلغ عددها خمس مخطوطات ، ولم يكتف بضبط
النص ، وإنما قام بتحقيق الأخطاء الإملائية واللغوية وغيرها مما عثر عليه.
ثم قام بتعريف
الأعلام والأماكن التي وردت في هذا السفر الجليل ، والتي كان ينقصها مثل هذا
التعريف ، ويزيد من أهمية هذا العمل أن مجير الدين الحنبلي قد كتب عن أماكن وأعلام
، وأفادنا بمعلومات كانت ستندثر وتذهب هباء منثورا ، لو لا أن حفظها في مخطوطه
القيم ، والدال على قيمة هذا المخطوط أيضا كثرة المستفيدين منه عند بحث موضوع
القدس والخليل ، وهكذا أراده العليمي عندما ألفه فقال : (وفي هذا المختصر ما لم
يوجد في غيره مما يتعلق بالقدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام) ، وهكذا
كان.
والحمد لله أولا وأخيرا
الدراسة
أولا : ترجمة المؤلف
١
ـ حياته :
هو عبد الرحمن
بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف العمري ، العليمي ، الحنبلي والعمري نسبة إلى عمر
بن الخطاب رضي الله عنه ، والعليمي نسبة إلى أحد أجداده عليل ، والحنبلي نسبة إلى المذهب الحنبلي.
ولد العالم
الجليل في مدينة بيت المقدس يوم الأحد ١٣ ذي القعدة ، ٨٦٠ ه / ١٤٥٥ م ، من بيت
عرف بالعلم ، إذ كان والده قاضي بيت المقدس الشريف ، وقد نبغ مجير الدين منذ صغره
، حيث تتلمذ على عدد كبير من شيوخ العلم في المدينة المقدسة ، منهم الشيخ عبد الله
بن محمد القلقشندي ، وابن جماعة وآخرون ، وقد تمكن في الثامنة عشرة من عمره من الحصول على
__________________
إجازة في قواعد اللغة ، وحفظ القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وخلال حياته
العلمية والعملية تنقل مجير الدين الحنبلي في البلاد الإسلامية ، فذهب إلى القاهرة
في ربيع الثاني عام ٨٨٠ ه / ١٤٧٥ م ، ولزم قاضي مصر الحنبلي أبا بكر السعدي ، وبقي في القاهرة حتى شوال سنة ٨٨٩ ه / ١٤٧٥ م ، ثم عاد إلى مدينة الرملة وعين قاضيا فيها ، وبقي في
هذا المنصب حتى عين سنة ٨٩١ ه / ١٤٨٦ م قاضيا في القدس والخليل ونابلس ، بالإضافة
إلى الرملة ، ويبدو أنه بقي قاضيا في بيت المقدس والمناطق الأخرى حتى وفاته عام
٩٢٧ ه / ١٥٢١ م .
٢
ـ مؤلفاته :
كتب مجير الدين
الحنبلي في العديد من العلوم الإسلامية ، فكتب في الفقه والحديث والتراجم والتاريخ
، وأهم هذه المؤلفات :
١ ـ المنهج
الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد ، وقد نشر هذا الكتاب في مجلدين ، تحقيق محيي الدين عبد
الحميد والتراجم مرتبة فيه حسب سنوات الوفاة.
٢ ـ التاريخ
المعتبر في أنباء من غبر ، وهو تاريخ مرتب بشكل حولي من تاريخ سيدنا آدم حتى عام
٨٩٦ ه / ١٤٩٠ م .
٣ ـ الإتحاف :
ويبدو أنه مختصر لكتاب الإنصاف في معرفة مراجع من الخلاف للعلاء المرداوي الحنبلي .
٤ ـ الأنس
الجليل بتاريخ القدس والخليل.
وهناك كتب ذكرت
أنها منسوبة إليه ، ولكن النسبة غير مؤكدة ، وهي :
__________________
١ ـ الدر
المنضد في أصحاب الإمام أحمد .
٢ ـ الإعلام
بأعيان دولة الإسلام.
٣ ـ الوجيز.
ولم يحقق من
كتبه سوى مؤلفين هما : المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد ، ومخطوط الأنس
الجليل الذي نحن بصدد تحقيق القسم الذي يبدأ من الفتح الناصري الداودي ، وقد حظي
كتاب الأنس ببعض الاهتمام ، فقد ترجمه المستشرق هنري سوفيرHenri Sauvaire إلى الفرنسية في باريس عام ١٨٧٦ م
.
وهناك مختصر
للأنس الجليل اسمه «الأنس الجميل باختصار الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» وضعه
محمود ابن عبد المحسن المعروف بابن المدقع الدمشقي .
٣
ـ عصره :
عايش مؤلف
الأنس الجليل فترة انتقال بين سقوط الدولة المملوكية ، وبداية الفتح العثماني ـ إن
جاز لنا هذا التعبير ـ ليس لمدينة القدس فقط ، وإنما لبلاد الشام كاملة عام ٩٢٢ ه
/ ١٥١٦ م ، هذه الفترة التي شهدت ركودا اقتصاديا شاملا بسبب الانهيار الاقتصادي
الذي أصاب المورد الرئيس للاقتصاد المملوكي ، وهو تحول طريق التجارة من بلاد الشام
والبحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح ، وما رافق ذلك من قيام البرتغاليين والإسبان
بمهاجمة الشواطئ الإسلامية في المحيط الهندي والبحر الأحمر وحتى في البحر المتوسط.
ومع ذلك فقد
استمرت القدس المدينة التي ينظر إليها دائما بقدسية بخاصة في بلاد الشام ، وأجاد
مجير الدين الحنبلي بحق عندما كتب تاريخا محليا بكل ما للكلمة من معنى للقدس ،
والمدينة المجاورة لها والمقدسة عند المسلمين وهي مدينة الخليل ، وحفظ لنا بذلك
تراجم ومدارس وزوايا ومقابر وأعلاما وأحداثا كنا سنفقدها لو لا هذا السفر العظيم ،
وكان مجير الدين الحنبلي قد سن سنة حسنة عندما بدأ بالاعتماد على وثائق وسجلات
عصره ، وحتى على اللوحات التأسيسية ، فأضاف بذلك عنصرا جديدا لكتابة التاريخ في
عصره.
__________________
وبالرغم من أن
العصر الذي عايشه المؤلف كان مؤلما من الناحية الاقتصادية ، والتي تركت أثرها على
جميع مناحي الحياة في ذلك العصر ، وتركت بصماتها حتى على مسألة السكان الاجتماعية
، وبالرغم من أن مجير الدين الحنبلي كان رائدا في مجال كتابة التاريخ المحلي ، فإن
هناك بعض المؤرخين الذين كتبوا بصدق وأجادوا في كتابة التاريخ ـ وإن ركزوا
على التاريخ العام أو على التراجم ـ ولم يركزوا على كتابة التاريخ المحلي كما فعل
مجير الدين.
ومن هؤلاء ابن
حجر العسقلاني الذي توفي سنة ٨٥٢ ه / ١٤٤٨ م ، وقد ركز على التراجم ، ومن كتبه (تهذيب
التهذيب) ، وكتاب (إنباء الغمر بأبناء العمر) ، وكتاب (الدرر الكامنة في أعيان
المائة الثامنة) ، وابن عرب شاه ٨٥٤ ه / ١٤٥٠ م ، وكتابه (عجائب المقدور في أنباء
تيمور) الذي كان كتابه بمثابة سيرة ذاتية للسلطان المغولي تيمور لنك ، والسخاوي ت
٩٠٢ ه / ١٤٩٦ م الذي ألف كتاب (الضوء اللامع في محاسن أهل القرن التاسع).
ومع ذلك فإن
هناك عددا من المؤرخين الذين اهتموا بالتاريخ العام للمنطقة ، أمثال : العيني ت
٨٥٥ ه / ١٤٥١ م صاحب كتاب (عقد الجمان في أخبار الزمان) ، وابن تغري بردي الذي
كتب تاريخا عن مصر ولا يمكن أن يعتبر نوعا من التاريخ المحلي ، لأنه وصف إقليما
كاملا وليس منطقة محددة ، وكتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) ، وكتابه
الآخر (حوادث الدهور في ذكر الأيام والعصور) ، والسيوطي ت ٩١١ ه / ١٥٠٥ م صاحب
كتاب (تاريخ الخلفاء) ، وابن إياس ت ٩٣٠ ه / ١٥٢٣ م ، الذي ألف كتاب (بدائع
الزهور في وقائع الدهور).
وقد ظهرت كتب
الجغرافيا ، وخصوصا الجغرافيا العامة مثل غرس الدين بن الظاهري ت ٨٧٣ ه / ١٤٦٨ م
الذي كتب (زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك).
٤
ـ مصادره :
بالرغم من أن
مجير الدين الحنبلي قرر تاريخا مختصرا على حد قوله لكل من بيت المقدس مسرى ومعراج رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، والخليل بلد سيدنا إبراهيم الخليل ،
__________________
إلا أنه رغم ذلك جاء شاملا ، وبهذا الحجم الكبير ، فقد صرح في بداية كتابه
عن بعض مصادره عندما قال : «... عنّ لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهداب ألفاظه
من فوائد المؤرخين وتراجم الأعيان على وجه الاختصار ...» .
وعند الحديث عن
مصادر الأنس الجليل التي استخدمها مجير الدين في كتابه يمكن أن نسجل ما يلي
:
١ ـ مصادر صرح
بذكرها ولكنه لم يصرح بحجم الفائدة التي حصل عليها من تلك المصادر ، مثل ابن واصل ، السبكي .
٢ ـ استخدام
عبارات مبهمة في الفترة التي عاصر أحداثها ، وكتب عنها بنفسه كشاهد عيان فقال : «المتعارف
عند الناس» ، «رجلا لا يحظرني من هو» .
٣ ـ اطلع على
بعض التراجم وحدد صاحب الترجمة عندما قال : «قد تقدم في ترجمة ابن العربي» .
٤ ـ اطلع أيضا
على بعض المختصرات فقال : وقد وقفت على معظم المختصر
٥ ـ اعتمد كذلك
على كثير من الوثائق والسجلات والمستندات واللوحات التأسيسية للمباني ، وخصوصا
المساجد والمدارس والترب ، وعند رأسه بلاطة مكتوب عليها .
٦ ـ كما اطلع
على بعض التوقيعات في المستندات لمن كتب عنهم أو سجلات أسلافهم ، فقال : وقفت على
إسجالا من إسجالات .
ومن هنا تبرز
أهمية كتاب الأنس الجليل ، في ضوء تلف أو فقدان الكثير من السجلات والوثائق التي
تعود إلى الفترة المملوكية الثانية ، أو هدم كثير من الترب
__________________
والمدارس والمساجد التي تعود إلى تلك الفترة.
٧ ـ اعتمد أيضا
على مشاهداته الشخصية أو سماعه وخصوصا الأحداث التي كان حاضرا فيها وكتب عنها أو
المجالس التي حضرها ، كما وصف مثل هذه الأحداث وصفا دقيقا مفصلا وشاملا ،
كما حدد تاريخ وقوعها بدقة متناهية ، واستشهد بكثير من الآيات القرآنية الكريمة ، والأحاديث النبوية الشريفة والتي كانت في معظمها
موضوعة .
٨ ـ اعتمد مجير
الدين على روايات وردت من أقوال علماء عصره ، وعلماء العصر السابق مثل الشيخ شمس
الدين ، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال ت ٧٦٥ ه / ١٣٦٣ م صاحب
كتاب «مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام» . والشيخ أبو محمد نصر البندنيجي قال الصاحب الأكمال تاج الدين أحمد بن الصاحب أمين
الدين ، وحكى لي صاحب كتاب الأنس للجليس ، وآخرين لم يحددهم.
٩ ـ اعتمد مجير
الدين الحنبلي على مصادر لم يحددها بدقة ، وإنما اكتفى بالإشارة إليها ببعض
الكلمات المبهمة ، مثل «وقد أخبرت» و «يقال» «وأخبرت قديما» «والظاهر أن» «والذي يظهر» «وقيل» «وقلت»
__________________
«وقد ذكر المسافرون» «ورأيت منقولا بخط بعض العلماء» «ونقل بعض المؤرخين» «وحكى لي» «وقال بعضهم» ، ونقل أن الدعاء عنده مستجاب ، فالظاهر أن «وقد أخبرني من جلس إلى جانبه» «وأخبار وأحاديث كثيرة مختلفة» .
٥
ـ أسلوبه :
اعتمد مجير
الدين اسلوبين في الكتابة :
الأسلوب الأول
: اعتمد فيه على ذكر المواضيع حسب أهميتها دون إغفال التاريخ ، وهذا يمتد من بداية
القسم الذي هو موضوع الدراسة وحتى عام ٨٧٢ ه / ١٤٦٧ م ، فقد يذكر المواقع أو
التراجم حسب أهميتها وعلاقتها ببيت المقدس والخليل ، وكان يرتب هذه المواقع
والأحداث والتراجم ، سبب وجودها الزمني في بيت المقدس والخليل.
الأسلوب الثاني
: وهو التاريخ الحولي الخالص والذي اعتمده منذ عام ٨٧٢ ه / ١٤٦٧ م ، وهي السنة
التي جلس فيها السلطان الأشرف قايتباي على سدة السلطنة وحتى عام ٩٠٠ ه / ١٤٩٤ م ، إذ يبدأ
بذكر سنة ثم الحوادث ، فالوفيات في كل عام بالترتيب.
أما داخل المتن
فأبرز الملحوظات على أسلوب مجير الدين الحنبلي في كتابه الأنس الجليل ما يلي :
اهتم بالمادة
التاريخية أكثر من اهتمامه بالصياغة اللغوية.
اهتم بالتراجم
اهتماما كبيرا وخصوصا تراجم القضاة ، والسلاطين المماليك الذين عاصرهم ، وقد أفرد
لهم صفحات واسعة ، وتحدث عن تاريخ حياتهم وعن أعمالهم ومدارسهم وإصلاحاتهم.
__________________
الإيمان بعنصر
الخرافة مثل الصخرة المعلقة بين الأرض والسماء ، أن الإنسان إذا خاف التخمة من كثرة الأكل وقال عقب
رفع المائدة وفراغه من الأكل : أبو عبد الله القرشي اليوم يوم عيد ولم يضره شيء ... الخ.
٤ ـ تمتع
بأمانة علمية كبيرة بدليل أنه ذكر بعض المواقع التي لم يتمكن من معرفة سبب تسميتها
، مثل خط مرزبان ، وقال ولم أدر نسبته لماذا ، وقال أيضا : ولم اطلع له على ترجمة .
٥ ـ الاهتمام
بالألقاب والكنى مثل : شيخ الإسلام العالم العلامة .
٦ ـ الدقة في
الوصف مثل وصف الثلج وارتفاعه وذوبانه ومتى بدأ ... الخ.
٧ ـ ذكر أوصاف
دقيقة لمن ترجم لهم ، من حيث الطول أو اللون ... الخ.
٨ ـ وصف
المواقع بدقة متناهية .
٩ ـ استخدام
السجلات والوثائق التي تعود إلى الفترة السابقة والمعاصرة للمؤلف ، وهذا يدل على
حنكة تاريخية ، وأسلوب تاريخي ناضج في وقت ندر فيه مثل هذا العمل .
١٠ ـ استخدام
الناحية العملية في التحقق من معلوماته مثل قياس المسجد الأقصى بنفسه .
١١ ـ ذكر بعض
أسماء مصادره مثل : ابن خلكان ، القرطبي ، السبكي ، ابن واصل ... الخ.
__________________
١٢ ـ لقد صحح
مجير الدين الحنبلي كثيرا من الأخطاء الواقعة في بعض التراجم من خلال الاطلاع الواسع
على حيثيات العصر الذي عاش فيه مثل قوله بوفاة شيخه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن
القاضي زين الدين العميري عام ٨٩٠ ه / ١٤٨٥ م ، بالرغم مما كتب على قبره بأنه
توفي في ربيع الأول سنة ٨٨٩ ه / ١٤٨٤ م ، والخطأ الوارد بتاريخ عمارة
المقعد الموجود بدار النيابة ببيت المقدس ، حيث كتب أنه عمر في محرم عام ٨٩١ ه /
١٤٨٦ م ، والصحيح أنه عمر في محرم عام ٨٩٢ ه / ١٤٨٧ م ، وبعض الناس يظنه ابن أبي عذيبة والصحيح .
١٣ ـ ذكر
التاريخ الهجري مقرونا بالتاريخ الميلادي ، قال : تاسع عشر ربيع الأول الموافق
لسابع كانون الثاني .
١٤ ـ استخدم
صيغة الفعل المبني للمجهول بكثرة ، قال : وأخبرت أن ، ويقال أنه .
__________________
ثانيا
: كتاب الأنس الجليل
١
ـ التعريف بالكتاب
ابتدأ النص
موضوع الدراسة والتحقيق من كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، من فتح
الناصر داود صاحب الكرك لمدينة بيت المقدس عام (٦٣٧ ه / ١٢٣٩ م) ، ومن ثم انتقل
للحديث عن مدينة القدس ووصفها وصفا ماديا لكل جزئية فيها تقريبا ، والذي يدل على
ذلك هو ذكر بعض المواقع التي دثرت مثل برج عرب ، وبعض المواقع في فلسطين مثل أوتارية والتي لم يعد لهما وجود في أيامنا.
لقد وصف المسجد
الأقصى ، وأقسامه ومساحته ، وقبة الصخرة ، والمناطق المحيطة به من تكايا ومدارس
ومساجد ، وغير ذلك. ثم بعد ذلك انتقل للتعريف بالمدارس الموجودة بالقدس الشريف
سواء تلك الموجودة داخل السور أو التي خارجه ، أو التي هي قريبة منه أو بعيدة عنه.
ثم يتحدث عن الترب والمقابر ودور الحديث والزوايا ، وحتى الآبار وعدد أفواهها ، ثم
انتقل بعد ذلك لوصف حارات وأزقة وأسواق مدينة القدس الشريف ، إذ يصفها وصفا ماديا
دقيقا ، لا يوجد أحد قبله قد اعتنى بالقدس بهذا الشكل الدقيق المميز. وبعدها يصف
مناطق بيت لحم والرملة ويافا واللد وغزة وأريحا ونابلس ، والأحداث التي مرت بها
بشكل مختصر.
ثم يأتي إلى
مدينة الخليل فيسهب في وصفها ذاكرا الحارات والزوايا والأربطة وعيون الماء
والأضرحة ، ثم يفرد عنوانا خاصا لإقطاع تميم الداري ويذكر بعض المشاكل التي واجهت
الورثة.
ثم ينتقل
للحديث عن أحداث القدس والخليل وخصوصا في عهد المماليك ، فيذكر كافة سلاطينهم وبالترتيب
وبخاصة أولئك الذين عاصرهم بنفسه ، ويذكر
__________________
علاقتهم ببيت المقدس والخليل.
وبعدها يفرد
عناوين خاصة بالقضاة والفقهاء والشيوخ من أتباع المذهب الشافعي ، ويسير على النمط
نفسه في ذكر قضاة الحنفية ، والمالكية والحنبلية. ثم يتحدث عن بعض رجال السلطة من
نواب ونظار ممن تولوا الأمر في القدس والخليل ، ومما هو جدير ذكره أن القدس
والخليل كانتا وباستمرار تشكلان وحدة إدارية سواء في عهد المماليك أو من سبقهم من
الأيوبيين ، سواء في الولاية أو النظر ، إذ يكون والي القدس والي الخليل وناظر
القدس ناظر الخليل.
ولا يغفل مجير
الدين الحديث عن أحوال الطبيعة من الثلج ، وانحباس المطر والقحط ، والأمراض مثل الطاعون . وكذلك يصف حالة الناس النفسية واستغاثتهم ودعاءهم
ونفسياتهم عندما لا يستجاب لهم . ولا يهمل كذلك الحديث عن علاقة السكان بعضهم ببعض
وخاصة علاقة المسلمين بأهل الذمة من يهود ونصارى فيذكر وقائع وأحداثا عن مشاكل
الكنيسة ، والقبة ، وقبر داود .
ثم تحول مجير
الدين بعد ذلك للحديث بشكل حولي على نمط من سبقه من المؤرخين فبدأ ذلك بأحداث سنة
٨٧٢ ه / ١٤٦٧ م ، وأنهى ذلك بأحداث سنة ٩٠٠ ه / ١٤٦٤ م ، وهذه الفترة تعتبر
الأهم من وجهة نظري في الكتاب لأن مجير الدين قد عاشها بنفسه.
ويبدو أن هناك
ذيلا للأنس الجليل ، أشار مجير الدين الحنبلي عن نيته في عمله في نهاية كتاب الأنس
الجليل عندما قال : «وكان ابتدائي في جمعه في خامس عشري ذي الحجة سنة تسعمائة ،
وفرغت من جمعه وترتيبه في دون أربعة أشهر ، وإن فسح الله في الأجل جعلت له ذيلا
أذكر فيه ما يقع من الحوادث بالقدس الشريف وبلاد سيدنا الخليل عليه السلام ،
وغيرهما من أول سنة إحدى وتسعمائة إلى آخر وقت يريده الله تعالى فيما بقي من العمر»
.
__________________
ويبدو أن إحدى
مخطوطات الأنس الجليل تحوي هذا الذيل الذي أصبح مثار خلاف حاد بين المهمتين بهذا
المصدر ، ولم يتم حسم الموضوع بشكل نهائي .
٢
ـ موضوعات الكتاب
٢
: ١ ـ المدارس والمعاهد العلمية :
تحدث مجير
الدين عن المدارس والمعاهد العلمية في بيت المقدس ، فبدأ بالموجود داخل الحرم
القدسي ، ثم ذكر دار الحديث التي أوقفها الأمير عيسى الهكاري ودار القرآن التي
أوقفها أبو بكر السلامي ٧٦١ ه / ١٣٥٩ م ، فالخانقاه التي أوقفها صلاح الدين الأيوبي
، واحتل هذا الباب حيزا كبيرا من هذا الكتاب.
فلقد ذكر
المدارس والمعاهد العلمية التي يفوق عددها ستين مدرسة وزاوية ورباطا وخانقاه ، وإن
دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية العلم في عهده ، واهتمامه هو نفسه بالعلم
والعلماء ، وإن القدس كانت تشكل مصدر إشعاع علمي.
وتحدث كذلك عن
الزوايا والتكايا في مدينة الخليل ، وبين موقعها ، وتاريخ بنائها ، وبانيها ، أو
من وقفها لخدمة المسلمين في هاتين المدينتين ، كما بين دور هذه المدارس في خدمة
سكان هاتين المدينتين ، كما تحدث عن العلماء الذين خدموا أو تخرجوا من هذه المدارس
، وذكر بعض الشروط التي وضعها الواقف .
٢
: ٢ ـ القضاء :
أفرد مجير
الدين الحنبلي عناوين كبيرة لمؤسسة القضاة والخطباء في بيت المقدس والخليل ، وجعل
لهم تصنيفا خاصا بهم حسب الأهمية والتدرج التاريخي لوجودهم في بيت المقدس ، وذلك
حسب المذاهب الأربعة.
وبدأ بالقضاة
والعلماء الشافعية الذين أفرد لهم فصلا خاصا ، ثم بالقضاة الحنفية ، والقضاة المالكية ، ثم القضاة الحنابلة ، ولم يقتصر حديثه عن بيت
__________________
المقدس والخليل ، وإنما أضاف إليها غزة كذلك ، وقد اهتم بالحديث عن القضاة
ودورهم وأعمالهم الحسنة في بيت المقدس والخليل ، كما تحدث عن أسباب عزلهم أحيانا ،
وذكر كيف وصل بعضهم للمنصب بطرق ملتوية .
٢
: ٣ ـ الجغرافيا :
لقد رسم مجير
الدين خارطة لمنطقة القدس والخليل في تلك الفترة حيث ذكر كثير من المواقع التي
اندثرت في زماننا مثل برج عرب وقرية قباب الشاورية . ولم يقتصر حديثه عن فلسطين ، وإنما تحدث عن بعض
المواقع في بلاد الشام بشكل عام عندما تحدث عن قرية البويضا قرب دمشق ، وكذلك برصة
وبلاد الشعشاع ، وبالنسبة للقدس فقد تحدث عن موقع المسجد الأقصى وقبة
الصخرة وتحدث عن سور القدس وأعطاه مقياسا دقيقا من ناحية الطول والعرض بالذراع ،
ورسم خارطة جغرافية دقيقة لكل من بيت المقدس والخليل بشوارعها وحاراتها ، ومرافق
هذه الحارات من آبار مياه وكروم ، وامتدت موسوعته الجغرافية هذه لتشمل الكثير من
المواقع القريبة من بيت المقدس ، أو المناطق الواقعة في الطريق إليها مثل الرملة
واللد وعسقلان وأريحا ونابلس .
وأبدى اهتماما
واضحا بالرحلات وخصوصا رحلة السلطان الملك الأشرف قايتباي من القاهرة قاصدا بلاد
الشام سنة ٨٨٢ ه / ١٤٧٧ م .
٢
: ٤ ـ الجانب الاقتصادي :
واقعة الزيت :
تمثل واقعة الزيت وتعليقات مجير الدين عليها قمة المعاناة التي لحقت بسكان المنطقة
، ولهذا فقد انفرد مجير الدين الحنبلي بالحديث عن الأوضاع الاقتصادية في أواخر عهد
دولة المماليك وتحديدا في عام ٨٩٦ ه / ١٤٩٠ م ، عندما تم تلزيم سكان بيت المقدس
والخليل والرملة وغزة بشراء الزيت من نابلس بالقوة ، وإجبارهم على شراء مقدار معين
من الزيت سواء كانوا بحاجة إليه أم لا ، واتباع طرق قاسية وصلت إلى حد حبس الشخص
أو أهله ، أو حتى جيرانه ، لإجباره على دفع حصته من شراء الزيت المفروض عليه ، إن
سياسة الاحتكار الاقتصادي
__________________
وإجبار الأهالي على شرائه بادرة تدل على مدى الظلم والجور والانتقام من أهالي
القدس ، ويدل أيضا على اهتمام مجير الدين الحنبلي بالحديث عن التاريخ الاقتصادي في
الفترة التي عاصرها ، وتفصيلها باهتمام كبير ، ويذكر في هذه الأحداث الأسعار ويقدر
مدى الخسارة التي لحقت بالسكان من جراء هذه الممارسات ، وذكر الغلاء وارتفاع
الأسعار .
٢
: ٥ ـ التراجم :
بالرغم من أن
الأنس الجليل ليس كتاب تراجم بالمعنى المتعارف عليه ، إلا أن مجير الدين اهتم
بتراجم بيت المقدس اهتماما واضحا وخصوصا القضاة ورجال العلم ، وقد ركز في الترجمة
على ذكر اللقب والكنية ، المولد ، وحدد عمر المترجم له ، والسلاطين حدد فترة ولايتهم
وذكر الصفات والشكل والوفاة وكيفيتها وتاريخها ومكانها ومكان الدفن لكثير مما ترجم
لهم ، وذكر الأعمال التي قام بها صاحب الترجمة ، ولكن نجد أن مجير الدين قد أفرد
عنوانا مستقلا لشيخه الكمالي وكأن ذلك نوع من العرفان بالجميل ، إذ اهتم مجير
الدين الحنبلي اهتماما خاصا بالشيخ الكمالي الذي كان أحد أساتذته ، وأحد علماء
وأعيان القدس الشريف. وكان القاضي الكمالي بن أبي شرف قد دخل في نزاع مع المقر
الأشرفي السيفي أقباي كافل نيابة غزة ، وطلب على أثرها إلى القاهرة ، وكان محبوبا
جدا من قبل سكان بيت المقدس ، وبعد أن وصل إلى القاهرة وتكلم في حضرة السلطان
الأشرف قايتباي ، حتى أعجب برجاحة عقله ، فأنعم عليه برئاسة المدرسة الصلاحية
بالقدس ، فكان له دور كبير في زيادة الوازع الديني لدى سكان هذه المدينة ، وتقوية
علاقتها بالسلطة المملوكية إذ توجه مع جماعة من أعيان القدس إلى الرملة لملاقاة
الأمير أقبردي الدودار الذي حضر لزيارة المدينة المقدسة في عام ٨٧٧ ه / ١٤٧٢ م ،
وقد ذكر أن له مكانة خاصة إذ كانت تصل إليه المراسيم التي تعالج شؤون المملكة .
٢
: ٦ ـ الصراع على القدس :
موضوع حديث
الصراع على القدس ، يتجدد باستمرار ، وبدأ الصراع عليها منذ فجر التاريخ مرورا
بالحرب الصليبية وانتهاء بالاحتلال اليهودي لها سنة ١٩٦٧ م ، وينسحب هذا الكلام
على زمن مجير الدين الحنبلي ، وإن كان أخف حدة في مظهره ، ولم يأخذ الطابع العسكري
، فيتجدد الصراع حول كنيس اليهود في هذه
__________________
المدينة ، وقبو داود والقبة ، وتنتشر الأديرة في فلسطين ، وكان رد السلطان
قايتباي على ذلك واضحا عندما حد من نفوذ أهل الذمة في هذه المدينة المقدسة ، وأمر
بهدم الأديرة التي تحيط بمدينة القدس .
٢
: ٧ ـ موسوعة شاملة :
يعتبر كتاب الأنس
الجليل موسوعة شاملة في النواحي التاريخية وخصوصا في أحداث المرحلة التي عاصرها
المؤلف نفسه ، حيث كان شاهد عيان على أحداث تلك الفترة ، ويكتب بصدق ويصحح الأخطاء
التي وقع فيها الآخرون ، ويبحث ويستنبط منها المفيد ، يطلع على كل شيء يحيط به وله
أهمية ، حتى اللوحات التذكارية ، ويصحح حتى ما نقش عليها ، كما يعتبر كتابه موسوعة
جغرافية تبين لنا بحق مواقع الأماكن المهمة الموجودة بها من مزارات ومقابر وغيرها
، كما يعتبر بحق موسوعة اجتماعية حيث تحدث عن أماكن عبادة النصرانية واليهودية
والعلاقة بين المسلمين والنصارى ، وكذلك الفتنة بين طائفة الدارية والأكراد ،
والفتنة بين نائب القدس ونائب غزة ، وغير ذلك من الأمور والقضايا التي يزخر بها
هذا الكتاب.
٣
ـ ملحوظات على الأنس الجليل
عند دراسة
الأنس الجليل يمكننا الخروج بالملحوظات التالية :
١ ـ الخروج عن
الحياد في بعض الحالات والإدلاء بالرأي ، «وكان غلطا منه» «ولقد كان الحق مع نائب
القدس» .
٢ ـ كان
متضاربا في رأيه بالنسبة للتاريخ والجمع من كتب المتقدمين عندما قال : «... ومع
ذلك لم أستوعب ما هو المقصود من التاريخ لعدم الاطلاع على شيء أستمد منه في هذا
المختصر» ، ثم أورد في بداية كتاب «... عنّ لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهذب
ألفاظه من فوائد المؤرخين ...» .
٣ ـ توسع في
بعض التراجم أكثر من غيرها ، عندما أفرد فصلا خاصا لترجمة السلطان قايتباي ، وكما توسع في وصف بعض الأماكن مثل مدرسته الأشرفية .
٤ ـ عند مجير
الدين الحنبلي إيمان كبير بالخرافات ، مثل قضية الصخرة
__________________
المعلقة ، والنداء باسم أبي عبد الله القرشي عند التخمة .
٥ ـ نأى بنفسه
عن ذكر مثالب المتوفين كما يفعل غالب المؤرخين .
٦ ـ انتقد
تصرفات الآخرين فقال : بسبب تقصيره في سماط سيدنا الخليل .
٧ ـ لقد ذكر
تاريخ مولده في المتن .
٨ ـ ذكر أحداث
خارج إطار مدينة القدس وتخص الدولة المملوكية مباشرة مثل قضية شهسوار .
٩ ـ تحدث عن
العلاقات الخارجية مثل علاقة السلاطين المماليك مع العثمانيين وحروبهم ، والعلاقة
مع قاصد ملك الحبشة .
ثالثا
: منهج التحقيق
اعتمدت في
تحقيق القسم موضوع الدراسة من مخطوط الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، والذي
بدأ من الفتح الناصري الداودي لبيت المقدس على خمس مخطوطات أشير إليها بالرموز أ،
ب ، ج ، د ، ه ، وهي كما يلي :
١
ـ المخطوط أ :
حصلت عليه من
مكتبة الأستاذ فهمي الأنصاري (بالقدس) ، وحصل هو عليه من مكتبة لندن ، ويحمل الرقم
B.L.٦١٥٨.
وقد اعتمدت على
المخطوط أكأصل بالرغم من أن تاريخه متأخر عن بقية المخطوطات ، وذلك لأن هذا
المخطوط كامل ، وحالته جيدة من ناحية الحفظ ، وخطه مقروء.
لقد أثبت اسم
هذا المخطوط على الصفحة الأولى بشكل بارز ، ويقع هذا المخطوط في ١٧٦ ورقة من القطع
المتوسط ، يبلغ طول الورقة ٥ ، ٢٠ سم ، وعرضها ٥ ، ١٣ سم ، عدد الكلمات في كل سطر
يتراوح بين ١٧ ـ ٢٠ كلمة ، وعدد الأسطر ٣٣ سطرا لكل صفحة ، وتم نسخ هذا المخطوط
بيد الناسخ أبو السعود
__________________
الدقاق سنة ١١١٨ ه / ١٧٠٦ م.
٢
ـ المخطوط ب :
حصلت عليه من
مكتبة الأستاذ فهمي الأنصاري ، وقد كان أصلا للطبعة التي أصدرتها المطبعة الوهبية
في مصر عام ١٢٨٣ ه / ١٨٦٦ م وعن هذه الطبعة تمت طباعة طبعات عديدة أخرى هي :
١ ـ طبعة النجف
الأشرف في العراق ضمن سلسلة مطبوعات المكتبة الحيدرية د. ت.
٢ ـ طبعة بيروت
عام ١٩٧٢ م.
٣ ـ طبعة مكتبة
المحتسب ، عمان ١٩٧٣ م.
٤ ـ طبعة دار
النهضة ، بغداد ١٩٩٦ م.
يبلغ عدد أوراق
النص المطبوعة ١٧٧ ورقة ، طول الورقة ٨ ، ٢٠ سم ، وعرضها ٩ سم ، عدد الكلمات في كل
سطر ١١ ـ ١٥ ، عدد الأسطر ٢٥ ، وضعها جيد ، لكن لا يوجد ما يشير إلى تاريخ نسخها
أو ناسخها.
٣
ـ المخطوط ج :
صور هذا
المخطوط عن نسخة ضمن مكتبة خاصة من قبل مركز الوثائق والنشر التابع للجامعة
الأردنية. لقد أثبت اسمه واضحا على الغلاف الأنس الجليل ، تاريخ هذه النسخة يعود
إلى عام ١٠٢٢ ه / ١٦١٣ م ، لم يتم تصنيفه أو فهرسته ، ولم يرد له ذكر أو وصف في
كتاب العسلي ، فضائل بيت المقدس ، به نقص كبير وتصل إلى بداية سنة ٨٩٨ ه / ١٤٩٢ م
فقط ، يبلغ طول ورقة المخطوط ١٩ سم ، وعرضها ١٣ سم ، في كل صفحة ١٩ سطرا ، عدد
الكلمات يتراوح بين ١٣ إلى ١٥ كلمة في السطر الواحد ، ويعتبر من أقدم النسخ التي
اعتمدت عليها وحالته جيدة جدا ، لكن لا يوجد تاريخ نسخ أو اسم ناسخ ، ونسخ بيد
واحدة ، يوجد على غلافه عبارة «تشرف بملكه العبد الفقير الشيخ حسام الدين السهر ...»
وبقية العبارة غير واضحة.
٤
ـ المخطوط د :
اعتمدت على
مخطوط مصور بالميكروفيلم من الجامعة الأردنية رقم ٧٩٨ ،
__________________
وقد صور من الجامعة الأميركية في بيروت ، ويحمل الرقم ٤٦٣.
لم يذكر على
الغلاف عنوان المخطوط ، يعود تاريخ هذا المخطوط إلى عام ١٠٧٤ ه / ١٦٦٣ م ، وهو في
حالة سيئة من حيث الحفظ وقد لعبت به عوامل الزمن والنخر فعلها ، إلى حد أنها طمست
بالكامل الكثير من الصفحات ، يوجد في هذا المخطوط ٣٠٦ صفحات ، وعدد السطور في كل
صفحة ١٩ سطرا ، وعدد الكلمات بين ٩ ـ ١١ كلمة في السطر ، وطول الورقة ٥ ، ٢٠ سم ،
وعرضها ٥ ، ١٣ سم ، لا يوجد ذكر للناسخ ، وذكر في نهاية هذه النسخة أنه فرغ من
تبييضه في يوم الثلاثاء ٩ شوال سنة ١٠٧٤ ه / ١٦٦٣ م.
٥
ـ المخطوط ه :
اعتمدت على
صورة من مكتبة الأستاذ فهمي الأنصاري بالقدس الشريف ، الذي حصل هو عليه من مكتبة
لندن ، ويحمل الرقم.B.L.٧١٥٨
ويعود تاريخه
إلى عام ١١٤٤ ه / ١٧٠٢ م ، وهو بحالة جيدة ، وقد وقع ناسخه في أكثر من خطأ ،
فهناك تداخل في سرد الأحداث التاريخية.
ويبلغ طول
الورقة ٥ ، ٢٥ سم ، وعرضها ٥ ، ١٨ سم ، وتحتوي الصفحة على ٢٥ سطرا ، في كل صفحة ١٦
ـ ١٨ كلمة ، لم يذكر اسم الناسخ.
وقد استخدمت في عملي نوعين من الهوامش كالتالي :
١ ـ هامش
المقارنات التي تتعلق بالمخطوطات ورمز للمخطوطات أ، ب ، ج ، د ، ه لكل مخطوط بخط
أسود داكن.
٢ ـ هامش المتن
وفيه قمت بالتعريفات اللازمة للنص ، سواء للأعلام أو الأماكن أو المصطلحات بخط
عادي.
ولم أتدخل في
النص باستثناء بعض التصويبات اللغوية التي وردت في المتن ويمكن إجمالي ذلك كالتالي
:
١ ـ تصحيح كثير
من الأخطاء الإملائية الخاصة ببعض النسخ مثل «الفرات» التي كتبت «الفراة».
٢ ـ تصحيح رسم
بعض الكلمات مثل «إبراهيم» أو «إسماعيل» ، التي وردت في المخطوط «ابراهيم» و «إسمعيل».
٣ ـ أغفلت همزة
القطع بشكل كامل والهمزات الضرورية أيضا ، باستثناء بعض
__________________
الحالات البسيطة التي وردت في النسخة د ، إذ وضعت الهمزة بشكل كامل عند
ضبطه للمدرسة اللؤلؤية ، فعلى سبيل المثال كان يضع كلمة «العلما» بدل العلماء ، و
«الما» بدل الماء ، وتم تصحيح ذلك دون الإشارة إليه وذلك لكثرته.
٤ ـ قلب الهمزة
ياء في كثير من الأحيان ، وقد تم ضبطها دون الإشارة إلى ذلك ، مثل قوله «الفوايد»
بدل «الفوائد» و «المناير» بدل «المنائر».
٥ ـ حولت الألف
المقصورة إلى ياء وقد تم ضبطها دون الإشارة إليها مثل «موسي» بدل «موسى» و «مولي»
بدل «مولى» وكذلك كلمة الفرنج فقد غيرتها وأصبحت الإفرنج.
٦ ـ كلمة ابن
لقد وردت في كثير من الحالات مع الألف ، وقد قمت بتعديل ذلك حسب ما هو متعارف عليه
من أخذها الألف حسب موقعها في الجملة أو وقوعها بين علمين.
٧ ـ أدخلت
مختصر كلمة هجري ـ ه ـ على السنوات في المخطوط لعدم وجوده ولضرورته.





/
/ الفتح الناصري الداودي
بعد أن جرى ما
ذكر من اعتقال الملك الصالح أيوب بالكرك ، قصد الملك الناصر داود القدس ، وكان الإفرنج قد عمروا قلعتها بعد موت الملك الكامل ، فحاصرها وفتحها وخرب القلعة وخرب برج داود أيضا ،
فإنه لما خربت القدس أولا لم يخرب برج داود ، فخربه في هذه المرة ،
وذلك في سنة
__________________
٦٣٧ ه / ١٢٣٩ م ، بعد أن بقي في أيدي الإفرنج نحو إحدى عشرة سنة من حين تسليم الكامل له في سنة ٦٢٦ ه ، فأنشد فيه جمال الدين بن مطروح أبياتا وكان علامة فاضلا كاملا :
المسجد الأقصى
له آية
|
|
سارت فصارت
مثلا سائرا
|
إذا غدا
للكفر مستوطنا
|
|
أن يبعث الله
له ناصرا
|
فناصر طهره
أولا
|
|
وناصر طهره
آخرا
|
وفي أواخر رمضان من سنة ٦٣٧ ه أفرج الناصر داود صاحب الكرك عن
ابن عمه الملك الصالح أيوب ، واجتمعت عليه مماليكه ، وسار هو والناصر داود إلى قبة
الصخرة الشريفة وتحالفا على أن تكون ديار مصر للصالح ، ودمشق للناصر ، ولما ملك الصالح لم يف له بذلك،وكان يتأول في يمينه
أنه كان مكرها ،ثم سار إلى غزة
__________________
فلما بلغ الملك
العادل ، صاحب مصر ظهور أخيه الصالح عظم عليه ، وبرز بعساكر مصر ونزل على بلبيس ، لقصد أخيه الصالح والناصر داود وأرسل إلى عمه ، الصالح إسماعيل ، المستولي على دمشق أن يبرز ، ويقصدهما من جهة الشام ،
فسار الصالح إسماعيل بعساكر دمشق ، فبينما الصالح أيوب والناصر داود ، وهما بين عسكرين ، قد أحاط بهما ، إذ ركب جماعة من المماليك الأشرفية ، ومقدمهم أبيك الأسمر ، وأحاطوا بدهليز الملك العادل أبي بكر بن الكامل ، وقبضوا عليه في ليلة
الجمعة ثامن ذي القعدة ، وأرسلوا إلى الملك الصالح أيوب يستدعونه ، فأتاه فرج لم يسمع بمثله ، وسار ومعه الناصر داود إلى
مصر ، وبقي
__________________
يلتقيه في كل يوم فرج بعد فرج من العساكر ، إلى أن دخل إلى قلعة الجبل بكرة يوم الأحد لست بقين من ذي القعدة ، وزينت له
البلاد ، وفرح الناس بقدومه ، ولما استقر في ملك مصر خاف الناصر داود أن
يقبض عليه ، فطلب دستورا ، وتوجه إلى بلاد الكرك .
وفي سنة ٦٣٨ ه
قوي خوف الصالح إسماعيل صاحب دمشق من ابن أخيه الصالح أيوب صاحب مصر ،
فسلم صفد ، والشقيف ، إلى الإفرنج ، ليعضدوه ويكنوا معه على ابن أخيه
الصالح أيوب ، فعظم ذلك على المسلمين .
ذكر
تسليم القدس الشريف إلى الإفرنج
لما دخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة حصلت فيها المراسلة بين
__________________
الملك الصالح أيوب صاحب مصر ، والملك الصالح إسماعيل / / صاحب دمشق بالصلح
، وأن صاحب دمشق يطلق صراح الملك المغيث فتح الدين عمر بن الصالح أيوب ، وحسام الدين بن علي الهذباني ، وكانا معتقلين عند الملك الصالح إسماعيل ، فأطلق حسام
الدين وجهزه إلى مصر ، واستمر الملك المغيث في الاعتقال ، واتفق الصالح إسماعيل مع
الناصر داود صاحب الكرك واعتضدا بالإفرنج ، وسلما إليهم طبرية وعسقلان فعمر الإفرنج قلعتيهما ، وسلما أيضا القدس بما فيه من المزارات . فقال القاضي جمال الدين بن واصل ، مررت إذ ذاك بالقدس متوجها إلى مصر ، ورأيت
__________________
القسوس قد جعلوا على الصخرة قناني الخمر للقربان ، فالحكم لله
العلي الكبير.
وكان الناصر داود قد فتح بيت المقدس ، كما تقدم في سنة ٣٧ ه ، ثم
فعل هذه الفعلة القبيحة ، فأبدل حسنة بسيئة ، وقد انتقم الله منه فيما بعد على ما
سنذكره عند وفاته ، فنعوذ بالله من سوء الخاتمة والضلالة بعد الهدى .
ذكر الفتح الصالحي النجمي الذي يسره الله
على يد السلطان
الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل
أبي بكر بن أيوب ، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته. لما وقع ما تقدم به ذكره من
تسليم القدس للإفرنج في سنة ٦٤١ ه ، استدعى الملك الصالح نجم الدين أيوب الخوارزمية لينصروه على عمه الصالح إسماعيل ، فسار الخوارزمية ووصلوا إلى غزة في سنة ٦٤٢ ه ، ووصل
__________________
إليهم عدد كثير من العساكر المصرية مع ركن الدين بيبرس ، مملوك الصالح أيوب وكان من أكبر مماليكه وأرسل الصالح
إسماعيل عسكر دمشق مع الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه ، صاحب حمص ، وسار صاحب حمص جريدة ، ودخل عكا واستدعى الإفرنج على ما كان قد وقع عليه الاتفاق معهم ،
ووعدهم بجزء من بلاد مصر فخرج الإفرنج واجتمعوا بالفارس والراجل ، ولم يحضر الناصر داود والتقى الفريقان بظاهر غزة ،
فولى عسكر دمشق وصاحب حمص ، والإفرنج منهزمين ، وتبعهم عسكر مصر
__________________
والخوارزمية ، وقتلوا منهم خلقا عظيما ، واستولى الملك الصالح أيوب صاحب مصر على غزة والسواحل
والقدس الشريف ولله الحمد ، ووصلت الأسرى والرؤوس إلى مصر ودقت بها البشائر عدة أيام ، ثم أرسل الملك الصالح أيوب صاحب مصر
العساكر وساروا إلى دمشق وحاصروها ، وخرجت السنة وهم في حصارها .
وتوفي الملك
المغيث فتح الدين عمر في حبس عمه إسماعيل ، وبلغ والده الصالح أيوب ذلك فاشتد حزنه عليه وحنقه على إسماعيل .
فلما دخلت سنة
٦٤٣ ه ، تسلم عسكر الصالح أيوب دمشق من الصالح إسماعيل ، ثم
استولى الصالح أيوب على بعلبك .
وفي سنة ٦٤٤ ه
وفي هذه السنة مات الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه ، صاحب حمص ، وفي سنة ٦٤٥ ه فتحت قلعة عسقلان وقلعة طبرية ، والملك الصالح أيوب بالشام ، بعد محاصرتهما
مدة ، واستولى الصالح
__________________
أيوب على الكرك في سنة ٦٤٧ ه ، قبل وفاته بيسير ، وهذا الفتح الواقع في سنة ٦٤٢ ه لبيت المقدس ، هو آخر فتوحاته فإنه استمر بأيدي
المسلمين إلى عصرنا ، وأرجو من كرم الله تعالى استمراره كذلك إلى يوم القيامة بحول
الله وقوته.
وتوفي الملك
الصالح نجم الدين أيوب ليلة الأحد لأربع عشرة ليلة مضت من شعبان سنة ٦٤٧ ه ، وكانت مدة ملكه تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما ،
وعمره نحو أربع وأربعين سنة ، وكان مهيبا ، عالي الهمة عفيفا ، طاهر اللسان ، شديد
الوقار. ولو لم يكن من علو همته إلا مبادرته لاستنقاذ البيت المقدس من أيدي الكفار
في أسرع وقت لكفى ، رحمه الله ، وعفا عنه ، وعوضه الجنة.
وتسلطن بعده
ولده الملك المعظم توران شاه ، وكان الإفرنج قد استولوا على دمياط قبل وفاة الملك الصالح في سنة ٦٤٧ ه ، ووقع بين المسلمين والإفرنج بأرض دمياط وقعات ،
وأرسلوا يطلبون القدس وبعض الساحل ، وأن يسلموا دمياط إلى المسلمين ، ولم تقع الإجابة لذلك ، وفتح الله دمياط بعد
__________________
ذلك في المحرم سنة ٦٤٨ ه ، وقتل المعظم توران شاه عقب ذلك في آخر المحرم ٦٤٨ ه .
وأما الصالح
إسماعيل فإنه بعد انتزاع دمشق منه انتمى إلى الملك الناصر يوسف صاحب حلب ، واستمر عنده إلى أن ملك دمشق بعد الصالح أيوب ،
وتوجه معه حين مسيرة إلى / / القاهرة في سنة ٦٤٨ ه لما قد أخذ الديار المصرية من
صاحبها الملك الأشرف موسى بن يوسف ، صاحب اليمن المعروف بإقسيس بن الملك الكامل محمد بن
العادل أبي بكر بن أيوب ، فانكسر الناصر يوسف وانهزم وقبض على الصالح إسماعيل ، واعتقل بقلعة الجبل ،
بالديار المصرية ، ثم قتل في ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة
سنة ٦٤٨ ه بالقاهرة ، وعمره قريب من خمسين سنة .
__________________
وأما الناصر داود فإنه لما ضاقت عليه الأمور ، سار إلى
الناصر يوسف صاحب حلب مستجيرا به ، وكان قد بقي عنده من الجوهر مقدار كثير يساوي مائة ألف دينار إذا
بيع بالهوان ، فلما وصل إلى حلب سير الجوهر المذكور إلى بغداد ، وأودعه عند الخليفة المستعصم ، ووصل إليه خط الخليفة بتسليمه ، ثم في مستهل شعبان سنة ٦٤٨ ه ، قبض عليه الملك الناصر يوسف وبعث به إلى حمص واعتقله بها ، لأمور بلغته عنه ، ثم أفرج عنه بشفاعة الخليفة المستعصم ، وأمره أن لا يسكن في بلاده ، فرحل إلى جهة بغداد ،
فلم يمكنوه من الوصول إليها ، وطلب وديعته الجوهر من الخليفة فمنعوه إياها . وكتب الملك الناصر يوسف إلى ملوك الأطراف أنهم لا
يأوونه فبقي مشتتا ، ثم نزل بالأنبار ، وبينها وبين بغداد
__________________
ثلاثة أيام ، وهو يتضرع للخليفة المستعصم فلا يجب ضراعته ،
ويطلب وديعته فلا يرد لهفته ، ولا يجبه إلا بالمماطلة والمطاولة ، ثم أرسل الخليفة يشفع فيه عند الملك الناصر فأذن له
في العودة إلى دمشق ورتب له شيئا يصل إليه ، ثم في سنة ٦٥٣ ه طلب من الناصر يوسف دستورا إلى العراق بسبب طلب وديعته من الخليفة ، وهي الجوهر ، وأن يمضي إلى الحج ، فأذن له فسار إلى
كربلاء ، ثم مضى منها إلى الحج ولما رأى قبر النبي صلى الله
عليه وسلم ، تعلق في أستار الحجرة الشريفة بحضور الناس وقال : أشهدوا أن هذا مقامي
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، داخلا عليه مستشفعا به إلى ابن عمه المستعصم في
أن يرد عليّ وديعتي ، فأعظم الناس ذلك وجرت عبراتهم وارتفع بكاءهم ، وكتب بصورة ما جرى مشروحا ، ودفع إلى أمير الحاج ، وذلك في يوم السبت الثامن
والعشرين من ذي الحجة.
فتوجه الناصر داود مع الحاج العراقي وأقام ببغداد ، فلما أقام بها بعد وصوله من الحجاز واستشفاعه بالنبي في رد وديعته في سنة
__________________
٦٥٤ ه ، أرسل الخليفة المستعصم من حاسب الناصر داود على ما وصله في تردده إلى بغداد من
المضيف مثل : اللحم والخبز والحطب والعليق والتبن وغير ذلك ، وثمن عليه بأغلى
الأثمان ، وأرسل إليه شيئا نزرا ، وألزمه أن يكتب خطه بقبض
وديعته وأنه ما بقي يستحق عند الخليفة شيئا ، فكتب خطه بذلك كرها وسار عن بغداد وأقام مع العرب ، ثم أرسل إليه
الناصر يوسف صاحب دمشق فطيب قلبه وحلف له ، فقدم إلى دمشق وأقام بالصالحية ، وكانت وفاة داود في ليلة السبت السادس والعشرين من
جمادى الأولى سنة ٦٥٦ ه ، بالطاعون بظاهر دمشق في قرية يقال لها البويضا ، ومولده في سنة ٦٠٣ ه ، وكان عمره نحو ثلاث وخمسين سنة ، ومات بعد محن كثيرة
حصلت له ، ودفن بالصالحية في تربة والده المعظم عيسى .
وفي هذه السنة
وهي سنة ٦٥٦ ه ، استولى التتر ، على بغداد ،
__________________
وخربوها وقتلوا الخليفة المستعصم بالله أبا أحمد عبد الله بن المستنصر
بالله ، وهو آخر خلفاء بغداد ، وبقتله انقرضت دولة بني العباس.
ثم في سنة ٦٥٩ ه ، قتل الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك
الظاهر غازي بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب دمشق وحلب في
بلاد تبريز من ملك العجم ، فإنه لما ورد عسكر التتر إلى جهة دمشق ،
خرج لقصده فأسر وجهز إلى هولاكو ملك التتر ، فقتله هو ومن معه ، وعقد عزاه في جامع دمشق في سابع جمادى الأولى سنة ٦٥٩
ه .
وقد انتهى ذكر
ما وقع في بيت المقدس من الفتوحات على أيدي ملوك الإسلام ، وما ذكرته من تواريخ لا تتعلق بالفتح فلا بد من شيء يتعلق بالحال
ولا يخلو من فائدة لمن تأمله ولنرجع إلى ذكر ما يتعلق بالمسجد الأقصى ، فأقول
والله الموفق.
__________________
ذكر صفة المسجد الأقصى الشريف وما هو عليه في عصرنا
اعلم ، وفقك
الله ، أن المسجد الأقصى الشريف شرفه الله وعظمه ، ليس له نظير تحت أديم السماء
ولا بني في المساجد صفته / / ولا سعته ، وكان في الزمان الأول على الصفات العجيبة التي تقدم شرحها عند ذكر بناء سليمان عليه السلام ، وكذلك عند ذكر بناء أمير المؤمنين عبد
الملك بن مروان .
أما صفته في هذا العصر فهي أيضا من الصفات العجيبة لحسن
بنائه وإتقانه ، فالجامع الذي هو في صدره عند القبلة التي تقام فيه الجمعة وهو المتعارف عند الناس أنه
المسجد الأقصى ، يشتمل على بناء عظيم به قبة مرتفعة مزينة بالفصوص الملونة ، وتحت القبة ، المنبر ، والمحراب ، وهذا الجامع ممتد من جهة القبلة إلى جهة الشمال وهو
سبعة أكوار ، متجاورة مرتفعة
__________________
على العمد الرخام ، والسواري فعدة ما فيه من العمد خمسة وأربعون عمودا ، منها ثلاثة
وثلاثون من الرخام ، ومنها اثني عشر مبنية بالحجارة وهي التي تحت الجملون ، وعمود ثالث عشر مبني عند الباب الشرقي تجاه محراب
زكريا ، وعدة ما فيه من السواري المبنية بالحجارة أربعون سارية ، وسقفه في غاية العلو والارتفاع فالسقف مما يلي
القبلة ، من جهتي المشرق والمغرب سقف بالخشب ، ومما يلي القبلة من جهة الشمال ثلاثة أكوار مسقوفة بالخشب ، الأوسط منها هو والجملون وهو
أعلاها ، واثنان وهما إلى جانب الجملون من الشرق والغرب جونه ، وبقية الأكوار وهي
أربعة ، اثنان من جهة الشرق واثنان من جهة الغرب معقود ذلك بالحجر والشيد ، وعلى القبة والجملون والسقف الخشب رصاص من ظاهرها ،
وصدر الجامع القبلي وبعض الشرقي مبنيان بالرخام الملون. والمحراب الكبير الذي هو
في صدره إلى جانب المنبر من جهة الشرق يقال : أنه محراب داود عليه السلام ، ويقال
أن محراب داود إنما هو الذي بظاهر الجامع المبني في السور القبلي من جهة الشرق
وبالقرب من مهد عيسى ، وهو موضع مشهور . وقد تقدم أن محراب داود في الحصن
__________________
الذي بظاهر البلد المعروف بالقلعة ، فإن هناك كان مسكنه ومتعبده فيه ،
يحتمل أن يكون محرابه الذي كان يصلي فيه في الحصن في مكان متعبده منه ، ومكان
المحراب الكبير الذي في داخل المسجد كان موضع مصلاه إذا دخل المسجد. ولما دخل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، اقتفى أثره ، وصلى في مكان متعبده ، فسمي محراب عمر ،
كونه أول من صلى فيه يوم الفتح ، وهو في الأصل محراب داود ، ويعضد هذا ما تقدم من
حديث عمر لما قال لكعب : أين نجعل مصلانا في هذا المسجد؟ فقال : في مؤخرته مما يلي الصخرة ، فقال : بل نجعل قبلته صدره ، ثم خط
المحراب في ذلك المتعبد. وأما المحراب الصغير الذي إلى جانب المنبر من جهة الغرب ،
بداخل المقصورة الجديدة ، بجوار الباب المتوصل منه إلى الزاوية الخنثنية ، فيقال : أنه محراب معاوية رضي الله عنه.
وذرع هذا
الجامع في الطول قبلة بشام من المحراب الكبير إلى عتبة الباب
الكبير المقابل له مائة ذراع محررا بذراع العمل ، غير جوف المحراب وغير
__________________
الأروقة ، التي بظاهر الأبواب الشمالية ، وعرضه من الباب الشرقي الذي يخرج
منه إلى جهة مهد عيسى إلى الباب الغربي سبعة وسبعون ذراعا بذراع العمل ، وبداخل
هذا الجامع في صدره من جهة الشرق مجمع معقود بالحجر والشيد به محراب ، ويقال لهذا المجمع : جامع عمر ،
وتسميته بجامع عمر لأن هذا البناء من بقية بناء عمر ، رضي الله عنه ، الذي كان
جعله عند الفتح. ويقال : أن المحراب الذي بداخل هذا المجمع : هو محراب عمر ،
والأكثرون على أن محراب عمر إنما هو المحراب الكبير المجاور للمنبر المقابل للباب
الكبير ، الذي من جهة الشمال إيوان كبير معقود يسمى مقام عزيز ، به باب يتوصل منه إلى جامع عمر ، وبجوار هذا الإيوان
من جهة الشمال إيوان لطيف به محراب يسمى محراب زكريا ، عليه السلام ، وهو بجوار الباب الشرقي وبداخل الجامع
المذكور أيضا من جهة الغرب مجمع كبير معقود بالأحجار الكبار وهو كوران ممتدان شرقا بغرب ويسمى هذا المجمع جامع النساء ، وهو عشر قناطر على تسع سواري في غاية الإحكام ، وقد أخبرت أنه من بناء
الفاطميين .
وبصدر هذا الجامع من وراء القبلة الزاوية الخنثنية ويأتي ذكرها ،
وهي بداخل المقصورة الحديد الملاصقة للمنبر ، وبجوار الزاوية الخنثنية من جهة
الغرب ،
__________________
دار الخطابة ، والمنبر الموضوع بصدر الجامع من الخشب ، وهو مرصع بالعاج والأبنوس ، وهو الذي عمله السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد
/ / رحمة الله عليه ، بحلب كما تقدم ، وكان عمله في شهور سنة ٥٦٤ ه ، وقال : هذا برسم القدس. فلما فتح الله البلاد على يد الملك صلاح
الدين أحضره من حلب وهو موجود إلى عصرنا هذا ، وعليه مكتوب تاريخ عمله ، وهذا بحسن
نية نور الدين الشهيد فإنه بلغه الله مراده بعد وفاته ، عفا الله عنه ، ومقابله دكة المؤذنين على عمد من رخام في غاية الحسن. ولهذا الجامع عشرة
أبواب ويدخل منها إليه من صحن المسجد ، سبعة أبواب منها في جهة الشمال ، وكل باب منها اينتهي إلى
كور من الأكوار السبعة المتقدم ذكرها. وبظاهر الأبواب السبعة رواق على سبعة قناطر ، كل باب قبالة قنطرة وبها أربعة عشر
عمودا من الرخام ، مبنية في السواري ، وباب من جهة الشرق ، وهو الذي ينتهي إلى جهة
مهد عيسى ، وباب من جهة الغرب ، والباب العاشر هو الذي يدخل منه إلى المكان المعروف
بجامع النساء.
بئر الورقة :
وبداخل هذا
الجامع بئر عن يسرة الداخل من الباب الكبير يسمى بئر الورقة ، وقد ورد في أمر الورقة حكايات وأخبار وأحاديث كثيرة مختلفة فمن
ذلك ما
__________________
رواه أبو بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ليخدلن الجنة
رجل من أمتي يمشي على رجليه وهو حي» ، فقدمت رفقة ببيت المقدس يصلون فيه في خلافة عمر ، رضي الله عنه ،
فانطلق رجل من بني تميم يقال له شريك بن حباشة ، يستقي لأصحابه ، فوقع دلوه في الجب ، فنزل ليأخذه ،
فوجد بابا يسقى في الجب يفتح إلى جنان ، فدخل من الباب إلى الجنان ، فمشى فيها وأخذ
ورقة من شجرها فجعلها خلف أذنه ، ثم خرج إلى الجب فارتقى. فأتى صاحب بيت المقدس
فأخبره بما رأى من الجنان ودخوله فيها ، فأرسل معه إلى الجب ، ونزل الجب ومعه أناس فلم يجدوا بابا ولم يصلوا إلى
الجنان. فكتب بذلك إلى عمر ، فكتب عمر بصدق حديثه في دخول رجل من هذه الأمة الجنة
يمشي على قدميه وهو حي ، وكتب عمر : أن أنظروا الورقة فإن هي يبست وتغيرت فليست هي من الجنة فإن الجنة لا يتغير شيء منها. وذكر في
حديثه أن الورقة لم تتغير. وورد في ذلك أحاديث بغير هذا اللفظ ، ويقال أن الجب هو هذا الذي
__________________
بالمسجد الأقصى عن يسرة الداخل للجامع ، كما قدمته .
وبجوار هذا
الجامع القبلي من جهة الشرق قبو كبير معقود يسمى النجادة يوضع فيه آلة المسجد ولعله من بناء الفاطميين ، والله أعلم ، وبه فم ثان
لبئر الورقة.
محراب داود :
وبظاهر الجامع
في صحن المسجد من جهة الشرق في السور القبلي محراب كبير وهو المشهور عند الناس أنه
محراب داود عليه السلام ، وهو بالقرب من مهد عيسى ، وتقدم ذكره ، ونقل أن الدعاء
عنده مستجاب ، وقد جربت ذلك ودعوت الله هناك وسألته في أشياء فاستجاب لي بفضله
وكرمه.
سوق المعرفة :
بآخر المسجد من جهة الشرق مما يلي محراب داود مكان معقود به
محراب ، وقد عرف هذا المكان بسوق المعرفة ، ولا أعرف سبب تسميته بذلك ، والظاهر
أنه من اختراعات الخدام لترغيب من يرد إليه من الزوار.
ونقل بعض
المؤرخين أن باب التوبة كان في هذا المكان ، وأن بني إسرائيل كانوا إذا أذنب
أحدهم أصبح مكتوبا على باب داره فيأتي هذا المكان ويتضرع ويتوب إلى الله تعالى ،
ولا يبرح إلى أن يغفر له ، وأمارة الغفران أن يمح ذلك المكتوب على باب داره ، وإن لم يمح لم يقدر أن يقترب من أحد ولو كان
__________________
أقرب الناس إليه ، وكان هذا المكان جعل قديما مصلى للحنابلة ، أفرده لهم
السلطان الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب ، صاحب دمشق ، وأذن لهم في الصلاة
فيه.
مهد عيسى :
أسفل هذا المكان المعروف بسوق المعرفة ، مسجد تحت الأرض يعرف
بمهد عيسى عليه السلام ، ويقال : أنه محراب مريم عليهما السلام ، وهو موضع متعبدها
، وهو موضع مأنوس ، ويقال : أن الدعاء فيه مستجاب ، فينبغي لمن يصلي هناك أن يقرأ سورة مريم ويسجد كما فعل عمر ، رضي الله
عنه ، في محراب داود ، فإنه قرأ في صلاته سورة «ص» وسجد ، ويدعو في هذا المكان
بدعاء عيسى عليه السلام ، حين رفعه الله إليه من طور زيتا ، وقد سبق ذكره عند ذكر السيد عيسى عليه
السلام.
جامع المغاربة :
/ / وبظاهر
الجامع من جهة الغرب في صحن المسجد مكان معقود يعرف بجامع المغاربة ، وهو مأنوس
مهيب وفيه صلاة المالكية ، والذي يظهر أنه من بناء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه ، لما روي عن شداد : أن عمر لما دخل المسجد الأقصى ، مضى إلى مقدمته مما
يلي الغرب فحثا في ثوبه من الزبل ، وحثونا معه في ثيابنا ، ومضى ومضينا
معه حتى ألقيناه في الوادي الذي يقال له : وادي جهنم ، ثم عاد فعدنا بمثلها حتى صلينا فيه ، في موضع
__________________
مسجد يصلي فيه جماعة فصلى عمر بنا فيه ، وعن شداد أيضا أن
عمر رضي الله عنه لما دخل المسجد يوم الفتح تقدم إلى مقدمته مما يلي الغرب فقال : نتخذ هاهنا مسجدا ، فهذا الجامع
هو في مقدم المسجد مما يلي الغرب ، فيحتمل أن يكون بناه عمر ،
ويحتمل أن يكون من أثر البناء الأموي الذي تقدم ذكره ، أنه كان في صدر المسجد من جهة الشرق إلى جهة الغرب
والله أعلم.
الصخرة الشريفة :
وأما الصخرة
الشريفة فهي في وسط المسجد على الصحن الكبير المرتفع في أرض المسجد ، وعليها بناء في غاية الحسن والاتقان ، وهي قبة
مرتفعة علوها واحد وخمسون ذراعا بذراع العمل الذي تذرع به الأبنية ، وهذا الارتفاع من فوق الصحن ، بما فيه علو الصحن من أرض
المسجد من جهة القبلة عند قبة الصخرة فهو سبعة أذرع ، فيكون ارتفاع القبة من أرض المسجد
ثمانية وخمسون ذراعا ، وهي قبة مرتفعة على عمد من رخام وسواري مبنية في غاية
الإحكام والاتقان ، وعدة العمد الرخام اثنا عشر عمودا ، والسواري أربع والصخرة الشريفة تحت هذه
القبة يحوطها درابزين من خشب ، ويحيط بالعمد والسواري الحاملة للقبة
درابزين من حديد ، وخارج القبة سقف مستدير من الخشب المدهون
__________________
المذهب على عمد من رخام وسواري ، عدة العمد ستة عشر عمودا ، والسواري ثمان ، وأرض القبة وحيطانها مبنية باطنها وظاهرها ، ومزينة بالفصوص الملونة في العلو من الباطن والظاهر ،
والبناء الذي حول القبة على حكم التثمين ، وذرع دائرة في سعته من الباطن مائتا ذراع وأربعة وعشرون
ذراعا ، ومن الظاهر مائتا ذراع وأربعون بذراع العمل ، وإن كان فيه نقص أو زيادة
فهو يسير ، والله أعلم بالصواب .
القدم الشريف :
وموضع القدم الشريف في حجر منفصل عن الصخرة ، محاذ لها آخر
جهة الغرب من جهة القبلة ، وهو على عمد من رخام.
المغارة :
وتحت الصخرة
مغارة من جهة القبلة يتوصل إليها من سلم حجر ينزل فيه إلى المغارة ، وعند وسط
السلم صفة صغرى متصلة به من جهة الشرق ، يقف عليها الزائر لزيارة
لسان الصخرة ، وهناك عمود من الرخام ، ملقى طرفه الأسفل على طرف الصفة من جهة القبلة ، مسند
إلى جدار المغارة القبلي ، فطرفه الآخر الأعلى مسند إلى طرف الصخرة كأنه مانع لها من
الميل إلى جهة القبلة أو لغير ذلك ، وهذه المغارة من الأماكن المأنوسة ، وعليها
الأبهة والوقار. وحكى صاحب مثير الغرام قال : رأيت في كتاب القبس في شرح الموطأ للإمام مالك بن
__________________
أنس تأليف الإمام أبي بكر بن العربي ، أنه قال في تفسير قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً
بِقَدَرٍ) ، فذكر أقوالا أربعة ، الرابع منها قيل : أن مياه الأرض
كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس ، وهي من عجائب الله في أرضه ، فإنها
صخرة شنعاء في وسط المسجد الأقصى قد انقطعت في كل جهة لا يمسكها
إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، في أعلاها من جهة الجنوب قدم
النبي صلى الله عليه وسلم ، حين ركب البراق ، وقد مالت من تلك الجهة لهيبته ، وفي
الجهة الأخرى أثر أصابع الملائكة التي أمسكتها إذ مالت به ، ومن تحتها الغار الذي انفصلت
عنه من كل جهة ، عليه باب يفتح للناس للصلوات والاعتكاف ، فهبتها مدة أن أدخل تحتها لأني كنت أخاف أن
تسقط عليّ بالذنوب ، ثم رأيت الظلمة والمجاهرين بالمعاصي يدخلونها ثم يخرجون منها
سالمين ، فهممت أن أدخلها ، ثم قلت : ولعلهم أمهلوا وأعاجل ، فتوقفت مدة ، ثم عزم
عليّ فدخلتها ، فرأيت العجب العجاب يمشي في جوانبها من كل جهة فتراها منفصلة عن
الأرض لا يتصل بها من الأرض شيء ، وبعض الجهات أشد انفصالا من بعض. قال صاحب مثير
الغرام هذا كلامه ، وهو عجيب جدا ، قلت وهو المشهور عند الناس
أن الصخرة / / معلقة بين السماء والأرض. وحكى أنها استمرت على ذلك حتى دخلت
__________________
تحتها حامل فلما توسطت تحتها خافت فأسقطت حملها ، فبنى حولها هذا البناء
المستدير عليها حتى استتر أمرها عن أعين الناس ، وقد تقدم في ترجمة ابن العربي
أنه دخل المشرق في سنة ٤٨٥ ه ، والظاهر أن قدومه بيت المقدس كان في ذلك العصر فعلى هذا يكون
البناء المستدير حول قبة الصخرة بعد ذلك التاريخ ، والله أعلم ، وللقبة التي على الصخرة والبناء المستدير حولها سقفان أحدهما من خشب وهو المدهون المذهب ، وفوقه سقف آخر
يعلوه الرصاص ، وبين السقفين خال متسع ولقبة الصخرة الشريفة أربعة أبواب من
الجهات الأربع ، فالباب القبلي هو المقابل للجامع الذي في صدر المسجد المتعارف عند الناس أنه الأقصى عن
يمين الداخل منه إلى المحراب ، ويقابله دكة المؤذنين على عمد من رخام في غاية
الحسن ، والباب الشرقي في تجاه درج البراق قبال قبة السلسلة ويسمى باب إسرافيل ، والباب الشمالي هو المعروف بباب الجنة وعنده البلاطة
السوداء المتقدم ذكرها ، والباب الغربي هو الذي يقابل باب القطانين.
قبة السلسلة :
وهي قبة في
غاية الظرف على عمد من رخام ، وقد تقدم ذكرها عند بناء عبد الملك بن مروان ، وأنها على
صفة قبة الصخرة ، وهي شرقيها بين الباب الشرقي ودرج البراق وعدة ما فيها من العمد
والرخام سبعة عشر عمودا غير عمودي المحراب ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ليلة
أسري
__________________
به الحور العين ، مكان قبة السلسلة والله أعلم ، والصحن
محيط بقبة الصخرة الشريفة على حكم التربيع لكن طوله من القبلة إلى الشمال أكثر من عرضه من الشرق إلى الغرب على ما سنذكره فيما بعد عند ذكر ذرعه طولا
وعرضا إن شاء الله تعالى ، وعلى ظاهر كل باب من أبواب قبة الصخرة الأربعة عضائد
وعمد من رخام وسقف يعلوه والصحن مفروش بالبلاط الأبيض ، ويتوصل إليه من عدة أماكن من المسجد
كل مكان به سلم من حجر على رأس السلم قناطر مرتفعة على عمد ، فمن ذلك سلّمان من
جهة القبلة أحدهما مقابل باب الجامع المشهور عند الناس بالأقصى ، وعلى رأس هذا
السلم منبر من رخام ، وإلى جانبه محراب ، يصلى في هذا المكان العيد والاستسقاء ،
وهذا المنبر أخبرت أن الذي عمره قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة الآتي ذكره ، وأنه كان قبل ذلك من الخشب يحمل على العجل ، والسلم
الثاني يليه من جهة قبة الطومار ، وهو على طرف صحن الصخرة من جهة الزيتون ، وهذا السلم مقابل لسور المسجد الأقصى القبلي ، ومن ذلك سلم
من جهة الشرق يعرف بدرج البراق ينتهي إلى أشجار الزيتون المغروسة شرقي المسجد عند باب الرحمة ، ومن ذلك
سلمان من جهة الشمال أحدهما مقابل باب حطة ، والثاني مقابل باب الدوادارية. ومن ذلك ثلاثة سلالم
من جهة الغرب أحدها مقابل باب الناظر وهو منحرف عنه ، والثاني مقابل لباب القطانين
والمتوضأ ، والثالث مقابل باب السلسلة ، وهذا السلم محدث في
عصرنا على ما سنذكره فيما بعد في حوادث سنة ٨٧٧ ه ، إن شاء الله تعالى ، وبجوار هذا
__________________
السلم القبة المعروفة بالنحوية التي أنشأها الملك المعظم عيسى ، تغمده الله
برحمته.
قبة المعراج :
وعلى يمين الصخرة والصحن من جهة الغرب قبة المعراج ، وهي
مشهورة مقصودة للزيارة ، وهذا البناء الموجود عمره الأمير الإسفهسلار عز الدين
سعيد السعداء ، أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الله الزنجيلي ، متولي القدس الشريف
في سنة ٥٩٧ ه ، وكان قبل ذلك ثم قبة قديمة ودثرت ، فجددت هذه القبة في التاريخ المذكور.
مقام النبي صلى الله عليه وسلم :
ويقال أنه كان
إلى جانب قبة المعراج في صحن الصخرة قبة لطيفة ، فلما بلط صحن
الصخرة أزيلت تلك القبة ، وجعل مكانها محراب لطيف مخطوط في الأرض بالرخام الأحمر
في دائرة على سمت بلاط الصخرة ، وهو موجود إلى يومنا ، ويقال :
أن موضع ذلك المحراب موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بالأنبياء والملائكة
ليلة الإسراء ، ثم تقدم أمام ذلك الموضع فوضعت له مرقاة من ذهب ، ومرقاة من فضة
وهو المعراج ولم يختلف / / إثنان أنه عرج به صلى الله عليه وسلم عن يمين الصخرة
الشريفة . ويستحب لمن يصلي عند قبة المعراج ومقام النبي صلى الله
عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء وهو : «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين
معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا والآخرة ،
__________________
اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا
، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا
تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا».
مقام الخضر عليه السلام :
وروى المشرف أن تحت المقام الغربي مما يلي قبة النبي صلى الله عليه
وسلم صخرة تسمى «بخ بخ» ، وأنها موضع الخضر عليه الصلاة والسلام ، وأنه سمع وهو
يصلي هناك ويدعو ، وهذا المكان قد ترك في عصرنا وصار حاصلا للمسجد هو أسفل صحن الصخرة اتجاه
باب الحديد بلصق السلم المتوصل منه لصحن الصخرة وهو مكان مأنوس ، على ظهر هذا
المكان محراب من رخام مخطوط في صحن الصخرة يعرف بمغارة الأرواح يقصده
الناس للزيارة ، وفي مؤخر المسجد من جهة الشمال مما يلي الغرب صخور
كثيرة ظاهرة يقال أنها من زمن داود عليه السلام ، وهذا ظاهر لأنها ثابتة في الأرض
ولم يطرأ عليها ما يغيرها.
قبة سليمان :
وفي تلك الجهة
بالقرب من باب الدوادارية قبة محكمة البناء بداخلها صخرة ثابتة وتعرف هذه القبة
بقبة سليمان ، والصخرة ثابتة بها يقال أنها التي وقف عليها سليمان عليه السلام بعد
انتهاء البناء ودعا الله بالدعوات المتقدم ذكرها
__________________
فاستجاب الله له ، وهذا البناء الذي عليها من عمل بني أمية.
قبة موسى :
وأما القبة
التي تجاه باب السلسلة المعروفة بقبة موسى ، ليس هو موسى النبي عليه السلام ، ولم يصح خبر في تسميتها بذلك ، والذي أمر بعمارتها هو الملك الصالح نجم الدين
أيوب بن الملك الكامل في سنة وفاته ، وهي ٦٤٧ ه وكانت تعرف قديما بقبة الشجرة.
وفي المسجد من
جهة الغرب الأروقة مبنية بالبناء المحكم وهي ممتدة من جهة القبلة إلى جهة الشمال
أولها عند باب المسجد المعروف بباب المغاربة ، وآخرها عند الباب
المعروف بباب الناظر وفوقه إلى قرب باب الغوانمة ، وهذه الأروقة كلها عمرت في سلطنة الملك
الناصر محمد بن قلاوون ، فالرواق الممتد من باب المغاربة إلى باب السلسلة عمر
في سنة ٧١٣ ه ، والرواق الممتد مما يلي مغارة باب السلسلة إلى قرب من باب الناظر عمر في سنة ٧٣٧ ه ، والرواق الممتد من
باب الناظر إلى قرب باب الغوانمة عمر في سنة ٧٠٧ ه.
وفي صحن المسجد
من جهة الغرب بين الأروقة وصحن الصخرة عدة محاريب على مصاطب مبنية للصلاة ، وأشجار
كثيرة تشتمل على ميس وتين وغيرها. بما الأروقة من جهة الشمال فهي ممتدة شرقا قريب من باب الأسباط
__________________
إلى المدرسة الجاولية وهي المعروفة يومئذ بدار النيابة ، فالرواق الممتد من
باب الأسباط إلى المدرسة الجاولية وهي المعروفة يومئذ بدار النيابة ، فالرواق
الممتد من باب الأسباط إلى المدرسة القادرية لم أطلع على حقيقة أمره ، وقرينة
الحال تدل على أنه بني مع المنارة التي هناك ، وكان بناؤها في سلطنة الأشرف شعبان
بن حسين في سنة ٧٦٩ ه ، والرواق الذي أسفل القادرية بني معها
وكذلك مجمع المدرسة الكريمية ، وأما الرواق الممتد من باب حطة إلى باب الدوادارية.
فالظاهر أن الذي عمره الملك الأوحد مع تربته التي بباب حطة ، فإنه شرط في وقفها ما يقتضي
ذلك ، والرواق الممتد من باب الدوادارية إلى آخره من جهة الغرب ، وعلى ظاهره خمس مدارس ، فبعضه
وهو الذي أسفل المدرسة الأمينية والمدرسة الفارسية كان قديما ، ثم جددت عمارته في
دولة الملك المعظم عيسى في سنة ٦١٠ ه ، وباقية وهو الذي أسفل ثلاث مدارس وهي الملكية والأسعردية والصبيبية فكل مدرسة بني معها ما تحتها من الرواق ،
والمشاهدة تدل على ذلك ، فإن كل مدرسة من هؤلاء بناؤها مناسب لما أسفلها من الرواق ، وسنذكر تاريخ كل
مدرسة فيعلم منه تاريخ بناء الرواق الذي أسفلها بما الرواقان السفليان اللذان أسفل دار النيابة فأنهما
عمرا مع منارة الغوانمة ، وكتب عليهما تاريخ عمارتها
__________________
وعمارة المنارة ، فتسعثت الكتابة لطول الزمان ، وعلوهما أيضا رواقان مستجدان بعدهما بدهر. وسنذكر تاريخ من عمر
المنارة فيعلم منها الحال تقريبا ، والله أعلم.
وفي المسجد من
جهة الشرق بين صحن الصخرة والسور الشرقي أشجار زيتون كثيرة قديمة
من عهد الروم ، وآثار أروقة متهدمة عند مهد / / عيسى ، لعلها من آثار البناء الأموي ،
والله أعلم.
قبة الطومار :
وهي قبة على
طرف صحن الصخرة من جهة القبلة مما يلي الشرق. وقد أخبرت قديما أن سبب تسميتها
بذلك أن بعض الملوك والأعيان حضر إلى القدس الشريف وصعد إلى جبل طور زيتا
ورمى بالطومار ، فسقط في موضع هذه القبة ، فأمر ببنائها فسميت قبة الطومار لذلك.
وللناس في ذلك حكايات مختلفة لا أصل لها ، والله أعلم.
حاكورة القاشاني :
وهي مكان بجوار
قبة الطومار إلى جانب صحن الصخرة من جهة القبلة ، وبه خلوة كان يجلس فيها الشيخ عبد الملك الموصلي ، وكان عمل
في حائطها وزرة من القاشاني فعرفت بذلك.
زاوية البسطامية :
أسفل صحن الصخرة من جهة الشرق عند الزيتون ، وهي مكان مأنوس
كان يجتمع فيه الفقراء البسطامية لذكر الله تعالى ، وقد سد بابها في عصرنا.
زاوية الصمادية :
بجوار زاوية
البسطامية من جهة الشمال وهي بلصق درج البراق وقد سد بابها
__________________
أيضا كالبسطامية . وفي المسجد من الآبار المعدة لجمع ماء الصخرة أربعة
وثلاثون بئرا منها : بئر الورقة بداخل الجامع وتقدم ذكره ، ومنها في صحن الصخرة سبعة ، والباقي في أرض المسجد حول صحن الصخرة من الجهات
الأربعة ، ومنها ما له فمان ، ومنه ما له ثلاثة أفواه ، فعدة الأفواه نيفا وأربعون فما ،
ومن الآبار ما هو خراب وبعضها قد سد.
ذرع المسجد طولا وعرضا :
وأما ذرع
المسجد فقد اجتهدت في تحريره وتوليت ذلك بنفسي ، وقيس بحضوري بالحبال ، وكان طوله
قبلة بشام من السور القبلي عند المحراب المعروف بمحراب داود عليه
السلام ، إلى صدر الرواق الشمالي عند باب الأسباط ستمائة وستون ذراعا بذراع العمل التي تذرع به الأبنية في عصرنا غير عرض السورين ، وإن كان فيه
زيادة أو نقص نحو ذراعين أو ثلاثة فهو لاضطراب القياس لبعد المسافة ، فإن احتطت في تحريره ،
وقيس بحضوري مرتين حتى تحققت صحة القياس. وعرضه شرقا بغرب من السور الشرقي المطل
على مقابر ذات الرحمة إلى صدر الرواق الغربي الذي أسفل مجمع المدرسة التنكزية ، أربعمائة ذراع وستة أذرع بذراع
العمل الذي تذرع به الأبنية في عصرنا ، غير عرض السورين.
تنبيه : قد
تقدم عند ابتداء ذكر صفة المسجد أن المتعارف عند الناس أن الأقصى هو الجامع المبني في صدر المسجد من جهة القبلة الذي به المنبر
__________________
والمحراب الكبير ، وحقيقة الحال أن اسم الأقصى هو لجميع المسجد وما دار عليه السور ، وذكر قياسه هنا طولا
وعرضا ، فإن هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره من قبة الصخرة والأروقة
وغيرها محدث ، والمراد بالمسجد الأقصى هو جميع ما دار عليه السور ،
كما تقدم.
أما صحن الصخرة
الشريفة ، فطوله قبلة بشام من السور القبلي الذي هو بين
الدرجتين القبليتين ، تم بالقياس فيما بين باب الصخرة الشريفة وقبة السلسلة إلى
السور الشمالي المشرف على جهة باب حطة مئتان وخمسة وثلاثون ذراعا ، وعرضه شرقا بغرب
من السور الشرقي المطل على الزيتون عند قبة الطومار إلى السور الغربي
المقابل للمدرسة الشريفة السلطانية الأشرفية مائة وتسعة وثمانون ذراعا ، كل ذلك بذراع العمل الذي
تذرع به الأبنية. وتقدم ذكر ذرع الجامع الأقصى وارتفاع قبة الصخرة ودائرها قبل ذلك ، وإن كان في القياس نقص أو زيادة فهو يسير ، وهذا
القياس الذي هنا مخالف لما تقدم عند ذكر صفة المسجد التي كان عليها
في زمن عبد الملك بن مروان. وقد تقدم هناك ذكر قياسه على أنواع مختلفة ليس في أحدها ما
يوافق الآخر. والظاهر أن الأذرع المقاس بها مختلفة بسبب اصطلاح كل زمان ، ويحتمل أن يكون بعضها
بذراع الحديد وبعضها بذراع الخشب أو باليد والله أعلم. وفي المسجد أماكن كثيرة من
الحواصل والأبنية والمحاريب التي يطول شرح وصفها ، فإن هذا المسجد
__________________
الشريف أوصافه عظيمة لا يتصورها إلا من شاهدها عيانا ، وهذا الذي
ذكرته هنا إنما هو على سبيل التقريب. ومن أعظم محاسنه أنه إذا جلس إنسان فيه في أي
موضع منه يرى أن ذلك الموضع هو أحسن المواضع وأبهجها ، ولهذا قيل إن الله تعالى
نظر إليه بعين الجمال ، ونظر إلى المسجد الحرام بعين الجلال. فهذا المسجد في غاية
البهجة والسعة والمنظر الحسن.
والمسجد الحرام
في غاية الأبهة والوقار والهيبة قال الصاحب الأكمل تاج الدين أحمد بن الصاحب أمين الدين أبي محمد بن عبد الله الحنفي في كتابه المسمى بالعسجد في صفة الأقصى والمسجد // : وأما ما شاهدته فيه بالعيان أنني جلست وقتا في
بقعة منه مكللة بأزاهر من الشقائق والأقحوان وإلى جانبي فقير عليه أطمار رثة
يبدي تبسما ، وتارة يعلن صوته بالتسبيح والتكبير ترنما ، ويقول : سبحان من جمع
فيك المحاسن ، وكساك هذه الحلل الفاخرة ، وجعلك تحتوي على كنوز الدنيا والآخرة ، فقلت له : يا سيدي أما فضله
وبركته فقد صدق العيان مما فيها الخبر لكن ما كنوز الدنيا؟ فقال ما من زهرة تراها إلا ولها في النفع والضر خواص يعرفها أهل
الفضل والاختصاص ، فقلت : لعل يظهر للعيان شيئا مما عرفت ، يزداد به اليقين تبصرة ،
وتكون هذه الجلسة معك عن صباح النجاح مسفرة . فأخذ بيدى ومشى خطوات إلى جهة من جهات الحرم ومدّ يده
، وأخذ قبضة من ذلك الكلأ ، وقال : هل معك خاتم أو درهم؟ فقلت : نعم ، فأخرجت
__________________
درهما مما معي ، وعركه بذلك الكلأ فعاد كالدينار في صفرته ، ثم أخذ حشيشة
أخرى عركه بها ، فعاد أبيض أنقى مما كان أولا ، وقال : هذه رموز احتوت على كنوز فسبحان القادر على ما يشاء.
الأقصى القديم :
أسفل المسجد من جهة القبلة مكان كبير معقود به سواري حاملة
للسقف ، وهي تحت المكان الذي فيه المحراب والمنبر ، ويسمى هذا المكان السفلي
الأقصى القديم. ولعله من أثر البناء السليماني ، فإن اتقان بنائه وإحكامه يدل على
ذلك.
إصطبل سليمان :
وإلى جانب هذا
المكان أيضا أسفل المسجد تحت الجهة التي بها أشجار الزيتون ، مكان عظيم
معقود يقال له إصطبل سليمان ، وهو داخل تحت غالب المسجد ، ولعله من البناء
السليماني ، وهو الظاهر ، ويتوصل إلى كل مكان من المكانين المذكورين من تحت سور
المسجد القبلي.
وأما المنائر فقد تقدم في ذكر وصف المسجد الذي كان عليه في زمن عبد
الملك بن مروان وبعده ، أن فيه من المنائر أربعا ، ثلاث منها صف واحد غربي المسجد وواحد على باب الأسباط ، وفي
عصرنا الأمر كذلك ، لكن المنائر التي به الآن بناءها مستجد بعد ذلك البناء ،
والظاهر أنه على الأساس القديم.
والمنارة
الأولى على مقدم المسجد من جهة القبلة مما يلي الغرب على المدرسة الفخرية ، وهي ألطفها بناء لكونها على غير
أساس ، وإنما هي على ظهر مجمع المدرسة الفخرية ، ولعلها بناء صاحب الفخرية ،
والله أعلم.
__________________
والثانية على
باب السلسلة على جانب الغرب من المسجد ، وهي المختصة بالأماثل من المؤذنين ،
وعليها عمل المسجد واعتماد بقية المنائر ، وقد أخبرت أنها من بناء تنكز نائب الشام حين بنائه المدرسة المشهورة به بخط باب السلسلة.
والثالثة على
مؤخر المسجد من جهة الشمال مما يلي الغرب ، وتسمى مأذنة الغوانمة لكونها عند باب
الغوانمة ، وهي أعظمها بناء ، وأتقنها عمارة ، وهي بناء القاضي شرف الدين عبد
الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي ، ناظر أوقاف الحرمين الشريفين مكة والمدينة ، شرفهما الله تعالى وحرمي القدس الشريف وسيدنا الخليل عليه السلام ، وقد رأيت
توقيعه بذلك من السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين ، وفيه أن يعاد إلى الوظيفة المذكورة ، فدل على أنه
باشرها قبل ذلك بتاريخ التوقيع الذي وقفت عليه في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة
سنة ٦٩٧ ه ، ولعله عمر المنارة في ذلك العصر ، وقد أخبرت أن
عمارتها في دولة بني قلاوون وهو ممكن ، والرابعة على الجهة الشمالية من المسجد بين
باب الأسباط وباب حطة ، وهي أظرفها شكلا وأحسنها هيبة ، وهي بناء السيفي قطلوبغا ، ناظر الحرمين الشريفين ، بناها في سلطنة الملك الأشرف
__________________
شعبان بن حسين في سنة ٧٦٩ .
وأما أبواب
المسجد فأولها بابان متحدان في السور الشرقي الذي قال الله تعالى فيه : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ
باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)). فإن الوادي الذي وراءه وادي جهنم وهما من داخل الحائط مما يلي المسجد ، أحدهما
يسمى باب الرحمة ، والثاني باب التوبة ، وهما الآن غير مشروعين ، وعليهما من داخل
المسجد مكان معقود بالبناء السليماني ، ولم يبق بداخل المسجد من البناء السليماني سوى هذا المكان وهو مقصود
للزيارة وعليه الأبهة والوقار ، وقد أخبرت قديما من شخص من القدماء أن الذي
أغلقهما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأنهما / / لا يفتحان حتى
ينزل السيد عيسى بن مريم عليه السلام ، والذي يظهر سبب غلقهما خشية
على المسجد والمدينة من العدو المخذول فإنهما ينتهيان إلى البرية
وليس في فتحهما كبير فائدة. وكان علو هذا المكان الذي على باب الرحمة زاوية تسمى الناصرية ،
وكان بها الشيخ نصر المقدسي يقرأ العلم مدة طويلة ، وتسميتها بالناصرية نسبة للشيخ نصر ، ثم أقام بها الإمام أبو حامد الغزالي فسميت الغزالية. ثم عمرها الملك المعظم بعد ذلك وقد
خربت ، ولم يبق الآن لها أثر سوى بعض بناء
__________________
مهدوم . وبالسور الشرقي أيضا بقرب البابين المذكورين من جهة القبلة
باب لطيف مسدود بالبناء ، وهو مقابل درج الصخرة المعروف بدرج البراق ، ويقال : أن
هذا الباب هو باب البراق الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم ، ليلة الإسراء ،
ويسمى باب الجنائز لخروجها منه قديما ، وباب الأسباط نسبة لأسباط بني إسرائيل ،
وهم : يوسف وروبيل وشمعون ويهودا ، عليهم السلام ، وهو في مؤخرة المسجد في آخر جهة الشمال من جهة الشرق ، وهو قريب من
باب الرحمة والتوبة. ويقال : أن بين باب الرحمة وباب الأسباط مسكن الخضر وإلياس عليهما السلام ، فالياس
من أنبياء بني إسرائيل ، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الخضر نبي ، وذهب آخرون
إلى أنه ولي ، وكثير منهم ذهب إلى أنه حي وهو يصلي الجمعة في خمسة مساجد في المسجد
الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد قباء ومسجد الطور في كل مسجد
جمعة ، ويأكل في كل جمعة أكلتين من كمأ وكرسف ويشرب مرة من ماء زمزم ومرة من جب سليمان الذي ببيت
المقدس ، ويغتسل من عين سلوان. قال الشيخ أبو محمد نصر البندينجي : سألت الخضر أين تصلي الصبح ، فقال :
عند الركن اليماني ، قال : وأقضي بعد ذلك شيئا كلفني الله تعالى قضاءه ، ثم أصلي الظهر بالمدينة ، ثم أقضي شيئا
كلفني الله قضاءه ، وأصلي العصر ببيت المقدس ، حكى ذلك صاحب مثير الغرام وغيره ،
وسبب حياته على ما كان حكاه البغوي ، أنه شرب من عين ماء الحياة ، ثم قال عند مجمع البحرين
عين تسمى عين الحياة لا يصيب ذلك الماء
__________________
شيئا إلا حي ، وروى المشرف بسنده ، وحكاه غيره أن الخضر والياس ،
عليهما السلام ، يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافي الموسم كل عام ، وباب حطة في جهة الشمال من المسجد وهو الذي ورد فيه
عن أبي هريرة ، رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قيل
لموسى قل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد
المحسنين ، فبدلوا ودخلوا الباب يرجعون على أستاههم ، وقالوا حبة في شعرة .
وعن ابن عباس ،
رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا
ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) يريد بيت المقدس (فَكُلُوا مِنْها
حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) ، يريد لا حساب عليكم (وَادْخُلُوا الْبابَ) ، يريد باب بيت المقدس (سُجَّداً وَقُولُوا
حِطَّةٌ) ، يريد لا إله إلا الله لأنها كلمة تحط الذنوب ، (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً
غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) ، قالوا بالعبرانية : حبة سمراء يريدون الحنطة ، (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي عذابا بما كانوا يفسقون ، ويقال : أن من صلى عند باب حطة ركعتين كان له من
الثواب بعدد من قيل له من بني إسرائيل ادخلوا الباب فلم يدخلوا ، وإنما سمي باب حطة لأن الله تعالى
أمر بني إسرائيل أن يدخلوا منه ويقولوا حطة ، وحطة فعلة من الحط ، وهو وضع الشيء
من أعلى إلى أسفل ، يقال حط الحمل عن الدابة.
وعن سعيد بن
جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي مغفرة
__________________
فقالوا : حنطة ، وقال مقاتل : أنهم أصابوا خطيئة بإبائهم على
موسى دخول الأرض التي فيها الجبارين ، فأراد الله أن يغفرها لهم فقيل لهم : قولوا حطة.
قال الزجاج : معناه حط عنّا ذنوبنا ، وقوله تعالى (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) ، ، قال ابن عباس : ركعا وهو شدة الانحناء ، والمعنى منحنين متواضعين. قال مجاهد وقتادة : هو باب حطة من بيت
المقدس طوطيء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوا.
وكان في زمن
بني إسرائيل إذا أذنب أحد الذنب كتب على بابه أو جبينه خطيئة ، أو على عتبة بابه : ألا إن فلانا قد أذنب في
ليلة كذا وكذا ، فيبعدونه ويدحرونه فيأتي باب التوبة ، وهو الذي عند محراب مريم ، عليهما
السلام ، الذي كان يأتيها رزقها منه / / فيبكي ويتضرع ويقيم حينا ، فإن تاب الله
عليه فيمحى ذلك عن جبينه أو بابه فيقر به بنوا إسرائيل ، وإن لم
يتب عليه أبعدوه ودحروه ، وباب شرف الأنبياء ، في جهة الشمال من المسجد ، ولعله الذي دخل منه عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ، يوم الفتح والله أعلم ، ويعرف الآن بباب حطة الدوادارية
نسبة لمدرسة بنيت إلى جانبه وسنذكرها ، إن شاء الله تعالى ، فهذه
__________________
الأبواب الثلاثة وهي باب الأسباط وباب حطة وباب الدوادارية في الجهة
الشمالية ؛ وباب الغوانمة في آخر الجهة الغربية من جهة الشمال بالقرب من المنارة
المعروفة الآن بالغوانمة وسمي الباب بذلك لأنه ينتهي إلى حارة بني
غانم ، ويعرف قديما بباب الخليل ؛ وباب الناظر ، وهو باب قديم وجددت عمارته في زمن الملك المعظم عيسى
، رحمه الله ، في حدود الستمائة ، ويعرف قديما بباب ميكائيل ، ويقال : أنه الباب
الذي ربط به جبريل عليه السلام ، البراق ليلة الإسراء ، وباب الحديد
وهو باب لطيف محكم البناء استجده أرغون الكاملي نائب الشام.
وباب القطانين
سمي بذلك لأنه ينتهي إلى سوق القطانين ، مكتوب عليه أن السلطان الملك الناصر محمد
بن قلاوون جدد عمارته في سنة ٧٣٧ ه ، فدل على أنه كان قديما ، وهو باب عظيم بناه في غاية
الاتقان ، وبالقرب منه باب المتوضأ الذي يخرج منه إلى متوضئ المسجد كان قديما ،
وتهدم ثم جدد عمارته علاء الدين البصير لما عمر المتوضأ .
وباب السلسلة
وباب السكينة وهما متحدان ، ومنهما يخرج إلى الشارع الأعظم ، المعروف
بخط سيدنا داود ، عليه السلام ، وهما عمدة أبواب المسجد ، وغالب استطراق الناس إلى
المسجد منهما ، لأنهما ينتهيان إلى معظم أسواق البلد وشوارعها ، ويعرف باب السلسلة
قديما بباب داود ، عليه السلام.
وباب المغاربة
وسمي بذلك لمجاورته لباب جامع المغاربة الذي تقام فيه الصلاة الأولى ، ولأنه ينتهي
إلى حارة المغاربة ، وهذا الباب في أواخر الجهة الغربية من المسجد مما يلي القبلة
، ويسمى باب النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث المعراج الشريف
__________________
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثم انطلق بي يعني جبريل ، عليه
السلام ، حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد ، فربط بها
الدابة ، يعني البراق ، ودخلنا المسجد من باب تميل فيه الشمس
والقمر ، قال مؤقتو بيت المقدس : لا نعلم بالمسجد بابا بهذه الصفة إلا باب المغاربة. فهذه
الأبواب الثمانية من باب الغوانمة إلى باب المغاربة في الجهة الغربية من المسجد ، وثلاثة أبواب في
الجهة الشمالية ، والباب المسدود في السور الشرقي.
وأما الأبواب
التي يتوصل منها إلى المسجد مما هو حوله من المدارس والمنازل فسنذكرها فيما بعد عند انتهاء ذكر
ما حول المسجد من المدارس إن شاء الله تعالى.
وأما المسجد
فهو من جهتي القبلة والشرق ينتهي إلى البرية ، فالجهة القبلية مشرفة على عين سلوان
وغيرها ، والجهة الشرقية مشرفة على جهة طور زيتا ووادي جهنم وغيرها ، والمنازل محيطة بالمسجد
من جهتي الغرب والشمال فقط.
وقد تقدم أن
المسجد كان في الزمان السالف في وسط المدينة والمنازل محيطة به من الجهات الأربع ،
فلما خرب البناء القديم ولم يعتن أحد بإعادته ، وتلاشت أحوال الدنيا صار الأمر على
ما هو عليه في عصرنا.
وأما الأئمة
المرتبون فيه فأولهم إمام المالكية يصلي في الجامع الذي غربي المسجد من جهة القبلة ، وقد تقدم ذكره ، ثم
يصلي بعده إمام الشافعية بالجامع
__________________
الكبير القبلي المتعارف عليه عند الناس أنه المسجد الأقصى ، ثم يصلي
بعده إمام الحنفية بقبة الصخرة الشريفة ، ثم يصلي بعده إمام الحنابلة ، وكان قديما
إمام الحنابلة يصلي بعده بالرواق الغربي خلف منارة باب السلسلة من جهة
الشمال. ومضى الزمان على ذلك وتركت الوظيفة واستقر فيها غير مستحقها لانعدام الحنابلة ببيت المقدس ، فلما بنيت مدرسة مولانا السلطان
الملك الأشرف ، وتكاملت عمارتها ، ترتب إمام الحنابلة للصلاة في المجمع الذي هو أسفل المدرسة بالمسجد وهو مكان الرواق المذكور ، وذلك
في شهور سنة ٨٩٠ ه ، مع استمرار تلك الوظيفة القديمة بيد غير مستحقيها.
وهذا الترتيب
في الصلاة يوافق ترتيب مسجد سيدنا الخليل عليه السلام ما عدا صلاة
الحنابلة / / فإن مسجد الخليل يصلي فيه أولا إمام المالكية بالرواق الغربي الذي
خلف الحجرة الشريفة الخليلية ، ثم إمام الشافعية في المحراب الكبير الذي إلى جانب
المنبر ، ثم إمام الحنفية عند مقام آدم.
وهذا الترتيب
خلاف الترتيب بالمسجد الحرام ، فإن هناك يصلي أولا إمام الشافعية في مقام إبراهيم تجاه باب الكعبة ، ثم إمام
الحنفية مقابل حجر إسماعيل تجاه الميزاب ، ثم إمام المالكية بين الركنين اليماني والشمالي ، ثم إمام الحنابلة مقابل الحجر
الأسود .
__________________
وقبلة أهل بيت
المقدس وما جاوره من غزة والرملة وما إلى ذلك من السواحل جهة ميزاب
الكعبة وحجر إسماعيل عليهما السلام ، فهم يستقبلون الجهة التي يصلي إليها إمام
الحنفية بالمسجد الحرام. وللمسجد الأقصى أيضا عدة أئمة بداخل الجامع الأقصى وبمغارة الصخرة وعند
أبواب المسجد ، يصلون التراويح في رمضان فقط وبقية الأيام لا يصلون شيئا ، ولكن العمدة على الأئمة الأربعة
، المتقدم ذكرهم.
وأما ما يوقد
فيه من المصابيح في كل ليلة وقت العشاء ووقت الصبح ، ففي داخل الجامع المتعارف عند
الناس أنه الأقصى وعلى أبوابه سبعمائة قنديل ونحو خمسين وخمسمائة قنديل ، وفي قبة
الصخرة الشريفة وما حولها خمسمائة قنديل ونحو أربعين قنديلا ، وذلك خارج عما يوقد في الأروقة
وغيرها من الأماكن بالمسجد ، وهذه العدة لا توجد في مسجد من مساجد الدنيا في
مملكتنا ، والله أعلم.
وأما في ليلة
النصف من شعبان فيوقد بالجامع الأقصى وبقبة الصخرة ما يزيد على عشرين
ألف قنديل ، وهذه الليلة من الليالي المشهورة التي من عجائب الدنيا ، كذلك في ليلة
المعراج ، وهي المسفرة عن السابع والعشرين من شهر رجب ، وفي ليلة المولد
الشريف وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان ، يوقد فيه من التنانير وغيرها من المصابيح مما لا يوجد في
مسجد من المساجد.
وأما الوظائف
المرتبة فيه المدرسين والمعيدين والخدام والمؤذنين والقراء وغيرهم فكثير جدا
، ولم يكن فيهم من يباشر ما وجب عليه إلا بعض أناس ، والله الموفق.
__________________
ذكر
غالب ما في بيت المقدس من المدارس والمشاهد
مما
هو بجوار سور المسجد الأقصى وغيره
الفارسية :
بداخل المسجد
الأقصى عند المكان الذي تجلس فيه النساء بالقرب من بئر الورقة ، منسوبة لواقف المدرسة الفارسية ، التي على شمالي المسجد ، وسنذكرها
ونذكر واقفها ، وتاريخ وقفها إن شاء الله تعالى ، والحاكورة التي بلصقها من ظاهر
الجامع عند الباب الشرقي تعرف بحاكورة الفارسية.
النحوية :
على طرف صحن
الصخرة من جهة القبلة إلى الغرب ، وتقدم ذكرها عند ترجمة بانيها الملك
المعظم عيسى ، وكان بنائها في سنة ٦٠٤ ه .
الناصرية :
وكان على برج
باب الرحمة مدرسة تعرف بالناصرية نسبة للشيخ نصر المقدسي ، ثم عرفت بالغزالية نسبة
لأبي حامد الغزالي ، ثم أنشأها الملك المعظم عيسى وجعلها زاوية لقراء القرآن والاشتغال بالنحو ، ووقف عليها كتابا من
جملتها إصلاح المنطق لأبي يوسف يعقوب بن إسحق بن السكيت . وقد وقفت على كراسة من خط ابن الخشاب ، وعلى ظاهر الكراسة الوقف ، وهو مؤرخ
__________________
في التاسع من ذي الحجة سنة ٦١٠ ه ، وقد دثرت الزاوية المذكورة في عصرنا ، ولم يبق لها
نظام وصارت من المهملات.
وأما ما حول
المسجد من المدارس والزوايا ، فأولها
الزاوية الخنثنية :
بجوار قبلة المسجد الأقصى خلف المنبر ، أوقفها الملك صلاح الدين
تغمده الله برحمته على رجل من أهل الصلاح ، ترجمته الشيخ الأجل الزاهد العابد المجاهد صلاح الدين محمد بن
أحمد بن محمد الشاشي ، المجاور في بيت المقدس ، ثم بعده على من يحذو حذوه ،
وقد وليها جماعة من الأعيان وبنائها قديم من زمن الروم ، ولكن بناء الدار التي
بداخل الزاوية مستجدة ، تاريخ كتاب وقفها في ثامن عشر ربيع الأول سنة
٥٨٧ ه .
وأما المدارس المجاورة للسور من جهة الغرب ونذكرها
على الترتيب
فأولها الفخرية :
وهي مجاورة
لجامع المغاربة الذي تقام فيه صلاة المالكية من جهة الغرب ، وهي بداخل سور
المسجد وبابها من داخل المسجد عند الباب الذي يخرج منه إلى حارة المغاربة ، واقفها
المقر العالي القاضي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن فضل الله ناظر الجيوش
الإسلامية ، أصله قبطى فأسلم وحسن إسلامه ، وكانت له أوقاف كثيرة وبرا وإحسانا إلى
أهل العلم ، وكان صدرا معظما كبيرا ، توفي سنة ٧٣٢ ه في منتصف رجب / / وقد جاوز السبعين من العمر ، رحمه الله.
__________________
المدرسة التنكزية :
واقفها الأمير
تنكز الناصري ، نائب الشام ، وهي مدرسة عظيمة ليس في المدارس أتقن من بنائها ، وهي بخط باب السلسلة ، ولها مجمع راكب
على الأروقة الغربية بالمسجد ، ولواقفها مآثر خير في المسجد وعمائر كثيرة ، منها
الرخام الذي في قبلة المسجد عند المحراب ، ومنها جانب الجامع الأقصى الغربي ، وهو
الذي عمر قناة الماء الواصلة إلى القدس. وكان ابتداء عمارتها في شوال سنة ٧٢٧ ه ،
ووصلت إلى القدس الشريف ، ودخلت إلى وسط المسجد الأقصى في أواخر ربيع الأول سنة
٨٢٧ ه ، وعمل البركة الرخام بين الصخرة والأقصى ، وله الحمام
الكائن بباب القطانين المعروف بالحديد ، وغير ذلك. وعلى باب المدرسة تاريخها في
سنة ٧٢٩ ه ، وتوفي تنكز في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من
المحرم سنة ٧٤١ ه ، بقلعة إسكندرية مسموما ، عفا الله عنه ، ودفن بالإسكندرية ، ثم نقل إلى
تربته بدمشق وقد جاوز الستين ، وكان نقله إلى دمشق في ليلة الإثنين
خامس رجب سنة ٧٤٤ ه .
المدرسة البلدية :
بباب السكينة
بجوار باب السلسلة ، واقفها الأمير منكلي بغا الأحمدي نائب حلب ، توفي ودفن بها في
جمادى الآخرة سنة ٧٨٢ ه ، وبجوارها المدرسة الشريفة السلطانية الأشرفية داخل
المسجد الأقصى الشريف بالقرب من باب السلسلة. وسبب بناؤها هو أن الأمير حسن الظاهر
كان قد بنى المدرسة القديمة للملك الظاهر خشقدم ، ثم بعد وفاته سأل الملك الأشرف
قايتباي قبولها ، فقبلها منه
__________________
ونسبت إليه ، ورتب لها شيخا وصوفيه وفقهاء ، وصرف لهم المعاليم ، ثم حضر
الملك الأشرف قايتباي في سنة ٨٨٠ ه فلم تعجبه ، ولما كان في سنة ٨٨٤ ه جهز خاصكي لهدمها وتوسيعها بما يضاف إليها من العمائر.
فكان الابتداء في حفر أساس المدرسة الموجودة الآن في رابع عشر شعبان سنة خمس
وثمانين ، وعمل على ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد الأقصى ، وأعظم محاسنها
كونها في هذه البقعة الشريفة ، وصارت جوهرة ثالثة ، وهي قبة الصخرة وقبة الأقصى ، وهذه
المدرسة ومن جملة ما عمره الملك الأشرف قايتباي السبيل المقابل لها بداخل المسجد
فوق البئر المقابل لدرج الصخرة الغربي ، وكان قديما على البئر المذكور قبة مبنية
بالحجارة كغيرها من الآبار ، وكذلك الفسقية التي تقرب منه قبل المسطبة المجاورة ،
والفسقية التي بين السلسلة وباب السكينة ، وكان قديما مكانها حوانيت فأزيلت.
وسنذكرها في آخر الكتاب كما تقدم الوعد به ، والله أعلم.
المدرسة العثمانية :
بباب المتوضأ ،
واقفتها امرأة من أكابر الروم واسمها أصفهان شاه خاتون ، وتدعى خانم ، وعليها أوقاف ببلاد الروم وغيرها في هذه البلاد ، وعلى بابها
تاريخها في سنة ٨٤٠ ه . ودفنت الواقفة بها بالبوابة المجاورة لسور المسجد.
الرباط الزمني :
بباب المتوضأ تجاه المدرسة العثمانية ، واقفة الخواجة شمس الدين محمد
بن الزمن ، أحد خواص السلطان الملك الأشرف قايتباي ، وكان بناءه في سنة ٨٨١ ه وتوفي واقفة في سنة ٨٩٧ ه .
__________________
المدرسة الأرغونية :
بباب الحديد ،
واقفها أرغون الكاملي نائب الشام ، وهو الذي استجد باب الحديد أحد أبواب
المسجد ، وكان الباب قديما يعرف بباب أرغون ، توفي في يوم الخميس السادس والعشرين
من شوال سنة ٧٥٨ ه . وأكملت عمارتها بعد وفاته في سنة ٧٥٩ ه ، وكانت وفاته بالقدس الشريف ودفن بها.
المدرسة الخاتونية :
بباب الحديد
واقفتها أغل خاتون بنت شمس الدين محمد بن سيف الدين تمر القازانية البغدادية ، وقفت عليها المزرعة المعروفة
بظهر الجمل ، واشتهرت في عصرنا وقبله بباطن جمل ، وقيدت تاريخ وقف الجهة المذكورة في خامس ربيع الآخر سنة ٧٥٥ ه
، ثم أكملت عمارة المدرسة المذكورة ، ووقفت عليها المرحومة وأصفهان شاه بنت الأمير قازان
شاه ، تاريخ وقفها في العشر الآخر من جمادى الآخرة سنة ٧٨٢ ه .
المدرسة المزهرية :
بباب الحديد ،
واقفها المعز المرحوم الزيني أبو بكر بن مزهر الأنصاري الشافعي ، صاحب ديوان الإنشاء
بالديار المصرية ، تغمده الله برحمته ، وبعضها راكب على
__________________
ظهر الأرغونية ، ولها مجمع على أروقة المسجد ، وكان الفراغ من بنائها في
سنة ٨٨٥ ه ، وحضر واقفها إلى جهة نابلس في سنة وفاته في جمادى
الأولى لتجهيز الرجال لتجريده ابن عثمان ملك الروم ، وقصد الحضور إلى بيت المقدس للزيارة ورؤية مدرسته ،
فحصل له توعك في رجب ، وتوجه إلى القاهرة. ولم يقدر الحضور إلى القدس ، وتوفي في يوم الخميس سادس رمضان سنة ٨٩٣ ه
.
المدرسة الجوهرية :
بباب الحديد ،
وبعضها على رباط كرد ، واقفها الصوفي جوهر ، زمام الأدر الشريفة في سنة ٨٤٤ م .
رباط كرد :
بباب الحديد ،
بجوار السور تجاه المدرسة الأرغونية ، واقفة المقر السيفي كرد صاحب الديار المصرية في سنة ٦٩٣ ه .
الزاوية الوفائية :
بباب الناظر ،
تجاه المدرسة المنجكية وعلوها دار من معالمها ، تعرف بدار الشيخ شهاب الدين بن الهائم
، ثم عرفت ببني أبي الوفا لسكنهم بها ، وتعرف قديما بدار معاوية.
__________________
المدرسة المنجكية :
بباب الناظر ،
واقفها الأمير منجك نائب الشام ، وكان رسم له بالإقامة بالقدس الشريف طرخان ، فدخل
إليها في شهر صفر ٧٦١ ه وفي بعض التواريخ أنه وصل / / إلى القدس الشريف ليبني
المدرسة للسلطان الملك الناصر حسن ، وكان قصد بنائها له ، فلما قتل السلطان في سنة ٧٦٢ ه
، أبقاها لنفسه فنسبت إليه ، ووقف عليها. ورتب لها فقهاء وأرباب
وظائف ، ثم تلاشت أحوالها في عصرنا ، والله الموفق. فهذه المدارس في الجهة الغربية
من المسجد.
وما هو في جهة الشمال ونذكره على الترتيب أيضا
المدرسة الجاولية :
واقفها الأمير
علم الدين سنجر الجاولي ، نائب غزة ، ومولده في سنة ٦٥٣ ه ، وكان من أهل العلم ، وله مصنفات وترجمته في طبقات
الشافعية ، توفي في رمضان سنة ٧٤٤ ه . وقد صارت المدرسة في هذه الأزمنة سكنا لنواب القدس ،
وفيها مدفن به الشيخ درباس الكردي الهكاري ، وكان صالحا معتقدا نفع الله به.
__________________
المدرسة الصبيبية :
واقفها الأمير
علاء الدين علي بن ناصر الدين محمد ، نائب قلعة الصبيبة ، ولي نيابة القدس ، وعمر بها المدرسة ، وتوفي بالشام
في المحرم سنة ٨٠٩ ، بالقبيبات ، ثم نقل إلى القدس الشريف بعد مدة ودفن بمدرسته .
المدرسة الأسعردية :
واقفها الخواجا
مجد الدين عبد الغني بن سيف الدين أبي بكر بن يوسف الأسعردي ؛ تاريخ وقفها في
العشرين من شهر ربيع الأول سنة ٧٦٠ ه .
المدرسة الملكية :
عمرها الحاج آل
ملك أبو بكر الجوكندار ، وكان بناؤها في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون في مستهل
المحرم سنة ٧٤١ ، كذا مكتوب تاريخها في حائطها القبلي فوق الرواق الشمالي بالمسجد الأقصى ، وأما الوقف
عليها فإنه من زوجته ملك بنت السيفي قطلقتمر الناصري ، وتاريخ وقفها في السادس عشر من ربيع الآخر سنة ٧٤٥ ه ، والظاهر أن زوجها عمرها لها من مالها ، والله أعلم.
__________________
المدرسة الفاسية :
واقفها الأمير
فارس الدين البكي بن الأمير قطلو ملك بن عبد الله ، نائب السلطنة بالأعمال الساحلية والجبلية ونائب غزة المحروسة ، وهو المنسوب إليه الفارسية التي بداخل
المسجد الأقصى ، المتقدم ذكرها في أول الفصل ، وقفت على كتاب وقف الحصة من قرية طولكرم على المدرسة المذكورة تاريخه ثالث شعبان
سنة ٧٥٥ .
المدرسة الأمينية :
بباب شرف
الأنبياء المعروف بباب الدوادارية ، واقفها الصاحب أمين الدين عبد الله في سنة ٧٣٠
ه .
المدرسة الدوادارية :
بباب شرف
الأنبياء ، وهي التي سمي باب المسجد بسببها باب الدوادارية ، وقد رأيت في كتاب الوقف المنسوب
لواقفها ، أنها تعرف بدار الصالحين ، وهي مكان مأنوس واقفها الأمير الكبير الغازي
المجاهد علم الدين أبو موسى سنجر بن عبد الله الدواداري الصالحي النجمي ، وعمارتها في
سنة ٦٩٤ ه ، وتاريخ وقفها في سابع شهر ربيع الأول في سنة ٦٩٦ ه .
__________________
المدرسة الباسطية :
بعضها على المدرسة الدوادارية ، واقفها القاضي زين الدين بن عبد
الباسط بن خليل الدمشقي ، ناظر الجيوش المنصورة وعزيز المملكة. وأول من اختط
أساسها وقصد عمارتها شيخ الإسلام شمس الدين محمد الهروي ، شيخ الصلاحية وناظر
الحرمين ، فأدركته المنية قبل عمارتها ، فعمرها عبد الباسط ووقفها ، وشرط على الصوفية قراءة الفاتحة عقب الحضور وإهداء ثوابها
للهروي. ووقفها في شهر جمادى الأولى سنة ٨٣٤ ه ، وتوفي واقفها في سنة نيف وخمسين وثمانمائة.
التربة الأوحدية :
بباب حطة ،
واقفها الملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الملك الناصر صلاح الدين داود بن المعظم
عيسى ، تاريخ وقفها في العشرين من ربيع الآخر سنة ٦٩٧ ه .
المدرسة الكريمية :
بباب حطة ،
وقفها الصاحب الكريم الدين عبد الكريم بن المعلم هبة الله بن مكانس ، ناظر
الخواص الشريفية بالديار المصرية. تاريخ كتاب وقفه في ليلة
الثامن من شهر ذي الحجة سنة ٧١٨ ه .
__________________
المدرسة الغادرية :
بداخل المسجد
واقفها الأمير ناصر الدين محمد بن ذي الغادر بعد أن عمرتها من ماله زوجته مصر خاتون ، ولم يوجد لها كتاب وقف ، فكتب محضر بوقفها ، وثبت في عصرنا في سنة
٨٧٧ ه ، وبناؤها في سلطنة الملك الأشرف برسباي ، في شهر ربيع
الآخر سنة ٨٣٦ ه .
المدرسة الطولونية :
بداخل المسجد
على الرواق الشمالي / / يصعد إليها من السلم المتوصل منه إلى منارة باب الأسباط ، أنشأها المقر الشهابي أحمد بن الناصري محمد الظاهري في زمن
الملك برقوق ، على يد مملوكه أقبغا قبل الثمانمائة ، ولم يكتب لها كتاب وقف إلا في
شهر رجب سنة ٨٢٧ ه .
المدرسة الفنرية :
مقابل
الطولونية من جهة الشرق ، يصعد إليها من السلم المتوصل منه إلى منارة باب الأسباط
أيضا ، وهي من إنشاء شهاب الدين بن الطولوني عمرها مع مدرسته المتقدم ذكرها ،
وجعلها للملك الظاهر برقوق. فلما توفي الملك الظاهر وآل الأمر لولده الملك الناصر فرج ، رتب لها قراء وأقام
نظامها وجعل لها معاليم تصرف. ولما توفيت أخته خوند سارة ابنة الملك الظاهر برقوق زوجة
__________________
نوروز نائب الشام ، دفنت بها في شهور سنة ٨١٥ ه ، ثم لما توفي الناصر فرج لم يكن لها كتاب وقف ،
فاشتراها بعد وفاته رجل من الروم يقال له : محمد شاه بن الفنري الرومي ، ووقفها فنسبت إليه وسميت بالفنرية. وأخبرت أن الذي باعها ولد منشئها
ابن الطولوني ، المتقدم ذكره.
الحسينية :
على باب
الأسباط وهي آخر المدارس ، ولم أطلع لها على كتاب وقف ، ولم أتحقق أمرها ، ولكن أخبرت أنها وقف
شاهين الحسيني الطواشي وأنه من دولة الملك الناصر حسن المتوفي في سنة
٧٦٢ ه ، ولم يكن لها حكم المدارس في النظام والشعائر وإنما
صارت منزلا يتخذ للسكن ، وهي من جملة جهات المسجد الأقصى يستوفي ربعها لجهة وقفه ،
والظاهر أن واقفها توفي قبل انبرام أمرها ، والله أعلم.
فهذه المدارس
التي في الجهة الشمالية من المسجد الأقصى الشريف والموصل إلى المسجد من عدة أبواب من المدارس والمنازل المجاورة
له ، وتقدم الوعد بذكر ذلك.
فأقول والله
الموفق : أن الأماكن المتوصل منها إلى المسجد ولها أبواب من
خارج المسجد أولها الزاوية الخنثنية ، ودار الخطابة والفخرية والمدرسة
__________________
التنكزية ، والمدرسة البلدية ، والرباط الزمني والمدرسة الخاتونية ،
والمدرسة الأرغونية ، والزاوية الوفائية ، والمدرسة المنجكية ، ودار الشيخ
جمال الدين بن غانم شيخ الحرم ، وقفت على مصالح البيمارستان بالقدس الشريف
تاريخ وقفها جمادى الأولى سنة ٦٨٢ ه ، ودار بني جماعة المجاورة لمنارة الغوانمة والمدرسة
الجاولية والمدرسة الصبيبية ، والمدرسة الأسعردية ، والمدرسة الملكية ، والزاوية
الأمينية ، والمدرسة الباسطية ، والمدرسة الكريمية ، والمدرسة الفنرية ، وكان
بالخنثنية بباب الأسباط باب وقد سد.
وأما ما في
المدينة من المدارس والمشاهد فمن ذلك ما هو حول المسجد غير ملاصق للسور ولكنه بالقرب
منه من جهة الشمال.
المدرسة الصلاحية :
بباب الأسباط ،
وقف الملك صلاح الدين ، رحمة الله عليه ، وتقدم ذكرها عند ترجمته ، وهي كنيسة من زمن
الروم تعرف بصندحنة ، فإنه يقال : أن فيها قبر حنة أم مريم عليها السلام ،
تاريخ وقفها ثالث عشر رجب سنة ٥٨٨ ه ، ووظيفة شيخها من الوظائف السنية بمملكة الإسلام.
الزاوية الشيخونية :
بالقرب منها
عند سويقة باب حطة ، واقفها الأمير سيف الدين
__________________
قطليشة بن علي بن محمد ، من رجال حلقة دمشق ، كان مجاورا
بالقدس الشريف ، وجعل نظرها لنفسه ثم من بعده لولده شيخو ، فتسميتها بالشيخونية نسبة لولد الواقف ، تاريخ وقفها مستهل صفر
سنة ٧٧١ ه .
المدرسة الكاملية :
بخط باب حطة ،
بجوار الكريمية من جهة الشمال ، واقفها الحاج كامل من أهل طرابلس ، ولم يوجد لها
كتاب وقف ، فكتب محضر بوقفها ، مؤرخ في شهور سنة ٨١٦ ه .
رباط المارديني :
بباب حطة مقابل
المدرسة الكاملية ، وهو بجوار تربة الأوحد ، ووقفه منسوب
لامرأتين من عتقاء الملك الصالح ، صاحب ماردين ، وشرطه أن يكون لمن يرد من ماردين
، وقد وقفت على محضر ثابت بوقفه ، تاريخه ٧٦٣ ه .
المدرسة المعظمية :
وقف الملك
المعظم عيسى ، وتقدم ذكرها عند ترجمته ، وهي مقابل باب شرف الأنبياء ، المعروف بباب الدوادارية ، تاريخ وقفها في السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة
٦٠٦ ه ، وقد وقفت على كتاب الوقف وفيه جهات
__________________
كثيرة من القرى وقد أخذ غالبها وصار بأيدي الناس إقطاعا وملكا.
المدرسة السلامية :
بباب شرف
الأنبياء تجاه المعظمية ، وهي بجوار المدرسة الدوادارية من جهة الشمال ، واقفها الخواجة مجد الدين أبو الفدا
إسماعيل / / السلامي ، ولم أطلع على تاريخ وقفها ، والظاهر أنه بعد السبعمائة.
الزاوية المهمازية :
بالقرب من
المعظمية من جهة الغرب ، منسوبة للشيخ كمال الدين المهمازي ،
وقفت على مربع من الملك الصالح إسماعيل بن الناصر بن محمد بن قلاوون ، يشهد أنه وقف على المشايخ المقيمين
بها ، قرية بيت لقيا من عمل القدس الشريف ، تاريخ المربع في شهر ذي القعدة
سنة ٧٤٥ ه ، وبها قبر رجل من ذريته اسمه الشيخ خير الدين خضر
المهمازي ، وفاته في شهر شوال سنة ٧٤٧ ه .
المدرسة الوجيهية :
بخط درج المولة
، وقف الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن أسعد بن النجا الحنبلي ، المتوفى
في شعبان سنة ٧٠١ ه .
__________________
المدرسة المحدثية :
بالقرب من
الوجيهة ، عند قبو باب الغوانمة ، واقفها رجل من أهل العلم ، كان محدثا
واسمه عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن سليمان بن إبراهيم العجمي الأردبيلي ، تاريخ وقفها في رابع
المحرم سنة ٧٦٢ ه .
فهذه المدارس
بقرب المسجد وهي من جهة الشمال.
وما هو بالقرب من المسجد من جهة الغرب
الرباط المنصوري :
بباب الناظر ،
وقف السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي في سنة ٦٨١ ه ، وسنذكر تاريخ وفاته عند ترجمته ، إن شاء الله.
رباط علاء الدين البصيري :
تجاه الرباط
المنصور ، واقفه الأمير علاء الدين آيدغدي الآتي ذكره فيما بعد ، وقفه في سنة ٦٦٦ ه ، ولم يظهر له كتاب وقف ، فكتب محضر وقفه ، وثبت لدى
حكام الشرع الشريف تاريخ المحضر الثابت بوقفه يوم الخميس ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ٧٤٢ ه ، وهو مدفون بالرباط المذكور ، وكان صالحا ، ويأتي ذكر وفاته عند ترجمته ، إن شاء الله تعالى.
__________________
المدرسة الحسنية :
بباب الناظر
علو رباط علاء الدين البصير ، واقفها الأمير حسن الكشكلي ، ناظر الحرمين
الشريفين ونائب السلطان بالقدس الشريف. وكان بناؤها في سنة ٨٣٧ ه ، وسنذكر ترجمة واقفها فيما بعد إن شاء الله تعالى ،
ومقابل هذه المدرسة تربة بها ضريح يقال : أنه قبر السيدة فاطمة ابنة معاوية.
المدرسة القشتمرية :
بباب الناظر بالقرب من الحسينية واقفها الأمير قشتمر السيفي الملكي
الناصري حسن بن محمد بن محمدبن قلاوون ، تاريخ وقفها في الثاني عشر من ذي القعدة سنة ٧٤٩ ه .
المدرسة البارودية :
بباب الناظر
بالقرب من القشتمرية ، واقفتها الست الحاجة سفري خاتون ابنة شرف الدين أبي بكر بن محمود ، المعروف
والدها بالباردودي ، تاريخ وقفها في يوم الأحد خامس شهر رجب
الفرد سنة ٧٦٨ ه .
الزاوية المحمدية :
بجوار
البارودية من جهة الغرب ، واقفها محمد بك بن زكريا الناصري ،
__________________
تاريخ وقفها في العاشر من شهر رجب سنة ٧٥١ ه .
الزاوية اليونسية :
وهي زاوية تقابل البارودية ، ونسبتها للفقراء اليونسية ،
قسمت إلى نصفين الأول جعل المدرسة الجهاركسية والثاني الزاوية اليونسية.
المدرسة الجهاركسية :
نسبة لوقفها
الجهاركس الخليلي أمير آخور الملك الظاهر برقوق ، المتوفى قتلا بدمشق في شهر ربيع
الآخر سنة ٧٩١ ه .
المدرسة الحنبلية :
بباب الحديد ،
واقفها الأمير بيدمر نائب الشام ، وكان متوليا نيابة دمشق في سلطنة الأشرف
شعبان بن حسين في سنة ٧٧٧ ه . وكان بناؤها في العشر الأواخر من جمادى الآخرة ، وفرغ البناء في سلخ شهر شوال سنة ٧٨١ ه .
التربة السعدية :
بباب السلسلة تجاه المدرسة التنكزية بباب المسجد ، واقفها
الأمير سعد
__________________
الدين مسعود بن الأمير الاسفهسلار بدر الدين قرا سنقر بن عبد الله الجاشنكير
الرومي ، الحاجب بالشام المحروسة في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، تاريخ
كتاب وقفه في السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ٧١١ ه .
التربة الجالقية :
برأس درج العين
بباب السلسلة ، وقف ركن الدين بيبرس المعروف بالجالق ، وهو مدفون بها. توفي في عاشر جمادى الأولى سنة ٧٠٧ ه ، وكان من جملة الأمراء بالشام في دولة الملك المنصور
قلاوون وبعده.
دار الحديث :
بجوار التربة
الجالقية من جهة الغرب ، وقفها الأمير شرف الدين عيسى بن بدر الدين بن أبي القاسم
الهكاري ، تاريخ وقفها في الخامس والعشرين من رجب سنة ٦٦٦ ه .
دار القران الإسلامية :
تجاه دار
الحديث ، واقفها سراج الدين عمر بن أبي بكر بن أبي القاسم السلامي ، تاريخ وقفها في العشرين / / من ربيع الآخر سنة ٧٦١ ه
.
__________________
المدرسة الطازية :
بخط داوود
بالقرب من باب السلسلة ، وقف الأمير طاز ، المتوفى في سنة ٧٦٣ ه .
تربة الملك حسام الدين بركة خان :
مقابلة للمدرسة الطازية ، تاريخ عمارتها في سنة ٧٩٢ ه ، وعمرت بعد موته.
التربة الكيلانية :
بجوار الطازية
من جهة الغرب ، منسوبة إلى الحاج جمال الدين بهلوان بن الأمير شمس الدين نوباد شاه بن شمس الدين محمد الكيلاني الملاهجمي ، المشهور
بابن صاحب كيلان ، وهو أنه أوصى إلى ولده الأمير نظام الدين كهشروان يصرف من ثلث ماله مائه ألف درهم فضة ، ويدفع ذلك إلى
ابن أخي الموصي الأمير علاء الدين علي بن بهاء الدين سلار بن
شير ملك الكيلاني ليبتاع بذلك مكانا ويعمره تربة ومدفنا بالقدس الشريف إن تهيأ
نقله ودفنه هناك ، تاريخ الوصية في العاشر من شعبان سنة ٧٥٣ ه ، فعمرت هذه التربة ، وبها
__________________
ضريحه ، ونقل إليها كما أوصى به.
التربة الطشتمرية :
بالقرب من الكيلانية ، وقف الأمير طشتمر العلائي ، أنشأها في سنة
٧٨٤ ه ، وتوفي ودفن بها في شعبان سنة ٧٦٦ ه .
زاوية الطواشية :
بحارة الشرف وتعرف قديما بحارة الأكراد ، واقفها الشيخ الصالح شمس
الدين محمد بن جلال الدين عرب بن فخر الدين أحمد ، المجاور بالقدس الشريف في تاسع عشر رمضان سنة ٧٥٣ ه .
زاوية المغاربة :
بأعلى حارتهم ،
وقف الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي ، وكان رجلا صالحا ، عمر
الزاوية وأنشأها من ماله ، ووقفها على الفقراء والمساكين بتاريخ
ثالث شهر ربيع الآخر سنة ٧٠٣ ه ، وتوفي بالقدس الشريف ، ودفن بماملا عند حوش البسطامية. وقد وهم بعض المؤرخين فظنه الشيخ عمر المجرد
واقف الزاوية بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، لاشتراكهما في الاسم
والشهرة والأمر بخلافه ، وسنذكر كلا منهما فيما بعد
__________________
إن شاء الله تعالى في تراجم الأعيان .
المدرسة الأفضلية :
وتعرف قديما
بالقبة بحارة المغاربة ، وقف الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن الملك صلاح الدين ، تغمده
الله برحمته ، وقف على فقهاء المالكية بالقدس الشريف ، ووقف أيضا
حارة المغاربة على طائفة المغاربة على اختلاف أجناسهم ذكورهم وإناثهم ، وكان الوقف حين سلطنته على دمشق ، وكان القدس
من مضافاته ولم يوجد لهما كتاب وقف ، فكتب محضرا بالوقف لكل جهة ، وثبت مضمونه
لدى حاكم الشرع الشريف بعد وفاة الواقف ، وتقدم ذكر تاريخ سلطنته
ووفاته قبل ذلك ، ومن جملة أوقافه المسجد الكائن عند قمامة علو سجن الشرطة في سنة
٥٨٩ ه ، وهي السنة التي توفي ولده فيها ، وبه منارة استجدت
قبل السبعين والثمانمائة.
وما هو من المدارس والزوايا بالقدس الشريف
غير قريب من المسجد فمنها
زاوية البلاسي :
بظاهر القدس
الشريف من جهة القبلة ، وهي قديمة ، نسبتها للشيخ محمد البلاسي ، وكان من الصالحين
وقبره بها ، وهو مشهور يقصد للزيارة ، ولم أطلع على تاريخ وفاته.
__________________
زاوية الأزرق :
بظاهر القدس
الشريف من جهة القبلة ، وهي شرقي زاوية البلاسي ، نسبتها للشيخ إبراهيم الأزرق ،
وهي قديمة وبها قبور جماعة منهم الشيخ إسحق بن الشيخ إبراهيم ، ووفاته في سنة ٧٨٠ ه ، ورأيت في مستندات تتعلق بها أنها تعرف بزاوية
الشرابي.
المدرسة اللؤلؤية :
بخط مرزبان
بجوار حمام علاء الدين البصير من جهة الشمال ، واقفها الأمير لؤلؤ غازي ، عتيق
الملك الأشرف شعبان بن حسين ، وكانت المدرسة موجودة في سنة ٧٨١ ه ، وتوفي الواقف في سنة ٧٨٧ ه .
المدرسة البدرية :
بخط مرزبان
بالقرب من اللؤلؤية ومن زاوية ولي الله تعالى الشيخ محمد
القرمي ، واقفها بدر الدين محمد بن محمد بن أبي القاسم الهكاري ، أحد أمراء الملك المعظم ،
وقفها في سنة ٦١٠ ه ، على فقهاء الشافعية ، وكان يتمنى أن يستشهد ، فرزقه
الله الشهادة بالطور بالقرب من نابلس في سنة ٦١٤ ه ، وحمل إلى تربته بالقدس الشريف.
زاوية الدركاة :
بجوار
البيمارستان الصلاحي ، وكانت في زمن الإفرنج دار الإسبتار ، وهي
__________________
من بناء هيلانة أم قسطنطين التي عمرت كنيسة قمامة ، وعليها منارة قد تهدّم بعضها
وكان قديما ينزل بها نواب القدس ، واقفها الملك المظفر شهاب الدين غازي بن السلطان الملك العادل / / أبي بكر بن أيوب صاحب ميافارقين وما معها ، ومات
بها في سنة ٦١٣ ه.
زاوية الشيخ يعقوب العجمي :
بالقرب من
القلعة ، وهي كنيسة من بناء الروم ، وقد اشتهرت في عصرنا بزاوية شمس الدين ابن الشيخ عبد الله البغدادي ، احد العدول بالقدس
الشريف ، لسكنه بها وتلاشت أحوالها بعد.
مسجد الحيات :
وهو الذي كان
به طلسم الحيات ، وتقدم ذكره ، وهو بقرب من كنيسة قمامة ، وهو مسجد عظيم من المساجد العمرية ، منسوب إلى أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه.
الخانقاه الصلاحية :
علو كنيسة
قمامة وقف الملك الناصر صلاح الدين على الصوفية ، وتقدم ذكر تاريخ وقفها في
الخامس من شهر رمضان سنة ٥٨٥ ه.
الزاوية الحمراء :
بالقرب من
الخانقاه الصلاحية ، وهي منسوبة للفقراء الوفائية ، وتعرف قديما بالزاوية
البرغلية.
__________________
الزاوية اللؤلؤية :
بباب العمود ،
أحد أبواب المدينة ، وهي وقف بدر الدين لؤلؤ غازي واقف اللؤلؤية.
الزاوية البسطامية :
بحارة المشارقة
، واقفها الشيخ عبد الله البسطامي ، وكانت الزاوية موجودة قبل
سنة ٧٧٠ ه ، وسنذكر ترجمته.
المدرسة الميمونية :
عند باب
الساهرة ، وهي كنيسة من بناء الروم ، واقفها الأمير فارس الدين أبو سعيد ميمون ابن عبد الله القصري ، خازن دار الملك صلاح الدين ، تاريخ وقفها في جمادى الأولى سنة
٥٩٣ ه ، ولم يبق لها نظام في عصرنا بل صارت من المهملات.
التربة المهمازية :
وقفها الأمير
ناصر الدين المهمازي ، ولم أطلع لها على كتاب وقف ولا تاريخ وصارت في عصرنا مسكنا
كبقية المنازل.
زاوية الهنود :
بظاهر باب
الأسباط ، وهي قديمة ، وكانت للفقراء الرفاعية ، ثم نزل بها طائفة الهنود فعرفت بهم.
الزاوية الجراحية :
زاوية بظاهر
القدس من جهة الشمال ، ولها وقف ووظائف مرتبة ، ونسبتها
__________________
لواقفها الأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجراحي ، أحد أمراء
الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ووفاته في صفر سنة ٥٩٨ ه ، ودفن بزاويته المذكورة ، رحمه الله ، وبظاهر الزاوية
من جهة القبلة قبول جماعة من المجاهدين يقال : أنهم من جماعة الجراحي ، والله
أعلم.
القيمرية :
قبة محكمة
البناء بظاهر القدس الشريف من جهة الشمال مما يلي الغرب ، نسبتها لجماعة من الشهداء المجاهدين في سبيل الله
قبورهم بها ، وهم الأمير الشهيد حسام الدين أبي الحسن بن أبي الفوارس القميري ، ووفاته
في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة ٦٤٨ ه ، والأمير ضياء الدين موسى بن أبي الفوارس ، ووفاته في
العاشر من شهر ذي القعدة سنة ٦٤٨ ه ، والأمير حسام الدين خضر القيمري ، ووفاته في
رابع عشر الحجة سنة ٦٦١ ه ، والأمير ناصر الدين الحسين القيمري ووفاته في عشري صفر من سنة ٦٦٥ ه ، وبالقبة أيضا قبر الأمير ناصر الدين محمد ابن خاير بك
، أحد أمراء الطبلخانة بالشام وناظر الحرمين الشريفين بالقدس الشريف والخليل عليه
السلام ، ووفاته في ليلة الاثنين حادي عشر المحرم سنة ٧٧٦ ه ، وبظاهر القبة المذكورة تربة بها قبور جماعة من المجاهدين ، رحمهم الله تعالى.
وفي المدينة
عدة أماكن من الزوايا والربط والترب لا فائدة لذكرها ، وإنما ذكرت ما هو
المشهور.
__________________
وأما ما في
القدس من المنائر ، فقد تقدم أن بالمسجد أربع منائر ، وبظاهر المسجد منارة على
المدرسة المعظمية ، وهي صغيرة جدا ، وعلى الخانقاه الصلاحية واحدة ، وهي من إنشاء المرحوم الشيخ برهان الدين بن غانم ،
شيخ الخانقاه ، رحمه الله تعالى ، قبل العشرين والثمانمائة ، وقد حكى لي الشيخ شمس
الدين محمد بن الشيخ عبد الله البغدادي أنه لما قصد الشيخ برهان الدين بن غانم بناء المنارة
المذكورة ، شق ذلك على النصارى بالقدس الشريف ، لكونها علو كنيسة قمامة فأجمع رأيهم على دفع مال كثير
للشيخ برهان الدين على أن يترك بناءها ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وزجرهم زجرا بليغا ،
وعمر المنارة ، ورتب لها من يقوم بشعائرها ، فرأى رجل من الناس النبي صلى الله
عليه وسلم في منامه ، فقال له : سلم على إبراهيم بن غانم وقل له رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ، ويقول لك أنت داخل في عموم شفاعتي يوم القيامة
، ببنائك هذه المنارة على رؤوس الكفار ، ومنارة على المسجد المتقدم ذكره عند ذكر المدرسة الأفضلية الكائنة على سجن
الشرطة تجاه قمامة من جهة القبلة ، وقد تقدم أنها بنيت قبل السبعين والثمانمائة ، والظاهر أن بناءها
على أساس قديم ، ومنارة على مسجد ملاصق لكنيسة اليهود من جهة القبلة ، واعتصب أهل الخير وجمعوا مالا
وبنوها ووقفوا عليها ، وهي مستجدة بعد الثمانمائة. ومنارة علو زاوية الدركاة وقد
هدم بعضها من زلزلة وقعت في المحرم سنة ٨٦٣ ه ، فاعتصب جماعة من أهل الخير وجمعوا
مالا وبنوها وأوقفوا عليها ، وهي مستجدة بعد الثمانمائة.
وأما مدينة
القدس الشريف في عصرنا فهي مدينة عظيمة محكمة البناء وهي بين جبال وأودية ، وبعض
بناء المدينة مرتفع على علو ، وبعضه منخفض في واد ،
__________________
وغالب الأبنية التي في الأماكن العالية مشرفة على ما هو دونها من الأماكن
المنخفضة ، وشوارع المدينة بعضها سهل / / وبعضها وعر ، وفي الغالب الأماكن يوجد
أسفله أبنية قديمة ،
وقد بني فوقها بناء مستجد على بناء قديم ، والبناء مشحون بحيث لو تفرق على حكم
غالب مدن المملكة لكان حجمها ضعف ما هو الآن ، وهي كثيرة الآبار المعدة
لخزن الماء ، لأن ماءها يجمع من الأمطار.
وأما ما بالقدس
الشريف من الأماكن المحكمة البناء فمن ذلك سوق القطانين المجاور لباب المسجد من جهة الغرب
، وهو سوق في غاية الاتقان والارتفاع لم يوجد مثله في كثير من البلاد ، وأيضا الأسواق
الثلاثة المجاورة بالقرب من باب المحراب المعروف بباب الخليل ، وهي من بناء
الروم ممتدة قبلة بشام ومن بعضها إلى بعض منافذ. فالأول منها وهو
الغربي سوق العطارين ، وقف الملك صلاح الدين ، رحمه الله تعالى ، على المدرسة الصلاحية ، والذي يليه وهو الأوسط لبيع
الخضروات ، والذي يليه لجهة الشرق لبيع القماش ، وهما وقف على مصالح المسجد الأقصى
الشريف. وقد ذكر المسافرون أنهم لم يروا مثل الأسواق الثلاثة في الترتيب والبناء
في بلدة من البلاد ، وأن ذلك من المحاسن التي لبيت المقدس. وروي عن سلامة
بن قيصر ، وكان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، خلفه يصلي بالناس ببيت المقدس ، أن عمر رضي الله عنه ، لما فتح
بيت المقدس وقف على رأس السوق في أعلاه ، فقال : لمن هذا الصف ؟ يعني صف سوق البزازين ، فقالوا : للنصارى ، ثم قال : لمن هذا الصف الغربي ، الذي فيه حمام السوق؟ فقالوا :
للنصارى ، فقال بيده هكذا : هذا لهم وهذا لهم ، يعني
__________________
للنصارى ، وهذا لنا مباح ، يعني السوق الأوسط الذي بين الصفين ،
يعني الكبير ، الذي كان فيه قبة الرصاص ، قلت : والذي يظهر أن المراد بتلك الأسواق
الثلاثة الموجودة الآن ، وأن تلك الأوصاف القديمة ذهبت واستجد مكانها البناء الموجود في عصرنا ، والله أعلم.
وفي القدس
الشريف عدة من الكنائس والديارات من زمن الروم نحو عشرين مكانا وعمدة النصارى ، منها : كنيسة قمامة فإنها عندهم بمكان عظيم وبناؤها في غاية الإحكام
والاتقان ، ويقصدونها في كل سنة في عدة أوقات من بلاد الإفرنج ، ومن بلاد الأرمن ،
ومن الديار المصرية ، والمملكة الشامية ، وسائر الأقطار ويسمونها القيامة ،
ويزعمون أن حجهم إليها ، وقد تقدم ذكر طرف من أخبارها وما وقع فيها من الهدم والبناء
قبل استيلاء الإفرنج على بيت المقدس ؛ ويليها كنيسة صهيون المختصة
بالإفرنج ، وهي في آخر مدينة القدس الشريف من جهة القبلة ، ثم كنيسة مار يعقوب وتعرف بدير الأرمن ، وهي بالقرب من صهيون ؛ وكنيسة
المصلبة المختصة بطائفة الكرج ، وهي بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب ، فهذه الأربعة
كنائس هي عمدة النصارى والنهاية عندهم كنيسة قمامة لعنهم الله ، وكانت كنيسة المصلبة قد أخذت من النصارى في دولة
الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وجعل فيها مسجدا ، فلما كان في سنة ٧٠٥ ه ، وصلت
رسل من جهة ملك الكرج ، ورسل من جهة ملك القسطنطينية إلى باب
__________________
الملك الناصر ، المشار إليه ، وسألوا في إعادة الكنيسة لهم ، فلما توسلوا وتشفعوا في ذلك أعيدت لهم وسلمت إليهم.
ولو شرعنا بذكر
ما في بيت المقدس من الأبنية والأماكن لطال الكلام وخرجنا عن حد الاختصار
، وفيما ذكرناه كفاية فإن كل من صنف في فضائل بيت المقدس وفتحه لم يتعرض إلى شيء من ذلك ، والله أعلم .
ذكر ما في القدس الشريف من الحارات المشهورة
فمنها حارة
المغاربة ، وهي بجوار سور المسجد من جهة الغرب ، ونسبتها
للمغاربة لكونها موقوفة عليهم وسكنهم بها وحارة الشرف وهي بجوارها من جهة الغرب
ونسبتها لرجل من أكابر البلد اسمه شرف الدين موسى ، وله ذرية معروفة يقال لهم بنو الشرف. وكانت تعرف قديما بحارة الأكراد ،
وحارة العلم نسبة لرجل اسمه علم الدين سليمان ، وكان يعرف بابن المهذب ، وفاته في حدود السبعين والسبعمائة ، وله ذرية مشهورة ، منهم ولده عمر الذي كان ناظر الحرمين الشريفين ،
وأخوه شرف الدين موسى المدفون بالحارة المذكورة ، وهي بجوار حارة الشرف من جهة
الشمال وضمنها حارة الحيادرة نسبة لزاوية الحيادرة ، وحارة السلطيين بجوار حارة الشرف من جهة القبلة إلى الغرب ؛ وحارة
اليهود بجوار حارة السلطيين من جهة الغرب ، وضمنها حارة الريشة وحارة صهيون
الجوانية وهي غربي حارة اليهود ، وحارة الضوية وهي بجوار حارة صهيون من الشمال ،
__________________
وحارة بني حارث وهي / / خارج البلد عند القلعة.
خط داود عليه السلام :
وهو الشارع
الأعظم ، وابتداؤه من باب المسجد الأقصى ، المعروف بباب السلسلة إلى باب المحراب ،
وهو باب المدينة المعروف الآن بباب الخليل ، وهذا الخط على أقسام معروفة من باب المسجد إلى دار
القرآن السلامية ، يعرف بسوق الصاغة ، ومن باب السلامية إلى باب حارة الشرف يعرف بسوق القشاش ، ومن باب حارة الشرف ومنه إلى خان الفحم يعرف بسوق المبيضين
، ومن باب الخان إلى قنطرة الجبيلي يعرف بسوق خان الفحم ، ومن قنطرة الجبيلي إلى درج الحرافيش يعرف بسوق الطباخين ، ومن درج
الحرافيش إلى باب حارة اليهود يعرف بخط باب الوكالة ، وهو خان
عظيم ، وقف على مصالح المسجد الأقصى ، يؤجر في السنة بنحو أربعمائة دينار ، يباع
فيه أصناف البضائع ، ومن باب حارة اليهود إلى خان الصوف يعرف بسوق الحرير ، ومن خان
الصوف إلى باب المدينة يعرف بخط عرصة الغلال. فهذا كله داخل في عموم خط داود عليه السلام.
والسبب في تسميته بخط داود هو أن سيدنا داود عليه السلام ، كان له سرداب تحت الأرض
من باب المسجد المعروف بباب السلسلة إلى القلعة التي تعرف قديما بمحراب داود ،
وكان منزله بها ، وهذا السرداب موجود ، وفي بعض الأوقات يكشف بعضه. ويشاهد وهو
أقبية مبنية معقودة بالبناء المحكم ، كان يمشي فيه من منزله إلى
المسجد.
خط مرزبان :
وصار على أقسام
ضمن سويقة باب القطانين إلى آخر العقبة يعرف بباب
__________________
القطانين ، ومن رأس العقبة إلى خان الجبيلي يعرف بحارة حمام علاء الدين ،
ويليها من جهة الغرب شارع يعرف بحارة الشيخ محمد القرمي ، ويليه من جهة الشمال شارع يعرف بحارة الحصرية ، ويليه
من جهة الشرق شارع يعرف بحارة ابن الشنتير لسكنه بها ، وهذا كله يدخل في عموم خط
مرزبان ، ولم أدر نسبته لماذا ولكنه يكتب في المستندات الشرعية هكذا ، وبجوار حارة
مرزبان من الغرب خط المربعة وسوق القماش ، ويليه سوق الخضر ، ويليه سوق العطارين ،
ويليه خط الدركاه ، وبه البيمارستان الصلاحي وكنيسة قمامة.
ويليه حارة
النصارى من جهة الغرب ممتدة قبلة بشام من باب الخليل إلى باب السرب ، وضمن حارة الرحبة ، وحارة الجوالدة التي هي من حارة النصارى
من جهة الغرب ، وهي من خارج المدينة.
خط وادي الطواحين :
وهو الشارع الأعظم الممتد قبلة بشام من درج العين إلى باب
العمود أحد أبواب المدينة ، وفي خطه عدة شوارع معروفة منها : حارة باب القطانين ، وهو باب
المسجد ونسبته لبيع القطن بالسوق ، الذي عند حارة باب الحديد ، أحد أبواب المسجد
الأقصى ، وهو بجوار باب القطانين من جهة الشمال ، وحارة باب الناظر أحد أبواب
المسجد ، ويقابلها من جهة الغرب عقبة السوق المعروفة الآن بعقبة الست ، ونسبتها لعمارة
عظيمة بها عمرتها الست طنشق المظفرية ، وكانت الست طنشق موجودة في سنة ٧٩٤ ه ، ويليها من
جهة الغرب سوق الزيت وبه زقاق من جهة الشرق ويعرف بأبي شامة ، وبخط وادي الطواحين من جهة الشرق حارة
الغوانمة المجاورة للمسجد من جهة الغرب ، نسبتها لسكن بني غانم ، ويقابلها من جهة
الغرب عقبة الظاهرية ، نسبتها لزاوية قديمة هنا تسمى الظاهرية ، وبعقبة
__________________
الظاهرية من جهة القبلة عقبة تسمى عقبة السودان ، وبها أيضا من جهة الشمال زقاق يعرف بقناطر خضير ، وبآخر العقبة من جهة الغرب سوق الفخر ،
نسبته لفخر الدين صاحب المدرسة الفخرية ، وبه المصابن التي يعمل بها الصابون.
ويلي سوق الفخر من جهة الغرب إلى الشمال حارة بني مرة ،
ويليها من جهة الغرب حارة الزراعنة ، وحارة الملاط وهي بظاهر البلد بلصق حارة النصارى من
جهة الغرب ، وحارة باب العمود ، وهي انتهاء خط وادي الطواحين ، وهي آخر المدينة من جهة الشمال إلى الغرب ،
وضمنها حارة بني سعد ، وحارة القصيلة ، وهي شرقي وادي الطواحين ، ويليها من جهة
الشمال حارة العثمانية ، ويليها من جهة الشمال عقبة الشويخ ، ويليها من جهة الشمال حارة بني زيد ، وضمنها زقاق
يعرف بالسعديين ، وحارة باب الزاهرة ، وهي آخر المدينة من جهة الشمال ، وحارة درج المولة ،
وهي بجوار حارة القصيلة من الشرق ، ويليها من القبلة حارة شرف الأنبياء ، تعرف
الآن بحارة باب الدوادارية ، وضمنها عقبة المهمازية ، وتنتهي إلى باب الساهرة ،
وحارة باب حطة ، وهي شمالي المسجد ، ويليها من الشمال حارة المشارقة ، وانتهاؤها
إلى سور المدينة الشمالي ، وحارة الطورية من باب الأسباط ، وتنتهي إلى / / سور
المدينة الشمالي ، وإلى حوش هناك يعرف بالصامت .
وفي القدس
الشريف عدة شوارع وخطط لا فائدة لذكرها ، فإن غالبها يدخل في عموم ما ذكرته ،
وإنما ذكرت ما هو مشهور ، ومن أعظم الحارات وأكبرها حارة باب حطة ،
__________________
وهذه الحارات محيطة بالمسجد من جهتي الغرب والشمال كما تقدم ذكره ، وأما جهة القبلة والشرق
من المسجد فهما مشرفتان على البرية ، كما تقدم القول في ذلك.
القلعة :
وهي حصن عظيم
البناء بظاهر بيت المقدس من جهة الغرب ، وقد تقدم ذكره ، وكان يعرف قديما بمحراب داود ، عليه السلام
، وكان سكنه به ، ويقال أن بناء القلعة كان متصلا إلى دير صهيون ، وفي
هذا الحصن برج عظيم البناء يسمى برج داود ، وهو من البناء القديم السليماني.
وروى المشرف
بسنده ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به
، فإذا هو عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان ، فقال : يا
جبريل ما هذان النوران؟ فقال : أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود ، وأما
هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم.
وقد جدد الروم
والإفرنج عمارة بقية القلعة غير برج داود حين استيلائهم على بيت المقدس ،
وللقلعة نائب غير نائب القدس ، وكانت تدق الطبلخانة في كل ليلة ، بين المغرب والعشاء على عادة القلاع
بالبلاد ، وقد
__________________
تلاشت أحوالها في عصرنا ، وتشعثت وبطل منها دق الطبلخانة ، وصار نائبها كأحد الناس لتلاشي الأحوال ، وعدم إقامة النظام ، وتقدم
أن الوالي بالقدس كان قديما ينزل بالقلعة المذكورة. وأما بناء بيت المقدس فهو في
غاية الإحكام والاتقان ، جميعه بالحجارة البيض النحيت ، وسقفه معقود ليس في بنائه لبن ، ولا في
سقفه خشب ، وقد ذكر المسافرون أنه لم يكن في جميع المملكة أتقن عمارة ولا أحسن
رؤية من بناء بيت المقدس ، وفي معناه بناء بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، لكن
بناء القدس أمثل وأتقن ، ويقرب منه بناء مدينة نابلس ، فهذه المدن الثلاث بناؤها متقن لكونها في الجبل ،
والحجارة فيها كثيرة متيسرة .
وأما رؤية بيت
المقدس من بعد فمن العجائب المشهورة في نورانيتها ، وحسن منظرها ، وأحسن رؤيتها من جهة
الشرق ، إذا كان الإنسان في أعلى جبل طور زيتا وكذلك من جهة القبلة ، وأما من جهتي
الغرب والشمال فلا يرى منها من بعد إلا القليل لموارة الجبال لها ، فإن
بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام في جبال كثيرة الأوعار والحجارة ، والسير فيها مشق
والمسافة فيها بعيدة ، فإن الجبال المحيطة بالبلدتين مسافتها تقريبا ثلاثة أيام طولا ، ومثلها عرضا ، مسير الأثقال ،
ولكن إذا منّ الله على قاصد الزيارة بالوصول إلى المسجد الشريف الأقصوي ، وإلى المقام الشريف الخليلي ، فمن حين رؤيته
لتلك الأماكن المشرفة يحصل له من الأنس والبهجة ما لا يكاد يوصف ، ويسلو ما
__________________
حصل له من المشقة والتعب ، وقد أنشد الحافظ ابن حجر عند قدومه لزيارة بيت المقدس في معنى ذلك :
إلى بيت
المقدس جئت أرجو
|
|
جنان الخلد
نزلا من كريم
|
قطعنا في
مسافته عقابا
|
|
وما بعد
العقاب سوى النعيم
|
وأما الأبواب
التي للمدينة فأولها من جهة القبلة ، باب حارة المغاربة ، وباب صهيون المعروف الآن بباب حارة اليهود ، ومن جهة الغرب باب سر
صغير بلصق دير الأرمن ، وباب المحراب ، وهو المسمى الآن بباب الخليل.
وروى المشرف بسنده عن علي بن سلام قال : سمعت أبي يقول : سمعت أن باب
لد الذي جاء عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه يقتل عليه عيسى بن مريم
عليه السلام ، الدجال ليس هو باب الكنيسة التي عند الرملة ، وإنما هو باب داود
الغربي الذي عند محراب داود ، ويسمى باب لد ، وباب يعرف بباب الرحبة ، ومن جهة الشمال باب دير السرب ، وباب العمود ، وباب الداعية المتوصل منه إلى حارة بني زيد ، وباب الساهرة ، ومن جهة الشرق باب الأسباط ، فهذه عشرة أبواب لمدينة القدس الشريف ، وكان قبل ذلك
باب عند الزاوية ، المتقدم ذكرها ، المعروفة بابن الشيخ عبد الله تجاه القلعة ،
وباب بحارة الطورية ، ينتهي إلى ميدان العبيد ، خارج باب الأسباط وقد سد.
__________________
ذكر عين سلوان
وغيرهما مما هو بظاهر القدس الشريف
أما عين سلوان
/ / فهي بظاهر القدس الشريف من جهة القبلة ، بالوادي يشرف عليها سور المسجد القبلي
، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن
الله اختار من المدائن أربعا ، مكة وهي البلدة ، والمدينة وهي النخلة ، وبيت
المقدس وهي الزيتونة ، ودمشق وهي التينة ، واختار من الثغور ، أربعة إسكندرية مصر ، وقزوين
خراسان ، وعبادان العراق وعسقلان الشام ، واختار من العيون أربعا ، فيقول في محكم كتابه العزيز : (فِيهِما عَيْنانِ
تَجْرِيانِ) (٥٠) ، وقال : (فِيهِما عَيْنانِ
نَضَّاخَتانِ) (٦٦) ، فأما اللتان تجريان فعين بيسان وعين سلوان ، وأما
النضاحتان فعين زمزم وعين عكا ، واختار من الأنهار أربعة سيحان وجيحان والنيل والفرات ، وعن خالد بن معدان أنه قال : زمزم وعين سلوان التي ببيت المقدس
من عيون الجنة ، وعنه أنه قال : من أتى بيت المقدس فليأت محراب داود المشرف على عين سلوان ، وليصل فيه ، ويسبح في عين سلوان ، فإنها من الجنة ، ولا يدخل الكنائس ولا
يشتر منها ، فإن الخطيئة فيها مثل ألف خطيئة ، والحسنة فيها مثل ألف حسنة .
عين المقذوفات :
عن سعيد بن عبد
العزيز ، أنه قال : كان في زمن بني إسرائيل في بيت
__________________
المقدس عند عين سلوان ، عين ، وكانت المرأة إذا قذفت أثوابها إليها ، فشربت منها ، فإن كانت بريئة لم يضرها ، وإن كانت غير
بريئة طعنت فماتت ، فلما حملت مريم ، عليها السلام ، أثوابها ، وحملوها على بغلة ، فعثرت بها ، فدعت الله تعالى أن يعقم رحمها ، فعقمت من يومئذ ، فلما أتتها وشربت
منها فلم تر إلا خيرا ، فدعت الله أن لا يفضح بها امرأة مؤمنة ، فغارت تلك العين
من يومئذ .
بئر أيوب :
وهو بالقرب من
عين سلوان ، ينسب إلى سيدنا أيوب عليه السلام ، وحكى صاحب كتاب الأنس
للجليس ، في معنى هذا البئر قال : قرأت بخط ابن عمي أبي محمد
القاسم وأجازه لي ، قال : قرأت في بعض التواريخ أنه ضاق الماء في القدس بالناس ،
فاحتاجوا إلى بئر هناك فنزلوها ، طولها ثمانون ذراعا ، وسعة رأسها بضعة عشر ذراعا في
عرض أربعة أذرع ، وهي مطوية بحجارة عظيمة ، كل حجر منها خمسة أذرع ، وأقل
وأكثر ، في سمك ذراعين وذراع ، فعجبت كيف نزلت هذه الحجارة إلى ذلك المكان ، وأما ماء العين بارد خفيف ، ويستقي
منها الماء طول السنة من ثمانين ذراعا ، وإذا كان زمن الشتاء ، فاض ماؤها وفار حتى يسيح على وجه الأرض ، في
بطن الوادي ويدور عليها أرحية ، تطحن الدقيق ،
__________________
فلما احتيج إليها وإلى عين سلوان ، نزلت إلى قرار البئر ومعي جماعة من
الصناع لأقويها ، فرأيت الماء يخرج من حجر يكون قدره نحو ذراعين في مثلها ، وبها مغارة فتح بابها ثلاثة أذرع في
ذراع ونصف ، يخرج منها ريح بارد شديد البرد ، وأنه حط فيها الضوء ، فرأى المغارة
مطوية السقف بحجر ، ودخل إلى قريب منها ، ولم يثبت الضوء فيها من شدة الريح الذي يخرج منها ، وهذه البئر في بطن واد ،
والمغارة في بطنها ، وعليها وحولها من الجبال العظيمة الشاهقة ما لا يمكن لإنسان أن يرتقي إليه إلا بمشقة ، وهي التي قال الله تعالى
لنبيه أيوب ، عليه السلام : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ
هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢)) انتهى كلامه .
هذا البئر
مشهور معروف ، وفي كل سنة عند قوة الشتاء وكثرة الأمطار يفور الماء منه حتى يصير كالنهر الجاري ، ويسيح إلى مسافة بعيدة ،
ويستمر على هذا الحال عدة أيام ، كالشهر ونحوه وهو من العجائب.
وكان في بيت
المقدس ست برك عملها حزقيل ، أحد ملوك بني إسرائيل ، منها ثلاثة في المدينة ، بركة
بني إسرائيل ، وبرك سليمان وبركة عياض ،
__________________
وثلاثة خارج المدينة بركة ماملا وبركتا المرجيع ، جعل ذلك خزائن للماء لأهل بيت المقدس ، قلت : أما بركة بني إسرائيل
فهي موجودة مشهورة ، وهي شمالي المسجد الأقصى بلصق سوره ، بين باب الأسباط وباب حطة ، ومنظرها مهول ، وهي من العجائب ، وأما بركة سليمان ، وبركة عياض فلا
أعرفهما ، ولم اطلع على شيء يدل عليهما ، ولكن بداخل القدس بركتان ، إحداهما بخط
مرزبان وهي لجمع الماء المتحصل لحمام علاء الدين البصير ، وهي جواره ، والثانية بحارة النصارى ، لجمع الماء المتحصل لحمام
البطرك ، وقف الخانقاه الصلاحية ، فيحتمل أنهما البركتان
المذكورتان ، والله أعلم ، وأما بركة ماملا فهى موجودة مشهورة ، وهي التي في / /
وسط مقبرة ماملا ، وأما بركتا المرجيع فهما بالقرب من قرية أرطاس ، وهما موجودتان ينتفع بهما في خزن الماء الواصل من
قناة السبيل إلى القدس الشريف ، ومسافتهما عن القدس نحو نصف بريد والله أعلم ، وسبب تسمية مكانهما بالمرجيع أن سيدنا
يوسف عليه السلام ، لما أخذه إخوته وألقوه في جب مروا به على قبر أمه ، وهو بالقرب
من المرجيع ، فلما رأى قبرها وهم طالعون ، ألقى نفسه عن الناقة ، وقال : يا أماه
ارفعي رأسك وانظري ما حل بولدك من البلاء ، ففقدوه فرجعوا ، فسمي المرجيع من ذلك
اليوم ، فلما رجعوا لطموا وجهه ، وحملوه وألقوه في الجب ، كما هو مشهور في القصة.
وبظاهر مدينة
القدس الشريف من كل جهة كروم بها أنواع الفواكه من
__________________
العنب والتين والتفاح والمشمش وغيره ، وأحسن الأماكن أرض تعرف بالبقعة ظاهر القدس من
جهة الغرب إلى جهة القبلة ، وقف الملك صلاح الدين على خانقاه الصوفية ، وفي هذه البقعة وغيرها أيضا قصور مبنية
بالبناء المحكم ، وملاكها في كل سنة يقيمون بها في زمن الصيف ، مدة أشهر ، إقامة
استيطان وينفقون أموالا كثيرة ، ولم يكن في الزمن السالف ببيت المقدس من شجر النخل
إلا واحدة ، ويقال : أنها هي المذكورة في القرآن العظيم في شأن مريم ، عليها السلام ، وهي منحنية ، قال :
القرطبي ويقال أنها غرست منذ زيادة على ألف سنة ، وأما في عصرنا ، فكان في المسجد الأقصى
ثلاث نخلات ، منها واحدة كانت عند المصطبة التي إلى جانب سبيل السلطان ، غربي الصخرة ، وزالت بعد الثمانين والثمانمائة ، واثنتان باقيتان إلى يومنا
، إحداهما عند باب الرحمة ، والثانية قبلي صحن الصخرة ، تعرف بنخلة النبي ، صلى
الله عليه وسلم ، قيل أنه رؤى عندها ، والله أعلم.
دير أبي ثور :
وإلى جانب
البقعة من جهة الشمال ، قرية تعرف بدير أبي ثور ، وهي قرية
__________________
صغيرة بها دير من بناء الروم ، يعرف قديما بدير مارقيوص ، ثم عرف بدير أبي ثور نسبة للشيخ أحمد ، المشهور بأبي ثور ، وكان رجلا صالحا ، وقد وقف الدير المذكور
عليه وعلى ذريته ، الملك العزيز أبو الفتح عثمان بن الملك صلاح الدين في ٥٩٤ ه ، ولما توفي الشيخ أحمد أبو ثور ، دفن بها ، وقبره
مشهور يزار ويتبرك به ، وله ذرية معروفون ، وبعضهم مقيم بالقرية المذكورة ، وهي
قريبة من باب المدينة ، المعروف الآن بباب الخليل ، ويأتي ذكر
الشيخ أبي ثور ، وسبب تسميته بذلك في ترجمته بين الأعيان ، إن شاء الله تعالى.
طور زيتا :
وهو الجبل
الشرقي من بيت المقدس ، وهو جبل عظيم مشرف على المسجد الأقصى ، عن أبي هريرة ، رضي
الله عنه قال : أقسم ربك بالتين والزيتون ، والزيتون طور زيتا ، وفي رواية عنه :
أقسم ربك عز وجل بأربعة أجبل ، فقال : فقال : (وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)) فالتين مسجد دمشق ، والزيتون طور زيتا مسجد بيت المقدس
، وطور سينين حيث كلم الله موسى صلى الله عليه وسلم ، وهذا البلد الأمين مكة ،
وتقدم عند ذكر الصحابة أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قدمت بيت المقدس فصلت به وصعدت طور زيتا فصلت ، وقامت على طرف الجبل فقالت :
من هاهنا يتفرق الناس يوم القيامة إلى الجنة وإلى النار ، وهذا الجبل هو الذي صعد
__________________
منه عيسى ، عليه السلام ، إلى السماء حين رفعه الله إليه ، وعلى رأسه كنيسة
من بناء هيلانة ، وفي وسطها قبة يقال لها : مصعد عيسى عليه السلام ، وقد هدمت الكنيسة ، والنصارى
يعظمون هذا المكان تعظيما زائدا ، وبطور زيتا شجرة خروب ، عندها مسجد لطيف ، وتحت المسجد مغارة مأنوسة ، ويقصد
الناس هذا المكان للزيارة ، وتسمى هذه الشجرة الخروب ، خروبة العشرة ، ولا أدري ما السبب في تسميتها بذلك ،
ولكن قد اشتهر هذا الاسم عند الناس ، والله أعلم بحقيقة الحال ،
ويسمى جبل بيت المقدس وهو طور زيتا جبل الخمر ، بفتح الخاء والميم وهو الكثير الشجر والظل ، ولما فتح الملك صلاح الدين بيت المقدس ،
وقف أرض طور زيتا على الشيخ الصالح ولي الدين أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن داود الهكاري ، وعلى الشيخ الإمام الزاهد أبي الحسن
علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الهكاري سوية بينهما ، ثم على ذريتهما ،
تاريخ كتاب وقفه في السابع عشر من ذي الحجة سنة ٥٨٤ ه .
__________________
قبر مريم عليها السلام :
وهو في كنيسة
في داخل جبل طور زيتا ، تسمى الجسمانية خارج / / باب الأسباط ، وهو مكان مشهور يقصده الناس للزيارة
من المسلمين والنصارى ، وهذه الكنيسة من بناء هيلانة أم قسطنطين ، كما تقدم ، وتقدم عند ذكر القلعة لفظ الأثر الوارد في قبر مريم ليلة أسرى بالنبي
صلى الله عليه وسلم ، وروي أن عمر ، رضي الله عنه ، لما فتح بيت المقدس مرّ بكنيسة
مريم التي في الوادي ، فصلى فيها ركعتين ثم ندم لقوله صلى الله عليه وسلم هذا واد من أودية جهنم ، ثم قال :
ما كان أغنى عمر أن يصلي في وادي جهنم ، وعن كعب الأحبار أنه قال : لا تأتو كنيسة مريم التي ببيت المقدس ، أي
كنيسة الجسمانية والعمودين اللذين في كنيسة الطور فإنهما طواغيت ، ومن أتاهما حبط
عمله ، وبالقرب من قبر مريم في الوادي ، المعروف بوادي جهنم بذيل جبل طور زيتا ،
قبة من بناء الروم يسميها الناس طرطور فرعون ، ويرجمونها بالحجارة ، وبالقرب منها ، بذيل الجبل أيضا قبة أخرى من الصخر يقال لها كوفية زوجة فرعون ، واشتهر ذلك
عند الناس ، وقد قيل أن القبة الأولى قبر زكريا عليه السلام ، وأن القبة الثانية قبر يحيى عليه السلام ، ورأيت
منقولا بخط بعض العلماء أن يحيى وزكريا عليه السلام ، مدفونان ببيت المقدس بذيل
جبل طور زيتا بمقابر الأنبياء ، وهو مما يعضد هذا القول ، وقد قيل : أن قبر زكريا ويحيى بقرية
__________________
سبسطية ، من أرض نابلس ، وقيل : بجامع دمشق ، والله أعلم.
البقعة :
وهو البقيع الذي إلى جانب طور زيتا من جهة الغرب ، وعن إبراهيم بن
أبي عبلة في قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ
بِالسَّاهِرَةِ (١٤)) قال البقيع الذي إلى جانب طور زيتا ، قريبا من مصلى عمر
معروف بالساهرة ، وفي حديث ابن عمر : أن أرض المحشر تسمى الساهرة وأصل الساهرة الفلاة ، ووجه الأرض ، وقيل : الأرض
العريضة البسيطة ، والساهرة عند العرب الأرض التي تبعث سالكها
على السهر للسري فيها لينجو منها ، ومعنى الساهرة : أرض لا ينامون عليها ، ويسهرون
، قلت : هذا البقيع المعروف بالساهرة ظاهر مدينة القدس الشريف من جهة الشمال ، وبه
مقبرة يدفن فيها أموات المسلمين ، وبها جماعة من الصالحين ، والمقبرة مرتفعة
على جبل عال.
الأدهمية :
وأسفل هذا الجبل كهف من العجائب ، وهو زاوية للفقراء الأدهمية
، داخل تحت هذا الجبل في صخرة عظيمة ، ويسمى مغارة الكتان ، والمقبرة التي
__________________
بالساهرة علو سقف المغارة ، بحيث أنه لو أمكن حفر القبور من أسفلها لنفذ إلى الكهف ، الذي هو زاوية الأدهمية ،
ولكن المسافة بعيدة فإن الصخر سمكه ضخم جدا ، ويلغز في هذا بأن يقال أحياء تحت
أموات ، وهذا الأمر مشاهد عيانا ، وقد عمر هذه الزاوية الأمير منجك نائب الشام ،
ووقف عليها هو وغيره من أهل الخير ، وفي هذه الزاوية قبور جماعة من الصالحين ، وعليها الأنس
والوقار.
مغارة الكتان :
ومقابل الساهرة
من جهة القبلة تحت سور المدينة الشمالي مغارة كبيرة مستطيلة ، وتسمى مغارة الكتان أيضا ، يقال
: أنها تصل إلى تحت الصخرة الشريفة ، ودخلها جماعة وحكوا عنها أشياء من الأمور
المهولة.
وأما ما بظاهر
بيت المقدس من المقابر المعدة لدفن أموات المسلمين ، فأولها مقبرة باب الرحمة ،
وهي بجوار سور المسجد الشرقي فوق واد جهنم ، وهي مأنوسة لقربها من المسجد ،
وهي أقرب الترب إلى المدينة ، وفيها قبر شداد بن أوس الأنصاري ، مشهور وغيره من العلماء والصالحين ، وقد جدد فيها
تربة في أولها من جهة الشمال عمرها الأمير قانصوه اليحياوي ، كافل المملكة الشامية حين كان مجاورا بالقدس الشريف ،
وبناؤها يشتمل على إيوان وبه مدفنان من جهتي الشرق والغرب ، ودفن بها من توفي من أولاده ، ثم أخرج
عنه وسافر من القدس الشريف في مستهل شوال سنة ٨٩٢ ه ، ولم تكمل عمارتها ، فلما استقر في
__________________
نيابة الشام ثانيا جهز مالا لعمارتها فأكملت ببناء الحوش الشمالي والبوابة وحفر الصهريج وبني كذلك المتوضأ ،
وكملت عمارتها في سنة ٨٩٥ ه ، وصارت مشهورة ، ومقبرة الساهرة ، وتقدم ذكرها وهي
شمالي البلد ، ومقبرة الشهداء ، وهي بالقرب من مقبرة الساهرة إلى جهة الشرق ، وهي
مقبرة لطيفة لقلة من يقصد الدفن فيها ، فإنه لا يدفن فيها من أهل البلد إلا قليل
من الناس ، ومقبرة ماملا ، وهي ظاهر القدس من جهة الغرب ، وهي أكبر مقابر البلد ، وفيها خلق
من الأعيان والعلماء والصالحين والشهداء ، وتسميتها بماملا قيل إنما أصله مأمن
الله ، وقيل باب الله ، ويقال : زيتون الملة وروي عن الحسن أنه قال : من دفن ببيت المقدس في زيتون الملة فكأنما دفن في / / سماء الدنيا
واسمها عند اليهود بيت لو ، وعند النصارى بأبيلا ، والمشهور على ألسنة الناس
ماملا.
القلندرية :
وبوسط هذه
المقبرة زاوية تسمى القلندرية ، بها أبنية عظيمة ، وكانت هذه الزاوية كنيسة من
بناء الروم ، وتعرف بالدير الأحمر ، وللنصارى فيها اعتقاد ، فقدم إلى بيت المقدس رجل اسمه الشيخ إبراهيم القلندري ، فأقام بها بجماعة الفقراء فنسبت إليه ، وسميت بالقلندرية
وكانت في عصره الست طنشق بنت عبد الله المظفرية ، التي عمرت الدار الكبرى المعروفة
بدار الست بالقصبة التي بالقرب من باب الناظر ، فكانت تحسن للشيخ إبراهيم ، وعمرت بالزاوية المذكورة
قبة محكمة البناء على قبر أخيها بهادر ، وهي باقية إلى يومنا ، وعمرت
__________________
الحوش المحيط بها ، وكانت عمارته في سنة ٧٩٢ ، وتوفيت بالقدس الشريف في يوم السبت في شهر ذي القعدة
سنة ٨٠٠ ه ، ودفنت بتربتها التي أنشأتها بعقبة الست اتجاه الدار
الكبرى رحمها الله تعالى ، وكان بالزاوية القلندرية جماعة مقيمون ، ولها وقف وقد خربت الزاوية ، وسقطت في زمن قريب في سنة ٨٩٣ ه
، واستمرت خرابا إلى يومنا ، وفيها يدفن الأعيان من الأمراء ممن يرد إلى
بيت المقدس وغيرهم ، وأرض هذه القلندرية ومعظم أرض ماملا صخر أصم وحفر القبور فيها بمشقة زائدة.
زوايا الكبكية :
وبمقبرة ماملا قبة محكمة البناء تعرف بالكبكية ، نسبتها للأمير
علاء الدين أمير ايدغدي بن عبد الله المدفون بها ، ووفاته يوم الخميس خامس شهر
رمضان سنة ٦٨٨ ه .
بيت لحم :
قرية قريبة من
القدس ، وهي عنها نحو ربع بريد من جهة القبلة ، وبها ولد سيدنا عيسى ، عليه السلام
، وقد ورد في حديث المعراج الشريف أن جبريل ، عليه السلام قال للنبي ، صلى الله
عليه وسلم ، حين أسري به : إنزل فصل فنزل فصلى ، قال : أتدري أين صليت؟ صليت ببيت
لحم ، حيث ولد عيسى ، عليه السلام.
وكان عبد الله
بن عمرو بن العاص يبعث بزيت يسرج في بيت لحم ، حيث ولد عيسى ، عليه السلام ، وهذه
القرية في عصرنا غالب سكانها نصارى ، وبها كنيسة محكمة البناء بها ثلاثة
محاريب مرتفعة ، أحدهما موجه إلى جهة
__________________
الكعبة الشريفة ، والثاني إلى جهة الشرق ، والثالث إلى جهة
الصخرة الشريفة ، وسقفها خشب مرتفع على خمسين عمودا من الصخر
الأصفر الصلب ، غير السواري المبنية بالحجارة ، وأرضها مفروشة بالرخام ، وعلى ظاهر
سقفها رصاص في غاية الإحكام ، وهذه الكنيسة من بناء هيلانة والدة قسطنطين كما تقدم
، وفيها مكان مولد عيسى ، وهو في مغارة من المحاريب الثلاثة ، وللنصارى بها اعتقاد
، ويرد إليها من بلاد الإفرنج وغيرها ، الأموال للرهبان المقيمين بالدير المجاور للكنيسة.
قبر راحيل :
وبين بيت المقدس وبيت لحم قبر راحيل والدة سيدنا يوسف الصديق
، عليه السلام ، وهو إلى جانب الطريق بين بيت لحم وبيت جالا في قبة موجهة لجهة الصخرة ، وهو مشهور يزار ، وقد قيل : أن تسمية بيت لحم وكذلك بقية القرى مما حول
بيت المقدس كبيت جالا وبيت نوبا ، وكل مكان أوله بيت ، إنما سمي بذلك نسبة لنبي من أنبياء بني إسرائيل ،
فيقال بيت فلان نسبة لساكنه والله أعلم.
وبظاهر بيت
المقدس عدة أماكن ومشاهد مشهورة ومقصودة للزيارة ، يطول ذكرها ويخرجنا عن حد
الاختصار ، وفيما ذكر كفاية والله الموفق ، وهو حسبنا وكفى.
__________________
ذكر رملة فلسطين :
قد تقدم في أول
الكتاب ، عند الكلام على تفسير أول سورة الإسراء ، ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه ، في قوله
تعالى : (بارَكْنا حَوْلَهُ) فلسطين والأردن ، وتقدم ذكر الأردن ، وهو النهر المسمى الشريعة ، شرقي بيت المقدس مسافته عنه نحو يوم ، وروي
عن سعيد بن المسيب ومقاتل في قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى
رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)) ، قيل هي الرملة ، وقال : السدي ، وهي أرض فلسطين وتقدم قول ابن عباس وقتادة ، وكعب : أنها بيت المقدس ، وروي عن رسول الله ، صلى
الله عليه وسلم أنه قال : «أكرموا الرملة» يعني فلسطين ، فإنها الربوة التي قال الله تعالى فيها :
(وَآوَيْناهُما إِلى
رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)) ، وفي حديث المعراج قال صلى الله عليه وسلم : ثم أخذني
جبريل ، عليه السلام ، ولم يزل يسير من
__________________
سماء إلى سماء ، فما مررت بشيء من الجنان ولا في السموات إلا ومكتوب عليه لا إله إلا الله / /
محمد رسول الله حتى انتهيت إلى سماء الدنيا ففتح لنا بابها وإذا الليل على
حاله لم ينقص شيئا ، ثم نظرت إلى الأرض ، وإذا بروضتين خضراوتين ، ونكتتين ، سوداوتين ، فقلت : يا أخي جبريل ما هاتان الروضتان الخضراوتان ،
والنكتتان السودتان ، فقال : يا محمد أما الروضتان الخضراوتان فإنهما دمشق وفلسطين
، وأما النكتتان السوداوتان فأرمينية وأذربيجان ، ثم حملني حتى أنزلني على جبل بيت
المقدس ، وإذا أنا بالبراق واقف على حاله في موضعه الذي تركته فيه لم يتقدم ولم
يتأخر ، وذكر تمام القصة.
وقسمت الأوائل الشام خمسة أقسام ، الشام الأولى فلسطين وواسطة بلدها
الرملة ، والشام الثانية الحوران ومدينتها العظمى طبرية ، والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق ، والشام الرابعة حمص ،
والشام الخامسة قنسرين ومدينتها العظمى حلب.
وفلسطين بكسر
الفاء وفتح اللام ، وسميت بذلك لأن أول من نزلها فلسطين بن كسوحين بن لقطين بن
يونان بن يافث بن نوح ، عليه السلام ، وأول حدود فلسطين من طريق مصر أمج قال :
أبو محمود لعله رفح وهي
__________________
العريش ، ثم يليها غزة ، ثم رملة فلسطين. ومن مدن فلسطين
إيلياء وهي مدينة بيت المقدس ، بينها وبين الرملة ستة فراسخ ،
ثمانية عشر ميلا صحار ووهاد ، ومن مدنها أيضا عسقلان ولد وسبسطية ونابلس ، ومدينة سيدنا الخليل
، عليه السلام ، ومسافة فلسطين طولا من أمج إلى حد اللجون للراكب المجد يومان ، وأما سير الأثقال فأكثر من أربعة
أيام ، وعرضا من يافا إلى أريحا مسافة يومين.
وأما مدينة
الرملة وهي واسطة بلد فلسطين فإنها في أرض سهلة ، وهي كثيرة الأشجار والنخل ، وحولها كثير من المزارع والمغارس ، وفيها أنواع
الفواكه ، وظاهرها حسن المنظر ، وهي من جملة الثغور ، فإن البحر المالح قريب منها ، مسافته منها نحو نصف بريد من جهة الغرب ،
وكانت في الزمن السالف في عهد بني إسرائيل مدينة عظيمة البناء متسعة ، وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ، ملكه بجهات فلسطين ، كما تقدم عند ذكر سيدنا داود ، عليه السلام ،
وتقدم أن سيدنا يونس ، عليه السلام ، أقام بالرملة ثم توجه إلى بيت المقدس يعبد
الله تعالى ، وأما صفة مدينة الرملة قديما قبل الإسلام وبعده إلى حدود الخمسمائة ،
فكان لها سور محيط بها.
__________________
وكان لها قلعة
، واثني عشر بابا ، منها : باب القدس ، وباب عسقلان ، وباب يافا
، وباب يازور ، وباب نابلس ، ولها أربعة أسواق متصلة من أربعة أبواب
إلى وسطها ، وهناك مسجد جامعها ، فمن باب يافا يدخل في سوق القماحين ، وهو متصل
بسوق البصالين حتى يتصل بمسجد جامعها ، وهي أسواق كانت حسنة يباع فيها أنواع السلع
، ويتصل بباب القدس سوق القطانين ، إلى سوق المشاطين للكتان ، إلى سوق العطارين إلى المسجد الجامع ، ويتصل بسوق الخشابين من باب يازور
، ثم سوق الخرازين ثم البقالين إلى المسجد الجامع ، ويتصل بباب آخر من أبوابها
بسوق الصياقلة ، ثم سوق السراجين إلى المسجد الجامع ، ويقال : أن الرملة كانت
أربعة آلاف ضيعة ، وتقدم أن السلطان الملك الناصر صلاح الدين هدم قلعتها ، وهدم
مدينة لد في شهر رمضان سنة ٥٨٧ ه . أما في عصرنا فلم يبق أثر لتلك الأوصاف التي بالرملة ،
وقد زالت أسوارها وأسواقها القديمة لاستيلاء الإفرنج عليها نحو مائة سنة ، ولم يبق
من المدينة ثلثها بل ولا ربعها.
وبني فيها مساجد
ومنابر مستجدة من زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون وبعده ، والموجود الآن من
الأبنية في المدينة معظمه خراب مهدوم ، وقد صار المسجد الجامع القديم بظاهر المدينة من جهة
الغرب ، وصار حوله مقبرة ، وقد بنى فيه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون منارة ، وهي من عجائب الدنيا في الهيئة والعلو ، وذكر
المسافرون أنها من المفردات ليس لها نظير ، وكان الفراغ من بنائها في نصف شعبان
سنة ٧١٨ ه ، ولم يبق حول الجامع المذكور من الأبنية القديمة سوى
حارة بجواره من جهة الشمال حكمها حكم القرى ، وأما المدينة فصارت منفصلة عنه ،
وهذا الجامع بناه بعض خلفاء الأمويين / / وهو بناء
__________________
سليمان عبد الملك ، المتقدم ذكره ، لما ولي الخلافة في سنة ٩٦ ه ، من الهجرة الشريفة ، وهو جامع متسع مأنوس عليه الأبهة والوقار والنورانية ، ويعرف في عصرنا وقبله بالجامع الأبيض ، وفي صحنه
السماوي مغارة تحت الأرض مهيبة يقال : أن فيها دفن سيدنا صالح النبي ، صلى الله عليه وسلم وتقدم ذكر
ذلك ، ثم جددت عمارة الجامع الأبيض في زمن الملك الناصر صلاح الدين على يد رجل من دولته اسمه الياس بن عبد الله
، أحد جماعة الأمير علم الدين قيصر ، عين الأمراء بالدولة الصلاحية ، وكانت عمارته
في سنة ٥٨٦ ه ، ثم لما فتح الملك الظاهر بيبرس يافا سنة ٦٦٦ ه ، عمر القبة التي على المحراب والباب المقابل للمحراب ،
وهو المجاور للمنبر الذي يخطب عليه للعيد ، وعمر المنارة القديمة ، وقد زالت وبنى عوضها المنارة
الموجودة الآن ، وأما المدينة يومئذ فقد تقهقرت ، ونقصت جدا وقلّ ساكنوها ، ومع ذلك فهي
مقصودة للبيع والشراء ، ولا تخلو من بركة في معيشتها لبركة أرضها وسكانها من الأنبياء والصحابة والعلماء
والأولياء.
فإن فيها السيد
الجليل الفضل بن العباس رضي الله عنهما ، وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم
، وكان والده العباس يكنى به ، وهو الذي غسل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما توفي كما
تقدم ، ووفاته في طاعون عمواس في سنة ١٨ من الهجرة
__________________
الشريفة ، وهو في مشهد يقصد للزيارة ، وقد بنى عليها الأمير شاهين الكمالي ، استادار الرملة ، منارة وجعل
فيها مسجدا جامعا تقام فيه الجمعة والجماعة ، ووقف عليه أماكن ورتب فيه وظائف ،
وكانت عمارته في سنة ٨٥٤ ه وقد تلاشت أحوال المشهد في عصرنا وخرب معظم الوقف ،
وتقدم أن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، كان قاضيا بها ، وهو أول من ولي قضاء فلسطين ، ومات
بها ، واختلف في قبره فقيل : بالرملة ، وقيل : حمل إلى القدس فدفن بها ، وهو أشهر
ووفاته في سنة ٣٤ ه من الهجرة كما تقدم.
وفيها الإمام
المحدث أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ، المعروف بدحيم أحد أصحاب الإمام أحمد ، رضي الله عنه ، كان قاضيا بها من قبل الخليفة أمير
المؤمنين المتوكل على الله العباسي ، خليفة بغداد تغمده الله برحمته ، ثم عينه لقضاء مصر ،
وأمره بالتوجه إليها ، فعاجلته المنية فتوفي بالرملة ، ولم يعرف قبره ووفاته في رمضان
سنة ٢٤٥ ه .
__________________
وفيها الإمام
المحدث الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، أحد أئمة الدنيا في الأحاديث ، مولده في سنة أربعة عشر ومئتين ، ووفاته بالرملة في
ثالث عشر صفر سنة ٣٠٣ ه . وهو الذي قدمه السبكي في طبقات الشافعية الوسطى ، وقبره
يقال أنه بظاهر الجامع الأبيض بلصق حائطه من جهة الشرق في حوش هناك ، وقيل أنه
توفي بمكة وله ثمان وثمانون سنة ، والله أعلم.
وفيها من
الأولياء الشيخ القدوة الزاهد العابد ولي الله تعالى أبو محمد عبد الله البطائحي ، صالح مشهور ، وللناس فيه اعتقاد ، ووفاته في
يوم الجمعة العاشر من شهر صفر سنة ٣٥٧ ه ، وقبره في مشهد بحارة الباشقردي ، وعليه من الأنس
والهيبة والوقار ما لا يكاد يوصف ، والدعاء عنده مستجاب ، وقد جربت ذلك ، وكان الضريح قبل ذلك تحت
السماء ، فبنى عليه إيوان في سنة ٨٧٤ ه ، وقد وهم كثير من الناس في أمره ، فظن أنه الشيخ عبد
الله البطائحي صاحب السيد عبد القادر الكيلاني وليس كذلك فإن السيد عبد القادر ،
رحمه الله مولده سنة ٤٧١ ه ، بعد وفاة الشيخ عبد الله هذا بمائة وأربعة عشر سنة ،
فظهر من ذلك أن صاحب السيد عبد القادر غير هذا بلا إشكال.
والشيخ محمود
العدوي ، صالح مشهور له كرامات ظهرت ، وكان موجودا في سنة ٦٦٨ ه ، وقبره في مشهد بحارة العنابة يقصد للزيارة.
والشيخ القدوة
صاحب الكرامات المشهورة أبو العباس أحمد الأشموني المشهور بالقبي ، صالح مشهور ، من أولياء الله تعالى ، كان موجودا في سنة
__________________
٨١٥ ه ، وقبره في مشهد عند سوق الفاكهين ، وعليه الوقار
والجلال. وفي الرملة عدة من الأولياء والعلماء والصالحين يطول الفصل بذكرهم ،
والله الموفق.
ذكر لد
روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال / / فقال : يقتله عيسى بن مريم بباب لد ، ففي هذا الحديث فضيلة لأهل تلك
الأرض المقدسة ، لأنهم يقاتلون مع نبي الله صلى الله عليه وسلم الأعور الدجال ،
وتقدم عند ذكر الفضائل صفة الدجال وما ورد في أمره ، وقتل المسيح له عند باب لد
بأبسط من هذا.
وكانت لد في
الزمن السالف منزلا جميلا فيه أناس يعمرونه ، وفيه كانت تنزل الرفاق
والقافلة الواصلة من مصر إلى الشام ، وكان بلد كنيسة محكمة البناء واسعة الفناء عليها للنصارى أوقاف كثيرة ،
ولهم فيها اعتقاد إلى يومنا ، وقد خربها الملك صلاح الدين.
وقد صارت البلد يومئذ قرية كبقية القرى ، ولكنها حسنة المنظر
وظاهرها بهيج ، وهي بظاهر الرملة من جهة الشمال على مسافة قريبة ، وفيها جامع
مأنوس ، وكان كنيسة ، وهو من بناء الروم ، وعليه الأبهة والنورانية وبه منارة
مرتفعة.
وبظاهر لد من
جهة الشرق مشهد قيل : أن به قبر أبي محمد عبد الرحمن بن عوف الصحابي رضي الله عنه ، ووفاته في سنة ٣٢ من الهجرة
الشريفة ، وقد نقل أنه توفي بالمدينة الشريفة وأن قبره بالبقيع ، ولكن المشهور عند أهل ،
__________________
تلك النواحي أنه بلد في المشهد المعروف به ، والله أعلم.
وبظاهر الرملة
من جهة الغرب بالقرب من البحر المالح مشهد يقال : أن به ضريح سيدنا روبيل بن يعقوب
، عليهما السلام ، وهو مكان مأنوس يقصد للزيارة ، وفي كل سنة له موسم
يجتمع الناس فيه من الرملة وغزة وغيرهما ، ويقيمون أياما وينفقون أموالا كثيرة
ويقرأ هناك القرآن العظيم ، والمولد الشريف. والذي عمر المشهد سيدنا ومولانا شيخ
الإسلام ولي الله تعالى الشيخ شهاب الدين بن أرسلان تغمده الله بالرحمة والرضوان.
ومن الأولياء
المشهورين بأرض فلسطين السيد الجليل والولي الكبير سلطان الأولياء ، وقدوة
العارفين وسيد أهل الطريقة المحققين ، صاحب المقامات والمواهب والكرامات والخوارق
الباهرات المجاهد في سبيل الله ، الملازم لطاعة الله ، أبو الحسن علي بن عليل وهو
المشهور عند الناس بابن عليم بالميم ، وأما نسبه الصحيح الثابت عليل باللام ، صاحب الكرامات المشهورة ،
والمناقب الظاهرة ، شهرته تغني عن الإطناب في ذكره ، والاستقصاء في ترجمته ، فإن صيته كضوء النهار لا يخفى على أحد ، ونسبه متصل بأمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فهو علي بن عليل بن محمد بن يوسف بن يعقوب بن عبد الرحمن بن
السيد الجليل الزاهد العابد ، الصوام القوام ، الصحابي عبد الله ابن مولانا وسيدنا
أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي ، رضي الله عنه وعن سائر أصحاب الرسول أجمعين.
وضريح السيد
علي بن عليل بشط البحر المالح بساحل أرسوف وعليه
__________________
شهد مشهد عظيم مأنوس ، وبه منارة مرتفعة ، وأهل تلك النواحي بأسرها في خفره
وبركة سره ومن مناقبه أن الإفرنج يعتقدون فيه ، ويعترفون بصلاحه ، وقد أخبرت أن الإفرنج إذا أقبلوا على ضريحه
وهم في البحر كشفوا رؤوسهم ونكسوها نحوه ، رضي الله عنه ، وكانت وفاته في يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ٤٧٤
ه . ولما نزل الملك الظاهر بيبرس لفتح يافا وأرسوف ، زاره ونذر النذور
والأوقاف ودعى عنده ، فيسر الله له فتح البلاد ، وفي كل سنة له موسم ، ففي زمن
الصيف يقصده الناس من البلاد البعيدة والقريبة ، ويجتمع هناك خلق لا يحصيهم إلا
الله تعالى وينفقون أموالا جزيلة ، ويقرأ عنده المولد الشريف.
وفي عصرنا ولي
النظر عليه سيدنا ومولانا وشيخنا ولي الله تعالى قدوة العباد وإمام الزهاد وبركة الوجود والعباد ، شمس الدين أبو
العون محمد الغزي القادري الشافعي ، نزيل جلجوليا شيخ السادة القادرية بالمملكة الإسلامية ، أمتع الله الأنام بوجوده ، فعمر المشهد وأقام نظامه وشعائره
وفعل أثارا حسنة منها : الرخام المركب على الضريح الكريم عمله في سنة ٨٦٦ ه ، وكان قبله يحمل عليه ضريح من خشب ، وحفر البئر الذي
بصحن المسجد حتى وصل إلى الماء المعين ، ثم عمر برجا على ظهر الإيوان من جهة الغرب
للجهاد في سبيل الله تعالى ، ووضع فيه آلات الحرب لقتال الإفرنج / / خذلهم الله
تعالى ، وكانت عمارته بعد التسعين والثمانمائة وغير ذلك من أنواع العمارة والخير ،
أثابه الله تعالى
__________________
ثوابا جزيلا ، ومد في حياته أمدا طويلا ، وتوفي شيخنا الإمام القدوة شمس الدين أبو العون محمد الغزي في شهر
ربيع الآخر سنة عشر وتسعمائة بمدينة الرملة ، وله نيف وثمانون سنة ، رضي الله عنه
ونفعنا به.
وبأرض فلسطين
عدة من الأولياء والصالحين والأماكن المقصودة للزيارة ، والمراد هنا الاختصار ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ذكر عسقلان
عن عبد الله بن
عباس رضي الله عنهما ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول
الله ، إني أريد الغزو في سبيل الله تعالى ، فقال عليك بالشام فإن الله تعالى قد
تكفل بالشام وأهله ، وألزم من الشام عسقلان فإنها إذا دارت الرحا في أمتي كان
أهلها في عافية ، وقد ورد فيها أحاديث غير هذا ضعفها الحافظ أبو محمود ، وكذب رواتها.
تقدم أن عسقلان
كانت من أحسن المدن وأظرفها ، وقد خربها الملك صلاح الدين الأيوبي في شهر شعبان سنة ٥٨٧ ه ، واستمرت إلى يومنا هذا لم تعمر ، وبها مشهد عظيم بناه الفاطميون خلفاء مصر على
ما كان زعموا أن رأس الحسين بن علي ، رضي الله عنه به وبعسقلان أماكن تقصد للزيارة
، وهي على شاطئ البحر المالح ، وقد ألف الحافظ بن عساكر جزءا في فضلها.
ذكر غزة
عن مصعب بن
ثابت عن ابن الزبير يرفعه ، «طوبى لمن سكن إحدى
__________________
القريتين عسقلان وغزة ، وهي من أعظم المدن المجاورة لبيت المقدس ، وفيها ولد
سليمان بن داود عليهما السلام ، وهي من الثغور فإن البحر قريب منها وبها كثير من
الأشجار والنخل ، وحولها كثير من المغارس المزارع وفيها أنواع الفواكه
، وهي من أحسن مدن فلسطين ، وفيها خلق ممن سلف من العلماء والصالحين ،
وتقدم أن الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه ولد بها وموضع مولده
معروف يقصد للزيارة ، ولو لم يكن لغزة من الفخر إلا مولد النبي سليمان والإمام الشافعي بها لكفاها.
ذكر أريحا
قال الله تعالى
إخبارا عن رسوله وصفيه ، وكليمه موسى ، عليه الصلاة والسلام : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ (٢٠) يا
قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قال ابن عباس وعكرمة والسدي : هي أريحا وهي مدينة
الجبارين التي تقدم ذكرها عند قصة سيدنا موسى ، عليه السلام ، وفتحها يوشع عليه
السلام كما تقدم في ذكره ، وهي شرقي بيت القدس بالقرب من نهر
الأردن ، وكان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قد أخرج اليهود من المدينة ، فخرجوا إلى الشام وإلى أذرعات وأريحا ، ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه في أمارته من
أرض الحجاز إلى تيماء وأريحا
__________________
وقد صارت أريحا في هذه الأزمنة قرية من جملة قرى بيت المقدس ، وهي إقطاع
لمن يكون نائبا بالقدس ، ومن عجيب الاتفاق أنها كانت في زمن بني إسرائيل سكن الجبارين ، وفي زمن الإسلام مختصة بحكام الشرطة.
ذكر نابلس
روى المشرف
بسنده عن كعب قال : «أحب البلاد إلى الله عز وجل الشام ، وأحب الشام إلى الله تعالى القدس ، وأحب القدس
إلى الله تعالى جبل نابلس ، ليأتين على الناس زمان يتماسحون بالجبال بينهم» ، ونابلس مدينة بالأرض المقدسة مقابل
بيت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه يومين بسير الأثقال ، خرج منها كثير من العلماء والأعيان ،
وهي كثيرة الأعين والأشجار والفواكه ، ومعظم الأشجار بضواحيها الزيتون ، وبها كثير
من السامرة ، فإنهم يعتقدون أن القدس جبل نابلس ، وقد كذبوا
وخالفوا جميع الأمم في ذلك ، لعنة الله عليهم.
وقد قيل أن
سيدنا يوسف عليه السلام ، قبره بالقرب من نابلس ، وتقدم ذلك عند ذكره ، عليه السلام.
وبمدينة نابلس
مشهد يقال أن به أولاد يعقوب عليهم السلام ، وبضواحيها مشاهد كثيرة تنسب إلى جماعة
من الأنبياء عليهم السلام.
ومن الأنبياء
المشهورين حول بيت المقدس السيد عازر ، ولعله
__________________
العيزار بن هارون عليهما السلام ، قبره بقرية العازرية بظاهر القدس الشريف من جهة الشرق بالقرب من طور زيتا على طريق المار إلى سيدنا موسى الكليم ، عليه السلام ،
وهو ظاهر في مشهد بالقرية يقصد للزيارة ، ويقال : أن العيزار بن هارون ، إنما هو
بقرية عورتا من / / أعمال نابلس وقيل : إنه عازر الذي أحياه المسيح
بن مريم ، والله أعلم.
وأما شمويل ، عليه السلام ، فتقدم ذكره عند ذكر سيدنا داود عليه
السلام ، وقبره بقرية ظاهر القدس من جهة الشمال على الطريق السالك إلى رملة فلسطين
على رأس جبل هناك ، وهو مشهور واسم القرية عند اليهود رامة .
ولو شرعنا بذكر
الأنبياء ممن كان ببيت المقدس وحوله من بني إسرائيل وغيرهم لطال الفصل ،
فإن بعضهم لم يعرف له مكان معين ، وبعضهم مختلف فيه وإنما ذكرت من اشتهر وصار له موضع يقصد بالثوابت ، فإنه لم يثبت قبر نبي من الأنبياء سوى قبر محمد ، صلى
الله عليه وسلم ، بداخل الحجرة الشريفة ، وإبراهيم الخليل ، عليه السلام ، بداخل
السور السليماني ، وما عداهما فهو بالظن لا بالقطع ، وقد روي عن كعب الأحبار أنه قال ببيت المقدس من قبور
الأنبياء الف قبر ، قال صاحب مثير
__________________
الغرام : يعني هي وما حولها ، فإن ثم قبورا ومعالم يروى أثرها ولا يعلم ، وكثير منها قد اندرس وخفي لاستيلاء الإفرنج على
البلاد مدة طويلة ، والله أعلم.
ذكر نبذة من أخبار مدينة سيدنا الخليل عليه السلام
وقد تقدم ذكر
صفة المسجد الشريف الخليلي وما هو مشتمل عليه ، وأما المدينة فاسمها حبرون ، وهي تجاه بيت المقدس مما يلي القبلة ، فمنظرها في غاية الحسن والنورانية ، وهي مستديرة حول المسجد من
الجهات الأربع ، وبناؤها محدث ، بعد بناء السور السليماني وهو المستجد بزمن طويل ،
فإن في زمن سيدنا الخليل عليه السلام ، كانت المغارة في صحراء ولم يكن هناك بناء ، وكان الخليل عليه السلام
، مقيم في ممري في مخيمه وهي بالقرب من بلد الخليل من جهة الشمال ، وهي
أرض بها عين ماء وكروم ، واستمر الحال على ذلك بعد وفاة الخليل وأبنائه الأكرمين ، عليهم السلام ، إلى أن بنى سليمان عليه السلام ،
السور على القبور الشريفة ، ثم اختطت المدينة بعد ذلك ، وكان من أمرها ما حكي أن
امرأة من بني إسرائيل تسمى دبورا ، زوجة
__________________
الغيدوث من سبط أقوام أفرام ، ملكت تلك الأرض وأدعت النبوة
وأطاعها الناس وعمرت الرامة ، وكانت تجلس بين الرامة وإيلياء ، وتحكم في بني إسرائيل ، وكان بالرامة رجل من ذوي
الأموال من بني إسرائيل اسمه يوسف الرامي ، أدرك زمن عيسى عليه السلام ، وآمن به ، فبنى بالقرب
من السور السليماني بيوتا للسكن ، تبركا بقرب الأنبياء عليهم السلام ، فهو أول من اختط البناء حول السور ، ثم تتابع البناء قليلا
قليلا فصارت هناك مدينة ، وهي محيطة بالمسجد من الجهات الأربع كما تقدم ، فبعضها
مرتفع على رأس جبل ، وهو شرقي المسجد يسمى يسلون ، وبعضها منخفض في واد وهو غربي المسجد ، والأماكن التي في العلو غالبها مشرف على
الأماكن المنخفضة وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر ، وبناؤها على حكم بناء بيت
المقدس بالحجار الفص النحيت وسقفها عقود ، ليس في بنائها لبن ولا في سقفها خشب.
وقد تقدم أن
الماضي من رفع سيدنا عيسى عليه السلام ، إلى السماء إلى آخر سنة
تسعمائة من الهجرة الشريفة المحمدية ، ألف وأربعمائة سنة وثمانية وتسعون سنة فيعلم من ذلك
تاريخ بناء مدينة سيدنا الخليل عليه السلام تقريبا ، لأن الباني لها وهو يوسف الرامي
أدرك زمن عيسى عليه السلام ، كما تقدم ، والله أعلم.
وأما السور
السليماني فتقدم أنه بني عقب بناء بيت المقدس ، فيعلم تاريخه من تاريخ بناء بيت المقدس.
__________________
وأما الحارات
المشهورة بها فمنها حارة الشيخ علي البكا ، وهي منفصلة عن البلد من جهة الشمال ، وحارة الأكراد وهي مرتفعة على علو في سفح الجبل ، وحارة الجبارنة ، وتعرف قديما بحارة الفستقة ، وحارة المشارقة ، وحارة السواكنة ، وحارة الحدانبة ، وضمنها حارة النصارى ، وحارة
الشعابنة وحارة رأس قيطون ، وهي منفصلة عن البلد من جهة الغرب ؛ وحارة الدارية . من جملتها حارة القصاروة ، وحارة اليهود ، وحارة
الزجاجين ، وهذه الحارات محيطة بالمسجد كما تقدم ، فحاراتان منهما وهما المعتمدتان
هما حارة الدارية وهي حارة غربي المسجد وفيها أسواق البلد ومنافعها وهي أحسن
الحارات وحارة الأكراد وهي شرقي / / المسجد وفي البلد شوارع غير ذلك ، وإنما ذكرت
المشهور منها.
وأما ما فيها من المدارس والزوايا والمشاهد :
فأحسنها زاوية
الشيخ عمر المجرد وهي بحارة الأكراد ، وسنذكر ترجمة واقفها وتاريخ وفاته
فيما بعد ؛ والمدرسة القيمرية عند باب المسجد الشمالي بالقرب من عين الطواشي ، وزاوية المغاربة بجوار عين الطواشي المذكورة ؛
والقلعة وهي حصن من بناء الروم بلصق المسجد من جهة الغرب ، وينسب وقفها إلى الملك
الناصر حسن جعلها مدرسته ، وقد صارت في عصرنا مساكن لبعض أهل البلد ، وضريح السيد
يوسف الصديق ، عليه السلام ، بداخلها كما تقدم القول فيه ، ووفاة واقفها الملك
الناصر حسن في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة ٧٦٣ ه قتلا ، وزاوية الشيخ علي البكا بالحارة المتقدم ذكرها ،
وسنذكر تاريخ بنائها ووفاة
__________________
الشيخ علي عند ذكر ترجمته إن شاء الله تعالى ، وزاوية القواسمة بالقرب منها ، نسبة للشيخ أحمد القاسمي الجنيدي من ذرية
أبي القاسم الجنيد ، وهو مدفون بها ؛ ومسجد بخط سوق الخضرية والزياتين ، ويعرف بمسجد ابن عثمان وعليه منارة وهو
مأنوس ؛ ومشهد بالقرب من باب المسجد ، بخط سوق الغزل عند عين الطواشي به ضريح
الشيخ يوسف النجار ، صالح مشهور ، والمدرسة الفخرية بالقرب من حارة الشعابنة ، وقد
صارت مهملة والذي يظهر أن نسبتها لصاحب الفخرية بالقدس الشريف ، والله أعلم ،
والرباط المنصوري باتجاه باب القلعة وقف الملك المنصور قلاوون ، عمره في ٧٦٩ ه
، والبيمارستان المنصوري وقف الملك المنصور قلاوون الأرزرومي أيضا ، في سنة ٦٨٠ ه.
وفيها عدة من
الزوايا فمن ذلك :
زاوية الشيخ
إبراهيم المزي بين حارتي الأكراد والدارية ، وما هو بحارة الأكراد زاوية
الشيخ عبد الرحمن الأرزرومي ، وزاوية البسطامية بجوار المسجد الجاولي من جهة
الشمال ، وزاوية السمانية بجوار زاوية الشيخ عمر المجرد ، ومسجد الشيخ بهاء الدين
الوفائي ، وزاوية أبي عقافه ، ورباط الطواشي ؛ وزاوية شيخون ، ورباط مكي بحارة رأس
قيطون وهي المنفصلة عن البلد من جهة الغرب كما تقدم ، وزاوية الشيخ رضوان ،
وزاوية الشيخ خضر ، وزاوية الطلاطقة بجوار البركة ، وهي زاوية الأدهمية ، وزاوية الرامي ، وزاوية الشيخ
علي كهنوش الأدهمي ، ومسجد مسعود ، وزاوية الشيخ محمد البيضة ، وزاوية الموقع ، وزاوية
الشيخ إبراهيم الحنفي وغير ذلك ، ومسجد فرعونة بحارة الزجاجين ،
__________________
وزاوية أبي كمال ظاهر المدينة ، ورباط الجماعيلي بحارة النصارى ؛ وزاوية
الخضر بالقرب من متوضأ المسجد ، وزاوية الأعنص بحارة الحدابنة ، زاوية القادرية
بظاهر البلد ، وقبة الزاهد بين حارة الشيخ علي البكا والمدينة.
وقد تفحصت عن
معرفة أسماء الواقفين لذلك ، ومعرفة تواريخ أوقافهم ، لأذكرها كما وقع لي في مدارس
بيت المقدس ، فلم أظفر لذلك لعدم وجود كتب وقف لها ، ولعدم شيء يدل على الاطلاع على ذلك ، فإن غالب ما ذكرته قد صار مهملا ، لا نظام له
، وإنما ذكرته لإحاطة العلم به ، والله الموفق.
مشهد الأربعين :
وبظاهر البلد
من جهة الغرب على رأس جبل هناك مسجد يسمى مشهد الأربعين يقال : أن به أربعين شهيدا
، ولم اطلع على نقل في ذلك ، والناس يقصدونه للزيارة ، وهو موضع مأنوس.
وفي المدينة من
أعين الماء عين الطواشي على باب المسجد الشمالي بالقرب من السور ، ومنبعها من خربة مجدل فضيل بقرب مدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ،
والقرية وقف على مصالح قناة العين والحوض الذي على باب المسجد ، ووقفها منسوب إلى الأمير
بكتمر الجوكندار وله ذرية بالقاهرة لهم التكلم عليها ، وهي أحسن الأعين وأطيبها
ماء ؛ وعين الحزام ، وعين المسجد ، وهي عند الباب الذي تدق عنده الطبلخانة منبعها
من مكان يقال له خلة العيون بالقرب من زاوية الشيخ علي البكا ، وعين سارة بظاهر البلد بين الكروم ، منبعها قريب من حوضها ؛ وعين السماقية ،
ومنبعها من وادي سارة ؛ وعين / / الحمام ، ومنبعها من وادي التفاح ، وماؤها يجمع
مع ماء عين السماقية لحاصل الحمام بمدينة الخليل ، عليه السلام ؛ وعين حبرى
ظهرت قريبا من نحو عشر سنين عند المقبرة السفلى ، ومنبعها من تحت الجبل الذي على
__________________
رأس مشهد الأربعين ، وبالقرب من زاوية الشيخ علي البكا بئر
معين ، وإلى جانبه حوض سبيل أنشأه الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية ،
بمباشرة الأمير كيكلدي النجمي في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة ٧٠٢ ه ،
حين بنى المنارة على زاوية الشيخ علي البكا.
وبظاهر البلد
من المقابر المعدة لدفن أموات المسلمين ، المقبرة السفلى ، وهي قديمة وهي غربي البلد مما يلي حارة الدارية
بالقرب من مشهد الأربعين ؛ ومقبرة تسمى تربة الرأس ، وهي من جهة الشرق مما يلي حارة الأكراد ، والمقبرة
الثالثة بحارة الشيخ علي البكا تعرف بمقبرة البقيع .
وأما الكروم
بظاهر المدينة فهي محيطة بها من كل جانب ، وفيها أنواع الفواكه ، ومعظمها العنب ،
وهي على صفة كروم بيت المقدس في غالبها قصور مبنية بالبناء المحكم ، وأهلها في كل
سنة يقيمون بها في زمن الصيف مدة أشهر.
وبظاهر البلد
أماكن وجهات لا فائدة لذكرها ، وقد اقتصرت على ما ذكرته طلبا للاختصار ، والله
أعلم .
__________________
إقطاع تميم الداري
الذي أقطعه له
النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الأرض التي بها بلد سيدنا الخليل عليه السلام ، وما
حولها من الأرض وكتب له ذلك في قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، بخطه .
وقد حكى
المؤرخون لفظ الإقطاع على وجوه مختلفة ، وقد رأيت عند التكلم على الإقطاع
المشار إليه القطعة الأدم التي يقال أنها من خف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وقد صارت رثة وفيها بعض أثر كتابة ، ورأيت معها ورقة مكتوبة في الصندوق الذي فيه القطعة
الأدم ، منسوب خط هذه الورقة إلى أمير المؤمنين المستنجد بالله العباسي تغمده الله برحمته ، كتب فيها نسخة الإقطاع وصورة ما كتبه المستنجد بخطه :
«الحمد لله هذه
نسخة كتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الذي كتبه لتميم الداري
وإخوته في سنة ٩ من الهجرة الشريفة المحمدية ، بعد منصرفه من غزوة تبوك ، في قطعة أدم من
خف أمير المؤمنين علي وبخطه ، نسخته كهيئته ، رضي الله تعالى
__________________
عنه وعن جميع الصحابة : بخطه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أنطى محمد
رسول الله لتميم الداري أو إخوته ، حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن نطية بتّ بينهم ، ونفذت وسلمت ذلك لهم لأعقابهم ، فمن آذاهم آذاه الله ، فمن آذاهم لعنه الله ، وشهد على ذلك عتيق بن أبي
قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ، وكتب علي بن أبي طالب وشهد» ، وقد نسخت ذلك
من خط المستنجد بالله كهيئته ، ولعل هذا أصح ما قيل فيه ، والله أعلم.
واستمر هذا
الإقطاع بيد ذرية تميم الداري يأكلونه إلى يومنا ، وهم مقيمون ببلد سيدنا الخليل ،
عليه السلام ، وهم طائفة كبيرة يقال لهم الدارية وهذا ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
، وتقدم عند ذكر الصحابة أن تميم الداري كان أميرا على بيت المقدس وقد اعترض بعض الولاة على آل تميم وأراد انتزاع الأرض منهم ، ورفع أمرهم للقاضي أبي
حامد الهروي الحنفي ، قاضي القدس الشريف ، فاحتج الداريون بالكتاب ، فقال القاضي : هذا الكتاب ليس بلازم ، لأن
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أقطع تميما ما لم يملك ، فاستفتى الوالي الفقهاء ، وكان الإمام أبو
حامد الغزالي ، رضي الله عنه ، حينئذ ببيت المقدس قبل استيلاء الإفرنج عليه ، فقال
هذا القاضي كافر ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : زويت لي الأرض كلها ، وكان يقطع في الجنة ، فيقول : «قصر كذا لفلان» ،
فوعده صدق ، وعطاؤه حق ، فخزي القاضي والوالي ، وبقي آل تميم على ما بأيديهم.
__________________
وكانت هذه
الحادثة حين كان القاضي أبو بكر بن العربي بالشام ، وتقدم في ترجمته أنه وصل إلى المشرق في عام ٤٨٥ ه ، وقدم إلى الشام وبيت المقدس.
وأما حدود
الأرض المقدسة فمن القبلة أرض الحجاز الشريف ، يفصل بينهما جبال الشورى وهي جبال
منيعة بينها وبين أيلة نحو مرحلة وسطح أيلة هو أول / / حد الحجاز من تيه بني إسرائيل ، وبينها وبين بيت المقدس نحو ثمانية أيام بسير الأثقال
، ومن الشرق من بعد دومة الجندل برية السماوة ، وهي كبيرة ممتدة إلى العراق ينزلها عرب الشام ،
ومسافتها عن بيت المقدس نحو مسافة أيلة ، ومن الشمال مما يلي الشرق ، نهر الفرات
على قول الحافظ مؤرخ الشام شمس الدين محمد الذهبي ، رحمه الله ، ومسافته عن بيت
المقدس نحو عشرين يوما بسير الأثقال ، فيدخل في هذا الحد المملكة الشامية بكاملها ؛ ومن
الغرب بحر الروم وهو البحر المالح ومسافته عن بيت المقدس من جهة رملة فلسطين نحو يومين ؛
ومن الجنوب رمل مصر والعريش ، ومسافته عن بيت المقدس نحو خمسة أيام بسير الأثقال ، ثم يليه تيه بني إسرائيل وطور سيناء ، ويمتد من تلك الجهة إلى
__________________
تبوك ثم دومة الجندل المتصلة بالحد الشرقي.
وأما الحدود
المنسوبة لبيت المقدس عرفا مما يطلق عليه عمل القدس الشريف ويسوع لقضاة القدس
الحكم فيه : فمن القبلة عمل بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، يفصل بينهما قرية
سيعير وما حاذاها ، وهي من عمل القدس ؛ ومن الشرق نهر الأردن ، وهو المسمى
بالشريعة ؛ ومن الشمال عمل مدينة بنابلس يفصل بينهما قرية سنجل وعزون ، وهما من أعمال القدس وتتمة الحد رأس وادي بني زيد ، وهو من أعمال الرملة ؛ ومن الغرب
مما يلي رملة فلسطين قرية بيت نوبا وهي من أعمال القدس ، ومما يلي مدينة غزة قرية عجور ، وهي من أعمال غزة.
وأما الحدود
المنسوبة عرفا لبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام : فمن القبلة منزلة الملح على درب الحجاز الشريف ، وقباب الشاورية ، وهي خربة
منسوبة لبني شاور أمراء عرب جرم ، ومن الشرق قرية عين جدي من عمل بلد الخليل ،
__________________
وبحر لوط وهذا الحد هو الفاصل بين عمل بلد الخليل وعمل مدينة الكرك ؛ ومن
الشمال عمل القدس الشريف يفصل بينهما قرية سيعير وما حاذاها كما تقدم ؛ ومن الغرب من الجهة المحاذية
لرملة فلسطين قرية زكريا وهي من أعمال الخليل ، عليه السلام ، ومن جملة الوقف
الشريف المبرور من الجهة المحاذية لمدينة غزة قرية سيمح المجاورة لقرية السكرية ، وبلاد بني عبد ، وهي من أعمال بلد الخليل ، عليه السلام.
وأما المسافة
من بيت المقدس إلى بلد الخليل ، عليه السلام ، فهي تقرب من بريدين ، وقيل أنها ثلاثة عشر ميلا ، وقيل : ثمانية عشر ميلا ، والله أعلم.
وقد تقدم في أول الكتاب عند الكلام على تسمية المسجد الأقصى ، أنه
سمي بذلك لأنه وسط المدينة لا يزيد شيئا ولا ينقص ، وتقدم عند ذكر الفضائل أن قوله
تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ
يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١)) المنادي هو إسرافيل ، عليه السلام ، ينادي من صخرة بيت
المقدس بالحشر ، وهي وسط الأرض ،
__________________
وروي عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : وسط الأرضين بيت
المقدس ، وأرفع الأرضين كلها إلى السماء بيت المقدس ؛ وعن ابن عباس ومعاذ ابن جبل
: أقرب السماء إلى الأرض بيت المقدس باثني عشر ميلا ، وعن قتادة عن كعب : «بيت
المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا».
والقول بأن بيت
المقدس وسط الدنيا ظاهر فإن بيت المقدس إذا اعتبر أمره وجد في وسط الدنيا
، وسائر الممالك محيطة به من كل جهة ، فإنه يقابله من جهة القبلة أقاليم الحجاز الشريف وبلاد اليمن ومملكة الهند وما والاها ، ومن جهة الشرق بغداد
والعراق ومملكة العجم وما والاها ، ومن جهة الشمال البلاد الشامية ومملكة الروم
وما والاها ، ومن جهة الغرب الديار المصرية ومملكة الغرب وما والاها ، فظهر من هذا
أن مدينة بيت المقدس في وسط الدنيا ، والله أعلم.
ذكر جماعة من أعيان ملوك الإسلام ممن ولي
على بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ،
وفعل فيهما الخير من أنواع البر والعمارة
قد تقدم ذكر
جماعة ممن ولي على بيت المقدس من الخلفاء أعظمهم وأجلهم أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، الذي فتحه وأنقذه من أيدي الكفار ، وذكر بعض ما كان بعده من
بني أمية وبني العباس وجميع الفاطميين ، وتقدم ذكر جماعة من السلاطين بمصر أمثلهم وأعلاهم
الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، تغمده الله برحمته ، وهو أول
الملوك / / بالديار المصرية بعد انقراض دولة الفاطميين ، ومن بعده من ملوك بني أيوب بمصر وغيرها ،
وذكر ما فعله كل منهم من الخير والعمارة ، وفعل المعروف إلى زمن الملك الصالح نجم
__________________
الدين أيوب ، الذي فتح القدس الفتح الأخير ، ثم بعد ذلك الملك الصالح ، وولي جماعة على الديار المصرية ، لنذكرهم
بأجمعهم من غير إخلال بأحد منهم ، فكل من له بالمسجد الأقصى ومسجد الخليل فعل خير وآثار حسنة
، ذكرت تاريخ ولايته ، والخليفة الذي كان في زمن خلافته وتاريخ وفاته وما فعل في أيامه من الخير فيهما ، أو في الأرض المقدسة ومما حولها ، ومن لم اطلع له على شيء
من أفعال القربات ، ذكرت اسمه فقط ، لكونه ولي أمر بيت المقدس ، ودعى له على منبره
من غير تعرض إلى ذكر تاريخه ، فإنه تطويل بلا فائدة ، فأقول
وبالله أستعين.
وممن ولي الملك
بالديار المصرية بعد الملك الصالح نجم الدين أيوب ولده الملك المعظم توران شاه ،
وتقدم ذكره.
ثم ولي بعده
الملك المعز أيبك التركماني ، أول ملوك الترك بمصر في سنة ٦٤٨ ه ، فأقام خمسة أيام ثم خلع.
وولي بعده
الملك الأشرف موسى آخر ملوك بني أيوب بمصر ثم خلع في سنة ٦٥٢ ه ، وأعيد الملك المعز أيبك ، ثم توفي قتلا .
وولي بعده ولده
الملك المنصور نور الدين علي ثم خلع ، وولي بعده الملك المظفر قطز ثم قتل.
وولي بعده
السلطان الملك الظاهر بيبرس ، وهو ركن الدين أبو الفتح بيبرس
__________________
الصالحي النجمي البند قداري ، كان مملوك ايدكين البندقداري الصالحي ، ثم أخذه الملك الصالح من
البندقدار ، فانتسب إليه دون أستاذه ، واستقر في السلطنة في شهر ذي القعدة سنة ٦٥٨
ه ، وكان من الملوك المعتبرين ، وتلقب أولا بالملك القاهر فقيل له : أنه لقب غير مبارك وما تلقب به
أحد فطالت مدته ، فغيره وتلقب بالملك الظاهر ، وهو الذي أقر الخلفاء من بني العباس
بالديار المصرية في سنة ٦٥٩ ه ، وأولهم المستنصر بالله أبو القاسم أحمد بعد انقراض دولتهم من بغداد ، وخرابها في ٦٥٦ ه
وفي سنة ٦٦١ ه
أرسل عسكرا هدموا كنيسة الناصرة ، وهي من أكبر مواطن عبادات النصارى لأن منها خرج دين
النصرانية ، وأغاروا على عكا ، ثم ركب بنفسه وأغار عليها ثانيا ، وهدم برجا
خارج البلد ، وفتح قيسارية بنفسه سنة ٦٦٣ ه ، في تاسع جمادى الأولى ، وفتح أرسوف في جمادى الآخرة
منها.
وفي سنة ٦٦٤ ه
خرج بعسكره من الديار المصرية وفتح صفد وغيرها ، وكان فتح صفد في
تاسع عشر من شعبان من السنة المذكورة بالأمان ، بعد حصرها ، ثم قتل أهلها
عن آخرهم.
__________________
وفي سنة ٦٦٦ ه
توجه بعساكره إلى الشام وفتح يافا في شهر رجب وأخذها من الإفرنج ، وفتح
أنطاكية بالسيف في يوم السبت رابع رمضان منها ، وقتل أهلها.
وفي سنة ٦٦٧ ه
حج إلى بيت الله الحرام وزار المدينة الشريفة ، وفي سنة ٦٦٨ ه حضر إلى القدس الشريف ، وعمر مقام سيدنا موسى الكليم
عليه الصلاة والسلام كما تقدم عند ذكر قصته ، أنه توجه لزيارته ومر على دير السنيق ومسافته عن بيت المقدس نحو نصف بريد ، وهو للنصارى ،
فوجد حول الدير قلالي الرهبان عامرة مسكونة وأحضروا له ضيافة فاستكثرها ، فقيل له :
إن هنا جماعة من الرهبان في القلالي المذكورة نحو ثلاثمائة
راهب ، فأمر بهدم القلالي المذكورة خوفا على بيت المقدس من العدو المخذول.
وفي سنة ٦٦٩ ه
فتح حصن الأكراد ، وحصن عكا ، والقرين ، وغير ذلك.
وله بالقدس
الشريف حسنات منها : أنه اعتنى بعمارة المسجد الأقصى ،
__________________
وجدد فصوص الصخرة الشريفة التي علو الرخام من الظاهر ، وعمر الخان الكائن بظاهر القدس
الشريف من جهة الغرب إلى الشمال ، المعروف بخان الظاهر ، وكان بناؤه في سنة ٦٦٢ ه
، ونقل إليه باب قصر الخلفاء الفاطميين ، ووقف عليه نصف قرية لفتا ، وغيرها من القرى بأعمال دمشق ، وجعل بالخان فرنا
وطاحونا ، وجعل للمسجد الذي فيه إماما ، وشرط فيه بأشياء من فعل الخير من تفرقة الخبز على بابه للفقراء ، وإصلاح / / نعال النازلين به ، وأكلهم ، وغير ذلك.
وقد أخذ الوقف
الذي بالشام ، وانقطع ما كان شرطه فيه من الخبز وغيره ، لفساد
الزمان وتلاشي الأحوال.
وهو الذي جدد
القضاة الثلاثة بالمملكة بعد أن لم يكن بها سوى القاضي الشافعي فقط ، وكان يستخلف
من بقية المذاهب ، وكانت ولايته للقضاة الثلاثة بمصر في سنة ٦٦٣ ه وفي الشام سنة
٦٦٤ ه .
وكان ملكا جليلا
شجاعا ، أبطل المظالم ، وأسقط تشفيع الأملاك ، وكان جملة ما يحمل منها إلى الديوان ألف ألف
دينار ، واهتم بعمارة المسجد الشريف النبوي حين احترق ، ووضع الدربزينات حول الحجرة الشريفة ، عمل فيه منبرا ، وسقّفه بالذهب ،
واهتم بكسوة الكعبة الشريفة ، وفتح الفتوحات ، وجدد قبر الخليل ، عليه السلام ، وزاد في روايته ما يصرف إلى المقيمين ،
وبنى على المكان المنسوب إلى قبر موسى الكليم ، عليه السلام ، فيه كما
تقدم ، وجدد بالقدس الشريف أشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة ، ورمم
__________________
شعث الصخرة وغيرها ، وبنى على قبر أبي عبيدة بن الجراح مشهدا ، ووقف عليه أشياء للواردين ، وتوفي رحمه الله ، بدمشق في يوم الخميس ٢٧
من المحرم سنة ٦٧٦ ه ، ودفن بها ، وكانت مدة ملكه نحو سبع عشر سنة وشهرين
وعشرة أيام ، رحمه الله وعفا عنه.
وولي الملك بعده ، ولده الملك السعيد محمد بركة ، ثم خلع ، وولي أخوه الملك العادل سلامش ثم خلع.
وولي بعده
السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي ، هو سيف الدين قلاوون الألفي ، وجنسه قفجاقي وهو أول مملوك بيع بألف دينار ، استقر في السلطنة في
يوم الأحد ٢٢ من رجب سنة ٦٧٨ ه ، وكان الخليفة الحاكم بأمر الله ، أبو العباس أحمد
العباسي .
__________________
وأقام منار
الدين والعدل ، وفتح الفتوحات ففتح حصن المرقب ، وهو حصن الإسبتار ، وهو في غاية العلو والحصانة ، فحضره ثم فتحه بالأمان
في ربيع الأول سنة ٦٨٤ ه ، وفتح صهيون في ٦٨٦ ه ، وفتح طرابلس بعد أن نزلها بعسكره يوم الجمعة مستهل ربيع الأول سنة ٦٨٨ ه ، ويحيط البحر بغالبها ، وليس عليها قتال في البر إلا من جهة الشرق ، وهو
مقدار قليل ، فحصرها حتى فتحها يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر بالسيف ، ودخلها
العسكر عنوة ، وقتل غالب رجالها ، وسبيت ذراريهم ، وكانوا الإفرنج قد استولوا عليها في سنة ٥٠٣
ه ، فبقيت في أيديهم إلى هذا التاريخ ، فتكون مدى لبثها
مع الإفرنج نحو ١٨٥ سنة وشهورا ، ولم يجرؤ أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض إليها ،
ولا المرقب ، فيسر الله فتحهما على يديه.
ومن حسناته
بالقدس الشريف : أنه عمر سقف المسجد الأقصى من جهة القبلة
__________________
مما يلي الغرب عند جامع النساء ، وله الرباط المنصوري المشهور بباب الناظر ، وهو رباط
في غاية الحسن والبناء المحكم ، ورخم داخل الحجرة الخليلية في سنة ست وثمانين وستمائة ، وعمر
بمدينة الخليل الرباط والبيمارستان ، وله غير ذلك.
توفي رحمه الله
، في سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ، ومدة ملكه نحو إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياما ، وكان ملكا مهيبا حليما ، قليل سفك الدماء
، شجاعا ، عفا الله عنه.
ثم تسلطن بعده
ولده السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ، وكان الخليفة الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد العباسي ، وفتح عكا بالسيف ، وقتل
أهلها وأخربها ، ودكها دكا بليغا ، وفتح عدة حصون ومدن وأخلى الإفرنج من صيدا وبيروت ، وتسلمها السلطان الملك الأشرف ، وكذلك هرب أهل مدينة صور فأرسل السلطان وتسلمها وتسلم
__________________
عثليت وأنطرسوس ، وذلك جميعه في سنة ٦٩٠ ه ، واتفق لهذا السلطان من السعادة ما لم يتفق لغيره بفتح
هذه البلاد العظيمة الحصينة بغير قتال ولا تعب ، وأمر بها فخربت عن آخرها ، وتكملت
بهذه الفتوحات جميع البلاد الساحلية الإسلامية ، وكان أمرا لا يطمع فيه ولا
يرام ، وتطهرت الشام والسواحل من الإفرنج بعد أن كانوا أشرفوا على الديار
المصرية ، وعلى ملك دمشق وغيرها من الشام فلله الحمد والمنة.
وكان انقطاع /
/ الإفرنج وزوال دولتهم من بلاد الإسلام والسواحل زولا لا رجوع بعده ، في هذه السنة ، وهي سنة ٦٩٠ ه على يد الملك الأشرف خلل بن قلاوون
تغمده الله برحمته ، وكان ابتداء تغلبهم على مملكة بلاد الشام ، وتسلطهم على بلاد الإسلام في سنة ٤٩٠ ه ، كما تقدم ، واستمروا إلى هذا التاريخ ، فكانت مدتهم
جملتها مائتا سنة كاملة ، لعنة الله عليهم ، ثم فتح قلعة الروم في سنة ٦٩١ ه .
وقتل الملك
الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون في ثاني عشر المحرم
__________________
سنة ٦٩٣ ه بظاهر القاهرة عند تروجة ، قتله جماعة من مماليك والده والأمراء ، ثم حمل إلى
القاهرة فدفن بها في تربته ، وانتقم الله من قاتليه عاجلا وآجلا ، فأمسكوا وقتل بعضهم عاجلا وأحرقت جثته ،
وبعضهم حبس ثم قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على الجمال وطيف بهم ، وأيديهم معلقة في
أعناقهم جزاء بما كسبوا ، وشنق بعضهم فسبحان المنتقم بعدله.
وتسلطن بعده
الملك القاهر بيدرا يوما واحدا وقتل.
وولي بعده
الملك الناصر محمد بن قلاوون سلطنته الأولى وخلع.
ثم ولي بعده
السلطان الملك العادل كتّبغا ، وهو زين الدين كتبغا المنصوري ، استقر في السلطنة يوم
الأربعاء تاسع المحرم سنة ٦٩٤ ه وكان الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد
العباسي.
وفي أيامه جدد
عمل فصوص الصخرة الشريفة ، وجدد عمارة السور الشرقي المطل على مقربة باب الرحمة في
شهور سنة ٦٩٥ ه ، وخلع من السلطنة في المحرم سنة ٦٩٦ ه وهو بأرض الشام عند نهر العوجا ، وكانت مدته
__________________
نحو سنتين ، وأعطاه حسام الدين لاجين ، الذي تسلطن بعده صرخد ، فسار إليها واستقر فيها ، ثم في سلطنة الناصر محمد بن
قلاوون استقر في نيابة حماه ، في سنة ٦٩٩ ه ، وتوفي بها في ليلة الجمعة عاشر ذي الحجة سنة ٧٠٢ ه .
ولما خلع
العادل كتبغا ولي بعده السلطان الملك المنصور لاجين ، هو حسام الدين لاجين
المنصوري ، استقر في السلطنة بعد خلع العادل كتبغا ، وهو بدهليزه على نهر العوجا ،
ثم سار إلى الديار المصرية ، وكان الخليفة الحاكم بأمر الله ، المتقدم ذكره ، وفي
أيامه جددت عمارة محراب داود الذي بالسور القبلي ، عند مهد عيسى ، عليه السلام ، بالمسجد الأقصى الشريف ، وفتح عدة بلاد منها سيس وغيرها من بلاد الأرمن ، وقتل في ليلة الجمعة حادي عشر
ربيع الآخر سنة ٦٩٨ ه د وثب عليه جماعة من المماليك الصبيان ، فقتلوه وهو يلعب
بالشطرنج ، وكانت مدة ملكه سنتين وثلاثة أشهر.
ثم تولى بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون سلطنته الثانية ، ثم خلع.
وولي بعده
الملك العادل المظفر بيبرس الجاشنكير ، في العشر
__________________
الأوسط من المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة وعمره نحو تسع سنين ، وكان
الخليفة الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد ، فأقام سنة وخلع.
وتسلطن بعده
العادل كتبغا ثم المنصور لاجين ، المتقدم ذكرهما ، ثم تسلطن ثانيا في يوم السبت
رابع عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة ، والخليفة الحاكم بأمر الله ،
المتقدم ذكره وأقام عشر سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم نزل عن السلطنة باختياره
وتوجه إلى الكرك.
وتسلطن بعده
الملك العادل المظفر بيبرس الجاشنكير ، المتقدم ذكره ، وأقام أحد عشر شهرا وخلع ،
وأعيد بعده إلى السلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وهي سلطنته الثالثة التي
ثبت قدمه فيها ، وصفى له الوقت ، وجلس على سرير الملك بعد العصر من نهار الأربعاء
مستهل شوال سنة ٧٠٩ ه ، وكان الخليفة المستكفي بالله أمير المؤمنين أبو الربيع
سليمان ، وكان الملك الناصر من الملوك المعتبرين أصحاب التواريخ ، حج إلى بيت الله
الحرام ثلاث مرات الأولى في سنة اثنتي عشر وسبعمائة ، والثانية في سنة تسعة عشرة ،
والثالثة في سنة اثنتي وثلاثين وسبعمائة.
ووقع له وقعات كثيرة مع التتر وغيرهم ، وله غارات على بلاد سيس ، وفتح
جزيرة أرواد وهي في بحر الروم قبالة أنطرسوس ، وفتح ملطية وغير ذلك.
وله في المسجد الأقصى خيرات كثيرة منها : أنه عمر في أيامه السور
القبلي الذي عند محراب داود عليه السلام ، ورخم صدر المسجد الأقصى ، ومسجد سيدنا
الخليل عليه السلام بإشارة تنكز نائب الشام ، وفتح بالمسجد الأقصى الشباكان اللذان
عن يمين المحراب وشماله وكان فتحهما في سنة ٧٣١ ه ، وجدد تذهيب القبتين قبة المسجد الأقصى ، وقبة الصخرة الشريفة ، ومن العجب أن تذهيب
__________________
قبة الصخرة كان قبل العشرين والسبعمائة ، وقد مضى عليه إلى عصرنا هذا ،
أكثر من مائة وثمانين سنة ، وهو في غاية الحسن والنورانية ، ومن رآه يظن أن الصانع
قد فرغ منه الآن وعمر القناطر على الدرجتين الشماليتين بصحن الصخرة التي إحداهما مقابل باب حطة والأخرى مقابل باب الدوادارية ، وعمر باب القطانين بالبناء المحكم وتقدم ذكر ذلك ،
وكل مكان من هذه الأماكن مكتوب عليه تاريخ عمارته ، وعمر قناة السبيل التي عند
بركة السلطان بظاهر / / القدس الشريف من جهة الغرب ، وله غير ذلك من العمائر
والقربات بالقدس الشريف وغيره من البلاد من عمارة الحصون والقلاع ، فإن سلطنته
الثالثة أقام بها اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وتسعة عشر يوما.
كانت مدة ملكه
في ولاياته الثلاث ثلاثا وأربعين سنة وسبعة أشهر ، وتخلل بين
ولاياته ولاية العادل كتبغا والمنصور لاجين ، والمظفر بيبرس نحو خمس سنين وشهرين ،
فكانت المدة من حين ابتداء سلطنته إلى حين وفاته تسعا وأربعين سنة .
وتوفي في يوم
الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة سنة ٧٤١ ه بالقلعة ، وصلى عليه عز الدين ابن جماعة إماما ، وأنزل ليلة الخميس إلى المدرسة المنصورية بخط
بين القصرين ، ودفن بها مع أبيه قلاوون ، رحمهما الله تعالى ، وكان ملكا معتبرا أخباره مشهورة
، عفا الله عنه.
ولما توفي
تسلطن بعده ثمانية من أولاده لصلبه ، فأولهم الملك المنصور
__________________
أبو بكر وخلع ، ثم الملك الأشرف كجك وخلع ، ثم الناصر محمد وخلع ، ثم الصالح إسماعيل وتوفي ، ثم الكامل شعبان وخلع ، ثم المظفر حاجي وقتل ، ثم الملك الناصر حسن وخلع ، ثم الملك الصالح صالح وخلع ، وأعيد الناصر حسن ، وتوفي قتلا وتقدم ذكر تاريخ وفاته في أخبار مدينة السيد الخليل ،
عليه السلام.
وولي بعده ابن
أخيه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي وخلع.
ثم ولي السلطان
الملك الأشرف شعبان بن الأمير حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون مولده في ٧٥٤ ه ، استقر في السلطنة في
__________________
النصف من شعبان سنة ٧٦٤ ه ، وله من العمر عشر سنين ، وكان الخليفة المتوكل على
الله ، أبو عبد الله محمد .
وفي أيامه عمرت
المنارة التي عند باب الأسباط ، وتقدم أن عمارتها بمباشرة السيفي قطلوبغا ناظر
الحرمين الشريفين ، وعمارتها في سنة ٧٦٩ ه ، وجددت الأبواب الخشب المركبة على أبواب الجامع الأقصى
، وجددت عمارة القناطر التي على الدرجة الغربية في صحن الصخرة المقابل لباب الناظر في سنة ٧٧٧ ه .
وتوفي قتلا في يوم الاثنين خامس ذي القعدة سنة ٧٧٨ ه وكان رحمه الله من حسنات الدهر ، هينا لينا حليما ،
محبا لأهل الخير ، مقربا للعلماء والفقراء ، معتنيا بالأمور الشرعية ، عفا الله
عنه.
ثم ولي بعده
ولده الملك المنصور علي ، وتوفي.
ثم ولي أخوه
حاجي سلطنته الأولى ، الملقب فيها بالملك الصالح ثم خلع.
__________________
واستقر في
السلطنة الملك الظاهر برقوق ، وهو أبو سعيد برقوق بن أنص بن عبد الله ، الجهاركسي
الأصل ، وهو أول دولة الجهاركسة ، وهو من مماليك يلبغا العمري الناصري حسن بن
الملك الناصر محمد بن قلاوون استقر في السلطنة يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة ٧٨٩
ه ، وكان الخليفة المتوكل على الله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد ، وخلع
في شهر جمادى الآخرة سنة ٧٩١ ه ، وتولى الملك المنصور ، ثم خلع.
وأعيد برقوق
إلى السلطنة يوم الاثنين رابع عشر صفر سنة ٧٩٢ ه في خلافة المتوكل على الله أيضا ، وفي أيامه عمرت دكة
المؤذنين التي بالصخرة الشريفة تجاه المحراب إلى جانب باب المغارة ، بمباشرة ناظر
الحرمين ونائب القدس الشريف الناصري محمد بن السيفي بهادر الفخري الظاهري في مستهل شوال سنة ٧٨٩ ه ، وعمر البركة التي بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب
المعروفة ببركة السلطان ، وعمارتها في سنة وفاته وهي سنة ٨٠١ ه ، وهي الآن خراب لا ينتفع بها.
ووقف قرية دير
استيا ، من أعمال نابلس ، على سماط الخليل ،
__________________
عليه السلام ، وشرط أن لا يصرف ريعها إلا في السماط الكريم فقط ، وكتب الوقف على عتبة باب مسجد
الخليل عليه السلام ، وهو الباب الشرقي من الأبواب الثلاثة التي في داخل السور ، وهو خلف مقام السيدة سارة من جهة الشرق.
وفي أيامه في
شهر رجب سنة ٧٩٦ ه ، ورد الأمير شهاب الدين أحمد اليغموري ، ناظر الحرمين الشريفين ، ونائب السلطنة بالقدس الشريف
وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، إلى القدس / / الشريف ، وأبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أحدثها النواب قبله بالقدس الشريف ، ونقش بذلك رخامة وألصقت على
باب الصخرة من جهة الغرب ، وله غير ذلك من الحسنات.
توفي بقلعة
الجبل في ليلة الجمعة خامس عشر شوال سنة ٨٠١ ه عن ستين سنة أو قريب منها.
ثم ولي بعده
ولده الملك الناصر فرج وهو زين الدين أبو السعادات فرج بن الملك الظاهر برقوق ، استقر في السلطنة وعمره اثنتا عشرة سنة في صبيحة يوم الجمعة النصف من شوال سنة ٨٠١ ه
، والخليفة المتوكل على الله ، وفي أيامه كانت وقعة تمرلنك المشهور
في سنة ٨٠٣ ه.
__________________
وخلع من
السلطنة بأخيه الملك المنصور عبد العزيز في سنة ٨٠٨ ه وأقام أخوه نحو شهرين وتسعة أيام وخلع ،
ثم أعيد الناصر فرج إلى السلطنة في يوم الاثنين سابع جمادى الأولى سنة ٨٠٨ ه ، ونزل الشام مرارا ، ووصل إلى حلب مرتين ، ودخل بيت المقدس ، ونزل
بالمدرسة التنكزية ، وفرق مالا كثيرا على الناس ، ومن جملة ما رسم به القدس أن نائب بالقدس لا
يكون ناظر على الحرمين الشريفين ، ولا يتكلم بالنظر بالجملة الكافية. ونقش بذلك بلاطه
وألصقت بحائط باب السلسلة عن يمين الداخل من الباب ، وعلق بمسجد
سيدنا الخليل عليه السلام الستائر الحرير على الأضرحة الشريفة. وتوفي قتلا في ليلة السبت سابع عشر صفر سنة
٨١٥ ه ، ودفن بمقابر المسلمين بدمشق ، رحمه الله تعالى .
وولي بعده
الملك المؤيد شيخ وتوفي ، وولي بعده ولد الملك المظفر أحمد وخلع.
وولي بعده
الملك الظاهر ططر وتوفي ، وولي بعده ولده الملك الصالح محمد وخلع.
__________________
وولي بعده
السلطان الملك الأشرف برسباي ، هو أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري ، من عتقاء الظاهر برقوق ، استقر في السلطنة في
سنة ٨٢٥ ه ، في شهر ربيع الأول ، وكان الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود في أيامه ، كان ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس
الشريف الأمير أركماس الجلباني ، وكان حاكما معتبرا ، عمر الأوقاف ونماها ، وصرف
المعاليم ، واشترى للوقف مما أرصده من المال جهات من القرى والمسقفات ، وورد مرسوم
الأشرف بصرف معاليم المستحقين فيها وإرصاد ما بقي لمصالح الصخرة الشريفة ، ونقش بذلك رخامة
وألصقت بحائط الصخرة ، تجاه قبة المعراج في سنة ٨٣٦ ه .
ومن حسنات
الملك الأشرف بالمسجد الأقصى ، المصحف الشريف الذي وضعه بداخل الجامع تجاه المحراب ، بإزاء دكة المؤذنين ، وهو
مصحف شريف عظيم كبير أهدي إليه بدمشق حين سافر إلى آمد في سنة ٨٣٦ ه ، فجهزه وصحبة خازنداره
__________________
إلى القدس الشريف ، ووقف عليه جهة للقارئ والخادم ، وشرط النظر لمن يكون شيخ المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف ، وقرر في القراءة فيه الشيخ شمس
الدين محمد بن قطلوشاه الرملي المقرئ وكان من القراء المشهورين في الحفظ وحسن
الصوت وله محاسن كثيرة ، توفي إلى رحمه الله في يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة ٨٤١ ه.
وولي بعده ولده
الملك الصالح محمد وخلع ، وولي بعده ولده الملك العزيز يوسف وخلع.
وولي بعده
السلطان الملك الظاهر جقمق ، هو أبو سعيد جقمق العلائي نسبة إلى
الملك الظاهر برقوق ، تسلطن وجلس على سرير الملك في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة ٨٤٢ ه ، وكان
الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود ، وكان الظاهر على قدم عظيم من الصيانة والديانة
والعفة والشجاعة ومحبة العلماء ، الذي أنعم على الوقفين بالقدس والخليل في زمن شمس الدين الحموي
الناظر ، مبلغ ألفي دينار وخمسمائة دينار ذهبا ومائة وعشرين
قنطارا من
__________________
الرصاص برسم العمارة ، ثم في أيام القاضي أمين الدين عبد الرحمن الديري
أنعم بمائة وعشرين غرارة من القمح ، القيمة عنها ثلاثة آلاف وستمائة دينار ، ولما توفي ابن الديري تحمل على
الوقف ثمن الغلال فأنعم بتوفيه الثمن وهو أربعة آلاف وسبعمائة دينار.
وكان في أيامه
ناظر الحرمين الشريفين بالقدس الشريف والخليل القاضي غرس الدين خليل السخاوي ، وهو الذي أقام نظام الحرمين الشريفين ورتب فيهما الوظائف وكان المؤذنون قبل ذلك نوبتين فزادهما نوبة ثالثة ، وعمر الأوقاف ونماها ، وكان سماط
سيدنا الخليل ، عليه السلام ، يعمل فيه ليلة الجمعة الأرز المفلفل والحب رمان والعدس ، في / /
كل يوم ، وفي الأعياد تعمل فيها الأطعمة الفاخرة.
وفي أيامه ،
أعني الملك الظاهر ، في شهور سنة ٨٥١ ه ، حرق جانب من سقف الصخرة الشريفة بصاعقة
نزلت من السماء ، ودخلت من باب الصخرة القبلي ، فاحترق بعض السقف من جهة الغرب من جانب القبة ، واجتمع الناس لإطفاء الحريق وحصل بذلك
ضجة كبيرة ، ويقال : أن الحريق لم يكن بصاعقة ، وإنما بعض أولاد
الأكابر دخل ليصيد طيورا بين الأسقف من الحمام ، ومعه شمعة موقدة ، فعلقت النار من ضوء الشمعة في الخشب ، فكان سببا
للحريق ، والله أعلم بحقيقة الحال.
__________________
ومن حسنات
السلطان الظاهر : المصحف الشريف ، الذي وضعه بالصخرة الشريفة
تجاه المحراب ورتب له قارئا ، وهو موجود إلى عصرنا ، ورسم بإبطال المظالم من القدس
الشريف ، ونقش بذلك بلاطة وألصقت بحائط المسجد الغربي عند باب السلسلة.
وفي أيامه جهز
خاصكيا اسمه إينال باي ، وكان الساعي في أمره الشيخ محمد
المشمر ، أحد جماعة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، فحضر إلى القدس الشريف بمرسوم
الملك الظاهر ، بالكشف على الديارات ، وبهدم ما استجد بدير صهيون وغيره ، وانتزاع قبر داود ، عليه السلام ، من أيدي النصارى ، فهدم البناء المستجد ، وأخرج قبر داود من أيدي النصارى ، ونبشت عظام الرهبان المدفونين
بالقبو الذي به قبر داود ، وكان ذلك في يوم الاثنين يكمل ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ٨٥٦ ه وكان يوما مشهودا.
وفي تلك السنة
وقع البطش في النصارى ، وأخرج المسجد من دير السريان وسلم للشيخ محمد المشمر وصار زاوية ، وهدم البناء المستجد ببيت لحم وبالقمامة ، وخلع
درابزين الخشب المستجد بالقمامة ، وأخذ إلى
__________________
المسجد الأقصى بالتكبير والتهليل ، وكشفت جميع الديارات ، وهدم جميع ما استجد بها ، وكان ذلك في
أواخر عمر السلطان ، فختم الله أعماله بالصالحات وإزالة المنكرات ، وسنذكر ما وقع
في أمر قبر داود وصهيون في عصرنا ، فيما بعد في ترجمة الملك الأشرف قايتباي ، في حوادث سنة ٨٩٥ ه ، إن شاء الله تعالى.
وتوفي الملك
الظاهر في ليلة يسفر صاحبها عن يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة ٨٥٧ ه ، وصلي عليه بالمسجد الأقصى صلاة الغائب في يوم الجمعة حادي عشري صفر ، وتوفي بعد
أن خلع نفسه من الملك ، وعهد إلى ولده الملك المنصور أبي السعادات عثمان ، استقر بعده في الملك ثم خلع.
وولي بعده
السلطان الملك الأشرف إينال ، هو أبو النصر إينال الناصري ، نسبة إلى الناصر فرج بن برقوق ، واستقر في السلطنة في
يوم الاثنين ثامن ربيع الأول سنة ٨٥٧ ه . وكان الخليفة الأمير المؤمنين القائم بأمر الله أبو
البقاء حمزة ، وولي نظر الحرمين الشريفين في السنة المذكورة
__________________
للأمير عبد العزيز العراقي المشهور ابن المعلاق ، فحصل للأوقاف
والمستحقين ما لم يحصل لهم قبل ذلك من العمارة ، وصرف المعاليم كاملة من غير قطع
ولا محاصصة ، وأقام نظام السماط الكريم الخليلي.
ومن حسنات
الملك الأشرف إينال ، المصحف الشريف الذي وضعه بالمسجد الأقصى بالقرب من جامع
عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، تجاه الشباك المطل على عين سلوان ، ورتب له قارئا ووقف عليه جهة ،
وكسى الأضرحة الشريفة ، وهي ضريح سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وأولاده ، وسيدنا موسى الكليم ، وسيدنا
لوط ، وسيدنا يونس عليهم السلام ، الستور المزركشة وجهز الكسوة على يد زوج ابنته برد بك الدوادار الثاني ، وحصل منه صدقات وإحسان ، وأنعم الأشرف إينال على جهتي الوقفين بألف ومائتي
إردب قمح ، القيمة عنها أربعة آلاف دينار وثمانية دنانير ، وعمر المسجد الأقصى في
أيامه. وتوفي في تاسع جمادى الأولى سنة ٨٦٥ ه ، بعد أن خلع نفسه من الملك ، وعهد إلى ولده الملك المؤيد أحمد ، فاستقر بعده في الملك ثم خلع.
وولي بعده
السلطان الملك الظاهر خشقدم ، هو أبو سعيد خشقدم
__________________
المؤيدي من عتقاء المؤيد شيخ ، استقر في السلطنة يوم الأحد ثامن عشر رمضان سنة ٨٦٥ ه ، وكان الخليفة أمير المؤمنين
المستنجد بالله أبو المظفر يوسف .
ومن حسناته
بالقدس / / الشريف عمارة قناة السبيل الواصلة إلى القدس الشريف من عين العروب ، وعمارة البركة الشرقية من برك المرجيع ، وكانت
العمارة على يد الأمير دولة باي الخاصكي ، جهزه إلى القدس الشريف ، واهتم بعمارتها ، وقام بذلك
أعظم قيام.
وأنعم الظاهر
خشقدم على جهة الوقف الخليلي بستين غرارة قمح ، القيمة عنها ثمانمائة وأربعون دينارا ، وجدد عمارة رخام مسجد الجاولي بالخليل في ٨٦٧ ه ، بمباشرة الأمير ناصر الدين محمد بن
الهمام الناظر ، وله في الصخرة الشريفة مصحف شريف كبير ، وضعه بإزاء مصحف الملك الظاهر جقمق من جهة الغرب
، وفي أيامه ولي الأمير ناصر الدين محمد بن الهمام نظر الحرمين الشريفين ثم عزله ، وولي بعده الأمير
حسن
__________________
الظاهري ، وهو الذي بنى المدرسة بجوار منارة باب السلسلة برسم
الملك الظاهر خشقدم ، وآل أمرها إلى مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي ، وكان
من خبرها ما سنذكره فيما بعد ، إن شاء الله تعالى.
وكان الظاهر
خشقدم رسم بإبطال المظالم من القدس الشريف ، ونقش رخامتين بذلك وجهزهما إلى القدس الشريف في أواخر عمره ، وألصقتا بحائط المسجد
الأقصى من جهة الغرب ، وتوفي في حادي عشر ربيع الأول ٨٧٢ ه ، وتسلطن بعده الملك الظاهر يلباي واستمر ستة وخمسون يوما وخلع.
ثم تسلطن الملك
الظاهر تمربغا واستمر سبعة وخمسين يوما ، وخلع في سادس رجب ٨٧٢ ه ، وتسلطن بعده مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي ، وسنذكر ترجمته
فيما بعد ، كما تقدم الوعد به في أول الكتاب ، والله حسبنا ونعم الوكيل .
وممن فعل
الآثار الحسنة بالصخرة الشريفة من ملوك الروم ، السلطان مراد الثاني خان بن
السلطان محمد بن أبي يزيد خان ، رتب قراء له في الصخرة الشريفة يقرأون في ربعة شريفة ، بتاريخ ثامن رجب سنة ٨٣٣ ه.
__________________
والسلطان
إبراهيم بن السلطان محمد بن قرمان ، رتب أيضا قراء يقرؤون له ربعة شريفة ، بتاريخ التاسع
والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ٨٥ ه ، وغيرهما من الملوك والأعيان ، رتبوا أسباعا تقرأ لهم ، ووقفوا أوقافا على مصالح المسجد الأقصى وخدمته ،
طلبا لثواب الله تعالى ، رحمة الله عليهم أجمعين.
وأكثر من فعل
الخير بالمسجد الأقصى ، ومقام سيدنا الخليل ، عليه السلام ، من الملوك السالفة ،
الملك المعظم عيسى صاحب دمشق ، ثم الملك الناصر محمد بن قلاوون ، رحمهما الله تعالى ، وقد ذكرت
جميع ملوك الديار المصرية ، وأولهم السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، تغمده الله برحمته ، ومن بعده إلى عصرنا من
غير إخلال بأحد منهم ، غير من ذكرته من بني أيوب من ملوك الشام كما تقدم القول في
أول الفصل.
ولنذكر الآن أسماء العلماء في بيت المقدس الشريف
فأقول وبالله التوفيق
ذكر ما تيسر من
أعيان العلماء بالقدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل من المذاهب الأربعة ، ومن ولي فيهما من المناصب الحكمية
، والوظائف الدينية ، ومن عرف بالزهد والصلاح ، وبعض ما وقع فيهما من الحوادث
والأخبار ، فأذكر كل طائفة من المذاهب الأربعة على حده ، ليسهل على المطالع إذا
أراد الكشف ، ويقرب عليه الاطلاع ، فكل من وقفت له على ترجمة ، أو تاريخ مولده أو وفاة ، ذكرت ما تيسر من ذلك على وجه الاختصار ،
واقتصر على
__________________
ترجمة الرجل على ما عرف من محاسنه ، وأحواله المحمودة ، من
غير تعرض إلى شيء فيه انتقاصه أو مذمته ، فإن ذلك إثم لا فائدة فيه ، وقد أعتمد
هذا الفعل القبيح غالب المؤرخين ، وهو خطأ كبير ، ولا أرى أن ذلك إلا غيبة للأموات يأثم مرتكبها ، خصوصا في حق العلماء ، وطلبة العلم الشريف ، والله
يعلم المفسد من المصلح ، ومن لم اطلع له على ترجمة ذكرت اسمه والعصر الذي كان
موجودا فيه إن علمته.
فأبدأ أولا بذكر علماء الشافعية
فأقول وبالله التوفيق
وقد تقدم أن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ،
تغمده الله برحمته ، كان شافعي المذهب ، وهو الذي أقام الشافعية بالديار المصرية ،
وولى منهم القضاة ، بعد أن كان القضاة بمصر شيعة ، على مذهب الفاطميين ، ولما فتح الله بيت المقدس على يديه ، وقف المدرسة
الصلاحية ، المتقدم ذكرها ، وجعلها للشافعية.
فأبدأ أولا بمن
ولي مشيختها من العلماء الأعلام مشايخ الإسلام فأذكر مشايخ المدرسة الصلاحية ، وأذكرهم على ترتيب ولاياتهم من زمن الملك
صلاح الدين إلى عصرنا ، فأقول والله الموفق .
قاضي / /
القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي ، الموصلي
المولد ، والحلبي المنشأ الشافعي ، المعروف بابن شداد ، ولد في ليلة الأربعاء العاشرة من رمضان سنة ٥٣٩
__________________
ه ، وتوفي أبوه وهو صغير السن ، فنشأ عند أخواله بني شداد
، فنسب إليهم ، وكان شداد جده لأمه ، وكان يكنى أولا أبا العز ، ثم
غير كنيته وجعلها أبا المحاسن ، تفقه وحصل وتفنن ، وكان إماما فاضلا وجيها في
الدنيا ، وكان يشبه بالقاضي أبي يوسف في زمانه من نفاذ الكلمة وسعة المال.
وحج إلى بيت
الله الحرام سنة ٥٨٣ ه ، وهي السنة التي فتح الله فيها بيت المقدس ، وزار
القدس والخليل عليه السلام بعد الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم ، واتصل
بخدمة الملك صلاح الدين في مستهل جمادى الأولى سنة ٥٨٤ ه وحضر عنده وولاه قضاء العسكر ، وبيت المقدس والنظر على
أوقافه ، كما تقدم ذكره ، وتوجه رسولا منه الخليفة ببغداد ، وفوض إليه تدريس
المدرسة الصلاحية ، وجعل النظر فيها وفي أوقافها إليه ، ونص على ذلك في كتاب وقفه
، وقال فيه : رضاء بأمانته ، واعتقادا في كفائته ، واعتمادا على دياناته .
وتقدم أن تاريخ
كتاب الوقف في ثالث عشر رجب سنة ٥٨٨ ه ، وصنف ابن شداد للسلطان كتابا في فضل الجهاد.
ولما توفي
السلطان رحل من القدس بعد مدة ، واتصل بولده الملك الظاهر المغيث غياث الدين أبي الفتح غازي صاحب حلب ، وولاه قضاء
__________________
حلب والنظر على أوقافها ، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره ، وارتفاع
منزلته ، وكان ذا صلاح وعبادة ، واجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه ، وهو شيخ القاضي شمس الدين بن خلكان صاحب
التاريخ ، وقد أطنب في ترجمته في وفيات الأعيان .
توفي في حلب في يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة ٦٣٢ ه ، بعد أن ظهر عليه أثر الهرم ، ومن تصانيفه : دلائل
الأحكام على التنبيه في مجلدين ، وكتاب الموجز الباهر في الفقه ، وكتاب ملجأ الحكام في الأقضية في
مجلدين ، وسيرة الملك صلاح الدين ، أجاد فيه وأفاد ، رحمه الله.
شيخ الإسلام
مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل بفتح الجيم وبالباء الموحدة الحلبي الشافعي ، الشيخ الإمام العلامة ، كان إماما في الفقه والحساب
والفرائض ، صنف للسلطان نور الدين الشهيد كتابا في فضل الجهاد ، ودرس بحلب بالنورية ، وقال العلامة قاضي القضاة تقي الدين بن قاضي شهبة في ترجمته في طبقات الشافعية ، وهو أول من درس بالمدرسة
الصلاحية بالقدس الشريف ، وهو والد بني جهبل الفقهاء الدمشقيين ، توفي بالقدس الشريف في سنة ٥٩٦ ه ، عن أربع وستين سنة ، رحمه الله.
__________________
وقد وهم بعض
المؤرخين فيه ، فظنه أبو العباس أحمد بن المظفر بن الحسين الدمشقي ، وذكر أنه أول من
درس بالصلاحية ، وذكر تاريخ وفاته ومقدار عمره كما هنا ، وليس كذلك ، فإن ذلك يعرف ابن زين التجار ، وكان مدرس
المدرسة الناصرية الصلاحية المجاورة للجامع العتيق ، بمصر وبه تعرف المدرسة ، ذكره السبكي في الطبقات
الوسطى وأرّخ وفاته في ذي القعدة سنة ٥٩١ ه ، فاشتبه الحال على بعض المؤرخين بكونه مدرس المدرسة
الصلاحية بمصر ، فظنها التي بالقدس ، والله أعلم.
شيخ الإسلام
فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسين بن عساكر الدمشقي ، شيخ الشافعيين بالشام ، ولد في رجب سنة ٥٥٠ ه ، وولي تدريس الصلاحية بالقدس الشريف ، ثم التقوية بدمشق ، فكان يقيم بدمشق أشهرا وبالقدس أشهرا ، وكان لا
يخلو لسانه من ذكر الله تعالى في قيامه وقعوده ، وكان زاهدا عابدا ورعا
منقطعا إلى العلم والعبادة ، حسن الأخلاق ، قليل الرغبة في الدنيا ، أكثر أوقاته في نشر العلم ، كثير التهجد ،
قليل التعصب ، مطرح التكلف ، عرضت عليه مناصب وولايات دينية فتركها.
__________________
توفي بدمشق في
شهر رجب سنة ٦٢٠ ه ، ودفن بطرف مقابر الصوفية الشرقي ، رحمه الله ، ومن
شعره :
خف إذا أصبحت
ترجو
|
|
وأرج إن
أصبحت خائفا
|
كم أتى الدهر
بعسر
|
|
فيه لله
لطائف
|
شيخ الإسلام
تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الإمام البارع صلاح الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي / / النصر ، بالنون
والصاد المهملة ، نسبة إلى جده بن أبي نصر الشهرزوري الأصل الموصلي المربى ، الدمشقي الدار
والوفاة ، المشهور ابن الصلاح ، ولد سنة ٥٧٧ ه بشهرزور ، وسمع الكثير من خلائق ، وولي التدريس بالمدرسة الصلاحية ، فلما خرب المعظم أسوار القدس ، قدم دمشق
وكانت العمدة في زمانه على فتاويه .
وكان أحد فضلاء
عصره في التفسير والحديث والفقه ، وكان في الدين والعلم على قدم حسن ، وأجهد نفسه
في الطاعة والعبادة ، وكان عديم النظير في زمانه ، حسن الاعتقاد على مذهب السلف ، يرى الكف عن التأويل ويؤمن بما جاء عن رسول الله على مرادهما ولا
يخوض ولا يتعمق ، وكان كثير العبادة كبير الهيبة يتأدب معه السلطان فمن دونه.
ومن تصانيفه مشكل الوسيط في مجلد كبير ، نكت على مواضيع
__________________
متفرقة ، أدب المفتي والمستفتي ، ونكت على المهذب ، وفوائد الرحلة ، وهي أجزاء كبيرة مشتملة على فوائد غريبة من أنواع
العلوم ، نقلها في رحلته إلى خراسان ، عن كتب غريبة ، وطبقات الفقهاء الشافعية ، واختصره النووي واستدرك عليه ، أهملا فيه خلائق من المشهورين فإنهما كانا يتبعان التراجم
الغريبة ، وأما المشهورة فإلحاقها سهل فاخترمتهما المنية ، رضي
الله عنهما قبل إكمال الكتاب ، وشرح قطعة من صحيح مسلم اعتمدها النووي في شرحه ، وله مصنفات على مسائل مفردة.
توفي رحمه الله
بدمشق في حصار الخوارزمية ، في ربيع الآخر سنة ٦٤٣ ه ، ودفن بمقابر الصوفية. ومن مشايخ الصلاحية بعد أبي
عمرو بن الصلاح.
القاضي محيى
الدين قاضي غزة ، وهو الإمام العالم العامل الورع ، محيي الدين أبو حفص عمر بن القاضي السعيد عز
الدين موسى بن عمر الشافعي بن جماعة الكناني ، وكان موجودا متوليا قضاء غزة وما
معها والأعمال الساحلية ، في شهور سنة ٦٧٧ ه ، وكان قضاء القدس من مضافاته ، وكان يستخلف عنه فيه ،
ولم أطلع له على ترجمة ولا تاريخ وفاة. وولي بعده قضاء غزة وتدريس الصلاحية ،
الشيخ جمال الدين الباجربقي بن تقي الدين ، الآتي ذكره ، وهو شيخ الإسلام
__________________
جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عمر بن عثمان الباجربقي تقي الدين ، بالباء الموحدة قبل القاف ، الموصلي ،
الإمام المفتي الزاهد ، اشتغل بالموصل وأفاد ، ثم قدم دمشق في سنة ٦٧٧ ه ، فخطب بجامع دمشق نيابة ، ودرس بالفتحية ، والدولعية ، وحدث بجامع الأصول لابن الأثير عن والده عن المصنف ، وفي شهر ذي الحجة سنة ٦٧٩ ه ، ولاه القاضي شمس الدين ابن خلكان ، قاضي الممالك الشافعية والحلبية ، الحكم بغزة وتدريس
الصلاحية بالقدس عوضا عن القاضي محيي الدين قاضي غزة ، المتقدم ذكره ، وكان شيخا فقيها ،
محققا نقالا مهيبا ساكنا ، كثير الصلاة ، ملازما لشأنه ، حافظا للسانه ، منقبضا
عن الناس على طريقة واحدة ، وله نظم ونثر وسجع ووعظ ، وقد نظم كتاب التعجيز ،
وعمله برموز ، توفي في شوال سنة ٦٩٩ ه ، رحمه الله.
ومنهم الشيخ
نجم الدين داود الكردي ، كان مدرس المدرسة الصلاحية نحو ثلاثين
سنة ، ولم اطلع له على ترجمة.
__________________
وولي بعده
الشيخ شهاب الدين بن جهبل ، الآتي ذكره ، وهو شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس
أحمد بن الشيخ محيى الدين يحيى ابن الشيخ الإمام تاج الدين إسماعيل ابن ظاهر بن
نصر الله بن جهبل ، الحلبي الأصل ، الدمشقي المنشأ ، ولد سنة ٦٧٠ ه ،
وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم ، توفي يوم الجمعة ، ثالث ذي القعدة
سنة ٧١٢ ه ، عين لتدريس الصلاحية ، عوضا عن الشيخ نجم الدين داود الكردي ،
المتقدم ذكره ، وسافر إليها بعد عيد الأضحى في أواخر السنة ، ودرس بها مدة ، ثم تركها في سنة ٧٢٦ ه ، وانتقل إلى دمشق ، وتوفي بها في يوم الخميس بعد عصر التاسع من جمادى الآخرة سنة ٧٣٢ ه ودفن بمقابر الصوفية.
شيخ الإسلام
علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور المقدسي الشيخ الإمام العالم العلامة البارع ، ولد في ٦٦٦ ه تقريبا ، اشتغل بالعلوم وسمع الحديث وكتب الكثير من
الفقه والعلم بخطة المتقن ، وولي تدريس المدرسة الصلاحية بعد الشيخ شهاب الدين بن جهبل في شهر
ربيع الآخر ٧٢٦ ه ، وقد صار عالما / / كبيرا واشتغل عليه فضلاء بيت
المقدس ، ثم نزل عن الصلاحية واستقر فيها العلائي لأمور وقعت ، وفي أواخر عمره تغير وجف دماغه في ٧٤٢ ، وكان إذا سمع عليه في حال
تغيره يحضر ذهنه ، وكان يستحضر العلم جيدا ، توفي في القدس الشريف
في شهر رمضان سنة ٧٤٨ ه .
__________________
شيخ الإسلام
صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي ، الإمام البارع المحقق نخبة الحفاظ ، ولد بدمشق في ربيع الأول سنة ٦٩٤ ه ، وسمع الكثير ورحل وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة ، وأخذ عن مشايخ الدنيا وأجيز
بالفتوى ، وجد واجتهد حتى فاق أهل عصره ودرس بدمشق ، ثم انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية سنة ٧٣١ ه
، انتزعها من الشيخ علاء الدين بن أيوب المذكور قبله ، وأضيف إليه تدريس الحديث في التنكزية بالقدس ، وحج مرارا.
وأقام بالقدس
مدة طويلة ، يدرس ويفتي ويحدث ويصنف إلى آخر عمره ، ومن تصانيفه القواعد المشهورة ، وهو كتاب نفيس يشتمل على علمي الأصول والفروع ، الوشي
المعلم فيمن روي عن أبيه عن جده عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، مجلد عقيلة الطالب في ذكر أشرف الصفات والمناقب في مجلد لطيف ، وجمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر
النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراسيل والكلام على حديث ذي اليدين ، في مجلد ، وتحفة الفرائض بعلوم آيات الفرائض ، وكتاب في
__________________
المدلسين ، وكتاب سماه مصطلح الفهوم في منبع العلوم ، وشرع في أحكام كبرى علق منها قطعة نفيسة ، وغير ذلك
من المصنفات النفيسة المحررة.
وتوفي بالقدس
الشريف في المحرم سنة ٧٦١ ه ، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد ونزل عن
الصلاحية لزوج ابنته الشيخ تقي الدين إسماعيل القلقشندي علّامة الزمان فلم يتم له ذلك.
قاضي القضاة
شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد
الرحيم بن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الكناني ، قاضي مصر والشام ، وخطيب الخطباء ، وشيخ الشيوخ ،
وكبير طائفة الفقهاء ، وبقية رؤساء الزمان ، ولد بمصر في شهر ربيع الآخر سنة ٧٢٩ ه وقدم دمشق صغيرا فنشأ عند أقاربه بالمزة ، وسمع وطلب الحديث بنفسه ، واشتغل في فنون العلم وتوفي
والده وهو صغير في سنة ٧٣٩ ه فكتبت خطابة القدس باسمه ، واستناب له مدة ، ثم باشر بنفسه وهو صغير ، وانقطع ببيت المقدس
، ثم أضيف إليه تدريس الصلاحية بعد وفاة العلائي ، ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية
في جمادى الآخرة سنة ٧٧٣ ه ، وباشر بنزاهة وعفة ومهابة وحرمة ، وعزل نفسه فسأله السلطان وترضاه حتى عاد. ثم
عزل نفسه ثانيا ، وعاد إلى القدس على وظائفه ، ثم أعيد إلى القضاء
__________________
بمصر ، ثم عزل نفسه وعاد إلى القدس ، ثم ولي قضاء دمشق والخطابة بها ،
وأضيف إليه مشيخة الشيوخ ، وكان محببا إلى الناس ، ولم يكن أحد يدانيه في سعة الصدر ، وكثرة البذل ،
وقيام الحرمة والصدع بالحق ، وقمع أهل الفساد ، وله مجاميع وفوائد بخطه ، وجمع تفسيرات في نحو عشر مجلدات ، وكان لا ينظر بإحدى عينيه.
وقد أخبرت أنه
الذي عمر المنبر الرخام بالصخرة الشريفة الذي يخطب عليه للعيد ، وأنه كان قبل
ذلك من خشب يحمل على العجلة ، توفي شبه الفجأة في شعبان سنة ٧٩٠ ه ، ودفن بتربة أقاربه بالمزة ظاهر دمشق ، رحمه الله.
وولي بعده
تدريس الصلاحية وخطابة المسجد الأقصى ولده محب الدين أحمد وهو دون البلوغ وناب عنه
ابن عمه الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام نجم الدين أبو عبد الله محمد بن
الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الخطيب برهان الدين إبراهيم بن الشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الشيخ برهان الدين
إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي ، ومولده بحماة سنة ٧٢٥ ه ، وكان نائبا عن ابن عمه ، قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة في
الخطابة وتدريس الصلاحية مدة طويلة وفوض إليه نظرها وتدريسها ، وكتب في توقيع ولد
قاضي القضاة برهان الدين أن ولد عمه الشيخ نجم الدين محمد بن جماعة يكون نائبا عنه في حياته مستقلا / / بعد وفاته ، وكان صالحا
ناسكا كثير العبادة ، وأخبر عنه بعض خدام المسجد الأقصى أنه كان يخرج في الليل من
دار الخطابة هو وزوجته ، فيصليان بجامع النساء طول الليل ، فإذا قرب وقت الشمس دخلا ،
__________________
وهو الذي قلع عين قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة ، وهما صغيران يلعبان
من شق الباب ، فلما توفي قاضي القضاة برهان الدين واستقر بعده فيهما ولده محب الدين ، باشر نيابة عنه إلى أن توفي محب الدين
في سنة ٧٩٤ ه ، فتوجه الشيخ نجم الدين إلى القاهرة ليسعى في
الوظيفتين لنفسه ، فرسم له بهما ووليهما ، فتوفي بالقاهرة قبل خروجه منها في ذي
القعدة من نفس السنة المذكورة ، وهي سنة ٧٩٤ ه.
قاضي القضاة
عماد الدين أبو عيسى أحمد ابن القاضي شرف الدين عيسى بن موسى العامري الأزرقي
الكركي الشافعي ، ولد بالكرك في شعبان سنة ٧٣٢ ه ، واشتغل بها وحفظ المنهاج ، وقرأ
على والده وغيره ، وكان أبوه من تلامذة الشيخ تقي الدين السبكي ، ومات في سنة ٧٦٣ ه ، ورحل إلى الشام والقاهرة في طلب الحديث ، وأخذ عن
جماعة ، وولي قضاء الكرك بعد والده ، وعظم قدره ، وصحب الملك الظاهر برقوق حين سجن
بالكرك ، فلما عاد إلى السلطنة ولاه قضاء الديار المصرية عوضا عن بدر الدين بن أبي البقاء ، فباشر بصرامة وإنفاذ للحق ، وحكم بالعدل ، ثم صرف عن
القضاء في ثاني المحرم سنة ٧٩٥ ه ، ثم استقر في تدريس المدرسة الصلاحية ، وخطابة المسجد
الأقصى وإمامته في سابع عشر رجب سنة ٧٩٩ ه ، وتوفي في صبيحة يوم الجمعة
__________________
سادس عشر ربيع الأول سنة ٨٠١ ه ، ودفن بماملا عند الشيخ أبي بكر الموصلي .
شيخ الإسلام
شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجزري الدمشقي المقرئ الشافعي ، مولده في ليلة السبت سادس عشر رمضان سنة ٧٥١ ه ، واعتنى بالقراءات العشر ، فاتقنها ومهر فيها ، وله مصنفات جليلة منها : كتاب النشر في
القراءات العشر ، ونظم العشرة ، وذيل على طبقات القراء للذهبي ، والحصن الحصين في
الأدعية والأذكار ، والتوضيح في شرح المصابيح وغير ذلك ، وجميع مصنفاته نافعة مفيدة ، وعين لقضاء الشام فلم يتم له ذلك ، ولي
تدريس الصلاحية بعد الشيخ نجم الدين ابن جماعة ، المتقدم ذكره ، وأقام بها نحو
السنة ، ثم توجه إلى القدس ، وتحول إلى بلاد الروم ، ثم عاد إلى بلاد
فارس ، وولي قضاء شيراز ، حضر إلى القاهرة في سنة ٨٢٧ ه ، ثم سافر رسولا من سلطان مصر إلى سلطان شيراز في السنة المذكورة ، وتوفي
__________________
بشيراز في نهار يوم عيد الأضحى سنة ٨٣٣ ه ، رحمه الله.
الشيخ العلامة
زين الدين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني المصري الخزرجي ، أصله من قمن من الريف ، وقدم مصر واشتغل على الشيخ سراج الدين
البلقيني وغيره ، ولما سافر الشيخ شمس الدين الخزرجي إلى بلاد الروم ، ولي تدريس المدرسة الصلاحية عوضا عنه في سنة ٧٩٧ ه واستمرت بيده مدة وهو مقيم بالقاهرة ، واستناب الشيخ شهاب بن الهائم فيه ، واستمر الأمر على
ذلك إلى حدود سنة ٨١٠ ه .
وولي نوروز نائب الشام فيها شخصا ، كان مشد الدواوين عنده يسمى بدر الدين محمد بن الشهاب محمود ، ولم يخرج
من دمشق فسمع ابن الهائم فبعث يسعى لنفسه ، وسكت الشيخ زين
الدين القمني عنه في ذلك لما بلغه أن الغير استطال لها ، وقال : أنت أحق بها من
غيرك.
توفي القمني في
ثالث عشر رجب سنة ٨٣٣ ه شهيدا بالطاعون وقد قارب الثمانين أو جاوزها ، وكانت له جنازة عظيمة مشهودة ، رحمه الله.
شيخ الإسلام
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن عماد الدين ابن علي المصري ثم المقدسي المشهور ابن
الهائم ، ولد سنة
__________________
٧٥٦ ه ، واشتغل بالقاهرة ، ومهر في الفرائض والحساب ، ولما
ولي القمني تدريس الصلاحية ، أحضره إلى القدس واستنابه في التدريس ، وصار من شيوخ
المقادسة ، ثم اشتغل بتدريس الصلاحية ، واستمر إلى أن جاء الشيخ شمس الدين الهروي
من هراة ، وكان حنفيا فرأى / / هذه الوظيفة ومعلومها ، ولم ير للحنفية شيئا فسعى فيها وأخذها من ابن الهائم ، ثم سعى ابن الهائم جهده حتى
اشتركا بينهما ، وولى الأمير نوروز نائب الشام الاثنين.
وجمع ابن
الهائم في الفرائض والحساب تصانيف ، وله العجالة في استحقاق الفقهاء أيام البطالة ، وكان قد نشأ له ولد نجيب اسمه محب الدين ، كان نادرة
الدهر فتوفي قبله في شهر رمضان سنة ٨٠٠ ه ، فصبر واحتسب ، وكانت له محاسن كثيرة ، وعنده ديانة متينة ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ولكلامه وقع في
القلوب ، توفي بالقدس الشريف في شهر رجب سنة ٨١٥ ه ودفن بماملا ، وقبره مشهور ، رحمه الله.
قاضي القضاة ،
شيخ الإسلام ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عطاء الله بن محمد الرازي الأصل من ذرية الفخر الرازي ، وكان يقتصر عليها الهروي ثم المقدسي ، الإمام العلامة
، ولد بهراة في سنة ٧٦٧ ه ، واشتغل بالعلوم ببلاده ، ثم دخل بلاد
الشام غير مرة ، وسكن القدس فأكرمه الأمير نوروز نائب الشام ، وفوض إليه تدريس
الصلاحية بالقدس سنة ٨١٥ ه ، ودرس بها وتصدى
__________________
للأخذ عنه ، ثم ولي قضاء الديار المصرية من قبل الملك المؤيد شيخ مرتين عن الشيخ جلال الدين البلقيني ، ثم ولي نظر القدس والخليل
، وتدريس الصلاحية وغيرها ، ثم ولي من قبل الأشرف برسباي كتابة السر بالديار المصرية مدة يسيرة ، ثم ولي القضاء عن شيخ
الإسلام ابن حجر مدة يسيرة ، ثم رجع إلى القدس على تدريس الصلاحية ، وحج في تلك السنة ، وعاد إلى القدس ، وأقام
به ملازما للاشتغال والفتوى والتصنيف.
وكان إماما
عالما ، رئيسا مهابا ، حسن الشكالة ضخما ، لين الجانب على ما فيه من
طبع الأعاجم ، وكان يقرأ المذهبين مذهب أبي حنيفة والشافعي ، صنف شرح مسلم ، وشرح
تلخيص الجامع للحنيفة ، فإنه لما دخل إلى القدس كان حنفيا ، قال : فلما رأيت
الرئاسة بهذه البلاد للشافعية صرت شافعيا ، وانتزع من الشيخ شهاب الدين بن الهائم تدريس
الصلاحية بجاه نوروز ، وتخرج به جماعة ببيت المقدس.
وتوفي بالقدس
ليلة الاثنين تاسع عشر ذي الحجة سنة ٨٢٩ ه ، ودفن بماملا بالبسطامية ، وكان شرع في بناء مدرسته فلم يتمها ، فأكملها القاضي عبد الباسط ، وهي المشهورة يومئذ بالباسطية عند باب الدوادارية ، أحد أبواب المسجد الأقصى ، وشرط
عبد الباسط في وقفه على الصوفية إذا فرغوا من الحضور ، قراءة الفاتحة وإهداء
ثوابها في صحائف الهروي ، رحمه الله.
شيخ الإسلام
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الدائم بن موسى
__________________
العسقلاني الأصل البرماوي المصري ، الشيخ الإمام العالم المتفنن ، مولده في ذي القعدة
سنة ٧٦٢ ه ، وأخذ عن أئمة الإسلام وفضل وتميز ، وحج من مصر سنة
٨٢٨ ه وجاور بمكة ، ورجع إلى مصر في سنة ٣٠ ه ، وقد عين لتدريس الصلاحية ونظرها بمساعدة القاضي نجم
الدين بن حجر ، فجاء إلى القدس ، فأقام يسيرا وتعلل ومات في يوم الخميس ٣
شهر جمادى الآخرة سنة ٨٣١ ه ، وكان يقول في مرضه عندما عشنا متنا فإنه كان فقيرا ،
فلما استقر في هذه الوظيفة ، وحصل له سعة الرزق ، أدركته المنية ، ودفن بمقبرة ماملا عند الشيخ أبي عبد الله القرشي ، وكتب شرحا على
البخاري ولم يبيضه ، وجمع شرحا على العمدة ، سماه جمع العدة لفهم العمدة وأفرد أسماء رجال العمدة ، وله الألفية في الأصول وشرحها ، وله منظومة في الفرائض ، وشرح خطبة المنهاج للنووي ، في مجلد كبير ، ونظم
ثلاثيات البخاري ، وغير ذلك رحمه الله ، وكان نزل عن التدريس والنظر للخطيب جمال الدين ابن جماعة ، وحكم بذلك القاضي
شهاب الدين عوجان المالكي في ظهر كتاب الوقف ، فلم يفد ذلك ، كما وقع للعلائي ، واستقر
فيها الشيخ عز الدين المقدسي ،
__________________
وسنذكر ترجمته فيما بعد إن شاء الله تعالى ، واستمر الشيخ عز الدين بها إلى
سنة ٨٣٨ ه .
قاضي القضاة
شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن الصلاح محمد بن عثمان الأموي /
/ المصري المشهور بابن المحمرة ، الإمام العالم العلامة ، الجامع بين أشتات العلوم ،
فقيه العلماء ، مولده في صفر سنة ٧٦٧ ه سمع الكثير وكتب الطباق والأجزاء ، وخطه حسن حلو ، وأخذ
عن مشايخ الإسلام ، وتفنن ودرس وأفتى وناب في القضاء ، وحج وجاور ، ثم ولي قضاء
دمشق مسؤولا في ذلك سنة ٨٣٢ ه وباشر بعفة وسار سيرة مرضية ، وعزل في سنة ٨٥٣ ه ورجع إلى بلده .
ثم توفي في آخر
سنة ٨٣٨ ه ولي تدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ عز الدين القدسي
وأقام بها إلى أن توفي في سنة ٨٤٠ ه ، وكان شكلا حسنا فاضلا حسن المحاضرة ، لطيف المفاكهة ، يكتب على الفتاوى كتابة مليحة ، وله
أوراد من صدره وذكر وغيرها ، توفي نهار السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر سنة أربعين وثمانمائة ودفن بماملا ، وخلف دينا طائلا
رحمه الله.
شيخ الإسلام
رحلة الآفاق والمحقق على الإطلاق ، عز الدين بن عبد السلام
__________________
بن داود بن عثمان بن عبد السلام السعدي المقدسي ، مولده بقرية كفر الماء من عجلون في سنة إحدى أو اثنتين وسبعين وسبعمائة ، وحفظ بها كتبا من فنون شتى ، واشتغل وحصل وبرع في
العلوم ، وارتحل واشتغل ، وناظر الفحول ، وقدم القدس وتوجه إلى دمشق وسمع الكثير ،
وأجاز جماعة ، ودرس وأفتى وحدث ، وحج إلى بيت الله الحرام ، واستنابه الجلال البلقيني في الحكم بالديار المصرية في سنة ٨١٤ ه
.
وولي التدريس
الصلاحية في سنة ٨٣١ ه بعد البرماوي ، ثم عزل بقاضي القضاة ابن المحمرة المذكور قبله في شهر ذي القعدة سنة ٨٣٨ ه ، ثم ولي
بعده في سنة أربعين وثمانمائة ، واستمر بها إلى أن توفي في يوم الخميس خامس شهر رمضان
سنة ٨٥٠ ه رحمه الله ، وولي بعده شيخ الإسلام جمال الدين بن جماعة
، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
قاضي القضاة
شيخ الإسلام ، سراج الدين أبو حفص عمر بن موسى بن محمد الحمصي المخزومي الشافعي ،
مولده تقريبا في بادئ سنة ٧٧٧ ه ، ورأيت في طباق الحديث ، مولده في ربيع الأول سنة ٧٨١
ه بمدينة حمص ، سمع على الحافظ ابن الجزري ، وأجازه الجلال البلقيني ، والحافظ ابن حجر ، وكان
رجلا ذكيا فصيحا ، وولي قضاء دمشق وغيرها ، ثم ولي تدريس
__________________
المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف عوضا عن الشيخ جمال الدين بن
جماعة في سنة ٨٥٢ ه ، ثم عزل وأعيد الشيخ جمال الدين ، وولى الحمصي تدريس الشافعية ، ثم عزل بالشيخ شرف الدين يحيى
المناوي قاضي القضاة لما ولي هو دمشق ، ثم عزل وقدم بيت المقدس ، وأقام به إلى أن توفي
في نهار الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة ٨٦١ ه ، ودفن بباب الرحمة ، بقرب سيدي شداد بن أوس الصحابي ،
رحمه الله.
قاضي القضاة ،
شيخ الإسلام ، أحد الأئمة ، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن الإمام العلامة نجم
الدين أبي عبد الله محمد بن الخطيب زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي ، من ولد مالك بن كنانة ، مولده ببيت المقدس في ذي القعدة سنة ٧٨٠ ه نشأ في عفة وصيانة وانقطاع عن الناس ، واشتغل في العلوم
على الشيخ شمس الدين القلقشندي وغيره ، ورحل إلى القاهرة وأخذ عن مشايخها ، ومن
أجل شيوخه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني ، أخذ عنه العلم وأذن له في الإفتاء ،
وصارت الفتاوى تأتي إليه من نواحي القدس ، وبلاد السلط ، وعجلون ، والكرك ، وصار المشار إليه لعفته وديانته ، لم تضبط له صبوة ، قليل الكلام في المجالس.
باشر الخطابة
بالمسجد الأقصى الشريف في سنة ٨٠٩ ه ثم سعى عليه
__________________
الشيخ زين الدين عبد الرحيم القلقشندي فأشرك بينهما ، وولي قضاء الشافعية بالقدس الشريف في
خامس عشر ربيع الآخر سنة ٨١٢ ه ، في سلطنة الناصر فرج بن برقوق ، وعزل مرارا ثم يسأل
ويعاد ، ثم بعد وفاة القاضي ناصر الدين البصروي ، ولي القضاء بالقدس الشريف في سنة
٨٤٢ ه ، فباشر بقوة وصيانة ونزاهة وديانة ، إلى أن عزل بين
السائح في سنة ٨٤٤ ه ، ثم ولي تدريس الصلاحية في سنة ٨٥٠ ه ، بعد وفاة
الشيخ عز الدين المقدسي ، وكان تقدم له تفويض من والده ليلة وفاته بالقاهرة المحروسة
// ، وهو صغير في سنة ٧٩٥ ه ، وكتب له إشهادا بذلك ، ثم فوض ابن البرماوي في سنة
٨٣١ ه كما تقدم في ترجمته ، فلم يتم له ذلك إلا في سنة ٨٥٠ ه
، فباشر على أحسن الوجوه ، وحمدت سيرته.
واتفق أن بعض
الحسدة أغرى الشيخ سراج الدين الحمصي على السعي عليه ، فبذل مالا لبعض مباشري السلطان ، فطلب
الشيخ جمال الدين إلى مصر ، وعقد له مجلس للمناظرة بينه وبين الحمصي ،
فتغيب الحمصي ، فاستقر الشيخ جمال في المشيخة وأكرمه الظاهر جقمق ، وعاد إلى
القدس معاملا بالجميل ، ثم سعى الحمصي في المشيخة وأعطيها ، وباشر مدة يسيرة ، ثم عزل وأعيد الشيخ جمال الدين
واستمر بها إلى أن توفي ، وكان عنده ورع وظهر له كرامات ، وكان مستجاب الدعوة.
__________________
وتوفي بالمدينة
الرملة في ضحى نهار الجمعة ، حادي عشر ذي القعدة الحرام سنة ٨٦٥ ه ، ونقل إلى القدس الشريف في نهار السبت ، وصلي عليه
بالمسجد الأقصى الشريف ، ودفن بتربة ماملا بجوار أبي عبد الله القرشي ، والشيخ
شهاب الدين ابن أرسلان ، وكان له مشهدا عظيما ، وحضر جنازته شخص من أولياء
الله تعالى وتألم عليه ، رحمه الله تعالى.
فلما توفي جده
شيخ الإسلام جمال الدين ، كان ولده قاضي القضاة برهان الدين والد شيخ الإسلام نجم
الدين المشار إليه حين ذاك متوليا قضاء الشافعية ، فتكلم له في تدريس
الصلاحية عند الملك الظاهر خشقدم ، فأنعم له بذلك ، وكتب له التوقيع بولايتها ، ثم
عين القاضي برهان الدين أن يكون التدريس لولده الشيخ نجم الدين ، لاشتغاله هو
بمنصب القضاء والنظر في أحوال الرعية ، فروجع السلطان في ذلك فأجاب ، وولي الشيخ
نجم الدين ، وكتب توقيعه بذلك ، فباشرها أحسن مباشرة وحضر معه يوم جلوسه قاضي
القضاة حسام الدين بن العماد الحنفي قاضي دمشق.
وكان في ذلك
العصر ببيت المقدس جماعة من أعيان العلماء ، شيوخ الإسلام المعتمد عليهم ، منهم
الشيخ تقي الدين القلقشندي والشيخ كمال الدين بن أبي شريف ، وأخوه الشيخ برهان الدين الأنصاري ، والشيخ أبو
__________________
العباس المقدسي ، والشيخ ماهر المصري ، والشيخ برهان الدين العجلوني ، وغيرهم من الأماثل المعتبرين ، وحضر غالبهم معه الدرس وأعادوا عنده وأثنوا عليه ثناء حسنا. ولم تزل
الوظيفة بيده إلى أن توفي والده قاضي القضاة برهان الدين في شهر صفر سنة ٨٧٢ ه ، واستقر بعده في وظيفة قضاء الشافعية بالقدس وأصبح له منصب القضاء وتدريس الصلاحية ، وخطابة المسجد الأقصى
الشريف ، وذلك في أواخر دولة الظاهر خشقدم في شهر ربيع الأول سنة ٨٧٢ ه ،
فباشر القضاء بعفة ونزاهة وصيانة مع لين جانب ولم يلتمس على القضاء الدرهم الفرد حيث تنزه عن معاليم النظار مما يستحقه شرعا.
ثم في أواخر
سنة ٨٧٢ ه صرف عن التدريس بالصلاحية وقضاء الشافعية واستقر في الوظيفة / / عوضه قاضي القضاة غرس الدين خليل بن عبد الله
الكناني ، أخو الشيخ أبي العباس المقدسي ، فانقطع في منزله
بالمسجد الأقصى ،
__________________
يفتي ويدرس ويشغل الطلبة ، ويباشر وظيفته الخطابة بالمسجد الأقصى ، وقد
عرضت عليه في شهر ربيع الأول سنة ٨٧٣ ه ، قطعة من كتاب المقنع في الفقه وأجازني ، واستمر القاضي غرس الدين إلى ٨٧٥ ه
، ووقعت حادثة أوجبت عزله ، وسنذكرها فيما بعد في ترجمة السلطان
الملك الأشرف ، في حوادث السنة المذكورة.
واستقر بعده في
تدريس المدرسة الصلاحية ، شيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف ،
وسنذكر ترجمته فيما بعد كما تقدم الوعد به في أول الكتاب ، وكانت ولايته في شهر
صفر سنة ٨٧٦ ه ، واستمر بها إلى سنة ٨٧٨ ه ، ثم أعيد شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة إلى تدريس
الصلاحية في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة ، ووصل إليه التوقيع
الشريف والتشريف السلطاني في شهر جمادى الأولى ، وقرئ توقيعه
بالمسجد الأقصى الشريف حين دخوله وهو لابس التشريف ، وكان يوم الخميس سابع شهر جمادى الأولى ، ولم تجر بذلك عادة ، لأن المصطلح قراءة
التوقيع عقب صلاة الجمعة ، ثم جلس للدرس بعد ذلك ، وحضر معه خلق كثير ، وكنت حاضرا ذلك المجلس ،
فقرأ خطبة بليغة بألفاظ فائقة من معناها ، أن هذه الوظيفة كانت بيده وخرجت عنه ،
فمنّ الله بعودها والعود أحمد . ثم تكلم على قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا
بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا
رُدَّتْ إِلَيْنا) ، وألقى درسا مطولا ، ثم انصرف إلى منزله بالمسجد
الأقصى الشريف والناس في خدمته ، ومن جملتهم الشيخ سعد الله الحنفي إمام
__________________
الصخرة المشرفة ، وتنزه عن منصب القضاء ، فلم يلتفت إليه بعد ذلك ، ولم
يكن بعده من القضاة من هو في معناه في العفة والحشمة ، ثم تنزه عن حصته في الخطابة ، وانجمع عن الناس ، فلم يتكلم في
شيء من أمور الدنيا لفساد الزمان.
القضاة الشافعية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل
قد تقدم ذكر
القاضي بهاء الدين بن شداد الذي ولاه الملك صلاح الدين قضاء بيت المقدس بعد الفتح
، ورأيت أيضا على كتاب وقف المدرسة الصلاحية خط القاضي المثبت له ، واسمه أحمد بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب ، وأرّخ خطه بالحكم في تاسع عشري رجب سنة ٥٨٨ ه ، والظاهر أنه كان نائبا عن ابن شداد والله أعلم ، فإن
ابن شداد كان قاضيا في ذلك الوقت بلا خلاف ، وتقدم ذكر بعض القضاة من مشايخ
المدرسة الصلاحية ، ويأتي ذكر بعضهم أيضا من خطباء المسجد الأقصى.
وقد كان القضاة في الزمن السالف بالقدس وغزة وبلد الخليل
والرملة ونابلس وهذه المعاملة يوليهم قاضي دمشق ، فلم يزل الأمر على ذلك إلى بعد الثمانمائة ، ثم صار الأمر
من الديار المصرية ، ولم يكن قديما بالقدس الشريف
__________________
سوى قاض شافعي فقط ، فأول ما تجدد منصب قضاء الحنفية سنة ٧٨٤ ه وليه القاضي خير الدين الحنفي من الملك الظاهر برقوق ،
ثم تجدد منصب المالكية في سنة ٨٠٢ ه ، فوليه القاضي جمال الدين ابن الشحاذة ، ثم تجدد منصب
الحنابلة سنة ٨٠٤ ه ، فوليه القاضي عز الدين قاضي الأقاليم ، وكلاهما بتولية الملك الناصر فرج بن برقوق ، وسنذكر تراجمهم
فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وقد ولي قضاء الشافعية بالقدس الشريف وبلد سيدنا
الخليل عليه السلام ، جماعة فمنهم من اطلعت على ترجمته وتاريخ وفاته ، فأذكر من
اطلعت عليه على وجه الاختصار ، ومنهم من لم اطلع له على ترجمة ، ولا تاريخ وفاة ، فأذكر من اطلعت
عليه على وجه الاختصار ، ومنهم من لم اطلع له على ترجمة ، وإنما عرفت اسمه من
اطلاعي على إسجاله في المستندات الشرعية أو غير ذلك ، فأذكر اسمه والعصر الذي كان
متوليا فيه ، وكل من رأيت كتب له في أسجاله قاضي / / القضاة أو ترجمه بذلك أحد من المؤرخين كتبت له
ذلك ، ومن لم أر في أسجاله ولا ترجمته ذلك كتبت له القاضي ، فأقول بالله أستعين .
قاضي القضاة ،
صدر الدين أبو إسحق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الشهرزوري الشافعي ، وهو المثبت بكتاب وقف الخانقاه الصلاحية
بالقدس الشريف ، وثبوته بعد وفاة الواقف الملك صلاح الدين ، رحمه الله تعالى ،
تاريخ أسجاله بالحكم ، وهو بمحله بالقدس الشريف ، حين مباشرته الحكم نيابة عن قاضي القضاة بهاء الدين بن شداد ، في يوم الأحد سابع
عشري رمضان سنة ٥٩٠ ه .
__________________
قاضي القضاة
شمس الدين أبو الغنائم سالم بن يوسف بن صاعد بن سالم الباهلي ، الحاكم بالقدس الشريف خلافة عن قاضي
القضاة بهاء الدين أبي العباس طاهر ابن محمد بن علي الدمشقي ، الحاكم للدولة القاهرة النبوية الإمامية المقدسة
المكرمة العباسية الناصرة لدين الله ، كان متوليا عنه في صفر سنة ٦٠٦ ه ، ثم اشتغل بالقضاء عن الإمام الناصر لدين الله العباسي خليفة بغداد ، وكان متوليا عنه وكتب له في إسجاله قاضي القضاة في
سنة ٦٠٧ ه .
قاضي القضاة
شمس الدين أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى بن بندار
بن مميل ، بفتح الميم الأولى وكسر الثانية وسكون الياء آخر الحروف
وآخره لام ، الشيرازي الدمشقي الشافعي ، ولد سنة ٥٤٩ ه ، وأجاز له أبو الوقت التنجري وغيره ، وسمع من جماعة وحدث بمصر والقدس ودمشق ، وكان
متوليا بالقدس في سنة ٥٩٤ ه وقبلها ، نيابة عن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي
محمد بن الزكي قاضي دمشق ، وطال عمره ،
__________________
وتفرد في زمانه ، ولي قضاء دمشق بعد القدس ، وكان رئيسا نبيلا فاضلا ، ماضي الأحكام عديم المحاباة ، يستوي عنده الخصمان ،
ساكنا وقورا ، يذهب غالب زمانه في نشر العلم ، وإلقاء الدروس على أصحابه ، وتوفي
في ثاني جمادى الآخرة سنة ٦٣٥ ه رحمه الله.
قاضي القضاة
شمس الدين أبو البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد الثعلبي الدمشقي
الشافعي ، المعروف ابن سبي الدولة ، وهو لقب جده الحسن ، ولد
سنة ٥٥٢ ه .
وتفقه على ابن
أبي عصرون ، واشتغل بالخلاف على القطب النيسابوري ، وسمع من جماعة ، وولي قضاء القدس من قبل قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد الزكي
، وكان متوليا عنه سنة ٥٨٩ ه ، ثم ولي القدس من قبل زكي الدين أبي العباس ظاهر
القرشي ، المتقدم ذكره ، وكان متوليا عنه في سنة ٦٠١ ه وبعدها ، ولي قضاء دمشق وحمدت سيرته ، وكان
__________________
إماما فاضلا ، مهيبا جليلا ، حدث بمكة وبيت المقدس وحمص ، توفي في ذي
القعدة سنة ٦٣٥ ه.
وولي القضاء
ببلد سيدنا الخليل عليه السلام ، وكانت أمه عالمة كبيرة القدر ، تحفظ القرآن وشيئا
في الفقه والخطب ، ولولدها أشعار مليحة ، روى عنه ولده قاضي القضاة زين الدين قاضي
حلب ، وتوفي سنة ٦٧٢ ه .
القاضي شرف
الدين موسى بن جبريل الشافعي ، قاضي القدس الشريف والرملة ولد ، كان متوليا في سنة
٦٧٨ ه نيابة عن القاضي محيي الدين عمر بن موسى بن عمر الشافعي
الحاكم بمدينة غزة والأعمال / / الساحلية.
القاضي الإمام
العلامة تاج الدين أبو محمد بن أبي حامد الجعبري الشافعي كان متوليا قضاء القدس في سنة ٦٨٠ ه .
القاضي جلال
الدين أبو محمد عبد المنعم ابن الشيخ جمال الدين بن أبي الفرج أبي بكر بن رشيد الدين أبي العباس أحمد الخزاعي الأنصاري الشافعي ، كان متوليا
قضاء القدس في سنة ٦٩١ ه ،
قاضي القضاة
صدر العلماء شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس
أحمد بن خليل بن سعاده بن جعفر الخويي الشافعي قاضي دمشق وابن قاضيها ، ولد في شوال سنة ٦٢٦ ه بدمشق ، مات والده وله إحدى عشر سنة فحفظ عدة كتب ،
وحدث ودرس بمصر والشام ، وهو شاب ، ولي
__________________
القضاء بالقدس الشريف ، وكان متوليا به في سنة ٦٥٧ ه ، ثم قضاء المحلة وبهنسا ، ثم قضاء حلب ، ثم قضاء الديار المصرية ، ثم نقل إلى
قضاء الشام ، وكان أحد الأئمة الفضلاء ، كثير التواضع ، حسن الخلق ، شديد المحبة
لأهل العلم ، علامة وقته وفريد عصره ، أحد الأئمة الأعلام ، جامعا لفنون من العلم
، صنف كتابا في مجلد كبير يشتمل على عشرين فنا من العلم ، وشرح الفصول لابن معطي ، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح ، والفصيح لثعلب ، وكفاية المحتفظ ، وشرح منه أول الملخص للقابسي خمسة عشر حديثا في مجلد ، توفي يوم الخميس الخامس
والعشرين من شهر رمضان سنة ٦٩٣ ه بدمشق ، ودفن عند والده بسفح جبل قاسيون رحمهما الله تعالى والخويي بضم الخاء المعجمة
وفتح الواو وبعدها ثم الياء آخر الحروف ساكنة ، ثم الياء أيضا آخر الحروف ، وهي
نسبة إلى خوى من مدن أذربيجان.
__________________
القاضي جمال
الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة نجم الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي
القضاة شمس الدين أبي الغنائم سالم بن يوسف بن صاعد بن مسلم القرشي الشافعي ، ولي الحكم بالقدس الشريف ، ونابلس ، وقاقون ، وجنين وأعمالها من قبل قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله
محمد بن جماعة ، الحاكم الشرعي بدمشق المحروسة وضواحيها ، والبلاد الشامية والحلبية من العريش إلى الفرات ، كان متوليا في سنة ٦٩٣
ه ، وكان ينوب عنه الإيوان القاضي شرف الدين موسى ، رحمهما الله تعالى.
القاضي شرف
الدين منيف بن سليمان بن كامل السلمي ، الشافعي الإمام العالم العامل ، الصدر
الكبير ، قاضي بيت المقدس ، مولده في يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر سنة ٦٤٣ ه بزرع ، كان مشكور السيرة فقيها من أصحاب الشيخ تاج الدين
الفزاري ، باشر قضاء القدس الشريف ، وكان متوليا في سنة ٦٩٨ ه وبعدها ، وتوفي ليلة السبت ثالث عشري جمادى الأولى سنة
__________________
٧١٣ ه ، ودفن من الغد بماملا عند أبي عبد الله القرشي.
القاضي فخر
الدين عثمان بن علم الدين بن علي الهلالي الشافعي ، قاضي بلد سيدنا الخليل عليه
السلام ، كان متوليا في ذي القعدة سنة ٧٢١ ه .
القاضي شمس
الدين محمد بن القاضي نجم الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد
جلال الدين الأنصاري الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، توفي في شهر المحرم سنة ٧٢٦ ه
، ودفن بماملا عند القلندرية.
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جلال الدين أبي محمد عبد المنعم بن جلال الدين أبي الفرج أبي بكر
بن أحمد الأنصاري الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، وكان متوليا في سنة ٧١٤ ه ، خلافة عن قاضي القضاة نجم الدين أبي العباس أحمد بن
صقري الثعلبي الشافعي ، قاضي دمشق والفتوحات الساحلية والعساكر المنصورة ، وتوفي
في سنة ٧٢٦ ه ، ودفن بماملا عند القلندرية .
القاضي نجم
الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي الشافعي ، ولد سنة ٦٤٩ ه ، واشتغل وحصل وبرع ، وولي القضاء بالقدس الشريف ، وكان
متوليا في سنة ٦٨٣ ه ، خلافة عن قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل يوسف
القرشي الشافعي ، قاضي دمشق ، ثم عاد إلى دمشق ، وناب في الحكم بها ، وتوفي في يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة
__________________
٧٢٦ ه ، ودفن بالباب الصغير.
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن كمال الدين بن حامد بن بدر الدين تمام الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٢٩ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ كمال الدين كامل التدمري الشافعي ، ولي الخطابة والإمامة بحرم سيدنا الخليل ، عليه
السلام ، في سنة ٧٢٥ ه ، وباشر نيابة الحكم بدمشق ، ثم ولي قضاء القدس من دمشق
، وسافر إلى القدس متوليا / / في مستهل شهر ربيع الأول سنة ٧٣٤ ه ، وله مصنفات منها شرح الأربعين والفروق ، والأشباه
والنظائر وغير ذلك ، كان موجودا متوليا قضاء القدس الشريف سنة ٧٤١ ه .
القاضي شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن كامل بن شرف
الدين تمام التدمري الشافعي ، ولي قضاء بلد سيدنا الخليل وبيت
جبريل والخطابة والإمامة والميعاد والتصدير للإقراء ببلد الخليل ، عليه السلام ،
عن قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي السبكي الشافعي ، قاضي دمشق بمقتضى توقيع ، وقفت عليه مؤرخ في العشر
الأوائل من جمادى الآخرة سنة ٧٤٣ ه .
القاضي زين
الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن محمد القمولي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، ولي عن قاضي القضاة تقي الدين السبكي
،
__________________
قاضي دمشق ، وكان متوليا عنه في سنة ٧٤٣ ه .
القاضي علاء
الدين أبو الحسن بن الشيخ شهاب الدين أبي المعالي محمد شريف ابن الشيخ
جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن الوحيد الشافعي ، كان متوليا قضاء القدس الشريف في
سنة ٧٤١ ه ، وتوفي قبل الخمسين والسبعمائة.
القاضي أمين
الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زين الدين عبد الرحمن الشافعي ، كان
متوليا قضاء بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، في سنة ٧٥٠ ه .
القاضي بدر
الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي برهان الدين أبي إسحق إبراهيم ابن الشيخ جمال الدين أبي المواهب هبة الله الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في
سنة ٧٥٧ ه .
القاضي شمس
الدين محمد بن أمين الدين سالم بن ناصر الدين عبد الناصر الكناني القونوي الشافعي ، سمع الحديث من جماعة ، وأفتى ودرس وولي قضاء القدس
الشريف ، وحدث ، وكان متوليا في سنة ٧٢٩ ه ، ومات سنة بضع وخمسين وسبعمائة.
القاضي علم الدين أبو البيع سليمان بن أمين الدين أبو الغنائم سالم الشافعي ، قاضي بلد
سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وبيت جبرين ، كان متوليا في سنة ستين وسبعمائة.
القاضي علم
الدين سليمان بن عبد القادر بن سالم بن محمد الغزي الشافعي ،
__________________
ولد في حدود التسعين والستمائة ، وسمع على علي بن محمد بن هارون الثعلبي ، وزينب بنت أحمد بن عمر بن شكر ، والتقي سليمان ، والمطعم ، وحفظ المنهاج وأفتى ودرس وولي قضاء غزة وبلد سيدنا الخليل ، وبيت
جبرين ، وكان متوليا في سنة ٧٦٠ ه سمع صحيح البخاري على الملك الأوحد نجم الدين يوسف بسماعه له عن ابن الليحي بسنده في سنة ٧٦٤ ه ، توفي بالقدس الشريف في رمضان سنة ٧٦٩ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم العلامة علم الدين أبي الربيع سليمان الحكري الشافعي ، ولي الحكم والخطابة بمدينة
__________________
النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ولي القضاء بالقدس الشريف وكان متوليا به
سنة ٧٦٩ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي البركات موسى بن بدر الدين ياسين الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٧٢ ه .
القاضي علاء
الدين أبو الحسن علي بن كمال الدين بن عبد الله بن محمد بن علاء الدين أبي العباس
أحمد الأموي الشافعي ، قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ٧٧٨ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين أبي محمد حامد بن الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد
المقدسي الأنصاري الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، مولده في سنة اثنتين أو ثلاث
وسبعمائة ، ولي تدريس المدرسة الطازية بالقدس ، وناب في الحكم بالقاهرة عن قاضي
القضاة برهان الدين.
القاضي تاج
الدين أبو الانفاق أبو بكر بن علي بن أحمد بن كمال الدين محمد الأموي المقدسي
الشافعي ، المعروف بالمعبد ، حفظ المنهاج وتفقه ، وأعاد ، ثم ولي قضاء القدس
الشريف ، ودرس وكان سمع من الحجار وزينب بنت شكر وغيرهما ، وسمع صحيح البخاري على
الملك الأوحد نجم الدين يوسف بسماعه له عن ابن الليثي بسنده في سنة ٦٩٨ ه وسمع
على القاضي شمس الدين الديري بن جماعة ، وناب في الخطابة في المسجد الأقصى ، وكان متوليا للحكم بالقدس الشريف في سنة ٧٨١ ه
وتوفي في شعبان سنة ٧٨٢ ه ، ودفن بباب الرحمة.
القاضي زين
الدين أبو المكارم عبد الرحمان ابن القاضي شمس الدين أبي
__________________
عبد الله محمد الزرعي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٨٢
ه
القاضي شمس
الدين محمد بن جلال الدين ابن القاضي نجم الدين أحمد الأنصاري الشافعي ، قاضي
القدس الشريف ، توفي في سادس شوال ٧٨٤ ه ، ودفن بماملا عند باب
القلندرية.
قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد
الهكاري ، السلطي الشافعي ، الإمام العالم الفاضل قاضي حمص ، اشتغل
بالقدس وكتب وقرأ ، وولي قضاء السلط ، ولم / / يزل ينتقل في قضاء البر ، وولي قضاء القدس
الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، ونابلس وآخر ما ولي حمص ، وبها توفي
في رجب سنة ٧٨٦ ه ولم يبلغ الخمسين سنة ، اختصر ميدان الفرسان في ثلاثة مجلدات.
القاضي بدر
الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جمال الدين أبي بكر بن شجرة التدمري الأصل الدمشقي الفقيه المفتي ، اشتغل وتقدم واشتهر وولي القضاء
بمعاملة الشام ، وآخر ما ولي قضاء القدس ، وقد رأيت إسجاله في بعض المستندات مؤرخا في شهور سنة ٧٩٩ ه
، ثم عزل وقدم دمشق ، وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة
٧٨٧ ه ، في عشر السبعين ظنا ، ودفن بسفح قاسيون.
__________________
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن شرف الدين أبي عثمان سعيد بن الشيخ تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن ،
الأنصاري الزواوي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٨٨ ه
.
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب زين الدين أبي عبد الرحمن أحمد بن محمد التدمري الشافعي ، قاضي بلد سيدنا الخليل
، عليه السلام ، كان متوليا في حدود سنة ٧٨٩ ه .
القاضي عماد
الدين أبو الفدا إسماعيل بن العدل شهاب الدين أبي العباس أحمد بن نور الدين أبي الحسن علي البارزيني الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان
متوليا في سنة ٧٩١ ه وبعدها.
القاضي تقي
الدين أبو محمد عبد اللطيف بن بهاء الدين أبي عبد الله محمد بن علم الدين أبي عبد الله محمد
البهنسي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٩٤ ه
.
القاضي شهاب
الدين أحمد بن القاضي شرف الدين أبي محمد عبد الله السليماني الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٩٦ ه
.
القاضي شرف
الدين أبو الروح عيسى بن شيخ الشيوخ جمال الدين أبي الجود
__________________
غانم الأنصاري الخزرجي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، وشيخ الخانقاه الصلاحية ، وهو
الذي حكر أرض البقعة ظاهر القدس الشريف ، الجارية في وقف الخانقاه المذكورة في سنة
٧٩٣ ه ، وصارت كروما وزاد بذلك ريعها لجهة الوقف ، ورغب الناس فيها ،
وكثر الانتفاع بها بعد أن كانت أرضا مزدرعة ، توفي في شوال سنة ٧٩٧ ه شبه الفجأة.
القاضي تقي
الدين أبو محمد وأبو البقاء صالح ابن الشيخ صلاح الدين أبي الصفاء خليل ابن الشيخ
أمين الدين أبي الغنائم سالم الكناني الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٧٩٨ ه وقبلها .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ فخر الدين أبي عمرو عثمان قاضي بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، كان متوليا قبل
الثمانمائة.
القاضي شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن محمد الحلاوي الشافعي ، قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ٨٠١ ه .
القاضي تقي
الدين أبو الأيادي أبو بكر بن جمال الدين أبي إسحق إبراهيم البصروي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٨٠٢ ه
.
القاضي زين
الدين أبو محمد عبد اللطيف بن بدر الدين أبي محمد الحسن بن
__________________
خلف البلبيسي الشافعي ، ولي قضاء القدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وبيت جبريل ، ونظر
الأوقاف والمساجد عن قاضي القضاة علاء الدين أبي الحسن علي السبكي الشافعي ، قاضي دمشق بمقتضى توقيع كتب له ، وقاضي القضاة حين
ذاك بالقدس الشريف ، وقفت عليه وهو مؤرخ في ليلة يسفر صباحها عن السابع والعشرين
من شهر رمضان سنة ٨٠٣ ه ، وكان والده بدر الدين خلف بن حسن البلبيسي رجلا صالحا زاهدا ، وكان موجودا في سنة ٧٥٩ ه
.
القاضي سعد
الدين سعد بن إسماعيل بن يوسف النواوي الدمشقي الشافعي ، الشيخ الإمام ، مولده في سنة ٧٢٩ ه ، قدم دمشق صغيرا ، ولازم الشيخ تاج الدين المراكشي ، وتفقه على الشيخ شمس الدين بن قاضي شبهة ، وقرأ على
الشيخ عماد الدين ابن أبي كثير كتاب علوم الحديث الذي ألفه ، وأذن له بالفتوى ، واشتغل بالجامع الأموي ،
وأعاد بالناصرية والقيمرية ، وكتب في الإجازات وعلى الفتاوى ، ودرس في آخر عمره ،
وناب في القضاء ، وولي قضاء
__________________
بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، مدة يسيرة ، وتوفي بها في
ربيع الأول سنة ٨٠٤ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ سعد بن أبي الصفا سعد بن قرموز الزرعي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في
سنة ٨٠٦ ه .
القاضي بدر
الدين أبو محمد / / الحسن بن الشيخ شرف الدين أبي البركات موسى بن مكي الشافعي ، ولي قضاء القدس الشريف مرارا ورأيت أسجاله في ظاهر
كتاب وقف المدرسة الصلاحية ، مؤرخ في شهر رمضان سنة ٨٠٩ ه ، وكان متوليا قبل التاريخ المذكور.
القاضي جمال
الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد العراقي الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٨١٢ ه .
القاضي شرف
الدين أبو المناقب موسى ابن شيخ الإسلام ، مفتي العراق ، برهان الدين أبي إسحاق بن إبراهيم القلقشندي الشافعي
، كان متوليا قضاء القدس الشريف في سنة ٨١٥ ه ، وقد أخبرت قديما أنه كان هو والقاضي شهاب الدين ابن
الحكمة في عصر واحد ، وكل منهما كان متوليا القضاء مشاركا للآخر ، وكان القاضي
برهان الدين ابن القلقشندي يجلس بالمدرسة الظاهرية ، والقاضي شهاب
__________________
الدين ابن الحكمة يجلس بدار الحديث ، وتوفي القاضي شرف الدين بن القلقشندي مطعونا في ليلة الاثنين المسفر صباحها عن العشرين من
شعبان سنة ٨٢٧ ه ، ودفن بماملا.
القاضي برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن شمس الدين محمد ابن قاضي السلط الشافعي ، وقفت على توقيعه بقضاء القدس من الملك المؤيد في ثاني عشر من جمادى الأولى سنة ٨١٨ ه .
القاضي شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ بدر الدين أبي عبد الله محمد ابن القاسم المشهور
ابن الحكمة ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا سنة ٨٢٠ ه .
القاضي شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن رشيد السعدي الحسباني الشافعي ، قاضي القدس الشريف ، كانت الوظيفة بينه وبين
القاضي بدر الدين بن مكي دولا ، ووقع بينهما أمور لا فائدة في ذكرها ، وكان متوليا
في سنة ٨٢٤ ه ، ورأيت أسجاله في مستند بخط نفسه في سنة ٨٢٦ ه ، كتب فيه خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف ، فالظاهر
أنه بعد استقلاله بالقضاء باشر نيابة ، والله أعلم.
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي الثناء محمود بن الشيخ صفي الدين أبي
الأنفاق أبي بكر الشافعي ، خطيب مدينة قارا ، كان متوليا قضاء القدس الشريف في
شهر شعبان سنة ٨٢٤ ه.
__________________
القاضي علاء
الدين أبو الحسن علي بن الشيخ برهان الدين أبي إسحق إبراهيم البرماوي الشافعي ، كان متوليا قضاء القدس الشريف في سنة ٨٢٨ ه ، وبعدها إلى سنة ٨٣٤ ه .
قاضي القضاة
علاء الدين أبو الحسن علي بن شرف الدين أبي الفدا إسحق ابن شمس الدين أبي عبد
الله محمد التميمي الشافعي ، قاضي بلد سيدنا الخليل ، كان متوليا في شهر شوال سنة
٧٩٨ ه وبعدها ، ثم ولي قضاء بيت المقدس مضافا لقضاء بلد
الخليل ، عليه السلام ، في دولة الملك الناصر فرج بن برقوق في سنة ٨٠٥ ه ، وكان من المعيدين بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف في
زمن الشيخ شمس الدين الهروي ، توفي في سنة ٨٣٠ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد القومي الصوفي
الشافعي ، كان قد باشر قضاء بلد سيدنا الخليل عليه السلام قبل الثمانمائة ، ثم ولي
قضاء القدس الشريف ، وكان متوليا به في سنة ٨٣١ ه .
قاضي القضاة
ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد البصروي الأنصاري الشافعي ، ولي قضاء القدس الشريف ، بعد القاضي علاء الدين
البرماوي ، وكان له سطوة وهيبة ، ووقع له وقائع بالقدس الشريف لا
فائدة في ذكرها.
وكان أركان
الدولة بالقاهرة يهابونه ويخشون عاقبته ، ويقال أنه كان وزير
__________________
نوروز ، وتعين لكتابة السر بمصر ، وأنعم له بها فلم يتم له ذلك ، توجه من القدس
الشريف إلى الديار المصرية بعد محنة حصلت له ، فسعى المباشرون بالقاهرة في توليته القدس ، وعوده إليه اتقاء شره فاستقر في الوظيفة
، وعاد حتى وصل إلى مدينة غزة ، فأكل طعاما مسموما ممن كان يثق به ، وهو مقرب عنده
، فمات بغزة ، وحمل إلى القدس الشريف ، ودفن بماملا سنة ٨٤٢ ه ، عفا الله عنه ، وكانت مدة ولايته بالقدس الشريف نحو
سبع سنين ، والله أعلم.
قاضي القضاة
علاء الدين أبو الحسن علي بن القاضي نجم الدين أبي العباس أحمد بن الحسن بن علي بن
أيوب بن عبد العزيز بن عثمان بن سلطان بن عسكر بن عبد الله بن السائح // ، والسائح من أجداده المذكورين ، هو أيوب على ما
أخبر به القاضي علم الدين ، ويعرف قديما بالشامي الرملي الأصل ، ثم المقدسي
الشافعي ، مولده ـ أعني القاضي علاء الدين ـ في سنة ٧٨٦ ه ، وتوفي والده وله ست سنين ، فاستجاز له الشيخ شهاب
الدين بن أرسلان ، وزين الدين عبد الرحمن القلقشندي مشايخ ذلك الزمن ، وسمع وقرأ وفضل.
باشر قضاء
الرملة نيابة عن عمه جمال الدين ، أكثر من عشرين سنة ، ثم استقل بالقضاء بها في سنة ٨٣٢ ه ، وكان أسلافه قضاة بمدينة الرملة من زمن الملك الظاهر بيبرس ، وقد وقفت على أسجال من إسجالات أسلافه ،
ذكر
__________________
فيه المؤلف وكان القاضي بمدينة الرملة ، نيابة عن قاضي القضاة شمس الدين
ابن خلكان الحاكم بالمملكة الشامية ، مؤرخ بعد الستين والستمائة ، واستمر منصب القضاء بالرملة بأيديهم من ذلك العصر ، يتلقونه واحدا بعد واحد إلى أن
وصل إلى القاضي علاء الدين في التاريخ المتقدم ذكره ، فباشره بعفة ونزاهة ، وحسنت
سيرته ، وحمدت طريقته.
ثم قدر الله
تعالى توليته وظيفة القضاء بالقدس الشريف عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين بن
جماعة ، استقر فيها في دولة الملك الظاهر جقمق في صفر سنة ٨٤٣ ه ، وصادفت توليته تولية القاضي غرس الدين خليل السخاوي ، نظر الحرمين الشريفين فدخلا إلى القدس في يوم واحد ،
وهو مستهل ربيع الأول سنة ٨٤٤ ه ، فاستمر على ما هو معهود منه من العفة والسيرة
الحسنة والأحكام المرضية ، إلى أن توفي في شهور سنة ٨٥٧ ه ، ودفن بماملا بحوش البسطامية ، وكان من قضاة العدل.
وقد رأى بعضهم
في منامه الشيخ داود الهندي وهو يقول له قل لابن السائح أني رسول الله إليه ، أبشره أنه من قضاة العدل الناجين.
قاضي القضاة
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ فخر الدين عثمان السعدي الشافعي ، ابن أخي
شيخ الإسلام عز الدين المقدسي ، وكان يعرف ابن أخي شيخ الصلاحية ، ولي القضاء
بالقدس الشريف عوضا عن القاضي علاء الدين بن السائح مدة يسيرة ، في شهور سنة ٨٥٤ ه
، ثم عزل وأعيد القاضي علاء
__________________
الدين بن السائح ، ولم يل بعد ذلك ، ولحقه صمم ، وكان الناس سالمين من يده
ولسانه وعمر ، وكانت وفاته في خامس عشر صفر سنة ٨٨٦ ه ، ودفن بباب الرحمة ، رحمه الله.
قاضي القضاة
شهاب الدين أبي العباس أحمد بن القاضي المفتي علاء الدين أبي الحسن علي ابن القاضي
شرف الدين إسحق التميمي الداري الخليلي الشافعي ، مولده في ٢٨ شهر ربيع الآخر سنة ٧٩١ ه ، وسمع الحديث على جماعة ، واشتغل قديما وحصل ، ولي
قضاء بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وكان حسن الملتقى ، مشكور السيرة في القضاء
، عفيفا في الأحكام ، ثم ولي قضاء الرملة ، ثم غزة ، ثم ولي قضاء القدس الشريف
عوضا عن القاضي برهان الدين بن جماعة في مستهل شهر جمادى الآخرة سنة ٨٦٢ ه ، وانتقل في رابع عشري شهر شعبان منها. وتوفي بالقدس الشريف في
نهار الاثنين العشرين من شهر رمضان من السنة المذكورة ، وهي سنة ٨٦٢ ه .
القاضي زين
الدين عبد الرحمن التميمي الشافعي الناظم ، مولده في أحد الجمادين سنة ٧٩٢ ه ، سمع على جماعة وقرأ الصحيح على
جده لأمه ، المحدث برهان الدين إبراهيم بن يوسف بن محمود الحنفي ، وسمع المسلسل
بالأولية على سبعة وعشرين شيخا مجتمعين ، ولبس خرقة التصوف ، واشتغل في النحو على
الشيخ شهاب الدين بن الهائم ، وفي الفقه على والده وغيره ، وحصل وفضل ومهر ، وله
مصنف سماه بمدد الرحمن في أسباب نزول القرآن ، نظمه نظما جديدا ، وولي
القضاء بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، ومن جملة ولاياته لبلد سيدنا
__________________
الخليل مرة في سلطنة الملك الأشرف إينال في رمضان سنة ٨٦٣ ه ، ثم ولي في زمن الظاهر خشقدم في رمضان سنة ٨٦٧ ه ، وليّ أيضا في رمضان سنة ٨٧١ ه ، وتوفي يوم الجمعة سادس شعبان سنة ٨٧٦ ه .
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي شهاب الدين أبي العباس أحمد التميمي الشافعي
المتقدم ذكر والده ، ولي القضاء بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، بعد وفاة
والده / / وكانت له حرمة وشهامة ومروءة تامة ، واستمر على القضاء إلى أن كف بصره
بعد سنة ٨٧٠ ه ، وانقطع في منزله ومع ذلك كانت كلمته نافذة ، ثم توجه
إلى القاهرة مطلوبا لحادثة أوجبت ذلك ، فتوفي بالقاهرة في شهور سنة ٨٩٢ ه ، وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف ، صلاة الغائب في
شهر ربيع الآخر.
قاضي القضاة
خطيب الخطباء ، برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن قاضي القضاة ، شيخ الإسلام جمال
الدين أبي محمد عبد الله ابن الإمام العلامة نجم الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة
الكناني الشافعي ، مولده بالقدس الشريف في أحد الجمادين سنة ٨٠٥ ه ، أجازه جماعة ، وأدرك أصحاب الحجار ، ولم يأخذ منهم ،
وقرأ بنفسه على مشايخ عصره ، ودرس في مشيخة الداودارية ، وباشر خطابة المسجد الأقصى نيابة عن والده
، وكان يخطب من إنشائه بفصاحة لفظ وصوت عال صقيل ، وناب في الحكم عن
والده حين ولي قضاء القدس الشريف.
ثم ولي قضاء
القدس الشريف استقلالا بعد وفاة القاضي علاء الدين بن السائح في دولة الملك الأشرف
إينال ، في سادس عشري شعبان سنة ٨٥٧
__________________
ه فباشر بشهامة وحرمة زائدة وحشمة وافرة ، وعلت كلمته
ونفذ أمره ، وكان شكلا حسنا ، بسط اليد مع قلة المال ، وله اعتقاد في الفقراء على
طريقة آبائه المتقدمين ، وهو آخر قضاة بيت المقدس المعتبرين فيما أدركناه ، توفي
رحمه الله وهو باق على القضاء بعد عشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة ٨٧٢ ه ، ودفن بتربة ماملا بالحوش الذي به الشيخ أبو عبد الله
القرشي ، والشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، وكانت جنازته حافلة ، وسنذكر من ولي بعده قضاء
الشافعية بالقدس الشريف في ترجمة السلطان الملك الأشرف قايتباي.
الخطباء بالمسجد الأقصى الشريف ومقام سيدنا الخليل
قد تقدم عند
ذكر فتح بيت المقدس أن الذي خطب به عقب الفتح ابن الزكي وهو قاضي القضاة ، محيي
الدين أبو المعالي ، محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي ابن قاضي القضاة أبي المعالي محمد
بن الزكي القرشي الشافعي ، ونسبه متصل بسيدنا عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ،
مولده في ٥٥٠ ه ، ولي قضاء دمشق في شهر ربيع الأول سنة ٥٨٧ ه ، وكان والده وجده أيضا قاضيين بها ، وعلت منزلته عند الملك صلاح الدين ، وكان عالما
حازما حسن الخط واللفظ ، شهد فتح بيت المقدس ، وخطب به الخطبة المتقدم
ذكرها ، وهي من إنشائه وأثنى عليه العلماء ، توفي في سابع شعبان سنة ٥٩٨ ه ، بدمشق ودفن
__________________
بقاسيون ، وتقدم ذكر جماعة من الخطباء من مشايخ الصلاحية.
وممن ولي الخطابة بالقدس الشريف :
الشيخ أبو
الحسن علي بن محمد بن علي بن حميد بن سعد الدين المغافري المالقي ، كان محدثا جيدا ، سمع كتاب الجامع المستقصى في فضل المسجد الأقصى ، على مصنفه الحافظ بهاء الدين القاسم بن
عساكر في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ٥٩٦ ه .
وكان خطيب المسجد الأقصى الشريف بعد فتحه ، ولم اطلع على تاريخ
وفاته ووفاة ابن عساكر في سنة ٦١١ ه ، في أيام الراضي بالله محمد بن المقتدر العباسي خليفة
بغداد.
ومن خطباء مقام سيدنا الخليل عليه السلام
الخطيب محمد بن
بكران بن محمد ، وكان قاضيا بالرملة في أيام الراضي بالله ، محمد بن المقتدر
العباسي ، خليفة بغداد ، في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة وبعدها ، وله رواية في الحديث ، سمع من جماعة ، وحدث
عنه جماعة من أهل العلم ، ومن خطباء بيت المقدس .
الشيخ الإمام
الزاهد الورع ، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي المقدسي ، مولده بنابلس في ذي القعدة سنة ٥٧٧ ه ،
__________________
سمع الحديث من الحافظ أبي محمد بن علي بن عساكر وغيره ، خطب مدة طويلة ببيت
المقدس ، وحكم به ودرس ، وتوفي بدمشق في ثالث عشر ذي القعدة سنة ٦٦٥ ه
وولده العلامة
القاضي شرف الدين أبو العباس أحمد خطيب الشام ، ولد بالقدس الشريف في سنة ٦٢٢ ه وكان من أهل العلم ومحاسن الزمان ، وله تصانيف عديدة ،
وتوفي بدمشق في شهر رمضان سنة ٦٩٤ ه ، ودفن بباب كيسان ، عند والده.
الشيخ الإمام
الخطيب أبو الذكاء ، عبد المنعم بن أبي الفهم يحيى بن إبراهيم القرشي
الزهري النابلسي الشافعي ، خطيب المسجد الأقى الشريف ، مكث به خطيبا وإماما
ومفتيا / / أكثر من أربعين سنة ، وكان شيخا جليلا ، له ذكر ومنزلة ، اشتغل بالفقه
وشيء من العربية ، وكان يحفظ كثيرا من تفسير القرآن العظيم ، وكان الناس يقصدونه
لاعتقادهم في علمه ودينه ، ويلتمسون دعاءه وبركته ، سمع الحديث ، وأجاز له جماعة
من شيوخ دمشق وحلب والموصل وبغداد وواسط وهمذان ، وحدث في سنة ٦٥٤ ه ، وكتب عنه
__________________
جماعة من الأئمة والفقهاء بالديار المصرية والبلاد الشامية ، وولد في سنة ٦٠٣ ه تقريبا ، بنابلس ، وتوفي في ليلة الثلاثاء سابع شهر
رمضان سنة ٦٨٧ ه بالقدس الشريف ، ودفن من الغد بمقبرة ماملا ، رحمه الله.
قاضي القضاة
بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري
الدمشقي الشافعي المعروف ابن الصائغ ، الشيخ الإمام الزاهد ، مولده في المحرم سنة ٦٧٦ ه ، وكان إماما قدوة عابدا ، كثير المحاسن ، جاءه التقليد
بقضاء القضاة بدمشق في سنة سبع وعشرين وسبعمائة ، فامتنع وأصر على الامتناع فأعفي
، ثم ولي خطابة بيت المقدس ثم تركها ، وتوفي بدمشق في جمادى الأولى سنة ٧٢٩ ه .
قاضي القضاة
شيخ الإسلام ، بدر الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
الكناني الحموي الشافعي ، ولد بحماة في ربيع الآخر سنة ٦٣٩ ه ، ولي الخطابة
بالمسجد الأقصى الشريف ، وإمامته وقضاء القدس الشريف ، جمع له بين ذلك في شهر
رمضان سنة ٦٨٧ ه ، بعد موت قطب الدين ، خطيب المسجد الأقصى الشريف ، ثم
نقل من القدس الشريف إلى قضاء الديار المصرية في سنة ٦٩٠ ه وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ ، وتولى خطابة القدس
عوضا عن جمال الدين أبو البقاء ، ثم نقل إلى قضاء دمشق وخطابتها ، ومشيخة الشيوخ
ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية ، ثم عزل منها ثم أعيد إليها.
__________________
وعمي في أثناء سنة ٧٢٧ ه ، فصرف عن القضاء ، ووليه بعد مدة ولده قاضي القضاة عز
الدين عبد العزيز ، وانقطع بمنزله يسمع عليه ويتبرك به ، وكان حسن السيرة
له الجلالة والخلق الرضي ، وله النظم والنثر والخطب والتصانيف ، منها : التبيان لمهمات القرآن ، وغرر التبيان ، والفوائد اللائحة من سورة الفاتحة ، والمنهل الروي في علوم الحديث النبوي ، والفوائد الغزيرة في أحاديث بريرة ، وتنقيح المناظرة
في تصحيح المخابرة ، وتحرير الأحكام في تدبير جيش الإسلام ، ومسند الأجناد في آلات الجهاد ، والطاعة في فضيلة
صلاة الجماعة ، وحجة السلوك في مهاداة الملوك ، وكشف الغمة في أحكام
أهل الذمة ، وله غير ذلك. توفي في جمادى الأولى سنة ٧٣٣ ه ، ودفن قريبا من الشافعي ، رضي الله عنه.
قاضي القضاة
عماد الدين أبو حفص عمر بن الخطيب بن ظهير الدين عبد الرحيم بن يحيى القرشي الزهري النابلسي الشافعي ، تفقه بدمشق وأذن له بالفتوى ، وولي خطابة القدس
الشريف مدة طويلة ، وقضاء نابلس معها ، ثم ولي قضاء القدس
الشريف في آخر عمره ، وله اشتغال وفضيلة ، وشرح صحيح مسلم في مجلدات ، وكان سريع
الحفظ والكتابة. توفي بالقدس في المحرم سنة ٧٣٤
__________________
ه ، ودفن بمقبرة ماملا.
وولي الخطابة
عوضه زين الدين عبد الرحيم بن جماعة ، وهو الخطيب العلامة زين الدين عبد الرحيم بن
قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي ، ولي الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف في ثالث شهر ربيع
الأول سنة ٧٣٤ ه ، وخلع عليه بذلك من دمشق ، واستمر إلى أن توفي في سنة
٧٣٩ ه .
الشيخ شمس
الدين محمد بن شرف الدين محمد بن جمال الدين أبي البقاء عبد الرحمن ، خطيب المسجد
الأقصى الشريف ، كان موجودا في سنة ٧٦٣ ه .
شيخ الإسلام
العالم العلامة برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الإمام العلامة زين الدين عبد
الرحيم ابن إبراهيم بن سعد الدين بن جماعة الكناني الشافعي ، ولد سنة ست أو ثمانية وسبعمائة ، وبالثاني جزم أبو
جعفر بن الكويل في مشيخته ، سمع من الشريف ابن عساكر وغيره ، وجاور بالمساجد
الثلاثة زمانا ، ويقال أنه كان يأتي المسجد الأقصى في جوف الليل / / ويفتح له ، وكان كبير القدر زاهد وقته ، وكان عنده الخرقة عن
والده عن أبيه عن عمه الشيخ أبي الفتح نصر الله بن جماعة ، عن محمد بن الفرات عن أبي البيان ، وكان يقول : لا ألبسها إلا من يحضر السماع ، وقد خطب زمانا بالمسجد الأقصى الشريف.
توفي في ذي الحجة
__________________
سنة ٧٦٤ ه ، وقد ثقل سمعه.
وتوفي ولده
الإمام الخطيب العلامة عبد الحميد في يوم الجمعة مستهل شعبان سنة ٧٤١ ه ، وكان ذو علم ودين وزهد وورع وصلاح ظاهر ، رحمه الله تعالى.
الخطيب العلامة
، عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة الكناني الشافعي ، خطيب المسجد الأقصى الشريف ، مولده في شوال سنة ٧١٠ ه
، ناب في القضاء بمصر عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة مضافا لنظر
الأوقاف ، ثم توجه إلى القدس وولي الخطابة به ، لما ولي ابن عمه برهان الدين قضاء الديار
المصرية ، وكان يدرس عن ابن عمه في الصلاحية نيابة ، توفي في ربيع الأول سنة ٧٧٦ ه
.
وممن خطب ببيت المقدس قاضي القضاة سري الدين ، والخطيب أبو بكر
محمد بن أحمد بن الواسطي ، ولم أطلع لهما على ترجمة.
قاضي القضاة
جمال الدين يوسف بن غانم بن أحمد بن غانم المقدسي النابلسي ، ولي قضاء نابلس مدة
طويلة ، ثم ولي قضاء صفد ، وولي خطابة القدس في شهر ربيع الآخر سنة ٨٠١ ه ، بمال بذله ، ثم سعى عليه القاضي جمال الدين عبد الله
بن السائح قاضي الرملة بمائة ألف درهم ، ولم يقم بها غير
__________________
ثلاثة أشهر ، وعزل بالباعوني ، توفي ابن غانم بدمشق ودفن
بمقبرة الأشراف ، وهو سبط الشيخ تقي الدين القلقشندي رحمهما الله.
قاضي القضاة
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ناصر بن خليفة الناصري الباعوني الشافعي ، الشيخ الإمام العالم المفتي ، خطيب الخطباء ، إمام البلغاء ، ناصر الشرع ، ولد
بقرية الناصرة من البلاد الصفدية في سنة ٧٥٢ ه ، وحفظ القرآن وله عشر
سنين ، والمنهاج في مدة يسيرة ، وقدم دمشق ، وعرض كتبه على جماعة من العلماء ،
ومهر في العلوم ، وولي الخطابة بالجامع الأموي بدمشق ، ثم ولي القضاء بها فباشر بعفة ومهابة زائدة وتصميم في الأمور مع نفوذ كلمة ، ثم
ولي خطابة بيت المقدس مدة طويلة ، وتداولها هو والقاضي جمال الدين بن السائح ،
فأخذ كل منهما عن الآخر غير مرة ، ثم ولي خطابة دمشق وغيرها ، توفي في أوائل المحرم سنة ٨١٦ ه ، وكانت جنازته مشهودة ، دفن بسفح قاسيون.
الشيخ العلامة
شرف الدين عبد الرحيم بن الشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ تقي الدين إسماعيل القلقشندي الشافعي ، سبط الشيخ صلاح الدين العلائي ، أخذ عن والده وفضل ،
انتهى إلى أن صار عين الشافعية بالقدس الشريف ، وبيده الخطابة مشاركا لغيره.
توفي في صفر سنة ٨٢١ ه عن نحو خمسين سنة ، وكان اشتراك بني القلقشندي وبني
جماعة في
__________________
الخطابة بالقدس من زمن الملك المؤيد شيخ ، قبل العشر والثمانمائة .
الخطيب تاج
الدين إسحق بن الخطيب برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن محمد ابن كامل التدمري
الشافعي ، خطيب مقام سيدنا الخليل ، صنف كتاب مثير الغرام إلى
زيارة الخليل ، عليه السلام ، وهو كتاب حسن فيه فوائد جليلة ، توفي في شهر رمضان
سنة ٨٣٣ ه عن غير ولد ذكر ، وتقدم ذكر جده الشيخ شمس الدين بن كامل خطيب المقام ، المشار إليه ،
في تراجم القضاة الشافعية.
الخطيب عماد
الدين إسماعيل ابن الخطيب برهان الدين إبراهيم بن الخطيب شهاد الدين أحمد بن
الخطيب شمس الدين محمد بن كامل التدمري الشافعي ، خطيب مقام سيدنا الخليل عليه
السلام ، توفي في شهر صفر سنة ٨٣٥ ه .
الشيخ الإمام
العلامة زين الدين عبد الرحيم بن علي الأدمي ، الشهير بالحموي ، الواعظ الخطيب المفسر ، ولي خطابة المسجد الأقصى في دولة الملك الناصر
فرج بن برقوق وفيه قال الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن القلقشندي :
إمامنا لما
قرا
|
|
هيمنا وأطربا
|
تيمنا بنطقه
|
|
وعند ما قرأ
سبا
|
كان خطيبا جيدا
فاضلا خيّرا ، له سماعات كثيرة على مشايخ الشام وحلب ، اجتمع عليه الناس للوعظ
والتفسير وقراءة الحديث ، وسار اسمه وبعد صيته ، وصار له سمعة ولما / / عمر الأشرف برسباي
جامعه المسجد بالقاهرة ، استقر خطيبه ، وكان يقرأ الحديث بمجلس الأمير المؤمنين
وأتابك الديار المصرية والأمراء ، توفي فجأة في ذي القعدة سنة ٨٤٨ ه بالقاهرة.
__________________
وولي خطابة
المسجد الأقصى بعد الحموي أخو جمال الدين الاستاد دار وناب عنه الخطيب جمال الدين ابن جماعة ، ثم استقل بها ،
وتقدم ذكره عند ذكر مشايخ الصلاحية.
الخطيب شهاب
الدين أبو حامد أحمد بن الشيخ شرف الدين عبد الرحيم بن القلقشندي الشافعي ، مولده في سابع عشر رمضان سنة ٨٠٠ ه ، سمع الحديث واشتغل ، وأعاد بالصلاحية ، وحدث وروى عنه
الرحالون ، وولى الخطابة بالمسجد الأقصى مشاركا لغيره في سنة ٨٢١ ه ، وكان خيرا متواضعا ، توفي في رابع عشر رجب سنة ٨٩٩ ه ، ودفن بالقلندرية بماملا.
الحافظ العلامة
شيخ الإسلام شهاب الدين ، المكنى بأبي العباس أحمد بن عبد الله الكناني الشافعي
الواعظ ، نزيل القدس الشريف ، مولده بقرية مجدل حمامة بالقرب من عسقلان من أعمال غزة في أوائل سنة ٨٠٩ ه ،
ونشأ بها ، ثم استوطن ببيت المقدس ، واشتغل بالعلم ففتح عليه ، وانتمى إلى الشيخ
شهاب الدين بن أرسلان ، وهو الذي كناه واشتهر بكنيته ، دأب وحصل في ابتداء أمره
وفضل وتميز وصار من أعيان الفقهاء والمعيدين بالمدرسة الصلاحية ، وجلس للوعظ
واشتهر أمره ، حتى قيل عنه ابن الجوزي زمانه.
__________________
وأما حفظه فكان من العجائب ، وكتابته على الفتوى نهاية في الحسن ،
وفصاحته وطلاقة لسانه لا يجارى فيهما ، ولي الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف ،
عوضا عن شهاب الدين أحمد بن القلقشندي بحكم وفاته ، وباشر عنه ولده قاضي القضاة شمس الدين أبو
عبد الله محمد قاضي مدينة الرملة ، وخطب في يوم الجمعة سابع رمضان سنة ٨٦٩ ه فلم يتم له ذلك وعزل بعد مدة يسيرة بالخطيب علاء الدين
القلقشندي ، ثم توجه الشيخ أبو العباس إلى القاهرة لضرورة له ، فدخل الحمام فوقع
وكسر فخذه ، ومرض إلى أن مات في يوم الأربعاء سادس عشري جمادى الآخرة سنة ٨٧٠ ه ودفن بالقرافة .
الخطيب علاء
الدين أبو الحسن علي بن الشيخ شرف الدين عبد الرحيم القلقشندي الشافعي ، مولده في سنة ٨٠٤ ه ، استقر في نصف وظيفة الخطابة بالمسجد الأقصى ، وهو
النصف الذي كان بيد أخيه الخطيب شهاب الدين أحمد ، واستمر بيده إلى أن توفى
، وكان من المعيدين بالمدرسة الصلاحية ، توفي يوم السبت وصلّي عليه بعد العصر بالمسجد الأقصى ثاني شهر ذي الحجة الحرام سنة ٨٧٤
ه ، ودفن بماملا بالقلندرية عند أقاربه.
الخطيب برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن الخطيب علاء الدين أبي
__________________
الحسن علي القلقشندي ، استقر في نصف خطابة المسجد الأقصى بعد وفاة والده ،
وكان من المعيدين بالمدرسة الصلاحية ، حج إلى بيت الله الحرام ، فقضى مناسكه وخرج من مكة فتوفي ببطن مر في شهر ذي الحجة سنة ٨٧٧ ه عفا الله عنه.
الخطيب مجد
الدين عبد الوهاب بن الخطيب عماد الدين إسماعيل التدمري الأصل ، الخليلي الشافعي ، خطيب مقام سيدنا الخليل ، عليه السلام ، باشر الخطابة
بعد والده دهرا طويلا ، إلى أن توفي في شهر ربيع الأول سنة ٨٩٠ ه بمدينة سيدنا الخليل.
شيخ الشيوخ
الخطيب محب الدين أبو البقاء أحمد بن قاضي القضاة برهان الدين أبي إسحق إبراهيم بن
قاضي القضاة شيخ الإسلام جمال الدين أبي محمد عبد الله بن جماعة الكناني الشافعي ، ولي الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف مشاركا لبقية
الخطباء ، ثم استقر فيما كان بيد الخطيب برهان الدين القلقشندي ، وهو نصف الخطابة
مضافا لما بيده وهو الثمن ، ثم عزل من النصف المذكور ، ثم أعيد إليه الربع
منه ، وولي نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية ، ثم عزل منها ثم أعيد إليها.
وسنذكر تفصيل
ذلك فيما بعد في ترجمة السلطان الملك الأشرف قايتباي نصره الله في الحوادث الواقعة في أيامه ، وتوفي إلى رحمة
الله وبيده الربع والثمن من الخطابة ، ونصف مشيخة الخانقاه الصلاحية ، وأعادة المدرسة
__________________
الصلاحية. وكانت وفاته في شهر رمضان / / سنة ٨٨٩ ه ، ودفن بماملا عند أسلافه ، واستقر بعده فيما بيده من
ذلك ولده الخطيب جلال الدين محمد فباشر الخطابة والخانقاه الصلاحية أحسن مباشرة ، إلى أن توفي بالطاعون في يوم الاثنين
سابع شهر رمضان سنة ٨٩٧ ه ، وكان شابا حسنا ، بلغ من العمر نحو اثنتين وعشرين سنة
، ولم يحصل منه ضرر لأحد ، وكان متأدبا سالكا طرق الحشمة ، لم يصدر منه ما يشينه ،
وتأسف الناس عليه ، ودفن عند أسلافه بماملا عند الشيخ أبي عبد الله
القرشي ، والشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، رحمه الله ، وعفا عنه
، وعوض شبابه الجنة.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، خطيب الخطباء شرف الدين أبو اليمن موسى بن قاضي القضاة شيخ الإسلام جمال الدين أبي محمد
عبد الله بن شيخ الإسلام نجم الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة الكناني الشافعي ، عين خطباء المسجد الأقصى ، ومعيد المدرسة الصلاحية ،
مولده في حادي عشر رجب سنة ٨٤٥ ه ونشأ في عفة وصيانة لم تعلم له صبوة ، واشتغل بالعلم
الشريف على والده وغيره ، وخطب بالمسجد الأقصى الشريف وله نحو خمسة عشر سنة ،
واستقر في الخطابة مشاركا لبقية الخطباء هو والخطيب بدر الدين محمد ، وأعاد الخطيب
شرف الدين بالمدرسة الصلاحية وفضل وتميز ، واشتغل عليه الطلبة ، وصار من أعيان بيت المقدس وهو رجل خيّر من أهل
العلم والدين لا يختلط بأحد ، ولا يتكلم بين الناس في أمور الدنيا ، وعنده فصاحة
في الخطبة ، وعلى صوته الأنس والخشوع ، وسلم الناس من يده ولسانه كان الله في عونه. وتوفي الخطيب
بدر الدين محمد بن جماعة في سنة ٩٠٧ ه ، وتوفي الخطيب شرف الدين
__________________
موسى في شهر شعبان سنة ٩١٧ ه ، رحمه الله تعالى.
وسنذكر بقية
الخطباء فيما بعد في ترجمة السلطان في الحوادث الواقعة في أيامه إن شاء الله
تعالى.
ذكر فقهاء الشافعية وغيرهم من الأعيان ومشايخ الصوفية
والزهاد بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام
الفقيه ضياء
الدين أبو محمد عيسى بن محمد الهكاري الشافعي ، أحد الأمراء بالدولة الصلاحية ، وكان كبير القدر ،
وافر الحرمة ، معولا عليه في الآراء والمشورات ، وكان في ابتداء أمره يشتغل بالفقه
بمدينة حلب ، فاتصل بالأمير أسد الدين شيركوه ، عم السلطان صلاح الدين ، وصار
إمامه ، ولما توجه إلى الديار المصرية وولي الوزارة ، كان في صحبته ، فلما توفي
أسد الدين ، اتفق الفقيه عيسى والطواشي بهاء الدين قراقوش على ترتيب السلطان صلاح الدين موضعه في الوزارة ، ودققا
الحيلة في ذلك حتى بلغا المقصود ، فلما ولي صلاح الدين رأى له ذلك ، واعتمد عليه
ولم يكن يخرج عن رأيه ، وكان كثير الإدلال عليه ، يخاطبه بما لا
يقدر عليه غيره من الكلام ، وفي سنة ٥٧٣ ه سار الملك صلاح الدين لغزو الإفرنج وأسر الفقيه عيسى فافتداه بعد سنتين بستين ألف دينار وكان
واسطة خير للناس ، نفع بجاهه خلق كثير ولم يزل على مكانته وتوفر حرمته إلى أن توفي
في سحر ليلة الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة ٥٨٥ ه بالمخيم بمنزلة الخروبة ،
__________________
موضع بالقرب من عكا ، وحمل من يومه إلى القدس ودفن بظاهره بتربة ماملا ، وكان يلبس زي الأجناد ، ويعتم بعمائم
الفقهاء ، فيجمع بين اللباسين.
الشيخ الأجل
الزاهد العابد جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد الشاشي الشافعي ، شيخ الزاوية الخنثنية بداخل المسجد الأقصى الشريف ، وقفها عليه
الملك صلاح الدين في سنة ٥٨٧ ه ، وتقدم ذكر ذلك.
الشيخ الفقيه
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خضر القرشي ، وكيل بيت المال بالقدس الشريف وهو الذي فوض إليه
الملك صلاح الدين بيع الأملاك المختصة ببيت المال بالقدس الشريف ، ثم اشترى منه
كنيسة صندحنة ، وهي المدرسة الصلاحية ، والجهات التي وقفها عليها من
بيت المال تصرف في ذلك الوقف ، وسطر ذلك في كتاب وقفه المؤرخ في ثالث عشر رجب سنة ٥٨٣ ه .
الشيخ الإمام
الزاهد العابد المجاهد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن جمال الدين عبد الله بن محمد
بن عبد الجبار ، المعروف بالقدسي ، واشتهر بأبي ثور ، كان من عباد الله الصالحين وسبب تكنيته بأبي
ثور : أنه حضر فتح بيت المقدس ، وكان / / يركب ثورا ويقاتل عليه في الغزاة فسمي
بذلك.
وقد وقف عليه
الملك العزيز أبو الفتح عثمان بن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب ، القرية التي بالقرب من باب الخليل ، أحد أبواب مدينة
القدس
__________________
الشريف ، وهي قرية صغيرة بها دير من بناء الروم ، يعرف قديما بدير مارقيوص ، ويعرف الآن بدير أبي ثور نسبة إليه ، وكان الواقف من
الملك العزيز في الخامس والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ٥٩٤ ه ، ولما توفي دفن بالقرية المذكورة وقبره بها ظاهر يزار
، وله ذرية وهم مقيمون هناك.
وما يحكى عنه أنه كان مقيما بالدير المذكور ، وكان إذا قصد ابتياع
شيء من المأكول ، كتب ورقة بما يريد ووضعها في رقبة ثوره وسيره ، فيحضر الثور إلى
القدس إلى أن يأتي إلى حانوت رجل بالقدس كان يتقاضى حوائج الشيخ ، فيقف الثور عنده ،
فيأخذ ذلك الرجل الورثة ويأخذ للشيخ ما طلبه منها ويحمله للثور ، فيرجع الثور إلى الشيخ بمكانه ، وهذا من
جملة كراماته رضي الله عنه.
الشيخ الزاهد
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم أحمد القرشي الهاشمي ، الصالح الناسك ، صاحب الكرامات الظاهرة ، كان من
السادات الأكابر والطراز الأول وأصله مغربي من الجزيرة الخضراء في بر الأندلس ، وهي مدينة قبالة سبتة ، قدم إلى مصر وانتفع به من صحبه وشاهده ، وكان يعد جماعته الذين صحبوه بأشياء من الولايات
والمناصب العليا وصحت كلها ، ونقل عنه : أن الإنسان إذا خاف التخمة من كثرة
الأكل ، وقال عقب رفع المائدة وفراغه من الأكل ، قال أبو
__________________
عبد الله القرشي : اليوم يوم عيد لم يضره ذلك ، وكان أهل مصر يحكون عنه أشياء خارقة ، وله كلام مدوّن.
قدم بيت المقدس
وأقام به إلى أن توفي في سادس ذي الحجة سنة ٥٩٩ ه وله خمس وخمسون سنة ، ودفن بماملا وقبره ظاهر يزار . وقد جدد عمارة ضريحه الشيخ أبو بكر الصفدي في شهور سنة
٧٢٢ ه ، وإلى جانبه دفن الشيخ شهاب الدين بن أرسلان الآتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وقد اشتهر عند الناس أن من جلس عند القبرين ودعى بشيء استجاب الله له
، وقد جربت ذلك فصح نفع الله بهما ، وجمعنا معهما في دار كرامته بمنه وكرمه.
الشيخ شرف الدين محمد بن عروة الموصلي ، المنسوب إليه مشهد ابن عروة بالجامع الأموي لأنه أول من فتحه ، وقد كان مشحونا بالحواصل الجامعية
وبنى قبة البركة ، ووقف وقفا على درس حديث فيه ، ووقف فيه خزائن كتب ، وكان مقيما
بالقدس الشريف ، وكان من خواص الملك المعظم عيسى ، انتقل إلى دمشق حين خرب سور بيت
المقدس ، وتوفي بها في سنة ٦٢٠ ه ، وقبره عند قباب أتابك طغتكين قبلي المصلى.
الشيخ القدوة
المحقق المسلك غانم بن علي بن حسين الأنصاري
__________________
الخزرجي المقدسي ، مولده بقرية بورين من عمل نابلس في سنة ٥٦٢ ه ، ولاه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب المشيخة بالخانقاه الصلاحية المنسوبة إليه
بالقدس الشريف والنظر عليها ، ورأيت توقيعه بذلك وعليه خط السلطان وما قرأته : «الحمد
لله على نعمائه» ، وقد قطع تاريخه لطول الزمان وهو أول من وليها ، وسكن القدس من
ذلك التاريخ ، وتناسل منه ذرية معروفون ومشهورون ، وسنذكر ما تيسر منهم إن شاء الله تعالى ،
صحب بداية الشيخ غانم مشايخ أهل زمانه وأخذ منهم مكارم الأخلاق وحسن المآثر ، توفي
بدمشق في شهر رجب الفرد سنة ٦٣٢ ه .
السيد بدر
الدين محمد بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن سالم ، أخي السيد تاج العارفين أبي الوفاء محمد لأبيه ، وهما
ولدا محمد بن زيد الدين بن حسن بن المرتضى الأكبر عوض بن زيد بن زين العابدين علي بن الحسين بن أبي طالب ،
رضي الله عنهم أجمعين.
كان السيد بدر
الدين قطبا عارفا متمكنا ، خضعت له أولياء زمانه وهرع إليه الخاص والعام وقصد
بالزيارة وزارته الوحوش والسباع ، وترددت إلى زيارته وزيارة أولاده المدفونين
بضريح شرفات ، ومرغت وجوهها عند باب ضريحه ، وله كلام على لسان أهل الحقائق وكراماته // مشهورة.
__________________
توفي في سنة
٦٥٠ ه ، ودفن بزاويته بوادي النسور هذا النسور ظاهر القدس الشريف من جهة الغرب ومسافته عن بيت المقدس نحو
ثلث بريد ، وهو مقصود للزيارة ، نفع الله به.
وأما والده الشمسي محمد فإنه كان من ذوي المجاهدات والأحوال
والإشارات والعزم الشديد في العبادات ومعانقة الطاعات ، تخرج به جمع كثير ، وظهرت
له أحوال خارقة ، توفي سنة ٦٦٣ ه.
وأما ولده
السيد محمد ، المشار إليه ، هو السيد عبد الحافظ كان من أجلاء العارفين المتصرفين ، الأخيار العلماء بأمور الدين ،
المتوجهين إلى الله تعالى ، المتوكلين عليه ، تخرج به جماعة وانتهت إليه رئاسة أهل هذه
الطريقة في زمانه ، وكان أول أمره ارتحل من وادي النسور حين ضاقت منازلها بذرية
السيد بدر إيثارا لهم ، وأعرض عن الذي يتحصل منها ، وأقام بقرية
شرفات ، بظاهر القدس وهي المشهورة في عصرنا بشرفات وحقيقة ذلك أن الأول هو اسم
هذه القرية وإنما أطلق الاسم الثاني عليها من حين مصيرها إلى السادة الأشراف أولاد السيد أبي الوفاء اشتقاقا من سكانها
الشرفاء ، توفي السيد عبد الحافظ سنة ٦٩٦ ه.
وأما ولده
السيد داود فكان من الأولياء أصحاب الكرامات ، ومن كراماته أن قرية شرفات
المذكورة ، كان بها قليل من نصارى يزرعون أرضها وليس فيها مسلم غيره وغير أتباعه
وعياله ، وكان يتستر بالعبادات حتى أظهره الله تعالى ، وكان أول أسباب ظهوره أن
النصارى بالقرية المذكورة كانوا يعصرون العنب للخمور
__________________
ويبيعونها للفساق من المسلمين وغيرهم ، فشق ذلك على السيد داود فتوجه فيهم إلى الله تعالى فكانوا
بعدها لا يعصرون الخمر إلا انقلب خلا وقيل ماء ، فقال النصارى : ساحر وارتحلوا ، وشق ذلك
على مقطعها فبلغ السيد داود ذلك ، فأرسل إليه واستأجرها منه وبنى بها زاوية وقبة ،
وهي مدفنه ومدفن أولاده وذريته ، واتفق أن القبة لما عقدت أتاها رجل طائر في
الهواء فأشار إليها بيده فسقطت ، فظن البناء أنه طائر ، فذكر ذلك للسيد داود بذلك
فأمر ببنائها.
فلما انتهت حضر
السيد داود فأتاها الطائر فأشار إليه السيد داود بيده ، فسقط ميتا في دار خلف
الزاوية ، ثم أمر أصحابه بإحضاره إليه فأحضر ، فإذا هو رجل كامل
الخلق ، نير الوجه ، شعر رأسه مسدول طويل ، فغسل وكفن وصلي عليه ودفن بالقبة المذكورة ، قال السيد داود : رجل بعثه الله لحتفه ،
فقيل له : هل تعرفه؟ قال : نعم ، هو ابن عمي اسمه أحمد الطير غارت همته من همتنا ،
وأراد أن يطفئ الشهرة بهدم القبة ، فلم يرد الله إلا الشهرة وجعله الله أول من
يدفن في القبة ، توفي السيد داود سنة ٧٠١ ه .
وأما ولده
السيد أحمد الملقب بالكبريت الأحمر الشهير بالكريدي ، كان من أجلاء المشايخ
الكاملين المحققين المتمكنين ، انتهت إليه رئاسة هذا الشأن ، ووضع الله له القبول
عند كل إنسان وأوضح على يده البرهان وسماه رجال عصره بالكبريت الأحمر ، لقلة وجود
مثله في زمانه ، وكان والده قد خرجه وتكمل في زمانه ، وكان يشير في بعض الحوادث إليه فخلفه
من بعده وتخرج به جماعة لا يحصون كثرة من ذوي الأحوال وانتمى إليه خلق كثير ، وكان
ممن تخرج به أخوه السيد شمس الدين المتوفى قبله والشيخ العارف أحمد السلطي الشهير بابن الموله ،
__________________
والشيخ العارف أبو المحاسن يوسف البربراوي نسبة إلى قرية بربر ، من أعمال غزة قريبا من عسقلان ، وقبره فيها ظاهر يزار ، والشيخ الصالح سيدي علي
المومني صحبه ، وغيرهم ، توفي السيد أحمد الكبريت الأحمر سنة ٧٢٣ ه .
وكان له خمسة
أولاد ذكرين وثلاث إناث ، أحد الذكرين السيد علي والثاني السيد محمد
البهاء ، وكانا من رجال الوقت وعارفيه وكان لهما خوارق ، ومكارم أخلاق ، وبر ، وكانا عمدة
الأرض المقدسة وما حولها يخشاهما السباع والمناحيس ، ويأوي إليهما الفقراء ، ويحضر
على موائدهم الخاص والعام ، ويقصد بركاتهما في المهمات الجم الغفير ، وكان الغالب
على السيد علي الصحو والحضور ، وعلى الشيخ محمد البهاء الاستغراق والغيبة .
ثم توفي السيد
البهاء عن ولدين فرباهما السيد علي ، وفي أيامهم وقف منجك نائب الشام / / عليهم قرية شرفات المذكورة ، فتوقف
السيد علي في أمرها ، ثم قبلها ليصيرها مرعى أغنامهم ، ويكون من أشجارها
أحطابهم ، ولم تؤرخ وفاة السيد محمد البهاء ، وأما السيد علي فوفاته سنة ٧٥٧ ه وله نيف وخمسون سنة.
وأما ولد الشيخ
علي هو السيد تاج الدين أبو الوفاء محمد كان لا يقطع التردد إلى القدس فيأتيه
أكثر مما كان يأتيه والده وجده الكبريت الأحمر ، فاشترى بالقدس دارا وبنى فوقها ،
وهو أول من استوطن بالقدس الشريف بعد موت أبيه في سنة ٧٨٢ ه ، وتوفي في يوم الجمعة السادس عشر من ذي القعدة سنة
__________________
٨٠٣ ه ودفن بماملا شرقي البركة وهو والد الشيخيين الصالحين
الشيخ أبي بكر والشيخ علي ، الآتي ذكرهما ، فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ومن أقاربهم
الشيخ كمال الدين من أجلاء الرجال ذوي الأحوال والمكاشفات ، وكان الغالب
عليه الجدب ومحاسبة النفس ، غضب يوما على إنسان فنظر إليه نظرة غضب فمات لوقته ،
وله تصرفات وحالات لا تسعها الإفهام ، توفي وله نيف وخمسون سنة ، وأخبرت أن وفاته
بعد الثمانمائة ، ودفن بظاهر القدس عند برج عرب على طريق المار إلى قرية لفتا .
وأما ضريح
شرفات فقد حوى من البدرية ، المشار إليهم ، عدة أربعين لا تكاد تحصى
مناقبهم لكثرتها ، رحمهم الله ورضي عنهم ، ونفعنا بهم بمنه وكرمه.
الشيخ علي
البكا ، صاحب الزاوية بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، كان مشهورا بالصلاح
والعبادة ، وإطعام من يجتاز به من المارة والزوار ، وكان الملك المنصور قلاوون يثني عليه ويذكر أنه اجتمع به وهو أمير وأنه كاشفه في
أشياء وقعت.
وسبب بكائه
الكثير أنه : صحب رجلا كانت له أحوال ، وخرج معه من بغداد ، فوصلا في ساعة واحدة
إلى بلد بينها وبين بغداد مسيرة سنة ، فقال له ذلك الرجل : أني سأموت في الوقت
الفلاني فاشهدني ، فلما كان ذلك الوقت حضر عنده وهو في السياق ، وقد استدار إلى
الشرق فحوله الشيخ على القبلة ، فقال له : لا تتعب فإني لا أموت إلا على هذا الوجه
، وجعل يتكلم بكلام الرهبان حتى مات ، فحمله الشيخ علي وجاء به إلى دير هناك ،
فوجد أهل الدير في حزن عظيم فقال : ما شأنكم؟ قالوا : كان عندنا شيخ كبير ابن مائة
سنة ، فلما كان اليوم مات على دين الإسلام ، فقال الشيخ علي : خذوا هذا بدله
وسلموه إليه فوليه وصلى عليه ودفنه.
__________________
توفي الشيخ علي
البكا في جمادى الآخرة سنة ٧٧٠ ه ، ودفن بزاويته المشهورة ، وهي بحارة منفصلة عن مدينة
سيدنا الخليل من جهة الشمال والذي بنى الزاوية والإيوان وما معه الأمير عز الدين أيدمر في دولة الملك الظاهر بيبرس في سنة ٦٦٨ ه قبل وفاة الشيخ علي ، ثم بنى قبة الزاوية من الساحة وما
معها الأمير الأسفهسلار حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة الشريفة في دولة الملك المنصور قلاوون في
المحرم سنة ٦٨١ ه ثم بنى البوابة والمنارة علوها وهما في غاية الإتقان
والحسن والبهاء ، والبوابة بوجهين.
الأمير سيف
الدين سلار نائب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية بمباشرة
الأمير كيكلدي النجمي في دولة الملك الناصر محمد قلاوون في مستهل رمضان سنة ٧٠٢ ه . الشيخ الإمام العلامة ، الخطيب القدوة ، برهان الدين
أبو إسحق إبراهيم بن أبي الفضل سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله بن
جماعة الكناني الحموي المولد ، الشافعي المذهب ، من ولد مالك بن
__________________
كنانة ، ولد بحماه في يوم الاثنين منتصف رجب سنة ٥٩٦ ه ومات أبوه وهو صغير ، ثم انتقل إلى دمشق وتفقه على
الشيخ أبي منصور بن عساكر ، ثم اشتغل بالحديث ودرس بعدة أماكن ، وكان كثير التهجد
ملازما للاشتغال بالحديث ، والصيام ، عارفا بعلم أهل الطريقة ، حسن الكلام فيه ،
له قبول عند الناس ، ولهم فيه اعتقاد ، وحج مرارا آخرها في سنة ٦٧٣ ه ، ثم قصد من حماه زيارة بيت المقدس في ذي القعدة سنة
٦٧٥ ه ، اصطحب معه كفنه وودع أهل البلد وأخبرهم أنه يموت بالقدس ،
فوصل إليه وأقام به أياما ، ثم مرض يومين ، وتوفي في الثالث ، وكانت وفاته بكرة
يوم عيد الأضحى سنة ٦٧٥ ه وصلي عليه ضحوة النهار / / في المسجد الأقصى ودفن بماملا عند الشيخ أبي
عبد الله القرشي ، وهو أول من استوطن ببيت المقدس من بني جماعة ، وكان يلقب بصاحب
عرفه ، لأنه رآه جماعة من الناس بعرفة وأصبح خطيب عيد الأضحى بمدينة حماة ، فلما
ظهرت له هذه الكرامة ، توجه إلى زيارة القدس ، وتوفي به كما تقدم ، رحمه الله.
الشيخ العالم الكبير الصالح أبو عبد الله محمد بن الشيخ العارف غانم
المقدسي الأنصاري ، وقفت على مرسوم السلطان الملك المنصور قلاوون أن يقرر له برسم
زاويته في كل شهر غرارتان قمح بالكيل النابلسي إنعاما مستمرا ، مؤرخ المرسوم في الثالث من المحرم سنة
٦٨٠ ه ، ولم اطلع على ترجمته ولا تاريخ وفاته ، رحمه الله.
__________________
عمر بن إبراهيم
بن عثمان بن كعب الواسطي ، توفي في ليلة الجمعة خامس عشر شعبان سنة ٦٨٤ ه ودفن
بماملا وقبره عليه بناء عظيم ، وهو على جانب الطريق قبلي قبة الكبكي ، ولا أعرف له ترجمة.
قبر وجدنا
بالقرب من قبر
الواسطي المذكور من جهة القبلة قبر على جانب الطريق السالك ، يعرف بقبر وجدنا ،
والسبب في ذلك أنه مر إنسان وهو راكب فقرأ عند قوله تعالى : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)) فأجاب من بالقبر بقوله : وجدنا حتى سمعه ذلك الرجل ، وهو قبر مشهور عليه
أحجار كبار ، ولا يعرف اسم صاحبه ، وإنما يعرف بقبر وجدنا ، وقد وهم بعض الناس فظنه قبر الواسطي وليس كذلك ، فإن ذلك اسمه مكتوب على
القبر ، وهذا ليس عليه كتابه ، وحكي أن بعض الناس أخذ الأحجار التي على قبر وجدنا
ونقلها إلى مكان آخر ، فأصبح وقد وجدها على القبر كما كانت ، فعد ذلك أيضا من كراماته ،
رحمه الله.
الفقيه شرف
الدين قاسم بن الشيخ القدوة علم الدين سليمان بن شرف الدين قاسم الحوراني نزيل القدس الشريف ، كان موجودا في سنة ٦٩٦ ، وهو جد بني قاسم المشهورين بالقواسمة وكان له صلة
بالأمير سنجر الدواداري ، واقف الدوادارية بباب شرف الأنبياء ، وجعله مشاركا
بمدرسته ، وأشركه في النظر مع والده جمال الدين موسى ، وعين ذلك في كتاب وقفه
المتقدم
__________________
ذكر تاريخه من ذكر تاريخ مدرسته .
الشيخ أبو
يعقوب المغربي المقيم بالقدس الشريف كان الناس يجتمعون به وهو منقطع
بالمسجد الأقصى ، توفي بالمحرم سنة ٦٩٨ ه.
الشيخ الصالح العابد
الزاهد جلال الدين أبو إسحق إبراهيم بن الصدر زين الدين محمد بن أحمد بن محمود بن محمد العقيلي ، المعروف بابن القلانسي ، ولد سنة ٦٥٤ ه ، وسمع على جماعة ، واشتغل بصناعة الكتابة ، ثم انقطع
وترك ذلك كله وأقبل على العبادة والزهادة وبنى له الأمراء بمصر زاوية وترددوا إليه
، وكان فيه بشاشة وقضاء حاجة ، وكان ثقيل السمع ، وانتقل إلى القدس ، وقدم دمشق
وحدث بها ثم عاد إلى القدس ، وتوفي ليلة الأحد الثالث من ذي القعدة سنة ٧٢٣ ه ، ودفن بماملا ، رحمه الله.
الشيخ الصالح
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المصري القصري ، توفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة سنة
٧٢٣ ه ، ودفن بماملا.
الشيخ العلامة ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ حسام الدين
سليمان بن غانم شيخ حرم القدس الشريف ، رأيت توقيعا له من قاضي القضاة
علاء الدين أبي الحسن علي القونوي الشافعي ، قاضي دمشق بمشيخة الحرم بالقدس الشريف ، تاريخ التوقيع في يوم الجمعة
ثامن شوال سنة ٧٢٨ ه .
الشيخ إبراهيم
الهدمة ، أصله كردي من بلاد الشرق قدم الشام ، وأقام
__________________
بين القدس والخليل في أرض اختارها ، وعني بها وزرع فيها ، وكان يقصد للزيارة ، وظهرت له كرامات ،
وقد بلغ من العمر مائة ، وتزوج في آخر عمره ، ورزق أولادا صالحين ، وحكى
عنه أنه كان يصرف له من سماط سيدنا الخليل ، عليه السلام ، في كل يوم عشرة أرغفة ،
فكانت تجمع له من أول الأسبوع إلى آخره ، فيحضر في آخر يوم من الأسبوع ، ويدفع
له الخبز عن جميع ذلك الأسبوع ويفت في وعاء يوضع عليه الجشيشة من السماط الكريم ، فيأكله جميعه ويستمر بقية الأسبوع
لا يأكل شيئا ، توفي في جمادى الآخرة سنة ٧٣٠ ه ، ودفن بالقرب من قرية سعير بين القدس والخليل.
الشيخ الإمام
العالم العلامة ، القدوة المحقق ، برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن عمر ابن
إبراهيم / / بن خليل المقرئ الجعبري الخليلي الشافعي ، كان يقال له : شيخ حرم الخليل ، ولد بجعبر في حدود سنة ٦٤٠ ه وتلى بالسبع وبالعشر ، ثم قدم دمشق
، ثم رحل إلى بلد الخليل ، عليه السلام وأقام به مدة طويلة نحو أربعين سنة ورحل الناس إليه ، وروى عنه
خلائق ، وصنف نزهه البرره في قراءة العشرة ، وشرح الشاطبية والرائية ، واختصر مختصر ابن
__________________
الحاجب ، ومقدمته في النحو ، وكمل شرح التعجيز ، فإن صاحبه لم يكمله ، وله مصنف في علوم الحديث ،
ومناسك الحج للجعبري ، وإلى غير ذلك من التصانيف المختصرة التي تقارب المائة ، وكان
منور الشبيبة ، ولي مشيخة مسجد الخليل ، عليه السلام ، إلى أن توفي في يوم الأحد
الخامس من شهر رمضان سنة ٧٣٢ ، دفن بظاهر البلد تحت الزيتونة وله اثنتان وتسعون سنة رحمه الله.
الشيخ سيف
الدين أبو بكر بن الشيخ القدوة حسن بن الشيخ القدوة غانم الأنصاري ، كان موجودا في
المحرم سنة ٧٣٣ ه ، وولداه شمس الدين محمد والشيخ عبد الرحيم كانا موجودين في شهر
رجب سنة ٧٦٤ ه . وممن كان في عصر الشيخ سيف الدين الشيخ شرف الدين عيسى
بن موسى بن الشيخ غانم ، ولم اطلع لأحد منهم على ترجمة ولا تاريخ وفاة ، رحمهما
الله.
الشيخ فخر
الدين عثمان برهان الدين إبراهيم العجمي الشافعي ، كان من الفقهاء والعدول
بالقدس الشريف ، وكان موجودا في سنة ٧٣٥ ه .
الأمير جلال
الدين الفشي بن عز الدين بن حسام الدين أتابك الكيلاني المغاري من
ذرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، توفي يوم الاثنين سنة ٧٣٩ ه ، ودفن بباب الرحمة.
__________________
القاضي علاء
الدين أبو الحسن علي بن محمد الصالحي الشافعي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف
، كان موجودا في سنة ٧٨٠ ه .
الشيخ الفاضل
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل ابن أبي العباس
الجعبري الشافعي ، ولد في حدود التسعين وستمائة وسمع الحديث على جماعة منهم والده ، واستجاز له
أبوه جمعا ، وولي مشيخة حرم الخليل ، عليه السلام ، بعد والده وانفصل منها ، ثم
أعيد واستمر إلى أن مات في ثامن عشر صفر سنة ٧٤٩ ه .
وكان قد زوجه
والده بالمرأة الصالحة زهرة ، بنت الشيخ زين الدين عمر أخي الشيخ علي البكاء فولدت
له عدة أولاد يعرف منهم خمسة محمد وأحمد وعمر وعلي وإبراهيم.
وأما محمد فلم
يعرف من حاله إلا أنه استجيز له جمع كبير من العلماء ، وكأنه مات صغيرا ، وأما أحمد
فإنه عاش وحدث ، له أولاد ، ولكن لا يعرف له ترجمة.
وأما عمر
فالظاهر أنه الأكبر وله ترجمة ، وهو الشيخ الفاضل الصالح ، ولد سنة ٧١٤ ه ،
واستجاز له الحافظ أبو محمد البرزالي جمعا كبيرا من العلماء ، وولي مشيخة الحرم الخليل ،
عليه السلام ، بعد والده مستقلا ، بها ، وكان يقاسم إخوته المعلوم المتعلق بها ، وأخذ طريقة السادة الصوفية والبكائية عن
__________________
خاله الشيخ علي بن الشيخ عمر ، فكان شيخ الطائفة المذكورة وشيخ الزاوية
الكائنة على ضريح الشيخ علي البكا والناظر عليها ، وكان معتقدا فيه
الصلاح والخير ، توفي سنة ٧٨٥ ه .
وأخوه علي هو
الشيخ الصالح الفاضل نور الدين ويقال علاء الدين أبو الحسن علي ، ولد في حدود سنة ٧٢٠ ه ، واستجاز له جده الإمام برهان الدين بن العلامة شرف
الدين البارزي وسمع هو على الميدومي وغيره وولي مشيخة حرم الخليل عليه السلام ، بعد أخيه
الشيخ عمر ، وتوفي هو بعد أن فوض المشيخة إلى ولده ، الآتي ذكره في سنة ٨٠٣ ه
.
وأخوه الشيخ
إبراهيم برهان الدين ، لم يعرف له ترجمة ووجدت وصيته في سنة ٨٠٥
ه .
وأما ولده
الشيخ نور الدين ، الموعود بذكره ، هو الشيخ الصالح الفاضل شمس الدين أبو عبد الله
محمد بن الشيخ نور الدين علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري ، ولد سنة ٧٥٦ ه وسمع من أبيه وعمه الشيخ عمر وغيرهما ، وكانت عنده
الخرقة البكائية عن عمه الشيخ عمر ووالده وتفرد بروايتها ، وقصده جماعة لأخذها عنه
، وولي مشيخة الزاوية البكائية بعد عمه الشيخ عمر ،
__________________
ومشيخة الحرم بعد أبيه بتفويض منه ، وتزوج بنت عمه الشيخ برهان الدين
إبراهيم ، وحدث له منها أولاد منهم الشيخان الشمسي والسراجي المعروفان ، وسنذكر
ترجمتهما فيما بعد ، إن شاء الله تعالى.
الشيخ العالم
الفاضل ، زين الدين عبد القادر ، توفي بعد أن اشتغل بالعلم والقراءات والحديث وسمع
على الميدومي وغيره // ، وكانت وفاته في سنة ٨٢٧ ه عن أزيد من أربعين سنة.
وتوفي الشيخ
شمس الدين الجعبري ، المشار إليه ، في سنة ٨٤١ ه مطعونا رحمه الله ، وزوجته ست المشايخ بنت برهان الدين
، مولدها سنة ٧٥٤ ه ، وتوفيت في سنة ٨٤٣ ه ، رحمة الله عليهم أجمعين.
الشيخ شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين حسن بن علاء الدين أبي الحسن علي الصفدي
الشافعي ، كان من أعيان الفقهاء بالقدس الشريف ، وكان يتحمل الشهادة عند القضاة ،
وكان موجودا في حدود الخمسين والسبعمائة.
الشيخ العالم
الصالح غانم بن عيسى غانم المقدسي الصوفي ، كان شيخا للصوفية بالخانقاه الصلاحية
بالقدس الشريف ، وله نظم رائق ، توفي الشيخ غانم في سنة ٧٧٠ ه بالقدس الشريف.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، جمال الدين عبد الله بن الشيخ الإمام العلامة ناصر الدين أبي عبد
الرحمن بن حسام الدين / / أبي الربيع سليمان بن غانم الشافعي ، شيخ حرم القدس الشريف ، كان موجودا في سنة ٧٧١ ه .
القاضي بدر
الدين أبو المعالي محمد بن القاضي تقي الدين أبي الفتح محمد بن القاضي قطب
الدين عبد اللطيف بن الشيخ صدر الدين يحيى السبكي الأنصاري ، الإمام العالم ،
البارع الأوحد ، مولده بالقاهرة سنة ٤ ، وقيل : ٥ ،
__________________
وقيل سنة : ٧٣٦ ه ، سمع من جماعة بمصر والشام ، ودرس وأفتى وعمره خمسة
عشر سنة في حياة جده لأمه قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، وناب في الحكم بدمشق لخاله القاضي تاج الدين السبكي ، ثم ولي قضاء العسكر بدمشق ، وكان حسن الخطابة ، كثير الأدب والحشمة والحياء
، والناس مجتمعون على محبته ، توفي بالقدس الشريف في شوال سنة ٧٧١ ه ،
ودفن بمقابر باب الرحمة ، رحمه الله.
الشيخ الصالح
عبد الله الهندي ، كان من الأولياء المشهورين ، توفي بالقدس الشريف ليلة
الجمعة السابع عشر ربيع الآخر سنة ٧٧٣ ه ، ودفن بماملا عند أبي عبد الله القرشي.
المسند بدر
الدين محمد بن الأمير سيف الدين قلنج بن كيكلدي بن عبد الله ،
العلامة الدمشقي الشافعي ابن أخي الحافظ أبي سعيد العلائي ، ولد في ثالث شعبان سنة
٧١٥ في دمشق ، وسمع من جماعة ، وحدث وسمعه الفضلاء ، وكان رجلا حسنا وله أولاد
وفيه خير ، توفي بالقدس الشريف يوم الجمعة حادي عشر شعبان سنة ٧٧٦ ه ، ودفن بباب الرحمة.
شيخ الإسلام
تقي الدين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن
__________________
صالح القلقشندي المصري الشافعي ، الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، نزيل القدس الشريف
وفقيهه مولده سنة ٧٠٢ ه بمصر ، وقرأ بها وحصل ، ثم قدم دمشق ، وقرأ على الشيخ
فخر الدين المصري ، فأجازه بالإفتاء ، ثم أقام بالقدس الشريف مثابرا على نشر العلم
، وتزوج بنت مدرس الصلاحية العلائي وأعاد عنده واشتهر أمره وبعد صيته ورحل إليه ، وكثر تلامذته ، توفي بالقدس الشريف في يوم الثلاثاء
سادس جمادى الآخرة سنة ٧٧٨ ه ، ودفن بالقلندرية بماملا ، وهو أول من استوطن بيت
المقدس من بني القلقشندي ، وله ذرية معروفة سنذكر تراجمهم إن شاء الله تعالى.
الشيخ العلامة
سراج الدين أبو حفص عمر الزيلعي المقدسي الشافعي ، أحد علماء القدس الأخيار ، توفي في سادس رجب سنة ثمان
وسبعين وسبعمائة بالقدس الشريف ، ودفن بالقلندرية بماملا ، رحمه الله.
السيد الشريف
الحسيب النسيب ، الشيخ شهاب الدين أبو الخير بادار بن عبد الله القونوي البصير ، نزيل القدس الشريف ، كان يتكلم على الناس بقبة
السلسلة بصحن الصخرة ، قال الشيخ بدر الدين محمود العجلوني : ما عرفت الله إلا بملازمة مجالسه ، وقبره ظاهر بالقدس
الشريف بالقرب من خان الظاهر ، وهو معروف يزار ، وعنده إيوان به محراب على جانب
الطريق ، توفي يوم
__________________
الجمعة ثامن عشر شعبان سنة ٧٨٠ ه .
الشيخ القدوة
شمس الدين محمد بن سليمان بن حسن بن موسى بن غانم المقدسي ، شيخ بيت المقدس ولد في رمضان سنة ٧٠٧ ه ، سمع من هدية بنت عساكر ، الأول من حديث الهاشمي ، والأول من مشيخة العيسوي ، ومن زينب بنت شاكر ، ثلاثيات الدارمي ، ومن محمد بن يعقوب الجزائري السفينة الجرائدية ، وهي
سبعة أجزاء ، وحديث ببيت المقدس وغيره ، ومات في ذي الحجة سنة ٧٨٠ ه .
الشيخ الأوحد
العالم بدر الدين محمد بن الشيخ الإمام العالم جمال الدين عبد الله بن الشيخ ناصر
الدين محمد بن غانم ، شيخ حرم القدس الشريف ، كان موجودا في سنة ٧٨٢ ه .
الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب الشافعي ، فقيه القدس ومفتيه ،
انتفع عليه فقهاء بيت المقدس ، وأخذ عن الشيخ سعد الدين الديري الأصول ، وأخذ غيره عنه من العلماء علوما كثيرة ، توفي
بالمدينة الشريفة ، ودفن بالبقيع في سنة ٧٨٦ ه .
الشيخ الإمام
العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شمس الدين
__________________
أبي عبد الله محمد بن حامد الأنصاري المقدسي الشافعي ، ولد في شهر ربيع
الأول سنة ٧٣١ ه ، سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وصار من الفضلاء ، توفي
في شهر ذي الحجة ٧٨٧ ه ، رحمه الله.
الشيخ الصالح
الزاهد قطب زمانه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر ،
التركستاني الأصل ، المعروف بالقرمي الشافعي ، مولده في سابع عشر
الحجة سنة ٧٢٠ ه ، كان أحد أفراد زمانه عبادة وزهدا وورعا ، متصديا
لزيارة الأولياء القادمين من البلاد على القدس ، وتأتي الملوك إلى بابه ، ولم يكن
في زمانه أشهر بالصلاح منه ، وله خلوات ومجاهدات ، وكان يقرأ القرآن كثيرا ، يقرأ
/ / في اليوم والليلة ثلاث ختمات.
ولما احتضر حضر
عنده الشيخ عبد الله البسطامي فقال له : إن الناس قد أكثروا فيك القول فيما تقرأ من
الختم في اليوم فأخبرني ، فقال : أنا لا أضبط ذلك ، ولكن ثم من ضبط أني قرأت من
الصبح إلى العصر خمس ختمات ؛ وكان نشأ بدمشق ، ثم أقام ببيت المقدس ، وبني له
زاوية ، وكان يقيم بالخلوة أربعين يوما لا يخرج إلا للجمعة ، وسمع الصحيح من
المجاز بالجامع الأموي تحت المنبر سنة ٧٢٨ ه ومن غيره أيضا ، وكان يسئل في الحديث فيمتنع ، ثم حدث
في آخر عمره ، وسمع منه الشيخ شهاب الدين بن أرسلان وغيره.
توفي بالقدس
الشريف نهار الأحد التاسع من صفر سنة ٧٨٩ ه ، وحمل جنازته العلماء والمشايخ والصلحاء ، ولم يتأخر
بمدينة القدس أحد عن دفنه ، ودفن بزاويته بخط مرزبان بالقرب من حمام علاء الدين
البصير ، وله كرامات ظاهرة ،
__________________
رحمه الله ونفعنا به ، والدعاء عند قبره مستجاب ، وكان في عصر الشيخ محمد
القرمي.
والأمير ناصر
الدين محمد بن علاء الدين علي شاه بن ناصر الدين محمد الجبيلي ، كان
من أمراء العشرات بغزة المحروسة ، وهو مقيم بالقدس ، وله أوقاف كثيرة وعمارات من
جملتها زاوية الشيخ محمد القرمي ، المتقدم ذكرها ، وغيرها بالخط المذكور وغيره ، وكان له اعتقاد بالشيخ محمد القرمي ، ووقف عليه
وعلى ذريته ثلث جهاته ، وأخبرت أنه توفي في حياة الشيخ ، ووقف على غسله
، ودفن بماملا بالقرب من أبي عبد الله القرشي.
شيخ الإسلام برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن شيخ الإسلام تقي الدين أبي الفدا إسماعيل القلقشندي
الشافعي ، ولد سنة ٧٤٨ ه ، وكان من العلماء الأعلام ، سمع على والده وجده ، وله
كرامات ظاهرة رحمه الله ونفعنا به ، والدعاء عند قبره مستجاب مجرب ، وكان العلائي وتفقه بهما ، وسمع على البهاء والتاج
السبكيين ، وأذنا له في الإفتاء والتدريس ، وأخذ عن خلق من
العلماء ، وكان من عجائب الدنيا حفظا وذكاء واستحضارا للعلوم حتى قيل : أنه كان يحفظ
فردة كتب ، توفي سنة ٧٩٠ ه وكان آخر كلامه : لا إله إلا الله ، وحكي أنه قبل موته
بقليل نظر إلى أخيه العلامة شمس الدين ثم أنشده بلسان طلق :
أمحمد صبرا
فقبلك قد بكت
|
|
عين النبي
ومات إبراهيم
|
ودفن بماملا
بتربة أقاربه إلى جانب أبيه ، رحمه الله تعالى.
__________________
القاضي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن
مزهر ، اشتغل بالعلم ، ونشأ على طريقة حسنة ، ولي كتابة السر
بدمشق مرتين عشر سنين ونحو ثمانية أشهر وباشر بعفة ونزاهة ، وكان شكلا حسنا ، توفي
بالقدس الشريف بذي القعدة سنة ٧٩٣ ه .
الشيخ الصالح القدوة عبد الله بن خليل
بن علي الأسد أبادي البسطامي ، كان من أولياء الله تعالى ، العارفين
وله أحوال ظاهرة ، وهو صاحب الزاوية البسطامية بحارة المشارقة ، توفي بالقدس
الشريف سنة ٧٩٤ ه ، ودفن بحوش البسطامية بماملا عند شيخه الشيخ علي العشقي ،
المتقدم ذكره.
المسندة الصالحة البركة أسماء ابنة الحافظ صلاح الدين خليل بن العلائي ، ولدت سنة ٧٢٥ ه ، وسمعت على والدها وغيره ، وحدثت بالكثير من مسموعاتها وهي زوجة العلامة تقي
الدين إسماعيل القلقشندي وأم ولديه الشمس والبرهان ، أجازت بالفتوى لحفيدها
شيخنا التقوي القلقشندي ، الآتي ذكره ، وتوفيت سنة ٧٩٥ ه ودفنت عاملا بالقلندرية ، بجوار زوجها وأولادها ، رحمهم
الله.
الشيخ القدوة أبو حفص عمر بن نجم الدين
بن يعقوب البغدادي ، ثم المقدسي المعروف بالمجرد ، ولد ببغداد سنة ٧١٢ ه ، وسمع البخاري
__________________
بدمشق سنة ٧٢٦ ه ، وأقام ببلد سيدنا الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، سنة
٧٧٠ ه ، وبنى به زاوية في غاية الحسن بناء ومنظرا ، وبنى
أماكن بأعلاها ، ورتب فيها من يتعلم القرآن ، وأجرى لهم المعاليم ، وكان إذا قرأ
القرآن عنده أحد يخيره بين الإقامة عنده بشرط أن يشتغل بالعلم
ويعطيه كتابا أو يذهب إلى بلد آخر ، ولا يدع أحد يقعد عنده بطالا ، وكان في فعل الخير من العجائب ، لا يقصد في حاجة إلا
قضاها ، ويضيف من قصده بما حضر عنده ، وكان يوجد عنده من / / المأكولات أطيبها ، وكان شيخا طويلا يلبس على رأسه قبعا من غير عمامة ، توفي في ذي الحجة
سنة ٧٩٥ ه ودفن بزاويته ببلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وقد
وهم بعض المؤرخين فيه ، فظنه الشيخ عمر المجرد ، واقف زاوية المغاربة بالقدس
الشريف ، لاشتراكهما بالاسم والشهرة ، وليس كذلك فإن صاحب زاوية المغاربة بالقدس
الشريف الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد ، وتاريخ وقفه
لزاويته في ربيع الآخر سنة ٧٠٣ ه قبل مولد الشيخ عمر صاحب هذه الترجمة بتسع سنين ، ولما
توفي الشيخ عمر المجرد صاحب الزاوية ببلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، كان قد فوض
أمر زاويته إلى الشيخ العلامة جمال الدين عبد الله الهنتاتي المالكي في خامس شهر جمادى الأولى سنة ٧٩٥ ه ، وأقام
بها وفعل من كل حسن وجميل ، ثم في العشر الأولى من شهر ربيع الأول سنة ٨٠٦ ه قرر الشيخ جمال الدين المذكور ولديه محمد وأحمد في
المشيخة بالزاوية ، والتصرف فيها ، وكتب مستندا بذلك عليه خط شيخ الإسلام شهاب
الدين أحمد بن الهائم ،
__________________
والشيخ خليفة المالكي .
الشيخ عيسى بن
عبد الرحمن ، الشهير بالغوري المجدوب ، الخير الصالح ، كان صالحا
ببيت المقدس ، وأهل بيت المقدس يقولون : أنه خفيرها ، ولما مات
قطعوا عباءته قطعا صغيرة وحملوها في عمائهم ، وممن كان يعتقد فيه قاضي القضاة سعد الدين الديري ، توفي بالقدس الشريف في سنة ٧٩٧ ه بالمسجد الأقصى الشريف عند جامع المالكية خلف المصطبة.
الشيخ الإمام
القدوة الزاهد العابد الخاشع الناسك أبو بكر بن علي بن عبد الله بن محمد الشيباني
الموصلي ، ثم الدمشقي الشافعي ، العالم المفيد ، بقية مشايخ علماء
الصوفية ، وحيد عصره ، قدم من الموصل وهو شاب ، وعلا ذكره وصار يتردد إليه نواب
الشام ويمتثلون أوامره ، وحج غير مرة ، وكان من كبار الأولياء ، جمع بين علمي
الشريعة والحقيقة ، ورزق العلم والعمل وقد زاره السلطان برقوق في منزله بالأمينية
بجوار سور المسجد الأقصى من جهة الشمال ، توفي بالقدس الشريف في ليلة الاثنين حادي عشر شوال سنة ٧٩٧ ه ، ودفن
بماملا ، وله مصنفات كثيرة في التصوف وغيره ، وله منسك صغير في نحو كراسين ، ذكر
فيه المذاهب الأربعة.
الشيخ محمد بن
أبي جوز ، رجل صالح من أولياء الله ، توفي بعد الثمانمائة
بالقدس الشريف ، ودفن بماملا قبلي البركة من باب القلندرية ، ونقل أن
__________________
الدعاء عند قبره مستجاب.
المسندة خديجة
بنت أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن مسعود بن سعد الله الخليلية ، سمعت الحديث وحدثت ، وأجازت لأبي الفتح المراغي ،
والحافظ ابن حجر ، وتوفيت في أواخر سنة ٨٠١ ه .
الأمير شرف
الدين موسى بن علم الدين سليمان ، المشهور بابن العلم نسبة لوالده ، وهو المنسوب
إليه حارة العلم ، وله ذرية معروفون ، ويعرف والده بابن المهذب ، وكانت وفاة العلم
في حدود السبعين والسبعمائة ، وكان شرف الدين موسى أحد رجال الحلقة الشامية ، وهو مقيم بالقدس الشريف ، توفي سنة ٨٠٢ ه ، ودفن بالحارة المذكورة في تربة هناك معروفة به.
الشيخ شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي ، ولد في سنة ٧٢٣ ه ، وبكر به والده إلى السماع ، هو آخر من حدث عن أبي
حيان بالبلاد الشامية ، توفي بالقدس الشريف في ربيع الآخر سنة ٣ فقيل
في ليلة الاثنتين رابع عشر ربيع الأول سنة ٨٠٢ ه ، ودفن من الغد بجانب قبر أبيه
بباب الرحمة.
الشيخ أبو
العباس أحمد بن محمد بن محمد بن خليفة بن الناصح المصري ، الصالح المحدث ، كان من المشهورين بالصلاح ، وحكى
الشيخ بن خليفة المالكي أنه شاهده وقد خرج من المدرسة الفخرية إلى الأقصى ،
__________________
ورأى الأرض تنطوي تحته ، ولد سنة ٧٣٠ ه ، وتوفي في رمضان سنة ٨٠٤ ه
المسند شهاب
الدين أحمد بن محمد بن عثمان الحنبلي القدسي ، نزيل غزة ، ولد سنة ٧٣٣ ه ، وسمع من أبي الفتح الميدومي ، والعلائي وغيرهما ، ومن تصانيفه :
القول الحسن في بعث معاذ إلى اليمن ، وتحقيق المراد في أن النهي يقتضي العناد ، وأجاز له جماعة ، وكان فاضلا دينا صالحا ، توفي في
صفر سنة ٨٠٥ ه .
الشيخ المسند
زين الدين عبد الرحيم بن محمد بن حامد الأنصاري الشافعي ، كان من قراء الحديث والتفسير ، وسمع على الميدومي
والعلائي / / وغيرهما ، وسمع عليه شيخنا التقوي القلقشندي وأجازه ، توفي سنة ٨٧٧ ه.
الشيخ الصالح
العابد الزاهد الشيخ الصامت الهدمي شيخ الزاوية الأدهمية ، توفي في سلخ رجب سنة ٨٠٧
ه ، ودفن بالزاوية المذكورة ، أسفل الساهرة ، وكان قبله شيخ الزاوية الأدهمية
المذكورة ، الشيخ داود الأدهمي ،
__________________
وأخبرت أن وفاته قبل وفاة الشيخ الصامت بثلاثين سنة ، ودفن بالزاوية
المذكورة.
القاضي جمال الدين
أبو محمد عبد الله بن القاضي شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين أبي
المحامد حامد الشافعي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف ، كان موجودا في سنة ٨٠٧
ه.
المسندة آمنة
بنت العلائي تقي الدين القلقشندي ، ولدت في بضع وأربعين وسبعمائة ، سمعت على والدها وجدها لأمها ، المسلسل بالأولية وغيره ،
وسمعت على الميدومي وجماعة ، وحدثت بالقدس الشريف ، توفيت في ربيع الآخر سنة ٨٠٩ ه
ودفنت بالزاوية القلندرية في ماملا جوار أبيها.
شيخ الإسلام
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ العلامة تقي الدين إسماعيل القلقشندي ، الإمام العالم شيخ مدينة القدس وعالمها ، ولد سنة ٧٤٥
ه سمع على الميدومي ، وأخذ عن أبيه وجده لأمه.
الحافظ صلاح
الدين العلائي ، اشتغل ومهر وساد حتى صار شيخ القدس في الفتوى والتدريس ، توفي في
شهر رجب سنة ٨٠٩ ه بالقدس الشريف ، ودفن بمقبرة ماملا عند والده وأخيه بالقلندرية
، ومن نظمه ، رحمه الله :
لم أر مثلي
مذنبا عاصيا
|
|
على معاصي
ربه أجرى
|
نفسي حرون فإذا شهوة
|
|
لاحت كما ريح
الصبا أجرى
|
إني على مثل
هذا وأمثاله
|
|
أنال من رب
العلا أجرا
|
المسندة غزال
عتيقة الشيخ تقي الدين إسماعيل القلقشندي أم عبد اللطيف ، سمعت من الميدومي ، وأجازت لشيخنا التقوي القلقشندي ، توفيت بالقدس الشريف في تسع وثمانمائة ، ودفنت بباب
الرحمة.
__________________
الشيخ العلامة
زين الدين عبد الرحيم بن شيخ الإسلام نجم الدين محمد بن زين الدين عبد الرحيم بن جماعة الكناني ، أخو الخطيب جمال الدين بن جماعة ،
مولده في سنة ٧٧٧ ه ، وكان من الفضلاء ، أعاد في المدرسة الصلاحية ، توفي
سنة ٨٠٩ ه.
الشيخ الصالح
عبد الله بن مصطفى الرومي ، المشهور بالذاكر ، كان رجلا صالحا ، لأهل بيت المقدس ، فيه اعتقاد عظيم
واشتهر أمره ، حج إلى بيت الله الحرام فمات بطريق مكة في سنة ٨١١ ه ، وكان الأمير حسن الكشكلي ناظر الحرمين بنى له تربة بباب الرحمة ليدفن فيها معه ،
فلما مات بطريق مكة أوصى الناظر حسن أن يدفن عند أبي عبد الله القرشي بماملا.
الشيخ الصالح
إبراهيم المزي ، نفع الله به ، توفي بالقدس الشريف ، ودفن بتربة
الساهرة ، وقد عمر على قبره شعبان اليغموري قبة في سنة ٨٢٤ ه ، والظاهر أنه توفي في ذلك التاريخ.
الشيخ شمس
الدين أبو عبد الله محمد الصفدي ، مفتي الشافعية ومدرسهم ومعيد المدرسة الصلاحية
، كان فرضيا ، ويعرف النحو والحساب وغيره ، وتعاطي الشهادة ، توفي في سنة ٨١٢ ه .
الشيخ المعمر
إبراهيم بن أحمد بن فلاح السعدي ، بنى خان بني
__________________
سعد ظاهر القدس الشريف ، يروي بالإجازة العامة عن الفخر بن البخاري ، مات
في رجب سنة ٨١٥ ه ، وله من العمر فيما ذكر نحو مائة وأربعين سنة ، كذا
رأيته منقولا بخط بعض الفقهاء ، قلت : إن صح أنه روي عن الفخر بن البخاري فهو يحتمل أن يكون عمره هذا المقدار ، فإن هذا الفخر
وفاته سنة ٦٩٠ ه .
المسند شهاب
الدين أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف الخليلي ، ثم الدمشقي ، ولد سنة ٧٣٩ ه أو في التي بعدها ، سمع من جماعة وحدث ، توفي في المحرم
سنة ٨١٠ ه .
المسند شرف
الدين موسى بن نجم الدين محمد ابن الهمام المقدسي ، سمع على الميدومي ، وكان خيرا ساكنا ، سمع على شيخنا
التقوي القلقشندي وأجاز له ، توفي سنة بضع وعشرين وثمانمائة.
الشيخ الإمام
العالم المسند برهان الدين إبراهيم بن الحافظ شهاب الدين أبي محمود أحمد بن محمد
بن إبراهيم بن هلال بن تميم الخزرجي المقدسي الشافعي ، مولده في سنة ٧٦٠ ه ، سمع على والده وغيره ، وهو سبط الحافظ ولي الدين
المقدسي مدرس الصلاحية ، كان خيرا صالحا ، يستكتب بالشهادة إلى أن توفي سنة ٨٢١ ه
// ، وأجاز بمؤلفات والده ، رحمه الله.
المسند إسماعيل
بن إبراهيم بن مروان الخليلي ، ولد سنة ٧٤٨ ه ، وسمع على الميدومي ، وسمع على شيخنا القلقشندي ،
وأجاز له وتوفي ببلد
__________________
الخليل ، عليه السلام ، في سنة ٨٢٥ ه .
الشيخ زين
الدين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ تقي الدين إسماعيل
القلقشندي الشافعي ، مولده في سنة ٧٨٢ ه ، سمع من أبيه وجماعة ، رحل إلى دمشق والقاهرة مرارا ،
وعلق بخطه أشياء ، وكان حسن الخط صادقا ، توفي في مستهل ذي القعدة سنة ٨٢٦ ه .
الشيخ القدوة ،
الصالح الزاهد ، محمد بن الشيخ عيسى الصمادي ، له كرامات مشهورة ، توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة
سنة ٨٣٨ ه بالقدس الشريف ، ودفن في الساهرة عند الشيخ عبد الله
الصامت ، والشيخ إبراهيم المزي ، وقبره ظاهر يقصده الزوار.
الشيخ شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن نصر الله بن جبريل الكركي الشافعي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف ، كان موجودا في سنة ٨٣١ ه ، ومن أعيان الفقهاء الشافعية الموجودين بالقدس الشريف
، توفي في حدود الثلاثين والثمانمائة.
وكان من المعيدين والفقهاء بالمدرسة الصلاحية ، الشيخ علم
الدين قاضي الجزيرة والشيخ شهاب الدين أحمد البوبجي ، والشيخ زين الدين عبد الرحمن الناصري ، والشيخ عبد
اللطيف بن كريم ، والشيخ شمس الدين محمد المارديني ، والشيخ جمال الدين العجلوني ، والشيخ شهاب الدين أحمد
بن أبي محمود ، والشيخ شمس الدين بن الشيخ شهاب الدين ، رحمه الله تعالى.
__________________
الشيخ الصالح
محمد المعروف بأكال الحيات ، وغيرها من الهوام كالخنافس وما هو في معنى ذلك ، فيرى الخنافس زبيبا والحية قثاء ونحو
ذلك ، وكان من أكابر الصالحين ، ممن تنقلب له الأعيان ، وظهرت له كرامات ومكاشفات
، وحكي عنه أنه كان يرى على جبل عرفات مع الحجاج ، ويصبح في القدس الشريف في يوم
عيد الأضحى ، توفي في سنة ٨٣٢ ه ، ودفن بباب الرحمة ، وإلى جانبه دفن الشيخ ماهر ، رحمهما الله تعالى.
الشيخ الصالح
العابد علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ العابد المسلك صدر الدين ابن الشيخ
الصالح صفي الدين الأردبيلي العجمي ، العابد الزاهد الحجة ، شيخ الصوفية وابن شيخهم ، وكان
والده من أعيان الصالحين ببلده ، له كرامات ظاهرة ، وكذلك كان والده الشيخ علي المشار
إليه ، وحكي عنه من الكرامات والمناقب بما يطول شرحه ، قدم إلى دمشق في سنة ٨٣٠ ه
قاصدا الحج ومعه خلق كثير من أصحابه وأتباعه ، وجاور بمكة ، ثم قدم إلى بيت المقدس
، ويقال : أنه شريف علوي توفي بالقدس في أواخر جمادى الأولى سنة ٨٣٢ ه عن نحو ستين سنة ، ودفن بباب الرحمة بلصق سور المسجد ، كان يوما
مشهدا بدفنه ، وبنى أصحابه على قبره قبة كبيرة ، وهو مقصود الزيارة ، وهو شيخ الشيخ محمد بن الصائغ ، المعروف
بخليفة الأردبيلي ، الآتي ذكره مع فقهاء الحنفية ، إن شاء الله
تعالى.
الشيخ العابد
الزاهد الواعظ شهاب الدين أحمد المعروف بشكر الرومي ، قدم من بلاد الروم قبل فتنة تمرلنك ، ثم عاد إلى
الروم ، ثم رجع ووعظ ببيت المقدس
__________________
وبالشام ، بالتركي والعربي والعجمي ، وكان للناس فيه اعتقاد ، وتوفي بالقدس
الشريف ، ودفن بباب الرحمة ، وبني على قبره قبة ، فليس بمقبرة باب الرحمة قبة سواها ، وقبة الشيخ
علي الأردبيلي ، وأرخ ابن زوجه أبي عذيبة وفاته في يوم الأحد عاشر ربيع الأول ، ولم يذكر
السنة ، ولا شك أنه توفي بعد الثمانمائة.
الشيخ الإمام
العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن عثمان بن الحواري الخليلي الشافعي ، مولده ببلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، في سنة ٧٥٤
ه سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وقدم من بلد الخليل إلى بيت المقدس ، وناب
في تدريس الصلاحية عن الهروي ، وناب في القضاء ، وأعاد بالمدرسة الصلاحية ، وصنف
في الفرائض ، كان فاضلا خيرا ، توفي في أحد الجمادى ن سنة ٨٣٣ ه .
الخواجا محمد
بن أحمد بن حاجي ، الشهير بمولانا شمس الدين ، ويعرف بابن عذيبة
لملازمته العذبة اتباعا للسنة ، وبه عرف ربيبه شهاب الدين أحمد المؤرخ مولده قبيل
سنة ٧٥٥ ه بتبريز ، واشتغل قديما وسمع الحديث ورحل إلى البلاد ، ودخل إلى القدس
في سنة ٧٩٥ ه ، وكان يتجر مع الاشتغال بالفقه والعربية ، وقرأ عليه ربيبه شهاب الدين أحمد المؤرخ في العربية والقرآن ،
ورحل معه للمجاورة بمكة ، وكان له دنيا واسعة ، وتردد إلى مكة ، وتوفي في تاسع
عشري المحرم سنة ٨٣٥ ه .
__________________
الشيخ العالم
المحدث الضابط تاج الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن
أبي الجود ، الشهير بالغرابيلي الكركي الأصل ، ثم المقدسي الشافعي ، مولده في سنة ٧٥٣ ه. اشتغل وحصل ، وحفظ كتابا من المختصرات ، ولزم مشايخ
بيت المقدس ، كالشيخ شمس الدين الهروي ، والشيخ شمس الدين البرماوي ، والشيخ شمس
الدين الديري الحنفي ، وولده الشيخ سعد الدين ، / / واشتهر بمعرفة الحديث ورجاله
مع مشاركة في الفقه وأصول النحو ، وكان دينا خيرا ، متعففا ، لم يقبل الوظائف ،
حسن الشكل ، ذا سمت حسن ويكتب خطا حلوا ، توجه إلى القاهرة لزيارة الحافظ ابن حجر ، عظمه كثير وأثنى عليه ، وقصد الحج فأدركته المنية
بالقاهرة في عاشر جمادى الآخر سنة ٨٣٥ ه ، ودفن بالصوفية بباب النصر ، وشيعه جم غفير رحمه الله.
وولده الشيخ
العلامة ناصر الدين محمد ، مولده في سنة ٧٥٣ ه ، ونشأ في نعمة طائلة ، وولي نيابة قلعة الكرك ، ثم صرف وسكن ببيت المقدس ،
وتوفي به في ثالث عشري رجب سنة ٨١٦ ه ، ودفن بماملا ، رحمه الله.
الشيخ المسند المعمر
الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب شهاب الدين أحمد بن العلامة شمس
الدين محمد بن كامل ، التدمري الخليلي الشافعي ، مولده في سنة ٧٧٥ ه ، سمع على صدر الدين الميدومي ، وكان
__________________
رجلا خيرا صالحا أضر في آخر عمره وحدث بمسموعه ، وتحمل عنه العلماء ، توفي ليلة الثلاثاء قبيل العشاء
المسفر عن مستهل شهر ذي الحجة سنة ٨٣٨ ه.
شيخ الشيوخ
القدوة برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ نجم الدين أحمد
بن غانم الأنصاري الشافعي ، شيخ الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ، مولده في سنة ٧٨٠ ه ، وتوفي والده نجم الدين سنة ٨٠٩ ه هو وولده ناصر الدين في يوم واحد ، وكان ناصر الدين
شكلا حسنا قل أن ترى العيون مثله ، فنشأ الشيخ برهان الدين بعده ، وولي مشيخة
الخانقاه في سنة ٧٩٧ ه ، وكان من الأعيان المعتبرين ، لم يل أحد مشيخة
الخانقاه أمثل منه ، وهو الذي عمرها وأقام نظامها ، وعمر المنارة والبوابة الكبرى ، والدركاه التي بداخلها ،
والإيوان الكائن بصدر الدركاه ، والمحراب السفلي ، وعمر غالب المسقفات ، وباشر
بتقوى الله تعالى مع حرمة وشهامة ، ثم فوض لولده الشيخ نجم الدين ، الآتي ذكره مشيخة
الخانقاه والنظر عليهما في خامس عشر شعبان سنة ٨٣٦ ه ، وتوفي في القدس الشريف في شعبان سنة ٨٣٩ ه .
وأخوه الشيخ
شرف الدين غانم ، كان موجودا بعد الثلاثين والثمانمائة.
__________________
الشيخ شهاب
الدين أحمد بن غانم من أقاربه ، كان موجودا في سنة ٨٤١ ه .
الشيخ الصالح
أبو بكر بن عبد الله ، الدمشقي الأصل القدسي ، المعروف بالعداس مولده في سنة ٧٨٠ ه تقريبا ، ورباه الشيخ عبد الله الذاكر لما قدم من الروم ، وكان منقطعا عن الناس ، صالحا زاهدا خيرا ،
فلما مات شيخه الذاكر في سنة ٨١١ ه صار من مشايخ القدس الشريف ، المشار إليهم بالصلاح ،
وتوفي في رمضان سنة ٨٣٩ ه.
القاضي برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن بدر الدين بن إبراهيم العراقي الشافعي ، مولده في سنة ٧٥٠ ه ، كان من أعيان فقهاء الشافعية
بالمدرسة الصلاحية ، وناب بالقضاء بالقدس الشريف ، وتوفي في سنة ٨٤٢ ه.
الشيخ الإمام
العالم المحدث ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بهاء الدين أبي الحياة الخضري ابن
علم الدين سليمان بن داود ، الشهير بابن المصري الحلبي الأصل ، ثم المصري الشافعي
، نزيل القدس الشريف ، وشيخ المدرسة الصلاحية ، مولده بحلب في أحد الجمادين سنة
٧٦٨ ه ، سمع من جماعة ، وأجازه جمع ، وكان رجلا خيرا دينا ، انقطع في آخر عمره
بالمدرسة البسطامية بالقدس الشريف ، يحدث بها ، إلى أن توفي في منتصف رجب سنة ٨٤١
ه ، وكف بصره في آخر عمره ، ودفن بالساهرة.
الشيخ الصالح
القدوة ، زين الدين عبد القادر بن الشيخ العارف بالله تعالى ، شمس الدين محمد
القرمي الشافعي ، المتقدم ذكره ، والده كان رجلا صالحا ومن الأعيان ببيت المقدس ،
توفي سنة ٨٤٣ ه ودفن عند والده بالزاوية بخط
__________________
مرزبان رحمه الله.
الشيخ الإمام ،
العالم القدوة الخاشع ، تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن الشيخ شمس الدين أبي عبد
الله محمد بن الشيخ جمال عبد الله الحلبي الطولوني البسطامي الشافعي ، شيخ المدرسة الطولونية بالقدس الشريف ، ولد في يوم
الاثنين ثامن ربيع الأول سنة ٧٤٨ ه ، كان من أهل العلم والعمل ، ومن أعيان المشايخ ، قدم
إلى القدس في سنة ٧٨٤ ه ، وولي مشيخة الطولونية فأحياها بالذكر والعبادة والتلاوة ، وتردد أهل الخير إليه ،
وكان خطه في غاية الحسن ، بلغ من العمر فوق خمس وتسعين سنة ، توفي بالقدس الشريف
في التاسع عشر من رمضان سنة ٨٤٣ ه ، ودفن بحوش البسطامية / / بماملا ، رحمه الله
، وعند رأسه بلاطة مكتوب عليها من نظمه ، وكانت لها عنده مدة بالطولونية في حياته
جهزها لذلك :
رحم الله
فقيرا
|
|
زار قبري
وقرأ لي
|
سورة السبع
المثاني
|
|
بخشوع ودعى
لي
|
ومكتو أيضا على قبره من نظمه :
من زار قبري
فليكن عالما
|
|
أن الذي
لاقيت سوف يلقاه
|
فيرحم الله فتى
زارني
|
|
وقال لي
يرحمك الله
|
له نظم غير ذلك
، ومحاسنه ومناقبه كثيرة ، وقد كان من أجلاء المشايخ الأخيار ، رحمه الله.
الشيخ محمد فولاذ بن عبد الله ، أصله من المغرب ، وقدم إلى بيت
__________________
المقدس في حدود التسعين والسبعمائة ، وانقطع بالمسجد الأقصى للعبادة فقط ، واختاره علماء
بيت المقدس وجهزوه بمفاتيح الصخرة إلى تيمور لما بلغهم أخذه دمشق ، فتوجه إليه ،
فلما كان بالطريق بلغه رجوعه فرجع ، وحج ستين حجة غالبهما ماشيا على قدميه ، وصار
من أعيان الصلحاء المتورعين المشار إليهم بالصلاح بالقدس ومكة وغيرها ، وحكي عنه كرامات كثيرة ومكاشفات
وكان بوابا بالخانقاه الصلاحية ، وكان له هيبة زائدة على الصوفية بالخانقاه ، بحيث
تضرب الأمثال بسطوته عليهم ، وحكي هو أنه رأى الملك صلاح الدين في النوم ، وقد وقف
له على الباب ، وقبض على يده ، وقال له : أنت شريكي في هذا الوقف.
ولم تفته حجة
ولا صلاة جماعة نحو ستين سنة ، وكان الشيخ تقي الدين الحصني ، إذا قدم إلى
القدس لا ينزل إلا عنده ، ولا يأكل لأحد طعاما إلا له ، وقال في بعض مصنفاته :
وحكى لي السيد الجليل فولاذ ، وهو ممن يشهد له بالصلاح ، رحمه الله ، توفي بعد رجوعه من الحج
في شهر صفر سنة ٨٤٤ ه ، وقد جاوز الثمانين سنة ، ودفن بماملا.
شيخ الإسلام ،
بركة الأنام ، القطب الرباني ، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الفقيه أمين الدين
حسين بن حسن بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان الرملي ، ثم المقدسي الشافعي ، الشيخ الإمام الحبر ، العالم
العارف بالله تعالى ، ذو الكرامات الظاهرة ، والعلوم والمعارف ، مولده بالرملة
تقريبا في سنة ٧٥٥ ه كما تبين بخطه ، وأصله من العرب من كنانة ، واشتغل في كبره وحصل بقوة ذكاءه وفهمه ، وكان مقيما
بالرملة بجامعه
__________________
المشهور بحارة الباشقردي ، وانتفع به خلق كثير.
وما اشتغل عليه
أحد ولازمه إلا وأثر بفقه فيه ، وكان يكني جماعته بكنى ينتخبها لهم ، وصارت علما
عليهم كأبي ظاهر ، وأبي مدين ، وأبي العزم ، وأبي طلحة وغير ذلك.
ومن مشايخه
الذين أخذ عنهم العلم : الشيخ شمس الدين القلقشندي والشيخ شهاب الدين بن الهائم ، وقاضي القضاة جلال الدين
البلقيني ، وأذن له بالإفتاء ، وولي تدريس الخاصكية بالرملة ، ودرس بها مدة طويلة
، ثم ترك تدريسها وترك الإفتاء وأقبل على الله.
ورحل من الرملة
إلى القدس الشريف ، وأقام بالزاوية الخنثنية وراء قبلة المسجد الأقصى الشريف ،
وألف كتابا في الفقه والنحو وغير ذلك منها : صفوة الزبد ، وشرحها شرحين ، ومختصر الأذكار ، وشرح سنن أبي داود ،
وعلق على الشفاء تعليقة جيدة بضبط ألفاظه ، وقطعه من تفسير القرآن ، وشرح جمع الجوامع ، ومنهاج البيضاوي ، ومختصر بن الحاجب ، ونظم في علم القراءات ، وإعراب الإلفية ، وشرح الملحة ، وشرح البخاري في ثلاثة مجلدات ، واختصر المنهاج بحذف
الخلاف ، وصحح الحاوي ، وشرح قطعة من
__________________
نظم ابن الوردي على الحاوي ، واختصر الروضة ، ونظم القراءات الثلاث الزائدة على
السبعة ، ثم القراءات الثلاث الزائدة العشرة ، وأعربها إعرابا
جيدا ، فصولا مقبولات تصل إلى ستين نوعا ، وجمع طبقات الفقهاء الشافعية ، وغير ذلك من الكتب المفيدة ، وكان متواضعا
زاهدا ، له قدم عال في التهجد والعبادة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
واتفق مرة أن كاشف الرملة ضرب شخصا من جماعته يقال له : الشيخ محمد المشمر
فاستغاث بالشيخ فقال له الكاشف : إن كان لشيخك برهان يظهر في هذه النخلة ، وكانت
نخلة قائمة على ساقها أمامه ، ففي الحال وقعت إلى الأرض ، فترجل الكاشف وأتى إليه ووقع على قدميه ، وكان يخاطب الشيخ نجم الدين بن
جماعة بيا شيخ الصلاحية ، وهو صغير فوليها ، ولما منّ الله على
الشيخ شهاب الدين بالإقامة / / بالقدس الشريف سكن بالزاوية الخنثينية ، أنشد شعرا وقال :
حباني إلهي
بالتصافي لقبلة
|
|
بمسجده
الأقصى المبارك حوله
|
فحمدا وشكرا
دائمين وأنني
|
|
أود لأخواني
المحبين مثله
|
وقد عمّر الشيخ
برجا على جانب البحر المالح بثغر يافا ، وكان كثير الرباط به ، وكان
شيخا طويلا يعلوه صفرة ، حسن المأكل والملبس والملتقى ، له مكاشفات
ودعوات مستجابات.
توفي بالزاوية
الخنثنية في ثاني عشر شعبان كذا أرخه بعض الفقهاء وأرخ
__________________
ابن زوجة أبي عذيبة وفاته في يوم الأربعاء رابع عشري شعبان سنة ٨٤٤ ه ،
ودفن إلى جانب أبي عبد الله القرشي بماملا ، وحكى أنه لما ألحده الحفار وأنزله قبره سمعه يقول : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً
وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (٢٩) ، وروى له عدة منامات صالحة ، ومناقبه كثيرة يطول شرحها ، ويقال : أن من دعا الله بين قبره وقبر أبي عبد الله القرشي بأمر
يريده استجاب الله له ، وقد جربت ذلك فصح.
وفي اليوم الذي
توفي فيه ، توفي الشيخ الصالح أبو بكر محمد المجيدي البسطامي ، شيخ البسطامية ، وكان صالحا ، وحكى لي أنه لما توفي الشيخ
شهاب الدين ، كان الشيخ محمد المجيدي في حال صحته ، فقيل له : الشيخ شهاب الدين
أخوك توفي ، فقام يتأهب لحضور جنازته ، فتوضأ وصلى ركعتين تحية الوضوء ، فلما سجد توفي في سجوده ، ثم غسل من وقته ،
وجيء به إلى المسجد الأقصى ، وصلي عليهما معا ، وحملا إلى ماملا ودفنا في وقت واحد
، وقد جاوز الشيخ محمد السبعين سنة.
الشيخ القدوة
الزاهد عبد الملك بن الشيخ الإمام الناسك القدوة ، العالم العلامة أبي بكر عبد
الله الموصلي الشيباني الشافعي ، أحد أعيان المشايخ والزهاد بالقدس الشريف ، مولده في
سنة ٧٩٠ ه ، وتقدم ذكر والده ، كان الشيخ عبد الملك من أهل العلم
، ومن مشايخ الصوفية ، وكان شكلا حسنا ، قال الشيخ عمر بن حاتم العجلوني ، وقد سأل
عنه : هو رجل ينطق بالحكمة ، وكانت له كلمات حكمية وصوفية وفقهية ، وكان ذا أبهة
وحشمة ، وكلمة نافذة وسماعات وإجازات ،
__________________
وفقراء ومريدين ، وكان كثيرا ما ينشد :
لا والذي قد
منّ بالإيمان
|
|
يثلج في
فؤادي
|
ما كان يختم
بالإساءة
|
|
وهو بالإحسان
بادي
|
وكان ينشد أيضا
:
فإن أموت بعد بلوغ المنى
|
|
فذاك من فضل
القدير المليك
|
وإن مت قبل
بلوغ المنى
|
|
فكم لنا تحت الثرى
من شريك
|
توفي في يوم
الخميس سابع عشر رمضان سنة ٨٤٤ ه ، ودفن بماملا ، رحمه الله.
الشيخ القدوة
علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ تاج الدين أبي الوفاء محمد بن الشيخ علي بن أبي
الوفاء البدري الزاهد الصالح ، مولده في حدود سنة ٧٩٠ ه ، كان من الصالحين ،
حافظا لكتاب الله ، كثير التلاوة ، وكانت له شهرة عظيمة بالصلاح ، والتصرف
بالحال ، وكان كثير السيارات ، وعرض له في بعض سياراته قطاع الطرق ، فصاح فانصرعوا ، ولم يفيقوا حتى سأله أهل تلك الناحية
واستعطفوه ، فتفل في ماء ورش على وجوههم ، فأفاقوا تائبين ، وكشف الله عن قلوبهم
حجاب الغفلة ، ولزموا خدمته ، وظهرت لهم أحوال ، وماتوا على ذلك ، ولهم قبور تزار.
وله غير ذلك من
التصرفات والبركات ، منها أن جماعة أوقدوا له نارا وسألوه أن يبين لهم من حاله ،
فأشار إلى عبده فدخل النار ذاكرا متواجدا ، ولا زال يمشي عليها يمينا وشمالا حتى
صارت رمادا ، وأكثر تصرفاته كانت في البر ، بخلاف أخيه الشيخ السيد أبي بكر ، توفي
رحمه الله مورما في ثاني عشر شوال سنة ٨٤٤ ه ، ودفن بماملا.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، زين الدين عبد المؤمن بن عمر بن أيوب بن محمد الرهاوي الأصل ،
الحلبي ثم المقدسي الشافعي ، الواعظ معيد المدرسة
__________________
الصلاحية ، وهو واعظ مدينة القدس ومفتيها وعالمها ، مولده في حدود سنة ٧٦٠
ه في مدينة الرها ، قدم إلى بيت المقدس في سنة ٨١٥ ه ، فأكرمه الشيخان شمس الدين الهروي ، وشمس الدين الديري
، ووجدا فيه أهلية العلم ، فولاه الهروي إعادة بالصلاحية ، وجلس للوعظ يعظ الناس ،
وكان له اشتغال قديم ، وفضل وسماع للحديث ، روى صحيح البخاري عن جماعة من أصحاب
ابن الشحنة ، وكان خيّرا عاملا فاضلا ، مفتيا واعظا ، يعظ بطلاقة ، ومجون وجدل
وهزل ، ولسمع مواعيده التفات ، ويأتي بغرائب ونوادر وأشعار مليحة ، توفي بالقدس
الشريف في يوم عرفة من سنة ٨٤٥ ه // ، ودفن بماملا ، رحمه الله.
الشيخ الصالح
عمر بن حاتم العجلوني ، الزاهد العابد الصامت العارف ، العالم
الفاضل ، الأوحد بركة الوقت ، صاحب الكرامات والمجاهدات والمكاشفات ، خرج من بلده
عجلون وورد إلى بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، فنزل عند الشيخ عمر المجرد في
زاويته ، وعقد الإيمان على نفسه أنه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ، ولا يغسل ثوبه
ولا بدنه إلا من ضرورة شرعية ، إلى أن يحفظ القرآن العزيز وبرّ بقسمه ، فلما حفظ القرآن رجع
إلى عجلون ، ثم توجه إلى حلب وأقام بها ، وأخذ في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووقع له كرامات.
وكان الشيخ عز
الدين القدسي يتأسف على عدم لقياه كثيرا ، وكان يقول :
ما تأسفت على
أحد مثل ما تأسفت عليه ، ويحكى عنه لطائف كثيرة ومكاشفات وأخبار
عجيبة ، ومحاسن عديدة ، وكان يحفظ الاحياء ، والقوت ، ورسالة
__________________
القشيري ، وعوارف المعارف ، ويقول : لا يصير الصوفي صوفيا ، حتى يحفظ هذه الكتب
الأربعة ، وكان ضعف بصره ، ثم أنه جاور بمكة ، وخرج متوجها إلى المدينة الشريفة ،
فمات ببدر منصرفا من الحج في شهر ذي الحجة سنة ٨٤٥ ه ، وقد جاوز السبعين ، رحمه الله.
الشيخ زين
الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن حامد الأنصاري الشافعي ، مولده في سنة ٧٨٠ ه
، وسمع الحديث هو والخطيب جمال الدين بن جماعة في سنة ٧٨٢ ه على الجلال عبد المنعم بن النجمي أحمد بن محمد الأنصاري
المقدسي ، وكان مباشرا لوقف التنكزية ، وللوقف الشريف النبوي
وغير ذلك ، توفي سنة ٨٤٦ ه .
الشيخ الإمام ،
الزاهد العابد ، العارف الورع ، المسلك القدوة ، عبد الله الزرعي الدمشقي الأصل ، نزيل بيت المقدس ، كان رجلا خيرا زاهدا
متورعا ، مقلل من الدنيا له حظ من صلاة وعبادة وللناس فيه اعتقاد كبير ، وكان من
المشايخ الصلحاء بالقدس ، اشتغل قديما بدمشق ، وصحب جماعة منهم الشيخ محمد القرمي ، والشيخ عبد الله البسطامي ، والشيخ
أبو بكر الموصلي وغيرهم ، وسمع الحديث وأسن وطال عمره ، وكان ساكنا قليل الكلام
والاختلاط بالناس ، معظما في النفوس ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حسنا في
وعظه ، وكان ينسخ ويأكل من عمل يده ، ثم عجز عن ذلك وتركه ، فيقال : أنه كان ينفق من الغيب ، وكان يقول : أنه ما
اغتسل قط من
__________________
احتلام ، ولا حصل له ولا يعرفه ، ومحاسنه كثيرة ، ومناقبه حميدة جمة ، توفي
بالقدس الشريف في خامس رمضان سنة ٨٤٨ ه ، ودفن بماملا ، وقد بلغ ثمانين سنة ، وصلي عليه صلاة
الغائب بمصر الشام وغيرها ، وتأسف الناس عليه ، لأنه كان لهم به حاجة ، رحمه الله.
الشيخ شمس
الدين محمد بن حامد القدسي ، سمع الحديث في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة ، وكان
متكلما بالقدس الشريف على الأيتام والغائب ، وكان ناظر على وقف الأمير بركة خان فخرج عنه ، فتوجه
إلى القاهرة للسعي فيه ، فتوفي هناك في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وثمانمائة عن
نحو عشرين سنة.
الشيخ الإمام
العالم المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن خليل بن أبي بكر بن القباقبي الحلبي
، ثم المقدسي الشافعي ، شيخ المسلمين ، مولده في سنة ٧٧٧ ه ، اشتغل في القراءات ، وفاق المشايخ وانتهت إليه رئاسة هذا الفن ، أخذ
الحديث عن الحافظ أبي الفضل بن العراقي وغيره ، وكان رجلا خيّرا دينا مكبا على الإقراء والتصنيف والنظم ، منقطعا عن الناس
مشاركا في عدة فنون ، قدم القدس للزيارة ، فأشار عليه الشيخ شهاب الدين بن
أرسلان بالإقامة ببيت المقدس ، فأقام وحصل له الخير ، وكفّ بصره في أحد الجمادين
سنة ٤٨ ه ، وتوفي عصر يوم الجمعة العشرين من شهر رجب سنة ٨٤٩ ه ، ودفن بماملا بجوار الشيخ شهاب الدين
بن أرسلان ، رحمهما الله.
ومن مصنفاته :
منظومته المسماة بجمع السرور ومطلع الشمس
__________________
والبدور ، وإيضاح الرموز ومفتاح الكنوز ، وغير ذلك من النظم
والنثر ، عفا الله عنه ، وكتب لناظر الحرمين قصيدة لصرف معلومه من نظمه أولها :
يا ناظر
الحرمين أنت وعدتني
|
|
بالخير يا من
وعده لا يخلف
|
تا لله لم
أبرح ببابك واقفا
|
|
حتى تقرر
وتكتب يصرف
|
ثم بعد وفاته
خلفه ولده الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، شيخ الإسلام ، القدوة المحقق ، برهان الدين أبو إسحق إبراهيم ، أحد أعيان علماء بيت المقدس في العالم والقراءات ، كان رجلا عالما
صالحا لم يعلم له صبوة ، استقر فيما كان بيد والده من القراءة بمصحف الملك الظاهر جقمق بالصخرة الشريفة ، وتدريس
القرآن بالمدرسة الجوهرية ، / / واشتغل وحصل وتميز ، وصار من الأعيان ببيت المقدس ، وتصدر الإفتاء والتدريس ونفع المسلمين ،
وهو سالك طريق السلف الصالح ، وعبارته في الفتوى نهاية في الحسن ، والناس
سالمون من يده ولسانه ، يتلو كتاب الله بحسن صوت وطيب نغمة.
وله مصنفات
منها شرح جمع الجوامع في الأصلين ، ونظم الإرشاد في الفقه ، وألفية المعاني والبيان ، وشرح ألفية ابن مالك في النحو والصرف ، وشرح التقريب والتبيين في علوم الحديث للإمام الكبير شرف
__________________
الدين النووي ، رضي الله عنه ، وشرح القواعد نظم العلامة شهاب الدين بن الهائم ، الأسئلة في البسملة
، والعقد المنضد في شروط حمل المطلق على المقيد وشرحه ، وغير ذلك ، وهي حيّ يرزق إلى يومنا ، أبقاه الله
تعالى ونفع به المسلمين ، مولده سنة اثنين وأربعين وثمانمائة ، ودفن عند والده في
سابع شهر ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وتسعمائة.
الشيخ شمس
الدين محمد بن حسين الأوتاري الشافعي ، نسبة لأوتارية قرية من عمل جلجوليا ، رحل إلى مصر صغيرا ، واشتغل على العلماء ، وسمع الصحيحين على البرهان
الشامي مسند القاهرة في سنة ٨٧٣ ه بسماعه على الحجار بسنده ، وسمع على جماعة واشتغل وفضل
وكان يعمل بمسألة ابن سريج ، ويصرح بالجواز فيها ، وقد استنابه قاضي القضاة جمال الدين بن جماعة في هذه
المسألة ، حتى حكم بها لبعض المقادسة ، وله مؤلف سماه فتح الخلاق في تصحيح تنبيه أبي إسحق ، وتكسب بالشهادة دهرا طويلا إلى أن
توفي في أثناء سنة ٨٤٩ ه.
الشيخ الإمام
العالم الصالح شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن يحيى ابن سعيد بن عبد
الله المقدسي القادري ، المشهور بجده الأعلى سعيد شيخ القادرية وصاحب الذكر
والأوراد ، كان له حلقة عظيمة يجتمع فيها خلق كثير بالمسجد
الأقصى صبيحة كل يوم ، وكان يحصل به خير كثير ، مولده في سنة ٧٨٢ ه ، وتوفي
__________________
والده الشيخ الصالح صاحب الأحوال والأوراد ، الشيخ محمد في حادي عشري شعبان سنة ٨١١ ه ، ودفن بماملا ، وتوفي
هو في يوم الأربعاء رابع عشري صفر سنة ٨٥١ ه ، ودفن بماملا ، وله ذرية شهرتهم أولاد الشيخ سعيد القادري ، وكانوا شيوخ زاوية
الدركاة ، منهم الشيخ عبد الله بن محمد بن الشيخ سعيد القادري شيخ
زاوية الدركاه ، توفي يوم الأربعاء حادي عشري شعبان سنة ٨٥٠ ه ، ودفن بماملا.
الشيخ الصالح
العالم ، ناصر الدين محمد بن محمد بن علي بن محمد بن الزولعة الحموي الشافعي ، مولده في سنة ٧٧٤ ه ، سمع الحديث ، وكان عالما فاضلا
، واعظا مشهورا ، قدم من حماة إلى بيت المقدس للزيارة ، فتوفي به سنة ٨٥٢ ه .
الشيخ الإمام
العلامة ، عماد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن شرف الشافعي ، معيد الصلاحية ، وعين فقهاء الشافعية بالقدس الشريف ،
مولده تقريبا في سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين وسبعمائة وهو رفيق العلامة الشيخ ماهر المصري ، وكان خصيصا به ، اشتغل عليه جماعة
من الأعيان وانتفعوا به ، وله مصنفات منها شرح البهجة في مجلدين ، وابتدأ في شرح
آخر أطول منه ، أقول وقفت على ثلاثة مجلدات من شرحه على البهجة بخطه ، وله
على ألفية البرماوي توضيح حسن مفيد ، وشرح تهذيب التنبيه ، وشرح مصنفات
شيخه ابن
__________________
الهائم ، وكان قليل النظر إلى الدنيا ، منكبا على أشغاله والاشتغال إلى أن توفي في
ثالث ربيع الأول سنة ٨٥٢ ه.
الشيخ الإمام
العالم المحدث شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مفلح القلقيلي الشافعي ، قارئ الحديث الشريف ببيت المقدس نسبة لقرية قلقيلية من أعمال جلجوليا ، مولده في سنة ٧٧٦ ه وكان شيخا صالحا ، عالما فاضلا ، حسن المذاكرة ، جيد
التلاوة ، كثير العبادة ، عليه أنس كبير ، كان يقرء الأطفال بجلجوليا دهرا ، ثم
قدم إلى بيت المقدس في حدود سنة ٨٢٠ ه وانتمى إلى الشيخ برهان الدين بن غانم ، وكان يقرئ
أولاده ، ونزل بالمدارس ، ولازم الاشتغال ، واعتقده الناس ، وكان له ولد اسمه
شهاب الدين أحمد حسن الصوت ، وكان ناظما كاتبا ، جمع مجموعا حسنا إلى الغاية ، ومن نظمه يخاطب شهاب الدين
أحمد ، موقع الأمير جاني بك دوادار الملك الأشرف :
يا شهابا رقى
العلا
|
|
لا تخن قط
صاحبك
|
زادك الله
رفعة
|
|
رعى الله
جانبك
|
توفي قبل والده
في ثامن عشر شعبان سنة ٨٤٩ ه فجأة ، فحصل لوالده عليه الوجد العظيم / / ولم يزل
مهموما إلى أن توفي ، وكان كلما سأل عن حاله يقول :
شيئان لو بكت
الدماء عليهما
|
|
عيناني حتى
يؤذنا بذهاب
|
__________________
لم يبلغا
المعشار من عشريهما
|
|
فقد الشباب
وفرقة الأحباب
|
ويبكي حتى يبكي
من حضر لبكائه ، توفي الشيخ شمس الدين في يوم الثلاثاء عشرين شعبان سنة ٨٥٢ ه ، بعلة الاستسقاء ، وقد رأيت كثيرا من المستندات
الشرعية بخط ولده ، وعبارته فيها دالة على فضله ومعرفته ، رحمه الله.
القاضي شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن شمس الدين أبي عبد الله محمد السلطي الشافعي ، ولد سنة ٧٧٦ ه ، سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وله اشتغال قديم ، كان رجلا مباركا ، باشر
نيابة الحكم بالقدس الشريف مدة طويلة ، وتوفي يوم الجمعة سادس عشري شعبان سنة ٨٥٢
ه.
الشيخ شمس
الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن سليمان ، الشهير بابن البرهان الخليلي الأصل ، ثم المقدسي الشافعي ، نائب الخطيب بالقدس الشريف ، هو
ووالده من قبله ، مولده بمدينة الخليل في سنة ٧٧٦ ه ، سمع الحديث ، واشتغل
بالعلم ، وأتقن علم الوقت ، ولم يتزوج قط ، وكانت وفاة والده سنة ٨١٠ ه ، وكان هو فقيها فرضيا نحويا ، أعاد بالصلاحية نيابة ، وتوفي في ذي الحجة سنة ٨٥٢ ه ، ودفن بباب الرحمة.
الشيخ الإمام ، الصالح الزاهد ، شهاب الدين أبو البقاء أحمد بن
الحسين بن علي الزبيدي الشافعي ، مولده في حدود السبعين والسبعمائة بصعيد مصر ، سمع
الحديث ، واشتغل بالعلم ، وقدم إلى بيت المقدس بعد الثلاثين
__________________
والثمانمائة ، وصحب الشيخ شهاب الدين أحمد بن أرسلان ، ونزل بمدارس الفقهاء ، ثم انقطع بالطولونية للعبادة ،
لا يخرج منها ، توفي بالقدس الشريف في حادي عشر ربيع الأول سنة ٨٥٤ ه ، ودفن بباب الرحمة ، وحضر جنازته نائب السلطنة مبارك
شاه والقضاة والأعيان ، رحمه الله.
الشيخ العالم الصالح الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس
الدين محمد ابن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد الأنصاري المقدسي الشافعي ، مولده تقريبا سنة ٧٦٠ ه ، اشتغل في العلوم ، وحصّل الفوائد وأدرك المتقدمين ،
وسمع عليهم وعرض محفوظاته على قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة ، توفي وقت الظهر
من يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة سنة ٨٥٤ ه ، ودفن بماملا عند عمه علاء الدين
علي بن حامد ، المتوفي في ذي القعدة سنة ٧٩١ ه .
الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن حسان الشافعي ، مولده في صفر سنة ٨٠٨ ه ، توفي والده بدمشق قتيلا سنة ٨١٥ ه فنشأ هو بعده واشتغل بالعلم ، وجد واجتهد ببيت المقدس ،
ثم انتقل إلى مصر في سنة ٨٣٢ ه ، فصار من أعيان علماء القاهرة ، وسئل بمشيخة الصلاحية فأبى
مفارقة الديار المصرية ، وولي مشيخة سعيد السعداء ، وتوفي في سلخ صفر سنة ٨٥٥ ه .
__________________
الشيخ شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود النحال بحاء مهملة ، البرموي الأصل ثم
المقدسي الشافعي ، مولده في سنة ٧٧٠ ه بالبرمون ، اشتغل قديما على المشايخ وسمع الحديث على أبي الخير
العلائي وغيره ، وحدث ، وكان رجلا خيرا ، انجمع عن الناس ، وضعف بصره في آخر عمره
، توفي بالقدس الشريف في يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة سنة ٨٥٥ ه.
الشيخ شمس
الدين محمد التميمي ، المؤقت بالمسجد الأقصى الشريف ، كان من أهل الحذق في فنه ، باشر التأقيت بالأقصى منذ أربعين سنة ،
وكان موجودا في سنة ٨٥٥ ه ، وتوفي بعدها بقليل ، رحمه الله.
الشيخ شهاب
الدين أحمد بن محمد بن عمر الشافعي ، المؤرخ المشهور بابن زوجة أبي عذيبة ، نسبة لزوج
والدته الخواجا محمد المشهور بأبي عذيبة ، المتقدم ذكره ، وبعض الناس يظنه ابن أبي
عذيبة وليس كذلك ، وإنما هو ربيبه ، ومولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ثالث عشر شهر شعبان سنة ٨١٩ ه
بالقدس الشريف ، قرأ القرآن واشتغل بالعلم ، وكان من الفقهاء بالمدرسة
الصلاحية واعتنى بعلم التاريخ ، وكتب تاريخين أحدهما مطول والآخر مختصر ، وقد وقفت
على معظم المختصر وهو مرتب على حروف المعجم ولم يظهر تاريخه
الكبير بعد وفاته ، وقد أخبرت أنه لما توفي ، اطلع بعض الناس عليه فوجدوا فيه
أشياء فاحشة من ثلب أعراض / / الناس فأعدمه ، فلم يوجد إلا بعض كراريس
متفرقة من التاريخ المختصر ، توفي يوم الجمعة خامس عشر ربيع الآخر سنة ٨٥٦ ه ودفن بباب الرحمة عفا الله عنه.
الشيخ الإمام
المحدث زين الدين عبد الكريم بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين
عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد
__________________
القلقشندي الشافعي ، كان من أعيان العلماء بالقدس الشريف ، وله يد طولى في
علم الحديث وأخذ عنه جماعة من الأعيان ، وله أحاديث مخرجة ، توفي سنة ٨٥٦ ه ،
ودفن بالقلندرية بماملا ، رحمه الله.
شيخ الإسلام
شمس الدين أبو اللطف محمد بن علي الحصكفي الشافعي ، الإمام العلامة ، مولده في حصن كيفا سنة ٨١٩ ه ، تخرج هناك في فن الأدب ، ثم قدم بيت
المقدس فلزم الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، واشتغل عليه في الحاوي ، وجدّ وحصل ، وشارك في العلوم
وتميز وصار من أعيان العلماء ، وكان ذكيا ، حسن النظم والنثر ، يكتب الخط المليح ، وعنده تودد وحلاوة لسان ، وهو
ديّن خيّر ، له مؤلفات مفيدة في النحو والصرف وغير ذلك ، توفي ليلة يسفر صباحها عن
نهار الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة سنة ٨٥٩ ه ، ودفن بباب الرحمة إلى جانب والده ، ووفاة والده في
سنة خمس وخمسين ، رحمهما الله تعالى.
وترك الشيخ أبو
اللطف ولدين أحدهما الشيخ العلامة علاء الدين أبو الفضل علي ، توفي والده وهو صغير فنشأ بعده ، واشتغل على علماء بيت المقدس ، منهم الشيخ أبو مساعد
وغيره ، ورحل إلى الديار المصرية ، وأخذ عن علمائها ، وفضّل وتميز وصار من الأعيان
، ولما ولي شيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف تدريس الصلاحية قرره من المعيدين
بها ، ثم استوطن دمشق المحروسة ، وصار من أعيان الفقهاء بها ، وهو حيّ يرزق.
والثاني الشيخ
العلامة شمس الدين أبو اللطف محمد ، سبط شيخنا العلامة شيخ الإسلام تقي الدين القلقشندي ،
توفي والده وهو حمل ، فنشأ بعده
__________________
واشتغل بالعلم الشريف على علماء بيت المقدس ، منهم شيخ الإسلام الكمالي ابن
أبي شريف وغيره ، ثم رحل إلى الديار المصرية ، وأخذ عن علمائها ، منهم
الشيخ شمس الدين الجوهري وغيره ، وسمع الحديث وقرأه ، وصار من أعيان العلماء
الأخيار الموصوفين بالعلم والدين والتواضع ، وعنده تودد ولين جانب ، وسخاء نفس
وإكرام لمن يرد عليه ، لا يحب الفخر ولا الخيلاء ، والناس سالمون من يده ولسانه
وقد أذن له العلماء بالديار المصرية وغيرها بالإفتاء والتدريس من مدة طويلة والناس
مجمعون على محبته لعلمه ودينه ، وهو ممن أحبه في الله ، عامله الله بلطفه ونفعنا
بعلومه.
الشيخ العالم ،
المسلك السيد الشريف ، الحسيب النسيب ، تقي الدين أبو بكر بن الشيخ تاج الدين أبي
الوفاء محمد بن الشيخ علاء الدين علي بن أبي الوفاء الحسيني الشافعي ، شيخ
الوفائية بالقدس الشريف ، مولده في ذي القعدة سنة ٧٩٩ ه ، أخذ عن أصحاب الميدومي وجماعة واشتغل قديما وانتفع ،
وكان رجلا كريما معظما للواردين إليه ، كثير التودد للناس ، مستجلبا للقلوب ، له حظ من صيام وصلاة ، وتلاوة واعتكاف ،
وانتهت إليه رئاسة الفقهاء بالقدس الشريف ، وألبس الخرقة الوفائية عن والده ، فقدم
عليه بعض أقاربه ، وهو الشيخ سلار في سنة ٨٥٥ ه ، وقد ثبت شرفه بالبينة الشرعية ، ولم ينتسب قبل ذلك
بها ، توفي شهيدا بالبطن في نهار الجمعة سابع عشر شوال سنة ٨٥٩ ه ، وصلي عليه عقب صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى الشريف ،
وكانت جنازته حافلة ، وتأسف الناس عليه من الفقراء وغيرهم ، ودفن بماملا بحوش
الأمير طوغان العلائي الملاصق لزاوية القلندرية من جهة الشرق.
__________________
العدل نور
الدين علي بن يحيى الأيدوني الدمشقي الشافعي ، نزيل القدس الشريف ، قدم من دمشق
إلى بيت المقدس ، وأقام به دهرا طويلا يحترف بالشهادة ، وخطه حسن ، وله معرفة
بمصطلح الوثائق ، رزق القبول التام في هذا الفن ، وكان قضاة بيت المقدس يعظمونه
ويحتفلون بأمره ، وكان موجودا في حدود الستين والثمانمائة ، ووفاته في ذلك العصر ،
رحمه الله.
الرئيس علم
الدين سليمان الصفدي ، رئيس المؤذنين بالمسجد الأقصى الشريف ، كان / / حسن صوته يضرب به المثل ، وعنده حشمة زائدة ، ويلبس القماش الحسن
، ويسلك طريقة الرئاسة ، توفي بعد الستين والثمانمائة بالقدس الشريف.
العدل زين
الدين الخضر بن جمعة بن خليل الداري النقوعي ، من ذرية سيدنا تميم
الداري ، كان يحترف بالشهادة ، وربما باشر في دار النيابة ، وخطه حسن ، وكان من ذوي
المروءات ، توفي في شوال سنة ٨٦٠ ه ، ودفن بماملا .
الشيخ الحافظ ،
المحدث العلامة ، عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن قاضي القضاة برهان الدين أبي
إسحق إبراهيم بن قاضي القضاة جمال الدين أبي محمد عبد الله بن جماعة الكناني
الشافعي ، مولده في رمضان سنة ٨٢٥ ه ، حفظ القرآن وهو ابن تسع ، وصلى بالناس ، وحفظ عدة من
الكتب في الفقه وغيره ، وعرض على جماعة من شيوخ الإسلام ، منهم جده لأبيه الجمالي
ابن جماعة ، وجده لأمه السعدي الديري الحنفي ، ورحل إلى ديار مصر ، وأخذ عن الحافظ ابن
__________________
حجر ، وأجازه بالتدريس والإفادة ، وسمع الحديث وطلب العالي من الإسناد ،
وقرأ الكتب الستة ، والشفاء ، والترغيب والترهيب ، وأجزاء حديثية ، وشرح الألفية في علم الحديث للشيخ ولي الدين الزين العراقي شرحا حسنا ، أدمج الأصل في الشرح وبذلك
سهل ما أخذه ، وشرح تصريف الغزي ، وشرح ألفاظ الشفاء وذكر الغريب منه ، وربما تعرض
لتخريج الأحاديث المذكورة فيه ، ودرس الدروس العام والخاص ، ولما ولي جده الشيخ جمال الدين
تدريس الصلاحية سنة ٨٥٠ ه ، استقر معيدا بها وصار ينقل الغريب الحسن ، والفوائد
الجمة.
وكان خطيبا
فصيحا ، زاهدا متواضعا ، نحيف الجسم ، خطب بالمسجد الأقصى الشريف نيابة عن جده
، وولي مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ، مشاركا لبني غانم ، ووقع له كرامة ، وهي أن والدته حصل لها ضعف ، فحضر عندها وسألها
عن حالها فتأوهت وشكت شدة الحمى ، فقال لها في الجواب : قد تحملت عنك ما أنت فيه ،
فما قام من محلة إلا وهو محموم ، فلم يزل يتزايد به الضعف ووالدته تقوى إلى أن
قبضه الله ، توفي بعد صلاة العصر من نهار الاثنين سادس شهر ذي القعدة الحرام سنة
٨٦١ ه ، ودفن بماملا عند أقاربه ، رحمه الله.
الشيخ الفقيه جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن منصور بن أحمد المشهور
بابن الشايب المقدسي الشافعي ، مولده في سنة ٧٨٢ ه ، اشتغل
__________________
قديما في الفقه والنحو ، وسمع الحديث بقراءة العلامة شمس
الدين القلقشندي على المسند أبي الخير العلائي ، وتفقه على الشيخ شهاب الدين بن
الهائم ، وعمل المواعيد ، توفى بالقدس الشريف سنة ٨٦٦ ه .
العدل زين الدين عبد الرحيم بن حسن بن قاسم ، المشهور بجده ، أحد العدول بالقدس الشريف ، احترف
الشهادة دهرا طويلا ، وكان رفيقا للشيخ برهان الدين الكتبي ، وسيرتهما محمودة ،
توفي يوم الجمعة ثاني رجب الفرد سنة ٨٦٦ ه.
الشيخ شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين عبد القادر بن الشيخ العارف بالله
تعالى شمس الدين محمد القرمي الشافعي ، كان من أعيان بيت المقدس وفقهاء المدرسة الصلاحية ،
باشر الإمامة بالمسجد الأقصى الشريف ، وكان حسن القراءة منور الشيبة ، توفي نهار
السبت تاسع عشر ربيع الأول سنة ٨٦٧ ه ، ودفن بماملا عند والده وجده بالزاوية بخط مرزبان ، وتوفي ولده العدل زين الدين عمر أحد العدول بالقدس
الشريف والفقهاء بالمدرسة الصلاحية في سنة ٨٨٠ ه ، ودفن عند أسلافه بالزاوية ، رحمه الله.
الشيخ العلامة
، القدوة المحقق ، زين الدين أبو الجود ماهر بن عبد الله بن نجم الدين
الأنصاري المصري ، ثم المقدسي الشافعي ، شيخ المسلمين ، مولده في سنة
٧٧٩ ه ، اشتغل بالعلوم والفقه والنحو والفرائض والحساب ، وأجاز له جمع من المشايخ المسندين ،
ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم ،
__________________
وأصله من بلاد مصر ، وقدم بيت المقدس واستوطنها في رجب سنة ٨٠٢ ه ، واشتغل عليه جماعة من الأعيان ، وانتفع به طلبة
الصلاحية بصلاحه ونصحه ، وكان حسن التقرير ، أفتى ودرس ، ومن
تلامذته شيخ الإسلام / / كمال الدين بن أبي شريف ، وكان منقطعا
عن أبناء الدنيا ، كثير التلاوة والعبادة ، وللناس فيه اعتقاد وكان ورعا
زاهدا متواضعا ، توفي بالقدس في ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول سنة ٨٦٧ ه ، ودفن بماملا بباب الرحمة ، بجانب الشيخ محمد أكّال الحيات نفع الله بهما ، ورضي الله
عنهما.
شيخ الإسلام ،
علامة الزمان ، أحد الأئمة الأعلام ، تقي الدين أبو بكر عبد الله بن شيخ الإسلام
شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ العلامة تقي الدين إسماعيل
القلقشندي المقدسي الشافعي ، سبط الحافظ أبي سعيد العلائي ، عالم الأرض المقدسة ،
شيخنا الإمام العلامة الحبر الفهامة ، مولده بالقدس الشريف في ليلة الثالث عشر من
ذي القعدة سنة ٧٨٣ ه ، واشتغل في صغره على والده وغيره ، سمع على المشايخ ،
وقرأ بنفسه ، وسمع من لفظ البلقيني المسلسل بالأولية ، وسمع على الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر النابلسي الحنبلي
الملقب بالجنة ، شيخه ابن الجوزي عن الميدومي ، وأجازه جمع من العلماء والحفاظ ، أفتى ودرس
وناظر وحدث ، وسمع عليه الرحالون ، وساد ببيت المقدس وما يليها.
ولما عمّر القاضي زين الدين عبد الباسط الدمشقي رئيس المملكة
مدرسة
__________________
الباسطية شمال المسجد الأقصى ، قرر فيها الشيخ شمس الدين المصري ، المتقدم
ذكره ، واستمر بها إلى أن توفي ، ثم قرر بعده فيها الشيخ شرف الدين يحيى بن العطار
الحموي الأصل المصري ، فباشرها مدة ثم تنزه عنها وسأل الواقف أن يقرر فيها
شيخه التقوي القلقشندي ، فقرره بها وانتهت إليه الرئاسة بالقدس ، وعظم أمره عند
أكابر المملكة ، وكان عنده ملاطفة واستمالة للقلوب ، وحسن السياسة ، وكثرة التواضع ، وفصاحة لفظ ، وكان حسن الشكل
، منور الشيبة ، له سمت وصمت ، إذا رآه من لا يعرفه علم أنه من أهل العلم برؤيته
شكله ، وأما سخاءه وبسط يده فلا يكاد يوصف ، وكتابته على الفتوى غاية في الحسن ،
وفصاحة اللفظ وترتيب العبارة.
وقد عرضت عليه
ملحة الإعراب في ثاني جمادى الأولى سنة ٨٦٦ ه بمنزله بجوار المدرسة الصلاحية ، ولي دون ست سنين ، فإن
مولدي بالقدس الشريف في ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ثالث عشري ذي القعدة سنة
٨٦٠ ه .
وهو أول شيخ
عرضت عليه وتشرفت بالجلوس بين يديه ، وأجازني بالملحة بسنده المتصل إلى المصنف ، وبغيرها من كتب الحديث وما
يجوز له روايته ، وكتب والدي ، رحمه الله ، الإجازة بخطه ، وكتب الشيخ ، رحمه الله
، خطه الكريم عليها. وكان للأرض المقدسة بل ولسائر المملكة بوجوده الجمال ، ولو
شرعت أذكر مناقبه ومحاسنه لطال الفصل ، وخرجت عن حد الاختصار ، فإن ترجمته ،
رحمه الله ، وذكر مشايخه تحتمل الإفراد بالتأليف ، وهو أعظم من أن ينبه مثلي على
فضله وعلو مرتبته ، فلقد كان من أعظم محاسن الدهر ، توفي في ليلة
__________________
الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ٨٦٧ ه ودفن بداخل الإيوان الكائن بالزاوية القلندرية بتربة ماملا ،
وكان يوما كثير المطر ، رحمه الله ، وعفا عنه ، وعوضه الجنة.
القاضي جمال
الدين عبد الله بن زين الدين عبد الرحمن بن الصاحب التميمي الخليلي من ذرية سيدنا تميم الداري ، رضي الله
عنه ، وكان ناظرا على وقفه وهو أرض بلد الخليل ، وله مروءة ومحبة لأصحابه ، وكان
يباشر بدار النيابة ، ولم يحصل منه ضرر لأحد.
توفي في يوم
الخميس خامس جمادى الآخرة سنة ٨٦٧ ه ودفن بباب الرحمة ، وتوفي ولده
زين الدين عبد الرحمن في سنة ٨٧٩ ه .
وتوفي ولده
الثاني شهاب الدين أحمد في أوائل سنة ٨٩٦ ه ، ودفنا بباب الرحمة عند والدهما.
شيخ الشيوخ نجم
الدين محمد بن شيخ الشيوخ برهان الدين إبراهيم بن شهاب الدين أحمد بن غانم
الأنصاري المقدسي الشافعي ، شيخ الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ، استقر فيها بعد
وفاة والده الشيخ برهان الدين ، ثم نزل عن نصفها للشيخ عماد الدين بن جماعة ، وحصل
بينه وبين بني جماعة نزاع ، ثم استقر فيها بكاملها ، وتوجه إلى القاهرة ، وأدركته المنية بها في مستهل شعبان سنة ٨٦٩ ه ، ومولده في سنة ٨١٤ ه .
الشيخ العالم
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين حسن بن داود ، المشهور بابن الناصري
الشافعي ، ولد بالقدس الشريف / / ونشأ به ، واشتغل بالعلم
__________________
الشريف ، وأخذ عن علماء بيت المقدس ، وكان من أعيان بيت المقدس ، وولي مشيخة المدرسة
الجوهرية ، وكان شكلا حسنا ، منور الشيبة ، يسلك طريق الرئاسة ، توفي في شهر جمادى الأولى سنة ٨٧٠ ه ، وقد قارب السبعين ، ودفن بماملا.
الشيخ الصالح
العالم زين الدين عبد القادر بن محمد بن حسن النواوي الشافعي ، مولده في سنة ٨٠١ ه توجه إلى اليمن في سنة عشرة ورجع في سنة خمسة عشرة ،
وقد قرأ وسمع باليمن وزبيد وتلك البلاد ، وأرض الحجاز ، واشتغل وتلى بالسبع ، وفضل
وانقطع عن الناس ، وكان رجلا صالحا صوفيا ، مقرئا عالما فاضلا ، له خط من صلاة
وصوم وعبادة ، يمشي إليه الخواص ويسألونه الدعاء ويتبركون به ، ولأهل بيت
المقدس فيه اعتقاد ، وكان ممن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتوفي خامس
عشر شهر شعبان سنة ٨٧١ ه ، وحمل تابوته على الرؤوس ، ودفن بماملا ، وكانت جنازته
حافلة.
العدل تاج
الدين عبد الوهاب بن القاضي برهان الدين إبراهيم بن قاضي السلط الشافعي ، كان من أعيان العدول بالقدس الشريف ، وكان
القضاة والحكام يعظمونه ، وباشر عمل الشهادة دهرا طويلا ، وقد توجه إلى مدينة
الرملة ، فتوفي بها في شهر صفر سنة ٨٧٣ ه بالمدرسة الخاصكية ، ودفن عند قبة الجاموس.
__________________
الشيخ العلامة
زين الدين عمر بن الشيخ زين الدين بن عبد المؤمن الحلبي الأصل
الشافعي ، شيخنا بالإجازة ، كان رجلا صالحا ، له سند عال في
الحديث الشريف ، أخذ عنه جماعة من فقهاء بيت المقدس.
وكان منور
الشيبة ، عليه البهاء والوقار ، وقد حضرت ختم البخاري عليه في سنة ٨٧٢ ه بالصخرة الشريفة ، وأجازني ، رحمه الله ، توفي سنة ٨٧٣
ه ، ودفن بماملا ، وكان يوما مشهودا لجنازته.
العدل تاج
الدين عبد الوهاب بن محمد المؤذن ، وكان رجلا خيرا احترف بالشهادة دهرا طويلا ، وكان
ينسخ الكتب ، وخطه حسن ، وعنده تواضع ، توفي في رابع شعبان سنة ٨٧٣ ه ، ودفن
بالساهرة.
الشيخ أحمد
جعارة ، كان مجذوبا ، وله كرامات ظاهرة ، وأهل بيت المقدس يعتقدون صلاحه ، وحكي
عنه أشياء تدل على ولايته ، توفي في شهر رمضان سنة ٨٧٣ ه ، ودفن بماملا بالقرب من
القلندرية ، نفع الله به.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، المحقق شيخ المسلمين ، شمس الدين أبو مساعد محمد بن عبد الوهاب
الشافعي ، شيخنا ، أحد جماعة العلامة شهاب الدين بن أرسلان ، وهو الذي كناه ،
وكان من أعيان علماء بيت المقدس والمعيدين بالمدرسة الصلاحية.
كان يكتب على
الفتوى عبارات حسنة ، وانتفع الناس به ، وقد عرضت عليه قطعة من كتاب المقنع في
الفقه سنة ٨٧٣ ه ، وأجازني ، توفي رحمه الله ، في يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة
سنة ٨٧٣ ه بالطاعون ، ودفن بالساهرة ، وكانت جنازته حافلة.
العدل شهاب
الدين أحمد بن محمد الخليلي الشافعي ، رئيس المؤذنين
__________________
بالمسجد الأقصى الشريف ، كان حسن الصوت في الآذان ، استقر في رئاسة الآذان بعد وفاة علم الدين ابن الصفدي ، وكان يحترف بالشهادة ، رفيقا للقاضي عماد الدين التركستاني ، وعنده
حشمة زائدة ، ويلبس القماش الفاخر ، وله مروءة تامة ، توفي في المحرم سنة ٨٧٤ ه ، ودفن بماملا ولم يبق بعده من هو في معناه من حسن
الصوت في الآذان والمديح ونحوهما.
السيد الشريف
الشيخ عز الدين أبو محمد حمزة الدمشقي الشافعي ، أحد علماء دمشق ، توفي بالقدس الشريف في سنة ٨٧٤ ه
بالمدرسة الصلاحية ، وكان من أهل الفضل ، وناب في القضاء بالقدس الشريف ، وكان
خيرا متواضعا ، مولده في سنة اثنتين وثمانمائة ، ودفن بماملا ، وتقدم ذكر والده.
القاضي زين الدين أبو حفص عمر بن الشيخ علاء الدين علي
الحوراني الشافعي ، أحد أعيان الفقهاء بالقدس الشريف ، والمعيدين
بالمدرسة الصلاحية ، كان من أهل الفضل ، وناب في القضاء بالقدس الشريف ، وكان خيرا
متواضعا مولده في سنة ٨٠٣ ه ، وتوفي يوم الأربعاء العشرين من شهر ربيع الأول سنة
٨٧٤ ه ، ودفن بماملا ، وتقدم ذكر والده الشيخ غرس الدين خليل بن عبد الرحمن
الأنصاري الخليلي الشافعي ، أخو الشيخ برهان الدين ، الآتي ذكره ، كان الشيخ غرس
الدين من أهل الفضل ، وذوي المروءات ، وعنده تواضع ، وباشر / / نيابة الحكم بمدينة سيدنا الخليل ، وناب في
الخطابة بالمسجد الشريف الخليلي ، توفي في شهر ربيع الأول سنة ٨٧٤ ه ببلده.
الشيخ شمس
الدين محمد بن أحمد بن حامد الأنصاري المقدسي
__________________
الشافعي ، شيخ المدرسة الفخرية ، مولده في سنة ٨٠٧ ه ، وكان من أهل الفضل ومن أعيان بيت المقدس ، وتوجه إلى
دمشق ، فتوفي فيها في سابع ربيع الآخر سنة ٨٧٤ ه ، ودفن بالقرب من الذهبية ، وصلي عليه صلاة الغائب
بالمسجد الأقصى الشريف.
الشيخ شهاب
الدين أحمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن حسين الأوتاري المقرئ الشافعي ، مولده في سنة ٨٢٢ ه ، وكان رئيس القراء بالقدس
الشريف ، حفظ القرآن حفظا جيدا ، ويؤديه بحسن صوت وطيب نغمة ، نظم الشعر ، وخطه حسن ، وربما احترف
بالشهادة في بعض الأوقات ، وكان عنده بشاشة وتودد للناس ، توفي في يوم الأربعاء سابع رجب سنة ٨٧٤ ه ،
ودفن بباب الرحمة ، وتقدم ذكر والده.
الشيخ القدوة ،
برهان الدين أبو إسحق بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ القدوة علاء الدين أبي الحسن علي
بن الشيخ أبي الوفاء البدري الحسيني الشافعي ، أحد مشايخ الوفائية بالقدس الشريف ،
نشأ في خدمة والده وخرجه ، ثم تكمل بعمه الشيخ أبي بكر في حياة أبيه ، ولزم خدمة
عمه إلى أن توفي ، ومن تخريج والده أنه كان راكبا بخدمته في سفره ومعهم رجل صالح
يمشي أمام الفرس التي تحته ، فلما أحس والده أن الرجل تعب ولم يفكر ولده بذلك أمر بنزول ولده ، وأركب فرسه لذلك الرجل
الماشي ، وأمر ولده أن يمشي أمام الفرس ، فمشى حتى تعب كثيرا ، فنزل الفقراء وكشفوا رؤوسهم واستغفروا عنه ، فقال : لا حتى يعرف ألم
التعب ، ثم عفا عنه.
ومن هناك نشطت
همته جدا ، وصار لا يماثل في المهمات والإقدام على
__________________
الأمور المشكلات ، والكرم الزائد إلى النهاية ، يلقى الواردين وتربية
المريدين ، حفظ القرآن والمنهاج والجرجانية في النحو ، وعرض المنهاج على الشيخ عز الدين بن عبد
السلام المقدسي ، شيخ الصلاحية وقرره بها ، وسمع منه الحديث وأجاز به ، وسمع أيضا
من الشيخ ماهر ، ومن الشيخ عضد الدين الصيرامي بمصر وغيرهم ، وأخذ من مشايخ
الصوفية صحبة عن الشيخ شهاب الدين بن قرافي طريق السيد عبد القادر الكيلاني ، أعاد
الله علينا من بركاته ، وكذلك من سيدي محمد البرموني وغيرهما ، وكان عمه السيد أبو بكر يندبه في المهمات ،
ويصرفه في كثير من الأحوال ، دون غيره من الأولاد ، والأقارب ، لعلمه بهمته وشجاعته وعزمه
وإقدامه ، توفي رحمه الله في شهر شوال ، يوم مسير الحجاج من القدس الشريف في سنة
٨٧٤ ه ، ودفن بماملا على جانب البركة من جهة الشرق ، وكان
يوما مشهودا لجنازته.
الشيخ شمس
الدين محمد بن عيسى البسطامي الشافعي ، الشهير بابن أخي زرع ، كان رجلا صوفيا من
فقراء البسطامية ، وكان يحفظ القرآن ويقرئ الأطفال في المدرسة الطازية ، وهو رجل
خير ، استقر في أواخر عمره في بوابة الخانقاه الصلاحية ، وهو من جملة الصوفية ،
بها وبالجوهرية ومن الفقهاء الصلاحية ، توفي في خامس رمضان سنة ٨٧٤ ه ودفن بماملا
، وأخوه الشيخ محمد زرع ، الذي اشتهر به ، كان صالحا ، ووفاته قبل أخيه بنحو عشرين
سنة.
الشيخ شمس
الدين محمد بن محمد بن محمد بن غضية ، المقرئ المؤذن الشافعي ، كان حسن الصوت في القراءة
والآذان ، واستقر من جملة الفقهاء بالصلاحية ، وتعين حتى صار يقرأ المراسم الشريفة الواردة من
السلطان على دكة المسجد الأقصى ، توفي في خامس عشرين رمضان سنة ٨٧٤ ه ، ودفن بباب
__________________
الرحمة ، ويأتي ذكر والده وجده مع فقهاء الحنفية ، إن شاء الله تعالى.
الشيخ تاج
الدين عبد الوهاب بن عبد الرزاق بن ناصر المقدسي الشافعي ، المشهور بابن شيخ السوق
، اشتغل وحصل وصار من الفضلاء ، وتقرر من الفقهاء بالصلاحية والصوفية بالخانقاه
الصلاحية ، وكان من جماعة شيخ الإسلام النجمي بن جماعة // ، وباشر النيابة عنده حين ولي القضاء ، وكان يحترف بالشهادة ، ثم ترك
ذلك وتوجه إلى مكة في سنة أربع وأربعين وجاور ، وتوفي بها في سنة ٨٧٥ ه .
الشيخ شمس
الدين محمد بن حسين المقرئ ، كان من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية وقارئ العشر بها
، ومن الصوفية بالخانقاه ، وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا ، وهو رجل خير منجمع عن
الناس لا يتكلم فيما لا يفيد ، توفي بالقدس الشريف في شهر شعبان سنة ٨٧٦ ه .
قاضي القضاة ،
العلامة الورع الزاهد ، شهاب الدين أبو الأسباط أحمد بن عبد الرحمن الرملي الشافعي
، الشيخ الإمام القدوة شيخنا ، مولده في حدود سنة ٨١٠ ه ظنا ، وكان من أعيان
العلماء ، ومن تلاميذه الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، وهو الذي كناه ، وولي قضاء الرملة بعد القاضي علاء
الدين بن السائح في سنة نيف وأربعين ، فباشر بعفة ونزاهة ، وكان من قضاة العدل ،
لا يحابي أحدا ، ولا يلتمس على القضاء الدرهم الفرد ، وكان شكلا
حسنا ، منور الشيبة ، رؤية شكله تدل على علمه وصلاحه ، استوطن بيت المقدس دهرا طويلا وكان من أعيان
المعيدين بالمدرسة الصلاحية ، وعرضت عليه في سنة ٨٧٣ ه قطعة من كتاب المقنع في الفقه ، وأجازني ، رحمه الله ،
ثم في أواخر عمره توجه إلى الرملة لضرورة له ، فأدركته المنية بها في سنة
__________________
٨٧٧ ه ، ودفن بالجامع الأبيض ، رحمه الله.
الشيخ تاج
الدين عبد الوهاب بن علي بن أبي عمر الشافعي ، كان من أعيان الفقهاء بالقدس الشريف
، وله وجاهة وكان قديما يحترف بالشهادة ، ثم نزل عن ذلك ، توفي في شهر رجب سنة ٨٧٨ ه ، ودفن بالساهرة.
الشيخ شمس
الدين أبو البركات محمد بن الشيخ نجم الدين محمد بن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن
غانم الأنصاري الشافعي ، شيخ الخانقاه الصلاحية ، استقر فيها بعد وفاة والده في
سنة ٨٧٠ ه ثم نزل عن النصف للشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم ،
فلما ولي الخطيب محب الدين بن جماعة نصف المشيخة في سنة ٨٧٨ ه بمرسوم السلطان ، اعترف الشيخ جمال الدين أن النصف الذي
استقر فيه الخطيب محب الدين هو الذي بيده ، واستمر الشيخ أبو البركات فيما بيده من
النصف مشاركا للخطيب محب الدين بن جماعة ، وتوفي الشيخ أبو البركات في يوم الاثنين
عاشر ذي القعدة سنة ٨٧٨ ه ، ودفن بماملا بباب الرحمة وله أربعون سنة.
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين حسن الجلجولي الشافعي ، ولد بجلجوليا ونشأ
بها ، وأخذ العلم عن الشيخ شهاب الدين القلقيلي ، وباشر القضاء بجلجوليا ، ثم استوطن بيت المقدس سنة
٨٥٩ ه ، وكان يعرف بقاضي جلجوليا ، وكان من أهل الفضل ، وعنده
تواضع ، توفي في يوم السبت خامس عشر ذي القعدة سنة ٨٧٨ ه ، ودفن بحوش البسطامية
بماملا ، رحمه الله.
القاضي شهاب
الدين أحمد بن علي اللدي الشافعي ، سبط العلامة شيخ الإسلام جمال الدين بن جماعة الكناني
، كان من أعيان الرؤساء بيت المقدس ،
__________________
وله اشتغال ورواية في الحديث ، وكان يقرأ صحيح البخاري في كل سنة بالصخرة
الشريفة ، ويختمه بالجامع الأقصى ، وله شهامة ومروءة ومساعدة لأصحابه ، وقد حضرت
مرة ختمه لصحيح البخاري بالمسجد الأقصى تجاه الشباك الذي عند جامع عمر في أواخر
شهر رمضان سنة ٨٧٠ ه ، وكان بالمجلس رجلا لا يحضرني من هو فأخذت الرجل سنة من النوم وقت الختم ، فرأى النبي ، صلى
الله عليه وسلم ، وهو حاضر في المجلس ، فاستيقظ الرجل وقص الرؤيا على من حضر ،
وكان مجلسا حافلا فحصل للقاضي شهاب الدين اللدي السرور بذلك ، وبكى هو ومن حضر بالمجلس ، وكانت ساعة عظيمة ، توفي في شهور سنة ٨٨٠ ه ، ودفن بالقلندرية بماملا.
وفي هذه السنة
توفي القاضي كمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن حامد الشافعي ، أمين الحكم
العزيز والمتكلم على الأيتام بالقدس الشريف ، وكان من الرؤساء ببيت المقدس ، وعنده
تواضع وتودد للناس ولين جانب ، توفي ابن عمه القاضي محب الدين محمد بن عبد
الله بن حامد ، وكان من أعيان المباشرين على أوقاف القدس والخليل ،
والشيخ محب الدين / / محمد بن القاضي شمس الدين محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد بن
عوجان العمري الشافعي ، وكان قد اشتغل بالعلم على مذهب الإمام الشافعي ، وخالف في
ذلك والده وجده الآتي ذكرهما مع فقهاء المالكية ، وصار من المعيدين بالمدرسة
الصلاحية ، ووفاته في ليلة الأحد ثاني شهر رمضان سنة ٨٨٠ ه عن خمس وأربعين سنة ،
ودفن بماملا.
الشيخ الفاضل
يوسف الكردي الشافعي كان من أهل الفضل ومن أعيان الفقهاء بالمدرسة الصلاحية
، وله مشاركة جيدة ، وكان يبحث في درس الصلاحية بحثا جيدا ، غير أن لسانه فيه ثقل
، فكان كلامه لا يفهمه إلا من له به خبره ، ومن أقرانه الشيخ الفاضل بدر الدين حسن
الجزري النحوي الشافعي ، كان يحسن العربية ، واشتغل عليه كثير من الطلبة وانتفعوا
به ، وكان من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية.
__________________
الشيخ الفاضل
عثمان الحصين الشافعي الفرضي ، كان من أهل الفضل ، وله يد طولى في الفرائض ، وكان
اشتغاله ببلاده في جهة المشرق ، واستوطن ببيت المقدس ، واشتغل عليه جماعة ،
وانتفعوا به ، وكانت وفاته هو والشيخ حسن الجزري ، والشيخ يوسف الكردي المتقدم
ذكرهما في مدة متقاربة بعد الثمانين والثمانمائة بالقدس الشريف.
الشيخ شهاب
الدين أحمد بن محمد الكردي الحلبي البسطامي الشافعي ، شيخ البسطامية بالقدس الشريف
، كان صوفيا مباركا ، وكان ينسخ الكتب وخطه جيد ، وهو من جملة الفقهاء بالمدرسة
الصلاحية ، والصوفية بالخانقاه ، وكان متواضعا قليل الكلام فيما لا يعنيه ، وصحب
الشيخ أبو بكر الطولوني ، وكان يصلي به ، ثم صحب بعده الشيخ كمال الدين إمام
الكاملية ، ثم استقر في مشيخة الزاوية البسطامية بالقدس الشريف ، واستمر بها إلى أن توفي
بالقدس الشريف في سنة ٨٨١ ه بالطاعون ، رحمه الله.
الشيخ العلامة
الفقيه علاء الدين أبو مدين علي بن إبراهيم الرملي الشافعي ، نزيل القدس الشريف ، كان من تلامذة الشيخ شهاب الدين
بن أرسلان ، وهو الذي كناه فاشتهر بكنيته ، وكان يعرف في الرملة
بابن قطيط ، استوطن بيت المقدس وباشر الحكم به نيابة عن القاضي علاء الدين بن السائح ، وصار من أعيان
الفقهاء بالمدرسة الصلاحية ، والخانقاه وغيرهما ، وكان يجلس للوعظ بالمسجد الأقصى
الشريف ، وكان مطرحا للتكلف ، وعنده تواضع وتقشف على طريقة السلف الصالح ، توفي في آخر رجب سنة ٨٨١ ه ، ودفن
بماملا تحت القبة التي بحوش الشيخ خليفة المالكي.
__________________
الشيخ علاء
الدين علي بن عمر المرداوي ، كان يحفظ القرآن ، وبيده مال يتجر
فيه ، ثم نفذ منه المال ، وصار فقيرا فاحترف بالشهادة وفتح عليه ،
ولازم مجالس القضاة وقصده الناس ، واستمر على ذلك مدة تقرب من عشرين سنة ، توفي في
سادس شوال سنة ٨٨١ ه ، ودفن بالساهرة.
الشيخ شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان السعدي الشافعي ، ابن أخي شيخ الإسلام عز الدين
عبد السلام المقدسي ، شيخ الصلاحية ، وبه كان يعرف ، من أهل الفضل ، ومن جملة فقهاء المدرسة الصلاحية ، باشر نيابة
الحكم بالرملة في أواخر عمره ، مدة يسيرة ، وحصل له توعك فحمل إلى القدس الشريف ،
فمات في الطريق ، ودفن بالقدس الشريف بباب الرحمة سنة ٨٨٢ ه .
القاضي برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن
القاسم الشافعي ، المشهور بابن الحكمة ، كان والده القاضي ببيت المقدس ، وتقدم
ذكره ، وولي هو قضاء نابلس ، ثم قضاء الرملة مرات آخرها في سنة ٨٧٢ ه ، وعزل في سنة ٨٧٤ ه ، وأقام بوطنه بالقدس الشريف ، وكان شكلا حسنا ، له
مروءة وعنده سخاء ، توفي بالقدس الشريف في ليلة الثلاثاء العشرين من شهر رجب سنة
٨٨٢ ه .
الشيخ زين
الدين عبد الرحمن بن إسحق الغزي الشافعي ، نزيل القدس الشريف ، كان من أهل الفضل ،
واستوطن ببيت المقدس دهرا طويلا ، وكان
__________________
يتكسب بالشهادة وسيرته محمودة وعنده تواضع ودين ، توفي في سنة ٨٨٢ ه.
الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين أبو العزم محمد بن محمد بن / / الحلاوي ، الشافعي النحوي ، كان من أهل العلم والدين ، وهو من
تلامذة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان وكناه بأبي العزم فاشتهر بكنيته ، وكان له يد طولى في
العربية ، وصنف شرحا على الأجرومية ، وكان يقرأ العربية وغيرهما بالمسجد الأقصى الشريف ،
وانتفع عليه كثير من الفقهاء ببيت المقدس ونابلس ، وأعاد بالمدرسة الصلاحية في زمن
شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف وبعده في ولاية شيخ الإسلام النجمي بن جماعة ،
وكان عنده قيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يزل كذلك حتى وقعت
الفتنة بسبب كنيسة اليهود بالقدس الشريف ، فطلب السلطان أهل بيت المقدس على ما
سنذكره فيما بعد ، إن شاء الله تعالى ، وكان هو بالقاهرة فاختفى وتوجه إلى الحجاز
الشريف ، وجاور بمكة حتى توفي بها في شهور سنة ٨٨٣ ه ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله.
قاضي القضاة
شمس الدين أبو زرعة ، محمد بن برهان الدين إبراهيم الزرعي الشافعي المقرىء ، أحد جماعة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، وهو الذي
كناه فاشتهر بكنيته ، كان شيخ القراء بمدينة الرملة ، ومن أهل العلم ، ولي قضاء
الرملة بعد الخمسين والثمانمائة مدة ، ثم باشر الحكم بها نيابة عن القاضي غرس
الدين أخي أبي العباس ، ثم اشتغل بالقضاء في سنة ٨٥٧ ه بولاية السيد الشريف وكيل
السلطان ، فإنه كان فوض إليه السلطان أمر القضاء بالمملكة ، فعزل وولي الشام وحلب
وغيرهما ، ومن جملة من ولاه القاضي شمس الدين أبو زرعة المذكور ، فاستمر إلى سنة
٨٧٧ ه ، وعزل بالقاضي شمس الدين بن يونس النابلسي ، ثم
__________________
استوطن بيت المقدس وصار من المعيدين بالمدرسة الصلاحية ، كان شكلا حسنا ،
منور الشيبة ، وعنده تواضع وتودد للناس ، وتوفي بالقدس الشريف في يوم الخميس رابع
شهر رمضان سنة ٨٨٤ ه ، ودفن بالقلندرية بماملا.
الشيخ القدوة
أبو طاهر خليل بن موسى الرملي الشافعي ، المشهور بأبي الطيب الصالح الناسك ، بركة المسلمين ، كان من أعيان أهل العلم ، ومن أعيان جماعة الشيخ شهاب الدين بن
أرسلان ، وهو الذي كناه ، استوطن ببيت المقدس دهرا طويلا ، وكان يتجر ببيع القماش
في سوق التجار ، وكان فقيرا جدا وللناس فيه اعتقاد ، وكان كثير التلاوة للقرآن ، يحكى عنه في ذلك العجائب من سرعة تلاوته حتى قيل عنه : أنه كان يمشي من منزله
إلى المسجد الأقصى الشريف فيقرأ ختما كاملا ، وقد أخبرني من جلس إلى جانبه في صلاة الجمعة ، أنه سمعه ابتدأ في القراءة
حين صعد الخطيب المنبر ، فلما أكمل الخطبة ونزل للصلاة سمعه يقرأ سورة الرحمن ،
فسبحان المتفضل بما شاء على من يشاء ، وكان شكله عليه الأبهة والوقار ، منور
الشيبة ، على طريقة السلف الصالح ، توفي في يوم الخميس ثاني عشري شعبان سنة ٨٨٥ ه ، بالقدس الشريف ، ودفن بماملا ، نفع الله به.
وفي ذلك اليوم توفي الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ عبد الله
البغدادي الشافعي العدل ، كان والده من الفقهاء الصوفية ، ومات وهو صغير ، فنشأ
بعده واشتغل بالعلم ، وحفظ كتاب التنبيه في الفقه ، وقرر في الخانقاه والمدرسة الصلاحية ، وتحمل الشهادة
عند القضاة ، وكان ينظم الشعر وينقل التاريخ ، وله
__________________
محاضرة لطيفة ، وكان شكلا حسنا ، فصيح العبارة ، له خبرة
بأحوال الناس والمتقدمين وكتب كثيرا ، وكان خطه يقرب من أن يشبه الخط الكوفي ،
وسكن بالزاوية الكائنة بقرب القلعة ، ظاهر القدس المعروفة قديما بالشيخ يعقوب
العجمي ، فعرفت به لسكنه بها ، فصار يقال لها : زاوية ابن الشيخ عبد الله ، وعمر
على ظاهرها طبقة مرتفعة ، وكان الرؤساء والقضاة من أصحابه يقصدونه
بالزاوية ويجلسون عنده ، ويأنسون به وبمجالسته ، وكان له مروءة
وحسن عشرة ، توفي في يوم وفاة الشيخ أبي ظاهر ، وتقدم ذكره ، ودفن بماملا ، رحمه
الله.
الشيخ زين
الدين عبد القادر بن الشيخ شمس الدين محمد بن قطلوشاه المقرئ الرملي الأصل ، ثم المقدسي الشافعي ، كان والده
من أعيان القراء ، حسن الصوت ، طيب النغمة ، استقر في وظيفة القراءة بمصحف الملك
الأشرف برسباي الذي وضعه بالمسجد الأقصى ، ولما توفي استقر / / بعده في الوظيفة ولده هذا ، وكان يحفظ القرآن ، وله وظائف ويتجر ، وله
دنيا واسعة ، توفي بالقدس الشريف في سنة ٨٨٦ ه
العدل شمس
الدين محمد بن إبراهيم الحريري ، كان رجلا خيرا احترف الشهادة دهرا
طويلا ، وكان يكتب خطا حسنا ، وعنده تواضع ، توفي في سنة ٨٨٦ ه بالقدس الشريف ، ودفن بماملا.
القاضي عماد
الدين إسماعيل بن الشيخ الصالح إبراهيم التركستاني الشافعي العدل ، كان عين موقعي
الحكم بالقدس الشريف ، وانتهت إليه الرئاسة في فن الشهادة وكتابه المستندات ، وخطه
حسن ، وله معرفة تامة بالمصطلح ، وأوتي من
__________________
الحظ والإقبال ما لم ينله غيره ، وكان القضاة يعظمونه ويكرمونه ، وكان يلبس
القماش الفاخر ، ويتوسع في النفقة ، ويترفه في المأكل ، وله مروءة تامة ،
وإكرام لأصحابه وقيام بحقوقهم وقضاء لحوائجهم ، توفي في نصف شهر رمضان سنة ٨٨٧ ه ، ودفن بباب الرحمة ، ولم يبق بعده من هو في معناه ،
عفا الله عنه.
الشيخ العلامة
شمس الدين أبو الفضل محمد بن عبد القادر بن النجار المقدسي الشافعي ، ولد في حدود
سنة ٨٤٠ ه بالقدس الشريف ، وتفقه على شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف ،
والشيخ أبي مساعد وغيرهما ، وكان من أعيان أهل العلم ببيت المقدس ومن أماثل
الفقهاء بالمدرسة الصلاحية ، وكان دينا خيرا ، عنده تواضع وتودد للناس ، وله نظما
رائقا ، ويد طولى في الألغاز ، وكان يدرس بالمسجد الأقصى ، وانتفع عليه
كثير من الطلبة ، ولم يعلم منه ما يشينه ، وتوفي في نصف شعبان سنة ٨٨٧ ه ، ودفن
بماملا ، رحمه الله.
الشيخ القدوة
برهان الدين أبو الصفا إبراهيم بن علي بن أبي الوفاء الأسعردي الشافعي ،
الصوفي الزاهد ، مولده بأسعرد في سنة خمس أو ست وثمانمائة ، ونشأ بها ، واشتغل على علمائها ،
ورحل إلى تبريز العجم ، واشتغل بها ، ثم قدم إلى بيت المقدس واستوطنه ، وقرره
الملك الظاهر جقمق في المدرسة الحنبلية بباب الحديد ، وأقام بالقدس دهرا طويلا وتزوج ورزق الأولاد ، ثم استوطن دمشق ، وبقي يتردد إلى
بيت المقدس ، وكان شكلا حسنا ، منور الشيبة ، به مروءة ، وحسن لقاء لمن يرد عليه ، توفي بدمشق سنة ٨٨٧ ه
، رحمه الله.
الشيخ العلامة
برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد العجلوني
__________________
الشافعي ، كان من أهل العلم وعنده تحقيق ويكتب على الفتوى عبارة حسنة ،
وكان من أعيان الشافعية ببيت المقدس ، رحل إلى الديار المصرية قبل الثمانين
والثمانمائة ، وأقام بها ، ثم استوطن دمياط مدة ، ثم عاد إلى القاهرة ، فتوفي بها
في سنة بضع وثمانين وثمانمائة.
الشيخ شعبان بن
سالم بن شعبان البيت ساحوري ، المعمر أبو سالم ، ولد كما اقتضى كلامه
سنة ٧٧٣ ه ، وكان يذكر أنه لقي البرهان ابن جماعة والقلقشندي ،
وأنه كان يحضر عندهما في حال القراءة ، فأخذ عنه بعض الطلبة ، وقال بعضهم : أنه
رأى له سماعا على الشهاب بن العلائي ، وحدث بالإجازة العامة عن أبي حفص عمر بن
أمية ، وصلاح الدين ابن أبي عمر ، وتوفي سنة ٨٨٨ ه ، ببيت ساحور خارج القدس الشريف ، ودفن بها ، رحمه الله
فكان عمره على اقتضاء كلامه مائة سنة وخمسة عشر سنة.
الشيخ الإمام ،
العالم المحدث ، شمس الدين محمد بن الشيخ العالم زين الدين عمر بن الشيخ الصالح
القدوة المسلك المربي تقي الدين أبي بكر السعدي البسطامي الشافعي الخليلي المعروف بابن
الحاجة ، مولده في رابع عشر ربيع الآخر سنة ست وقيل : أربع وثمان مائة ، وكان من
أعيان الفقهاء بمدينة سيدنا الخليل ، توفي في سادس عشر شهر جمادى الآخرة سنة ٨٨٩ ه ببلد الخليل ، ودفن بمقبرة الرأس.
الشيخ الحافظ
العلامة شيخ المسلمين شهاب الدين أبو العباس أحمد بن القاضي زين الدين عمر العمري الشافعي ، الشيخ الإمام ، الواعظ المحدث
__________________
شيخنا ، ولد سنة ٨٣٢ ه بالقدس الشريف ، وتفقه على الشيخ ماهر وغيره ، وهو
من جماعة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، اشتغل ودأب وحصل ، وأخذ الحديث عن الحافظ
ابن حجر ، ولقي جماعة من / / العلماء ، وأخذ عنهم ، وباشر نيابة الحكم بالقدس
الشريف عن القاضي شهاب الدين قاضي الخليل حين ولي القدس في سنة ٨٦٢ ه ، وكان حافظا فصيحا ، وله مشاركة في كثير من العلوم ،
جلس للوعظ واشتهر أمره في المملكة ، وعظم عند الناس ، وصار له القبول في الوعظ ،
وكان خاشعا مأنوس النغمة والشكل ، ذا سكون ووقار ، معروفا بالديانة لا يغتاب أحدا
، وإن وقع في مجلسه استغابة منع منها ، درس وأفتى ، وأعاد في الصلاحية.
وكان قرر في
مشيخة المدرسة المنسوبة لمولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي التي هدمت وبنى مكانها المدرسة
المشهورة بالمسجد الأقصى الشريف بجوار باب السلسلة ، ولما عمرت المدرسة المذكورة
على ما هي الآن عليه ، وانتهت عمارتها ، أدركته المنية ، فتوفي رحمه
الله ، وكان متواضعا حسن اللقاء كثير البشر ، عنده إكرام لمن يرد عليه ، وقد
عرضت عليه في حياة الوالد ، رحمه الله ، قطعة من كتاب المقنع في الفقه.
وأجازني في شهور سنة ٨٧٣ ه ، ثم لما توفي الوالد لازمته للاشتغال ، فكنت أقرأ عليه
في المقنع ، وأحضر مجالس وعظه ، ودرس بالمسجد الأقصى وحصلت الإجازة منه غير مرة
خاصة وعامة.
توفي رحمه الله
في ليلة السبت ثامن أو سابع شهر ربيع الأول سنة ٨٩٠ ه ، ودفن بماملا ظاهر القدس الشريف ، وقد كتب على قبره
تاريخ وفاته في شهر ربيع الأول سنة ٨٩٠ ه ، وهو خطأ فإني اجتمعت به بعد قدومي من
القاهرة
__________________
في شوال سنة تسع وثمانين ، ثم علمت بوفاته وأنا مقيم بالرملة في شهر ربيع
الأول سنة ٨٩٠ ه ، وصليت عليه بالرملة ، رحمه الله وعفا عنه.
القاضي زين الدين عبد الرحيم بن الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد
بن حامد الأنصاري المقدسي الشافعي ، كان من أعيان بيت المقدس ، وعنده حشمة وتواضع ، وله
رواية في الحديث ، توفي في يوم الثلاثاء حادي عشر رمضان سنة ٨٩٠ ه ، ودفن بماملا.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، القدوة المحقق ، السيد الشريف ، تاج الدين أبو الوفاء محمد ابن
الشيخ تقي الدين أبي بكر بن أبي الوفاء الحسيني الشافعي البدري ، شيخ الفقراء
الوفائية بالأرض المقدسة ، كان من أهل العلم ، وله وجاهة عند الناس ، وله تصانيف
في التصوف وغيره ، سكن مصر ، ثم عاد إلى وطنه بالقدس الشريف ، وقدر أنه تزوج
بمدينة الرملة ، وكان يتردد إليها ، فتوفي بها في يوم عاشوراء ونقل إلى القدس الشريف ، فغسل وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف يوم الحادي عشر من المحرم الحرام سنة ٨٩١
ه ، ودفن بماملا عند والده بجوار الزاوية القلندرية ، رحمه الله.
شيخ الشيوخ جمال الدين أبو محمد بن عبد الله بن الشيخ القدوة ناصر
الدين محمد بن غانم الأنصاري الخزرجي الشافعي ، شيخ حرم القدس الشريف والخانقاه
الصلاحية ، مولده سنة ٨٠٢ ه ، وكان والده شيخ حرم القدس الشريف من أعيان بني غانم ،
وتوفي والد الشيخ جمال الدين
__________________
وهو صغير ، فنشأ بعده وولي ما كان بيد والده من مشيخة الحرم
، ثم ولي مشيخة الخانقاه الصلاحية شركة واستقلالا وعمر ، وكان كريما حسن الأوصاف ،
وله مروءة تامة ومحبة لأصحابه ، توفي في شهر ذي الحجة الحرام سنة ٨٩٠ ه بالقدس
الشريف ، ودفن بباب الرحمة عند سلفه .
الشيخ العلامة زين الدين عبد الرزاق بن شمس الدين محمد بن جمال الدين
يوسف بن المصري الخليلي الشافعي ، كان من أهل العلم ومن أعيان فقهاء بلد سيدنا الخليل ،
ثم استوطن بيت المقدس مدة ، وصار من المعيدين بالمدرسة الصلاحية ، ثم عاد إلى بلده
، وتوفي يوم الأربعاء حادي عشري شعبان سنة ٨٩١ ه ، ودفن بالمقبرة السفلى على أبيه ، رحمه الله.
الشيخ شهاب
الدين أحمد بن محمد بن يوسف الأزرقي الشافعي ، الشهير بمذهبه ، ولد سنة ٨٠٠ ه تقريبا ، وسمع على
جماعة ، وكان حافظا لكتاب الله تعالى ، حسن الخط ، باشر العمالة بأوقاف سيدنا
الخليل ، والشهادة وحدث قليلا ، توفي يوم الخميس سادس عشري ذي القعدة سنة ٨٩١ ه
ببلد سيدنا الخليل.
الشيخ شمس
الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن محمد بن يوسف بن منصور الأزرقي الخليلي الشافعي ، ولد سنة ٨٣٣ ه ظنا ، وقرأ صحيح البخاري على الشيخ جمال الدين بن جماعة
بالقدس الشريف ، وسمع على غيره ، وتفقه على جماعة منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي
شريف ، وأجاز له العلم البلقيني وغيره ، ودرس يسيرا ، توفي يوم عاشوراء سنة ٨٩٢ ه بمدينة الخليل ، عليه السلام.
__________________
الشيخ / /
الصالح عثمان الخطاب المصري الزاهد ، كان من أعيان الصالحين بالقاهرة المحروسة وله زاوية
عظيمة بخط البندقيين بالقرب من السوق الذي يباع فيه الرقيق ، وعنده خلق من
المريدين يتلون كتاب الله ، وهم عاكفون على الذكر والأوراد ليلا ونهارا ، وللناس
فيه اعتقاد ، وقدر حضوره إلى بيت المقدس زائرا ، وأقام به مدة يسيرة ، ثم
توجه لزيارة سيدنا الخليل ، وعاد إلى بيت المقدس ، فتوفي به في شهور سنة ٨٩٢ ه ، ودفن بماملا ، وكانت جنازته حافلة حضرها خلق من
الأعيان وغيرهم ، رحمه الله.
الشيخ شمس
الدين محمد بن خليل بن أحمد بن عيسى بن الصلاح خليل القيمري الخليلي ، ولد في سنة
٨٢١ ه ببلد الخليل ، حافظ القرآن وسمع الحديث من جماعة ، وكان
خبيرا حافظا للقرآن كثير التلاوة له ويؤذن بمقام الخليل ، وحدث بالقدس والخليل
ووالده ممن سمع الحديث وحدث ، وجده صلاح الدين خليل بن عيسى القيمري ، مولده سنة ٦٧٣ ه وهو ممن قرأ بالروايات على الشيخ برهان الدين الجعبري ، وسمع عليه وعلى الحجار
، توفي الشيخ شمس الدين في رمضان سنة ٨٩٢ ه بمدينة الخليل ودفن بها.
شيخ الإسلام
برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن زين الدين عبد الرحمن الأنصاري الخليلي الشافعي ، الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق شيخنا ،
__________________
مولده في عاشر المحرم سنة ٨١٩ ه ببلد سيدنا الخليل ، لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم
، وسمع الحديث ببلده على جماعة ، ثم رحل إلى القاهرة ، وأخذ الحديث عن جماعة
أجلّهم الحافظ بن حجر ، وأخذ الفقه عن جماعة منهم فقيه عصره تقي الدين أبو بكر بن
قاضي شهبة ، وأذن له في الإفتاء والتدريس ، والقاياتي والوفائي وشمس الدين بن المالكي الرملي وآخرون منهم
الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، أفتى ودرس وناظر ورحل من بلد سيدنا الخليل إلى القدس
الشريف واستوطن بالقدس وباشر الحكم نيابة عن قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة قبل
الستين والثمانمائة وبعدها ، ثم ترك الحكم وتعين وصار من أعيان علماء بيت المقدس ،
وقد عرضت عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه بالزاوية الخنثنية في شهر جمادى
الآخرة سنة ٨٧٣ ه وأجازني ، رحمه الله ، بما يجوز روايته.
وقد تقدم في ترجمة شيخه الشيخ ابن أرسلان أنه أنشد حين سكن
بالزاوية الخنثنية :
حباني إلهي
بالتصافي بقبلة
|
|
بمسجده
الأقصى المبارك حوله
|
فحمدا وشكرا دائمين وأنني
|
|
أود لأخواني
المحبين مثله
|
ثم قدر الله تعالى
أن الشيخ برهان الدين الأنصاري لما استوطن بيت المقدس قرر فيها وسكن بها في سنة
٨٦٧ ه فأنشد كذلك هذه الأبيات :
كذاك إلهي قد
حباني بما حبا
|
|
به الشيخ
أستاذي لقد نال سؤله
|
__________________
فحمدا وشكرا يا إلهي وأنه
|
|
دليل على أني
محب أخ له
|
ولم يزل مقيما
بها إلى سنة ٨٧٩ ه فوقعت الفتنة التي بسبب كنيسة اليهود وسنذكرها فيما بعد
في ترجمة السلطان ، فطلب إلى القاهرة وامتحن. ومنع من سكن القدس فاستمر
مقيما بالقاهرة إلى سنة ثمان وثمانين.
ثم قدم بلد
سيدنا الخليل ، وأقام بها متصديا باشتغال الطلبة إلى أن توفي في سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة ٨٩٣ ه شهيدا بالبطن ، وصلي عليه بالحضرة الشريفة الخليلية ،
ودفن بزاوية الشيخ علي البكا ، رحمه الله.
وترك الشيخ
برهان الدين ولدين أحدهما الشيخ العلامة شمس الدين أبو الجود محمد ، مولده بمدينة سيدنا الخليل في شعبان سنة ٨٤٥ ه ، حفظ القرآن ، والمنهاج ، وألفية ابن مالك ، والجزرية ، وبعض الشاطبية ، واشتغل على والده ، ثم أخذ من جماعة
عن العلماء بالديار المصرية ، أجلهم شيخ الإسلام قاضي القضاة شرف الدين يحيى
المناوي ، ومنهم الشيخ كمال الدين إمام الكاملية ، وأخذ العلوم عن الشيخ تقي الدين السمني الحنفي ، وفضل
وتميز وأجيز بالإفتاء والتدريس ، وأعاد بالمدرسة الصلاحية من زمن شيخ الإسلام كمال
الدين بن أبي شريف.
__________________
وله تصانيف
منها شرح الأجرومية ، وشرح المقدمة الجزرية وشرح مقدمة الهداية / / في علوم الرواية للجزري ، ومعونة الطالبين في معرفة
اصطلاح المعربين ، وقطعة من شرح تنقيح اللباب لشيخ الإسلام ولي الدين العراقي ، وغير ذلك من التعاليق والفوائد ،
درس وأفتى في حياة والده وبعده مع وجود أعيان العلماء ببيت المقدس وهو مستمر على ذلك
إلى يومنا.
والثاني القاضي
شهاب الدين أبو العباس أحمد ، مولده في شهر رمضان سنة ٨٤٦ ه ، حفظ القرآن ، واشتغل بالعلم على والده ، وعلى شيخ الإسلام كمال
الدين بن أبي شريف وغيرهم ، وسمع الحديث ، وفضل وتميز ، وأعاد بالصلاحية من زمن
شيخ الإسلام بن أبي شريف ، ثم باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف في حياة والده ، وهو
رجل خير متواضع ، ولي مشيخة الزاوية الخنثنية بنزول صدر له من والده قبل وفاته
، وهو مستمر إلى يومنا.
الشيخ غرس
الدين خليل بن إسحق الخليلي الشهير بابن قازان ، ولد في حدود عشر وثمانمائة ظنا ، وسمع على جماعة وحدث
، وكان حافظا للقرآن العظيم ، خيرا طريفا ، حسن المحاضرة ، يستحضر غالب مقامات
الحريري ، في رجليه اعوجاج ، وصحب الأمير أبا بكر ابن فضل ، أمير عرب جرم فلما
__________________
قتل وشى به إلى السلطان وأنه أودع عنده مالا فطلب إلى
القاهرة ثم أطلق وجاء إلى بلده ، فلما وصل إلى قرية عجلان بين غزة وبلده ، توفي إلى رحمة الله تعالى في جمادى
الأولى سنة ٨٩٣ ه ونقل إلى بلد الخليل ، وصلي عليه ودفن بها ، رحمه الله.
شيخ الإسلام
العلامة تاج الدين أبو حفص عمر بن محمد بن علي الجعبري الأصل
الخليلي الشافعي ، شيخ حرم سيدنا الخليل ، ولد في ربيع الأول سنة ست
وقيل خمس وثمانمائة ببلد الخليل ، ونشأ بها وحفظ القرآن ، وتلى بعضه بروايات
السبعة على جماعة من القراء ، وأذنوا له في الإقراء ، وتفقه ببلده على الخطيب تاج الدين إسحق التدمري وغيره بالقدس الشريف ، وأخذ عن الشيخ شمس الدين البرماوي ، والشيخ عز الدين القدسي
وغيره ، وبالقاهرة على القاياتي وغيره ، وأخذ عن ابن حجر ، وأذن له في الإفتاء
لفقه ، وسمع عليه جماعة ، وأجاز له الجم الغفير ، ودرّس وأفتى ، وحدث ببلده
وبالقدس والقاهرة ، وسمع عليه الفضلاء ، وولي نصف مشيخة حرم الخليل ، ونظر وقف جده
الشيخ علي البكا ، رضي الله عنه ، وكان رأس الفقهاء ببلده ، ثم انجمع وترك ذلك ، كان عالما خيّرا متواضعا لطيفا حسن النادرة شجاعا
مقداما ، طلق اللسان ، فصيح العبارة ، محبا للعلم وأهله ، وكانت وفاته بعد أن خرج من جميع أملاكه ووظائفه
لأولاده في ضحى يوم الاثنين ثالث شهر رمضان سنة ٨٩٣ ه ببلد الخليل ، وصلي عليه في
يومه وتقدم للصلاة عليه ابن أخيه العلامة زين الدين عبد الباسط ، وشيع إلى
__________________
مقبرة الرأس ، وكان الجمع موفورا ، ودفن بجانب التربة التي أنشأها والده الشيخ زين الدين
، رحمهما الله تعالى.
الشيخ العلامة
القاضي ، حميد الدين أبو محمد بن محمد بن عبد الرحمن المصري الأصل ثم المقدسي
الشافعي ، المشهور بكنيته ، كان من أهل الفضل وله يد طولى في الفقه ، أعاد
بالمدرسة الصلاحية ، وأفتى ودرس وباشر نيابة الحكم بالرملة عن القاضي غرس الدين بن
أخي أبي العباس ، ثم باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف وعزل منها وأعيد إليها مرارا
، توفي في العشر الثاني من شهر رمضان سنة ٨٩٣ ه ، ودفن بباب الرحمة.
العدل شمس
الدين محمد بن علي بن أحمد بن عجور المقدسي الشافعي ، ولد في سنة ٨٢٥ ه ، ونشأ بالقدس بالخنثنية أيام الشيخ شهاب الدين بن
أرسلان ، ثم خدم القاضي برهان الدين بن جماعة ، وكان نقيبا عنده في زمن ولايته
القضاء ، وسمع الحديث على الشيخ جمال الدين بن جماعة وغيره ، وأجاز له شيخ الإسلام
ابن حجر ، وقرأ القرآن على الشيخ شمس الدين ابن عمران ، وكان يحفظه ويكثر التلاوة ، ونزل فقيها بالصلاحية وصوفيا بالخانقاه ، ثم في آخر
عمره انجمع عن الناس ، وتوفي في ذي الحجة سنة ٨٩٣ ه بالقدس الشريف ، ودفن بباب
الرحمة.
العدل محب
الدين محمد بن محمد الناصري ، المشهور بالزمني الشافعي ، كان من جملة العدول بالقدس الشريف ، وله همة
عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسيرته حسنة في تحمل الشهادة ، توفي
في أوائل سنة ٨٩٥ ه .
الشيخ زين
الدين عبد الكريم بن علي بن عبد الرحمن المغربي الأصل الخليلي ، ثم المقدسي
المقرئ الشافعي ، ولد في حدود سنة ٨٣٠ ه ببلد
__________________
الخليل ، وتلى بالروايات السبع على والده / / والشمس بن عمران وغيرهما ، واشتغل بالميقات على شمس الدين محمد بن القضاعي ، مؤقت المسجد الأقصى ، ومهر في أوضاعه ، وباشر التأقيت
بالقدس الشريف مدة وقرر من الفقهاء بالصلاحية والصوفية والخانقاه ، وكان يؤدي
القراءة الحسنة بصوت حسن ونغمة طيبة وناب في الخطابة بالمسجد الأقصى والقراءة ،
وحج ، وكان خيرا فاضلا في القراءات ، توفي في صفر سنة ٨٩٥ ه بالقدس الشريف ، ودفن بباب الرحمة.
وتوفي شيخه شمس
الدين محمد بن القضاعي ، مؤقت المسجد الأقصى الشريف في شهر رجب الفرد سنة ٨٩٨ ه ، ودفن بماملا ، وكان له معرفة تامة بعلم التأقيت ، وباشره مدة
طويلة رحمه الله تعالى.
الشيخ الصالح
شهاب الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم القلانسي الخليلي الشافعي ، الشهير بابن المؤقت ، وهو أيضا مؤقت بمسجد الخليل ،
ولد سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ببلد سيدنا الخليل ، وسمع الحديث على جماعة وأجاز
له جماعة ، وكان خيرا ساكنا منجمعا متعبدا حافظا لكتاب الله تعالى ، كثير التلاوة
لا يكاد يفتر عنها ، وعنده خير وصلاح ، وكثرة صلاة وتعبد وخشوع ، وأدب الأطفال
ببلده مدة طويلة ، ثم تحول إلى القدس الشريف فأدب بها أيضا ، وحدث بكل من البلدتين
، توفي بالقدس الشريف في سابع عشري ربيع الآخرة سنة ٨٩٥ ه ، ودفن بباب الرحمة.
وولده الشيخ
شمس الدين محمد الخليلي ، ويعرف بالقزازي ، كان من طلبة العلم ، وكان يتحمل
الشهادة ببلد الخليل ، ثم بالقدس واستوطن بيت المقدس مدة ، وقرر من الفقهاء
بالمدرسة الصلاحية ، والصوفية بالخانقاه ، ثم
__________________
أقام بالقاهرة ، وتوفي بها قبل والده بنحو سنتين والله أعلم.
الشيخ العالم
المسند الكريمي ، كريم الدين أبو المكارم عبد الكريم بن الشيخ زين الدين داود بن سليمان بن أبي
الوفاء البدري المقرئ الشافعي ، شيخ القراء وإمام المسجد الأقصى الشريف ، ولد سنة ٨٢٦
أو ٨٢٧ ه ، وكان والده الشيخ داود من أهل الخير والصلاح ، توفي والشيخ عبد الكريم صغير له نحو السنة ، فنشأ بعده بالقدس الشريف ، وسمع
بها على جماعة ، أعلاهم الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن عمر القبابي الحنبلي ، وكان من أهل الفضل وشيوخ القراءة أعاد بالمدرسة
الصلاحية ، وباشر الإمامة بالمسجد الأقصى الشريف أربعين سنة من ٨٥٥ ه ، وكان يؤدي
القراءة على أوضاعها ، وله همة ومروءة وعنده تواضع وتودد للناس ، وروى عنه جماعة ،
توفي عشية يوم السبت ، وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر من يوم الأحد سابع
جمادى الأولى سنة ٨٩٥ ه ، ودفن بماملا ، وكان يوما مشهودا ، شهده العام والخاص من
العلماء والقضاة ، وناظر الحرمين ، ونائب السلطنة الأمير دقماق وغيرهم ، وتأسف الناس عليه ، رحمه الله.
الشيخ جمال
الدين عبد الله بن أحمد بن عبد الله المراكشي القادري الشافعي ، شيخ زاوية الشيخ عمر المجرد بمدينة سيدنا الخليل ،
كان رجلا مباركا وعنده فضل ، توفي في شهر شوال سنة ٨٩٥ ه ، ودفن بالزاوية
المذكورة عند والده ، رحمه الله تعالى.
الشيخ شمس
الدين محمد بن أحمد بن أمين الصوفي الوفائي ، التاجر. سمع
__________________
الحديث على الشيخ جمال الدين ابن جماعة ، وأجاز له في سنة ٨٥٤ ه وما بعدها
، قاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي وغيره ، وكان خيّرا مباركا مثابرا على الخير
والأعمال الصالحة والإحسان إلى الفقراء ، وكان شيخ الطائفة الوفائية ، ويتعاطى التسبب بالبزازة بسوق التجار بالقدس ، وسافر إلى دمشق
ثم عاد ، فتوفي بالرملة في يوم الأربعاء ، ونقل إلى القدس الشريف ، ودفن بماملا
يوم الخميس من ثامن عشر صفر سنة ٨٩٦ ه ، وكانت جنازته حافلة.
الشيخ العلامة
علاء الدين أبو الحسن علي بن قاسم الأردبيلي البطائحي الخليلي المقرئ الشافعي ، ولد ببلد الخليل ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم ،
والمنهاج ، والشاطبية ، وألفية بن مالك ، ولامية التصريف ، وله غير ذلك ، وعرض على جماعة ، وقرأ
بالروايات على الشيخ شمس الدين بن عمران الحنفي ، وأخذ في العلوم عن جماعة ، منهم
شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف وغيره ، وأخبر في أنه تفقه على الشيخ شمس الدين
الجوهري بالقاهرة ، وأقبل على المطالعة والتدريس والإقراء ، ومهر وبرع في القراءات
، وكان يدرس بمسجد الخليل بعد المغرب تجاه المحراب بعبارة فصيحة ، وكان من أعيان الفقهاء / / ببلده ، توفي يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الأول سنة ٨٩٦ ه ببلد الخليل ، ودفن بالمقبرة
السفلى ، رحمه الله.
الشيخ شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن العلامة المقرئ عماد الدين إسماعيل بن خليل ، الشهير
بالمرزوقي الخليلي ، ولد سنة ٨٠٥ ه ، ظنا وسمع الحديث على جماعة ، وحدث وأخذ الناس عنه ، وكان رجلا خيرا
__________________
حافظا لكتاب الله تعالى ، كثير التلاوة ، توفي سنة ٨٩٦ ه ببلد الخليل ، ودفن بمقابر الرأس.
الشيخ زين
الدين أبو المفاخر عبد القادر بن العلامة الشيخ سراج الدين عمر بن محمد الجعبري
الأصل الخليلي الشافعي ، شيخ حرم الخليل ، ولد في ثامن عشري ذي الحجة الحرام سنة ٨٢٨ ه
ببلد الخليل ، ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم ، وسمع الحديث من جماعة ، وأجاز له
شيخ الإسلام ابن حجر ، والشيخ زين الدين عبد الرحمن القبابي ، وكان صدوقا كريما رئيسا مفضالا حسنا شجاعا ، اجتمع
فيه مكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف ، ما قل وجوده في غيره ، وولي نيابة النظر على
الوقف الخليلي ، فباشره أتم مباشرة ، وحسن سيرة ثم صرف نفسه ، وولي حصة بمشيخة
الخليل بعد والده ، مرض بالحمى نحو ثلاث سنين وقدر الله توجهه إلى الرملة ، فتوفي
بها في يوم الخميس شهر الله الحرام سنة ٨٩٧ ه ونقل إلى بلد الخليل ، وصلي عليه من الغد ، ودفن بمقبرة
الرأس جوار أبيه بالتربة التي أنشأها ، وكثر التأسف عليه ، رحمه الله.
وترك أولادا
أكبرهم وأمثلهم ، الشيخ العالم المحدث غرس الدين أبو سعيد خليل مولده في المحرم سنة ٨٦٩ ه بالقدس الشريف ، وهو سبط الخطيب شهاب الدين القلقشندي
خطيب المسجد الأقصى الشريف ، حفظ القرآن ، واشتغل بالعلم على جماعة ، منهم شيخ
الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، والشيخ برهان الدين الأنصاري وغيرهما ، واعتنى بعلم
الحديث الشريف ، ورحل إلى مصر والشام في طلبه ، وأخذ عن جماعة ، وجمع مجموعا
لأسماء شيوخه ، وهو
__________________
رجل ديّن خيّر من أهل العلم والدين والتواضع ، ولي حصة في مشيخة
حرم سيدنا الخليل ، ما كان بيد والده ، والناس سالمون من يده ولسانه ، وهو ممن
أحبه الله ، عامله الله بلطفه.
الشيخ الإمام
العلامة زين الدين أبو الفضل عبد الباسط بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن خليل الجعبري الأصل الخليلي
الشافعي ، ولد في سنة ٨٢٨ ه ببلد الخليل ونشأ بها ، واشتغل بالعلم عقليا ونقليا ،
وأخذ عن جماعة ، وأجازه قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني بالإفتاء والتدريس ،
وسمع على إمام الكاملية ، وأجاز له شيخ الإسلام ابن حجر وجماعة ، درس وأفتى ، وحدث
قليلا ، وولي نصف مشيخة حرم الخليل ، وكان فاضلا دقيق النظر ، خيّرا متفننا شجاعا
ماهرا في الرمي ، توفي يوم السبت الثامن من شهر صفر سنة ٨٩٧ ه ، ببلد سيدنا الخليل ، ودفن بمقابر الرأس بالقرب من أهله.
الشيخ المسند
شمس الدين أبو الخير محمد بن الحافظ زين الدين أبي هريرة ، عبد الرحمن بن شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن فقيه
المذهب ، تقي الدين إسماعيل القلقشندي الأصل المقدسي الشافعي ، ولد ببيت المقدس في سنة ٨٢٢ ه واعتنى به أبوه فأحضره على جماعة واستجاز له آخرين ، ولي مشيخة
الكريمية والملكية والطازية ، وأعاد بالمدرسة الصلاحية ، وحدث
__________________
وتفرد بغالب مخطوطاته وإجازاته القديمة بالقدس الشريف ، توفي بعد العشاء من ليلة السبت العشرين من شهر ربيع
الأول سنة ٨٩٧ ه بالكاملية ، ودفن من الغد بباب الرحمة جوار جده لأمه
الشيخ صلاح الدين العلائي ، رحمهما الله تعالى.
الشيخ شمس
الدين محمد بن أحمد بن مكي الشافعي ، نقيب الصخرة الشريفة ، وأحد الفقهاء بالمدرسة
الصلاحية والصوفية بالخانقاه ، توفي في سلخ ربيع الآخر سنة ٨٩٧ ه ، ودفن
بالساهرة.
الشيخ زين
الدين أبو حفص عمر بن القاضي زين الدين عبد الرحمن بن القاضي علاء
الدين ، أبي الحسن ، وتوفي قريبه الشيخ علاء الدين أبو الطيب علي بن محمد
بن عبد الرحمن التميمي الشافعي ، وكان من أهل الفضل في ثاني ربيع الأول سنة سبع وتسعين
وثمانمائة ، وتوفي والد الشيخ أبي الطيب المذكور ، وهو الشيخ شمس الدين محمد بن
عبد الرحمن التميمي الشافعي قبل ذلك بالقاهرة في رابع عشري شعبان سنة ٨٨٩ ه ،
وكان من أهل الفضل ، رحمه الله تعالى.
أبو الحسن علي
التميمي الداري الشافعي الفقيه الفاضل ، كان من أهل الفضل ، وعنده تواضع ، توفي
ببلد سيدنا الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، في سنة سبع وتسعين وثمانمائة.
الشيخ العالم
المسند الصالح الخاشع الصوفي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي الجعبري الأصل
الخليلي الشافعي ، شيخ حرم الخليل عليه السلام ولد / / سنة ٢ أو ٨٠٣ ه بقرية الحطمان ، خارج بلد الخليل حين انجفل الناس من تمرلنك ، ونشأ ببلد الخليل ، وحفظ القرآن ، ومجمع البحرين في
__________________
الجمع بين الصحيحين ، تأليف جده ، ولبس خرقة التصوف عن جماعة ، وسمع على شيخ القراء ابن الجوزي وغيره ، وأجاز له خلق كثير ، ونظم وجمع شيئا في التصوف
، واشتهر بالصلاح ، وربما وقعت له كرامات ، وكان للناس فيه اعتقاد ، وحدث ونشأ على خير ، فيه صلاح وخشوع وعبادة ، وقوة على
ملازمة الصلاة والأوراد مع السن الطويل ، وعسر الطريق من منزله إلى المسجد ، بحيث لا يكاد يفوته صلاة الصبح
بالمسجد ولو شتاء ، ولا يفتر من النظر في العلم ، وكان من الصالحين ، ولا يصلي إلا قائما ، ومتع بحواسه ، وحدث ببلده ،
والقدس الشريف والقاهرة ، وتوفي في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان سنة ٨٩٨ ه
وصلي عليه من صبيحته بالمقام الخليلي ، على ساكنه الصلاة والسلام ، ودفن
بمقابر الرأس ، رحمه الله.
القاضي كمال
الدين أبو الفتح محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن عمران المقدسي الشافعي ، حفظ
القرآن وأتقنه على والده ، وقلد مذهب الشافعي على خلاف والده وإخواته ، وكان يكتب
خطا حسنا ونشأ وتزوج بالقدس الشريف ورزق الأولاد ، ثم في سنة ٨٧٥ ه استوطن القاهرة ، واتصل بالأمير جوهر الزمام ، وحصل له القبول وكثر ماله واتسعت دنياه وصار مباشرا
على الأوقاف المشمولة بنظر الزمام ، ثم تنقلت به الأحوال حين ولي مباشرة بديوان
السلطان ، وارتفعت منزلته ثم غضب السلطان عليه وامتحنه بالضرب والحبس ، فمات في
المحنة في المحرم سنة ٩٠٠ ه ، عفا الله عنه.
الشيخ المعمر
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد العمري العليمي
الشافعي ، مولده في سنة ٨١١ ه ونشأ بالقدس
__________________
الشريف ، وحفظ القرآن ، وقرر من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية ، ثم تركها
باختياره من زمن طويل ، وكان له اتصال بأكابر المملكة ، منهم القاضي زين الدين عبد
الباسط الدمشقي ، رئيس المملكة ، ومنهم القاضي كمال الدين ابن البدري ، والقاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف ، وغيرهم
من الأعيان ، وآخر من صحب ملك الأمراء قانصوه اليحياوي ، نائب الشام ، وكان مقدما
عندهم لما فيه من المروءة وعلو الهمة ، وكان عنده سخاء وخدمة لمن يلوذ به ، وعاش
غالب عمره منعما مترفها بحسن المأكل والملبس ، وعمر ومتع بحواسه ، ولم ينقص منه
سوى سمعه فإنه ثقل قبل وفاته نحو سنتين أو ثلاث ، وهو من ذرية السيد الجليل علي بن
عليل المشهور عند الناس بابن عليم ، والصحيح أنه عليل باللام متصل نسبه بأمير
المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، توفي في شهر ربيع الأول سنة تسعمائة ودفن
بباب الرحمة ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله.
شيخ الإسلام ،
علامة الزمان ، برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف
المقدسي الشافعي ، الشيخ الإمام ، الحبر الفهام العالم العلامة المحقق
الفهامة ، ولد في سنة ٨٣٦ ه بالقدس الشريف ، ونشأ به ، واشتغل بفنون العلم على أخيه
شيخ الإسلام الكمال ، ورحل به إلى القاهرة وأخذ الفقه عن قاضي القضاة علم الدين
صالح البلقيني ، والأصول عن الشيخ جلال الدين المحلي ، وسمع عليه أيضا في الفقه ، وأخذ عن علماء ذلك العصر ، وجد ودأب ، وتميز وصار من أعيان العلماء بالقاهرة ،
وحج إلى بيت الله الحرام ، ثم توجه إلى القاهرة المحروسة ، وتزوج ابنة قاضي القضاة
شيخ الإسلام شرف الدين يحيي المناوي قاضي الديار المصرية ، وناب عنه في القضاء ،
ودرس وأفتى ، وأعاد بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف ، وصنف نظما
__________________
ونثرا ، وولي الوظائف السنية من التدريس وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة
، وعظم أمره واشتهر صيته ، وصار الآن المعول عليه في الفتوى في الديار المصرية ،
وهو رجل عظيم الشأن ، كثير التواضع حسن اللقاء ، فصيح العبارة ذو ذكاء مفرط وحسن نظم ونثر وفقه نفيس ، وكتابته على الفتوى نهاية في
الحسن ، ومحاسنه كثيرة.
وترجمته وذكر
مشايخه تحتمل الإفراد بالتأليف ، / / ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال
الفصل ، فإن المراد هنا الاختصار ، قدم شيخ الإسلام برهان الدين من القاهرة
المحروسة إلى بيت المقدس في سنة ٨٩٨ بعد غيبة طويلة ، ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة ، ثم حضر
إلى القدس في سنة ٩٠٠ ه ، وحصل للأرض المقدسة وسكانها بوجوده الجمال ، وانتفع
به الناس في الفتوى ، فإن أخاه شيخ الإسلام الكمالي من حين قدم الشيخ برهان الدين ، المشار إليه إلى القدس لم يرد عليه أمر الفتاوى
، فلا كان يكتب هو إلا القليل منها ما دام حاضرا ، وهو حي يرزق ، أمتع الله بوجوده
الأنام ، وحماه من غيرّ الليالي والأيام.
ملحق ـ توفي شيخ الإسلام البرهان المشار إليه بالقاهرة في
أواخر سنة ٩٢٣ ه ، بعد أن ملك الخندكار سليم شاه ولد عثمان الديار
المصرية.
ذكر فقهاء الحنفية
من القضاة والعلماء وطلبة العلم الشريف
الشيخ الإمام
العالم ، الزاهد المفسر ، جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحسن بن
الحسين البلخي ، ثم المقدسي الحنفي ، المعروف
__________________
بابن النقيب ، مولده في النصف من شعبان سنة ٦٢١ ه وقيل إحدى عشر وستمائة بالقدس ، واشتغل بالقاهرة ، أقام مدة
بالأزهر ، ودرس في بعض المدارس هناك ، ثم انتقل إلى القدس الشريف فاستوطنه إلى أن مات به ، وكان شيخا فاضلا في التفسير ، له فيه
مصنف حافل كبير ، جمع فيه خمسين مصنفا من التفسير ، بلغ تسعة وتسعون مجلدا ،
وكان الناس يقصدون زيارته بالقدس ، ويتبركون بدعائه ، توفي بالمحرم سنة ٦٩٨ ه وقيل سنة ٦٨٧ ه.
الشيخ الإمام
العالم العلامة ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الأوحد سراج الدين أبو حفص
عمر بن الشيخ الصالح بدر الدين حسين الحنفي ، إمام قبة الصخرة المشرفة ، كان
موجودا في سنة ٧٨٠ ه .
الشيخ الإمام
العالم ، العلامة المحقق ، كمال الدين إسماعيل السريجي الحنفي ، شيخ المدرسة المعظمية
الحنفية بالقدس الشريف ، أخذ عنه قاضي القضاة شيخ الإسلام سعد الدين الديري الحنفي
، فسمع عليه كثيرا من كتاب الهداية في الفقه في تدريسه في سنين عديدة ، أولها سنة ٧٧٧ ه وآخرها في جمادى الآخرة سنة ٧٨٩ ه وأجاز له في إقراء القرآن العزيز وتصحيح بعض ما حفظ من الكتب ، وهو كتاب الكنز في الفقه
للعلامة حافظ الدين النسفي ، والكافية في النحو لأبي عمرو بن
__________________
الحاجب ، وغير ذلك مما عمله من فوائد لم يأخذها من غيره.
ومن علماء
الحنفية بالقدس الشريف في عصر الشيخ كمال الدين السريجي ، الشيخ كريم الدين
عبد الكريم القرماني الرومي ، أخذ عنه قاضي القضاة سعد الدين الديري ، وأذن له في
رواية كتاب الهداية وغيره من الكتب التي يرويها ، ككتاب المصابيح للإمام البغوي ، ومشارق الأنوار للصاغاني وغيرهما من الكتب ، ولم أطلع لهما على ترجمة ، ولا
تاريخ وفاة ، رحمهما الله تعالى.
الشيخ العلامة
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن الرصاصي الحنفي ، النحوي شارح الألفية ، وكان إماما كبيرا في فقه أبي حنيفة ، وغير
ذلك وعليه انتفع الشيخ شمس الدين الديري ، توفي بدمشق في سنة ٧٩٠ ه .
القاضي تقي
الدين أبو الإنفاق أبو بكر بن الشيخ فخر الدين سليمان بن أبي عمرو عثمان
بن الشيخ صلاح الدين أبي الخيرات خليل الحنفي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف
، كان موجودا متوليا نيابة الحكم في سنة ٧٩٦ ه وبعدها.
__________________
القاضي شمس
الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن المرحوم شادكام
الحنفي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف ، كان موجودا متوليا نيابة الحكم في سنة ٧٨٦ ه .
الشيخ الصالح
الورع الزاهد شمس الدين محمد بن المرحوم شهاب الدين أحمد بن جمال الدين عبد الله
الحنفي ، من أصحاب سيدنا الشيخ محمد القرمي ، كان موجودا في سنة إحدى وسبعين
وسبعمائة.
خليل بن مقبل
بن عبد الله العلقمي مولدا ، والحلبي منشأ ، والحنفي مذهبا ، شرح مقدمة أبي الليث السمرقندي شرحا نافعا جيدا ، وفرغ من تبييضه قبل العصر مستهل جمادى الآخرة
سنة ٧٩٩ ه بالقدس الشريف.
قاضي القضاة
خير الدين أبو المواهب خليل بن عيسى بن عبد الله العجمي البايرني الحنفي الإمام العلامة ، كان من أهل العلم والدين ، قدم من بلاده واختار
الإقامة ببيت المقدس ، وولي قضاء القدس من الملك الظاهر برقوق في سنة ٧٨٤ ه ، وهو أول من ولي / / قضاء القدس الشريف من الحنفية بعد
الفتح الصلاحي ، ثم ولي تدريس المعظمية ، وكانت سيرته حسنة ، توفي بالقدس الشريف
في صفر سنة ٨٠١ ه ، ودفن بماملا.
القاضي شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن زين الدين أبي البركات مصطفى الحنفي ، خليفة الحكم
العزيز بالقدس الشريف ، كان موجودا في سنة ٨٠١ ه.
قاضي القضاة
موفق الدين أبو عبد الله إلياس بن سعد الدين أبي الصفا
__________________
سعيد بن نور الدين أبي الحسن علي الكهشري الحنفي ، قاضي العسكر بمصر ، ولي قضاء القدس بعد قاضي
القضاة خير الدين الحنفي ، المتقدم ذكره ، ورأيت بعض إسجالاته مؤرخة في شهر رمضان
سنة ٨٠٢ ه وبعد ذلك ، ثم سقي السم مع بكلمش بالمدرسة البلدية فمات معه ، وسقى شمس الدين الديري ،
ولكنه لم يكثر فمرض طويلا وعوفي ، وكان شهاب الدين بن النقيب حاضرا فاعتذر بالصوم ، رحمهما الله تعالى.
الشيخ الإمام
العلامة شهاب الدين أحمد بن أحمد السوداني الحنفي ، كان شيخ المقادسة ومعيد المدرسة المعظمية ، توفي في
سنة ٨٠٢ ه وهو من مشايخ قاضي القضاة شمس الدين الديري.
قاضي القضاة
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن تقي الدين بن محمد بن عبد الله بن نور الدين أبي الحسن علي الحنفي
قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في شهر ذي القعدة سنة ٨٠٣ ه ، وفي إسجاله أن ولايته متصلة بالمواقف الشريفة
السلطانية الملكية الناصرية ، يعني فرج بن برقوق.
قاضي القضاة
الإمام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن شرف الدين عيسى بن الرصاص الحنفي ،
سمع على العلائي وانتفع الناس به ، وسمع من غيره ، وأجاز له خلق ، وتصدر وأفتى
ودرس بالمدرسة المعظمية الحنفية ولي قضاء صفد ، أجاز له شيخنا التقوي القلقشندي مروياته ، توفي بالقدس
الشريف في شهور سنة ٨٠٣ ه ، دفن بمقابر الشهداء.
القاضي جمال
الدين محمد بن شمس الدين محمد الحنفي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف.
العدل علاء
الدين علي بن محمد بن الافتخار الحنفي ، كل منهما كان
__________________
موجودا في سنة ٧٨٦ ه .
قاضي القضاة
تقي الدين أبو الإنفاق أبو بكر بن شرف الدين أبي الروح عيسى بن الرصاص الحنفي ، باشر نيابة
الحكم العزيز بالقدس الشريف في سنة ٨٠٢ ه ، ثم ولي استقلالا ، وكان متوليا في سنة ٨١٤ ، وولي قضاء غزة ودرس بالنحوية ، وكان مشكور السيرة في
القضاء ، عفيفا دينا ، سمع كثيرا ، وكان فقيها ، توفي بدمشق في
سنة ٨٣٢ ه ، عن نحو سبعين سنة.
ومن القضاة الحنفية بالقدس الشريف
السيد الشريف
قاضي القضاة ، تاج الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن
السيد بدر الدين أبي محمد الحسين الحسيني الحنفي ، ولي عوضا عن القاضي شمس الدين بن خير الدين مدة يسيرة
، وكان متوليا في جمادى الأولى سنة ٨٣١ ه ، ثم عزل وأعيد القاضي شمس الدين بن خير الدين ، رحمهما
الله.
الشيخ العلامة
علاء الدين أبو الحسن علي بن النقيب المقدسي الحنفي ، كان من أهل العلم ، أخذ هو والشيخ شمس الدين الديري عن الشيخين الإمامين صدر الدين
وشرف الدين ابني منصور الحنفيين ، شيخ الحنفية بالشام المحروسة ، وأخذ هو عن الشيخ
علاء الدين بن النقيب عن قاضي القضاة سعد الدين الديري ، قرأ عليه كثيرا من كتاب
الهداية في الفقه في المدرسة الأرغونية بالقدس الشريف ، ورأيت خط قاضي القضاة سعد
الدين بذلك ، وترجم للشيخ علاء الدين بن
__________________
الشيخ الإمام ، ولم اطلع له على ترجمة غير ذلك.
وأما ولده الشيخ العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد ، فمولده في سنة ٧٥١ ه ، وكان أحد علماء بيت المقدس مشهورا بالعلم والصلاح ، توفي في المحرم أو صفر سنة ٨١٦ ه .
وولده قاضي
القضاة العلامة كمال الدين محمد كان من أعيان العلماء ، وكان يدعى خزانة العلم ،
ولي قضاء الحنفية بالرملة مدة طويلة ، وباشر بشهامة وكلمة نافذة ، واستمر على
القضاء إلى أن توفي بالرملة في حدود الثلاثين والثمانمائة رحمه الله.
القاضي الشيخ الإمام ، العالم الصالح الزاهد عمر بن عبد الله
البلخي الحنفي ، كان القائم به ببيت المقدس.
الشيخ شمس
الدين الهروي ، توفي في جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ ه ، ودفن بحوش البسطامية بماملا ، وإلى جانبه دفن الهروي
بوصية منه.
قاضي القضاة
شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن سعد بن عبد الله أبي بكر بن صالح بن أبي بكر بن
سعد بن عبد الله بن مصلح بن الديري العبسي الحنفي / / الشيخ الإمام العالم ، العلامة المحقق ،
__________________
نسبة إلى قرية يقال لها الدير بالقرب من مردا من بلاد نابلس ، والعبسي نسبة إلى طائفة بني عبس من عرب الحجاز ، مولده في حدود الخمسين والسبعمائة ،
واستوطن بيت المقدس ، واشتغل بالعلم ، فلاحظته العناية الربانية ، وفتح عليه من
قبل الله تعالى ، فصار من أعيان العلماء المعتبرين ، ولي مشيخة المدرسة المنجكية ،
ودرس بالمعظمية الحنفية ، وأفتى ودرس وحدث ؛ وجلس للمواعيد يفسر القرآن العظيم ،
وقال الشيخ عبد الرحمن القلقشندي فيه :
يا شمس دين
الله يا واحدا
|
|
في عصر أفديه من واحد
|
فسر كتاب
الله نلت المنى
|
|
لا ينكر
التفسير للواحدي
|
واشتهر اسمه
وشاع ذكره ، ولم يبق في هذه البلاد في الحنفية نظيره.
والشيخ محب
الدين بن الشحنة ، وله مصنف جيد أكمل منه أربع مجلدات سماه المسائل
الشريفة في أدلة أبي حنيفة ، ولم يكمل ، واتصل بالملك المؤيد شبيخ بسبب واقعة جرت
، وهي أن الملك الناصر فرج بن برقوق لما كان سلطانا ، وكان الملك المؤيد شيخ من
جملة أركان دولة ، قصد العصيان عليه والخروج من طاعته ، فاستفتى الملك الناصر عليه
العلماء ، ومن جملتهم الشيخ شمس الدين الديري فأفتاه في من خرج على الإمام وحاربه
، يترتب عليه كذا ، وشرّع له ما يقتضي قتله ، فما كان بأسرع من أن قتل الملك
الناصر ، وولي المؤيد شيخ السلطنة ، فلما نزل المؤيد شيخ إلى الشام ، وقدم بيت
المقدس ، فتخوف منه الشيخ شمس الدين الديري ، فاستدعاه الملك المؤيد ، فحضر إلى
قبة السلسلة بالصخرة الشريفة ، وحصل بينهما كلام يتضمن عتب السلطان عليه بسبب ما
أفتى به ،
__________________
فأجابه بجواب حسن ، معناه أنه لم يفت عليه ، وإنما أفتى على من حارب الإمام
الأعظم وخرج عن طاعته ، وقال له : يا مولانا السلطان لو استفتيتني أنت على من
حاربك ، وخرج عن طاعتيك لأفتيتك بقتاله ، وما يترتب عليه شرعا ، فقبل منه السلطان ذلك وقربه إليه ، وكان
يعتبره ويعظمه تعظيما زائدا.
ولما مات قاضي
القضاة ناصر الدين بن العديم ، جيء به من بيت المقدس على البريد ، وولي قضاء الديار
المصرية في جمادى الأولى سنة ٨١٩ ، فعظم أمره ، ونفذت كلمته ، وشاع ذكره ، وهو أول
الرؤساء من بني الديري ، ثم لما عمر السلطان المؤيد شيخ جامعه ، بباب زويلة بالقاهرة قرر شيخنا فيه في مستهل ذي القعدة سنة ٨٢٢ ه
، ثم صرف عن القضاء باختياره واعتذر بعلو سنه واستمر بالمؤيدية معظما ، فقدر الله حضوره إلى بيت المقدس في سنة ٨٢٧ ه ، وصام به رمضان ، وعمل المواعيد التفسيرية ، وهو في
همة الرجوع إلى مصر ، مرض وأدركه أجله ، فتوفي بالقدس في يوم الأربعاء تاسع شهر ذي الحجة
الحرام عند النفرة ، وصلي عليه عقب صلاة العيد سنة ٨٢٧ ه
بالصخرة الشريفة ، ودفن بماملا إلى جانب أبي عبد الله القرشي ، وهو والد قاضي
القضاة سعد الدين الديري ، الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وكان لقاضي
القضاة شمس الدين الديري أخ يسمى عبد الله ، كان فاضلا
__________________
عالما يحترف الشهادة توفي سنة ٨١٦ ه عن نحو خمسين سنة رحمه الله.
الشيخ بدر الدين حسن بن أبي بكر بن البقيرة السوداني الحنفي ، مولده في سنة ٧٦٨ ه ، وكان من العلماء ، توفي سنة ٨٣٦ ه.
الشيخ الصالح
القدوة جمال الدين عبد الله بن الصامت القادري الحنفي ، كان من أكابر أهل الصالحين
أصحاب الكرامات المشهورة ، توفي في ليلة الأربعاء سلخ ربيع الآخر سنة ٨٣٦ ه ، ودفن بتربة الساهرة ، وولده الشيخ شهاب الدين أحمد
كان من الصالحين توفي بعد الأربعين والثمانمائة ، ودفن عند والده.
الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين محمد بن الشيخ الإمام تقي الدين أبي بكر بن الشيخ شهاب الدين
أحمد بن البقيرة ، الشهير بابن السوداني الحنفي ، مولده في سنة ٧٦٩ ه ، وكان أحد العلماء بمذهب أبي حنيفة ، خيرا دينا عفيفا
، توفي في رمضان سنة ٨٣٩ ه رحمه الله.
القاضي ناصر
الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين محمد بن السكاكيني الغزي الحنفي ، خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف ، كان
متوليا نيابة الحكم في شهر ربيع الأول سنة ٨٤٣ ه ، وتوفي بغزة في أواخر ذي القعدة سنة ٨٤٤ ه ، وكان من / / أهل العلم والدين حسن السمت والهيئة
والشيبة ، رحمه الله.
شيخ الإسلام
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله
محمد بن عبد الله الديري العبسي الحنفي ، مولده
__________________
بالقدس الشريف سادس عشر المحرم سنة ٧٧٠ ه ، واشتغل بالعلوم وبرع ودرس وأفتى ، وانتفع الناس
بفتياه ، ودرس بالمدرسة المعظمية بالقدس الشريف ، وسمع الحديث على الشهاب بن
العلائي ، وكان كريم النفس ، قليل الحظ من الدنيا قنوعا لين الجانب ، شكلا حسنا
فارسا شجاعا ، توفي في يوم السبت ثالث عشري جمادى الآخرة سنة ٨٤٧ ه ، ودفن بماملا إلى جانب الشيخ شهاب الدين بن أرسلان من
جهة القبلة ، وهو والد قاضي جمال الدين الديري وأخيه قاضي القضاة شمس الدين ، الآتي ذكرهما ، إن شاء
الله تعالى.
القاضي شمس
الدين محمد بن غضية الحنفي ، كان من فقهاء الحنفية ، وباشر نيابة الحكم بالقدس ، عن قاضي
القضاة شمس الدين بن خير الدين الحنفي ، وكان موجودا قبل الخمسين والثمانمائة.
القاضي العلامة
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة خير الدين أبي المواهب خليل بن عيسى
الحنفي ، البايرني الأصل ، ثم المقدسي ، ولد بالقدس الشريف في شهور سنة
٧٨٣ ه ، أخذ العلم عن والده وجماعة ، وله رواية في الحديث ،
وباشر الحكم بالقدس الشريف ، نيابة عن القاضي موفق الدين قاضي العسكر ، المتقدم
ذكره ، ثم ولي القضاء استقلالا ، وطالت مدته فكانت نيفا وأربعين سنة ، ودرّس
بالمدرسة المعظمية الحنفية مشاركا لبني الديري ، وباشر الحكم بشهامة ، وكان له إقدام وشجاعة ، وله
هيبة عند الناس والحكام ، ونفذ أمره حتى تكلم في الأسعار ، وكان يطلب اللحامين
والخبازين وغيرهم من أرباب الحرف ، ويأمرهم ببيع بضائعهم بسعر معين فلا يسعهم مخالفته ،
واستمر على ذلك إلى أن صرف عن القضاء ، بقاضي القضاة تاج الدين الديري في حادي عشر
__________________
المحرم سنة ٨٥١ ه ، وتوفي مسموما في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى
سنة ٨٥٥ ه ، ودفن عند والده بماملا ، وتوفي قبل أخوه القاضي برهان الدين أبي القيم ، وكان من أهل الفضل
، باشر نيابة الحكم عن أخيه بالقدس ، وكانت وفاته في شهور سنة ٨٢٨ ه ودفن عند والده ، رحمهم الله تعالى.
القاضي أمين
الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن
الديري الحنفي ، مولده قبل العشرين والثمانمائة ، اشتغل وحصل العلوم
وفاق وتقدم ، وكان مفرط الذكاء ، سريع الحفظ ، باشر القضاء نيابة عن أخيه قاضي
القضاة سعد الدين بالديار المصرية ، وأفتى ودرس بالمعظمية بالقدس الشريف ، وولي
نظر الحرمين بالقدس الشريف والخليل ، وعين له كتب السر بمصر ، وكان ينظم الشعر ،
وساد ببيت المقدس ، وعظم أمره في دولة الملك الظاهر جقمق ، توفي في ليلة السبت
المسفر صباحها عن رابع ذي الحجة الحرام سنة ٨٥٦ ه ، ودفن بماملا إلى جانب والده
رحمه الله تعالى ، وهو والد شيخ الإسلام بدر الدين الديري أحد علماء الديار
المصرية فسح الله في مدته ونفع بعلومه.
وفي أيام
ولايته النظر ، أنعم السلطان الملك الظاهر جقمق على جهتي الوقفين المبرورين بمائة
وعشرين غرارة قمح القيمة عنها ثلاثة آلاف وستمائة دينار ، ولما توفي تجمد على
الوقف ، ثمنّ الغلال فأنعم الملك الظاهر بتوفية الثمن ، وهو أربعة آلاف وسبعمائة
دينار ، رحمه الله.
الشيخ شمس
الدين محمد بن حسن بن حسن اليمني الهاشمي الحنفي ، المعروف بخجا يمني ، شيخ المدرسة الجوهرية بالقدس الشريف ، كان رجلا خيّرا
__________________
وله هيبة ، وكان موجودا في سنة ٨٤٢ ه وتوفي بعد ذلك بيسير ، ودفن بباب الرحمة.
القاضي برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن علي الخزرجي الحنفي ، المشهور بابن نسيبة ، مولده في
سنة ٧٧٦ ، كان من أعيان بيت المقدس ، وباشر نيابة الحكم بالقدس
عن القاضي تاج الدين الديري الحنفي ، وتوفي سنة ٨٥٢ ه ، ودفن بماملا عند القبة
الكبكية ، ومن غريب الاتفاق وفاة أربعة ببيت المقدس مولدهم في سنة واحدة هي سنة
٧٧٦ ه // ، ووفاتهم في سنة واحدة هي سنة ٨٥٢ ه ، وهم الشيخ شمس الدين القلقيلي والشيخ شمس الدين بن أبي عبد
الله الخليلي ، والقاضي شهاب الدين السلطي الشافعي وتقدم ذكرهم ، والقاضي برهان بن نسيبة ، رحمة
الله عليهم أجمعين.
القاضي شمس
الدين أبو الفضل محمد بن الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ جمال الدين
عبد الله الحلبي الحنفي ، باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن الشيخ تاج الدين
الديري في سنة ٨٥٤ ه ثم باشر بعده النيابة.
القاضي عماد
الدين إسماعيل بن الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن الأخرم النابلسي ، أحد خلفاء الحكم العزيز بالديار المصرية يومئذ ، وكانت مباشرته
للقدس في سنة ٨٥٦ ه .
العدل نجم الدين محمد بن محمد بن بقيرة السوداني الحنفي ، كان
من فضلاء الحنفية وأعيان العدول بالقدس الشريف ، توفي يوم الثلاثاء سادس ربيع
الأول سنة ٨٥٦ ه ، وانقرض بموته بيت السوداني.
__________________
القاضي زين
الدين عمر بن خليل العمري الحنفي ، والد شيخنا العلامة شهاب الدين العميري المتقدم
ذكره ، وكان يتحمل الشهادة عند القضاة ، وباشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن قاضي
القضاة تاج الدين الديري ، وتوفي قبل الستين والثمانمائة ، ودفن بماملا بالقرب من
حوش البسطامية.
السيد الشريف
بدر الدين حسن بن حسين الحسيني الحنفي ، الشهير بخال إمام الصخرة الشريفة ، كان
رجلا خيّرا من فقهاء الحنفية ، حسن الشكل منور الشيبة ، توفي بعد الستين
والثمانمائة.
العدل برهان
الدين بن إبراهيم بن إسحق الكتبي العنابوسي الحنفي ، مولده في رجب سنة ٧٩٢ ع ، كان من أهل الفضل ، ومن
أعيان العدول ، ويتعاطى عقود الأنكحة ، وكان رجلا خيّرا توفي يوم الجمعة عشري
المحرم سنة ٨٦٤ ه .
الشيخ العالم
الصالح شمس الدين محمد بن جعفر الرومي الحنفي ، كان من أهل العلم والصلاح ، اشتغلوا
عليه جماعة وانتفعوا به ، وكان يتصدر للتدريس بالمسجد الأقصى الشريف ، توفي في سنة
بضع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف ، ودفن بحوش البسطامية بماملا.
قاضي القضاة ،
شيخ الإسلام ، ملك العلماء الأعلام ، سعد الدين أبو السعادات سعد بن قاضي القضاة
شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الديري العبسي الحنفي ، الإمام العلامة والحبر الفهامة ، مولده بالقدس الشريف
في سابع عشر رجب سنة ٧٦٨ ه ، واشتغل بالعلم وتفرد بعلم التفسير ، فأخذ الحديث عن جماعة ودرس وأفتى ، وولي
مشيخة المنجكية وتدريس المعظمية بالقدس ، ثم استوطن مصر ، وانتهت إليه الرئاسة
بالديار المصرية ، واستقر في مشيخة المدرسة المؤيدية بباب زويلة بعد وفاة والده ،
ثم ولي القضاء بالديار المصرية في خامس عشر المحرم سنة ٨٤٢ ه في أيام الملك العزيز يوسف بن
__________________
الأشرف برسباي ، بسبب الملك الظاهر جقمق ، حين كان نظام الملك ، ثم
لما استقر الظاهر جقمق في السلطنة عظم أمره وعلت رتبته ونفذت كلمته ، واستمر في
القضاء نحو خمس وعشرين سنة إلى أيام الملك الظاهر خشقدم.
ثم ضعف بصره
وطعن في السن ، وصار عمره نحو مائة سنة فصرف عن القضاء باختياره في شوال سنة ٨٦٦ ه
، وولي عوضه قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة ، فعظم ذلك على قاضي القضاة
سعد الدين وشق ، ثم توفي بعد مدة يسيرة ، وكانت وفاته في ليلة الجمعة عاشر ربيع
الآخر سنة ٨٦٧ ه ودفن بتربة الملك الظاهر خشقدم ، وكان شكلا حسنا ، بهي المنظر ،
منور الوجه ، ومن نظمه ما كتبه لابن زوجة أبي عذيبة المؤرخ في إجازته ونقله في
ترجمته في تاريخه.
يا مقتدرا
جلّ عن الأشباه
|
|
من ليس سواه
آمر وناهي
|
ألطف بعبدك
الضعيف الساهي
|
|
سعد بن محمد
بن عبد الله
|
وسأل السلطان
مرة عن سبب وقوع الطاعون ، فقال : لما خالفوا في وضع ما هم عوقبوا بأخذ ما هم ، وله لطائف كثيرة ، رحمه الله تعالى.
وأخوه قاضي
القضاة برهان الدين أبو إسحق إبراهيم ، باشر الوظائف السنية بالقاهرة ، منها نظر الاسطبل ، ونظر الجيوش ، وكتابة السر ، ولم تطل مدته فيها وولي قضاء القضاة
بالديار المصرية في سنة ٨٧٠ ه ، وأقام سبعة أشهر وصرف ، واستقر في مشيخة المؤيدية ،
واستمر بها إلى أن توفي في المحرم / / سنة ٨٧٦ بالقاهرة ، وكان من الرؤساء.
__________________
الشيخ الإمام
العامل الصالح سراج الدين سراج بن مسافر بن زكريا بن يحيى بن سلام ابن يوسف الرومي
الحنفي عالم الحنيفة ، بالقدس الشريف ، وسراج هو نفس اسمه ،
وسمي أيضا عوض وضياء ولم يشتهر إلا بالشيخ سراج الرومي ، وبهذه البلاد مولده في
سنة ٧٩٥ ه ، وقدم إلى القدس الشريف في سنة ٨٢٨ ه ، وأقرأ الناس
العلوم العقلية والتفسير ، وكان من أهل العلم والدين والورع والصلاة ، ولي مشيخة
المدرسة العثمانية بالقدس الشريف ، ثم صرف عنها باختياره ، لاطلاعه على شرط
الواقفة أن يكون الشيخ أعلم أهل زمانه ، فقال : لست أنا بهذه الصفة فتنزه عنها كذا
أخبرت ، وهذا دليل على كمال دينه وورعه ، وكان حسن الشكل منور الشيبة ، شكله يدل
على علمه وصلاحه ، ومن تلامذته الأعيان من العلماء ، توفي بعد آذان الظهر من يوم السبت
حادي عشر رجب سنة ٨٦٥ ه ، وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف ، ودفن بباب
الرحمة ، تغمده الله بالرحمة.
الشيخ الإمام
العالم المحقق ، شرف الدين أبو الأسباط يعقوب بن يوسف الرومي الحنفي ، المتفنن في
العلوم ، كان من أكابر العلماء الحنفية حتى قيل في حقه : ما تريدي زمانه ، ولي
مشيخة المدرسة القادرية بالقدس الشريف ، واشتغل عليه الطلبة وانتفعوا به ،
وأفتى ودرس ، ومن تلامذته الأعيان المعتبرون ، وكان من أهل الخير والصلاح ، وله
وجاهة وهو منجمع عن الناس لا يخالط أبناء الدنيا ، توفي بالمدرسة القادرية في يوم
الخميس تاسع صفر سنة ٨٦٩ ه ، ودفن بباب الرحمة.
القاضي زين
الدين عبد اللطيف بن شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شيخ الإسلام ، شمس الدين أبي عبد الله
محمد بن قاضي القضاة شيخ الإسلام ، كمال الدين بن عبد الله محمد الديري الحنفي ،
كان من أعيان العدول بالقدس الشريف ، وباشر نيابة الحكم به عن ابن عمه قاضي القضاة
، تاج الدين الديري ، توفي في شهور سنة ٨٧٠ ه وله أربع وسبعون سنة ، ودفن بماملا.
__________________
وولده الشيخ
شرف الدين يونس كان من الفضلاء كان موجودا في حدود الستين والثمانمائة ، وتوفي قبل
والده.
وولده الثاني
العدل زين الدين عبد القادر ، كان رجلا خيّرا متواضعا ، احترف بالشهادة دهرا طويلا
، لم يضبط عليه ما يشينه ، توفي يوم الاثنين خامس رمضان سنة ٨٨٥ ه ، ودفن بماملا.
الشيخ الإمام
العالم العلامة المقرئ المحدث ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن موسى بن عمران الغزي ، ثم المقدسي الحنفي ، شيخنا بركة الوجود والعباد ، شيخ
القراء بالقدس الشريف وبجميع البلاد ، مولده في ليلة سادس عشر شعبان سنة ٧٩٤ ه بغزة ، وسمع الحديث على الحافظ شمس الدين الجزري ، وأخذ
عنه علم القراءة وأجازه ، ولبس منه خرقة التصوف ، وكان رجلا صالحا ملازما لإقراء
القرآن ، انتفع به الناس وتخرج عليه جماعة ، وعرف هذا الفن معرفة جيدة ، وكان
خيّرا قنوعا متعففا مطرحا للتكلف ، ولم يبق في القدس شيخ متقن لفن
القراءة سواه ، وقد سمعت عليه صحيح البخاري ، بقراءة القاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي في سنة ٨٧١ ه ، وأجازني بروايته ورواية غيره
من الأحاديث العشارية ، والمسلسل بالأولية ، والمصافحة والتشبيك ، ووضع اليد على الكتف ، وأشهد
بالله وأشهد لله أني أحبك ومسلسل صورة الصف ، وقرأه القرآن العظيم على المشايخ ،
وليس الخرقة القادرية والأحمدية ،
__________________
والرفاعية ، والسهروردية ، والصحبة ، وما يجوز له وعنه روايته ، وكان شيخا بهي
المنظر منور الشيبة ، توفي يوم الأحد قبيل العصر الخامس من شهر رمضان المعظم سنة ٨٧٣ ه ، ودفن من الغد بمقبرة
ماملا ، رضي الله عنه.
الشيخ إبراهيم
بن محمد بن مبارك الجبرتي الأحمدي الحنفي ، شيخ الفقراء الطوخية
بالقدس الشريف ، وكان له مشاركة في فقه الحنفية ، واستحضار فيه ، وعنده مروءة
وقيام مع أصحابه ، توفي في شهر صفر سنة ٨٧٥ ه ودفن بماملا.
الإمام شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الحافظ القدوة ، حسام الدين أبي محمد الحسني ،
المشهور بابن حافظ الحنفي إمام الصخرة الشريفة ، كان من أهل الفضل حسن / / الشكل ،
منور الشيبة ، ولي نصف إمامة الصخرة الشريفة مشاركا لأخيه بالنصف ، وباشرها
دهرا طويلا هو وأخوه ، إلى أن توفي يوم الأحد ثالث عشري المحرم يوم دخول الحجاج إلى القدس الشريف سنة ٨٧٥
ه ، ودفن بماملا ، واستقر أخوه الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد في نصف الإمامة
عوضا عنه ، مضافا لما بيده من النصف ، وكان رجلا خيّرا ساكنا ، قليل الكلام فيما
لا يعنيه ، وتوفي في شهر ذي القعدة سنة ٨٧٦ ه ، ودفن عند أخيه ، وكان والدهما إمام الصخرة الشريفة
قبلهما ، وكان موجودا في سنة ٨١٢ ه ، والظاهر أن وفاته بعد ذلك بقليل ، والله أعلم.
__________________
الشيخ أبو يزيد
العجمي ، كان من أهل الفضل خصوصا في العلوم العقلية ، وله مشاركة جيدة
وكان رجلا صالحا الغالب عليه التعقل ، توفي في شهور سنة ٨٧٧ ه ، ودفن بباب الرحمة.
القاضي ناصر
الدين محمد بن تقي الدين أبي بكر بن العلم الحنفي ، المشهور بسبط قاضي القضاة شمس الدين الديري ، كان أميرا حاجبا بالقدس
الشريف ، ثم ترك الإمرة ، وتخلق بأخلاق الفقهاء وحفظ كتاب الكنز في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ، وتنقلت به
الأحوال إلى أن استخلفه خاله قاضي القضاة سعد الدين الديري في الحكم بالديار
المصرية ، ثم باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن والده قاضي القضاة تاج الدين ،
وبالرملة عن قاضي القضاة جمال الدين الديري ، وكان له شهامة ومروءة ، توفي رحمه
الله في شهور سنة سبع أو ثمان وسبعين وثمانمائة.
الشيخ العلامة
زين الدين عبد الرحيم بن النقيب الحنفي ، شيخ المدرسة التنكزية ، كان من القضاة المشهورين ، وكان يفتي ويدرس ببيت المقدس ، وأثنى على
علمه وفهمه الحافظ تاج الدين الغرابيلي وغيره ، توفي سنة ٨٥٣ ه عن نيف وخمسين سنة.
وولده الشيخ
شمس الدين محمد المشهور بالعجمي ، استقر في مشيخة التنكزية مشاركا لغيره ، وكان
شكلا حسنا كثير التودد للناس ، لين الجانب ، توفي في شهر شوال سنة ٨٧٧ ه ودفن بماملا.
وولده الشيخ
الفاضل زين الدين عبد الرحيم ، اشتغل في حياة والده ، وحفظ
__________________
مجمع البحرين ، وولي ما كان بيد والده من مشيخة التنكزية بعد وفاته ، ودرّس بها وحضر معه جماعة في يوم جلوسه للتدريس ، منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي
شريف وغيره ، وكان يوما حافلا توفي في شهر شوال سنة ٨٨٧ ه ، ودفن بماملا ، عفا الله عنه.
قاضي القضاة
جمال الدين أبو العزم عبد الله بن شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن
قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد الديري العبسي الحنفي ، مولده في سنة ٨٠٥ ه وكان من ذوي المروءات ، وله حشمة وشهامة ، ولي قضاء
القدس الشريف والرملة سنة ٨٦٧ ه ثم أضيف إليه قضاء بلد الخليل ، وهو أول من ولي الخليل
من الحنفية ، ووقع التشاجر بينه وبين قاضي القضاة ناصر الدين هبة الله بن عبد الله بن محمد بن قاضي القضاة تاج الدين
الديري ، وشرع كل منهما يسعى على الآخرة والوظيفة بينهما دولا ، ثم استقر الأمر
آخرا للقاضي جمال الدين ، واستمر في المنصب إلى أن عزل في سنة ٨٧٥ ه .
ثم استقر بعده
في الوظيفة قاضي القضاة خير الدين بن عمران في صفر سنة ٨٧٦ ه ، واستمر نحو سنتين .
ثم توجه القاضي
جمال الدين إلى القاهرة في ذي الحجة سنة ٨٧٧ ه ، وولي القضاء في سابع ربيع الأول سنة ٨٧٨ ه وهي ولايته الرابعة ، وألبس التشريف بقلعة الجبل
المنصورة من حضرة الملك الأشرف قايتباي ، وعاد إلى
__________________
القدس الشريف ، فلما وصل إلى الرملة حصل له توعك ، فلم يستطع ركوب الفرس ، فحمل في محفة إلى القدس
، ونزل بقصر ابن عمه تاج الدين الديري عند خان الظاهر ، وأصبح ودخل إلى القدس في صبيحة يوم
الخميس ثامن شهر ربيع الآخر ، وركب الناس للقائه من القضاة والعلماء والأعيان ، وناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي ، ونائب السلطنة الأمير جقمق ، وركب له شيخ الإسلام
الكمالي بن أبي شريف ، ولكنه لم يدخل معه في الموكب وإنما سلم عليه بالقصر وانصرف ، وزينت له الأسواق وأوقدت ، وكان يوما مشهودا وألبس التشريف من القصر / /
وركب وهو منزعج من التوعك الحاصل له ، وبقي في الموكب وهو لا يستطيع التثبيت على
الفرس لشدة الضعف ، ولقد شاهدته في تلك الهيئة ، فخطر لي أن سكرات الموت لائحة عليه ، فلما دخل
منزله اشتد به الألم ولم يقدر أنه حكم حكما ولا جلس في مجلس حكمه ، واستمر أربعة عشر يوما ، وتوفي في صبيحة يوم
الأربعاء حادي عشري ربيع الآخر سنة ٨٧٨ ه ، وقد بلغ من العمر نحو أربعا وسبعين سنة ، ودفن إلى
جانب والده بماملا عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان عفى الله عنه.
الشيخ العلامة
جمال الدين يوسف بن شرف الدين الرومي الحنفي ، كذا كان يكتب بخطه اسمه واسم أبيه ، وهو أبو
المحاسن يوسف بن إلياس الرومي بن عمران الحنفي ، كان من أهل الفضل في
مذهبه ، وهو خيّر متواضع
__________________
سليم الفطرة ، كان يعرف أحوال الناس ، ولي مشيخة المدرسة العثمانية بعد
الشيخ سراج الدين ، المتقدم ذكره ، وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة مع كونه روميا
، ومن العجب أنه كان يؤتى إليه السؤال فلا يحسن قراءته بالعربي ، فيقول لمن يأتي به أو غيره أعلمني بمعنى هذا السؤال ، فيذكر له معناه
فيكتب عليه بعبارة واضحة مطابقة للحال في غاية الحسن ، توفي في المحرم سنة ٨٨٠ ه ودفن بباب الرحمة.
الفقيه شمس الدين محمد بن محمد بن غضية
المقرئ الحنفي المؤذن ، وكان والده من أهل القضاء ، باشر نيابة الحكم العزيز بالقدس الشريف ، وتقدم ذكره ، وكان هو رجلا خيرا ساكنا
، يحفظ القرآن ، ويؤذن بالمسجد الأقصى ، ويؤدب الأطفال بالجوهرية ، والناس سالمون
من يده ولسانه ، وكان له ولدا اسمه محمد توفي قبله في سنة ٧٥ ه وتقدم ذكره مع
فقهاء الشافعية فصبر واحتسب ، وتوفي رحمه الله ، سنة ٨٨٠ ه ودفن بباب الرحمة.
الشيخ العلامة شهاب الدين أبو العباس
أحمد بن الشيخ القدوة تقي الدين أبي بكر بن أبي الوفاء الحسيني الحنفي ، شيخ الوقائية بالقدس ، وتقدم ذكر أسلافه مع فقهاء
الشافعية ، كان الشيخ شهاب الدين أولا على مذهب الشافعي ، وتوفي والده وهو صغير ، فنشأ
بعده وانتقل إلى مذهب أبي حنيفة ، وكان له ذكاء مفرط ينظم الشعر الحسن ، وكان حسن
الشكل طيب النغمة بالذكر والتوحيد ، توجه إلى بلاد الروم في شوال سنة ٨٨٠ ه ،
واجتمع بالشيخ شهاب الدين الكوراني وأركان دولة السلطان ابن عثمان ، فأقبلوا عليه وأعلموا به السلطان ، فأحسن إليه إحسانا
بليغا ، ثم اجتمع بالسلطان فأكرمه وبالغ في تعظيمه ، ورتب ما يقوم بكفايته ،
واجتمع الناس عليه وانتظم له الحال ، وتعين في بلاد الروم ، وصار لهم فيه اعتقاد ، واستمر على ذلك إلى أن توفي في شهر شوال سنة ٨٨٢ ه بمدينة اسطنبول
__________________
وهي القسطنطينية ، رحمه الله.
الشيخ الإمام
العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن قاضي القضاة تقي الدين أبي بكر ابن عيسى بن
الرصاص الحنفي ، مولده في سنة ٨٢٢ ه وكان من أهل العلم يكتب خطا حسنا أفتى ودرس وأخذ عنه
الطلبة ، وكان منجمعا عن الناس ، وكتب الكتب بخطه من فقه وتفسير ،
وكان يتجمل في الملبوس الحسن ويقيم نظامه ، وكان على طريقة الرؤساء مع قلة ماله ،
توفي بالقدس الشريف يوم الاثنين سادس عشر رمضان سنة ٨٨٢ ه بين الظهر والعصر ،
ودفن بماملا بعد صلاة الظهر من يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور ، رحمه الله.
الشيخ علي بن
محمد المشهور بقرا علي العجمي الحنفي ، كان رجلا مباركا منور الشيبة ، وعنده سكون ، اشتغل
بالعلم على ناصر الدين محمد شاه بن الفنري ، وكان شيخ المدرسة الفنرية الكائنة علو رواق باب الأسباط بالمسجد الأقصى ، حج إلى
بيت الله الحرام في سنة ٨٨٣ ه ، فقضى مناسكه وفرغ من الحج ، وتوفي بمكة المشرفة في
شهر ذي الحجة من السنة المذكورة ، ودفن بباب المعلا ، رحمه الله.
الشيخ شجاع
الدين إلياس بن عمران الرومي الحنفي ، كان من أهل الفضل في مذهبه ، وهو رجل خير
متواضع سليم الفطرة ، لا يعرف شيئا من أحوال الناس ، باشر نيابة القضاء بالقدس الشريف عن قاضي القضاة خير
الدين بن عمران في سنة ٨٧٧ ه ، ولم يتصدّ لتعاطي الأحكام ، وإنما أثبت بعض
مستندات شرعية ، تزوج ابنة الشيخ العلامة ، سراج الدين الحنفي المتقدم ذكره ، ورزق
منها ولدا ، يسمى شهاب الدين أحمد ، ففضل الولد وتميز وصار من أعيان الفقهاء / /
الحنفية ، وتوفي في حياة والده بالطاعون في شهر ذي الحجة سنة ٨٧٣
__________________
هـ ، فوجد عليه والده ، وتأسف الناس عليه ودفن بباب الرحمة
، وعمر والده بعد موته وتوفي في ليلة السبت حادي عشر شوال سنة ٨٨٤ ه ، ودفن عند والده ، بباب الرحمة.
الشيخ المقرئ
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد اللطيف الحنفي ، كان من أعيان فقهاء الحنفية
ورئيس القراء بالقدس الشريف ، وهو رجل خير عنده تواضع ولين جانب ومحبة لأصحابه ،
وكان يرقى للخطب يوم الجمعة ، وله وجاهة عند الناس والأكابر ، توفي في يوم
الثلاثاء العشرين من شعبان سنة ٨٨٥ ه عن ٨٣ سنة ، ودفن بماملا.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن صفي الحنفي ، المشهور بابن الشنتير ، مفتي الحنفية بالقدس الشريف ، أخذ العلم عن الشيخ
ناصر الدين الإياسي القرمي ، وفضل وتميز ، فصار من الأعيان ببيت المقدس أفتى ودرس
، وانتفع به الطلبة ، وكان عنده سكون ، قليل الكلام فيما لا يعنيه ، وعند ما توجه
إلى الحجاز الشريف في البحر ، فلما وصل إلى جده وقع عن الجمل فكسر فخذه ، وطاف
للقدوم محمولا ، وتوفي بمكة قبل الحج ، ودفن بالمعلا في ذي القعدة سنة ٨٨٥ ه
وأخوه الشيخ شهاب الدين أحمد ، كان من اهل القرآن ويلبس ملبوس
الأتراك ، وكان حسن القراءة ، طيب النغمة فيها ، استقر إماما عند الأمير قراجا بدمشق ، ثم عاد إلى بيت المقدس بعد السبعين والثمانمائة
، ولما توفي شهاب الدين أحمد بن حافظ إمام الصخرة الشريفة ، قرره ناظر الحرمين
ناصر الدين بن النشاشيبي في نصف إمامة الصخرة الشريفة ، مشاركا للقاضي خير الدين بن
عمران ، فلم يتم ذلك وأخذ الوظيفة منهما بأمر السلطان للشيخ سعد الله الحنفي ، ثم
توجه إلى القاهرة
__________________
فأدركته المنية بها سنة ٨٧٨ ه .
الشيخ شمس
الدين محمد بن أحمد ، المشهور بابن الصائغ الصوفي الحنفي ، من أهل قلعة الروم ، كان من أهل الزهد والصلاح وعنده فضل ، وهو خيّر متواضع منجمع عن الناس
منور الشيبة ، عليه أبهة الصالحين ، وكان يعرف بخليفة الأردبيلي ، نسبة لشيخه علي
الأردبيلي المدفون بباب الرحمة ، توفي في شهور سنة ٨٨٥ ه.
الشيخ الفاضل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن جمال الدين يوسف ، المشهور بابن الجمال الأشقر الحنفي ، اشتغل ودأب وحصّل ، وفضل
في مذهب الإمام أبي حنيفة ، رضي الله عنه ، وسافر إلى دمشق وأذن له الشيخ زين
الدين عبد الرحمن بن العيني ، عالم دمشق بالإفتاء ، وأذن له قاضي القضاة خير الدين
بن عمران بالقدس ، توفي في شهر ربيع الأول سنة ٨٨٨ ه وكان رجلا خيرا ، أصيب بولده
المذكور فصبر ، رحمهم الله تعالى.
القاضي زين الدين محمود بن بدر الدين حسن بن البرد بك الحنفي
القرمي ، كان من أعيان المباشرين على أوقاف المسجد الأقصى الشريف ، وله يد طولى في
علم الفرائض والحساب ، وسافر من القدس إلى جهة بلاد الهند حتى وصل إلى بلاد
الشعشاع وطالت غيبته ، ثم قدم إلى القدس الشريف بعد السبعين
والثمانمائة ، وباشر على الأوقاف على عادته ، وكان له وجاهة عند الأمير ناصر الدين
بن النشاشيبي ناظر الحرمين ، وكان رجلا خيّرا ، كثير التواضع لين الجانب ، توفي في
خامس عشر المحرم سنة ٨٩١ ه ودفن بمقابر الشهداء.
الشيخ العلامة
سعد الدين سعد الله بن حسين الفارسي الحنفي ، شيخ
__________________
القراء ، اشتغل ببلاده ، وحفظ القرآن وأتقنه بالروايات ، وكان على مذهب الإمام الشافعي ، رضي الله عنه ، وأخبرت أنه
كان قبل ذلك على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رضي الله عنه ، قدم من بلاده إلى دمشق
وهو على مذهب الشافعي في سنة ٨٥٠ ه ، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة ، رضي الله عنه
، وفضل فيه ، وباشر نيابة الحكم بدمشق ، وتوجه إلى القاهرة ، وكان له حرمة في
مباشرته ، ثم قدم بيت المقدس في سنة ٨٧٧ ه واجتمع بالسلطان فأكرمه وقرره في إمامة الصخرة الشريفة
، وألبسه خلعة ، ودخل إلى القدس في أواخر ذي الحجة سنة ٨٧٧ ه صحبه قاصد ابن عثمان
ملك الروم ، وكان يوما حافلا ، وتصدر بالصخرة الشريفة لاشتغال الطلبة والتدريس
والفتوى ، وانتفع به جماعة من فقهاء الحنفية ، واستمر على ذلك إلى أن توفي في
أوائل جمادى الأولى سنة ٨٩٠ ه ودفن بماملا.
الفقيه علاء الدين علي بن عبد الله بن محمد الغزي المقرىء
الحنفي ، المشهور بابن قاموا شيخنا ، ذكر أنه لما نزل الأشرف / / برسباي إلى آمد سنة ٨٢٦ ه ، كان مراهقا ، حفظ القرآن العظيم ، وتلى بالسبع على
شيخنا العلامة شمس الدين بن عمران وغيره ، وأقام ببيت المقدس دهرا ، وأدّب به
الأطفال ، وسمع الحديث ، وأقرأ القرآن ، وكان جيد الحفظ له ، سريع القراءة.
وقد قرأت عليه
القراءات ، ولي نحو عشر سنين بمكتب باب الناظر ، فأقرأني من سورة الفاتحة إلى
الأنبياء ، ثم كررت ختم القرآن عليه مرات كثيرة ، وقرأت بعضه عليه برواية عاصم ، وأحضرني مجلس شيخنا ابن عمران بسماع الحديث ،
__________________
واعتنى بتحصيل الإجازة لي منه ، رحمهما الله تعالى ، توفي يوم الثلاثاء
ثاني عشر ذي الحجة سنة ٨٩٠ ه بالقدس الشريف.
الشيخ خير
الدين خضر بن إسماعيل الرومي القرماني الحنفي ، كان رجلا مباركا يحفظ القرآن ، وكان يصنع المسابح
بيده ، وهو منجمع عن الناس ، توفي في سنة ٨٩٠ ه ، ودفن بباب الرحمة ، رحمه الله.
قاضي القضاة ،
شيخ الشيوخ ، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن قاضي القضاة شيخ الإسلام ، سعد الدين أبي
السعادات سعيد بن قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله
محمد بن الديري العبسي ، وتقدم ذكر والده وجده ، ومولده في ثاني عشر ربيع الأول سنة ٧٩٥ ه بالقدس الشريف ونشأ به ، حفظ القرآن ، وسمع الحديث ،
واشتغل بالعلم على والده وجده ، وفضل وتميز وانتهت إليه الرئاسة بالقدس الشريف ،
ودرّس بالمعظمية نيابة عن والده ، وناب عنه في القضاء بالديار المصرية ، ثم ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف في المحرم سنة ٨٥١ ه ، عوضا عن قاضي القضاة شمس الدين بن خير الدين الحنفي ،
ودرّس بالمدرسة المعظمية الحنفية استقلالا ، ونفذت كلمته وعظم أمره باعتبار والده
، وعمر عمارة هائلة بظاهر القدس بأرض كرمه عند خان الظاهر ، فصرف فيها ما يقرب من عشرة آلاف دينار ، واستمر إلى سنة ٨٦٦
ه .
__________________
ثم تنزه عن
القضاء وتوجه إلى القاهرة ، وفوض إليه والده مشيخة المؤيدية ، واستقر ولده قاضي
القضاة ناصر الدين هبة الله عن أبيه في قضاء القدس الشريف ، فلما توفي والده قاضي
القضاة سعد الدين في سنة ٨٦٧ ه ، نزل عن المؤيدية لعمه قاضي القضاة برهان الدين ،
واستوطن القدس ، ثم سافر إلى القاهرة ، واستقر في مشيخة المؤيدية في سنة ٨٧٨ ه ، وشرع يتردد من القاهرة إلى القدس الشريف ، وفي سنة
٨٩٢ ه نزل بعمارته التي بكرمه عند خان الملك الظاهر بيبرس ،
وأقام بها مدة يسيرة ، ثم قصد التوجه إلى القاهرة ، فوصل إلى مدينة غزة ، فأدركته
المنية بها في يوم الجمعة سادس شعبان سنة ٨٩٢ ه بالجامع
الجاولي ، ودفن بتربته هناك بجوار الجامع ، وقد تلاشت أحوال
عمارته التي بظاهر القدس ، وخرب غالبها في هذه المدة اليسيرة التي هي دون تسع سنين
بعد وفاته ، وصارت من المهملات بعد ما كان فيها من العز والوقار ما لم يمكن شرحه ،
وكان القياس يقتضي أنه إذا توفي صاحبها ، ومضى عليه أزمنة ودهور لا يؤول أمرها إلى
هذا التلاشي الفاحش في هذه المدة اليسيرة ، فسبحان القادر على ما شاء الله ،
المتصرف في عباده بما يريد.
قاضي القضاة
العلامة خير الدين أبو الخير محمد بن الشيخ الإمام المقرىء المحدث ، شمس الدين أبي
عبد الله محمد بن عمران الغزي الأصل ، ثم المقدسي الحنفي ، ولد بغزة في ليلة العشر من رمضان سنة ٨٣٨ ه ، قرأ القرآن بالروايات على والده وأجازه ، وسافر إلى
الديار المصرية ، واشتغل من ابتداء أمره ، ودأب وحصل ، وتفقه بالقاهرة على الشيخ قاسم الحنفي ، وأذن له بالإفتاء
والتدريس ، ولقي العلماء ، وأخذ عن جماعة الفقه والحديث ، وبرع في مذهب الإمام
الأعظم أبو حنيفة ، رضي الله عنه ، وتميز وصار من الأعيان المعتبرين ، ولي قضاء الحنفية
بالقدس الشريف ، عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين الديري ،
__________________
وكانت ولايته في يوم ولاية شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف مشيخة الصلاحية
، والقاضي شهاب الدين بن عبية قضاء الشافعية ، وخلع على الثلاثة بحضرة السلطان
بالحوش ، وكنت حاضرا ذلك المجلس في صبيحة يوم السبت في شهر صفر سنة ٨٧٦ ه وسافروا جميعا من القاهرة ، ودخلوا إلى القدس الشريف في
يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ، وباشر قاضي القضاة خير الدين القضاء بعفة وقوة وشهامة ، وكانت سيرته حسنة وأحكامه مرضية.
ثم في أواخر
سنة ٨٧٦ ه استقر في نصف الإمامة بالصخرة الشريفة ، بحكم وفاة الإمام شهاب الدين
أحمد بن حافظ / / مشاركا للشيخ شهاب الدين أحمد بن الشنتير بالنصف الثاني ، بتقرير
صدر لهما من ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، فلم يتم لهما ذلك
وأخذت منهما الإمامة للشيخ سعد الله الحنفي ، بأمر السلطان بعد مباشرتها مدة يسيرة
، واستمر القاضي خير الدين على القضاء إلى أن عزل بالقاضي جمال الدين الديري في
ربيع الأول سنة ٨٧٨ ه ، فدخل القاضي جمال الدين إلى القدس وهو متوعك ، فأقام
أربعة عشر يوما ، وتوفي كما تقدم في ترجمته ، وأعيد القاضي خير الدين إلى وظيفة
القضاء في شهر جمادى الأولى ، ووصل إليه التوقيع الشريف ، وألبس خلعة السلطان من
محراب المسجد الأقصى ، ومشى الناس في خدمته إلى منزله بباب الحديد ، وذلك في أوائل
جمادى الآخرة ، واستمر نحو تسعة أشهر.
ثم عزل القاضي
بقاضي القضاة شمس الدين الديري أخي القاضي جمال الدين ، ووصل المرسوم بذلك في سلخ صفر
سنة تسع وسبعين وثمانمائة فتنزه عن القضاء ، ولم يتكلم فيه بعد ذلك ، وانقطع في
منزله للعبادة والاشتغال بالعلم وقراءة القرآن والحديث ، وانتهت إليه رئاسة مذهب أبي حنيفة بالقدس الشريف ، وتصدر للإفتاء
والتدريس ، وحج إلى بيت الله الحرام ، وعظم أمره عند الناس ، وصار له الهيبة
والوقار ، ودرّس بالمعظمية نيابة ، ونسخ بخطه
__________________
كثير من المصاحف الشريفة والبخاري ، وكتب الفقه وغير ذلك ،
وكان في سرعة الكتابة والملازمة لهما من العجائب.
وعمل طريقة في
المصحف الشريف في مقابلة الأحرف لم يسبق إليها ، وهي أنه إذا كان حرف من أول السطر من
الصفحة ألفا يكون أول حرف من أول السطر الآخر منها كذلك ، وأول السطر الثاني مثلا
واوا يكون مقابله قبل السطر الأخير كذلك وهلم جرا ، وأحرف المقابلة كتبها بالأحمر
، ويكون أول الصفحة أول الآية ، وآخر الصفحة آخر الآية ، وكل جزئين في كراس كامل ،
فيكون المصحف ثلاثين كراسا لا يزيد ولا ينقص ، وهذه الطريقة من العجائب لم يسبق
إليها ، وفي الحقيقة هي طريقة في غاية المشقة ، وقد سهلها الله فعملها بأسرع وقت ،
وهو تيسير من قبل الله تعالى ، وقد انتشر هذا المصحف بهذه الطريقة في غالب المملكة بخطه ، حتى
وصل إلى الحجاز والعراق والروم ، وله ربعة شريفة بالحرم الشريف النبوي على ساكنه
أفضل الصلاة والسلام.
وكان خيّرا
متواضعا ، حسن اللفظ والشكل ، منور الشيبة ، وعنده تودد للناس ولين جانب ، ولقد
أحسن إليّ في زمن ولايته القضاء وبعده ، رحمه الله وعفى عنه ، توفي يوم الخميس
الثلاثين من شهر رمضان سنة ٨٩٤ ه وله ست وخمسون سنة ، وصلي عليه من يومه بعد صلاة العصر
بالمسجد الأقصى الشريف ، ودفن إلى جانب ولده بتربة ماملا ، وكان يوما مشهودا
لجنازته ، شيعه شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، وشيخ الإسلام
النجمي ابن جماعة ، وناظر الحرمين ، ونائب السلطنة الأمير دقماق ، والقضاة والأعيان وغيرهم تغمده الله برحمته ، وعوضه
الجنة.
العدل علاء
الدين علي بن محمد بن سعيد الحنفي ، المشهور بابن نائب الناظر نسبة لوالده الحاج
محمد ، فإنه كان باشر نيابة النظر على المسجد الأقصى فعرف به ، كان علاء الدين
رجلا خيرا صالحا يحترف بالشهادة ، باشرها دهرا طويلا نحو ٥٦
__________________
سنة على خير وعفاف ، لم يضبط عليه ما يشينه ، ثم أذن له في عقد الأنكحة
فباشرها دهرا طويلا نحو ستة عشرة سنة ، وكان له مروءة ، وعنده تواضع وتودد
، توفي في عاشر المحرم سنة ٨٩٥ ه ، ودفن بماملا ، رحمه الله.
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين محمود الحنفي ، شيخ
المدرسة الفنزية بالقدس الشريف ، قدم إلى بيت المقدس وأقام به مدة يسيرة ، وتوفي
يوم الأحد ثالث شهر ذي القعدة سنة ٨٩٦ ، ودفن بباب الرحمة ، وبني على قبره مصطبة كبيرة ببناء محكم.
الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، زين الدين عبد السلام أبو
بكر بن الرضي الكركي الحنفي ، ولد بمدينة الكرك ونشأ بها ، وكان على مذهب الإمام
الشافعي ، رضي الله عنه ، ثم قدم إلى بيت المقدس في شهور سنة ٨٧٦ ه ، وانتقل إلى
مذاهب أبي حنيفة ، وتفقه على الشيخ ناصر الدين بن الشنتير ، المتقدم
ذكره ، وبرع في مذهب أبي حنيفة ، وأذن له بالإفتاء والتدريس ، ودأب وحصل ، وتفنن في العلوم ، فتصدر
للإفتاء والتدريس ، وكتب على الفتاوى كثيرا ، وانتفع الناس به ، واشتغل عليه
الطلبة ، وكان من أهل العلم ، وعليه السكينة والوقار ، والناس سالمون من يده
ولسانه ، وعبارته في الفتوى نهاية في الحسن / / درّس بالمعظمية نيابة إلى أن توفي ، ولما انتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة ، رضي الله عنهما ، لامه بعض الناس
على ذلك فأنشد
أخذ السفيه
يلومني بجهالة
|
|
لم لا تثبت
على الطريق الأعرف
|
فأجبته دع
عنك لومي يا فتى
|
|
واسلك طريقة
الإمام الأشرف
|
إن المذاهب
خيرها وأصحها
|
|
ما قاله
النعمان حقا فاقتف
|
إنسان عين
للأئمة كلهم
|
|
والكل عنه
للطريقة مقتف
|
__________________
فاخترت مذهبه
وقلت بقوله :
|
|
وجعلته يوم
القيامة مسعف
|
توفي رحمه الله
في يوم الجمعة ثامن عشري شهر رجب سنة ٨٩٨ ه بالطاعون ، وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد صلاة العصر ، وحمل
تابوته على الرؤوس ودفن بماملا ، ومات فقيرا ، لم يترك من الدنيا سوى عشرة دنانير
، وكتبه ، عفى الله عنه.
ودرّس بعده
بالمعظمية الشيخ العلامة القاضي شمس الدين أبو اللطف ، محمد بن قاضي القضاة شمس
الدين أبي عبد الله بن قاضي القضاة ، خير الدين خليل الحنفي نيابة بعد أن كانت
الوظيفة استقلالا له ، فإنه كان بيده حصة منها قدرها الخمسان ، تلقاها عن
والده وباشرها مدة في زمن الشيخ تاج الدين الديري ، فكملت له الوظيفة ، ثم تلقاها عنه
ولده القاضي ناصر الدين هبة الله ، ثم نزل عنها للقاضي فخر الدين الخزرجي ، فنزل
عنها للشيخ رضي الدين بن القاضي عماد الدين بن الأخرم المقيم بالقاهرة ، فاستناب
قاضي القضاة خير الدين بن عمران الحنفي إلى أن توفي ، ثم استناب الشيخ عبد السلام
الرضي إلى أن توفي.
الشيخ الصالح
الناسك العابد الخاشع القدوة ، شرف الدين موسى بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ
الصالح القدوة جمال الدين عبد الله بن الصامت القادري الحنفي ، شيخ السادة القادرية بالقدس
الشريف ، وتقدم ذكر والده وجده ، كان الشيخ موسى من أهل الخير والصلاح ، وله عبادة
وملازمة على ذكر الله تعالى ، وكان مقيما بالمدرسة الصبيبية شمالي المسجد الأقصى
الشريف ، ويقيم فيها الأوقات المشهودة بالذكر خصوصا في ليالي الجمع ، وكان يذكر
الله تعالى في المسجد الأقصى بصدر جامع النساء عقب صلاة كل جمعة ، وعليه الأنس والوقار وكان منجمعا عن
الناس ، لا يخالط أبناء الدنيا ولا يتردد إليهم ، وهو من ذرية قوم صالحين ، وقد
أضر في بصره وضعف بدنه قبل وفاته بسنين ، ومع ذلك لا يفتر عن ذكر الله تعالى ، ولا
عن ملازمة الطاعة على عادته ، والناس سالمون من يده ولسانه ، والصلاح ظاهر عليه ،
توفي في ليلة الأحد وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد الظهر
__________________
من يوم الأحد سادس عشر صفر سنة ٨٩٨ ه ، وحمل تابوته على الرؤوس ، ودفن بتربة الساهرة عند أسلافه ، كان يوما
مشهودا لجنازته ، لم ير مثله في هذه الأزمنة ، وشيعه شيخ الإسلام الكمالي بن أبي
شريف وقضاة الشرع والعلماء والخاص والعام ، وبلغ من العمر نحو ثلاثة وسبعين سنة ،
رحمه الله.
ذكر فقهاء المالكية
من القضاة والعلماء وطلبة العلم بالقدس الشريف
الشيخ الصالح
عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد ، كان رجلا صالحا عمّر
الزاوية المعروفة بزاوية المغاربة ، وهي بأعلى حارتهم بالقدس ، وأنشأها من ماله
ووقفها على الفقراء والمساكين في ثالث شهر ربيع الآخر سنة ٧٠٣ ه ، وتوفي بالقدس الشريف ، ودفن بماملا عند حوش البسطامية
من جهة الغرب.
وقد وهم بعض
المؤرخين فظنه الشيخ عمر المجرد واقف الزاوية بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ،
لاشتراكهما في الاسم والشهرة ، والأمر بخلاف ذلك وتقدمت ترجمة ذلك في تراجم
الشافعية ، رحمهما الله تعالى.
الشيخ بدر
الدين أبو محمد الحسن بن الشيخ فخر الدين ، أبي عمرو عثمان ، والشيخ شرف الدين
أبي الروح عيسى الصنهاجي المالكي ، أحد فقهاء المالكية بالقدس الشريف ، كان
يستخلف في الأحكام على قاعدة مذهب الإمام مالك ، رضي الله عنه ، وكان موجودا في
سلخ سنة ٧٧٧ ه .
الشيخ الإمام ،
العالم العلامة ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ
__________________
شمس الدين أبي عبد الله محمد بن حزب الله المالكي ، كان يستحلف في الثبوت
بالشهادة على الخط بالقدس الشريف ، رأيت إسجاله في بعض المستندات
، مؤرخا في شهر صفر سنة ٧٨١ ه .
الشيخ الصالح
القدوة ، زين الدين عبد الرحمن الكرديسي المغربي المالكي ، كان من أولياء الله الصالحين ، وله
كرامات ظاهرة ، توفي بالقدس الشريف ، ودفن بماملا قبل الثمانمائة ، ومن كراماته أن
بعض / / المعتقدين فيه قصد بناء قبة على قبره فأصبح ولم يجد القبر ، نفع الله به ،
ودفن إلى جانبه جماعة من شيوخ الدركاه أولاد الشيخ سعيد .
الشيخ موسى
المغربي المالكي ، كان رجلا صالحا من ذوي الكرامات ، وهو الذي كان سبب لترتيب صلاة
المالكية بالقدس الشريف ، توفي بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، ودفن عند
الشيخ عمر المجرد بزاويته في حدود الثمانمائة.
قاضي القضاة ،
جمال الدين أبو محمد عبد الله بن علم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد الله
الهلالي الأنصاري المالكي ، المشهور بابن الشحاذة ، وأول من ولي قضاء المالكية استقلالا بالقدس الشريف ،
كان من أهل العلم ، ويدرّس بالمدرسة المالكية بالقدس ، وكان يستحلف بالثبوت بالشهادة على الخط ، ثم اشتغل بالقضاء ، ولم اطلع له
على ترجمة ، وإنما أخبرني قديما بعض الأكابر الثقات المعتمد على نقلهم ، أنه كان
يتيما فقيرا ، وأن والدته كانت تسأل الناس ، فكانت تذهب به إلى بعض الفقهاء بالمكتب ، وتقول له يا ولدي
اشتغل بالقرآن والعلم ، وأنا أقوم بكفايتك فيما تحتاجه فكان يقرأ ، وتذهب هي تسأل
الناس وتأتي إليه بما يقوته ، فحفظ القرآن ، واشتغل بالعلم في مذهب الإمام مالك ،
رضي الله عنه ، وانتهى به الحال إلى أن ولي القضاء ببيت المقدس ، فكان أول قضاة المالكية به ، وقد وقفت على مستند ثابت عليه
إسجاله في ذلك المستند بخط نفسه ، وهو مؤرخ
__________________
في شهر رمضان سنة ٧٩٨ ه ولا شك أنه كان في ذلك التاريخ مستخلفا ، وأن استقلاله
بالقضاء بعد الثمانمائة ، فإني وقفت على بعض إسجالاته نيابة في سنة ٨٠٠ ه ، ثم رأيت في إسجالاته في سنة ٨٠٢ يذكر فيها أن ولايته متصلة بالمواقف الشريفة السلطانية المالكية الناصرية ،
يعني به فرج بن برقوق ، ولعلها السنة التي استقل فيها بالقضاء ، وأخبرني شيخ الإسلام
الكمالي بن أبي شريف أن جده لأمه القاضي شهاب الدين بن أبي عوجان المالكي ، ولي
قضاء القدس بعد وفاة القاضي جمال الدين بن الشحاذة في سنة ٨٠٥ ه وأن وفاته في تلك السنة أو التي قبلها ، والله أعلم.
الشيخ العالم
المسند شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن مثبت ، الأندلسي المالكي ، مقرئ بيت المقدس ، سمع من العلائي وجماعة ، وسمع على
شيخنا التقوي القلقشندي وأجاز له ، توفي في شهر رجب سنة ٨٠٨ ه ، وهو والد الأخوين إمامي المالكية ببيت المقدس علاء الدين الفقيه المالكي
الكبير ، والمحدث الراوي المقرئ شهاب الدين ، رحمهم الله تعالى.
قاضي القضاة
فخر الدين عثمان بن سراج الدين أبي الخطاب عمر بن علم الدين سليمان
المغربي الجاناتي المالكي ، باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف في سنة ٨١٥ ه ، ثم ولي القضاء بعد ذلك استقلالا ، وكان متوليا في سنة ٨١٨ ه .
قاضي القضاة
بدر الدين أبو محمد الحسن بن الشيخ تقي الدين أبي الإنفاق
__________________
أبي بكر الزرعي المالكي ، قاضي القدس الشريف ، كان متوليا في شهر رمضان سنة
٨١٥ ه.
الشيخ المسند
الصالح ، شمس الدين محمد بن يوسف بن عثمان القارئ المغربي
المالكي ، ولد سنة ٧٣٠ ه ، أجاز لشيخنا التقوي القلقشندي ، توفي سنة بضع وعشرين
وثمانمائة.
الشيخ الإمام
شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن حيان المغربي المالكي ، إمام المالكية بالمسجد
الأقصى ، الشاعر الأديب المقرىء ، وهو سبط ابن مثبت مقرئ بيت المقدس ، كان الشيخ شمس الدين يقرأ بالسبع
ويعرف الفرائض معرفة جيدة والحساب والنحو ، وكان يحترف بالشهادة في أول عمره ،
فلما مات خاله شهاب الدين بن مثبت ، كان قد نزل له عن إمامة المالكية وعن تصديره
بالمسجد ، وتوفي في رجب سنة ٨٢٦ ه ، ومن نظمه وقد بعث إلى بلد الخليل يطلب من شمس الدين
بن نصف الدنيا ساعات رملية فأبطأ عليه ، فكتب إليه وأجاد في القول :
إذا كانت
الدنيا جميعا بأسرها
|
|
غدت ساعات لا
شك فيها ولا مراء
|
فمن يطلب
الساعات من نصفها
|
|
يكن جهولا
وفي هذه الفعال قد افترى
|
الشيخ الإمام
العالم الصالح الزاهد العارف المقرئ عبد الله بن إبراهيم البكري المغربي المالكي المجاور بالقدس الشريف ، وكان شيخ دار
القرآن السلامية يقرئ الناس بها ، فانتفع الناس به ، وكان يستحضر من المدونة كثيرا ، ويعرف القراءات وغير ذلك وللناس فيه اعتقاد ،
ويحكى عنه مكاشفات وأمور عجيبة / / لا تحكى إلا عن كبار الأولياء ، وأسن حتى صار
يحمل في بساط ، ولعله
__________________
قارب التسعين أو جاوزها.
ورأى رجل من
الصالحين المشهورين النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول من قرأ الفاتحة
على قبر الشيخ عبد الله البكري دخل الجنة ، فاشتهر ذلك وقصد له من البلاد ، حتى صار من
لم يلحقه توجه إلى قبره وقرأها عليه ، وفضائله جمة ، ومناقبه كثيرة ، توفي ثاني
عشر جمادى الأولى سنة ٨٢٩ ه ، ودفن بماملا بالقرب من حوش البسطامية من جهة الغرب.
الشيخ القدوة
خليفة بن مسعود المغربي الجابري المالكي من بني جابر ، العالم الصالح ، صاحب الكرامات ، مولده في سنة ٧٤٩ ، واشتغل ببلاده ، وقدم إلى بيت المقدس على طريقة
السياحة في سنة ٧٨٤ ، فحج إلى بيت الله الحرام ورجع ، وظهرت له مكاشفات.
ثم ولي شيخنا
مشيخة المغاربة بالقدس وأمّ المالكية بالمسجد الأقصى الشريف ، وحكى القاضي شهاب
الدين أحمد بن عوجان المالكي ، أنه لما حج وزار النبي ، صلى الله عليه وسلم ، رآه في
النوم ، وقال له : سلم على خفير إيلياء إذا رجعت إليها ، فقال : ومن هو يا رسول
الله فقال : خليفة واشتهر أمره ، وكان شيخنا أسود بصاصا ، توفي في يوم السبت مستهل ذي القعدة سنة ٨٣٣ ه ، ودفن بماملا ، وقبره ظاهر يزار ، نفعنا الله به.
قاضي القضاة
العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ علم الدين أبي الربيع سليمان بن أحمد بن عمر
بن عبد الرحمن العمري المالكي ، المشهور
__________________
بابن عوجان ، مولده في سنة ٧٦٣ ه ، اشتغل بالعلم وحصّل ، وفضل وتميز ، وكان من أهل العلم
والدين ، يفتي ويدرس ، عارفا بمذهبه وبصناعة القضاء ، ولي قضاء المالكية بالقدس
بعد القاضي جمال الدين بن الشحاذة ، المتقدم ذكره ، في سنة ٨٠٥ ه ، فهو ثاني مالكي حكم بالقدس ، ووقع له العزل والولاية
مرات ، وكل مرة تكون مدة يسيرة ، وطالت مدته وحسنت سيرته في ولايته ، وأثنى عليه
أهل عصره ، وكانت أحكامه مرضية ، وأموره مسددة ، توفي في شهر جمادى الأولى سنة ٨٣٨
ه ، ودفن بماملا.
وولده قاضي
القضاة ، شمس الدين أبو عبد الله محمد ، مولده في سنة ٧٩٥ ه ، وولي القضاء بعد والده مدة ، ثم عزل ، وتوفي في ذي
الحجة سنة ٨٤٨ ه .
وولي بعد عزله قاضي
القضاة ، علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ غرس الدين أبي البركات خليل الطرابلسي
المالكي ، وكان متوليا في سنة ٤٢ وبعدها إلى سنة ٤٤.
ثم ولي بعده
قاضي القضاة أمين الدين سالم بن إبراهيم المغربي الصنهاجي المالكي ، مولده بالتخمين بعد السبعين والسبعمائة ، اشتغل في
الفقه ببلاد المغرب ، قدم إلى هذه البلاد عالما فاضلا ، ووقع في أيدي الكفار سنة ٨٣٤ ه ، وناظر الأساقفة ببلادهم وأفحمهم ، وأقام عندهم مدة ،
ثم أنجاه الله ، وقدم إلى دمشق وولي قضائها ، ثم ولي قضاء القدس
، وكانت ولايته سنة ٨٤٥ ه ، ثم أعيد إلى قضاء الشام ، فسار سيرة حسنة ، بحرمة وعفة ونزاهة ،
__________________
كان يحفظ الشفاء غيبا ، توفي في سنة ٨٧٣ ، بعد عزله من قضاء دمشق ، رحمه الله.
ثم ولي بعد
عزله من قضاء القدس الشريف قاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي المالكي ، وكان من
أهل العلم ، ولايته في سنة ٨٤٦ ه ، وأقام مدة يسيرة.
قاضي القضاة
شرف الدين أبو الروح عيسى بن شمس الدين محمد المغربي التجيبي المالكي ، الشيخ الإمام العلامة المحقق ، كان من أكابر أهل
العلم ، ولي قضاء بيت المقدس بعد البساطي ، وكان له هيبة ، وكان متوليا في سنة ٨٤٧
، وباشر بعفة وشهامة ، ولم يل منصب القضاء مثله في الفقه والتقوى والعلم
وله وقع في القلوب ، كان من قضاة العدل العالمين العاملين لا يحابي أحدا في الحكم ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ومما
وقع له أن نائب القدس مبارك شاه حين ولي النيابة ودخل بيت الله المقدس ، ركب القضاة
للقائه على العادة ، وألبس خلعة السلطان ، وكان قد أمسك جماعة من الفلاحين فلما
وصل بهم إلى باب الخليل قصد شنقهم أو شنق واحد منهم ، فأمر بذلك فتقدم إليه القاضي شرف الدين عيسى المالكي وقال له
:/ / ما الذي تريد فعله بحضورنا ، فقال له النائب : اشنق هذا ، فقال : بأي
طريقة تشنقه ، فقال : هذا حرامي قاتل نفس ، فقال له : هل ثبت عليه هذا بالطريق
الشرعي ، فقال النائب : نحن لا نحتاج إلى ثبوت ، فقال القاضي : تهلك مسلما قتل عمد
بحضوري بغير حق هذا لا سبيل إليه ، ولكن يدخل إلى المدينة ، وتنظر في أمره ، فإن
ثبت عليه ما يقتضي قتله قتلناه ، وإلا فلا سبيل إلى قتله ، فشدد النائب في أمره ،
وقال : لا بد من قتله ، فقال له القاضي : والله لو قتلته
__________________
بحضوري لكنت أقتلك بيدي ، وأعلقك إلى جانبه كما أنت بخلعة السلطان ، فلم
يقدر النائب مراجعته لهيبته ، ودخل إلى المدينة ولم يستطع قتل ذلك الرجل ، وله مثل
ذلك أخبار كثيرة ، عفا الله عنه ، واستمر على القضاء بالقدس إلى أن توفي في شهور
سنة ٨٥٤ ه ، رحمه الله.
قضاة المالكية وممن ولي قضاء
المالكية بالقدس الشريف
القاضي برهان
الدين أبو إسحق إبراهيم بن زين الدين أبي المعالي منصور التلمساني المالكي ، وكان
متوليا في سنة ٨٥٨ ه .
ومنهم الشيخ
الشريف القاضي كمال الدين محمد بن الشيخ بن الصفا إبراهيم بن أبي الوفاء ، كان على
مذهب الإمام أبي حنيفة ، ثم انتقل إلى مذهب الإمام مالك ، وولي القضاء بالقدس
الشريف ، وكان متوليا في سنة ٨٦٦ ه ، ثم عزل وانتقل إلى مذهبه الأول ، وناب في الحكم
بالديار المصرية عن قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة الحنفي مدة ولايته ، ثم بعد
عزل ابن الشحنة من القضاء استمر هو معزولا من النيابة ، وهو حي يرزق إلى يومنا.
ومنهم القاضي
شمس الدين محمد بن أحمد بن شداد الشافعي ثم المالكي ، كان من فقهاء الشافعية ،
وباشر الحكم نيابة عن قاضي القضاة الشيخ برهان الدين بن جماعة الشافعي ، ثم انتقل
إلى مذهب الإمام مالك ، وولي القضاء بالقدس الشريف في حدود السبعين والثمانمائة أو بعدها بيسير ، ودخل إلى القدس الشريف ، فلم يقم إلا مدة يسيرة نحو شهر أو دون ذلك ، فاعتصب جماعة
من المالكية والمغاربة وغيرهم في أمره ، وشنعوا عليه ، وأشيع عزله فتوجه إلى
القاهرة ، وأقام أياما يسيرة وتوفي بها ، وأظن أن وفاته سنة ٨٧١ ه والله أعلم.
__________________
الشيخ شمس
الدين محمد بن علي المغربي المالكي ، المشهور بالفلاح ، وكان يكتب له في ترجمة المطغر بطاء مهملة وعين معجمة مفتوحة ، كان يكتب هذا ، واشتهر بالفلاح
، لأنه كان أول قدومه يقيم بالقرى ، ويلبس لباس الفلاحين فسمي بالفلاح ، كان من
أهل العلم ، وباشر الحكم بالقدس الشريف نيابة عن القاضي شمس الدين المغراوي ،
وتوفي سنة ٨٧٦ ه .
وممن باشر
نيابة الحكم بالقدس الشريف ، القاضي جمال الدين يوسف المارديني المالكي ، ولم أطلع على ترجمته.
قاضي القضاة
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن التلمساني المالكي ، المشهور بالجزائري ، ولي قضاء المالكية
بالقدس الشريف ، ورد الأمر بولايته في مستهل ربيع الآخر سنة ٨٦٧ ه وعزل في أواخر رمضان منها ، وأعيد القاضي شمس الدين
المغراوي ، وهو قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد المغراوي المالكي ، مولده في سنة ٨٠٧ ه وكان رجلا مباركا يحفظ القرآن ، قدم من بلاده إلى
الرملة ، وأقام بها ، ثم ولي قضاءها مدة طويلة ، ثم ولي قضاء القدس الشريف سنة ٨٥٤ ه ، ووقع له العزل والولاية مرات ، وتوفي وهو باق على
القضاء ، في نصف شعبان سنة ٨٧٣ ه .
العدل شهاب
الدين أحمد بن الرياحي المغربي الأصل المالكي ، وكان من العدول بالقدس الشريف ،
ومن طلبة العلم ، وكان يؤذن بالمسجد الأقصى الشريف ،
__________________
وعنده مروءة ومحبة لأصحابه ، توجه إلى الحجاز الشريف سنة ٨٧٤ ه .
قاضي القضاة
نور الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم البدرشي البحري المالكي المصري ، الشيخ الإمام العالم العلامة شيخنا ، كان من أهل
العلم ، وله مروءة ومعرفة تامة بالعربية ، وعلم الفرائض والحساب والحديث الشريف
النبوي ، وكان من جلساء القاضي زين بن مزهر ، كاتب السر الشريف وأخصائه ، ومن جملة
قراء الحديث بقلعة الجبل المنصورة بالقاهرة ، وكان يحترف بالشهادة بالقاهرة ، ثم باشر نيابة الحكم بها عن قاضي القضاة سراج الدين بن حريز ،
ثم ولي قضاء المالكية بالقدس الشريف / / في أواخر سنة ٨٧٥ ه ، ودخل إليها في
أوائل المحرم سنة ٨٧٦ ه ، فباشر بعفة ونزاهة وحرمة وشهامة ، ونشر العلم واشتغل عليه الطلبة ، وعلت كلمته ، ونفذ أمره لعفته وشهامته ، ومع ذلك كان متواضعا لين الجانب
يحب العلم ونشره ، وله مصنف في النحو ، وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا ،
ويكثر التلاوة.
وقد قرأت عليه
قطعة من آخر كتاب الخرقي في فقه مذهب الإمام أحمد قراءة بحث وفهم ، ثم قرأت عليه
قطعة من أول المقنع قراءة بحث وفهم ، فكان يقرر لي العبارة تقريرا حسنا ، لعل
كثيرا من أهل المذهب لا يقرره ، وقرأت عليه في النحو ، ولازمت مجالسه وترددت إليه
كثيرا ، وحصل لي منه غاية الخير والنفع ، ولكن اخترمته المنية بسرعة قبل بلوغ المراد منه.
ولما توفي قاضي
القضاة جمال الدين الديري الحنفي في حادي عشري ربيع الآخر حصر ضبط تركته ، ثم مرض
أياما ، وتوفي في صبيحة يوم السبت ثاني جمادى
__________________
الأولى سنة ٨٧٨ ه ، فكان بين وفاته ووفاة القاضي جمال الدين الديري عشرة
أيام ، ودفن بباب الرحمة وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله وعفا عنه وعوضه الجنة.
قاضي القضاة حميد
الدين أبو حامد ، محمد بن بدر الدين أبي عبد الله الحسيني ، البكري
المالكي المغربي المقرئ الخليلي ، المشهور بابن المغربي ، كان يحفظ القرآن ويتقنه
بالروايات ، وولي قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ، وهو أول من وليه من
المالكية ، ثم في سنة أربع وسبعين وثمانمائة ولي قضاء القدس الشريف ، وأضيف إليه
قضاء بلد الخليل ، ثم عزل في أواخر سنة ٨٥٧ ه ، وتوجه إلى القاهرة ، فولي قضاء
طرابلس ، وتوجه إليها ، وتوفي بها في شهور سنة ٨٧٨ ه .
قاضي القضاة
علاء الدين أبو الحسن علي بن شمس الدين محمد الهاشمي المالكي ، الكركي الأصل
، المشهور بابن المزوار ، ولي قضاء القدس في سنة ٨٦٤ ه ، ثم عزل وولي قضاء
الكرك وقضاء غزة.
ولما توفي
القاضي نور الدين البدرشي ، ولي القضاء بعده بالقدس الشريف في مستهل شوال سنة ٨٧٨
ه ، ولم يدخل القدس الشريف الأحد في صفر سنة ٨٨٠ ه ، واستمر إلى جمادى الآخرة سنة ٨٨٢ ه ، ثم توجه إلى القاهرة وأقام بها ، وهو مستمر على
الولاية إلى أن توفي في يوم الأحد تاسع عشر جمادى الأولى سنة ٨٨٥ ه ، وصلي عليه بجامع المارديني ، وكان عفيفا في مباشرته
لا يتناول غير معلومه المرتب على وقف المسجد الأقصى ، وهو في كل يوم عشرة دراهم
فضة ، رحمه الله.
السيد الشريف
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد الحسيني المالكي المغربي ، كان من أهل الفضل ،
ويحفظ القرآن ويكتب على الفتوى قليلا ، وباشر
__________________
الحكم بالقدس الشريف ، نيابة عن قاضي القضاة شمس الدين الديري الحنفي ، حين
كان القاضي علاء الدين بن المزوار بالقاهرة ، كما تقدم في ترجمته ، وكان رجلا
مباركا متواضعا ، توجه إلى الحجاز الشريف في سنة ٨٨٥ ه ، ثم توجه إلى المدينة
الشريفة ، فتوفي بها في شهور سنة ٨٨٦ ه ، رحمه الله.
العدل شمس
الدين محمد بن محمد السطاوي المغربي المالكي ، كان من أهل القرآن
واحترف بالشهادة دهرا طويلا ، توفي في أواخر سنة ٨٨٧ ه .
العدل شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الناسك ، الصالح القدوة ، خليفة بن مسعود ،
المغربي الأصل ، ثم المقدسي المالكي ، ولد بالقدس في ليلة ثاني عشر
رمضان سنة ٨٠١ ه ، وحفظ القرآن واتقنه بأبي عمرو ، وحفظ الرسالة في فقه
الإمام مالك ، رضي الله عنه ، ولقي جماعة من مشايخ الصوفية ، وأخذ الحديث عن جماعة
، واستقر في إمامة المالكية بالمسجد الأقصى ومشيخة المغاربة بالقدس بعد وفاة والده
، وكان شيخنا أسمر ربعة ذا همة ومروءة ، وعنده سخاء ومكارم أخلاق ، ثم صرف عن
مشيخة المغاربة سنة ٨٧٢ ه .
وفي أواخر عمره
أقبل على العبادة وترك النساء ، وتقرب من التاريخ المذكور وفاته ، وكانت ليلة
الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ٨٨٩ ه ودفن عند والده بماملا.
وولده الشيخ
شمس الدين محمد خليفة ، كان عبدا صالحا ، وأهل بيت المقدس يعتقدونه وروي له كرامات
، توفي في ليلة الخميس ، وصلي عليه بعد الظهر من يوم الخميس ، السابع والعشرين من
شهر صفر سنة ٨٩٧ بالمسجد الأقصى ،
__________________
ودفن بماملا عند والده وجده ، وكان لجنازته مشهد عظيم شهده الخاص والعام ،
رحمه الله ونفعنا به.
الشيخ شمس
الدين محمد بن عبد الرحمن / / بن علي بن عبد الرحمن ، المغربي الأصل الخليلي ، ثم
المقدسي ثم المالكي ، الشهير بابن المغربي ، ولد سنة ٨٢٤ ه ، سمع الحديث على جماعة ، وكان حافظا لكتاب الله تعالى
، يكثر تلاوته ، وجاور بالقدس الشريف مدة ، ثم تحول إلى مذهب الإمام مالك ، وباشر
إمامة المالكية بالقدس الشريف نيابة وحدث ، توفي في يوم الجمعة تاسع شهر ذي القعدة
سنة ٨٩٣ بالبيمارستان الصلاحي ، ودفن بباب الرحمة رحمه الله.
قاضي القضاة
العلامة شرف الدين يحيى بن محمد الأنصاري المغربي الأندلسي المالكي ، ولد سنة ٨٥٦ ه ، وسمع ببلاده ، وكان من أهل العلم ، ماهرا في العربية
، اشتغل بالعلم بالأندلس على قاضي القضاة شمس الدين بن الأزرق ، الذي ولي قضاء القدس بعده ، وقدم من بلاد المغرب
وأقام بحلب وبالقدس.
ثم دخل القاهرة
سنة ٨٨٨ ه في أول رمضان ، فحضر مجلس قاضي القضاة قطب الدين
الخيضري الشافعي قاضي دمشق ، وهو بالجامع الأزهر
__________________
وتكلم في درسه فظهر له فضله ، فسعى له في قضاء المالكية بالقدس ، فولاه
السلطان في أواخر سنة ٨٨٨ ه من غير بذل ولا كلفة.
ثم حضر إلى
القدس في صفر سنة ٨٨٩ ه ، واستمر إلى شهر ذي الحجة سنة ٨٩١ ه ، فورد كتاب القاضي زين الدين بن مزهر صاحب ديوان
الإنشاء بعزله ، فتوجه من القدس الشريف إلى القاهرة ، وأقام بها أياما ، ثم توجه
إلى الحجاز الشريف ، وسافر إلى بلاد جازان ، فتوفي بها في شوال سنة ٨٩٥ ه .
وكانت ولايته
قضاء القدس بعد شغوره عن القاضي علاء الدين بن المزوار نحو سبع سنين ، فإن القاضي
علاء الدين توجه من القدس في سنة ٨٨٢ ه وأقام بالقاهرة ، وهو باق على الولاية إلى
حين وفاته في سنة ٨٨٥ ه ، ولم يستخلف أحدا عنه في الحكم ، ثم استمرت الوظيفة
على الشغور نحو أربع سنين بعد وفاته ، إلى أن استقر بها القاضي شرف الدين في
التاريخ المتقدم ذكره.
السيد الشريف ، شرف الدين عيسى بن عمر الحسيني المغربي العجيمي
المالكي ، قدم من بلاده إلى القدس الشريف ، وأقام به مدة طويلة ، وكان يحفظ القرآن
، وله مشاركة في فقه المالكية ، ولي مشيخة المغاربة بالقدس الشريف وطرابلس ، وحصل
له ضعف في بدنه ، وتوجه من القدس إلى جهة حلب ، فتوفي بها في ٨٩٧ ه .
وتوفي في هذه
السنة القاضي تقي الدين أبو بكر بن القاضي ناصر الدين
__________________
محمد بن العلم المالكي ، المشهور والده بعرق ، وتقدم ذكره مع فقهاء الحنفية
، وكان القاضي تقي الدين أولا حنفيا كأبيه ، ثم انتقل إلى مذهب الإمام مالك ، رضي
الله عنه ، وولي قضاء المالكية بالرملة في المحرم سنة ٨٧٣ ه ، واستمر إلى سنة ٨٧٥ ه ، وتوجه إلى القاهرة للسعي في قضاء القدس الشريف ، فلم
يتيسر له ذلك ، فأقام هناك مدة ، ثم عاد إلى القدس بعد وفاة والده في شهور سنة ٨٧٨
ه وكان يحترف بالشهادة.
ثم استخلفه
القاضي شمس الدين محمد بن مازن المغربي في الحكم بالقدس ، حيث توجه إلى وطنه بغزة من أوائل
شوال سنة ٨٩٥ ه إلى أن قدم إلى القدس في مستهل ربيع الأول سنة ٨٩٦ ه ، ولم يقدر له على ولاية بعد ذلك ، توفي القاضي تقي
الدين بن العلم في شهر ربيع الأول سنة ٨٩٧ ه ، ودفن بماملا.
وأما مستخلفه
شمس الدين محمد بن إبراهيم بن مازن الرجبي الغزي المالكي ، فإنه كان على مذهب الإمام الشافعي ،
وباشر نيابة الحكم بغزة وهو شافعي ، ثم انتقل إلى مذهب الإمام مالك ، وولي قضاء
المالكية بغزة سنة ٨٩١ ه ، فأقام نحو ستة أشهر ، ثم عزل ، ثم ولي قضاء المالكية
بالقدس الشريف في شهر شوال سنة ٨٩٣ ه بعد شغوره عن القاضي شرف الدين يحيى المغربي الأندلسي ،
المتقدم ذكره. وكان يتردد إلى القدس ويعود إلى وطنه بغزة ، ثم عزل في شهر رمضان
سنة ٨٩٩ ه ، وتوجه إلى مدينة غزة وأقام بها ، ولم يقدر له ولاية إلى حين وفاته بمدينة
غزة ، في أواخر شهر ذي الحجة سنة ٩٠٠ ه ، وسنذكر قدومه إلى القدس الشريف ، وتردده إلى غزة فيما
بعد في ترجمة السلطان ، إن شاء الله تعالى.
__________________
قاضي القضاة ،
الإمام العالم المحقق ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الأزرقي المغربي
الأندلسي المالكي ، كان من أهل العلم والصلاح ، حسن الشكل ، منور الشيبة ، عليه
الأبهة والوقار ، وكان قاضيا بمدينة غرناطة بالأندلس ، فلما استولى عليها الإفرنج خرج يستنفر ملوك
الأرض لنجدة صاحب غرناطة ، فتوجه لملوك الغرب ولم يحصل منهم نتيجة ، فحضر إلى السلطان / / الملك الأشرف قايتباي ، نصره
الله تعالى ، وكان مشتغلا بقتال ملك الروم بايزيد ابن عثمان ، فتوجه إلى مكة المشرفة ، وجاور بها وزار
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ورجع إلى القاهرة المحروسة في أول سنة ٨٩٦ ه ،
فتكلم له في شيء يحصل له منه ما يستعين به على القوت ، فولاه السلطان قضاء المالكية بالقدس الشريف في رابع
رمضان من السنة المذكورة ، عوضا عن القاضي شمس الدين محمد بن مازن المغربي ، وقدم
إلى القدس في يوم الاثنين سادس عشر شوال سنة ٨٩٦ ه ، وأقام بها نحو شهر وهو
يتعاطى الأحكام الشرعية بعفة ونزاهة من غير تناول شيء من الناس.
ثم حصل له توعك
، واستمر إلى أن توفي في يوم الجمعة بعد فراغ الصلاة سابع عشر ذي الحجة سنة ٨٩٦ ه
، وصلي عليه من يومه بعد صلاة العصر بالمسجد الأقصى ، ودفن بماملا إلى جانب
حوش البسطامية من جهة الغرب ، وكانت إقامته بالقدس واحدا وستين يوما ، وله خمس
وستون سنة ، رحمه الله.
وهو شيخ القاضي
شرف الدين يحيى الأندلسي ، المتقدم ذكره ، وقد كان من قضاة العدل ، ومما يستدل به
على حسن خاتمته سرعة وفاته قبل توغله في الأحكام ودخوله في الأمور المشكلة ، فإنه
باشر الحكم دون الشهر بعفة وتقوى وسيرة محمودة ، ثم لحق بالله سبحانه وتعالى ،
والناس راضون منه.
__________________
ذكر فقهاء الحنابلة من القضاة والعلماء وطلبة العلم
الشريف
قد تقدم عند
ذكر الفتح الصلاحي أنه لما خطب القاضي محيى الدين بن الزكي أول جمعة بعد الفتح وقضيت الصلاة انتشر الناس وكان قد
نصب سرير الوعظ تجاه القبلة ، فجلس عليه الشيخ زين الدين بن نجية وعقد مجلسا
للوعظ.
وهو الشيخ
الإمام الفقيه الواعظ ، المفسر زين الدين أبو الحسن علي بن رضي الدين أبي الطاهر
إبراهيم بن نجا بن غانم الأنصاري الدمشقي ، المعروف بابن نجية الحنبلي ، نزيل مصر ، سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الحنبلي ،
الذي نشر مذهب الإمام أحمد ، رضي الله عنه ، بالقدس الشريف وما حوله ، وتقدم ذكره
، فيمن كان ببيت المقدس قبل استيلاء ، الإفرنج عليه ، ولد الشيخ زين الدين بن نجية
بدمشق سنة ثمان وقيل عشر وخمسمائة ، وكان من أهل العلم وأعيان الناس وله رأي صائب
، وكان الملك صلاح الدين يسميه عمرو بن العاص ، ويعمل برأيه ويكاتبه ويحضر مجلسه ،
وله جاه عظيم وحرمة زائدة حضر فتح بيت المقدس مع الملك صلاح الدين ، وجلس للوعظ
عقب صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى ، كما تقدم ، وكان مجلسا حافلا حصل به الأنس
والبهجة والخشوع ، وتوفي في شهر رمضان في سابعه ، وقيل ثامن منه سنة ٥٩٩ ه
بالقاهرة ، ودفن من الغد بسفح الجبل المقطم.
الفقيه المحدث
تقي الدين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور ابن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي ، ثم النابلسي الحنبلي ، ولد سنة ٥٨٦ ه تقديرا بالقدس الشريف ، وسمع بدمشق من
جماعة ، وتفقه وولي الإمامة بالجامع الغربي بنابلس ، وحدث ، وهو ابن عم الحافظ عبد الغني المقدسي
__________________
وكان على طريقة حسنة ، توفي عاشر ذي القعدة سنة ٦٣٨ ه بنابلس ، رحمه الله.
الشيخ العلامة
نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد العزيز بن عبد الكريم الطوفي الصرصري ، ثم البغدادي الحنبلي الفقيه الأصولي المتفنن ، ولد
سنة ٦٧٦ ه بقرية طوف من أعمال صرصر ، ثم دخل بغداد في سنة ٦٩١ ، فحفظ المحرر في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدين
الزريراني ، وقرأ العربية والتعريف والأصول والفرائض ، وشيئا من
المنطق وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون ، وسمع الحديث من جماعة ، وسافر إلى
دمشق سنة ٧٠٤ ه ، ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية وغيره ، ثم سافر إلى مصر ، وجالس العلماء وجاور
بالحرمين الشريفين ، وأقام بالقاهرة ، وولي الإعادة بالمدرستين الناصرية والمنصورية ، وله تصانيف كثيرة منها : بغية السائل في أمهات
المسائل في
__________________
أصول الدين ، قصيدة في العقيدة الكبيرة وشرحها ، مختصر الروض في أصول الفقه ، وشرحه في ثلاث مجلدات ، مختصر الحاصل
في أصول الفقه ، والقواعد الكبرى ، والقواعد الصغرى ، والإكسير في قواعد التفسير ، والرياض النواظر في الأسباب والنظائر ، بغية الواصل إلى معرفة الفواصل ، مصنف في الجدل وآخر / / صغير رد القول القبيح في
التحسين والتقبيح ومختصر المحصول ، دفع التعارض عما يوهم التناقض في الكتاب والسنة ، ومعراج الأصول إلى علم الأصول في أصول الفقه ، والرسالة العلوية في القواعد العربية ، عناية المجتاز في عالم الحقيقة والمجاز ،
الباهر في أحكام الأصول الباطن والظاهر ، يرد على الإلحادية ، مختصر العالمين ، جزئين فيه
الفاتحة متضمنة لجميع القراءات ، الذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة ، الرحيق السليل في الأدب المسلسل ، تحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب ، الاقتصارات الإسلامية في دفع شبه النصرانية ، تعاليق
على الرد على جماعة من النصارى ، تعاليق على الأناجيل وتناقضها ، شرح نصف مختصر
الخرقي في الفقه ، مقدمة في علم الفرائض ، مختصر التبريزي ، شرح مقامات الحريري في
__________________
مجلدات ، وفوائد الحيس في شعر امرىء القيس ، شرح الأربعين للنواوي ، واختصر كثيرا من كتب الأصول ، ومن كتب الحديث أيضا ،
ولكن لم يكن له يد فيه ، وفي كلامه تخبط كثير ، وله نظم رائق وقصائد في مدح النبي
، صلى الله عليه وسلم ، وقصيدة في مدح الإمام أحمد رضي الله عنه ، أولها :
ألذ من الصوت
الرحيم إذا شدا
|
|
وأحسن من وجه
الحبيب إذا بدا
|
ثنائي على
الحبر الإمام ابن حنبل
|
|
إمام التقى
محي الشريعة أحمدا
|
سافر إلى
الصعيد ولقي بها جماعة ، ويقال أن له بقوص خزانة كتب من تصانيفه ، فإنه أقام بها مدة ، وقد حصل له
محنة في آخر عمره ، وحج إلى بيت الله الحرام في أواخر سنة ١٤ وجاور سنة ١٥ ه ، ثم
حجّ ونزل إلى الشام إلى الأرض المقدسة ، وأقام بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام ،
فتوفي بها في شهر رجب سنة ٧١٠ ه عفا الله عنه.
الشيخ الإمام
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ تقي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الولي بن
جبارة المقدسي الحنبلي ، الفقيه الأصولي اللغوي ، ولد سنة ٦٤٨ ه ، وسمع
الحديث من جماعة ، وارتحل إلى مصر ، فقرأ بها القراءات والأصول والعربية ، وصنف
شرحا كبيرا للشاطبية ، وشرحا آخر للرائية في الرسم ، وشرحا لألفية ابن معطي ، وصنف
تفسيرا وأشياء في القراءات ، وكان صالحا متعففا ، خشن العيش ، جم الفضائل ، ماهرا
بالفن ، فقيها بارعا ، مقرءا متفننا نحويا ، نشأ في صلاح ودين وزهد ، وانتهت إليه
مشيخة بيت المقدس ، وحج وجاور بمكة ، وكان يعد من العلماء الصالحين الأخيار ، توفي
بالقدس الشريف فجأة سحر يوم الأحد رابع رجب سنة ٧٢٨ ه ودفن في اليوم المذكور بماملا
، وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب في سادس عشر الشهر المذكور ، رحمه الله تعالى.
الشيخ الإمام
سراج الدين عمر بن الشيخ نجم الدين عبد الرحمن بن الحسين
__________________
القبابي الحنبلي ، سمع الحديث ، وكان مشهورا بالصلاح ، كريم النفس ،
كبير القدر ، جامعا بين العلم والعمل ، اشتغل وانتفع بالشيخ تقي الدين بن تيمية ،
ولم يسر على طريقة في الصلاح مثله ، وخرّج له الحسيني شيخه ،
وحدث بها ، توفي بالقدس الشريف في سنة ٧٥٥ ه ودفن بباب الرحمة ، رحمه الله.
الشيخ المحدث
المتفنن الضابط ، شهاب أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن المهندس
المقدسي الحنبلي ، مولده في سنة ٧٤٤ ه ، حفظ وكتب وسمع على الحفاظ وروى عنه جماعة من الأعيان
، منهم قاضي القضاة ، القاضي سعد الدين الديري الحنفي ، توفي بالقدس الشريف في شهر
رمضان سنة ٨٠٤ ه وقيل ٨٠٣ ه ودفن بتربة باب القطانين عن يمين الخارج من باب الخوخة
، ولم تبع تركته إلا في سنة ٩ ، باعها وصيه شمس الدين بن حسان ، وكان في عصر الشيخ
شهاب الدين بن المهندس جماعة من الحنابلة بالقدس الشريف ، وهم :
الشيخ عبد
الرحمن ، شيخ الوجيهية ، وولده الشيخ إسماعيل ، والشيخ أبو عبد الله المرداوي ،
والشيخ علي ابن عبد الله بن أبي القاسم المرداوي ، وشمس الدين محمد البغدادي ،
والشيخ خير الدين الرأس عيني ، والشيخ علي الهيتي ، والشيخ محمد بن المهندس ، ولم
اطلع على ترجمة أحد منهم ولا تاريخ وفاته ، ولكن وقفت على ورقة بضبط أسماء
الحنابلة بالقدس الشريف ، ذكر فيها الشيخ شهاب الدين وهؤلاء الجماعة.
وزين الدين عبد
الرحمن بن الشيخ سراج الدين القبابي ، الآتي ذكره ، أن القاضي علاء الدين العسقلاني الحنبلي
، قاضي دمشق عين لهم معلوما يصرف لهم ، من وقف المرحوم شمس الدين محمد بن معمر ،
رحمه الله تعالى ، بشرط ملازمة
__________________
الاشتغال والاجتماع في الأيام المعتادة للدروس بالمسجد الأقصى الشريف ،
عمره الله بذكره ، تاريخ الورقة المذكورة في العشر الأوسط من شهر رمضان المعظم
قدره وحرمته سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، رحمة الله / / عليهم أجمعين.
القاضي فخر
الدين أبو عمرو عثمان بن الشيخ الإمام العالم شهاب الدين ، أبو العباس أحمد بن
الشيخ الإمام الأوحد فخر الدين أبو عمرو عثمان الحنبلي ، باشر الحكم بالقدس الشريف
في ٨٠٩ ه ، والظاهر أنه كان نائبا عن القاضي عز الدين البغدادي
قاضي الأقاليم الآتي ذكره وبقي إلى بعد العشر والثمانمائة ، ولم اطلع
على تاريخ وفاته ، رحمه الله.
الشيخ المسند
المعمر زين الدين أبو زيد عبد الرحمن ابن الشيخ سراج الدين ، عمر بن الشيخ نجم
الدين عبد الرحمن بن حسين بن عبد المحسن القبابي ، ثم المقدسي الحنبلي ، ولد في ليلة يسفر صباحها عن ثالث عشري شعبان سنة ٧٤٩
ه وكان من الفقهاء المعتبرين ، روي عن خلق من الأئمة الحديث ، وروى عنه خلق
وخرّج له الحافظ شيخ الإسلام قاضي القضاة بن حجر ، رحمه الله تعالى ، أسماء شيوخه
، وأضاف إلى ذلك بيان مرويات الشيوخ الذين أجازوا للمسندة المعمرة الأصيلة فاطمة
بنت الشيخ صلاح الدين بن أبي الفتح ، وهي بنت أخي قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد
الحنبلي ، لكونها مشاركة في الكثير منهم في استدعاء مؤرخ في شهر ربيع الأول سنة
٧٥٦ ه ، ولخص في ذلك مصنفا لطيفا سماه المشيخة السامية
للقباني وفاطمة.
وكان الشيخ زين
الدين محدث القدس الشريف ، وكان شيخ المدرسة الفارسية المجاورة للملكية شمالي
المسجد الأقصى الشريف ، وقد أجاز شيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف الشافعي ،
أمتع الله بوجوده الأنام ، وتوفي الشيخ زين الدين في يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر
سنة ٨٣٨ ه بالقدس الشريف ، ودفن بباب الرحمة ،
__________________
إلى جانب والده وعتيقه بلال. كان يروي الحديث ، وأخذ عنه جماعة ، توفي في
يوم الاثنين تاسع جمادى الآخرة سنة ٨٦٧ ه ، ودفن عند سيده في باب الرحمة ، تحت العمود الخارج من
المسجد الأقصى الملاصق لأروقة سوق المعرفة ، رحمهم الله تعالى.
قاضي القضاة
العلامة عز الدين أبو البركات عبد العزيز بن الشيخ العالم العلامة علاء الدين أبي
الحسن علي بن عبد العزيز محمود البغدادي الأصل ، ثم المقدسي المنشأ ، البكري
الحنبلي ، الإمام العالم ، المفسر قاضي الأقاليم ، مولده ببغداد
في سنة ٧٧٧ ه واشتغل بها.
ثم قدم إلى
دمشق ، وأخذ الفقه عن الشيخ صلاح الدين بن اللحام ، شيخ الحنابلة في وقته ، وعرض عليه الخرقي ، واعتنى
بالوعظ ، وكان يستحضر كثيرا من تفسير البغوي ، واعتنى بعلم الحديث ، وله مشاركة في
الفقه والأصول ، واشتغل ودرّس وكتب على الفتاوى شيئا يسيرا ، وله مصنفات منها : مختصر المزني ، وشرح الشاطبية ، وصنف في المعاني والبيان ، وجمع
كتابا سماه القمر المنير في أحاديث البشير والنذير .
ولي قضاء بيت
المقدس بعد فتنة تمرلنك في ٨٠٤ ، ولم يعلم أن حنبليا قبله ولي القدس ، وطالت مدته فبلغ
عشرين سنة ، ثم ولي قضاء دمشق في صفر سنة ٨٢٣ مدة يسيرة ، ثم صرف عنها ، فولي تدريس المؤيدية في
القاهرة ، ثم
__________________
ولي قضاء الديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة محب الدين بن نصر الله ، وكانت ولايته في ثامن عشري جمادى الآخرة
سنة ٨٢٩ ، ثم عزل بالقاضي محب الدين بن نصر الله في يوم
الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة إحدى وثلاثين ، ثم ولي قضاء دمشق في دفعات يكون مجموعها ثماني سنين.
والسبب في
تسميته بقاضي الأقاليم أنه ولي بغداد والعراق ، ثم ولي قضاء القدس ومصر والشام
، وكان فقيها دينا متقشفا ، عديم التكليف في مجلسه ومركبه ، وله معرفة تامة ،
ولما ولي قضاء الديار المصرية صار يمشي لحاجته في الأسواق ، ويردف عبده على بغلته
وشيئا من هذا النسق ، وكانت جميع ولايته من غير سعي.
توفي في ليلة
الأحد مستهل ذي القعدة سنة ست وأربعين وثمانمائة بدمشق ، وصلي عليه من الغد
بالجامع الأموي ، وحضر جنازته القضاة وبعض أركان الدولة ، ودفن عند قبر والده بمقابر
باب كيسان إلى جانب الطرق ، رحمه الله تعالى.
الشيخ شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد بن الشحام الحنبلي ، المؤذن بالجامع الأموي بدمشق ، مولده في خامس عشر
المحرم سنة ٧٨١ ه ، سمع من جماعة ، وروي عنه من الأعيان ، توفي بالقدس
الشريف في نهار الثلاثاء تاسع جمادى الآخرة سنة ٨٦٤ ه ، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين أبي هريرة ، عبد الرحمن بن الشيخ
شمس الدين أبي عبد الله محمد العمري العليمي الحنبلي ، الخطيب الفقيه المحدث ، وله
سنة ٨٠٧ ه بالرملة ونشأ بها ، ثم توجه إلى مدينة صفد ، فأقام بها وقرأ / / القرآن ، وحفظه برواية عاصم
واتقنها
__________________
وأجيزها من مشايخ القراء ، ثم عاد إلى مدينة الرملة ، وأقام بها
واشتغل بالعلم الشريف في مذهب الإمام أحمد ، رضي الله عنه ، وحفظ مختصر الخرقي ، وكل أسلافه شافعية
، لم يكن فيهم من هو على مذهب الإمام أحمد سواه ، ولأسلافه مآثر وصدقات.
وكان يحترف
بالشهادة ، ثم باشر الحكم بالرملة على قاعدة مذهبه نيابة عن القضاة الشافعية ، ثم
اجتهد في تحصيل العلم ، وسافر إلى الشام ومصر وبيت المقدس ، وأخذ عن علماء المذهب
وأئمة الحديث ، وفضل في فنون من العلوم ، وتفقه بالشيخ شهاب الدين بن يوسف المرداوي ، وبرع في المذهب ، وأفتى وناظر ، وقرأ البخاري والشفاء
مرارا ، وكتب بخطه الكثير من نسخ البخاري ، كتابة جيدة مضبوطة قائمة الإعراب ،
وكان بارعا في العربية ، وكان خطيبا بليغا وصنف الخطب ، ولي قضاء الرملة استقلالا
سنة ٨٣٨ ه ولم يعلم أن حنبليا قبله وليها .
ثم ولي قضاء القدس الشريف في أواخر دولة الملك الأشرف برسباي في شهر
شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة بعد شغوره نحو تسع عشرة سنة عن شيخه قاضي القضاة عز
الدين بالبغدادي ، المتقدم ذكره ، فهو ثاني حنبلي حكم بالقدس ، ثم لما توفي الأشرف
عزل عن قضاء القدس ، وولي قضاء الرملة.
ثم أعيد إلى
قضاء القدس في دولة الملك الظاهر جقمق في أحد الجمادين سنة ٨٥٣ ه ، وأقام به عشرين سنة متوالية ، وأضيف إليه قضاء الرملة
، ثم أضيف إليه قضاء بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وباشر الحكم نيابة بدمشق
المحروسة ، وولي قضاء الرملة في دولة الملك الأشرف إينال ، وامتنع من مباشرة
القضاء واختار الإقامة ببيت المقدس.
__________________
وكان خيّرا
متواضعا ، حسن الشكل ، متتبعا للسنة ، كثير التعظيم للأئمة الأربعة ، ليس عنده
تعصب ، وكان سخيا مع قلة ماله ، مكرما لمن يرد عليه ، لا يحب الفخر ولا الخيلاء ،
ويدخل إلى المسجد الأقصى في أوقات الصلوات بمفرده ، مع ما كان عليه من الهيبة
والوقار ، وله معرفة تامة بالمصطلح في الأحكام ، وكتابة المستندات ، وباشر القضاء
بالأعمال المذكورة ، وأفتى نحو أربعين سنة ، وكانت أحكامه مرضية وأموره مسددة ،
ومات وهو باق على هيبته ووقاره ، ولم يمتحن ولم يهن.
ومن أعظم
محاسنه التي شكرت له في الدنيا ، ويرجى له الخير في الآخرة ، أن بالقدس كنيسة
للنصارى مجاورة لكنيسة قمامة بلصق الصومعة من جهة القبلة ، وبناءها محكم ولها قبة
عالية البناء ، وكان النصارى يجتمعون بها ويقرأون كتاباتهم ويرفعون أصواتهم حتى كان في بعض
الأوقات يسمع ضجيجهم من قبة الصخرة الشريفة ، فينزعج المسلمون من ذلك ،
فقدّر الله حصول الزلزلة ، وقعت في يوم الأحد خامس المحرم سنة ٨٦٥ ه فهدمت قبة الكنيسة المذكورة ، فتوجه النصارى لنائب
السلطنة ، وللقاضي الحنفي بالقدس الشريف ، ودفعوا إليهما مالا ، فأذن لهم القاضي الحنفي في إعادتها بالبناء
القديم ، فحصل للقاضي شمس الدين العليمي الحنبلي غاية الانزعاج ، واشتد غيظه لذلك
، فحضر إليه النصارى وأحضروا له مالا على أن لا يعارضهم ، فزجرهم زجرا بليغا ، ثم
بادر بالكتابة للملك الأشرف إينال ، ورتب قصة أنهى فيها ما كان يقع من النصارى
بالكنيسة المذكورة ، وأن الله تعالى قد غار لدينه وهدمها بالزلزلة ، وسأل في بروز
مرسوم شريف بأن ينظر في ذلك على ما يقتضيه مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، فبرز
له الأمر بذلك ، وحضر قاصده إلى القدس الشريف ، وقد شرع النصارى في البناء حتى
كادت تنتهي كما كانت عليه ، فاجتمع الخاص والعام ، ونائب السلطنة ، والقاضي
الحنفي الآذن في البناء ، وبقية القضاة ، وصدرت الدعوى من الشيخ تاج الدين أبو
الوفاء ابن أبي الوفاء ، المتقدم ذكره ، عند القاضي شمس الدين العليمي ، وسأله ما
يقتضيه الشرع الشريف ، وحكم بعدم إعادة الكنيسة المذكورة ، وبهدم البناء الجديد ،
فهدم بعض
__________________
البناء الجديد وبعض البناء القديم ، ولم يزل العوام يهدمون حتى نهاهم
القاضي ، واستمرت مهدومة إلى يومنا هذا.
وقد أخذت هذه الحادثة عن الشيخ أبي الوفاء المشار إليه من لفظه ،
رحمه الله تعالى ، ومنها أنه كان النصارى ببيت المقدس أحدثوا بناء في الكنيسة ، وورد مرسوم
/ / بالنظر في ذلك ، فتوجه نائب السلطنة وشيخ الصلاحية والقضاة والمشايخ الصوفية
إلى بيت المقدس ، وسأل الحاكم القاضي شمس الدين العليمي الحكم بما يقتضيه الشرع الشريف ،
فحكم بهدم ما استجد من البناء ، ولم يخف في الله لومة لائم ، وكان ذلك في يوم الثلاثاء تاسع
عشري صفر سنة ٨٥٦ ، ثم توجه جماعة من الفقراء والنائب وهدم البناء في يوم الأحد
رابع ربيع الأول ، وكان يوم كثير المطر.
ثم في يوم
الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى ، توجه القاضي شمس الدين إلى كنيسة قمامة ، وهدم
الدرابزين الخشب المستجد بها ، ونقل أخشابه إلى المسجد الأقصى الشريف بالتكبير
والتهليل ، وكان يوما مشهودا.
ومنها أن
نصرانيا من طائفة الحبش ، وقع في حق النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فرفع إليه أمره
، واعترف عنده بما صدر منه ، فخوفه بعض الناس وقال له : إن هذه الطائفة للدولة بها اعتناء
وتخشى عاقبة هذا من جهة السلطان ، فلم يلتفت لذلك ، وحكم بسفك دمه وضرب عنقه ، ثم أخذه العوام وأحرقوه في صحن كنيسة
قمامة.
ومنها أنه كان
يبادر إلى أطفال من يموت من أهل الذمة ، ويحكم بإسلامهم على قاعدة
المذهب ، فعارضه قاض شافعي بالقدس ، وحكم لجماعة من أولاد الذمة ببقائهم على دينهم
، وتعارض الحكمان ، فرفع الأمر للملك الظاهر جقمق ، واجتمع العلماء بالمدرسة
الصلاحية للنظر في ذلك ، واتفق علماء ذلك العصر على صحة الحكم بالإسلام ، وأنه هو المعمول به
، وأن ما حكم به الشافعي غير صحيح ،
__________________
وطلب الحاكم الشافعي للديار المصرية ورتب عليه التعزير ، ومنع من الحكم
بالقدس الشريف منعا مؤبدا ، وشرع أهل الذمة في الانتماء إلى من له شوكة من أركان
الدولة ، لينقذهم من الحكم بإسلام أولاد من مات منهم ، فلم يلتفت إلى ذلك ؛ ولم
يزل مصمما على الحكم بذلك كلما رفع إليه إلى أن لحق بالله تعالى. واستمر بالقدس
الشريف إلى أن عزل عن القضاء في شهر جمادى الأولى سنة ٧٣ ه.
ثم ورد عليه
توقيع السلطان بقضاء الرملة ، فتوجه إليها في يوم الأحد خامس رمضان ، وأقام بها
تسعة وخمسين يوما ، وتوفي بالطاعون بعد آذان الظهر من يوم الثلاثاء رابع شهر ذي
القعدة الحرام سنة ٨٧٣ ه بالدار الكائنة بداخل مسجد شيخه العلامة شهاب الدين بن
أرسلان ، رضي الله عنه ، بحارة الباشقردي ، وصلي عليه من يومه بعد العصر بجامع
السوق ، ودفن على باب الجامع الأبيض ظاهر مدينة الرملة من جهة الغرب ، إلى جانب
حوش ملاصق لحائط جامع أحمد النسائي ، صاحب السنن في الحديث ، وكانت جنازته حافلة ،
وصلي عليه بالمسجد الأقصى صلاة الغائب في يوم الجمعة سابع ذي القعدة ، وكثر التأسف
عليه.
ومن عجب
الاتفاق أن القاضي شمس الدين العليمي الحنبلي ، والقاضي شمس الدين المغراوي
المالكي ، المتقدم ذكره ، مولدهما في سنة واحدة هي سنة سبع وثمانمائة ، وكانا
قاضيين بمدينة الرملة ، ثم صارا قاضيين بالقدس ، وكل منهما ولي قضاء صفد ، وتوفيا
في سنة واحدة وهي سنة ٨٧٣ ه ، ولما توفي المغراوي في نصف شعبان ، أخبر القاضي شمس
الدين العليمي أن القاضي المالكي قد توفي ، وصلي عليه وحمل إلى ماملا ، فقال : لا
إله إلا الله ، الناس اليوم يقولون توفي القاضي المالكي ، وعن قريب يقولون توفي
الحنبلي ، فما مضى على ذلك إلا دون عشرة أيام وورد عليه توقيع بقضاء الرملة ،
فتوجه إليها في خامس رمضان ، وتوفي في رابع ذي القعدة بعد المغراوي بنحو ثمانين
يوما ، رحمه الله ، وعفا عنه ، عوضه الجنة.
والعمري نسبة
إلى سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، والعليمي نسبة إلى سيدنا
علي بن عليل المشهور عند الناس علي بن عليم ، والصحيح أنه عليل باللام كذا في نسبه الثابت.
__________________
فلنذكر مسلسل
النسب في هذه الترجمة تبركا بها ، فأقول هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن
عيسى بن تقي الدين بن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد المجيد بن الشيخ تقي الدين بن عبد
السلام بن إبراهيم بن أبي العياض بن الشيخ / / الرباني ، القدوة العارف ، أبي الحسن علي
المدفون بشاطئ البحر المالح ، بساحل أرسوف ، صاحب المناقب المشهورة والكرامات
الظاهرة ، قدس الله روحه ونوّر ضريحه ، ابن الشيخ عليل ابن محمد بن يوسف بن يعقوب
بن عبد الرحمن بن السيد الجليل ، الزاهد العابد الصوام القوام الصحابي عبد الله ،
رضي الله عنه ، بن مولانا وسيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العدوي القرشي ، رضي
الله عنه وعن سائر أصحاب رسول الله أجمعين ، وهذا النسب ثابت لجده القاضي شمس
الدين ، المشار إليه ، الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف ، محكوم به لدى قاضي القضاة شرف الدين ابن قاضي الجبل ابن قدامة الحنبلي ، بالشام المحروسة ، في شهور سنة ٧٧٠ ه رحمة الله عليهم أجمعين.
الشيخ عمر بن
إسماعيل الحنبلي كان رجلا صالحا يحفظ القرآن ، ويؤدب الأطفال بالمسجد الأقصى
بالمكان المجاور لجامع المغاربة من جهة القبلة ، والناس سالمون من يده ولسانه ،
توفي في شهر رجب سنة ٨٨٠ ه بالقدس الشريف.
قاضي القضاة
بدر الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدين أبي حاتم عبد القادر بن شيخ
الإسلام شمس الدين بن عبد الله محمد الجعبري النابلسي
__________________
الحنبلي ، ولد سنة ٢ وقيل ٧٩١ ه بنابلس ، ونشأ على طريقة حسنة ، وهو من بيت علم ورئاسة ، سمع
من جده ، وابن العلائي وجماعة ، واشتغل بالعلم وحصل ، وباشر القضاء بنابلس نيابة ،
ثم وليها استقلالا بعد الأربعين والثمانمائة ، ثم أضيف إليه قضاء القدس الشريف بعد
عزل القاضي شمس الدين العليمي قبل الخمسين والثمانمائة ثم عزل من القدس واستمر بنابلس.
ثم باشر قضاء
القدس مرتين عوضا عن القاضي شمس الدين العليمي ، الأولى في شهور سنة أربع وستين
وثمانمائة ، والثانية سنة ست وستين وثمانمائة ، وكل مرة يقيم مدة يسيرة ثم يعاد إلى قضاء نابلس ،
وولي قضاء الرملة ، ونيابة الحكم بالديار المصرية ، وكان حسن السيرة عفيفا في
مباشرته القضاء مهيبا عند الناس ، وكان حسن الشكل منوّر الشيبة عليه الأبهة
والوقار ونورانية العلم والتقوى ، وعمر ورزق الأولاد وألحق الأحفاد بالأجداد ،
ومتع بدنياه ، ثم عزل عن قضاء نابلس في أواخر عمره ، فلم يلتفت إليه بعد ذلك ،
واستمر إلى أن توفي بنابلس في يوم الخميس سادس عشر رمضان سنة ٨٨١ ه وله نحو تسعين سنة.
وكان له عدة أولاد
أمثلهم قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل محمد ، ولد سنة نيف و ٨٣٠ ، دأب وحصل ، وسافر إلى البلاد ، واشتغل بالعلم ، وأخذ
عن المشايخ ، وفضل وبرع في المذهب ، وأذن له الشيخ علاء الدين المرداوي ، عالم الحنابلة في وقته ، ومصحح مذهب الإمام أحمد ومنقحه
بالإفتاء والتدريس في سنة ٨٥١ ، ثم أذن له الشيخ تقي الدين بن قندس أيضا ، فتميز وصار من
__________________
أعيان الحنابلة ، وأفتى وناظر ، وكان عنده معرفة بطرق الأحكام ، وباشر
القضاء نيابة عن والده بنابلس.
ثم باشر نيابة
الحكم بالديار المصرية عن قاضي القضاة غرس الدين الكناني ، ثم باشر القضاء بالقدس الشريف والرملة في شهر
جمادى الأولى سنة ٨٧٣ ، عوضا عن القاضي شمس الدين العليمي ، المتقدم ذكره ،
ثم أضيف إليه بعد وفاته قضاء الرملة ، ثم قضاء نابلس ، وعزل عن القضاء في شهر
شعبان سنة ٧٩ ه ، واستمر سنة كاملة ، وأعيد في سنة تسع وسبعين ، ثم عزل في
جمادى الآخرة سنة ٨٨٢ ه .
وتوجه إلى
القاهرة ، فباشر نيابة الحكم عن شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين السعدي
مدة يسيرة ، ثم عزل في شهور شوال سنة ٨٨٣ .
وتوجه إلى دمشق
، فأقام بها نحو ثلاث سنين ، ثم توجه إلى ثغر دمياط ، وباشر نيابة الحكم ، ثم سافر
من دمياط وانقطع خبره ولم يعلم مقره ، ثم ورد إلى القاهرة خبر وفاته بمدينة
الإسكندرية في شهور سنة ٨٨٩ ه ، ولم يعلم حقيقة الحال في وفاته رحمه الله وعفا
عنه.
ذكر ما تيسر من أسماء من ولي النظر والنيابة بالقدس
الشريف
وبلد سيدنا الخليل عليه السلام
ولم أستوعب
اسماءهم ولا تراجمهم أجمعهم ، فإن ذلك تطويل لا طائل تحته ، خصوصا حكام الشرطة من
النواب ، ليس في الاعتناء بذكرهم كبير فائدة ، وإنما أذكر / / من النظار والنواب
من اشتهر من أعيانهم ، ومن عرف له فعل بر ومعروف ، فأقول والله الموفق.
الشيخ القدسي موسى بن غانم الأنصاري ، قرره السلطان الملك الناصر
صلاح الدين يوسف بن أيوب في مشيخة الحرم بالقدس الشريف ، والنظر عليه
__________________
والتصرف في أوقافه ، ورأيت توقيعه بذلك ، وعليه علامة السلطان ، الحمد لله
على نعمه ، وقد قطع تاريخه ولم أطلع للشيخ موسى على ترجمة ولا تاريخ وفاة ، رحمه
الله.
الأمير حسام
الدين ساروج التركي ، أحد أمراء الملك صلاح الدين ، كان ديّنا خيّرا
، حسن السيرة ، ولي إمرة القدس بعد الفتح ، واستمر على ولايته إلى حين وقوع الهدنة
بين السلطان والإفرنج في سنة ٥٨٨ ه .
الأمير عز
الدين جرديك أحد أمراء السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد رحمه
الله ، كان أميرا معتبرا شجاعا ، واتصل بخدمة الملك الناصر صلاح الدين ، وكان من أعيان جماعته ، فلما حصل الصلح
بين السلطان والإفرنج بالهدنة ، فوّض إلى الأمير جرديك ولاية القدس الشريف ، بعد الأمير حسام الدين ،
المذكور قبله في سنة ٥٨٨ ه.
وولي الأمير
علم الدين قيصر أعمال الخليل وعسقلان وغزة والداروم ، وما وراءها وذلك في السنة المذكورة.
الأمير سنقر الكبير ، صاحب القدس ، كان متوليا عليه في سنة ٥٩٣ ه توفي في السنة المذكورة.
واستقر بعده في
القدس الأمير صارم الدين قطلو ، مملوك عز الدين فرخشان بن شاهنشاه ابن أيوب.
الأمير
الأسفهسلار عز الدين سعيد السعداء ، أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد
الله الزنجيلي ، كان متوليا على القدس الشريف ، وهو الذي عمّر قبة المعراج
__________________
بصحن الصخرة المشرفة في سنة ٥٩٧ ه وتقدم ذكر ذلك.
الأمير حسام
الدين أبو سعيد عثمان بن عبد الله المعظمي ، متولي القدس الشريف ، وهو الذي تولى
عمارة قبة النحوية بصحن الصخرة الشريفة ، بأمر الملك المعظم عيسى في سنة ٦٠٤ ه .
الأمير رشيد
الدين فرج بن عبد الله المعظمي ، متولي بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، في دولة
الملك المعظم عيسى ، هو الذي تولى عمارة المنارة بمقام سيدنا يوسف ،
عليه السلام ، بقرية حلحول في شهر رجب ٦٢٣ ه.
الأمير الكبير
علاء الدين الأعمى ، هو ابن إيدغدي بن عبد الله الصالحي النجمي ، كان من
أكابر الأمراء ، فلما أضر أقام بالقدس ، وولي نظره فعمره وثمره ، وكان ناظر
الحرمين من أيام الظاهر بيبرس إلى أيام المنصور قلاوون ، وكان مهيبا لا تخالف
مراسيمه ، وهو الذي بنى المطهرة قريبا من المسجد الشرقي النبوي ، فانتفع الناس بها
في الوضوء وتيسيره ، أثابه الله تعالى ، وأنشأ بالقدس الشريف رباطا بباب
الناظر وآثارا حسنة وبلط صحن الصخرة الشريفة ، وعمر المغلق ببلد سيدنا الخليل عليه
السلام على باب المسجد الشريف الذي بداخله الأفران والطواحين ، وهو مكان من
العجائب يغلق عليه باب واحد ، والحاصل الذي يوضع فيه القمح والشعير علوه ، وكان
سماط الخليل ، عليه السلام ، في كل يوم خمس كيالج قمحا ، وكيلجة عدسا ، فما مات إلا والسماط في كل يوم
غرارتان قمحا ، وهذا يعد من حسن سيرته وطيب أيامه ، وكان يباشر الأمور بنفسه ، وله
حرمة وافرة ، توفي في شهر شوال سنة ٦٩٣ ه ودفن برباطه بباب الناظر بالقدس الشريف ، وصلي عليه
صلاة الغائب بدمشق ، والدعاء عند قبره مستجاب ، رحمه الله ونفع به.
__________________
القاضي شرف
الدين بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي ، ناظر الحرمين الشريفين مكة والمدينة ،
وحرمي القدس والخليل ، وقفت على توقيعه بذلك من الملك المنصور حسام الدين لاجين ،
مؤرخ في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٦٩٧ ه ، وهو الذي عمر منارة الغوانمة بالمسجد الأقصى ، وتقدم
ذكر ذلك.
الملك الأوحد
نجم الدين يوسف بن الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى ، ولي نظر القدس
والخليل في رجب سنة ٦٩٤ ه ، سمع من ابن الليثي وغيره ، وروى عن الدمياطي في معجمه ، وسمع منه البرزالي
/ / والمقاتلي ، والذهبي ، وقاضي القدس تاج الدين أبو بكر بن الكمال ،
وسمع الشيخ شمس الدين بن الديري الحنفي ، قاضي القضاة بالديار المصرية على قاضي القدس
بن الكمال المذكور صحيح البخاري بسماعه له على الملك الأوحد ، بسماعه عن ابن
الليثي بسنده ، توفي الملك الأوحد ليلة الثلاثاء الرابع من ذي
الحجة سنة ٦٩٨ ه ودفن برباطه المعروف بالمدرسة الأوحدية بباب حطة عن
سبعين سنة ، وحضر جنازته خلق كثير ، كان من أخيار أبناء الملوك دينا وفضيلة
وإحسانا إلى الضعفاء ، رحمه الله.
الأمير ركن
الدين منكورس الجاشنكير ، نائب السلطنة بقلعة القدس الشريف ، توفي في شعبان سنة
٧١٩ ه ودفن بماملا.
الأمير ناصر
الدين ، مشد الأوقاف ، ولي نظر القدس والخليل في المحرم سنة ٧٢٩ ه فعمر عمارات كثيرة ، وفتح في المسجد الأقصى الشباكين
اللذين عن
__________________
يمين المحراب ويساره ، وعمل الرخام بصدر الجامع الأقصى ، بمرسوم الأمير تنكز
نائب الشام في سنة ٧٣١ ه .
الأمير الكبير
علم الدين أبو سعيد سنجر بن عبد الله الجاولي الشافعي ، ولد سنة ٦٥٣ ه بآمد ، ثم صار الأمير من الظاهرية يسمى جاولي ، وانتقل بعد
موته إلى بيت المنصور ، وانتقلت به الأحوال إلى أن صار مقدما بالشام.
وفي زمن الملك
الناصر محمد بن قلاوون ولي نظر الحرمين الشريفين ، والنيابة بالقدس
الشريف ، وبلد سيدنا الخليل عليه السلام ، وولي نيابة غزة وقبض عليه وامتحن ، ثم
استقر أميرا مقدما بمصر ، ثم ولي نيابة حماة مدة يسيرة ، ثم أعيد إلى نيابة غزة ،
ثم عاد إلى مصر ، وقد روى مسند الشافعي عن قاضي الشوبك دانيال بن شكلي ، وحدث به غير مرة ، ورتب مسند الشافعي ترتيبا
حسنا ، وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره ، جمع بين شرحه لابن الأثير والرافعي ، وزاد
عليهما من شرح مسلم للنووي ، وبنى عند مسجد الخليل عليه السلام المعروف بالجاولية
وتقدم ذكره ، وهو في غاية الحسن ، عمره من ماله حين كان ناظرا ، وعمر جامعا بغزة ،
وخانقاه بظاهر القاهرة ، ومدرسة بالقدس الشريف ، وهي التي صارت في عصرنا سكنا للنواب بالقدس الشريف ،
ووقف أوقافا كثيرة بغزة والخليل والقدس ، وغيرها وكان له معرفة بمذهب الشافعي ،
وكان رجلا فاضلا ، ويستحضر كثيرا من نصوص الشافعي ، توفي في شهر رمضان سنة ٧٤٥ ه ، ودفن بالخانقاه التي أنشأها بالقاهرة ، وهي عند مكان
يعرف بالكبش بالقرب من جامع ابن طولون .
الأمير أبو
القاسم عثمان بن أبي القاسم بن محمد بن عثمان بن محمد
__________________
التميمي البصروي الحنفي ، أحد أمراء الطبلخانة ، ولي نابلس ونظر القدس
والخليل ، وتوفي في ذي الحجة سنة ٧٦٠ ه ودفن بماملا.
الأمير تمراز ،
ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل عليه
السلام ، كان متوليا في سنة ٧٧٧ ه .
الأمير قطلوبغا
، ناظر الحرمين الشريفين ، كان متوليا في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة ٧٦٩ ه وهو الذي عمّر منارة باب الأسباط ، وتقدم ذكر ذلك.
الأمير بدر
الدين حسن بن عماد الدين العسكري ، ناظر الحرمين الشريفين ، ونائب السلطنة بالقدس
الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، كان متوليا في سنة ٧٨٢ ه .
الأمير ناصر
الدين محمد بن بهادر الفخري الظاهري ، ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة
في دولة الملك الظاهر برقوق ، وكان متوليا في سنة ٧٨٩ ه وفي هذه السنة عمّر دكة المؤذنين بالصخرة الشريفة كما
تقدم.
الأمير شهاب
الدين موسى بن بدر الدين حسن ، ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة كان متوليا
في سنة ٧٩٣ ه .
الأمير بلوي
الظاهري ، ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة ، وهو الذي عمّر المحراب والمسطبة
الكائنة تحت شجرة الميس المحددة ، تجاه باب الناظر ، أحد أبواب المسجد الأقصى
الشريف في شهر ذي الحجة سنة ٧٩٥ ه ، والسبب في عمل السلسلة الحديد عليها أنها شجرة عظيمة
، وتفسخت أغصانها في زمن
__________________
الأمير أركماس ، الآتي ذكره ، فجعل السلسلة الحديد صيانة لها من التفسخ ، ثم في زمن
الأمير طوغان تفسخت ، فزاد عليها سلسلة ثانية ، فصارت تعرف بالميسة
المحددة .
الأمير جانتمر الركني الظاهري ناظر الحرمين ونائب السلطنة كان متوليا
في سنة ٧٩٦ ه .
الأمير شهاب
الدين أحمد اليغموري ، ولي نظر الحرمين ونيابة السلطنة بالقدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، في دولة
الظاهر برقوق في شهر رجب سنة ٧٩٦ ه ، وأبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أحدثها
/ / النواب قبله ، وعمّر الحرم الشريف الخليلي ومقام السيد يوسف الصديق ، وتقدم
ذكر ذلك في ترجمة الملك الظاهر برقوق ، وفي ذكر المسجد الشريف الخليلي.
الأمير أصفهان
بلاط ، ناظر الحرمين الشريفين ، كان متوليا في سنة ٨٠٤ ه ، بالقدس الشريف ، وبلد
سيدنا الخليل ، عليه السلام.
الأمير ركن الدين عمر بن علم الدين سليمان ، المشهور بابن العلم ،
نسبته لوالده ، وكان والده يعرف بابن المهذب ، ولي النيابة والنظر بالقدس الشريف ،
وبلد سيدنا الخليل عليه السلام ، وتوفي قتلا سنة ٨٠٦ ه ، وممن ولي بعده الأمير علاء الدين الكركي ، ثم ولي
شاهين المؤيدي وكان متوليا سنة ٨١٦ ه .
الأمير علاء
الدين علي بن نائب الصبيبة ناصر الدين محمد ، ولي قلعة الصبيبة بعد والده ، وولي الحجوبية بالشام غير مرة ، وولي نيابة
القدس
__________________
الشريف ، وعمر به مدرسة على المسجد الشريف بالصف الشمالي ، وهي مشهورة ،
توفي بدمشق بخط القبيبات في المحرم سنة ٨٠٩ ه ، ثم نقل إلى القدس بعد مدة ، ودفن بمدرسته المذكورة
رحمه الله تعالى.
الأمير ناصر
الدين محمد بن العطار ، ناظر الحرمين الشريفين ، توفي بالقدس الشريف ، يوم الاثنين
ثاني عشر شوال سنة ٨٢٨ ه ودفن بماملا.
الأمير شاهين ،
المشهور بالذباح نائب السلطنة بالقدس الشريف ، كان أميرا معتبرا شجاعا ، وسبب
تسميته بالذباح أنه أمسك جماعة من العرب وذبحهم عند باب دار النيابة بالقدس ، فجرى
الدم إلى مسافة بعيدة لكثرة المذبوحين ، وكانت ولايته في دولة الملك الأشرف برسباي
في حدود الثلاثين والثمانمائة.
وبعدها الأمير
سودون المغربي ناظر الحرمين الشريفين ، كان متوليا في صفر سنة إحدى
وثلاثين وثمانمائة .
الأمير شاهين
الشجاعي ، ناظر الحرمين الشريفين ، ولي بعد الأمير سودون
المغربي ، المذكور قبله.
الأمير شرف
الدين يحيى بن شلوه الغزي ، ناظر الحرمين الشريفين ، كان متوليا في سنة ٨٣٣ ه .
الأمير أركماس
الجلباني ، ولي نظر الحرمين الشريفين ونيابة السلطنة في دولة
الملك الأشرف برسباي بعد شرف الدين بن شلوه ، المذكور قبله ، وكان حاكما معتبرا
عمّر الأوقاف ونماها ، وصرف المعاليم ، واشترى للوقف مما أرصده من مال جهات من
القرى والمسقفات ، وورد مرسوم السلطان بصرف معاليم المستحقين منها ، وأرصد مالا
لمصالح الصخرة الشريفة ، ونقش ذلك برخامة وألصقت بحائط الصخرة الشريفة تجاه قبة
المعراج في سنة ٨٣٦ ه ، ثم عزل ، وتوفي في ثالث
__________________
جمادى الأولى سنة ٨٣٨ ه ، ودفن بماملا.
الأمير حسن نجا
، ناظر الحرمين الشريفين ، ونائب السلطنة ، ولي بعد الأمير أركماس وكان
حاكما معتبرا.
وفي أيامه سرق
مال الوقف الموضوع بصندوق الصخرة الشريفة ، واتهم به جماعة من الخدام ، فأخذهم
الأمير حسن فجاء بهم إلى دار النيابة ، وضرب بعضهم بالمقارع ، وحبس شيخ
الحرم جمال الدين بن غانم ، وكانت فتنة فاحشة ، وكان متوليا في سنة ٨٣٨ ه وبعدها.
الأمير حسام
الدين أبو محمد الحسن بن ناصر الدين محمد جمال الدين عبد الله ، الشهير بالكشكلي الحنفي ، ناظر الحرمين ونائب السلطنة ، كان من الأمراء
المعتبرين ، عمّر المدرسة الحسنية المعروفة بباب الناظر ، ووقف عليها أوقاف ورتب فيها وظائف من التصوف وغيره ،
وكانت عمارتها في سنة ٨٣٧ ه ، وتاريخ وقفها في أول شهر رجب سنة ٨٣٨ ه ، وتوفي
بالقدس الشريف بعد انفصاله عن النيابة والنظر ، في خامس عشر ذي الحجة سنة ٨٤٢ ه ، ودفن بماملا عند الشيخ أبي عبد الله القرشي.
الأمير طوغان
العثماني ، ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا
الخليل ، عليه السلام ، وكاشف الرملة ونابلس ، ومتولي السلط وعجلون ، وأستادار الأغوار ، وغير ذلك من التكلم على
الجهات السلطانية ، جمع له بين هذه الوظائف في دولة الملك الأشرف برسباي في سنة
٨٤٠
__________________
ه ، وبعدها في دولة الملك الظاهر جقمق ، وكان من الحكام
المعتبرين ، له محاسن كثيرة ببيت المقدس من العمارة وإقامة الحرمة.
ولما توفيت زوجته
الست زهرة ، جعل لها مصحفا شريفا يقرأ فيه بالصخرة الشريفة ، ودفنها على رأس جبل
طور زيتا في قبة عمّرها لها بالقرب من خروبة العشرة ، وعزل في سنة ٨٤٠ ه ، وتوفي
بغزة ، رحمه الله.
القاضي غرس
الدين خليل بن أحمد بن محمد بن عبد الله السخاوي ، جليس الحضرة الشريفة الظاهرية ومشيرها ، ومولده في
سنة ٨٧٨ ه ، وكان صحب الملك الظاهر جقمق قبل السلطنة ، فلما تسلطن
قدمه وولاه نظر الحرمين في أواخر سنة ٨٤٣ ه ، بعد أن أفردها عن نظر الأمير طوغان ، واستمر الأمير
طوغان نائبا.
وقدم السخاوي
القدس / / في مستهل ربيع الأول سنة أربع وأربعين هو والقاضي علاء الدين بن السائح
، وقد ولي قضاء الشافعية ، وكان دخولها في يوم واحد ، وكل منهما عليه خلعة السلطان بطرحة ، فعمّر الأوقاف ،
ورتب الوظائف ، وأقام نظام الحرمين ، وفعل فيهما من الخير ما لم يفعله غيره ،
وتقدم ذكر ذلك في ترجمة الملك الظاهر جقمق ، ثم توجه إلى القاهرة ، فتوفي فيها في
أحد الجمادين سنة سبع وأربعين وثمانمائة .
الأمير خشقدم نائب السلطنة بالقدس الشريف ، ولي النيابة في دولة
الملك الظاهر جقمق ، باشر بشهامة فحصل منه عسف للرعية وجار عليهم ، فوثب أهل بيت
المقدس عليه وشكوه للسلطان ، فعزله وطلب إلى القاهرة.
ثم بذل مالا
وولي مرة ثانية ، وحضر من القاهرة وهو يهدد أهل بيت المقدس ويعدهم بكل سوء ، فدخل
في يوم الخميس إلى القدس ، وحصل له توعك عقب دخوله ، فمات في يوم الخميس الثاني ،
ولم يمكنه الله من أحد من أهل بيت المقدس ، ودفن بباب الرحمة سنة ٨٥٢ ه .
__________________
وقد ولي نيابة
القدس الشريف جماعة وبعضهم أضيف إليه النظر قبل الثمانمائة وبعدها إلى نحو
الأربعين والخمسين والثمانمائة ، فمنهم :
أحمد الحمصي ،
وأحمد الهيدباني ، وحسن بن باكيش ، وعلاء الدين يلبغا العلائي ، وأحمد حيدر ، ومحمد
الشريف ، وأمير حاج بن سندمر ، وأمير علي بن الحاجب ، وجركس ، وكمشبغا
الرماح ، وصدقة بن الطويل ، ومنكلي بغا ، ويونس الرماح ، وشعبان بن اليغموري ، في دولة الملك المؤيد شيخ ، عمر
بن الطحان الملك المؤيد أيضا ، ويلبغا من الملك المؤيد ، وخالد من
الملك المؤيد ، وإلياس ، ويلباي ، وأبو يزيد قحقار ، ومغلباي ، وسودون الجاموس ، ويعقوب شاه وطيبغا ، ومسعار ، وأحمد بن بكتمر ، ومحمد بن مقبل ، وإينال الرجبي ، وأقبغا الهيدباني وخليل بن الحاجب ، وقرابغا وقوزي وبرسباي وعلي بن قرا ، ويشبك طاز وغيرهم جماعة وتقدم في أول الفصل أنني لم ألتزم
باستيفائهم ولا أذكر أخبارهم لعدم الفائدة في ذلك.
__________________
الأمير تمراز
المصارع ، نائب السلطنة كان متوليا في زمن الملك الظاهر جقمق في
عصر القاضي أمين الدين عبد الرحمن بن الديري ، ناظر الحرمين ، ووقع بينهما فتنة
اتصل أمرها بالسلطان ، وطلب الناظر إلى القاهرة ، وكان ذلك بعد الخمسين
والثمانمائة.
الأمير أحمد بن مبارك شاه نائب القدس الشريف ، كان متوليا في دولة الملك الظاهر
جقمق في سنة نيف وخمسين وثمانمائة ، وكان حاكما معتبرا ، وتقدم ذكر ما وقع له مع القاضي شرف الدين عيسى المالكي في ترجمته وهو والد الأمير أحمد بن مبارك شاه الذي ولي
النيابة فيما بعد ، كما سنذكره في ترجمة الملك الأشرف قايتباي ، إن شاء الله
تعالى.
القاضي شمس
الدين محمد بن الصلاح محمد الحموي الشافعي ، الأديب المنشئ البليغ النحوي ، الناظم
الناثر الفاضل ، مولده في المحرم سنة ٨٠٨ ه ، باشر التوقيع بديوان الإنشاء بالديار المصرية ، ثم
ولي في دولة الملك الظاهر جقمق نظر القدس والخليل في جمادى الآخرة سنة ٨٥٢ ه وقدم القدس الشريف فعمّره.
وفي أيامه أنعم
الملك الظاهر جقمق على جهة الوقف بمبلغ ألفي دينار وخمسمائة دينار ، ومائة وعشرين
قنطار من الرصاص برسم العمارة ، رحمه الله ، وتوفي بالقدس الشريف في يوم الخميس
ثالث عشر شهر رمضان سنة ٨٥٣ ه ودفن بالمدرسة المعظمية.
القاضي شهاب
الدين أحمد بن محاسن النابلسي ، ولي النظر في دولة الملك الظاهر جقمق في سنة ٨٥٢ ه ، ولم تطل مدته وعزل بعد أن حصلت عليه
محن ، ثم استوطن مكة دهرا طويلا إلى أن توفي بها بعد السبعين والثمانمائة.
__________________
الأمير فارس
الدين العثماني ، نائب السلطنة بالقدس الشريف ، كان متوليا في سنة ٨٥٦ ه .
الأمير أسنبغا
الكاملي ، ولي نظر الحرمين ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام ، في أواخر سنة دولة الملك الظاهر
جقمق ، ودخل متسلمه القدس الشريف في نهار الخميس سلخ ذي الحجة سنة ٨٥٦ ه ، وفي
يوم الأحد مستهل شهر صفر سنة ٨٥٧ ه دخل ولده ناصر الدين محمد إلى القدس بخلعة السلطان ،
وقرئ مرسوم السلطان لوالده باستقراره في النيابة والنظر ، ومرسوم الملك المنصور
عثمان بن الملك الظاهر جقمق بالإعلام بأن والده خلع نفسه من الملك وأنه / / استقر
هو في الملك في يوم الخميس حادي عشر المحرم ، ثم دخل الأمير أسنبغا إلى القدس
الشريف في يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول بخلعة السلطان بالنيابة والنظر ، وقرئ
توقيعه بالمسجد الأقصى الشريف ، فلم تطل مدته وعزل بعد أربعين يوما في أول دولة
الملك الأشرف إينال.
واستقر في
النيابة الأمير حسن بن أيوب ، ودخل متسلمه ابن أخيه عيسى بن أيوب إلى القدس الشريف
، في يوم الخميس عاشر ربيع الآخر سنة ٨٥٧ ه .
واستقر الأمير
عز الدين عبد العزيز بن المعلاق العراقي في النظر ، ودخل ولده حسن متسلمه صحبة النائب الأمير
حسن بن أيوب في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الآخر سنة ٨٥٧ ه ، ثم دخل الناظر إلى
القدس في يوم الخميس رابع عشر ربيع الآخر سنة ٨٥٧ ه.
وفي أيامه أنعم
الملك الأشرف إينال على جهة الوقف بألف ومائتي إردب قمح ، القيمة عنها أربعة آلاف دينار وثمانمائة دينار ،
استمر ناظرا إلى أن توفي الملك الأشرف إينال في سنة ٨٦٥ ه ، فإنه كان خصيصا به وله عنده وجاهة ،
__________________
وقد عمّر الأوقاف وصرف المعاليم كاملة ، وكانت مباشرته حسنة.
فلما توفي
الأشرف إينال حصل له من الظاهر خشقدم محنة وصودر وعزل ، واستمر معزولا مقيما ببلدة الرملة
إلى أن توفي بها بعد السبعين والثمانمائة.
وأما الأمير
حسن بن أيوب فإنه وقع له العزل والولاية من النيابة مرات إلى آخر دولة الظاهر
خشقدم ، وأول ولاية الملك الأشرف قايتباي ، وولي الكرك وعزل منها ، وآخر مرة أنه
استمر معزولا بالقدس الشريف إلى أن توفي يوم السبت عشري جمادى الأولى
سنة ٨٨٠ ه .
الأمير قانصوه
ولي نيابة القدس الشريف ، عوضا عن الأمير حسن بن أيوب في دولة الملك الأشرف إينال
، ودخل إلى القدس الشريف في يوم الخميس عاشر ربيع الآخر سنة ستين وثمانمائة ، وقرئ
توقيعه في يوم الجمعة ثاني يوم دخوله بالمسجد الأقصى الشريف ، وعزل بسرعة وأعيد
ابن أيوب ، ودخل القدس في يوم السبت تاسع عشر جمادى الآخرة من السنة المذكورة.
الأمير إياس
البجاسي ، ولي نيابة القدس الشريف عوضا عن الأمير حسن بن أيوب ،
ودخل متسلمه إلى القدس يوم الاثنين ثاني عشر صفر سنة ٨٦٣ ه في دولة الملك الأشرف وطلب الأمير حسن إلى القاهرة
وامتحن من قبل السلطان بالضرب ، ثم عزل إياس بعد مدة يسيرة نحو الشهر.
وولي الأمير
شاه بكر منصور بن شهري ، ودخل إلى القدس في يوم الاثنين ثاني
ربيع الآخر ، وعزل في شهر رجب ، ووليّ الأمير حسن بن أيوب.
الأمير أبو بكر
المشهور بميزه ، أصله من بلاد المشرق ، يقال أنه من الرّها ، ولي نيابة القدس
الشريف في دولة الملك الظاهر خشقدم ، ودخل إلى القدس الشريف في يوم الثلاثاء تاسع
ذي القعدة سنة ٨٦٧ ه ، والسبب في تلقيبه بميزه أنه
__________________
كان لما يحضر الخصم بين يديه من أرباب الجرائم وغيرهم ، يشير إلى أعوانه
ويقول ميزه ، يريد بذلك إبراز الخصم من بين الناس ليتميز عن غيره ، وأقام مدة في النيابة
نحو سنة ، وعزل وتقلبت به الأحوال بعد ذلك ، وصار تاجرا بسوق الرميلة بالقاهرة ، وبقي إلى بعد الثمانين والثمانمائة.
الأمير تغري
بردي والي قطيا ، ولي النيابة بالقدس الشريف ، وكان يقال له أبو القرون
، وسبب ذلك أنه كان يلبس العمامة على طريقة أمراء مصر ، ولم يعهد ذلك قبله ببيت
المقدس ، فظهر هذا اللقب عليه ، وكان يدق الكؤوس والطبلخانة في كل ليلة على عادة
الأمراء بمصر وغيرها ، ولم تجر بذلك عادة بالقدس الشريف ، ولم تطل مدته وعزل في
سنة ٨٦٧ ه ، وولي بعده الأمير حسن بن أيوب واستمر في النيابة إلى دولة
الملك الأشرف قايتباي.
وسنذكر من ولي
النيابة بعده إلى آخر وقت في ترجمة السلطان ، إن شاء الله ، وفي أيامه أنعم
السلطان الملك الظاهر خشقدم على جهة الوقف بستين غرارة من القمح ، القيمة اختل
نظام القلعة ، وكان بالقدس الشريف فيما تقدم أمير حاجب ، على عادت غيره من البلاد ، وكان يحكم بين الناس ،
وترفع إليه الأمور المتعلقة بأرباب الجرائم وغيرها ، مما يرفع إلى حكام الشرطة.
وكان من جملة
من وليها الأمير شاهين الحاجب .
ثم ولي بعده
جماعة منهم شهاب الدين أحمد بن شرف الدين موسى بن
__________________
العلم ، وكان متوليا في سنة ٨٥٠ ه .
ثم ولي القاضي
ناصر الدين صرف العلمي المتقدم ذكره عند فقهاء الحنفية ، وليها بعده ولده زين
الدين عمر ، وأقام نظامها في سلطنة الملك الأشرف إينال ، ثم بطل هذا الأمر واختص
الأمر من الحكم بنواب القدس الشريف من نحو ستين وثمانمائة ، وكان في الزمن السابق
تولية النيابة والنظر من نواب الشام ، ولم يزل الأمر على ذلك إلى نحو الثمانمائة ،
ثم عاد الأمر من السلطان بالديار المصرية ، وهو مستمر على ذلك إلى يومنا هذا ،
وبالله التوفيق.
ذكر ترجمة ملك العصر والزمان
مولانا المقام الشريف
الإمام الأعظم
السلطان الملك الأشرف ، سلطان الإسلام والمسلمين ، محيي العدل في العالمين ، منصف
المظلومين من الظالمين ، قاتل الكفرة والمشركين ، مبيد الطغاة والمارقين ، جامع
كلمة الإيمان ، قامع عبدة الصلبان ، وارث الملك ، سيد ملوك العرب والعجم والترك ، وظل
الله الوارف ، ورحمته السابغة للبادي والعاكف ، وناصر دينه الذي قطعت الآراء
بتفضيله ، ولا يخالف ملك البرين والبحرين ، خادم الحرمين الشريفين ، المسجد الأقصى
ومسجد الخليل النيرين ، هو سيف الله القاطع أبو النصر قايتباي بن عبد الله الظاهري
، نسبة إلى الملك الظاهر جقمق ، رحمه الله ، ونصر مولانا السلطان ، المشار إليه ، نصرا عزيزا ، وفتح له
فتحا مبينا ، مولده في سنة ست وعشرين وثمانمائة ، ودخل إلى الديار المصرية سنة ٨٣٨
ه في
__________________
سلطنة الملك الأشرف برسباي ، وكان من مماليكه ، ثم انتقل إلى ملك الظاهر
جقمق فأعتقه فنسهب إليه ، ثم رفعه الله ، وساد على أقرانه إلى أن ملّكه الله الأرض ، وبويع له بالسلطنة بحضرة أمير المؤمنين
المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن محمد العباسي ، تغمده الله برحمته ، وقضاة القضاة ذوي المذاهب
الأربعة بالديار المصرية ، وهم قاضي القضاة ولي الدين أبو الفضل أحمد الأسيوطي
الشافعي ، وقاضي القضاة محب الدين أبو الفضل محمد بن الشحنة
الحنفي ، وقاضي القضاة حسام الدين أبو عبد الله محمد الحسيني
المالكي ، المشهور بابن حريز ، وقاضي القضاة عز الدين أبو
البركات أحمد الكناني العسقلاني الحنبلي ، وأركان الدولة من الأمراء والوزراء ، وأصحاب الدولة والحل والعقد ، وكان المتولي لاستدعاء
البيعة له القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر الأنصاري الشافعي ، صاحب ديوان الإنشاء الشريف ، بعد
خلع الملك الظاهر تمربغا والقبض عليه ، وجلس على سرير الملك الشريف في بكرة يوم
الاثنين سادس شهر رجب الفرد سنة ٨٧٢ ه ، ونشر العدل في الرعية ، واطمأن الناس
بولايته ، وزين له بيت المقدس ، ودقت البشائر ، عندما ورد الخبر بسلطنته ، وكان في ذلك التاريخ ناظر الحرمين بالقدس / /
الشريف والخليل الأمير حسن بن ططر الظاهري ونائب
__________________
السلطنة بهما الأمير حسن بن أيوب ، وشيخ الصلاحية ، وقاضي القضاة الشافعي
شيخ الإسلام نجم الدين أبو البقاء محمد بن جماعة ، وقاضي القضاة الحنفي جمال الدين
أبو العزم عبد الله بن الديري ، وقاضي القضاة المالكي شمس الدين أبو عبد الله محمد
الغمراوي ، وقاضي القضاة الحنبلي شمس الدين أبو عبد الله محمد
العليمي ، وتقدم ذكرهم في تراجمهم ، ففي السنة المذكورة وهي سنة ٧٢ ه عقب سلطنته
برز مرسوم شريف بالإفراج عن الأمراء المقيمين بالقدس الشريف من زمن الملك الظاهر
خشقدم ، وهم بيبرس خال العزيز ، وبيبرس الطويل ، وجاني بك المشد وغيرهم ، ثم جهزهم إلى الديار المصرية ، فتوجهوا إلى أن
وصلوا بالقرب من القاهرة ، فرسم بعودهم إلى القدس الشريف على ما كانوا عليه ، وحضر
أيضا إلى القدس الشريف جماعة من الأمراء الذين أمر بإخراجهم من القاهرة ، منهم
الأمير يشبك الفقيه الدوادار الكبير ، وجانبك كوهيه الدوادار الثاني ، ومغلباي المحتسب
وغيرهم ، فمنهم من أقام بالقدس إلى أن توفي ، ومنهم من أفرج عنه ، وتوجه بعد ذلك
من القدس.
وفيها أعني
السنة المذكورة ، استقر الأمير برد بك التاجي في وظيفة نظر الحرمين عوضا عن حسن الظاهري ، واستقر
الأمير دمرداش العثماني في نيابة السلطنة الشريفة عوضا عن الأمير حسن بن أيوب ، ودخل كل منهما إلى القدس ، واستقر قاضي
القضاة غرس الدين أبو الصفاء خليل بن عبد الله الكناني الشافعي أخو الشيخ أبو
العباس الواعظ في مشيخة الصلاحية ، وقضاء الشافعية ، عوضا عن الشيخ نجم الدين بن
جماعة ، ودخل إلى القدس في شهر ذي القعدة ، ثم أضيف إليه قضاء بلد سيدنا الخليل ،
عليه السلام ، والرملة ، وكان الملك الظاهر خشقدم قد شرع في
__________________
عمارة العين الواصلة من العروب إلى القدس الشريف ، ومات وهي محتاجة إلى
إكمال العمارة ، فلما ولي بعده الملك الظاهر يلباي ، ثم الملك الظاهر تمربغا
، رسم كل منها بإكمال العمارة ، فلم تطل مدة واحد منهما ، فكتب أهل بيت المقدس من
المشايخ والقضاة والأعيان استدعاء للسلطان الملك الأشرف يتضمن سؤال صدقاته في
إكمال عمارتها ، فبرز مرسوم شريف بذلك ، فعمّرت ووصل الماء إلى القدس الشريف ،
وأعيد الجواب للسلطان بذلك ، وكان الأمير حسن الظاهري الناظر قد عمّر مدرسة للملك الظاهر خشقدم على
ظهر الرواق المجاور لباب السلسلة من جهة الشمال ، وكان المصروف من مال الأمير حسن
، فتوفي الظاهر خشقدم قبل إكمال عقودها ، وقبل انتهاء أمرها من القصارة وعمل
الأبواب الخشب ، فلما عزل الأمير حسن من النظر وتوجه إلى الديار المصرية ، أنهي
إلى السلطان أنه عمّر المدرسة من ماله ، وهي باقية على ملكه ، وسأل السلطان في
قبولها ، وأن تكون منسوبة إليه فقبلها ، وكتب اسمه على بابها ، وكان بناؤها على
حكم المدارس الموجودة بالمسجد ، ويتوصل إليها من الباب الذي يصعد منه إلى المنارة
، وكانت عمارتها على هيئة عمائر المدارس بالقدس الشريف ليس فيها كبير أمر ، فإنها تشمل على مجمع وطارقة ، وخلوة للشيخ على ظهر رواق المسجد ،
ويقابل ذلك من جهة الغرب ساحة على ظهر إيوان المدرسة البلدية ، وفيها بعض خلاوي ،
وكان السلم الموصل منه إليها وإلى المنارة ضيقا عسرا ، وكان الشيخ شهاب
الدين العميري الشافعي ، رحمه الله ، قد تعين لمشيختها من زمن الملك الظاهر خشقدم
، فلما آل أمرها إلى مولانا السلطان الملك الأشرف ، استمر على ما هو عليه ، ثم كان
من الأمراء ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم دخلت ٨٧٣ ه
فيها احتبس
المطر ببيت المقدس حتى دخل أكثر الشتاء وحصل للناس شدة
__________________
من قلة الماء ، ثم حصل الغلاء العظيم في جميع المملكة ، واشتد الأمر ببيت
المقدس وقلت الأقوات فيه ، ووصل سعر القمح كل مد بدينار ، والشعير كل مد بعشرين
درهما ، ووقع الغلاء في كل الأصناف من الأرز والزيت والبصل وغير ذلك ، حتى
الخضراوات ، وضج الناس إلى الله سبحانه وتعالى.
وفيها كثرت
الفتن بين ناظر / / الحرمين بردبك التاجي ونائب السلطة دمرداش العثماني ، ووقع
الخلاف بينهما ، وكثر القيل والقال ، وانتهى الحال إلى أن ناظر الحرمين كان بظاهر
المدينة عند بركة السلطان ، وكانت قناة السبيل هناك محتاجة إلى عمارة ، وقد شرع
الصناع في ذلك العمل ، فخرج الناظر للإشراف عليهم وهو في جمع قليل من حاشيته ،
فسلط النائب جماعة من أعوانه فخرجوا إلى الناظر إلى ذلك المكان على بغتة ، وضربوه
ضربا مؤلما ، وأغلظوا عليه في الكلام ، وشتموه وأفحشوا له في القول ، فأقيمت
الثائرة لذلك ، ووصل المستنفرون إلى داخل المدينة ، فبادر قاضي القضاة الحنفي جمال
الدين عبد الله بن الديري ، وركب معه جماعة إلى ظاهر البلد ، ودخل الناظر إلى المدينة على هيئة قبيحة ، مما حصل في حقه ، وعقد
بالمسجد مجلس ، وكتب ما وقع وجهز إلى السلطان ، فحضر من القاهرة خاصكي سلطانه
للكشف على ذلك ، وبقي بعض أهل القدس في جهة الناظر ، وبعضهم في جهة النائب ، واشتد
الأمر في وقوع الفتن والاختلاف بين الأكابر ، وحصل للقاضي الحنفي ضرر لكونه ركب
إلى ظاهر البلد في يوم ضرب الناظر ، وغرم مالا بسبب ذلك ، ثم حصل الخلل في نظام
الوقفين المبررين بالقدس والخليل لسوء تدبر الناظر بردبك التاجي وعدم توفيقه ، وتلاشت الأحوال وفحشت ، وكثرت المناحيس
من الأشرار وقطاع الطرق.
وفيها استقر
القاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي في قضاء الحنابلة بالقدس الشريف والرملة ،
عوضا عن القاضي شمس الدين العلمي ، وتقدم ذكر ذلك ، وكتب توقيعه في ثاني جمادى الأولى ، ودخل إلى
القدس في أواخر شهر جمادى الآخرة.
وفيها اهتم
الأمير بردبك التاجي ناظر الحرمين بإكمال عمارة المدرسة التي
__________________
نسبت للسلطان كما تقدم ، وعمل لها أبواب وفرشت بالبسط ، وجلس الشيخ شهاب
الدين العميري فيها بعد صلاة الجمعة في شهر رجب. وحضر معه القضاة والعلماء بالمجمع
، وعمل درسا وتكلم فيه على قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ
مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، ثم إن ناظر الحرمين عمل سماطا من الحلوى السكب وأطعم الخاص والعام ، وكان يوما
مشهودا.
وفيها توفي
القاضي شمس الدين المغراوي المالكي ، قاضي القدس الشريف في نصف شهر شعبان ، وتقدم
ذكر ذلك في ترجمته.
وفيها وقع
الوباء بالطاعون في جميع أنحاء المملكة ، ودخل إلى بيت المقدس في أوائل شهر ذي
القعدة ، واشتد أمره وكثر من العشر الثالث من ذي القعدة إلى أواخر ذي الحجة ، وفي
ليلة عيد الأضحى غسّل الأموات في الليل ، وحملوا وقت الصبح إلى صحن الصخرة المشرفة
، وصلي عليهم عقب صلاة الصبح ، وحملوا إلى التربة قبل صلاة العيد ، وكانت سنة
شديدة ، حصل فيها من الجدب والغلاء والوباء والفتن ، والخلف بين الحكام والأكابر ، وحصول المحن فسبحان من يتصرف في
عباده بما يشاء.
وفيها توجه
الأمير بردبك التاجي ناظر الحرمين من القدس إلى الديار المصرية ، وهو مستمر على الولاية
، واستناب عنه في النظر القاضي فخر الدين بن نسيبة الخزرجي ، ولم يقدر له بعد ذلك الرجوع إلى القدس إلى أن انفصل
من النظر.
ثم دخلت سنة ٨٧٤ ه
فيها سير
السلطان الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي أحد الخزندارية بالحرم الشريف لكشف أوقاف الحرمين الشريفين بالقدس
والخليل ، وتحرير أمرهما وإصلاح ما اختل من نظامهما في أيام الأمير بردبك التاجي ،
فحضر إلى القدس ، ودخل بخلعة السلطان ، ونظر في مصالح الأوقاف ، وعمّر المسجد الأقصى
،
__________________
وصرف المعاليم ، وباشر تدبير الأمور حتى صلح منها ما فسد في زمن برد بك
التاجي ، وتراجعت أحوال بيت المقدس إلى الخير ، وحصل الرخاء ، وتباشر الناس بالفرج
بعد الشدة ، وكانت العين الواصلة إلى القدس قد قطعت ، فدخلت إلى القدس في شهر
جمادى الآخرة ، وتباشر الناس بذلك ، وعد ذلك من بركة الأمير ناصر الدين النشاشيبي
، ونقشت رخامة بذلك ، وألصقت بالحائط الكائن عند درج العين بجوار التربة
الجالقية.
وفيها استقر
القاضي حميد الدين أبو حامد المالكي في قضاء المالكية بالقدس الشريف وبلد سيدنا
الخليل ، عليه السلام ، ودخل إلى القدس في شهر رجب ، وتقدم ذكر ذلك في ترجمته.
وفيها استقر الأمير يوسف الجمالي ، المشهور بابن أقطيش خازندار جانم نائب الشام في نيابة السلطنة بالقدس / /
الشريف عوضا عن دمرداش العثماني ، ودخل إليه في شهر شوال في يوم
خروج الحاج وكان دخوله بعد الظهر ، وهو اليوم الذي توفي به الشيخ
برهان الدين ابن أبي الوفاء ، ثم توجه الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي إلى الأبواب
الشريفة في أواخر السنة.
وفيها في شهر
رمضان استقر القاضي برهان الدين إبراهيم ابن القاضي شهاب الدين التميمي الشافعي في
قضاء الشافعية بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، عوضا عن شيخ الصلاحية القاضي
غرس الدين خليل الكناني ، ورسم بإبطال ما كتبه للقاضي أبو حامد المالكي من قضاة
المالكية بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام.
ثم دخلت سنة ٨٧٥ ه
وفيها استقر
الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي في نظر الحرمين بالقدس الشريف والخليل
استقلالا ودخل إلى القدس الشريف في يوم الجمعة ثامن عشري المحرم ، وكان يوما
مشهودا وقرئ توقيعه بعد صلاة الجمعة ، وأوقد المسجد في تلك الليلة ، وشرع في عمارة
الأوقاف وصلح حال سماط سيدنا الخليل ، عليه
__________________
السلام ، وباشر بعفة وشهامة ، وحصل للأرض المقدسة الجمال بوجوده ، وكان
يكثر من مجالسة العلماء والفقهاء ، ويحسن إليهم ويتلقاهم بالبشر والقبول ، فعطف
الناس عليه وابتهجوا به.
وفيها في شهر
شعبان ورد مرسوم السلطان بعزل القاضي جمال الدين بن عمران من قضاء الحنفية
بالقدس الشريف.
واقعة أخي الشيخ أبي العباس
وفيها في يوم
السبت عاشر شهر رمضان ، دخل إلى القدس الشريف القاضي شرف الدين موسى الأنصاري ، وكيل المقام الشريف ، ونزل بالمدرسة الجوهرية نحو باب
الحديد ، فحضر عنده القاضي غرس الدين خليل الكناني ، أخو الشيخ أبي العباس الواعظ ، وهو شيخ الصلاحية ، قاضي القضاة الشافعي ، للسلام
عليه ، فصادف حضوره عند حضور الشيخ شهاب الدين العميري الواعظ فقصد الشيخ شهاب الدين العميري الجلوس فوق القاضي ،
وكان غلطا منه ، لأن القاضي كان شيخ الصلاحية ، والشيخ شهاب الدين من المعيدين عنده ، ورتبته لا تقتضي الجلوس فوقه ، فحصل بينهما
تشاجر وفحش القول ، فكان من جملة كلام الشيخ شهاب الدين للقاضي
أحرق عمامتك في رقبتك ، فقال له القاضي : والله ما تعرف معنى العمامة ما هو ، ثم
خرجا من المجلس ، وقد انتشر الكلام بينهما ، فبلغ ذلك شيخ الإسلام الكمالي بن أبي
شريف ، فانتصر للشيخ شهاب الدين العميري ، وانتهى الحال إلى أن اجتمع بمحراب
الصخرة الشريفة جماعة مع الشيخ كمال الدين ، منهم الشيخ أبو الوفاء بن أبي الوفاء
، والشيخ شهاب الدين بن أبي
__________________
عبية الذي ولي قضاء الشافعية فيما بعد ، وجماعة من العلماء
والفقراء والفقهاء ، وأقيمت الغوغاء على القاضي ، وانتهى الحال إلى أن العوام
توجهوا إلى المدرسة الصلاحية ، وهجموا على منزل القاضي وحريمه ، ونهبوا له بعض
أمتعة من منزله ، واشتد الأمر والتفاحش وارتفعت الأصوات ، وكان يوما كثير المطر ،
وبقي الناس أحزابا ، وكانت فتنة فاحشة ، ثم أن الشيخ شهاب الدين العميري ، والشيخ
شهاب الدين بن عبية ، بادرا وختما صحيح البخاري قبل النصف من رمضان ، وشرع شيخ
الإسلام الكمال بن أبي شريف وهمّ بالسفر إلى القاهرة ، فتوجهوا من
القدس الشريف في سابع عشر شهر رمضان ، وخرج الناس لوداعهم بالذكر والتهليل ، وكان
يوما مشهودا ، وكان القاضي قد جهز ولده إبراهيم إلى القاهرة ، وسعى في طلب الجماعة
إلى الأبواب الشريفة ، فبرز الأمر بذلك ، وكان توجههم من القدس الشريف قبل وصول
الطلب ، ووصلوا إلى القاهرة في أواخر شهر رمضان ، واجتمعوا بالسلطان ، وهو أول
اجتماع شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف به ، فلما دخلوا عليه انتهر الشيخ شهاب
الدين العميري وقال له : أخربت القدس؟ وجئت تخرب مصر! فانزعج لذلك وقرأ الفاتحة
وانصرف ، واستمر الشيخ كمال الدين جالسا ، ثم وجه خطابه للسلطان وقال : يا مولانا
السلطان نريد أن نتكلم بكلمات بين أيديكم ، ولكن هيبة مولانا السلطان تمنعنا ، فإن أذنتم لنا
تكلمنا ، فقال له : تكلم ، فقال : يا مولانا السلطان تثبت ، فحصل للسلطان سكون
وزال ما كان عنده من الانزعاج ، وأذن له في الكلام ، فتكلم معه بكلام كان فيه
الخير وعرّفه حقيقة أمر القاضي وما هو عليه ، ثم انصرف ، ولما وصل إبراهيم ولد القاضي إلى القدس ، ووجد المشايخ قد سافروا قبل
وصول الطلب ، خشي القاضي على نفسه من طلب يرد عليه // ، فتوجه هو إلى القاهرة في
شهر ذي القعدة ، وصحبته جماعة من العوام مطلوبون بسبب شكواه ، من جملتهم رجل اسمه
عمر الزبال ، وآخر يدعى زريق يحمل الأموات ، وآخر يدعى كحيلة يدق
الطبل مع الحرافيش ، فلما
__________________
وصلوا إلى القاهرة ، وقف القاضي للسلطان ، وأنهى ما وقع في حقه فقال له :
من هو غريمك؟ فقال : ما لي غريم فانتهره السلطان وقال له : من هو غريمك؟ وتكرر ذلك
منه ، فقال : غريمي عمر الزبال ، وهو رجل من أقل العوام يجمع الزبل للحمامات بالقدس ، فأمر السلطان بضرب عمر
المذكور ، فضرب بالمقارع وهو مظلوم في الواقع ، وبقي أهل القدس يسخرون بالقاضي
ويقولون : غرماؤه عمر الزبال ، وزريق الحمال ، وكحيل الطبال ، ثم انتهى الحال إلى تلاشي أحوال القاضي وانعكس أمره واختفى ، فتحقق
السلطان باختفائه أنه مبطل ، فصرح بعزله ، وخرجت سنة ٨٧٥ ه والأمر على ذلك ، والأخبار واردة إلى بيت المقدس على
أنواع مختلفة ، وأصحاب الأهواء كل منهم يتكلم بما يوافق هواه.
ثم دخلت سنة ٨٧٦ ه
فيها دخل
القاضي نور الدين البدرشي المالكي إلى القدس الشريف متوليا قضاء المالكية عوضا عن
القاضي حميد الدين أبي حامد بعد استقراره في الوظيفة في أواخر سنة ٨٧٥ ه
، وكان دخوله إلى القدس الشريف في أوائل المحرم فقمع المبتدعين ونصر الشريعة.
وفيها أنعم
السلطان على شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف باستقراره في مشيخة المدرسة الصلاحية
بالقدس الشريف من غير سعي منه ولا بذل ، بل عيّنه السلطان لذلك ، فتوقف في القبول ثم ألزم فقبل ، وأنعم على
القاضي شهاب الدين أبي حاتم أحمد بن عبية السلطان بقضاء الشافعية بالقدس الشريف ، وعلى القاضي
خير الدين أبي الخير محمد بن عمران الحنفي بقضاء الحنفية وعلى الشيخ شهاب الدين
العميري بمشيخة المدرسة القديمة التي كان بناها الناظر حسن كما تقدم ، وهي التي
هدمت وبنى مكانها المدرسة الأشرفية الموجودة الآن بالمسجد الأقصى ، وكان ذلك في
يوم السبت في شهر صفر ، وألبس الثلاثة وهم : شيخ
__________________
الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، والقاضي الشافعي ، والقاضي الحنفي ، التشريف
السلطاني على العادة ، وألبس الشيخ شهاب الدين العميري جبة صوف أخضر على سنجاب وحصل لهم الخير والإكرام ، فإنهم لما أقبلوا على السلطان من باب الحوش ووصلوا
إلى قريب من السرير الذي هو سرير الملك ، نزل السلطان عن السرير وانتصب قائما
وسلّم عليهم ، ثم أمرهم القاضي زين الدين بن مزهر ، كاتب السر ، بالخروج من الحلقة
وألبسهم الخلع ، فألبسوا عن يمين السلطان تحت السحابة ثم عادوا إلى السلطان وهو
واقف ولم يجلس ، واستدعى القاضي زين الدين بن مزهر لهم الولاية من السلطان في
مشيخة الصلاحية ، وقضاء الشافعية ، وقضاء الحنفية ، فصرّح بتوليتهم فعند ذلك قال الشيخ شهاب الدين العميري : يا
مولانا السلطان ، فوضتم للمملوك مشيخة مدرستكم الشريفة ، فقال : نعم ، وكنت حاضرا
ذلك المجلس ، وانصرفوا من حضرة السلطان إلى منزلهم بالجامع الأزهر ، وسافر شيخ
الإسلام وصحبته القاضي الشافعي والحنفي من القاهرة في يوم الاثنين ثالث عشري شعبان
ودخلوا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشري الشهر المذكور ، وكان
يوما مشهودا ، وقرئت التواقيع الشريفة بعد صلاة الجمعة سادس رمضان.
وفيها في نهار
الاثنين ثالث عشري شهر رمضان دخل إلى القدس الشريف الأمير يوسف الجمالي النائب عائدا من التجريدة ، فإنه كان توجههم إلى
التجريدة المجهزة لقتال شهسوار في شهر شوال صحبته الأمير يشبك الدوادار ، وأذن له في الانصراف إلى محل ولايته ، فحضر في التاريخ المذكور ، وفي شهر
شعبان أيضا ظهر نجم في السماء له ذنب مستطيل ، واستمر يطلع عدة ليالي وتطير الناس من ذلك.
__________________
وفيها في أواخر
السنة ، حضر إلى القدس الشريف برهان الدين بن ثابت النابلسي وكيل السلطان ، وكان في ابتداء أمر وكالته ، وتوجه
للسلام عليه قضاة بيت المقدس وأعيانه خشية سطوته.
وفيها في شهر
ذي القعدة توفي الإمام شهاب الدين أحمد بن حافظ إمام الصخرة الشريفة ، فقرر ناظر
الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي في الإمامة القاضي خير الدين بن عمران ،
والشيخ شهاب الدين بن الشنتير ، فلم يتم ذلك ، وبرز مرسوم السلطان بعزلهما وأن
يستمر شهاب الدين بن الشنتير مباشرا إلى أن يرد على الناظر ما يعتمد عليه
، وأشيع / / أن الوظيفة بقيت لإمام السلطان الشيخ ناصر الدين الأخميمي ، الذي ولي
قضاء الديار المصرية فيما بعد ، وكان غائبا بمكة ، فلما حضر إلى القاهرة امتنع من
الحضور إلى القدس لمباشرة الإمامة ، واستمر الشيخ شهاب الدين بن الشنتير يباشر على
صفة النائب لصاحب الوظيفة إلى أواخر السنة الآتية وهي سنة ٨٧٧ ه.
ثم دخلت سنة ٨٧٧ ه
فيها في شهر
المحرم ، شرع الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي في عمارة الدرج المتوصل منها إلى صحن
الصخرة الشريفة تجاه باب السلسلة المجاورة للقبة النحوية ، وكان قبلها درجة ضيقة
عليها قبو معقود ، وكان يسمى زقاق البؤس فسده ، وبنى فوقه الدرج الموجود الآن ،
وعمل لها قناطر على عمد كبقية الدرج التي للصخرة ، وكان الفراغ من عمارتها في شهر
جمادى الأولى ، وحصل لها الابتهاج لكونها تقابل باب السلسلة ، وهي عمدة أبواب
المسجد.
وفيها في شهر
المحرم ، حضر الشيخ شهاب الدين العميري من القاهرة ، ودخل إلى القدس الشريف ، وهو لابس التشريف
السلطاني بمشيخة المدرسة التي
__________________
هدمت ، وأنه لما توجه الشيخ كمال الدين بن أبي شريف ومن معه من القاهرة ،
استمر هو مقيما إلى أن حضر في التاريخ المذكور.
وفيها في عاشر
المحرم ورد الخبر بالقبض على شهسوار على يد الأمير يشبك الدوادار الكبير ، وكان ذلك في أواخر السنة الماضية ، وهي سنة
٨٧٦ ه ، والذي تولى إمساكه ووضعه في الحديد ملك الأمراء برقوق نائب الشام ، وفي مستهل شهر ربيع الأول توجه شيخ الإسلام كمال
الدين بن أبي شريف ، وشيخ المدرسة الصلاحية ، وصحبته القضاة الأربعة بالقدس الشريف
، وهم القاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي ، والقاضي خير الدين بن عمران الحنفي ،
والقاضي نور الدين البدرشي المالكي ، والقاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي ،
وجماعة من الفقهاء من القدس الشريف للرملة لملاقاة الأمير يشبك الدواردار الكبير
عند قدومه ، وكان تقدمهم لملاقاة ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، ونائب السلطنة يوسف الجمالي ، ودخل يشبك الدوادار
ومعه شهسوار والعساكر السلطانية إلى مدينة الرملة في رابع شهر ربيع الأول ، وكان
يوما مشهودا ، ونزل على قبة الجاموس ، واجتمع به شيخ الإسلام الكمالي والقضاة ،
وناظر الحرمين وسلموا عليه وهو في خيمته ، فتلقاهم بالإكرام ، وكان من خطاب شيخ
الإسلام الكمالي بن أبي شريف له : «المرجو من كرم الله تعالى كما جعلكم سببا لكشف
هذه الغمة ، أن يلهمكم شكر هذه النعمة» ، ثم سافر من ليلته إلى جهة غزة ، وتوجه
شيخ الإسلام والقضاة إلى بيت المقدس.
وفيها استقر
الأمير دقماق الإينالي في نيابة السلطنة بالقدس الشريف عوضا عن يوسف الجمالي ،
ولاه الامير يشبك الدوادار بمدينة غزة عقب سفره من الرملة ، ودخل إلى القدس الشريف
في حادي عشر ربيع الأول ، وحضر قراءة المولد الشريف في تلك الليلة ، وأوقد له
المسجد على العادة وكانت ليلة مشهودة. وباشر النيابة بحرمة زائدة وشهامة ، وقمع
المناحيس ، لكنه كان عسوفا في أحكامه ، ولم تطل
__________________
مدته ، فأقام بالقدس مئة يوم وأربعة أيام وتوفي في خامس عشري جمادى الآخرة
، ودفن بالزاوية القلندرية بتربة ماملا ، واستقر بعده في النيابة الأمير جقمق نائب دمياط الظالم العاجز ، وكان كما قال به بعضهم : «لا فارس الجيل ولا وجه
العرب» ، ودخل متسلمه إلى القدس في يوم الثلاثاء حادي عشر رجب ، ودخل جقمق في أوائل شهر
رمضان ، وكان يوم دخوله كثير المطر ، ولما ورد الخبر بتوليته وأنه من جملة ترك
الديار المصرية ظن الناس أنه ذوي شهامة ، فشرع العوام يقولون : «تولى جمق من خالف شنق» فلما دخل في ذلك اليوم الكثير الأمطار ،
فقال الناس : إن لحيته باردة ، فكان كذلك وشرع يكثر المزاح ، ويتكلم بالكلام
المهمل الموجب لضحك الناس ، وتصدر منه ترهات وكلمات فشرية في المجالس والمحافل ،
منها أنه كان في عقد مجلس في المسجد الأقصى بحضور ناظر الحرمين
والقضاة ، وارتفع النهار فشرع يتقلق من الجلوس ، ويقول : أنا إلى الآن ما أفطرت
، وقد دخت من السفر ، ثم أمر بإحضار بقسماط فأحضروا / / له وشرع
يأكل منه ، فقدر أن البقسماط كان يابسا فعسر عليه أكله ، فشرع يعالجه والناس
ينظرون إليه وهو يقول : «إذا طلعت الشمس على البرج حط يدك في الخرج» والناس يضحكون منه ، الخواص والعوام ، ثم نهض قائما
وتوجه إلى حال سبيله ، وتبعه أعوانه ، فقيل له : إن المجلس لم ينته ، والأكابر
جلوس ، ولو جلست معهم ، فقال : «ما يحتاج أنا حضوري لا فرض ولا سنة» وكان يصدر منه
أشياء من هذا النسق ، فكانت سببا لتلاشي أحوال البلاد ، وفساد النظام ، وكثرة
السراق ، وقطع الطرق.
وفيها رتب
السلطان للمدرسة بالقدس الشريف صوفية وفقهاء ، وعين لها أوقافا بمدينة غزة ، وجعل
عدة الصوفية ستون نفرا ، وعين لكل نفر في كل شهر
__________________
خمسة عشر درهما شامية ، وجعل للطلبة في كل شهر خمسة وأربعين درهما ، وجعل
للشيخ خمسمائة درهما ، وجعل لها أرباب وظائف من الفراش والبواب ونحو ذلك ، وحضر
ذلك شيخها الشيخ شهاب الدين العميري ، وحضر معه الصوفية واشتغل الطلبة ، وكان ذلك
في شهر جمادى الآخرة ، واستمر الأمر على ذلك مدة ، ثم قطع جميع ذلك لما قصد السلطان هدمها كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها ورد
مرسوم شريف على يد ساع بطلب القاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي إلى
الأبواب الشريفة ، فتوجه من القدس في يوم الأحد خامس ذي الحجة الحرام ، ولم يستخلف
أحدا عنه في الحكم ، واستناب في النظر على الأوقاف القاضي الحنبلي كمال بن النابلسي.
وفيها استقر
الشيخ سعد الله الحنفي في إمامة الصخرة الشريفة بعد منع القاضي خير الدين بن عمران
، والشيخ شهاب الدين بن الشنتير ، ودخل إلى القدس الشريف في يوم الأحد سادس عشري
ذي الحجة وهو لابس خلعة السلطان ، وهي تشريف وطرحة على العادة ، ودخل معه قاصد ابن
عثمان ملك الروم الوارد بالبشارة أن حسن بك توجه إلى بلاده ، وعلى القاصد خلعة السلطان ، وتقدم ذكر ذلك.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وثمانمائة
فيها في يوم
الأحد سابع عشر المحرم ، توجه ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي إلى القاهرة ، وصحبته جماعة المباشرين ،
بمرسوم شريف ورد يطلبهم.
وفيها في شهر
المحرم ورد الخبر إلى القدس الشريف صحبة الحجاج بوفاة الخطيب برهان الدين إبراهيم
بن علاء الدين علي القلقشندي ، أحد خطباء
__________________
المسجد الأقصى الشريف ، وأنه توفي بعد فراغه من الحج وظهوره من مكة بمنزلة
ببطن مر في خامس عشر ذي الحجة سنة ٨٧٩ ه ، فتوجه ابن عمه الخطيب العلامة فتح الدين أبو الحرم
محمد ابن شيخنا العلامة شيخ الإسلام التقوي القلقشندي إلى القاهرة المحروسة ، للسعي فيما كان بيد ابن عمه
الخطيب برهان الدين من نصف خطابة المسجد الأقصى الشريف ، وغير ذلك من الوظائف
الدينية ، فوجد الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المحوجب الدمشقي الشافعي ، أحد أصحاب المقر الزيني أبي بكر بن مزهر كاتب السر
الشريف ، قد استقر في الوظائف المذكورة بمساعدة المقر المشاور إليه ، وبرز له
الأمر بذلك ، وكتب له توقيع شريف ، فلما وصل الخطيب فتح الدين القلقشندي إلى
القاهرة وعلم به الشيخ شهاب الدين بن المحوجب ، تنزه عن الوظائف وأسقط حقه منها ،
وسأل في استقرار الخطيب فتح الدين أبي الحرم فيها ، فعرض الأمر على السلطان ، ورسم
له باستقراره في ذلك وانتظم الحال على ذلك ، فعارض في ذلك القاضي برهان الدين ابن
ثابت وكيل السلطان ، وسعى في الوظائف المذكورة للخطيب محب الدين بن جماعة المتقدم
ذكره ، وأرسل إليه فتوجه من القدس إلى القاهرة ، وقرئ أمره ببذل مال مع مساعدة
وكيل السلطان ، فأخرجت له الوظائف عن الخطيب أبي الحرم ، واستقر الخطيب محب الدين
ابن جماعة في نصف خطابة المسجد الأقصى الشريف ، وما معها من الوظائف الدينية ،
عوضا عن الخطيب برهان الدين القلقشندي بحكم وفاته ، ورجوع شهاب الدين بن المحوجب
وعزل الخطيب أبي الحرم ، وأضيف إليه نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية مشاركا للشيخ أبي
البركات ابن غانم ، وكتب له بذلك توقيع شريف ، واستقر أخوه شيخ الإسلام
نجم الدين بن جماعة في مشيخة المدرسة الصلاحية ، عوضا عن شيخ الإسلام الكمالي بن
أبي شريف ، واستقر القاضي جمال الدين الديري في قضاء الحنفية بالقدس الشريف ، عوضا عن القاضي خير
الدين بن عمران / / رسم للقاضي شهاب الدين بن عبية باستمراره في قضاء الشافعية ،
والأمير
__________________
ناصر الدين بن النشاشيبي باستمراره في النظر على عادته ، وكل ذلك في مدة
متقاربة في أوائل سنة ٨٧٨ ه ، وكان القاضي غرس الدين خليل الكناني ، الذي كان شيخ
الصلاحية وقاضي القدس ، قد شكى القاضي شهاب الدين بن عبية للسلطان بسبب ما وقع في
حقه من النهب ، وما تقدم شرحه في سنة ٨٧٥ ه ، وزعم أن غريمه القاضي شهاب الدين بن
عبية وأنه هو الآمر بذلك وشهد له بذلك الشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم في حضرة
السلطان في وجه القاضي شهاب الدين بن عبية ، فرسم له السلطان بألف دينار ، مائتا
دينار على شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، ومائتا دينار على القاضي شهاب الدين
بن عبية ، وعلى الخزائن الشريفة أربعمائة دينار ، فقبض ما رسم له من القاضي شهاب
الدين بن عبية ، ولم يقبض من غيره شيء ثم وقع بعد ذلك ما تقدم من استمرار القاضي الشافعي ، وناظر الحرمين ، وولاية شيخ الصلاحية
وأخيه القاضي الحنفي ، وأذن لهم في السفر ، فدخل إلى القدس الشريف ناظر الحرمين
الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، والقاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي ، وعلى كل
منهما خلعة السلطان ، وكذلك الأمير جقمق نائب السلطنة ألبس خلعة الاستمرار ، ووردت
عليه من القاهرة ودخل الثلاثة إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ، وكان يوما حافلا ، ثم دخل القاضي جمال
الدين الديري الحنفي إلى القدس الشريف في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر ، وهو
لابس تشريف الولاية ، وهو ضعيف متوعك ، وكان حمل في محفة من الرملة إلى قصر ابن عمه الشيخ تاج الدين الديري عند
خان الظاهر ، ثم ألبس الخلعة ، ودخل وهو في غاية الانزعاج ، فأقام أربعة عشر يوما
، وتوفي في يوم الأربعاء حادي عشر ربيع الآخر ، ولم يقدر أنه حكم حكما ولا جلس
للحكم ، بعد مال كثير بذله في الولاية ، وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف ، ودفن
بماملا إلى جانب والده من جهة القبلة ، وضبط موجوده ، وكان من حضره قاضي القضاة
المالكي نور الدين اليدرشي ، ثم توفي بعده بعشرة أيام في ليلة السبت ثاني جمادى
الأولى ، ودفن بباب الرحمة ، وتقدم ذكر ذلك مفصلا عند ذكر التراجم ، وإنما ذكرت
ذلك هنا لينتظم ذكر الحوادث الواقعة في زمن مولانا السلطان ، وفي يوم الأربعاء
سادس جمادى الأولى ، توفي شمس الدين محمد بن قطيبا الأنصاري المشهور بالعجمي ، أحد أعيان المباشرين بالقدس
__________________
الشريف والخليل ، عليه السلام ، ودفن بماملا ، وفي يوم الخميس سابع جمادى
الأولى ، وصل الخطيب محب الدين بن جماعة ، ودخل هو وأخيه شيخ الإسلام النجمي وعلى كل منهما خلعة السلطان بولاية ما تقدم ذكره من
مشيخة الصلاحية ، ودخلا إلى المسجد الأقصى الشريف والناس معهما ، وجلسا في المحراب
، وقرئ توقيع كل منهما وهما جالسان ، وكان القارئ لهما شمس الدين بن عجور ، وهذا
خلاف المصطلح المعروف ، فإن العادة جرت بتأخير قراءة التوقيع إلى بعد صلاة الجمعة
، واستقر القاضي خير الدين بن عمران في قضاء الحنفية بالقدس الشريف والرملة ، بحكم
وفاة القاضي جمال الدين الديري ، وكتب توقيعه في خامس عشر جمادى الأولى ، وورد
عليه التوقيع والتشريف ، فلبس من المسجد الأقصى الشريف في صبيحة يوم الأربعاء حادي
عشر جمادى الآخرة ، ومشى الناس في خدمته إلى منزله بباب الحديد ، وقرئ توقيعه في
يوم الجمعة.
واقعة بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام
وفيها وقعت حادثة
بمدينة سيدنا الخليل وهي فتنة جرت بين طائفة الدارية ، وطائفة الأكراد فحصل بينهما تشاجر وانتشر الكلام بينهما ، فقتل من
الفريقين ثمانية عشر نفرا ، واستنفر كل من الطائفتين من ينتصر لها من العشير ، فدخلوا إلى المدينة ونهبوا ما فيها عن
آخره إلا القليل منها ، وخربت أماكن واجتمع أهل البلد من الأكراد وأدخلوا أولادهم
ونسائهم إلى المسجد الشريف ، وأغلقوا الأبواب ، ودخل جماعة الدارية / / إلى القلعة
وتحصنوا بها ، وكانت حادثة فاحشة لم يسمع بمثلها أحد في هذه الأزمنة ، ورفع الأمر للسلطان ، فسير الأمير على
باي الخاصكي للكشف عن ذلك وتحريره ، فحضر إلى القدس الشريف في يوم الثلاثاء من عشر
جمادى الآخرة ، ونزل بدار طوغان برأس درج المولة ، وكان ظالما غشوما جبارا عنيدا لا يقرأ ولا
يحسن الكلام بالعربي ، فوقع له أنه صلى الصبح بقبة
__________________
الصخرة في يوم كثير المطر ، فرأى الشيخ زين الدين عبد القادر بن قطلوشاه
المغربي يمشي على صحن الصخرة بالقبقاب ، فأخذه وتوجه به إلى
منزله وضربه ضربا مبرحا ، ورسم عليه ولم يفلته إلا بمشقة بمساعدة ناظر الحرمين ابن
النشاشيبي ، والقاضي الشافعي شهاب الدين بن عبية والقاضي خير الدين الحنفي بن عمران ، والقاضي الحنبلي
كمال الدين النابلسي ، وكان القاضي نور الدين البدرشي المالكي قد توفي إلى رحمة الله
تعالى فتوجهوا إلى بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وجلسوا ومعهم أكابر بلد سيدنا
الخليل ، وكتبوا محضرا بما وقع في النهب والقتل ، والسبب في ذلك ، ثم قبض
الخاصكي على أكابر بلد سيدنا الخليل من القضاة والمشايخ وطلب منهم اثنى عشر ألف
دينار ، وتوجه وهم معه معتقلا عليهم إلى أن وصل إلى مدينة غزة ، فقتله يشبك العلائي نائب غزة بمرسوم شريف ورد عليه من السلطان خفية ، وأشاع أنه دخل إلى الاصطبل
ليأخذ فرسا طلبها النائب ، فوقع عليه حائط فمات ، وكان يوم موته في الأربعاء حادي عشر رجب ، وثارت فتنة بسببه في القاهرة
من المماليك الجلبان ، واعتذر لهم السلطان ، وأنكر أن يكون أمر نائب غزة بقتله ،
وحلف على ذلك.
ومما وقع أنه
لما ضرب زين الدين عبد القادر بن قلطو شاه كما تقدم ، وكان من أهل القرآن ، وضرب
بغير حق ، فكان يتضرع إلى الله ويدعو عليه ، فبينما هو ذات ليلة نائم في فراشه ،
وإلى جانبه زوجته ، وهي ابنة عمه ، إذ سمعته وهو نائم يتكلم ويقول : اللهم خلص حقي عاجلا فإني لا أصبر للآخرة
، لا أصبر للآخرة ، كررها ثلاثا ، ثم استيقظ من نومه فأخبرته زوجته بما سمعته منه
، فصدقها على أنه تكلم بذلك في رؤيا رآها. ففي صبيحة تلك الليلة ورد الخبر إلى
القدس بهلاكه بغزة ، فسبحان قاسم الجبابرة ، ثم توجه أهل الخليل إلى حضرة السلطان
فلم يحصل لهم إلا الخير ببركة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وعادوا إلى أوطانهم
وتراجع أمر مدينة الخليل إلى العمارة ، وصلح حالها ، ولله الحمد.
__________________
واقعة كنيسة اليهود
وفيها وقعت
حادثة بالقدس الشريف ، وهي أن بحارة اليهود مسجدا للمسلمين عليه منارة ، وهو بلصق
كنيسة اليهود من جهة القبلة ، ويتوصل إلى المسجد من زقاق مستطيل من جهة القبلة ،
وبجوار المسجد من جهة الغرب دار من جملة أوقاف اليهود ، فوقع المطر في زمن الشتاء
، ولعله في شهر جمادى الآخرة ، فهدمت الدار المذكورة فكشف باب المسجد من جهة
الشارع المسلوك فيكون أقرب للمصلين ، فقصد المسلمون الاستيلاء على الدار المنهدمة
وأن الاستطراق إلى المسجد منها لكونها على الشارع المسلوك ، فيكون أقرب للمصلين من
الاستطراق من ذلك الزقاق القبلي ، لبعده بالنسبة إلى هذا المكان ، وامتنع اليهود من ذلك ، ورفعوا أمرهم للقضاة ، وأظهروا من
أيديهم المستند الشاهد لهم باستحقاقهم الدار المذكورة ، واتصل
ثبوته بحكام الشريعة ، فنازعهم المسلمون في ذلك وزعموا أن الدار المذكورة من حقوق
المسجد ، وانتهى الحال إلى أن القضاة توجهوا بأنفسهم لكشف ذلك وتحريره ، فجلسوا بالمسجد المذكور ، وهم : القاضي
شهاب الدين بن عبية الشافعي ، والقاضي خير الدين بن عمران الحنفي ، والقاضي كمال
الدين النابلسي الحنبلي ، وكنت حاضرا ذلك المجلس ، فحرر أمر الدار بالمهندسين وقرىء المكتوب المحضر من أيدي اليهود ، فتبين أن الدار
من جملة أوقاف اليهود ، وأن الحق لهم فيها ، وانفصل المجلس على ذلك ، وكان في شهر
رجب ، فلم يرض المسلمون بذلك ، واعتصب بعض العوام // ، وتوجه إلى القاهرة ، ووقف للسلطان ،
فأنهى أن الكنيسة التي لليهود بالقدس محدثة ، وأن الدار المذكورة من جملة حقوق
المسجد ، وهي بأيدي اليهود بغير حق ، فبرز مرسوم السلطان بالنظر في ذلك وتحريره ،
وورد الأمر بذلك إلى القدس الشريف في شهر رمضان ، فعقد مجلس بالمدرسة التنكزية بمجلس
ناظر الحرمين ابن النشاشيبي ،
__________________
بحضور القاضي الشافعي شهاب الدين بن عبية ، والقاضي الحنفي خير الدين بن
عمران ، وكان المالكي قد توفي كما تقدم ، والحنبلي قد عزل من شهر شعبان ولزم بيته
، وحضر بالمجلس شيخ الإسلام نجم الدين بن جماعة ، شيخ الصلاحية ، والشيخ برهان الدين الأنصاري
، والشيخ شهاب الدين العميري ، وجمع من الفقهاء ، وقرىء المرسوم الشريف ، ودار
الكلام بين الحاضرين ، وأقيمت بينة شهدت عند القاضي الشافعي أن كنيسة اليهود محدثة
في دار الإسلام ، فأشهد عليه القاضي أنه منع اليهود من اتخاذها كنيسة ، لما صح
عنده أنها محدثة في دار الإسلام ، إذ لا دار لهم ، فتكلم كبير اليهود ، واسمه
يعقوب بكلام يقتضي العناد لما أمر به القاضي ، فانتهره القاضي وقال له : «يا ملعون
تنازع في الأحكام الشرعية» ، والله أحضر لك الجلاد يضرب عنقك ، فهم المسلمون
بالبطش باليهود ، فنهاهم القاضي عن ذلك.
وكان من لفظه «يا
أمة التوحيد لا يعارضهم أحد ، فإن هؤلاء ذمة الله وذمة رسوله ، وذمة أمير المؤمنين».
ثم كتب محضرا
بما وقع ، وكتب فيه العلماء والمشايخ خطوطهم ، وكتب الموثق فيه ما صدر من
القاضي الشافعي من منعهم ، وكتب أن القاضي الحنفي نفذ المنع المذكور ، فلما وقف
القاضي الحنفي على المحضر أنكر أن يكون نفذ ذلك ، ولم يضع خطه على المحضر ، وأغلقت الكنيسة ومنع اليهود
من دخولها والتعبد فيها على عادتهم ، فرفع اليهود أمرهم إلى السلطان وأنهوا ما وقع لهم بالقدس ، ومنعهم من كنيستهم
، فرسم السلطان بعقد مجلس قضاة القضاة بالديار المصرية ، وهم قاضي القضاة ولي
الدين الأسيوطي الشافعي ، والقاضي شمس الدين الأمشاطي الحنفي ، وقاضي
القضاة برهان الدين اللقاني المالكي ، وقاضي القضاة بدر الدين السعدي الحنبلي ،
ومن العلماء : الشيخ سراج الدين العبادي ، والشيخ جلال الدين البكري ، والشيخ جلال
بن الأمانة ، وجمع من مشايخ الإسلام ، والنواب والقضاة ، وجمع من الفقهاء ، وقرىء
المحضر المكتتب بالقدس الشريف ،
__________________
ودار الكلام بينهم ، وتأملوا ما صدر من القاضي الشافعي بالقدس من منع
اليهود من اتخاذها كنيسة ، وتكلم العلماء في ذلك ، فأفاد كل من قاضي القضاة
الشافعي وقاضي القضاة الحنفي ، أن المنع المذكور ليس بكاف في رفع اليد ووافقهما
على ذلك كل من العلماء الثلاثة المشار إليهم ، وأما المالكي والحنبلي فإنهما قالا
: هذا أمر يتعلق بالشافعية ، وليس لنا فيه تكلم ، وكتب على ظاهر المحضر المكتوب
بالقدس صورة عقد مجلس بالصالحية ، وما وقع من قضاة مصر وعلمائها على هذه الحالة ، ثم
برز مرسوم السلطان إلى ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف ، والقضاة بعقد
مجلس بالقدس ، والعمل بما أفاده قضاة مصر وعلمائها ، وجهز المرسوم والمحضر على يد
بشير الساعي ، وهو عبد أسود ، فحضر إلى القدس الشريف وعرض الأمر الصادر من الحكام
بالديار المصرية ، فعقد مجلس بالقدس بالمسجد الأقصى ، اتجاه باب الناظر عند شجرة
الميس التي عليها السلسلة الحديد ، وجلس ناظر الحرمين ناصر الدين بن النشاشيبي ،
ونائب السلطنة الأمير جقمق ، والقاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي ، والقاضي خير
الدين بن عمران الحنفي ، والشيخ برهان الدين الأنصاري ، والشيخ أبو العزم الحلاوي ، وهو الذي كان قائما في هذه الحادثة ، وجمع من الفقهاء
والأعيان ، والخاص والعام ، وكان يوما مشهودا ، فقرىء المرسوم الشريف ، ثم فتح
المحضر ، وقرىء ما كتب على ظاهره بالديار المصرية ، ومن قول
العلماء بها أن المنع الصادر من الحاكم الشافعي بالقدس الشريف ليس بكاف في رفع
اليد ، فلما سمع القاضي شهاب الدين ابن عبية هذا اللفظ انتهر اليهود ، وكانوا قد
دخلوا إلى المسجد ، بإذن لهم في ذلك ، ووقفوا في الحلقة بين المسلمين ، وقال
القاضي : أما قول علماء مصر إن هذا المنع ليس بكاف في رفع اليد فأنا / / موافق على ذلك ، أنا ما رفعت
أيديهم عنها ، وإنما منعتهم من اتخاذها كنيسة ، وهي مستمرة في أيديهم ، وأذنت لهم
أن يتصرفوا فيها حانوتا ، وصمم على ذلك ومن جملة لفظه : «أنا منعتهم من اتخاذها
كنيسة ، وأنا باق على هذا المنع إلى أن ألقى الله» ، وأحضر الشهود بالمجلس وهم الشيخ أبو العزم بن
الحلاوي ، وشمس الدين محمد بن ناصر الصبان ، وناصر الدين محمد بن
__________________
الدمشقي ، وعلي بن نصير البنا ، وخليل بن عليان وغيرهم ، وشهدوا عند القاضي
الشافعي أن الكنيسة محدثة في دار الإسلام ، فأشهد عليه القاضي مرة ثانية ، أنه منع
اليهود من اتخاذها كنيسة ، وكتب الجواب للسلطان بذلك ، وتوجه القاصد من
القدس الشريف بالجواب ، كان ذلك في شهر ذي القعدة ، وتأتي تتمة هذه الحادثة في السنة الآتية ، إن شاء الله تعالى.
وفيها في الشهر
المذكور وهو شهر ذي القعدة الحرام ، توفي الشيخ زين الدين أبو
البركات بن غانم شيخ الخانقاه الصلاحية ، واستقر بعده في نصف مشيخة الخانقاه
الصلاحية القاضي برهان الدين بن ثابت ، وكيل المقام الشريف ، وورد إلى القدس
الشريف مرسوم السلطان ، فحضر بالخانقاه الصلاحية ، ناظر الحرمين ونائب السلطنة ،
والقاضي الشافعي والحنفي ، وقرىء المرسوم الشريف بعد فراغ الحضور ، مضمونه أن
الصدقات الشريفة شملت القاضي برهان الدين بن ثابت باستقراره في نصف مشيخة الخانقاه
ونظرها ، عوضا عن أبي البركات بن غانم ، وأنه استناب به عنه في المباشرة ، شريكه
الخطيب محب الدين بن جماعة ، فتمكن من المباشرة مع مساعدته وشد عضده ، وكان
المتولي لقراءة المرسوم ، العدل شمس الدين محمد بن عجور.
وفيها عمّر سوق
الطباخين بالقدس الشريف ، ببناء القناطر المعقودة على الحوانيت ، فكان ابتداء
العمارة من شهر رجب سنة ٨٧٨ ه وكان قبل ذلك يقف على الحوانيت بالقواصر ، ويحصل من ذلك مشقة في الشتاء من الوحل ، وسقوط الماء
من ظهر السقف ، فعملت القنطرة وابتدائها من درج الحرافيش إلى قنطرة خان الجبيلي ،
فحصل الرفق للناس في ذلك في زمن الشتاء.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين وثمانمائة
فيها ورد مرسوم
السلطان على الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، ناظر الحرمين ، بتمكين اليهود من
كنيستهم ، وعدم معارضتهم على عادتهم ، فمكنوا منها ودخلوا إليها لعنة الله عليهم ،
وحصل للمسلمين بذلك نكاية ، فإن اليهود أظهروا
__________________
السرور بذلك ، وعلقوا بها الستور وأوقدوا القناديل ، ومضى الأمر على ذلك.
وفيها في يوم
السبت سابع عشر صفر ، ورد مرسوم السلطان بالترسيم على القاضي فخر الدين بن نسيبة
، فأخذه نائب السلطنة الأمير جقمق عنده بمنزلة ، وأقام مدة ، ثم ورد الأمر الشريف
بالإفراج عنه.
وفيها في عشية
يوم الأربعاء تاسع عشر صفر ، ورد مرسوم شريف بولاية قاضي القضاة شمس الدين أبي عبد
الله محمد بن شيخ الإسلام شمس الدين بن الديري الحنفي ، وهو أخو القاضي جمال الدين الديري ، المتقدم
ذكره ، بوظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل والرملة ، وعزل
القاضي خير الدين بن عمران ، وأصبح القاضي شمس الدين الديري في يوم الخميس آخر شهر صفر ، جلس بإصطبل أخيه الكائن برأس عقبة الست
عند سوق الزيت ، وسلم الناس عليه ، ثم في نهار الاثنين رابع ربيع الأول ألبس
التشريف من ظاهر البلد وقرىء توقيعه في يوم الخميس ثامن ربيع الأول بالمسجد الأقصى
نهار الاثنين ثامن عشر ربيع الأول ، توجه القاضي فخر الدين بن نسيبة إلى القاهرة
مطلوبا.
وفيها في أحد
الأربعين ، توفي خاير بك الظاهري الخشقدمي الذي تسلطن ليلة واحدة من غير عهد
ولا مبايعة ، وكان قدومه من مكة في أول سنة ٨٧٨ ه ، واستمر إلى أن توفي في
التاريخ المذكور بالمدرسة الخاتونية ، ودفن بالقلندرية بماملا ، رحمه الله.
وفيها في شهر
ربيع الأخر ورد مرسوم السلطان إلى ناظر الحرمين ناصر الدين محمد بن النشاشيبي ، ونظيره للأمير جقمق ،
أن نائب الفقهاء بالقدس ، كتب كتابا إلى القاهرة يذكر فيه أن كنيسة اليهود بالقدس
الشريف محدثة ، وأن علماء المسلمين أفتوا بعدم إبقائها ، وأن اليهود قاموا بمبلغ
له صورة للخزائن الشريفة حتى مكنوا من كنيستهم ، والدخول إليها بسبب بذلة من المال للخزائن الشريفة ، فعز ذلك على خواطرنا
الشريفة ومرسومنا / / أن يتقدم المجلس بتحرير
__________________
هذا الأمر ومن تكلم به ، وتجهز القاضي الشافعي ، والشهود الذين شهدوا فيها إلى الأبواب
الشريفة للنظر في ذلك ، وأحضر كل من المرسومين على يد بشير الساعي ،
فعقد مجلس بالمجلس الأقصى على المصطبة الكائنة عند باب جامع المغاربة ، وكان إذ
ذاك عليها شجرة ميس فقلعت ، ونبت مكانها الآن شجرة تين ، وحضر بالمجلس ناظر
الحرمين ، ونائب السلطنة ، وشيخ الصلاحية الشيخ نجم الدين ابن جماعة ، والشيخ
برهان الدين الأنصاري والقاضي الشافعي شهاب الدين بن عبية ، والقاضي الحنفي شمس
الدين الديري وجمع من الفقهاء والصوفية ، وكنت حاضرا ذلك المجلس ، فطلب جماعة من مشايخ الصوفية
، منهم الشيخ موسى بن الصامت وغيره ، وسئلوا عن هذا الكتاب المحكي لفظه في مرسوم
السلطان ، فأنكر كل منهم أنه كتب هذا الكتاب ، وحلف بالله العظيم أنه لم يكن سمعه
إلا من لفظة المرسوم الشريف ، وكتب محضرا بإعادة الجواب على السلطان
، وكان المسطر له القاضي كما الدين أبو البركات محمد بن الشيخ خليفة المالكي الذي
ولى قضاء المالكية فيما بعد وكتب فيه أن العلماء والفقهاء حلفوا بالله العظيم أنهم
لم يكونوا كتبوا ذلك ، ولا علموا به ، وكتب العلماء والقضاة خطوطهم على المحضر ، وكل منهم يحلف بالله على ذلك ، ومن جملة لفظ شيخ
الصلاحية فيما كتبه ، أنه «يقسم بالله الذي خلق الحب وبرأ النسمة ، ما كتبت ذلك
ولا علمت من كتبه» ، ومن جملة ما كتبه القاضي الشافعي «ولو علمت بهذا القائل
لعزرته تعزيرا ولأقعدت به من الدجالين خلقا كثيرا» ، وجهز هذا المحضر إلى السلطان على يد قاصده بشير الساعي ، فلم يرض السلطان بذلك ، ورسم
بطلب القاضي الشافعي إلى القاهرة وحضر هجان يطلبه بسبب ذلك ويطلب ناظر الحرمين ،
فتوجها من القدس الشريف في نهار الاثنين ثاني عشر جمادى الآخرة وكان الشيخ أبو
العز ابن الحلاوي خال القاضي الشافعي بالقاهرة يتكلم في أمر الكنيسة ، فإنه هو الذي أثار هذه الفتنة من أولها ،
فلما وصل ناظر الحرمين والقاضي الشافعي إلى منزل بير العبد قبل
__________________
وصولهما إلى قطيا لقيهما الشيخ أبو العزم والسيد الشريف محمد بن عفيف
الدين محمد الأبجي الحسني ، وهما متوجهان إلى القدس الشريف ، فتكلما مع القاضي
الشافعي فقالا له إن السلطان لم يطلبك ، وقد فوض النظر في أمر الكنيسة للسيد
الشريف المشار إليه ، وهو متوجه إلى القدس الشريف لتحرير أمرها ، فرجع القاضي
صحبتهما من بير العبد ، ودخلوا إلى القدس في يوم السبت ثاني شهر رجب.
ذكر هدم الكنيسة
ثم في يوم
الاثنين ، رابع شهر رجب ، عقد مجلس بالمدرسة التنكزية بحضرة شيخ الإسلام كمال
الدين بن أبي شريف ، والشيخ برهان الدين الأنصاري ، والأمير جقمق نائب السلطنة ،
والقاضي الشافعي شهاب الدين بن عبية ، والقاضي الحنفي شمس الدين الديري ، والسيد
الشريف محمد بن عفيف الدين ، ودار الكلام بينهم وحصل البحث بين الشيخ كمال الدين
بن أبي شريف ، والشيخ برهان الدين الأنصاري الخليلي ، وانتشر الكلام بينهما ، فإن شيخ الإسلام يقول لا وجه
لمنع اليهود من كنيستهم بغير مسوغ شرعي ، ويرى شهادة من شهد بحدوثها بغير مستند
شرعي يستند إليه في الشهادة لا تقبل ، والشيخ برهان الدين الأنصاري كان من جملة
القائمين في منع اليهود ، وترجيح شهادة من شهد بحدوثها ، فلما حصل البحث بينهما
قصد الشيخ برهان الدين الأنصاري نصرة قوله ، فكان من جملة لفظ شيخ الإسلام له : «لا
تبحث معي بحث خليلي» ، وكان مجلسا حافلا ، آخره أن القاضي الشافعي أشهد عليه بمنع
اليهود من اتخاذها كنيسة كما تقدم أولا وثانيا ، واتصل إشهاده بذلك بالقاضي شمس
الدين الديري الحنفي ، وكتب محضر بذلك ، ثم في أواخر ذلك اليوم بعد
العصر ، توجه الشيخ محمد بن عفيف الدين السيد ومن معه إلى كنيسة اليهود ، وأمر بهدمها فشرع المسلمون
في هدمها ، فهدم غالبها ، ثم في ثاني ذلك اليوم هدم باقيها ، وكان يوما مشهودا ،
وشرع الشيخ أبو العزم / / يحرض الناس على الهدم ويقوي عزمهم ، وكلما ثار الغبار من
التراب على رؤوس الناس وأثوابهم ينفض عنهم بمنديل في يده ، ويقول غبار الجنة
تثابون على هذا الفعل في الجنة ، ثم توجه الشيخ أبو العزم بالمحضر إلى القاهرة ،
وتوجه اليهود للشكوى
__________________
للسلطان ، فلما علم السلطان بذلك ، وأنهم أفتوا عليه ، وهدموا الكنيسة بغير مرسوم ، غضب غضبا شديدا ،
وأمر بالقبض على الشيخ أبو العزم ، وكان يوم وصوله للقاهرة فبلغه الخبر فاختفى من
حينه ، واستمر مختفيا إلى أن توجه إلى مكة المشرفة ، وأقام بها بقية عمره إلى أن
توفي بها في شهور سنة ٨٩٣ ه ، رحمه الله.
ثم رسم السلطان
بطلب القاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي ، والشيخ برهان الدين الأنصاري ، والشهود
إلى القاهرة ، فبادر القاضي الشافعي ، وسافر من القدس قبل وصول المرسوم فلما وصل إلى مدينة غزة صادف وصول المرسوم لنائب غزة
الأمير يشبك العلائي ، وعلم أن القاضي الشافعي وصل إلى غزة فقبض عليه وتركه في
الترسيم بغزة ، ثم ركب وحضر إلى القدس في يوم الأحد تاسع شعبان ، وجلس بالرواق
العلوي الذي عند دار النيابة بجوار منارة الغوانمة ، وأبرز من يده المرسوم الشريف
، يتضمن إعلامه أنه اتصل بالمسامع الشريفة وما وقع من هدم كنيسة اليهود بالقدس
الشريف ، فالجناب العالي يتقدم من فوره قبل وضع هذا المثال الشريف من يده ، ويتوجه
بنفسه إلى القدس الشريف ، ويقبض على القاضي الشافعي ، والشيخ برهان الدين إبراهيم الأنصاري وولديه ، وأبي العزم وشمس الدين بن
ناصر الدين ، وناصر الدين الدمشقي ، وعلي بن نصير ، وخليل بن عليان والشيخ حسن
الشويخ والشيخ علي بن الحوراني وتجهيزهم إلى الأبواب الشريفة محتفظا
بهم ، فطلب الجماعة فهرب ابن أبي العزم وهو المكنى بأبي اليمن ، وقبض على بقية الجماعة المذكورين ، وهم :
الشيخ برهان الدين الأنصاري ومن ذكر في المرسوم ، ووضعوا في الحديد ما عدا الشيخ
برهان الدين الأنصاري ، وتوجه بهم من القدس إلى غزة ، ثم جهزهم وصحبتهم القاضي
الشافعي إلى القاهرة ، صحبة القاصد وهو رجل من أعوان الظلم اسمه إسماعيل الكافري ، فوصلوا إلى القاهرة في أواخر شعبان ، ووقفوا للسلطان
وهو جالس بالحوش في محل خلوته ، فأمر بضربهم فضرب القاضي أولا ، ثم الشيخ برهان الدين
__________________
الأنصاري ومن معهم ضربا مؤلما ، ما عدا ابن الدمشقي وابن عليان
وابن نصير فإن السلطان رآهم من الشيوخ الهرم فعفى عنهم ، فلما ضرب الشيخ برهان
الدين الأنصاري شرع يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا يزيد على ذلك ،
فقال له السلطان : قل الحق كيف وقع ، فلم يجبه بغير سبحان الله إلى آخره ... فألح
السلطان بقوله : «قل لي الحق» فقال له : «الحق ما أقول» ، وشرع في التسبيح
والتهليل على ما هو فيه إلى أن فرغ من ضربه ، ونهض وهو يذكر الله ،
ولم يسلم من الضرب سوى ابن الدمشقي وابن عليان وابن نصير رآهم
شيخ هرم ، ثم سلمهم للوالي الأمير يشبك بن حيدر ، وتركهم عنده في الترسيم ، ثم في
أوائل شهر رمضان عقد المجلس بمنزل الأمير يشبك بن مهدي الدوادار الكبير ، وحضر
قضاة القضاة الأربعة بالديار المصرية المتقدم ذكرهم ، وحضر من
العلماء الشيخ أمين القصراوي الحنفي ، وهو من المساعدين للمسلمين ، وحضر جماعة من
العلماء ممن أفتى بعدم جواز هدم الكنيسة ، وتعزير من أفتى على الإمام بالهدم بغير
إذن شريف ، منهم : الشيخ سراج الدين العبادي الشافعي ، والشيخ جلال الدين البكري
الشافعي ، والقاضي شهاب الدين المغربي المالكي قاضي الجماعة بالمغرب ، وهو الذي أظهر التعصب لليهود وأفحش ، وحضر خلق كثير
من الفقهاء وغيرهم ، وكان يوما مهولا لنصرة اليهود على المسلمين ، ودار الكلام بين
العلماء ، وحصل البحث بينهم ، وبقي الفقهاء أحزابا فيهم من ينتصر للمسلمين ، ومنهم
من يساعد اليهود ، وأصحاب الأهواء كل يتكلم بما يوافق هواه ، وكان الأمر بالقدس
الشريف كذلك ، وخرج الشيخ أمين الدين الأقصراني من المجلس ، وهو مغضب ، فلم يلتفت إليه وتكلم رجلان من
طلبة العلم بما فيه إعانة المسلمين فانتهرهما الدوادار الكبير ووضعهما في زنجير
، ثم سأل القاضي شهاب الدين بن أبي عبيه عن المنع الصادر منه ما وجهه ، وما
........................
__________________
مستنده فيه؟ فقال : ما أدري ما أقول ، فقال القاضي زين الدين
بن مزهر كاتب السر الشريف : قطع الله يدك ، ورجلك ، وأغلظ عليه في القول ، وشرع
الأمير يشبك الدوادار يهدد ، وطال الكلام والنزاع بين الفقهاء ، وآخر الأمر
أن القاضي الشافعي بالديار المصرية ولي الدين الأسيوطي استخلف / / القاضي شهاب
الدين بن عبية في الحكم ، ورجع عن المنع الصادر منه لما تبين له من فساده ، وحكم
بصحة الرجوع الصادر من نفسه ، ونفذ على خلفاء الحكم العزيز بالديار المصرية من المذاهب الأربعة ،
أفتى جماعة من علماء الشافعية والحنفية بمصر بجواز إعادة الكنيسة ، ومن جملة من أفتى
قاضي الجماعة المغربي فأنشد فيه بعضهم :
تفتبي بعود
كنيس
|
|
وكان ذلك
جهلا
|
وتدعي فرط
علم
|
|
والله ما أنت
إلا
|
وأنشد بعض
الناس أبياتا كثيرة في معنى ذلك ، ووقع القدح في الشيخ سراج الدين العبادي ، وأنشدوا فيه أبياتا ، وأخبرت أن بعضهم كتب على باب
منزله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ، وكانت فتنة فاحشة والحكم لله العلي الكبير ، واستمر
المسلمون في الترسيم عند الوالي إلى أن روجع السلطان في أمرهم ، فرسم بإخراج
القاضي الشافعي ، والشيخ برهان الدين من القدس وعدم سكانهما به ، وإذن للباقين في
عودهم إلى القدس ، وكتب على القاضي والشيخ برهان الدين أنهما لا يسكنان في القدس
إلا بإذن شريف ، وأفرج عنهم أجمعين ، فالقاضي سافر من القاهرة بعد أن صرح السلطان
بعزله في وجه ، ووصل إلى مدينة الرملة في يوم السبت رابع عشرين ذي القعدة ، وتوجه
إلى دمشق وأقاليمها ، وأقام بها إلى يومنا وهو حي يرزق ، والشيخ برهان الدين استمر
بالقاهرة إلى سنة ٨٨٨ ه ، ثم سافر إلى مدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ،
وأقام بها إلى أن توفي
__________________
في شهر المحرم سنة ٨٩٣ ه ، كما تقدم في ترجمته ، ويأتي ذكر إعادة الكنيسة وبناؤها وما وقع في تلك السنة الآتية ، إن شاء الله تعالى.
وفيها أعني سنة
٨٧٩ ه أعيد القاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي إلى قضاء
القدس والرملة ونابلس على عادته ، ودخل إلى القدس الشريف في شهر شعبان عائدا من
القاهرة بعد كلفة مال كبير بذله في المنصب لم تجر به عادة قبله في قضاء الحنابلة ،
وسببه جور وكيل السلطان ابن ثابت .
وفيها في ثامن
شهر رمضان ، حضر خاصكي إلى القدس الشريف ، بتوجه نائب غزة ونائب القدس إلى
الرملة بسبب غازي وأولاد شبانة ، فتوجه نائب القدس الأمير جقمق إلى الرملة ، فورد
عليه مرسوم السلطان وهو بها ، أن يحضر إلى الأبواب الشريفة ، طيب القلب ، منشرح
الصدر ، واستقر في نيابة القدس الشريف الأمير جار قطلي الظاهري وفي يوم الاثنين
تاسع عشر رمضان ، دخل القاضي فخر الدين بن نسيبة إلى القدس الشريف ، بخلعة السلطان
وفي يوم الأربعاء مستهل شوال ، حضر متسلم جار قطلي النائب ، وفي يوم
الخميس خامس عشر ذي القعدة ، دخل الأمير جارقطلي إلى القدس الشريف نائبا عوضا عن جقمق ، وكان يوما
مشهودا ، وقرىء توقيعه يوم الجمعة ثاني يوم دخوله ، وفي يوم الاثنين تاسع
عشري ذي القعدة ، دخل ناظر الحرمين إلى القدس عائدا من القاهرة بخلعة السلطان.
وفيها قدم
القاضي غرس الدين خليل الكناني ابن شيخ الصلاحية بالقدس ، ونزل بالأرغونية وأقام
بها ، لأن جارقطلي كان صاحبه ، فلما ولي بيت المقدس قصد استيطانه في زمنه ، فحضر
إلى القدس في شهر شوال .
__________________
وفيها في رابع
شهر ذي الحجة استقر قاضي القضاة شمس الدين محمد بن يونس
النابلسي الشافعي قاضي الرملة ونابلس في قضاء القدس الشريف ، عوضا عن القاضي شمس
الدين بن عبية ، ووصل إليه علم ذلك وهو بالرملة في شهر ذي الحجة ، ومضت سنة ٧٩٠ ه وكانت كثيرة الفتن والمحن بالقدس الشريف ، فنسأل الله حسن الخاتمة.
ثم دخلت سنة ٨٨٠ ه
في شهر المحرم
فيها ، دخل القاضي شمس الدين بن يونس الشافعي إلى القدس الشريف بخلعة السلطان ، وركب له
القضاة وناظر الحرمين ونائب السلطنة الأمير جارقطلي ، ولكنه لم يمش أمامه وإنما مشى خلفه ، وقرىء توقيعه
بعد صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى ، وفي يوم الخميس سابع عشر صفر ، دخل القاضي علاء
الدين بن المزوار متوليا قضاء المالكية بالقدس الشريف ، عوضا عن القاضي
نور الدين البدرشي ، وكانت ولايته من مستهل شوال سنة ٨٧٨ ، فاستمر
بالقاهرة بعد الولاية سنة وأربعة أشهر ، إلى أن حضر في التاريخ المذكور ، ودخل إلى القدس بخلعة السلطان وقرىء توقيعه في المسجد الأقصى ، بعد
صلاة الجمعة ، وكان يوما حافلا.
ذكر إعادة كنيسة اليهود
لما جرى ما
تقدم ذكره من هدم الكنيسة ، وحصول المحن بالقدس الشريف للمسلمين وللعلماء وغيرهم ، شر اليهود في السعي في إعادة الكنيسة ،
__________________
وتمسكوا بما معهم من الفتاوى بجواز إعادتها ، وتشفعوا للسلطان بمن لهم به اعتناء
، وكان أعظم المساعدين لهم يشبك الدوادار الكبير بمال بذلوه له ، ولم يعلم السلطان بشيء من ذلك ، فلم يزل يشبك الدوادار يسعى
عند السلطان إلى أن رسم بإعادتها بآلاتها القديمة ، وعين قاضيين من خلفاء الحكم
بالديار المصرية ، وهما القاضي شهاب الدين أحمد الخرمي الشافعي ، المشهور بابن
جبلات ، والقاضي علاء الدين علي الميموني الحنفي ، فحضرا إلى القدس الشريف في يوم
الأربعاء عشري ربيع الآخر ، وعقد مجلس بقبة موسى حضره قضاة القدس الأربعة / / ومن حضر من قضاة
القاهرة ، وقرىء المرسوم الشريف الوارد بمعنى ذلك ، فقضاة القدس لم يحصل منهم
معارضة ولا إذن ، وأسندوا الأمر إلى من حضر من القاهرة ، فأذن القاضي علاء الدين
الميموني الحنفي لليهود في إعادة الكنيسة بآلاتها القديمة ، وشرعوا في بنائها في
يوم الخميس حادي عشري ربيع الآخر ، وكان القاضي شهاب الدين بن جبلات حصل له توعك بالقدس
، فبادر إلى الرجوع إلى القاهرة قبل انتهاء أمر الكنيسة ، ولم يتكلم في أمرها بشيء ،
واستغفر الله تعالى مما وقع منه من السفر في هذه الحادثة ، وحكى لي بالقاهرة أن
السبب في رجوعه من القدس بسرعة ، وعدم تكلمه في أمر الكنيسة ، أنه لما حصل له
التوعك بالقدس ، كان في خلوة بالمدرسة الجوهرية ، وإذا باليهود قد حضروا وجلسوا
على باب الخلوة التي هو بها ، وتكلموا في أمر الكنيسة ، وما حصل لهم من إذن القاضي
الحنفي في إعادتها ، فقال بعضهم لبعض : «هذا عيد مبارك بإعادة هذه الكنيسة ، فما نسمي هذا العيد؟ فقالوا : نسميه عيد النصر» ،
فلما سمع القاضي شهاب الدين ابن جبلات الشافعي ذلك اقشعر جلده وانزعج وبادر بالخروج من القدس ، وتوجه إلى القاهرة ،
واستغفر الله فيما وقع منه ، وقد سمعت هذا الكلام من لفظه بالقاهرة على هذه الصفة
في سنة ٨٨٤ ه ، وأما الحنفي فإنه استمر مقيما بالقدس الشريف إلى أن كملت عمارتها ، ولما أذن في عمارتها ، امتنع شهود بيت المقدس من
كتابة مستند بذلك ، فكتب هو بخطه ورقة
__________________
بالإذن لليهود في ذلك ، وكان بالقدس رجل اسمه إسماعيل البنا
تعين لبنائها ، فبات تلك الليلة ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له :
يا إسماعيل أنت تصلي عليّ في كل يوم وليلة ، وتبني مكانا أسب فيه! فامتنع من
بنائها ، فوعد بمال له صورة ، فلم يلتفت إليه ، وتولى بناءها من كتب الله عليه
الشقاوة ، ولما وقع ذلك كنت مقيما بالقاهرة ، وبلغني عن هذا البناء أنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهاه عن البناء ، ولم أتحقق كيف وقع القول ، فلما
قدمت بيت المقدس في أواخر سنة ٨٨٤ ه وجدته حيا ، فسألته عن حقيقة الرؤيا ، فأخبرني بها من
لفظه كما تقدم ذكره ، فلما انتهى بناء الكنيسة عاد الحنفي إلى القاهرة ، وقد أسكن
الله مقته في قلوب العباد ، وصار يدعى بقاضي الكنيسة ، وبلغني أنه لما وصل إلى
القاهرة استدعى كبير اليهود ، وقال له : «أبشرك أنني بنيت لك الكنيسة أعلى مما
كانت بكذا» وأشار بذراع يده ، ومما وقع له أنه كان يكتب علامته على المستندات
الشرعية الحمد لله الذي أعلى معالم العلوم وأعلامه ، فنكت عليه بعض طرفاء الفقهاء
، وقال له : ينبغي أن تكتب الحمد لله الذي أعلى معالم الدين ، فرجع وكتب علامته
الأولى ، ولم يزل أمره يضمحل وأحواله تتناقص حتى وقع له محنة في شهر ربيع الآخر
سنة ٨٨٣ ه بسبب حكم حكم به في أيام قاضي القضاة سعد الدين الديري من مدة تقرب
عشرين سنة قبل التاريخ المذكور ، فأحضره السلطان بين يديه وضربه ضربا مؤلما ،
وهو بالحوش في المكان الذي ضرب فيه أهل بيت المقدس ، ووضعه في زنجير وسلم للوالي الذي كان تسلم أهل بيت القدس ، وأمر
بإخراجه إلى حلب بعد أن كتب عليه أنه لا يعمل قاضيا ولا شاهدا ، وعزله عزلا مؤبدا ، فخرج من القاهرة إلى أن وصل إلى خانقاه
سريا قوس
__________________
فوقعت فيه شفاعة ، فأعيد إلى القاهرة ، وتوجه من ليلته إلى
بلده منية ميمون ، وأقام بها مدة طويلة ، ثم عاد إلى القاهرة ، وصار
فقيرا حقيرا لا يقدر على قوته ، وقد اجتمعت به وتكلمت معه ولمته على ما صدر منه في
أمر الكنيسة والاهتمام بإعادتها ، فأشهدني عليه أن الإذن الصادر منه في إعادتها ،
إنما قصد به الفتوى ، ولم يقصد به الحكم الشرعي الرافع للخلاف ، والله متولي
السرائر.
ذكر قدوم السلطان إلى بيت المقدس
وفي شهر رجب
الفرد سنة ٨٨٠ ه ، سافر السلطان الملك الأشرف من القاهرة المحروسة ، قاصدا زيارة
سيدنا الخليل ، عليه السلام ، والمسجد الأقصى الشريف ، فوصل إلى مدينة غزة
المحروسة ، وتوجه منها فوصل إلى مدينة الخليل في يوم السبت خامس عشرين رجب ، ورفع
إليه أمر الحسبة بمدينة الخليل ، وأنه يؤخذ من المحتسب مالا لنواب القدس ، فيلزم منه
تسلطه على الفقراء من المتسببين / / فرسم السلطان بإبطال الحسبة من نائب القدس وإبطال
ما هو مقرر عليها من الرشوة ، وأن يكون المحتسب بمرسوم شريف بغير كلفة ، واستمر
الأمر على ذلك ، ثم اختل النظام ورجع الأمر على ما كان عليه أولا ، وتوجه السلطان
من مدينة الخليل في يوم الأحد سابع عشري شهر رجب ، ووصل إلى القدس في يوم الاثنين سابع عشر رجب
، ونزل بمخيمه عند خان الظاهري ، ثم ركب ودخل إلى المدينة وقت العصر ، ونزل
بمدرسته القديمة التي هدمت ، فلما رآها لم تعجبه ، وكان ذلك هو السبب لهدمها وبناء
المدرسة الموجودة الآن ، ثم بعد صلاة العصر من اليوم المذكور جلس بقبة موسى اتجاه باب السلسلة ،
وجلس على مدورة من الشباك المطلة من جهة الشرق ، وجلس عنده من داخل
القبة الأمير أزبك أمير
__________________
كبير ، ومن ظاهر الشباك على المصطبة الأمير يشبك الدوادار ، والقاضي زين الدين بن مزهر كاتب
السر الشريف ، وكان يوما مشهودا وحضر مع السلطان جماعة من أركان الدولة ، منهم الأمير
خشقدم الطواشي الوزير ، والقاضي تاج الدين المفتي ناظر الخواص الشريفة ، والقاضي
شرف الدين الأنصاري ، والقاضي برهان الدين بن ثابت وغيرهم ، وشكا الناس على الأمير
جارقطلي نائب القدس ، ورفعت فيه القصص بسبب ما اعتمده من الظلم والجور ،
فطلبه وسمع فيه الشكوى ، وأنصف الناس فيه ، وأمره أن يدفع إليهم ما أخذه منهم
وشكا الناس على القاضي غرس الدين خليل أخي بن العباس ، وأنه يجتمع
بالنائب ، ويتكلم في حق الناس فطلبه السلطان وانتهره ، ووضعه إلى الأرض ليضربه
فشفع فيه الأمير يشبك الدوادار ، ورسم بعدم إقامته بالقدس فسافر منه ، فكان يقيم
تارة بغزة وتارة ببلده المجدل ، ولم يزل على ذلك إلى أن توجه إلى مكة ، وتوفي بها وفي
شهور سنة ٨٩٨ ه .
ثم بعد فراغ السلطان من فصل الخصومات في اليوم الذي دخل فيه
إلى القدس ، ثم صلى المغرب بقبة الصخرة المشرفة خلف الإمام سعد الله الحنفي ، ثم
نزل إلى الجامع الأقصى ، وقد أوقدت القناديل على العادة التي تكون في ليلة نصف
شعبان ، وكذلك قبة الصخرة الشريفة ، وكانت ليلة مشهودة ، وجلس في محراب المسجد الأقصى وإلى جانبه الأمير أزبك أمير كبير ، والأمير
يشبك الدوادار الكبير وغيرهما من أركان الدولة ، وجلس معه شيخ الإسلام الكمالي بن
أبي شريف ، وشيخ الإسلام النجمي بن جماعة ، والقضاة والخاص والعام ، وقرأت ختمات
شريفة ، وكان مع السلطان ثلاثة أنفار من رؤساء القراء بالقاهرة ، فقرأوا وحصل بهم
البهجة والأنس ، ثم قرأ بعدهم القراء ببيت المقدس ، وصلى السلطان عشاء الآخرة
__________________
خلف الشيخ نجم الدين بن جماعة ، ثم انصرف ولم يسمع قراءة المعراج الشريف
لعدم وجود من يقرأه ، فإن الشيخ شهاب الدين العميري كان غائبا بالقاهرة ، ثم حضر
الشيخ أبو مدين وقراء المعراج بحضور أركان الدولة ، ثم في يوم الثلاثاء من عشري رجب ، خرج
السلطان إلى مخيمه بظاهر القدس ، وطلب النائب وأمره أن يصالح جميع من شكا عليه
فصالحهم ، ودفع لكل من أخذ منه شيئا على جريمة نصف ما أخذه منه ، ومن له ديّن شرعي دفعه له بكماله ، ثم أعلم الدوادار الكبير السلطان
أن النائب أرضى جميع خصومه ، فقال له السلطان : «أحسن إلى الناس واحكم بينهم
بالعدل والانصاف بالشرع الشريف ، وإن شكا أحد عليك بعد اليوم قطعتك نصفين» ، ثم قدّم النائب خدمته للسلطان ، فألبسه خلعة الاستمرار ، وتوجه
السلطان في ليلة الأربعاء إلى الرملة ، وكان زمن الشتاء ، ووقع مطر كثير وهو
بالمخيم على قبة الجاموس ، ومما اتفق أن شخصا من اللصوص دخل على السلطان وهو نائم في المخيم في الليل
، وسرق بقجة قماش من عند رأسه ، فأصبح السلطان قبض على الشيخ حرب شيخ جبل نابلس
بسبب ذلك ، وقصد قتله وأغرمه مالا ، ثم توجه السلطان إلى مدينة غزة ، وعاد إلى القاهرة ودخل إليها
في يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وقدر أن اللص
الذي دخل على السلطان قبض عليه وجهز إلى السلطان ووقف بين يديه ، واعترف بدخوله
عليه فطلب منه السلطان فرس من طائفة العرب من بني لام ، وأوعده ، فتوجه ذلك
اللص إلى إحضار الفرس المذكورة ، فوقع من التقدير أن صاحب الفرس أراد المسير في
تلك الليلة من عند أهله إلى أمر له ، فقال لزوجته عن مفتاح قيد تلك الفرس ، فسمع
اللص بذلك المقال ، فصبر إلى دخول الليل ، وأخذ الفرس وأحضرها إلى السلطان ، فأمر
بسجنه في المقشرة ولم يقتله .
__________________
وفيها وقعت
حادثة بالقدس الشريف ، وهي أن شخصا نصرانيا وقع في حق سيدنا أمير المؤمنين / / علي
بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، والسيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقذف ، ورفع أمره للقاضي علاء الدين بن المزوار المالكي ، وعقد مجلس بدار النيابة بحضور الأمير جار قطلي نائب السلطنة ، وحضر
بالمجلس شيخ الإسلام الكمالي ابن أبي شريف ، وثبت ما نسب إلى النصراني عند القاضي
علاء الدين المالكي ، وحكم بسفك دمه وضرب عنقه بحضور الجماعة بدار النيابة.
ثم دخلت سنة ٨٨١ ه
فيها في مستهل
المحرم حضر هجان من القاهرة بمرسوم شريف بقبض الإفرنج المقيمين
بدير صهيون وبيت لحم وكنيسة قمامة ، وتجهزهم إلى الأبواب الشريفة ، بمقتضى أن
الإفرنج أسروا أربعين من إسكندرية وغدروا بهم ، وأخذوهم إلى بلاد الإفرنج.
وفيها استقر
القاضي فتح الدين أبو الفتح محمد بن داود الأسيل الشافعي في قضاء الشافعية بالقدس
الشريف والرملة ونابلس ، عوضا عن القاضي شمس بن يونس ، وورد عليه المرسوم الشريف
بذلك في نهار الاثنين سابع ربيع الآخر ، وفي يوم الخميس ثاني جمادى الأولى ، ألبس
التشريف الوارد عليه من الأبواب الشريفة ، وألبس القاضي شمس الدين الديري
خلعة الاستمرار بقضاء الحنفية ، وهي كاملية صوف مرسيني بفرو سمور ، وألبس جمال الدين يوسف بن ربيع خلعة الاستمرار في وظيفة إمامة الحكم ووكالة الغياب ، وهي فوقاني حرير
بوجهين وطراز ، وقرئ توقيع الشافعي في يوم الجمعة ثاني يوم لبسه ،
ولم يقدر بعد ذلك لابن يونس ولاية قضاء بيت المقدس إلى أن حج إلى بيت الله الحرام
في سنة سبع
__________________
وسبعين ، وتوفي بعد خروجه من مكة بمنزلة بطن مر ، وحمل إلى مكة فدفن بها رحمه الله.
وفيها أعني سنة
إحدى وثمانين فى يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة ، رحل شيخ الإسلام الكمالي بن أبي
شريف من القدس بأولاده وعائلته إلى القاهرة المحروسة واستوطنها ، وكان دخوله إليها
في أوائل رجب.
وفيها دخل
الوباء بالطاعون حتى عم جميع المملكة ، وكان دخوله إليها في أوائل رجب ، واستمر
مدة طويلة ، ولم يزل الطاعون بالقدس إلى مستهل ربيع الأول سنة ٨٨٢ ه ، وأفنى خلقا
كثيرا من الشباب والنساء وأهل الذمة ، ولم يكن طال ببلدة من البلاد أكثر من القدس
، فسبحان القادر على ما يشاء.
ثم دخلت سنة ٨٨٢ ه
وفيها وصل إلى القدس الشريف الأمير جانم الخاصكي قريب السلطان
وناظر الحرم بعد عوده من المملكة الشامية ، وكان دخوله إلى القدس الشريف في يوم
الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ، فإنه توجه إلى بلاد الشام لكشف الأوقاف ، وحضر إلى
القدس بسبب ذلك ، وأوقد له المسجد الأقصى في ليلة السبت ، وقبة الصخرة في ليلة
الأحد ، ومدرسته السلطانية في ليلة الاثنين ، وفي كل ليلة كان يقرأ له ختمات شريفة
، بحضرة جمع من المسلمين ، وجمع له من جهة الأوقاف بالقدس الشريف تسعمائة دينار ،
وقيل ألف دينار ، ومن أهل الذمة ثلاثمائة دينار ، فلم يقبل شيئا من جهة الأوقاف ، وأعاد المبلغ
بكامله لمستحقيه ، وأخذ ما جمع له من أهل الذمة ، وحصل للمسلمين من مستحقي الأوقاف
الخير بذلك ، وتضاعف له الدعاء في صحائفه ، وسافر من القدس ليلة الاثنين ثالث عشري
جمادى الأولى.
ذكر سفر السلطان إلى المملكة الشامية
وفيها سافر
السلطان الملك الأشرف من القاهرة قاصدا المملكة الشامية ، فوصل إلى غزة في يوم
الأربعاء تاسع شهر جمادى الآخرة ، في جمع قليل دون مائة
__________________
نفس ، وولي الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نيابة القدس الشريف ، وهو بغزة
عوضا عن جار قطلي وألبسه كاملية خضراء بفرو سمور ، ودخل إلى القدس في نهار
الجمعة حادي عشر الشهر المذكور ، وعلى يده المرسوم الشريف التحقت بولاية بخط قاضي
القضاة قطب الدين الخضيري الشافعي قاضي دمشق ، ووصل السلطان إلى مدينة حلب ،
وتوجه للفرات ، وحصل له توعك في السفر ، وعاد إلى دمشق وهو متوعك ، ثم عوفي وعاد
إلى القاهرة ، ولم يقدر له دخول بيت المقدس ، وكان دخوله إلى القاهرة في يوم
الخميس رابع شهر شوال ، وكان يوما مشهودا لدخوله.
وفيها استقر
الخطيب / / أبو الحرم محمد شيخ الإسلام تقي الدين أبي بكر بن القلقشندي في نصف
خطابة المسجد الأقصى الشريف ، عوضا عن الخطيب محب الدين بن جماعة ، وهو النصف الذي
كان استقر فيه ، ووقع فيه ما تقدم شرحه في حوادث سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ، وخطب
بالمسجد الأقصى في يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة وقرأ في أول ركعة : (وَلَمَّا فَتَحُوا
مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) وقرئ توقيعه ، وتوجه إلى منزله وأعلام المسجد حوله ،
ومشى الناس في خدمته ، وكان يوما مشهودا ، واستقر الشيخ جمال الدين عبد الله بن
غانم شيخ في مشيخة الحرم وفي جميع مشيخة الخانقاه الصلاحية ، عوضا عن القاضي برهان الدين بن ثابت ، وكيل السلطان
بحكم وفاته ، وعن الخطيب محب الدين بن جماعة بحكم عزله ، فإن ابن ثابت هو الذي
كان قائما بنظام الخطيب محب الدين بن جماعة ، وعضده في تولية نصف الخطابة ونصف
مشيخة الخانقاه.
ثم استقر ابن
ثابت في النصف الثاني من مشيخة الخانقاه كما تقدم ذكره ، فلما توفي في أوائل سنة
٨٨٢ ه بعد محن حصلت له ، سعى الخطيب أبي الحرم في نصف الخطابة
وشيخ الحرم في جميع مشيخة الخانقاه الصلاحية ، وأعانهما
__________________
القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف ، فاستقر في ذلك شهر جمادى الآخرة.
وفيها في جمادى
الآخرة عزل القاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي من قضاء الحنابلة بالقدس الشريف
والرملة ونابلس ، عزله القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف ، وهو بمنزلة
قاقون صحبة السلطان ، ووقع في عزله ما لم يقع لغيره ، فإن العادة جرت إذا عزل
القاضي يكتب مرسوم السلطان ومطالعة القاضي كاتب السر بعزله ، وهذا القاضي إنما ثبت
عزله ببينة شهدت عند القاضي كاتب السر أنه عزل من القضاء ، فصرح القاضي الشافعي
بثبوت عزله ، وكان الحنبلي غائبا بالقاهرة لأنه توجه إليها في جمادى الأولى ، وكتب
القاضي الشافعي إلى نائبه بالرملة بمنع نائب الحنبلي بها من الحكم بمقتضى ثبوت عزل مستخلفه.
وفيها في يوم
الأحد حادي عشري رجب توفي الأمير غرس الدين خليل بن أبي والي ، أحد أعيان بيت
المقدس ، وكان رئيسا كريما ، وفيه الخير والإحسان إلى الخاص والعام ، وكان الناس
يردون إليه من الأعيان وغيرهم ، ويأكلون على سماطه في كل وقت ، وكان يطعم من عرف
ومن لا يعرف في جميع السنة ، وأما في شهر رمضان فمن العجائب في إطعام الطعام ،
وكان ذلك عن طيب نفس منه لا يتكره من ذلك ، بل يفرح له ، وكان قد
اعتراه السمن وتزايد حتى كان لا يستطيع القيام إلا بمشقة ، وكان من محاسن بيت
المقدس ، ومن أعظم محاسنه مع ما هو عليه من هذه المناقب الحسنة سلامة الناس من يده
ولسانه ، ولم يبق بعده منه هو في معناه ، رحمه الله وعفا عنه.
ثم دخلت سنة ٨٨٣ ه
فيها في شهر
ربيع الأول توجه المباشرون بالقدس الشريف إلى القاهرة
__________________
المحروسة ، بمرسوم شريف ورد في ذلك ، فأقاموا بمشهد الحسين بالقاهرة في
ترسيم القاضي علاء الدين ابن الصابوني وكيل المقام الشريف ، ثم أفرج عنهم وعادوا إلى القدس.
فيها طلب الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نائب القدس الشريف بسبب
ما وقع عليه من الشكوى للسلطان ، ثم خلع عليه بالاستمرار ، وعاد إلى محل ولايته ، وكان ذلك في جمادى الأولى.
وفيها في شهر
رجب توفي الأمير جاني بك الفقيه ، أمير سلاح بالمدرسة الخاتونية بعد حضوره إلى
القدس من شهر المحرم ، حين عوده من الحجاز الشريف ، ودفن بالقلندرية بماملا عفا الله
عنه.
ثم دخلت سنة أربع وثمانين وثمانمائة
وفيها في
المحرم برز الأمر الشريف بطلب القاضي فتح الدين بن الأسيل الشافعي إلى الأبواب
الشريفة ، فتوجه إلى القاهرة ونزل عند الأمير جاني بك قرا الدوادار الثاني ، وغرم مالا وعاد بعد الإنعام عليه بالاستمرار في وظيفته ، ودخل إلى القدس
الشريف في يوم السبت رابع عشر ربيع الأول بخلعة السلطان.
وفيها حضر قاصد
من الأبواب الشريفة بطلب المباشرين بالقدس الشريف ، فتوجهوا في شهر ربيع الأول كما
تقدم في السنة الماضية ، ورسم عليهم من باب القاضي علاء الدين بن الصابوني ، ثم
أفرج عنهم ، وعادوا إلى القدس.
وفيها توفي
أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن محمد العباسي واستقر / / بعده في
الخلافة مولانا الأعظم والخليفة المكرم ، أمير المؤمنين وابن عم سيد
المرسلين ووارث الخلفاء الراشدين ، المتوكل على الله أبو العز عبد
__________________
العزيز بن يعقوب أعز الله به الدين ، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين ،
ودعي له على منبر بيت المقدس ، وغيره من منابر الإسلام.
وفيها جدد عمل
الرصاص على ظاهر الجامع الأقصى ، وفك الرصاص القديم ، ثم ركب ولم يكن كالأول في
حسن الصناعة والاتقان ، وكان الصانع له رجلا من الروم ، ثم قصد ناظر الحرمين ناصر
الدين محمد بن النشاشيبي أن يفك الرصاص من ظاهر قبة الصخرة ويجدده كما فعل بالجامع الأقصى ، فمنعه الشيخ
جمال الدين بن غانم شيخ الحرم ، وقام في ذلك أعظم قيام ، وكان توفيقا من الله
تعالى ، فإن الرصاص القديم الموجود إلى الآن أولى وأحسن من المستجد الذي عمل
بالأقصى.
وفيها استقر
الأمير سنطباي البجاسي بنيابة السلطنة الشريفة بالقدس الشريف ، عوضا
عن الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب ، ودخل متسلمه إلى القدس في يوم السبت سادس عشر
رجب ، وقرئ توقيعه يوم الجمعة.
وفيها توجه
القاضي فتح الدين بن الأسيل الشافعي قاضي القدس إلى الحجاز
الشريف خفية من حيث لم يعلم الناس بحاله ، فإنه أظهر أنه متوجه إلى نابلس في شهر
رمضان ، فتوجه إليها ، ثم توجه من نابلس إلى بلد الخليل ، عليه السلام ، وسافر
صحبة الحجاج وهو مستمر على الولاية ، وشغرت الوظيفة عنه من شهر رمضان سنة ٨٨٤ ه
إلى آخر سنة ٨٨٥ ه ، ولم يكن بالقدس إذ ذاك حاكم مالكي ولا حنبلي ، وانفرد القاضي
شمس الدين الديري الحنفي بالحكم في مدينة القدس ، مدة سنة كاملة إلى أن ولي
الحنبلي ، ودخل إلى القدس في ثامن عشر شهر شعبان سنة ٨٨٥ ه ، وكان القاضي الحنفي كلما احتاج
الأمر إلى مسألة خلافية استخلف فيها من أهل ذلك المذهب.
وفيها ـ أعني
سنة ٨٤ ه ـ حج السلطان الملك الأشرف قايتباي إلى بيت الله الحرام ، وزار قبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في الذهاب ، وأقام
بالمدينة الشريفة أربعة أيام ، ثم
__________________
توجه منها إلى مكة المشرفة ، وقضى مناسكه وعاد إلى محل سلطنته بالديار المصرية ، والله
الموفق.
ثم دخلت سنة ٨٨٥
فيها في المحرم
وردت البشرى إلى القدس الشريف بوصول السلطان من مكة المشرفة ، وكان دخوله إلى القاهرة في يوم
الاثنين ثاني عشر المحرم ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وزينت مدينة القدس وغيرها من
البلاد.
وفيها بعد قدوم
السلطان من الحجاز الشريف أنعم السلطان على الأمير ناصر الدين
محمد بن أيوب باستقراره في نيابة السلطنة بالقدس الشريف ، عوضا عن الأمير سنطباي
البجاسي ، ووصل متسلمه هو وأخوه الشهابي أحمد إلى القدس الشريف
في يوم الأحد خامس صفر سنة ٨٥ ه منها.
وفيها ورد
مرسوم شريف بطلب ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي ، والمباشرين
إلى الأبواب الشريفة ، فتوجهوا في نهار الثلاثاء سادس ربيع الأول ، ثم توجه القاضي
فخر الدين بن نسيبة الخزرجي في نهار الاثنين عاشر ربيع الآخر ، بمرسوم شريف ورد
بحضوره ، وفي يوم السبت ثاني عشري ربيع الآخر ، دخل الأمير ناصر الدين بن أيوب إلى
القدس بخلعة السلطان ، وكان يوما حافلا ، وفي يوم الاثنين تاسع جمادى الأولى ، دخل
الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، ناظر الحرمين الشريفين ، إلى القدس الشريف عائدا
من الأبواب الشريفة ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادى
الآخرة ، كبس عمرو بن غانم البدوي ومن معه من العرب الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نائب
القدس الشريف بأريحا الغور ، وحصلت فتنة قتل فيها جماعة ، وفي يوم الثلاثاء سابع رجب توجه
الأمير ناصر الدين بن أيوب إلى حلب قاصدا الأمير يشبك الدوادار الكبير ، وفي يوم
الأحد ثاني عشر رجب ، حضر ملك الأمراء سيباي نائب غزة إلى
__________________
بركة المرجيع ونصب مخيمه هناك لعمارة البرك ، فأشرع في العمل بنفسه وعسكره ، وفي يوم
الثلاثاء ثاني عشر شعبان ، حضر الأمير ناصر الدين بن أيوب من مدينة حلب إلى القدس
الشريف.
وفيها استقر
القاضي زين الدين عبد الباسط بن القاضي بدر الدين محمد الجعفري النابلسي الحنبلي
في قضاء الحنابلة بالقدس الشريف ، بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، والرملة
ونابلس ، بعد شغور قضاء القدس عن أخيه القاضي كمال الدين من سنة ٨٨٢ ه كما تقدم ،
وألبس القاضي فخر الدين بن نسيبة كاملية على فرو سمور ، وأذن له في السفر ، فتوجه هو والقاضي زين الدين
عبد الباسط الحنبلي من القاهرة ودخل إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثامن / / شعبان وكل منهما لابس خلعة ، وقرئ توقيع القاضي في
يوم الجمعة ثاني عشر شعبان.
وفيها في شهر
رمضان ورد الخبر إلى القدس الشريف أن الأمير يشبك الدوادار الكبير قتل في التجريدة في مملكة الشرق ، وأشاع ذلك رجل
اسمه يحيى ابن جرار الفطايس ، فبلغ النائب الأمير محمد بن أيوب ذلك فطلب يحيى
المذكور وضربه بالمقارع لكونه أشاع ذلك ، ثم تواترت الأخبار بقتله وصحت ، وأرّخ يوم قتله فكان في ذلك اليوم
الذي تحدث فيه الناس بالقدس الشريف ، فكان قتله في أرض الرها من ملك العجم.
وفيها وقعت
فتنة بالقدس الشريف سببها أن الأمير ناصر الدين بن أيوب نائب القدس الشريف قبض على
جماعة من بني زيد وقتلهم ، فحضر إلى القدس جمع كبير من جماعة المقتولين وعصبتهم ،
وهجموا على المدينة في يوم الاثنين ثاني عشر شوال ، فعلم بهم النائب فركب من منزله وتوجه إلى نحو
باب الأسباط فأدركه القوم وقصدوه ، فدخل وهو راكب إلى المسجد الأقصى من باب
الأسباط واستمر راكبا إلى أن خرج من باب المغاربة ، وكسر باب السجن ، وهجم العشير
إلى داخل
__________________
المسجد والسلاح المشهور بأيديهم لقصد قتله ، فنجا منهم بإسراعه بالخروج من
باب المغاربة ، وبادر التجار بتوزيع ما في حوانيتهم ، وقتل ثلاث أنفار وجرح جماعة
، وشرع العرب في قطع الطريق وأذى الناس ، وحصل الإرجاف في الناس ، وأغلقت الأسواق
والمنازل خشية النهب ، وكانت فتنة فاحشة.
ذكر بناء المدرسة الأشرفية
المنسوبة لملك العصر والزمان ، مولانا السلطان
الملك الأشرف ، أبي النصر قايتباي نصره الله تعالى
قد تقدم أن
الأمير حسن الظاهري كان قد بنى المدرسة القديمة للملك الظاهر خشقدم ، ثم بعد وفاته
سأل السلطان الملك الأشرف في قبولها فقبلها منه ، ونسبت إليه ، ورتب لها شيخا
وصوفية وفقهاء وصرف لهم المعاليم ، ثم حضر السلطان إلى القدس الشريف في سنة ٨٨٠
ه فلم تعجبه ، فلما كان في سنة ٨٨٤ ه توجه القاضي أبو البقاء بن الجيعان من القاهرة إلى دمشق لضبط تركة ملك الأمراء جاني بك قجماس نائب دمشق ، ودخل
إلى بيت المقدس في يوم الأربعاء ثالث ربيع الآخر وصحبته خاصكي لهدم المدرسة المشار
إليها ، وتوسيعها بما يضاف إليها من العمارة ، وسافر القاضي أبو البقاء في يوم
الخميس ثاني يوم دخوله ، ولم تهدم في ذلك التاريخ ، فلما كان في يوم الأحد رابع
عشري شعبان سنة ٨٥ ه ، كان الابتداء في حفر الأساس لعمارة المدرسة ، وهدم البناء القديم الذي علو رواق المسجد ،
وشرع المهندسون في العمل ، فبنى المجمع السفلي الملاصق لرواق المسجد من جهة الشرق
ثم توجه الشيخ شهاب الدين العميري إلى الديار المصرية بسبب عمارة المدرسة ، ليحرض
السلطان على الاجتهاد في أمرها والاعتناء بالإسراع في عمارتها.
وفيها استقر الأمير
شهاب الدين أحمد بن مبارك شاه في نيابة السلطنة بالقدس
__________________
الشريف ، عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب ، ودخل متسلمه إلى القدس في تاسع عشر ذي الحجة
، ثم دخل هو إلى القدس في يوم الثلاثاء ثاني عشري المحرم وصحبته جمع كبير من العرب والعشير ، وكان يوما مشهودا ،
وقرئ توقيعه بعد الجمعة ، وغضب السلطان على الأمير ناصر الدين بن أيوب وقبض عليه
وامتحنه.
ثم دخلت سنة ٨٨٦ ه
في يوم الخميس
رابع عشر المحرم ، دخل قاضي القضاة محيي الدين أبو الفضل عبد القادر بن جبريل
الغزي الشافعي إلى القدس الشريف متوليا قضاء الشافعية بالقدس والرملة ونابلس ،
عوضا عن فتح الدين بن الأسيل بعد شغورها لغيبته من شهر رمضان سنة ٨٨٤ ه ، وكانت
ولاية القاضي محيى الدين من أواخر سنة ٨٨٥ ه ، وقرئ توقيعه في يوم الجمعة ثاني يوم
دخوله. سير السلطان إلى القدس الشريف من القاهرة جماعة من المعمارية والمهندسين
والحجارين لعمارة مدرسته ، فحضر معهم شخص نصراني من المهندسين بالقاهرة ، له حذق
في الهندسة ، فلما رأى المجمع السفلي المبني بالمسجد بلصق الرواق لم تعجبه ، فقصد هدمه بكامله ، ثم اقتضى الحال
هدم بعضه من القبلة ، فهدم وهدم أيضا ثلاثة قناطر من الرواق مما هو ملاصق للباب المتوصل منه إلى المنارة ، واجتهد
المهندسون والصناع من المصريين في العمارة ، وكان المتولي لذلك القاضي فخر الدين
بن نسيبة الخزرجي .
وفيها في يوم
الأربعاء ثامن عشري شهر صفر ورد إلى القدس قاصد سلطان الحبشة ، وكان زمن عيد النصارى المسمى بسبت النور
على يده مرسوم شريف بأن يمكن جميع النصارى من الدخول إلى قمامة ، فمنعه المباشرون
وخزندار / / نائب الشام ، والأمير قجماس وسمحو له بالدخول هو وجماعته فامتنع من ذلك ، ثم
__________________
سلموه مفاتيح قمامة ، ودخل هو وجماعته وجميع طوائف النصارى بغير كلفة ولا
بذل.
وفيها يوم
السبت رابع عشر رجب ، دخل إلى القدس الشريف السلطان جم محمد بن عثمان ملك الروم ، ودخل في خدمته ناظر
الحرمين ، ونائب السلطنة والجم الغفير.
وفيها يوم
الخميس رابع عشري شعبان ، حضر إلى القدس الشريف نائب غزة سيباي وخليل بن إسماعيل شيخ جبل نابلس ، ومعهما خاصكي بسبب
العرب وكبسهم ، وانصرفوا عن غير شيء.
وفيها توجه
الخطيب محب الدين بن جماعة إلى القاهرة ، للسعي فيما كان بيده من مشيخة الخانقاه
الصلاحية ، ونصف خطابة المسجد الأقصى الشريف ، وحضر إلى القاهرة الشيخ جمال الدين
بن غانم شيخ الحرم القدسي ، والخطيب فتح الدين أبو العزم القلقشندي ، واتصل الأمر
بالسلطان وأركان الدولة ، وحصل بينهم تشاجر وتنازع ، وطال الخصام بينهم ، وكانوا بالقاهرة في شهر رجب ،
وآخر الأمر وقع الصلح بينهم بأن يكون الخطيب محب الدين ابن جماعة بيده نصف مشيخة
الخانقاه الصلاحية على عادته بمشاركة شيخ الحرم بالنصف الباقي ، وأن يكون نصف
الخطابة المنازع فيه وهو الذي كان بيد الخطيب إبراهيم القلقشندي لكل منهما الربع ،
وحصل الرضى على ذلك وتصادقوا عليه ، وكتب لكل منهم توقيع شريف بما استقر فيه من
ذلك ، وعادوا إلى أوطانهم.
وفيها حضر إلى
القدس الشريف الأمير قانصوه اليحياوي نائب الشام بعد أن عاد من الأسر في بلاد
العجم ، فإنه كان قبض عليه مع يندور باش عسكر يعقوب بك بن حسن بك ببلاد العجم ، لما توجه للتجريدة مع يشبك الدوادار الكبير ، وانطلق
من الأسر وحضر صحبته الأمير أزبك أمير كبير ، فلما وصل إلى الرملة ، ورد مرسوم
السلطان بالقبض عليه وتجهيزه إلى القدس الشريف ، فحضر إلى القدس في شهر شوال ،
وأقام بالمدرسة الخاتونية.
__________________
وفيها في يوم
الثلاثاء ثالث عشري ذي الحجة ثار جماعة مشايخ الفقهاء بمساعدة شيخ الصلاحية على
نائب القدس ، أحمد بن مبارك شاه بسبب جماعة قبض عليهم ليجهزهم إلى خليل بن إسماعيل
بن شيخ جبل نابلس ، وحملوا عليه الأعلام وخلصوا منه الجماعة الذين قبض
عليهم.
ثم دخلت سنة ٨٨٧ ه
فيها تكاملت
عمارة المدرسة الأشرفية التي أنشأها مولانا السلطان الملك الأشرف ، بالمسجد الأقصى
الشريف بجوار باب السلسلة وصارت قائمة البناء ، وكان الفراغ من بنائها في شهر رجب
الفرد ، وشرع المرخمون في عمل الرخام لها إلى أن انتهت عمارتها.
صفة المدرسة الأشرفية
قد تقدم ذكر
بناء المدرسة القديمة ، وتقدم ذكر أوصافها التي كانت عليه أولا ، وبرز أمر السلطان بهدمها وبنائها وتجهز لها الصناع من
القاهرة لعمارتها ، وما وقع في ذلك من الاهتمام إلى أن صارت قائمة البناء وتكامل
الرخام بها ، وركبت الأبواب الخشب وصارت تشمل على الأوصاف التي هي الآن عليها من
البناء السفلي والعلوي ، فالسفلي منها هو المجمع الملاصق لرواق المسجد من جهة
الشرق المقابل لثلاث قناطر من الرواق ، ولهذا المجمع باب الأول من جهة الشمال
وبجواره شباك مطل على الرواق الذي هو أسفل المدرسة العثمانية ، والباب الثاني من جهة الشرق ، وإلى
جانبه شباكان عن يمينه وشماله ، وبصدر المجمع محراب مما يلي الغرب ، وشباك مطل إلى القبلة مما
يلي الشرق ، وبلصق هذا المجمع من جهة القبلة دركاه محكمة البناء ، بصدرها من جهة الغرب الباب المتوصل منه
إلى
__________________
المدرسة العلوية ، ويدخل هذا الباب إلى دركاه ثانية مفروشة بالرخام بها عن
يمنة الداخل خلوة صغيرة ، وبصدر الدركاه مصطبة مرخمة ، عن يسرة الداخل
باب يدخل يصعد منه إلى سلم متسع البناء ، يتوصل منه إلى المدرسة العلوية إلى منارة
باب السلسلة ، وعند انتهاء السلم باب يدخل منه إلى ساحة سماوية
مفروشة الأرض بالبلاط الأبيض ، وبصدر هذه الساحة من جهة الشمال باب مربع يدخل منه
إلى دركاه لطيفة ، بها بيمنة الداخل دهليز يتوصل منه إلى المدرسة الراكبة على ظهر
المجمع السفلي المبنية عليه أولا ، وهذه المدرسة العلوية تشتمل على أربعة أواوين
متقابلة ، القبلي منها وهو الأكبر بصدره محراب ، وإلى جانب المحراب من
جهة الشرق شباكان مطلان على المسجد الشريف ، ومن جهة الغرب شباكان مطلان على السلم
المتوصل منه إلى المدرسة ، وبالإيوان المذكور / / من جهة الشرق ثلاث شبابيك مطلة
على المسجد إلى جهة صحن الصخرة الشريفة ، ويقابلها ثلاث شبابيك على صحن المدرسة ،
والإيوان الشمالي به شباكان مطلان على المسجد الشريف من جهة الشمال ، وشباكان من
جهة الشرق ، الإيوان الشرقي وهو الطارمة به ثلاثة قناطر على عمودين من الرخام وعلوها قمريات من الزجاج الإفرنجي في غاية البهجة والاتقان ، ويقابله
الإيوان الغربي ، وبه شباك مطل على صحن المدرسة مفروش أرض جميع ذلك بالرخام الملون
، وحيطان ذلك مستدير عليها الرخام والسقف على جميع ذلك من الخشب المدهون بورق
الذهب واللازورد ، وهو في غاية الإحكام والاتقان والارتفاع ، وبجوار
الإيوان الشمالي بيت معقود يدخل إليه من الدركاه المتقدم ذكرها ، بابه عن
يسرة الداخل ، وهو مفروض الأرض بالرخام الملون وحيطانه مستدير عليها الرخام
بشباكان مطلان على داخل الإيوان الشمالي من المدرسة ، وعلى ظهر هذا البيت طبقة
لطيفة بها شباك مطل على المدرسة ، وشباك
__________________
مطل على الساحة السماوية ، وبالساحة المذكورة السماوية باب يدخل منه إلى
ساحة أخرى بها الخلاوي المعقودة والمتوضأ والمنافع ، ركب جميع ذلك على الإيوانين القبلي والشرقي
وغيرها من المدرسة البلدية ، وبالمدرسة المشار إليها من آلات البسط والقناديل ما
هو في غاية الحسن مما لا يوجد في غيرها ، وعلى ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد
الأقصى الشريف ، ومن أعظم محاسنها كونها في هذه البقعة الشريفة ، ولو بنيت في غير
هذا المحل لم يكن لها الرونق الموجود عليها ببنائها ، فإن الناس كانوا يقولون قديما : مسجد بيت
المقدس به جوهرتان ، هما قبة الجامع الأقصى وقبة الصخرة الشريفة ، قلت وهذه
المدرسة صارت جوهرة ثالثة ، فإنها من العجائب في حسن المنظر ولطف الهيئة ، والله
الموفق.
ومن جملة ما
عمّره السلطان حين عمارة المدرسة ، السبيل المقابل لها من داخل المسجد فوق البئر
المقابل لدرج الصخرة الغربي ، وكان قديما على البئر المذكور قبة مبنية بالحجارة كغيره من الآبار الموجودة بالمسجد ، فأزيلت تلك القبة
وبني السبيل المقابل لها بداخل المسجد ، وفرش أرضه بالرخام وصار في هيئة لطيفة وكذلك الفسقية التي بالقرب منه قبلي المصطبة المجاورة للسبيل ،
والفسقية التي هي بين باب السلسلة وباب السكينة ، وكان قديما مكانها حوانيت ،
ويقابلها من جهة القبلة حوانيت أخرى ، فأزيلت الحوانيت من الجانبين وعمرت الفسقية
المذكورة والتي هي بداخل المسجد ، فانتفع الناس بها في تيسير الوضوء ، ولم يقع لنا
في هذه السنة ما يصلح أن نؤرخ غير ذلك ، وبالله التوفيق.
ثم دخلت سنة ٨٨٨ ه
فيها استقر
الأمير جانم الأشرفي في نيابة القدس ، وحضر متسلمه خضر بك الذي ولي النيابة فيما بعد ، في يوم الجمعة ثالث عشر المحرم
، فتسحب أحمد بن
__________________
مبارك شاه المنفصل وضبط موجوده ، وفي يوم السبت رابع عشر المحرم ، توجه قاضي القضاة محيي
الدين بن جبريل الشافعي إلى القاهرة بمطالعة القاضي زين الدين بن مزهر ، كاتب السر الشريف ، ووردت
عليه مراسيم بالحضور ، وأن يكون طيب النفس منشرح الصدر ، والسبب في
طلبه أنه سعى عليه القاضي بدر الدين بن جماعة ، فتوقف الأمر على طلبه فتوجه إلى
القاهرة فقبض عليه الأمير أقبردي الدوادار الكبير ووضعه في الترسيم ، ثم دخل القدس قانصوه في حادي
عشر ربيع الآخر.
وفيها ورد
مرسوم شريف إلى الأمير قانصوه اليحياوي بعمارة قناة العروب ، وعمارة بركة المرجيع ، وجهز له من الخزائن الشريفة
خمسة آلاف دينار ، ومنها نفقة الأمير قانصوه ألف دينار ، وأربعة آلاف دينار
للعمارة ، فتوجه في عاشر صفر للعمارة وصحبته مئتا فاعل ، ونصب مخيمه وشرع في
العمارة إلى أن أكملها ، وتوجه إليه أعيان بيت المقدس وأكابرها ، وكل من توجه إليه
يصحب معه شيئا من أنواع المأكول كالعسل والسمن والغنم وغير ذلك.
وفيها استقر
القاضي بدر الدين أبو البركات حسن بن علي الحمامي الرملي الشافعي في وظيفة قضاء
الشافعية بالقدس الشريف ، والرملة ونابلس عوضا عن القاضي محيى الدين بن جبريل الغزي ، وألبس التشريف
من حضرة السلطان في ثامن صفر ، ودخل إلى القدس في يوم الاثنين سابع ربيع الأول ،
وقرىء توقيعه بالمسجد الأقصى في يوم الجمعة حادي عشر شهر ربيع الأول.
وفي يوم الأحد
رابع ربيع الآخر دخل الأمير جانم نائب مدينة القدس الشريف إليها بخلعة السلطان وأوقد له
السوق ، وكان يوما حافلا ، وقرئ توقيعه في
__________________
يوم الجمعة تاسع الشهر بحضور ناظر الحرمين الشريفين وشيخ / / الصلاحية
والقضاة ، وهو مؤرخ في ثاني المحرم.
وفيها في نهاية
الأحد خامس عشري ربيع الآخر ورد مثال القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف
إلى ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي ، بمنع القاضي زين الدين عبد الباسط
الحنبلي من تعاطي الأحكام الشرعية ، فخالف أمره واستمر يحكم أياما فأنكر عليه ذلك
، فامتنع من الحكم ، واستمر معزولا إلى أن تشفع بناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي ، والقاضي
فخر الدين بن نسيبة ، وكتب له توقيع شريف بالاستمرار ، ووصل إليه في شهر شوال.
وفيها في عشرين
من شهر رجب دخلت عين العروب إلى القدس الشريف ، وخلع الأمير قانصوه اليحياوي على
المعلمين ، وزينت المدينة ثلاثة أيام ، وكتب الأمير قانصوه محاضر وعليها خطوط
العلماء والأعيان ، لتعرض على المسامع الشريفة ، وجهزها على يد
ولده الشهابي أحمد ودواداره ، وكانت مدة عمارتها خمسة أشهر وخمسة عشر يوما ، وقد
أنفق السلطان في عمارتها مبلغا كبيرا.
وفيها في شهر
شوال قدم شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف من القاهرة المحروسة إلى القدس الشريف ،
لقصد الزيارة بعد غيبة عنه في سنة إحدى وثمانين كما تقدم ذكره.
ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثمانمائة
في يوم السبت ،
خامس عشر شهر صفر ، دخل إلى القدس الشريف قاضي القضاة شرف الدين يحيى بن محمد
الأندلسي الأنصاري المالكي ، متوليا قضاء المالكية بعد شغوره عن القاضي علاء الدين بن المزوار نحو سبع
سنين ، فإن ابن المزوار سافر من القدس في جمادى الأولى سنة اثنين وثمانين
وثمانمائة ، وأقام بالقاهرة وهو باق على الولاية إلى أن توفي في آخر جمادى الأولى سنة ٨٨٥ ه.
واستمرت
الوظيفة شاغرة إلى أن ولي القاضي شرف الدين يحيى ، المشار
__________________
إليه ، في أواخر ذي الحجة سنة ٨٨٥ ه ، ودخل إلى القدس في التاريخ المذكور.
وفي يوم السبت
خامس عشر شهر صفر أيضا ، توفي أمين الدين محمد بن أحمد الحنبلي ، المشهور بابن قطيا مباشر الأوقاف ، ومولده في سنة ٨١٦
ه ، وكانت له معرفة تامة بمصطلح المباشرة والحساب ، وكان منور الشيبة ، حسن
الشكل.
وفيها في مستهل
جمادى الأولى ، ورد جراد كثير على بيت المقدس ، فأكل غالب ثمر الكروم والزروع
والخضروات ، واستمر يذهب ويعود.
وفيها عاد شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف من القدس إلى
القاهرة فوصل إليها في جمادى الآخرة.
وفيها كان
ابتداء الفتنة بين السلطان الملك الأشرف قايتباي وبين السلطان بايزيد بن عثمان ،
ملك الروم ، وجهز السلطان التجريد لقتال ابن عثمان ، وكان المقدم على العسكر الأمير تمراز أمير سلاح ، وكان سفره من القاهرة في جمادى الأولى ، فلما وصل إلى
الرملة توجه إليه الأمير جانم نائب القدس الشريف ، وصحبته العشير المجتمع من جبل القدس ، بعد أن عرض الرجال في يوم
الجمعة ثاني جمادى الآخرة ، وتوجهوا في يوم السبت.
وفيها توجه
ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي وصحبته جماعة المباشرين إلى
القاهرة المحروسة بمرسوم شريف ورد بطلبهم وحصل لبعض المباشرين محنة من السلطان في
شهر شعبان ، ثم لطف الله بهم ، وعادوا إلى القدس الشريف ودخل ناظر الحرمين بخلعة
السلطان في يوم الخميس رابع عشري رمضان ، وكان يوما مشهودا.
__________________
ثم دخلت سنة ٨٩٠ ه
فيها توفي
الشيخ شهاب الدين العميري ، في شهر ربيع الأول كما تقدم في ترجمته ، وكان قد حصل
له السرور بعمارة المدرسة الأشرفية ، لأنه اجتهد في عمارتها وراجع السلطان فيها ،
واحتفل بأمرها فلما انتهت عمارتها أدركته المنية قبل بلوغ أمله ، فسبحان من يتصرف
في عباده بما شاء.
وفيها توفي
الشيخ سعد الله الحنفي إمام الصخرة الشريفة ، وترك ولدا صغيرا ، فحمل الولد إلى
السلطان وساعده جماعة في استقراره في إمامة الصخرة الشريفة عوضا عن والده ، وتوجه
ناصر الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حبشني ، المشهور بابن الشنتير للسعي
في الإمامة ، وساعده الأمير تمراز أمير سلاح ، فاقتضى الحال المشاركة بينهما ،
فاستقر ناصر الدين بن حبشني في نصف الإمامة ، وهو الذي كان قرره والده فيه الأمير
ناصر الدين ابن النشاشيبي ، كما تقدم ذكره في حوادث سنة ٨٧٦ ه ، واستقر إمام الدين محمد بن الشيخ سعد الله ، في النصف
وكتب لكل منهما توقيع شريف بما استقر فيه.
وفيها توجه
القاضي شهاب الدين يحيى المالكي قاضي القدس إلى الديار المصرية ليشكو حاله
من جماعة القدس الشريف ، فرسم له باستمراره في الوظيفة ، وتقوية يده وشد عضده ،
وكتب له مرسوم شريف بذلك.
ذكر إقامة نظام المدرسة الأشرفية
وفيها عين
السلطان لمشيخة مدرسته في القدس الشريف شيخ الإسلام الكمالي ابن أبي شريف / / بحكم
وفاة الشيخ شهاب الدين العميري ، وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية وسأله في القبول
فأجاب لذلك ، وألبسه كامليه ، وتوجه من القاهرة المحروسة إلى القدس الشريف وصحبته
القاضي بدر الدين أبو البقاء بن الجيعان ، والأمير جان بلاط ، ومامي والمهتار رمضان ، وجماعة من القراء
السلطانية ،
__________________
ودخلوا إلى بيت المقدس في يوم الأحد سادس شهر رجب ، ومعهم أكابر المقادسة ،
وأنعم في ذلك اليوم على جماعة بلبس الخلع الواردة من الأبواب الشريفة ، منهم نائب
الشام الأمير قانصوه اليحياوي وأولاده ، ونائب القدس الأمير جانم ، والناظر الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ،
والقاضي فخر الدين بن نسيبة ، والإمام ناصر الدين بن الشنتير ، حضر
معهم من القاهرة وألبس التشريف بطرحة ، وممن حضر معهم من القاهرة القاضي شرف الدين
يحيى المالكي ، ودخل بغير خلعة وكان يوما مشهودا.
ثم في يوم الجمعة
جلس شيخ الإسلام الكمالي بالمدرسة وعمل درسا حضره شيخ الإسلام نجم الدين بن جماعة
، والقضاة والأعيان ومن حضر من أركان الدولة السلطانية ، والخاص والعام ، وكان
يوما حافلا ، ورتبت الوظائف بالمدرسة وقرر أمرها واستوطن شيخ الإسلام
الكمالي بيت المقدس ، وسنذكر ترجمته فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ثم توجه القاضي
أبو البقاء وأركان الدولة إلى الديار المصرية في الشهر المذكور.
وفيها طلب
القاضي بدر الدين بن الحمامي الشافعي إلى الأبواب الشريفة ، وتوجه في شهر جمادى
الآخرة وغرم مالا وأنعم عليه بالاستمرار في وظيفته بالقدس الشريف والرملة ، وعاد
بعد أن خلع عليه كاملية بسمور ، ودخل إلى القدس في خامس عشري شهر رمضان.
وفيها وردت
مكاتبات القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف إلى الأمير قانصوه اليحياوي
نائب الشام ، وإلى ناظر الحرمين والقضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي ، يعلمهم
أنه بلغهم أن القاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي بالقدس الشريف يعتمد أمورا لا
تليق بمن هو راكب لهذا المنصب الشريف ، بل تسقط العدالة ، وسألهم في الكشف عليه
وتحرير أمره وإعادة الجواب بحقيقة حاله من غير مراعاة ، ليراجع في أمره المسامع الشريفة ، ليترتب على كل شيء
مقتضاه ، ووردت المكاتبات بذلك في شهر ذي القعدة ، فقدر أن القاضي كان غائبا
بنابلس ، فلما حضر إلى القدس الشريف ، حصل له محنة في الطريق بخروج
__________________
اللصوص عليه ، وأخذ جميع ما معه ، وكان ذلك سببا لعدم الكشف عليه اكتفاء
بما حصل له من المحنة ، ثم كان من أمره ما سنذكره في حوادث السنة الآتية ، إن شاء
الله تعالى.
وفيها في شهر
ذي الحجة ، توفي الشيخ جمال الدين عبد الله بن غانم شيخ حرم القدس الشريف ، واستقر
ولده الشيخ ناصر الدين محمد فيما كان بيد والده في مشيخة الحرم ، ونصف مشيخة
الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف.
ثم دخلت سنة ٨٩١ ه
في يوم الاثنين
ثالث المحرم ، دخل الأمير ماماي الخاصكي إلى القدس الشريف بخلعة السلطان والناس في خدمته ، ورسم
على أكابر البلد وأخذ منهم مالا ، فأخذ من ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي
أربعة بغال وحصانا ، ومن النائب الأمير جانم مائتي دينار ، ومن شيخ الصلاحية
ثلاثين دينارا ، ومن القاضي فخر الدين بن نسيبة أربعمائة دينار ، ومن القاضي شهاب
الدين الجوهري ثلاثمائة دينار ، وحصل للناس من ذلك شدة ، وتوجه في يوم السبت ثامن
شهر المحرم.
وفيها في يوم
الاثنين سابع ربيع الأول ، توجه القاضي فخر الدين بن نسيبة إلى القاهرة بمرسوم
شريف ورد بطلبه.
وفيها حضر
الأمير أقبردي الدوادار الكبير من القاهرة المحروسة إلى جهة نابلس ، لتجهيز الرجال للتجريدة لقتال
بايزيد بن عثمان ملك الروم ، ووصل إلى مدينة الرملة في خامس
عشري ربيع الأول ، وهو أول قدومه إلى هذه الأرض ، فنصب مخيمه على تل العوجا ، وشرع ينتقل تارة ينزل بأرض قاقون ،
وتارة بأرض اللجون ، وتارة بالرملة ، وألبس خليل بن إسماعيل خلعة مشيخة جبل نابلس على عادته ، وشرع في تجهيز الرجال
وعرضهم ودفع النفقة لهم.
__________________
وفيها في أواخر
ربيع الأول حصل للسلطان عارض ، وهو أنه ركب فرسا في الحوش بالقلعة فرماه ووقع فوقه
فكسر فخذ السلطان ، واستمر نحو شهرين ، وانزعجت المملكة لذلك ، ثم عوفي ولله الحمد
/ / وزينت مدينة القدس الشريف وغيرها من البلاد لعافيته.
وفيها عزل
القاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي من قضاء القدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ،
عليه السلام ، ونابلس ، وكان بروز الأمر بعزله في رابع عشري ربيع الآخر ، وورد علم
ذلك إلى بيت المقدس في العشر الأول من جمادى الأولى ، وخرج مختفيا في ليلة خامس
عشر الشهر المذكور ، بعد محن حصلت عليه من الشكاوى الواقعة عليه إلى دوادار
السلطان وهو بمخيمه بأرض اللجون ، وانحراف نائب القدس عليه ، وغيره من الأكابر والأعيان
ببيت المقدس ، والله الموفق.
وفيها في يوم
السبت سابع عشر رجب حضر الأمير أقبردي الدوادار الكبير إلى القدس الشريف ، بعد فراغه من المهم السلطاني
، وقصده التوجه إلى الأبواب الشريفة ، وفرش له نائب القدس الأمير جانم الشقق الحرير ، ونثر على رأسه الفضة ،
وأوقد له المسجد الأقصى ، وقدم له النائب عشرين فرسا وقطار بغال ، وعمل له سماطا عظيما ، فخلع عليه وعلى الأمير قانصوه اليحياوي نائب
الشام ، وسافر من القدس الشريف عشية يوم الأحد ، وتوجه إلى بلد سيدنا الخليل ،
عليه السلام ، للزيارة ، ثم توجه إلى مدينة غزة ، وأقام بها مدة يسيرة ، ثم توجه
إلى الديار المصرية.
وفيها في أواخر
شعبان ، حضر سيدنا ولي الله تعالى الشيخ شمس الدين أبو العون محمد الغزي القادري
الشافعي ، نزيل جلجوليا ، أعاد الله علينا من بركاته إلى القدس الشريف زائرا ، ثم توجه
لزيارة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وكان السماط قد قطع مدة أيام ، فلما قدم إلى
بلد الخليل تلقاه الفقراء والفقهاء ودخلوا معه بتلاوة القرآن والذكر وأعيد السماط
ببركته ، ثم عاد إلى القدس الشريف في سلخ
__________________
شهر شعبان ، وصام أياما في شهر رمضان ، ثم عاد إلى محل وطنه ، عامله الله
بلطفه.
وفيها استقر
الأمير خضر بك في نيابة القدس الشريف ، ووصل متسلمه السيفي كمشبغا مملوك الأمير
قانصوه اليحياوي في يوم الجمعة ثالث عشر رمضان ، فقرأ المرسوم الشريف بالمسجد
الأقصى بعد صلاة الجمعة ، ودخل النائب للقدس الشريف في يوم الثلاثاء تاسع ذي
القعدة ، بعد كبس قرية حلحول وقبض جماعة من أهلها ودخلوا معه إلى القدس بعد ضربهم
وإشهارهم على الجمال ، وقصد قتلهم عند باب الخليل فوقعت فيهم الشفاعة ، وقرئ
توقيعه يوم الجمعة ثاني عشري ذي القعدة.
وفيها احتبس
المطر حتى دخل أكثر الشتاء ووقع الحرب ، وانزعج الناس لذلك ، وتزايد ظلم النائب
وإفحاشه في حق الرعية ، بالجور وقلّ القوت لاحتباس المطر ، ومضت السنة والأمر على ذلك.
ثم دخلت سنة ٨٩٢ ه
فيها عمّر
الأمير خضر بك نائب القدس الشريف بدار النيابة المقعد الملاصق لإيوان الحكم من جهة الشمال ، وجعله على طريقة مجالس الحكام بالديار
المصرية ، وسقفه بالخشب المدهون ، وكان قبل ذلك جلوس النائب بصدر الإيوان ، فصار
جلوسه بالمقعد ، وهو أولى من النظام الأول ، وقد كتبت بأعلى المقعد تاريخ عمارته في المحرم سنة ٨٩١ ه ،
وهو خطأ وإنما عمر في المحرم سنة ٨٩٢ ه.
وفيها فشا
الغلاء في جميع المملكة ، واشتد الأمر ببيت المقدس ، وتزايد ظلم النائب وجوره فورد
مرسوم شريف بالكشف عليه وما يعتمده في حق الرعية ، وأن
__________________
يكون المتولي لذلك الأمير طومان باي الخاصكي ، وكان الخاصكي إذ ذاك
بالمملكة الشامية ، فانتظر حضوره ، وكان من تقدير الله تعالى أن الذي تسبب في بروز
المرسوم الشريف بالكشف على النائب جمال الدين يوسف بن ربيع ، أمين الحكم بالقدس
الشريف ، فلما وصل المرسوم بذلك وشرع في تدبير الأمور ، وترتيب الشكاة إلى أن حضر
الخاصكي للقدس ، وقدر الله سبحانه وتعالى وفاة جمال الدين بن ربيع في ثالث عشري
جمادى الأولى قبل حضور الخاصكي ، وصادف يوم وفاته ورود خلعة من الأبواب الشريفة
للنائب ، فخرجت جنازته الذي هو جمال الدين بن ربيع إلى ماملا ، والأسواق قد زينت
والبشائر دقت لورود خلعة النائب ولبسها ، ودخل إلى القدس في ثاني يوم وفاة ابن
ربيع ، وقد رأيت في ذلك اليوم العجب من حال الدنيا ، فإن الناس كانوا قد اختلفوا
للكشف على النائب ، والقيام في نصرة جمال الدين بن ربيع من الأكابر والعوام لبغضهم
في النائب ، فانقلب الأمر بضده ، وشرع الناس / / في الاحتفال بأمر النائب والركوب
في خدمته وتهنئته بالخلع الواردة عليه ، وشرع أهل جمال الدين بن ربيع من أولاده
وعائلته وأصحابه فيما هم فيه من عقد عزائه والنياحة عليه ، وتعاطى أسباب تكفينه
ودفنه ، والأمران في يوم واحد في ساعة واحدة ، فسبحان ناقض العزائم الذي لا يسأل عما يفعل.
فلما حضر
الخاصكي إلى القدس خمدت الأمور بوفاة جمال الدين بن ربيع ، وحضر النائب عند شيخ
الإسلام الكمالي بن أبي شريف وتلطف به ، وعاهد الله أن لا يعود لما صدر منه ، فكتب
محضر للسلطان أن النائب عائد الله على سلوك الطريق المحمودة ، وأن لا يعود لما صدر
منه ، وكتب أهل بيت المقدس من القضاة والأعيان خطوطهم بالمحضر ، وجهز على يد
الخاصكي ومضى الأمر على ذلك.
وفيها حضر إلى
القدس الشريف الأمير جان بلاط وعلى يده مرسوم شريف بالكشف على الأوقاف وتحرير
أمرها ، وحضر صحبته ملك الأمراء أقباي نائب غزة المحروسة ، ودخل إلى القدس الشريف في يوم الأحد ثاني
عشر شهر شعبان وجلس بالمدرسة الأشرفية بحضور شيخي الإسلام الكمالي بن أبي شريف ،
والنجمي بن جماعة ، والناظر والنائب ، والقضاة والخاص والعام ، وقرئ المرسوم
الشريف ، وانتهى الحال على أن جمع له من الأوقاف أكثر من ألف دينار ، فأخذها
__________________
وأخذ معه نائب القدس وناظره وجماعة الأعيان.
ثم في يوم
الخميس سادس عشري شعبان ، توجه وصحبته ملك الأمراء بغزة ، وشيخ الإسلام الكمالي
والناظر والنائب والقضاة إلى ظاهر القدس ، وجلسوا على تل الفول لإيقاع الصلح بين نائب القدس السيفي خضر ، وخليل بن
إسماعيل ، شيخ جبل نابلس ، بسبب ما وقع بينهما من التنافر ، فحصل الصلح بينهما
وكتب الجواب للسلطان بذلك ، وتوجه المشار إليه إلى نابلس.
وفيها في شهر
شعبان ، ورد مرسوم شريف بالإفراج عن الأمير قانصوه اليحياوي ، وأن يتوجه من القدس
الشريف إلى القاهرة المحروسة ، فتوجه في يوم الأربعاء يوم عيد الفطر ، فلما وصل
إلى غزة ورد خبر بوفاة الأمير قجماس نائب الشام ، فتباشر الأمير قانصوه وجماعته بولايته نيابة الشام
على عادته ، فلما قدم إلى القاهرة المحروسة أكرمه السلطان وأنعم عليه ، وأقام
أياما ، ثم استقر في نيابة الشام في أواخر السنة .
وفيها اشتد الأمر بالقدس والخليل وغيرها ، وغلت الأسعار فوصل سعر
القمح بالقدس كل مد بثلاثين درهما ، والشعير كل مد باثني عشر درهما ، والخبز كل
رطل بأربعة دراهم ، وكان الغلاء عاما في جميع المملكة.
واقعة خضر بك
وفيها فحش أمر
خضر بك النائب بالقدس الشريف ، وتزايد ظلمه وسفكه الدماء ، وأخذه أموال الناس ،
وكثر شاكوه وساءت سيرته ، فكتب شيخ الصلاحية النجمي بن جماعة في
أمره للسلطان ، فورد مرسوم السلطان على الأمير تغري ورمش ، دوادار المقر الأشرف السيفي أقبردي الدوادار
الكبير وهو بمدينة نابلس بالتوجه إلى القدس الشريف ، للكشف على النائب وتحرير أمره
، فحضر الأمير تغري
__________________
ورمش إلى القدس في يوم الخميس ثالث عشر شهر ذي الحجة ، وقرأ المرسوم الشريف
بالكشف على النائب ، فعقد له عدة مجالس ، بعضها وأولها عقب صلاة الجمعة رابع عشري
ذي الحجة ، بمحراب المسجد الأقصى الشريف ، ثم تكرر عقود المجالس في عدة أماكن بعضها بالمجمع الكائن أسفل المدرسة الأشرفية ، وبعضها
على المصطبة الكائنة عند باب جامع المغاربة ، وبعضها بالمدرسة الأشرفية ، وبعضها
بالمدرسة العثمانية ، وأكثر الناس من الشكوى عليه ، وكتبت القصص في حقه ، وحضر أهل
مدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، بأعلام المسجد الشريف والطبلخانة ، وأقيمت
الغوغائية واستمر الأمر على ذلك أكثر من عشرة أيام ، وكانت أياما مهولة مزعجة ، ثم
كتب الجواب للسلطان بما صدر من الكشف على النائب ، وما هو مرتكبه من الظلم
وسوء السيرة ، وكتب العلماء والقضاة بالمدينتين على المحضر ليعرض على السلطان ، ومما وقع أن القاضي المالكي بالقدس
الشريف ، شرف الدين يحيى المغربي الأندلسي كان في باطن الأمر يساعد النائب ويلطف
أمره ، فلما وقع الكشف ورد على ناظر الحرمين ناصر الدين بن النشاشيبي مطالعة المقر
الزيني أبي بكر بن مزهر كاتب السر الشريف ، يعلمه أنه اتصل بالمسامع الشريفة أن
القاضي المالكي بالقدس كانت سيرته أولا حسنة ، وكان يباشر بعفة ، ثم ساءت سيرته ،
وشرع يأخذ الرشوة ، وقد اقتضت الآراء / / الشريفة عزله ومنعه من تعاطي الأحكام ،
فالمخدوم يعلمه بذلك ويمنعه من تعاطي الأحكام ، مؤرخ في أواخر ذي القعدة ، فلما
وصلت المطالعة لناظر الحرمين كتم أمرها حتى يفرغ أهل الكشف على النائب ، ثم يتلطف
في عود الجواب من القاضي ، والسعي في إعادته.
فلما كان في
يوم الأحد سادس عشر شهر ذي الحجة ، عقد مجلس الكشف بالمدرسة العثمانية ، وجلس
الأمير تغري ورمش ، وناظر الحرمين ، وشيخ الإسلام الكمالي ،
وشيخ الإسلام النجمي ، والقضاة ومن جملتهم المالكي ، فأذّن العصر فقام القاضي
المالكي ليصلي ، والناس جالسون خلفه ، فوقع كلام من الناظر عرض فيه بذكر القاضي
المالكي ، وأنه يساعد النائب في أمره ، وأنه يأخذ الرشوة ، وكان
__________________
القاضي المالكي حين تكلم الناظر في المجلس كان في صلب الصلاة ، فسمع كلامه
فلما فرغ من الصلاة ، وجه خطابه للأمير تغري ورمش ، وقال له : يا خوند إن كان هذا الرجل ينسبني لأخذ الرشوة على الأحكام
الشرعية ، فهو يأخذها على الأوقاف ، فانتشر الكلام بينهما وأخذ
شيخ الإسلام الكمالي ينتصر للناظر ، وانتهر القاضي وقال له : تكذب ، فبادر الناظر
وأمر بإحضار المطالعة الواردة بعزل القاضي ، فلما قرئت قال القاضي : أنا ولايتي من
السلطان ، وهذه مطالعة القاضي كاتب السر لا انعزل بها ، فقيل له : أن كاتب السر هو
لسان الملك ، وقائم مقامه في العزل والولاية ، وصرح الناظر بمنعه من تعاطي الأحكام
الشرعية ، فكثر الغوش على القاضي من الناس ، وأفحشوا له بالقول ، وخرج من المجلس
معزولا ، فتوجه من حينه إلى القاهرة ولم يقدر له ولاية بعد ذلك ، ثم توجه إلى بلاد
اليمن ، فتوفي بها كما تقدم في ترجمته ، ثم كتب الجواب للسلطان بما صدر من الكشف
على النائب وما هو مرتكبه من الظلم وسوء السيرة ، وكتب العلماء والقضاة والأعيان
بالقدس خطوطهم على المحاضر ، وكتب أهل الخليل أيضا محاضرة ، وكتب عليها قاضي بلد
الخليل وأعيانه ، وجهزت لتعرض على المسامع الشريفة ، ومضت السنة المذكورة والأحوال
مضطربة لما وقع فيها من الكشف على النائب ، وغير ذلك من اختلال النظام والله
المدبر.
ثم دخلت سنة ٨٩٣ ه
فيها شهر
المحرم توجه نائب القدس الأمير خضر بك إلى الأبواب الشريفة بعد صدور الكشف عليه كما تقدم ، وتوجه أيضا ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن
النشاشيبي في الشهر المذكور وتمثل كل منهما في الحضرة الشريفة ، فلما وقف النائب
للسلطان ، وكان قد عرض عليه ما كتب في حقه من محاضر الكشف ، ضربه السلطان وسجنه
ورسم أن يدفع ما عليه من الحقوق لأربابها وعزله من النيابة ، وأما الناظر فإنه
استعفى من وظيفته ، وسأل في عزل نفسه ، فتوقف السلطان في ذلك فادعى العجز وألح
عليه في الاستعفاء فاعفي ، وشغرت كل من الوظيفتين النيابة
__________________
والنظر ، وبرز المرسوم الشريف لملك الأمراء أقباي نائب غزة بتجهيزه دواداره
السيفي خشقدم ، فقدم إلى القدس يوم السبت ثامن عشر المحرم وأحسن السياسة.
وفيها في شهر
صفر استقر الأمير دقماق دوادار إينال الأشقر في نظر الحرمين الشريفين ونيابة
السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، ببذل عشرة آلاف دينار
للخزائن الشريفة غير ما تكلف لأركان الدولة ، وحضر متسلمه طرباي إلى القدس الشريف في يوم
الثلاثاء ثامن عشري شهر صفر ، وكان ذلك من أقبح الأمور وأشنعها ، فإن الناظر
للحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، كان من أهل الخير والصلاح
فأبدل بظالم عاجز ، وهو كما قيل : «لا ذات ولا ذوات» .
وفيها قطع
السماط الكريم بحضرة الخليل ، عليه السلام ، من أول السنة إلى عشري جمادى الأولى ،
ثم عمل من الشعير ولم يعلم أنه قطع مثل ذلك من تقادم السنين ، فالحكم لله العلي
الكبير.
وفيها حضر
دقماق إلى القدس من الرملة ثالث عشري جمادى الأولى.
وفيها أنعم
السلطان على القاضي فخر الدين بن نسيبة بالرضى وألبسه خلعة من الحضرة الشريفة ،
وأذن له في التوجه إلى محل وطنه بالقدس الشريف ، فسافر هو والأمير أقبردي الدوادار
الكبير وصحبته القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف من القاهرة المحروسة إلى
جهة نابلس ، لتجهيز الرجال للتجريدة لقتال بايزيد خان بن عثمان ، خان ملك الروم ، فوصلا إلى الرملة في يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى ، فسافر
الأمير دقماق ناظر الحرمين الشريفين / / نائب السلطنة وصحبته جماعته المباشرين
وتوجه الناس للقائهم من القدس الشريف إلى مدينة غزة ، ودخلوا إلى الرملة في يوم
الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى ، فاجتمعا بالمشار إليهما ، وحضر أعيان أهل بيت
المقدس للقاضي كاتب السر والدوادار الكبير بالرملة ، منهم شيخ الإسلام الكمالي بن
أبي شريف ، وشيخ الإسلام النجمي بن جماعة ، والقضاة والأعيان ، وتسلم الأمير دقماق
والقاضي فخر الدين
__________________
من مال الخزائن الشريفة الوارده على يد الأمير الدوادار الكبير ، فدفع إليهما خمسة آلاف دينار ليصرف ذلك على الرجال المعينين
من جبل القدس والخليل ، وأذن لهما في التوجه إلى القدس ، فتوجها من الرملة في يوم
الاثنين ثالث عشري جمادى الأولى ، ودخلا إلى القدس في يوم الخميس سادس عشري جمادى
الأولى ، والأمير دقماق بخلعة السلطان للنيابة والنظر وهو متوشح بأطلسين على العادة والقاضي فخر الدين بكاملية على سمور
وكان يوما حافلا ، وقرأ توقيع النائب في يوم الجمعة ثاني يوم دخوله ، وحصل للنائب
ضعف شديد عقب ذلك وانقطع ، فتولى القاضي فخر الدين أمر تجهيز الرجال وصرف المبلغ
عليهم ، وتوجه بهم من القدس الشريف في يوم الجمعة ثالث رجب إلى الأمير الدوادار
الكبير ، وتوجه الدوادار الكبير وكاتب السر لجهة نابلس وجهزا الرجال من جبل نابلس ، ثم توجه القاضي كاتب السر في شهر
رجب وهو متوعك إلى الأبواب الشريفة فوصل إلى محل وطنه ، واستمر متوعكا إلى أن توفي
في يوم الخميس سادس شهر رمضان ، وصلي عليه صلاة الغائب بالمسجد الأقصى في يوم
الجمعة ثامن عشري رمضان رحمه الله ، وعفا عنه.
ثم توجه بعده
الدوادار الكبير في شهر شعبان وسارت العساكر الإسلامية لقتال بايزيد خان بن عثمان خان.
وفيها منّ الله
على عباده بحصول الرخاء وتيسر الأقوات وانحطاط الأسعار ، وحصل الرفق للعباد في
وجود الشدة بسبب التجاريد وذهاب الناس إلى بلاد الروم ، فسبحان من يتصرف في عباده.
وفيها استقر
شيخ الشيوخ جلال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي
شريف الشافعي ، أخو شيخ الإسلام الكمالي في ربع وظيفة المشيخة بالخانقاه الصلاحية
بالقدس الشريف ، بنزول شرعي صدر له من الشيخ ناصر الدين محمد بن غانم شيخ
الحرم ، وتوجه إلى الديار المصرية لإخراج توقيع شريف على حكم النزول فأجيب إلى ذلك
وكتب له التوقيع الشريف ، وحضر من
__________________
القاهرة المحروسة وباشرها ، وهي مستمرة بيده إلى يومنا.
وفيها تزايد
ظلم دقماق نائب القدس الشريف ، وكثر طمعه وتلاشت أحوال المعاملة واختل نظامها ، وكثر
السراق وأفحشوا في قطع الطرق ، وقتل الأنفس وبقي الناس في شدة ، فإن دقماق المذكور كانت مباشرته على
طريقة النائب جقمق ، المتقدم ذكره ، يصدر منه كلمات مهملة في المجالس والمحافل
توجب انتقاص الناس له ، وكان يخاطب آحاد الناس بالترهات الفشرية ويعمل أفعالا
لا تليق ، منها أنه وزن نفسه في القبان ، وكان يجالس السفهاء ويضحك معهم ويخاطبهم
بالمزاح ، وكان إذا مر بجماعة يقول سلام عليكم جماعة ، فنقموا عليه بذلك وشرع بعض
الناس يرتب ألفاظا ويسجعها ، منها : سلام عليكم جماعة دقماق عنده سقاعة ، فبلغه
ذلك وطلب ذلك الرجل وقال له : تقول عني كذا ، فقال : حاش لله إنما قلت سلام عليكم
جماعة دقماق عنده شجاعة ، فشرع النائب يضحك ويتكلم بالسخريات ، وقع له أنه حكى عن
نفسه حكاية معناها أنه كان في مكان مخوف ، وأنه ظهر عليه جماعة وطردوه فهرب ،
فمن ألفاظه أنه قال : فأخذت فلسي في كفي وقمت القيام ، وأشياء من هذا النسق أوجبت
تلاشي أحواله واختلال نظامه فكان أمره بخلاف دقماق الإينالي ، المتقدم ذكره ، فإنه ولي مدة
يسيرة ، فكانت سطوته وهيبته تضرب بها الأمثال ، فهو يوافقه في الاسم ويخالفه في
الفعل.
وفيها استقر
القاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم الرجبي ، المشهور بابن مازن الغزي المغربي المالكي في وظيفة قضاء / / المالكية بالقدس
الشريف ، بعد شغورها عن القاضي شرف الدين يحيى الأندلسي ، المتقدم ذكره ، من أواخر
سنة اثنتين وتسعين وكتب توقيعه بذلك في ثامن عشر شوال ، وورد كتابه إلى القدس
الشريف ، باستخلاف القاضي كمال الدين أبي البركات محمد بن الشيخ خليفة ، فباشر عنه
من شهر ذي الحجة سنة ٨٩٣ ه.
وفيها توفي
القاضي شهاب الدين أحمد بن الغزي سبط الجوهري وفيه اشتهر ، وكان عنده معرفة تامة بالحساب والمباشرة وأحوال الناس
وباشر العمالة
__________________
بالمسجد الأقصى الشريف ، ثم نزل عنهما وكان له مروءة وقيام مع أصحابه مع
لين جانب ، وساد ورأس ، وكان يترفه في الملبوس الحسن والمأكل ، وعنده حشمة وتواضع
، ووفاته في شهر ذي القعدة ، وقد قارب الستين ، ودفن بماملا ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة ٨٩٤ ه
فيها حضر
الأمير اقبردي الدوادار إلى جبل نابلس في شهر المحرم بسبب القبض على
بني إسماعيل مشايخ جبل نابلس ، لما حصل منهم التقصير في المهم الشريف ببلاد الروم ،
وبرز الأمر لنائب القدس دقماق باسترجاع مال التجريدة ممن كان دفع إليه من الرجال ، لما نسب إليهم
من التقصير وعودهم من بلاد الروم بغير إذن ، فأحضر دقماق كل من أخذ شيئا واسترجع
منه بالضرب والحبس وأفحش في الأمور ، ومن الناس من تسحب فقبض على من يكون منسوبا إليه من أقاربه وأصحابه وجيرانه ، وشرع
يضرب الناس بالمقارع ، ويضعهم في الحبس وفعل بهم فعلا لم يسمع بمثله في زمن الجاهلية ، حتى أن بعض الناس باع ابنته
كما يباع الرقيق ، وتفاحش الأمر وبقي الناس في شدة شديدة ومحنة ، لم تعهد بالأرض المقدسة قبل ذلك مثلها ، فسبحان من يتصرف في
عباده بما يشاء ، وتوجه الدوادار الكبير في أوائل جمادى الأولى إلى محل وطنه بالديار
المصرية.
وفيها في شهر
صفر أحدث النصارى المقيمون بدير صهيون ظاهر القدس الشريف قبة بالقرب من الدير ،
وزعموا أن مكانها مقام السيدة مريم ، عليها السلام ، وأحكموا بناءها وجعلوا بها من جهة الشرق الهيكل الذي يعمل في الكنائس ، وصارت
كنيسة محدثة بدار الإسلام ، وكان المساعد دقماق النائب ، وأذن لهم في
__________________
البناء بمال بذل له ولغيره في ذلك ، وحصل الوهن في الإسلام بذلك فمنّ الله بزوالها
كما سنذكره في السنة التالية إن شاء الله تعالى.
ذكر تجديد البيعة للسلطان
وفيها غضب
السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي من مماليكه ، فقصد خلع نفسه من الملك
والخروج من الديار المصرية ، وكان ذلك في يوم السبت رابع شهر ربيع الآخرة بحضرة
أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي العز عبد العزيز بن يعقوب أعز الله به الدين ، وقضاة القضاة الأربعة وهم : شيخ
الإسلام زين الدين أبو محمد زكريا الأنصاري الشافعي ، وشيخ الإسلام ناصر الدين
محمد الأخميمي الحنفي ، وشيخ الإسلام محيى الدين عبد القادر بن تقي الدين المالكي
، وشيخ الإسلام بدر الدين محمد السعدي الحنبلي ، وغيرهم من الأمراء وأركان الدولة
فوقع منه بحضرتهم ما يؤذن بخلعه بأن قام وخلع سلاريه عنه ، ورمى به بعد أن تبرأ من السلطنة ، وتنحى عن المرتبة وقال مخاطبا لعسكره : ها
أنتم وها الخليفة الذي بيده ولاية السلطنة ، وهؤلاء الأمراء ففيهم من هو أهل
للسلطنة فاختاروا من شئتم ، وأنا أتوجه من هنا إلى مكة في جماعة قليلة ولا أعارضكم
في سلطنتكم ، وكلمات أخرى نحوا من هذا ، فجزع الناس لذلك ، ثم استعطف خاطره
واسترضى وجددت له البيعة بالسلطنة ، وكان يوما مشهودا.
وفيها حضر إلى
القدس الشريف القاضي شمس الدين محمد بن مازن المالكي ، وبيده التوقيع الشريف بولاية القضاء ، وكان
قدومه في يوم الأربعاء ثامن ربيع الأول
__________________
وفيها قصد أمير
عربان جرم وهو أبو العويسر أن يجدد مظلمة على الفلاحين بجبل نابلس والقدس الشريف
ويأخذ منهم مالا ، وكان أبو العويسر صغيرا دون البلوغ وكان صاحبه هو المدبر لأمره ، فقام في
ذلك شيخ الإسلام / / نجم الدين بن جماعة شيخ المدرسة الصلاحية ، ومنعه من ذلك ،
وجلس بالمسجد الأقصى عند الشباك المطل على عين سلوان ، وجلس معه شيخ الإسلام
الكمالي بن أبي شريف والقضاة والمشايخ ، وكتبوا محضرا ووضعوا خطوطهم به ، أن ذلك
لم تجر به عادة قبل اليوم ، وجهز المحضر إلى الأمير أقبردي الكبير دوادار المقام الشريف وهو بمخيمه بالرملة ، ولم
يمكن أمير جرم من أخذ شيء من الفلاحين ، وسطرت هذه المثوبة في صحائف شيخ الإسلام
النجمي ابن جماعة.
وفيها ورد
مرسوم شريف في شهر شعبان على يد قاصد من باب الأمير أزبك أمير كبير يتضمن أن رهبان دير صهيون أنهوا أن من حقوق
ديرهم جميع القبو المجاور له ، وكان مدفنا لموتاهم وأن جماعة من المسلمين زعموا
أنه به قبر داود عليه السلام وبنوا به محرابا للقبلة وليس الأمر كذلك ، وأن
العلماء أفتوا أنه من استحقاق النصارى ولا يجوز أن يكون مسجدا لكونه مقبرة ، وبرز
الأمر بتحرير ذلك وتسلم القبو للنصارى ، ومنع من يعارضهم ، وعقد مجلس بدار النيابة
حضره القضاة ، وقصد بعض الناس إعانة النصارى على انتزاعه من المسلمين ، فعز ذلك
على أهل الإسلام لكونه بأيديهم ، وفيه قبلة إلى الكعبة المشرفة ، فخذل
الله النصارى ، وانصرف المجلس من غير شيء ، وسنذكر تتمة هذه الحادثة في السنة
الآتية ، إن شاء الله تعالى.
وفيها ورد مرسوم شريف على دقماق نائب القدس الشريف بطلب
المباشرين إلى الأبواب الشريفة والحفظ عليهم ، بسبب تقصيره في سماط سيدنا الخليل ، عليه
السلام ، ومن جملة ألفاظ المرسوم يا ملعون أنت ما أنت مسلم ، وقرئ المرسوم في مجلس
حافل بحضرة الخاص والعام بدار النيابة في يوم
__________________
الجمعة خامس عشري شعبان ، ومما تضمنه المرسوم عزل القاضي شمس الدين الديري
الحنفي من قضاء الحنيفية بالقدس الشريف ، وتجهيزه إلى الأبواب الشريفة
فأعيد الجواب في التلطف في أمره واستمر مقيما إلى أن حصل الإنعام عليه بإعادته
إلى وظيفته في أواخر شهر ذي القعدة ، وفي شهر ذي الحجة بعد عيد الأضحى توجه القاضي
شمس الدين محمد بن مبارك المالكي إلى محل وطنه بغزة ، واستخلف عنه في الحكم
القاضي كمال الدين أبو البركات ابن الشيخ خليفة على عادته.
ثم دخلت سنة ٨٩٥ ه
فيها قحط المطر
ببيت المقدس حتى مضى غالب الشتاء ، وانزعج الناس لذلك وصاموا ثلاثة أيام ثم استسقوا
في صبيحة يوم الأحد خامس عشر ربيع الآخرة بالصخرة الشريفة ، وخطب الخطيب شرف الدين
بن جماعة خطبة بليغة وتضرع وابتهل ، وضج الناس إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء
ودخلوا إلى الجامع الأقصى بالذكر والتهليل ، ثم انصرفوا ولم يسقوا في يومهم ، بجزع الناس لذلك وتضرعوا إلى الله تعالى فلما مضى
النهار وأقبلت ليلة الاثنين أغاث الله عباده بالمطر الغزير ، فامتلأت الآبار ورويت
الأرض وأظهر الله إجابة الدعوة من عباده الضعفاء ، فاطمأن الناس وحمدوا الله وأثنوا عليه وله الحمد والمنة ، وقيل : أنه
كان عبدا أسودا سند ظهره إلى زيتونة من زيتون المسجد الأقصى وهو يتضرع إلى الله
تعالى ويبكي فما أتم دعاءه إلا وقد نزلت الرحمة ، فرآه إنسان فاشتراه من سيده وأخبر بما رآه منه ، فبات تلك الليلة وقد توفي إلى رحمة
الله تعالى ، فرأى سيده في ثاني ليلة في المنام العبد المذكور وهو يقول : روح
للمكان الذي رأيتني به ، وابحش فيه فما رأيت به فخذه ، فانتبه ذلك الرجل وهو مذعور
فلما أصبح الصباح راح إلى ذلك المكان وفعل كما قيل له في النوم ، وإذا هو بصره بها
المبلغ الذي وزنه في ثمن
__________________
العبد المذكور لا يزيد ولا ينقص ، فسبحان القادر على كل شيء ، فاطمأن الناس
وحمدوا الله وأثنوا عليه ، وله الحمد والمنة.
وفيها اشتد
الأمر بسبب التجريدة لقتال بايزيد خان بن عثمان ، خان ملك الروم ، وتجهز الرجال من قبل نابلس
والقدس وجبل الخليل وغيرها ، وتوجه الأمير أزبك أمير كبير الأمراء
والعساكر فلما وصل إلى مدينة الرملة ، وكتب مرسومه إلى شيخ الإسلام ببيت المقدس وإلى مشايخ الإسلام والقضاة بسبب رهبان دير
صهيون وما أنهوه من جهة القبو الذي يقال أن به قبر داود عليه السلام ، وأن يحرر
الأمر فيه ، وإذا تبين أنه من استحقاق النصارى بالطريق الشرعي يسلم إليهم ، فعقد
مجلس بذلك بالمدرسة التنكزية بحضرة شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف وشيخ الإسلام
/ / النجمي ابن جماعة ، ودقماق ناظر الحرمين ونائب السلطنة والقضاة
، ودار الكلام بينهم في تحرير أمره وكتبوا محاضر يتضمن أن هذا المكان به محراب إلى جهة القبلة ، وأنه
بأيدي المسلمين من تقادم السنين ، وكتب العلماء والقضاة والفقهاء خطوطهم بالمحضر ، ولم يلتفت إلى النصارى ولا إلى من
يساعدهم في ذلك ، وهم مستمرون على العناد ، لعنة الله عليهم.
واقعة قبر داود عليه السلام
والقبة المحدثة
عند دير صهيون والكشف على دقماق ناظر الحرمين ونائب القدس الشريف.
وفيها عقب ما
تقدم ذكره من أمر النصارى كتب شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف للسلطان مكاتبتين ،
إحداهما ذكر فيها أن المسجد الأقصى قد اختل نظامه
__________________
واحتاج إلى العمارة وإقامة الشعائر ، والثانية في قضية القبة التي أحدثها النصارى عند دير صهيون ، وأنها صارت
كنيسة محدثة في دار الإسلام ، وما وقع بسبب القبو الذي يقال أن به قبر
داود عليه السلام ، وجهز المكاتبتين للسلطان ، فعرضتا عليه واقترن بذلك كثرة
الشكاوى على دقماق نائب القدس الشريف لما يصدر منه من الظلم والجور وقطع الطريق في أيامه ، فجهز السلطان خاصكيا اسمه أزبك بالكشف على النائب ، وكتب مرسوما شريفا مطلقا بما وقع على
النائب من شكوى الرعية ، وما يعتمد في حقهم ، وأن يحرر أمره ويعاد الجواب على
المسامع الشريفة ، ومرسوم ثاني مختص بالشيخ كمال الدين جوابا لمكاتبتيه ، المتقدم
ذكرهما ، وأن يحرر أمر المسجد الأقصى الشريف وما هو محتاج إليه من العمارة ، وأن
ينظر في أمر القبة التي أحدثها النصارى عند دير صهيون ، وإذا كان البناء مخالف
للشرع يهدم ، ويحرر أمر قبر داود عليه السلام ، ويعمل بما يقتضيه الشرع الشريف
وإعادة الجواب بما يتحرر من ذلك ، فوصل الخاصكي إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام
، وجلس بالمسجد الشريف الخليلي ، وحصل الكشف على النائب بمدينة
سيدنا الخليل فكثرت عليه الشكاوى بسبب سماط سيدنا الخليل عليه السلام ، وما حصل
منه من الضرر لأهل بلد الخليل ، وكتب محاضر بذلك بخط قاضي
الخليل وأهل البلد ، ثم حضر الخاصكي والنائب صحبته فدخلا إلى القدس الشريف في يوم
الخميس آخر جمادى الآخرة ، وجلسا في محراب المسجد الأقصى ، وجلس مشايخ الإسلام
والقضاة والخاص والعام ، وقرئ المرسوم الشريف الوارد بالكشف على النائب ، والمرسوم
الثاني بسبب النصارى وما أحدثوه ، وضج الناس وأكثروا من الشكوى
على النائب ، وأفحشوا له في القول وأصبح الناس في يوم الجمعة جلسوا بالمجمع أسفل المدرسة الأشرفية ، وشرعوا في الكشف على النائب وادعى
عليه كثير من الناس
__________________
عند قضاة الشرع الشريف بأمور أنكر بعضها واعترف ببعض.
هدم القبة
فلما كان في
يوم السبت ثاني شهر رجب توجه الشيخ كمال الدين بن أبي شريف ، وشيخ الإسلام النجمي بن جماعة ، ودقماق
النائب وأزبك الخاصكي ، والقضاة والخاص والعام إلى دير صهيون ، وجلسوا بداخل القبة
التي أحدثها النصارى ، وتكلموا في أمرها فتحرر من أمرها أن النصارى أنهوا أن بقرب
دير صهيون قبرا يسمى القبر المنسي ، وأنه يقصد للزيارة وأن مرادهم البناء عليه ،
وأثبتوا محضرا أن هذا المكان هو القبر المنسي ، فبنوا القبة المذكورة اعتمادا على
أن القبر المنسي تحتها ، فلما جلس العلماء والقضاة لتحرير ذلك تبين الأمر بخلاف ما أنهوه ، بمقتضى أن القبر
المنسي في موضع آخر بالقرب من القبة في حاكورة هناك ، وأمر مجهول لا يعلم ما هو ، وأن المدفون به حيث كان
مسلما فلا دخل للنصارى في البناء عليه ، وتحرر أن محل القبة المذكورة إنما هو
المكان الذي تزعم النصارى أنه مقام السيدة مريم ، عليها السلام ، وقد بنيت القبة
على صفة الكنائس ، وبها هيكل إلى جهة الشرق ، فلما اتضح ذلك أقيمت البينة عند
القاضي بدر الدين بن الحمامي الشافعي ، أن القبة المذكورة محدثة في دار الإسلام ، وأن
المتولي لبنائها رئيس دير صهيون ، ورجل آخر من النصارى بسعيهما في ذلك ، وحضرا بالمجلس وسألهما القاضي عن ذلك ،
فاعترفا ببنائها وأنهما المتسببان في ذلك ، فألزمهما هدمها ، ونفذ له بقية القضاة ما صدر في الإلزام بالهدم.
وأما القبو
الذي يقال أن به قبر داود / / عليه السلام ، فتحرر من أمره أنه كان قديما بأيدي
النصارى ، وحصل فيه نزاع كثير من المسلمين في الزمن السابق من نحو مائة سنة ، ورفع
أمره إلى الملوك السالفة منهم الملك المؤيد شيخ ، والأشرف برسباي ، وغيرهما وكتب
مراسيم شريفة في أمره ، وكثر النزاع في الزمن السالف
__________________
بين المسلمين والنصارى بسببه ، وكان تارة يأخذه المسلمون وتارة يسترجعه
النصارى ، ولم يزل أمره في تخبيط إلى زمن الملك الظاهر جقمق ، فرفع أمره
إليه وكان من أمره ما تقدم شرحه في ترجمته في سنة ٨٥٦ ه ، واستقر قبر داود من ذلك
التاريخ بأيدي المسلمين بمرسوم الملك الظاهر جقمق وبنى به قبلة إلى جهة الكعبة
المشرفة ، بالقبو المذكور محراب موجه إلى جهة صخرة بيت المقدس وبه صفة قبر يقال :
أنه قبر داود ، عليه السلام ، وولي النظر عليه الشيخ يعقوب الرومي الحنفي عالم الحنفية بالقدس
الشريف ، وكتب له مربعات حبسية من الملك الأشرف إينال والملك الظاهر خشقدم ، بمرتب
يصرف للمكان المذكور ، واستمر بأيدي المسلمين إلى عصرنا من غير منازع ، وتحرر أمر
ذلك على الصفة المذكور ، ولم يتبين للنصارى ما يقتضي استحقاقهم له ، ولا ما يسوغ انتزاعه
من المسلمين ، فعند ذلك جلس مشايخ الإسلام والقضاة والأعيان بالقبو المذكور وقرأوا
القرآن ، وذكروا الله تعالى ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ،
وكان يوما مشهودا أعز الله فيه الإسلام وأعلى كلمة الإيمان ، وقمع عبدة الصلبان ،
فلله الحمد والمنة.
ثم انصرف الناس
إلى داخل المدينة للكشف على النائب ، وحصل الاتفاق مع النصارى أنهم في اليوم
الثاني وهو نهار الأحد يهدمون ما أحدثوه من بناء القبة المذكورة ،
وانفصل الأمر على ذلك ، فلما دخل الناس إلى المدينة ورد الخبر أن السلطان قدم إلى مدينة
الرملة ونصب خيامه بها ، فاضطرب الناس لذلك وشرع الناس من الأعيان والأكابر في التأهب للقاء السلطان ، وبقي
الخلق في هوج وموج فأشار شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف بالمبادرة إلى هدم القبة
المذكورة قبل التوجه إلى لقاء السلطان خشية من عارض يحدث.
ثم ركب بنفسه
وتوجه وصحبته الخاصكي والنائب والقضاة والجمع الغفير ،
__________________
وعادوا على الفور إلى دير صهيون وأمروا بهدمها وهم جلوس هناك ، فأحضرت آلات
الهدم ، وانتهز أهل الإسلام الفرصة وهدموا القبة عن آخرها ، ودكوها دكا وأشبعوا الكافرين صكا ، واستمر الهدم من ضحى النهار إلى
آخره ، وعمل فيه خلق من الفقراء والفقهاء والصوفية والزهاد والخاص والعام ، كل ذلك
والمسلمون تعلوا أصواتهم بالتسبيح والتهليل والتكبير ، وكان يوما مشهودا يذكر ما
سلف من الغزوات ونصرة الإسلام على ملة الكفر ، وهذه المثوبة في صحائف شيخ الإسلام
الكمالي فإنه هو الذي كان سببا لهذا المعروف ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين
خيرا ، فلما انتهى الهدم ولم يبقى للقبة أثر ، ورد الخبر من مدينة الرملة من جماعة
حضروا منها في ذلك الوقت أن السلطان لم يكن حضر ، ولا خرج من القاهرة ، وأن الخبر
الوارد بقدومه إلى الرملة لا أثر له ، فعجب الناس لذلك ، وعد ذلك من بركة شيخ الإسلام ، فإنه لما
ورد الخبر بقدوم السلطان كان السبب إلى الإسراع بهدم القبة ، ووقع جميع ذلك في يوم
السبت ثاني شهر رجب ، كما تقدم ذكره ، وكتب محضرا بما وقع في أمر القبة ، وهدمها
بحكم الشرع الشريف ، وما تحرر من أمر قبة قبر داود عليه السلام ، وأنه تبين أنه بأيدي المسلمين
من تقادم السنين ، وما وقع فيه من القراءة والذكر ، وكتب شيوخ الإسلام والقضاة
والفقهاء خطوطهم على المحاضر ، ولما حضر الخاصكي بالكشف كان القاضي المالكي شمس الدين بن مازن بغزة ،
فحضر بعد الشروع في الكشف على النائب بنحو ثلاثة أيام ، وكتب خطه مع الجماعة على
المحاضر ، وأصبح الناس في يوم الأحد في الشروع فيما يتعلق بالكشف على النائب ،
وحصل التشديد من الخاصكي عليه ، وأغلظ عليه في القول ، ووضع في الترسيم ، وكتب
الجواب للسلطان بمحاضر عليها خطوط أعيان بيت المقدس بما تحرر من / / أمر النائب
وسوء سيرته ، وما اعتمده في حق الرعية من الظلم وعدم سلوكه الطريق الحميدة ، وخراب المسجد
الأقصى الشريف ، وجهزت المحاضر على يد الإمام ناصر الدين محمد بن الشنتير ، إمام
الصخرة الشريفة ، فبادر النائب وجهز دواداره طرباي خفية إلى القاهرة ، واجتمع
__________________
بالأمير أقبردي الدوادار الكبير ، وأعلمه بما وقع في حق أستاذه ووعده
بمال ، فانتصر للنائب ، ثم علم بوصول إمام الصخرة وما على يده من المحاضر ، فجهز
له من تلقاه إلى ظاهر القاهرة ، وقبض عليه ، ووضعه في الترسيم ومنعه من
الاجتماع بالسلطان ، واستمر الأمر بالقدس الشريف على ما هو عليه من الكشف على النائب ، وعقدوا
المجالس نحو ستة وعشرين يوما ، وحصل للنائب شدة من الإساءة عليه
من أقل العوام ، فلما كان في اليوم السادس والعشرين من شهر رجب
والناس مجتمعون بالمدرسة الأشرفية من المشايخ والقضاة والخاص والعام ، إذ ورد مرسوم شريف على يد قاصد
النائب طرباي ، يتضمن الإنكار على الخاصكي لما وقع منه في حق النائب ، لكونه رسم
عليه بغير مرسوم شريف ، وأن الآراء الشريفة اقتضت حضور النائب إلى الأبواب الشريفة
، وشيخ الصلاحية والقاضي فخر الدين بن نسيبة ، والخاصكي يعيد للنائب جميع
ما وصل إليه منه حتى النفقة ، فلما ورد هذا الخبر حصل للنائب الفرج بعد الشدة ،
ودق الطبلخانة ، وشرع في تتبع من أساء الأدب في حقه ، فاختفى كثير من الناس ،
وانزعج الأكابر ، وانقلب الأمر بنصرة النائب على من خاصمه ، واسترجع من الخاصكي
كل ما دفعه إليه ، وكانت فتنة فاحشة ، ثم في أوائل شعبان توجه من القدس الشريف كل
من النائب وشيخ الإسلام النجمي ابن جماعة ، والقاضي فخر الدين بن نسيبة ودخلوا إلى
القاهرة المحروسة ، وورد مرسوم شريف لشيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف بالتكلم على المسجد الأقصى الشريف ، ومقام سيدنا الخليل
عليه السلام ، فتوجه إلى بلد سيدنا الخليل وأقام نظامه وأصلح أمر السماط الكريم ،
ولما وصل الجماعة المطلوبون للقاهرة ، قدر أن الشيخ نجم الدين بن جماعة تكلّف
مبلغا نحو ألف دينار ورسم له باستمراره في وظيفته ، وعاد إلى بيت المقدس في شهر
شوال ودخل في
__________________
الليل ، والقاضي فخر الدين بن نسيبة حصل له محنة من السلطان وأخرجه إلى
اللواح ، فأقام بها نحو سنتين ، ثم في سنة ٨٩٧ ه رسم بعوده إلى القاهرة ، فعاد وهو مقيم بها إلى يومنا
هذا والله لطيف بعباده ، وأما النائب فإنه انتمى إلى الدوادار الكبير وبذل مالا
ورسم باستمراره في النيابة والنظر.
ومما وقع في
هذه الحادثة أنه لما توجه ناصر الدين إمام الصخرة بالمحاضرة كما تقدم أشهد عليه دقماق أنه
عزل مما بيده من نصف إمامة الصخرة ، وقرر فيها القاضي شهاب الدين بن المهندس ،
فلما وصل النائب إلى القاهرة ورسم له باستمراره في النيابة والنظر ، حصل لإمام
الصخرة ناصر الدين بن الشنتير الاجتماع بالسلطان ، ولامه على ما صدر منه من التكلم
فيما لا يعنيه من سفره بالمحاضر ، وكونه يفعل قاصدا ووبخه بمثل ذلك ، فاستغفر الله
سبحانه وتعالى ، وكان لفظه للسلطان يا مولانا أعف عني عفا الله عنك ، ووقع بينهما
كلام لطيف من جملته أن السلطان أمره أن يرمي بحضرته النشاب ، فرمى فأعجب السلطان
رميه وأمره أن يجعل عمامته كعمامة الجند كما كانت أولا ، وحصلت له عناية فرسم
السلطان باستمراره في نصف الإمامة على عادته ، وعزل القاضي شهاب الدين بن المهندس
، وكتب له توقيع شريف بذلك معناه أن يستقر في نصف الإمامة على عادته ، وعزل شهاب
الدين بن المهندس الذي قرره المجلس العالي دقماق بغير طريق شرعي ولا مرسوم شريف ، وحضر إمام
الصخرة إلى القدس الشريف في شهر رمضان ، وقرئ توقيعه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة عقب ختم البخاري ، وإهدائه في صحائف
السلطان ، وفي رابع شهر شوال توجه القاضي شمس الدين بن مازن المالكي إلى وطنه بغزة
، واستخلف عنه في الحكم بالقدس القاضي تقي الدين أبا بكر ابن العلم المالكي ، قاضي
الرملة.
وفيها / /
استقر القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن المهندس ، المقرئ الحنفي في
وظيفة قضاء الحنيفية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، عوضا عن
القاضي شمس الدين الديري بمساعدة الأمير
__________________
دقماق ناظر الحرمين ونائب القدس ، والسبب في ذلك أنه لما حصل الكشف على
النائب حصل له من القاضي شمس الدين الديري كلمات أغلظ فيها عليه فوجد في نفسه ،
فلما تقرر القاضي شهاب الدين بن المهندس في نصف إمامة الصخرة الشريفة ، ولم يتم له
الأمر في الإمامة ، سعى له في قضاء الحنفية ، لكونه سافر في خدمته مساعدا له ،
وأجيب إلى ذلك وبرز الأمر بولايته في ثاني عشري رمضان ، ووصل مرسوم الإعلام إلى
القدس الشريف في أواخر شهر ذي القعدة ، ومنع القاضي شمس الدين الديري من الحكم.
وفيها حضر
الأمير أقبردي الدوادار الكبير إلى القدس الشريف متوجها إلى جهة الغور ، ووصل إلى القدس في يوم الأحد سابع عشر ذي الحجة
، ونزل بخان الظاهر واستمر إلى يوم الثلاثاء تاسع عشر الشهر ، ودخل إلى المسجد
الأقصى فصلى ركعتين ، ثم ركب من حينه إلى الغور.
ثم دخلت سنة ٨٩٦ ه
في يوم الخميس
خامس المحرم ، دخل الأمير دقماق نائب السلطنة وناظر الحرمين إلى القدس ، وهو لابس
خلعة الاستمرار كاملية بسمور ، وصحبته القاضي شهاب الدين بن المهندس الحنفي وهو
لابس تشريف الولاية ، وفي يوم الجمعة ثاني يوم دخولهما قرئ بالمسجد الأقصى مرسوم السلطان
باستمرار النائب وتوقيع القاضي الحنفي ، ثم في يوم الاثنين تاسع المحرم توجه
النائب إلى الدوادار بالغور واستمر عنده إلى أواخر ربيع الأول ، وحضر الدوادار من
الغور ونزل بالرملة على قبة الجاموس ، وحضر النائب إلى القدس.
وفيها ورد
مرسوم شريف بطلب القاضي بدر الدين بن الحمامي الشافعي والقاضي شمس الدين الديري
الحنفي ، والشيخ شهاب الدين أحمد بن شرف
__________________
الدين بن شروين المقرئ إلى القاهرة ، والسبب في ذلك دقماق نائب القدس
الشريف بسبب كلام وقع منهم له وقت الكشف عليه في السنة الماضية ، وتوجهوا من القدس
الشريف في نصف شهر صفر ، وتكلفوا مالا وعاد القاضي الشافعي وهو مستمر على الولاية
، والقاضي شمس الدين الديري وهو مستمر على العزل ، وكان عودهم إلى القدس الشريف في
نصف شهر رمضان ، وفي أول شهر ربيع الأول حضر القاضي المالكي شمس الدين بن مازن من
غزة إلى القدس الشريف لمباشرة وظيفته.
واقعة الزيت
وفي أول شهر
ربيع الآخر حضر السيفي قانصوه من مخيم الأمير أقبردي الدوادار الكبير ، بمرسوم
برمي الزيت المتحصل من جبل نابلس على أهل بيت المقدس الخاص والعام من المسلمين
واليهود والنصارى ، كل قنطار بخمسة عشر دينارا ذهبا ، والسبب في ذلك دقماق نائب القدس الشريف لما حصل
عنده من الحنق على أهالي بيت المقدس ، مما وقع منهم حين الكشف عليه في السنة
الماضية ، وكان الزيت قبل ذلك من تقادم الزمان والسنين يرد من جبل نابلس ويباع بالقدس والرملة بالسعر
الواقع من غير حرج على أحد ، واستمر الأمر على ذلك إلى سنة تسعين وثمانمائة ،
فتسبب بعض وسائط السوء في أمره فصار يضبط الزيت ويرمي على أربابه ، وهم التجار الذين يصنعون الصابون بالقدس الشريف
ومدينة الرملة ، ويدفع لهم بقدر معين من غير تعرض إلى أحد غير من يصنع الصابون ، وحضر في أوائل الأمر الأمير تغري ورمش دوادار
الدوادر لقبض ثمنه ، ثم صار يعين كل سنة بعض المماليك بخدمة
الأمير الدوادار الكبير للحضور إلى جبل نابلس ، فيحضر ويضبط الزيت ويبيعه لأربابه
ويقبض ثمنه.
__________________
وفيها أخمد
الله الفتنة بين مولانا السلطان الملك الأشرف ، وبين بايزيد خان بن عثمان خان ، ملك الروم ، وحضر قصاد ابن عثمان صحبه قاضي مدينة / / برصة بطلب الصلح مع مولانا السلطان ، عز نصره ، فأحسن إليهم
وأكرمهم ، وعاد القاضي والقصاد ، المشار إليهم ، وزاروا قبر سيدنا الخليل ، عليه السلام ، ودخلوا بيت المقدس في شهر
رمضان ، وركب للقائهم الأمير خضر بك ناظر الحرمين ونائب القدس الشريف ، وشيخ الإسلام النجم ابن جماعة والقضاة الأربعة
، والخاص والعام ، ودخلوا إلى القدس الشريف ، وكان يوما مشهودا وتوجهوا في الشهر
المذكور قاصدين بلاد الروم ، وحصل الصلح بين الملكين وحصل للرعية الطمأنينة بذلك ،
ولله الحمد والمنة.
وجهز السلطان
قاصده جان بلاط لابن عثمان لعود الجواب من الصلح ، فحصل له الخير من
ملك الروم وبالغ في إكرامه ، وأكمل الله الصلح بين الملكين.
وكان ابتداء
الفتنة وتجهيز العساكر للتجريدة من أوائل سنة ٨٨٩ ه إلى أن لطف الله تعالى بعباده ، ووقع الصلح في هذا
التاريخ بعد وقوع الحرب والفتن نحو ثمان سنين ، وصرف في التجاريد لذلك ما لا يحصى
كثرة ، وكان عود الأمير جان بلاط من بلاد الروم في شهر ربيع الأول سنة ٨٩٩ ه .
وفيها ـ أعني
سنة ست وتسعين ـ ورد مرسوم شريف على شيخ الإسلام الكمالي ، يتضمن أنه اتصل بالمسامع الشريفة أن القبة التي
أحدثها النصارى عند دير صهيون لما هدمت ، بقي بعض بناء من أثرها ، فتقدم بإكمال هدمها ومحو
__________________
أثرها ، فتوجه شيخ الإسلام الكمالي وناظر الحرمين ونائب السلطنة الأمير خضر
بك ، والقضاة إلى دير صهيون ومحي أثرها بهدم ما بقي منها ، ونبش أساسها بحضورهم ،
وذلك في شهر رمضان ، وكان يوما مشهودا أعظم من يوم هدمها الأول ، كما تقدم في
السنة الماضية.
وفيها في يوم
الاثنين سادس عشر شوال ، دخل القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن علي بن
الأزرق الأندلسي المالكي إلى القدس الشريف ، متوليا قضاء المالكية ، عوضا عن
القاضي شمس الدين بن مازن الغزي ، وباشر بعفة ، وتوجه بن مازن إلى غزة في أوائل
شهر ذي القعدة ، واستمر معزولا إلى أن توفي في خامس عشر ذي الحجة سنة تسعمائة ، وكانت إقامة ابن الأزرق بالقدس
الشريف مدة شهرين ، وتوفي في خامس عشر ذي الحجة وتقدم ذكر ذلك في ترجمته.
ثم دخلت سنة ٨٩٧ ه
فيها في شهر
ربيع الأول ، الموافق لكانون الثاني ، وقع هدم فاحش بكنيسة قمامة بالقدس في الليل
من المطر ، وهلك تحته رجلان من طائفة الحبش ، واستمر إلى يومنا لم يعمر ،
والمرجو من كرم الله هدم باقيها.
وفيها ورد
مرسوم شريف على شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف بالتوجه إلى مدينة غزة ، وصحبته
الأمير خضر بك ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف ، وإيقاع الصلح بينه وبين
المقر الأشرف السيفي أقباي كافل المملكة الغزية ، بسبب ما بينهما من التنافر
، وإزالة الكدر والوحشة من بينهما ، والمعاهدة بينهما على ذلك ، وكتابة صورته
وعرضها على المسامع الشريفة ، فتوجه من القدس الشريف إلى غزة امتثالا للمراسيم
الشريفة ، وحصل الصلح بين المشار إليهما على أحسن وجه ، وكان ذلك في حادي عشري
جمادى الآخرة ، ودخل الأمير خضر بك إلى القدس الشريف بخلعة كاملية بسمور في
بكرة يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة ، ودخل شيخ الإسلام الكمالي بعد العصر
من يوم الخميس بكاملية صوف أبيض سمور.
__________________
وفيها دخل
الوباء بالطاعون حتى عم جميع المملكة ، وابتدأ بالقدس الشريف من حادي عشر جمادى
الآخرة ، واستمر إلى آخر رجب ، بلغ عدد الأموات في كل يوم إلى ثلاثين وأربعين إلى نهار الجمعة حادي عشر رجب ، بلغ نحو الخمسين ، وهي
أول جمعة ظهر فيها كثرة الأموات ، واشتد الأمر في شهر شعبان ، فبلغ العدد في كل
يوم فوق المائة ، وقيل أنه بلغ في اليوم إلى مائة وفي ثلاثين وبلغ العدد في مدينة
سيدنا الخليل ، عليه السلام ، في اليوم دون الخمسين. وتوفي الأمير خضر بك ناظر
الحرمين ونائب السلطنة في ليلة الأحد الحادي والعشرين من شعبان ، وكان لما ولي
النيابة في المرة الأولى سار سيرته ووقع في أمره ما تقدم شرحه في حوادث سنة ٨٩٢ ه
فلما ولي النيابة والنظر في المدة الثانية سنة ٨٩٦ ه باشر مباشرة حسنة ، وأظهر
العدل في الرعية ، واستعطف خواطر الناس ، وشرع في سلوك طرق الرئاسة ، واستمر على / / ذلك إلى أن دخل
الوباء فتطير من ذلك. وخرج من مدينة القدس الشريف إلى ظاهرها وأقام بالكروم ،
وأظهر من الخوف الزائد ، فأنكر الناس عليه ذلك فدخل إلى المدينة وأقام يسيرا ،
وتوفيت ابنة له ، ثم بعد يومين أو ثلاثة توفيت زوجته ، ثم بعد وفاتها بنحو ستة
أيام توفي هو وصلى عليه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر من يوم الأحد الحادي
والعشرين من شعبان ، ودفن بتربة ماملا ، وكان أسند وصيته لشيخ الإسلام الكمال بن
أبي شريف ، أمتع الله بحياته ، فتوجه إلى التربة وتولى أمره ووقف على دفنه ،
وصحبته جماعة من الأعيان وقضاة الشرع الشريف ، واستمر الوباء بالقدس الشريف في
قوته إلى سلخ شعبان ، أفنى خلقا من الأطفال والشباب وأفنى طائفة الهنود عن آخرهم ، وكذلك طائفة الحبش ، ومات جماعة من الأخيار
الصالحين منهم الشيخ عبد السلام بن الرضي الحنفي ، وتقدم ذكره في ترجمته ، ومنهم
الشيخ الصالح الفاضل جبريل الكردي الشافعي ، وكان من أهل الفضل ، ومن أصحاب شيخ
الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، ومنهم الشيخ الفاضل يوسف السليماني الحنفي نائب
إمام الصخرة ، وكان من أهل الخير والصلاح والفضل في مذهب أبي حنيفة ، رضي الله عنه
، وكان يصلي إماما بالصخرة وعلى قرائته الأنس والجمال ، ومنهم الشيخ الصالح
المقرىء علي الجزولي المغربي المالكي نائب إمام المالكية بالمسجد الأقصى الشريف ،
وكان من
__________________
أهل الخير والصلاح ، حافظا لكتاب الله تعالى ، وكان يؤم بجامع المغاربة
يؤدي الصلاة على أوضاعها من الطمأنينة في الركوع والسجود ، ومنهم الشيخ الصالح
موسى المغربي ، وكان عبدا صالحا يقيم بالخلوة التي تحت صور الصخرة الشريفة القبلي أسفل التاريخ ،
وكان يجلس على باب الخلوة ، ويجتمع عنده أهل الخير يتلون كتاب الله ، وكان يجلس
غالبا ورأسه مكشوف ، والصلاح ظاهر عليه ، ومنهم الشيخ الصالح الناسك إسحق الجبرتي
، وكان عبدا زاهدا منقطعا إلى الله تعالى في الخلوة التي بصدر جامع
النساء بداخل المسجد الأقصى ، والناس يترددون إليه ويتبركون به ، وقد ظهر له
كرامات ومكاشفات ومنهم العدل خير الدين أبو الخير أحمد بن شهاب الدين أحمد ابن شمس
الدين محمد القلقيلي المقرىء الحنفي ، وتقدم ذكر والده وجده مع الفقهاء الشافعية ،
وكان يحفظ القرآن ويؤديه بحسن صوت وطيب نغمة ، واحترف بالشهادة مدة طويلة ، وباشر
عقود الأنكحة ولم يمت بالطاعون ، وإنما ركب بغلة وتوجه إلى الكروم ، فوقع بظاهر
البلد فكسرت رجله من ركبته ، وحمل إلى المدينة ، فمرض أياما وتوفي في آخر يوم
الاثنين سابع شهر رمضان ، توفي الخطيب جلال الدين بن جماعة
المتقدم ذكره مع والده عند ذكر خطباء المسجد الأقصى الشريف ، وكان
بيده نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية والربع والثمن من الخطابة بالمسجد الأقصى.
والشيخ شهاب
الدين أحمد بن عبد الرحمن بن شروين المقرىء الخليلي التاجر ، وكان رجلا من أهل
القرآن ، يتفقه بالروايات ، وأجازه شمس الدين بن عمران ، وكان حسن الصوت طيب
النغمة بالقراءة وله دنيا واسعة ، وكانت وفاته في الحادي والعشرين من شعبان رحمة
الله عليهم ، وتناقص الوباء من أول شهر شوال ، واستقر بعد الخطيب جلال الدين فيما
كان بيده من الوظيفتين أولاد عمه ، وهم الخطيب برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن
شيخ الإسلام النجمي بن جماعة ، وأخوه لأبيه الخطيب العلامة زين الدين أبو هريرة
عبد الرحمن ، وابن عمهما الخطيب محيى الدين بن الشيخ عبد الرحيم عز الدين عبد
العزيز بن قاضي القضاة برهان
__________________
الدين بن جماعة ، وأنعمت عليه الصدقات الشريفة باستقرارهم في ذلك بمال
بذلوه ، وكان ارتفاع الوباء من القدس الشريف في أواخر شهر شوال بعد إقامته بها
نحو أربعة أشهر وعشرة أيام ، وبلغ عدد الأموات بالقاهرة المحروسة في كل يوم من
عشرين ألفا ، وبدمشق في كل يوم ثلاثة آلاف وبحلب في كل / / يوم ألف وخمسمائة ،
وبغزة في كل يوم نحو أربعمائة ، وبالرملة في كل يوم نحو مائة وعشرين ، ولم يمكث في
بلد من البلاد أكثر من بيت المقدس ، فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء.
وفيها استقر
قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة شمس الدين محمد الديري الحنفي في
وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف ، عوضا عن القاضي شهاب الدين ابن المهندس ،
واستقر قاضي القضاة كمال الدين أبو البركات محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ
خليفة بن المالكي في وظيفة قضاء المالكية ، بعد شغورها عن القاضي شمس الدين بن
الأزرق ، المتقدم ذكره في السنة الماضية ، ووصلت الولاية إليهما معا على يد سعد
الدين قاصد المقر البدري ابن مزهر كاتب السر الشريف في صبيحة يوم الخميس خامس عشر شوال ،
وحصل الجمع بين يدي شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف بالمدرسة الأشرفية بعد صلاة
العصر من اليوم المذكور ، وقرىء توقيع كل منهما بين يديه بحضور قضاة الشرع
الشريف ، وجماعة من طلبة العلم الشريف الخاص والعام ، فكان تاريخ توقيع القاضي المالكي خامس عشري رمضان ، وتوقيع الحنفي خامس شهر شوال ، ثم في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة قرىء
كل من التوقيعين بالمسجد الأقصى الشريف.
وفيها حج إلى
بيت الله تعالى الحرام سيدنا ولي الله الشيخ شمس الدين الغزي أبو العون ، المقرىء
القادري الشافعي ، نزيل جلجوليا في يوم السبت سابع عشر شوال أعاد الله علينا من
بركاته ، ونفعنا ببركته ، وعلومه وصالح دعواته ، فدخل إلى القدس الشريف في التاريخ
المذكور من جلجوليا في يوم السبت سابع عشر شوال ، وتوجه من القدس الشريف
إلى بلدة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، قاصدا مكة
__________________
المكرمة بعد الظهر من يوم الاثنين تاسع عشر ، وقضى مناسكه ، وزار النبي ،
صلى الله عليه وسلم ، وعاد إلى محل وطنه ، ولله الحمد ، فسح الله في مدته.
وفيها استقر الأمير
جان بلاط أخو الأمير خضر بك في وظيفة نظر الحرمين الشريفين ، ونيابة
السلطنة الشريفة بالقدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، عوضا عن أخيه
خضر بك ، ووصل إلى بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، ثم دخل إلى القدس الشريف في
بكرة يوم السبت ثامن شهر ذي القعدة الحرام ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وسلك مسلكا
حسنا ، ومما وقع أن أخاه الأمير خضر بك لما توفى ، ضبط موجودة من جملته سبعمائة
دينارا ذهبا ، ووضع المال في خزانة بمنزل أخيه بالمدرسة الأرغونية مع بعض الموجود
المخلف عنه ، فلما قدم الأمير جان بلاط حضر بالمدرسة الأرغونية ، وحضر شيخ الإسلام
الكمالي بن أبي شريف والقضاة ، وفتح المكان وأحضر الصندوق ، فوجد وهو مكسور والمال قد فقد منه ، واضطرب الحال لذلك ، واتهم
به جماعة ولم يثبت في جهة أحد منهم ، ومضى أمره ولم يعلم حقيقة الحال فيه.
ثم دخلت سنة ٨٩٨ ه
فيها في شهر
الله الحرام تعين السيفي قائم الخاصكي للتوجه إلى المملكة الشامية لكشف الأوقاف
والمدارس على عادة من تقدم في ذلك ، فدخل إلى القدس الشريف في عشية يوم
السبت ثالث شهر صفر ، وجلس في بكرة النهار يوم الأحد بالمدرسة السلطانية بحضور شيخ
الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، وشيخ الإسلام النجمي بن جماعة ، والأمير جان بلاط
ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة ، وقضاة الشرع الشريف ، وقرئ المرسوم الشريف
الوارد على يده بمعنى الكشف على الأوقاف ، وما يحصل من الترك المخلفة عن الأموات
في الوباء ، المختصة بجهة بيت المال المعمور ، واستخرج من الأوقاف أموالا نحو ألف
وخمسمائة دينارا ، وحصل بذلك الضرر للفقراء والفقهاء ، فالحكم لله العلي الكبير ،
وتوجه من القدس في صبيحة يوم السبت عاشر صفر.
__________________
وفيها في العشر
الأوسط من شهر صفر ، حضر الأمير اقبردي الدوادار الكبير من الديار المصرية على حين
غفلة ، ولم يعلم به حتى دخل إلى مدينة غزة ، ثم توجه إلى الرملة ووضع أثقاله بها ،
ثم توجه من فوره هو ومن معه على الخيول إلى جهة نابلس ، ثم عاد إلى الرملة وأقام بها بداخل البلد هو وجماعته
، ولم ينصب مخيمه بظاهرها على ما جرت به العادة ، ونادى بالأمان
وأمر جماعته بعدم التعرض لأحد من الرعية ، وكان مقامه بالرملة بدار الأمير منصور
بن قرابغا / / يبيت بها ليلا ، وجلوسه في النهار بدار ابن باكيش المعدة للحكام ، وجماعته من الخدم وغيرهم نزلوا عند
الناس في منازلهم متفرقين ، ثم في عشية يوم الأحد عاشر شهر ربيع الآخر ، حضر إلى
القدس الشريف السيفي قانصوه وعلى يده مرسوم الأمير اقبردي الدوادار ، برمي الزيت
المتحصل من جبل نابلس على التجار المعتادين بعمل الصابون ، كل قنطار بخمسة عشر
دينارا ذهبا بعد أن ختم على ما اشتروه من القلي ، ونودي في البلد بالأمان للعوام وأن الزيت لا يأخذه
إلا أربابه ، فمن الناس لم يصدق هذه المناداة وخرج هاربا ، ومنهم من اطمأن ، ثم
شرع قانصوه بكتابة أسماء التجار ومن له عادة بعمل الصابون حتى اطمأن الناس ، وشرع
يقبض عليهم واحدا بعد واحد من التجار وغيرهم ، ويلزمهم بشراء الزيت على حكم ما فعل
بهم في سنة ست وتسعين ، ورمى على اليهود والنصارى ، وطلب بعض نساء الغائبين ، وضرب
بعض جماعة ، ولكنه هذه المرة أخف وطأة من المرة الأولى التي كانت في سنة ست ،
بمقتضى أن ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف الأمير جان بلاط اعتنى بأهل
بيت المقدس وتلطف بهم ، فلم يقع فيهم الإفحاش كما تقدم في زمن
دقماق النائب ، وكان الزيت المرسوم برميه على أهل القدس وبلد الخليل ألف وخمسمائة
قنطارا ، من ذلك مائة وستون قنطارا مختصة بأهل بلد الخليل ، والباقي على أهل القدس
، ورمى على أهل غزة ألف قنطار ، ثم رمى على أهل الرملة جانبا من الزيت وضيق عليهم
بالضرب والحبس ، وسافر السيفي قانصوه من مدينة القدس
__________________
صحبة النائب بالمال المقبوض بعد صلاة الجمعة العشرين من ربيع الآخر بعد
إقامته بها أربعين يوما ، وحضر إلى الأمير أقبردي الدوادار الكبير النواب والأمراء
إلى الرملة من طرابلس وحماة وصفد والبيرة ، وأهدي إليه من الأموال والمواشي ما لا يحصى.
ثم حضر إليه
ملك الأمراء قانصوه اليحياوي ، كافل المملكة الشامية ، والأمير يونس حاجب الحجاب
بالشام وغيرها ، وحضر الأمير قانصوه اليحياوي إلى القدس لقصد الزيارة ، ونزل في
تربته التي أنشأها بظاهر باب الأسباط في عشية يوم الخميس رابع جمادى الأولى ،
وتوجه من القدس الشريف في صبيحة يوم الأحد سابع الشهر إلى دمشق ، وتوجه الأمير
أقبردي الدوادار الكبير من الرملة إلى جهة الغور لقتال العرب ، وتوجه الأمير جان
بلاط نائب القدس في بكرة يوم الاثنين ثامن جمادى الأولى ، وتوجه إلى بلاد حوران وأذرعات وغيرهما ، وحصل له من الأموال والمواشي ما لا
يحصى كثرة ، وحضر إليه عامر بن مقلد شيخ العرب فقبض عليه ، وحضر إلى مدينة الرملة ثم في يوم السبت تاسع عشر جمادى
الآخرة توجه منها قاصدا الديار المصرية في ليلة الجمعة خامس عشري جمادى الآخرة ،
وصحبته من المواشي ما لا يحصى كثرة ، فهلك منها في الطريق غالبها ، ولم يصل معه
منها إلى القاهرة إلا الأقل .
وفيها استقر
القاضي كمال الدين أبو البركات محمد بن الشيخ خليفة المالكي في وظيفة مشيخة المغاربة بالقدس الشريف ،
عوضا عن قاسم المغربي بحكم وفاته ، وورد التوقيع الشريف عليه بذلك في العشر الأول
من شهر ربيع الآخر ، وتاريخه في خامس عشري ربيع الأول.
وفيها استقر
القاضي شهاب الدين بن المهندس في ربع وظيفة
__________________
مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ، بنزول صدر له من الشيخ ناصر الدين محمد بن الشيخ جمال الدين
عبد الله بن غانم شيخ حرم القدس الشريف ، وهذا الربع هو الذي كان تأخر بيده من الوظيفة
المذكورة ، وبمقتضى هذا النزول من الشيخ ناصر الدين خرجت مشيخة الخانقاه من يد بني
غانم ، وكانت بأيديهم من زمن الواقف الملك صلاح الدين ، رحمه الله ، وحضر القاضي
شهاب الدين بالصوفية في المجمع في شهر رمضان المعظم.
وفيها في شهر
شوال حل ركاب الأمير قانصوه نائب قلعة الجبل المنصورة بالديار المصرية إلى
مدينة الرملة ، متوجها إلى ملك الشرق من الأبواب الشريفة ، وأوقع الصلح بين أخيه
الأمير جان بلاط ناظر الحرمين الشريفين ، ونائب القدس الشريف ، وبين ملك الأمراء
المقر السيفي أقباي كافل المملكة الغزية ، بسبب ما كان بينهما من التنافر ، وألبس
الأمير جان بلاط كاملية بسمور ، وكان ذلك بمدينة الرملة.
ثم دخلت سنة ٨٩٩ ه
/ / فيها في
العشر الأوسط من المحرم توجه الأمير جان بلاط نائب القدس إلى قرية القباب من أعمال الرملة الجارية تحت نظره ، وكبسها وأخذ موجود
الفلاحين بها ، واحتج بأنهم عصوا عليه وأنهم تحت نظره ، وحصل التنافر بينه وبين
ملك الأمراء أقباي نائب غزة ، لكون القرية المذكورة في معاملته ، دخل إليها بغير
إذنه وحصل بذلك التخبيط في الطرق.
وفيها عقب
الواقعة المذكورة ورد مرسوم بطلب الأمير جان بلاط المذكور إلى الأبواب الشريفة ،
بسبب شكوى عليه ، فتوجه من القدس في ليلة السبت تاسع عشري شهر الله المحرم ، ولم
يعلم أحد بسفره إلا بعد يومين أو ثلاثة فوصل إلى القاهرة المحروسة وغرم مالا ،
ورسم له في الاستمرار في وظيفته.
__________________
وفيها في يوم
الثلاثاء تاسع عشري ربيع الأول ، الموافق لسابع كانون الثاني ، وقع الثلج بالقدس
واستمر ينزل من ظهر يوم الثلاثاء إلى عشية يوم الخميس مستهل ربيع الآخر ليلا
ونهارا حتى امتلأت الشوارع والأسطحة والأماكن ، وحكى الكبار أنهم لم يروا مثل ذلك في هذه الأزمنة من نحو سبعين سنة
، وكان حجمه فوق الأرض في بعض الأماكن أكثر من أربعة أذرع ، وأخبرت أنه كان في بعض
الأماكن أكثر من خمسة أذرع ، وتقطعت السبل وسدت الشوارع ، وأصبح الناس يوم الجمعة
ثاني ربيع الآخر في شدة شديدة ، وأقيمت صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى فلم يحضرها من
أهل بيت المقدس النصف بل ولا الثلث ، ووقع الثلج بمدينة الرملة ، ولم يعهد وقوعه
بها في هذه الأزمنة ، إلا ما يحكى أنه من مدة طويلة نحو ثمانين سنة ، وقع بها
الثلج في سنة من السنين فسماها أهل الرملة سنة الثلجة ، ولم يعلم أنه بلغ قدر ما بلغ في هذه المرة ، فإنه وصل
إلى البحر واستمر في الشوارع أكثر من عشرين يوما ، واشتد حتى صار كالأحجار ، ثم
وقع البرد الشديد بعد وقوع الثلج بنحو خمسة عشر يوما حتى جمد الماء وصار جليدا.
ثم عشية الخميس
ليلة الجمعة السادس عشر من ربيع الآخر عاد الثلج ونزل حتى عم الأرض لكنه كان خفيفا
، ومن الاتفاق أن الثلج كان قد وقع بالقدس في السنة الماضية ، وهي سنة
٨٩٨ ه في يوم تاسع عشري ربيع الأول ، ثم وقع في السنة وفي هذا
العام في يوم الثلاثاء.
ثم وقع بغزة
المحروسة ولم يعلم وقوعه بها قبل الآن فسبحان القادر على ما يشاء.
وأما الأمير
جان بلاط نائب القدس فقد تقدم توجهه إلى الأبواب الشريفة ، والإنعام عليه باستمراره
في وظيفته ، ثم لبس التشريف المستمر بالحضرة الشريفة ، في يوم السبت ثامن عشر ربيع
الأول حضر إلى مدينة القدس الشريف ، ودخله في بكرة يوم الخميس في عشري ربيع الآخر
، وكان يوما كثير المطر ، ولم ير مثله في شتاء هذا العام ، وركب الناس للقائه من
القضاة والأعيان ، واستمر المطر ينزل عليهم من عند خان الظاهر إلى دار النيابة ،
ودخل صحبته القاضي برهان الدين الجوهري
__________________
وعليه خلعة كاملية بسمور ، ولم يعهد دخول حاكم لبيت المقدس في مثل هذا
اليوم لآخر يوم من كانون الثاني وقع الثلج بالقدس الشريف مرة ثالثة ، واستمر ينزل
من وقت صلاة الجمعة إلى بعد صلاة الظهر من يوم السبت حتى بقي حجمه فوق الأرض أكثر
من ذراع ، وامتلأت الشوارع والأسطحة منه ، وانزعج الناس لذلك خشية الضرر منه ،
وأصبح إلى يوم الأحد ، فأغاث الله عباده بنزول المطر الغزير بعد الظهر من يوم
الأحد إلى آخر ليلة الاثنين ، فأزال الله الثلج حتى لم يبق منه إلا القليل ، ثم
وقع منه الهدم في الأماكن ، فسقط كثير من الدور والأبنية.
وفيها استقر
ملك الأمراء أقباي نائب غزة في نيابة صفد ، وتوجه إليها في ربيع الآخر واستقر
الأمير قاني بك في نيابة غزة ، وقدم إليها في جمادى الآخرة ، وأضيف
إليه كشف الرملة في شهر رجب بعد استيلاء نائب الشام عليها ، وحضر نائب غزة إليها في يوم الثلاثاء ثامن شعبان ، وحضر إليه الأمير جان
بلاط ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وصحبته قضاة بيت المقدس وبلد سيدنا
الخليل ، عليه السلام ، والرملة ، وورد توقيع مؤرخ في ثامن عشر رجب وألبس التشريف
من ظاهر / / مدينة القدس الشريف في يوم الاثنين سابع شعبان ، وكانت ولايته لبيت
المقدس عوضا عن القاضي عز الدين الديري ، والرملة عوضا عن القاضي كمال الدين محمد
بن الأخرم النابلسي ، وحضر إلى محل ولايته بالرملة صحبة ناظر الحرمين الأمير جان
بلاط في التاريخ المتقدم ذكره قريبا.
وفيها استقر
محمد بن إبراهيم الودياني في إمارة جرم عوضا عن ثابت الرميني بمساعدة الأمير جان بلاط ،
ومكاتبته مع السلطان وأركان الدولة ، وقدم إلى مدينة غزة فورد مرسوم شريف لنائب
غزة الأمير قاني بك وقرينه مرسوما شريفا لناظر الحرمين ونائب القدس الأمير جان
بلاط ، يعلمهما أن مكاتبة نائب غزة وردت للأبواب الشريف تتضمن أن أمير جرم محمود الودياني لا يصلح للإمارة لعجزه عن القيام بالقود وما هو مقرر عليه للخزائن الشريفة ، وأن نائب القدس
يتوجه
__________________
وصحبته قضاة القدس الشريف ويجتمع نائب غزة وقضائها وأركان الدولة بها ، وجمع أمراء جرم ومن كان يصلح للولاية ممن ترضى به
الرعية ويقدر على ما هو مقرر ، ويكتب به محضر شرعي ويعرض على المسامع الشريفة ،
فتوجه ناظر الحرمين وصحبته قضاة القدس الشريف الأربعة من القدس الشريف في ليلة
الأحد سابع عشري شعبان ، ووصلوا إلى غزة في بكرة يوم الاثنين ، وحصل الاجتماع
بنائب غزة وقضائها بدار النيابة بغزة بعد العصر من يوم الثلاثاء ، ودار الكلام
بينهم فيمن يصلح ، فنائب غزة قصد أن يستقر في الإمارة أبو العويس ابن أبي بكر
ونائب القدس قصد استمرار محمود الودياني لكونه هو الذي سعى في توليته ، ثم التزم ناظر الحرمين ونائب القدس بما على محمد الودياني من
القود والعادة في مدة ولايته ، وبمبلغ خمسمائة دينار زيادة على ما هو مقرر عليه ،
فلم يحصل اتفاق بين نائب غزة ونائب القدس ، وانفصل المجلس على غير رضى ، وكل من
النائبين كتب للسلطان بما يختاره وتوجه نائب القدس والقضاة من غزة في بكرة يوم
الأربعاء سلخ شعبان وصحبتهم محمود الودياني أمير جرم مكنه نائب القدس من الإمارة وألبسه
خلعة السلطان بقرية قرتيا في بكرة يوم الأربعاء سلخ شعبان وقام بنصرته كل ما أمكن.
وفيها ورد
مرسوم شريف على الأمير قاني بك نائب غزة بالتوجه إلى القدس الشريف والصلح مع نائب
القدس ، والسبب فيه حادثة وقعت قتل فيها جانم دوادار نائب القدس في قرية بيت لقيا
في شهر شوال ، ونسب قتله لمن هو من جهة نائب غزة ، فحضر إلى القدس في ضحى يوم
الثلاثاء عاشر ذي القعدة ، وحصل الاجتماع بينه وبين الأمير جان بلاط ناظر الحرمين
ونائب القدس ، بحضور شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف بمنزله بالمدرسة التنكزية ،
ووقع الصلح بينهما وحصلت الموافقة والمعاهدة بينهما على زوال ما حصل من التنافر ،
وتوجه نائب غزة من القدس في عشية يوم الأربعاء حادي عشر ذي القعدة الحرام إلى محل ولايته.
__________________
ثم دخلت سنة ٩٠٠ ه
من الهجرة
الشريفة ، فيها في ثامن المحرم أعيد شمس الدين محمد بن عثمان أبي الطيب التميمي إلى قضاء
الحنفية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام ، وهي ولايته الثانية ، وكتب توقيعه بذلك
وبإبطال ما كتب للقاضي برهان الدين الشافعي بما ينافي ذلك ، فكان استمرار منعه من
قضاء الحنفية ببلد الخليل وإضافتها للشافعي دون شهرين.
وفيها في شهر
المحرم أخذ العرب من بني لام وبني إبراهيم ركّب الحج الشريف الشامي بالقرب من الكرك ، ونهبوا
الحجاج عن آخرهم وكان عدة جمال الركب ثلاثة عشر ألف جملا ، لم يسلم من ذلك سوى ستة عشر جملا من غير أحمال ، وهلك
من الرجال والأطفال والنساء خلقا لا يحصيهم إلا الله ، وأخذت الأموال وسبي الحريم وكانت حادثة فاحشة ، وقد اشتهر
أمرها ، فاعتصب جماعة من أهل بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وجماعة من الكرك ،
وتوجهوا إلى جهة الأغوار وغيرها ، وأحضروا جماعة من الحجاج إلى بلد سيدنا الخليل
وإلى القدس الشريف ، وتسبب شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف وجماعة من أهل الخير
في جمع مال من أهل القدس الشريف ، ودفع لكل واحد من الحجاج ما يكتري به وينفقه
عليه إلى أن يصل إلى وطنه ، فالحكم لله العلي الكبير.
وفيها استقر
القاضي عز الدين الديري الحنفي في وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف ، عوضا عن
القاضي / شهاب الدين بن المهندس ، وتقدم أن القاضي شهاب الدين استقر في قضاء القدس
وبلد سيدنا الخليل عليه السلام والرملة ، وأن توقيعه مؤرخ في ثامن عشر رجب سنة ٨٩٩
ه ، وتقدم أن قضاء / / بلد سيدنا الخليل ،
__________________
عليه السلام ، أفرد عنه بعد استمراره بعد أربعين يوما ، ثم أفرد عنه قضاء
الرملة باستقرار القاضي كمال الدين بن الأخرم في يوم الأربعاء مستهل المحرم سنة
٩٠٠ ه ، فكان استمراره في قضاء الرملة خمسة أشهر واثني عشر يوما. ثم استقر
القاضي عز الدين الديري في قضاء القدس الشريف ، وورد الخبر بولايته وجلس للحكم في
يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول ، فكان استمراره في قضاء القدس من حين تمكينه من
الحكم في سابع شعبان سنة ٨٩٩ ه سبعة أشهر وعشرين يوما ، ثم في يوم الثلاثاء ثاني
شهر ربيع الآخر ، دخل الأمير جان بلاط إلى القدس الشريف وهو لابس خلعة الشتاء
الواردة إليه من الأبواب الشريفة ، ودخل معه القاضي عز الدين الديري وهو لابس خلعة
بطرحة .
وفيها كتب
توقيع شريف باستمرار القاضي برهان الدين التميمي الشافعي في قضاء بلد سيدنا الخليل
عليه السلام ، وهي ولايته الثالثة ، وكتب توقيعه بذلك وأبطل ما كتب للقاضي الحنفي بها ، فكان استمرار الحنفي في ولايته
الثانية نحو ثلاثة أشهر.
وفيها في سادس
شهر رجب أعيد شمس الدين محمد بن أبي الطيب التميمي إلى قضاء الحنفية
بمدينة سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وهي ولايته الثالثة ، وكتب توقيعه بذلك
وإبطال ما كتب للقاضي الشافعي بما ينافي ذلك ، فكان استمرار منعه من قضاء الحنفية
وإضافتها للشافعي دون ثلاثة أشهر ، واستمر إلى يومنا لم يعزل ، وقد تقدم تاريخ
ابتداء ولايته في ثامن عشري شعبان سنة ٨٩٩ ه ، فعزل وولي ثلاث مرات في عشرة أشهر
وثمانية أيام.
فيها ورد على
أهل القدس السيفي علان من الأبواب الشريفة وعلى يده مرسوم السلطان برمي الزيت
المتحصل من جبل نابلس على أهل القدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وغزة
والرملة على ما جرت به العادة ، وحصل لأهل القدس والرملة الضرر
من ذلك لكونهم تقدم لهم أخذ الزيت ، ثم رمي عليهم مرة ثانية ، فانزعج الناس لذلك ،
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________________
ذكر الفتنة بين نائب القدس ونائب غزة
وفيها وقعت
فتنة بين نائب القدس الأمير جان بلاط ناظر الحرمين ، ونائب القدس والرملة ، وبين
الأمير قاني بك نائب غزة ، وهي أن الأمير جان بلاط قدم إلى الرملة بسبب رمي الزيت
المتقدم ذكره ، وكان وصوله إلى الرملة في يوم الأحد سادس عشر رجب ، فلما كان في
صبيحة يوم الثلاثاء ثامن عشر من شهر رجب أمر كاشفه بالرملة ، وهو الجمالي يوسف
بالركوب هو وجماعته والمشي في معاملة الرملة ، لحفظها من المناحيس والذب عن الرعية
، لأنه كان قبل ذلك حضر جماعة من العرب ونهبوا أبقار لأهل الرملة ، وأهل قرية نعاني من أعمالها ، فلما ركب الكاشف بجنده ، ركب ناظر الحرمين
وصحبته دواداره برسباي ومعهما أربع أنفس ، وخرجوا إلى ظاهر الرملة للمسايرة ، فخرج
على الكاشف جماعة من العرب وطردوه وطردهم ، ثم قوي أمرهم عليه فطردوه إلى أن حصروه
بالبرج الكائن بقرية خلدا من أعمال الرملة ، فتحصن به فأخذوا خيوله وقتلوا جماعة
ممن معه ، وكان الأمير جان بلاط بالقرب من قرية تل الجزر فسمع الصوت ، فسار بمن معه من دواداره برسباي والأربع
أنفس الذين معهم نحو الصوت ، فخرج عليهم العرب وتواقعوا ، فقتل برسباي ومن معه ،
حتى لم يبق سوى الأمير جان بلاط بمفرده ، فثبت لهم وقاتلهم أشد القتال بمفرده حتى
تخلص منهم ونجا ، فكانت عدة القتلى في ذلك اليوم عشرة أنفس ، منهم رجل شريف ،
وحملوا إلى الرملة ودفنوا بها ، وتوجه قضاة الرملة إلى جهة تل الجزر وعاينوا بعض
القتلى بأرضها ، وكنت إذ ذاك بالرملة ، وحضرت هذه الحادثة ، وكانت في غاية البشاعة
، وكتب محضر بذلك ، جهز إلى الأبواب الشريفة مع مكاتبة الأمير جان بلاط
المتضمنة أن هذا الفعل بإشارة نائب غزة ، وهو الواقع ، لأنه وجد في نفسه من نائب
القدس ، بسبب ما تقدم من ولاية أمير جرم بإشارة نائب القدس دون رضى نائب غزة ،
ووقع أن نائب القدس أخذ
__________________
كشف الرملة وانتزعه من نائب غزة فتأكدت العداوة بينهما ، وكان نائب غزة
يسلط العرب والمفسدين ويغريهم على نائب القدس ، ويحرضهم على الفساد في معاملته ،
قصد بذلك التشنيع عليه ، فلما وقع ما ذكر من هذه الفتنة القبيحة وسطرت / / هذه
المحاضر بشرح الحال ، وجهزت للسلطان ، كتب نائب غزة إلى السلطان يشكي من الأمير
جان بلاط بكلمات مهملة لا حقيقة لها ، فبرز أمر السلطان بتجهيز السيفي قانصوه
الساقي الخاصكي وعلى يده مراسيم شريفة لشيخ الإسلام الكمالي بن
أبي شريف ، وقضاة غزة والقدس والرملة ، بالتوجه إلى حيث المكان الذي وقعت به
الفتنة وتحرير ذلك ، وإعادة الجواب على المسامع الكريمة الشريفة ، فتوجه شيخ
الإسلام المشار إليه وصحبته قضاة القدس الشريف إلى الرملة في يوم الأربعاء عشر شهر
رمضان ، واجتمع به الخاصكي وقضاة الرملة وتوجهوا إلى قريتي تل الجزر وخلدا ، وحرروا الأمر في ذلك ، فتبين لهم أن
الحق بيد نائب القدس ، وأن القتل والفتنة كانا في معاملته بأرض الرملة ، وحضر قضاة
غزة إلى تل الصافي بأطراف معاملة غزة ، وامتنعوا من الحضور إلى الرملة
والاجتماع بشيخ الإسلام وقضاة القدس والرملة ، وأظهروا التعصب لنائب غزة ، فكتب
شيخ الإسلام وقضاة القدس والرملة محضرا وكتبوا خطوطهم عليه بما يقتضي أن الحق بيد
نائب القدس وناظر الحرمين ، ثم كتب قضاة غزة محضرا بما اختاروا وملخصه أن نائب
القدس هو المعتدي بدخوله معاملة غزة ، وجهز كل من المحضرين للسلطان وعاد شيخ
الإسلام وقضاة القدس إلى أوطانهم في يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان ، وحضر الخاصكي إلى القدس الشريف للزيارة ، ودخل بخلعة السلطان في شهر رمضان وحضر عيد الفطر بالقدس ، وتوجه لزيارة سيدنا
الخليل ، عليه السلام ، ثم توجه إلى مدينة غزة ليقيم بها لانتظار الجواب بما يرد
عليه من المراسيم الشريفة.
فلما كان العشر
الثالث من شهر شوال ورد مرسوم السلطان إلى شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف
الشافعي ، ومرسوم مطلق لقضاة غزة والقدس الشريف ،
__________________
يعلمهم أنه لما جهز الأمير قانصوه الساقي الخاصكي لكشف هذه الأجوبة وتحريرها ، وكتابة محضر بقضاة
غزة والقدس بما يتضح به الحق ، وأن كلا من النائبين كتب محضرا بما يختاره ، ولم
يتضح للمسامع الشريفة الحق في ذلك ، وأن المرسوم الشريف الوارد على يد الخاصكي إنما برز بكتابة محضر واحد لا محضرين ، وبرز
أمر السلطان أن شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف يتوجه بنفسه وصحبته قضاة القدس
الشريف والرملة إلى مدينة غزة المحروسة ، ويجتمعون هم وقضاة غزة ، وتحرر هذه الواقعة من أولها إلى آخرها ،
ويكتب محضر شرعي بما يتضح الحق به ، وإن لم يحرر ذلك تبرز المراسيم الشريفة لقضاة غزة
والقدس بإلزامهم بالقيام للخزائن الشريفة بعشرة آلاف دينار ، مؤرخ المرسوم الشريف
في ثالث عشر شوال ، فعند ذلك قابل شيخ الإسلام الكمالي وقضاة القدس الشريف أمر
السلطان بالسمع والطاعة ، وتوجهوا إلى الرملة وساروا منها وصحبتهم من تيسر من
قضاتها إلى مدينة غزة ، وهذه الواقعة من العجائب لأن شيخ الإسلام رجل معظّم الشأن ، وهو بركة الوجود وعالم المملكة ، وهو شيخ كبير
سنه نحو الثمانين ، وبنيته ضعيفة والسفر يشق عليه ، فكلف ما لا طاقة له به في زمن الحر الشديد ، بسبب واقعة حدثت من العرب
المفسدين المحاربين للدين ، لا إسلام لهم ولا إيمان ، ولما توجه من القدس الشريف
حمل في محفة على جمل ، وكان لا يركب الفرس إلا قليلا لضعف بدنه ،
فقدم إلى مدينة غزة في عشية الخميس مستهل ذي القعدة ، ونزل بالجامع المنسوب
لمولانا السلطان الملك الأشرف ، وأصبح في يوم الجمعة حضر بين يديه بالجامع قضاة
غزة وأكابرها للسلام عليه.
ثم عقب صلاة
الجمعة جلس بالجامع المشار إليه ، وجلس معه قانصوه الخاصكي ، وقضاة غزة والقدس الشريف
، ومن تيسر من قضاة الرملة ، ودار الكلام
__________________
بينهم في تحرير هذه الحادثة ، وكتبوا محضرا واحدا ، ملخصه ما كتب في المحضر
الأول من قبل جماعة نائب القدس ونهب خيولهم ، غير أنه زيد فيه أن الجمالي يوسف
كاشف الرملة ، لما خرج من الرملة ووصل إلى آخر معاملتها ، وجد ثلاث أنفار من
العشير العوام فطاردهم إلى أرض عمورية من عمل غزة المحروسة ، وقتل منهم فرسين ، ثم طردوه إلى
أن وصل إلى معاملة الرملة عند قرية خلدا وقرية تل الجزر ، وحصل من القتل والنهب
كما تقدم شرحه ، وكتب شيخ الإسلام وقضاة غزة والقدس / / والرملة خطوطهم بالمحضر
المذكور ، وجهز للأبواب الشريفة وقرينه مكاتبة شيخ الإسلام ، واستمر الخاصكي بغزة لانتظار
الجواب ، وعاد شيخ الإسلام وقضاة القدس الشريف إلى أوطانهم ، وكان سفرهم من غزة في
ليلة الاثنين خامس ذي القعدة ، وانتهى الحال إلى أن السلطان عزل نائب غزة ونائب
القدس معا.
ومضت سنة ٩٠٠ ه
، وكانت سنة شديدة ، كثيرة الفتن والحروب ، والخلف بين الحكام والعساكر في جميع مملكة الإسلام بالديار المصرية ، والمملكة
الشامية ، والأرض المقدسة ، والله لطيف بعباده.
وقد انتهى ذكر
الحوادث الواقعة بالقدس الشريف ، وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، إلى آخر سنة
٩٠٠ ه من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وال سلام.
فلنذكر ترجمة شيخنا الكمالي بن أبي شريف كما تقدم الوعد
به
فأقول وبالله
أستعين هو شيخ الإسلام ملك العلماء الأعلام حافظ العصر والزمان ، وبركة الأمة
وعلّامة الأئمة ، كمال الدين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبو
بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي ، شيخنا الإمام الحبر الهمام ، العالم العلامة ، الرحلة
القدوة ، المجتهد العمدة ، سبط قاضي القضاة شهاب الدين أبي العباس أحمد العمري
المالكي المشهور بابن
__________________
عوجان ، مولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم السبت الخامس شهر
ذي الحجة سنة ٨٢٢ ه بمدينة القدس ، ونشأ بها في عفة وصيانة وتقوى وديانة ، لم يعلم له صبوة ولا
ارتكاب محضور ، وحفظ القرآن العظيم ، والشاطبية والمنهاج للنووي ، وعرضهما على قاضي القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر وقاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين بن نصر الله
الحنبلي ، وقاضي القضاة شيخ الإسلام سعد الله بن الديري الحنفي ، وشيخ الإسلام عز الدين القدسي ، في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ، ثم حفظ ألفية بن مالك وألفية الحديث
والتصريف والعروض والقافية ، وأذن له في التدريس في سنة أربع
وأربعين وثمانمائة ، وقرأ القرآن بالروايات على الشيخ أبي قاسم النويري ، وسمع عليه وقرأ في العربية ، وأصول الفقه ، والمنطق ،
واصطلاح الحديث ، التصريف والعروض والقافية ، وأذن له في التدريس فيها في سنة أربع
وأربعين وثمانمائة ، وتفقه بالشيخ زين الدين ماهر ، والشيخ عماد الدين بن شرف ، وحضر عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ، والشيخ عز
الدين القدسي ، واشتغل في العلوم ، ورحل إلى القاهرة في سنة أربع وأربعين ، وأخذ
من علماء الإسلام منهم شيخ الإسلام ابن حجر ، وكتب له إجازة ، ووصفه بالفاضل
البارع الأوحد ، وقال : شارك في المباحث الدالة على الاستعداد وتأهل لأن يفتي بما
يعلمه ويتحققه من مذهب الإمام الشافعي من أراد ، ويفيد العلوم الحديثية مما يستفاد
من المتن والإسناد ، علما بأهليته لذلك ، وتولجه في مضائق تلك المسالك انتهى. وأخذ
عن غير واحد من
__________________
العلماء ، كالشيخ كمال الدين ابن الهمام ، وقاضي القضاة شمس الدين القاياتي
، والعز البغدادي وغيرهم ، وجد ودأب ، ولازم الاشتغال والإشغال
إلى أن برع وتميز ، وأشير إليه في حياة شيخه الزيني ماهر ، وكان يرشد الطلبة
للقراءة عليه حتى ترك هو الإقراء ، وكذلك المستفتون ، ودرس وأفتى من سنة ٨٤٦ ه ونظم وأنشأ ، وسمع الحديث على شيخ الإسلام ابن حجر ،
والشيخ زين الدين الزركشي الحنبلي ، والشيخ عز الدين بن الفرات ، وغيرهم من المشايخ والأعيان ، وتردد إلى القاهرة مرات ، وحج
منها في وسط السنة صحبة القاضي عبد الباسط رئيس المملكة في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة
، فسمع الحديث بالمدينة الشريفة على المحب الطبري وغيره ، وبمكة المشرفة على أبي الفتح المراغي وغيره ،
ولم يزل حاله في ازدياد وعلمه في اجتهاد ، فصار نادرة وقته وأعجوبة زمانه ، إماما
في العلوم محققا لما ينقله ، وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه ، وعيّن أعيانه المعيدين
بالمدرسة الصلاحية ، ثم لما وقعت حادثة أخي أبي العباس المتقدم شرحها في حوادث سنة
خمس وسبعين وثمانمائة ، سافر إلى القاهرة المحروسة واجتمع بالسلطان وجالسه / / فعرف مقامه ، وأنعم عليه باستقراره في مشيخة
المدرسة الصلاحية ، فتوقف في القبول فألزم به وتمثل بالحضرة الشريفة في شهر صفر
سنة ست وسبعين.
فلما قدم على
السلطان نزل عن سرير الملك ، تلقاه وأكرمه وفوض إليه الوظيفة المشار
إليها ، وألبسه التشريف وولى معه في ذلك اليوم القاضي شهاب الدين بن عبية قضاء
الشافعية ، والقاضي خير الدين بن عمران قضاء الحنفية ، والشيخ شهاب الدين العميري مشيخة المدرسة الأشرفية التي هدمت ، وكنت حاضرا ذلك
المجلس.
__________________
وسافر شيخ
الإسلام وصحبته القاضيين المشار إليهما من القاهرة المحروسة في يوم الاثنين ثاني
عشر ربيع الأول ، ودخلوا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة ست
وسبعين وثمانمائة ، وكان يوما مشهودا ، وباشر تدريس الصلاحية والنظر عليها مباشرة
حسنة وعمّر أوقافها ، وشدد على الفقهاء وحثهم على الاشتغال ، وعمل بها الدروس
العظيمة ، فكان يدرس فيها ثلاثة أيام في الأسبوع فقها وتفسيرا وأصولا وخلافا ،
وأملى بها مجالس من الأحاديث الواقعة في مختصر المزني ، واستمر بها أكثر من سنتين.
ثم استقر بها
شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة في شهور سنة ثمان وسبعين ، كما تقدم ذكره ، فلم
يتكلم فيها بعد ذلك ، واستمر بمنزله على ما كان عليه من الاشتغال بالعلم والإفتاء.
وتوفي والده الأمير ناصر الدين محمد في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثمانمائة عن
ست وثمانين سنة ، ودفن بجوار منزله بباب السلسلة.
ثم في سنة إحدى
وثمانين توجه شيخ الإسلام إلى القاهرة المحروسة واستوطنها ، وتردد إليه الطلبة
والفضلاء والقضاة ، واشتغلوا عليه في العلوم وانتفعوا به ، وعظمت هيبته وارتفعت
كلمته عند السلطان وأركان الدولة ، وفي شهر شوال سنة ثمان وثمانين حضر إلى القدس
الشريف زائرا.
ثم توجه إلى
القاهرة في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين ، كما تقدم ذكر ذلك ، ولما وقع ما تقدم
ذكره من هدم المدرسة الأشرفية القديمة وبناء المدرسة المستجدة المنسوبة لملك العصر
والزمان ، ومولانا السلطان الملك الأشرف ، وانتهت عمارتها ، وقدر الله تعالى وفاة
الشيخ شهاب الدين العميري قبل تقرير أمرها ، وترتيب وظائفها كما تقدم ذكره برز أمر
السلطان باستقرار شيخ الإسلام الكمالي فيها وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية ،
وسأله في القبول فأجاب لذلك ، وألبسه كاملية بسمور ، وحضر إلى القدس الشريف هو ومن
معه من أركان الدولة الشريفة ، وباشرها كما تقدم ذكره في حوادث تسعين وثمانمائة ،
وحصل للمدرسة المشار إليها وللأرض المقدسة بل ولسائر مملكة الإسلام الجمال والهيبة
والوقار بقدومه ، وانتظم أمر الفقهاء وحكام الشريعة المطهرة بوجوده وبركة علومه ،
ونشر العلم ، وأمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، وازداد شأنه عظما ، وعلت كلمته ،
__________________
ونفذت أوامره عند السلطان فمن دونه وبرزت إليه المراسيم الشريفة في كل وقت
بما يحدث من الوقائع والنظر في أمور الرعية ، وترجم فيها بالجناب العالي شيخ الإسلام ، وولع
له ما لم يقع لغيره ممن تقدم من العلماء والأكابر ، وبقي صدر المجالس وطراز
المحافل ، المرجع في القول إليه ، والمعمول في الأمور كلها عليه ، وقلده أهل
المذاهب كلها ، وقبلت فتواه على مذهبه ومذهب غيره ، ووردت
الفتاوى إليه من مصر والشام وحلب وغيرها ، وبعد صيته وانتشرت مصنفاته في سائر
الأقطار ، وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام.
ومن أعظم
محاسنه التي شكرت له في الدنيا ، ويرفع الله بها درجته في الآخرة ما فعله في القبة المحدثة عند دير صهيون ، وقيامه في هدمها بعد أن صارت كنيسة
محدثة في دار الإسلام في بيت الله المقدس وقيامه في منع النصارى من انتزاع القبو
المجاور لدير صهيون المشهور أنه قبر سيدنا داود ، عليه السلام ، بعد بقائه في أيدي
المسلمين مدة طويلة ، وبنى / / قبلة فيه لجهة الكعبة المشرفة كما تقدم ذكر ذلك
مفصلا في حوادث سنة خمس وسنة ست وسبعين وثمانمائة ، وغير ذلك من الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، وقيامه على حكام الشرطة ومنعهم من الظلم ، ومواجهتهم بالكلام
الزاجر لهم.
وفي شهر شوال
سنة تسعمائة ، ورد عليه مرسوم شريف بأن يكون متكلما على الخانقاه الصلاحية بالقدس
الشريف ، ينظر في أمرها وعمل مصالحها ، فحضر لها في عشية يوم الاثنين سادس شوال ، وجلس بالمجمع مع
الصوفية في مجلس الشيخ ، وحصل للخانقاه وأهلها الجمال بحضوره.
ثم بعد فراغ
الحضور جلس على تفرقة الخبز على عادة مشايخها ، وتصرف فيها بإجازة الوقف والنظر في
أمره ، وشرع في عمارة الخانقاه وإصلاح ما اختل من نظامها ، وأضيف إليه التكلم على
المدرسة الجوهرية وغيرها ، لما هو معلوم من ديانته ، وورعه واجتهاده في فعل
الخيرات وإزالة المنكرات ، وأما سمته وهيبته فمن العجائب في الأبهة والنورانية ،
ورؤيته تذكر بالسلف الصالح ، ومن رآه علم أنه
__________________
من العلماء العاملين برؤية شكله ، وإن لم يكن يعرفه ، وأما خطه وعبارته في
الفتوى فنهاية في الحسن ، وبالجملة فمحاسنه أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ،
وهو أعظم من أن ينبه مثلي على فضله.
ولو ذكرت حقه
في الترجمة لطال الفصل ، فإن مناقبه وذكر مشايخه يحتمل الإفراد في التأليف والمراد
هنا الاختصار ، من تصانيفه : الإسعاد بشرح الإرشاد في الفقه ، والدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع في الأصول ، والفرائد في حل شرح العقائد ، والمسامرة بشرح المسايرة ، وكتب قطعة على تفسير البيضاوي ، وقطعة على صحيح
البخاري ، وقطعة على شرح المنهاج ، وقطعة على صفوة الزبد للشيخ شهاب الدين بن أرسلان وغير ذلك.
وقد عرضت عليه مرة ثانية ما حفظته بعد العرض الأول ، وأجازني في
شهور سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، وكنت عرضت عليه قبل ذلك في حياة الوالد ، رحمه
الله ، قطعة من كتاب المقنع في الفقه على مذهب الإمام أحمد ، رضي الله عنه ، وحضرت بعض
مجالسه من الدروس والإملاء بالمدرسة الصلاحية ، وحضرت كثيرا من مجالسه بالمسجد
الأقصى الشريف قبل رحلته إلى القاهرة المحروسة ، وبعد قدومه إلى بيت المقدس ،
وحصلت الإجازة منه غير مرة خاصة وعامة ، ومن إنشاده في بيت المقدس بعد غيبته عنه
مدة طويلة :
أحيّ بقاع
القدس ما هبت الصبّا
|
|
فتلك ربوع
الأنس في زمن الصبا
|
وما زلت من
شوقي إليها مواصلا
|
|
سلامي على
تلك المعاهد والربا
|
وقد سمعتها من
لفظه بدرب القدس الشريف ، حين عوده من غزة المحروسة في شهر ذي القعدة الحرام سنة
تسعمائة ، وأجازني برواتهما عنه ، أعز الله به الدين ، وأدام بقاءه للمسلمين.
__________________
وهذا آخر ما
تيسر ذكره من أخبار بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وغيرهما مما
تقدم الوعد بذكره ، فما كان فيه من صواب فمن الله ، وما كان عن خطأ فهو من شأن
الإنسان والمسؤول من كل من وقف عليه من الإخوان في الله تعالى ستر ما فيه من الخطأ
وإصلاح ما يمكن إصلاحه ، وعدم المؤاخذة بما فيه من نقص أو خلل ، فإني اجتهدت في
تحرير ما نقلته وتتبعت التراجم والحوادث ما استطعت ، وجمعتها من كتب وأوراق متفرقة
، وكثير منها من حفظي للوقائع والاطلاع عليها ، ومع ذلك لم أستوعب ما هو المقصود
من التاريخ ، لعدم الاطلاع على شيء أستمد منه ، لكن في هذا المختصر ما لم يوجد في غيره مما يتعلق بالقدس
وبلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، وقد تفحصت فلم أظفر بغير ما نقلته والله
الموفق.
وكان ابتدائي في جمعه خامس عشري ذي الحجة سنة تسعمائة ، وفرغت من
جمعه وترتيبه في دون أربعة أشهر ، مع ما تخلل في ذلك من عوارض الدهر نحو شهر لم
أكتب فيه شيئا ، ومع اشتغال الفكر بأمور الدنيا ، والله لطيف بعباده ، وإن فسح
الله الأجل جعلت له ذيلا أذكر فيه ما يتبع من الحوادث بالقدس الشريف وبلد سيدنا
الخليل ، عليه السلام ، وغيرهما ، من أول سنة إحدى وتسعمائة إلى آخر وقت يريده
الله تعالى فيما بقي من العمر.
وكان الفراغ من
تبييضه في اليوم المبارك ، نهار الخميس رابع عشر شهر رجب الفرد الحرام سنة ثمانية
عشر ومائة وألف ، على يد أضعف العباد إلى الملك العظيم الجواد السيد أبو السعود
الدقاق بن المرحوم الشيخ علي ، عفى عنهما الرب القدير.
__________________
المصادر
(١)
القرآن الكريم
(٢)
المصادر العربية والمعربة
ـ ابن الأثير : علي بن محمد (ت ٦٣٠ ه / ١٢٣٢ م) ، أسد الغابة في معرفة
الصحابة ، ٦ ج ، دار الفكر ، لبنان ، ١٩٨٩ م.
ـ ابن الأخوة : محمد بن محمد القرشي (ت ٧٢٩ ه / ١٣٢٩ م) ، معالم القربة
في أحكام الحسبة ، تحقيق رفيق ليوي ، كمبردج ، ١٩٣٧ م.
ـ الإدريسي : محمد بن عبد الله (ت ٥٦٠ ه / ١١٦٤ ـ ١١٦٥ م) ، نزهة
المشتاق في اختراق الآفاق ، ج ٢ ، عالم الكتب ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٩ م.
ـ الأسنوي : عبد الرحمن الأسنوي (ت ٧٧٢ ه / ١٣٧٠ م) ، طبقات
الشافعية ، ٢٠ ج ، تحقيق كمال الحوت ، دار الكتب العلمية ط ٢ ، بيروت ، ١٩٨٧ م.
ـ الأصطخري : أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت في النصف الأول من ق ٤ ه
/ ١٠ م) ، المسالك والممالك ، تحقيق محمد جابر ، القاهرة ، ١٩٦١ م.
ـ ابن إياس : محمد بن أحمد بن إياس (ت ٩٣٠ ه / ١٥٢٣ م) ، بدائع
الزهور في وقائع الدهور ، ٥ ج ، تحقيق محمد مصطفى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب
، القاهرة ، ط ٣ ، ١٩٨٣ ـ ١٩٨٤ م.
ـ البخاري : إسماعيل بن إبراهيم الجعفي (ت ٢٥٦ ه / ٨٦٩ م) ،
التاريخ الكبير ، ١٢ ج ، دار الفكر ، د. ت.
ـ البدري : أبو البقاء عبد الله (القرن التاسع الهجري / الخامس عشر
ميلادي) ، نزهة الأنام في محاسن الشام ، دار الرائد العربي ، بيروت ١٩٨٠ م.
ـ ابن بطوطة : أبو عبد الله بن محمد ، (ت ٧٧٩ ه / ١٣٧٧ م) ، رحلة ابن
بطوطة ، ٢ ج ، تحقيق علي المنتصر الكتاني ، مؤسسة الرسالة ، ط ٤ ، بيروت ، ١٩٨٥ م.
ـ البغدادي : أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، (ت ٤٦٣ ه / ١٠٧٠ م) ،
تاريخ بغداد ، ١٤ ج ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة ، د. ت.
ـ البغدادي ، مراصد : صفي الدين بن عبد الحق البغدادي (٧٣٩ ه / ١٣٣٨ م) ،
مراصد الاطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع ، ٣ ج ، تحقيق علي البجاوي ، دار المعرفة
، بيروت ، ط ١ ، ١٩٥٤ م.
ـ البكري : عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت ٤٨٧ ه / ١٠٩٤ م) ،
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ، ٤ ج ، تحقيق مصطفى السقا ، عالم الكتب
، بيروت ، ١٩٨٣ م.
ـ البلاذري : أبو الحسن أحمد بن يحيى ، (ت ٢٧٩ ه / ٨٩٢ م) ، فتوح
البلدان ، تحقيق عبد الله الطباع ورفيقه ، مؤسسة المعارف ، بيروت ، لبنان ، ١٩٧٨
م.
ـ البلوي : خالد بن عيسى (٧٦٥ ه / ١٤٣٦٢ م) ، تاج المفرق في تحلية
علماء المشرق ، ٢ ج ، تحقيق الحسن السائح ، مطبعة فضاله المحمدية ـ المغرب ، د. ت.
ـ بورشاد : الحاج بورشاد من دير جبل صهيون ، وصف الأرض المقدسة ،
ترجمة سعيد البيشاوي ، دار الشروق ، ط ١ ، عمان ، ١٩٩٥ م.
ـ التطيلي : بنيامين التطيلي ، رحلة بنيامين التطيلي ، ترجمة عزرا
حداد ، بغداد ، ١٩٤٥ م.
ـ ابن تغري بردي ، النجوم : جمال الدين أبو المحاسن يوسف (ت ٨٧٤ ه / ١٤٦٩ م) ،
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، ١٦ ج ، قدم له وعلق عليه محمد حسنين شمس
الدين ، دار الكتب العلمية ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
ـ ابن الجوزي المنتظم : عبد الرحمن بن علي (ت ٥٩٧ ه / ١٢٠١ م) ، المنتظم في
أخبار الملوك والأمم ، ٢٠ ج ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ورفيقه ، دار الكتب
العلمية ط ١ ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
ـ الجواليقي : موهوب بن أحمد ، (ت ٥٤٠ ه / ١١٤٥ م) ، المعرب من
الكلام الأعجمي ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، طهران ، ١٩٦٦ م.
ـ حاجي خليفة : مصطفى بن عبد الله ، (ت ١٠٦٧ ه / ١٦٥٦ م) ، كشف الظنون
عن أسامي الكتب والفنون ، ٢ ج ، أعادت طبعه مكتبة المثنى ، بغداد ، ١٩٤١ م.
ـ ابن حجر ، الإصابة : أحمد بن علي العسقلاني ، (ت ٨٥٢ ه / ١٤٤٨ م) ، الإصابة
في تمييز الصحابة ، تحقيق علي البجاوي ، ٨ ج ، دار الجبل ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
ـ ابن حجر ، إنباء : إنباء الغمر بأبناء العمر ، ٣ ج ، تحقيق حسن حبشي ،
لجنة إحياء التراث الإسلامي ، القاهرة ، ١٩٦٩ م.
ـ ابن حجر ، لسان الميزان : لسان الميزان ، ٧ ج ، مؤسسة الأعلمي للمنشورات ، بيروت
، د. ت.
ـ ابن حجر ، تهذيب : تهذيب التهذيب : ١٤ ج ، دار الفكر بيروت ، ١٩٨٤ م.
ـ ابن حزم : أبو محمد علي بن أحمد ، (ت ٤٥٦ ه / ١٠٦٣ م) ، جمهرة
أنساب العرب ، دار الكتب العلمية ، دار الحياة ، بيروت ، د. ت.
ـ الحموي : معجم الأدباء : شهاب الدين عبد الله ياقوت (٦٢٦ ه /
١٢٢٨ م) ، معجم الأدباء ، ٢٠ ج ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق ، ١٩٨٠
م.
ـ الحموي ، المشترك: المشترك وضعا والمفترق صقعا ، عالم الكتب ، بيروت ، ط ٢
، ١٩٨٦ م.
ـ الحموي ، معجم البلدان : معجم البلدان ، تحقيق عبد العزيز الجندي ، دار الكتب
العلمية ط ١ ، ١٩٩٠ م.
ـ الحميري : محمد بن عبد المنعم ، (ت ٧٢٧ ه / ١٣٢٦ م) ، الروض
المعطار في خبر الأقطار ، تحقيق إحسان عباس ، مكتبة لبنان ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٨٤ م.
ـ الحنبلي : الإمام الحافظ ضياء الدين محمد ، (ت ٦٤٣ ه / ١٢٤٥ م) ،
فضائل بيت المقدس ، تحقيق محمد الحافظ ، دار الفكر ، دمشق ، ١٩٨٨ م.
ـ الحنبلي ، شفاء : أحمد بن إبراهيم ، شفاء القلوب في مناقب بني أيوب ،
تحقيق ناظم رشيد ، بغداد ، د. ت.
ـ ابن خلدون : عبد الرحمن بن خلدون (٨٠٨ ه / ١٤٠٦ م) ، تاريخ ابن
خلدون ، ٨ ج ، تحقيق ، خليل شحادة ، دار الفكر ، دمشق ، ط ٢ ، ١٩٨٨ م.
ـ ابن خلكان : أبو العباس أحمد بن إبراهيم (ت ٦٨٢ ه / ١٢٨٢ م) ،
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، ٨ ج ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ،
١٩٦٨ ـ ١٩٧٢ م.
ـ دانيال : دانيال الراهب ، رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب في
الأراضي المقدسة ، ترجمة سعيد البيشاوي ورفيقه ، عمان ، ط ١ ، ١٩٩٢ م.
ـ ابن دقماق ، الانتصار : إبراهيم بن محمد (ت ٨٠٩ ه / ١٤٠٦ م) ، الانتصار لواسطة
عقد الأمصار ، ج ٤ ، ٥ ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، د. ت.
ـ ابن دقماق ، الجوهر : الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين ، ٢ ج ، تحقيق
محمد كمال الدين ، في مجلد واحد ، عالم الكتب ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٥ م.
ـ الذهبي ، تاريخ : محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨ ه / ١٣٤٧ م) ،
تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الأعلام ، طبقة ٦٣، تحقيق بشار عواد ورفاقه ، مؤسسة
الرسالة ، بيروت ،ط ١ ، ١٩٨٨ م.
ـ الذهبي ، تذكرة : تذكرة الحفاظ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط ٤
د. ت.
ـ الذهبي ، سير : سير أعلام النبلاء ، تحقيق رياض عبد الحميد مراد ، دار
الفكر ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٩١ م.
ـ الذهبي ، العبر : العبر في خبر من غبر ، تحقيق أبو هاجر محمد زغلول ، دار
الكتب العلمية بيروت ، د. ت.
ـ الزبيدي : محمد مرتضى الزبيدي (ت ١٢٠٥ ه / ١٧٩٠ م) ، ترويح
القلوب في ذكر الملوك من بني أيوب ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، دار الكتاب الجديد
، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٨٠ م.
ـ الغزي ، الكواكب : نجم الدين الغزي ، (ت ١٠٠٠ ه / ١٥٩١ م) ، الكواكب
السائرة في أعيان المئة العاشرة ، ٣ ج ، حققه جبرائيل جبور ، دار الآفاق الجديدة ،
بيروت ، ١٩٧٩ م.
ـ الزهري : أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزهري (ت أواسط ق ٦ ه /
١٢ م) ، كتاب الجغرافية ، تحقيق محمد صادق B.D.O. / ٨٦٩١ ١١٠ ـ ٣٠٩.
ـ السبكي : تاج الدين بن تقي الدين ، (ت ٧٧١ ه / ١٣٧٠ م) ، طبقات
الشافعية الكبرى ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، ط ٢ ، د. ت.
ـ السبكي ، معيد : معيد النعم ومبيد النقم ، تحقيق محمد النجار ورفاقه ،
دار الكتاب العربي ، مصر ، ١٩٤٨ م.
ـ السخاوي ، الضوء : شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت ٩٠٢ ه / ١٤٩٦ م) ،
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، ١٢ ج ، مكتبة دار الحياة ، بيروت ، د. ت.
ـ ابن سعد : محمد بن سعد (ت ٢٣٠ ه / ٨٤٤ م) ، الطبقات الكبرى ، ٧ ج
، دار صادر ، بيروت ، د. ت.
ـ السمعاني : أبو سعيد عبد الكريم بن محمد (ت ٥٦٢ ه / ١١٦٧ م) ،
الأنساب ، ٥ ج ، تقديم وتعليق عبد الله البارودي ، دار الجنان ، بيروت ، ط ١ ،
١٩٨٨ م.
ـ السيوطي. إتحاف : محمد بن أحمد (ت ٨٨٠ ه / ١٤٧٥ م) ، إتحاف الأخصا
بفضائل المسجد الأقصى ، ٢ ج ، تحقيق أحمد رمضان ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،
١٩٨٢ م ،
ـ السيوطي ، تاريخ : جلال الدين السيوطي (ت ٩١١ ه / ١٥٠٥ م) ، تاريخ
الخلفاء ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٨ م.
ـ السيوطي ، نظم : نظم العقيان في أعيان الأعيان ، تحقيق فيليب حتي ،
المثنى ، بغداد ١٩٢٧ م.
ـ أبو شامة ، الذيل : شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل (ت ٦٦٥ ه / ١٢٦٧ م)
، تراجم رجال
القرنين السادس والسابع ، المعروف بالذيل على الروضتين ،
دار الجيل ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٧٤ م.
ـ أبو شامة الروضتين : الروضتين في أخبار الدولتين ، دار الجيل ، بيروت ، د.
ت.
ـ ابن شاهين الظاهري : غرس الدين خليل بن شاهين (ت ٨٧٣ ه / ١٤٦٨ م) ، كتاب
زبدة كشف المماليك وبيان الطرق المسالك ، تحقيق بولس روابس ، مطبعة الجمهورية ،
باريس ، ١٨٩٤ م.
ـ ابن شبة : عمر بن شبة البحتري البصري (ت ٢٦٢ ه / ٨٧٥ م) ، تاريخ
المدينة المنورة ، تحقيق فهيم شلتوت.
ـ شيخ الربوة : شمس الدين أبي عبد الله الدمشقي (ت ٧٢٧ ه / ١٣٢٨ م) ،
نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ، تحقيق مهران البيزج ، ١٩٢٣ م.
ـ الشوكاني ، البدر : محمد بن علي (١٢٥٠ ه / ١٨٣٤ م) ، البدر الطالع بمحاسن
من بعد القرن السابع ، ٢ ج ، دار المعرفة ، بيروت ، د. ت.
ـ الصفدي : صلاح الدين خليل بن أيبك (ت ٧٦٤ ه / ١٣٨٢ م) ، الوافي
بالوفيات ، ٢١ ج ، دار فرانز ستايز شتوتغارت ، طبعة ١٩٩١ م.
ـ الصوري : وليم الصور ، تاريخ الأعمال المنجزة فيما وراء البحار ،
(تاريخ الحروب الصليبية) ترجمة سهيل زكار ، ٢ ج ، دار الفكر ، ط ١ ، دمشق ، ١٩٩٠
م.
ـ الصيرفي : علي بن داود (٩٠٠ ه / ١٤٩٤ م) ، إنباء الهصر بأبناء
العصر ، تحقيق حسن حبشي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ب. ت.
ـ الضبي : أحمد بن يحيى بن عميرة (ت ٥٩٩ ه / ١٢٠٢ م) ، بغية
الملتمس في تاريخ رجال الأندلس ، دار الكاتب العربي ، القاهرة ، ١٩٦٧ م.
ـ طاش كبرى زاده : أحمد بن مصطفى (٩٦٨ ه / ١٥٦١ م) ، مفتاح السعادة
ومصباح السيادة في موضوعات العلوم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٥ م.
ـ الطبري : محمد بن جرير الطبري (ت ٣١٠ ه / ١٩٢٢ م) ، تاريخ الأمم
والملوك ، ١٠ ج ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار التراث ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٦٧
م.
ـ ابن الطقطقي : محمد بن علي (ت ٨٧٠٩ ه / ١٣٠٩ م) ، الفخري في الآداب
السلطانية والدولة الإسلامية ، تحقيق محمد عوض ورفيقه ، القاهرة ، ١٩٢٣ م.
ـ ابن طولون ، أعلام : محمد بن طولون ، (ت ٩٥٣ ه / ١٥٥٣ م) ، أعلام الورى بمن
ولي نائبا من الأتراك بدمشق الشام الكبرى ، تحقيق محمد أحمد دهمان ، دار الفكر ،
دمشق ، ١٩٨٤ م.
ـ ابن طولون ، القائد : القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية ، ٢ ج ، تحقيق محمد
أحمد دهمان ، دمشق ، ١٩٨٠ م.
ـ ابن طولون ، مفاكهة : مفاكهة الخلاف في حوادث الزمان ، تحقيق محمد مصطفى ،
القاهرة ، ١٩٦٢ م.
ـ ابن طولون ، نقد : نقد الطالب لزغل المناصب ، تحقيق محمد أحمد دهمان
ورفيقه ، دار الفكر ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
ـ ابن العماد : أبو الفلاح عبد الحي بن علي (ت ١٠٨٩ ه / ١٦٧٩ م) ،
شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، ٨ ج ، دار المسيرة ، بيروت ، ١٩٧٩ م.
ـ العمري ، التعريف : ابن فضل الله العمري أحمد بن يحيى (ت ٧٤٩ ه / ١٣٤٩ م)
، التعريف
بالمصطلح الشريف ، تحقيق محمد حسين ، دار الكتب العلمية
، بيروت ، ١٩٨٨ م.
ـ العمري ، المسالك : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، تحقيق
دورتياكرافولسكي ، المركز الإسلامي للبحوث ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٦ م.
ـ العيني : بدر الدين العيني (ت ٨٥٥ ه / ١٤٥١ م) ، عقد الجمان في
تاريخ أهل الزمان ، ٤ ج ، تحقيق محمد محمد أمين ، الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة
، ١٩٨٨ ـ ١٩٩٢ م.
ـ الفارسي : الحسن بن أحمد الفارسي (٣٧٧ ه / ١٩٨٧ م) ، الحجة في
علل القراءات السبعة ، تحقيق علي النجدي ناصف ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ط
٢ ، ١٩٨٣ م.
ـ أبو الفداء ، تقويم : عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر (ت ٧٣٢ ه / ١٣٣١ م)
، تقويم البلدان ، دار صادر ، بيروت ، د. ت.
ـ أبو الفداء ، المختصر : المختصر في أخبار البشر ، المعروف بتاريخ أبي الفدا ، ٤
ج في مجلدين ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت د. ت.
ـ ابن الفرات : ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم (ت ٨٠٧ ه / ١٤٠٤ م) ،
تاريخ ابن الفرات ، تحقيق حسن محمد الشماع ، جامعة البصرة ١٩٦٧ ـ ١٩٧٠ م ، مجلد ٧
ـ ٩ ، تحقيق قسطنطين زريق وشاركت نجلاء عز الدين في تحقيق المجلد الثامن والجزء
الثاني من المجلد التاسع ، المطعة الأمير كانية ، بيروت ، ١٩٤٢ م.
ـ ابن الفقيه : أبو بكر أحمد بن محمد الهمذاني (ت ٣٤٠ ه / ١٩٥١ م) ،
مختصر كتاب البلدان ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٩ م.
ـ ابن قتيبة: عبد الله بن مسلم الدينوري (٢٧٦ ه / ٨٢٨ م) ، المعارف
، الكويت ـ ١٩٧٠ م.
ـ القرماني : أبو العباس أحمد بن يوسف (ت ١٠١٩ م ه / ١٦١٠ م) ، أخبار
الدول وآثار الأول في التاريخ ، ٣ ج ، تحقيق فهمي سعد ورفيقه ، عالم الكتب ، بيروت
، ط ١ ، ١٩٦٢ م.
ـ القزويني : زكريا بن محمد (ت ٦٨٢ ه / ١٢٨٣ م) ، آثار البلاد
وأخبار العباد ، دار صادر ، بيروت ، ١٩٦٠ م.
ـ القلقشندي : أبو العباس أحمد بن علي (ت ٨٢١ ه / ١٤١٨ م) ، صبح الأعشى
في صناعة الأنشا ، ج ١١ ، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية ، القاهرة ، ١٩٦٣ م.
ـ ابن قنفذ : أحمد بن حسن بن علي (ت ٧٦٤ ه / ١٣٦٢ م) ، كتاب الوفيات
، تحقيق عادل علي دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ط ٤ ، ١٩٨٣ م.
ـ الكتبي : محمد بن شاكر الكتبي (ت ٧٦٤ ه / ١٣٦٢ م) ، فوات
الوفيات ، ٥ ج ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر بيروت ، ١٩٧٣ م.
ـ ابن كثير ، البداية : إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت ٧٧٤ ه / ١٣٧٢ م) ، البداية
والنهاية ، ١٢ ج في ٦ مجلدات ، تحقيق أحمد أبو ملحم وآخرون ، دار البيان للتراث ،
القاهرة ، ط ١ ، ١٩٨٨ م.
ـ ابن كنان : محمد بن عيسى ، (ت ١١٥٣ ه / ١٧٤٠ م) ، جداول الياسمين
في ذكر قوانين الخلفاء والسلاطين ، تحقيق عباس صباغ ، دار النفائس ، بيروت ، ١٩٩١
م.
ـ المسعودي : علي بن الحسين (ت ٣٤٦ ه / ٩٥٧ م) ، مروج الذهب ومعادن
الجوهر ، الدار الإفريقية العربية ، بيروت ، ١٩٨٩ م.
ـ المقدسي : محمد بن أحمد (ت ٣٩٠ ه / ١٠٠٠ م) ، أحسن التقاسيم في
معرفة الأقاليم ، تحقيق دي خويه ، بريل ، ليدن ، ١٩٠٦ م ، نسخة مصورة ، القاهرة ،
١٩٩٠ م.
ـ المقريزي ، اتعاظ : تقي الدين محمد بن علي (ت ٨٤٥ ه / ١٤٤١ م) ، اتعاظ
الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا ، ٣ ج ، تحقيق جمال الدين الشيال ،
القاهرة ، ١٩٦٧ م.
ـ المقريزي ، الخطط : كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، المعروفة
بالخطط المقريزية ، ٢ ج ، دار صامد ، بيروت ، د. ت.
ـ المقريزي ، السلوك : السلوك لمعرفة دول الملوك ، ٦ ج تحقيق محمد زيادة ، لجنة
التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، ١٩٥٦ م ، ٦ ج ، تحقيق سعيد عاشور ، القاهرة ،
١٩٧٠ م.
ـ ابن أبي مكي : مكي بن محمد بن مختار القيرواني القرطبي (ت ٤٣٧ ه /
١٠٤٥ م) ، كتاب التبصرة في القراءات السبع ، تحقيق محمد غوث الندوي ، دار السلفية
الهند ، د. ت.
ـ ابن منظور : أبو الفضل جمال الدين محمد ، (ت ٧١١ ه / ١٣١١ م) ،
لسان العرب ، ١٥ ج ، بيروت ، ١٩٦٨ م.
ـ ابن منقذ : أسامة بن منقذ (ت ٥٨٤ ه / ١١٨٢ م) ، كتاب العصا ، ٢ ج
، تحقيق عبد السلام هارون ، دار الجيل ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٩١ م.
ـ المنقري : نصر بن مزاحم (٢١٢ ه / ٨٢٧ م) ، وقعة صفين ، تحقيق عبد
السلام هارون ، مكتبة الخاتمي ، مصر ، ط ٣ ، ١٩٨١ م.
ـ الميداني : أحمد بن محمد النيسابوري (ت ٥١٨ ه / ١١٢٤ م) ، مجمع
الأمثال ، تحقيق نعيم حسين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٨ م.
ـ ابن واصل : جمال الدين محمد بن سالم (ت ٦٩٧ ه / ١٢٩٨ م) ، مفرج
الكروب في أخبار بني أيوب ، ج ١ ـ ٣ ، تحقيق جمال الدين الشيال ، القاهرة ١٩٥٣ ـ ١٩٦٠
، ج ٤ ـ ٥ ، تحقيق محمد حسيني ، القاهرة ، ١٩٧٢ ـ ١٩٧٧ م.
ـ الواقدي : أبو عبد الله محمد بن عمر (ت ٢٠٧ ه / ٨٢٢ م) ، فتوح
الشام ، ٢ ج في مجلد واحد ، مكتبة المحتسب ، عمان ، د. ت.
ـ ابن الوردي : زين الدين عمر بن المطفر (ت ٧٤٩ ه / ١٣٤٩ م) ، تتمة
المختصر في أخبار البشر ، ٢ ج ، تحقيق أحمد البدراوي ، دار المعرفة ، بيروت ، ط ١
، ١٩٧١ م.
ـ الوطواط : محمد بن إبراهيم (٦١٨ ه / ١٣١٨ م) ، مباهج الفكر
ومناهج العبر ، تحقيق عبد العال الشامي ، قسم التراث العربي ، الكويت ١٩٨١ م.
ـ ناصر خسرو : أبو معين القباذي (ت ٤٥٣ ه / ١٠٦١ م) ، سفر نامه ،
ترجمة يحيى الخشاب ، دار الكتاب الجديد ، بيروت ، ط ٣ ، ١٩٨٣ م.
ـ ابن النديم : أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب (ت ٢٣٥ ه / ٨٤٩ م) ،
الفهرست ، تحقيق رضا المازندراني ، دار المسيرة ، ط ٢ ، ١٩٨٨ م.
ـ النعيمي : عبد القادر بن محمد (ت ٩٢٧ ه / ١٥٢٠ م) ، الدارس في
تاريخ المدارس ، ٢ ج ، دار الكتاب الجديد ، ط ١ ، ١٩٨١ م.
ـ الهروي : أبو الحسن علي بن أبي بكر (ت ٦١١ ه / ١٢١٥ م) ، كتاب
الإشارات إلى معرفة الزيارات ، تحقيق جانين سورديل طومين ، المعهد الفرنسي ، دمشق
، ١٩٥٣ م.
ـ الهمذاني : البلدان ، تحقيق محمد حسين شمس الدين ، ط ١ ، ١٩٨٨ م.
ـ اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب (ت ٢٨٤ ه / ٨٩٧ م) ، كتاب البلدان ،
دار إحياء التراث العربي ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٨٨ م.
ـ اليعقوبي ،
تاريخ : تاريخ اليعقوبي ، دار صادر ، بيروت ، د. ت.
ـ أبو يعلى : محمد بن أبي يعلى (٥٢٦ ه / ١١٣١ م) ، طبقات الحنابلة ،
دار المعرفة ، بيروت.
ـ اليونيني : قطب الدين موسى بن محمد (ت ٧٥٦ ه / ١٣٢٦ م) ، كتاب ذيل
مرآة الزمان ، ٤ ج ، حيدر آباد الدين ، الهند ، ١٩٥٤ ـ ١٩٦١ م.
(٣)
قائمة المراجع
ـ الأنصاري ، شداد : فهمي الأنصاري ، شداد بن أوس ، قسم إحياء التراث
الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٦ م.
ـ الأنصاري ، عبادة : فهمي الأنصاري ، عبادة بن الصامت ، قسم إحياء التراث
الإسلامي ، القدس ، ١٩٧٤ م.
ـ الأنصاري، ماملا : تراجم أهل مقبرة ماملا،قسم إحياء التراث الإسلامي ،
القدس ، ١٩٨٦ م.
ـ الأنصاري ، مؤرخ : مؤرخ القدس والخليل مجير الدين الحنبلي ، قسم إحياء
التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٦ م.
ـ البتنوني : محمد لبيب البتنوني ، الرحلة الحجازية ، مكتبة الثقافة
الدينية ، القاهرة ، د. ت.
ـ البغدادي ، إيضاح : البغدادي إسماعيل بن محمد (١٢٣٩ ه / ١٩٢٠ م) ، إيضاح
المكنون في الذيل على كشف الفنون عن أسامي الكتب والفنون ، دار الفكر ، بيروت ، ط
٢ ، ١٩٩٠ م.
ـ هدية
العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين في كشف الضنون ، دار الفكر ، بيروت ، ط ٢
، ١٩٩٠ م.
ـ التونجي : محمد التونجي ، المعجم الذهبي ، دار العلم للملايين ، ط
٢ ، بيروت ، ١٩٨٠ م.
ـ جاد المولى بك : محمد أحمد ، قصص القرآن الكريم ، مطبعة الاستقامة ،
القاهرة ، ط ٢ ، ١٩٣٩ م.
ـ الحسيني : الأبنية الأثرية في القدس الإسلامية ، المدرسة
البريطانية للآثار ، ترجمة موسى الحسيني ، دار الأيتام القدس ، د. ت.
ـ حطيط : أحمد حطيط ، تاريخ لبنان الوسيط ، دار البحار ، بيروت ،
ط ١ ، ١٩٨٦ م.
ـ أبو ، حمد : عرفان أبو حمد ، أعلام من أرض السلام ، شركة الأبحاث
العلمية والعملية ، جامعة حيفا ، ١٩٧٩ م.
ـ خمار : قسطنطين خمار ، أسماء الأماكن والمواقع والمعالم
الطبيعية والبشرية والجغرافية المعروفة في فلسطين حتى عام ١٩٤٨ م ، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٨٠ م.
ـ أبو حمود : قسطندي أبو حمود ، معجم المواقع الجغرافية في فلسطين ،
جمعية الدارسات العربية ، القدس ، ط ١ ، ١٩٨٤ م.
ـ الدباغ : مصطفى مراد الدباغ ، بلادنا فلسطين ، ١١ ج ، دار
الطليعة ، بيروت ، ط ٤ ، ١٩٨٨ م.
ـ الدبس : يوسف الدبس ، تاريخ سورية ، ٩ ج ، المطبعة العمومية
الكاثوليكية ، بيروت ، ١٩٠٢ م.
ـ الدومنيكي : مرمرجي الدومنيكي ، بلدانية فلسطين العربية ، مطبعة جان
دارك ، بيروت ، ١٩٤٨ م.
ـ أبو رميلة : صلاح أبو رميلة ورفاقه ، المسجد الإبراهيمي ، قسم إحياء
التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٥ م.
ـ الزركلي:خير الدين الزركلي ، الأعلام ، ٨ ج ، دار العلم
للملايين،بيروت ، ط ٦ ، ١٩٨٤ م.
ـ أبو سارة : نجاح أبو سارة ، المقامات والزوايا في مدينة الخليل ،
الخليل ، ١٩٨٦ م.
ـ سركيس : يوسف اليان ، معجم المطبوعات العربية والمعربة ، مطبعة
سركيس ، ١٩٢٨ م.
ـ سلامة : خضر إبراهيم سلامة ، مخطوطات المكتبة البديرية ، مطابع
دار الأيتام الإسلامية الصناعية ، القدس ، ١٩٨٧ م.
ـ شاكر : شاكر ، محمد ، التاريخ الإسلامي ، ٢١ ج ، المكتب
الإسلامي ، بيروت ، ط ٧.
ـ الشطي : جميل الشطي ، مختصر طبقات الحنابلة ، دمشق ، ١٩٢٠ م.
ـ الشناوي : عبد العزيز الشناوي ، الدولة العثمانية دولة إسلامية
مفترى عليها ، ٤ ج ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ١٩٨٦ م.
ـ شريدة : محمد شريدة ، الطائفة السامرية ، نابلس ، ١٩٩٤ م.
ـ طلاس : العماد مصطفى ، قلعة الحصن ، دار طلاس ، ط ، ١٩٩٠ م.
ـ طوطح : خليل طوطح ورفيقه ، جغرافية فلسطين ، دار ابن رشد ، د.
ت.
ـ العارف ، المفصل : عارف العارف ، المفصل في تاريخ القدس ، القدس ، ١٩٦١ م.
ـ العارف ، تاريخ : تاريخ قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى ولمحة عن
تاريخ القدس ، مكتبة الأندلس ، القدس ، ١٩٥٥ م.
ـ العارف ، المسيحية : المسيحية في القدس ، القدس ، ط ١ ، ١٩٥١ م.
ـ عبد الملك : بطرس عبد الملك وآخرون ، قاموس الكتاب المقدس ، دار
الثقافة ، ط ٨ ، القاهرة ، ١٩٩٢ م.
ـ عبيدات : محمود عبيدات ، الأردن ، في التاريخ ، جروس برس طرابلس
، لبنان ، ١٩٩٢ م.
ـ العزة : عبد الله العزة ، نقش حلحول ، دار الخط العربي ، كفر
كنا ، ١٩٩٠ م.
ـ العسلي، أجدادنا : كامل العسلي ، أجدادنا في ثرى بيت المقدس ، عمان ، ط ١
، ١٩٨١ م.
ـ العسلي ، بيت المقدس : بيت المقدس في كتب الرحالة ، عمان ، ١٩٨٩ م.
ـ العسلي ، مجير : مجير الدين الحنبلي ، نص جديد عن حياته ، ونص ذيل كتابه
الأنس الجليل ، مجلة دراسات ، م ١٢ ، ع ٨ ، ص ١١٥ ، ١٩٨٥ م.
ـ عطا الله : محمود عطا الله ، نيابة غزة في العهد المملوكي ، دار
الآفاق الجديدة ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٨٦ م.
ـ الغامدي : علي محمد الغامدي ، بلاد الشام قبيل الغزو الصليبي ،
المكتبة الفيصلية ، السعودية ١٩٨٤ م.
ـ غوانمة ، إمارة : يوسف غوانمة ، إمارة الكرك الأيوبية ، دار الفكر ، عمان
، ط ٢ ، ١٩٨٢ م.
ـ غوانمة ، نيابة : نيابة بيت المقدس في العصر المملوكي ، در الحياة ، عمان
، ١٩٨٢ م.
ـ كحالة ، معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة ، معجم المؤلفين ، ١٥ ج ، مكتبة المثنى ،
بيروت ، ١٩٥٧ م.
ـ كي لسترانج : ج كي لسترانج ، فلسطين في العهد الإسلامي ، ترجمة محمود
عمايرة ، وزارة الثقافة والأعلام ، عمان ، ط ١ ، ١٩٧٠ م.
ـ المبيض : سليم عرفات ، النقود العربية الفلسطينية وسكتها المدنية
الأجنبية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٨٩ م.
ـ محمد فريد : محمد فريد المحامي ، تاريخ الدولة العلية العثمانية ،
تحقيق إحسان عباس ، دار النفائس ، ط ٢ ، ١٩٨٣ م.
ـ المصري : عبد الرؤوف المصري ، معجم ألفاظ القرآن الكريم ، مطبعة
بيت المقدس ، القدس ، ١٩٤٥ م.
ـ المغربي:عبد الرحمن المغربي ، عكا ومنطقتها في العصور الوسطى ،
دار الأسوار ، عكا، ١٩٩٧ م.
ـ مؤنس : حسين مؤنس ، المساجد ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ،
١٩٨١ م.
ـ النابلسي : عبد الغني النابلسي ، (ت ١١٤٣ ه / ١٧٣١ م) ، الحضرة
الأنسية في الرحلة القدسية ، تحقيق أكرم العلبي ، دار المصادر ، بيروت ، ط ١ ،
١٩٩٠ م.
ـ نجم : رائف نجم وآخرون ، كنوز القدس ، مؤسسة آل البيت ، عمان
، ط ١ ، ١٩٨٣ م.
ـ هنتس : فالتر هنتس ، المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها
في النظام المتري ، ترجمة كامل العسلي ، الأردنية ، عمان ، ١٩٧٠ م.
(٤)
المقالات
ـ إيوار :
خراسان ، دائرة المعارف الإسلامية ٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٥.
ـ بيكر : بلبيس
، دائرة المعارف الإسلامية ٤ / ٦٧ ـ ٧٥.
ـ بيكر : دمياط
، دائرة المعارف الإسلامية ٩ / ٢٨٧ ـ ٢٩٠.
ـ زمبارو :
دينار ، دائرة المعارف الإسلامية ٩ / ٣٧١.
ـ سوبرنهايم :
بعلبك ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ٧٠٠ ـ ٧٠٤.
ـ فولتن :
ديارات ، دائرة المعارف الإسلامية ٩ / ٣٤٩.
ـ ليفي دلافيدا
: تميم الداري ، دائرة المعارف الإسلامية ٥ / ٤٨١.
ـ منورسكي :
تبريز ، دائرة المعارف الإسلامية ٤ / ٥٦٠ ـ ٥٦٥.
ـ فير ، ابن
العربي : ابن العربي ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٧.
ـ هارتمان ،
بريد : بريد ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ٦٠٩ ـ ٦١١.
ـ ؟ ، بروسة :
بروسة ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ٦٠٨.
ـ ؟ ، بيت جالا
: بيت جالا ، الموسوعة الفلسطينية ، القسم العام ١ / ٤٤٣.
ـ ؟ ، الرملة :
الرملة ، الموسوعة الفلسطينية ، القسم العام ٢ / ٤٧٤.
(٤)
الموسوعات
ـ بعلبكي :
منير بعلبكي ، دائرة معارف ميسرة ، بيروت ، ١٩٩٠ م.
ـ الخليلي :
جعفر الخليلي ، موسوعة العتبات المقدسة ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط ٢ ،
١٩٨٧ م.
ـ عفيف : أحمد
عفيف وآخرون ، الموسوعة اليمنية ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
ـ غالب : عبد
الرحيم غالب ، موسوعة العمارة الإسلامية ، جرس برس ، بيروت ، ١٩٨٨ م.
ـ المرعشلي :
أحمد المرعشلي وآخرون ، موسوعة المدن الفلسطينية ، هيئة الموسوعة الفلسطينية ،
دمشق ، ١٩٨٤ م.
ـ الندوة
العالمية للشباب الإسلامي : موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة ، السعودية ، ط ١ ،
١٩٨٩ م.

أسماء المواقع والأماكن التي تظهر على الخريطة متسلسلة
حسب الأرقام
١ ـ قبة الصخرة
|
٣٤ ـ الرواق الشمالي
|
٦٧ ـ المدرسة التنكزية
|
١٠١ ـ زاوية الشيخ أحمد
|
٢ ـ قبة السلسلة
|
٣٥ ـ باب الغتم
|
٦٨ ـ مئذنة باب السلسلة
|
١٠٢ ـ خان السلطان
|
٣ ـ المسجد الأقصى
|
٣٦ ـ سبيل شعلان
|
٦٩ ـ المدرسة الأمينية
|
١٠٣ ـ منير برهان الدين (قبة الميزان)
|
٤ ـ القصور الأموية
|
٣٧ ـ المدرسة المعظمية
|
٧٠ ـ الخانقاه الفخرية
|
١٠٤ ـ مصطبة الظاهر
|
٥ ـ الباب الذهبي
|
٣٨ ـ باب حطة
|
٧١ ـ باب القطانين
|
١٠٥ ـ تربة الطنبغا(المعلم السيفي)
|
٦ ـ البائكة الجنوبية
|
٣٩ ـ تربة بركة خان
|
٧٢ ـ سوق القطانين
|
١٠٦ ـ تربة الست طنشق
|
٧ ـ البائكة الشرقية
|
٤٠ ـ قبة موسى
|
٧٣ ـ خان تنكر
|
١٠٧ ـ دار الخطابة.
|
٨ ـ البائكة الغربية
|
٤١ ـ القبة القيمرية
|
٧٤ ـ حمام الشفا
|
١٠٨ ـ مصطبة البصري
|
٩ ـ التربة الإخشيدية
|
٤٢ ـ باب المطهرة
|
٧٥ ـ حمام العين
|
١٠٩ ـ بركة السلطان
|
١٠ ـ البائكة الجنوبية الشرقية
|
٤٣ ـ رباط علاء الدين البصير
|
٧٦ ـ البائكة الشمالية الغربية
|
١١٠ ـ المدرسة الصبيبية
|
١١ ـ مهد عيسى
|
٤٤ ـ دار الحديث
|
٧٧ ـ المدرسة الملكية
|
١١١ ـ الزاوية الوفائية
|
١٢ ـ البيمارستان
|
٤٥ ـ زاوية الشيخ حيدر
|
٧٨ ـ الزاوية المهمازية
|
١١٢ ـ المدرسة الكاملية
|
١٣ ـ الخانقاه الصلاحية
|
٤٦ ـ المئذنة الفخرية
|
٧٩ ـ التربة الكيلانية
|
١١٣ ـ المدرسة الباسطية
|
١٤ ـ الزاوية الخنثنية
|
٤٧ ـ الرباط المنصوري
|
٨٠ ـ تربة تركان خاتون
|
١١٤ ـ المدرسة الغادرية
|
١٥ ـ قبة يوسف
|
٤٨ ـ المسجد المنصوري
|
٨١ ـ المدرسة الفارسية
|
١١٥ ـ المدرسة الحنسية
|
١٦ ـ إعادة بناء سور المدينة
|
٤٩ ـ الزاوية الكبكية
|
٨٢ ـ باب الحديد
|
١١٦ ـ سبيل البصيري
|
١٧ ـ المدرسة الصلاحية
|
٥٠ ـ رباط الكرد
|
٨٣ ـ المدرسة التشطمرية
|
١١٧ ـ المدرسة العثمانية
|
١٨ ـ جامع عمر
|
٥١ ـ الخانقاه لدوادارية
|
٨٤ ـ المدرسة الأرغونية
|
١١٨ – المدرسة الجوهرية
|
١٩ ـ المطهرة
|
٥٢ ـ محراب داود
|
٨٥ ـ الدار السلامية
|
١١٩ ـ مصطبة قايتباي
|
٢٠ ـ الكاس.
|
٥٣ ـ التربة الأوحدية
|
٨٦ ـ الزاوية الأدهمية
|
١٢٠ ـ البائكة الجنوبية الغربية
|
٢١ ـ جامع النساء
|
٥٤ ـ مئذنة الغوانمة
|
٨٧ ـ المدرسة المحدثية
|
١٢١ ـ الجامع الكبير
|
٢٢ ـ مسجد ولي الله محاربي
|
٥٥ ـ المدرسة الإسلامية
|
٨٨ ـ المدرسة المنجكية
|
١٢٢ ـ الرباط الزمني
|
٢٣ ـ قبة المعراج
|
٥٦ ـ بناء غير مسمى
|
٨٩ ـ التربة الطازية
|
١٢٣ ـ زاوية الشيخيعقوب
|
٢٤ ـ الزاوية الجراحية
|
٥٧ ـ التربة الجالقية
|
٩٠ ـ مئذنة باب الأسباط
|
١٢٤ ـ المدرسة المزهرية
|
٢٥ ـ باب السلسلة
|
٥٨ ـ الرواق الغربي
|
٩١ ـ الزاوية البسطامية
|
١٢٥ ـ مسجد الحريري
|
٢٦ ـ قبة سليمان
|
٥٩ ـ باب الغوانمة
|
٩٢ – المدرسة الأسعردية
|
١٢٦ ـ المدرسة لأشرفية
|
٢٧ ـ باب الناظر
|
٦٠ ـ جامع القلعة
|
٩٣ ـ المدرسة الحنبلية
|
١٢٧ ـ سبيل قايتباي
|
٢٨ ـ مدفن الشيخ درباس
|
٦١ ـ التربة السعدية
|
٩٤ ـ المدرسة اللؤلؤية
|
١٢٨ ـ بركة غنغج
|
٢٩ ـ زاوية الهنود
|
٦٢ ـ باب المغاربة
|
٩٥ ـ الزاوية اللؤلؤية
|
١٢٩ ـ الزاوية الظاهرية
|
٣٠ ـ القبة النحوية
|
٦٣ ـ المدرسة الجاولية
|
٩٦ ـ التربة البلدية
|
١٣٠ ـ دار اليمن
|
٣١ ـ صهريج المعظم عيسى
|
٦٤ ـ المدرسة الكريمية
|
٩٧ ـ المدرسة الخاتونية
|
١٣١ ـ قبر مجير الدين
|
٣٢ ـ المدرسة البدرية
|
٦٥ ـ البائكة الشمالية
|
٩٨ ـ سراي الستطنشق
|
|
٣٣ ـ القلعة«قبل الإسلام»
|
٦٦ ـ البائكة الشمالية الشرقية
|
٩٩ ـ المدرسة الطشتمرية
|
|
|
|
١٠٠ ـ الزاوية القرمية
|
|


فهرست
الإنس الجليل
الجزء الثاني
الموضوع
|
الصفحة
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الإهداء
|
٣
|
ـ المدرسة الخانونية
|
٨٠
|
المقدمة
|
٥
|
ـ المدرسة المزهرية
|
٨٠
|
ـ ترجمة المؤلف
|
٧
|
ـ المدرسة الجوهرية
|
٨٠
|
ـ التعريف بالكتاب
|
١٦
|
ـ الزاوية الوفائية
|
٨١
|
ـ موضوعات الكتاب
|
١٨
|
ـ المدرسة المنجكية
|
٨٢
|
ـ ملحوظات على الإنس الجليل
|
٢١
|
ـ وما هو في جهة الشمال ونذكره على الترتيب
|
٨٢
|
ـ منهج التحقيق
|
٢٢
|
ـ المدرسة الجاولية
|
٨٢
|
ـ الفتح الناصري الداودي
|
٣١
|
ـ المدرسة الصبيبية
|
٨٣
|
ـ ذكر تسليم القدس الشريف إلى الإفرنج
|
٣٤
|
ـ المدرسة الأسعردية
|
٨٣
|
ـ ذكر الفتح الصالحي النجمي الذي يسره الله
تعالى
|
٣٦
|
ـ المدرسة الملكية
|
٨٣
|
ـ ذكر صفة المسجد الأقصى الشريف وما هو عليه في
عصرنا
|
٤٥
|
ـ المدرسة الفاسية
|
٨٤
|
ـ ذكر غالب ما في بيت المقدس من المدارس
والمشاهد
|
٧٦
|
ـ المدرسة الأمينية
|
٨٤
|
ـ الفارسية
|
٧٦
|
ـ المدرسة الدوادارية
|
٨٤
|
ـ النحوية
|
٧٦
|
ـ المدرسة الباسطية
|
٨٤
|
ـ الناصرية
|
٧٦
|
ـ التربية الأوحدية
|
٨٥
|
ـ المدارس المجاورة للسور من جهة الغرب
|
٧٧
|
ـ المدرسة الكريمية
|
٨٥
|
ـ الفخرية
|
٧٧
|
ـ المدرسة الغادرية
|
٨٦
|
ـ المدرسة التنكزية
|
٧٨
|
ـ المدرسة الطولونية
|
٨٦
|
ـ المدرسة البلدية
|
٧٨
|
ـ المدرسة الفنرية
|
٨٦
|
ـ العثمانية
|
٧٩
|
ـ الحسينية
|
٨٧
|
ـ الرباط الزمني
|
٧٩
|
ـ المدرسة الصلاحية
|
٨٨
|
ـ المدرسة الأرغونية
|
٨٠
|
ـ الزاوية الشيخونية
|
٨٨
|
|
|
ـ المدرسة الكاملية
|
٨٩
|
|
|
ـ رباط المارديني
|
٨٩
|
|
|
ـ المدرسة المعظمية
|
٨٩
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الموضوع
|
الصفحة
|
ـ المدرسة السلامية
|
٩٠
|
ـ زاوية الشيخ يعقوب العجمي
|
٩٩
|
ـ الزاوية المهمازية
|
٩٠
|
ـ مسجد الحيات
|
٩٩
|
ـ المدرسة الوجيهية
|
٩١
|
ـ الخانقاه الصلاحية
|
٩٩
|
ـ المدرسة المحدثية
|
٩١
|
ـ الزاوية الحمراء
|
٩٩
|
ـ وما هو بالقرب من المسجد من جهة الغرب
|
٩١
|
ـ الزاوية اللؤلؤية
|
١٠٠
|
ـ الرباط المنصوري
|
٩١
|
ـ الزاوية البسطامية
|
١٠٠
|
ـ رباط علاء الدين البصري
|
٩١
|
ـ المدرسة الميمونية
|
١٠٠
|
ـ المدرسة الحسنية
|
٩٢
|
ـ التربة المهمازية
|
١٠٠
|
ـ المدرسة القشتمرية
|
٩٢
|
ـ زاوية الهنود
|
١٠٠
|
ـ المدرسة البارودية
|
٩٢
|
ـ الزاوية الجراحية
|
١٠٠
|
ـ الزاوية المحمدية
|
٩٢
|
ـ القيمرية
|
١٠١
|
ـ الزاوية اليونسية
|
٩٣
|
ـ ذكر ما في القدس الشريف من الحارات المشهورة
|
١٠٥
|
ـ المدرسة الجهاركسية
|
٩٣
|
ـ خط داود عليه السلام ء
|
١٠٥
|
ـ المدرسة الحنبلية
|
٩٣
|
ـ خط مرزبان
|
١٠٦
|
ـ التربة السعدية
|
٩٣
|
ـ خط وادي الطواحين
|
١٠٧
|
ـ التربة الجالقية
|
٩٤
|
ـ القلعة
|
١٠٩
|
ـ دار الحديث
|
٩٤
|
ـ ذكر عين سلوان وغيرها مما هو بظاهر القدس
الشريف
|
١١٢
|
ـ دار القرآن الإسلامية
|
٩٤
|
ـ عين المقذوفات
|
١١٢
|
ـ المدرسة الطازية
|
٩٥
|
ـ بئر أيوب
|
١١٣
|
ـ تربة الملك حسام الدين بركة خان
|
٩٥
|
ـ دير أبي ثور
|
١١٦
|
ـ التربة الكيلانية
|
٩٥
|
ـ طورزيتا
|
١١٧
|
ـ التربة الطشتمرية
|
٩٦
|
ـ قبر مريم عليها السلام
|
١١٩
|
ـ زاوية الطواشية
|
٩٦
|
ـ البقعة
|
١٢٠
|
ـ زاوية المغاربة
|
٩٦
|
ـ الأدهمية
|
١٢٠
|
ـ المدرسة الأفضلية
|
٩٧
|
ـ مغارة الكتان
|
١٢١
|
ـ وما هو من المدارس والزوايا بالقدس الشريف
غير قريب
|
٩٧
|
ـ القلندرية
|
١٢٢
|
ـ زاوية البلاسي
|
٩٧
|
ـ زوايا الكبكية
|
١٢٣
|
ـ زاوية الأزرق
|
٩٨
|
ـ بيت لحم
|
١٢٣
|
ـ المدرسة اللؤلؤية
|
٩٨
|
ـ قبر راحيل
|
١٢٤
|
ـ المدرسة البدرية
|
٩٨
|
ـ ذكر رملة فلسطين
|
١٢٥
|
ـ زاوية الدركاة
|
٩٨
|
ـ ذكر لد
|
١٣٢
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الموضوع
|
الصفحة
|
ـ ذكر عسقلان
|
١٣٥
|
بالقدس الشريف
|
٣٦٩
|
ـ ذكر غزة
|
١٣٥
|
ـ ذكر فقهاء الحنابلة من القضاة والعلماء
وطلبة العلم الشريف
|
٣٧٨
|
ـ ذكر أريحا
|
١٣٦
|
ـ ذكر ما تيسر من أسماء من ولي النظر والنيابة
بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام
|
٣٩٢
|
ـ ذكر نابلس
|
١٣٧
|
ـ ذكر ترجمة ملك العصر والزمان مولانا المقام
الشريف
|
٤٠٧
|
ـ ذكر نبذة من أخبار مدينة سيدنا الخليل عليه
السلام
|
١٣٩
|
ـ واقعة أخي الشيخ أبي العباس
|
٤١٤
|
ـ وأما ما فيها من المدارس والزاويا والمشاهد
|
١٤١
|
ـ واقعة بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام
|
٤٢٤
|
ـ مشهد الأربعين
|
١٤٣
|
ـ واقعة كنيسة اليهود
|
٤٢٦
|
ـ إقطاع تميم الداري
|
١٤٢
|
ـ ذكر هدم الكنيسة
|
٤٣٢
|
ـ ذكر جماعة من أعيان ملوك الإسلام من ولي على
بيت المقدس وبلد سيدنا الجليل
|
١٥٠
|
ـ ذكر إعادة كنيسة اليهود
|
٤٣٧
|
ـ أسماء العلماء في بيت المقدس
|
١٧٦
|
ـ ذكر قدوم السلطان إلى بيت المقدس
|
٤٤٠
|
ـ ذكر علماء الشافعية
|
١٧٧
|
ـ ذكرسفرالسلطانإلى المملكة الشامية
|
٤٤٤
|
ـ القضاة الشافعية بالقدس الشريف وبلد سيدنا
الخليل
|
٢٠١
|
ـ ذكر بناء المدرسة الأشرفية المنسوبة لملك
العصر والزمان مولانا السلطان الملك الأشرف
|
٤٥١
|
ـ الخطباء بالمسجد الأقصى الشريف ومقام سيدنا
الخليل
|
٢٢٤
|
ـ صفة المدرسة الأشرفية
|
٤٥٤
|
ـ ممن ولي الخطابة بالقدس الشريف
|
٢٢٥
|
ـ ذكر إقامة نظام المدرسة الأشرفية
|
٤٦٠
|
ـ ومن خطباء مقام سيدنا الخليل عليه السلام
|
٢٢٥
|
ـ واقعة خضر بك
|
٤٦٦
|
ـ ذكرفقهاء الشافعيةوغيرهم من الأعيان ومشايخ
الصوفية
|
٢٣٧
|
ـ ذكر تجديد البيعة للسلطان
|
٤٧٣
|
ـ قبر وجدنا
|
٢٤٨
|
ـ واقعة قبر داود عليه السلام
|
٤٧٦
|
ـ ذكر فقهاء الحنفية من القضاة والعلماء
|
٣٣٠
|
ـ هدم القبة
|
٤٧٨
|
ـ ومن القضاة الحنفية بالقدس الشريف.
|
٣٣٥
|
ـ واقعة الزيت
|
٤٨٤
|
ـ ذكر فقهاء المالكية من القضاة والعلماء وطلبة
العلم بالقدس الشريف
|
٣٦٢
|
ـ ذكرالفتنةبين نائبالقدس ونائب غزة
|
٤٩٩
|
ـ قضاة المالكية وممن ولي قضاء المالكية
|
|
ذكرترجمةشيخناالكمالي
بن أبي شريف
|
٥٠٢
|


بسم
الله الرحمن الرحيم

|