بسم الله الرّحمن الرّحيم

في المسائل لابن السيد البطليوسي

لفظ الجلالة ليس أصله الإله

حكى أبو القاسم الزجاجي قال : أخبرنا أبو إسحاق بن السّرّي الزّجّاج قال : أخبرني محمد بن يزيد المبرّد قال : سمعت المازني يقول : سألني الرّياشي فقال لي : لم نفيت أن يكون الله تعالى أصله الإله ، ثم خفّف بحذف الهمزة كما يقول أصحابك؟ فقلت له : لو كان مخفّفا منه لكان معناه في حال تخفيف الهمزة كمعناه في حال تحقيقها لا يتغيّر المعنى ، ألا ترى أن اليأس والإياس بمعنى واحد؟ ولمّا كنت أعقل لقولي الله فضل مزيّة على قولي الإله ورأيته قد استعمل لغير الله في قوله : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] وقوله : (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) [الزخرف : ٥٨] ولمّا لم يستعمل الله إلّا للباري تعالى علمت أنّه علم وليس بمأخوذ من الإله.

الكلام في قولهم (بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد)

وفي المسائل أيضا : سألتني قرّر الله لديك الحقّ ومكّنه وجعلك من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه عن قول الكتّاب في صدور كتبهم : بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد ، وذكرت أنّ قوما من نحويي زماننا ينكرون عطف الصلاة على البسملة ، وقد كنت أخبرت بذلك قديما ، فحسبت أنّهم إنما يتعلّقون في إنكاره بأنّه أمر لم ترد به سنّة مأثورة ، وأنّه شيء أحدثه الكتّاب حتى أخبرني مخبرون أنّه فاسد عندهم في الإعراب ، وليسوا ينكرونه من أجل أنّه شيء محدث عند الكتّاب ، وأخبروني أنّ الصّواب عندهم إسقاط الواو ، ورأيت ذلك نصّا في رسائل بعضهم ، ورأيت بعضهم يكتب في صدور كتبه : بسم الله الرحمن الرحيم والصّلاة على رسوله الكريم ، وقد تأمّلت الأمر الذي حملهم على إنكاره ، فلم أجد شيئا يمكّن أن يتعلقوا به إلا أمرين :

أحدهما : أنّ المعطوف حكمه أن يكون موافقا للمعطوف عليه ، وهاتان جملتان قد اختلفتا ، فتوهّموا من أجل اختلافهما أنّه لا يصحّ عطف إحداهما على الأخرى.


والثاني : أنّ قولنا : «بسم الله الرحمن الرحيم» جملة خبريّة ، وقولنا صلّى الله على سيّدنا محمد جملة معناها الدعاء ، فلما اختلفتا فكانت الأولى إخبارا وكانت الثانية دعاء ، وكان من شأن واو العطف أن تشرك الثاني مع الأول لفظا ومعنى لم يصحّ عندهم عطف هاتين الجملتين على بعضهما لاختلافهما لفظا ومعنى.

فإن كانت العلة التي حملتهم على إنكار ذلك اختلاف إعراب الجملتين فإنّ ذلك غير صحيح ، بل هو دليل على قلّة نظر قائله ، لأنّ تشاكل الإعراب في العطف إنما يراعى في الأسماء المفردة المعربة خاصّة ، وأمّا عطف الجمل فإنّه نوعان :

أحدهما : أن تكون الجملتان متشاكلتين في الإعراب ، كقولنا : إنّ زيدا قائم وعمرا خارج ، وكان زيد قائما وعمر خارجا ، فيعطف الاسم والخبر على الاسم والخبر.

والنوع الثاني : لا يراعى فيه التشاكل في الإعراب ، كقولنا : قام زيد ومحمّدا أكرمته ، ومررت بعبد الله وأمّا خالد فلم ألقه ، وفي هذا أبواب قد نصّ عليها سيبويه وجميع البصريين والكوفيين ، لا أعلم بينهم خلافا في ذلك ، وذلك كثير في القرآن والكلام المنثور والمنظوم ، كقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [النساء : ١٦٢] ، وكقول خرنق:[الكامل]

٥٧١ ـ النّازلين بكلّ معترك

والطّيّبون معاقد الأزر

وقد ذكر ذلك في المختصرات الموضوعات في النحو كالجمل والكافي لابن النحاس وغيرهما.

وإن كانوا أنكروا ذلك من أجل أنّ قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم جملة خبرية ، وقولنا : صلّى الله عليه وسلّم جملة معناها الدعاء فاستحال عندهم عطف الدعاء على الخبر ، لا سيّما ومن خاصة الواو أن تعطف ما بعدها على ما قبلها لفظا ومعنى ، وهاتان جملتان قد اختلف لفظهما ومعناهما ، فما اعترضوا به غير صحيح أيضا ، وهذا الذي قالوه يفسد عليهم من وجوه كثيرة لا من وجه واحد :

فأولها : أنّا وجدنا كلّ من صنّف من العلماء كتابا مذ بدأ الناس بالتصنيفات إلى زماننا هذا يصدّرون كتبهم بأن يقولوا : الحمد لله الذي فعل كذا وكذا ، ثم

__________________

٥٧١ ـ الشاهد للخرنق بن هفّان في ديوانه (ص ٤٣) ، وأمالي المرتضى (١ / ٢٠٥) ، والإنصاف (٢ / ٤٦٨) ، وأوضح المسالك (٣ / ٣١٤) ، والحماسة البصرية (١ / ٢٢٧) ، وخزانة الأدب (٥ / ٤١) ، والدرر (٦ / ١٤) ، وسمط اللآلي (ص ٥٤٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٦) ، والكتاب (١ / ٢٦٤) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٦٠٢) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٤١٦) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٩٩).


يقولون بإثر ذلك : وصلّى الله على محمد ، فيعطفون الصّلاة على التحميد ، ولا فرق بين عطفها على التحميد وعطفها على البسملة ، لأنّ كلتا الجملتين خبر ، وهذا ليس مختصا بكتب الضعفاء في العربية دون الأقوياء ، ولا يكتب الجهّال دون العلماء ، بل ذلك موجود في كتب الأئمّة المتقدّمين والعلماء المبرّزين ، كالفارسيّ وأبي العباس المبرّد والمازني وغيرهم ، فلو لم يكن بأيدينا دليل ندفع به مذهب هؤلاء إلا هذا لكفى من غيره ، فتأمّل خطبتي كتاب الإيضاح للفارسي وصدر الكامل لأبي العباس المبرّد وصدر كتاب سيبويه ، وغير ذلك من الكتب ، وتأمّل خطب الخطباء وكلام الفصحاء والبلغاء ، فإنّك تجدهم مطبقين على ما وصفته لك ، فهذا وجه صحيح يدل على فساد ما قالوا.

ومنها : أنّ قولنا : وصلّى الله على محمّد بإثر البسملة منصرف إلى معنى الخبر ، ولذلك تأويلات مختلفة :

أحدها : أن يكون تقديره : أبدأ باسم الله الرحمن الرحيم وأقول : صلّى الله على محمد ، فيضمر القول ويعطفه على «أبدأ» ، وذلك ممّا يصرف الكلام إلى الإخبار ، والعرب تحذف القول حذفا مطردا ، شهرته تغني عن إيراد أمثلة منه ، كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٤] ، أي : يقولون : سلام عليكم ، وكذا قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، أي : يقولون : ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى.

الثاني : على معنى : أبدأ باسم الله وبالصلاة على محمد ، فيكون من الكلام المحمول على التأويل ، كما أجاز سيبويه (١) : «قلّ رجل يقول ذلك إلّا زيد» لأنه في معنى : «ما أحد يقول ذلك إلّا زيد» ، وهذا كثير لا يستطيع أحد من أهل هذه الصناعة على دفعه ، وإن شئت كان التقدير : أبدأ باسم الله وأصلّي على محمد ، فيكون محمولا أيضا على المعنى ، وهذه التأويلات الثلاثة تصيره وإن كان دعاء إلى معنى الإخبار ، فهذا وجه آخر صحيح.

ومنها : أنه لا يستحيل عطف قولنا : وصلّى الله على محمد على قولنا : بسم الله وإن كان دعاء محضا من غير أن يتأوّل فيه تأويل إخبار ، لأنّا وجدنا العرب يوقعون الجمل المركّبة تركيب الدّعاء والأمر والنهي والاستفهام التي لا يصلح أن يقال فيها

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٢٦).


صدق ولا كذب مواقع الجمل الخبرية التي يجوز فيها الصّدق والكذب ، وهذا أشدّ من عطف بعضها على بعض ، كنحو ما أنشدوه من قول الجميح بن منقذ : [البسيط]

٥٧٢ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة

إنّ الرّياضة لا تنصبك للشيّب

فأوقع النّهي موقع خبر (إنّ). وقال آخر : [الوافر]

٥٧٣ ـ ألا يا أمّ فارع لا تلومي

على شيء رفعت به سماعي

وكوني بالمكارم ذكّريني

ودلّي دلّ ماجدة صناع

فأوقع الأمر موقع مكان خبر (كان). وقال الراجز :

٥٧٤ ـ فإنّما أنت أخ لا نعدمه

فأوقع الجملة التي هي «لا نعدمه» ومعناها الدّعاء موقع الصفة لأخ حملا على المعنى ، كأنّه قال : فإنّما أنت أخ ندعو له بأن لا يعدم ، وليس يسوغ لمعترض علينا أن يزعم أنّ هذا شيء خصّ به الشعر ، فإنّ ذلك قد جاء في القرآن والكلام الفصيح ، فمن ذلك قول الله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] ، وأجاز النحويون بلا خلاف بينهم «زيد اضربه» و «عمرو لا تشتمه» و «زيد كم مرّة رأيته» و «عبد الله هل أكرمته» وزيد جزاه الله عني خيرا ، وقد جاء عن العرب عطف الفعل الماضي على المستقبل ، والمستقبل على الماضي واسم الفاعل على الفعل المضارع ، والفعل المضارع على اسم الفاعل ، وكذلك الفعل الماضي على اسم الفاعل ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١٨] ، وقال امرؤ القيس : [الطويل]

٥٧٥ ـ ألا انعم صباحا أيّها الرّبع وانطق

[وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق]

__________________

٥٧٢ ـ الشاهد للجميح الأسدي في تذكرة النحاة (ص ٤٤٥) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٢٤٦) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٣٨٨) ، وشرح اختيارات المفضّل (١ / ١٥٣) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٢٣٩).

٥٧٣ ـ البيت الأول بلا نسبة في لسان العرب (سمع) ، وتاج العروس (سمع) ، والثاني لبعض بني نهشل في خزانة الأدب (٩ / ٦٦) ، ونوادر أبي زيد (ص ٣٠) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١٠ / ٢٤٦) ، والدرر (٢ / ٥٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٣٨٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩١٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٨٤) ، وهمع الهوامع (١ / ١١٣).

٥٧٤ ـ الشاهد بلا نسبة في المغني (ص ٦٤٧).

٥٧٥ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٦٨).


فعطف الأمر على الدّعاء ، وهذا كثير ، وقد قال سيبويه (١) في باب ما ينصب فيه الاسم لأنّه لا سبيل له إلى أن يكون صفة : «واعلم أنّه لا يجوز : من عبد الله ، وهذا زيد الرّجلين الصّالحين ، رفعت أو نصبت ، لأنّك لا تثني إلّا على من أثبتّه وعلمته ، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم ، فتجعلها بمنزلة واحدة ، وإنّما الصّفة علم فيمن قد علمته» ، فأبطل جواز هذه المسألة من جهة جمع الصّفتين ، ولم يبطلها من أجل عطف الخبر على الاستفهام ، ووافقه جميع النحويين على هذه المسألة ، وإنّما كان ذلك لأنّ الجمل لا يراعى فيها التشاكل في المعاني ولا في الإعراب ، وقد استعمل بديع الزمان عطف الدعاء على الخبر في بعض مقاماته ، وهو قوله (٢) : «ظفرنا بصيد وحيّاك الله أبا زيد» وما نعلم أحدا أنكر ذلك عليه ، وإذا كان التشاكل يراعى في أكثر المفردات كان أجدر ألّا يراعى في الجمل ، ألا ترى أنّ العرب تعطف المعرب على المبنيّ والمبنيّ على المعرب ، وما يظهر فيه الإعراب على ما لا يظهر؟ وفي هذا الموضع شيء يجب أن يوقف عليه ، وذلك أن قول النحويين ، بأنّ الواو تعطف ما بعدها على ما قبلها لفظا ومعنى كلام خرج مخرج العموم ، وهو في الحقيقة خصوص ، وإنّما تعطف الواو الاسم على الاسم في نوع الفعل أو في جنسه لا في كميته ولا كيفيته ، ألا ترى أنّك إذا قلت : ضربت زيدا وعمرا قد يجوز أن تضرب زيدا ضربة واحدة وعمرا ضربتين وثلاثا فتختلف الكميتان؟ وكذلك يجوز أن تضرب زيدا جالسا وعمرا قائما فتختلف الكيفيتان ، ويبيّن ذلك قول العرب : إيّاك والأسد ، فيعطفون الأسد على ضمير المخاطب ، والفعل الناصب لهما مختلف المعنى ، لأنّ المخاطب مخوف والأسد مخوف منه ، فجاز العطف وإن اختلف نوعا التخويف ، لأنّ جنس التخويف قد انتظمهما ، ونحو منه قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] ، لأنّ الإجماع على الأمر وهو العزم عليه والجمع الذي يراد به ضمّ الأشياء المتفرّقة وإن اختلف نوعاهما فإنّ لهما جنسا يجتمعان فيه ، ألا ترى أنّهما جميعا يرجعان إلى معنى الصّيرورة والانجذاب؟ ألا ترى أنّ من عزم على الشيء فقد انجذب إليه ، وصار كما أنّ الأشياء المتفرقة إذا جمعت انجذب بعضها إلى بعض وصار كلّ واحد منها إلى الآخر؟ وكذلك قول الشاعر (٣) : [مجزوء الكامل]

يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٥٥).

(٢) انظر مقامات الهمذاني ، المقامة البغدادية (٢٠).

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٣٨).


ومعناه : وحاملا رمحا ، لأنّ التّقلّد نوع من الحمل ، ولأجل هذا الذي ذكرناه من حكم العطف بالواو قلنا في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة : ٦] ، في قراءة من خفض الأرجل : إنّ الأرجل تغسل والرّؤوس تمسح ، ولم يوجب عطفها على الرّؤوس أن تكون ممسوحة كمسح الرؤوس ، لأنّ العرب تستعمل المسح على معنيين :

أحدهما : النّضح ، والآخر الغسل ، حكى أبو زيد : تمسّحت للصلاة أي : توضّأت ، وقال الراجز :

٥٧٦ ـ أشليت عنزي ومسحت قعبي

أراد أنّه غسله ليحلب فيه ، فلمّا كان المسح نوعين أوجبنا لكلّ عضو ما يليق به ، إذ كانت واو العطف كما قلنا إنّما توجب الاشتراك في نوع الفعل وجنسه لا في كميته ولا في كيفيته ، فالنّضح والمسح جمعهما جنس الطّهارة كما جمع تقلّد السيف وحمل الرّمح جنس التّأهّب للحرب والتّسلّح ، وهكذا قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد ، وإن كان الإخبار والدعاء قد اختلفا فإنّهما قد اتّفقا في معنى التّقدمة والاستفتاح أو في معنى التّبرّك والاستنجاح ، فإن قال قائل : قد أنكر النحويون أن يقال : ليت زيدا قائم وعمر بالرفع عطفا على موضع ليت وما عملت فيه ، وهل ذلك إلّا من أجل اختلاف الجملتين بأن إحداهما تصير خبرا والثانية تمنيا؟ فالجواب : أنّ هذا الذي توهّمته لا يصحّ من وجهين :

أحدهما : أن إنكار النحويين العطف على موضع (ليت) ليس من أجل ما ظننته ، وإنّما منعوه لأنّ (ليت) قد أبطلت الابتداء فلم تبق له لفظا ولا تقديرا ، ولو كان لليت ومعمولها موضع وعطف عمر عليه لم يكن عطف خبر على تمنّ كما توهّمته ، وإنّما كان يكون عطف خبر على خبر لأنّ التمني إنما كان لعامل اللفظ دون الموضع لو كان هناك موضع.

والوجه الثاني : أنّ قولنا : ليت زيدا قائم وعمر لا يعدّ جملتين ، وإنما يعدّ جملة واحدة ، لأنّ الخبر الذي كان يتم الجملة الثانية سقط استغناء بخبر الاسم الأول ، ولو قلت : ليت زيدا قائم وليت عمرا قائم لكانتا جملتين ، وهذا كقوله : قام زيد وقام عمر ، فيكون الكلام جملتين ، فإذا قلت : قام زيد وعمر صارت جملة واحدة ، ويدلّ

__________________

٥٧٦ ـ الرجز لأبي نخيلة في لسان العرب (قأب) ، وبلا نسبة في لسان العرب (شلا) ، ومجمل اللغة (٣ / ١٧٤) ، ومقاييس اللغة (٣ / ٢٠٩) ، وأساس البلاغة (شلو) ، وتاج العروس (شلا).


على ذلك أنّ النحويين يجيزون : مررت برجل قائم زيد وأبوه ، ولا يجيزون : مررت برجل قائم زيد وقائم أبوه ، لأنّ الكلام الأوّل جملة واحدة ، فاكتفي فيها بضمير واحد يعود إلى الموصوف ، والثانية تجري مجرى جملتين ، فلا بدّ في كل واحدة منهما من ضمير ، وكذلك يجيزون : زيد قام عمر وأبوه ، ولا يجيزون : زيد قام عمر وقام أبوه ، لتعرّي الجملة الواحدة من ضمير يعود إلى المبتدأ.

الكلام في قوله تعالى : (وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)

سألت عن قول الله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : ١٨٣] ، وقلت بأيّ شيء انتصب «قائما» وما العامل فيه؟ وأين خبر التبرئة من هذه الآية؟ وذكرت أنّ بعض المنتحلين لصناعة النحو أنكر قولنا : إنّ «قائما» هاهنا منصوب على الحال ، وزعم أنه كفر من قائله ، وإنما قال ذلك فيما يرى لأنّ الحال فيما ذكر النحويون منتقلة وفضلة في الكلام ، والقيام بالقسط صفة لله تعالى لم يزل موصوفا بها ولا يزال ، ولا يصحّ فيها الانتقال ، ونحن نربأ بأنفسنا أن نكون ممّن يجهل ما يوصف به الله تعالى فنصفه بما لا يجوز ، أو يغيب عنّا هذا المقدار من علم اللسان ، وإنما أتي هذا المعترض من قلّة بصره بهذه الصناعة وسوء فهمه لباب الحال ، وقد أجبتك عن ذلك بما فيه كفاية وإقناع ، وبالله أستعين وعليه أتوكّل.

أما خبر التبرئة في هذه الآية فمحذوف تقديره عند البصريين لا إله في الوجود إلّا هو ، أو لا إله موجود إلّا هو ، ونحو ذلك من التقدير ، وخبر التبرئة قد يحذف إذا كان في الكلام دليل عليه ، كقولهم : لا بأس يريدون : لا بأس عليك وكقول عبد يغوث الحارثي : [الطويل]

٥٧٧ ـ فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

أراد أنه لا تلاقي لنا ، وقوله : «هو» بدل من موضع لا وما عملت فيه لأنّ التبرئة وما تعمل فيه في موضع رفع على الابتداء ، وهي في ذلك بمنزلة إنّ وما تعمل فيه ،

__________________

٥٧٧ ـ الشاهد لعبد يغوث بن وقاص في الكتاب (٢ / ٢٠١) ، وخزانة الأدب (٢ / ١٩٤) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ٧٦٧) ، وشرح التصريح (٢ / ١٦٧) ، وشرح المفصّل (١ / ١٢٨) ، والعقد الفريد (٥ / ٢٢٩) ، ولسان العرب (عرض) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢٠٦) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١ / ٤١٣) ، ورصف المباني (ص ١٣٧) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٤٥) ، وشرح ابن عقيل (ص ٥١٥) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٠٣) ، والمقتضب (٤ / ٢٠٤).


فإن قيل : فما الذي يمنع من أن يكون هو الموجود في الآية خبر التبرئة ولا يحتاج إلى تكلّف هذا الإضمار؟ فالجواب : أنّ ذلك خطأ من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ لا هذه لا تعمل إلا في النكرات ، فإن جعلت هو خبرها أعملتها في المعرفة وذلك لا يجوز.

والثاني : أنّ ما بعد إلّا موجب ولا لا تعمل في الموجب ، إنّما تعمل في المنفيّ.

والثالث : أنّك إن جعلت هو خبر التبرئة كنت قد جعلت الاسم نكرة والخبر معرفة ، وهذا عكس ما توجبه صناعة النحو ، لأن الحكم في العربية إذا اجتمعت معرفة ونكرة أن تكون المعرفة هي الاسم والنكرة الخبر ، فلذلك جعل النحويون الخبر نحو هذا محذوفا.

وأمّا قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) فإنّه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه :

١ ـ إمّا أن يكون منصوبا على المدح والتعظيم.

٢ ـ وإمّا أن يكون منصوبا على الحال.

٣ ـ وإمّا أن يكون منصوبا على النعت لإله المنصوب بالتبرئة ، فأمّا نصبه على المدح والتعظيم فواضح يغني وضوحه عن القول فيه ، وأمّا نصبه على الصفة لإله فإنّ ذلك خطأ ، لأنّ المراد بالنفي هاهنا العموم والاستغراق ، فإذا جعلت قائما صفة لإله فإنّ التقدير : لا إله قائما بالقسط إلّا هو ، فرجع النفي خصوصا وزال ما فيه من العموم وجاز أن يكون ثمّ إله آخر غير قائم بالقسط ، كما أنّك إذا قلت : لا رجل ظريفا في الدار إلا زيد ، فإنما نفيت الرجال الظرفاء خاصة وجاز أن يكون هناك رجل آخر غير ظريف ، وهذا كفر صريح ، نعوذ بالله منه.

وأمّا نصبه على الحال فإنّه لا يخلو من أحد أربعة أوجه :

إمّا أن يكون حالا من اسم الله تعالى.

وإمّا أن يكون حالا من المضمر.

وإمّا أن يكون حالا من المنصوب بأنّ.

وإمّا أن يكون حالا من المضمر الذي في خبر التبرئة المقدّر.

فإن جعلته حالا من اسم الله تعالى فالعامل فيه شهد ، تقديره : شهد الله في حال قيامه بالقسط أنّه لا إله إلّا هو وشهدت الملائكة وأولو العلم ، وليس هذا قبيحا من أجل أنّك ذكرت أسماء كثيرة وجئت بالحال من بعضها دون بعض ، قال ابن جني : «ألا ترى أنّك لو قلت : جاء زيد راكبا وعمر وخالد ، فجعلت الحال من


بعضهم لجاز باتّفاق» ، وإذا جعلت قائما حالا من هو فالعامل في الحال معنى النفي ، لأن الأحوال تعمل فيها المعاني كما تعمل في الظروف ، فيكون التقدير : شهد الله أنّ الرّبوبيّة ليست إلّا له في حال قيامه بالقسط ، فهذان الوجهان صحيحان.

فأمّا كونه حالا من الضمير المنصوب بأنّ أو من الضمير الذي في خبر التبرئة المحذوف فكلاهما خطأ لا يجوز.

أمّا امتناعه من أن يكون حالا من الضمير المنصوب بأنّ فلعلّتين :

إحداهما : أنّ أنّ المفتوحة تقدّر هي وما عملت فيه بتقدير المصدر ، وما بعدها من اسمها وخبرها صلة لها ، فإن جعلت قائما حالا من اسمها كان داخلا في الصلة ، فتكون قد فرّقت بين الصّلة والموصول بما ليس من الصلة وذلك مستحيل.

والعلة الثانية : أنّك إن جعلته حالا من اسم أنّ لزمك أن تعمل أنّ في الحال ، وأنّ لا تعمل في الأحوال شيئا ولا في الظروف ، فإن قلت : قد قال النابغة الذبياني : [البسيط]

٥٧٨ ـ كأنّه خارجا من جنب صفحته

[سفّود شرب نسوه عند مفتأد]

فنصب على الحال من اسم كأنّ وجعل العامل فيها ما في كأنّ من معنى التشبيه ، فهلّا أجزت مثل ذلك في أنّ فالجواب : أنّ ذلك إنّما يجوز عند البصريين في كأنّ وليت ولعلّ خاصّة ، لأنّ هذه الأحرف الثلاثة أبطلت معنى الابتداء ممّا يدخل عليه ، وأحدثت في الكلام معنى التّمنّي والتّرجّي والتشبيه فأشبهت الأفعال ، فإن قيل : فإنّ المفتوحة تدخل على الجملة فتصرفها إلى تأويل المصدر ، ألا ترى أنّك تقول : بلغني أنّك قائم فيكون معناه : بلغني قيامك؟ فهلّا أعملت في الحال ما فيها من تأويل المصدر؟ فالجواب : أنّ ذلك خطأ لأنّ المصدر الذي تقدّر به أنّ المفتوحة إنّما ينسبك منها ومن صلتها التي هي اسمها وخبرها ، فإذا جعلت قائما حالا من اسمها كان داخلا في صلتها ، فيلزمك من ذلك أن يعمل الاسم في نفسه ، وذلك محال ، فلهذا الذي ذكرناه استحال أن ينتصب «قائما» على الحال من اسم أنّ.

فأمّا امتناعه من أن يكون حالا من الضمير المقدّر في خبر التبرئة المحذوف فمن أجل أنّ المراد بالنفي العموم والاستغراق على ما قدّمناه ، فإذا جعلته حالا من

__________________

٥٧٨ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ١٩) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٨٥) ، والخصائص (٢ / ٢٧٥) ، ولسان العرب (فأد) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ١٩٦) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٢٢١) ، وكتاب العين (٨ / ٨).


المضمر الذي في الخبر المحذوف صار التقدير : لا إله موجود في حال قيامه بالقسط إلّا هو ، فيصير النفي واقعا على الآلهة القائمين بالقسط دون غيرهم ، ويوهم هذا الكلام أنّ ثمّ إلها غير قائم بالقسط ، كما أنّك إذا قلت : لا رجل موجود سخيّا إلّا زيد ، فإنما نفيت الرجال الأسخياء خاصة دون غيرهم ، وهذا كفر ، فصحّ بجميع ما قدّمناه أنّ قائما لا يصحّ إلّا أن يكون حالا من اسم الله تعالى أو من هو ، فإن قال قائل : فكيف جاز لكم أن تجعلوه حالا من اسم الله تعالى أو من ضميره ، والحال منتقلة وفضلة في الكلام ، وهذه الصفة لم يزل الله تعالى موصوفا بها ولا يزال؟ فالجواب : أنّه ليس كلّ حال منتقلة ولا فضلة في الكلام كما زعم هذا الزاعم بل من الأحوال ما لا يصحّ انتقاله ولا يجوز أن يكون فضلة ، ألا ترى أن النحويين قد أطلقوا الحال على أشياء من القرآن وغيره لا يصح فيها الانتقال ، كقوله تعالى : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [فاطر : ٣١] ، (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) [الأنعام : ١٥٣]؟ والحقّ لا يفارقه التّصديق ، وصراط الله تعالى لا تفارقه الاستقامة ، وقالوا في قوله تعالى : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً) [البقرة : ١٣٣] : إنّه منصوب على الحال من الله ، وقالوا في قوله تعالى : (الم ، اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) [آل عمران : ١ ـ ٣] : إنّها جملة في موضع الحال من الله ، كأنّه قال : الله الحي القيوم نزل عليك الكتاب متوحّدا بالرّبوبيّة ، وأجازوا أيضا أن يكون في موضع الحال من الضمير في «نزّل» ، وكذلك قول العرب : «ضربي زيدا قائما» ، «وأكثر شربي السّويق ملتوتا» ، و «دعوت الله سميعا» ، ونحو ذلك إن تتبّعناه ، فإن قال قائل : فكيف صحّ أن تسمّي هذه الأشياء حالا وهي غير متنقلة والكلام محتاج إليها؟ فالجواب عن ذلك من وجوه كلها مقنع :

أحدها : أنّ الحال شبيهة بالصفة ، والصفة ضربان : ضرب يحتاج إليه الموصوف ولا بدّ له منه ، وذلك إذا التبس بغيره ، وضرب لا يحتاج إليه ، وإنّما يذكر للمدح أو الذّمّ أو التّرحّم ، فوجب أن تكون الحال كذلك.

ومنها : أنّ الشيء إذا وجد فيه بعض خواصّ نوعه ولم يوجد فيه بعضها لم يخرجه عن نوعه نقصان ما نقص منها ، ألا ترى أنّ الرسم له خواصّ تخصّه مثل : التنوين ودخول الألف واللام عليه والنعت والتصغير والنداء؟ ولم يلزم أن توجد هذه الخواصّ كلّها في جميع الأسماء ، ولكن حيثما وجدت كلّها أو بعضها حكم له بأنّه اسم ، وكذلك الأحوال في هذه المواضيع فيها أكثر خواصّ الحال وشروطها موجودة فيها ، فلا يخرجها عن حكم الحال نقصان ما نقص منها ، كما لا يخرج من وما نحوهما عن حكم الأسماء نقصان ما نقصها من خواصّ الأسماء.


ومنها : أنّ النحويين لم يريدوا بقولهم : إنّ الحال فضلة في الكلام أنّ الحال مستغنى عنها في كلّ موضع على ما يتوهّم من لا دربة له بهذه الصناعة ، وإنّما معنى ذلك أنّها تأتي على وجهين : إمّا أن يكون اعتماد الكلام على سواها والفائدة منعقدة بغيرها ، وإمّا أن تقترن بكلام تقع الفائدة بهما معا ولا تقع الفائدة بها مجرّدة ، وإنما كان ذلك لأنّها لا ترفع ولا يسند إليها حدث واعتماد كل جملة مفيدة إنما هو على الاسم المرفوع الذي أسند إليه الحدث أو ما هو في تأويل المرفوع ، ولا تنعقد فائدة بشيء من المنصوبات والمجرورات حتى يكون معها مرفوع أو ما هو في تأويل المرفوع ، كقولنا : ما جاءني من أحد ، وإنّ زيدا قائم ، فتأمّل هذا الموضع فإنّه يكشف عنك الحيرة في أمر الحال وفيه لطف وغموض.

وأمّا القيام الذي وصف الله تعالى به نفسه في هذه الآية فليس يراد به المثول والانتساب لأن هذا من صفة الأجسام تعالى الله عن ذلك ، وإنما المراد بالقيام هاهنا القيام بالأمور والمحافظة عليها ، يقال : فلان يقوم بأمر فلان أي : يعنى به ويهتبل بشأنه ، ومنه قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) [النساء : ٣٤] ، أي : متكلّفون بأمورهنّ ومعنيّون بشؤونهنّ ، ومنه قول الأعشى : [المتقارب]

٥٧٩ ـ يقوم على الوغم في قومه

فيعفو إذا شاء أو ينتقم

الكلام في قولنا : يا حليما لا يعجل

سألت وفّقك الله عن قولنا في الدعاء : يا حليما لا يعجل ويا جوادا لا يبخل ويا عالما لا يجهل ، ونحو ذلك من صفات الله تعالى ، وقلت : كيف يصحّ أن يقال في مثل هذا : منادى منكور والقصد به إلى الله تعالى؟ وإن كان معرفة فكيف انتصب وخرج مخرج التنكير؟ وهذا سؤال من لم يتمهّر في معرفة اللسان العربي ، واعتراض من لم يتصوّر غرض هذه الصناعة تصوّرا صحيحا ، وأنا أعلمك لم ذلك وأشرح لك ما التمسته شرحا يسرو عنك ثوب الحيرة ، ويزيل عنك عارض هذه الشبهة إن شاء الله تعالى ، فأقول وبالله التوفيق : إنّ الوجه في هذا وما أشبهه من صفات الله تعالى أن يقال فيه : إنه منادى مخصّص ، وهذه عبارة غير معتادة عند النحويين ، وإنما جرت عادتهم في نحو هذا أن يسمّوه المنادى المشبّه بالمضاف والمنادى الممطول أي المطوّل ، من قولك مطلت الحديدة إذا مددتها ، ومنه اشتقّ المطل في الوعد ، ومعنى

__________________

٥٧٩ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ٨٩) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة (٦ / ١٢٧) ، وشرح السبع الطوال (ص ٢٧٣).


قولنا : إنه منادى مخصّص أنّ حليما وجوادا وعالما ونحوها صفات يوصف بها الباري جلّ جلاله ويوصف بها المخلوقون ، وهي وإن اتّفقت ألفاظها متباينة في المعاني ، كما أنّ إذا قلنا في الباري تعالى : إنه سميع بصير ، وقلنا في زيد : إنه سميع بصير ، فالمعنى مختلف وإن اتفقت العبارة ، لأنّ زيدا سميع بأذن بصير بحدقة لأنّه ذو جوارح وأبعاض ، والله تعالى منزّه عن مثل هذه الصفات ، جلّ عمّا يصفه به الجاهلون وتقدّس ممّا يقول فيه المبطلون ، وإنما نريد بقولنا فيه : إنه سميع وإنه بصير أنّه لا يغيب عنه شيء من خلقه وأنّه مشاهد لجميع حركاتهم وأعمالهم ، لا يخفى عنه مثقال الذّرّة ، ولا يغيب عنه ما تجنّه الصدور ويختلج به الضمير ، ولذلك إذا قلنا : إنّ زيدا حيّ فإنّما نريد بذلك أنّ له نفسا حسّاسة مقترنة بجسم ، وإذا قلنا في الباري تعالى : إنه حيّ فإنما نريد بذلك أنّه مدرك للأشياء ، ويجوز أن يراد بذلك أنّه موجود لم يزل ولا يزال ، والعرب تسمى الوجود حياة والعدم موتا ، فيقولون للشمس ما دامت موجودة حيّة ، فإذا عدمت سمّوها ميّتة ، قال ذو الرمة : [الطويل]

٥٨٠ ـ فلمّا رأين اللّيل والشّمس حيّة

حياة الّذي يقضي حشاشة نازع

شبّه الشمس عند غروبها بالحيّ الذي يجود بنفسه ، وقال آخر يصف النار : [الطويل]

٥٨١ ـ وزهراء إن كفّنتها فهو عيشها

وإن لم أكفّنها فموت معجّل

فجعل وجود النار حياة وعدمها موتا ، ولم نرد بإنشاد هذين البيتين تمثيل حياة الباري تعالى بالحياة المذكورة فيهما لأنّ ما ذكره الشاعران من ذلك مجاز واستعارة وحياة الباري تعالى وجميع صفاته حقائق لا تشبّه بشيء من صفات المحدثات ولا تكيّف ، وإنّما تؤخذ توقيفا وتسليما لا قياسا ، وقد اجتمع العارفون بحدود الكلام على أنّ الاشتراك في الأسماء لا يوجب التشابه بين المسمّيات بها ، وإنّما تشبّه الأشياء باتفاقها في المعاني لا في الألفاظ ، وليس بين الباري تعالى وبين مخلوقاته اشتباه في معنى من المعاني ، فإذا أرادوا أن يجعلوا هذه الصفات مختصّة به تعالى زادوا عليها ألفاظا تخصّصها وتجعلها مقصورة عليه ، فقالوا : يا حليما لا يعجل ويا جوادا لا يبخل ، ويا عالما لا يجهل ، ونحو ذلك ، فصارت هذه الصفات خاصة لا يصح أن يوصف بها غيره ، لأنّ كلّ حليم فلا بدّ له من طيش وهفوة ، وكلّ جواد فلا بدّ له من بخل وعلّة ،

__________________

٥٨٠ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ٨٠١) ، وأساس البلاغة (حشش) ، وتاج العروس (شرق) ، والعمدة (١ / ٢٧٥).

٥٨١ ـ البيت بلا نسبة في أمالي القالي (٢ / ٨٨).


وكل عالم فلا بدّ له من جهل وحيرة ، فأمّا الحلم المحصن الذي لا يلحقه طيش والجود المحصن الذي ليس فيه بخل والعلم المحصن الذي لا يقترن به جهل فإنها صفات خاصة به تعالى لا حظّ فيها لغيره ، وهذه الزيادة التي زيدت عليها في موضع نصب على الصفة ، كأنّه قيل : يا حليما غير عجول ، ويا جوادا غير بخيل ويا عالما غير جهول ، فالفائدة في هذه الألفاظ المزيدة على هذه الأسماء ما ذكرناه من التخصيص.

فإن قال قائل : فقد علمت أنّا إذا قلنا : يا حليم ويا جواد ويا عالم فقد فهم أنّ هذه الصفات مخالفة لصفات البشر ، فإذا كان ذلك مفهوما من أنفس هذه الصفات فما الفائدة في زيادة هذه الألفاظ عليها؟ فالجواب : أنّ الفائدة في ذلك أنّا إذا قلنا : يا حليم ويا جواد ويا عالم فإنّما يقع التباين والخلاف بالمعاني لا بالألفاظ ، وإذا قلنا : يا جوادا لا يبخل ويا حليما لا يعجل ويا عالما لا يجهل وقع التباين والخلاف بالمعاني والألفاظ معا ، وإذا انفصل الشيئان لفظا ومعنى كان أبلغ في التباين من أن ينفصلا معنى لا لفظا ، ويدلّك على أنّ الغرض في ذلك ما ذكرته قول عطاء الخراساني في «بسم الله الرحمن الرحيم» : «كان الباري تعالى يوصف بالرحمن ، فلمّا تسمّى به المخلوقون زيد عليه الرحيم» ، فهذا نصّ جليّ على أنّهم قصدوا تخصيصه تعالى بلفظ لا يوصف به سواه ، ولذلك قال المفسرون في «الله» : إنه اسم ممنوع ، فلأجل هذا قلنا : إن مثل هذا ينبغي أن يقال فيه : منادى مخصّص ، وإنما وجب أن ينتصب هذا النوع من المناديات وإن كان غير منكور لأنّ اللفظ الأوّل لمّا كان محتاجا إلى اللفظ الثاني لأنّه الذي يتمّ معناه ويخصّصه أشبه المنادى المضاف الذي لا يتمّ إلّا بالمضاف إليه فانتصب كانتصابه ، وصار بمنزلة قولك : يا خيرا من زيد ويا ضاربا رجلا ، ولذلك سمّى النحويون هذا النوع المنادى المشبّه بالمضاف.

وأمّا قولي : إن هذا سؤال من لم يتمهّر في معرفة اللسان العربي واعتراض من لم يتصوّر هذه الصناعة تصوّرا صحيحا فإنما قلت ذلك لأنّ هذا السؤال يدلّ على أنّ صاحبه يعتقد أنّ كلّ منادى معرفة غير مضاف مرفوع رفع بناء في كلام العرب ، وليس كذلك لأنّ المنادى في كلام العرب ينقسم إلى أربعة أقسام :

منادى منكور نحو : يا رجلا ، ومنادى مضاف نحو : يا عبد الله ، ومنادى مفرد وهو نوعان :

أحدهما : ما كان معرفة قبل النداء ، نحو : يا زيد.

والثاني : ما كان قبل النداء نكرة وتعرّف في النداء بإقبال المنادى عليه واختصاصه إيّاه بالنداء دون غيره ، نحو : يا رجل.


والقسم الرابع : هو المنادى المشبّه بالمضاف ، وهو الذي لا يستقل بنفسه ويفتقر إلى ما يتمّه ، كقولك يا خيرا من زيد ويا ضاربا رجلا ، وكرجل سمّيته ثلاثة وثلاثين ، فإنّك تقول : يا ثلاثة وثلاثين فإن قلت : كيف يكون قولنا : يا خيرا من زيد ويا ضاربا رجلا معرفة وقد خرج بلفظ النكرة؟ قلت : فإن تعرفه يكون على وجهين :

أحدهما : أن تسمي بذلك رجلا فيصير قولك : يا خيرا من زيد ويا ضاربا رجلا بمنزلة قولك : يا زيد ويا عمرو ونحوهما من الأسماء المختصة.

والوجه الثاني : أن تقبل بندائك على رجل معيّن تختصّه من جميع من بحضرتك ، فيصير قولك : يا خيرا من زيد ويا ضاربا رجلا بمنزلة قولك : يا رجل لمن تقبل عليه.

فهذا ما عندي في جواب ما سألت عنه ، وبالله التوفيق.

سؤال العضد وجواب الجاربردي وردّ العضد على الجاربردي

وانتصار ولد الجاربردي

لأبيه على العضد (١)

كتب العضد مستفتيا علماء عصره : يا أدلّاء الهدى ومصابيح الدّجى حيّاكم الله وبيّاكم ، وألهمنا الحقّ بتحقيقه وإيّاكم ، ها أنا من نوركم مقتبس وبضوء ناركم للهدى ملتمس ، ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ، ينشد بأطلق لسان وأرقّ جنان : [المتقارب]

٥٨٢ ـ ألا قل لسكّان وادي الحمى

هنيئا لكم في الجنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضا

فنحن عطاش وأنتم ورود

قد استبهم قول صاحب (الكشاف) (٢) أفيضت عليه سجال الألطاف : (مِنْ مِثْلِهِ)(٣) [البقرة : ٢٣] متعلّق بسورة صفة لها ، أي : بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزّلنا أو لعبدنا ، ويجوز أن يتعلّق بقوله : فأتوا ، والضمير للعبد» حيث جوّز في الوجه الأول كون الضمير لما نزّلنا تصريحا وخطره في الوجه الثاني تلويحا ، فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزّلنا ، وفأتوا من مثل ما نزّلنا بسورة ،

__________________

(١) انظر طبقات الشافعية الكبرى (١٠ / ٤٧).

(٢) انظر الكشاف (١ / ٢٤١).

(٣) الآية (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.)


وهل ثمّ حكمة خفيّة أو نكتة معنويّة أو تحكّم بحت؟ بل هذا مستبعد في مثله ، فإن رأيتم كشف الرّيبة وإماطة الشّبهة والإنعام بالجواب ، أثبتم أجزل الأجر والثّواب.

جواب الجاربردي : فكتب العلّامة فخر الدين الجاربردي وعقّد ، تمنّي الشعور معلّقا بالاستعلام لما وقع بالدّخيل مع الأصيل الأدخل في الإبهام ، أشعر بأنّ المتمنّي تحقّق ثبوت شيء ما منها والانتفاء رأسا ، ولا يستراب أن انتفاء الفائدة اللفظية والفائدة المعنوية يجعل التخصيص تحكّما ساذجا فإن رفع الإبهام ينصب البعض للتكثير الثاني خبر ما فما مغزى التخصيص على البيان فاضرب عن الكشف صفحا مجانبا الاستدراك كما في الاستكشاف ، وإن ريم ما يعنى بالتحقيق فيه والأخصّ في الاستعمال فزيغ الدّاله لا زلة خبير كعثرة عثارها للادخل بمنزلة في أنزلنا أولا بشهادة الدّغدغة لعثوره عليها في أنزلنا ثانيا ، والتبيين جنس التعيين ، فإنها من بنات خلعت عليهنّ الثياب ثم فنتهنّ وحثوت عليهنّ التراب : [الطويل]

٥٨٣ ـ فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى

فلا خير في اللّذّات من دونها ستر

[الكامل]

٥٨٤ ـ إنّي امرؤ أسم القصائد للعدى

إنّ القصائد شرّها أغفالها

ردّ العضد : فكتب العضد على الجواب : أقول وأعوذ بالله من الخطأ والخطل ، وأستعفيه من العثار والزّلل : الكلام على هذا الجواب من وجوه :

الأول : أنّه كلام تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطّباع ، ككلمات المبرسم غير منظوم ، وكهذيان المحموم ليس له مفهوم ، كم عرض على ذي طبع سليم وذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤدّاه ، وكفى وكيلا بيني وبينك كل من له حظّ من العربية وذكاء ما مع الممارسة لشطر من الفنون الأدبية.

الثاني : لمّا أجمل الاستفهام لشدّة الإبهام فسّره بما لا يدلّ عليه بمطابقة ولا بتضمّن ولا بالتزام ، وحاصله أنّ ثبوت أحد الأمرين هاهنا محقّق ، وإنما التردّد في التّعيين ، فحقيق بأن يسأل عنه بالهمزة مع (أم) دون هل مع أو ، فإنّه سؤال عن أصل الثبوت.

الثالث : أنّا لا نسلّم تحقّق أحد الأمرين حقيقة لجواز أن لا يكون لحكمة خفيّة

__________________

٥٨٣ ـ البيت لأبي نواس في ديوانه (ص ٢٨).

٥٨٤ ـ الشاهد بلا نسبة في أساس البلاغة (غفل) و (وسم) ، ولبشامة بن الغدير في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٩٤).


ولا نكتة معنوية ، بل لأمر بيّن في نفسه على السائل أو لشبهة قد تخايلت للحاكم وتضمحلّ بتأمّل ، فلا يكون تحكّما بحتا ، ولئن سلّمنا الحصر فلم لا يجوز أن يتجاهل السائل تأدّبا واعترافا بالقصور وتجنّبا عن التّيه والغرور؟.

الرابع : أنّ (أو) هذه أهي الإضرابية؟ أفهذا باعه في الوجوه العربية؟ فأين أنت من قولهم : لا تأمر زيدا فيعصيك أو تحسبه غلامك وأقلّ خدّامك أو لا تدري من أمامك؟ أبعد ما أذبت نفسك ليلا ونهارا في شعب من العربيّة مذ نيطت بك العمائم إلى أن اشتعل الرأس شيبا يخفى عليك هذا الجليّ الظاهر الذي هو مسطور في الجمل لعبد القاهر؟.

الخامس : هب أنّ هذا خطأ صريح ، ألا يمكن أن تتحمّل له محملا صحيحا أليس المقصود هنا كالصبح يتبلّج وكالنار في حندس الظّلم على رأس العلم تؤجّج؟ فماذا كان لو اشتغلت بعد ما يغنيك من الجواب وتنطق (١) بفضل الصواب بما لا يعنيك من التخطئة في السؤال؟

السادس : قد أوجب الشرع ردّ التحيّة والسّلام ، وندب إلى التلطّف في الكلام ، فمن يؤفك فقد اقترف الإثم واستحقّ الذّمّ وأساء الأدب وتجنّب الأمم ، وأشعر بأنّه ليس له من الخلق خلاق ، ولم يرزق متابعة من بعث لتتميم مكارم الأخلاق.

السابع : أنّه أعرض عن الجواب ، وزعم أنّه من بنات خلع عليهنّ الثياب وحثى عليهنّ التراب ، فإن كان حقّا فلا ريب في أنّها تكون ميّتة أو بالية ، ومع هذا فمصداق كلامه أن ينبش عنها أو أن يأتي بمثلها فنرى ما هيه؟

الثامن : أنّ السؤال لم يخصّ به مخاطب دون مخاطب ، بل أورد على وجه التعميم والإجمال مرعيّا فيه طريق التعظيم والإجلال موجّها إلى من وجّه إليه ، ويقال : مصدّق أنت من أدلّاء الهدى ومصابيح الدّجى ، فأنّى رأى نفسه أهلا للخطاب معيّنا للجواب؟ وهلّا درأه عن نفسه معرفة بقدره وعلما بغوره ، ومحافظة على طوره إلى من هو أجلّ منه قدرا وأنور بدرا في هذه البلدة من زعماء التحرير وفحوله النحارير الذين لا يفوتهم سابق ولا يشقّ غبارهم لاحق.

وإن كان لا يرى فوقه أحدا فإنه للعمه والعمى والحماقة العظمى ، ومالداء النّوك من دواء ، وليس لمرض الجهل المركب من شفاء.

التاسع : البليغ من عدّت هفواته والجواد من حصرت كبواته وأمّا من لا يأمن مع الدّعدعة سوء العثار ، ويحتاج إلى من يقود عصاه في ضوء النهار ، فإذا سابق في


المضمار العتاق الجياد وناضل عند الرّهان ذوي الأيدي الشّداد ، فقد جعل نفسه سخرة للسّاخرين وضحكة للضاحكين ، ودريّة للطاعنين وغرضا لسهام الرّاشقين.

العاشر : أظنّك قد غرّك رهط احتفّوا من حولك ، وألقوا السّمع إلى قولك ، يصدّقونك في كلّ هذر ويصوّبونك في كلّ ما تأتي وتذر ، ولم تمرّ بقراع الأبطال اللهاميم ، ولم تدفع إلى جدليّ مماحك يعركك عرك الأديم ، فظننت بنفسك الظّنون ، ورسخ في دماغك هذا الفنّ من الجنون ولم ترزق أديبا ولا ناصحا لبيبا. [الطويل]

٥٨٥ ـ فما كلّ ذي نصح بمؤتيك نصحه

وما كلّ مؤت نصحه بلبيب

فها أنا أقول لك قول الحق الذي يأتي في غير نفس أبيّة ، ولا يصرفني عنه هوى ولا عصبيّة ، فاقبل النّصيحة واتّق الفضيحة ، ولا ترجع بعد إلى مثل هذا ، فإنّه عار في الأعقاب ، ونار يوم الحساب ، هداك الله وإيانا سبيل الرشاد. انتهى.

انتصار إبراهيم ولد الجاربردي لأبيه

وقد تصدّى إبراهيم ولد الجاربردي لنصرة والده في رسالة سمّاها : «الصّارم في قطع العضد الظالم». فقال :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبه نستعين ، والعاقبة للمتّقين ، ولا عدوان إلّا على الظالمين ، والصّلاة والسّلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيّدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد : فيقول الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي :

بينما كنت أقرأ كتاب الكشاف في سنة ستين وسبعمائة بين يدي من هو أفضل أهل الزمان ، لا بالدّعاوى بل هو باتفاق أهل العلم والعرفان ، أعني من خصّه الله تعالى بأوفر حظّ من العلى والإحسان ، مولانا وسيدنا الإمام العالم العلّامة شيخ الإسلام والمسلمين ، الدّاعي إلى ربّ العالمين ، قامع المبتدعين وسيف المناظرين ، إمام المحدّثين حجة الله على أهل زمانه ، والقائم بنصرة دينه في سرّه وإعلانه بقلمه

__________________

٥٨٥ ـ الشاهد لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه (ص ٤٥) ، والحيوان (٥ / ٦٠١) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٤٣٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٦٣٦) ، ولأبي الأسود أو لمودود العنبري في شرح شواهد المغني (ص ٥٤٢) ، وبلا نسبة في الدرر (٥ / ٢٦٦) ، والكتاب رقم الشاهد (١٠٤٣) ، ومغني اللبيب (ص ١٩٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩٥).


ولسانه ، خاتمة المجتهدين بركة المؤمنين أستاذ الأستاذين قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السّبكي ، لا زالت رباع الشّرع معمورة بوجوده ورياض الفضل مغمورة بجوده ، ويرحم الله عبدا قال : آمينا ، إذ وصلت إلى قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] فرأيت عند بعض من الفضلاء الحاضرين شيئا من كلام القاضي عضد الدّين الشيرازي على كلام والدي الذي كتبه على سؤاله المشهور عن الفرق بين (فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزّلنا) و (فأتوا من مثل ما نزّلنا بسورة) ، فأخذت منه رجاء أن أطّلع على بدائع من رموزه ، وودائع من كنوزه ، فوجدته قد فطم عن ارتضاع أخلاف التحقيق ، وحرم عن الاغتراف من بحر التدقيق ، جعل الإيراد عنادا ، والمنع ردعا ، والرّدّ صدّا ، والسؤال نضالا والجواب عيّابا فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء وقال ما هو تقوّل وافتراء ، وكلام والدي عنه براء ، كأنّه طبع على اللّفاء أو جبلت طينته من المراء ، فمزج الشّهد بالسّمّ وأكل الشعير وذمّ ، فأضحكت حركة البهمة في استيفاء القصاص ، فكتبت هذه الرسالة المسمّاة بالسيف الصّارم في قطع العضد الظالم ، ولأجازينّه عن حسناته العشر بأمثالها ، قال الله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١] وقال تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [المائدة : ٤٥] ، وجراحة اللّسان أعظم من جراحة السّنان ، قال الشاعر : [الوافر]

٥٨٦ ـ جراحات السّنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللّسان

وقال آخر : [الهزج]

٥٨٧ ـ وبعض الحلم عند الجه

ل للذّلّة إذعان

وفي الشّرّ نجاة حي

ن لا ينجيك إحسان

وقال آخر : [البسيط]

٥٨٨ ـ لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

وأسأل الله التوفيق ، وبيده أزمّة التحقيق ، أقول : أيّها السّائل رحمك الله ، أمّا

__________________

٥٨٦ ـ الشاهد بلا نسبة في تاج العروس (كلم) ، وليعقوب الحمدوني في العقد الفريد (٢ / ٤٤٥).

٥٨٧ ـ البيت الأول للفند الزمّاني في أمالي القالي (١ / ٢٦٠) ، وحماسة البحتري (ص ٥٦) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٣١) ، والدرر (٥ / ٢٥٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٤٤) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٢٢) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٢ / ٣٣٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩٣).

٥٨٨ ـ البيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب في الأضداد (ص ٤٨) ، والمؤتلف والمختلف (ص ٤١) ، والخزانة (٣ / ٥٢١).


قولك في الجواب : إنه كلام تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع إلى آخره ، فنقول بموجبه : لكن بالنسبة إلى من كانت حاسّته غير سليمة أو سدّ عن الإصاخة إلى الحقّ سمعه وأبى أن ينطق به لسانه ، وهذا قريب ممّا حكى الله سبحانه وتعالى عن الكفار المعاندين : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥] ، وقولك : «كم عرض على ذي طبع سليم وذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤدّاه» نقول : هذا كلام متهافت ، إذ لو كانوا ذا طبع سليم وذهن مستقيم لفهموا معناه وتفطّنوا لموجبه ومقتضاه ، فإنّ ذا الطّبع السليم من يدرك اللّمحة وإن لطف شأنها ، ويتنبّه على الرّمزة وإن خفي مكانها ، ويكون مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقّادها ، ولكنّهم كانوا مثلك كزّا جاسيا وغليظا جافيا غير داربين بأساليب النظم والنثر ، غير عالمين كيف يرتّب الكلام ويؤلّف وكيف ينظم ويرصف (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان : ٤٤] أما سمعت قول بعض الفضلاء : [البسيط]

٥٨٩ ـ عليّ نحت القوافي من معادنها

وما عليّ إذا لم تفهم البقر

أو نقول : فرضنا أنّهم كما زعمت ذوو فهم سليم وطبع مستقيم ، لكنّهم ما اشتغلوا بالعلوم حقّ الاشتغال ، فأين هم من فهم هذا المقال؟ أما سمعت قول من قال : [الكامل]

٥٩٠ ـ لو كان هذا العلم يدرك بالمنى

ما كان يبقى في البريّة جاهل

وقول الآخر : [البسيط]

٥٩١ ـ لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

لن تبلغ المجد حتّى تلعق الصّبرا

ومع أنّ هذه الغوامض كما نبّه عليه الزمخشري لا يكشف عنها من الخاصّة إلّا أوحدهم وأخصّهم وإلّا واسطتهم وفصلهم ، وعامّتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمنّ عليهم بجزّ نواصيهم وإطلاقهم ، هذا مع أنّ مقامات الكلام متفاوتة ، فإنّ مقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة ، وخطاب الذكيّ يباين خطاب الغبيّ ، فكما يجب على البليغ في موارد التفصيل والإشباع أن

__________________

٥٨٩ ـ الشاهد للبحتري في ديوانه (ص ٩٥٥) ، والموازنة بين أبي تمام والبحتري (١ / ٣٠٣) ، والدرر (٢ / ٢٢٢).

٥٩١ ـ البيت بلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (١٥١٢).


يفصّل ويشبع فكذلك الواجب عليه في خطاب الإجمال أن يجمل ويوجز ، أنشد الجاحظ : [الكامل]

٥٩٢ ـ يرمون بالخطب الطّوال وتارة

وحي الملاحظ خيفة الرّقباء

وأئمة صناعة البلاغة يرون سلوك هذا الأسلوب في أمثال هذه المقامات من كمال البلاغة وإصابة المحزّ ، فنقول : إنما أوجز الكلام وأوهم المرام اختبارا لتنبّهك أو مقدار تنبّهك ، أو نقول : عدل عن التصريح احترازا عن نسبة الخطأ إليك صريحا ، والعدول عن التصريح باب من البلاغة يصار إليه كثيرا وإن أورث تطويلا ، ومن الشواهد لما نحن فيه شهادة غير مردودة رواية صاحب المفتاح عن القاضي شريح (٢) «أنّ رجلا أقرّ عنده بشيء ثم رجع ينكر ، فقال له شريح : شهد عليك ابن أخت خالك ، آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة إلى المنكر ، لكون الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة».

وأمّا قولك : «ثانيا : فسّره بما لا يدلّ عليه بمطابقة ولا بتضمّن ولا بالتزام» ثم تقول : «حاصله كذا» فنفيت أوّلا الدّلالات ، ثم أثبتّ ثانيا له معنى وذكرته ، فأنت كاذب إمّا في الأوّل أو الثاني ، وأيضا قد قلت : «أوّلا : إنه كهذيان المحموم ليس له مفهوم ، ثم قلت : حاصله كذا ، فقد أدخلت عنقك في ربقة الكذب ، اتّق الله فإنّ الكذب صغيرة والإصرار عليها كبيرة ، والمعاصي تجرّ إلى الكفر ، قال الله تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) [الروم : ١٠] ، ثم إنّ قولك : «حاصله أنّ ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقّق ، وإنما التردّد في التعيين ، فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو ، فإنّه سؤال عن أصل الثبوت» يوهم أنّك الذي استنبطت هذا المعنى من كلامه وفهمته منه ، وليس كذلك ، بل لمّا بلغك هذا الجواب بقيت حائرا مليّا لا تفهم مراده ولا تعرف معناه ، وكنت تعرّضته على من زعمت أنّهم كانوا ذا طبع سليم وفهم مستقيم ، فما فهموا معناه وما عثروا على مؤدّاه ، فصرت ضحكة للضاحكين وسخرة للساخرين ، فلمّا حال الحول وانتشر القول جاء ذاك الألمعيّ أعني الشيخ أمين الدين حاجي ددا وتمثّل بين يدي والدي وقال كما قلت : [المتقارب]

__________________

٥٩٢ ـ الشاهد لأبي دؤاد بن حريز الإيادي في البيان والتبيين (١ / ١٥٥) ، ولأبي داود بن جرير في زهر الآداب (١ / ٩٦) ، وبلا نسبة في الصناعتين (ص ١٩٨).

(١) انظر مفتاح العلوم (ص ٩٧).


٥٩٣ ـ أفيضوا علينا من الماء فيضا

فنحن عطاش وأنتم ورود

فقرأ عليه قراءة تحقيق وإتقان وتدقيق ، فلمّا كشف له الوالد الغطاء ظهر له أنّ كلامك كان كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فجاء إليك وأفرغ في صماخيك ، وأقرّ عينيك ، فكان الواجب عليك أن تقول : صاحبه كذا على ما فهمته من بعض تلامذته ، لئلّا يكون انتحالا ، فإنّ ذلك خيانة ، والله لا يحب الخائنين ، فإن كابرت وجعلتني من المدّعين فقل : فأت بآية إن كنت من الصادقين فقلت : أمّا بالنسبة إلى الآخرة فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم ، وأمّا بالنسبة إلى الدّنيا ففضلاء التّبريزيين ، فإنهم عالمون بالحال عارفون بالأمر على هذا المنوال ، ولهذا ما وسعك أن تكتب هذه الهذيانات وأنت في تبريز مخافة أن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين ، بل لمّا انتقلت إلى أهل بلد لا يدرون ما الصحيح تكلّمت بكلّ قبيح ، لكن وقعت فيما خفت منه.

وأمّا قولك : «ثالثا : لا نسلّم تحقّق أحد الأمرين حقيقة إلى آخر ما قلتم» فكله مخالف للظاهر ، والأصل عدمه ، وتحقيق الجواب فيه يظهر ممّا أذكره في آخر الجواب الرابع.

وأمّا قولك : «رابعا : إنّ أو هذه أهي الإضرابيّة؟ أفهذا باعك في الوجوه الإعرابية؟» فنقول : أولا : لا شك أنّك عند تسطير هذا السؤال ما خطر لك هذا بالبال بل لمّا اعترض عليك تمحّلت هذا بالقال ، وثانيا : المثال الذي ذكرته غير مطابق لكلامك ، لو فرضنا أنّه من كلام الفصحاء ، وثالثا : أنّه لا يستقيم أن تكون «أو» في كلامك للإضراب لفوات شرطه ، فإنّ إمام هذا الفن سيبويه إنّما أجاز أو الإضرابية بشرطين : أحدهما : تقدّم نفي أو نهي. والثاني : إعادة العامل ، نحو : ما قام زيد أو ما قام عمر ، ولا يقم زيد أو لا يقم عمر ، ونقله عنه ابن عصفور ، هكذا مذكور في (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) ، ثم قال مصنفه ابن هشام المصري (١) : «وممّا يؤيّد نقل ابن عصفور أنّ سيبويه قال (٢) في : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] : ولو قلت : أو لا تطع كفورا انقلب المعنى ، يعني أنّه يصير إضرابا عن النهي الأول ونهيا عن الثاني فقط. انتهى.

فلا يمكن حمل أو في كلامك على الإضراب ، فظهر من القصير باعه في علم

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (ص ٦٧).

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٢٠٨ ، ٢١٣).


الإعراب ، أمثلك يعرّض بهذا لمن كان أدنى تلامذته فارسا في علم الإعراب مقدّما في حملة الكتاب؟ لكنّ نحوك انحصر في الجمل الذي صنّف لصبيان الكتّاب ، وحرمت من الكنوز التي أودعها سيبويه في هذا الكتاب ، ثم على تقدير إتيان أو للإضراب مطلقا كما ذهب إليه بعضهم لا يندفع الإيراد ، لأنّ من شرط ارتفاع شأن الكلام في البلاغة صدوره من بليغ عالم بجهة البلاغة بطرق حسن الكلام ، وأن يكون السامع معتقدا أنّ المتكلّم قصد هذا في تركيبه عن علم منه ، لا أنّه وقع اتّفاقا بلا شعور منه ، فإنه إذا أساء السامع اعتقاده بالمتكلم ربّما نسبه في تركيبه ذلك إلى الخطأ ، وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة ، وممّا يشهد لذلك ما نقل صاحب (المفتاح) (١) عن عليّ رضي الله عنه أنّه كان يشيّع جنازة ، فقال له قائل : من المتوفّي؟ بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفّى ، فلم يقل : فلان ، بل قال : الله تعالى ، ردّا لكلامه عليه بخطأ أو منبّها له بذلك ، على أنّه كان يجب أن يقول : من المتوفّى بلفظ اسم المفعول ، ويقال : إنّ هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو ، فأمر أبا الأسود الدّؤلي بذلك ، ولا شكّ أنّه يقال : توفّى على البناء للفاعل أي : أخذ ، وحينئذ يكون كناية عمّن مات ، بمعنى أنّ الميّت أخذ بالتّمام مدّة عمره فمات ، فالمتوفّي هو الميّت بطريق الكناية ، ويقال : توفّي على البناء للمفعول أي : أخذ روحه ، وحينئذ يكون الميّت هو المتوفّى حقيقة ، والمتوفّي هو الله ، ولمّا سأل من هو من الأوساط من علي عن الميّت بلفظ المتوفّي الذي هو من تركيب البلغاء أجابه بما يليق به : إنّ المتوفّي هو الله تعالى ، وفيه بيان أنّه يجب أن يقول : من المتوفّى بلفظ اسم المفعول الذي يليق به ، كما تقوله الأوساط لأنه لا يحسن الكناية.

وإذا سمعت ما تلونا عليك وتأمّلت المقصود من إيرادنا هذا الكلام عليك تتيقّن الجواب عن الثالث والرابع في ذهنك اليقين الجليّ.

وأمّا قولك : «خامسا : هب هذا خطأ صريحا ، أليس المقصود هنا كالصّبح فما كان لو اشتغلت بالجواب» فنقول : الجواب عليه من وجهين :

أحدهما : أنّ الأئمة قد صرّحوا بأنّه لا يكتب على الفتوى إلّا بعد تصحيح السؤال.

والثاني : أنّه يحتمل أن يكون قد أحسن الظنّ في حقّك بأنّ مثل هذا لا يخفى

__________________

(١) انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص ١٢٢).


عليك ، ومع ذلك يكون قد خطر له أنّك قد فعلت هذا امتحانا ، هل يتفطّن أحد لتركيبك أم لا؟ فعلى هذا كيف يتعدّى عن التنبيه على المقصود؟.

وأمّا قولك : «سادسا : قد أوجب الشّرع ردّ التحيّة ، فالجواب عنه أيضا من وجهين :

أحدهما : أنّ الواجب هو الرّدّ لا الكتابة ، فيحتمل أن يكون قد ردّ بلسانه وما كتب ، وما أعرف أحدا من الأصحاب قال بوجوب الكتابة ، أو ما سمعت ما أجاب به الفضلاء ، عن المزنيّ حيث قيل : إنّه لم يكتب أوّل (المختصر) (١) بسم الله الرحمن الرحيم؟».

والثاني : فإنّك زعمت في الوجه الثامن أنّك ما خصصته بالسؤال ، بل أوردت على وجه التعميم والإجمال ، فنقول حينئذ : لا يجب عليه بعينه ردّ السّلام ، بل على واحد لا بعينه ، لكن أعذرك في مسألة ردّ التحيّة ، لأنّك في الفقه ما وصلت إلى باب الطهارة ، فكيف بمسائل تذكر في أواخر الفقه؟.

وأمّا قولك : «سابعا : زعم أنّه من بنات خلع عليهنّ الثياب» فالجواب عنه : أنّ الزعم قول يكون مظنّة الكذب ، وما ذكره من الحق الأبلج ، ومن ظنّ خلاف ذلك فقد وقع في الباطل ، لأنّ مراده ببنات خلع عليهنّ الثياب نتائج فكره التي انتشرت في البلاد ، كشرح المنهاج والمصباح وشرح التصريف واللباب وحواشي (شرح المفصّل) ، و (المفصل) و (المفتاح) وحواشي المصابيح وحواشي شرح السنة وحواشي (الكشاف) وحواشي الطوالع والمطالع ، وشرح الإشارات وغير ذلك ممّا يطول ذكره.

وقولك : «فلا ريب أنّها تكون ميّتة أو بالية» دالّ على جهلك ، لأنّ قول العالم لا يموت ولو مات العالم ، ولهذا يحتجّ به ، أما قال بعضهم (٢) : «العلماء باقون ما بقي الدّهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة»؟ ، وقولك : «مصداق كلامه أن ينبش عنها فنرى ما هيه» قلت : الحذر الحذر ، فإنّها نار حامية ، وقولك : «أو يأتي بمثلها فنرى ماهيه» قلت : نعم ، لكن بشرط أن تنزع من أذنيك صمام الصّمم حتى أفرغ فيهما شيئا من مباحث الحكم ، فأقول وبالله التوفيق : مما ذكره والدي في الفرق أنّ صاحب الكشاف إنّما حكم بأنّ قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) إذا كان صفة سورة يجوز أن يعود الضمير إلى (ما) وإلى عبدنا ، وإن كان متعلّقا ب (فأتوا) تعيّن أن يكون الضمير

__________________

(١) انظر كتاب مختصر المزني : هو كتاب في الفقه الشافعي.

(٢) القول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهج البلاغة (١٨ / ٣٤٦) ، والعقد الفريد (٢ / ٢١٢).


للعبد ، لأنّه إذا كان صفة فإن عاد الضمير إلى (ما) تكون من زائدة ، كما هو مذهب الأخفش في زيادة (من) إذ المعنى حينئذ : فأتوا بسورة مثل القرآن في حسن النظم واستقامة المعنى وفخامة الألفاظ وجزالة التركيب ، وليس النظر إلى أن يكون مثل بعض القرآن أو كلّه ، بل لا وجه لهذا الاعتبار ، يؤيده قوله تعالى في موضع آخر : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) [يونس : ٣٨] ، وقال تعالى في موضع آخر : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) [هود : ١٣] ، فلا تكون من للتبعيض ولا ابتدائية لأنه ليس المقصود أن يكون مبدأ الإتيان هذا أو ذاك ، وإن عاد الضمير على عبدنا تكون من ابتدائية ، وهو ظاهر ، وأمّا إذا كان «من مثله» متعلقا ب (فأتوا) فلا يجوز أن تكون (من) زائدة ، لأنّ حرف الجرّ إذا كان زائدا لا يكون متعلّقا بشيء ، فتعيّن أن يكون المعنى ، فأتوا بسورة من مثل عبدنا ، وتكون «من» ابتدائية ، ثم قال : أو نقول : إنّما قال صاحب الكشاف : إنّ «من مثله» إن كان صفة سورة يحتمل عود الضمير إلى ما وإلى عبدنا ، لصحّة أن يقال : سورة كائنة من مثل ما نزّلنا ، بأن تكون السورة بعض مثل ما نزّل ، أو تكون مثل ما نزّل مبتدأ نزوله ، ولصحّة أن يقال : سورة كائنة من مثل عبدنا بأن يكون قد قاله ، ويكون تركيبه وكلامه ، وأمّا إن كان «من مثله» متعلّقا ب (فأتوا) فيتعيّن أن يكون عائدا إلى عبدنا ، لاستقامة أن يقال : فأتوا من مثل عبدنا أي : من عبد مثله ، بأن يكون كلامه ، ولا يستقيم أن يقال : فأتوا من عبد مثل ما نزّلنا أو من جهته ، إذ لا يستقيم أن يقال : أتى هذا الكلام من فلان ، إلّا إذا كان ذلك الفلان ممّن يمكن أن يكون هذا كلامه ، ويكون هذا الكلام منقولا منه مرويّا عنه ، وهذا ظاهر ، ولهذا ما بسط الزمخشري الكلام فيه ، بل اقتصر على ذكره ، والله أعلم.

وأمّا قولك : «ثامنا : إنّ السؤال لم يخصّ به مخاطب دون مخاطب» فهذا كلام المجانين ، لأنّك بعثت هذا السؤال على يد الشيخ علاء الدين الباورديّ إلى خدمته وطلبت منه الجواب ، لكن لمّا اشتبه عليك القول أخذت تبدي النّزق والعول ، فتارة تمنع وتخاله صوابا ، وأخرى تردّ وتظنّه جوابا ، أما تستحي من الفضلاء الذين كانوا مطّلعين على هذا الحال؟ ولقد صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث قال : «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (١) ، ثم إنّ الذي يقضى منه التعجب حالك في قلّة الإنصاف ، وفرط الجور والاعتساف ، وذلك أنّ هذا ما هو أوّل سؤال سألته عنه ، بل ما زلت منذ تولّيت القضاء كلّا عليه حيث صرت ، غير منفكّ

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب ، باب : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، وابن ماجه في سننه ، كتاب الزهد رقم (٤١٨٣) ، وأبو داود في سننه كتاب الأدب رقم (٤٧٩٧).


من اقتباس الأحكام من فتاواه ، أينما توجّهت تسأله عن آية من التفسير وينبّهك على تصحيح التقرير ، جاش منك الحميّة فشرعت تجحد فضله وتنكر سبقه ، هيهات هيهات : [السريع]

٥٩٤ ـ [لا نسب اليوم ولا خلّة]

اتّسع الخرق على الرّاقع

وقولك : «راعيت فيه طريق التعظيم والإجلال» ، نعم هذا كان الواجب عليك ، لأنّك أنت السائل ، والسائل كالمتعلّم والمسؤول منه كالمعلّم ، فالواجب عليك تعظيمه ، وعليه أن يرشدك ، وقد فعل بأن هداك إلى تصحيح السؤال ، وقولك : «فأنّى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب» قلت : من فضل الله العظيم بأن جعله أستاذ العلماء في زمانه (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء : ٥٤] ، ولقد أحسن بديع الزمان حيث قال (١) : [الوافر]

٥٩٥ ـ أراك على شفا خطر مهول

بما آذيت نفسك من فضول

طلبت على تقدّمنا دليلا

متى احتاج النّهار إلى دليل

وقولك : هلّا درأه عن نفسه إلى من هو أجلّ منه قدرا وأنور بدرا» فالجواب عنه من وجهين :

الأول : أنّك بعثت إليه وسألت منه ، فصار كفرض العين بالنسبة إليه ، فلذا قال ما حاصله أنّ السؤال يحتاج إلى التصحيح بالنظر الدقيق ، ليصير مستحقا للجواب من أهل التدقيق.

والثاني : قل لي من كان في تبريز ذلك الزمان ممّن يماثله أو يدانيه؟

وقولك : «في هذه البلدة من زعماء التحرير وفحول النّحارير» فمسلّم ، لكن كلّهم أو أكثرهم تلامذته أو تلامذة تلامذته ، وهذا لا ينكره غير جاهل مارد أو جاحد

__________________

٥٩٤ ـ الشاهد لأنس بن العباس بن مرداس في تخليص الشواهد (ص ٤٠٥) ، والدرر (٦ / ١٧٥) ، وشرح التصريح (١ / ٢٤١) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٠١) ، ولسان العرب (قمر) و (عتق) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٣٥١) ، وله أو لسلامان بن قضاعة في شرح أبيات سيبويه (١ / ٥٨٣) ، ولأبي عامر جدّ العباس بن مرداس في ذيل سمط اللآلي (ص ٣٧) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٤٢١) ، وأوضح المسالك (٢ / ٢٠) ، وشرح الأشموني (١ / ١٥١) ، وشرح شذور الذهب (ص ١١٢) ، وشرح ابن عقيل (ص ٢٠٢) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٠١) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٢٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٤٤).

٥٩٥ ـ انظر مقامات الهمذاني (٩٩) ، ومعاهد التنصيص (٤ / ١١٨).


معاند ، أو ما كانوا يهذبون إلى درر فوائده من كلّ فجّ عميق ، ويجتمعون على اجتلاب درر مباحثه فريقا بعد فريق؟ وما أحسن قول من قال : [الكامل]

٥٩٦ ـ وجحود من جحد الصّباح إذا بدا

من بعد ما انتشرت له الأضواء

ما دلّ أنّ الفجر ليس بطالع

بل إنّ عينا أنكرت عمياء

وأمّا قولك : «تاسعا : البليغ من عدّت هفواته والجواد من حصرت عثراته إلى آخر ما هذيت» فالجواب عنه : حاشا أن تكون من البلغاء الذين تكون هفواتهم معدودة ، أو من الجواد الذي تكون عثراته محصورة ، فإنّك قد عثّرت في هذا السؤال والجواب تعثيرا كثيرا كما ترى ، ولو لا دعدعتنا لك لبقيت عاثرا أبدا ، وقد قيل : [الطويل]

٥٩٧ ـ لحى الله قوما لم يقولوا لعاثر

ولا لابن عمّ كبّه الدّهر دعدعا

بل أنت كما قال الشاعر (٢) : [الطويل]

فضول بلا فضل وسنّ بلا سنا

وطول بلا طول وعرض بلا عرض

وأمّا قولك : «عاشرا : أظنّك قد غرّك رهط احتفّوا من حولك ، وألقوا السّمع إلى قولك إلى الآخر» فالجواب : أنّ هذا ظنّ فاسد ، قد نشأ من سوء فهمك وخطأ قياسك لأنّك قسته على نفسك ، والأمر على عكس ذلك ، لأنّك قد ركبت الشّطط والأهوال ، وبذلت العمر والأموال حتى اجتمع عندك جمع من الفسقة الجهّال ، لا يعرفون الحلال من الحرام ، ولا يميزون الجواب من السؤال ، يعظّمونك في الخطاب ، ويصدّقونك في الغياب ، يمثلونك بذوي الرقاب فقل بالله قولا صادقا ، هل تقدّمت في مدّة حياته في مجالس التدريس وحلق المناظرة؟ وهل عليك للعلم جمال وأبّهة؟ أو ما كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك معتده؟ يجرّونك إلى كل بلد سحيق ويرمونك في كلّ فجّ عميق ، وهلّا سفّهت رأي مخدومك محمد بن الرشيد وزير السلطان أبي سعيد حين بني باسمه المدرسة الحجرية في الرّبع الرّشيدية ، وحضرت بين يديه يوم الإجلاس صامتا كالبرمة عند الهرّاس وفقدت الحواس وكنت كالوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس ، فنعوذ بالله من أمثالك من الجنّة والناس ، وأمّا الذين اجتمعوا عند والدي واشتغلوا عليه وتمثّلوا بين يديه فهم العلماء الأبرار والصّلحاء

__________________

٥٩٧ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (دعع) ، والمخصص (١٢ / ١٨٨) ، وتاج العروس (دعع) ، وشرح المفصّل (٤ / ٣٤) ، والمخصص (١٢ / ١٨٨).

(١) انظر حاشية مقامات الحريري (ص ٤٣٥).


الأخيار ، بذلوا له الأنفس والأموال ، منهم الإمام الهمام الشيخ شرف الدين الطّيبي شارح (الكشاف والتبيان) ، وهو كالشمس لا يخفى بكل مكان ، ومنهم الإمام المدقّق نجم الدين سعيد (١) شارح (الحاجبية) ، و (العروض الساويّة) (٢) ، وهو الذي سار بذكره الرّكبان ، ومنهم النّوران فرج بن أحمد الأردبيلي ومحمد بن أبي الطيّب الشيرازي ، وهما كالتّوءمين تراضعا بلبان أيّ لبان ورتعا من العلوم في عشب أحصب من نعمان ، ومنهم قاضي القضاة نظام الدين عبد الصّمد ، وهو ممّن لا يشقّ غباره ولا يخفى على غير المعترض مقداره ، فكم لوالدي من مثلهم من التلامذة في كلّ بلد ، بحيث إنّي لو أريد أن أذكرهم ببعض تراجمهم أحتاج إلى مجلّدات ، فيكون تضييعا للقرطاس وتضييقا للأنفاس ، فهؤلاء لعمري رجال إذا أمعن المتأمّل فيهم عرف أنّ ماءهم يبلغ قلّتين فلم يحمل خبثا.

وقولك : «فاقبل النصيحة» فنقول : أيّها المستنصح ألا نصحت نفسك حتى كنّا سلمنا من هذا الهذيان؟ أمّا سمعت قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] ، وقول الشاعر : [الكامل]

٥٩٨ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

فأنت الباعث لي على هذه الكلمات ، وإلّا أين أنا والبحث عن أمثال هذه الأسرار والخوض في الجواب عن نتائج قرائح الأخيار؟ قال الشاعر : [الطويل]

٥٩٩ ـ وما النّفس إلّا نطفة في قرارة

إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها

__________________

(١) هو سعيد العجمي المشهور بالنجم سعيد ، شارح (الحاجبية) ، جعله شرحا للمتن والشرح الذي عليه للمصنف وفيه أبحاث حسنة (بغية الوعاة ١ / ٥٩١).

(٢) العروض الساويّة : قصيدة لاميّة لصدر الدين محمد بن ركن الدين الساوي ، واسمها القصيدة الحسناء ، وهي قصيدة في العروض والقوافي ، شرحها كثيرون ، منهم نجم الدين سعيد بن محمد السعيدي.

٥٩٨ ـ الشاهد لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه (ص ٤٠٤) ، والأزهية (ص ٢٣٤) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٣٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣) ، وللمتوكل الليثي في الأغاني (١٢ / ١٥٦) ، والعقد الفريد (٢ / ٣١١) ، ولأبي الأسود أو للمتوكل في لسان العرب (عظظ) ، ولأحدهما أو للأخطل في شرح شواهد الإيضاح (ص ٢٥٢) ، وللأخطل في الكتاب (٣ / ٤٣) ، والردّ على النحاة (ص ١٢٧) ، وشرح المفصّل (٧ / ٢٤) ، ولحسان بن ثابت في شرح أبيات سيبويه (٢ / ١٨٨) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٨٦٤) ، وأوضح المسالك (٤ / ١٨١) ، وجواهر الأدب (ص ١٦٨) ، والجنى الداني (ص ١٥٧) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٦٦).

٥٩٩ ـ البيت لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير في ديوانه (ص ٤٦) ، والكامل (١ / ٢٩) ، ومعجم الشعراء (ص ٧٨).


لكن الضرورة إلى هذا المقدار دعتني ، وفي المثل : «لو ذات سوار لطمتني» (١) ، وقال الشاعر : [الوافر]

٦٠٠ ـ فنكّب عنهم درء الأعادي

وداووا بالجنون من الجنون

ثم إني أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم غفّار الذنوب ستّار العيوب وأتوب إليه ، وأحلف بالله العظيم إنّ القاضي عضد الدين ما كان يعتقد في والدي الذي عرّض به في الجواب ، بل كان معظّما له غاية التعظيم حضورا وغيبة ، وحاشا لله أن أعتقد أيضا فيه ما تعرضت له في بعض المواضع ، بل أنا معظّم له ، معتقد أنّه كان من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء ، وكذا والدي كان يعظّمه أكثر من ذلك ، نعم إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه ، والشيطان قد ينزع بين الأحبّة والإخوة ، وإنما كتبت هذه الكلمات استيفاء للقصاص ، فلا يظن ظانّ أني محقّر له ، فإنّه قد يستوفى القصاص مع التعظيم ، ويعرف هذا من يعرف دقائق الفقه ، ثم إنّي أرجو من كرم الله تعالى أن يتجاوز عنّا جميع ما زلّت به القدم ، وطغى به القلم ، وأن يجعلنا ممّن قال في حقهم : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [الحجر : ٤٧]. والحمد لله ربّ العالمين.

رأي مظفر الدين الشيرازي

(وهذه رسالة في ذلك تأليف صاحبنا العلامة مظفر الدين الشيرازي)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أطلع أنوار القرآن فأنار أعيان الأكوان وأظهر ببدائع البيان قواطع البرهان ، فأضاء صحائف الزمان وصفائح المكان ، والصلاة والسّلام على الرسول المنزّل عليه والنبيّ الموحى إليه الذي نزلت لتصديق قوله وتبيين فضله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] محمّد المؤيّد ببيّنات وحجج قرآنا عربيا غير ذي عوج ، وعلى آله العظام وصحبه الكرام ما اشتمل الكتاب على الخطاب ، ورتّبت الأحكام في الأبواب ، بينما الخاطر يقتطف من أزهار أشجار الحقائق ريّاها ، ويرتشف من نقاوة سلافة كؤوس الدقائق حميّاها ما كان يقنع باقتناء اللّطائف بل كان يجتهد في التقاط النواظر من عيون الظرائف إذ انفتحت عين النظر على غرائب سور القرآن وانطبعت في بصر الفكر بدائع صور الفرقان ، فكنت

__________________

(١) المثل في مجمع الأمثال للميداني (٢ / ١٧٤).

٦٠٠ ـ البيت لأبي الغول الطهويّ في الشعر والشعراء (ص ٤٢٩) ، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص ٤٣).


لالتقاط للدّرر أغوص في لجج المعاني ، وطفقت لاقتناص الغر أعوم في بحار المباني ، إذ وقع المحطّ على آية هي معترك أنظار الأفاضل والأعالي ، ومزدحم أفكار أرباب الفضائل والمعالي ، كلّ رفع في مضمارها راية ونصب لإثبات ما سنح له فيها آية ، فرأيت أن قد وقع التخالف والتشاجر والمناقشة في التعاظم والتفاخر ، حتى إنّ بعضا من سوابق فرسان هذا الميدان قدوتنا ضلوا عن سهام الشتم والهذيان ، فما وقفوا في موقف من المواقف أبدا ، وما وافق في سلوك هذا المسلك أحد أحدا ، ثم إني ظفرت على ما جرى بينهم من الرسائل واطّلعت على ما أورد في الكتب من تحقيقات الأفاضل ، فاكتحلت عين الفكر من سواد أرقامهم وانفتحت حدقة النّظر على عرائس نتائج أفهامهم ، فبينما كنت ناظرا بعين التأمّل في تلك الأقوال إذ وقع سنوح الذهن في عقال الإشكال ، فأخذت أحلّ عقدها بأنامل الأفكار ، وأعتبر دررها بمعيار الاعتبار ، فرأيت أنّ لأسرار قد خفيت تحت الأستار وأنّ الأجلّة ما اعتنقوها بأيدي الأفكار ، فما زلت في بساط الفكر أجول ، وما زال ذهني عن سمت التأمّل لا يزول ، حتى آنست أنوار المقصود قد تلألأت عن أفق اليقين ، وشهدت بصحتها لسان الحجج والبراهين ، فشرعت أحقّق المرام وأحرّر الكلام في فناء بيت الله الحرام راجيا منه أن لا أزلّ عن صوب الصّواب ، وأن لا أملّ عن الاجتهاد في فتح هذا الباب سائلا منه الفوز بالاستبصار عمّن لا تفتر عين فهمه عن الاكتحال بنور التحقيق ، ولا يقصر شأو ذهنه عن العروج إلى معارج التّدقيق ، فوجدت بعون الله لكشف كنوز الحقائق معينا ولتوضيح رموز الدقائق نورا مبينا ، ثم جعلت كسوة المقصود مطّرزة بطراز التحرير ، ليكون في معرض العرض على كلّ عالم نحرير موردا ما جرى بين الأجلّة عند الطّراد في مضمار المناظرة ، وما أفادوا بعد الاختبار بمسبار المفاكرة ، مذيّلا بما سنح لي في الخطر الفاتر وذهني القاصر متوكّلا على الصّمد المعبود ، فإنّه محقّق المقصود بمحض الفيض والجود.

قال صاحب الكشاف عند تفسير قول الله عزّ وجلّ : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ :) «من مثل : متعلّق بسورة صفة لها ، أي : بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزّلنا أو لعبدنا ، ويجوز أن يتعلّق بقوله : فأتوا والضمير للعبد» انتهى.

وحاصله أنّ الجارّ والمجرور أعني «من مثله» إمّا أن يتعلّق ب (فأتوا) على أنّه ظرف لغو أو صفة لسورة على أنه ظرف مستقرّ وعلى كلا التقديرين فالضمير في مثله إمّا عائد إلى ما نزلّنا أو إلى عبدنا ، فهذه صور أربع جوّز ثلاثا منها تصريحا منع واحدة


منها تلويحا ، حيث سكت عنها ، وهي أن يكون الظرف متعلّقا ب (فأتوا) والضمير لما نزّلنا ، ولمّا كانت علّة عدم التجويز خفيّة استشكل خاتم المحققين عضد الملة والدين واستعلم من علماء عصره بطريق الاستفتاء ، وهذه عبارته نقلناها على ما هي عليه تبرّكا بشريف كلامه : «يا أدلّاء الهدى ومصابيح الدّجى ، حيّاكم الله وبيّاكم ، وألهمنا الحقّ بتحقيقه وإيّاكم ، ها أنا من نوركم مقتبس وبضوء ناركم للهدى ملتمس ، ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ، ينشد بأطلق لسان وأرقّ جنان (١) :  [المتقارب]

ألا قل لسكّان وادي الحمى

هنيئا لكم في الجنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضا

فنحن عطاش وأنتم ورود

قد استبهم قول صاحب (الكشاف) أفيضت عليه سجال الألطاف : من مثله متعلّق بسورة صفة لها أي : بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزّلنا أو لعبدنا ، ويجوز أن يتعلق بقوله : فأتوا والضمير للعبد» حيث جوّز فى الوجه الأول كون الضمير لما نزّلنا تصريحا ، وحظره في الوجه الثاني تلويحا ، فليت شعري ما الفرق بين «فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزّلنا» ، وهل ثمّ حكمة خفيّة أو نكتة معنوية أو هو تحكّم بحت؟ بل هذا مستبعد من مثله فإن رأيتم كشف الريبة وإماطة الشبهة والإنعام بالجواب ، أثبتم أجزل الأجر والثواب».

ثم كتب الفاضل الجاربردي في جوابه كلاما معقّدا في غاية التعقيد ، لا يظهر معناه ولا يطّلع أحد على مغزاه ، رأينا أنّ إيراده في أثناء البحث يشتّت الكلام ويبعد المرام ، فأوردناه في ذيل المقصود مع ما كتب في ردّه خاتم المحققين.

وقال العلامة التفتازاني في شرحه (للكشاف) : الجواب أنّ هذا أمر تعجيز باعتبار المأتيّ به ، والذّوق شاهد بأنّ تعلّق «من مثله» بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء ، ومثل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في البشرية والعربية موجود بخلاف مثل القرآن في البلاغة والفصاحة ، وأمّا إذا كان صفة للسورة فالمعجوز عنه هو الإتيان بالسورة الموصوفة ولا يقتضي وجود المثل ، بل ربّما يقتضي انتفاءه حيث يتعلّق به أمر التعجيز ، وحاصله أنّ قولنا : ائت من مثل الحماسة ببيت يقتضي وجود المثل بخلاف قولنا : ائت ببيت من مثل الحماسة ، انتهى كلامه.

وأقول : لا يخفى أنّ قوله : «يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٥٨٢).


منه بشيء» يفهم منه أنّه اعتبر مثل القرآن كلا له أجزاء ، ورجع التعجيز إلى الإتيان بجزء منه ، ولهذا مثّل بقوله : ائت من مثل الحماسة ببيت ، فكان مثل الحماسة كتابا أمر بالإتيان ببيت منه على سبيل التعجيز ، وإذا كان الأمر على هذا النّمط فلا شكّ أنّ الذّوق يحكم بأنّ تعلّق من مثله بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى بشيء منه ، وأمّا إذا جعلنا مثل القرآن كليّا يصدق على كلّه وبعضه وعلى كلّ كلام يكون في طبقة البلاغة القرآنية فلا نسلّم أنّ الذّوق يشهد بوجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء ، بل الذوق يقتضي أن لا يكون لهذا الكليّ فرد غير القرآن ، والأمر راجع إلى الإتيان بفرد آخر من هذا الكليّ على سبيل التعجيز ، ومثل هذا يقع كثيرا في محاورات الناس ، مثلا إذا كان عند رجل ياقوتة ثمينة في الغاية قلّما يوجد مثلها يقول في مقام التصلّف : من يأتي من مثل هذه الياقوتة بياقوتة أخرى؟ والناس يفهمون منه أنّه يدّعي أنّه لا يوجد آخر من نوعه ، فظهر أنّه على هذا التقدير لا يلزم من تعلّق «من مثله» بقوله : فأتوا أن يكون مثل القرآن موجودا ، فلا محذور.

وأمّا المثال المقيس عليه أعني قوله : ائت من مثل الحماسة ببيت ، فنقول : هذا لا يطابق الغرض ، فإنّ الحماسة إنما تطلق على مجموع الكتاب ، فلا بدّ أن يكون مثله كتابا آخر أيضا ، وحينئذ يلزم المحذور ، وأمّا القرآن فإنّ له مفهوما كليّا يصدق على كلّ القرآن وأبعاضه وأبعاض أبعاضه إلى حدّ لا تزول عنه البلاغة القرآنية ، وحينئذ يكون الغرض منه المفهوم الكليّ ، وهو نوع من أنواع الكلام البليغ فرده القرآن وقد أمر بإتيان فرد آخر من هذا النوع فلا محذور.

قال في شرحه (المختصر على التلخيص) ، في معرض الجواب عن هذا السؤال : قلت لأنّه يفتقر إلى ثبوت مثل القرآن في البلاعة وعلو الطبقة بشهادة الذوق ، إذ العجز إنما يكون عن المأتي به ، فكان مثل القرآن ثابتا ، لكنّهم عجزوا عن أن يأتوا منه بسورة ، بخلاف ما إذا كان وصفا للسورة ، فإنّ المعجوز عنه هو السورة الموصوفة باعتبار انتفاء الوصف ، فإن قلت : فليكن العجز باعتبار المأتي به ، قلت : احتمال عقلي لا يسبق إلى الفهم ولا يوجد له مساغ في اعتبارات البلغاء واستعمالاتهم ، فلا اعتداد به. انتهى كلامه.

وأقول : لا يخفى أنّ كلامه هاهنا مجمل ليس نصّا فيما قصد به في كلامه في شرح الكشاف ، وحينئذ نقول : إن أراد بقوله : «إذ العجز إنما يكون عن المأتي به فكان مثل القرآن ثابتا» أن العجز باعتبار المأتي به مستلزم أن يكون مثل القرآن


موجودا ويكون العجز عن الإتيان منه بشهادة الذوق مطلقا فهو ممنوع ، لأنه إنما يشهد الذوق بلزوم ذلك إذا كان المأتيّ منه ـ أعني مثل القرآن ـ كلا له أجزاء ، والتعجيز باعتبار الإتيان بجزء منه كما قررناه سابقا ، وإن أراد أنه إنما يلزم بشهادة الذوق إذا كان المأتيّ منه كلا له أجزاء فمسلّم ، لكن كونه مرادا هاهنا ممنوع ، بل المراد هاهنا أنّ المأتيّ منه نوع من أنواع الكلام ، والتعجيز راجع إليه باعتبار الأمر بإتيان فرد آخر كما صوّرناه في مثال الياقوتة فتذكّر.

قال المدقق صاحب (الكشف) (١) في شرحه على هذا الموضع من كلام الكشاف : ويجوز أن يتعلّق ب (فأتوا) والضمير للعبد ، أمّا إذا تعلّق بسورة صفة لها فالضمير للمنزّل أو للعبد على ما ذكره وهو ظاهر ، ومن بيانية أو تبعيضية على الأول لأنّ السورة المفروضة مثل المنزّل على معنى سورة هي مثل المنزّل في حسن النظم ، أو لأنّ السورة المفروضة بعض المثل المفروض ، فالأول أبلغ ، ولا يحمل على الابتداء على غير التبعيضيّة أو البيان ، فإنّهما أيضا يرجعان إليه على ما آثر شيخنا الفاضل رحمه الله ، وابتدائية على الثاني ، وأمّا إذا تعلّق بالأمر فهي ابتدائية والضمير للعبد ، لأنّه لا يتبيّن إذ لا مبهم قبله ، وتقديره : رجوع إلى الأول ولأنّ البيانية أبدا مستقر على ما سيجيء إن شاء الله تعالى ، فلا يمكن تعلّقها بالأمر ولا تبعيض إذ الفعل يكون واقعا عليه كما في قولك : أخذت من المال ، وإتيان البعض لا معنى له ، بل الإتيان بالبعض ، فتعيّن الابتداء ، ومثل السورة والسورة نفسها إن جعل مقحما لا يصلحان مبتدأ بوجه ، فتعيّن أن يرجع الضمير إلى العبد ، وذلك لأن المعتبر في مبدئية الفعل المبدأ الفاعلي أو المادي أو الغائي أو جهة ملتبس بها ولا يصح واحد منها. فهذا ما لوّح إليه العلّامة ، وقد كفيت بهذا البيان إتمامه» ، انتهى كلامه.

وأقول : حاصل كلامه أنّه بطريق السّبر والتقسيم حكم بتعيين من للابتداء ، ثم بيّن أنّ مبدئية الفعل لا تصحّ هاهنا إلّا للعبد ، فتعيّن أن يكون الضمير راجعا إليه ، ولا يخفى أنّ قوله : «ولا تبعيض إذ الفعل حينئذ يكون واقعا عليه إلخ ..» محلّ تأمّل إذ وقوع الفعل عليه لا يلزم أن يكون بطريق الأصالة ، لم لا يجوز أن يكون بطريق التبعيّة مثل أن يكون بدلا ، فإنّكم لمّا جوّزتم أن يكون في المعنى مفعولا صريحا كما قررتم في «أخذت من الدراهم» أنّه بمعنى «أخذت بعض الدراهم» ، لم لا تجوّزون أن يكون بدلا من المفعول؟ فكأنه قال : بسورة بعض مثل ما نزّلنا ، فتكون البعضية

__________________

(١) يريد كتاب (كشف الأسرار وعدة الأبرار) تفسير فارسي للشيخ العلامة سعد الدين بن عمر التفتازاني ، انظر كشف الظنون (١٤٨٧).


المستفادة من ملحوظة على وجه البدليّة ، ويكون الفعل واقعا عليه فيكون في حيّز الباء ، وإن لم يكن تقدير الباء عليه إذ قد يحتمل في التابعية ما لا يحتمل في المتبوعيّة ، كما في قولهم : ربّ شاة وسخلتها ، لا بدّ لنفي هذا من دليل ، ثم على تقدير التسليم نقول : قوله : لأنّ المعتبر في مبدئية الفعل المبدأ الفاعلي إلى آخره ، محلّ بحث لأنّ التعميم الذي في قوله : أو جهة يلتبس بها غير منضبط ، فإن جهات التلبّس أكثر من أن تحصر من جهة الكمية ، ولا تنتهي إلى حدّ من الحدود من جهة الكيفية ، ولا يخفى أنّ كون مثل القرآن مبدأ ماديا للسورة من جهة التلبّس أمر يقبله الذهن السليم والطبع المستقيم ، على أنّك لو حققت معنى من الابتدائية يظهر لك أن ليس معناه إلّا أن يتعلّق به على وجه اعتبار المبدئية الأمر الذي اعتبر له ابتداء حقيقة أو توهّما.

وقد ذكر العلّامة التفتازاني كلام الكشاف للردّ ، وقال في أثناء الردّ : «على أنّ كون مثل القرآن مبدأ ماديا للإتيان بالسورة ليس أبعد من كون مثل العبد مبدأ فاعليا له». انتهى.

وأقول : لا يخفى أنّ مثل العبد باعتبار الإتيان بالسورة منه هو مبدأ فاعلي للسورة حقيقة لأنّه لو فرض وقوعه لا يكون العبد مؤلفا لمثل السورة مخترعا له فيكون مبدأ فاعليا حقيقيا ، وأمّا مثل القرآن فلا يكون مبدأ ماديّا للسورة إلّا باعتبار التلبّس المصحّح للتشبيه ، فهو أبعد منه غاية البعد ، بل ليس بينهما نسبة ، فإنّ أحدهما بالحقيقة والآخر بالمجاز ، وأين هذا من ذلك؟ نعم كون مثل القرآن مبدأ ماديا ليس بعيدا في نظر العقل باعتبار التلبّس ، تأمّل وأنصف.

قال الفاضل الطّيبي : «لا يقال : إنّ جعل من مثله صفة لسورة ، فإن كان الضمير للمنزّل فهي للبيان ، وإن كان للعبد فمن للابتداء ، وهو ظاهر ، فعلى هذا إن تعلّق قوله : من مثله بقوله : فأتوا فلا يكون الضمير للمنزّل لأنّه يستدعي كونه للبيان ، والبيان يستدعي تقديم مبهم ولا تقديم ، فتعيّن أن تكون للابتداء لفظا أو تقديرا ، أي : أصدروا وأنشئوا واستخرجوا من مثل سورة ، لأنّ مدار الاستخراج هو العبد لا غير ، فلذلك تعيّن في الوجه الثاني عود الضمير إلى العبد ، لأنّ هذا وأمثاله ليس بواف ، ولذلك تصدّى للسؤال بعض فضلاء الدهر وقال : «قد استبهم قول صاحب الكشّاف حيث جوّز في الوجه الأول كون الضمير لما نزّلنا تصريحا ، وحظره في الوجه الثاني تلويحا ، فليت شعري ما الفرق بين «فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا» و «فأتوا من مثل ما نزّلنا بسورة» ، وأجيب : إنك إذا اطلعت على الفرق بين قولك


لصاحبك : ائت برجل من البصرة ، أي كائن منها ، وبين قولك : «ائت من البصرة برجل» عثرت على الفرق بين المثالين وزال عنك التردّد والارتياب».

ثم نقول : إنّ «من» إذا تعلّق بالفعل يكون إمّا ظرفا لغوا ومن للابتداء أو مفعولا به ومن للتبعيض ، إذ لا يستقيم أن يكون بيانا لاقتضائه أن يكون مستقرا والمقدّر خلافه ، وعلى تقدير أن يكون تبعيضا فمعناه : فأتوا بعض مثل المنزّل بسورة ، وهو ظاهر البطلان ، وعلى تقدير أن يكون ابتداء لا يكون المطلوب بالتحدّي الإتيان بالسورة فقط ، بل يشترط أن يكون بعضا من كلام مثل القرآن ، وهذا على تقدير استقامته فبمعزل عن المقصود ، واقتضاء المقام يقتضي التحدّي على سبيل المبالغة وأنّ القرآن بلغ في الإعجاز بحيث لا يوجد لأقلّه نظير فكيف للكلّ؟ فالتحدّي إذا بالسورة الموصوفة بكونها من مثله في الإعجاز ، وهذا إنما يتأتّى إذا جعل الضمير لما نزّلنا ومن مثله صفة لسورة ومن بيانيّة ، فلا يكون المأتيّ به مشروطا بذلك الشرط لأنّ البيان والمبيّن كشيء واحد ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] ، ويعضده قول المصنّف في سورة الفرقان : إنّ تنزيله مفرّقا وتحدّيهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلّما نزل شيء منها أدخل في الإعجاز وأنور للحجّة من أن ينزل كله جملة واحدة ، ويقال لهم : جيئوا بمثل هذا الكتاب في فصاحته مع بعد ما بين طرفيه» (١) أي : طوله. انتهى.

وأقول : هذا الكلام مع طول ذيله قاصر عن إقامة المرام ، كما لا يخفى على من له بالفنون أدنى إلمام ، فلا علينا أن نشير إلى بعض ما فيه ، فنقول : قوله : «وعلى تقدير أن يكون تبعيضا فمعناه فأتوا ببعض مثل المنزّل بسورة وهو ظاهر البطلان» فيه بحث ، لأنّ بطلانه لا يظهر إلّا على تقريره ، حيث غيّر النظم بتقديم معنى منّ على قوله : بسورة ، وهذا إفساد بلا ضرورة ، فلو قال : فأتوا بسورة بعض مثل المنزّل على ما هو النظم القرآني ، فهو في غاية الصحة والمتانة ، وحينئذ يكون قولنا : بعض مثل المنزل بدلا ، فيكون معمولا للفعل على ما حقّقناه سابقا حيث قرّرنا على كلام صاحب الكشاف ، فارجع وتأمّل.

ثم قوله : «وعلى تقدير أن يكون ابتداء لا يكون المطلوب بالتحدّي الإتيان بسورة فقط ، بل يشترط أن يكون بعضا من كلام مثل القرآن» فيه نظر ، لأنّ الإتيان من المثل لا يقتضي أن يكون من كلام مثل القرآن يكون المأتيّ جزءا منه ، بل يقتضي أن يكون من نوع من الكلام عال في البلاغة إلى حيث انتهى به البلاغة القرآنية والمأتيّ به يكون فردا من أفراده ، ولعمري إنه ما وقع في هذا إلّا لأنّه جعل المثل كلّا له أجزاء

__________________

(١) انظر الكشاف (٣ / ٩١).


لا كليا له أفراد ، كما فصلنا سابقا في مثال الياقوتة حيث أوردنا الكلام على العلّامة التفتازاني فلا نحتاج إلى الإعادة ، وظنّي أنّ منشأ كلام العلّامة التفتازاني ليس إلّا كلام الفاضل الطيّبي ، تأمّل وتدبّر.

وقد يجاب بوجوه أخر في غاية الضّعف ونهاية الزّيف ، أوردها العلّامة التفتازاني في شرح الكشاف وبيّن ما فيها ، رأينا أن ننقلها على ما هي عليها استيعابا للأقوال ، وليكون للمتأمّل في هذه الآية زيادة بصيرة :

«الأوّل : أنّه إذا تعلّه ب (فأتوا) فمن للابتداء قطعا ، إذ لا مبهم يبيّن ، ولا سبيل إلى البعضية لأنه لا معنى لإتيان البعض ، ولا مجال لتقدير الباء مع «من» ، كيف وقد ذكر المأتيّ به صريحا وهو السورة؟ وإذا كانت «من» للابتداء تعيّن كون الضمير للعبد لأنّه المبدأ للإتيان لا مثل القرآن ، وفيه نظر لأنّ المبدأ الذي تقتضيه من الابتدائية ليس الفاعل حتى ينحصر مبدأ الإتيان بالكلام في المتكلّم ، على أنّك إذا تأمّلت فالمتكلّم ليس مبدأ للإتيان بكلام غيره بل بكلام نفسه ، بل معناه أنّه يتصل به الأمر الذي اعتبر له ابتداء حقيقة أو توهّما ، كالبصرة للخروج والقرآن للإتيان بسورة منه.

الثاني : أنّه إذا كان الضمير لما نزلنا ومن صلة فأتوا كان المعنى : فأتوا من منزّل مثله بسورة ، فكان مماثلة ذلك المنزّل بهذا المنزّل هو المطلوب ، لا مماثلة سورة واحدة منه بسورة من هذا ، وظاهر أنّ المقصود خلافه كما نطقت به الآي الأخر ، وفيه نظر لأنّ إضافة المثل إلى المنزّل لا تقتضي أن يعتبر موصوفه منزّلا ، ألا ترى أنّه إذا جعل صفة سورة لم يكن المعنى بسورة من منزّل مثل القرآن بل من كلام العرب ، وكيف يتوهم ذلك والمقصود تعجيزهم عن أن يأتوا من عند أنفسهم بكلام من مثل القرآن؟ ولو سلم فما ادّعاه من لزوم خلاف المقصود غير بيّن ولا مبيّن.

الثالث : أنّها إذا كانت صلة فأتوا كان المعنى : فأتوا من عند المثل ، كما يقال : ائتوا من زيد بكتاب ، أي : من عنده ، ولا يصحّ ائتوا من عند مثل القرآن بخلاف مثل العبد ، وهذا أيضا بيّن الفساد» انتهى.

وقد ألهمت بحلّ الكلام في فناء بيت الله الحرام ما إذا تأمّلت فيه عسى أن يتّضح المرام ، فأقول وبالله التوفيق وبيده أزمّة التحقيق : إنّ الآية الكريمة ما أنزلت إلا للتحدي ، وحقيقة التحدي هو طلب المثل ممّن لا يقدر على الإتيان به ، فإذا قال المتحدّي : ائتوا بسورة بدون قوله : من مثله ، كلّ أحد يفهم منه أنّه يطلب سورة من مثل القرآن ، وإذا قال : ائتوا من مثله بدون قوله بسورة كل أحد يفهم منه أنه يطلب


من مثل القرآن ما يصدق عليه أنه مثل القرآن ، أيّ قدر كان سورة أو أقل منها أو أكثر ، وإذا أراد المتحدّي الجمع بين قوله : بسورة وبين قوله : من مثله فحقّ الكلام أن يقدّم «من مثله» ويؤخّر «بسورة» ، ويقول : فأتوا من مثله بسورة ، حتى يتعلّق الأمر بالإتيان من المثل أوّلا بطريق العموم وكان بحيث لو اكتفى به لكان المقصود حاصلا والكلام مفيدا ، لكن تبرّع ببيان قدر المأتيّ به فقال : بسورة ، فيكون من قبيل التخصيص بعد التعميم في الكلام والتبيين بعد الإبهام في المقام ، وهذا الأسلوب ممّا يعتني به البلغاء ، وأمّا إذا قال : فأتوا بسورة من مثله على أن يكون «من مثله» متعلّقا ب (فأتوا) فإنه يكون في الكلام حشو وذلك لأنه لمّا قال : بسورة عرف أنّ المثل هو المأتي منه فذكر من مثله على أن يكون متعلقا ب (فأتوا) يكون حشوا ، وكلام الله منزّه عن هذا ، فلهذا حكم بأنه وصف للسورة.

وتلخيص الكلام أنّ التحدّي بمثل هذه العبارة على أربعة أساليب : الأول : تعيين المأتي به فقط ، الثاني : تعيين المأتي منه فقط ، الثالث : الجمع بينهما على أن يكون المأتي منه مقدّما والمأتيّ به مؤخرا ، الرابع : العكس ، ولا يخفى على من له بصيرة في تنفيذ الكلام أنّ الأساليب الثلاثة الأول مقبولة عند البلغاء ، والأخير مردود ، لأنه يبقى ذكر المأتي منه بعد ذكر المأتي به حشوا ، هذا إذا جعل المأتي منه مفهوم المثل ، وأمّا إذا كان المأتيّ منه مكانا أو شخصا أو شيئا آخر ممّا لا يدلّ عليه التحدي فذكره مفيد قدّم أو أخّر ، ولذلك جوّز العلّامة صاحب (الكشاف) أن يكون (مِنْ مِثْلِهِ) متعلّقا ب (فأتوا) حيث كان الضمير راجعا إلى عبدنا.

والحاصل أنّه إذا جعل المثل المأتي منه مفهوم المثل وأريد الجمع بين المأتي منه والمأتي به فلا بدّ من تقديم المأتي منه على المأتي به ، وإلا يكن الكلام ركيكا ، وإذا كان المأتي منه شيئا آخر فالتقديم والتأخير سواء ، وممّا يؤيّد هذا المعنى ما أفاده المحقّقون في قول القائل عند خروجه من بستان المخاطب : أكلت من بستانك من العنب ، أنه لو قال : أكلت من العنب من بستانك يكون الكلام ركيكا بناء على أنّه لمّا قال : أكلت من العنب علم أنّه أكل من البستان ، فقوله : من بستانك يبقى لغوا وأمّا إذا قال أولا : من بستانك أفاد أنّه أكل من البستان بعد أن لم يكن معلوما ، ولكن يبقى الإبهام في المأكول منه ، فلمّا قال : من العنب رفع الإبهام ، هذا وإن لم يكن مثالا لما نحن فيه لكنّه تنظير إذا تأملت فيه تأنّست بالمطلوب الذي نحن بصدده.

لا يقال : فعلى هذا جعله وصفا أيضا لغو ، بناء على أنّ التحدي يدلّ عليه لأنّا


نقول بلا شك إن التحدي يدلّ على أنّ السورة المأتيّ بها هي السورة المماثلة ، فإذا قيل : (مِنْ مِثْلِهِ) مقدّما حصل فيه إبهام وإجمال من حيث المقدار ، فإذا قيل بسورة تعيّن المقدار المأتي به ، وحينئذ قوله : «بسورة» لا يفيد إلّا تعيين المقدار المبهم ، إذ بعد أن فهم المماثلة من صريح الكلام تضمحلّ دلالة السياق ، فلا يلاحظ قوله بسورة إلّا من حيث أنّه تفصيل بعد الإجمال ، فلا يكون في الكلام أمر يستغنى عنه ، وأمّا إذا قيل مؤخّرا فإن جعلته وصفا للسورة فقد جعلت ما كان مفهوما بالسياق منطوقا في الكلام بعينه ، وهذا في باب النعت إذا كان لفائدة لا ينكر ، كما في قولهم : أمس الدّابر وأمثاله ، وأمّا إذا جعلت متعلّقا ب (فأتوا) فدلالة السياق باقية على حالها إذ هي مقدّمة على التصريح بالمماثلة ، ثم خرجت بذكر المماثلة ، فكأنك قلت : فأتوا بسورة من مثله من مثله مرتين على أن يكون الأول وصفا والثاني ظرفا لغوا ، وهو حشو في الكلام بلا شبهة ، فإن قلت : فما الفائدة إذا جعلناه وصفا للسورة؟ قلت : الفائدة جليلة ، وهي التصريح بمنشأ التعجيز ، فإنّه ليس إلّا وصف المماثلة ، وعند ملاحظة منشأ التعجيز أعني المثليّة يحصل الانتقال إلى أنّ القرآن معجز والحاصل أنّ الغرض من إتيان الوصف تحقيق مناط علية كون القرآن معجزا حتى يتأمّلوا بنظر الاعتبار فيرتدعوا عمّا هم فيه من الرّيب والإنكار.

هذا ما سنح في الخاطر الفاتر ، والمرجوّ من الأفاضل النظر بعين الإنصاف والتجنّب عن العناد والاعتساف ، فلعمري إنّ الغور فيه لعميق وإنّ المسلك إليه لدقيق ، والله المستعان وعليه التّكلان ، تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين.

علّة حذف الواو بين الياء والكسرة

ومن مجموع ابن القماح :

فائدة : إذا كانت الواو فاء الكلمة من الماضي فمضارعه يفعل بكسر العين لفظا أو تقديرا ، وتسقط الواو في المضارع ، مثال اللفظي : يعد ويمق من وعد وومق ، ومثال التقديري : يضع ويسع من وضع ووسع ، فالأصل في الكلّ بالواو ، فحذفت وفتحت عين الفعل للخفّة ، إذ حرف الحلق ثقيل لبعد مخرجه فهي مكسورة تقديرا ، وهو معنى قول الزمخشري : «وسقوطها فيما عينه مكسورة من مضارع فعل أو فعل لفظا أو تقديرا» (١) ، واختلفوا في علة حذف الواو بين الياء والكسرة ، فعلّله الكوفيون (٢)

__________________

(١) انظر المفصّل (ص ١٧٨).

(٢) انظر الإنصاف (ص ٧٨٢).


بالفرق بين المتعدي فحذفت فيه لثقله وبين الّلازم فبقيت لخفته ، وهو ضعيف ، فقد حذفت في اللازم في وكف يكف وونم الذباب ينم وعلّله البصريون بالثقل ، وخصّوا الحذف بالواو دون الكسرة أو الياء لأنّ الياء لا تحذف لدلالتها على معنى ، والكسرة لا يفيد حذفها كبير خفة ، فتعيّن حذف الواو ، فنقض الكوفيون عليهم ذلك بأوعد يوعد فقد ثبتت الواو.

قال ابن مالك : الحذف إذا كانت الياء مفتوحة وهذه مضمومة ، قيل له : أنت عللت الحذف بالخفّة ، والضمة أثقل من الفتحة.

قال ابن النحاس : الصواب أنّ هذه وقعت بين همزة وكسرة وأصله يؤوعد لأنه من أوعد.

القول في وسواس

ومن رؤوس المسائل وتحفة طلاب الوسائل للشيخ محيي الدين النواوي رضي الله عنه وعنّا به.

سئل ابن مالك عن وسواس أهو مصدر مضاف إليه ذو مقدرة أم هو صفة محضة للمبالغة؟ فأجاب : الفعل الموزون بفعلل ضربان : صحيح كدحرج وشرهف (١) وهو الأصل ، والثاني : الثنائي المكرّر كحمحم ودمدم (٢) ، وهو فرع لأنّ الأصل السّلامة من التّكرار ، ولأنّ أكثره يفهم معناه بسقوط ثالثه كثجثج (٣) الماء بمعنى ثجّ ، وكفكف الشيء بمعنى كفّه ، وكبكبه (٤) بمعنى كبّه ، ورضرضه بمعنى رضّه ، وذرذره بمعنى ذرّه ، وذفذف (٥) على الجريح بمعنى ذفّف ، وصرصر (٦) الجندب بمعنى صرّ ، وعجعج (٧) الفحل بمعنى عجّ ، وصمصم (٨) السيف بمعنى صمّ ، ومكمك (٩) الفصيل ما في الضّرع بمعنى امتكّه ، ومطمط الكلام بمعنى مطّه أي : مدّه ، ومخمخ المخ أخرجه. وللنوعين مصدران مطّردان :

__________________

(١) شرهف الرجل : أحسن غداءه.

(٢) المحمحة : صوت البرذون عند الشعير. ودمدم الشيء : ألزقه بالأرض.

(٣) ثجّ الماء نفسه : انصبّ.

(٤) كبّ الشيء : قلبه.

(٥) ذفذف على الجريح : أجهز عليه وأسرع بقتله.

(٦) صرصر : صوّت.

(٧) عجعج الفحل : صوّت.

(٨) صمصم السيف : مضى في العظم.

(٩) مكمك الفصيل الضرع : امتصّ جميع ما فيه.


أحدهما : فعللة ، والآخر : فعلال ، كسرهفة وسرهاف وزلزلة وزلزال ، وفعلال أحقّ بهما لوجهين :

أحدهما : أنّ فعلل مشاكل لأفعل في عدّة الحروف وفتح الأوّل والثالث والرابع وسكون الثاني فجعل إفعال مصدر أفعل ، وفعلال مصدر فعلل ليتشاكل المصدران كما تشاكل الفعلان ، فكان فعلال أحقّ بهما من فعللة.

والثاني : أنّ أصل المصدر أن يباين وزنه وزن فعله ، وفعلال أشدّ مباينة لفعلل في وزنه من فعللة ، فكان أحقّ به منه ، وإن كانا سيّين في الاطّراد مع رجحان فعللة في الاستعمال على فعلال في قولهم : وسوس الشيطان وسواسا ووعوع الكلب وعواعا وعظعظ السّهم في مرّه عظعاظا إذا التوى ، والجاري على القياس وسواس ووسوسة ووعواع ووعوعة وعظعاظ وعظعظة ، والفتح نادر لأنّ الرباعيّ الصحيح أصل للرباعي المكرّر أوّله وثانيه كما مرّ ، ولم يأت مصدر الصحيح مع كونه أصلا إلّا على فعللة وفعلال بالكسر ، فلا ينبغي للرباعي المكرّر لفرعيته أن يكون مصدره إلّا كذلك وهذا يقتضي أن لا يكون له مصدر على فعلال بالفتح وإن ورد حكم بشذوذه ، وأيضا فإنّ فعلالا المفتوح الفاء قد كثر وقوعه صفة مصوغا من فعلل المكرّر ليكون فيه نظير فعّال من الثلاثي كضرّاب لأنهما متشاكلان وزنا فاقتضى هذا أن لا يكون لفعلال المفتوح الفاء في المصدرية نصيب ، كما لم يكن لفعّال فيها نصيب ، فلذلك استندر وقوع وسواس ووعواع وعظعاظ مصادر ، وإنّما حقّها أن تكون صفات دالّة على المبالغة في الوسوسة والوعوعة والعظعظة ، فحق ما وقع منها في موضع محتمل للمصدرية والوصفية أن يحمل على الوصفية تخلّصا من الشذوذ ومخالفة المطّرد الشائع الذائع ، وليس بمحقّ من زعم في شيء من الصفات الواردة على هذا الوزن أنّه مصدر مضاف إليه ذو تقديرا ، ويدلّ على فساد قوله أمران :

أحدهما : أنّ كل مصدر أضيف إليه ذو تقديرا فمجرّده للمصدرية أكثر من استعماله صفة كرضى وصوم وفطر ، وفعلال الموصوف به لم يثبت مجرّده للمصدرية إلّا في وسواس وأخواته ، على أنّ منع مصدريتها ممكن ، وذلك أنّ من سمع منه «وسوس إليه الشيطان وسواسا» بالفتح لا يتعثّن كونه قاصدا للمصدرية ، بل يحتمل أن يقصد الحاليّة ، فإنّ الحال قد يؤكّد بها عاملها الموافق لها لفظا ومعنى ، كقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩] وكقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) [النحل : ١٢] ، فإنما تتعيّن المصدرية في وسواس أن لو سمع مضافا إلى الشيطان معلقا به معمول ، كما سمع


ذلك في الوسوسة كقول بعضهم : «وسوسة الشيطان إلى النفس داء» ، تتعيّن المصدرية في مثل هذا لا بالانتصاب بعد الفعل.

الثاني : أنّ المصدر المضاف إليه ذو تقديرا لا يؤنّث ولا يثنّى ولا يجمع ، بل يلزم طريقة واحدة لتعلم أصالته في المصدرية وفرعيته في الوصفية ، فيقال : امرأة صوم ورجل صوم ورجلان صوم ورجال صوم أو نساء ، وفعلال الموصوف به ليس كذلك ، لأنه يؤنّث ويثنّى ويجمع وجوبا ، فيقال : رجل ثرثار وتمتام (١) وفأفاء ولضلاض أي : ماهر بالدلالة ، وهرهار أي : ضحّاك ، وجحجاح : سيّد ، وفجفاج : كثير الكلام ، وكهكاه ووطواط : ضعيف ، وعسعاس ، وحسحاس : خفيف الحركة ، وهفهاف : خميص البطن ، وبجباج : ممتلئ الجسم ودعداع ودحداح أي : قصير ، وتختاخ : ألكن وسمسام : سريع وقعقاع المفاصل أي : مصوّت ، وشيء خشخاش أي : يابس مصوّت ، وسبع قضقاض كاسر ، وحيّة نضناض : يحرّك لسانه كثيرا ، وكلّ ذلك يؤنّث بالتاء ويثنّى ويجمع ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم : «أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجالس يوم القيامة الثّرثارون المتفيهقون» (٢) ، ومنه ريح زفزافة أي : محرّكة للحشيش وسفسافه تنخل التراب بمرّها ، ودرع فضفاضة : واسعة ، الفعل من كل ذلك فعلل والمصدر فعللة وفعلال بالكسر ، ولم ينقل في شيء منها فعلال بالفتح ، ومن أجاز ذلك كالزمخشري فقياسه غير صحيح لأنّ القياس على النادر لا يصحّ ، فثبت ما قصدته من بيان أصالة الوصفية في فعلال وغرابة المصدرية فيه وامتناعها منه ، فالقول المرضيّ أنّ الوسواس في قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [الناس : ٤] هو الشيطان ، لا على حذف مضاف ، بل على أنّه من باب فعلال المقصود به المبالغة في فعلل كثرثار ونظائره ، والله أعلم بالصواب.

وسئل ابن مالك أيضا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم : «غير الدجّال أخوفني عليكم» (٣) فأجاب : الكلام على لفظه ومعناه ، أمّا لفظه : فلتضمّنه إضافة أخوف إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية ، وهو إنّما يعتاد مع الفعل المتعدي ، لأنّ هذه النون تصون الفعل من محذورات :

أحدها : التباسه بالاسم المضاف إلى ياء المتكلم ، فلو قيل : «ضربني» ضربي لالتبس بالضّرب وهو العسل الأبيض الغليظ ، فنفت نون الوقاية هذا المحذور.

__________________

(١) التمتمام : الذي يعجل بكلامه فلا يفهم ما يقول.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٤ / ١٩٤).

(٣) أخرجه مسلم في صحيحه (٤ / ٢٢٥١).


الثاني : أمر مؤنّثه بأمر مذكره ، فلو قلت : أكرمي بدل أكرمني قاصدا مذكّرا لم يفهم المراد ، فنفت النون ذلك.

الثالث : ذهاب الوهم إلى أنّ المضارع صار مبنيّا وذلك لو أوقعته على ياء المتكلم غير مقرونة بالنون لخفي إعرابه ، وظنّ به البناء على مراجعة الأصل ، فإنّ إعرابه على خلاف الأصل وأصله البناء ، فلو قلت بدل يكرمني : يكرمي لظنّ عوده إلى الأصل ، فزيادة النون تمكّن من ظهور إعرابه ، والاسم مستغن عن النون في الوجهين الأوّلين ، وأمّا الثالث : فللاسم فيه نصيب ، لكنّ أصالته في الإعراب أغنته وصانته من ذهاب الوهم إلى بنائه ، لا بسبب جليّ ، لكنّه وإن أمن ظنّ بنائه فلم يؤمن التباس بعض وجوه إعرابه ببعض ، فكان له في الأصل نصيب من إلحاق النون ، وتنزّل إخلاؤه منها منزلة أصل متروك ينبه عليه في بعض المواضع ، كما نبه بالقود واستحوذ على أصل قاد واستحاذ ، وكان أولى ما ينبّه به على ذلك أسماء الفاعلين ، فمن ذلك ما أنشده الفراء من قول الشاعر (١) : [الوافر]

فما أدري وكلّ الظّنّ ظنّي

أمسلمني إلى قومي شراح

فرخّم شراحيل دون نداء اضطرارا ، ومثله ما أنشده ابن طاهر في تعليقه على كتاب سيبويه : [الطويل]

٦٠١ ـ وليس بمعييني وفي النّاس مقنع

صديقي إذا أعيى عليّ صديق

وأنشد غيره : [الطويل]

٦٠٢ ـ وليس الموافيني ليرفد خائبا

فإنّ له أضعاف ما كان آملا

ولأفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل وخصوصا بفعل التعجب ، فجاز أن تلحقه النون المذكورة في الحديث ، كما لحقت اسم الفاعل في الأبيات المذكورة ، وهذا أجود ما يقال في هذا اللفظ عندي ، ويجوز أن يكون «أخوف لي» وأبدلت اللام نونا كما في لعنّ مكان لعلّ وفي رفنّ بمعنى رفلّ ، وهو الفرس الطويل.

وأما الكلام من جهة المعنى ففيه وجوه :

أظهرها كون أخوف أفعل التفضيل صيغ من فعل المفعول كقولهم : أشغل من

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣١٧).

٦٠١ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ١٢٦).

٦٠٢ ـ الشاهد بلا نسبة في الدرر (١ / ٢١٣) ، وشرح الأشموني (١ / ٥٧) ، ومغني اللبيب (٢ / ٣٤٥) ، والمقاصد النحوية (١ / ٣٨٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٦٥).


ذات النّحيين (١) ، وأزهى من ديك (٢) ، وأعنى بحاجتك ، و «أخوف ما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّون» (٣) ، إذ المراد أنّ المعبّر عنه بذلك شغل وزهي وعني أكثر من شغل غيره وزهوه وعنايته ، وكذا «أخوف ما أخاف» أي : الأشياء التي أخافها على أمتي أحقّها بأن يخاف الأئمّة المضلّون ، فمعنى الحديث هاهنا : غير الدّجّال أخوف مخوفاتي عليكم ، فحذف المضاف إلى الياء فاتصل بها «أخوف» معمودة بالنون كما تقرّر ، ويحتمل أن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوّف ، ولا يمنع ذلك كونه عن ثلاثي فإنّه على أفعل ، وما على وزن أفعل والثلاثي فيه سواء عند سيبويه في التفضيل والتعجب ، صرّح به مرارا ، فالمعنى : غير الدّجّال أشدّ موجبات خوفي عليكم ، ثم اتّصل بالياء معمودة بالنون على ما تقرر ، ويحتمل أن يكون من وصف المعاني بصفات الأعيان مبالغة كشعر شاعر ، وهذا الشعر أشعر من هذا ، وعجب عاجب ، وموت مائت ، وخوف خائف ، ويقال : فلا أخوف من خوفك ، ومنه قول الشاعر : [المتقارب]

٦٠٣ ـ يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى لأعدائها غائظه

فأمّا الّتي يرتجى خيرها

فأجود جودا من اللّافظه

وأمّا الّتي يتّقى شرّها

فنفس العدوّ بها فائظه

فنصب جودا بأجود على التمييز ، وذلك يوجب لكونه فاعلا معنى ، لأنّ كل منصوب على التمييز بأفعل التفضيل فاعل في المعنى ، ونصبه علامة فاعليّته ، وجرّه علامة أنّ أفعل بعض منه ، ولهذا معنى «زيد أحسن عبدا» أنّ عبده فاق عبيد غيره في الحسن ، وإن جررت فمعناه أنّه بعض العبيد الحسان وهو أحسنهم ، فمعنى الحديث على هذا : خوف غير الدّجّال أخوف خوفي عليكم ، ثم حذف المضاف إلى غير وأقيم هو مقام المحذوف ، وحذف خوف المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه ، فاتّصل أخوف بالياء معمودة بالنون ، ويحتمل أن يكون أخوف فعلا مسندا إلى واو هي ضمير عائد على غير الدجال لأنّ من جملة ما يتناوله غير الدجال الأئمة

__________________

(١) ذكره الميداني في مجمع الأمثال (١ / ٣٧٦).

(٢) انظر مجمع الأمثال (١ / ٣٢٧).

(٣) أخرجه أحمد في مسنده (٦ / ٤٤١).

٦٠٣ ـ الأبيات لطرفة في ديوانه (ص ١٥٥) ، والبيت الأول في شرح التصريح (١ / ١٨٢) ، والأول والثاني في المقاصد النحوية (١ / ٥٧٢) ، والبيت الأول بلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٢٨) ، وتخليص الشواهد (ص ٢١٢) ، وخزانة الأدب (١ / ١٣٣) ، وشرح الأشموني (١ / ١٠٦) ، ولسان العرب (غيظ) ، والبيت الثاني بلا نسبة في لسان العرب (فيظ) ، وتاج العروس (فيظ) ، والبيت الثالث بلا نسبة في لسان العرب (فيظ).


المضلون ، وهم ممّن يعقل فغلّبوا ، فجيء بالواو ثم اجتزئ عنها بالضمة وحذفت ، كقوله : [الوافر]

٦٠٤ ـ فيا ليت الأطبّا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الأساة

وقوله : [الرمل]

٦٠٥ ـ دار حيّ وتنوها مربعا

دخل الضّيف عليهم فاحتمل

فاسألن عنّا إذا النّاس شتوا

واسألن عنّا إذا النّاس نزل

أراد : كانوا ، فحذف الواو وأبقى الضمة ، وكذلك أراد الآخر احتملوا ونزلوا فحذف الواو ثم سكّن اللام من احتمل ونزل للوقف ، هذا ما تيسّر ولله الحمد.

وسئل ابن مالك أيضا : أيجوز صرف أريس في قولهم : بئر أريس؟ فأجاب : نعم وهو في الأصل عبارة عن الأصل ، ويطلق على الأكّار وعلى الأمير ، وقيل : إن أريد به الأمير فهو مقلوب رئيس.

وسئل رحمه الله أيضا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم : «إلّا جاء كنزه يوم القيامة شجاع أقرع» (٢) ، فأجاب : فاعل جاء الكانز وكنزه مبتدأ وأقرع خبره ، والجملة حالية ، لأنّ الجملة الابتدائية المشتملة على ضمير ما قبلها تقع حالا ، واقترانها بالواو أكثر ، وقد جرّدت منه في قوله تعالى : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف : ٢٤] ، (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) [الفرقان : ٢٠] ، وتقول العرب : «رجع فوره على بدئه» (٣) «وكلّمته فاه إلى فيّ» (٤) ، وقال الشاعر : [الطويل]

٦٠٦ ـ ويشرب أسآري القطا الكدر بعد ما

سرت قربا أحناؤها تتصلصل

ومثله : [الكامل]

٦٠٧ ـ راحوا بصائرهم على أكتافهم

وبصيرتي يعدو بها عتد وأى

__________________

٦٠٤ ـ الشاهد بلا نسبة في معاني القرآن (١ / ٩١) ، ومجالس ثعلب (ص ٨٨) ، والإنصاف (ص ٣٨٥) ، وشرح المفصّل (٧ / ٥) ، وهمع الهوامع (١ / ٥٨) ، والدرر (١ / ٣٣).

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢ / ٦٨٤).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٤٦٠).

(٣) انظر الكتاب (١ / ٤٦٠).

٦٠٦ ـ الشاهد للشنفرى في ديوانه (ص ٦٦) ، وخزانة الأدب (٧ / ٤٤٧) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٢٠٦) ، ونوادر القالي (ص ٢٠٥) ، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (ص ٤٥٥).

٦٠٧ ـ الشاهد للأسعر الجعفي في لسان العرب (عتد) و (وأى) ، وجمهرة اللغة (ص ٣١٢) ، ومقاييس اللغة (١ / ٢٥٤) ، والأصمعيات (ص ١٤١) ، والمعاني الكبير (ص ١٠١٣) ، ومجمل اللغة (١ / ٢٧٠) ، وبلا نسبة في لسان العرب (بصر) ، وتهذيب اللغة (٢ / ١٩٥) ، والمخصص (٦ / ٩٣) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٤٥٥).


أي : قويّ.

ومثله : [الطويل]

٦٠٨ ـ ولو لا سواد اللّيل ما آب عامر

إلى جعفر سرباله لم يمزّق

ويجوز جعل كنزه فاعل جاء وشجاع خبر مبتدأ محذوف ، والجملة في موضع الحال ، أي : جاء وهو شجاع أو صورته شجاع ، ولا يعد فيه لأنّ فيه حذف المبتدأ والواو ، إذ الاهتمام بهذه الواو أقلّ من الاهتمام بالفاء المقترنة بمبتدأ وقع جواب شرط ، وقد حذفا معا في قوله : [الكامل]

٦٠٩ ـ أأبيّ لا تبعد فليس بخالد

حيّ ومن يصب الحمام بعيد

أي : فهو بعيد ، فحذف الفاء وهي ألزم من الواو.

مسألة

فعل الأمر لا يعمل في غير ضمير المخاطب

قال ابن مالك : لا يصحّ في «قم أنت وزيد» الحكم بعطف زيد على فاعل قم لأنّ العامل فيه هو العامل في المعطوف عليه ، وقم ونحوه من أفعال الأمر لا يعمل في غير ضمير المخاطب ، فيحمل ما وقع من ذلك على أنّ «زيد» مرفوع بفعل دلّ عليه «قم» أي قم أنت وليقم زيد ، وعليه يحمل قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥] ، وإليه أشار سيبويه بقوله : يقال دخلوا أوّلهم وآخرهم ، ولا يقال : ادخلوا أوّلكم وآخركم لأنّ «ادخل» لا يصحّ إسناده إلى أولكم وآخركم ، وذكر أنّ عيسى بن عمر أجاز ذلك ، وهو نظير (٣) : [الطويل]

ليبك يزيد ضارع [لخصومة

ومختبط مما تطيح الطّوائح]

يعني أنّ أوّلكم وآخركم مرفوع بفعل مضمر دلّ عليه ادخلوا كما أنّ ضارعا مرفوع بفعل دل عليه ليبك.

__________________

٦٠٨ ـ الشاهد لسلامة بن جعفر في ديوانه (ص ١٧٦) ، والأصمعيات (ص ١٣٥) ، ولسان العرب (جنن) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٢١٠) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ٢٥٨).

٦٠٩ ـ الشاهد لعبد الله بن عنمة في خزانة الأدب (٩ / ٤٢) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٠٤١).

(١) مرّ الشاهد رقم (٢١٦).


مسألة

نسبة الحال إلى المضاف إليه

قال ابن مالك : نسبة الحال إلى المضاف إليه على أوجه : وجه يجوز إجماعا إذا كان المضاف مصدرا أو صفة عاملة ك : أعجبني قيام زيد مسرعا وإنّ زيدا ضارب عمرو متّكئا ، ووجه يمتنع إجماعا حيث لم يكن المضاف مصدرا ولا صفة ولا بعض ما أضيف إليه ك : ضربت غلام زيد متّكئا ، وثالث : مختلف فيه إذا كان المضاف بعض المضاف إليه أو يشبه بعضه ، كقوله : [الطويل]

٦١٠ ـ كأنّ يدي حربائها متشمّسا

يدا مذنب يستغفر الله تائب

ومنه قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧]. وقد صحّ جوازه عن أبي الحسن الأخفش في أمالي ابن الحاجب.

وقال ممليا على قول الشاعر (٢) : [المديد]

غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن

قال : لا يصحّ أن يكون له عامل لفظي هنا يعمل في غير ، وإذا لم يكن له عامل لفظي فإمّا أن يكون مبتدأ وإمّا أن يكون خبر مبتدأ ، ولا يصحّ أن يكون مبتدأ لأنه لا خبر له ، لأنّ الخبر إمّا أن يكون ثابتا أو محذوفا ، والثابت لا يستقيم لأنّه إمّا على زمن وإمّا ينقضي ، وكلاهما مفسد للمعنى ، وأيضا فإنّك إذا جعلته مبتدأ لم يكن بدّ من أن تقدّر قبله موصوفا ، وإذا قدّر قبله موصوف لم يكن بدّ من أن يكون غير له ، وغير هاهنا ليست له وإنما هي لزمن ، ألا ترى أنّك لو قلت : «رجل غيرك مرّ بي» لكان في غيرك ضمير عائد على رجل؟ ولو قلت : «رجل غير متأسّف على امرأة مرّ بي» لم يستقم لأنّ غيرا هاهنا لمّا جعلته في المعنى للمرأة خرج عن أن يكون صفة لما قبله ، ولو قلت : «رجل غير متأسّف مرّ بي» جاز لأنّها في المعنى للضمير ، والضمير عائد على المبتدأ فاستقام ، فتبيّن أن لا يكون مبتدأ لذلك ، وإن جعل الخبر محذوفا لم يستقم لأمرين :

أحدهما : أنّا قاطعون بنفي الاحتياج إليه ، والآخر : أنّه لا قرينة تشعر به ، ومن شرط صحة حذف الخبر وجود القرينة ، وإن جعل خبر مبتدأ لم يستقم لأمور :

__________________

٦١٠ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (ص ٢٠٣) ، ولسان العرب (شمس).

(١) مرّ الشاهد (٤٨٩).


أحدها : أنّا قاطعون بنفي الاحتياج إليه.

الثاني : أنّ حذف المبتدأ مشروط بالقرينة ولا قرينة.

الثالث : أنّك إذا جعلته خبر مبتدأ لم يكن بدّ من ضمير يعود منه إلى المبتدأ ، لأنه في معنى مغاير ، ولا ضمير يعود على ما تقدّره مبتدأ ، فلا يصحّ أن يكون خبرا ، فتبيّن إشكال إعرابه.

وأولى ما يقال أنّه أوقع المظهر موقع المضمر لمّا حذف المبتدأ من أوّل الكلام ، وكأن التقدير : زمن ينقضي بالهمّ والحزن غير متأسّف عليه ، فلمّا حذف المبتدأ من غير قرينة تشعر به أتى به ظاهرا مكان المضمر ، فصارت العبارة فيه كذلك ، وهو وجه حسن ، ولا بعد في مثل ذلك ، فإنّ العرب تجيز : «إن يكرمني زيد إنّي أكرمه» وتقديره : إني أكرم زيدا إن يكرمني ، فقد أوقعت زيدا موقع المضمر لمّا اضطرّت إلى إعادة الضمير إليه وأوقعت المضمر موقع المظهر لمّا أخرته عن الظاهر ، فقد تبيّن لك اتّساعهم في مثل ذلك وعكسه ، ويحتمل أن يقال : إنهم استعملوا غيرا بمعنى لا كما استعملوا لا بمعنى غير ، وذلك واسع في كلامهم ، وكأنه قال : لا تأسف على زمن هذه صفته ، ويدلك على استعمالهم غيرا بمعنى لا قولهم : زيد عمرا غير ضارب ، ولا يقولون : زيد عمرا مثل ضارب ، لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ، ولكنّه لمّا كانت غير تحمل على لا جاز فيا ما لا يجوز في مثل وإن كان بابهما واحدا ، وإذا كانوا قد استعملوا «أقلّ رجل يقول ذلك» بمعنى النفي مع بعده عنه بعض البعد فلأن يستعملوا «غير» بمعنى لا مع موافقتها لها في المعنى أجدر فإن قيل : فإذا قدّرتموها بمعنى لا فلا بدّ لها من إعراب من حيث كونها اسما فما إعرابه؟ قلنا : إعرابه كإعراب قولك : أقلّ رجل يقول ذلك ، وهو مبتدأ لا خبر له استغناء عنه ، لأنّ المعنى : ما رجل يقول ذلك ، وإذا كان كذلك صحّ المعنى من غير احتياج إلى خبر ، ولا استنكار بمبتدأ لا خبر له ، إذا كان في المعنى بمعنى جملة مستقلة ، كقولهم : أقائم الزيدان ، فإنّه بالإجماع مبتدأ ولا مقدّر محذوف ، والزيدان فاعل به ليس بخبر ، فهذا مبتدأ لا خبر له في اللفظ ولا في التقدير ، وإنما استقام لأنّه في المعنى : أيقوم الزيدان؟ وكذلك قول بعض المحققين في نزال وتراك : إنه مبتدأ وفاعله مضمر ولا خبر له لاستقامة المعنى من حيث كان معناه : انزل واترك ، وقد ذهب كثير إلى أنّه منصوب انتصاب المصدر ، كأنه قيل في نزال : انزل نزولا ، وهذا عندنا ضعيف ، فإنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون معربا ، ونحن نفرّق بين سقيا وبين تراك ، فكيف يمكن حملهما على إعراب واحد وهو أن يكونا مصدرين مع أنّ أحدهما معرب والآخر مبنيّ؟.


هل الصحيح هزّة أم فترة

وقال وقد استفتي في قول الشاعر : [الطويل]

٦١١ ـ وإنّي لتعروني لذكراك فترة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

فقيل له : إنّ شخصين تنازعا ، فقال أحدهما : البيت هزّة ورعدة ، ولا يستقيم معنى البيت على فترة ، فسئل هل يستقيم معنى البيت على هذه الرواية وقد نقلها غير واحد ممّن يوثق بنقله عن الأمالي لأبي علي البغدادي؟ فكتب مجيبا بخطّ يده الكريمة ما هذه صورته : وهو أن يقال : يستقيم ذلك على معنيين :

أحدهما : أن يكون معنى لتعروني لترعدني أي : تجعل عندي العرواء ، وهي الرعدة ، كقولهم : عري فلان إذا أصابه ذلك ، لأنّ الفتور الذي هو السكون من الإجلال والهيبة تحصل عنده الرعدة غالبا عادة ، فيصح نسبة الإرعاد إليه ، فيكون «كما انتفض» منصوبا انتصاب قولك : «أخرجته كخروج زيد» إمّا على معنى : كإخراج خروج زيد ، وإمّا لتضمّنه معنى خرج غالبا ، فكأنه قيل : خرج ، فصحّ لذلك مثل خروج زيد ، وحسن ذلك تنبيها على حصول المطاوع الذي هو المقصود في مثل ذلك ، فيكون أبلغ من الاقتصار على المطاوع ، إذ قد يحصل المطاوع دونه ، مثل : أخرجته فلم يخرج.

والثاني : أن يكون معنى لتعروني لتأتيني وتأخذني فترة أي سكون للسرور الحاصل عن الذكرى ، وعبّر بها عن النشاط لأنّها تستلزمه غالبا تسمية للمسبّب باسم السبب ، كأنه قال : ليأخذني نشاط كنشاط العصفور ، فيكون «كما انتفض» إمّا منصوبا نصب «له صوت صوت حمار» وله وجهان :

أحدهما : أن يكون التقدير : يصوّت صوت حمار ، وإن لم يجز إظهاره استغناء عنه بما تقدّم.

والثاني : أن يكون منصوبا بما تضمّنته الجملة من معنى يصوّت. وإمّا مرفوعا صفة لفترة ، أي : نشاط مثل نشاط العصفور ، وهذه الأوجه الثلاثة المذكورة في الوجه الثاني في إعراب «كما انتفض» تجري على تقدير رواية رعدة وهزة.

__________________

٦١١ ـ الشاهد لأبي صخر الهذلي في الأغاني (٥ / ١٦٩) والإنصاف (١ / ٢٥٣) ، وخزانة الأدب (٣ / ٢٥٤) ، والدرر (٣ / ٧٩) ، وشرح أشعار الهذليين (٢ / ٩٥٧) ، وشرح التصريح (١ / ٣٣٦) ، ولسان العرب (رمث) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٦٧) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٦٤٦) ، وأوضح المسالك (٢ / ٢٢٧) ، وشرح الأشموني (١ / ٢١٦) ، وشرح المفصّل (٢ / ٦٧) ، والمقرّب (١ / ١٦٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٩٤).


هذا ما كتبه مجيبا به ، وروى الرّمّانيّ عن السّكّري عن أبي سعيد الأصمعي : [الطويل]

٦١٢ ـ إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها

كما انتفض العصفور بلّله القطر

وهو ظاهر حينئذ.

القول في بيت ابن قلاقس : وسئل عن قول ابن قلاقس الإسكندري : [السريع]

٦١٣ ـ ما بال هذا الرّيم أن لا يريم

لو كان يرثي لسليم سليم

فقال : سليم الثاني فاعل ليرثي بمعنى سالم ، وسليم الأول بمعنى لديغ ، فإنّهم يقولون للّديغ سليم وللأعمى بصير على سبيل التفاؤل ، ولا يحسن أن يكون سليم الثاني تأكيدا للأول على وجه التأكيد اللّفظي ، لأنّه أوّلا قد فهم منه قصد التجانس ، وليس هذا عندهم معدودا في التجانس ، وأيضا فإنه يلزم أن يكون ليرثي مضمر عائد على الرّيم وليس عليه المعنى ، فظهر أن يكون الوجه على ما ذكرناه ، ويكون جواب لو محذوفا دلّ عليه ما قبله لأنّ ما قبله يدلّ على إنكار ذلك ، وهو كونه لا يريم والتعجب منه ، ثم قال : لو كان يرثي لسليم سليم على أحد وجهين : إمّا على الإنكار على نفسه في إنكار الأول ، أي : لو كان يرثي للّديغ سالم لتوجّه الإنكار أو التعجب ، أمّا إذا كان جاريا على المعتاد فلا معنى للإنكار أو التعجب ، وإمّا على أن يكون الجواب ما دلّ عليه قوله : أن لا يريم ، وكأنه قال : لو كان يرثي لسليم سليم لرام ، فإن قيل : فقد تقدّم ذكر الرّيم فليكن فاعل يرثي باللام لأنّه معهود سابق ، فالجواب : إنّ ذلك إنّما يكون إذا أعيد اللفظ الأول مثل قولهم : جاءني رجل ، ثم يقول : ما فعل الرجل ، فإنما فعلوا ذلك لئلّا يؤدّي إلى إلباس بغيره فإن قيل : لا يلائم عجز البيت صدره لأنّ الأوّل خاصّ وآخره عامّ ، لأنّ لو من حروف الشرط ، والمعلّق على الشرط يعمم بدليل قولهم : لو أكرمتني أكرمتك ، وهذا عام فالجواب : إنما يمتنع لو لم يكن المذكور في صدر البيت داخلا في العموم ، فأما إذا كان داخلا في العموم فلا يمتنع ، لأنّ المعنى : لو كان يرثي سليم ما لسليم ، فيدخل الريم وغيره.

جواب سؤال سائل سأل عن حرف (لو) للشيخ تقي الدين بن تيمية

في قول عمر : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه.

قال فيه : جواب سؤال سائل عن حرف (لو) لسيّدنا وشيخنا الإمام العالم

__________________

٦١٣ ـ الشاهد في ديوانه (ص ٩٦).


العلامة الأوحد الحافظ المجتهد الزاهد العابد القدوة إمام الأئمة قدوة الأمة علامة العلماء وارث الأنبياء آخر المجتهدين أوحد علماء الدين بركة الإسلام حجّة الأعلام برهان المتكلّمين ، قامع المبتدعين ذي العلوم الرفيعة والفنون البديعة ، محيي السّنّة ومن عظمت به لله علينا المنّة ، وقامت به على أعدائه الحجّة ، واستبانت ببركته وهدية المحجّة ، تقيّ الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني ، أعلى الله مناره وشيّد من الدين أركانه (١) : [الكامل]

ماذا يقول الواصفون له

وصفاته جلّت عن الحصر

هو حجّة لله قاهرة

هو بيننا أعجوبة الدّهر

هو آية في الخلق ظاهرة

أنواره أربت على الفجر

نقلت هذه الترجمة من خطّ العلّامة فريد دهره ووحيد عصره الشيخ كمال الدين الزّملكاني رحمه الله.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

نقلت من خطّ الحافظ علم الدين البرزالي : قال سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة القدوة الحافظ الزاهد العابد الورع إمام الأئمة حبر الأمة مفتي الفرق علامة الهدى ترجمان القرآن حسنة الزمان عمدة الحفاظ فارس المعاني والألفاظ زكي الشريعة ذو الفنون البديعة ، ناصر السنة قامع البدعة تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني ، أدام الله بركته ورفع درجته : الحمد لله الذي علّم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الباهر البرهان ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجانّ ، صلّى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما يرضى به الرحمن ، سألت ـ وفّقك الله ـ عن معنى حرف لو ، وكيف يتخرج قول عمر رضي الله عنه : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» على معناها المعروف ، وذكرت أنّ الناس يضطربون في ذلك ، واقتضيت الجواب اقتضاء أوجب أن أكتب في ذلك ما حضرني الساعة ، مع بعد عهدي بما بلغني ممّا قاله الناس في ذلك ، وأن ليس يحضرني الساعة ما أراجعه في ذلك ، فأقول والله الهادي النصير.

__________________

(١) انظر البداية والنهاية (١٤ / ١٣٧).


الجواب مرتّب على مقدّمات :

أحدها : أنّ حرف لو المسؤول عنها من أدوات الشرط وأنّ الشرط يقتضي جملتين ، إحداهما شرط والأخرى جزاء وجواب ، وربّما سمّي المجموع شرطا وسمّي أيضا جزاء ، ويقال لهذه الأدوات الجزاء ، والعلم بهذا كله ضروريّ لمن كان له عقل وعلم بلغة العرب ، والاستعمال على ذلك أكثر من أن يحصر ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا : سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) [النساء : ٤٦] ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء : ٦٤] ، (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) [الأنفال : ٢٣] ، (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] ، (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) [التوبة : ٤٧] ، (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) [المائدة : ٨١].

الثانية : أنّ هذا الذي يسمّيه النحاة شرطا هو في المعنى سبب لوجود الجزاء ، وهو الذي يسمّيه الفقهاء علّة ومقتضيا وموجبا ونحو ذلك ، فالشرط اللفظي سبب معنوي فتفطّن لهذا ، فإنّه موضع غلط فيه كثير ممّن يتكلّم في الأصول والفقه ، وذلك أنّ الشرط في عرف الفقهاء ومن يجري مجراهم من أهم الكلام والأصول وغيرهم هو ما يتوقّف تأثير السبب عليه بعد وجود المسبب ، وعلامته أنّه يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط ، ثم هو منقسم إلى ما عرف كونه شرطا بالشرع كقولهم : الطّهارة والاستقبال واللباس شرط لصحة الصلاة ، والعقل والبلوغ شرط لوجوب الصلاة ، فإنّ وجوب الصلاة على العبد يتوقف على العقل والبلوغ ، كما تتوقّف صحّة الصلاة على الطهارة والسّتارة واستقبال القبلة ، إن كانت الطهارة والسّتارة أمورا خارجة عن حقيقة الصلاة ، ولهذا يفرّقون بين الشرط والرّكن بأنّ الرّكن جزء من حقيقة العبارة أو العقد ، كالركوع والسجود وكالإيجاب والقبول ، وبأنّ الشرط خارج عنه ، فإنّ الطهارة يلزم من عدمها عدم صحة الصلاة ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة ، وتختلف الشروط في الأحكام باختلافها ، كما يقولون في باب الجمعة : منها ما هو شرط للوجوب بنفسه ومنها ما هو شرط للوجوب بغيره ، ومنها ما هو شرط للإجزاء دون الصحة ، ومنها ما هو شرط للصحة ، وكلام الفقهاء في الشروط كثير جدّا ، لكن الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتمّ على قول من يجوّز تخصيص العلة منهم ، وأمّا من لا يسمّي علّة إلّا ما استلزم من الحكم ولزم من وجودها وجوده على كل حال فهؤلاء يجعلون الشرط وضد المانع من جملة أجزاء


العلة وإلى ما يعرف كونه شرطا بالعقل وإن دلّ عليه دلائل أخرى كقولهم : الحياة شرط في العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام ، والعلم شرط في الإرادة ونحو ذلك ، كذلك جميع صفات الأجسام وطباعها لها شروط تعرف بالعقل أو بالتجارب أو بغير ذلك ، وقد تسمّى هذه شروطا عقلية والأول شروطا شرعية ، وقد يكون من هذه الشروط ما يعرف اشتراطه بالعرف ومنه ما يعرف باللغة كما يعرف أنّ شرط المفعول وجود فاعله ، وإن لم يكن شرط الفاعل وجود مفعول ، فيلزم من وجود المفعول المنصوب وجود فاعل ، ولا ينعكس ، بل يلزم من وجود اسم منصوب أو مخفوض وجود مرفوع ، ولا يلزم من وجود المرفوع لا منصوب ولا مخفوض ، إذ الاسم المرفوع مظهرا أو مضمرا لا بدّ منه في كلّ كلام عربيّ ، سواء كانت الجملة اسميّة أو فعليّة ، فقد تبيّن أنّ لفظ الشرط في هذا الاصطلاح يدلّ عدمه على عدم المشروط ما لم يخلفه شرط آخر ، ولا يدلّ ثبوته من حيث هو شرط على ثبوت المشروط ، وأمّا الشرط في الاصطلاح الذي يتكلم به في باب أدوات الشرط اللفظية ، سواء كان المتكلم نحويا أو فقهيا وما يتبعه من متكلّم وأصولي ونحو ذلك ، فإنّ وجود الشرط يقتضي وجود المشروط الذي هو الجزاء والجواب ، وعدم الشرط هل يدل على عدم المشروط؟ مبنيّ على أنّ عدم العلة هل يقتضي عدم المعلول؟ فيه خلاف وتفصيل ، قد أومى إليه الخوف لو فرض عدمه لكان مع هذا العدم لا يعصي الله لأنّ ترك المعصية له قد يكون لخوف الله ، وقد يكون لأمر آخر ، إمّا لنزاهة الطبع أو إجلال الله أو الحياء منه ، أو لعدم المقتضي إليها كما كان يقال عن سليمان التيمي رحمه الله : إنه كان لا يحسن أن يعصي الله ، فقد أخبرنا عنه أنّ عدم خوفه لو فرض موجودا لكان مستلزما لعدم معصية الله لأنّ هذا العدم مضاف إلى أمور أخرى إمّا عدم مقتض أو وجود مانع مع أنّ هذا الخوف حاصل ، وهذا المعنى يفهمه من الكلام كلّ أحد صحيح الفطرة ، لكن لمّا وقع في بعض القواعد اللفظية والعقلية نوع توسّع إمّا في التعبير وإمّا في الفهم اقتضى ذلك خللا إذا بني على تلك القواعد المحتاجة إلى تتميم ، فإذا كان للإنسان فهم صحيح ردّ الأشياء إلى أصولها وقرّر الفطر على معقولها ، وبيّن حكم تلك القواعد وما وقع فيها من تجوّز أو توسّع ، فإنّ الإحاطة في الحدود والضوابط غير تحرير ، ومنشأ الإشكال أخذ كلام بعض النحاة مسلّما : إنّ المنفي بعد لو مثبت والمثبت بعدها منفي ، أو إنّ جواب (لو) منتف أبدا وجواب (لو لا) ثابت أبدا ، أو إنّ (لو) حرف يمتنع به الشيء لامتناع غيره ، و (لو لا) حرف يدلّ على امتناع الشيء لوجود غيره مطلقا ، فإنّ هذه العبارات إذا قرن بها غالبا كان الأمر قريبا ، وأمّا أن يدّعى أنّ هذا مقتضى الحرف دائما فليس كذلك ، بل الأمر كما


ذكرناه من أن (لو) حرف شرط تدلّ على انتفاء الشرط ، فإن كان الشرط ثبوتيّا فهي (لو) محضة ، وإن كان الشرط عدميّا مثل (لو لا) و (لو) لم دلّت على انتفاء هذا العدم بثبوت نقيضه فيقتضي أنّ هذا الشرط العدميّ مستلزم لجزائه إن وجودا وإن عدما وأنّ هذا العدم منتف ، وإذا كان عدم شيء سببا في أمر فقد يكون وجوده سببا في عدمه ، وقد يكون وجوده أيضا سببا في وجوده بأن يكون الشيء لازما لوجود الملزوم ولعدمه ، والحكم ثابت مع العلة المعينة ومع انتفائها لوجود علة أخرى ، وإذا عرفت أنّ مفهومها اللازم لها إنّما هو انتفاء الشرط وأنّ فهم نفي الجزاء منها ليس أمرا لازما ، وإنّما يفهم باللزوم العقلي أو العادة الغالبة وعطفت على ما ذكرته من المقدّمات زال الإشكال بالكليّة ، وكان يمكننا أن نقول : إنّ حرف لو دالة على انتفاء الجزاء ، وقد تدلّ أحيانا على ثبوته إمّا بالمجاز المقرون بقرينة أو بالاشتراك ، لكن جعل اللفظ حقيقة في القدر المشترك أقرب إلى القياس مع أنّ هذا إن قاله قائل كان سائغا في الجملة ، فإنّ الناس ما زالوا يختلفون في كثير من معاني الحروف هل هي مقولة بالاشتراك أو التواطؤ أو بالحقيقة والمجاز؟ وإنما الذي يجب أن يعتقد بطلانه ظنّ ظانّ ظنّ أن لا معنى للو إلّا عدم الجزاء والشرط ، فإنّ هذا ليس بمستقيم البتّة ، والله سبحانه أعلم.

الكلام على مسألة الاستفهام

للشيخ الإمام جمال الدين بن هشام نفع الله ببركته جميع الأنام وغفر له ولجميع أهل الإسلام إنه على ما يشاء قدير والحمد لله.

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والتسليم على محمد أشرف المرسلين ، وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد ؛ فهذه مسألة في شرح حقيقة الاستفهام ، والفرق بين أدواته ، على حسب ما التمس منّي بعض الإخوان ، وبالله تعالى المستعان ، وعليه التّكلان ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ، وفيه فصول :

الفصل الأول في تفسيره : اعلم أنّ حقيقة الاستفهام أنّه طلب المتكلّم من مخاطبه أن يحصّل في ذهنه ما لم يكن حاصلا عنده ممّا سأله عنه. وقال بعض الفضلاء : ينبغي أن يكون المطلوب تحصيل ذلك في ذهن أعمّ من المتكلّم وغيره ، كما أنّ حقيقة الاستغفار الذي هو طلب الغفر ـ وهو السّتر ـ أعمّ من أن يكون


المطلوب له هو المتكلّم أو غيره ؛ ولهذا تقول : استغفرت لفلان كما تقول : استغفرت لنفسي ، وفي التنزيل : (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) [النساء : ٦٤] ، وتكون فائدة الاستفهام لغيرك أن يتكلّم المجيب الجواب فيسمعه من جهل فيستفيده. فقلت : لو صحّ ذلك لم يطبق العلماء على أنّ ما ورد منه في كلامه سبحانه مصروف إلى معنى آخر غير الاستفهام ، ولو كان على ما ذكر لم يستحل حمله على الظاهر ، ويكون المراد منه أنه يجيب بعض المخاطبين فيفهم الجواب من لم يكن عالما به. فإن قيل فما سبب الفرق بين طلب المغفرة مثلا وطلب الاستفهام قلت : طلب الإنسان المغفرة لغيره ممّا يقع في العادة كما يطلب لنفسه ، وأمّا طلبه لغيره أن يفهّمه الشخص المطلوب منه مع كون الطالب عالما فهو وإن كان ممكنا إلّا أنّه لا تدعو الحاجة إلى إرادته غالبا ؛ فإنّ المتكلّم إذا كان عالما ، كان أسهل من طلبه من غيره تفهيم غيره أن يفهّمه هو ، فلذلك لم ينصرف إرادة الواضع إلى ذلك القصد لعدم الحاجة إليه غالبا.

الفصل الثاني : في تفسير المطلوب بأداة الاستفهام وتقسيم الأداة باعتباره : اعلم أنّ المطلوب حصوله في الذّهن إمّا تصوّر أو تصديق ، وذلك لأنّه إمّا أن يطلب حكما بنفي أو إثبات ، وهو التّصديق ، أو لا ، وهو التصوّر ، والأدوات بالنسبة إليهما ثلاثة أقسام ؛ مختصّ بطلب التصوّر ، وهو (أم) المتّصلة وجميع أسماء الاستفهام ، ومختصّ بطلب التصديق ، وهو (أم) المنقطعة و (هل) ، ومشترك بينهما ، وهو الهمزة التي لم تستعمل مع (أم) المتّصلة ، تقول في طلب التصوّر : أزيد الخارج ، فإنّ المطلوب تعيين الفاعل لا نفس النّسبة ؛ وفي طلب التصديق : «أخرج زيد» ، كذا مثّلوا ، والظاهر أنّه محتمل لذلك بأن يكون المتكلّم شاكّا في حصول النّسبة ، ومحتمل لطلب تصوّر النّسبة. وبيان ذلك أنّ المتكلّم إذا شكّ في أنّ الواقع من زيد خروج أو دخول ، فله في السؤال طرق ؛ إحداها : «أخرج زيد أم دخل» ، وجوابه بالتّعيين ، فيحصل مراده بالتّنصيص عليه. والثانية : «أخرج زيد». والثالثة : «أدخل زيد» ، فإنّه يجاب في كلّ منهما بنعم أو ب (لا) ، ويحصل له مراده. وإنّه إذا أجيب بنعم علم ثبوت ما سأل عنه ، وانتفى الفعل الذي لم يسأل عنه. وإذا أجيب ب (لا) علم انتفاء ما سأل عنه ، وثبوت ما لم يسأل عنه.

وتلخيصه : أنّ تصديق المذكور يقتضي تكذيب غيره وبالعكس ، وغرض السائل حاصل على كلّ تقدير. وغاية ما يخلف في هاتين الطريقتين أنّ السامع لا يعلم هل السائل متردّد بين نسبتين ، أو بين حصول نسبة وعدمها ، وهذا أمر خارج عمّا نحن فيه.


وليس في الأوجه التي يحتملها هذا الكلام أن يكون المراد بالاستفهام طلب تعيين المسند إليه ، وذلك بأن يكون المتكلّم عالما بوقوع الفعل ، ولكن جهل عين الفاعل ؛ فإنّه لو أريد ذلك لم يول أداة الاستفهام ما هو عالم بحصوله وهو الفعل ، ويؤخّر عنها ما هو شاكّ فيه وهو الفاعل. وإنّما كان سبيله أن يعكس الأمر فيقول : «أزيد خرج». وعلى هذا فإذا قيل : «أزيد خرج» احتمل الكلام ما احتمله ذلك المثال ، واحتمل مع ذلك وجها آخر وهو السؤال عن المسند إليه. وتكون الجملة على هذا التقدير الأخير اسمية لا فعلية ، وعلى تقدير أنّ السؤال عن المسند فعلية لا اسمية ، وارتفاع الاسم حينئذ بفعل محذوف على شريطة التفسير ، وعلى تقدير أنّه عن النّسبة محتملة للاسميّة والفعليّة ، والأرجح الفعليّة ؛ لأنّ طلب الهمزة للفعل أقوى فهي به أولى. والنحويّون يجزمون برجحان الفعلية في هذا المثال ونحوه مطلقا ، بناء على ما ذكرنا من أولويّة الهمزة بالجمل الفعلية.

والتحرير ما ذكرنا ، فمتى قامت قرينة ناصّة على أنّ السؤال عن المسند إليه تعيّنت الاسميّة ، أو عن المسند تعيّنت الفعليّة ، وإلّا فالأمر على الاحتمال وترجيح الفعلية كما ذكروا. وأمّا أسماء الاستفهام فكلّها مضمّنة معنى الهمزة التي يطلب بها التصوّر. والنحويون يقولون : «معنى الهمزة» ، ويطلقون ، وهو صحيح إلّا أنّ فيه إجمالا ونقصا في التّعليم ؛ وإنّما لم يوضّحوا ذلك لأنّ الكلام في هذه الأغراض ليس من مقاصدهم.

الفصل الثالث : في الفرق بين قسمي (أم):

تفترق «أم» المتّصلة ، وتسمّى المعادلة أيضا ، و «أم» المنقطعة ، وتسمى المنفصلة أيضا ، من كلّ واحدة من جهتي اللفظ والمعنى من أربعة أوجه :

فأما الأوجه اللفظية : فأحدها : باعتبار ما قبلهما ، وذلك أنّ ما قبل المتّصلة لا يكون إلّا استفهاما لفظا ومعنى ، أو استفهاما لفظا لا معنى. فالأول نحو : «أزيد قائم أم عمرو» ، والثاني نحو : «سواء عليّ أقمت أم قعدت» ، فإنّ الهمزة هنا قد خلع منها معنى الاستفهام ، ولهذا يصحّ في مكانها ومكان ما دخلت عليه المصدر فيقال : «سواء عليّ قيامك وقعودك» ويصحّ تصديق الكلام الذي هي فيه وتكذيبه ، ولا يستحقّ المتكلّم به جوابا ؛ واستعملت في لازم الاستفهام ، وهو التّسوية ألا ترى أنّ الطالب لفهم الشيء استوى عنده وجوده وعدمه ، أعني استواءهما في أصل الاحتمال ، وإن كان أحدهما قد يكون راجحا. وهذا المعنى أشار إليه سيبويه رحمه الله بقوله : «وإنّما جاز الاستفهام هنا لأنّك سويت الأمرين عندك كما استوى ذلك


حين قلنا : «زيد عندك أم عمرو» ، فجرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على النّداء نحو قولهم : «اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة» ، انتهى.

وما قبل المنقطعة يكون استفهاما نحو : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد : ١٦] وخبرا نحو : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ٢ ـ ٣].

والوجه الثاني : باعتبار ما قبلهما أيضا ، وذلك أنّ الاستفهام قبل المتّصلة لا يكون إلّا بالهمزة التي يطلب بها التصوّر أو التّسوية ، كما قدّمنا ، والاستفهام الذي قبل المنقطعة لا يكون بواحدة منهما ؛ بل تارة يكون بغير الهمزة البتّة كما في قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) [الرعد : ١٦]. وقول علقمة بن عبدة :

٦١٤ ـ هل ما علمت وما استودعت مكتوم

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبّة يوم البين مشكوم

وتارة يكون بالهمزة التي يطلب بها التّصديق نحو : «أقام زيد أم قعد عمرو» ، إذا أردت ب (أم) الإضراب عن الأوّل ، فإن أردت الاستفهام عن الواقع من النسبتين ف (أم) متّصلة. فالكلام على هذا محتمل للمتّصلة والمنقطعة بحسب الغرض الذي تريده. هذا معنى كلام جماعة. وقال ابن هشام الخضراويّ : «من شرط (أم) المتّصلة ألّا يكون بعدها فعل وفاعل إلّا وقبلها فعل وفاعل ، والفاعل في كلّ من الجملتين واحد ، نحو : «أقام زيد أم قعد». فإن قلت : «أقام زيد أم قعد عمرو» ، كانت منقطعة ، وكذا إذا كان ما قبلها مبتدأ وخبرا فلا بدّ من اتحاد الخبرين ، نحو : «أزيد منطلق أم عمرو» ، فإن قلت : أم عمرو جالس ، كانت منقطعة ، وكذا إذا خالفت بين الجملتين ، نحو : «أقام زيد أم عمرو منطلق» ، انتهى.

وهذا مخالف لما تقدّم ، ولا شكّ أنّ تخالف الخبرين أو الفاعلين أو الجملتين يقتضي بظاهره الانقطاع ، وأمّا أنّه يصل إلى إيجاب ذلك فلا. وقد نصّوا على اتّصال أم في قوله : [الخفيف]

__________________

٦١٤ ـ البيتان في ديوانه (ص ٥٠) ، والكتاب (٣ / ٢٠٢) ، والأزهيّة (ص ١٢٨) ، وخزانة الأدب (١١ / ٢٨٦) ، والدرر (٥ / ١٤٥) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ١٦٠٠) ، ولسان العرب (أم) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٧٦) ، وبلا نسبة في الاشتقاق (ص ١٤٠) ، وجواهر الأدب (ص ١٨٩) ، والدرر (٦ / ١٠٥) ، ورصف المباني (ص ٩٤) ، وشرح المفصّل (٤ / ١٨) ، والمقتضب (٣ / ٢٩٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ٧٧).


٦١٥ ـ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم جفاني بظهر غيب لئيم

مع اختلاف الفاعلين ، وفي قوله : [الطويل]

٦١٦ ـ ولست أبالي بعد فقدي مالكا

أموتي ناء أم هو الآن واقع

مع اختلاف الخبرين. وقد يجاب بأنّ الجملتين هنا في تأويل المفردين ، فلذلك تعيّن الاتّصال لأنّ ما قبل أم وما يعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر ، كما في قولنا : «أزيد أم عمرو قائم» ، احتمل الكلام الاتصال والانقطاع باختلاف التّقدير. فإن قيل : فلم جزم الجميع في نحو : «أزيد قائم أم عمرو» ، بالاتصال مع إمكان الانقطاع ، بأن يكون ما بعدها مبتدأ حذف خبره؟ قيل : لأنّ الكلام إذا أمكن حمله على التّمام امتنع حمله على الحذف ، لأنّه دعوى خلاف الأصل بغير بيّنة ، ولهذا امتنع أن يدّعى في نحو جاء الذي في الدّار ، أن أصله : الذي هو في الدار.

والوجه الثالث : باعتبار ما بعدهما ، وهو أنّ المتّصلة لا تدخل على الاستفهام ، بخلاف المنقطعة ، فإنّها تدخل عليه ويكون بالحرف كما تقدّم في الآية الكريمة ، وفي بيتي علقمة بن عبدة ، وبالاسم كما في قول الله تعالى : (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٨٤] ، (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ ..) [الملك : ٢٠] ، وقول الشاعر (٣) : [البسيط]

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن

والوجه الرابع : باعتبار ما قبلهما وما بعدهما جميعا ، وهو أنّ المتّصلة تقع بين المفردين وبين الجملتين ، والمنقطعة لا تقع إلّا بين الجملتين. فأمّا قولهم «إنّها لإبل أم شاء» (٤) فمحول عند النحويين على إضمار مبتدأ ، وقد خرق ابن مالك إجماعهم في ذلك ، فادّعى أنّ المنقطعة قد تعطف المفرد محتجّا بما رواه من قول بعضهم :

__________________

٦١٥ ـ الشاهد لحسان في ديوانه (ص ٨٩) ، والكتاب (٣ / ٢٠٥) ، والأزهيّة (ص ١٢٥) ، والحيوان (١ / ١٣) ، وخزانة الأدب (١١ / ١٥٥) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٤٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ١٣٥) ، وبلا نسبة في أمالي ابن حاجب (١ / ٤٤٥) ، وجواهر الأدب (ص ١٨٦) ، وخزانة الأدب (١١ / ١٧٢) ، والمقتضب (٣ / ٢٩٨).

٦١٦ ـ الشاهد لمتمم بن نويرة في ديوانه (ص ١٠٥) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ٣٦٨) ، وجواهر الأدب (ص ١٨٧) ، والدرر (٦ / ٩٧) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٢١) ، وشرح التصريح (٢ / ١٤٢) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٣٤) ، ومغني اللبيب (١ / ٤١) ، والمقاصد النحوية (٤ / ١٣٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣٢).

(١) مرّ الشاهد رقم (٥٦٧).

(٢) انظر الكتاب (٣ / ١٩٥) باب «أم» منقطعة.


«إنّ هناك لإبلا أم شاء» بالنّصب ومحمل هذا عند الجماعة ـ إن ثبت ـ على إضمار فعل ، أي أم أرى شاء ، لا على العطف على اسم (إن). ولقوله رحمه الله وجه من النّظر ، وهو أنّ المنقطعة بمعنى (بل) والهمزة ؛ وقد تتجرّد لمعنى (بل) ، فإذا استعملت على هذا الوجه كانت بمنزلة (بل) ، وهي تعطف المفردات ، بل لا تعطف إلّا المفردات. فإذا لم يجب ل (أم) هذه أن تعطف المفردات ، فلا أقلّ من أن يجوز. فإن قيل : لو صحّ هذا الاعتبار لكان ذلك كثيرا كما في العطف ب (بل) ، ولم يكن نادرا ، ولا قائل بكثرته ، بل الجمهور يقولون : بامتناعه البتّة ، وابن مالك يقول بندوره ، قيل : الذي منع من كثرته أنّ تجرّد (أم) المنقطعة لمعنى الإضراب مع دخولها على مفرد لفظا قليل. وتبيّن من هذا أنّه كان ينبغي لابن مالك أن يقول : وقد تعطف المفرد إن تجرّدت عن معنى الاستفهام ، وقد يجاب بأنّه استغنى عن هذا التقييد بما هو معلوم من حكم الاستفهام بالهمزة ، وأنّه لا يدخل على المفردات ، فكذا الاستفهام ب (أم) التي هي في قوّة الهمزة و (بل). وأمّا قول الزّمخشريّ في (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا) [الواقعة : ٤٧ ـ ٤٨] : إنّ (آباؤنا) عطف على الضّمير في (مبعوثون) وساغ العطف على الضمير المرفوع المستتر للفصل بين العاطف والمعطوف عليه بالهمزة ، فمردود بما ذكرناه.

وأمّا أوجه المعنى :

فأحدها : ما أسلفناه في صدر المسألة من أنّ المتّصلة لطلب التصوّر ، والمنقطعة لطلب التصديق.

والثاني : أنّ المتّصلة تفيد معنى واحدا ، والمنقطعة تفيد معنيين غالبا ، وهما الإضراب ، والاستفهام.

والثالث : أنّ المتّصلة ملازمة لإفادة الاستفهام ، أو لازمه وهو التّسوية. والمنقطعة قد تنسلخ عنه رأسا. وسبب ذلك ما قدّمناه ، من أنّها تفيد معنيين فإذا تجرّدت عن أحدهما بقي عليها المعنى الآخر. والمتّصلة لا تفيد إلّا الاستفهام ، فلو تجرّدت عنه صارت مهملة. وممّا يدلّ على أنّ المنقطعة قد تأتي لغير الاستفهام دخولها على الاستفهام كما قدّمنا من الشواهد. وبهذا يعلم ضعف جزم النّحويّين أو أكثرهم في : «إنّها لإبل أم شاء» بأنّ التقدير : «بل أهي شاء» إذ يجوز أن يكون التقدير : «بل هي شاء» على أنّ المتكلّم أضرب عن الأول ، واستأنف إخبارا بأنّها شاء. وعلى هذا المعنى اتّجه لابن مالك أن يدّعي أنّها عاطفة مفردا على مفرد كما قدّمناه ، ويعلم أيضا غلط ابن النحويّة وغيره في استدلالهم بنحو : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ


وَالنُّورُ) [الرعد : ١٦] ، وببيتي علقمة على أنّ «هل» بمعنى «قد» ظنّا منهم أنّ معنى الاستفهام لا يفارق «أم» ، والاستفهام لا يدخل على الاستفهام وجعلوا هذا نظير الاستدلال بقوله (١) : [البسيط]

[سائل فوارس يربوع بشدّتنا]

أهل رأونا بوادي القفّ ذي الأكم

وممّا يقطع به على قولهم بالبطلان ، أنّها في البيت داخلة على الجملة الاسمية ، و «قد» لا تدخل عليها فإن قيل : لعلّهم يقدّرون ارتفاع «كبير» بفعل محذوف ، على حدّ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] فالجواب أنّ ذلك ممتنع بعد «قد» فكذلك ما رادفها.

الوجه الرابع : أنّ الاستفهام الذي تفيده المتّصلة لا يكون إلّا حقيقيا ، والذي تفيده المنقطعة يكون حقيقيا نحو : «إنّها لإبل أم شاء» على أحد الاحتمالين ، وغير حقيقيّ نحو : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) [الزخرف : ١٦] ، (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ. أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ ..) [الطور : ٣٩ ـ ٤١] الآيات.

تقرير آخر في الفرق بين المتصلة والمنقطعة

اعلم أنّ الفرق بين المتّصلة والمنقطعة من أوجه :

أحدها : أنّ ما قبل المتّصلة لا يكون إلّا استفهاما ، وما قبل المنقطعة يكون استفهاما وغيره.

والثاني : أنّ ما بعدها يكون مفردا وجملة ، وما بعد المنقطعة لا يكون إلّا جملة.

والثالث : أنّها تقدّر مع الهمزة قبلها ب (أيّ) ، ومع الجملة بعدها بالمصدر.

والمنقطعة تقدّر وحدها ب (بل) والهمزة.

والرابع : أنّها قد تحتاج لجواب ، وقد لا تحتاج ، والمنقطعة تحتاج للجواب.

والخامس : أنّ المتّصلة إذا احتاجت إلى جواب ، فإنّ جوابها يكون بالتّعيين.

والمنقطعة إنّما تجاب ب (نعم) أو (لا).

والسادس : أنّ المتّصلة عاطفة ، والمنقطعة غير عاطفة. وممّن نصّ على هذا ابن عصفور في مقرّبه ، وفيه خلاف مشهور ، والله تعالى أعلم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٥٦).


الكلام في قول القائل : (كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل)

ومن كلامه أيضا ـ رحمه الله تعالى ـ على قول القائل : «كأنّك بالدّنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل».

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. اختلف في «كأنّك بالدّنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل» في مواضع :

أحدها : في تعيين قائله ،

والثاني : في معنى (كأنّ).

والثالث : في توجيه الإعراب.

فأمّا قائله : فاختلف فيه على قولين :

أحدهما : أنّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

والثاني : أنّه الحسن البصريّ رحمه الله ، وقد جزم بهذا جماعة فلم يذكروا غيره منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمرون الحلبي في (شرح المفصّل) وأبو حيّان المغربيّ في (شرح التسهيل).

وأمّا معنى (كأنّ) : فاختلف فيه أيضا على قولين :

أحدهما للكوفيّين : زعموا أنّها حرف تقريب ، وليس فيها معنى التشبيه ، إذ المعنى على تقريب زوال الدنيا ، وتقريب وجود الآخرة. وجعلوا من ذلك قولهم : «كأنّك بالشتاء مقبل ، وكأنّك بالفرج آت». وهذا تستعمله الناس في محاوراتهم ، ويقصدونه كثيرا ، يقولون : «كأنّك بفلان قد جاء».

والثاني للبصريّين : زعموا أنّها حرف تشبيه ، مثلها في قولك : كأنّ زيدا أسد. ولم يثبتوا مجيئها للتّقريب أصلا ، والمعنى : كأنّ حالتك في الدنيا حال من لم يكن فيها ، وكأنّ حالك في الآخرة حال من لم يزل بها. فالمشبّه والمشبّه به الحالتان لا الشخص والفعل الذي هو الجنس.

وإيضاح هذا : أنّ الدّنيا لمّا كانت إلى اضمحلال وزوال ، كان وجود الشّخص بها كلا وجود ، وأنّ الآخرة لمّا كانت إلى بقاء ودوام ، كان الشخص كأنّه لم يزل فيها. لا وشكّ أنّ المعنى المشهور ل (كأن) هو التشبيه ، فمهما أمكن الحمل عليه لا ينبغي العدول عنه ، وقد أمكن على وجه ظاهر فانبغى المصير إليه.

وأمّا توجيه الإعراب ، وهو الذي يسأل عنه ، فاضطربت أقوال النحويين فيه اضطرابا كثيرا. والذي يحضرني الآن من ذلك أقوال :


أحدها : للإمام أبي عليّ الفارسيّ ـ رحمه الله ـ زعم أن الأصل : كأنّ الدّنيا لم تكن والآخرة لم تزل ، ثمّ جيء بالكاف حرفا لمجرّد الخطاب ، لا موضع لها من الإعراب ، كما أنّها مع اسم الإشارة كذلك ، وكذلك هي في قولهم «أبصرك زيدا» أي : أبصر زيدا ، والكاف حرف لا مفعول لأنّ (أبصر) إنّما يتعدّى إلى واحد. وجيء بالباء زائدة في اسم كأنّ ، كما زيدت في أصل المبتدأ في قولهم : «بحسبك درهم» ، وقولهم : «خرجت فإذا بزيد».

وهذا القول اشتمل على أمرين مخالفين للظاهر ، وهما إخراج الكاف عن الاسميّة إلى الحرفيّة ، وإخراج الباء عن التّعدية إلى الزّيادة.

والقول الثاني : لأبي الحسن بن عصفور ـ وهو قول أفقه من قول الفارسيّ ـ : زعم أنّ الكاف حرف خطاب اتّصلت ب (كأنّ) فأبطلت إعمالها ، وأزالت اختصاصها ، ولهذا دخلت على الجملة الفعليّة. وباء (بالدّنيا) و (بالآخرة) زائدة ، كما زيدت في المبتدأ الذي لم تدخل عليه (كأنّ) ، وقد مثّلناه. والذي حمله على زعمه زوال إعمالها ، أنّه لم يثبت زيادة الباء في اسم (كأنّ) ، وثبتت زيادتها في المبتدأ. وقد اشتمل قوله على أربعة أمور :

منها : الأمران اللذان استلزمهما قول الفارسي ، وقد شرحناهما.

ومنها : دعواه إلغاء (كأنّ). ولم يثبت ذلك إلّا إذا اقترنت ب (ما) الزائدة ، كما في قوله تعالى : (كَأَنَّما يُساقُونَ) [الأنفال : ٦] ، ودعواه أنّ الياء حرف تكلّم كما أنّ الكاف حرف خطاب ، وهو لم يصرّح بهذا ولكنّه يلزمه لأنّه لا يمكنه أن يدّعي أنّه اسمها ، لأنّه قد ادّعى إلغاءها. ولا يمكنه أن يدّعي أنّه مبتدأ لأمرين :

أحدهما : أنّ الياء ليست من ضمائر الرفع وإنّما هي من ضمائر النصب والجرّ ، كما في قولك : أكرمني غلامي.

والثاني : أنها لو كانت مبتدأ لكان ما بعدها خبرا ، ولو قيل مكان «كأنّي بك تفعل» : أنا تفعل ، لم ترتبط الجملة بالضمير ، وقد استقرّ أنّ الجملة المخبر بها لا بدّ لها من رابط يربطها.

ومنها : أنّه صرّح بأنّها قد دخلت على الجملة الفعلية في قولهم : «كأنّي بك تفعل». فلا يخلو : إمّا أن يدّعي أنّ الباء في بك زائدة والكاف مبتدأ والأصل «أنت تفعل» فلمّا دخلت الباء على الضمير المرفوع ، انقلبت ضمير جرّ ، أو يدّعي أنّ الباء متعلّقة ب (تفعل). فإن ادّعى الأوّل فالجملة اسميّة لا فعلية. وبطل قوله : إنّها دخلت


على الجملة الفعلية. وإن ادّعى الثاني ، فلا يجوز في العربيّة أن تقول : عجبت منّي ولا عجبت منك ، لا يكون الفاعل ضميرا متّصلا بالفعل ، والمفعول ضميرا عائدا إلى ما عاد إليه ضمير الفاعل وقد تعدّى إليه الفعل بالجارّ ولهذا زعم أبو الحسن في قوله :  [المتقارب]

٦١٧ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها

أنّ (على) اسم منصوب بهوّن ، لا حرف متعلّق بهوّن ، لأنّ الكاف على التقدير الأوّل مخفوضة بإضافة (على) ولا عمل فيها البتّة. وعلى التقدير الثاني منصوبة الموضع بالفعل ، ولا يجوز تعدّي فعل المضمر المتّصل إلى ضميره المتّصل. وينبغي له أن يقول بذلك في مثل قوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧]. وفي هذا الموضع مباحث (٢) ليس هذا موضعها ، لأنّ فيها خروجا عن المقصود.

والقول الثالث : لجماعة من النحويّين ، رحمهم الله تعالى : أنّ الكاف اسم (كأنّ) ، و «لم تكن» الخبر ، والباء ظرفيّة متعلّقة ب (تكن) إن قدّرت كان تامّة ، أو بمحذوف هو الخبر إن قدّرت ناقصة. وعلى هذا القول فالتاء في تكن للخطاب لا للتأنيث ، وضميرها للمخاطب لا للدّنيا. وكذا البحث في لم تزل.

وعلى القولين الأوّلين الأمر بالعكس التاء للتأنيث والضميران للدنيا والآخرة. وهذا القول خير من القولين قبله ، والمعنى : كأنّك لم تكن في الدنيا ، وكأنّك لم تزل في الآخرة.

والقول الرابع : لابن عمرون رحمه الله : إنّ الكاف اسم كأنّ ، و (بالدنيا) و (بالآخرة) خبران ، وكلّ من جملتي «لم تكن» و «لم تزل» في موضع نصب على الحال. وإنّما تمّت الفائدة بهذا الحال ، والفضلات كثيرا ما يتوقف عليها المعنى المراد من الكلام ، كقولهم : «ما زلت بزيد حتّى فعل» ، فإنّ الكلام لا يتمّ إلّا بقولهم : حتى فعل. وقد جاء ذلك في الحال كقوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] ، ف (ما) مبتدأ و (لهم) الخبر ، والتقدير : وأيّ شيء استقرّ لهم. و (معرضين) حال من الضمير المجرور باللام ، ولا يستغني الكلام عنه ، لأن الاستفهام في المعنى عنه لا عن غيره.

__________________

٦١٧ ـ الشاهد للأعور الشني في الدرر (٤ / ١٣٩) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٣٣٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٢٧) ، ولبشر بن أبي خازم في العقد الفريد (٣ / ٢٠٧) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٦٧٩) ، والجنى الداني (ص ٤٧١) ، وخزانة الأدب (١٠ / ١٤٨) ، ومغني اللبيب (١ / ١٤٦) ، والمقتضب (٤ / ١٩٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ٢٩).

(١) انظر هذه المباحث في المغني (ص ١٥٦) ، والخزانة (٤ / ٢٥٤).


وخطر لي وجه ظننت أنّه أجود من هذه الأقوال. وهو أنّ الكاف اسم كأنّ ، و «لم تكن» الخبر ، و (الدنيا) في موضع الحال من اسم كأن ، والعامل في الحال العامل في صاحبها ، وهو (كأنّ) ، كما عملت في «رطبا ويابسا» من قوله :  [الطويل]

٦١٨ ـ كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالي

المعنى : كأنّك في حالة كونك في الدّنيا لم تكن ـ أي بها ـ وكأنّك في حالة كونك في الآخرة لم تزل ـ أي بها ـ. وهذا عكس قول ابن عمرون. فإن قلت : يدلّ على صحّة ما قاله من أنّ الجملة «لم تكن» و «لم تزل» حال لا خبر ، أنّه قد روي : «كأنّك بالدّنيا ولم تكن وبالآخرة ولم تزل» والجملة الحاليّة تقترن بالواو ، بخلاف الجملة الخبريّة ، ويقال : «كأنّك بالشمس وقد طلعت» ، قلت : إن سلم ثبوت الرّواية فالواو زائدة ، كما قال الكوفيّون في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [الحج : ٢٥] : يصدّون هو الخبر ، والواو زائدة. وكما قال أبو الحسن في قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) [هود : ٧٤] : إنّ (وجاءته البشرى) جواب (لمّا) والواو زائدة. وفي قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣] ، إنّ (فتحت) جواب (إذا) والواو زائدة ، إلى غير ذلك. وأمّا «كأنّك بالشمس وقد طلعت» فلا نسلّم ثبوته. وهو مشكل على قولي وقوله ، إذ لا يصحّ على قوله أن يكون (بالشمس) خبرا عن اسم كأنّ ، والتقدير : كأنّك مستقرّ بالشمس ، ولا يصحّ على قولي أن تكون «قد طلعت» خبرا عن اسم كأنّ ، لعدم الضّمير. فإذا كان لا يخرّج على قولي ولا على قوله فما وجه إيراده على ما قلته؟ فإن قلت : قد عدلت عمّا قاله من أن الظرف خبر والجملة حال إلى عكس ذلك ، قلت لوجهين :

أحدهما : أنّ على ما قلته يكون الخبر محطّ الفائدة ، وعلى ما قاله : يكون محطّ الفائدة الحال كما تقدّم شرحه ، ولا شكّ أنّ كون الخبر محطّ الفائدة أولى.

والثاني : أنّ العرب قالت : «كأنّك بالشّتاء مقبل وكأنّك بالفرج آت» ، فلفظوا بالمفرد الحالّ محلّ الجملة مرفوعا لا منصوبا.

__________________

٦١٨ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ٣٨) ، وشرح التصريح (١ / ٣٨٢) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٤٢) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٢٤٤) ، ولسان العرب (أدب) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٢١٦) ، والمنصف (٢ / ١١٧) ، وتاج العروس (بال) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ٣٢٩) ، ومغني اللبيب (١ / ٢١٨).


نعم قول ابن عمرون متّجه في قول الحريري (١) : [مجزوء الوافر]

كأنّي بك تنحطّ

إلى القبر وتنغطّ

فهذا لا ينبغي أن يعدل عنه عند تخريجه ، فيكون الظرف خبرا و «تنحطّ» حالا عن ياء المتكلّم لعدم الرابط على أنّ المطرّزيّ خرّجه على أنّ الأصل : كأنّي أبصرك ، ثم حذف الفعل لدلالة المعنى عليه ، فانفصل الضمير وزيدت الباء في المفعول. ولا شكّ أنّ فيه تكلّفا من وجهين إضمار الفعل ، وزيادة الباء ، مع إمكان الاستغناء عن ذلك ، ثمّ يكون قوله (تنحطّ) حالا من الكاف لا خبرا. والفائدة متوقّفة عليه ، إذ لو صرّح بالمحذوف فقيل : «كأنّي أبصرك» لم يتمّ المراد فما قاله ابن عمرون أولى ، لسلامته من هذا التكلّف. ولا يلزم من تعين قول ابن عمرون في هذا الموضع أن يحمل عليه «كأنّك بالدّنيا لم تكن» لأنّ ذاك تركيب آخر مغاير لهذا التّركيب.

ومثل قول الحريري قولهم «كأنّي بك تفعل كذا».

وقد انتهى القول في هذه المسألة ، على ما اقتضاه الحال من ضيق الوقت والمجال المتقاضى للكلام المذكور. والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلّى الله على محمد وآله وصحبه ، وسلّم تسليما كثيرا. نجزت يوم الإثنين السادس والعشرين من شهر الله المحرّم سنة أربع وخمسين وسبعمائة.

الكلام في قولهم : أنت أعلم ومالك ، وعلى أيّ شيء عطف

قال شيخنا الإمام العالم العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام رحمه الله :

وقفت على أسئلة مشكلة لبعض علماء عصرنا وها أنا موردها مفصّلة ومدوّن كلّ منها بما تيسّر لي من الجواب. وما توفيقي إلّا بالله ، عليه توكّلت وإليه أنيب.

السؤال الأوّل : قال رحمه الله : المسؤول الاطلاع على ما نقل الناس في قولهم : «أنت أعلم ومالك» (٢) ، وتبيين المعطوف عليه ما هو؟ على القول بأنه عطف لفظي غير راجع إلى المعنى.

وأقول : إنّ الكلام في هذا الموضع في مقامين :

__________________

(١) انظر مقامات الحريري (ص ٨٠) ، المقامة الحادية عشرة ، والمغني (ص ٢١٠) ، وشرح أبيات المغني للبغدادي (٤ / ١٧٤).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).


أحدهما : في بيان إشكال هذا المثال.

والثاني : في الجواب عمّا تضمّنه السؤال. فأمّا الأوّل : فاعلم أنّه لا يخلو ما بعد الواو في هذا المثال ، من أن يكون معطوفا على المبتدأ ، أو على الخبر ، أو على ضميره ، أو غير معطوف ، وكلّ مشكل :

أمّا الأوّل : فلاستلزامه مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في التجرّد للإخبار عنه ب «أعلم».

وأما الثاني : فلاستلزامه مشاركته له في الإخبار به عن «أنت».

وأما الثالث : فلاستلزامه مشاركته في إسناد «أعلم» إليه. وكلّ ذلك ظاهر الامتناع من حيث المعنى. ويلزم على الثالث أيضا من حيث الصناعة ، رفع اسم التفضيل للظاهر في غير مسألة الكحل ، والعطف على الضمير المرفوع المتّصل من غير توكيد ولا فصل ، وهما ضعيفان. فإن استسهل الأول بأنّهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل أجيب : بأنّ اغتفارهم ذلك ، لم يثبت في مسألة رفع اسم التفضيل الظاهر في غير محلّ النزاع فيحمل هذا عليه.

وأمّا الرابع : فإنّه لا بدّ من تقدير خبر آخر حينئذ ، فإن قدّر المحذوف مبتدأ ، فالتقدير : أنت ومالك» وإن قدّر خبرا فالتقدير : «مالك أعلم» وكلاهما ظاهر الاستحالة. ولا يمكن أن يقدّر مبتدأ أو خبر غير ما تقدّم ذكره ؛ لأنّ مثل هذا الحذف مشروط بكون المحذوف مماثلا للمذكور ، كما في قوله تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) [الرعد : ٣٥] ، وقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) [البقرة : ١٤٠] ، في قول من قدّر «أم» منقطعة ؛ وذلك لما استقرّ عليه قول الجمهور ، من أنّ «أم» المنقطعة لا تقع إلّا بين جملتين ؛ فيجب على قولهم تقدير الخبر ، كما وجب في «إنّها لإبل أم شاء» (١) تقدير المبتدأ. وأمّا إذا قدّرت «أم» المتّصلة ـ وهو الظاهر ـ فلا حذف.

وأمّا الثاني : فمجموع ما رأيت في ذلك ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ «مالك» معطوف على «أنت» ، و «أعلم» خبر عنهما. واعتذر عن نسبة «أعلم» إلى المال بوجهين ؛ أحدهما : أنّه لمّا كان النظر في المال ، يلزم منه في الأكثر مجيئه على حسب اختيار الناظر فيه ، نسب العلم إليه مجازا. قاله ابن الصائغ وعلى قوله قالوا : وللتّشريك في اللفظ والمعنى كما هو قاعدتها. وفي هذا الوجه نظر ، بعد تسليم جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز ، لأنّا لا نعلمهم أجازوه إلّا في

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ١٩٥).


المجازيّ اللغويّ. أمّا في المجازيّ العقليّ ؛ بأن يسند اللفظ إلى أمرين معا : إلى أحدهما بطريق الحقيقة ، وإلى الآخر بطريق المجاز فلا. ثمّ لا خفاء بما في هذا الوجه من البعد في المعنى.

الوجه الثاني : أنّ هذا عطف لفظيّ ، لم يقصد به التشريك في المعنى. وهذا القول مشكل في الظاهر لمخالفته لما عليه إطباق النحويّين من أنّ الواو العاطفة للمفرد تقتضي التشريك في اللفظ والمعنى ، ولم أر من وفّاه حقّه من الشرح. وأقول :لا خفاء بأنّ المعنى : أنت أعلم بمالك. وهذا هو أصل الكلام. ثمّ إنّ العرب أنابوا واو العطف عن باء الجرّ ، للتوسيع في الكلام ، وليتناسب اللفظان المتجاوران ، وليفاد بالحرف الواحد معنى الحرفين ؛ فإنّ الواو حينئذ تفيد في المعنى الإلصاق لنيابتها عن حرف ، وتفيد في اللفظ تشارك الاسمين في الإعراب اعتبارا بأصلها وظاهر لفظها. وعلى هذا فاللفظ لفظ المعطوف ، والمعنى معنى المفعول ، فلا إشكال في اللفظ ولا في المعنى. وليس هذا من البدل التصريفيّ الذي لحظ فيه قرب المخرج ، أو اتّحاده ، كما أبدلت واو القسم من بائه حين كانا حرفين شفهيّين ، لأنّ ذلك يقتضي الاشتراك في العمل ؛ وإنّما هو من باب ترك كلمة ، والإتيان بأخرى مكانها لتقارب معناها ـ كالإتيان بالواو في نحو «سرت والنّيل» مكان «مع» ـ لكون الباء للإلصاق ، وواو العطف للجمع ، وهما متقاربان.

والذي يدلّ على مجيء الواو خلفا عن الباء قولهم : «بعت الشّاء شاة ودرهما» أي شاة بدرهم ؛ لأنّا قاطعون بأنّ الدّرهم ثمن لا مبيع ، ولأنّهم قالوا أيضا : «بعت الشاء شاة بدرهم». وهذا الذي ذكرته هو أصحّ وأوضح ما يقال في المسألة. ومتبوعي فيه الجرمي من المتقدّمين ، وابن مالك من المتأخّرين. فمن كلامهما أخذت ، وعلى ما أشارا إليه اعتمدت. أمّا الجرميّ : فإنّه نصّ على أنّ الواو هنا بمعنى الباء ولكنّه أهمل التنبيه على فائدة هذا العطف. وأمّا ابن مالك (١) فلأنّه ذكر أنّ المقصود التناسب اللفظيّ ، وأنّه كالخفض على الجوار ، ولكنّه أهمل التنبيه على نيابة الواو عن الباء ، وذلك هو الذي انبنى عليه كون هذا العطف ، لا يقتضي التشريك في الحكم. وقد وفّيت بجميع ما قالا ، وأضفت إليه ما لم يذكرا ممّا لا بدّ منه. ويظهر لي أنّ الصواب خلاف ما زعماه ، من أنّ المعطوف عليه المبتدأ ، وأنّ الصواب أنّه الخبر. وهو قول ابن طاهر ؛ وذلك لأنّه حمل على الأقرب ، وأنّ هذا العطف كالخفض في «هذا جحر ضبّ خرب» (٢) ، وذلك يقتضي تجاور الاسمين ، ولأنّ الباء

__________________

(١) انظر قاعدة (الخفض على الجوار) في المغني (٧٦٠).

(٢) انظر الكتاب (١ / ١١٣).


ملحوظة المعنى كما ذكرنا ، ومعناها متعلّق بالخبر. فليكن العطف على الخبر ليتّحد التعلّقان المعنويّ واللفظيّ.

الوجه الثاني : «أنّه معطوف لفظا ومعنى على الخبر ، وكأنّه قيل : أنت ومالك. وذلك على قول ابن خروف في «كلّ رجل وضيعته» (١) : إنّ الخبر العاطف والمعطوف لكونها بمنزلة (مع) ومجرورها» قاله ابن الصائغ. وفيه نظر لأمرين :

أحدهما : أنّه ليس المراد الإخبار عن الشخص بأنّه أعلم على الإطلاق ، وبأنّه مع مال ، لم يحل بينهما حائل.

والثاني : أنّ التفريع على هذا القول الضعيف إنّما يقتضي أن المعطوف عليه المبتدأ لا الخبر ، كما أنّه في «كلّ رجل وضيعته» كذلك. ثمّ المعروف عن ابن خروف أنّ الواو ومصحوبها أغنيا عن الخبر كإغناء الوصف في : أقائم الزيدان ، لا لأنهما الخبر.

الوجه الثالث : أنّه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : أنت أعلم وأنت ومالك ، فحذف المبتدأ لدلالة ما تقدّم عليه ؛ فالتقى واوان ، فحذفت الأولى لئلّا يدخل حرف على مثله قاله ابن الصائغ أيضا ؛ وفيه نظر ، لأنّه خلاف المعنى ؛ إذ معنى الكلام حينئذ : أنت أعلم من غيرك على الإطلاق ، وأنت ومالك مقرونان. ثمّ مثل هذا لا يسمّى خبرا إلّا بتجوّز ، على قول ابن خروف. ثم قال :

السؤال الثاني : وما معنى المعيّة في نحو : «أنت أعلم ومالك».

أقول : الصواب ما قدّمناه ، ومن أنّ معنى الواو هنا كمعنى الباء ، وهو قول الجرميّ ومن وافقه. وأمّا معنى المعيّة فبعيد ، وإن كان سيبويه قد ذكره ، ونصّه في ذلك : «فإنّما أردت : أنت أعلم مع مالك» (٢) انتهى. وقد يكون مراده تفسير ما يتحصّل من المعنى ؛ وذلك لأنّه ليس المراد الإخبار بأنّ المخاطب أعلم على الإطلاق ، بل إنّه إذا كان مع ماله ، كان أعلم كيف يدبّره ، أو أنّه إذا اعتبر مع ماله كان أعلم به. وفي كلام سيبويه من هذه التجوّزات ما لا خفاء به لمن وقف على كلامه ولهذا قال ابن النّحاس وغيره : إنّه خاطب بهذا الكتاب قوما قد اعتادوا المجازات والكنايات. ثمّ قال :

السؤال الثالث : وهل تجوّز النصب في نحو «كلّ رجل وضيعته» تجوّزه هنا أم لا؟ وما توجيه الجواز إن قيل به؟

__________________

(١) انظر الكتاب (٣٥٨ ، ٤٦٢).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).


وأقول : إنّ المجوّز لذلك هو الصّيمريّ (١) ، نصّ عليه في التّبصرة ولم يتعرّض لهذا المثال. وظاهر كلام ابن مالك أنّ النصب فيه لا يجيزه أحد فإنّه قال ـ وقد ذكر «أنت ورأيك» و «أنت أعلم ومالك» ـ ما نصّه : «ولا خلاف في وجوب الرفع فيما أشبه المثالين المذكورين (٢) ، ومن ادّعى جواز النصب في نحو «كلّ رجل وضيعته» على تقدير : كلّ رجل كائن وضيعته ، فقد ادّعى ما لم يقله عربيّ انتهى. فخصّ نحو «كلّ رجل وضيعته» بالخلاف.

والذي يظهر في الفرق بينهما أمران :

أحدهما : ظهور معنى المعيّة في «كلّ رجل وضيعته» ، وخفاؤه في «أنت أعلم ومالك» ، وقد مضى شرح ذلك.

والثاني : أنّه بني الجواز على أنّ التقدير : كلّ رجل كائن وضيعته ، كما تقدّم عنه. و «كائن» يصحّ له أن يعمل في المفعول معه ؛ وأمّا «أنت أعلم ومالك» فإنّ ما قبل الواو منه كلام تامّ ، فلا يمكن أن يقدّر فيه عامل. ولا يصلح «أعلم» للعمل في المفعول معه ، لأنّه لا يعمل فيه على الصحيح ، إلّا ما يصحّ له العمل في المفعول به ، لا كلّ ما يصحّ له العمل في الحال ، خلافا لأبي عليّ. ولهذا منع سيبويه «هذا لك وأباك» (٣) ، وإن وجد حرف التنبيه والإشارة والظرف ، وكلّ منهن صالح للعمل في الحال. والفرق بينهما ، أنّ الحال شبيهة بالظرف ، فعمل فيها روائح الفعل ، ولا كذلك المفعول معه. ولو صحّ معنى المعيّة في المثال المذكور وقال قائل بجواز النصب فيه لأمكن توجيهه إمّا على قول الجرجانيّ أو الكوفيّ أو الفارسي في أنّ الناصب للمفعول معه (الواو) أو الخلاف أو كلّ ما ينصب الحال. ولهذا جوّز الفارسيّ «هذا لك وأباك» ، وجوّز في قوله :[البسيط]

٦١٩ ـ [لا تحسبنّك أثوابي فقد جمعت]

هذا ردائي مطويّا وسربالا

أن يكون العامل «هذا». ثم قال :

السؤال الرابع : وما توجيه القول بوجوب حذف الخبر من نحو : «أنت أعلم

__________________

(١) الصّيمريّ : هو عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمريّ النحوي ، أبو محمد ، له كتاب «التبصرة في النحو» ، كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب (انظر بغية الوعاة ٢ / ٤٩).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).

(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٧٠) أما «هذا لك وأباك» فقبيح أن تنصب «الأب» لأنه لم يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلّم بالفعل.

٦١٩ ـ الشاهد بلا نسبة في الدرر (٣ / ١٥٤) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٢٤) ، وشرح التصريح (١ / ٣٤٣) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٨٦).


وعبد الله» (١) إذا جعلنا «أعلم» خبرا عن «أنت» ، و «عبد الله» مبتدأ حذف خبره وما المانع من ذكر الخبر إذا جعلنا الواو للمعيّة أو للعطف المحض.

وأقول : لم أقف لأحد ـ على القول بوجوب حذف الخبر في ذلك ـ غير ابن مالك. وهو مخالف لقولهم : إنّ الخبر لا يجب حذفه إلّا إذا سدّ شيء مسدّه. ولهذا ردّوا تجويز الأخفش في نحو «ما أحسن زيدا» ، أن تكون ما موصولة ، أو موصوفة ، وتجويز بعضهم في : نعم الرجل زيد ، كون المخصوص مبتدأ محذوف الخبر ، وقول الفارسيّ في «ضربي زيدا قائما» : إنّ الخبر مقدّر بعد الحال. ومن العجب أنّ ابن مالك من جملة من ردّ بذلك ، وذهل عنه هنا.

ثمّ إذا سلّم أنّ ذلك ليس بشرط استنادا إلى إعراب هؤلاء الأئمّة فقد يوجّه بأمرين :

أحدهما : أنّ «أعلم» لمّا كان صالحا للإخبار به عن الاثنين ، وكان تقدير «عبد الله» مقدّما على «أعلم» ممكنا ، صار وإن كان مبتدأ ، كأنّه معطوف ، و «أعلم» وإن كان خبرا عن «أنت» وحده ، كأنّه خبر عنهما معا ، فمنع ذلك ظهور خبر آخر. وهذا بخلاف نحو : زيد قائم وعمرو ، فإنّ الخبر المذكور لا يصلح للاسمين معا.

والثاني : أنّ المعنى هنا : أنت أعلم بعبد الله ، وذلك كلام تامّ لا يحتاج إلى خبر فكذا ما بمعناه وكلّ من الوجهين معترض.

أمّا الأوّل : فلاستلزامه وجوب الحذف في نحو : «زيد في الدار وعمرو» ، ولا قائل به. وفي الحديث : «أبو بكر في الجنّة وعمر في الجنّة» (٢) إلى آخره.

وأمّا الثاني : فمن وجهين أحدهما : اقتضاؤه وجوب الحذف على تقدير الواو للعطف المحض ، وإنّما المدّعى وجوبه مطلقا ، والثاني : أنّه إحالة لصورة المسألة ، فإنّ المدّعى جوازها على إضمار الخبر ، والتوجيه المذكور يقتضي أنّه لا خبر في اللفظ ، ولا في التقدير. ثمّ قال :

السؤال الخامس : وما وجه الحكم برجحان النصب على المعيّة على العطف في نحو «لا تتغذّ بالسمك واللبن ، ولا يعجبك الأكل والشّبع» مع أنّ المقصود فيها المعيّة مطلقا ، وليس العطف هنا بمقصود. وهلّا كان النصب متعيّنا لتأديته مراد المتكلّم وإخلال العطف بذلك.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).

(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٥ / ٣٩) ، وابن ماجه في سننه (١ / ٤٨).


وأقول : لا يمتنع التعبير بالعبارات المجملة ، عند التمكّن من العبارات المعيّنة للمعنى المراد. والعطف إنّما يخلّ بالتنصيص على معنى المعيّة لإفادتها مطلقا ، فإنّ أحد محتملات الواو العاطفة معنى المعيّة. وإنّما تتعيّن العبارة التي لا تحتمل غير المراد إذا أريد التنصيص على ذلك المعنى ، ولم تحتف بالكلام قرينة ترشد إليه.

وقد جوّزوا لقاصد نفي الجنس ب «لا» على سبيل الإجمال أن يعملها عمل (ليس) ، وأوجبوا إعمالها عمل (إنّ) إذا أريد التنصيص (١). وجوّز سيبويه والمحقّقون لمن قال : «طالني زيد» و «جاءني عمرو» إذا بناهما للمفعول إن يخلص الضمّ والكسر وأن يشمّ (٢). والذي يقتضيه النظر أنّه تتعيّن العبارة الناصّة إذا أريد التنصيص ، والمجملة إذا أريد الإجمال ، ويجوز الأمران إذا لم يرد أحد الأمرين بعينه ، وتترجّح الناصّة حينئذ على المجملة. ولم يمش ابن مالك في ذلك على قاعدة ، لأنّه قال في نحو : «جاءني» بوجوب الإشمام أو الضمّ ، وفي نحو «طالني» : بوجوب الإشمام أو الكسر. وقال في باب «لا» : يجوز إلحاقها ب (ليس) إن لم يرد التنصيص على العموم. وقال في المفعول معه برجحان النصب إذا خيف بالعطف فوات ما يضرّ فواته. ثم قال :

السؤال السادس : «وما وجه تقسيمهم مسائل الباب إلى ما يجب نصبه ، وإلى ما يرجح ذلك فيه ، وإلى ما يرجح عطفه ، مع أنّهم يقولون : إنّ المفعول معه لا بدّ أن يدخله معنى المفعول به ، وقد سمّاه سيبويه بذلك ، ومقتضى هذا أنّه يتعيّن النصب عند قصد هذا المعنى ، إذا وجد المسوّغ اللفظي ، فكيف يحكم برجحانه على العطف في بعض الصور؟ بل كيف يحكم بتساوي الأمرين في بعضها أيضا؟ فإن قيل : الحكم بما ذكر إنّما هو بالنظر إلى صور التراكيب اللفظية وإن اختلف المعنيان ، أشكل حينئذ كلام ابن مالك رحمه الله تعالى ـ حيث حكم برجحان العطف حيث أمكن ذلك بلا ضعف. وهذه العبارة يندرج تحتها نحو : «قام زيد وعمرو» وهذا التركيب إن نظرنا إليه مع قطع النظر عمّا يقصد من المعنى ، يقتضي تساوي الأمرين كما قال (٣) أبو الحسن بن عصفور. فما وجه كلام ابن مالك وهل يتمّ كلامه فتجيء الصور في هذا الباب خمسا أو لا يتمّ فتكون أربعا.

وأقول : أمّا ما تضمّنه صدر السؤال من الإشكال فقد ذكر في أثنائه ما يرفعه ،

__________________

(١) انظر شرح شذور الذهب (ص ٢٠٩) ، وأوضح المسالك (١ / ٢٧٤) ، والمغني (ص ٢٦٤).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ٤٨٦).

(٣) انظر المقرّب (١ / ١٥٩).


وهو أنّ الحكم بالأقسام المذكورة إنّما هو بالنظر إلى صور التراكيب اللفظية. ولا يلزم ابن مالك الحكم بتساوي الأمرين في نحو : «قام زيد وعمرو» ، بل الحكم برجحان العطف ، وهو قائل به ، ووجه لزوم ذلك من ظاهر كلامه ، لأنّ العطف قد أمكن بلا ضعف. وهذا هو مقتضى النظر لأنّ العطف هو الأصل وقد أمكن وسلم عن معارض. وأمّا كلام ابن عصفور فالقياس الذي ذكرناه ، يأباه ، فالصور أربع لا خمس.

وليعلم أنّ تسمية سيبويه المفعول معه مفعولا به مشكلة ، والناس فيها فريقان : فمنهم من تأوّلها ـ وهو ابن مالك فقال حين ذكر أنّ الباء تأتي للمصاحبة ، ما نصّه : «ولمساواة هذه الباء ل «مع» قد يعبّر سيبويه عن المفعول معه بالمفعول به» انتهى. ومنهم من أجراها على ظاهرها. والقول عندي : إن بعض الأمثلة يكون الاسم فيه على معنى «مع» ، ويسمّى مفعولا معه ، وبعضها يكون فيه على معنى الباء ويسمّى مفعولا به ، وأنّ سيبويه إنّما أراد ذلك. وها أنا مورد كلامه لتتأمّلوه : قال رحمه الله : «وينتصب فيه الاسم لأنّه مفعول معه ومفعول به» (١) ثمّ قال : «وذلك قولك : «ما صنعت وأباك» ، و «لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها» ، إنما أردت : «ما صنعت مع أبيك» ، و «لو تركت الناقة مع فصيلها». فالفصيل مفعول معه ، والأب كذلك ، والواو لم تغيّر المعنى ، ولكنّها تعمل في الاسم ما قبلها. ومثل ذلك : ما زلت وزيدا حتّى فعل ، أي : ما زلت بزيد حتّى فعل ، فهو مفعول به و «ما زلت أسير والنيل» (٢) أي : مع النيل ، و «استوى الماء والخشبة» ، أي : بالخشبة» (٣) انتهى. فانظر إلى كلامه رحمه الله ، حيث قال مفعولا معه ، ومفعولا به ، ثم فسّر بعض الأمثلة ب «مع» وبعضها بالباء. وأنّه حيث قدّر أحد الأمرين يكون ذلك المعنى إمّا متعيّنا ، أو أظهر من المعنى الآخر. فمن تأمّل هذا الكلام بالإنصاف علم أنّ مراده ما ذكرت.

ولم يتّسع الوقت للنظر فيما قال شارحو (الكتاب) في هذا الموضع ، وهذا مبلغ فهمي في كلامه رحمه الله ، والله تعالى أعلم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٥٦).

(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٥٦).


بسم الله الرحمن الرحيم

الكلام في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)

هذه مسألة من كلام شيخنا العالم العلّامة جمال الدّين عبد الله بن يوسف بن هشام رحمه الله في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].

قال : يجوز في الظّرفين أربعة أوجه (١) :

أحدها : أن يكون الأوّل خبرا ، والثاني متعلّقا به.

والثاني : عكسه وهو أن يكون الثاني خبرا ، والأوّل متعلّقا به. ولا يمنع هذا تقدّم الظرف على عامله المعنويّ فإنّ ذلك جائز باتّفاق كقولهم : «أكلّ يوم لك ثوب».

الثالث : أن يكونا خبرين ، وذلك عند من يجيز تعدّد الخبر.

والرابع : أن يكون الأوّل خبرا ، والثاني حالا. وهذا الوجه أيضا ممّا لا يختلف في جوازه. وربّما سبق إلى الذهن أنّ فيه خلافا ، وليس كذلك ، لتقدّم العامل وهو الظّرف ، وتأخّر المعمول وهو الحال ، فهو نظير قولك : «في الدّار جالسا زيد» (٢) وفي : «هجر مسقرّا سعيد». وهذا ممّا لا شكّ في جوازه.

ويبقى وجه خامس : وهو عكس هذا ، أعني أن يكون الأوّل حالا ، والثاني خبرا ، فهذا نصوص النحويّين متظافرة على منعه. جماعة منهم حكوا الإجماع على ذلك.

قال ابن مالك في (شرح الكافية) : «... ولو قدّمت الحال على العامل الظّرفيّ ، وعلى صاحبها ، لم يجز بإجماع ...». وقال الأبّدي في شرحه الكبير على (الجزوليّة) : «أجاز أبو الحسن تقدّم الحال المعمولة للظّرف مع توسّط الحال بين المبتدأ والخبر. ومنع ذلك مع التقّديم ووجه قوله : أنّ المبتدأ طالب للخبر ، فإذا تقدّم كان الخبر في نيّة التّقديم إلى جانبه فكأنّ الحال مؤخّرة عنهما ولهذا امتنع بالإجماع أن تتقدم عليهما جميعا» انتهى كلامه ملخّصا.

وقال ابن عصفور في (شرح الإيضاح) : «اتّفق البصريّون على امتناع التّقديم عليهما جميعا». فقوله «البصريون» دخل فيهم الأخفش ، لأنّه من أئمّة البصريّين

__________________

(١) انظر إملاء العكبري (١ / ٤٨).

(٢) انظر الأشموني (١ / ٤٢٧).


وهو سعيد بن مسعدة تلميذ سيبويه. وحيث أطلق النحويّون البصريّين لا يريدون غيره.

وممّن نقل الإجماع عليه أيضا : المام أبو بكر بن طاهر المعروف بالخدبّ ولكن نقل عن أبي الحسن أنّه أعرب «فداء» من قولهم : «فداء لك أبي» حالا. ونقل عن الإمام المحقّق عبد الواحد بن علي الأسديّ المعروف بابن برهان قول أسهل من ذلك ، وهو أنّه أجاز ذلك في الظّرف. وقد وقفت له على ذلك. قال في شرحه للّمع في قوله تعالى : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) [الكهف : ٤٤] : (هنالك) ظرف مكان ، وهي حال. و (الولاية) مبتدأ ، (لله) الخبر. ولام الجرّ عملت في الحال مع تقدّمها على اللام لأنّها بلفظ الظّرف. وأنشد لابن مقبل العجلانيّ : [الطويل]

٦٢٠ ـ ونحن منعنا البحر أن تشربوا به

وقد كان منكم ماؤه بمكان

ثمّ قال : «(منكم) حال والعامل فيه الباء في (بمكان)».

وعلى هذا ففي المسألة ثلاثة مذاهب : المنع مطلقا ، وهو قول من عدا الأخفش وابن برهان ، والجواز مطلقا ، وهو قول الأخفش ، والجواز إذا كان العامل ظرفا ، والمنع إذا كان غير ظرف ، وهو قول ابن برهان. وعلى هذين القولين فيجوز الوجه الخامس في الآية. ولكنّهما قولان شاذّان مخالفان لما يقتضيه القياس والسّماع. والذي أجازه أصعب من الذي أجازه ابن برهان ولعلّ الذين نقلوا الإجماع على خلاف ذلك لم يعتدّوا بهما ، أو رأوا أنّ القائل بهما ذهل عن القاعدة. ووقفت للأخفش على خلاف ما نقل عنه ، في (كتابه الصّغير) : «هذا باب من الحال ، اعلم أنّ قولهم : «هذا عبد الله قائما في الدّار» ـ على الحال ـ جائز ؛ وقد قدّمت الحال قبل العامل لأنّ الحال ل (عبد الله). فإذا قدّمت الذي الحال له في المعنى كان جائزا». هذا نصّه ، والنّسخة التي عندي معتمدة ، لأنّها بخطّ أبي الفتح بن جنّي. قوله رحمه الله : «فإذا قدّمت الذي الحال له في المعنى كان جائزا» دليل على أنّك إذا أخّرت الذي الحال له كان ممتنعا. ثمّ إنّه صرّح بذلك بعد فقال : «ولو قلت «قائما في الدار عبد الله» لم يجز» هذا نصّه بحروفه.

فإن قلت : فما تصنع بما احتجّ به ابن برهان؟ قلت لا دليل في شيء منه. أمّا الآية الكريمة (٢) فيجوز في (هنالك) أن تكون ظرفا ل (منتصرا). وعلى هذا الوجه

__________________

٦٢٠ ـ الشاهد لابن مقبل في ديوانه (ص ٣٤٦) ، ولسان العرب (بحر) ، ولبعض الخوارج في المقاصد النحوية (٣ / ١٧٣).

(١) يشير إلى سورة الكهف الآية (٤٤).


وقف بعض القرّاء (١) : «وما كان منتصرا هنالك» ، ثمّ ابتدأ «الولاية لله». ويجوز أن يكون خبرا و (لله) متعلّق ب (الولاية). ويجوز أن يكونا خبرين. ومع هذه الاحتمالات يسقط الاستدلال. وأمّا البيت : فالجواب عنه مستفاد من الكلام الذي قدّمته عن الأبّديّ. وذلك أنّه جعل تقدّم بعض الجملة كتقدّم كلّها ؛ لأنّ بعضها يطلب بعضا. وهنا لمّا تقدّمت (كان) وهي طالبة لاسمها وخبرها ، كانا في نيّة التّقديم ، وكانت الحال متأخّرة عنهما في التقدير على أنّني متردّد في ثبوت هذه المقالة عن ابن برهان ، فإنّني رأيتها في نسخة معتمدة مقروءة على أبي محمّد بن الخشّاب ، وأوّلها ما صدّر به حاشيته ، ثم ذكر ذلك إلى آخره. فالظاهر أنّه ممّا ألحق ، كما ألحقت حواش من كلام الأخفش وغيره في متن كتاب سيبويه.

وأمّا قولهم : «فداء لك أبي» (٢) فإنّه يروى بالرّفع والنّصب والكسر. وبالأوجه الثّلاثة يروى قول نابغة بني ذبيان في معلّقته المشهورة : [البسيط]

٦٢١ ـ مهلا فداء لك الأقوام كلّهم

وما أثمّر من مال ومن ولد

فأمّا الرّفع ، فعلى الابتداء أو الخبر. والأولى أن يكون (فداء) هو الخبر ، و (الأقوام) هو المبتدأ. وكذلك (أبي) في المثال ، لأنّ المعرفة أولى بالابتداء من النكرة هذا قول حذّاق المعربين ، وخالف سيبويه في مثل ذلك ، فأعرب النّكرة المتقدّمة مبتدأ ، والمعرفة المتأخّرة خبرا ، بناء على الأصل ، من أنّ كلّا منهما حال في محلّه ، ولا تقديم ولا تأخير ، وعلى أنّ النكرة التي لها مسوّغ بمنزلة المعرفة ، والمعرفتان إذا اجتمعتا كان المقدّم منها هو المبتدأ (٤).

وأمّا النّصب فعلى المصدر ؛ وأصل الكلام : تفديك الأقوام ، ثمّ حذف الفعل ، وأقيم مصدره مقامه ، وجيء ب (لك) للتّبيين كما جيء بها بعد (سقيا) في قولهم : «سقيا لك». وارتفع (الأقوام) في البيت ، و (أبي) في المثال بالمصدر ، أو بالفعل المحذوف ، على خلاف بين النحويين في ذلك.

وأمّا الكسر ـ وهي رواية يعقوب بن السّكّيت وغيره ـ فللنحويّين فيه قولان :

__________________

(١) انظر مشكل إعراب القرآن (٢ / ٤٣) ، والكشف (٢ / ٤٤).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٩٦).

٦٢١ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٢٦) ، وخزانة الأدب (٦ / ١٨١) ، ولسان العرب (فدي) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٦ / ٢٣٧) ، وشرح المفصّل (٤ / ٧٣) ، وإعراب القرآن للنحاس (٣ / ٢٨).

(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٩٦).


أحدهما : أنّه مبتدأ ، وما بعده خبره ، أو بالعكس على الخلاف الذي شرحناه في رواية الرّفع ، وأنّه معدول عن (مفديّ) وبني على الكسر. وليس هذا القول بشيء ، لأنّه لا وجه لبنائه على هذا التّقدير. ثمّ هو فاسد من حيث المعنى ، إذ كان حقّه أن يقول : إنه معدول عن (فاد) ، لأنّ المفديّ هو المخاطب لا الأقوام.

والثاني : أنّه اسم فعل ومعناه : ليفدك الأقوام ، أي : وبني كما بني (نزال) و (دراك) ، كذا وجّهه أبو جعفر النّحّاس في شرح المعلّقات ، وفيه نظر ، فإنّا لا نعلم اسم فعل على وزن فعال ، بكسر الفاء ، ولا اسم فعل ناب عن فعل مضارع مقرون بلام الأمر.

وحكى الفرّاء أنّه قال : «فدى لك» بفتح الفاء وبالقصر وهذا يحتمل أن يكون في موضع رفع ، وأن يكون في موضع نصب ، وقد مضى توجيههما والله تعالى أعلم.

على أي شيء رفع (وخير منك) في قول جابر رضي الله عنه

«كان يكفي من هو أوفى عنك شعرا وخير منك».

من كلام شيخنا الشيخ جمال الدين هشام رحمه الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

قول جابر رضي الله عنه : «كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخير منك» (١).

الظّاهر أنّ (خير) مرفوع عطفا على (أوفى) المخبر به عن (هو) ، أي : «كان يكفي من هو أوفى وخير» ، كما تقول : أحبّ من هو عالم وعامل. والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول ، والموصول مفعول (يكفي).

ويقع في النّسخ ، ويجري على ألسنة الطّلبة بنصب خير. وقد ذكر أنّه خرّج على سبعة أوجه :

أحدها : أن يكون عطفا على المفعول ، وهو (من).

الثاني : أن يكون بتقدير (كان) ، مدلولا عليها ب (كان) المذكورة أوّلا ؛ أي : وكان خيرا.

الثالث : على تقدير (يكفي) ، مدلولا عليها ب (يكفي) المذكورة.

الرّابع : على إلغاء (من هو) فيكون (أوفى) مفعولا و (خيرا) معطوفا عليه.

__________________

(١) انظر صحيح مسلم (١ / ١٧٨) ، باختلاف بسيط في اللفظ.


الخامس : على إلغاء (من هو أوفى).

السادس : على تقدير : وأكثر خيرا.

السّابع : على العطف على (شعرا).

وهذه كلّها باطلة إلّا السابع ، فإنّه مستبعد.

١ ـ أمّا العطف على (من) ، فإنّه يؤدّي إلى مغايرة المعطوف لمن وقعت عليه (من) ويصير بمنزلة «كان يكفي زيدا وعمرا» ، فيكون الذي هو أوفى غير الذي هو خير. وليس المراد ذلك.

٢ ـ وأمّا تقدير (كان) فباطل من وجهين :

أحدهما : أنّ حذف (كان) مع اسمها وبقاء خبرها ، لا يجوز بقياس إلّا بعد (إن) و (لو) ومن ثمّ قال سيبويه ـ رحمه الله ـ : «لا تقل (عبد الله المقتول) بتقدير : كن عبد الله المقتول» (١) وخالف المحقّقون الكسائيّ في تخريجه قوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] على تقدير : يكن الانتهاء خيرا لكم.

الثاني : أنّا إذا قدّرنا (كان) مدلولا عليها بالأولى قدّرنا مرفوعها مرفوع الأولى كما أنّك إذا قلت : [الرجز]

٦٢٢ ـ علفتها تبنا وماء [باردا

حتى شتت همّالة عيناها]

لا تقدّر : وسقاها غيري ماء بل (وسقيتها). وذلك لأنّ الفعل والفاعل كالشيء الواحد فتقدير أحدهما مستلزم لتقدير الآخر بعينه. فعلى هذا إذا قدّرت (كان) الأولى قدّرت فاعلها ، فيصير : (وكان هو) أي : الصّاع.

٣ ـ وأمّا تقدير (يكفي) : فإنّه يؤذن أيضا بالتّغاير ، كما أنّك إذا قلت : كان يكفي الفقيه ويكفي الزاهد ، آذن بذلك. وسببه أنّ (يكفي) الثّاني إنّما هو لمجرّد التّوكيد ، فذكره بمنزلة لو لم يذكر. وهو لو لم يذكر آذن العطف بالتّغاير ، فكذلك إذا ذكر.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٢٢).

٦٢٢ ـ الرجز بلا نسبة في لسان العرب (زجج) و (قلد) و (علف) ، وأمال المرتضى (٢ / ٢٥٩) ، والإنصاف (٢ / ٦١٢) ، وأوضح المسالك (٢ / ٢٤٥) ، والخصائص (٢ / ٤٣١) ، والدرر (٦ / ٧٩) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٢٦) ، وشرح التصريح (١ / ٣٤٦) ، وشرح شذور الذهب (ص ٣١٢) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٥٨) ، وشرح ابن عقيل (ص ٣٠٥) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٣٢) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٠١) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣٠) ، وتاج العروس (علف).


٤ ـ ٥ : وأمّا إلغاء (من هو) أو إلغاء (من هو أوفى) : فباطلان من وجهين :

أحدهما : أنّ زيادة الأسماء لا تجوز عند البصريين وكذلك زيادة الجمل. ثمّ إنّ الكوفيّين يجيزون ذلك ، وإنّما يجيزونه حيث يظهر أنّ المعنى مفتقر إلى دعوى الزّيادة كما في قول لبيد : [الطويل]

٦٢٣ ـ إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

فإنّهم قالوا : (اسم) زائد ، لأنّه إنّما يقال : السّلام على فلان ، ولا يقال : اسم السّلام عليك ، فادّعوا زيادة ذلك لهذا المعنى ، وهو مفقود فيما نحن بصدده.

وقد يقال : إنّ أفسد هذين الوجهين الوجه المدّعى فيه زيادة (من هو) خاصّة. فإنّ ذلك لا يجيزه أحد ، لأنّ المبتدأ يبقى بلا خبر ، والموصول بلا صلة. ويجاب بأنّ دعوى زيادة الاسم لا تخرجه عن استحقاقه لما يطلبه على تقدير عدم الزّيادة.

الثاني : أنّه إذا كان زائدا امتنع العطف عليه ، لأنّه يصير بمنزلة ما لم يذكر ، والعطف عليه يقتضي الاعتداد به وتقدّم جوابه فتناقضا.

٦ ـ وأمّا تقدير (أكثر) : فباطل لأنّ أفعل التفضيل لم يحذف في كلامهم باقيا معموله ، لضعفه في العمل ، وجموده ؛ لأنّه لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث.

٧ ـ وأمّا عطفه على (شعرا) : فهو أقرب من جميع ما ذكر ، لأن (أوفى) بمعنى أكثر ، فكأنّه قيل : أكثر منك شعرا وخيرا ، إلّا أنّ هذا يأباه ذكره (منك) بعد (خير) ، ألا ترى أنّك إذا قلت : كان يكفي من هو أكثر منك علما وعبادة لم يحتج إلى قولك (منك) ثانيا؟ وقد يتكلّف جواز هذا الوجه على أن تجعل (منك) الثّانية مؤكّدة للأولى. والله تعالى أعلم.

__________________

٦٢٣ ـ الشاهد للبيد بن ربيعة في ديوانه (٢١٤) ، والأغاني (١٣ / ٤٠) ، وبغية الوعاة (١ / ٤٢٩) ، وخزانة الأدب (٤ / ٣٣٧) ، والخصائص (٣ / ٢٩) ، والدرر (٥ / ١٥) ، وشرح المفصّل (٣ / ١٤) ، ولسان العرب (عذر) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٣٧٥) ، والمنصف (٣ / ١٣٥) ، وبلا نسبة في أمالي الزّجاجي (ص ٦٣) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٠٧) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٠٧) ، والمقرب (١ / ٢١٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ٤٩).


مسألة

نصب لفظ (قيله) في قوله تعالى : (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ)

[الزخرف : ٨٨].

قرأ الجمهور (وقيله) بالنّصب.

فعن الأخفش : أنّه عطف على (سرّهم ونجواهم). وعنه أيضا : أنّه بتقدير : وقيل قيله.

وعن الزّجّاج : أنّه عطف على محلّ «السّاعة». وقيل : على مفعول «يكتبون» المحذوف ، وقيل : يكتبون أقوالهم وأفعالهم ، وقيل : على مفعول «يعلمون» ، أي : يعملون الحقّ وقيله.

وقرأ السّلمي وابن وثّاب وعاصم والأعمش وحمزة : بالخفض (١) ، فقيل : عطف على «الساعة» ، أو على أنّها واو القسم ، والجواب محذوف ، أي : لينصرنّ أو لأفعلنّ بهم ما أشاء.

وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد والحسن وقتادة ومسلم بن جندب بالرفع (٢). وخرّج على أنّه معطوف على «علم السّاعة» على حذف مضاف أي : «وعلم قيله» ، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وروي هذا عن الكسائي. وعلى الابتداء ، وخبره «يا ربّ» إلى «لا يؤمنون» ، أو على أنّ الخبر محذوف تقديره مسموع أو متقبّل ، فجملة النداء. وما بعده في موضع نصب ب «وقيله». وقرأ أبو قلابة : «يا ربّ» (٣) بفتح الباء أراد : «يا ربّا» ، كما تقول : يا غلاما ، ويتخرّج على ما أجاز الأخفش : «يا قوم» بالفتحة ، وحذف الألف والاجتزاء بالفتحة عنها. وقال الزّمخشري : «والذي قالوه ـ يعني من العطف ـ ليس بقوي في المعنى ، مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ، ومع تنافر النّظم. وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجرّ والنصب على إضمار حرف القسم ، وحذفه. والرفع على قولهم : «أيمن الله» ، «وأمانة الله» ، و «يمين الله» ، و «لعمرك». ويكون قوله «إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون» جواب القسم كأنّه قال : وأقسم بقيله يا ربّ أو : «وقيله يا ربّ قسمي إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون» انتهى. وهو مخالف لظاهر الكلام إذ

__________________

(١) انظر تيسير الداني (ص ١٦٠).

(٢) انظر المحتسب (٢ / ٢٥٨).

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن (٢ / ٢٨٦).


يظهر أنّ قوله : «يا ربّ ... لا يؤمنون» متعلّق ب «قيله» ، «ومن كلامه عليه السّلام». وإذا كان «إنّ هؤلاء ...» جواب القسم كان من إخبار الله تعالى عنهم وكلامه. والضمير في «قيله» للرّسول ؛ وهو المخاطب بقوله : فاصفح عنهم» أي أعرض عنهم وتاركهم وقل سلام (١).

مسألة

الكلام في قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا يقتل مسلم بكافر»

لا خلاف في امتناع قتل المسلم بالحربيّ واختلف في قتله بالذمّي واحتجّ من منعه بحديث : «لا يقتل مسلم بكافر» (٢).

وتقديره : أنّ «كافر» نكرة في سياق النّفي فيعمّ الحربيّ وغيره. واختلف المانعون في الجواب.

فطائفة أجابوا عن ذلك مع قطع النّظر عن الزيادة الواردة في الحديث فقالوا : إنّ قوله «بكافر» عامّ أيد به خاصّ. واختلفوا في توجيه ذلك على قولين :

أحدهما : أنّ المعنى : لا يقتل مسلم بكافر قتله في الجاهلية وذلك أنّ قوما من المسلمين كانوا يطالبون بدماء صدرت منهم في الجاهلية ، فلما كان يوم الفتح قال عليه السّلام : «كلّ دم في الجاهلية فهو موضوع تحت قدميّ لا يقتل مسلم بكافر» (٣).

والثاني : أن المراد بالكافر الحربيّ ؛ فإنّ غيره قد اختصّ في الإسلام باسم وهو الذمّي. ولنا أن نمنع الأول : بأنّ العبرة بعموم اللّفظ ، لا بخصوص السبب ؛ والثاني : بأنّ الكافر لغة وعرفا من قام به الكفر حربيّا كان أو ذمّيّا ، لأنّه اسم فاعل من «كفر» ، والأصل عدم التخصيص. ويؤيّده أنّ الوعيد الوارد في التنزيل للكافرين ليس مخصوصا بالذمّي بالاتّفاق.

وطائفة أجابوا عنه بعد ضمّ تلك الزيادة إليه وهي : «... ولا ذو عهد في عهده.» (٤) ، ولهؤلاء أربعة أجوبة :

١ ـ أحدها : ما نقله عنهم الأصوليّون ؛ وتقديره أنّ هذه الزّيادة مفتقرة إلى ما

__________________

(١) انظر المسألة في مغني اللبيب (ص ٦٠٤) ، ومشكل إعراب القرآن (٢ / ٢٨٥) ، وإملاء العكبري (٢ / ١٢٣).

(٢) أخرجه النسائي في سننه (٨ / ٢١) ، وابن ماجه (ص ٨٨٧) ، وأحمد في مسنده (١ / ٧٩).

(٣) أخرجه ابن ماجه في سننه (٢ / ١٠٢٥).

(٤) انظر سنن أبي داود (٤ / ١٨٠) ، ومسند أحمد (٢ / ١٨٠).


يتمّ به معناها ، وكون المقدّر مدلولا عليه بما ذكر أولى فتعيّن أن يقدّر : ولا ذو عهد في عهده بكافر. والكفار المقدّر الحربيّ ، إذ المعاهد يقتل بالمعاهد وحينئذ : فالكافر الملفوظ به الحربيّ تسوية بين الدّليل والمدلول عليه.

ويجاب من وجهين :

أحدهما : أنّا لا نسلّم احتياج ما بعد (ولا) إلى تقدير ؛ لجواز أن يكون المراد به : أنّ العهد عاصم من القتل.

والثاني : أنّ حمل الكافر المذكور على الحربيّ لا يحسن ؛ لأنّ هدر دمه من المعلوم من الدّين بالضّرورة ، فلا يتوهّم متوهّم قتل المسلم به.

ويبعد هذا الجواب قليلا أمران : أحدهما : أنّ مدلول الحديث حينئذ مستغنى عنه بما دلّ عليه قوله تعالى : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٤] ، فالحمل على فائدة جديدة أولى. الأمر الثاني : أنّ صدر الحديث نفي فيه القتل قصاصا لا مطلق القتل ، فقياس آخره أن يكون كذلك.

والوجه الثاني : أنّا لا نسلّم لزوم تساوي الدليل والمدلول عليه ، لأنّهما كلمتان لو لفظ بهما ظاهرتين أمكن أن يراد بأحدهما غير ما أريد بالأخرى فكذلك مع ذكر إحداهما وتقدير الأخرى. ويؤيّده عموم : (وَالْمُطَلَّقاتُ) [البقرة : ٢٢٨] ، وخصوص (وَبُعُولَتُهُنَ) [البقرة : ٢٢٨] مع عود الضّمير عليه.

٢ ـ والجواب الثاني : أنّ الأصل : لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر ، ثمّ أخّر المعطوف على الجارّ والمجرور وليس في الكلام حذف البتّة ، بل تقديم وتأخير ، وحينئذ فالتقدير : «بكافر حربيّ» وإلّا لزم ألّا يقتل ذو العهد بذي العهد وبالذّمّي.

٣ ـ والثالث : أن (ذو عهد) مبتدأ و (في عهده) خبره ، والواو للحال أي : (لا يقتل مسلم بكافر والحال أنّه ليس ذو عهد في عهده). ونحن لو فرضنا خلوّ الوقت عن عهد لجميع أفراد الكفّار لم يقتل مسلم بكافر.

وهذا الجواب حكي عن القدوري وفيه بعد ، لأنّ فيه إخراج الواو عن أصلها ـ وهو العطف ـ ومخالفة لرواية من روى : «ولا ذي عهد ...» بالخفض ؛ إمّا عطفا على (كافر) كما يقوله الأكثرون ، وإمّا على (مسلم) كما قاله الحنفيّة ، ولكنه خفض لمجاورته المخفوض. وأيضا فإنّ مفهومه حينئذ أنّ المسلم يقتل بالكافر مطلقا في حالة كون ذي العهد في عهده ، وهذا لا يقوله أحد ؛ فإنّه لا يقتل بالحربيّ اتّفاقا. إلّا


أنّه لا يلزم الحنفيّة ؛ فإنّهم لا يقولون بالمفهوم فضلا عن أن يقولوا إنّ له عموما ، ولكن ينتقل البحث معهم إلى أصل المسألة. وقد يقال أيضا : إنّ كون مثل هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير ـ بناء على حمله على التّقديم والتّأخير ـ بعيد ، لأنّ الكلام إذا مضى على وجه كانت فيه أجزاؤه على الظاهر حالّة محلّها لم يجز.

٤ ـ والجواب الرابع : أنّ «ولا ذو عهد» معطوف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يحمل الكافر الأول على غير ذي العهد ليتغايرا ؛ قاله بعضهم ، وهذا غريب ، فإنّ ذا العهد معطوف على مسلم لا على كافر ، والعطف إنّما يقتضي المغايرة بين المتعاطفين. ثمّ لو كان المراد بالكافر ذا العهد لكان ذكر ذي العهد ثانيا استعمالا للظاهر في موضع المضمر ، وهو لا يجوز ، أو لم يحسن أن يحمل بعد ذلك على خلاف ذلك ، لأنّ فيه تراجعا ونقضا لما مضى عليه الكلام ، ولهذا قال أبو عليّ ومن وافقه في قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤] إنّ التقدير : فعدّتهنّ ثلاثة أشهر ، وإنّه حذف الخبر من الثاني لدلالة خبر الأول عليه.

وقال بعض الناس : الأولى أن يقدّر الخبر مفردا أي : واللّائي لم يحضن كذلك. لأنّ تقليل المحذوف أولى ولأنّه لو نطق بالخبر لم يحسن أن تعاد الجملة برأسها. فاتّفق الفريقان على أنّ الخبر محذوف. ولم يحملوه على أنّ التقدير : واللّائي يئسن واللّائي لم يحضن فعدّتهنّ ثلاثة أشهر. والذي ظهر أن ذلك ليس إلّا لما ذكرنا. ولهذا أيضا يظهر أنّهم منعوا من التنازع في المتقدّم نحو «زيدا ضربت وأكرمت» ، وفي المتوسّط نحو «ضربت زيدا وأكرمت» ، لأنّ الاسم المتقدّم مستوفيه العامل قبل أن يجيء الثاني فإذا جاء الثاني لم يقدّر طالبا له بعد ما أخذه غيره. وذلك في المتوسّط أوضح ، لأنّ المعمول يلي العامل الأوّل. انتهى ـ هكذا وجدت بخطّه رحمه الله ـ.

مسألة اعتراض الشّرط على الشّرط

للشيخ جمال الدين رحمه الله

هذا فصل نتكلّم فيه بحول الله تعالى وقوّته على مسألة اعتراض الشّرط على الشّرط :

اعلم أنّه يجوز أن يتوارد شرطان على جواب واحد في اللّفظ ، على الأصحّ ؛ وكذا في أكثر من شرطين. وربّما توهّم متوهّم من عبارة النّحاة حيث يقولون :


اعتراض الشّرط على الشّرط ، أنّ ذلك لا يكون في أكثر من شرطين ، وليس كذلك ، ولا هو مرادهم. ولنحقّق أوّلا الصورة التي يقال فيها في اصطلاحهم : اعتراض الشّرط على الشّرط ـ فإن ذلك ممّا يقع فيه الالتباس والغلط ؛ فقد وقع ذلك لجماعة من النّحاة والمفسّرين ـ ثمّ تكلّم على البحث في ذلك والخلاف في جوازه وتوجيهه.

فنقول : ليس من اعتراض الشّرط على الشّرط واحدة من هذه المسائل الخمس التي سنذكرها :

أحدها : أن يكون الشّرط الأوّل مقترنا بجوابه ، ثمّ يأتي الشّرط الثاني بعد ذلك ، كقوله سبحانه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : ٨٤] خلافا لمن غلط فيه فجعله من الاعتراض. وقائل هذا من الحقّ على مراحل ؛ لأنّه إذا ذكر جواب الأوّل تاليا له ، فأيّ اعتراض هنا؟

الثّانية : أن يقترن الثّاني بفاء الجواب لفظا نحو : إن تكلّم زيد فإن أجاد فأحسن إليه ؛ لأنّ الشّرط الثاني وجوابه جواب الأوّل.

الثالثة : أن يقترن بها تقديرا نحو (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الواقعة : ٨٨] ، خلافا لمن استدلّ بذلك على تعارض الشّرطين ، لأنّ الأصل عند النّحاة : مهما يكن من شيء فإن كان المتوفّى من المقرّبين فجزاؤه روح ، فحذفت (مهما) وجملة شرطها ، وأنيبت عنها (أمّا) فصار : (أمّا فإن كان). ففرّوا من ذلك لوجهين :

أحدهما : أنّ الجواب لا يلي أداة الشّرط بغير فاصل.

والثّاني : أنّ الفاء في الأصل للعطف ، فحقّها أن تقع بين شيئين ، وهما المتعاطفان ، فلمّا أخرجوها في باب الشّرط عن العطف ، حفظوا عليها المعنى الآخر ، وهو التوسّط موجوب أن يقدّم شيء ممّا في حيّزها عليها إصلاحا للّفظ. فقدّمت جملة الشّرط الثّاني لأنّها كالجزء الواحد ؛ كما قدّم المفعول في (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ، فصار : أمّا إن كان من المقرّبين فروح ، فحذفت الفاء التي هي جواب (إن) ، لئلا تلتقي فاءان. فتلخّص أنّ جواب (أمّا) ليس محذوفا ، بل مقدّما بعضه على الفاء ، فلا اعتراض.

الرابعة : أن يعطف على فعل الشّرط شرط آخر كقوله سبحانه وتعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) [محمد : ٣٦ ـ ٣٧] ، ويفهم من كلام ابن مالك أنّ هذا من اعتراض الشّرط على الشّرط ، وليس بشيء.


الخامسة : أن يكون جواب الشّرطين محذوفا. فليس من الاعتراض نحو (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) [هود : ٣٤] الآية ، وكذلك (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) [الأحزاب : ٥٠] الآية ، خلافا لجماعة من النحويّين منهم ابن مالك وحجّتنا على ذلك أنّا نقول : نقدّر جواب الأوّل تاليا له مدلولا عليه بما تقدّم عليه ، وجواب الثاني كذلك ، مدلولا عليه بالشّرط الأوّل وجوابه المقدّمين عليه. فيكون التقدير في الأولى : إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي ، وكذا التقدير في الثّانية. ومثل ذلك أيضا بيت الحماسة : [البسيط]

٦٢٤ ـ لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد

ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا

فتدبّره فإنّه حسن.

وإذ قد عرفت أنّا لا نريد شيئا من هذه الأنواع بقولنا : «اعتراض الشّرط على الشّرط» ، فاعلم أنّ مرادنا نحو : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» ، وقد اختلف أوّلا في صحة هذا التركيب ؛ فمنعه بعضهم على ما حكاه ابن الدّهّان ، وأجازه الجمهور. واستدلّ بعض المجيزين بالآيات السابقة ، وقد بيّنا أنّها ليست ممّا نحن فيه لا في ورد ولا صدر وإنّما الدليل في قوله سبحانه : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ) إلى قوله (لَعَذَّبْنَا) [الفتح : ٢٥] فالشّرطان وهما (لو لا) و (لو) قد اعترضا وليس معهما إلا جواب واحد متأخّر عنهما ، وهو (لعذّبنا) ، وفي آية أخرى على مذهب أبي الحسن وهي قوله سبحانه : (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) [البقرة : ١٨٠] ، فإنّه زعم أنّ قوله جلّ ثناؤه : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) [البقرة : ١٨٠] على تقدير الفاء أي : (فالوصية.) فعلى مذهبه يكون ممّا نحن فيه ؛ وأمّا إذا رفعت (الْوَصِيَّةُ) ب (كُتِبَ*) فهي كالآيات السابقات في حذف الجوابين. وهذان الموطنان خطرا لي قديما ولم أرهما لغيري. وممّا يدلّ عليه أيضا قول الشاعر : [البسيط]

٦٢٥ ـ إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم

__________________

٦٢٤ ـ الشاهد لقريط بن أنيف أحد شعراء بلعنبر في خزانة الأدب (٧ / ٤٤١) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٦٩) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٧٢) ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني (٢ / ٦٤٣) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٤٧٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٥٧).

٦٢٥ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (١١ / ٣٥٨) ، والدرر (٥ / ٩٠) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٩٦) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٥٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦١٤) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٥٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ٦٣).


وقد استعمل ذلك الإمام أبو بكر بن دريد ـ رحمه الله ـ في مقصورته حيث يقول : [الرجز]

٦٢٦ ـ فإن عثرت بعدها إن وألت

نفسي من هاتا فقولا لا لعا

وإذ قد عرفت صورة المسألة وما فيها من الخلاف ، وأنّ الصحيح جوازها ، فاعلم أنّ المجيزين لها اختلفوا في تحقيق ما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشّرطين على ثلاثة مذاهب فيما بلغنا :

أحدها : أنّه إنّما يقع بمجموع أمرين ، أحدهما : حصول كلّ من الشّرطين ، والآخر : كون الشّرط الثاني واقعا قبل وقوع الأوّل ، فإذا قيل : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق».

فإن ركبت فقط ، أو لبست فقط ، أو ركبت ثمّ لبست لم تطلق فيهنّ ؛ وإن لبست ثمّ ركبت طلقت. هذا قول جمهور النحويّين والفقهاء. وقد اختلف النحويّون في تأويله على قولين :

أحدهما : قول الجمهور : أنّ الجواب المذكور للأوّل ، وجوب الثاني محذوف لدلالة الأوّل وجوابه عليه. الدليل على أنّ الشّرط الأوّل وجوابه يدلّان على جواب الشّرط (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : ٨٤] ، فهذا بتقدير : إن كنتم مسلمين فإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكّلوا ، فحذف الجواب لدلالة ما تقدّم عليه ، وهذا القول من الحسن بمكان ، لأنّ القاعدة أنّه إذا توارد ـ في غير مسألتنا ـ على جواب واحد شيئان كلّ منهما يقتضي جوابا ، كان الجواب المذكور للأوّل ، كقولك : «والله إن تأتني لأكرمنّك» ـ بالتّأكيد ـ جوابا للأوّل ، و «وإن تأتني والله أكرمك» ـ بالجزم ـ جوابا للشّرط. وكذا القياس يقتضي في مسألة توارد شرط على شرط أن يكون الجواب للسابق منهما ، ويكون جواب الثاني محذوفا لدلالة الأوّل وجوابه عليه ، فمن ثمّ لزم في وقوع المعلّق ـ على ذلك ـ أن يكون الثاني واقعا قبل الأوّل ضرورة لأنّ الأوّل قائم مقام الجواب ، حتى إنّ الكوفيّين وأبا زيد والمبرّد ـ رحمهم الله ـ يزعمون في نحو «أنت ظالم إن فعلت» (٢) أنّ السابق على الأداة هو الجواب لا دليل على الجواب ، الجواب لا بدّ من تأخّره على الشّرط لأنّه أثره ومسبّبه ، فكذلك الدليل على الجواب ، لأنه قائم مقامه ومغن في اللفظ عنه.

__________________

٦٢٦ ـ الشاهد لابن دريد في مقصورته شرح التبريزي (ص ٥٢) ، والمغني (ص ٦٨٠) ، والخزانة (٤ / ٥٤٨).

(١) انظر الكتاب (٣ / ٩١) ، والمغني (ص ٦٨٧) ، والخصائص (١ / ٢٨٣).


وقد يجوز في هذا أنّ في كلّ من الجملتين مجازا ، فمجاز الأولى بالفصل بينها وبين جوابها بالشّرط الثاني ، ومجاز الثانية بحذف جوابها. وعلى هذا فيجوز كون الشّرط الأوّل ماضيا ومضارعا ، وأمّا الشّرط الثاني فلا يجوز في فصيح الكلام أن يكون إلّا ماضيا ، لأنّ القاعدة في الجواب أنّه لا يحذف إلّا والشرط ماض ، فأمّا قوله (١) :[البسيط]

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم

فضرورة كقوله : [مشطور الرجز]

٦٢٧ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

القول الثاني : قول ابن مالك ـ رحمه الله ـ أنّ الجواب للأوّل كما يقوله الجمهور ، لكنّ الشرط الثاني لا جواب له ، لا مذكور ولا مقدّر ، لأنّه مقيّد للأوّل تقييده بحال واقعة موقعه ، فإذا قلت : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» فالمعنى : إن ركبت لابسة فأنت طالق ؛ وكذلك التقدير في البيت :

إن تستغيثوا بنا مذعورين تجدوا.

فهو موافق للجمهور في اشتراط تأخير المقدّم وتقديم المؤخّر ، لكنّ تخريجه مخالف لتخريجهم.

وعندي أنّ ما ادّعوه أولى من جهات :

أحدها : أنّ دعواهم جارية على القياس ، فإنّ الشّرط يكون جوابه ظاهرا ومقدّرا. ودعواه خارجة عن القياس ، لأنّه جعله شرطا لا جواب له ، لا في اللّفظ ولا في التّقدير ، وكان ادّعاء ما يجري على القياس أولى.

الثاني : أنّ ما ادّعاه لا يطّرد له إلّا حيث يمكن اجتماع الفعلين كالأمثلة

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٥).

٦٢٧ ـ الشاهد لجرير بن عبد الله البجلي في الكتاب (٣ / ٧٦) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٢١) ، ولسان العرب (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم العجليّ في خزانة الأدب (٨ / ٢٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٩٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٣٠) ، ولعمرو بن خثارم البجلي في الدرر (١ / ٢٧٧) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٢٠٢) ، والإنصاف (٢ / ٦٢٣) ، ورصف المباني (ص ١٠٤) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٨٦) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٤٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٣٥٤) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٥٨) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٥٣) ، والمقتضب (٢ / ٧٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ٧٢).


السابقة. أمّا إذا قيل : «إن قمت إن قعدت فأنت طالق» ، فإنّه لا يمكن أن يقدّر في ذلك : إن قمت قاعدة ، فإنّ هذا من المحال ، وينبغي على قوله أنّها لا تطلق. وكذلك إذا لم يجتمع الفعلان في العادة ، وإن لم يتضادّا نحو : «إن أكلت إن شربت» وكذلك إذا قال : «إن صلّيت إن توضّأت أثبت» ، فإنّه لا يصحّ أن يقدّر : إن صلّيت متوضّئا ، بمعنى موقعا للوضوء ، فإنّهما لا يجتمعان.

الثالث : أنّ الشرط بعيد من مذهب الحال ، ألا ترى أنّه للاستقبال ، والحال حال كلفظها وبابها المقارنة ؛ وإذا تباعد ما بين الشيئين لم يصحّ التجوّز بأحدهما عن الآخر. وقد نص هو على أنّ الجملة الواقعة حالا شرطها ألّا تصدّر بدليل استقبال ، لما بينهما من التّنافي. نعم رأيت في مسائل القصريّ عن الشيخ أبي علي ـ رحمه الله ـ إجازة ذلك في نحو : «لأضربنّه إن ذهب أو مكث» و «لأضربنّه إن ذهب وإن مكث».

والذي يتحرّر لي أنّ الحال ـ كما ذكر النّحاة ـ على ضربين : حال مقارنة ، وحال منتظرة وتسمّى حالا مقدّرة (١) ، فالأولى واضحة ، الثانية نحو : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] ، فإن الخلود ليس شيئا يقارن الدخول ، وإنما هو استمرار في المستقبل. ويقدّر النحويّون ذلك : ادخلوها مقدّرين الخلود. وكذلك (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) [الفتح : ٢٧] أي : مقدّرين ، فإنّهم في حالة الدخول لا يكونون محلّقين ومقصّرين ؛ إنّما هم مقدّرون الحلق والتقصير فهذه الحال لا يمتنع اقترانها بحرف الاستقبال لأنّها مستقبلة بخلاف الحال الأولى. وعلى هذا صحّة مسألة أبي عليّ وصحّة تخريج المصنّف مسألة الشّرط ، أعني صحّتها من هذا الوجه ، لا صحّتها مطلقا ، فإنّها معترضة بغير ذلك. نعم ، ويتّضح ـ على هذا ـ بطلان تعميم ابن مالك امتناع اقتران الحال بحرف الاستقبال. وقد اتّضح الأمر في تحقيق هذين الوجهين والحمد لله.

والمذهب الثاني : فيما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشرطين : حكى لي بعض علمائنا عن إمام الحرمين ـ رحمه الله ـ أنّ القائل إذا قال : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» كان الطلاق معلّقا على حصول الرّكوب واللّبس سواء أوقعا على ترتيبها في الكلام ، أم متعاكسين أم مجتمعين. ثم رأيت هذا القول محكيّا عن غير الإمام رحمه الله.

والذي يظهر لي فساد هذا القول ، لأنّ قائله لا يخلو أمره من أن يجعل الجواب المذكور لمجموع الشرطين ، أو للأوّل فقط ، أو للثاني فقط.

__________________

(١) انظر المغني (ص ٥١٧).


لا جائز أن يجعله جوابا لهما معا ؛ لأنّه إمّا أن يقدّر بين الشرطين حرفا رابطا ، أو لا. فإن لم يقدّر لم يصحّ أن يوردا على جواب واحد ، لأنّ ذلك نظير أن تقول : «زيد عمرو عندك» وتقول : (عندك) خبر عنهما. فيقال لك : هلّا إذ شركت بين الاسمين في الخبر الواحد أتيت بما يربط بينهما ، وإن قدّرته فلا يخلو ذلك الذي تقدّره من أن يكون فاء أو واوا إذ لا يصحّ غيرهما ، فإن قدّرته فاء كالفاء المقدّرة في قوله : [البسيط]

٦٢٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

[والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان]

أي : فالله يشكرها ، فالشّرط الثاني وجوابه جواب الأوّل. فعلى هذا لا يقع الطلاق إلّا بوقوع مضمون الشّرطين ، وكون الثاني بعد الأوّل ؛ كما أنّك لو صرّحت بالفاء كان الحكم كذلك ، وهذا خلاف قوله. ثمّ حذف الفاء لا يقع إلّا في النادر من الكلام أو في الضّرورة ، فلا يحمل عليه الكلام وإن قدّرت الواو كما هي مقدّرة في قول الله سبحانه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) [الغاشية : ٨] ، أي : ووجوه يومئذ ناعمة ، عطفا على (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) [الغاشية : ٢] ، فلا شكّ أنّ الطلاق يقع بكلّ من الأمرين على هذا التقدير. ولكنّ هذا التقدير لا يتعيّن ، لجواز أنّ المتكلّم إنّما قدّر الفاء ، فلا يقع إلّا بالمجموع مع الترتيب المذكور ، أو يكون الكلام لا تقدير فيه ، فلم قلت يتعيّن تقدير الواو؟.

ولا جائز أن يجعله جوابا للأوّل فقط ، وجواب الثاني محذوفا ، لدلالة الشرط الأوّل وجوابه عليه لأنّه على هذا التقدير يلزمه أن يقول بقول الجمهور ، وهو لا يقول به.

ولا جائز أن يجعله جوابا للثاني : لأنّك إمّا أن تجعل جواب الشرط الأوّل هو الشرط الثاني وجوابه أو محذوفا يدلّ عليه الجواب المذكور للثّاني.

لا سبيل إلى الأوّل لأنّه على هذا التقدير تجب الفاء في الشّرط الثاني ، لأنّه لا يصحّ للشرط أن يلي الشرط. لو قلت : إن إن ، لم يصحّ. وكلّ جواب لا يصلح أن

__________________

٦٢٨ ـ الشاهد لكعب بن مالك في ديوانه (ص ٢٨٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٠٩) ، وله أو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب (٩ / ٤٩) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٧٨) ، ولعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب (٢ / ٣٦٥) ، ولسان العرب (بجل) ، والمقتضب (٢ / ٧٢) ، ومغني اللبيب (١ / ٥٦) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٣٣) ، ونوادر أبي زيد (ص ٣١) ، ولحسان ابن ثابت في الكتاب (٣ / ٧٣) ، والدرر (٥ / ٨١) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٤٠) ، والخصائص (٢ / ٢٨١) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٦٤) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٨٦) ، وشرح المفصّل (٩ / ٢).


يكون شرطا فإنّه يتعيّن اقترانه بالفاء ، ولا فاء هنا فاستحال هذا الوجه. فإن قلت : لعلّه يجعله مثل قوله (١) : [البسيط]

من يفعل الحسنات الله يشكرها

[والشّرّ بالشّر عند الله مثلان]

فهذا وجه ضعيف كما قدّمنا ، فلم حمل الكلام عليه؟ بل لم أوجب أن يكون الكلام محمولا عليه؟ ولا سبيل إلى الثاني لأنّه خلاف المألوف في العربيّة فإنّ منهاج كلامهم أن يحذف من الثاني لدلالة الأوّل لا العكس. فأمّا قوله (٢) : [المنسرح]

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض [والرأي مختلف]

فخلاف الجادّة ، حتّى لقد تحيّل له ابن كيسان فجعل (نحن) للمتكلّم المعظّم نفسه ، ليكون (راض) خبرا عنه. فأنت ترى عدم أنسهم بهذا النّوع حتى تكلّف له هذا الإمام هذا الوجه. حكى ذلك عنه أبو جعفر النحّاس في شرح الأبيات ، ولأنّه أيضا خلاف المألوف من عادتهم في توارد ذوي جوابين من جعل الجواب للثّاني.

ثمّ الذي يبطل هذا المذهب من أصله أنّا تأمّلنا ما ورد في كلام العرب من اعتراض الشّرط على الشّرط ، فوجدناهم لا يستعملونه إلّا والحكم معلّق على مجموع الأمرين ، بشرط تقدّم المؤخّر وتأخّر المقدّم. فوجب أن يحمل الكلام على ما ثبت في كلامهم كقوله (٣) : [البسيط]

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا [تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم]

فإنّ الذّعر مقدّم على الاستغاثة ، والاستغاثة مقدّمة على الوجدان. فهذا ما عندي في دفع هذا المذهب.

المذهب الثالث : أنّ الشرط الثاني جوابه مذكور ، والشرط الأوّل جوابه الشرط الثاني وجوابه. فإن قيل : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» ، فإنّما تطلق إذا ركبت أوّلا ثمّ لبست. وهذا القول راعى من قال به ترتيب اللفظ وإعطاء الجواب لما جاوره. وإنّما يستقيم له هذا العمل على تقدير الفاء في الشّرط الثاني ، ليصحّ كونه جوابا للأوّل ، وعلى هذا فلا يلزم مضيّ فعل الشرط الأوّل ، ولا الثّاني ، لأنّ كلّا منهما قد أخذ جوابه.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٨).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٣٠).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٢٥).


وهذا القول باطل بأمور :

أحدها : أنّ الفاء لا تحذف إلّا في الشعر.

الثاني : أنّ القاعدة في اجتماع ذوي جواب أن يجعل الجواب السّابق منهما.

والثالث : أنّه لا يتأتّى له في نحو قوله (١) : [البسيط]

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا ..

 ...

البيت ، لأنّ الذّعر مقدّم على الاستغاثة.

فهذا ما بلغنا من الأقوال في هذه المسألة وما حضرنا فيها من المباحث. وتحرّر لنا أنّه إذا قيل : «إن تذعروا إن تستغيثوا بنا تجدوا» أو «إن تتوضّأ إن صلّيت أثبت» كان كلاما باطلا لما قرّرناه من أنّ الصحيح أنّ الجواب للشرط الأوّل ، وأنّ جواب الثاني محذوف مدلول عليه بالشرط الأل وجوابه ، فيجب أن يكون الشرط الأوّل وجوابه مسبّبين عن الشّرط الثاني ، والأمر فيما ذكرت بالعكس. والصواب أن يقال : «إن صلّيت إن توضّأت أثبت» بتقدير : إن توضّأت فإن صلّيت أثبت. وكنّا قدّمنا أنّه يعترض أكثر من شرطين ، وتمثيل ذلك : «إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فعبدي حرّ» (٢) ، فإن وقع السؤال أولا ، ثمّ الوعد ، ثمّ الإعطاء ، وقعت الحرّية. وإن وقعت على غير هذا الترتيب فلا حريّة على القول الأوّل ، وهو الصحيح. ويأتي فيه ذلك الخلاف في التّوجيه ، فالجمهور يقولون : (فعبدي حرّ) جواب (إن أعطيتك) ، و (إن أعطيتك فعبدي حرّ) دالّ على جواب (إن وعدتك). وهذا كلّه دال على جواب (إن سألتني) ، وكأنّه قيل : إن سألتني فإن وعدتك فإن أعطيتك فعبدي حرّ.

وعند ابن مالك : أنّ المعنى : إن أعطيتك واعدا لك سائلا إيّاي فعبدي حرّ. ف (واعدا) حال من فاعل (أعطيتك) و (سائلا) حال من مفعوله. وقوله (فعبدي حرّ) جواب للشّرط الأوّل. هذا مقتضى قوله في الشرطين وهو ضعيف ـ والله أعلم

الكلام على إعراب قوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ)

فإنه من المهمات

قال (٣) ابن هشام في (المغني) في باب التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصّواب خلافها : «السابع عشر : قولهم في نحو : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٥).

(٢) انظر همع الهوامع (٢ / ٦٣).

(٣) انظر المغني (ص ٧٣٦).


[العنكبوت : ٤٤] : إن (السماوات) مفعول به والصواب أنّه مفعول مطلق ، لأنّ المفعول ما يقع عليه اسم المفعول بلا قيد كقولك : ضربت ضربا ، والمفعول به ما لا يقع عليه ذلك إلّا مقيّدا بقولك : (به) ، كضربت زيدا. وأنت لو قلت : (السماوات) مفعول كما تقول (الضرب) مفعول كان صحيحا ، ولو قلت (السماوات) مفعول به كما تقول (زيد) مفعول به لم يصحّ.

«إيضاح آخر» : المفعول به ما كان موجودا قبل الفعل الذي عمل فيه ، ثمّ أوقع الفاعل به فعلا ، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده ، والذي غرّ أكثر النحويّين في هذه المسألة أنّهم يمثّلون المفعول المطلق بأفعال العباد ، وهم إنّما يجري على أيديهم إنشاء الأفعال لا الذوات ، فتوهّموا أنّ المفعول المطلق لا يكون إلّا حدثا ولو مثّلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنّه لا يختصّ بذلك لأنّ الله تعالى موجد للأفعال وللذّوات جميعا ، لا موجد لها في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى. وممّن قال بهذا القول الذي ذكرته الجرجانيّ ، وابن الحاجب في (أماليه).

وكذا البحث في : «أنشأت كتابا» ، و «عمل فلان خيرا». و (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ*) [البقرة : ٢٥ ـ ٨٢ ـ ٢٧٧]» انتهى.

وقال ابن الحاجب في (أماليه)

قولهم : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ :) من قال إنّ الخلق هو المخلوق فواجب أن تكون السماوات مفعولا مطلقا لبيان النّوع ، إذ حقيقة المصدر المسمّى بالمفعول المطلق أن يكون اسما لما دلّ عليه فعل الفاعل المذكور ، وهذا كذلك لأنّا بنينا على أنّ المخلوق هو الخلق ، فلا فرق بين قولك : خلق الله خلقا وبين قولك : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) إلّا ما في الأوّل من الإطلاق وفي الثاني من التخصيص ، فهو مثل قولك : قعدت قعودا ، وقعدت القرفصاء ، فإنّ أحدهما للتأكيد والثاني لبيان النوع ، وإن استويا في حقيقة المصدريّة ، وهذا أمر مقطوع به بعد إثبات أنّ المخلوق هو الخلق.

ومن قال إنّ المخلوق غير الخلق وإنّما هو متعلّق الخلق ، وجب أن يقول : إنّ السماوات مفعول به ، مثله في قولك : ضربت زيدا ، ولكنّه غير مستقيم لأنّه لا يستقيم أن يكون المخلوق متعلّق الخلق ، لأنّه لو كان متعلّقا له لم يخل أن يكون الخلق المتعلّق قديما أو مخلوقا ، فإن كان مخلوقا تسلسل فكان باطلا ، وإن كان قديما فباطل ، لأنه يجب أن يكون متعلّقه معه ، إذ خلق ولا مخلوق محال ، فيؤدّي إلى أن تكون المخلوقات أزليّة وهو باطل ، فصار القول بأنّ الخلق غير المخلوق يلزم


منه محال ؛ وإذا كان اللازم محالا فملزومه كذلك. فثبت أنّ الخلق هو المخلوق. وإنّما جاء الوهم لهذه الطائفة من جهة أنهّم لم يعهدوا في الشّاهد مصدرا إلّا وهو غير جسم ، فتوهّموا أنّه لا مصدر إلّا كذلك ، فلمّا جاءت هذه أجساما استبعدوا مصدريّتها لذلك ، ورأوا تعلّق الفعل بها فحملوه على المفعول به. ولو نظروا حقّ النّظر لعلموا أنّ الله تعالى يفعل الأجسام كما يفعل الأعراض ، فنسبتها إلى خلقه واحدة ، فإذا كان كذلك ، وكان معنى المصدر ما ذكرناه وجب أن تكون مصادر.

وليست هذه المسألة وحدها بالذي حملوا فيها أمر الغائب على الشاهد ، بل أكثر مسائلهم التي يخالفون فيها كمسألة الرؤية ، وعذاب القبر وأشباهها.

إعراب (صالحا) في قوله تعالى (وَاعْمَلُوا صالِحاً)

وقد ألّف الشيخ تقيّ الدّين السّبكيّ (١) في هذه المسألة كتابا سمّاه «بيان المحتمل في تعدية عمل» قال : بسم الله الرحمن الرحيم :

سألت وفّقك الله عن قولي في إعراب قوله تعالى : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [سبأ : ١١] : إنّ (صالحا) ليس مفعولا به ، بل هو إمّا نعت لمصدر محذوف كما يقوله أكثر المعربين في أمثاله ، وإمّا حال كا هو المنقول عن سيبويه ، ويكون التقدير : واعملوه صالحا ، والضمير للمصدر. وذكرت أنّ كثيرا من الناس استنكر قولي في ذلك وقالوا : إنّ (عمل) من الأفعال المتعدّية بدليل قوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١١] ، وقوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) [سبأ : ١٣].

فاعلم وفّقك الله أنّك إذا تدبّرت ما أقوله انحلّت عنك كلّ شبهة في ذلك ، وعلمت أنّ استنكارهم لذلك مسارعة إلى ما لم يحيطوا بعلمه ، وغيبة عن معاني كلام النّحاة وأدلّة العقل ، وبيان ذلك بأمور :

أحدها : أنّ الفعل المتعدّي هو الذي يكون له مفعول به ، والمفعول به هو محلّ فعل الفاعل ، وإن شئت قلت : الذي يقع عليه فعل الفاعل ؛ وكلتا العبارتين موجود في كلام النحاة. وهذا المفعول به هو الذي بنى النحاة له اسم مفعول كمضروب ومأكول ومشروب ؛ فزيد المضروب والخبز المأكول والماء المشروب هي محلّ تلك

__________________

(١) علي بن عبد الكافي بن سليم السبكيّ : تقيّ الدين أبو الحسن الفقيه الشافعي المفسّر النحوي اللغوي المقرئ ، صنّف نحو مائة وخمسين كتابا مطوّلا ومختصرا منها : تفسير القرآن ، وشرح المنهاج في الفقه ، وكشف القناع في إفادة «لو لا» الامتناع ، وغيرها كثير (ت ٧٥٥ ه‍). ترجمته في : بغية الوعاة (٢ / ١٧٦).


الأفعال وليست مفعولة ؛ وإنّما هي مفعول بها. ومن ضرورة قولنا (مفعول به) أن يكون المفعول غيره ، ومعنى قوله النّحاة مفعول به : أنّه مفعول به شيء من الأحداث ، والمفعول هو ذلك الحدث الواقع به ، وهو المصدر ، وسمّاه النحاة مفعولا مطلقا ، بمعنى أنّ ما سواه من المفاعيل مفعول مقيّد ؛ فإنّك تقول مفعول به ، ومفعول فيه ، ومفعول له ، ومفعول معه ؛ وليس فيها مفعول نفسه إلّا المصدر ، فهو المفعول المطلق أي المجرّد عن القيود ، وهو الصادر عن الفاعل وهو نفس فعله ؛ وأمّا المضروب والمأكول والمشروب فلم يصدر عن الفاعل وإنما صدر عن الفاعل شيء أثّر فيه ،. ومن تدبّر قول النحاة : «مفعول به» ، عرف ذلك وأنّ المفعول غيره. وأطلقوا عليه «اسم مفعول» ولم يقولوا : «اسم مفعول به» لفهم المعنى في ذلك ؛ والشخص في نفسه مضروب بمعنى أنّ الضرب واقع به ، ولا يقال مضروب به ، بل هو مضروب نفسه ، والمعنى وقوع الضرب به ، وذلك مفهوم من معنى الفعل لا من معنى اسم المفعول. ولا يبنى اسم مفعول للمصدر ، وإن كان هو المفعول المطلق ، فلا يقال للضّرب مضروب ؛ وكذلك لا يبنى اسم مفعول من الفعل اللازم إلّا أن يكون مقيّدا بظرف ونحوه. وهذه الأمور كلّها واضحة من مبادئ النحو ، أشهر من أن تذكر ، ولكنّا احتجنا إلى ذكرها ، وكلّ فعل لم يبن منه اسم مفعول لم يقل عنه إنّه متعدّ بل هو لازم وإن كان له مفعول حقيقيّ وهو الفعل ، والعمل هو الفعل ، وهو المفعول المطلق ، فهو مصدر وليس مفعولا به ، ولا يبنى له اسم مفعول فلا يتعدّى فعله إليه تعدّي الفعل إلى المفعول به ، بل تعدّيه إلى المصدر ، فلذلك لم يجز أن يكون «عملت عملا صالحا» متعدّيا إلى (صالحا) على المفعول به.

الثاني : أنّ الفعل الاصطلاحي يدلّ على معنى وزمان ، وذلك المعني سمّاه النّحاة حدثا وفعلا حقيقيّا ، وسمّوا اللفظ الدالّ عليه مصدرا ومفعولا مطلقا. وهذه الألفاظ صحيحة باعتبار غالب الأفعال ؛ وقد يكون المعنى الذي يدلّ عليه الفعل قائما بالفاعل فقط ، من غير أن يكون صادرا عنه كالعلم ؛ بل قد لا يكون حدثا أصلا ، ولا فعلا حقيقيّا كالعلم القديم ؛ فإنّك تقول : «علم الله كذا» ، فالمعنى الذي يدلّ عليه هذا الفعل ـ وهو العلم القديم ـ ليس بفعل ولا مفعول ولا حدث ، بل هو معنى قائم بالذات المقدّسة على مذهب أهل السّنّة. وتسمية ما اشتقّ منه فعلا أمر اصطلاحيّ ؛ وقصدي من هذا التنبيه على أنّ تسمية النحاة المصدر مفعولا مطلقا وفعلا ليس مطّردا في جميع موارده. وقد تنبّه بعض النّحاة لما ذكرنا من غير أن يوضّحه هذا الإيضاح بل اقتصر على تقسيم المصدر إلى معنى قائم بالفاعل كالفهم والحذر ، وإلى صادر عنه كالضّرب والخطّ وإن كان الضرب والخطّ قائمين بالفاعل


أيضا ، ولم يطلق النّحاة المفعول المطلق على غير ذلك ، وقد ذكرنا أنّ المفعول به شيء وقع عليه المفعول المطلق كما ذكره النّحاة وليس مفعولا ، وإذا نظرت إليه في قولك «ضربت زيدا» ونحوه ظهر ذلك ظهورا قويّا ؛ فإنّ زيدا ليست ذاته من فعل الضّارب.

وهنا قسم آخر وهو قولنا : «خلق الله العالم» اختار ابن الحاجب في (أماليه) انتصاب العالم على المصدر بناء على أنّ الخلق هو المخلوق. وأكثر النحويّين لم ينظروا إلى ذلك وظاهر كلامهم أنّ الخلق غير المخلوق ، كما هو قول طائفة من الأصوليّين ؛ وعلى هذا فالعالم مفعول به ، وهو مفعول لأنّه الأثر الصادر عن الخلق ، وذات العالم موجودة بالفاعل ، بخلاف ذات المضروب ، والنحاة لا يسمّون هذا مفعولا مطلقا ، وإنّما يسمونه مفعولا به ، والخلق نفسه هو المفعول المطلق ، وكذلك في الأفعال العامة كقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] فالضمير في عملت مفعول به وهو مفعول كالمخلوق ، ولم يذكر النحاة هذا النوع في المفاعيل ؛ والظاهر أنّ النحاة إنّما اقتصروا على ما ذكروه من المفاعيل لأنّ العالم وإن كانت ذاته موجودة بفعل الله تعالى ، فالخلق واقع به ، فاندرج تحت حدّهم المفعول به ، وإن زاد بأمر آخر ، وهو كون ذاته موجودة بفعل الله تعالى. ولم يتعرّض النحاة لهذا الزائد لأنه ليس من صناعتهم ، ولا حاجة لهم إلى ذكره ، لكن يلزم على هذا أن يكون لنا مفعول من غير تقييد ليس بمصدر ، وهم قد قالوا : إنّ المفعول المطلق هو المصدر ، فيجب أن يقال : إنّ في تفسيرهم المفعول المطلق تسمّحا أو اصطلاحا ، وإنّ المفعول هو الذي نشأ عن الفاعل ، فتارة يكون هو الفعل خاصة ، وهو المصدر ؛ وتارة يكون زائدا عليه كهذا المثال. ويحتمل أن يقال إنّ كثيرا من النحاة معتزلة وعند المعتزلة المعدوم شيء ، بمعنى أنّه ذات متقرّرة في العدم فلا تأثير للفاعل في ذاته ، وإبرازه للوجود معنى واقع عليه كالضرب على المضروب. ومنهم من أطلق ذلك عن عمد واعتزال ، ومنهم من قاله تقليدا ، وهكذا الكلام في : «أوجد الله العالم» ، ونحوه من الألفاظ الدالة على إنشاء الذّوات. وهذا الذي قلناه كله على الاصطلاح المشهور عند متأخّري النّحاة ؛ وأما سيبويه رحمه الله ـ وهو إمام الصنعة ـ فأطلق على المفعول به أنه مفعول ولم أر في كلامه «مفعول به» ، فإنه قال : «باب الفاعل الذي لم يتعدّه فعله إلى مفعول» (١) و «باب الفاعل الذي يتعدّاة فعله إلى مفعول» (٢). وذكر في الأول :

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٦٧).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٦٨).


ذهب وجلس ، وفي الثاني : «ضرب عبد الله زيدا» وقال : «انتصب زيد لأنّه مفعول تعدّى إليه فعل الفاعل» (١). وهذا الذي قاله سيبويه سالم عن الاعتراض وليس فيه إطلاق المفعول على المصدر بل على ما يتعدّى إليه فعل الفاعل ؛ وذلك أعمّ من أن يكون حاصلا بفعل الفاعل ، أو ليس حاصلا بفعله ولكنّ فعل الفاعل واقع عليه. وتسمية الأول مفعولا حقيقة ، وتسمية الثاني مفعولا اصطلاح ، أو على حذف الجارّ والمجرور وإرادة أنّه مفعول به. ولا يرد على عبارة سيبويه شيء ممّا ذكرناه في تسمية معنى المصدر فعلا حقيقيا ولا في تسمية المصدر مفعولا مطلقا. فسبحان من أسعده في عبارته وحماها عن أن يدخل عليها بإفساد.

الثالث : أنّ النحاة اختلفوا في إطلاق المفعول المطلق فقال جمهورهم : إنه يطلق على جميع المصادر. وقال بعضهم : لا يطلق إلا على مصادر الأفعال العامة كعمل وفعل وصنع ؛ وهذا القول كالشاذّ عند النحاة. وقد نبّهنا على أنّ بعض المصادر لا يصحّ أن يقال إنه فعل حقيقي ولا مفعول مطلق ، وهو العلم القديم. ومن هذا يظهر أنّ معنى التعدّي أن يتعلق معنى الفعل بغير الفاعل كقولنا : «علم الله كذا» ، فعلمه متعلّق بالمعلوم ، وتسميته تعالى فاعلا في هذا المثال ليس المراد به أنه فاعل العلم ، لأنّ علمه ليس بمفعول ، وإنّما هو على اصطلاح النحاة في أنّ من أسند إليه فعل على وجه مخصوص يسمّى فاعلا.

الرابع : أنّ غير الله تعالى لا أثر لفعله في الذّوات إجماعا ، أعني : لا يفعل ذاتا ، وهذا متفق عليه بيننا وبين المعتزلة ، وقامت عليه الأدلة العقلية ، ولم يذهب أحد من أهل الملل إلى خلافه ، ولهذا لمّا قال أصحابنا : إنّ أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ، واحتجوا بقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦] ، حاولت المعتزلة الجواب بجعل (ما) موصولة ، فيكون المراد الأصنام ، وهي مخلوقة لله تعالى بالاتفاق. وردّ أصحابنا هذا الجواب بأنّ الآية جاءت للردّ عليهم في عبادتهم إياها ؛ وهم لم يعبدوها من حيث ذواتها ، وإنّما عبدوها من حيث هي معمولة لهم بنحتهم وتصويرهم ؛ كأنه قال : أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم ونحتكم ، أو : والنحت الذي تنحتونه ، أو : والمنحوت الذي صوّرتموه بنحتكم. فهذه ثلاثة تقادير لأهل السنة :

أحدها : أن تكون ما مصدرية.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٦٨).


والثاني : أن تكون موصولة والمراد بها المصدر ، وبعض النحاة يقدّرها هكذا. في كل مكان أريد بها المصدر فيه ، وينكر جعلها مصدرية وإن كان المشهور خلافه. وعلى هذين التقديرين الدّلالة من الآية لأهل السنة ظاهرة جدا.

والثالث : أن تكون موصولة ، والمراد بها المنحوت بقيد النحت ، وفيه جهتان : ذاته ، ولم يعبد من جهتها ، وصنعته وهي التي عبد من جهتها ، وهي مخلوقة لله تعالى بمقتضى الآية ، ودلّت الآية على أنّها معمولة لهم. فإن ثبت أنّ الصورة الحاصلة في الصنم معمولة للآدمي وقعت الدّلالة لأهل السنة من الآية وإلا تعين أن يكون العمل نفسه فتصح الدّلالة لأهل السنة. والراجح من هذين الأمرين سنذكره.

الخامس : الصورة الحاصلة في المراد على قسمين :

أحدهما : ما لا أثر لفعل العباد فيه البتّة ، بل هو من فعل الله تعالى وحده إمّا بلا سبب من العبد ، وإمّا بسبب منهم يحاولونه ، فيوجد الله تعالى تلك الصورة عنده وذلك هو الصور الطبيعية ، وهي كالذوات فلا يقال إنّها مفعولة للعباد البتّة.

والثاني : ما هو أثر صنعة العبد ، وهي الصور الصناعية. ومن أمثلة ذلك الصورة الحاصلة في الصنم بنحت العباد وتصويرهم ؛ هل تقول إنّ تلك الصورة معمولة للعباد أو لله تعالى؟ ولا شكّ أنّ على مذهب أهل السنة لا تردّد في ذلك ؛ فإنّ الكلّ بفعل الله تعالى ؛ وإنّما التردد على مذهب المعتزلة ، أو بالاضافة الكسبية على مذهب أهل السنة. والحق أنّ ذلك ليس من فعل العباد ولا من كسبهم ، فإنّ القدرة الحادثة لا تؤثّر في غير محلّها ، فإذا قلنا : صوّر المشرك الصنم لم يكن من فعل المشرك إلّا التصوير القائم به ، والصورة الناشئة عنه من فعل الله تعالى ، فلا يقال فيها إنّها معمولة للعباد إلّا على جهة المجاز ، وإنّما يقال هي مصوّرة كما يقال في زيد المتعلق به الضرب : إنّه مضروب. وإذا قلنا عمل المشرك الصنم ففي الكلام مجاز بخلاف قولنا صوّر المشرك الصنم. وسببه أنّ (عمل) فعل عامّ ، و (صوّر) فعل خاصّ ، وسيأتي الفرق بين الأفعال الخاصة والعامة. فقولنا : (عمل) يقتضي أنّ الضّم معمول لمن أسند إليه الفعل ، وليس شيء من الصّنم لا من مادّته ولا من صورته فعلا للعبد ، ولا من عمله ؛ فكيف يكون مجموعه من عمله!! فلا بدّ من مجاز (١) ، وفي جهة المجاز وجوه :

أحدها : أن يكون استعمل (عمل) في معنى (صوّر) استعمالا للأعمّ في الأخصّ.

الثاني : أن يكون على حذف مضاف ، كأنّه قال : عمل تصوير الصنم ؛ فلا يكون التصوير على هذا مفعولا به ، بل مصدرا. وهذان الوجهان هما أقرب الوجوه التي خطرت لنا ، فلنقتصر عليهما ، وبالثاني يقوى أنّ المراد في قوله : «وما تعملون التصوير» فيكون حجة لأهل السنة.


السادس : الأفعال ضربان : خاصة ـ وهي الأكثر ـ مثل : قام ، وقعد ، وخرج ، في اللّازم ، وضرب ، وأكل ، وشرب ، في المتعدّي. وإنّما كثر هذا الضرب الخاصّ لازما ومتعدّيا لأنّه الذي يحصل به كمال الفائدة في الخبر عن فعل خاصّ ، والأمر به ، والنهي عنه ، ونحو ذلك.

الضرب الثاني : الأفعال العامة : مثل : فعل ، وعمل ، وصنع. وإنّما جاءت هذه الأفعال لأنّه قد يقصد الإخبار عن جنس فعل بدون تخصيص نوعه إما للعلم بالجنس دون النوع وإمّا لغرض آخر وكذلك الأمر به والنهي عنه وما أشبه ذلك ، ولكن هذا القصد أقلّ من قصد كمال الفائدة ، فلا جرم كان هذا الضرب أقلّ من الضرب الأول ، ولم يجئ منه إلّا ألفاظ معدودة. وإذا سئلنا عن هذه الأفعال العامة هل هي متعدية أو لازمة ، لم يجز لنا إطلاق القول بواحد من الأمرين ، لأنّها أعمّ من الأفعال المتعدية ومن الأفعال اللازمة. والأعمّ من شيئين لا يصدق عليه واحد منهما ، فإنّ الأعمّ يصدق على الأخصّ ولا ينعكس ، وإنّما يصحّ أن يقال ذلك عليها بطريق الإهمال الذي هو في قوة جزئيّ. فمتى وجد في كلام أحد من الفضلاء أنّ (عمل) متعدّية وجب حمله على ذلك ، وأنّ مراده أنّها قد تكون متعدّية. وكذا إذا قيل لازمة أو غير متعدّية وأريد به اللّزوم كما هو غالب الاصطلاح. قد يراد بغير المتعدّي أنّه الذي لا يتجاوز معناه من حيث هو هو فيصحّ بهذا الاعتبار أن تقول : إنّ (عمل) لا تتعدى ؛ لأنّ معناها العمل ، والعمل من حيث هو هو لا يتعدى إلّا إذا أريد به عمل خاصّ ، فيكون ذلك العمل الخاص هو المتعدّي لا مطلق العمل ، ومدلول (عمل) إنّما هو مطلق العمل ، فيصحّ أنّ مدلولها لا يتعدّى ، وهكذا فعل وصنع.

السابع : أنّ هذه الأفعال مع عمومها لها مصادر وهي الفعل والعمل والصنع ، وهي أحداث عامة يندرج تحتها غيرها من الأحداث الخاصة. وتلك الأحداث أفعال حقيقة ويصدق عليها مفعولات ، ومعمولات ، ومصنوعات ، باعتبار أنّها صادرة عن الفاعل. والشخص فاعل لفعله فلا شكّ أنّ فعله مفعول له ، فلذلك اتفق النحاة هنا على أنّه يطلق على مصادر هذه الأفعال اسم المفعول المطلق بخلاف الأفعال الخاصة لا يصدق على الضرب أنّه مفعول عند بعضهم وإن كان هو مفعولا في الحقيقة. ولا شكّ أنّه لا يصدق عليه مضروب بلا خلاف. وإنّما صدق على الفعل مفعول لاتّفاقهما في لفظ (فاء ، عين ، لام). وكذلك عمل وصنع ؛ ويقال في العمل والصنع : معمول ومصنوع ، ومع ذلك لا يكون الفعل المذكور متعدّيا ، بل يصحّ ذلك وإن أريد به معنى خاصّ لازم وأريد به مطلق الفعل الذي هو أعمّ من اللازم والمتعدّي ، فإذا قلت : عملت عملا أو فعلت فعلا أو صنعت صنعا فانتصابه على المصدر ليس إلّا ،


نعم ؛ إن أردت بالفعل المفعول الذي ليس هو الحدث ، بل المفعول به كان مجازا ، وحينئذ يصحّ فيه أن يكون مفعولا به ، وفيه تجوّز أيضا من جهة أنّ حقيقة المفعول هو الصادر عن الفاعل ، وحقيقة المفعول به هو ما وقع عليه فعل الفاعل على ما تقدّم عن اصطلاح متأخّري النحاة ، وهما متغايران كما قدّمنا.

الثامن : إذا قلت (عمل محرابا) : فإن أسندت الفعل إلى الله تعالى صحّ ، وانتصب (محرابا) على أنّه مفعول به ، وهو أيضا مفعول ، ومنه قوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] وقد بيّنا وجه ذلك فيما سبق ، وإن أسندته إلى غير الله فقلت : عمل النجار محرابا ، لم يكن المحراب مفعولا نفسه لما قدّمنا أنّ عمل العباد لا يتجاوزهم ، ولأنّ مادة المحراب ليست معمولة للعباد ، وهي جزء المحراب ، فأولى أن لا يكون الكلّ معمولا لهم. وفي جعله مفعولا به تفصيل وهو أنّك إن جعلت (عمل) مجازا عن (نجر) كان إعماله في (محرابا) حقيقة على أنّه مفعول به لقولك نجرت محرابا ، فإنّ النّجر واقع على المحراب وقوع الضرب على زيد ، وكان المجاز في لفظ (عمل) ليس إلّا ، وإن جعلت (عمل) على حقيقته ، فإن جعلته على حذف مضاف كما سبق ، فالتقدير : عمل تصوير محراب ، فالتصوير مصدر ، فإذا حذف وأقيم المحراب مقامه أعرب مفعولا به على المجاز ، وإن قدّرته : عملت صنعة محراب ، على أن تكون الصورة الحاصلة في المحراب معمولة بخلاف ما قلناه فيما سبق ، كان كذلك أيضا ؛ وإن جعلت المحراب معمولا باعتبار أنّه محلّ العمل إطلاقا لاسم المحلّ على الحال لزم المجاز أيضا ، فالمجاز لازم على كلّ تقدير ، ولا شكّ في جواز الإطلاق ، قال تعالى : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) [يس : ٣٥].

التاسع : بان بهذا أنّ قوله : (اعْمَلُوا صالِحاً) إنّما ينتصب (صالحا) فيه على غير المفعول به ، ولا يجوز انتصابه على المفعول به إلّا بمجازين :

أحدهما : إطلاق الصالح على المفعول الذي ليس عملا.

والثاني : إضافة العمل إليه ، وشيء ثالث وهو حذف الموصوف من غير دليل ، بخلاف ما إذا قدّرنا (عملا) الذي هو المصدر ، فإنّ الفعل يدلّ عليه. وكلّ واحد من هذه الثلاثة لا يصار إليه من غير ضرورة ، ولا ضرورة في جعله مفعولا به ، فكيف يصار إليه وفيه هذه المحذورات الثلاثة.

العاشر : ظهر بهذا وجه التقدير في قوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١١] ، وقوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [سبأ : ١٣]. وأمّا قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) [سبأ : ١٣] ، فانتصاب شكرا على أنّه مفعول


له ، وجوّز الزّمخشري فيه أن يكون مفعولا به على المشاكلة ، وفيه مجاز. وأمّا قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) [طه : ١١٢] وما أشبه ذلك فكلّها ترجع إلى المصدر.

الحادي عشر : إنّما فرّقنا بين الأفعال العامة والخاصة لأنّ تعدّي الفعل إلى المفعول معناه وصول معناه إليه ، فالفعل الخاصّ كالضرب مثلا تعدّيه بوصول الضرب إلى المضروب ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الضارب مؤثّرا في ذات المضروب ـ أعني موجدا لها ـ ، والفعل العامّ كعمل مثلا تعدّيه بوصول معناه ، وهو العمل ، والعمل معنى عامّ في الذات وصفاتها فلذلك اقتضي العموم واتحاد المعمول حتّى يقوم دليل على خلافه. فمثار الفرق إنّما هو من معاني الأفعال ووصولها إلى المفعول.

الثاني عشر : من الأفعال نوع آخر مثل (قال) وهو لفظ يخفى فيه الفرق بين القول والمقول واللفظ والملفوظ ؛ لأنّ المقول والملفوظ هو الأصوات والحروف المقطّعة وهي القول واللفظ. والوجه في الفرق بينهما أنّ هنا أمرين : أحدهما حركة اللسان ونحوه مما فيه مقاطع الحروف بتلك الحروف. والثاني : نفس تلك الحروف المقطّعة المسموعة التي هي كيفيات تعرض للصّوت الخارج بتلك الحركات. فالأول هو التلفظ وهو القول واللفظ اللذان هما مصدران ، والثاني : هو المقول والملفوظ ، فإذا قلت : لفظت لفظا ، أو قلت قولا ، لك أن تريد الأول فتنصب اللفظ والقول على المصدرية ، ولك أن تريد الثاني فتنصبهما على المفعول به ، وهما أمران متغايران وإن لم يتجاوزا الفاعل وهو اللافظ القائل المتكلّم ، وليس من شرط تعدّي الفعل أن يتجاوز إلى محل غير الفاعل ، بل الشرط المغايرة سواء تجاوز في محله أو في غير محله.

هذا ما انتهى إليه نظري في هذه المسألة.

الكلام في قولهم في مثل : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)

أورد الشيخ عبد القاهر الجرجاني على قولهم في مثل : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) [العنكبوت : ٤٤] : «إنّ السماوات : مفعول به» إيرادا هو أنّ المفعول به عبارة عمّا كان موجودا فأوجد الفاعل فيه شيئا آخر ، نحو : ضربت زيدا ، فإنّ زيدا كان موجودا والفاعل أوجد فيه الضرب. والمفعول المطلق هو الذي لم يكن موجودا ، بل عدما محضا ، والفاعل يوجده ويخرجه من العدم. والسماوات في هذا التركيب إنّما كان عدما محضا فأخرجها الله تعالى من العدم إلى الوجود. انتهى.


وتبعه على ذلك ابن الحاجب وابن هشام ، ويقال : إنه مذهب الرّمّاني أيضا.

أجاب الشيخ تاج الدين التبريزي عنه : بأنّا لا نسلّم أنّ من شرط المفعول به جوده في الأعيان قبل إيجاد الفعل ، وإنّما الشرط توقف عقلية الفعل عليه ، سواء كان موجودا في الخارج نحو : ضربت زيدا أو ما ضربته ، أم لم يكن موجودا. نحو : بنيت الدار ، قال الله تعالى : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) [طه : ٥٠] فإنّ الأشياء متعلّقة بفعل الفاعل بحسب عقليّته. ثمّ قد توجد في الخارج وقد لا توجد ، وذلك لا يخرجه عن كونه مفعولا به. وقال الله تعالى : (خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم : ٩].

وأجاب الشيخ شمس الدين الأصفهاني في (شرح الحاجبية) : بأنّ المفعول به بالنسبة إلى فعل غير الإيجاد يقتضي أن يكون موجودا ، ثمّ أوجد الفاعل فيه شيئا آخر ، فإنّ إثبات صفة غير الإيجاد يستدعي ثبوت الموصوف أولا ، وأمّا المفعول به بالنسبة إلى الإيجاد فلا يقتضي أن يكون موجودا ثمّ أوجد الفاعل فيه الوجود ، بل يقتضي ألّا يكون موجودا ، وإلّا لكان تحصيلا للحاصل. انتهى.

فائدة

(من) في قولهم : زيد أفضل من عمرو لابتداء الارتفاع

قال سيبويه : «(من) في قوله : «زيد أفضل من عمرو لابتداء الارتفاع» ، واعترض بأنّه لا يقع بعدها (إلى)». انتهى.

وأجاب الشيخ ركن الدين بأنّ المتكلم غرضه بيان ابتداء الفضل ، وليس له غرض في انتهائه ، فتأمّل.

ترك العطف في قوله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ)

من فوائد الشيخ كمال الدين بن الزّملكاني في تفسير قوله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة : ١١٢] الآية.

في الجواب عن السؤال المشهور ، وهو أنّه كيف ترك العطف في جميع الصفات ، وعطف (النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) على (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالواو؟

قال : عندي فيه وجه حسن ، وهو أنّ الصفات تارة تنسق بحرف العطف ، وتارة تذكر بغيره ، ولكلّ مقام معنى يناسبه ؛ فإذا كان المقام مقام تعداد صفات من غير نظر إلى جمع أو انفراد حسن إسقاط حرف العطف ، وإن أريد الجمع بين الصّفتين ، أو التنبيه على تغايرهما عطف بالحرف ، وكذلك إذا أريد التنويع لعدم اجتماعهما أتي


بالحرف. وفي القرآن الكريم أمثلة تبيّن ذلك ، قال الله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] ، فأتى بالواو بين الوصفين الأخيرين لأنّ المقصود بالصفات الأولى ذكرها مجتمعة ، والواو قد توهم التنويع فحذفت. وأمّا الأبكار فلا يكنّ ثيّبات ، والثيّبات لا يكنّ أبكارا ، فأتى بالواو لتضادّ النوعين. وقال تعالى : (حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) [غافر : ١ ـ ٣]. فأتى بالواو في الوصفين الأوّلين ، وحذفها في الوصفين الأخيرين ، لأنّ غفران الذّنب وقبول التوبة قد يظنّ أنّهما يجريان مجرى الواحد لتلازمهما ، فمن غفر الذّنب قبل التوبة ، فبيّن الله سبحانه وتعالى بعطف أحدهما على الآخر أنّهما مفهومان متغايران ، ووصفان مختلفان يجب أن يعطى كلّ واحد منهما حكمه ، وذلك مع العطف أبين وأوضح. وأمّا (شَدِيدِ الْعِقابِ) ، و (ذِي الطَّوْلِ) فهما كالمتضادّين ؛ فإنّ شدّة العقاب تقتضي اتّصال الضّرر ، والاتصاف بالطول يقتضي اتصال النّفع ، فحذف ليعرف أنّهما مجتمعان في ذاته ، وأنّ ذاته المقدّسة موصوفة بهما على الاجتماع ، فهو في حالة اتّصافه ب (شَدِيدِ الْعِقابِ) ذو الطول ، وفي حالة اتّصافه ب (ذِي الطَّوْلِ) شديد العقاب ، فحسن ترك العطف بهذا المعنى. وفي الآية التي نحن فيها يتّضح معنى العطف وتركه ممّا ذكرناه ؛ لأنّ كلّ صفة ممّا لم تنسق بالواو مغايرة للأخرى. والغرض أنّهما في اجتماعهما كالوصف الواحد لموصوف واحد ، فلم يحتج إلى عطف ، فلمّا ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما متلازمان أو كالمتلازمين ، مستمدّان من مادة واحدة كغفران الذّنب وقبول التوبة حسن العطف ، ليبيّن أنّ كلّ واحد متعبد به على حدته ، قائم بذاته ، لا يكفي منه ما يحصل في ضمن الآخر ، بل لا بدّ أن يظهر أمره بالمعروف بصريح الأمر ، ونهيه عن المنكر بصريح النهي ، فاحتاج إلى العطف. وأيضا لمّا كان الأمر والنهي ، ضدين ؛ أحدهما طلب الإيجاد والآخر طلب الإعدام كانا كالنوعين المتغايرين في قوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] فحسن العطف بالواو (١).

الكلام في قوله تعالى : (اسْتَطْعَما أَهْلَها)

كتب الصلاح الصفدي إلى الشيخ تقي الدين السبكي يسأله عن قوله تعالى : (اسْتَطْعَما أَهْلَها) [الكهف : ٧٧](٢) [الطويل]

__________________

(١) انظر البحر المحيط (٥ / ١٠٣) ، وبدائع الفوائد (١ / ١٩٢).

(٢) انظر كتاب فتاوى السبكي (١ / ٧٥).


أسيّدنا قاضي القضاة ومن إذا

بدا وجهه استحيى له القمران

ومن كفّه يوم النّدى ويراعه

على طرسه بحران يلتقيان

ومن إن دجت في المشكلات مسائل

جلاها بفكر دائم اللّمعان

رأيت كتاب الله أكبر معجز

لأفضل من يهدى به الثّقلان

ومن جملة الإعجاز كون اختصاره

بإيجاز ألفاظ وبسط معان

ولكنّني في الكهف أبصرت آية

بها الفكر في طول الزّمان عناني

وما هي إلّا استطعما أهلها فقد

نرى استطعماهم مثله ببيان

فما الحكمة الغرّاء في وضع ظاهر

مكان ضمير إنّ ذاك لشان

فأرشد على عادات فضلك حيرتي

فمالي بهذا يا إمام يدان

فأجابه بما نصّه : قوله : (اسْتَطْعَما أَهْلَها) متعيّن واجب ، ولا يجوز مكانه «استطعماهم» لأنّ «استطعما» صفة للقرية في محل خفض جارية على غير من هي له كقولك : أهل قرية مستطعم أهلها ؛ لو حذفت «أهلها» هنا ، وجعلت مكانه ضميرا لم يجز ، فكذلك هذا. ولا يسوغ من جهة العربية شيء غير ذلك ، إذ «استطعما» صفة لقرية ، وجعله صفة لقرية سائغ عربي لا تردّه الصناعة ولا المعنى ، بل أقول : إن المعنى عليه. أمّا كون الصناعة لا تردّه فلانه ليس فيه إلا وصف نكرة بجملة ، كما توصف سائر النكرات بالجمل. والتركيب محتمل لثلاثة أعاريب ، أحدهما : هذا ، والثاني : أن تكون الجملة في محل نصب صفة ل «أهل» ، والثالث : أن تكون الجملة جواب «إذا» ، والأعاريب منحصرة في الثلاثة لا رابع لها. وعلى الثاني والثالث يصحّ أن يقال : «استطعماهم» ، وعلى الأول : لا يصح لما قدمناه. فمن لم يتأمل الآية كما تأملناها ظن أن الظاهر وقوع موقع المضمر أو نحو ذلك ، فغاب عنه المقصود. ونحن بحمد الله وفقنا الله للمقصود ، ولمحنا تعيّن الإعراب الأول من جهة معنى الآية ومقصودها ، وأنّ الثاني والثالث وإن احتملهما التركيب بعيدان عن مغزاها.

أمّا الثالث هو كونه جواب «إذا» ، فلأنه تصير الجملة الشرطية معناها الإخبار باستطعامهما عند إتيانهما ، وأن ذلك تمام معنى الكلام. ويجلّ مقام موسى والخضر عليهما السّلام عن تجريد قصدهما إلى أن يكون معظمه أو هو طلب طعمة أو شيئا من الأمور الدّنيوية ، بل كان القصد ما أراد ربّك أن يبلغ اليتيمان أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربّك ، وإظهار تلك العجائب لموسى عليه السّلام.

فجواب «إذا» قوله : (قالَ لَوْ شِئْتَ) [الكهف : ٧٧] إلى تمام الآية.

وأما الثاني : وهو كونه صفة ل «أهل» في محلّ نصب فلا تصير العناية إلى شرح


حال الأهل من حيث هم هم ، ولا يكون للقرية أثر في ذلك. ونحن نجد بقية الكلام مشيرا إلى القرية نفسها ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها) [الكهف : ٧٧] ، ولم يقل : عندهم ، وأن الجدار الذي قصد إصلاحه وحفظ ما تحته جزء من قرية مذمومة مذموم أهلها ، وقد تقدّم منهم سوء صنيع من الآباء عن حقّ الضيف مع طلبه. وللبقاع تأثير في الطباع ، فكانت هذه القرية حقيقة بالإفساد والإضاعة ، فقوبلت بالإصلاح لمجرد الطاعة ، فلم يقصد إلّا العمل الصالح ، ولا مؤاخذة بفعل الأهل الذين منهم غاد ورائح ، فلذلك قلت : إن الجملة يتعيّن من جهة المعنى جعلها صفة لقرية ، ويجب معها الإظهار دون الإضمار.

وينضاف إلى ذلك من الفوائد أنّ الأهل الثاني يحتمل أن يكونوا هم الأول أو غيرهم ، أو منهم ومن غيرهم ، والغالب أنّ من أتى قرية لا يجد جملة أهلها دفعة ، بل يقع بصره أولا على بعضهم ، ثم قد يستقرئهم ، فلعلّ هذين العبدين الصالحين لما أتيا قدّر الله لهما ، لما يظهر من حسن صنيعه استقراء جميع أهلها على التدريج ، ليبيّن به كمال رحمته ، وعدم مؤاخذته بسوء صنيع بعض عباده. ولو أعاد الضمير فقال : «استطعماهم» ، تعيّن أن يكون المراد الأولين لا غير ، فأتى بالظاهر إشعارا بتأكيد العموم فيه ، وأنّهما لم يتركا أحدا من أهلها حتى استطعماه وأبى ، ومع ذلك قابلاهم بأحسن الجزاء. فانظر إلى هذه المعاني والأسرار كيف غابت عن كثير من المفسرين ، واحتجبت تحت الأستار ، حتى ادّعى بعضهم أنّ ذلك تأكيد ، وادّعى بعضهم غير ذلك ، وترك كثير التعرّض لذلك رأسا.

وبلغني عن شخص أنّه قال : إنّ اجتماع الضميرين في كلمة واحدة مستثقل ، فذلك لم يقل : «استطعماهم». وهذا شيء لم يقله أحد من النّحاة ولا له دليل ، والقرآن والكلام الفصيح ممتلئ بخلافه ، وقد قال تعالى في بقيّة الآية : «يضيّفوهما» ، وقال تعالى : (فَخانَتاهُما) [التحريم : ١٠] ، وقال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَنا) [الزخرف : ٣٨] في قراءة الحرميّين وابن عامر (١). وألف موضع هكذا ، فهذا القول ليس بشيء ، وليس هو قولا حتّى يحكى ، وإنّما لمّا قيل نبّهت على ردّه. ومن تمام الكلام في ذلك أنّ «استطعما» إذا جعل جوابا فهو متأخّر عن الإتيان ، وإذا جعل صفة احتمل أن يكون اتّفق قبل الإتيان هذه المرّة ، وذكر تعريفا وتنبيها على أنّه لم يحملهما على عدم الإتيان لقصد الخير. وقوله : «فوجدا» معطوف على «أتيا».

فهذا ما فتح الله عليّ ، والشّعر يضيق عن الجواب ، وقد قلت : [الطويل]

__________________

(١) انظر تيسير الداني (ص ١٥٩).


لأسرار آيات الكتاب معاني

تدقّ فلا تبدو لكلّ معاني

وفيها لمرتاض لبيب عجائب

سنا برقها يعنو له القمران

إذا بارق منها لقلبي قد بدا

هممت قرير العين بالطّيران

سرورا وإبهاجا وصولا على العلا ،

كأنّي على هام السّماك مكاني

فما الملك والأكوان بالبيض والقنا

وعندي وجوه أسفرت بتهاني

وهاتيك منها قد أبحتك سرّها ،

فشكرا لمن أولاك حسن بيان

أرى «استطعما» وصفا على قرية جرى

وليس لها ، والنحوّ كالميزان

صناعته تقضي بأنّ استتار ما

يعود عليه ليس في الإمكان

وليس جوابا لا ولا وصف أهلها

فلا وجه للإضمار والكتمان

وهذي ثلاث ما سواها بممكن

تعيّن منها واحد فسباني

ورضت لها فكري إلى أن تمخّضت

به زبدة الأحقاب منذ زمان

وإنّ حياتي في تموّج أبحر

من العلم في قلبي تمدّ لساني

وكم من كناس في حماي مخدّر

إلى أن أرى أهلا ذكيّ جنان

فيصطاد منّي ما يطيق اقتناصه

وليس له بالشاردات يدان

مناي سليم الذّهن ريّض ارتوى

بكلّ علوم الخلق ذو إمعان

فذاك الذي يرجى لإيضاح مشكل

ويقصد للتحرير والتّبيان

وكم لي في الآيات حسن تدبّر

به الله ذو الفضل العظيم حباني

بجاه رسول الله قد نلت كلّما

أتى وسيأتي دائما بأمان

فصلّى عليه الله ما هبّت الصّبا

وسلّم ما دامت له الملوان (١)

وكتب الصّلاح الصفدي بهذا السؤال أيضا إلى الشيخ زين الدّين علي ابن شيخ العوينة الموصليّ (٢) ـ رحمه الله ـ فأجاب أيضا بما نصّه (٣) : [الطويل]

سألت لماذا «استطعما أهلها» أتى

عن استطعماهم ، إنّ ذاك لشان

وفيه اختصار ليس ثمّ ، ولم تقف

على سبب الرّجحان منذ زمان

فهاك جوابا رافعا لنقابه ،

يصير به المعنى كرأي عيان

__________________

(١) الملوان : الليل والنهار.

(٢) علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الشيخ زيد الدين الموصليّ المعروف بابن شيخ العونية : الفقيه الأصوليّ النحويّ ، من مصنّفاته : شرح المفتاح ، وشرح التسهيل ، ومختصر شرح ابن الحاجب ، وشرح البديع لابن الساعاتي ، وغيرها. (ت ٧٥٥ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ١٦١).

(٣) انظر روح المعاني (٥ / ١١٠).


إذا ما استوى الحالان في الحكم رجّح الض

ضمير ، وأمّا حين يختلفان

فإن كان في التّصريح إظهار حكمة ،

كرفعة شأن أو حقارة جاني

كمثل : «أمير المؤمنين يقول ذا» ،

وما نحن فيه ، صرّحوا بأمان

وهذا على الإيجاز ، واللّفظ جاء في

جوابي منثورا بحسن بيان

فلا تمتحن بالنّظم من بعد عالما

فليس لكلّ بالقريض يدان

وقد قيل إنّ الشّعر يزري بهم فلا

يكاد يرى من سابق برهان

ولا تنسني عند الدّعاء فإنّني

سأبدي مزاياكم بكلّ مكان

وأستغفر الله العظيم لما طغى

به قلمي ، أو طال فيه لساني

والجواب المبسوط بالنثر هو أنّه لما كانت الألفاظ تابعة للمعاني لم يتحتّم الإضمار ، بل قد يكون التصريح أولى ، بل ربّما يكاد يصل إلى حدّ الوجوب ، كما سنبيّن إن شاء الله تعالى. ويدلّ على الأولوية قول أرباب علم البيان ما هذا ملخّصه :

لمّا كان للتصريح عمل ليس للكناية ، كان لإعادة اللفظ من الحسن والبهجة والفخامة ما ليس لرجوع الضّمير. انتهى كلامهم. فقد يعدل إلى التّصريح إمّا للتعظيم وإمّا للتحقير والنداء ، وإما للتّشنيع في النداء بقبح الفعل ، وإما لغير ذلك ، فمن التعظيم قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ـ ٢] دون (هو) ، وقوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥] ، ولم يقل وبه ، وقوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] ، فقد كرّر لفظ الحجّ مرّتين دون أن يقال : فمن فرضه فيهن ولا جدال فيه ، إعلاما بعظمة هذه العبادة من حيث إنّها فريضة العمر ، وفيها شبه عظيم بحال الموت والبعث فناسب حال تعظيمه في القلوب التّصريح بالاسم ثلاث مرّات. ومنه قوله الخليفة : «أمير المؤمنين يرسم بكذا» ، دون (أنا) ، إما لتعظيم ذلك الأمر أو لتقوية داعية المأمور أو نحوهما ، وقول الشاعر : [الرجز]

٦٢٩ ـ نفس عصام سوّدت عصاما

وقول البحتري : [الخفيف]

٦٣٠ ـ قد طلبنا فلم نجد لك في السّؤ

دد والمجد والمكارم مثلا

__________________

٦٢٩ ـ الرجز للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ١١٨) ، وبلا نسبة في لسان العرب (عصم) ، ومقاييس اللغة (٢ / ١٧٥) ، وتاج العروس (عصم).

٦٣٠ ـ الشاهد للبحتري في ديوانه (ص ١٦٥٧) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٨٨١) ، ودلائل الإعجاز (ص ١٢٩).


فإنّ إيقاع الطّلب على المثل أوقع من إيقاعه على ضميره لو قال : طلبنا لك مثلا فلم نجده. وقال بعض أهل العصر : [الطويل]

إذا برقت يوما أسرّة وجهه

على النّاس قال النّاس جلّ المصوّر

وأمّا ما يكاد يصل إلى حدّ الوجوب ، فمثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) [الأحزاب : ٥٠] إلى قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) [الأحزاب : ٥٠] ، إنّما عدل عن الإضمار إلى التصريح وكرر اسمه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ تنبيها على أنّ تخصيصه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بهذا الحكم ، أعني النّكاح بالهبة عن سائر الناس ، لمكان النبوّة ، ولكبير اسمه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ تنبيها على عظمة شأنه وجلالة قدره إشارة إلى علّة التّخصيص ، وهي النّبوة.

ومن التحقير : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ٥٩] دون (عليهم) ، (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة : ٨٨] ، أضمر هنا ثمّ لما أراد المبالغة في ذمّهم صرّح في الآية الثانية والثالثة بكفرهم فقيل : (... فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩] ، (... وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [البقرة : ٩٠] ، وأمثاله كثير.

إذا تقرّر هذا الأصل فنقول : لما كان أهل هذه القرية موصوفين بالشيخ الغالب ، واللؤم اللّازب بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم : «كانوا أهل قرية لئاما» (١) وقد صدر منهم في حقّ هذين العبدين الكريمين على الله ما صدر من المنع بعد السؤال ، كانوا حقيقين بالنداء عليهم بسوء الصّنيع ، فناسب ذلك التصريح باسمهم ، لما في لفظ الأهل من الدّلالة على الكثرة ، مع حرمان هذين الفقيرين من خيرهم مع استطعامهما إياهم ، ولما دلّ عليه حالهم من كدر قلوبهم ، وعمى بصائرهم ، حيث لم يتفرّسوا فيهما ما تفرّسه صاحب السّفينة في قوله : «أرى وجوه الأنبياء» (٢). هذا ما يتعلق بالمعنى.

وأما ما يتعلق باللفظ : فلما في جمع الضميرين في كلمة واحدة من الاستثقال ؛ فلهذا كان قليلا في القرآن المجيد. وأما قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] وقوله : (أَنُلْزِمُكُمُوها) [هود : ٢٨] فإنّه ليس من هذا القبيل ؛ لأنّه عدول عن الانفصال إلى الاتّصال الذي أخصر. وعند فكّ الضمير لا يؤدّى إلى التصريح باسم ظاهر ، بل يقال فسيكفيك إياهم الله ، وأنلزمكم إيّاها ، فكان الاتصال أولى لأنّه أخصر ، ومؤدّاهما واحد بخلاف مسألتنا. ثم هنا سؤالات.

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ١١٩).

(٢) انظر تفسير ابن كثير (٥ / ٣٠٥).


فالأول : ما الفرق بين الاستطعام والضّيافة؟ فإن قلت : إنّهما بمعنى ، قلت : فلم خصّصهما بالاستطعام ، والأهل بالضّيافة.

والثاني : لم قال : (فأبوا) دون (فلم) مع أنّه أخصر؟

والثالث : لم قال : (أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) دون (أتيا قرية ،) والعرف بخلافه؟ تقول : أتيت إلى الكوفة دون (أهل الكوفة) ، كما قال تعالى : (ادْخُلُوا مِصْرَ) [يوسف : ٩٩].

والجواب عن الأوّل : أنّ الاستطعام وظيفة السائل ، والضّيافة وظيفة المسؤول ؛ لأنّ العرف يقضي بذلك ، فيدعو المقيم إلى منزله القادم : يسأله ويحمله إلى منزله.

وعن الثاني : بأنّ في الإباء من قوّة المنع ما ليس في (فلم) ، لأنّها تقلب المضارع إلى الماضي وتنفيه ، فلا يدلّ على أنّهم لم يضيّفوهم في الاستقبال ، بخلاف الإباء المقرون بأن ، فإنّه يدل على النفي مطلقا. وآية : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] أي حالا واستقبالا.

وعن الثالث : أنّه مبنيّ على أن مسمّى القرية ما ذا؟ أهو الجدران وأهلها معا حال كونهم فيها ، أم هي فقط؟ أم هم فقط؟ والظاهر عندي أنّه يطلق عليها مع قطع النظر إلى وجود أهلها وعدمهم ، بدليل قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) [البقرة : ٢٥٩]. سمّاها قرية ولا أهل ولا جدار قائما ، ولعدم تناول لفظ القرية إياهم في البيع إذا كانت القرية وأهلها ملكا للبائع ، وهم فيها حالة البيع. ولو كان الأهل داخلين في مسمّاها لدخلوا في البيع ؛ ولثبوت المغايرة بين المضاف والمضاف إليه. وإنّما ذكر الأهل لأنّه هو المقصود من سياق الكلام دون الجدران ، لأنّه بمعرض حكاية ما وقع منهم من اللّؤم.

فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨] ، (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً ...) [النحل : ١١٢] إلى آخره ، (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، فإنّ المراد في هذه الآيات وأمثالها الأهل.

قلت : هو من باب المجاز لأنّ الإهلاك إنّما ينسب إليهم دونها ، بدليل : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النحل : ١١٢] ، و (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨] ولاستحالة السؤال من غير الأهل. على أنّا نقول : لو تصوّر وقوع الهلاك على نفس القرية بالخسف والحريق والغرق ونحوه لم تتعيّن الحقيقة لما ذكرناه والله أعلم.


مسألة

التعجب من صفات الله

سئل الشيخ تقيّ الدّين السّبكي ـ رحمه الله ـ عن رجل قال : ما أعظم الله» فقال آخر : هذا لا يجوز.

فأجاب : يجوز ذلك قال تعالى : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [الكهف : ٢٦] والضمير في (به) عائد إلى الله تعالى ، أي ما أبصره وما أسمعه ، فدلّ على جوز التعجب في ذلك.

وهذا كلام صحيح ، ومعناه أنّ الله في غاية العظمة ، ومعنى التعجّب في ذلك أنّه لا ينكر لأنّه ممّا تحار فيه العقول. والإتيان بصيغة التعجّب في ذلك جائز للآية الكريمة ، وإعظام الله تعالى وتعظيمه الثناء عليه بالعظمة أو اعتقادها ؛ وكلاهما حاصل ، والموجب لهما أمر عظيم. فبلغني بعد ذلك عن شيخنا أبي حيّان (١) أنّه كتب فنظرت فرأيت أبا بكر بن السّرّاج (٢) في (الأصول) قال في شرح التعجّب : «وقد حكيت ألفاظ في أبواب مختلفة مستعملة في حال التعجّب فمن ذلك : ما أنت من رجل تعجّب ، و «سبحان الله ولا إله إلّا الله» ، وما رأيت كاليوم رجلا» ، و «سبحان الله رجلا» و «من رجل» ، و «حسبك بزيد رجلا» ، و «من رجل» ، و «العظمة لله من ربّ» و «كفاك بزيد رجلا» تعجّب.

فقوله : العظمة لله من ربّ دليل لجواز التعجب في صفة الله تعالى ، وإن لم يكن بصيغة ما أفعله وأفعل به. ومن جهة المعنى لا فرق من حيث كونه تعجبا.

مسألة

فعل في التعجّب

وقال كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري

__________________

(١) محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الإمام ، أثير الدين أبو حيان الأندلسيّ الغرناطي ، نحويّ عصره ولغويّه ومفسّره ومحدّثه ومؤرّخه وأديبه. من تصانيفه : البحر المحيط في التفسير ، وإتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب ، والتذييل والتكميل في شرح التسهيل ، والتجريد لأحكام كتاب سيبويه وغيرها. (ت ٧٤٥ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٢٨٣).

(٢) أبو بكر بن السرّاج : هو محمد بن السريّ البغدادي النحوي : كان أحدث أصحاب المبرّد سنا مع ذكاء وفطنة ، أهم مصنّفاته : الأصول الكبير ، وجمل الأصول ، والموجز ، وشرح سيبويه ، والشعر والشعراء وغيرها. (ت ٣١٦ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٠٩).


في كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف في النحو) (١) : «مسألة : ذهب الكوفيّون إلى أن أفعل في التعجّب نحو «ما أحسن زيدا» اسم ، والبصريّون إلى أنّه فعل ، وإليه ذهب الكسائي». ثم قال : «والذي يدلّ على أنّه ليس بفعل وأنّه ليس التقدير فيه شيء أحسن زيدا قولهم : «ما أعظم الله» ولو كان التقدير فيه ما زعمتم لوجب أن يكون التقدير «شيء أعظم الله» ، والله تعالى عظيم لا بجعل جاعل ، وقال الشاعر : [البسيط]

٦٣١ ـ ما أقدر الله أن يدني على شحط

من داره الحزن ممّن داره صول

ولو كان الأمر على ما زعمتم لوجب أن يكون التقدير فيه : شيء أقدر الله ، والله تعالى قادر لا بجعل جاعل. واحتجّ البصريون بأمور» ثمّ قال : «والجواب عن كلمات الكوفيين» ثم قال : «وأما قولهم في «ما أعظم الله» قلنا : معنى : «شيء أعظم الله» ، أي وصفه بالعظمة ، كما تقول : عظّمت عظيما. ولذلك الشيء ثلاثة معان.

أحدها : أن يعنى بالشيء من يعظّمه من عباده ، والثاني : أن يعنى بالشيء ما يدلّ على عظمة الله تعالى ، وقدرته في مصنوعاته ، والثالث : أن يعنى به نفسه أي : أنّه عظيم لنفسه لا لشيء جعله عظيما ، فرقا بينه. وبين غيره. وحكي أنّ بعض أصحاب المبرّد (٣) قدم إلى بغداد قبل قدوم المبرّد ، فحضر حلقة ثعلب فسئل عن هذه المسألة فأجاب بجواب أهل البصرة وقال : التقدير شيء أحسن زيدا ، فقيل له ما تقول في «ما أعظم الله» فقال : شيء أعظم الله ، فأنكروا عليه ، وقالوا : لا يجوز ، إنّه عظيم لا بجعل جاعل ، ثمّ سحبوه من الحلقة فأخرجوه ، فلمّا قدم المبرّد أوردوا عليه هذا الإنكار فأجاب بما قدمناه ، فبان بذلك قبح إنكارهم وفساد ما ذهبوا إليه. وقيل : يحتمل أن يكون قولنا : «شيء أعظم الله» بمنزلة الإخبار أنّه عظيم ، لا شيء جعله عظيما لاستحالته. وأمّا قول الشاعر (٤) : [البسيط]

ما أقدر الله [أن يدني على شحط

من داره الحزن ممّن داره صول]

__________________

(١) انظر الإنصاف (ص ١٢٦).

٦٣١ ـ الشاهد لحندج بن حندج المريّ في الدرر (٦ / ٢٦٦) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٨٣١) ، وتاج العروس (صول) ، ومعجم البلدان (صول) ، والمقاصد النحوية (١ / ٢٣٨) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ١٢٨) ، وشرح الأشموني (١ / ٤٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٦٧).

(٢) انظر مجالس العلماء للزجاجي (ص ١٦٤).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٣١).


فإنه وإن كان لفظه لفظ التعجّب فالمراد به المبالغة في وصف الله تعالى بالقدرة ، كقوله : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] جاء بصيغة الأمر ، وإن لم يكن في الحقيقة أمرا» انتهى كلامه.

وهو نصّ صريح في المسألة وناطق بالاتّفاق على صحّة إطلاق هذا اللّفظ ، وأنّه غير مستنكر ، ولكنّه مختلف فيه : هل يبقى على حقيقته من التعجّب ، ويحمل (ما) على الأوجه الثلاثة ، أو يجعل مجازا عن الإخبار؟ وأمّا إنكار اللفظ فلم يقل به أحد ، والأصحّ أنّه باق على معناه من التعجّب. وقال الباجي أبو الوليد (١) في (كتاب السّنن) من تصنيفه ، في باب «أدعية من غير القرآن» فذكر منها : ما أحلمك عمّن عصاك ، وأقربك ممّن دعاك ، وأعطفك على من سألك ، وذكر شعر المغيرة : [مجزوء الرجز]

سبحانك اللهمّ ما

أجلّ عندي مثلك

انتهى.

ورأيت أنا في السّيرة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه رواية ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه (٢) ـ وناهيك بهما في جوار ابن الدّغنّة (٣) قال القاسم : «إنّ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لقيه سفيه من سفهاء قريش ، وهو عامد إلى الكعبة ، فحثا عى رأسه ترابا. فمرّ بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل ، فقال : ألا ترى ما يصنع هذا السّفيه؟ قال : أنت فعلت ذلك بنفسك. وهو يقول : «أي ربّ ما أحلمك ، أيّ ربّ ما أحلمك ، أي ربّ ما أحلمك» (٤) انتهى. ولو لم يكن في هذا إلّا كلام القاسم بن محمد لكفى ، فضلا عن روايته عن أبي بكر ، وإن كانت مرسلة.

قال الزّمخشري في قوله تعالى : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٧] :

__________________

(١) سليمان بن خلف بن سعد ، أبو الوليد الباجي الفقيه المتكلّم المفسّر الشاعر. من مصنّفاته : الاستيفاء شرح الموطأ ، والمنتقى مختصر الاستيفاء ، والتعديل والتجريح ، وتفسير القرآن ، والمهذّب في اختصار المدوّنة ، وكتاب فرق الفقهاء ، وكتاب السنن في الرقائق والزهد ، وغيرها. (ت ٤٩٤ ه‍). ترجمته في معجم الأدباء (٣ / ٣٩٣) «دار الكتب العلمية».

(٢) أبوه هو القاسم بن محمد : حفيد أبي بكر الصديق ، ومن سادات التابعين ، وأحد الفقهاء السبعة في المدينة (ت ١٠٧ ه‍). ترجمته في الوافي بالوفيات (١ / ٤١٨) ، وحلية الأولياء (٢ / ١٨٣).

(٣) ابن الدّغنّة : أخو بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وهو سيّد الأحابيش (انظر السيرة النبوية ص ٣٧٢).

(٤) انظر السيرة النبوية (ص ٣٧٢).


«معناه : الذي يجلّه الموحّدون عن التشبيه بخلقه ، أو الذي يقال له : ما أجلّك وأكرمك» (١).

وقال أيضا : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [الكهف : ٢٦] أي : «جاء بما دلّ على التعجّب من إدراكه للمسموعات والمبصرات للدّلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك السامعين والمبصرين ، لأنّه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها ، كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما ، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر» (٢).

وذكر أبو محمّد بن عليّ بن إسحاق الصّيمريّ في كتاب (التّبصرة والتذكرة في النّحو) : «وإذا قلت : «ما أعظم الله» فذلك الشيء عباده الذين يعظّمونه ويعبدونه ، ويجوز أن يكون ذلك الشيء هو ما يستدلّ به على عظمته من بدائع خلقه ، ويجوز أن يكون ذلك هو الله عزّ وجلّ فيكون لنفسه عظيما لا لشيء جعله عظيما ، ومثل هذا يستعمل في كلام العرب كما قال الشاعر (٣) : [الرجز]

نفس عصام سوّدت عصاما

انتهى. وهو كالأنباري. وقال المتنبيّ : [البسيط]

٦٣٢ ـ ما أقدر الله أن يخزي خليقته

ولا يصدّق قوما في الّذي زعموا

قال الواحديّ في شرحه : يقول : «الله تعالى قادر على إخزاء خليقته بأن يملّك عليهم لئيما ساقطا من غير أن يصدّق الملاحدة الذين يقولون بقدم الدّهر.

يشير إلى أنّ تأمير مثله إخزاء للنّاس ، والله تعالى قد فعل ذلك عقوبة لهم ، وليس كما تقول الملاحدة» (٤).

وقال ابن الدّهّان في (شرح الإيضاح) : فإن قيل : فإذا قدّرت (ما) تقدير شيء فما تصنع ب «ما أعظم الله» فالجواب من وجوه : أحدها : أن يكون الشيء نفسه ، ويجوز أن يكون ما دلّ عليه من مخلوقاته. الثالث : من يعظّمه من عباده. الرابع : أن تكون الأفعال الجارية عليه بحملها على ما يجوز من صفاته تعالى فيحمل على أنّه عظيم في نفسه. وقال الزّمخشريّ في : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] : «المعنى تنزيه الله تعالى من صفات العجز ، والتعجّب من قدرته على خلق جميل مثله. وأمّا

__________________

(١) انظر الكشّاف (٤ / ٤٦).

(٢) انظر الكشاف (٢ / ٤٨١).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٢٩).

٦٣٢ ـ الشاهد في ديوانه (ص ٦٨٩ ، شرح الواحدي).


(حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) [يوسف : ٥١] فالتعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله» (١) انتهى.

الرّفدة في معنى وحده

تأليف الشيخ تقيّ الدّين السّبكي الشّافعي ـ رحمه الله ـ

وفيه يقول الصّلاح الصفدي : [مجزوء الرمل]

خلّ عنك الرّقده

وانتبه للرّفده

تجن منها علما

فاق طعم الشّهده

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الشيخ الإمام تقي الدين أبو الحسن علي السبكي الشافعي رحمه الله : الحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد ، المشرّف على كلّ مخلوق قبله وبعده ، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد ، فهذه عجالة مسمّاة بالرّفدة في معنى وحده ، كان الداعي إليها أنّ الزّمخشري قال في قوله تعالى : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [المؤمنون : ٢٢] : معناه : وعلى الأنعام وحدها لا تحملون ، ولكن عليها وعلى الفلك. فتوقّقت في قبول هذه العبارة وأحببت أن أنبّه على ما فيها وأذكر موارد هذه اللفظة.

وأوّل ما أبتدئ بقول : «الحمد لله وحده» فأقول : معناه الحمد لله لا لغيره ولا يشاركه فيه أحد. و (وحده) منصوب على الحال عند جمهور النحويّين ، منهم الخليل ، وسيبويه قالا (٢) : إنّه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال ، كأنّه قال (إيحادا) ، و (إيحادا) موضع (موحدا).

واختلف هؤلاء إذا قلت : «رأيت زيدا وحده» ، فالأكثرون يقدّرون : في حال إيحادي له بالرّؤية ويعبّرون عن هذا بأنّه حال من الفاعل. والمبرّد يقدّره : في حال أنّه مفرد بالرّؤية ، ويعبّر عن هذا بأنّه حال من المفعول. ومنع أبو بكر بن طلحة من كونه حالا من الفاعل ، وقال : إنّه حال من المفعول ليس إلّا ، لأنّهم إذا أرادوا الفاعل قالوا : مررت به وحدي ، كما قال الشاعر : [المنسرح]

__________________

(١) انظر الكشاف (٢ / ٣١٧).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٤٤٢).


٦٣٣ ـ والذئب أخشاه إن مررت به

وحدي وأخشى الرّياح والمطرا

وهذا الذي قاله ابن طلحة في البيت صحيح ، ولا يمتنع من أجله أن يأتي الوجهان المتقدّمان في : رأيت زيدا وحده ؛ فإنّ المعنى يصحّ معهما. و (وحده) يضاف إلى ضمير المتكلّم والمخاطب والغائب ، فتقول : ضربته وحدي ، وضربته وحده ، وضربتك وحدك ، وضربتك وحدي ، ويختلف المعنى بحسب ذلك.

ومنهم من يقول : (وحده) مصدر موضوع موضع الحال. وهؤلاء يخالفون الأولين في كونه اسم مصدر ، فمن هؤلاء من يقول : إنّه مصدر على حذف حروف الزيادة أي إيحاده ، ومنهم من قال : إنّه مصدر لم يوضع له فعل.

وذهب يونس وهشام في قوليه إلى أنّه منتصب انتصاب الظروف فيجريه مجرى (عند) ، فجاء زيد وحده ، تقديره : جاء زيد على وحده ، ثمّ حذف الحرف ونصب على الظرف ، وحكي من كلام العرب : «جلسنا على وحدتنا». وإذا قلت : «زيد وحده» فكان التقدير : زيد موضع التفرّد ، ولعل هؤلاء يقولون : إنّه مصدر وضع موضع الظرف ، وحكي عن الأصمعي : «وحد يحد».

ويدلّ على انتصابه على الظرف قول العرب : «زيد وحده».

فهذا خبر لا حال وأجاز هشام في : «زيد وحده» ، وجها آخر وهو أن يكون منصوبا بفعل مضمر يخلفه (وحده) ، كما قالت العرب : «زيد إقبالا وإدبارا». قال هشام ومثل «زيد وحده» ، في هذا المعنى : زيد أمره الأول ، و «قصّته الأولى» و «حاله الأولى» ، خلف هذا المنصوب الناصب كما خلف (وحده) (وحد) ، وسمّى هذا منصوبا على الخلاف الأول. وقال : لا يجوز «وحده زيد» كما لا يجوز «إقبالا وإدبارا عبد الله» وكذلك «قصّته الأولى سعد» ، وعلى أنّه منصوب عى الظرف. يجوز : «وحده زيد» كما يجوز : «عندك زيد».

هذا كلام النحاة وهو توسّع فيما تقضيه الصناعة ، واللسان والمعنى متقارب ، كلّه دائر على ما يفيده من الحصر في المذكور. فقول : «الحمد لله وحده» ، يفيد حصر الحمد في الله سبحانه وتعالى. وقوله تعالى : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) [الإسراء : ٤٦] ـ والضمير يعود على «ربّك» ـ فمعناه لم يذكر معه غيره ،

__________________

٦٣٣ ـ الشاهد للربيع بن ضبع الفزاري في الكتاب (١ / ١٤٤) ، وأمالي المرتضى (١ / ٢٥٥) ، وحماسة البحتري (ص ٢٠١) ، وخزانة الأدب (٧ / ٣٨٤) ، وشرح التصريح (٢ / ٣٦) ، ولسان العرب (ضمن) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٣٩٨) ، وبلا نسبة في الردّ على النحاة (ص ١١٤) ، وشرح المفصّل (٧ / ١٠٥) ، والمحتسب (٢ / ٩٩).


وكذا قولنا : «لا إله إلّا الله وحده» ، أنّا أفردناه بالوحدانيّة. فانظر كيف تجد المعنى في ذلك كلّه سواء.

فإذا قلت : «حمدت الله وحده» أو «ذكرت ربّك وحده» فمعناه وتقديره عند سيبويه : موحدا إيّاه بالحمد والذّكر ، على أنّها حال من الفاعل ، والحاء في (موحدا) مكسورة ، وعلى رأي ابن طلحة موحدا هو والحاء مفتوحة. وعلى رأي هشام معناه : حمدت الله وذكرته على انفراده.

فهذه التقادير الصناعية الثلاثة ، والمعنى لا يختلف إلّا اختلافا يسيرا ؛ فإذا جعلناه من (أوحد) الرّباعي ، فمعناه (موحد) بالمعنيين المتقدّمين ، وإذا جعلناه من (وحد) الثلاثي فمعناه : منفردا بذلك ، وعلى الأول الحامد والذاكر أفرده بذلك ، وعلى الثاني : هو انفرد بذلك ، والعامل في الحال حمدت وذكرت ، وصاحب الحال الاسم المنصوب على التعظيم ، أو الضمير الذي في حمدت وذكرت على القولين.

وإذا قلت : «الحمد لله وحده» فالعامل في الحال المستقرّ المحذوف الذي هو الخبر في الحقيقة ، وهو العامل في الجارّ والمجرور ، وصاحب الحال الله ، و (وحده) حاله. وإن جعلته ظرفا فالمعنى الحمد لله على انفراده ، فلم يختلف المعنى اختلافا مخلّا بالمقصود.

إذا قلنا : «لا إله إلا الله وحده» : فإمّا أن نقول : معناه على انفراده إن جعل ظرفا ، أو متفرّدا بالوحدانية ، أو مفردا بها على الاختلاف في تقدير الحال ، وصاحب الحال الضمير في (كائن) العائد على الله تعالى ، والعامل في الحال كائن.

وأما المنطقيّون فقالوا : إنّ (وحده) يصير الكلام بها في قوّة كلامين ، فقولنا : «رأيت زيدا» ، أفاد إثبات رؤيته ، ولم يفد شيئا آخر. وقولنا : «رأيت زيدا وحده» ، أفاد إثبات رؤيته ونفي رؤية غيره ، وهو معنى ما قاله النحاة أيضا. وتصير الجملة ـ بعد أن كانت موجبة ـ متضمّنة إيجابا وسلبا ، وبذلك حلّوا مغلطة ركبها بعض الخلافيّين وهي :

«الماء وحده رافع للحدث ، وكلّ ما هو رافع للحدث رافع للخبث ، فالماء وحده رافع للخبث ، فلا يكون المائع غير الماء رافعا للخبث». وحلّه أنّ هذا قياس من الشّكل الأوّل ، وشرطه إيجاب صغراه ، وهذه الصّغرى بدخول (وحده) فيها لم تصر موجبة ؛ بل موجبة وسالبة ، تقديرها : الماء رافع للحدث ولا شيء من غيره رافع للحدث. وهذا الحلّ صحيح إذا أريد ب (وحده) ذلك. وقد يراد ب (وحده) أنّه يفيد تجرّده عن المخالط ؛ بمعنى : الماء وحده ـ بلا خليط يجرّده عن اسم الماء ـ رافع للحدث. وهذا صحيح ، ولا تخرج الجملة بها عن كونها موجبة ، ولا ينتفع بها


المغالط. وقد يراد ب (وحده) أنّه من حيث هو ، مع قطع النّظر عمّا سواه. وهو أيضا صحيح ولا ينتج ما أراده المغالط. ولا يخفى أنّ المراد : الماء مع استعماله في الوضوء الاستعمال المخصوص مع النيّة.

وبعض هذه الاحتمالات يأتي في قولك : «رأيت زيدا وحده» ، قد يراد به أنّك رأيته في حال هو منفرد بنفسه ليس معه غيره ، وإن كانت رؤيتك شاملة له ولغيره ، ولكنّ هذا احتمال مرجوح ، ولهذا لم يذكره النحاة ، وإنّما كان مرجوحا لأنّه يحوج إلى تقدير محذوف تقديره (كائنا) ، ويكون (وحده) حالا من الضمير فيه ، والعامل فيه ذلك المحذوف. والأصل عدم الحذف ، وعدم التقدير ، فلذلك قلنا : إنّه مرجوح. والأول لا تقدير فيه ولا حذف بل العامل (رأيت) المصرّح به.

هذا كلّه في جانب الإثبات إذا قلت : «رأيت زيدا وحده» أمّا في حالة النّفي ، إذا نفيت الرؤية عنه وحده ، فلك صنعتان أو أكثر :

أحدها : أن تأتي بأداة النفي متقدّمة فتقول : «ما رأيت زيدا وحده» فهذه في قوّة السالبة البسيطة ، وهي سلب لما اقتضته الموجبة ، فمعناها بعد السّلب يحصل بإحدى ثلاث طرق : أحدها : رؤيتهما معا ، والثانية : عدم رؤية واحد منهما ، فلا يرى هذا ولا هذا. والثالثة : برؤية غير زيد ، وعدم رؤية زيد. على كلّ واحد من هذه التقادير الثلاث يصحّ «ما رأيت زيدا وحده» ، لأنّ المنفي رؤيته مقيّدة بالوحدة. ونفي كلّ مركّب من اثنين يحصل بطرق ثلاث كما بيّناه. هذا إذا قدّمت حرف النفي. ويشبه هذا من بعض الوجوه تقديم حرف السلب على (كلّ) في قولنا : [البسيط]

٦٣٤ ـ ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه

[تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن]

وأنّه سلب للعموم لا عموم السلب ، وأنّه يفيد جزئيّا لا كلّيّا ، فقد يدرك بعض ما يتمنّاه. وكذلك : [البسيط]

٦٣٥ ـ [فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم]

وليس كلّ النّوى تلقي المساكين

__________________

٦٣٤ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه بشرح البرقوقي (٤ / ٣٦٦) ، وتاج العروس (شرح خطبة المصنف) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (١ / ٢٠٠).

٦٣٥ ـ الشاهد لحميد الأرقط في الكتاب (١ / ١١٧) ، والأزمنة والأمكنة (٢ / ٣١٧) ، وأمالي ابن الحاجب (ص ٦٥٦) ، وتخليص الشواهد (ص ١٨٧) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٨٢) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٢٧٠) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١٧٥) ، وشرح الأشموني (١ / ١١٧) ، وشرح المفصّل (٧ / ١٠٤) ، والمقتضب (٤ / ١٠٠).


أمّا إذا أخّرت حرف النّفي ، فإن أخّرته عن المبتدأ الذي هو الموضوع ، وقدّمته على (وحده) مع الفعل كقولك : «زيد لم أره وحده» فهو كالحالة المتقدّمة محتمل للمعاني الثلاثة كما سبق ؛ لأنّ النفي يقدّم على الفعل المنفيّ المقيّد بالوحدة ، فقد نفى مركّبا ، فينتفي بانتفاء أحد أجزائه كالحالة السابقة حرفا بحرف ؛ والضابط في ذلك ما ذكرناه.

وإن أخّرته عن (وحده) كقولك : «زيد وحده لم أره» أو : (ما رأيته) ، أو (لا أراه) ، فهذا موضع نظر وتأمّل. والراجح عندي فيه : أنّك لم تره وقد رأيت غيره ، لأنّها قضيّة ظاهرها أنها تشبه الموجبة المعدولة ، فقد حكمت بنفي الرّؤية المطلقة ـ التي لم تقيّد ب (وحده) ـ على زيد المقيّد بالوحدة. هذان الأمران لا شكّ فيهما ، وبهما فارقتا (لم أره وحده) لأنّه نفي لرؤية مقيّدة لا لرؤية مطلقة. هذا لا شكّ فيه ؛ ولكنّ النظر في أنّ تقييد زيد ب (وحده) ، هل معنى التقييد يرجع إلى معنى زيد في ذاته أو إلى ما حكم به عليه وهو النفي؟ هذا موضع النظر والظاهر أنّه الثاني ، وهو أنّه يفيد تقييد الحكم وهو النفي ، فيكون نفي الرؤية مقصورا على (زيد) فمعنى (وحده) في هذه الصيغة أنّ زيدا انفرد بعدم الرؤية المطلقة وأنّ غيره مرئيّ ؛ فقد سرى التقييد من المحكوم عليه إلى المحكوم به. وعليك يا طالب العلم أن تضبط هذه الأمور الثلاثة وتميّز بينها وتعرف تغايرها :

أحدها : إطلاق الضّرب المنفيّ كما دلّ عليه الكلام.

والثاني : تقييد المحكوم عليه الذي دلّت الصناعة عليه مع المحافظة على إطلاق الضّرب أو الرّؤية أو نحوهما من الأفعال.

والثالث : سريان التّقييد من المحكوم عليه إلى الحكم ، وهو النفي الوارد على الضّرب المطلق ؛ فإذا عقلت هذه الثلاثة ، وميّزت بينها ظهر لك ما قلناه.

ويحتمل أيضا ـ وهو عندي غير راجح ـ أنّك إنّما نفيت الفعل عن المقيّد بالوحدة فيكون حاصلا للمحكوم عليه بدونها ؛ وهو عندي ضعيف.

وبذلك تبين ضعف قول الزمخشري ، وأنّه لو قال : معناه ولا يحملون على الأنعام وحدها ، ولكن عليها وعلى الفلك ، سلم من هذا الاعتراض.

فإن قلت : ما حمل الزمخشري على تقدير الحصر؟ قلت : تقدّم المعمول وما يقتضيه واو العطف من الجمع ، فقد حصر الحمل فيهما. ومن ضرورته نفي الحمل على غيرهما ، وغيرهما إما أحدهما بقيد الوحدة لمغايرته لمجموعهما ، وإما خارج


عنهما. لا سبيل إلى الثاني لقوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨]. فتعين الأول. وأمّا كون (ما) لها صدر الكلام ، والخلاف في كون الفعل بعدها يعمل فيما قبلها أو لا ، فلا حاجة بنا إلى ذكره لعدم تأثيره فيما نحن فيه.

فإن قلت : هل يشبه هذا التأخير في قوله «كلّ ذلك لم يكن» (١)؟ قلت : نعم من بعض الوجوه حيث فرّقنا بين تقديم النفي وتأخيره ولذلك جعل قوله : [مشطور الرجز]

٦٣٦ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع

ضرورة ، لأنّ مقصود الشاعر أنّه لم يصنع شيئا منه ، فلذلك رفع ، ولو لا ذلك نصب (كلّه) والله أعلم ـ آخر الكتاب ولله الحمد.

نيل العلا في العطف ب (لا)

تأليف الشيخ تقي الدين السبكي : جوابا عن سؤال سأله له ولده بهاء الدين أحمد رحمهما الله وقال الشيخ صلاح الدين الصّفدي يمدح هذا الكتاب : [السريع]

يا من غدا في العلم ذا همّة

عظيمة بالفضل تملا الملا

لم ترق في النّحو إلى رتبة

سامية إلّا بنيل العلا

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

سألت أكرمك الله عن «قام رجل لا زيد» هل يصحّ هذا التركيب ، وأنّ الشيخ أبا حيّان جزم بامتناعه ، وشرط أن يكون ما قبل «لا» العاطفة غير صادق على ما بعدها ، وأنّك رأيت قد سبقه إلى ذلك السهيلي في (نتائج الفكر) وأنه قال :

«لأنّ شرطها أن يكون الكلام الذي قبلها يتضمن بمفهوم الخطاب نفي ما بعدها ، وأنّ عندك في ذلك نظرا لأمور :

__________________

(١) هذا قسم من حديث ذكره مسلم في صحيحه (٥ / ٦٩) ، عن أبي هريرة وبدايته «صلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم في ركعتين فقام ذو اليدين ...».

٦٣٦ ـ الرجز لأبي النجم العجلي في الكتاب (١ / ١٣٨) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٥٩) ، والدرر (٢ / ١٣) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١٤) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥٤٤) ، وشرح المفصّل (٦ / ٩٠) ، والمحتسب (١ / ٢١١) ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٤٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢٢٤) ، وبلا نسبة في الأغاني (١٠ / ١٧٦) ، وخزانة الأدب (٣ / ٢٠) ، والخصائص (٢ / ٦١) ، وشرح المفصّل (٢ / ٣٠) ، والمقتضب (٤ / ٢٥٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٧).


منها : أنّ البيانيّين تكلموا على القصر وجعلوا منه قصر الإفراد ، وشرطوا في قصر الموصوف إفرادا عدم تنافي الوصفين كقولنا : «زيد كاتب لا شاعر». وقلت : كيف يجتمع هذا مع كلام السّهيلي والشيخ (١).

ومنها : أنّ «قام رجل لا زيد» مثل : «قام رجل وزيد» في صحّة التّركيب ، فإن امتنع «قام رجل وزيد» ففي غاية البعد ، لأنّك إن أردت بالرجل الأول «زيدا» كان كعطف الشيء على نفسه تأكيدا ، ولا مانع منه إذا قصد الإطناب. وإن أردت بالرجل غير زيد كان من عطف الشيء على غيره ولا مانع منه ، ويصير على هذا التقدير مثل : «قام رجل لا زيد» في صحّة التركيب وإن كان معنياهما متعاكسين ، بل قد يقال : «قام رجل لا زيد» أولى بالجواز من «قام رجل وزيد» لأنّ «قام رجل وزيد» إن أردت بالرجل فيه زيدا ، كان تأكيدا ، وإن أردت غيره كان فيه إلباس على السامع وإيهام أنّه غيره ، والتأكيد والإلباس منفيان في «قام رجل لا زيد». وأيّ فرق بين «زيد كاتب لا شاعر» و «قام رجل لا زيد» ، وبين رجل وزيد عموم وخصوص مطلق ، وبين كاتب وشاعر عموم خصوص من وجه ، كالحيوان ، وكالأبيض.

وإذا امتنع «جاء رجل لا زيد» كما قالوه ، فهل يمتنع ذلك في العامّ الخاصّ مثل «قام الناس لا زيد».

وكيف يمنع أحد مع تصريح ابن مالك وغيره بصحّة «قام الناس وزيد» ، وإن كان في استدلاله على ذلك بقوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) [البقرة : ٩٨] الآية ، لأنّ جبريل إمّا معطوف على الجلالة الكريمة ، أو على رسله ، والمراد بالرّسل الأنبياء ، لأنّ الملائكة وإن جعلوا رسلا فقرينة عطفهم على الملائكة تصرف هذا.

ولأيّ شيء يمتنع العطف ب «لا» في نحو «ما قام إلّا زيد لا عمرو» ، وهو عطف على موجب ، لأنّ زيدا موجب ، وتعليلهم بأنّه يلزم نفيه مرّتين ضعيف ، لأنّ الإطناب قد يقتضي مثل ذلك ، لا سيّما والنفي الأول عام ، والنفي الثاني خاصّ ، فأسوأ درجاته أن يكون مثل «ما قام الناس ولا زيد». هذا جملة ما تضمّنه كتابك في ذلك بارك الله فيك.

والجواب : أمّا الشرط الذي ذكر السّهيلي وأبو حيّان في العطف ب «لا» ، فقد ذكره أيضا أبو الحسن الأبدي في (شرح الجزوليّة) فقال : «لا يعطف ب «لا» إلّا بشرط وهو أن يكون الكلام الذي قبلها يتضمن بمفهوم الخطاب نفي الفعل عمّا

__________________

(١) يريد أبا حيان لأن السبكي قد قرأ عليه النحو.


بعدها فيكون الأول لا يتناول الثاني نحو قوله : «جاءني رجل لا امرأة» و «جاءني عالم لا جاهل» ، ولو قلت : «مررت برجل لا عاقل» لم يجز ، لأنّه ليس في مفهوم الكلام الأول ما ينفي الفعل عن الثاني ، وهي لا تدخل إلّا لتأكيد النفي فإن أردت ذلك المعنى جئت ب «غير» فتقول : «مررت برجل غير عاقل» و «غير زيد» ، وغير ذلك و «مررت بزيد لا عمرو» ، لأنّ الأول لا يتناول الثاني». وقد تضمّن كلام الأبّدي هذا زيادة على ما قاله السّهيلي وأبو حيّان ، وهي قوله : إنّها لا تدخل إلّا لتأكيد النّفي ، وإذا ثبت أنّ «لا» لا تدخل إلّا لتأكيد النفي اتّضح اشتراط الشرط المذكور ، لأنّ مفهوم الخطاب يقتضي في قولك : «قام رجل» نفي المرأة ، فدخلت «لا» للتصريح بما اقتضاه المفهوم. وكذلك «قام زيد لا عمرو» أمّا : «قام رجل لا زيد» فلم يقتض المفهوم نفي زيد ، فلذلك لم يجز العطف ب «لا» لأنّها لا تكون لتأكيد نفي بل لتأسيسه وهي وإن كان يؤتى بها لتأسيس النفي فكذلك في نفي يقصد تأكيده بها بخلاف غيرها من أدوات النفي ك «لم» و «ما» وهو كلام حسن. والأبّدي هذا كان أمّة في النحو حتى سمعت الشيخ أبا حيّان يقول : إنّه سأل أحد شيوخه عن حدّ النحو فقال له : الأبّدي ، يعني أنّه تجسّد نحوا (١) ، وإنّما قلت هذا لئلّا يقع في نفسك أنّه لتأخّره قد يكون أخذه عن السّهيلي.

وأيضا تمثيل ابن السرّاج فإنّه قال في (كتاب الأصول) : «وهي تقع لإخراج الثاني ممّا دخل فيه الأول وذلك قوله : «ضربت زيدا لا عمرا» ، و «مررت برجل لا امرأة» و «جاءني زيد لا عمرو» (٢) فانظر أمثلته لم يذكر فيها إلا ما اقتضاه الشرط المذكور.

وقد يعترض على الأبّدي في قوله : إنها لا تذكر إلا لتأكيد النفي. ويجاب بأنّه لعلّ مراده أنّها للنفي المذكور بخلاف «ما» و «لم» و «ليس» ، فلذلك اختيرت هنا ، أو لعلّ مراده أنّها لا تدخل في أثناء الكلام إلّا للنفي المؤكّد ، بخلاف ما إذا جاءت أول الكلام قد يراد بها أصل النفي كقوله : (لا أقسم) وما أشبهه ، والأول أحسن.

وأيضا تمثيل جماعة من النحاة منهم ابن الشجري في (الأمالي) ، قال : «إنّها تكون عاطفة فتشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها ، وتنفي عن الثّاني ما ثبت للأول كقولك : «خرج زيد لا بكر «، و «لقيت أخاك لا أباك» و «مررت بحميك لا أبيك» (٣)

__________________

(١) انظر بغية الوعاة (٢ / ١٩٩).

(٢) انظر أصول ابن السرّاج (٢ / ٥٧).

(٣) انظر أمالي ابن الشجري (٢ / ٢٢٧).


ولم يذكر أحد من النّحاة في أمثلته ما يكون الأول فيه يحتمل أن يندرج فيه الثاني وخطر لي في سبب ذلك أمران :

أحدهما : أنّ العطف يقتضي المغايرة ، فهذه القاعدة تقتضي أنّه لا بدّ في المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه ، والمغايرة عند الإطلاق تقتضي المباينة ؛ لأنّها المفهوم منها عند أكثر الناس ، وإن كان التحقيق أنّ بين الأعمّ والأخصّ ، والعامّ والخاصّ ، والجزء والكلّ ، مغايرة ولكنّ المغايرة عند الإطلاق إنّما تنصرف إلى ما لا يصدق أحدهما على الآخر. وإذا صحّ ذلك امتنع العطف في قولك «جاء رجل وزيد» لعدم المغايرة ، فإن أردت غير زيد جاز وانتقلت المسألة عن صورتها ، وصار كأنّك قلت : جاء رجل غير زيد ، لا زيد ، وغير زيد لا يصدق على زيد. ومسألتنا إنّما هي فيما إذا كان «رجل» صادقا على زيد ، محتملا لأنّ يكون إيّاه ؛ فإنّ ذلك ممتنع للقاعدة التي قرّرت وجوب المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.

ولو قلت : «جاء زيد ورجل» كان معناه : ورجل آخر ، لما تقرّر من وجوب المغايرة ، وكذلك لو قلت : «جاء زيد لا رجل» ، وجب أن تقدّر : لا رجل آخر. والأصل في هذا أنّا نريد أن نحافظ على مدلولات الألفاظ فيبقى المعطوف عليه على مدلوله من عموم أو خصوص ، أو إطلاق أو تقييد ، والمعطوف على مدلوله كذلك ، وحرف العطف على مدلوله ، وهو قد يقتضي تغيير نسبة الفعل إلى الأول ك «أو» فإنّها تغيّر نسبته من الجزم إلى الشكّ ، كما قال الخليل في الفرق بينهما وبين «إمّا» ؛ وك «بل» فإنّها تغيّره بالإضراب عن الأوّل ، وقد لا يقتضي تغيير نسبة الفعل إلى الأول بل زيادة عليه حكم آخر. و «لا» من هذا القبيل ، فيجب علينا المحافظة على معناها مع بقاء الأول على معناه من غير تغيير ولا تخصيص ولا تقييد ، وكأنّك قلت : قام إمّا زيد وإما غيره ، لا زيد ، وهذا لا يصحّ.

الشيء الثاني : أنّ مبنى كلام العرب على الفائدة ، فحيث حصلت كان التركيب صحيحا ، وحيث لم تحصل امتنع في كلامهم.

وقولك : «قام رجل لا زيد» ، مع إرادة مدلول رجل في احتماله لزيد وغيره لا فائدة فيه البتّة ، مع إرادة حقيقة العطف ، أو يزيد على كونه لا فائدة فيه ، ونقول : إنّه متناقض ؛ لأنّه إن أردت الإخبار بنفي قيام «زيد» والإخبار بقيام «رجل» المحتمل له ولغيره كان متناقضا ، وإن أردت الإخبار بقيام رجل غير زيد ، كان طريقك أن تقول : غير زيد ، فإن قلت : إنّ «لا» بمعنى «غير» لم تكن عاطفة ، ونحن إنّما نتكلّم على العاطفة والفرق بينهما أنّ التي بمعنى «غير» مقيّدة للأول مبيّنة لوصفه ، والعاطفة


مبيّنة حكما جديدا لغيره. فهذا هو الذي خطر لي في ذلك وبه يتبيّن أنّه لا فرق بين قولك «قام رجل لا زيد» وقولك «قام زيد لا رجل» ، كلاهما ممتنع إلّا أن يراد بالرجل غير زيد ، فحينئذ يصحّ فيهما إن كان يصحّ وضع «لا» في هذا الموضع موضع «غير» ، وفيه نظر وتفصيل سنذكره ، وإلّا فنعدل عنها إلى صيغة «غير» إذا أريد ذلك المعنى. وبين العطف ومعنى «غير» فرق ، وهو أنّ العطف يقتضي النفي عن الثاني بالمنطوق ولا تعرّض له للأوّل إلّا بتأكيد ما دلّ عليه بالمفهوم إن سلم ؛ ومعنى «غير» يقتضي تقييد الأول ، ولا تعرّض له للثاني إلّا بالمفهوم إن جعلتها صفة ، وإن جعلتها استثناء فحكمها حكم الاستثناء في أنّ الدّلالة هل هي بالمنطوق أو بالمفهوم وفيه بحث.

والتفصيل الذي وعدنا به هو أنّه يجوز «قام رجل غير عاقل» و «امرر برجل غير عاقل» و «هذا رجل لا امرأة» و «رأيته طويلا غير قصير» ، فإن كانا علمين جاز فيه «لا» و «غير». وهذان الوجهان اللذان خطرا لي زائدان على ما قاله السّهيلي والأبّدي من مفهوم الخطاب ، لأنّه إنّما يأتي على القول بمفهوم اللّقب ، وهو ضعيف عند الأصوليين ، وما ذكرته يأتي عليه وعلى غيره. على أنّ الذي قالاه أيضا وجه حسن ، يصير معه العطف في حكم المبيّن لمعنى الأول من انفراده بذلك الحكم وحده ، وللتصريح بعدم مشاركة الثاني له فيه ، وإلّا لكان في حكم كلام آخر مستقل ، وليس هو المسألة. وهو مطّرد أيضا في قولك «قام رجل لا زيد» ، و «قام زيد لا رجل» لأنّ كليهما عند الأصوليّين له حكم اللّقب. وهذا الوجه مع الوجهين اللذين خطرا لي إنّما هي في لفظة «لا» خاصّة ، لاختصاصها بسعة النفي ، ونفي المستقبل ، على خلاف فيه ، ووضع الكلام في عطف المفردات لا عطف الجمل ، فلو جئت مكانها ب «ما» أو «لم» أو «ليس» وجعلته كلاما مستقلّا لم تأت المسألة ولم تمتنع.

وأما قول البيانيّين في قصر الموصوف إفرادا : «زيد كاتب لا شاعر» فصحيح ، ولا منافاة بينه وبين ما قلناه. وقولهم : عدم تنافي الوصفين ، معناه أنّه يمكن صدقهما على ذات واحدة بخلاف الوصفين المتنافيين ، وهما اللّذان لا يصدقان على ذات واحدة ، كالعالم والجاهل ، فإنّ الوصف بأحدهما ينفي الوصف بالآخر لاستحالة اجتماعهما ، وأما شاعر وكاتب فالوصف بأحدهما لا ينفي الوصف بالآخر لإمكان اجتماعهما في شاعر كاتب ، فإنّما يجيء نفي الآخر إذا أريد قصر الموصوف على أحدهما بما تفهمه القرائن وسياق الكلام. فلا يقال مع هذا كيف يجتمع كلام البيانيّين مع كلام السّهيلي والشيخ لظهور إمكان اجتماعهما.

وقولك في آخر كلامك : وبين كاتب وشاعر عموم وخصوص من وجه أحاشيك


منه ، وحاشاك أن تتكلّم به. وقولك : كالحيوان والأبيض ، كأنّك تبعت فيه كلام الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدين القرافي فإنّه قال ذلك ـ رحمه الله ـ وهو في غفلة منه ، أو كلام فيه تسمّح أطلقه لتعليم بعض الفقهاء ممّن لا إحاطة له بالعلوم العقلية ، ولذلك زاد على ذلك ، ومثّل بالزّنا والإحصان لأنّ الفقيه يتكلّم فيهما. وتلك كلّها ألفاظ متباينة ، ومعانيها متباينة ، والتباين أعمّ من التنافي ، فكلّ متنافيين متباينان وليس كلّ متباينين متنافيين. وعجب منك كونك غفلت عن هذا ، وهو عندك في منهاج البيضاوي في الفصيح والناطق ، والنظر في المعقول إنّما هو في المعاني والنسب الأربع من التباين والتساوي والعموم المطلق والعموم من وجه بينهما. والشعر والكتابة متباينان ، والزّنا والإحصان متباينان ، والحيوانيّة والبياض متباينان ، وإن صدقا على ذات ثالثة. فما شرطه البيانيون من عدم التنافي صحيح ، ولم يشرطوا عدم التباين ، وما قاله السّهيلي وأبو حيّان صحيح ولم يشرطا التنافي فلذلك يظهر أنّه يصحّ أن يقال : «قام كاتب والشاعر» وإن كنت لم أر هذا المثال ولا ما يدلّ عليه في كلام أحد ، لأنّ كاتبا لا يصدق على شاعر ، بمعنى أنّ معنى الكتابة ليس في شيء من معنى الشّعر ، بخلاف «رجل وزيد» ؛ فإنّ زيدا رجل والشعر والكتابة في رجل واحد كثوبين يلبسهما واحد أفترى أحد الثوبين يصدق على الآخر؟ فالفقيه والنحويّ الصّرف يريد أن يتأنّس بهذه الحقائق ومعرفتها.

وأمّا قولك : «قام رجل وزيد» فتركيب صحيح ، ومعناه : قام رجل غير زيد وزيد ، واستفدنا التقييد من العطف لما قدّمناه من أنّ العطف يقتضي المغايرة. فهذا المتكلّم أورد كلامه أولا على جهة الاحتمال لأن يكون زيدا وأن يكون غيره ، فلمّا قال : وزيد ، علمنا أنّه أراد بالرّجل غيره. وله مقصود قد يكون صحيحا في إبهام الأول وتعيين الثاني ، ويحصل للثاني به فائدة لا يتوصّل إليها إلّا بذلك التركيب ، أو مثله ، مع حقيقة العطف ، بخلاف قولك : «قام رجل لا زيد» ، لم يحصل به قطّ فائدة ولا مقصود زائد على المغايرة الحاصلة بدون العطف في قولك : «قام رجل غير زيد» وإذا أمكنت الفائدة المقصودة بدون العطف ، يظهر أن يمتنع العطف لأنّ مبنى كلام العرب على الإيجاز والاختصار ، وإنّما نعدل إلى الإطناب لمقصود لا يحصل بدونه ، فإذا لم يحصل مقصود به فيظهر امتناعه ، ولا يعدل إلى الجملتين ما قدر على جملة واحدة ، ولا إلى العطف ما قدر عليه بدونه ، فلذلك قلنا بالامتناع ؛ وبهذا يظهر الجواب عن قولك : إن أردت غيره كان عطفا.

وقولك : (ويصير على هذا التقدير مثل «قام رجل لا زيد» في صحّة التركيب) ،


ممنوع لما أشرنا إليه من الفائدة في الأوّل دون الثاني. والتأكيد يفهم بالقرينة ، والإلباس ينتفي بالقرينة ، والفائدة حاصلة مع القرائن في «قام رجل وزيد» وليست حاصلة في «قام رجل لا زيد» مع العطف كما بيّناه.

وقولك : وإن كان معناهما متعاكسين صحيح ، وهو لا ينفعك ولا يضرّك.

وقولك : «وأيّ فرق» ، قد ظهر الفرق كما بين القدم والفرق.

وأمّا قولك : هل يمتنع ذلك في العامّ والخاصّ مثل : «قام الناس لا زيد» فالذي أقوله في هذا : أنّه إن أريد الناس غير زيد جاز ، وتكون «لا» عاطفة كما قرّرنا ، من قبل ، وإن أريد العموم وإخراج زيد بقولك «لا زيد» على جهة الاستثناء ، فقد كان يخطر لي أنّه يجوز. ولكنّي لم أر سيبويه ولا غيره من النحاة عدّ «لا» من حروف الاستثناء فاستقرّ رأيي على الامتناع إلّا إذا أريد بالنّاس غير زيد. ولا يمتنع إطلاق ذلك حملا على المعنى المذكور بدلالة قرينة العطف. ويحتمل أن يقال : يمتنع كما امتنع الإطلاق في «قام رجل لا زيد» ، فإن احتمال إرادة الخصوص جائز في الموضعين فإن كان مسوّغا جاز فيهما ، وإلّا امتنع فيهما ، ولا فرق بينهما إلّا إرادة معنى الاستثناء من «لا» ولم يذكره النحاة ؛ فإن صحّ أن يراد بها ذلك افترقا لأنّ الاستثناء من العام جائز ومن المطلق غير جائز. وفي ذهني من كلام بعض النّحاة في «قام الناس ليس زيدا» أنّه جعلها بمعنى «لا» ، والمشهور أنّ التقدير : ليس هو زيدا ، فإن صحّ جعلها بمعنى «لا» وجعلت «لا استثناء صحّ ذلك وظهر الفرق ، وإلّا فهما سواء في الامتناع عند العطف وإرادة العموم بلا شكّ ، وكذا عند الإطلاق حملا على الظاهر ، حتى تأتي قرينة تدلّ على الخصوص.

وأمّا : «قام الناس وزيد» فجوازه ظاهر ممّا قدّمناه من أنّ العطف يفيد المغايرة ، فأفادت الواو إرادة الخصوص بالأوّل وإرادة تأكيد نسبة القيام إلى زيد ، والإخبار عنه مرّتين بالعموم والخصوص ، وهذا المعنى لا يأتي في العطف ب «لا».

وكأنّي بك تعترض عليّ في كلامي هذا مع كلامي المتقدّم في تفسير المغايرة.

فاعلم أن الأصل في المغايرة أنّها حاصلة بين الجزئيّ والكلّيّ ، وبين العامّ والخاصّ ، وبين المتباينين. وأهل الكلام فسّروا الغيرين باللّذين يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر ، ونسبوا هذا التفسير إلى اللّغة ، وبنوا عليه أنّ صفات الله ليست غيره لأنّها لا يمكن انفكاكها. ولا غرض لنا في تجويز ذلك هنا ، وإنّما الغرض أنّ العطف يستدعي مغايرة تحصل بها فائدة ، وعطف الخاصّ على العامّ ـ وإن أريد


عموم الأوّل ، إذا حصلت به فائدة ، وهو تقرير حكم الخاصّ وتصييره كالإخبار به مرّتين ـ من أعظم الفوائد ، فيجوز ، فلذلك سلكته هنا ، وفيما تقدّم لم تحصل فائدة فمنعته.

وقد استعملت في كلامي هذا : «وكأني بك» لأنّ الناس يستعملونه ولا أدري هل جاء في كلام العرب أم لا ، إلّا أنّ في الحديث : «كأنّي به» (١) ، فإن صحّ فهو دليل الجواز.

وفي كلام بعض النحاة ما يقتضي منعه ، وقال في قولهم «كأنّك بالدّنيا لم تكن ...» : إنّ الكاف للخطاب ، والباء زائدة والمعنى : كأنّ الدنيا لم تكن ، ولذلك منعه في : «كأنّي بكذا لم يكن» ، هكذا على خاطري في كتاب القصريّات عن أبي عليّ الفارسي. وكان صاحبنا أحمد بن الطاراتي رحمه الله شابّ نشأ وبرع في النحو ، ضرير ، مات في حداثته ، أوقفني في مجاميع له على كلام جمعه في : «كأنّك بالدّنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل» لا يحضرني الآن ، وفيه طول.

وأمّا استدلال الشيخ جمال الدين بعطف (جبريل) فصحيح في عطف الخاصّ على العامّ إن كان العطف على (ملائكته) ، لأنّه من جملة الملائكة ، وكذا إن عطف على الرّسل ولم يقصد بهم البشر وحدهم.

وأمّا منازعة الولد له : إذا حمل الرسل على البشر أو عطف على الجلالة الكريمة ، فالتّمسّك بحمل الرّسل على البشر إن صحّ لك يوجب العطف على الملائكة ، وهو منهم قطعا فحصل عطف الخاص على العامّ ، والعطف على الجلالة مع كونه عطفا على الأوّل دون ما بعده هو غير منقول في كلام النحاة ، ومع ذلك هو مذكور بعد ذكر الملائكة الذين هو منهم قطعا ، وبعد الرسل الذين هو منهم ظاهرا ، وذلك يوجب صحّة عطف الخاصّ على العامّ وإن قدّرت العطف على الجلالة ، لأنّا لا نعني بعطف الخاصّ على العامّ إلّا أنّه مذكور بعده ، والنظر في كونه يقتضي تخصيصه أولا.

وأمّا قولك : ولأيّ شيء يمتنع العطف ب «لا» في نحو «ما قام إلّا زيد لا عمرو» ـ وهو عطف على موجب ـ فلما تقدّم أنّ «لا» عطف بها ما اقتضى مفهوم الخطاب نفيه ليدلّ عليه صريحا ، وتأكيدا للمفهوم ، والمنطوق في الأول الثّبوت ، والمستثنى عكس ذلك ، لأنّ الثبوت فيه بالمفهوم لا بالمنطوق.

__________________

(١) هذه قطعة من حديث ذكره البخاري في صحيحه (٢ / ٥٧٩) الحديث (١٥١٨) ، «عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : كأنّي به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا».


ولا يمكن عطفها على المنفي لما قيل : إنّه يلزم نفيه مرّتين.

وقولك : إنّ النفي الأوّل عامّ والثاني خاصّ صحيح ، لكنّه ليس في مثل «جاء زيد لا عمرو» لما ذكرنا أنّ النفي في غير زيد مفهوم ، وفي عمرو منطوق ، وفي الناس المستثنى منه منطوق ، فخالف ذلك الباب.

وقولك : فأسوأ درجاته أن يكون مثل «ما قام الناس ولا زيد» ممنوع ، وليس مثله ، لأنّ العطف في «ولا زيد» ليس ب «لا» بل بالواو ، وللعطف ب «لا» حكم يخصّه ليس للواو ، وليس في قولنا : «ما قام الناس ولا زيد» أكثر من خاصّ بعد عامّ.

هذا ما قدّره الله لي في كتابتي جوابا للولد ، فالولد بارك الله فيه ينظر فيه ، فإن رضيه ، وإلّا فيتحف بجوابه والله أعلم.

الحلم والأناة ، في إعراب (غير ناظرين إناه) (١)

تأليف قاضي القضاة تقيّ الدّين أبي الحسن السّبكي ـ رحمه الله تعالى ـ ، وفيه يقول الصّلاح الصّفديّ :

يا طالب النّحو في زمان

أطول ظلّا من القناه

وما تحلّى منه بعقد

عليك بالحلم والأناه

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم. قال شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين السّبكي رحمه الله تعالى :

قوله تعالى : (... لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ...) [الأحزاب : ٥٣] ، الذي نختار في إعرابها أنّ قوله : «أن يؤذن لكم إلى طعام» حال ، ويكون معناه : مصحوبين ، والباء مقدّرة مع (أن) ، تقديره (بأن) أي مصاحبا. وقوله : «غير ناظرين إناه» حال بعد حال ، والعامل فيهما لفعل المفرّغ في «لا تدخلوا» ، ويجوز تعدّد الحال.

وجوّز الشيخ أبو حيّان أن تكون الباء للسّببيّة ، ولم يقدّر الزمخشري حرفا ألصلا بل قال : «أن يؤذن : في معنى الظّرف ، أي : وقت أن يؤذن» (٢). وأورد عليه أبو حيّان بأنّ ، (أن) المصدريّة لا تكون في معنى الظّرف ، وإنّما ذلك في المصدر الصّريح نحو : أجيئك صياح الدّيك ، أي : وقت صياح الدّيك ، ولا تقول : أن يصيح (٣).

__________________

(١) انظر فتاوى ابن السبكي (١ / ١٠٥).

(٢) انظر الكشاف (٣ / ٢٧٠).

(٣) انظر البحر المحيط (٧ / ٢٣٧).


فحصل خلاف في أنّ «أن يؤذن» ظرف أو حال ، فإن جعلناها ظرفا كما قال الزّمخشريّ فقد قال : إنّ (غَيْرَ ناظِرِينَ) حال من (لا تَدْخُلُوا) فهو صحيح ، لأنّه استثناء مفرّغ من الأحوال ، كأنّه قال : «لا تدخلوا في حال من الأحوال إلّا مصحوبين غير ناظرين» على قولنا ، أو : «وقت أن يؤذن لكم غير ناظرين» على قول الزمخشري. وإنّما لم يجعل «غير ناظرين» حالا من (يؤذن) ـ وإن كان جائزا من جهة الصناعة ـ لأنّه يصير حالا مقدّرة ، ولأنّهم لا يصيرون منهيّين عن الانتظار بل يكون ذلك قيدا في الإذن ، وليس المعنى على ذلك ، بل على أنّهم نهوا أن يدخلوا إلّا بإذن ، ونهوا إذا دخلوا أن يكونوا ناظرين إناه. فلذلك امتنع من جهة المعنى أن يكون العامل في (يؤذن) ، وأن يكون حالا من مفعوله ، فلو سكت الزّمخشريّ على هذا لم يرد عليه شيء لكنّه زاد وقال : وقع الاستثناء على الوقت والحال معا ، كأنّه قيل : لا تدخلوا بيوت النبيّ إلّا وقت الإذن ولا تدخلوها إلّا غير ناظرين» (١) فورد عليه أن يكون استثناء شيئين ـ وهما الظّرف والحال ـ بأداة واحدة ، وقد منعه النّحاة أو جمهورهم (٢) والظاهر أنّ الزّمخشريّ ما قال ذلك إلّا تفسير معنى وقد قدّر أداتين ، وهو من جهة بيان المعنى. وقوله : «وقع الاستثناء على الوقت والحال معا من جهة الصناعة ؛ لأنّ الاستثناء المفرّغ يعمل ما قبله فيما بعده ، والمستثنى في الحقيقة هو المصدر المتعلّق بالظّرف والحال ، فكأنّه قال : لا تدخلوا إلّا دخولا موصوفا بكذا ، ولست أقول بتقدير مصدر هو عامل فيهما ؛ فإنّ العمل للفعل المفرّغ ، وإنّما أردت شرح المعنى. ومثل هذا الإعراب هو الذي نختاره في مثل قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [آل عمران : ١٩]. فالجارّ والمجرور والحال ليسا مستثنيين ، بل يقع عليهما المستثنى ، وهو الاختلاف ، كما تقول : «ما قمت إلّا يوم الجمعة ضاحكا أمام الأمير في داره» فكلّها يعمل فيها الفعل المفرّغ من جهة الصناعة ، وهي من جهة المعنى كالشيء الواحد ، لأنّها بمجموعها بعض من المصدر الذي تضمّنه الفعل المنفيّ ؛ وهذا أحسن من أن يقدّر : «اختلفوا بغيا بينهم» ؛ لأنّه حينئذ لا يفيد الحصر ، وعلى ما قلناه يفيد الحصر فيه كما أفاده في قوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) [آل عمران : ١٩] ، فهو حصر في شيئين ، ولكن بالطريق الذي قلناه ، لا أنّه استثناء شيئين بل شيء واحد صادق على شيئين. ويمكن حمل كلام الزّمخشريّ على ذلك ؛ فقوله : «وقع الاستثناء على الوقت والحال معا» صحيح ، وإن كان

__________________

(١) انظر الكشّاف (٣ / ٢٧٠).

(٢) انظر همع الهوامع (١ / ٢٢٦).


المستثنى أعمّ ؛ لأنّ الأعمّ يقع على الأخصّ ، والواقع على الواقع واقع ، فتخلّص ممّا ورد عليه من قول النحاة : «لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان» (١). وقد أورد عليه أبو حيّان في قوله : «إنّها حال من لا تدخلوا» ، أنّ «هذا لا يجوز على مذهب الجمهور ؛ إذ لا يقع عندهم بعد «إلّا» في الاستثناء إلّا المستثنى أو المستثنى منه أو صفة المستثنى منه وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال ، وعلى هذا يجيء ما قاله الزّمخشريّ» (٢). وهذا الإيراد عجيب لأنّه ليس مراد الزّمخشريّ : «لا تدخلوا غير ناظرين» حتى يكون الحال قد تأخّر بعد أداة الاستثناء على مذهب الأخفش والكسائي ، وإنّما مراده أنّه قال : «من لا تدخلوا» لأنّه مفرّغ فيعمل فيما بعد الاستثناء كما في قولك : «ما دخلت إلّا غير ناظر» فلا يرد على الزّمخشري إلّا استثناء شيئين ، وجوابه ما قلناه ؛ وحاصله تقييد إطلاقهم : ـ لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ـ بما إذا كان الشيئان لا يعمل الفعل فيهما إلّا بعطف ؛ أمّا إذا كان عاملا فيهما بغير عطف فيتوجّه الاستثناء إليهما لأنّ حرف الاستثناء كالفعل ولأنّ الفعل عامل فيهما قبل الاستثناء ، فكذا بعده.

واختار أبو حيّان في إعراب الآية أن يكون التقدير : فادخلوا غير ناظرين ، كما في قوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [النحل : ٤٤] أي : أرسلناهم. والتقدير في تلك الآية قويّ لأجل البعد والفصل ، وأما هنا فيحتمل هو وما قلناه.

فإن قلت : قولهم : «لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان» هل هو متّفق عليه أو مختلف فيه؟ وما المختار فيه؟ قلت : قال ابن مالك ـ رحمه الله ـ في (التسهيل) : «يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ويوهم ذلك بدل وفعل مضمر لا بدلان خلافا لقوم».

قال أبو حيان ـ رحمه الله ـ : «إنّ من النحويّين من أجاز ذلك ذهبوا إلى إجازة : «ما أخذ أحد إلّا زيد درهما» و «ما ضرب القوم إلّا بعضهم بعضا» ، قال : ومنع الأخفش والفارسي ، واختلفا في إصلاحهما ، وتصحيحهما عند الأخفش بأن يقدّم على «إلّا» المرفوع الذي بعدها فتقول : «ما أخذ أحد زيد إلّا درهما» و «ما ضرب القوم بعضهم إلّا بعضا» قال : وهذا موافق لما ذهب إليه ابن السرّاج وابن مالك من أنّ حرف الاستثناء إنّما يستثنى به واحد. وتصحيحها عند الفارسيّ بأن تزيد فيها منصوبا قبل إلّا فتقول : «ما أخذ أحد شيئا إلّا زيد درهما» و «ما ضرب القوم أحدا إلّا

__________________

(١) انظر همع الهوامع (١ / ٢٢٦).

(٢) انظر البحر المحيط (٧ / ٢٣٧).


بعضهم بعضا» قال أبو حيّان : ولم يذكر تخريجه لهذا التركيب هل هو على أن يكون ذلك على البدل فيهما ، كما ذهب إليه ابن السّراج في «ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا ليبدل المرفوع من المرفوع والمنصوب من المنصوب ، أو هو على أن يجعل أحدهما بدلا والثاني معموله عامل مضمر ، فيكون : «إلّا زيد» بدلا من «أحد» ، و «إلّا بعضهم» بدلا من «القوم» ، و «درهما» منصوب بضرب مضمرة كما اختاره ابن مالك. والظاهر من قول المصنّف ـ يعني ابن مالك ـ : (خلافا لقوم) ، أنّه يعود لقوله : (لا بدلان) فيكون ذلك خلافا في التخريج لا خلافا في صحّة التّركيب. والخلاف كا ذكرته موجود في صحّة التركيب فمنهم من قال : هذا التركيب صحيح لا يحتاج إلى تخريج لا بتصحيح الأخفش ولا بتصحيح الفارسي» هذا كلام أبي حيّان ـ رحمه الله تعالى ـ وحاصله أنّ في صحّة هذا التّركيب خلافا ؛ فالأخفش والفارسي يمنعانه ، وغيرهما يجوّزه ، والمجوّزون له ابن السراج ، يقول : هما بدلان ، وابن مالك يقول : أحدهما بدل والآخر معمول عامل مضمر وليس في هؤلاء من يقول إنهما مستثنيان بأداة واحدة ، ولا نقل أبو حيّان ذلك عن أحد. وقوله في صدر كلامه : «إنّ من النحويّين من أجازه» محمول على التّركيب لا على معنى الاستثناء ؛ فليس في كلام أبي حيّان ما يقتضي الخلاف في المعنى بالنسبة إلى جواز استثناء شيئين بأداة واحدة من غير عطف.

واحتجّ ابن مالك بأنّه كما لا يقدّر بعد حرف العطف معطوفان ، كذلك لا يقع بعد حرف الاستثناء مستثنيان. وتعجّب الشيخ أبو حيّان منه وذلك لجواز قولنا : «ضرب زيد عمرا وبشر خالدا» و «ضرب زيد عمرا بسوط ، وبشر عمرا بجريدة». وقال : إنّ المجوّزين لذلك علّلوا الجواز بشبه (إلا) بحرف العطف ، وابن مالك جعل ذلك علّة للمنع. في هذا التعجّب نظر لأنّ ابن مالك أخذ المسألة مطلقة في هذا المثال وفي غيره ، وقال : «لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ...» (١) ، ولا شكّ أنّ ذلك صحيح في قولنا : «قام القوم إلّا زيد» أو «ما قام القوم إلّا زيدا» و «ما قام القوم إلّا خالد» وما أشبه ذلك ممّا يكون العامل فيه واحدا ، والعمل واحدا. ففي مثل هذا يمنع التعدّد ولا يكون مستثنيان بأداة واحدة ، ولا معطوفان بحرف واحد.

والشيخ في (شرح التسهيل) مثّل قول المصنّف بحرف عطف : «قام القوم إلّا زيدا وعمرا» ، وهو صحيح ، ومثّله دون عطف ب «أعطيت الناس إلّا عمرا الدنانير» وكأنّه أراد التمثيل بما هو محلّ نظر ، وإلّا فالمثال الذي قدّمناه هو من جملة

__________________

(١) انظر التسهيل (ص ١٠٣).


الأمثلة ، ولا ريبة في امتناع قولك : «قام القوم إلّا زيدا عمرا» ثمّ قال الشيخ : «قال ابن السرّاج : هذا لا يجوز بل تقول : أعطيت الناس الدنانير إلّا عمرا ، قال : فإن قلت : «ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا» ، وأردت الاستثناء لم يجز ، وإن أردت البدل جاز فأبدلت عمرا من أحد ، ودانفا من درهم كأنّك قلت : ما أعطيت إلّا عمرا دانقا». قلت : وقد رأيت كلام ابن السراج في الأصول كذلك. قال الشيخ أبو حيّان رحمه الله : «وهذا التقدير الذي قرّره في البدل وهو : ما أعطيت إلّا عمرا دانقا ، لا يؤدّي إلى أنّ حرف الاستثناء يستثنى به واحد بل هو في هذه الحالة التقديريّة ليس ببدل ، إنّما نصبهما على أنّهما مفعولا «أعطيت» المقدّرة ، ولا يتوقّف على وساطة «إلّا» لأنّه استثناء مفرّغ ، فلو أسقطت «إلّا» فقلت : «ما أعطيت عمرا درهما» جاز عملها في الاسمين ، بخلاف عمل العامل في المستثنى الواقع بعد «إلّا» ، فهو متوقّف على وساطتها».

قلت : الحالة التقديريّة إنّما ذكرها ابن السّراج لمّا أعربهما بدلين فأسقط المبدلين وصار كأنّ التقدير ما ذكره. وابن السّراج قائل بأنّ حرف الاستثناء لا يستثنى به إلّا واحد ، حتى إنّه قال قبل ذلك في «ما قام أحد إلّا زيد إلّا عمرا» : إنّه لا يجوز رفعهما لأنّه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف ، فلا بدّ أن ينتصب أحدهما. والظاهر أنّ الشيخ أراد أن يشرح كلام ابن السرّاج لا أن يردّ عليه. ثم قال الشيخ : «ذهب الزجّاج إلى أنّ البدل ضعيف لأنّه لا يجوز بدل اسمين من اسمين ، لو قلت : «ضرب زيد المرأة أخوك هندا» لم يجز». قال : «والسماع على خلاف مذهب الزجّاج وهو أنه يجوز بدل اسمين من اسمين قال الشاعر : [الطويل]

٦٣٧ ـ فلمّا قرعنا النّبع بالنّبع بعضه

ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا

وردّ ابن مالك على ابن السّراج بأنّ البدل في الاستثناء لا بدّ من اقترانه بإلّا يعني : وهو قدّر : «ما أخذ أحد زيد» بغير إلّا. وقد يجاب عن ابن السّراج بأنّ الذي لا بد من اقترانه بإلّا هو البدل الذي يراد به الاستثناء ، أمّا هذا فلم يرد به معنى الاستثناء ، بل هو بدل منفيّ قدّمت «إلّا» عليه لفظا ، وهي في الحكم متأخّرة. وحاصله أنّه يلزمه الفصل بين البدل والمبدل ب «إلّا» ويلزمه الفصل بين «إلا» وما

__________________

٦٣٧ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ٧١) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٧١) ، والدرر (٣ / ١٦٧) ، وبلا نسبة في همع الهوامع (١ / ٢٢٦).


دخلت عليه بالبدل ممّا قبلها. والشيخ تعقّب ابن مالك بكلام طويل لم يرده. ولم يتلخّص لنا من كلام أحد من النّحاة ما يقتضي حصرين. وقد قال ابن الحاجب في (شرح المنظومة) في المواضع التي يجب فيها تقديم الفاعل في قوله : «إذا ثبت المفعول بعد نفي فلازم تقديمه نوعيّ» قال : «كقولك : «ما ضرب زيد إلّا عمرا» فهذا ممّا يجب فيها تقديم الفاعل ، لأنّ الغرض حصر مضروبيّة زيد في عمرو خاصة ، أي لا مضروب لزيد سوى عمرو ، فلو كان له مضروب آخر لم يستقم ، بخلاف العكس ، فلو قدّم المفعول على الفاعل انعكس المعنى». قال : «فإن قيل ما المانع أن يقال فيها : «ما ضرب إلّا عمرا زيد» ويكون فيه حينئذ تقدّم المفعول على الفاعل ، قلت : لا يستقيم لأنّه لو جوّز تعدّد المستثنى المفرّغ بعد إلّا في قبيلين كقولك : «ما ضرب إلّا زيد عمرا» أي ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا كان الحصر فيهما معا ، والغرض الحصر في أحدهما فيرجع الكلام بذلك إلى معنى آخر غير مقصود ، وإن لم يجوّز كانت المسألة الأولى ممتنعة لبقائها بلا فاعل ولا ما يقوم مقام الفاعل لأنّ التقدير حينئذ «ضرب زيد» فيبقى ضرب الأوّل بغير فاعل ، وفي الثانية يكون «عمرو» منصوبا بفعل مقدّر غير «ضرب» الأولى فتصير جملتين ، فلا يكون فيهما تقديم فاعل على مفعول. هذا كلام ابن الحاجب وليس في تصريح بنقل خلاف.

ورأيت كلام شخص من العجم يقال له الحديثي (١) شرح كلامه ونقل كلامه هذا وقال : لا يخفى عليك أنّ هذا الجواب إنّما يتمّ ببيان أن «زيدا» في قولنا : «ما ضرب إلّا عمرو زيدا» و «عمرا» في قولنا : «ما ضرب إلّا زيد عمرا» يمتنع أن يكونا مفعولين لضرب الملفوظ. ولم يتعرّض المصنّف في هذا الجواب فيكون هذا الجواب غير تامّ.

وقال المصنّف في (أمالي الكافية) : لا بدّ في المستثنى المفرّغ من تقدير عام فلو استعملوا بعد إلّا شيئين لوجب أن يكون قبلهما عامّان. فإذا قلت : «ما ضرب إلّا زيد عمرا» فإمّا أن تقول لا عامّ لهما أو لهما عامّان أو لأحدهما دون الآخر. الأوّل يخالف الباب ، والثاني يؤدّي إلى أمر خارج عن القياس من غير ثبت ، ولو جاز ذلك في الاثنين جاز فيما فوقهما ، وذلك ظاهر البطلان. والثالث يؤدّي إلى اللّبس فيما قصد ، فلذلك حكموا بأنّ الاستثناء المفرهغ إنّما يكون لواحد. ويؤوّل ما جاء على ما يوهم غير ذلك بأنّه يتعلّق بما دلّ عليه الأوّل ، فإذا قلت : «ما ضرب إلّا زيد عمرا»

__________________

(١) هو ركن الدين علي بن الفضل الحديثي (انظر بروكلمان ٥ / ٣٢٢).


فنحن نجوّز ذلك لا على أنّه لضرب الأوّل ، ولكن لفعل محذوف دلّ عليه الأوّل ، كأن سائلا سأل : من ضرب؟ فقال : عمرا ، أي ضرب عمرا.

قال الحديثي : ولقائل أن يختار الثالث ويقول : العامّ لا يقدّر إلّا للذي يلي «إلّا» منهما ، فإنّ العامّ إنّما يقدّر للمستثنى المفرّغ لا لغيره والمستثنى المفرّغ هو الذي يلي «إلّا» فلا يحصل اللّبس أصلا. فثبت أنّ جواب شرح المنظومة لا يتمّ بما ذكره في الأمالي أيضا ، نعم يتمّ بما ذكره ابن مالك وهو أنّ الاستثناء في حكم جملة مستأنفة ، لأنّ معنى «جاء القوم إلّا زيدا» : ما منهم زيد ، وهذا يقتضي ألّا يعمل ما قبل «إلّا» فيما بعدها لما لاح أنّ «إلّا» بمثابة «ما» ، و «إلّا» في صورة مندوحة عنه ، وهي إعمال ما قبل إلّا في المستثنى المنفي على أصله ، وفيما بعد إلّا المفرّغة وهو المستثنى المفرّغ تحقيقا أو تقديرا نحو : «ما جاءني أحد إلّا زيد» ، على البدل ، وفيما بعد المقدّمة على المستثنى منه ، والمتوسطة بينه وبين صفته الإضمار إن قدّر العامل بعد إلّا في الصور لكثرة وقوعها ، نحو : «ما قاموا إلّا زيدا» و «ما قام إلّا زيد» و «ما جاء إلّا زيدا القوم» و «ما مررت بأحد إلّا زيدا خير من عمرو» ، وألّا يجوز «ما ضرب إلّا زيد عمرا» ، ولا «... إلّا عمرا زيد» لأنّه إن كانا شيئين فهو ممتنع ، وإن كان المستثنى ما يلي إلّا دون الأخير يكون ما قبله عاملا فيما بعده في غير الصور الأربع ، وهو ممتنع. وما ورد قدّر عامل الثاني ، فتقدير «ما ضرب إلّا عمرا زيد» ضرب زيد.

وذهب صاحب (المفتاح) (١) إلى جواز التقديم حيث قال في فصل القصر : «ولك أن تقول في الأوّل : «ما ضرب إلّا عمرا زيد» وفي الثاني : «ما ضرب إلّا زيد عمرا» فتقدّم وتؤخّر ، إلّا أنّ هذا التقديم والتأخير لمّا استلزم قصر الصفة قبل تمامها على الموصوف قلّ دوره في الاستعمال ، لأنّ الصّفة المقصورة على عمرو في قولنا : «ما ضرب زيد إلّا عمرا» هي ضرب زيد لا الضرب مطلقا ، والصفة المقصورة على زيد في قولنا : «ما ضرب عمرا إلّا زيد هي الضرب لعمرو» (٢). قال الحديثي على صاحب المفتاح : إنّ حكمه بجواز التّقديم إن أثبت بوروده في الاستعمال ، فهو غير مستقيم بأنّ ما ورد في الاستعمال يحتمل أن يكون الثاني فيه معمولا لعامل مقدّر ،

__________________

(١) هو أبو يعقوب السكاكي : يوسف بن أبي بكر بن محمد ، علّامة ، إمام في العربية والمعاني والأدب والعروض والشعر ، صنّف : مفتاح العلوم في اثني عشر علما. (ترجمته في معجم الأدباء ٥ / ٦٤٧).

(٢) انظر مفتاح العلوم (ص ١٦١).


كما ذكره ابن الحاجب وابن مالك. وأصول الباب لا تثبت بالمحتملات ، وإن أثبت بغيره فلا بدّ من بيانه لينظر فيه. قال : فإن قيل : فهل يجوز التقديم في «إنّما»؟ قلت : لا يجوز قطعا في «إنّما» ، وإنّما جوّز في «ما» و «إلّا» لأنّ «ما» و «إلّا» أصل في القصر ولأنّ التقديم في (ما) و (إلّا) غير ملبس. كذا قال صاحب (المفتاح) ، وقال الحديثي : امتناع التقديم في «إنّما» يقتضي امتناعه في «ما» و «إلّا» ليجري باب الحصر على سنن واحد. قال مولانا العلّامة قاضي القضاة شيخ الإسلام أوحد المجتهدين (١) : وقد تأمّلت ما وقع في كلام ابن الحاجب من قوله : «ما ضرب أحد أحدا إلّا زيد عمرا» قوله : إنّ الحصر فيهما معا. والسابق إلى الفهم منه أنّه لا ضارب إلّا زيد ولا مضروب إلّا عمرو ، فلم أجده كذلك ، وإنّما معناه : لا ضارب إلّا زيد لأحد إلّا عمرا ، فانتفت ضاربيّة غير زيد لغير عمرو ، وانتفت مضروبيّة غير عمرو من غير زيد ، وقد يكون زيد ضرب عمرا وغيره ، قد يكون عمرو ضربه زيد وغيره. وإنّما يكون المعنى نفي الضاربيّة مطلقا عن غير زيد ونفي المضروبيّة مطلقا عن غير عمرو إذا قلنا : ما وقع ضرب إلّا من زيد على عمرو فهذان حصران مطلقا بلا إشكال ، وسببه أنّ النفي ورد على المصدر واستثني منه شيء خاصّ ، وهو ضرب زيد لعمرو ، فيبقى ما عداه على النفي كما ذكرناه في الآية الكريمة وفي الآية الأخرى التي ينبغي فيها الاختلاف : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [آل عمران : ١٩]. والفرق بين نفي المصدر ونفي الفعل أنّ الفعل مسند إلى فاعل فلا ينتفي عن المفعول إلّا ذلك المقيّد ، والمصدر ليس كذلك ، بل هو مطلق فينتفي مطلقا إلّا الصورة المستثناة منه بقيودها.

وقد جاءني كتابك ـ أكرمك الله ـ تذكر فيه أنّك «وقفت على ما قرّرته في إعراب» قوله تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣] وأنّ النّجاة اختلفوا في أمرين : أحدهما : وقوع الحال بعد المستثنى نحو قولك : «أكرم الناس إلّا زيدا قائمين». وهذه هي التي اعترض بها الشيخ أبو حيّان على الزّمخشريّ ، وهو اعتراض ساقط لأنّ الزّمخشريّ جعل الاستثناء واردا عليها ، وجعلها حالا مستثناة ، فهي في الحقيقة مستثناة ، فلم يقع بعد إلّا حينئذ إلّا المستثنى ، فإنّه مفرّغ للحال ، والشيخ فهم أنّ الاستثناء غير منسحب عليه فلذلك أورد عليه أنّ (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) ليس مستثنى ولا صفة للمستثنى منه ، ولا مستثنى منه وقد أصبت فيهما. قلت : لكن للشيخ بعض غدر على ظاهر كلام الزّمخشريّ لمّا قال : إنّه حال من (لا تدخلوا) ، ولم يتأمّل الشيخ بقية كلامه ، فلو اقتصر على ذلك لأمكن أن يقال : إنّ مراده : لا

__________________

(١) يريد تقي الدين السبكي وقد وردت ترجمته مسبقا ، وفي بغية الوعاة (٢ / ١٧٦).


تدخلوا غير ناظرين إلّا أن يؤذن لكن ، ويكون المعنى : إنّ دخولهم غير ناظرين إناه مشروط بالإذن ، وأمّا «ناظرين» فممنوع مطلقا بطريق الأولى. ثمّ قدّم المستثنى ، وأخّر الحال ، فلو أراد هذا كان إيراد الشيخ متّجها من جهة النحو.

ثمّ قلت ـ أكرمك الله ـ : «الثاني» وكأنّك أردت الثاني من الأمرين اللّذين اختلف النّحاة فيهما ، وذكرت استثناء شيئين. وقد قدّمت أنّني لم أظفر بصريح نقل في المسألة ، والذي يظهر أنّه لا يجوز بلا خلاف ، كما لا يكون فاعلان لفعل واحد ، ولا مفعولان بهما لفعل واحد لا يتعدّى إلى أكثر من واحد ، كذلك لا يكون مستثنيان من مستثنى واحد بأداة واحدة ، ولا من مستثنى منهما بأداة واحدة ، لأنّها كقولك استثني المتعدّي إلى واحد. فكما لا يجوز في الفعل لا يجوز في الحرف بطريق الأولى ، ولذلك اتّفقوا على ذلك ولم يتكلّموا فيه في غير باب «أعطى» وشبهه.

وقولك إنّه لا يكاد يظهر لها مانع صناعيّ ، وهي جديرة بالمنع ، وما المانع من قول الشخص : «ما أعطيت أحدا شيئا إلّا عمرا دانقا» وإنّما ينبغي منع ذلك في مثل «إلّا عمرا زيدا» إذا كان العامل يطلبهما بعمل واحد ؛ أمّا إذا طلبهما بجهتين فليس يمتنع ، ولم يذكر ابن مالك حجّة إلّا الشّبه بالعطف ، ونحن نقول في العطف بالجواز في مثل : «ما ضرب زيد عمرا وبكر خالدا» قطعا ، فنظيره «ما أعطيت أحدا شيئا إلّا زيدا دانقا». وصرّح ابن مالك بمنعه. وقد فهمت ما قلته ، وقد تقدّم الكلام بما فيه كفاية وجواب إن شاء الله. وقولك إنّ الآية نظيره ممنوع ، بل هي جائزة وهو ممنوع والله أعلم.

رأي النحاة في بيت من الشعر

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم ، رأيت في بعض المجاميع من كلام أبي محمّد بن عبد الله بن بريّ على قول الشّاعر في وصف دينار : [المتقارب]

٦٣٨ ـ وأصفر من ضرب دار الملوك

تلوح على وجهه جعفرا

ملخّصه : أنّ في (تلوح) روايتين ، إحداهما رواية الفرّاء ـ وهي الرّواية الصحيحة ـ أنّها بالتاء. ولا إشكال على نصب (جعفر) على هذه ، لأنّه مفعول بتلوح ، وتلوح بمعنى ترى وتبصر ، تقول : لحت الشّيء إذا أبصرته. وهذا بيّن لا إشكال فيه ولا تعسّف في إعرابه.

__________________

٦٣٨ ـ الشاهد بلا نسبة في تاج العروس (لوح).


وأمّا الرّواية الأخرى ـ وهي المشهورة ـ (يلوح) بالياء. ففيها إشكال ، فمن النّحاة من قال : إنّه منصوب بإضمار فعل تقديره : اقصدوا جعفرا ، ومنهم من جعله من باب المفعول المحمول على المعنى من جهة أنّ جعفرا داخل في الرّؤية من جهة المعنى ، لأنّ الشيء إذا لاح لك فقد رأيته.

تفسير نحلة في قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)

وفي هذا المجموع : سأل الإمام أبو محمد بن برّي الإمام تاج الدّين محمد بن هبة الله بن مكّي الحموي عن قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء : ٤]. كيف يكون نحلة والنّحلة في اللّغة الهبة بلا عوض والصداق تستحقّه المرأة اتّفاقا لا على وجه التبرّع.

فأجابه بأنّه لمّا كانت المرأة يحصل لها في النّكاح ما يحصل للزّوج اللّذّة وتزيد عليه بوجوب النّفقة والكسوة والمسكن كان المهر لها مجّانا ، فسمّي نحلة. كذا ذكره أئمّتنا.

وقال بعضهم : لمّا كان الصّداق في شرع من قبلنا لأولياء المنكوحات بدليل قوله تعالى : (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ..) [القصص : ٢٧] ثم نسخه شرعنا ، صار ذلك عطيّة اقتطعت لهنّ فسمّي نحلة.

مسألة

في جمع (حاجة) من كلام ابن برّي

قال : سألت ـ وفّقك الله تعالى لما يرضيه وجعلك ممّن يتّبع الحقّ ويأتيه ـ عن قول الشيخ الرئيس أبي محمّد القاسم بن عليّ الحريري في كتابه (درّة الغوّاص) أنّ لفظة (حوائج) ممّا يوهم في استعماله الخواصّ. وسألت أن أميّز لك الصحيح والعليل من غير إسهاب ولا تطويل ، وأنا أجيبك عن ذلك بما في كفاية مع سلوك طريق الحقّ والهداية. ومن أعجب ما يحكى ويذكر ، وأغرب ما يكتب ويسطر أنّه ذكر أنّه لم يحفظ لتصحيح هذه اللفظة شاهدا ولا أنشد فيها بيتا واحدا ، بل أنشد لبديع الزّمان بيتا نسبه إلى الغلط فيه ، والعجز عن إصلاحه وتلافيه ، وهو قوله : [الطويل]


٦٣٩ ـ فسيّان بيت العنكبوت وجوسق

رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج

حتّى كأنّه لم يمرّ بسمعه الخبر المنقول عن سيّد البشر أبي البتول حين قال بلسان الإعلان : «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان» (٢). وهذا الخبر ذكره القضاعي في شهابه في الباب الرابع من أبوابه ، وذكر أيضا قوله : «إنّ لله عبادا خلقهم لحوائج النّاس». وذكر الهرويّ (٣) في كتابه (الغريبين) قوله ـ عليه السّلام ـ «اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه» (٤) وقوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ «إيّاكم والأقواد ، قالوا : يا رسول الله وما الأقواد؟ فقال : هو الرّجل يكون منكم أميرا فيأتيه المسكين والأرملة فيقول لهم مكانكم حتّى أنظر في حوائجكم ويأتيه الغني فيقول : عجّلوا في قضاء حاجته» (٥).

وذكر ابن خالويه في شرحه (مقصورة ابن دريد) ، عند ذكر فضل الخيل أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : «التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الأرثم المحجّل الثلاث المطلق اليد اليمنى».

فهذا ما جاء من الشّواهد النّبويّة وروته الثّقات من الرّواة المرضيّة على صحّة هذه اللّفظة.

وأمّا ما جاء من ذلك في أشعار العرب فكثير ، من ذلك ما أنشده أبو زيد وهو قول أبي سلمة المحاربيّ : [الوافر]

٦٤٠ ـ ثممت حوائجي ووذأت بشرا

فبين معرّس الرّكب السّغاب

وأنشد أيضا للراجز :

٦٤١ ـ يا ربّ ربّ القلص النّواعج

مستعجلات بذوي الحوائج

وقال الشّمّاخ : [الوافر]

٦٤٢ ـ تقطّع بيننا الحاجات إلّا

حوائج يعتسفن مع الجريء

__________________

٦٣٩ ـ الشاهد لبديع الزمان الهمذاني في لسان العرب (حوج) ، وتاج العروس (حوج).

(١) الحديث في مسند الشهاب للقضاعي (١ / ٤١٢) رقم (٧٠٧) بالكتمان لها.

(٢) لم أعثر على الحديث في الكتب المختصّة.

(٣) الهروي : أحمد بن محمد الباشاني صاحب كتاب (الغريبين).

(٤) الحديث في شهاب القضاعي (ص ٢٢).

٦٤٠ ـ الشاهد لأبي سلمة المحاربي في لسان العرب (حوج) و (ثمم) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٣٤).

٦٤١ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (حوج).

٤٦٢ ـ الشاهد للشّماخ في ديوانه (ص ٤٦٣) ، والرواية فيه «الجريّ» ، ولسان العرب (حوج).


وقال الأعشى : [مجزوء الكامل]

٦٤٣ ـ النّاس حول قبابه

أهل الحوائج والمسائل

وقال الفرزدق : [الطويل]

٦٤٤ ـ ولي ببلاد السّند عند أميرها

حوائج جمّات وعندي ثوابها

وأنشد أبو عمرو بن العلاء : [الطويل]

٦٤٥ ـ صريعي مدام ما يفرّق بيننا

حوائج من إلقاح مال ولا نخل

وأنشد ابن الأعرابي : [الكامل]

٦٤٦ ـ من عفّ خفّ على الوجوه لقاؤه

وأخو الحوائج وجهه مبذول

وأنشد أيضا : [الوافر]

٦٤٧ ـ فإن أصبح تحاسبني هموم

ونفس في حوائجها انتشار

وأنشد الفرّاء : [الوافر]

٦٤٨ ـ نهار المرء أمثل حين يقضي

حوائجه من اللّيل الطّويل

وأنشد ابن خالويه : [الطويل]

٦٤٩ ـ خليليّ إن قام الهوى فاقعدا به

لعنّا نقضّي من حوائجنا رمّا

وقال هميان بن قحافة : [الرجز]

٦٥٠ ـ حتّى إذا ما قضت الحوائجا

وملأت حلّابها الخلانجا

وقال آخر : [الطويل]

٦٥١ ـ بدأن بنا لا راجيات لحاجة

ولا يائسات من قضاء الحوائج

__________________

٦٤٣ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ٣٨٩) ، ولسان العرب (حوج) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٢٠٠) ، وتاج العروس (حوج).

٦٤٤ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٨٥).

٦٤٥ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (حوج).

٦٤٦ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (حوج).

٦٤٧ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (حوج).

٦٤٨ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (حوج) ، وتاج العروس (حوج).

٦٤٩ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (حوج) ، وتاج العروس (حوج).

٦٥٠ ـ الرجز لهميان بن قحافة في لسان العرب (حوج) و (خلج) و (نشج) و (ثمم) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٢٠٠) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٥٤١) ، وتاج العروس (حوج) ، و (خلج) ، وبلا نسبة في كتاب العين (٨ / ٢١٨).

٦٥١ ـ الشاهد لبعض بني عقيل في شرح شواهد الإيضاح (ص ٥٢٨) ، وبلا نسبة في لسان العرب (حوج).


وقال ابن هرمز : [الكامل]

٦٥٢ ـ إنّي رأيت ذوي الحوائج إذ عروا

فأتوك قصرا أو أتوك طروقا

فقد وجب ببعض هذا سقوط قول المخالف حين وجبت الحجّة عليه ، ولم يبق له دليل يستند إليه.

وأنا أتبع ذلك بأقوال العلماء ليزداد القول في ذلك إيضاحا وتبيينا. قال الخليل في كتاب العين في فصل (راح) : «يقال : يوم راح وكبش ضاف على التّخفيف من رائح وضائف بطرح الهمزة كما قال الهذليّ :

٦٥٣ ـ [وغيّره ماء الورد فاها فلونه

كلون النّؤور] وهي أدماء سارها

أي : سائرها ، وكما خفّفوا الحاجة من الحائجة ، ألا تراهم جمعوها على حوائج». انقضى كلام الخليل. وقد أثبت صحّة (حوائج) ، وأنّها من كلام العرب وأنّ (حاجة) مجذوذة من (حائجة). وإن كان لم ينطق بها عنده. وكذلك ذكرها عثمان بن جني في كتابه (اللّمع). وحكى المهلّبي عن ابن دريد أنّه قال : حاجة وحائجة وكذلك حكي عن أبي عمرو بن العلاء أنّه يقال : في نفسي حاجة وحائجة وحوجاء والجمع حاجات وحوائج وحاج وحوج وأنشد البيت المتقدّم (٢) : [الطويل]

صريعي مدام [ما يفرّق بيننا

حوائج من إلقاح مال ولا نخل]

 ـ البيت ـ. وذكر ابن السّكّيت في كتابه المعروف بالألفاظ قريبا من آخره ـ باب الحوائج : «يقال : في جمع حاجة حاجات وحاج وحوج وحوائج».

وقال (٣) سيبويه : فيما جاء في تفعّل واستفعل بمعنى ـ يقال : تنجّز فلان حوائجه واستنجز حوائجه.

وذهب قوم من أهل اللّغة إلى أنّ (حوائج) يجوز أن يكون جمع (حوجاء) وقياسها (حواج) مثل (صحار) ثمّ قدّمت الياء على الجيم فصارت (حوائج). والمقلوب من كلام العرب كثير وشاهد (حوجاء) قول أبي قيس بن رفاعة : [البسيط]

__________________

٦٥٣ ـ الشاهد لأبي ذؤيب الهذليّ في الحيوان (٧ / ٢٥٥) ، وشرح أشعار الهذليين (١ / ٧٣) ، ولسان العرب (حوج) و (سير) ، والمقتضب (١ / ١٣٠) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٦) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٨٠٧) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٨٤).

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٤٥).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ١٨٥).


٦٥٤ ـ من كان في نفسه حوجاء يطلبها

عندي ، فإنّي له رهن بإصحار

والعرب تقول : «بداءات حوائجك» في كثير من كلامهم. وكثيرا ما يقول ابن السّكّيت : إنّهم كانوا يقضون جوائجهم في البساتين والرّاحات. وإنّما غلّط الأصمعيّ في هذه اللفظة حتى جعلها مولّدة كونها خارجة عن القياس ؛ لأنّ ما كان على مثال (حاجة) مثل غارة ، وحارة ، لا يجمع على غوائر وحوائر ، فقطع بذلك على أنّها مولّدة غير فصيحة. على أنّه حكى الرّقاشي والسّجستاني عن عبد الرحمن عن الأصمعي أنّه رجع عن هذا القول ، وإنّما هو شيء كان عرض له من غير بحث ولا نظر ، وهذا هو الأشبه به ، لأنّ مثله لا يجهل ذلك ، إذ كان موجودا في كلام النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وكلام غيره من العرب الفصحاء. وذكر سيبويه في كتابه أنّه يقال : «تنجّز حوائجه واستنجزها».

وكأنّ القاسم بن علي الحريريّ لم يمرّ به إلّا القول الأول المحكيّ عن الأصمعي دون القول الثاني ، ولو أنّه سلك مسلك النّظر والتسديد ، وأضرب عن مذهب التّسليم والتّقليد ، لكان الحق أقرب إليه من حبل الوريد ـ آخر المسألة ـ.

مسألة

ومن فوائد الشيخ جمال الدّين بن هشام

سئلت عن الفرق بين قولنا : «والله لا كلّمت زيدا ولا عمرا ولا بكرا» بتكرار (لا) وبدون تكرارها ، حتى قيل : إنّ الكلام مع التكرار أيمان في كلّ منها كفّارة ، وأنّه بدون التكرار يمين ، في مجموعها كفّارة.

والجواب : أنّ بينهما فرقا ينبني على قاعدة ، وهي أنّ الاسمين المتفقي الإعراب المتوسّط بينهما واو العطف تارة يتعيّن كونهما متعاطفين ، وتارة يمتنع ذلك ، ويجب تقدير مع الباقي ، ويكون العطف من باب عطف الجمل ؛ وتارة يجوز الأمران.

فالأول نحو : «اختصم زيد وعمرو» ، واصطلح زيد وعمرو» و «جلست بين زيد وعمرو» و «هذان زيد وعمرو» ؛ وذلك لأنّ الاختصام والإصلاح والبينيّة والمبتدأ الدّال على متعدّد ، لا يكتفي بالاسم المفرد.

والثاني نحو : «قامت هند وزيد» ، وقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)

__________________

٦٥٤ ـ الشاهد لقيس بن رفاعة في التنبيه والإيضاح (١ / ٢٠١) ، وبلا نسبة في لسان العرب (حوج).


[البقرة : ٢٥٥] ، وقوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) [المائدة : ٢٤] ، (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) [طه : ٤٢](اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ...) [البقرة : ٣٥] و [الأعراف : ١٩] ، (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) [طه : ٥٨]. فهذه ونحوها يتعيّن فيها إضمار العامل ، أي : ولا يأخذه نوم ، وليذهب ربّك ، وليذهب أخوك ، وليسكن زوجك ، وكذلك التقدير : ولا تخلفه ، ثمّ حذف الفعل وحده فبرز الضمير وانفصل. ولو لا ذلك لزم إعمال فعل الأمر والفعل المضارع ذي النون في الاسم الظاهر أو الضمير المنفصل ، وإسناد الفعل المؤنّث إلى الاسم المذكّر. وكذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ...) [الحشر : ٩] ، وقول الشاعر (١) : [الوافر]

[إذا ما الغانيات برزن يوما]

وزجّجن الحواجب والعيونا

وقول الآخر (٢) : [الرجز]

علفتها تبنا وماء باردا

[حتى شتت همّالة عيناها]

وقوله (٣) : [مجزوء الكامل]

[يا ليت زوجك قد غدا]

متقلّدا سيفا ورمحا

أي : وألفوا الإيمان ، أو وأحبّوا الإيمان ، وكحّلن العيون ، وسقيتها ماء ، وحاملا رمحا. ومن ذلك قولهم : «ما جاءني زيد ولا عمرو» أي : ولا جاءني عمرو ، لأنّ حرف النّفي لا يدخل على المفردات ، لأنّ الذي ينفى إنما هو النّسبة. وكذلك القول في حرف الاستفهام إذا قيل : «أجاءك زيد أو عمرو؟» ـ بتحريك الواو ـ تقديره : أو جاءك عمرو.

فإن قلت : ما ذكرته في النّافي منتقض بقولهم : «جئت بلا زاد» ، وما ذكرته في الاستفهام منتقض بقوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الصافات : ١٦ ـ ١٧] ، قاله الزّمخشريّ. قلت : أمّا هذا الإعراب فمردود والصواب أنّ (آباؤنا) مبتدأ ، وخبره محذوف مدلول عليه بقوله تعالى : (لَمَبْعُوثُونَ) كما أنّها في قراءة من سكّن الواو كذلك (٤).

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣١١).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٦٢٢).

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٣٨).

(٤) انظر تيسير الداني (ص ١٥١).


وأمّا المثال المذكور فأصله : ما جئت بزاد ، ولكنّهم عدلوا عن ذلك لاحتماله خلاف المراد ، وهو نفي المجيء البتّة ، فإنّ من لم يجئ يصدق عليه أنّه لم يجئ بزاد ، فلذلك أدخلوا (لا) على مصبّ النفي ، ومن ثمّ سمّاها النحويّون : مقحمة ، أي : داخلة في موضع ليس لها بالأصالة.

فإن قلت : فلم يقولون : «ما جاءني زيد ولا عمرو» حتّى احتيج إلى إضمار العامل؟ قلت : إنّما يقولونه إذا أرادوا الدّلالة على نفي الفعل عن كلّ منهما بصفتي الاجتماع والافتراق ، إذ لو لم يكرّروا الثّاني احتمل إرادة نفي اجتماعهما ، ونفي كلّ منهما.

فإن قلت : فهلّا أجازوا في الاستفهام «هل جاءك زيد وهل عمرو» إذا أرادوا التّنصيص على الاستفهام عن مجيء كلّ منهما ، ورفع احتمال الاستفهام عن اجتماعهما في المجيء في وقت؟.

قلت : لئلّا تقع أداة الصّدر حشوا.

فإن قلت : قدّر العامل ، وقد صار ذو الصّدر صدرا.

قلت : نعم ، لكن تبقى صورة اللّفظ حينئذ قبيحة ، إذ الأداة داخلة في اللّفظ في حشو الكلام ، وهم معتنون بإصلاح الألفاظ كما يعتنون بإصلاح المعاني.

والثالث نحو : «قام زيد وعمرو».

فإن قلت : فهل نصّ أحد على جواز الوجهين في ذلك على وجوب تقدير العامل مع تكرار النّافي؟.

قلت : أمّا مسألة تكرار النّافي ، فقد أوضحت بالدليل السابق وجوب تقدير العامل فيها. وأمّا ما أجزت فيه الوجهين فلا سبيل إلى دفع الإمكان فيه ، على أنّني وقفت في كلام جماعة على ذلك ، قال بعض المحقّقين : «اعلم أنّ الواو ضربان : جامعة للاسمين في عامل واحد ، ونائبة مناب التثنية ، حتّى يكون قولك : «قام زيد وعمرو» بمنزلة «قام هذان» ، ومضمر بعدها العامل ، وينبني عليها مسائل :

إحداها : «قام زيد وهند» بترك تأنيث الفعل ، فهذا جائز على الوجه الأوّل دون الثّاني ، لأنّا نقول على الأوّل : غلّبنا الذّكر ، ولا يقال ذلك على الثاني ، لأنّ الاسمين لم يجتمعا.


الثاني : «اشترك زيد وعمرو».

الثالث : «زيد قام عمرو وأبوه». وهاتان جائزتان على التّقدير الأوّل دون الثّاني.

الرابع : النّفي ، فنقول على الأوّل : «ما قام زيد وعمرو» فيفيده كما تقول : «ما قام زيد ولا قام عمرو» انتهى. وهو كلام حسن بديع ، وقد أورده أبو حيّان في الارتشاف وهو كالمنكر له للطفه وغرابته.

وقال الزّمخشري في تفسير قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ..) [الأحزاب : ٣٦] : «فإن قلت : كان من حقّ الضمير أن يوحّد كما تقول : ما جاءني من رجل ولا امرأة إلّا كان من شأنه كذا وكذا ، قلت : نعم ، لكنّهما وقعا تحت النفي فعمّا كلّ مؤمن ومؤمنة ، فرجع الضمير على المعنى لا على اللّفظ» انتهى.

وقد أشكل هذا الكلام على بعضهم فاعترضه ، وذلك لأنّ النّحويّين نصّوا على : أنّ الضمير بعد الواو ـ لكونها موضوعة للجمع ـ يكون على حسب المتعاطفين ، تقول : «زيد وعمرو أكرمتهما» ويمتنع (أكرمته) ، وأجابوا عن قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [البقرة : ٦٢] ، وأنّ الضمير بعد (أو) ـ لكونها موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء ـ يكون على حسب أحد المتعاطفين ، تقول : «زيدا أو عمرا أكرمه» ولا تقول : (أكرمهما) ، وأجابوا عن قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [النساء : ١٣٥].

فلمّا رأى هذا المعترض هذه القاعدة أشكل عليه قول الزّمخشري : كان من حقّ الضمير أن يوحّد ، لأنّ العطف فيهما بالواو ، وسؤال الزّمخشريّ على ما قدّمت تقريره ، أنّ الكلام مع النّافي جملتان لا جملة. والواو إنّما تكون للجمع إذا عطفت مفردا على مفرد ، لا إذا عطفت جملة على جملة ، ومن ثمّ منعوا أن يقال : «هذان يقوم ويقعد» وأجازوا : «هذان قائم وقاعد» لأنّ الواو جمعت بينهما وصيّرتهما كالكلمة الواحدة المثنّاة التي يصحّ الإخبار بها عن الاثنين.

وقال سيبويه ـ رحمه الله ـ : «إذا قيل : «رأيت زيدا وعمرا» ثمّ أدخل حرف النّفي فإن كانت الرؤية واحدة قلت : «ما رأيت زيدا وعمرا» وإن كنت قد مررت بكلّ منهما على حدة قلت : «ما مررت بزيد ولا مررت بعمرو». وهذا معنى ما نقل عنه


ابن عصفور في (شرح الجمل). فأوجب تكرار النّافي عند تكرار الفعل ، ولكنّه صرّح بالفعل مع النّافي ، وقد بيّنا أنّ تكرار النّافي كاف لأنّه مستلزم تكرير الفعل.

إذا تقرّر هذا فنقول : إذا كرّر الحالف النّافي فهي أيمان لما بيّنا من أنّ تكرار (لا) يؤذن بتكرار الفعل وصار قوله : «والله لا كلّمت زيدا ، ولا عمرا ولا بكرا» بمنزلة قوله : «والله لا كلّمت زيدا ، ولا ماشيت عمرا ، ولا رأيت بكرا». وهذه أيمان قطعا ، يجب في كلّ منها كفّارة ، فكذلك في المثال المذكور ، لا يفترقان إلّا فيما يرجع إلى التّصريح والتّقدير ، وكون الأفعال متّحدة المعنى أو متعدّدة ، وكلا الأمرين لا أثر له.

وإذا لم يكرّر النّافي فالكلام محتمل لليمين والأيمان بناء على نيّة الفعل وعدمها وإنّما حكموا بأنّها يمين واحدة بناء على الظاهر ، كما أنّهم لم يحكموا باتحاد اليمين مع تكرار (لا) ، مع احتمالها للزّيادة كما في قوله تعالى : (وَلَا النُّورُ) بعد قوله سبحانه وتعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) [فاطر : ٢٠] لأنّه خلاف الظّاهر. نعم ، إن قصد المتكلّم بقوله : «والله لا كلّمت زيدا وعمرا» معنى : ولا كلّمت عمرا ، فهو يمينان لأنّ ذلك أحد محتملي الكلام ، وقد نواه ؛ وإن قصد بقوله : «لا كلّمت زيدا ولا عمرا» معنى «لا كلّمت زيدا وعمرا» الذي لم يضمر فيه الفعل ، وقدّر (لا) زائدة فيمين واحدة ، لا يلزمه في نفس الأمر إلّا كفّارة واحدة وإن كان قد يلزم في الحكم بخلاف ذلك ، بناء على ظاهر لفظه.

وقد يقال بامتناع هذا الوجه بناء على أنّ (لا) إنّما تزاد إذا كان في اللفظ ما يشعر بذلك كقرينة قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي ..) فإنّ الاستواء لا يعقل منسوبا إلى واحد ، وكذلك قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] فإنّ من المعلوم أنّ التّوبيخ على امتناعه من السّجود ، لا على امتناعه من نفي السّجود ؛ لأنّه إذا امتنع من نفيه كان مثبتا له. فأمّا المثال المذكور فلا دليل فيه على ذلك ، فلا تكون (لا) فيه إلّا نافية ، الله أعلم.

الكلام في (إنّما)

ومن فوائده أيضا تغمّده الله تعالى برحمته : اعلم أنّ الكلام في (إنّما) في موطنين ؛ أحدهما لفظيّ ، والآخر معنويّ. أمّا اللّفظي : فمن جهة بساطتها أو تركيبها ، وأمّا المعنويّ : فمن جهة إفادتها الحصر أو عدم إفادتها له.


والمدّعى في الوجه الثّاني : أنّها مفيدة للحصر ، واستدلّ لهذا بأمور :

أحدها : فهم أهل اللّسان لذلك ، كما تقرّر من فهم الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ من : «إنّما الماء من الماء» (١) ومن فهم ابن عبّاس رضي الله عنهما من : «إنّما الرّبا في النّسيئة» (٢) مع عدم المخالفة منهم فكان ذلك إجماعا على أنّها مفيدة للحصر. على أنّ الاحتجاج بقضيّة ابن عبّاس مع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قد يحتمل الاعتراض بأنّ المعترض قد يقتصر على ذكر أحد أوجه المنع لأمر ككون ذلك الوجه أجلى وأبعد عن الاعتراض ، وربّما فعل ذلك على سبيل التّنزّل للخصم فيا ادّعاه وفهمه. فلا يلزم من اقتصارهم على الاعتراض بما فيه معارضة ـ وهو إيرادهم الدليل المقتضي لتحريم ربا التّفاضل ـ أن يكونوا مسلّمين له في دعواه الحصر. وقد يقال أيضا إنّ ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فهم الحصر وادّعاه ، وهم لم ينفوه ولم يثبتوه ، فتجيء مسألة ما إذا قال البعض وسكت الباقون ، وهل ذلك حجّة أو ليس بحجّة ؛ فيه كلام مشهور في أصول الفقه.

الدليل الثاني : معاملة العرب للاسم بعدها معاملته بعد (إلّا) المسبوقة بالنّفي. وقولهم معاملة (ما) و (إلّا) تمثيل ، لا أنّ ذلك خاصّ ب (ما) وذلك في قوله (٣) : [الطويل]

[أنا الضّامن الرّاعي عليهم] وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

فهذا كقوله : [السريع]

٦٥٥ ـ قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلّا أنا

__________________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٢٦٩) رقم (٣٤٣). باب : إنما الماء من الماء.

(٢) الحديث في سنن ابن ماجه (٢ / ٧٥٨) ، باب من قال : لا ربا إلا في النسيئة ، ومسند أسامة (١ / ٧٦).

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٤٢).

٦٥٥ ـ الشاهد لعمرو بن معدي كرب في ديوانه (ص ١٦٧) ، والأغاني (١٥ / ١٦٩) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٩٩) ، والكتاب (٢ / ٣٧٣) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٤١١) ، وله أو للفرزدق في شرح شواهد المغني (٢ / ٧١٩) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ١٨٤) ، وشرح المفصّل (٣ / ١٠١) ، ولسان العرب (قطر).


فأمّا قول بعض المتأخّرين في (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ) [الرعد : ٣٦] ، و (إِنَّما أَشْكُوا) [يوسف : ٨٦] ونحو ذلك من الآيات : إنّ الضمير محصور ولم يفصل ، فلا يتشاغل به ولو صحّ خرج نحو (١) : [الطويل]

[أنا الذائد الحامي الذّمار] وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

عن الاستشهاد به ، وكان ضرورة لمخالفته للاستعمال.

الدليل الثالث : أنّ إنّ للإثبات ، و (ما) للنّفي ، والنفي والإثبات ضدّان فلا يجتمعان في محلّ واحد ، فوجب أن يصرف أحدهما للمذكور ، والآخر إلى غيره ليصحّ اجتماعهما. لا جائز أن يكون المنفيّ هو المذكور ، والمثبت هو ما عداه ، للاتّفاق على أنّ قولك : «إنّما زيد قائم» يفيد إثبات القيام لزيد ، فإذا بطل ذلك تعيّن العكس وهو نفي القيام عن غير زيد وإثباته لزيد ، ولا معنى للحصر إلّا هذا. هذا حاصل كلام الإمام فخر الدّين ومن تبعه ، وهو فاسد المقدّمتين لأنّ (إنّ) للتأكيد لا للإثبات ، بدليل أنّك تقول : «إنّ زيدا قائم» و «إنّ زيدا ليس بقائم» ، فتجدها إنّما دخلت لتأكيد الكلام نفيا كان أو إثباتا. و (ما) زيد مثلها في قولك «ليتما زيدا قائم» لا نافية.

الدليل الرابع : أنّ (إنّ) للتّأكيد ، و (ما) حرف زائد للتّاكيد ، فلمّا أخذوا الحكم من بين مؤكّدين ناسب أن يكون مختصّا بالمسند إليه قاله السكّاكي ، وليس بشيء لأنّه لازم له في قولك : «إنّ زيدا لقائم» لأنّ (إنّ) واللام معا للتأكيد ، ثمّ إنّك تقول : «أحلف بالله إن زيدا لقائم» فتجمع بين ثلاث مؤكّدات ، القسم ، و (إنّ) ، واللام ، ولا يفيدها هذا الحصر باتّفاق.

واستدلّ من قال : إنّها ليست للحصر بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] ، فلو كان معناه : ما المؤمنون إلّا الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، لزم سلب الإيمان عمّن لا يوجل قلبه عند ذكر الله تعالى والإجماع منعقد على خلافه.

والجواب أنّ المراد بالمؤمنين : الكاملو الإيمان ، ولا شكّ أنّ من لا يوجل قلبه

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (١٤٢).


عند ذكر الله فليس بكامل الإيمان. وردّ بأنّ هذا مجاز ، وأجيب بأنّه يجب المصير إليه جمعا بين الأدلّة ، فإنّه قد قام الدليل الذي قدّمناه على إفادتها الحصر وهو معاملة الضمير بعدها معاملته بعد (إلّا) المسبوقة بالنّفي ، ولهذا قال المحقّقون : والأكثر أنّها للحصر ، حتّى لقد نقل النّوويّ إجماع النحويّين والأصوليّين على إفادتها الحصر ، ذكره في (شرح مسلم) ، وهو غريب. فهذا ما يتعلّق بإثبات الأمر الثّاني المعنويّ.

وأمّا ما يتعلّق بالأوّل فنقول : إنّ أصل (إنّما) ، (إنّ) و (ما) ، وأنّ (إنّ) من (إنما) هي التي كانت الرافعة الناصبة قبل وجود (ما) ، وإنّ (ما) هي الحرف التالي لنحو (ليت) في قولهم : «ليتما أخوك منطلق».

فهذه ثلاثة أمور يدل عليها عندي أمران : أحدهما : أنّهم لم يختلفوا في (ليتما) و (لعلّما) و (لكنّما) و (كأنّما) في ذلك ، يعني في تركيبها ، والثاني : أنّ (ما) غير نافية ، فلتكن (إنّما) كذلك.

فإن قيل : هذه غير تلك التي تدخل عليها (ما) الكافّة ، وأنّ (إنّما) على قسمين ، فهذه دعى ما لا يثبت ، ولا يقوم عليه دليل. وأيضا فبأيّ شيء تفرّق أيّها العاقل بين (إنّما) هذه و (إنّما) تلك؟ وأيضا فلم يقل أحد إنّ (إنّما) على قسمين : مفيدة للحصر ، وغير مفيدة له. فهذا الحقّ الذي لا يحيد عنه من فيه أدنى إنصاف.

فإن قيل : معالة (ما) بعد (إنّما) معاملة (ما) بعد (إلّا) المسبوقة بالنّفي تدلّ على أنّ (ما) نافية ، فذلك غير لازم ، إذ لا يمتنع أن يكون الشيء حكمه حكم شيء آخر ، وإن لم يكن مركّبا منه ولا من شيء يشبهه. وإنّما الأمر في ذلك أنّ العرب استعملوا (إنّما) بعد تركيبها من الحرفين في موطن الحصر ، وخصّوها بذلك لمشاركتها ل (ما) و (إلّا) في الحكم ، لأنّهم استعملوها استعمالها وألزموها موضعها ، لا لأنّ (ما) من (إنّما) نافية ، كما أنّه ليس ذلك لأجل أنّ (إنّما) مأخوذة من (إلّا). ثم هذه المقالة بعد فسادها من جهة النّظر مخالفة لأقوال النّحاة ، فإنّهم إنّما ينصّون على أنّ (ما) كافّة ولا يعرف القول بأنّها نافية إلّا لبعض المتأخّرين. والله سبحانه وتعالى أعلم.


ومن فوائده (١) :

مسألة

المبدوء به والموقوف عليه

لمّا كان الابتداء آخذا في التّحريك لم يكن المبدوء به إلّا متحرّكا ، ولمّا كان الانتهاء آخذا في السّكون لم يكن الموقوف عليه إلّا ساكنا. كلّ ذلك للمناسبة. وهذا تعليل حسن ـ والله أعلم ـ

من أبيات الحماسة

[البسيط]

٦٥٦ ـ أقول حين أرى كعبا ولحيته

لا بارك الله في بضع وستّين

من السّنين تملّاها بلا حسب

ولا حياء ولا عقل ولا دين

قوله : (وستّين) يحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون الكسرة كسرة إعراب ، والنّون مجعولة كأنّها لام الكلمة على حدّ قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : «اللهمّ اجعلها عليهم سنينا كسني يوسف» (٣).

والثاني : أن يكون معربا بالياء ، وتكون النون زائدة لفظا وحكما عن مقدّر بها الثبوت ، وتكون الضّرورة قادته إلى أن أتى بالحركة على ما يقتضيه أصل التقاء الساكنين وهذا كثير كقوله : [الوافر]

٦٥٧ ـ [وما ذا تبتغي الشّعراء منّي]

وقد جاوزت حدّ الأربعين

[الوافر]

٦٥٨ ـ [عرفنا جعفرا وبني أبيه]

وأنكرنا زعانف آخرين

__________________

(١) يريد : من فوائد ابن هشام الأنصاري.

٦٥٦ ـ البيتان بلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٥٢٨) ، والتبريزي (٤ / ٩٧) ، والخزانة (٣ / ٤١٦) ، والبيت الأول بلا نسبة في لسان العرب (بضع) ، وتاج العروس (بضع).

(١) يريد : من فوائد ابن هشام الأنصاري.

٦٥٧ ـ الشاهد لسحيم بن وثيل في إصلاح المنطق (ص ١٥٦) ، وتخليص الشواهد (ص ٧٤) ، وتذكرة النحاة (ص ٤٨٠) ، وخزانة الأدب (٨ / ٦١) ، والدرر (١ / ١٤٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٦٢٧) ، وشرح التصريح (١ / ٧٧) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤١) ، وشرح المفصّل (٥ / ١١) ، ولسان العرب (نجذ) و (ربع) ، و (دري) ، والمقاصد النحوية (١ / ١٩١) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٦١) ، وجواهر الأدب (ص ١٥٥) ، وشرح الأشموني (١ / ٣٨) ، والمقتضب (٣ / ٣٣٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٤٩).

٦٥٨ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٤٢٩) ، والاشتقاق (ص ٥٣٨) ، وتخليص الشواهد (ص ٧٢) ، وتذكرة النحاة (ص ٤٨٠) ، وخزانة الأدب (٨ / ٩٥٦) ، والدرر (١ / ١٤٠) ، والمقاصد النحوية (١ / ١٨٧) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٦٧) ، وشرح التصريح (١ / ٧٩) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤٠).


ورجّح أبو الفتح بن جنّي هذا الوجه على الأوّل بقوله : «من السّنين» وبيان ذلك أنّه في الأصل تمييز منصوب فحقّه : لا بارك الله في بضع وستين سنة ، فلمّا أتى به على مقتضى القياس الأصلي ، وهو ذكر لفظة (من) وجمع (سنة) وتعريفها ، فلذا حكم على قوله : (وستّين) أنّه جاء به على مقتضى القياس في حركته وهي الكسرة. قلت : ويرجّحه أمر آخر وهو أنّ الإعراب بالحركات مع التزام الياء إنّما هو معروف في باب (سنة) و (عضة) و (قلة) ، أعني ما حذفت لامه (١). وأمّا غير ذلك فلعلّه لا يثبت فيه ـ والله أعلم ـ.

ومن فوائده :

الفرق بين العرض والتحضيض

الفرق بين العرض والتّحضيض أنّ العرض طلب بلين ورفق ، والتّحضيض طلب بإزعاج وعنف.

مسألة

(علمت) بمعنى عرفت وبمعنى العلم

ومن فوائده : قال أبو الفتح : قلت لأبي عليّ : إذا كانت (علمت) بمعنى (عرفت) عدّيت إلى مفعول واحد ، وإذا كانت بمعنى العلم عدّيت إلى مفعولين فما الفرق بين (علمت) و (عرفت) من جهة المعنى؟ فقال : لا أعلم لأصحابنا في ذلك فرقا محصّلا ، والذي عندي في ذلك : أنّ (عرفت) معناها العلم من جهة المشاعر والحواسّ ، بمنزلة أدركت ، و (علمت) معناها العلم من غير جهة المشاعر والحواسّ. يدلّ على ما ذكرنا في (عرفت) قوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] ، والسّيما تدرك بالحواسّ وبالمشاعر ، وكذلك في ذكر الجنّة : (عَرَّفَها لَهُمْ) [محمد : ٦] ، أي : طيّب رائحتها لهم ، من العرف ، وهو الرّائحة ، والرّائحة إنّما تعلم من جهة الحاسّة ، وقوله : [الكامل]

٦٥٩ ـ أو كلّما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٥ / ٥) ، وأوضح المسالك (١ / ٣٧).

٦٥٩ ـ الشاهد لطريف بن تميم العنبري في الأصمعيات (ص ١٢٧) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٢٨٩) ، والكتاب (٤ / ١٢٣) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٧٠) ، ولسان العرب (ضرب) ، و (عرف) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٠٤) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب (ص ٥٦١) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٧٢) ، والمنصف (٣ / ٦٦).


قلت له : أفيجوز أن تقول : (عرفت) : ما كان ضدّه في اللّفظ (أنكرت) ، و (علمت) : ما كان ضدّه في اللّفظ (جهلت) ، فإذا أريد ب (علمت) العلم المعاقبة عبارته الإنكار تعدّى إلى مفعول واحد ، وإذا أريد بالعلم المعاقبة عبارته الجهل تعدّى إلى مفعولين. ويكون هذا فرقا بينهما صحيحا ، لأنّ (أنكرت) ليست بمعنى (جهلت) ، لأنّ الإنكار قد يصاحبه العلم ، والجهل لا يصاحبه العلم ، ولأنّه إنّما ينكر الإنسان ما يعلمه ، ولا يصحّ أن ينكر ما قد يجهله ، ولأنّ الجهل يكون في القلب فقط ، والإنكار يكون باللّسان ، وإن وصف القلب به كقولك : «أنكره قلبي» كان مجازا ، وكون الإنكار باللّسان دلالة على أنّ المعرفة متعلّقة بالمشاعر فقال : هذا صحيح والله أعلم.

الشروط التي يتحقّق بها تنازع العوامل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلاته على سيّدنا محمد خير خلقه وآله. قال الفقير إلى ربّه عبد الله بن هشام غفر الله له ولوالديه ولأحبابه ولجميع المؤمنين :

هذا فصل في الشّروط التي بها يتحقّق تنازع العاملين أو العوامل.

قد تتبّعنا ذلك فوجدناه منحصرا في خمسة شروط ، شرطين في العامل وشرطين في المعمول وشرط بينهما.

فأمّا الشرطان اللّذان في العامل :

فأحدهما : ألّا يكون من نوع الحروف ، فلا تنازع في نحو «إن لم تفعل» ولا في نحو قول الشاعر : [مشطور الرجز]

٦٦٠ ـ حتى تراها وكأنّ وكأن

أعناقها مشدّدات في قرن

خلافا لبعضهم.

الثاني : أنّ يكون كلّ منهما طالبا من حيث المعنى لما فرض التّنازع فيه ، فلا تنازع في : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤] لأنّ طالب الظّلم والعلوّ الجحد لا الاستيقان ، ولا في : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)

__________________

٦٦٠ ـ الرجز لخطام المجاشعي ، أو للأغلب العجلي في الدرر (٦ / ٥٠) ، وشرح التصريح (٢ / ١٣٠) ، والمقاصد النحوية (٤ / ١٠٠) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ٣٤٢) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤١٠) ، وشرح التصريح (١ / ٣١٧) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٢٥).


[الذاريات : ٥٥] ، لأنّ طالب (المؤمنين) هو فعل النّفع لا الأمر بالتّذكير لعموم البعثة ـ كذا قالوا ـ. ولك أن تقول : لا يمتنع التّنازع فيهما ، أمّا في الأولى : فعلى جعل (ظلما) و (علوّا) مصدرين في موضع الحال ك «جاء زيد ركضا» فيكون التقدير : وجحدوا بها ظالمين مستعلين واستيقنوها وحالتهم هذه ، وأمّا في الثانية : فلأنّ عموم البعثة لا ينفي تخصيص (عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] ، وقد قال كثيرا من المفسّرين في (قُلْ لِعِبادِيَ ..) [إبراهيم : ٣١] : إنّ المراد (المخلصين) وأنّ الإضافة إضافة تشريف ، وبنوا على هذا صحّة الجزم في قوله سبحانه (يقيموا) و (ينفقوا) ، ونحو ذلك ممّا جزم في جواب الشرط المقدّر بعد الأمر ، فلولا أنّ المراد : (المخلصون) لم يصحّ أن يكون التقدير : إن تقل لهم يقيموا وينفقوا لما يلزم عليه من الخلف في خبر الصادق ، إذ قد يخلف من المقول لهم ـ على هذا التقدير ـ جمّ غفير لا يحصى. والمثال الجيّد فيما نحن فيه قول الشاعر ـ أنشده الفارسي : [الوافر]

٦٦١ ـ عدينا في غد ما شئت إنّا

نحبّ ولو مطلت الواعدينا

فلا تنازع بين (نحبّ) و (مطلت) في (الواعدين) لأنّ الممطول موعود لا واعد ف (الواعدين) مفعول ل (نحبّ) لا غير.

وأمّا الشرطان اللّذان في المعمول :

فأحدهما : ألا يكون سببيّا ، فلا تنازع بين (ممطول) و (معنّى) في قوله (١) : [الطويل]

[قضى كلّ ذي دين فوفى غريمه]

وعزّة ممطول معنّى غريمها

لأنّهما حينئذ خبران ل (عزّة) ، وإذا أعمل أحدهما في الغريم أعطي الآخر ضميره كما هو قاعدة التّنازع ، ويلزم من ذلك عدم ارتباط أحد الخبرين بالمخبر عنه ، ألا ترى أنّه يؤول به التقدير ـ على إعمال الأوّل ـ إلى قولك : وعزّة ممطول غريمها معنّى غريم!! وعلى إعمال الثّاني إلى قولك : وعزّة ممطول غريم معنّى غريمها. فإذا ثبت أنّ التنازع في هذا النحو متعذّر وجب أن يحمل على أنّ هذا السببيّ مبتدأ مؤخّر ، وما قبله خبران له يتحمّلان ضميره ، والجملة خبر الأوّل. هذا تقرير قول جماعة منهم أبو عبد الله بن مالك ـ رحمهم الله أجمعين ـ.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٧٧).


وأقول : جوّز التنازع في هذا النحو جماعة منهم : أبو بكر بن طاهر (١) في (طرر الإيضاح) ، وأبو الحسن بن الباذش (٢) في حواشيه ، ونقله بعضهم عن الفارسي. وهو لازم لجماعة منهم الأستاذ أبو عليّ الشّلوبين ـ رحمهم الله تعالى ـ لأنهم أجازوا في قول الله سبحانه : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : ٤٣] كون (من) موصولة مخبرا عنه ب (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*) والرابط بينهما الإشارة إلى المصدر المفهوم من فعل الصّلة المقدّر إضافته إلى ضمير (من) أي : إنّ صبره وغفرانه ، فقد جعلوا الارتباط حاصلا بالإشارة إلى المصدر المقدّر ارتباطه بالمبتدأ بمنزلة الإشارة إلى نفس المبتدأ في نحو : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦] ، فيلزمهم في مسألتنا الارتباط بالضمير العائد على الغريم ، لأنّه مرتبط بضمير المبتدأ بل تجويز هذا في مسألتنا أقيس من تجويزه في الآية الكريمة لوجهين :

أحدهما : أنّ الضمير هو الأصل في باب الرّبط فلا بعد في أن يكون التوسّع فيه أكثر.

والثاني : أنّ باب التنازع تجوّزوا فيه في الإضمار ، فأعادوا الضمير على ما تأخّر لفظا ورتبة نحو : «ضربوني وضربت قومك» ، وأعادوا فيه الضمير مفردا على المثنّى والمجموع فقالوا : «ضربني وضربت قومك» على معنى : ضربني من ثمّ ، كذا قدّره سيبويه (٣). ولم يتجوّزا بذلك في باب المبتدأ ، ألا ترى أنّه لا يجوز «صاحبها في الدّار» ولا «الزيدان قام» بمعنى : قام من ثمّ. وإذا انتفى ذلك ظهر أنّ مسألتنا أولى بالإجازة ، ثمّ إنا إذا سلّمنا امتناع التنازع لما ذكروا نمنع تعميم المنع فنقول : تعليق المنع بكون المعمول سببيّا تعميم فاسد ، لأنّهم أسندوا المنع لعدم الارتباط ، وذلك ليس موجودا في كلّ سببيّ على تقدير التّنازع فيه ، لأنّه إذا كان العاملان متعاطفين بفاء السّببية ، أو بواو العطف وهما مفردان ، فإنّ الارتباط حاصل من جهة العاطف وإن فقد من جهة الضمير ، لأنّ فاء السببيّة تنزل الجملتين كالجملة الواحدة لأنّهما سبب ومسبّب ، والواو في المفردات للجمع ، لهذا أجازوا الاكتفاء بضمير واحد في نحو :

__________________

(١) أبو بكر بن طاهر : هو محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي ، المعروف بالخدبّ ، نحويّ حافظ اشتهر بتدريس الكتاب وله على الكتاب طرر مدونة مشهورة اعتمدها تلميذه ابن خروف في شرحه ، وله تعليق على الإيضاح ، وغير ذلك. ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٢٨).

(٢) أبو الحسن بن الباذش : هو علي بن أحمد بن خلف بن محمد الأنصاري الغرناطي ، من مصنّفاته : شرح كتاب سيبويه ، والمقتضب ، وشرح أصول ابن السرّاج ، وشرح الإيضاح ، وشرح الجمل ، وشرح الكافي للنحاس. (ت ٥٢٨ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ١٤٢).

(٣) انظر الكتاب (١ / ١٣٢).


«الذي يطير فيغضب زيد الذّباب» وقال الله جلّت كلمته : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [الحج : ٦٣] ، وقال الشاعر : [الطويل]

٦٦٢ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو وتارات يجمّ فيغرق

وأجازوا «مررت برجل كريم بنوك وابنه». فعلى هذا الذي شرحناه لا يلزم من امتناع التنازع في نحو (٢) : [الطويل]

[قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه]

وعزّة ممطول معنّى غريمها

حيث لا فاء سببية ولا واو بين المفردين أن يمتنع في «عزّة ممطول ومعنّى غريمها» و «عزّة ممطول فمعنّى غريمها» ، ثمّ إذا لم يكن (معنّى) مبتدأ البتّة فلا منع وإن وجد السببيّ ، مثاله : قيل لك : ما معك من خبر زيد؟ فتقول : «قام وقعد أبوه» ، لا يمنع التّنازع فيه أحد. وإذا ثبت جوازه في ذلك ونحوه فالصّواب أن يقال : إنّ الشّرط ألّا يكون الحمل على التّنازع مؤدّيا إلى عدم الرّبط.

الثاني : ألّا يكون محصورا فلا تنازع في «ما قام وقعد إلّا زيد» لأمرين :

أحدهما : أنّ الواقع بعد (إلّا) إمّا أن يكون ظاهرا أو مضمرا ، وأيّا ما كان ، فهو غير متأتّ ، فإن كان ظاهرا فإنّه يقتضى أن يقول في نحو : «ما قام وقعد إلّا الزيدان» أو «إلّا الزيدون» : (ما قاما) أو (ما قاموا) أو (قعدا) أو (قعدوا) ، ولم يتكلّم بمثل هذا ، وإن كان مضمرا فإنّه إن كان حاضرا نحو : «ما قام وقعد إلّا أنا» أو «إلّا أنت» ، لم يتأتّ الإضمار في أحدهما إذا أعملت الآخر ، لأنّك إمّا أن تضمر ضميرا غائبا فيلزم إعادة ضمير غائب على حاضر ، أو ضميرا حاضرا فتقول «ما قام وقعدت إلّا أنا» أو «... وقعدت إلّا أنت» ، أو تقيس ذلك على إعمال الثّاني ، فيلزم مخالفة قاعدة التنازع ، لأنّك تعيد الضّمير على غير المتنازع فيه ، لأنّ ضميري المتكلّم والمخاطب إنّما يفسّرهما حضور من هما له لا لفظه والضمير في باب التّنازع إنّما يعود على لفظ المتنازع فيه ، وإن كان غائبا لزم إبرازه في التثنية والجمع ، وقد ذكرنا أنّه لم يتكلّم به.

الوجه الثاني : أنّ الإضمار في أحدهما يؤدّي إلى إخلاء عامله في الإيجاب ، لأنّ

__________________

٦٦٢ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ٤٦٠) ، وخزانة الأدب (٢ / ١٩٢) ، والدرر (٢ / ١٧) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٧٨) ، ولكثير في المحتسب (١ / ١٥٠) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ٣٦٢) ، وتذكرة النحاة (ص ٦٦٨) ، وشرح الأشموني (١ / ٩٢) ، ومجالس ثعلب (ص ٦١٢) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٠١) ، والمقرّب (١ / ٨٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٨).

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٧٧).


الفعل إنّما يصير موجبا بمقارنة (إلّا) لمعموله لفظا أو معنى ، فإذا لم يقترن بها لفظا ولا معنى فهو باق على النّفي ، والمقصود بخلاف ذلك.

وإذا امتنع التنازع فيما ذكرنا فاعلم أنّه محمول على الحذف. وممّن نصّ على ذلك ابن الحاجب وابن مالك فأصله «ما قام أحد ولا قعد إلّا زيد» فحذف (أحد) من الأوّل لفظا واكتفي بقصده ودلالة النفي والاستثناء عليه كما جاء (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : ١٥٩] ، (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ، أي : ما من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ به ، وما منّا أحد إلّا له مقام ، وذهب بعضهم إلى أنّ نحو ذلك من باب التّنازع ، وليس بشيء لما شرحناه. ولم يذكر ابن مالك هذا الشّرط في صدر باب التّنازع فاقتضى ظاهر كلامه أنّه منه ، ثمّ قال في أثناء الباب : «ونحو «ما قام وقعد إلّا زيد» محمول على الحذف لا على التنازع خلافا لبعضهم» وكان حقّه أن يذكره حيث تعرّض لذكر شروط التّنازع. وذكر ابن الحاجب شرطا في المعمول غير ما ذكرناه ، وهو ألّا يكون ضميرا ، وقال في توجيه ذلك : لأنّ العاملين إذا وجّها إلى مضمر استويا في صحّة الإضمار فيه فلا تنازع في نحو : «ضربت وأكرمت» وردّ عليه ابن مالك بأنّ هذا منه تقرير بأنّه لا يتأتّى في المضمر صورة تنازع ، فلا وجه لهذا الاحتراز لأنّ قولنا : إذا تنازع العاملان ، لا يمكن تناوله لذلك ، وقد يقال إنّ هذا إنّما ذكر للإعلام من أوّل الأمر بصورة التّنازع لا للاحتراز عن صورة يتأتّى فيها صورة التّنازع في الضمير ، ولا يحكم النحويّون بأنّه من التنازع. ثم إنّ هذا المعترض قد ذكر من شروط التنازع تأخير المعمول ، وأقام الدليل على أنه لا يتأتّى ولا يتصوّر في غيره وهو نظير ما اعترض به على أبي عمرو.

فإن قلت : إنّ الحجّة التي احتجّ بها أبو عمرو على أنّ التّنازع لا يتأتّى في المضمر ، إنّما يستمرّ في المضمر المتّصل ، فأمّا المنفصل فيمكن التجاذب بين العاملين فيه ، نحو : «ما قام وقعد إلّا أنا».

قلت : قد مضى أنّ ذلك إنّما يتّجه على الحذف كما شرحناه.

وأمّا الشّرط الذي بينهما : فتقدّم العاملين وتأخّر المعمول. قال ابن مالك : «وإنّما لم يتأتّ التنازع بين عاملين متأخّرين نحو : «زيد قام وقعد» لأنّ كلّا من المتأخّرين مشغول بمثل ما يشغل به الآخر من ضمير الاسم السابق ، فلا تنازع بخلاف المتقدّمين نحو : «قام وقعد زيد» فإنّ كلّا من الفعلين متوجّه في المعنى إلى (زيد) وصالح للعمل في لفظه وأعمل أحدهما في ظاهره والآخر في ضميره» انتهى بنصّه.


وأقول : هذا إنّما يتمشّى له في المتقدّم المرفوع فأمّا في المنصوب والمجرور فلا يتمشّى ، فنحو : «زيدا ضربت وأكرمت» ونحو «بزيد مررت واتّبعت» لم يقتض تعليله امتناع التّنازع فيه واقتضاه تعميمه المنع ، فالذي ينبغي ألّا يحكم بمنع التّنازع في المتقدّم مطلقا ، بل بشرط كونه مرفوعا. وينبغي أن يكون الفريقان في ذلك متّفقين على اختيار إعمال الأوّل لأنّه أسبق العاملين وأقربهما إلى المعمول. وكذا لا يمتنع تنازع العاملين معمولا متوسطا بينهما كقولك : «إن تجد زيدا تؤدّب» ، وهذه المسألة ينبغي أن يكون إعمال الأوّل فيها أرجح عند الجميع ، لتساويهما في القرب ، وفضّل الأوّل بالسّبق ، وأنّ إعماله ينفي الإضمار قبل الذّكر. فهذا ما اقتضاه ظاهر الأمر عندي ، ولست مبتدعا في ذلك بل متّبعا فقد نقل أبو حيّان إجازة التنازع في المتقدّم في تفسير سورة براءة ، وأنّ بعضهم جعل منه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨] ، قال : والأكثرون على منعه. وذكر ابن هشام الخضراويّ في (شرح الإيضاح) عن أبي عليّ أنّه أجاز في قوله : [البسيط]

٦٦٣ ـ [قد أوبيت كلّ ماء فهي طاوية]

مهما تصب أفقا من بارق تشم

أن يكون (أفقا) ظرفا ل (تشم) ، و (بارقا) مفعول به منصوب ب (تشم) أيضا ، و (من) زائدة لأنّ الكلام غير إيجاب لتقدّم الشّرط ، ومفعول (تصب) محذوف ، أي : مهما تصبه ، والهاء عائدة على البارق أو الأفق. قال ابن هشام (٢) : «وهذا من تنازع العاملين مع التوسّط وقلّما يذكره النحويّون» انتهى. والحقّ أولى بالاتّباع من الوقوف مع قول الجمهور فإنّهم ذكروا علّة لم يظهر اطّرادها.

شاهدت بخطّ الإمام العلّامة ركن الدّين أبي عبد الله محمّد الشهير بابن القوبع ـ رحمه الله ـ : [الخفيف]

أبلغ العالمين عنّي بأنّ

كلّ علم تصوّر وقياس

قد كشفت الأشياء بالعقل حتّى

ظهرت لي فليس فيها التباس

وعرفت الرّجال بالعلم لمّا

عرف العلم بالرجال الناس

__________________

٦٦٣ ـ الشاهد لساعدة بن جؤية في خزانة الأدب (٨ / ١٦٣) ، والدرر (٥ / ٧٠) ، وشرح أشعار الهذليين (٣ / ١١٢٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٥٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٥٧) ، ولسان العرب (أبي) ، و (صوي) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٢٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٣٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ٥٧).

(١) يريد ابن هشام الخضراوي.


هذه الأبيات الثلاثة كتبت بخطّه ، ورأيت بعد هذه الأبيات بخطّه ـ رحمة الله عليه ـ :

هذا كلام على طريقة البحث وأمّا التحقيق فأن يقال : يمنع التنازع في المتقدّم وذلك لأنّه إنّما يتحقّق تجاذب العاملين للمعمول مع تأخّره عنهما ، أمّا إذا تقدّم وجاءا بعده ك «زيدا ضربت وأكرمت» فإنّ الأوّل بمجرّد وقوعه بعده يأخذه قبل مجيء الثاني ، لأنّه طالب له من حيث المعنى ولم يجد معارضا ؛ فإذا جاء الثاني لم يكن له أن يطلبه لأنّه إنّما جاء بعد أخذ غيره له. وكذا البحث في المتوسّط. فهذا إن شاء الله تعالى هو الحقّ الذي لا يعدل عنه وينبغي أن يكون هو حجّة للنحويّين لا ما احتجّ به ابن مالك ، انتهت المسألة ـ انتهى بنصّه ـ.

قال ابن النّحاس (١) : لا أعلم في التنزيل العظيم ما هو صريح في إعمال الثاني إلّا قوله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ ...) [المنافقون : ٥] ، ولو أعمل الأوّل لقيل : تعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله ومثله في الحديث : «إنّ الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم ..» (٢) وهو عكس الآية لأنّ الثاني تعدّى بالجارّ ، ولو أعمل الأوّل لعدّاه بنفسه. انتهى. وأمّا باقي الآي فلا صراحة فيها.

وقولهم : لو أعمل الأوّل لأضمر في الثاني لا يلزم ، لأنّ الإضمار غير واجب ، وقد ذكرنا أمثلته ، وإذا لم يجب لم يكن معنا قاطع انتهى. وأقول : ما قاله مسلّم ، إلّا أنّ مشايخنا في هذا العلم ذكروا أنّ الإضمار وإن لم يجب لأنّه فضلة لكن يلزم إجماع القرّاء السّبعة على غير الأفصح. وهو غير جائز.

قوله : وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه يقتضي عدم التنازع في الحال.

قال ابن معط في (شرح الجزوليّة) : «وتقول في الحال : «إن تزرني ضاحكا آتك في هذه الحالة» ولا يجوز الكناية عنها لأنّ الحال لا تضمر. وتقول في الظّرف على إعمال الثاني : «سرت وذهبت اليوم». وعلى الأوّل : سرت وذهبت فيه اليوم. وفي المصدر على الثاني : «إن تضرب بكرا أضربك ضربا شديدا» ، وعلى الأوّل : «أضربكه ضربا شديدا».

__________________

(١) ابن النحاس : هو محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الإمام أبو عبد الله بهاء الدين بن النحاس الحلبي النحوي : لم يصنّف إلا ما أملاه شرحا لكتاب «المقرّب» ، (ت ٦٩٨ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٣).

(٢) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٥٤٦).


وفي كتاب (إصلاح الغلط) (١) لابن قتيبة قال : قرأت على ثعلب قول الشاعر : [الطويل]

٦٦٤ ـ فرطن فلا ردّ لما فات وانقضى

ولكن بغوض أن يقال عديم

قال : ما معنى بغوض ثمّ قال : بلغني أن الخلديّ ـ يعني المبرّد ـ أنّه صحّف هذا البيت وذكر أنّه سمعه من أصحابه هكذا ، فإن يكن تصحيفا من سيبويه فقد صحّفوا كلّهم. فقلت له : فكيف الرّواية فقال : هذا يصف رجلا مات له ميّت فقال له : فرطن ، يعني المدامع ، فلا ردّ لما فات : يعني من الموت ، ولكن تعوّض الصّبر عن مصيبتك ولا تكثر الجزع فيقال عديم.

قال ابن قتيبة : وهذا المعنى أجود وأولى بتفسير البيت ممّا جاء به أصحابنا ، وقد عرضت كلامه في ذلك على أبي إسحاق الزجّاج فاستحسنه الجماعة.

شروط التنازع

التنازع له شروط :

الأول : أن يتقدّم عاملان فأكثر ولا يقع بين المتأخرين ، هكذا أطلق المتأخرون ومنهم ابن مالك وعلّل بعلّة قاصرة. وشرط هذا العامل أمور :

أحدها : عند بعض النّحاة ، وهو ألّا يكون فعل تعجّب ، لأنّه جرى مجرى المثل فلا يتصرّف فيه بفصل ولا غيره. وأجازه أبو العباس ومنعه ابن مالك. قال : لكن بشرط إعمال الثاني كقولك : «ما أحسن وأعقل زيدا» بنصب (زيدا) ب (أعقل) لا ب (أحسن) لئلّا يلزم فصل ما لا يجوز فصله. وكذلك أحسن به وأعقل بزيد بإعمال الثاني ولا تعمل الأوّل فتقول : وأعقل به بزيد للفصل ، ويجوز على أصل الفرّاء : «أحسن وأعقل بزيد» على أنّ أصله : أحسن به ثمّ حذفت الباء لدلالة الثانية عليها ، ثمّ اتّصل الضمير واستتر كما استتر في الثاني في (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] إلّا أنّ الاستدلال بالأوّل على الثاني أكثر.

والثاني : ألّا يكون حرفا ، قال ابن عمرون : وجوّز بعضهم التّنازع في (لعلّ) و (عسى) فيقال : «لعلّ وعسى زيد أن يخرج» على إعمال الثاني ، و «لعلّ وعسى زيدا خارج» على إعمال الأوّل ، وليس واضحا ، إذ لا يقال : عسى زيد خارجا ، ويلزم منه حذف منصوب عسى.

__________________

(١) هو كتاب إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث.

٦٦٤ ـ الشاهد لمزاحم العقيلي في لسان العرب (بغض) ، والكتاب (٢ / ٣١٠).


الثالث : عند بعض النحويّين وهو ألّا يكون العامل يطلب أكثر من مفعول واحد.

الرابع : ألّا يكون أحد العاملين مؤكدا ، فلا تنازع في : [الطويل]

٦٦٥ ـ [فأين إلى أين النّجاة ببغلتي]

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس

الخامس : أن يكونا قد تأخر عنهما اسم أو أكثر هو مطلوب لكلّ منهما ، فلو كان مطلوبا لأحدهما فلا تنازع.

السادس : أن تكون المعمولات أقلّ من مقتضيات العوامل ، فلا تنازع في «ضربت وأكرمت الجاهل العالم» إن جاز هذا الكلام ، لأنّ كلّا من العاملين قد أخذ مقتضاه.

السابع : أن يكون بين العاملين أو العوامل اتصال بوجه ما.

الثامن : ألّا يكون المعمول سببيا فلا تنازع في (٢) : [الطويل]

[قضى كل ذي دين فوفّى غريمه]

وعزّة ممطول معنّى غريمها

إذا لم يجعل (غريمها) مبتدأ ، وكذا «زيد قام وقعد أبوه» لأنّك إن أضمرت في أحدهما ضمير الأب وحده خلا الخبر من الرّابط أو الأب في الضمير فيحتاج لضميرين أحدهما مضاف والآخر مضاف إليه وذلك باطل لامتناع إضافة الضمير. فبطل كون (غريمها) مرفوعا على غير الابتداء.

والتاسع : ألّا يكون المعمول مضمرا ، شرط ذلك ابن الحاجب ، وشرحه معروف.

والعاشر : هو الشّرط الأوّل.

مسألة

الأفعال المتعديّة لا تتميّز عن غيرها

طوبى لمن صدّق رسول الله وآمن به ، وأحبّ طاعته ورغب فيها ، وأراد الخير وهمّ به ، واستطاعه وقدر عليه ، ونسي عمله وذهل عنه ، وخاف عذاب الله وأشفق

__________________

٦٦٥ ـ الشاهد بلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ١٩٤) ، وخزانة الأدب (٥ / ١٥٨) ، والخصائص (٣ / ١٠٣) ، والدرر (٥ / ٣٢٣) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٠١) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤٨٧) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٩٠) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٩) ، وهمع الهوامع (٢ / ١١١).

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٧٧).


منه ، ورجا ثوابه وطمع فيه ، فهذه أفعال سبعة متّحدة المعاني ، وهي مختلفة بالتّعدّي واللّزوم ، فدلّ على أنّ الفعل المتعدّي لا يتميّز من غيره بالمعنى. بشر الحافي (١) يذكر حاله في المسلمين : [البسيط]

قطع اللّيالي مع الأيّام في خلق

والنّوم تحت رواق الهمّ والقلق

أحرى وأجدر لي من أن يقال غدا :

أنّي التمست الغنى من كفّ مرتزق

قالوا رضيت بذا قلت القنوع غنى

ليس الغنى كثرة الأموال والورق

رضيت بالله في عسري وفي يسري

فلست أسلك إلّا واضح الطّرق

وقال بعضهم في التّنازع أيضا : [الطويل]

٦٦٦ ـ طلبت فلم أدرك بوجهي فليتني

قعدت ولم أبغ النّدى بعد سائب

وقد تنازع أربعة عوامل معمولا واحدا وهو النّدى فتأمّل.

قال الشيخ جمال الدين بن هشام : اجتمع في هذا البيت تنازع بين اثنين ، وتنازع بين ثلاثة ، وتنازع بين أربعة ، فقد تنازع (طلبت) و (لم أدرك) في (بوجهي) ، وقد تنازعا و (لم أبغ) في النّدى ، وقد تنازع الثلاثة و (قعدت) في الظّرف ، فهذه اتّفاقية غريبة. انتهى. ففي قوله : «معمولا واحدا» وهو (النّدى) نظر ، بل المعمول الواحد قوله (بعد) كما قرّره الشيخ جمال الدين رحمة الله عليه والمسلمين أجمعين.

تهذيب ابن هشام لكتاب الشذا في أحكام

(كذا) لأبي حيّان

قال الشيخ جمال الدّين بن هشام : بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على محمد وآله وصحبه وبعد :

فإنّي لمّا وقفت على (كتاب الشّذا في أحكام كذا) لأبي حيّان رحمه الله تعالى رأيته لم يزد على أن نسخ أقوالا وجدها وجمع عبارات وعدّدها ، ولم يفصح كلّ الإفصاح عن حقيقتها وأقسامها ، ولا بيّن ما يعتمد عليه ممّا أورده من أحكامها ، ولا نبّه على ما أجمع عليه أرباب تلك الأقوال واتّفقوا ، ولا أعرب عمّا اختلفوا فيه

__________________

(١) أبو نصر بشر بن الحارث الحافي : أحد المتصوفة الكبار ، سكن بغداد ومات فيها سنة سبع وعشرين ومأتين

٦٦٦ ـ الشاهد للحماسي في حاشية ياسين على التصريح (١ / ٣١٦) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ٢٠٣).


وافترقوا. فرأيت أنّ الناظر في ذلك لا يحصل منه بعد الكدّ والتّعب إلّا على الاضطراب والشّغب. فاستخرت الله في وضع تأليف مهذّب أبيّن فيه ما أجمل ، واستئناف تصنيف مرتّب ، أورد فيه ما أهل وسمّيته : (فوح الشّذا بمسألة كذا) ، وبالله تعالى أستعين وهو حسبي ونعم المعين ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

وينحصر في خمسة فصول :

الفصل الأول

في ضبط موارد استعمالها

اعلم أنّ ل (كذا) استعمالين :

أحدهما : أن يستعمل كلّ من جزأيها على أصله ، فيراد بالكاف التشبيه ، وب (ذا) الإشارة ، ولا يراد بمجموعهما الكناية عن شيء. فهذه بمعزل عمّا نحن فيه ، ذلك كقولك : رأيت زيدا فقيرا وعمرا كذا ، وقول الشاعر : [مجزوء الوافر]

٦٦٧ ـ وأسلمني الزّمان كذا

فلا طرب ولا أنس

ويكون اسم الإشارة في هذا النوع باقيا على معناه ، يصحّ أن يسبقه حرف التنبيه وأن يليه كاف الخطاب ولام البعد ، ألا ترى أنّك لو قلت في المثال : «.... ورأيت عمرا هكذا» ، و: «.... كذاك» و: «.... كذلك» ، وقلت في البيت : «وأسلمني الزمان هكذا» ، كان مستقيما!!. إلّا أنّ حرف التنبيه هنا متقدّم على الكاف كما أريتك ، وإنّما القاعدة فيه مع سائر حروف الجرّ أن يتأخّر عنها كقولك : (بهذا) أو (لهذا) ، إلّا في هذا الموضع خاصّة قال أبو الطيّب : [الخفيف]

٦٦٨ ـ ذي المعالي فليعلون من تعالى

هكذا هكذا وإلّا فلالا

والثاني : أن يخرج كلّ من الجزأين عن أصله ويستعمل المجموع كناية. وهذه على ضربين :

أحدهما : أن تكون كناية عن غير عدد ، كقولك : «مررت بدار كذا». واعتقادي في هذه أنّها إنّما يتكلّم بها من يخبر عن غيره ، وأنّها تكون من كلامه لا

__________________

٦٦٧ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح الأشموني (٣ / ٦٤٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥١٤) ، ومغني اللبيب (١ / ١٨٧).

٦٦٨ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٣ / ٢٥٤) بشرح البرقوقي.


من كلام المخبر عنه ، هذا الذي شهد به الاستقراء وقضى به الذوق الصحيح ، فلا يقول أحد ابتداء «مررت بدار كذا» ولا «.... بدار كذا وكذا» بل يقول : «... بالدار الفلانيّة» ، ويقول من يخبر عنه قال فلان مررت بدار كذا ، أو : ... بدار كذا وكذا ، وذلك لنسيان اعترى المخبر أو لغير ذلك. ومنه ما جاء في حديث الحساب ـ أعاذنا الله من سوء فيه ـ : «أتذكر يوم كذا وكذا فعلت فيه كذا وكذا» (١). وقول من قال : «أما بمكان كذا وكذا وجذ إنّما الكناية فيه من كلام من حكى عن غيره ، ألا ترى أنّهم حكوا أنّه قيل له في الجواب : بلى وجاذا (٢) ولو كان السائل كانيا لم يعلم مراده ، ولم تقبح إجابته بالتّعيين ،ودعوى أنّ المسؤول علم ما كني عنه على خلاف الأصل والظاهر. وغلط جماعة فجعلوا من هذا القسم قوله (٣) :[مجزوء الوافر]

وأسلمني الزمان كذا

[فلا طرب ولا أنس]

والحقّ أنّ ذلك ليس من الكناية في شيء وقد مضى.

الضرب الثاني : ـ وهو الغالب ـ أن يكنى بها عن عدد مجهول الجنس والمقدار.

وهذه والتي قبلها مركّبتان من شيئين : أحدهما الكاف ، والظاهر أنّها الكاف الحرفيّة المفيدة للتشبيه ، لأنّها القسم الغالب من أقسام الكاف كما ركّبوها مع (أنّ) في (كأنّ) نحو قولك «كأنّ زيدا أسد». والثاني : (ذا) التي للإشارة كما ركّبوها مع (حبّ) في (حبّذا) ومع (ما) في نحو : ماذا صنعت ، في أحد التّقادير. ولا يحكم على (ذا) بأنّها في موضع جرّ ، ولا على الكاف بأنّها متعلّقة بشيء ، ولا بأنّ فيها معنى التّشبيه ، وإن كان باقيا بعد التركيب في (كأنّ) ، إلا أنّه لا معنى له هنا ، فلا وجه لتكلّف ادّعائه لأنّ التركيب كثيرا ما يزيل معنى المفردين ، ويحدث بمجموعهما معنى لم يكن ، ويحكم على مجموع الكلمتين بأنّه في موضع رفع أو نصب أو جرّ بحسب العوامل الدّاخلة عليها. ويدلّ على أنّ الأمر كذلك أمور :

أحدها : أنّ (ذا) لا تؤنّث لتأنيث تمييزها ، تقول له : «عندي كذا وكذا أمة» ولا تقول : «... كذه وكذه ...».

والثاني : أنّها لا تتبع بتابع ، لا يقولون : «كذا نفسه رجلا».

__________________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٣ / ٤٧).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣١٢).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٦٧).


الثالث : أنّهم قالوا : «إنّ كذا وكذا مالك» برفع المال ، ذكره أبو الحسن في المسائل.

الرابع : أنّهم قالوا : حسبي بكذا» فأدخلوا عليها الجارّ. ذكره أبو الحسن أيضا.

الخامس : أنّهم يقولون : «كذا وكذا درهما» مع أنهم لا يركّبون ثلاثة أشياء ، فما ظنّك بأربعة؟ فلولا أنّ (كذا) قد صارت بمنزلة الشيء الواحد لم يسغ ذلك.

وذهب جماعة من النحويّين إلى أنّ الكاف و (ذا) كلمتان باقيتان على أصلهما من غير تركيب. ثم اختلفوا على أقوال :

أحدها : أنّ الكاف حرف تشبيه ، وأنّ معنى التشبيه باق. وهذا ظاهر قول سيبويه والخليل وصريح قول الصفّار.

بيان الأول : أنّ سيبويه قال : «صار (ذا) بمنزلة التنوين لأنّ المجرور بمنزلة التنوين» (١) ، «وقال الخليل : كأنّهم قالوا له كالعدد درهما. فهذا تمثيل وإن لم يتكلّم به. وإنّما تجيء الكاف للتشبيه فتصير وما بعدها بمنزلة شيء واحد» (٢). انتهى.

وبيان الثاني : أن الصفّار لمّا ردّ على من جوّز «كذا درهم» ، بالخفض ، بأنّ أسماء الإشارة لا تضاف ، اعترض على نفسه بأنّ معنى الكاف والإشارة قد زال ، وأجاب بأنّ المتكلّم لا بدّ أن يقدّر في نفسه عددا ما وحينئذ يقول : «له عدد مثل هذا العدد».

الثاني : أن الكاف اسم بمنزلة (مثل). قال ابن أبي الرّبيع : «يظهر لي أنّ الكاف اسم بمنزلة (مثل) في قولك : «لي مثله رجلا». قال : والأصل أن يقال : حيث يكون هناك مشار إليه يساويه ما عندك في العدد.

فالأصل : له عندي مثل ذا من العدد ، ثمّ جيء برجل تفسيرا لمثل كما قالوا : «مثلك عالما».

الثالث : أنّها اسم ، ولا معنى للتشبيه فيها ، قاله أبو طالب العبدي ، قال : الكاف في نحو : «له عندي كذا درهما» ، اسم في موضع رفع بالابتداء ، ثمّ اعترض على نفسه بأنّ أبا عليّ ذكر أنّ الكاف إنّما تكون اسما بشرطين :

أحدهما : أن يكون ذلك في الشّعر.

الثاني : أن يتعيّن الموضع لذلك ، كما في قول الأعشى : [البسيط]

__________________

(١ ـ ٢) انظر الكتاب (٢ / ١٧٣).


٦٦٩ ـ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل

أراد : مثل الطّعن ، لأنّ الكلام شعر ، و (ينهى) فعل لا بدّ له من فاعل ، فأجاب بأنّ ذلك في الكاف المفيدة للتّشبيه ، وهي في (كذا) إنّما جاءت كالمركّبة مع (ذا) ، بدليل أنّ الواو قد تسقط فتركّب مع مثلها. وإذا كان كذلك وفارقتها لم يمتنع أن تكون مرفوعة بالابتداء.

والرابع : أنّها محتملة للحرفيّة والاسميّة ، قاله أبو البقاء في (شرح الإيضاح) قال : إذا قيل : «له عندي كذا درهما» فكذا في موضع الصّفة لمبتدأ محذوف ، أي : شيء كالعدد. أو الكاف اسم مبتدأ ك (مثل).

قال : فإذا جعلت الكاف حرفا لم تحتج إلى أن تتعلّق بشيء ، لأن التركيب غيّر حكمها كما في (كأنّ) ، فإنّها قبل أن تتقدّم كانت متعلّقة بمحذوف ، وهي الآن غير متعلّقة بشيء.

الخامس : أنّ الكاف حرف جرّ زائد. وهو قول ابن عصفور. قال : «ولا معنى للتشبيه في هذا الكلام فالكاف زائدة كزيادتها في قولهم : «فلان كذي الهيئة» أي : ذو الهيئة ، إلّا أنّها زائدة لازمة كلزوم (ما) في إذ ما. و (ذا) مجرورة بالجارّ الزائد كانجرار (أي) بالكاف الزائدة في قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ...*) [الحج : ٤٨ ، الطلاق : ٨] ، ألا ترى أنّ معناها كمعنى (كم) وليس فيها معنى تشبيه. وإذا ثبت أنّها زائدة لم تكن متعلّقة بشيء». وليس ما قاله بلازم ، لأنّا لا نسلّم أنّ عدم معنى التشبيه هنا لزيادة الكاف ، بل لما ذكرنا من تركيبها مع (ذا) وأنّه صار للجموع بالتركيب معنى آخر ، وقد أقمنا الدليل عليه فيما مضى. ثمّ دعوى التركيب وإن كانت كدعوى الزّيادة في أنّها خلاف الأصل ، لكنّها أقرب فكان اعتبارها أولى.

الفصل الثاني

في كيفية اللفظ بها وبتمييزها

أما اللفظ بها ، فالمسموع في المكنيّ بها من غير عدد الإفراد والعطف نحو :

__________________

٦٦٩ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١١٣) ، والجنى الداني (ص ٨٢) ، والحيوان (٣ / ٤٦٦) ، وخزانة الأدب (٩ / ٤٥٣) ، والدرر (٤ / ١٥٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٨٣) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٣٤) ، وشرح المفصّل (٨ / ٤٣) ، ولسان العرب (دنا) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٢٩١) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٣٨٦) ، ورصف المباني (ص ١٩٥) ، وشرح ابن عقيل (ص ٣٦٦) ، والمقتضب (٤ / ١٤١) ، وهمع الهوامع (٢ / ٣١).


«مررت بمكان كذا وبمكان كذا وكذا». وفي المكنيّ بها عن عدد العطف لا غير. وكذا مثّل بها سيبويه والأخفش والأئمّة. وقال الشاعر : [الطويل]

٦٧٠ ـ عد النّفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا

كذا وكذا لطفا به ، نسي الجهد

وممّن صرّح بأنّهم لم يقولوا : «كذا درهما» ، ولا «كذا كذا درهما» ابن خروف وذكر ابن مالك أنّ ذلك مسموع ولكنّه قليل وسيأتي نقل كلامهما بعد.

وأمّا اللفظ بتمييزها ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه منصوب أبدا ، وهذا قول البصريّين وهو الصواب بدليلين :

أحدهما : أنّه المسموع كقوله : [الطويل]

 ...

كذا وكذا لطفا به نسي الجهد

والثاني : القياس ، وذلك من وجوه :

أحدها : أنّ الخفص إمّا بالكاف ، على أنّها حرف جرّ ، أو على أنّها اسم مضاف ، أو بإضافة (ذا). ولا سبيل إلى شيء من ذلك ، لأنّ (ذا) معمولة للكاف ، وحرف الجرّ لا يخفض شيئين ، والاسم لا يضاف مرّتين ، ومن ثمّ وجب نصب التمييز في نحو : «ما في السماء موضع راحة سحابا» (٢). وأسماء الإشارة لا تضاف ، لأنّها ملازمة للتعريف ، والتمييز نكرة ، والقاعدة أن تضاف النّكرة للمعرفة لا العكس.

والثاني : أنّ الكاف لمّا دخلت على (ذا) وصارتا كناية عن العدد صارتا كذلك بمنزلة (بزيد) إذا سمّي به. و (بزيد) وأمثاله إذا سمّي به لا تجوز إضافته لأنّه محكيّ والمحكيّ لا يضاف.

والثالث : أن الكلمة أشبهت بالتّركيب (أحد عشر) وأخواته ، وذلك لا يضاف كراهة الطول فكذلك هذا.

القول الثاني : أنّه جائز الخفض بشرط ألّا يكون تكرار ولا عطف ، فتقول : «كذا درهم» ، و «كذا أثواب». ولا تقول : «كذا كذا درهم» ولا «كذا وكذا درهم» ، قاله الكوفيون ومن وافقهم ، وشبهتهم في ذلك حمل كناية العدد على صريحه ، وقد ذكرنا ما يردّ هذا القياس.

__________________

٦٧٠ ـ الشاهد بلا نسبة في الدرر (٤ / ٥٤) ، وشرح الأشموني (٣ / ٦٣٨) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥١٤) ، ومغني اللبيب (١ / ١٨٨) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٩٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٥٦).

(١) انظر الكتاب (٢ / ١٧٤).


وقال ابن إياز : يجوز الجرّ من وجهين :

أحدهما : إجراء (كذا) مجرى الخبريّة.

والثاني : أنّ الكلمتين ركّبتا وصارتا كلمة واحدة ، يعني : فالمضاف المجموع لا اسم الإشارة فقط. والمحذور إنّما يلزم على القول بأنّ المضاف اسم الإشارة.

والثالث : أنّه جائز الخفض والرّفع. وها خطأ أيضا لأنّه غير مسموع ، ولا يقتضيه القياس ، فإنّ «كذا وكذا درهما» من باب «خمسة عشر درهما» لا من باب «رطل زيتا» فافهمه.

الفصل الثالث

في إعرابها

والذي يظهر لي أنّه مبنيّ على الخلاف في حقيقتها ، فإذا قيل : «له عندي كذا وكذا درهما» فإن قيل بالتّركيب فمجموع (كذا) مبتدأ خبره الجارّ والمجرور ، والظّرف متعلّق به ، والظّرف يعمل في الظّرف إذا كان متعلّقا بمحذوف ، لوقوعه موقع ما يعمل نحو : «أكلّ يوم لك ثوب». وإن قيل لا تركيب ، فإن قيل : الكاف اسم فهي المبتدأ ، وإن قيل حرف فالجارّ والمجرور صفة موصوف محذوف أي : له عندي عدد كذا وكذا درهما.

وقال ركن الدّين الإستراباذي في شرح كافية ابن الحاجب : «الغالب في تمييز كذا أن يكون منصوبا ، لأنّها بمنزلة (ملؤه) في قولك : «لي ملؤه عسلا». ويجوز كونه مجرورا بإضافة (كذا) إليه على تنزيلها منزلة ثلاثة ، ومائة ، وأن يكون مرفوعا فإذا قيل : «له عندي كذا درهم» ف (له) خبر مقدّم ، و (درهم) مبتدأ مؤخّر ، وكذا حال (هكذا). قالوا : وفيه نظر والأولى عندي أن يكون كذا مبتدأ ، و (درهم) بدلا أو عطف بيان ، و (له) خبر ، و (عندي) ظرف له» انتهى. وقد مضى أنّ الصحيح امتناع الرفع والجرّ.

الفصل الرابع

في بيان معناها عند النحويين

وفي ذلك أقوال :

أحدها : لابن مالك ، وهو أنّها للتكثير بمنزلة (كم) الخبريّة وتابعه على ذلك ابنه في شرحه لخلاصته ومقتضى قولهما هذا أنّها لا يكنى بها عمّا نقص عن الأحد عشر لأنّه عدد قليل.


الثاني : أنّها للعدد مطلقا قليلا كان أو كثيرا ، وهو قول سيبويه والخليل ومن تابعهما واختاره ابن خروف.

وممّن نقل ذلك عن سيبويه الأستاذ أبو بكر بن طاهر ، وذلك ظاهر من كلامه ، فإنّه قال : هذا باب ما جرى مجرى (كم) في الاستفهام ، وذلك قولك : «له كذا وكذا درهما» ، وهو مبهم من الأشياء بمنزلة (كم) ، وهو كناية للعدد ، صار ذا بمنزلة التنوين. وقال الخليل : «كأنّهم قالوا : له كالعدد درهما» (١).

الثالث : أنّها بمنزلة ما استعملت استعماله من الأعداد الصريحة فيقال : «له كذا دراهم» فتكون للثّلاثة فما فوقها إلى العشرة ، و «.... كذا كذا درهما» فتكون للأحد عشر فما فوقها إلى التسعة عشر و «... كذا درهما» فتكون للعشرين وأخواتها من العقود إلى التّسعين ، و «كذا وكذا درهما» ، فتكون لأحد وعشرين وما فوقها من الأعداد المتعاطفة إلى التّسعة والتّسعين ، و «كذا درهم» فيكون للمائة وللألف وما فوقهما. فإذا أقرّ مقرّ بكلام فيه (كذا) ألزمناه بالمتيقّن ، وهو أوّل مرتبة من المراتب المشروحة ، وحلّفناه في الباقي. وهذا قول الكوفيّين وتبعهم جماعة منهم ابن معط في (فصوله) (٢).

الرابع : أنّ الأمر كما قالوا إلّا في مسألتي الإضافة فإنّهما ممتنعان لما قدّمنا من التّعليل ، فإن أردت العدد القليل أو المائة أو الألف وما فوقهما قلت : «كذا من الدّراهم» ، ويقدّر عند أهل هذا القول الفرق بين العدد القليل والمائة والألف لأنّ (من) إنّما تدخل على العدد المجموع المعرّف ، تقول : «عشرون من الدّراهم» ولا يجوز «عشرون من دراهم» وهذا قول المبرّد والأخفش وابن كيسان والسّيرافي. وبه قال الشّلوبين وابن عصفور والصّفّار. والذي جرّأهم على القول بذلك أبو محمّد بن السيّد ، فإنّه حكى اتفاق البصريّين والكوفيّين على ذلك ، وأنّ الخلاف إنّما هو في جواز الخفض ، نحو : كذا درهم ، وكذا دراهم. والبصريّون يمنعون والكوفيّون يجيزون. وفي كلام أبي البقاء في (شرح الإيضاح) ما هو أبلغ من هذا ، فإنّه قال : «وذهب معظم النحويّين وأصحاب الرّأي إلى أنّ من قال : «كذا درهما» ، لزمه عشرون درهما ، لأنّك لم تكرّر العدد ، ولم تعطف عليه ، ولم تضفه لتمييزه فحمل على أوّل عدد حاله ذلك فإن جررت الدّرهم ، فقد حمله النحويّون وأصحاب الرأي على (مائة)

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ١٧٣).

(٢) انظر الفصول (ص ٢٤٤).


انتهى. فنقل الجرّ عن النّحويّين ، ونقل إجراء (كذا) مجرى العدد الصريح في حالة نصب التمييز عن معظم النّحويّين.

الخامس : أنّ الأمر كما قال الكوفيّون في «كذا كذا درهما» وفي «كذا درهم» خاصّة. قاله الأستاذ أبو بكر بن طاهر. فهذا ما بلغنا من الأقوال.

فأمّا قول ابن مالك فكان الذي دعاه إليه أنّ سيبويه شبّهها ب (كم) الاستفهامية ، وهي بمنزلة الأحد عشر وأخواتها وليس هذا بشيء ، لأنّها إنما شبّهت بها في نصب التمييز لا في المعنى ، ألا ترى أنها ليست للاستفهام كما أن (كم) للاستفهام! ثمّ إنّ (كم) نفسها بمنزلة الأحد عشر ، ولا تختصّ بالعدد الكثير بدليل أنّك تقول : «كم عبدا ملكت» ، فيصحّ بالواحد فما فوقه.

وأمّا قول سيبويه والمحقّقين فوجهه أنّها كلمة مبهمة كما أنّ (كم) كلمة مبهمة فكما أنّك لو قلت : كم كم عبدا ملكت أو : «كم وكم عبدا ملكت» أو غير ذلك لم تقتض مساواة ما شابهته من العدد الصّريح ، فكذا (كذا).

وأمّا قول الكوفيّين ومن وافقهم فمردود من جهات :

أحدها : أنّه قول بلا دليل ، وإنّما هو مجرّد قياس في اللّغة. وذكر ابن إياز أنّ البستيّ ذكر في تعليقه أنّ أبا الفتح سأل أبا عليّ عن قولهم : إنّ «كذا كذا درهما» يحمل على : «أحد عشر درهما» ، و «كذا وكذا درهما» يحمل على أحد وعشرين ، و «كذا درهم» يحمل على مائة ، قال : «كذا وكذا وكذا درهما» يحمل على مائة وأحد وعشرين درهما فقال أبو عليّ : هذا من استخراج الفقهاء وليس هو في النّحو ، إنّما (كذا) بمنزلة عدد منوّن والجرّ خطأ.

الثاني : أنّ الناس اختلفوا فقال ابن خروف : إن العرب لم يقولوا : «كذا كذا درهما» ، ولا «كذا درهما» ولا «كذا دراهم» ، لا بالإضافة ولا بالنّصب. وعلى هذا فالحكم على هذه الألفاظ بما ذكروا باطل لأنه حكم على ما لا يتكلّم به فأين معناه؟. وقال ابن مالك في (التسهيل) : «وقلّ ورود (كذا) مفردا أو مكرّرا بلا واو» (١) ، فأثبت ورود هذين من خلافهم. والمثبت مقدّم على النافي ، ولكن لمّا قلّ استعمال هذين مع أنّ الحاجة التي دعت إلى الكناية عن العدد المعطوف والمعطوف عليه داعية إلى الكناية عن غيره من الأعداد دلّ على أن قولك «كذا وكذا» لا يختصّ بالعدد المعطوف والمعطوف عليه.

__________________

(١) انظر التسهيل (ص ١٢٥).


والثالث : أنّه سمع «أما بمكان كذا وكذا وجذ» وذلك دليل على أنّها لم ترد بها معطوف ومعطوف عليه.

والرابع : أنّ موافقة العدد المبهم للعدد الصّريح في طريقته في التّمييز وغيره لا يقتضي تساويهما في المعنى بدليل (كم) الاستفهاميّة ، فإنّك تقول : «كم درهما لك» وتقول : «كم وكم درهما لك» أو تسقط الواو فيجاب بجميع الأعداد في كلّ من هذه الصّور.

الخامس : أنّ إجازة «كذا درهم» و «كذا دراهم» باطل بما قدّمناه. وأجيب بأنّه خفض بالإضافة وأن معنى الإشارة قد زال. وأجاب الصفّار بأنّ المتكلّم ب (كذا) لا بدّ أن يقدّر في نفسه عددا ما ، وحينئذ تقول : «له عدد مثل هذا» أي : مثل هذا المركّب والمعطوف. وفي مثل هذا الجواب نظر ، وهو مبنيّ على ادّعاء عدم التّركيب وأنّ معنى التّشبيه باق وهو بعيد جدّا.

وأمّا قول أبي بكر : فحجّته أنّه سمع من العرب : «مررت بمكان كذا وكذا» و «بدار كذا» ولم يسمع مثل : «مررت بمكان كذا كذا» فلمّا كان ذلك واقعا على العدد ناسب أن يكون جاريا مجرى ما يوافقه من الأعداد. وليس هذا بشيء ، وقد جوّز «كذا درهم» بالخفض على أن يراد مائة درهم مع اعترافه بأنّه لم يسمع في غير العدد ، فما الفرق بينه وبين بقيّة الألفاظ.

وأمّا قول المبرّد والأخفش ومن وافقهما فزعم الشّلوبين وأصحابه أنّه القياس ، وأنّه لا ينافي قول سيبويه ، وأنّ قوله إنّها مبهمة ، ومعناه أنّ قولنا «كذا كذا» مبهم في الأحد عشر والتّسعة عشر وما بينهما لا أنّه مبهم في القليل والكثير وكذلك يقولون في الباقي.

الفصل الخامس

فيما يلزم بها عند الفقهاء

وقد اختلفت المذاهب في ذلك : فأمّا مذهب الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ ففي (المحرّر) (١) ما معناه أنّه إذا أفرد (كذا) أو كرّرها بلا عطف ، وكان التمييز منصوبا فيهما أو مرفوعا لزمه درهم ، فإن عطف ونصب أو رفع فكذلك عند ابن

__________________

(١) المحرّر : كتاب في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل تأليف مجد الدين أبي البركات عبد السّلام بن عبد الله بن تيمية وهو جدّ شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية.


حامد (١). وقال التّميمي (٢) : درهمان. وقيل : درهم وبعض آخر ، وقيل : درهم مع الرفع ودرهمان مع النّصب ، وإن قال ذلك كلّه بالخفض قبل تفسيره بدون الدّرهم. قال المصنّف : «وهذا كلّه عندي إذا كان يعرف العربيّة ، فإن لم يعرفها لزمه درهم في الجميع» (٣).

وأمّا مذهب الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ فالفتيا عندهم على أنّه يلزم مع العطف والنصب درهمان ، فإن رفع أو جرّ لزمه درهم ، وكذا إن ركّب أو أفرد سواء رفع التمييز أو نصبه أو جرّه. ونقل المزنيّ (٤) عنه في «كذا كذا درهما» أنّه يلزمه درهمان. وكذا يروى عنه في مسألة العطف والنّصب.

وأمّا مذهب الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ ففي الجواهر لابن شأس (٥) ما معناه : إذا قيل : «له عليّ كذا» فهو كالشيء فلو قيل : «كذا درهما» فقال ابن عبد الحكم : يلزمه عشرون ، وإن قال : «كذا كذا درهما» لزمه أحد عشر ، وإن عطف فأحد وعشرون. وقال سحنون (٦) : ما أعرف هذا ، فإن كان هذا أقلّ ما يكون في اللّغة بهذا اللّفظ فهو كما قالوه ، وإن كان يقول القول قول المقرّ مع يمينه. وكذا يقول في «كذا وكذا دينارا أو درهما». وعلى الأوّل يجعل نصف الأحد والعشرين دنانير ، ونصفها دراهم.

وأمّا مذهب الإمام أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ فإنّه مطابق لقول الكوفيّين ، وفي الرّوضة من كتبهم عن جامع الكيساني عن أبي حنيفة أنّه يلزمه في العطف أحد عشر ، كما في التّركيب. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ابن حامد : الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي ، إمام الحنابلة في زمانه ومفتيهم ، له مصنّفات في الفقه وغيره منها : الجامع في فقه ابن حنبل ، وشرح أصول الدين ، وغيرها. (ت ٤٠٣ ه‍). ترجمته في مختصر طبقات الحنابلة (ص ٣٥٩) ، والنجوم الزاهرة (٤ / ٢٣٢).

(٢) عبد العزيز بن الحارث التميميّ : فقيه حنبلي ، له اطلاع على مسائل الخلاف ، صنّف كتبا في (الأصول) ، و (الفرائض) وغيرها. (ت ٣٧١ ه‍). ترجمته في المنتظم (٧ / ١١٠) ، وتاريخ بغداد (١٠ / ٤٦١).

(٣) انظر المحرّر (٢ / ٤٨١).

(٤) إسماعيل بن يحيى المزنيّ : صاحب الإمام الشافعي من كتبه : الجامع" كبير" و" جامع الصغير" والمختصر ، والترغيب في العلم. (ت ٢٦٤ ه‍). ترجمته في وفيات الأعيان؟؟؟).

(٥) ابن شأس : عبد الله بن محمد بن نجم بن شأس بن نزار ، جلال الدين ،؟؟؟ في عصره بمصر ، من كتبه : (الجواهر الثمينة) في فقه المالكية. (ت؟؟؟ ه). ترجمته في شذرات الذهب (٥ / ٦٩).

(٦) سحنون : عبد السّلام بن سعيد بن حبيب التنوخي ، قاض وفقيه. (ت ٢٤٠ ه‍). ترجمته في الوافي بالوفيات (١ / ٢٩١) ، وقضاة الأندلس (ص ٢٨) ، ورياض النفوس (١ / ٢٤٩).


مسألة في التعجب

من إلقاء أبي بكر محمّد بن الأنباري : تقول : «ما أحسن عبد الله» (ما) رفع رفعتها بما في (أحسن) ، ونصبت (عبد الله) على التّعجّب.

وتقول في الذّمّ : «ما أحسن عبد الله» ، ف (ما) لا موضع لها لأنّها جحد ، ورفعت (عبد الله) بفعله ، وفعله (ما أحسن).

وتقول في الاستفهام : «ما أحسن عبد الله»؟ ف (ما) رفع ب (أحسن) ، و (أحسن) بها ، والتأويل : أيّ شيء فيه أحسن؟ أعيناه أو أنفه؟.

وتقول إذا رددته إلى نفسك في التّعجّب : «ما أحسنني» ، ف (ما) رفع بما في أحسنني ، والنون والياء موضعهما نصب على التّعجّب.

وتقول في الذّمّ إذا رددته إلى نفسك : «ما أحسنت» ، ف (ما) جحد لا موضع لها ، والتاء مرفوعة بفعلها ، وفعلها «ما أحسنت».

وتقول في الاستفهام : «ما أحسنني»؟ ف (ما) رفع ب (أحسن) ، و (أحسن) بها ، والياء في موضع خفض بإضافة (أحسن) إليها.

فإن قلت : «أباك ما أحسن» أو «ما أباك أحسن» كان محالا ، لأنّه ما نصب على التّعجّب لا يقدّم على التّعجّب لأنّه لم يعمل فيه فعل متصرّف فيتصرّف بتصرّفه. وكان الكسائي يجيز «أبوك ما أحسن» ، قال : لمّا لم أصل إلى نصب الأب أضمرت له هاء تعود عليه فرفعته بها ، والتّقدير : أبوك ما أحسنه. وقال الفرّاء : لا أجيز رفع الأب لأنّه ليس هاهنا دليل يدلّ على الهاء ، ولا أضمر الهاء إلّا مع ستّة أشياء : مع (كلّ) و (من) و (ما) و (أيّ) و (نعم) و (بئس).

وتقول : «عبد الله ما أحسنه» ترفع (عبد الله) بما عاد عليه من الهاء ، ترفع ما بما في (أحسن) والهاء موضعها نصب على التّعجّب.

وتقول : «عبد الله ما أحسن جاريته» من قول الكسائي ، قال : لمّا لم أصل إلى نصب الأوّل أضمرت له هاء فرفعته بها. والفرّاء يحيلها ، قال : ليس هاهنا دليل على الهاء.

وتقول في الاستفهام : «عبد الله ما أحسنه»؟ برفع (عبد الله) ب (أحسن) و (أحسن) ب (عبد الله) ، و (ما) استفهام ، والهاء موضعها خفض بإضافة (أحسن) إليها. فإن قلت : «عبد الله ما أحسن» كان محالا وأنت تضمر الهاء ، لأنّ المخفوض لا يضمر ، ولأنّ المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فلا يفرّق بينهما ، فلا تضمر المخفوض وتظهر الخافض.


وتقول : «عبد الله ما أحسن» ترفع (عبد الله) بما في (أحسن) ، و (ما) جحد لا موضع لها وإذا قلت : «ما أحسن عبد الله» فأردت أن تسقط (ما) وتتعجّب قلت : «أحسن بعبد الله». وإذا أردت أن تأمر من هذا قلت : «يا زيد أحسن بعبد الله رجلا ، وإذا ثنّيت قلت : «يا زيدان أحسن بعبدي الله رجلين» و «يا زيدون أحسن بعبيد الله رجالا» ، وتنصب (رجالا) على التّفسير و (أحسن) لا يثنّى ولا يجمع ، ولا يؤنّث ، لأنّه اسم و (أحسن) ليس بأمر للمخاطب ، وإنّما معنى (أحسن به) : (ما أحسنه) قال الله عزّ وجلّ : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ، معناه ـ والله أعلم ـ : ما أسمعهم وأبصرهم.

وتقول : «كان عبد الله قائما» فإذا تعجّبت منه قلت : «ما أكون عبد الله قائما» ، ف (ما) مرفوعة بما في (أكون) ، واسم كان مضمر فيها ، و (عبد الله) منصوب على التّعجّب ، و (قائما) خبر كان ، فإن طرحت (ما) وتعجّبت قلت : «أكون بعبد الله قائما» و «أكون بعبدي الله قائمين» و «أكون بعبيد الله قياما». و «أحسن بعبد الله رجلا».

قال الفرّاء : لمّا لم أصرّح برفع الاسم أدخلت الباء لتدلّ على المطلوب ما هو ، وتأويله : «عبد الله حسن» فلمّا لم تصل إلى رفع (عبد الله) جئت بالباء لتدلّ على المطلوب ما هو.

وإذا قلت : «ظننت عبد الله قائما» فأردت أن تتعجّب ب (ما) قلت : «ما أظنّني لعبد الله قائما» ، فإن قال : أسقط (ما) وتعجّب قلت : «أظنن بي لعبد الله قائما». ـ آخر ما كان بخطّ ابن الجرّاح.

مخاطبة (١) جرت بين أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

وأبي العباس أحمد بن يحيى

في مواضع أنكرها وغلّطه فيها من كتاب (فصيح الكلام) مستخرج من كتاب (النّزه والابتهاج) للشّمشاطي (٢).

أخبرنا الشيخ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبّار بن أحمد الصيّرفيّ قراءة عليه ،

__________________

(١) انظر إرشاد الأريب (١ / ١٣٧) ، والمزهر (١ / ٢٠٢).

(٢) الشّمشاطي : علي بن محمد الشمشاطي العدوي ، عالم بالأدب ، له اشتغال بالتاريخ ، والشعر ، له تصانيف منها : النزه والابتهاج والأنوار في محاسن الأشعار ، والديارات ، وأخبار أبي تمام وغيرها.

(ت ٣٧٧ ه‍). ترجمته في إرشاد الأريب (٥ / ٣٧٥).


وأنا أسمع وهو يسمع ، فأقرّ به في شوّال من سنة تسعين وأربعمائة. قال أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن الدهّان قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو أحمد عبد السّلام بن الحسين بن محمّد بن عبد الله البصريّ قال : أخبرنا بها فيما كتب إلينا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشّمشاطي من الموصل قال :

قال أبو إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزّجّاج ـ رضي الله عنه ـ : دخلت على أبي العبّاس ثعلب في أيّام أبي العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد وقد أملى شيئا من (المقتضب) ، فسلّمت عليه وعنده أبو موسى الحامض وكان يحسدني شديدا ، ويجاهرني بالعداوة ، وكنت ألين له وأحتمله لموضع الشيخوخة والعلم ، فقال لي أبو العبّاس ثعلب : قد حمل إليّ بعض ما أملاه هذا الخلديّ ، فرأيته لا يطوع لسانه بعبارته. فقلت له : إنّه لا يشكّ في حسن عبارته اثنان ، ولكنّ سوء رأيك فيه يعيبه عندك فقال : ما رأيته إلّا ألكن متفلّقا فقال أبو موسى : والله إنّ صاحبهم ألكن ـ يعني سيبويه ـ ، فأحفظني ذلك. ثمّ قال : بلغني عن الفرّاء أنّه قال : دخلت البصرة فلقيت يونس وأصحابه فسمعتهم يذكرونه بالحفظ والدّراية وحسن الفطنة فأتيته فإذا هو أعجم لا يفصح ، سمعته يقول لجاريته : هات ذيك الماء من ذاك الجرّة ، فخرجت من عنده ولم أعد إليه ، فقلت له : هذا لا يصحّ عن الفرّاء وأنت غير مأمون في هذه الحكاية ، ولا يعرف أصحاب سيبويه من هذا شيئا. وكيف تقول هذا لمن يقول في أوّل كتابه : «هذا باب علم ما الكلم من العربيّة» وهذا يعجز عن إدراك فهمه كثير من الفصحاء فضلا عن النّطق به. قال ثعلب : قد وجدت في كتابه نحوا من هذا. قلت : ما هو؟ قال : يقول في كتابه في غير نسخة «(حاشا) حرف يخفض ما بعده كما تخفض (حتّى) وفيها معنى الاستثناء» (١) فقلت : هذا هكذا في كتابه ، وهو صحيح ، ذهب في التّذكير إلى الحرف ، وفي التّأنيث إلى الكلمة.

قال : والأجود أن يحمل الكلام على وجه واحد.

الحمل على اللفظ والمعنى : قلت : كلّ جيّد ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) [الأحزاب : ٣١] وقرئ : ويعمل صالحا. وقال عزّ وجلّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢] ذهب إلى المعنى ، ثمّ قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٣] ذهب إلى اللّفظ. وليس لقائل أن يقول لو حمل الكلام على وجه واحد في الآيتين كان أجود لأنّ كلّ هذا جيّد. فأمّا نحن

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٦٨).


فلا نذكر (حدود) (١) الفرّاء لأنّ خطأه فيه أكثر من أن يعدّ ، ولكن هذا أنت عملت كتاب (الفصيح للمبتدئ المتعلّم) (٢) ، وهو عشرون ورقة أخطأت في عشرة مواضع منه. قال لي : اذكرها قلت نعم :

النسا أو عرق النسا : قلت : «وهو عرق النّسا» وهذا خطأ. إنّما يقال : النّسا ، ولا يقال : عرق النّسا ، كما لا يقال : عرق الأبهر ، ولا عرق الأكحل ، قال امرؤ القيس : [التقارب]

٦٧١ ـ فأنشب أظفاره في النّسا

فقلت : هبلت ألا تنتصر

هل الحلم اسم أو مصدر وقلت : «حلمت في النّوم أحلم حلما وحلما» و (الحلم) ليس بمصدر ، وإنما هو اسم ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) [النور : ٥٨] ، وإذا كان للشيء مصدر واسم لم يوضع الاسم موضع المصدر ، ألا ترى أنّك تقول : حسبت الشيء أحسبه حسبا وحسبانا ، والحسب المصدر ، والحساب الاسم فلو قلت : أبلغ الحسب إليك ، ورفعت الحسب إليك ، لم يجز وأنت تريد أبلغ الحساب ورفعت الحساب إليك.

امرأة عزب أم عزبة : وقلت : رجل عزب وامرأة عزبة وهذا خطأ ، إنّما يقال : رجل عزب ، وامرأة عزب ، لأنّه مصدر وصف به فلا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث ، كما يقال : رجل خصم وامرأة خصم. وقد أتيت بباب من هذا النّوع في الكتاب وأفردت هذا منه قال الشّاعر : [الرجز]

٦٧٢ ـ يا من يدلّ عزبا على عزب

نطق كسرى : وقلت : «كسرى» ، بكسر الكاف. وهذا خطأ ، فإنّما هو كسرى ، والدليل على ذلك أنّا وإيّاكم لا نختلف في أنّ النّسب إلى (كسرى) (كسرويّ) بفتح الكاف ، وهذا ليس ممّا تغيّره ياء النّسب لبعده منها ، ألا ترى أنّك لو نسبت إلى (معزى) قلت : (معزويّ) ، وإلى (درهم) (درهميّ) ، ولا تقول : معزويّ ، ولا درهميّ.

وعدته وأوعدته : وقلت : «وعدت الرّجل خيرا وشرّا فإذا لم تذكر الشرّ قلت :

__________________

(١) كتاب (الحدود) للفراء : جمع فيه أصول النحو.

(٢) الكتاب من مصنفات ثعلب.

٦٧١ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٦١) ، والمخصص (٤ / ٣٠) ، وتاج العروس (نسو).

٦٧٢ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (عزب) ، وتهذيب اللغة (٢ / ١٤٧) ، والمخصص (٤ / ٢٣) ، وتاج العروس (عزب) ، و (حمرس).


أوعدته بكذا». فقولك (بكذا) نقض لما أصّلت لأنّك قلت : بكذا ، وقولك بكذا كناية عن الشرّ. والصواب أن تقول : فإذا لم تذكر الشرّ قلت أوعدته.

المطوّعة : وقلت : «وهم المطوّعة» وإنّما هم المطّوّعة بتشديد الطاء ، كما قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة : ٧٩]. فقال : ما قلت إلّا المطّوّعة. فقلت : هكذا قرأته عليك وقرأه غيري وأنا حاضر أسمع مرارا.

وزن اسم المرة والهيئة من الثلاثي : وقلت : «هو لرشدة وزنية» كما قلت : «هو لغيّة» والباب فيهما واحد لأنّه إنّما يريد المرّة الواحدة ، ومصادر الثّلاثي إذا أردت المرّة الواحدة لم تختلف ، تقول : ضربته ضربة وجلست جلسة وركبت ركبة ، لا اختلاف في ذلك بين أحد من النّحويّين ، فإنّما يكسر من ذلك ما كان هيئة حال فتصفها بالحسن والقبح وغيرهما ، فتقول : هو حسن الجلسة والسّيرة والرّكبة وليس هذا من ذلك.

ضبط أسنمة : وقلت : «أسنمة» للبلد ، ورواه الأصمعيّ بضمّ الهمزة : أسنمة. فقال : ما روى ابن الأعرابيّ وأصحابنا إلّا أسنمة ، فقلت : قد علمت أنت أنّ الأصمعيّ أضبط لما يحكي وأوثق فيما يروي.

وقلت : «إذا عزّ أخوك فهنّ» (١) والكلام فهن ، وهو من هان يهين إذا لان ، ومنه قيل : «هيّن ليّن» ، لأنّ (فهن) من هان يهون من الهوان ، والعرب لا تأمر بذلك ولا معنى لهذا الكلام يصحّ لو قالته العرب. ومعنى (عزّ) ليس من العزّة التي هي المنعة والقدرة وإنما هو من قولك : عزّ الشيء إذا اشتدّ. ومعنى الكلام : إذا صعب أخوك واشتدّ فذلّ له من الذّلّ ، ولا معنى للذلّ هاهنا كما تقول : إذا صعب أخوك فلن له.

قال : فما قرئ عليه (كتاب الفصيح) بعد ذلك على ما بلغني ، ثمّ بلغني أنّه سئم ذلك فأنكر (كتاب الفصيح) أن يكون له. تمّت والحمد لله ربّ العالمين.

انتصار ابن خالويه لثعلب

انتصار أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني لأبي العبّاس ثعلب فيما تتبّعه عليه أبو إسحاق الزّجّاج رحمهم الله تعالى أجمعين.

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني ـ رحمه الله تعالى ـ :

__________________

(١) انظر مجمع الأمثال للميداني (١ / ٢٢).


أمّا قول ثعلب : «عرق النّسا» فقد أجمع كلّ من فسّر القرآن من الصّحابة والتابعين رضي الله عنهم وهلمّ جرّا أنّ معنى قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) [آل عمران : ٩٣] : لحوم الإبل وألبانها فقال عليّ وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ وكلّ من فسّر القرآن : إنّ يعقوب عليه السّلام كان به عرق النّسا. فلم يجز لثعلب أن يترك لفظ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويأخذ بقول الشّاعر (١) : [المتقارب]

فأنشب أظفاره في النّسا

[فقلت هبلت ألا تنتصر]

وأمّا قوله في : «حلمت في النوم حلما وحلما» : فقد غلط أنّه أقام الاسم مقام المصدر ؛ فخطأ ، لأنّ الحلم مصدر واسم ؛ يقال : رعب الرّجل رعبا ورعبا وحلم الرّجل حلما وحلما. وهذا ممّا وافق الاسم فيه المصدر مثل النّقص والعلم ؛ تقول : علمت علما ، وفي فلان علم ، فالعلم مصدر واسم.

وأمّا احتجاجه بقوله تعالى : (يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) [النور : ٥٨] ، فهذه حجّة عليه ؛ لأنّه أراد المصدر هاهنا أي : لم يبلغوا الاحتلام. وأمّا قوله : حسب الحساب ولم يقل الحسب فخطأ فاحش ، فإنّ العرب قد تذكر الاسم في موضع المصدر فيقولون : «أعطيته عطاء» في موضع (إعطاء) ، و «هذا يوم عطاء الجند ، وعطاء الأمير» وكما استغنوا بلفظ الاسم عن المصدر ، كذا استغنوا بالحساب عن الحسب ولا سيّما إذا كان الحسب لفظا يشبه الكفاية ، و (حسبك) أي (كفاك).

وأمّا قوله في «رجل عزب» : إنّه مصدر لا تدخله الهاء فخطأ عظيم ، لأنّ العزب اسم وصفة بمنزلة العازب قال ابن أحمر : [البسيط]

٦٧٣ ـ حتّى إذا ذرّ قرن الشّمس صبّحها

أضري ابن قرّان بات الوحش والعزبا

وسمّي العزب عزبا لأنّه قد بعد عن النّكاح ، قال الأصمعيّ وابن الأعرابيّ والطّوسي : «أراد : بات عازبا ، والأضري : كلاب الصّيد ، جمع ضرو. والدليل على أنّ العزب اسم الفاعل أنّك تجمعه على فعّال ، قوم عزّاب وامرأة عزبة». وقد ذكره أبو عبيد في المصنّف كما ذكره ثعلب ، ولكنّهم فرّقوا بين العازب البعيد في المسافة ، وبين العزب البعيد من النّكاح. ويقال : امرأة عزب وعزبة غير أن ثعلبا اختار اللّغة الفصحى. وأمّا تشبيهه (عزبا) ب (خصم) فخطأ ثان ، لأنّ الخصم كالعدل والرّضى

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٧١).

٦٧٣ ـ الشاهد لابن أحمر في ديوانه (ص ٤٣) ، ولسان العرب (ضرا).


والدّنف والقمن والصّوم والفطر وما شاكل ذلك ، فإنّه جرى عند العرب كالمصدر لا يثنّى ولا يجمع في اللّغة الفصيحة ، قال الله تعالى : (هؤُلاءِ ضَيْفِي) [الحجر : ٦٨] وقد يقال : أضياف ، وضيوف ، وامرأة ضيفة وضيف. وقال ذو الرّمّة : [البسيط]

٦٧٤ ـ تجلو البوارق عن مجر مّز لهق

كأنّه متقبّي يلمق عزب

والعزب هاهنا المفرد. وقد قالت العرب : امرأة محمق ومحمقة ، وعاشق وعاشقة ، وغلام وغلامة ورجل ورجلة ، وشيخ وشيخة ، وكهلّ وكهلة وشبه هذا لا يحصى كثرة ، فلا أدري لم عاب عزبا وعزبة. وقد حكاه أبو عبيد في (المصنّف) ، كما حكاه ثعلب.

وأمّا قوله : إن الاختيار (كسرى) بالفتح ، لأنّ النّسب إليه (كسرويّ) فخطأ عظيم ، لأنّ (كسرى) ليس عربيّا ، ولم يكن في الأصل (كسرى) ولا (كسرى) ، إنّما هو بالفارسيّة : (خسرو) بضمّ الخاء ، وليس في كلام العرب اسم في آخره واو قبلها ضمّة ، فعرّبته العرب إلى لفظ آخر ، فإن فتحت أو كسرت فقد أصبت ، والكسر أجود ، لأنّ (فعلى) يشبه الاسم المفرد ، مثل الشّعرى ، وذكرى ، فلمّا كان (كسرى) رجلا واحدا و (الشّعرى) نجما واحدا ردّه إلى ألفاظهم ، ولو قالوا : (كسرى) أشبه الجمع مثل (قتلى) و (جرحى) ، فلمّا نسب إليه انفتح فقالوا : (كسرويّ) لأنّ الكسر مع ياء النّسب مستثقل ، ألا ترى أنّهم يقولون في : (تغلب) (تغلبيّ). وليس يشبه (كسرويّ) النّسب إلى (درهم) و (معزى) ، لأنّ (درهما) ليس فيه لغتان الكسر والفتح ، وكذلك (معزى) لا يقال : (درهم) ولا (معزى) فيختار في النّسب الفتح لخفّته ، وهو واضح بحمد الله. وحدّثنا ابن دريد عن أبي حاتم ـ وكان من أشدّ الناس تعصّبا على الكوفيّين ـ في كتاب (ما يلحن فيه العامّة) أنّ (كسرى) بالكسر أفصح من الفتح ، وكذلك ذكر أبو عبيد أنّ الكسر أفصح.

وأمّا قوله : وعدته الشّرّ فإذا لم تذكر الشّرّ قلت أوعدته بكذا ، وزعم أنّه نقض لما أصّل فقد غلط لأنّ ثعلبا إنّما قال : وعدت الرّجل خيرا وشرّا ، لأنّ الله تعالى قال : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ٧٢] ، فهذا في الشّرّ. وقال الله عزّ وجلّ : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) [الأنفال : ٧] ، فهذا في الخير ، فإذا لم تذكر الشّرّ قلت : (أوعدته) على الإطلاق ، و (وعدته) على الإطلاق في الخير ، فإذا قرنتهما

__________________

٦٧٤ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ٨٧) ، ولسان العرب (يلمق) ، و (قبا) ، وجمهرة أشعار العرب (ص ٩٥٦) ، وتاج العروس (يلمق) و (قبا) ، وبلا نسبة في المخصص (١٤ / ٤١).


ووصلتهما جاز استعمالهما جميعا في الخير والشّرّ كما تقول : وعدته خيرا وشرّا. وأجمع الجميع على أنك إذا قلت : أوعدته بكذا ، لا يكون إلّا في الشّرّ ، لا خلاف في ذلك ، وأنشدوا : [الرجز]

٦٧٥ ـ أوعدني بالسّجن والأداهم

رجلي ، ورجلي شثنة المناسم

وقال ابن دريد : ممّا أجمع عليه أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعيّ : أوعدته بالشّرّ لا غير مع الباء.

وأمّا قوله لثعلب : إنّ في الفصيح «هم المطوّعة» بالتّخفيف ، وإنّما هم (المطوّعة) بالتّشديد ، وأنّ ثعلبا قال : ما قلت إلّا بالتّشديد ، فقال ما قلت إلّا بالتّخفيف ، فهذا مكابرة العيان ، والحجّة على هذا ساقطة.

وأمّا قوله : «لرشدة وزنية» وإنّما يجب أن يكون بالفتح مثل : ضربته ضربة ، فهذا خطأ ، لأنّه قد يجاء بالكسر والفتح والضمّ ، حدّثنا ابن مجاهد عن السّمّريّ عن الفرّاء أنّ العرب تقول : «حججت حجّة واحدة» بالكسر ، و «رأيته رؤية واحدة» بالضمّ وسائر كلام العرب بالفتح. وممّا يجاء بالكسر : «وعدته عدة» و «وزنته زنة» ، وأمّا الاسم فيجاء على فعله ، و «لكلّ وجهة» اسم ، ولو كان مصدرا لقيل : (جهة). فأمّا الهيئة والحال فبالكسر : ما أحسن ركبته ، وجلسته ، وعمّته ، واختيار الكوفيّين : «ولد فلان لزنية ورشدة وخبثة» واختيار البصريّين الفتح. وأمّا (غيّة) فإجماع أنّها مفتوحة استثقالا للكسر مع الياء والتشديد.

وأمّا قوله : هي (أسنمة) بالضمّ ، فالجواب ساقط عن هذا ، ومعارضة الزّجّاج فيه جهل لأنّ الكوفيّين عندهم أنّ ابن الأعرابيّ أعلم من الأصمعي بطبقات وأورع.

وأمّا قوله : «إذا عزّ أخوك فهن» فهو بضمّ الهاء ، وهذا مثل أسير في كلام العرب وأشهر من الفرس الأبلق. وكذلك رواه كلّ من ألّف كتابا : أبو عبيدة في (المجلّة

__________________

٦٧٥ ـ الرجز للعديل بن الفرخ في خزانة الأدب (٥ / ١٨٨) ، والدرر (٦ / ٦٢) ، والمقاصد النحوية (٤ / ١٩٠) ، وتاج العروس (دهم) ، وبلا نسبة في ديوان الأدب (٣ / ٢٦٦) ، وإصلاخ المنطق (ص ٢٢٦) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١٢٤) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٣٩) ، وشرح التصريح (٢ / ١٦٠) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٢١) ، وشرح شذور الذهب (ص ٥٧٢) ، وشرح ابن عقيل (ص ٥١٠) ، وشرح المفصّل (٣ / ٧٠) ، وتاج العروس (وعد) ، ومقاييس اللغة (٦ / ١٢٥) ، ولسان العرب (وعد) ، و (رهم) ، ومجالس ثعلب (ص ٢٧٤) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٢٧) ، وتهذيب اللغة (٣ / ١٣٤) ، ومجمل اللغة (٤ / ٥٣٩) ، والمخصص (١٢ / ٢٢١).


الثانية) ، وأبو عبيد في (الأمالي) ، والمفضّل الضّبّي ، وليس مأخوذا ممّا ذهب إليه الزجّاج ، لأنّه كان قليل العلم باللّغة فقولهم : «إذا عزّ أخوك فهن» ليس من الهوان ، ولا من وهن ، ولا من هان يهين ، وإنّما هو من الهون ، وهو من الرفق والسّكون. قال الله تعالى في صفة المؤمنين : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣] معناه : يمشون على الأرض بالسّكينة والوقار فإذا عزّ أخوك واشتطّ فترفّق أنت ولن. وقال الشاعر : [الوافر]

٦٧٦ ـ دببت لها الضّراء وقلت أبقى

إذا عزّ ابن عمّك أن تهونا

ولا يكون الأمر من (يهون) إلّا (هن). وهذا الشّعر لابن أحمر الباهلي ، ورواه الأصمعيّ وابن الأعرابيّ والطّوسيّ ، ولا نعلم خلافه. والله تعالى أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

مسائل وردت على ابن الشجري وردّه عليها

قال (٢) ابن الشجري في أماليه : ورد عليّ من الموصل ثماني مسائل :

الأولى : السؤال عن الراجع إلى القتال من خبره في قول الشاعر : [الطويل]

٦٧٧ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب

وعن معنى البيت.

الثانية : السؤال عن قول الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) [الأنعام : ٤٠ ـ ٤٧] لم لم يجمع الضمير الذي هو التّاء في (أرأيتكم) ولم يثنّ في (أرأيتكما).

الثالثة : السؤال عن جدّ الاسم الذي يسلم عن الطّعن.

__________________

٦٧٦ ـ الشاهد لابن أحمر في ديوانه (ص ١٦٥) ، ولسان العرب (عزز) ، وتاج العروس (عزز).

(١) انظر الأمالي (١ / ٢٨٥).

٦٧٧ ـ الشاهد للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه (ص ٤٥) ، وخزانة الأدب (١ / ٤٥٢) ، والدرر (٥ / ١١٠) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٠٦) ، وأوضح المسالك (٤ / ٢٣٤) ، والجنى الداني (ص ٥٢٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٢٦٥) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٠٧) ، وشرح شواهد المغني (ص ١٧٧) ، وشرح المفصّل (٧ / ١٣٤) ، والمنصف (٣ / ١١٨) ، ومغني اللبيب (ص ٥٦) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٧٧) ، وهمع الهوامع (٢ / ٦٧).


الرابعة : السؤال عن وجه رفع (الشرّ) ونصبه ، ونصب (الماء) ، ورفعه في قول الشاعر : [الطويل]

٦٧٨ ـ فليت كفافا كان خيرك كلّه

وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي

الخامسة : السؤال عن (مزيّن) تصغير أي شيء هو.

السادسة : السؤال عن العلّة الموجبة لفتح التّاء في (أرأيتكم) ، وهو لجماعة.

السابعة : السؤال عن العامل في (إذا) من قول الشاعر : [الطويل]

٦٧٩ ـ وبعد غد يا لهف نفسي من غد

إذا راح أصحابي ولست برائح

ما هو؟.

الثامنة : السؤال عن تبيين إعراب قول أبي عليّ : «أخطب ما يكون الأمير قائما» و «شربي السّويق ملتوتا».

الإجابة عن المسائل

المسألة الأولى : الجواب بتوفيق الله وحسن تسديده عن المسألة الأولى :

إنّ الجملة المركّبة من (لا) واسمها وخبرها وقعت خبرا عن القتال في قوله (٣) : [الطويل]

فأمّا القتال لا قتال لديكم

[ولكنّ سيرا في عراض المواكب]

وهي عارية عن ضمير عائد منها إلى المبتدأ ، وإنّما جاز ذلك لأنّ اسم (لا) نكرة شائعة مستغرقة للجنس المعرف بالألف واللام ، ف (قتال) المنكور مشتمل على القتال الأول ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «لا إله إلّا الله» ، عمّت لفظة (إله) جميع ما يزعم المبطلون أنّه مستحقّ لإطلاق هذه اللّفظة عليه ، وليس يجري قولك : «لا رجل في الدّار» إذا رفعت مجرى قولك : «لا رجل في الدّار» إذا ركّبت ، لأنّك إذا قلت : «لا رجل في الدّار» جاز أن تعقبه بقولك : بل رجلان ، وبل ثلاثة ، ولا يجوز ذلك مع

__________________

٦٧٨ ـ الشاهد ليزيد بن الحكم في خزانة الأدب (١٠ / ٤٧٢) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١١٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٩٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٨٩) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (ص ٦٣٤) ، والإنصاف (١ / ١٨٤).

٦٧٩ ـ الشاهد لأبي الطممان القيني في الأغاني (١٣ / ١١) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٢٦٦) ، ولأبي الطممان أو لهدبة بن خشرم في شرح شواهد المغني (١ / ٢٧٤) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٦٥٤) ، ومغني اللبيب (ص ٩٤).

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٧٧).


تركيب (لا) ، لأنّك إذا رفعت كأنّما نفيت واحدا وإذا ركّبت فإنّما نفيت الجنس أجمع. وإذا عرفت هذا فدخول (القتال) الأوّل تحت القتال الثاني يقوم مقام عود الضّمير إليه. ومثل هذا البيت ما أنشده سيبويه : [الطويل]

٦٨٠ ـ ألا ليت شعري هل إلى أمّ معمر

سبيل فأمّا الصبر عنها فلا صبرا

فالصبر من حيث كان معرفة داخل تحت (صبر) المنفيّ لشياعه بالتّنكير. ونظير هذا أنّ قولهم : «نعم الرّجل زيد» في قول من رفع زيدا بالابتداء فأراد : زيد نعم الرجل ، يدخل فيه زيد تحت (الرّجل) لأنّ المراد بالرّجل هاهنا الجنس فيستغني المبتدأ بدخوله تحت الخبر عن عائد إليه من الجملة ، ويوضّح لك هذا أنّ قولك : «زيد نعم الرّجل» كلام مستقلّ ، وقولك : «زيد قام الرّجل» كلام غير مستقلّ ، وإن كان قولك : (قام الرّجل) جملة من فعل وفاعل كما أنّ قولك : (نعم الرّجل) كذلك. ولم يستقم قولك : «زيد قام الرّجل» حتّى تقول : (إليه) ، أو (معه) ، أو نحو ذلك ، لكون الألف واللام فيه لتعريف العهد فالمراد به واحد بعينه. والرّجل في قولك : «زيد نعم الرّجل» بمنزلة الإنسان في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] ، ألا ترى أنّه استثني منه (الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر : ٣] ، والاستثناء من واحد مستحيل ، لا يصحّ إذا استثنيت واحدا من واحد ، فكيف إذا استثنيت جمعا من واحد! ومثله : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) [الشورى : ٤٨] ، فالمراد بالإنسان هاهنا الناس كافّة فلذلك قال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) [الشورى : ٤٨]

وإذا كان الاسم المعرّف بالألف واللّام نحو : (الرّجل) و (الإنسان) قد استوعب الجنس فما ظنّك باسم الجنس المنكور المنفيّ في قوله : «لا قتال لديكم» وقول الآخر (٢) : [الطويل]

[ألا ليت شعري هل إلى أم معمر]

سبيل فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا

والتنكير والنّفي يتناولان من العموم ما لا يتناوله التعريف والإيجاب ، ألا ترى

__________________

٦٨٠ ـ الشاهد لابن ميادة في ديوانه (ص ١٣٤) ، والأغاني (٢ / ٢٣٧) ، والحماسة البصرية (٢ / ١١١) ، وخزانة الأدب (١ / ٤٥٢) ، والدرر (٢ / ١٦) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٢٦٩) ، وشرح التصريح (١ / ١٦٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٧٦) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٢٣) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (٢ / ٥٠١) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٨) ، والكتاب (١ / ٤٥٤).

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٠).


أنّ قولهم : ما أتاني من أحد ، وقوله تعالى : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ*) [الأعراف : ٨] و [العنكبوت : ٢٨] ، متناول غاية العموم. ولو حاولت أن تقول : «أتاني من أحد» كان ذلك داخلا في باب استحالة الكلام.

ويشبه ما ذكرته من الاستغناء بدخول الاسم المبتدأ في اسم العموم الذي بعده عن عود ضمير إليه من الجملة تكرير الاسم الظاهر مستغنى به عن ذكر المضمر ، وذلك إذا أريد تفخيم الأمر وتعظيمه كقول عديّ بن زيد : [الخفيف]

٦٨١ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا

واستغنى بإعادة ذكر الموت عن الهاء لو قال مع صحّة الوزن (يسبقه). ومثله في التنزيل : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٢] ، (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة : ١ ـ ٢] ، (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٢٧] ، فالحاقّة : مبتدأ ، وقوله (ما الحاقّة) جملة من مبتدأ وخبر ، خالية من ضمير يعود على المبتدأ ، لأنّ تكرير الظاهر أغنى عن الضّمير العائد ، فالتقدير : أيّ شيء الحاقّة ، وكذلك (ما القارعة) و (ما أصحاب اليمين) التقدير فيهما : أيّ شيء القارعة ، وأيّ شيء أصحاب اليمين ، كما تقول : «زيد رجل أيّ رجل» فاستغني بتكرير الظاهر عن أن يقال : الحاقّة ما هي ، والقارعة ما هي ، وأصحاب اليمين ما هم.

وإنما حسن تكرير الاسم الظّاهر في هذا النحو لأنّ تكريره هو الأصل ، ولكنّهم استعملوا المضمرات فاستغنوا بها عن تكرير المظهرات إيجازا واختصارا ، فلمّا أرادوا الدّلالة على التّفخيم جعلوا تكرير الظّاهر أمارة لما أرادوه من ذلك. وأمّا معنى البيت فإنّه أراد ذمّ الذين خاطبهم فيه فأراد : ليس عندكم قتال وقت احتياجكم إليه ، ولا تحسنونه ، وإنّما عندكم أن تركبوا الخيل وتسيروا في المواكب العراض.

وفي البيت حذف اقتضاه إقامة الوزن لم يسأل عنه صاحب هذه المسائل ، وهو حذف الفاء من جواب أمّا ، وذلك أنّ (أمّا) حرف استئناف وضع لتفصيل الجمل. وحكم الفاء بعده حكم الفعل في امتناعها من ملاصقة (أمّا) ، لأنّ الفاء إذا اتّصلت بالجزاء صارت كحرف من حروفه ، فكما لا يلاصق فعل الجزاء فعل الشّرط كذلك

__________________

٦٨١ ـ الشاهد لعدي بن بن زيد في ديوانه (ص ٦٥) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٧٨) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٦) ، ولسوادة بن عدي في الكتاب (١ / ١٠٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٧٦) ، ولسوادة أو لعديّ في لسان العرب (نغص) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١٢٥) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ١٥٣) ، وخزانة الأدب (١١ / ٣٦٦) ، والخصائص (٣ / ٥٣).


الفاء ، ألا ترى أنّ الفاء في قولك : «إن يقم زيد فعمرو يكرمه» قد فصل بينها وبين الشّرط (زيد) وكذلك إذا قال : «إن تقم فعمرو يكرمك» فقد فصل بين الشّرط والفاء الضمير المستكنّ فيه ، فلمّا تنزّلت (أمّا) منزلة الفعل الذي هو الشّرط لم يجز أن تلاصقه الفاء.

فإن قال قائل : هل يجوز أن تكون هذه الفاء زائدة فلذلك جاز حذفها في الشّعر؟ قيل : لا يخلو أن تكون عاطفة ، أو زائدة ، أو جزاء ، فلا يجوز أن تكون عاطفة لدخولها على خبر المبتدأ ، وخبر المبتدأ لا يعطف على المبتدأ. ولا يجوز أن تكون زائدة لأنّ الكلام لا يستغني عنها في حال السّعة ، فلم يبق إلّا أن تكون جزاء. وهي حرف وضع لتفصيل الجمل ، وقطع ما قبله عمّا بعده عن العمل. وأنيب عن جملة الشّرط وحرفه ، فإذا قلت : «أمّا زيد فعاقل» فالمعنى والتقدير عند النحويّين : مهما يكن من شيء فزيد عاقل ، فاستحقّ بذلك جوابا ، وجوابه جملة تلزمها الفاء إمّا أن تكون مبتدئيّة أو فعليّة ، والفعليّة إمّا أن تكون خبريّة أو أمريّة أو نهييّة. ولا بدّ أن يفصل بين (أمّا) وبين الفاء فاصل مبتدأ أو مفعول أو جارّ ومجرور ، فالمبتدأ كقولك : «أمّا زيد فكريم وأمّا بكر فلئيم» ، والمفعول كقولك : «أمّا زيدا فأكرمت» و «أمّا عمرا فأهنت» والجارّ والمجرور كقولك : «أمّا في زيد فرغبت» ، و «أمّا على بكر فنزلت» ومثال وقوع الجملة الأمريّة قولك : «أمّا محمدا فأكرم وأمّا عمرا فأهن» كأنّك قلت : مهما يكن من شيء فأكرم محمّدا ، ومهما يكن من شيء فأهن عمرا. ومثال النّهي قولك : «أمّا زيدا فلا تكرم» و «أمّا عمرا فلا تهن» ، ومثله في التنزيل : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ٩ ـ ١٠]. ومثال فصلك بالجارّ والمجرور في قولك : «أمّا بزيد فامرر» قوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١]. وإنّما لم يجز أن تلاصق (أمّا) الفعل لأنّ (أمّا) لمّا تنزّلت منزلة الفعل الشّرطيّ ـ والفعل لا يلاصق الفعل ـ امتنعت من ملاصقة الأفعال.

فإن قيل : فقد تقول : «زيد كان يزورك» و «عمرو ليس يلمّ بك» فتلاصق (كان) و (ليس) الفعل.

فالجواب : أنّ الضّمير في (كان) و (ليس) فاصل في التقدير بينهما وبين ما يليهما وهذا الفاصل يبرز إذا قلت : «الزيدان كانا يزورانك» و «العمران ليسا يلمّان بك» وكذلك حكم الجمع إذا قلت : كانوا ، وليسوا ، وحكم الفاء حكم الفعل في امتناعها من ملاصقة أمّا لأنّ الفاء إذا اتصلت بالجزاء صارت كحرف من حروفه فكما


لا يلاصق الجزاء الشرط كذلك الفاء ، ألا ترى أن الفاء في قولك : «إن يقم زيد فعمرو يكرمه» قد فصل بينها وبين الشرط زيد ، وكذلك إذا قلت : «إن تقم فعمرو يكرمك» فقد فصل بين الشرط وبين الفاء الضمير المستكن فيه ، فلما نزلت أما منزلة الفعل الذي هو الشرط لم يجز أن تلاصقه الفاء.

فإن قال قائل : هل يجوز أن تكون عاطفة هذه الفاء زائدة لحذفها في الشعر.

قيل : لا يخلو أن تكون عاطفة أو زائدة أو جزاء ، فلا يجوز أن تكون عاطفة لدخولها على خبر المبتدأ وخبر المبتدأ لا يعطف على المبتدأ ، ولا يجوز أن تكون زائدة لأن الكلام لا يستغني عنها في حال السعة فلم يبق إلّا أن تكون جزاء.

وإذا عرفت هذا فالفاء بعد (أمّا) لازمة لما ذكرت لك من نيابة (أمّا) عن الشّرط وحرفه ، فإن حذفها الشاعر فللضّرورة كما جاز له حذفها من جواب الشّرط كقول عبد الرّحمن بن حسّان بن ثابت (١) : [البسيط]

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّرّ عند الله سيّان

كان الوجه أن يقول : فالله. ومثل حذفها من قوله (٢) : [الطويل]

فأمّا القتال لا قتال لديكم

[ولكنّ سيرا في عراض المواكب]

حذفها من قول بشر بن أبي خازم : [المتقارب]

٦٨٢ ـ وأمّا بنو عامر بالنّسار

غداة لقوا القوم كانوا نعاما

ومع هذا التشديد في حذف الفاء من جواب (أمّا) قد جاء حذفها في التّنزيل : ولكنّه حذف كلا حذف ، وإنّما حسّن ذلك حتّى جعله كطريق مهيع حذفها مع ما اتّصلت به من القول ، والقول قد كثر حذفه في التّنزيل لأنّه جار في حذفه مجرى المنطوق به ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] ، أي : يقولون سلام عليكم. ومثله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] ، أي : يقولان : ربّنا تقبّل منّا. ومثله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) [السجدة : ١٢]. والآية التي ورد فيها

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٨).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٦٧٧).

٦٨٢ ـ الشاهد لبشر بن أبي خازم في ديوانه (ص ١٩٠) ، ولسان العرب (نعم) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٧٢٢) ، ولسان العرب (طعم).


حذف الفاء قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [آل عمران : ١٠٦] التقدير : فيقال لهم أكفرتم فحذفها هاهنا من أحسن الحذوف وأجراها في ميدان البلاغة.

والغالب على (أمّا) التكرير كقوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) [الكهف : ٧٩] ، ثمّ قال : (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) [الكهف : ٨٠] ، ثمّ قال : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ) [الكهف : ٨٢] ، وقد جاءت غير مكرّرة في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) [النساء : ١٧٤ ـ ١٧٥].

واعلم أنّ (أمّا) لمّا نزّلت منزلة الفعل نصبت ، ولكنّها لم تنصب المفعول به لضعفها ، وإنّما نصبت الظّرف الصحيح كقولك : «أمّا اليوم فإنّي منطلق» و «أمّا عندك فإنّي جالس» وتعلّق بها حرف الظّرف في نحو قولك : «أمّا في الدار فزيد نائم». وإنّما لم يجز أن يعمل ما بعد الظّرف في الظّرف ، لأنّ ما بعد (إنّ) لا يعمل فيما قبلها ، وعلى هذا يحمل قول أبي عليّ : «أمّا على أثر ذلك فإنّي جمعت» ، ومثله قولك : «أمّا في زيد فإني رغبت». ف (في) متعلّقة ب (أمّا) نفسها في قول سيبويه وجميع النحويّين إلّا أبا العبّاس المبرّد فإنّه زعم أنّ الجارّ متعلّق برغبت ، وهو قول مباين للصحّة ، خارق للإجماع ، لما ذكرته لك من أنّ (إنّ) تقطع ما بعدها عن العمل فيما قبلها فلذلك أجازوا : «زيدا جعفر ضارب» ولم يجيزوا «زيدا إنّ جعفرا ضارب» فإن قلت : «أمّا زيدا فإنّي ضارب» فهذه المسألة فاسدة في قول جميع النحويّين لما ذكرته لك من أنّ (أمّا) لا تنصب المفعول الصّريح ، وأنّ (إنّ) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وهو في مذهب أبي العبّاس جائز وفساده واضح.

المسألة الثانية (١) : أمّا مجيء الفاعل المضمر مفردا في قوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) [الأنعام : ٤٠ ، ٤٧] ، وكذلك في التثنية إذا قلت : (أرأيتكما) وفي خطاب جماعة النّساء إذا قلت : (أرأيتكنّ) ، فإنّما أفرد الضمير في هذا النحو لأنّه لو ثنّي وجمع فقيل (أرأيتماكما) و (أرأيتموكم) و (أرأيتنّكنّ) كان ذلك جمعا بين خطابين ، ولا يجوز الجمع بين خطابين ، كما لا يجوز الجمع بين استفهامين ، ألا ترى أنّك إذا قلت : (يا زيد) فقد أخرجته بالنّداء من الغيبة إلى الخطاب لوقوعه موقع الكاف من قولك : (أدعوك) و (أناديك) ، فلذلك قال الشاعر : [الكامل]

__________________

(١) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٢).


٦٨٣ ـ يا أيّها الذّكر الّذي قد سؤتني

وفضحتني وطردت أمّ عياليا

وكان القياس أن يقول : ساءني ، وفضحني ، وطرد ، لأنّ (الذي) اسم غيبة ولكنّه لمّا أوقع (الذي) صفة للذّكر وقد وصف المنادى بالذّكر جاز له إعادة ضمائر الخطاب إليه. ويوضّح لك هذا أنّك تقول : (يا غلامي) ، و (يا غلامنا) ، و (يا غلامهم) ، ولا تقول : (يا غلامكم) ، لأنّه جمع بين خطابين خطاب النّداء ، والخطاب بالكاف ، فلذلك وحّدوا التّاء في التثنية والجمع ، وألزموها الفتح في الحالين وفي خطاب المرأة إذا قلت : (أرأيتك) لأنّهم جرّدوها من الخطاب.

المسألة الثالثة (٢) : أمّا حدّ الاسم فإنّ سيبويه حدّ الفعل ولم يحدّ الاسم لما يعتور حدّ الاسم من الطّعن ، وعوّل على أنّه إذا كان الفعل محدودا ، والحرف محصورا معدودا ، فما فارقهما فهو اسم. وحدّ بعض النحويّين المتأخّرين الاسم فقال : «الاسم كلمة تدلّ على معنى في نفسها ، غير مقترنة بزمان محصّل» ، وإنّما قال : تدلّ على معنى في نفسها ، تحرّزا من الحرف ، لأنّ الحرف يدلّ على معنى في غيره. وقال : «غير مقترنة بزمان» ، تحرّزا من الفعل ، لأنّ الفعل وضع ليدلّ على الزّمان. ووصف الزّمان بمحصّل ليدخل في الحدّ أسماء الفاعلين ، وأسماء المفعولين ، والمصادر ، من حيث كانت هذه الأشياء دالّة على الزّمان ، لاشتقاق بعضها من الفعل ، وهو اسم الفاعل ، واسم المفعول ، واشتقاق الفعل من بعضها وهو المصدر ، إلّا أنّها تدلّ على زمان مجهول ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ضربي زيدا شديدا» احتمل أن يكون الضّرب قد وقع ، وأن يكون متوقّعا وأن يكون حاضرا.

وممّا أعترض به على هذا الحدّ قولهم : «آتيك مضرب الشّول ومقدم الحاجّ ، وخفوق النّجم» لدلالة هذه الأسماء على الزّمان مع دلالتها على الحدث الذي هو الضّراب ، والقدوم ، والخفقان ، فقد دلّت على معنيين.

وأسلم حدود الاسم من الطّعن قولنا : الاسم ما دلّ على مسمّى به دلالة الوضع. وإنّما قلنا : (ما دلّ) ولم نقل «كلمة تدلّ» ، لأنّنا وجدنا من الأسماء ما وضع من كلمتين ك «معدي كرب» ، وأكثر من كلمتين ك «أبي عبد الرّحمن» ، وقلنا : «دلالة الوضع تحرّزا ممّا دلّ دلالتين : دلالة الوضع ، ودلالة الاشتقاق ، ك «مضرب الشّول» وإخوته ، وذلك أنّهنّ وضعن ليدللن على الزّمان فقط ، ودللن على اسم الحدث لأنّهنّ

__________________

٦٨٣ ـ الشاهد لأبي النجم العجلي في المقتضب (٤ / ١٣٢) ، وأمالي ابن الشجري (٢ / ١٥٢).

(١) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٢).


اشتققن منه ، فلسن كالفعل في دلالته على الحدث والزمان ، لأنّ الفعل وضع ليدلّ على هذين المعنيين معا ، فقولنا : (دلالة الوضع) يزيح عن هذا الحدّ اعتراض من اعترض على الحدّ الأوّل بمضرب الشّول وإخوته. فإذا تأمّلت الأسماء كلّها حقّ التأمل وجدتها لا يخرج شيء منها عن هذا الحدّ على اختلاف ضروبها في الإظهار والإضمار ، وما كان واسطة بين المظهر والمضمر ، وذلك أسماء الإشارة ، وعلى تباين الأسماء في الدّلالة على المسميّات من الأعيان والأحداث ، وما سمّيت به الأفعال من نحو : (صه) و (إيه) و (رويد) و (بله) و (أفّ) و (هيهات) ، فالمسمّى ب (صه) قولك أسكت ، وب (إيه) حدّث ، وب (رويد) أمهل ، وب (بله) دع وب (أفّ) أتضجّر ، وب (هيهات) بعد ، وكذلك ما ضمّن معنى الحرف نحو : (متى) و (أين) و (كم) و (كيف) ، (فمتى) وضع ليدلّ على الأزمنة ، و (أين) على الأمكنة ، و (كم) على الأعداد ، و (كيف) على الأحوال.

وهذه الكلم ونظائرها من نحو : (من) و (ما) و (أيّان) و (أنّى) ممّا طعن به على الحدّ الأوّل لقول قائله : «كلمة تدلّ على معنى في نفسها» فقال الطّاعن : إنّ كلّ واحد من هذه الأسماء قد دلّ على الاستفهام أو الشّرط وعلى معنى آخر كدلالة (أين) على المكان وعلى الاستفهام أو الشّرط وكذلك (متى) و (من) و (ما) فقد دلّ الاسم منها على معنيين كدلالة الفعل على معنيين : الزمان المعيّن والحدث.

وليس لمعترض أن يعترض بهذا على الحدّ الذي قرّرناه لأنّنا قلنا : «ما دلّ على مسمّى به دلالة الوضع ولم نقل ما دلّ على معنى».

المسألة الرابعة (١) : السؤال عن قول الشاعر ـ وهو يزيد بن الحكم الثّقفيّ (٢) ـ : [الطويل]

فليت كفافا كان خيرك كلّه

وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي

تعريب هذا البيت قد تقدّم فيما سلف من الأمالي ولكنّا أعدنا تعريبه هاهنا لزيادة فائدة وإيضاح مشكل ، ولكونه في جملة المسائل الواردة.

فنقول : إنّ اسم (ليت) محذوف وهو ضمير الشّأن والحديث. وحذفه ممّا لا يسوغ إلّا في الضّرورة ومثله : [الطويل]

__________________

(١) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٤).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٦٧٨).


٦٨٤ ـ فليت دفعت الهمّ عنّي ساعة

فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال

ألا ترى أنّ (ليت) لا تباشر الأفعال ، فلو لم يكن التقدير : (فليته) لم تجز ملاصقته للفعل. ومن ذلك قول الآخر : [الخفيف]

٦٨٥ ـ إنّ من لام في بني بنت حسّا

ن ألمه وأعصه في الخطوب

انجزام (ألمه) دلّ على أنّ (من) شرطيّة ، وإذا كانت شرطيّة لم يكن بدّ من الفصل بينها وبين (إنّ) ، لأنّ أسماء الشّرط حكمها حكم أسماء الاستفهام في أنّ العامل فيها يقع بعدها كقولك : «أيّهم تكرم أكرم» ، كما تقول إذا استفهمت «أيّهم أكرمت» ونظير ذلك قول الآخر : [الخفيف]

٦٨٦ ـ إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء

وأنشد سيبويه : [الطويل]

٦٨٧ ـ ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه

بعدّته ينزل به وهو أعزل

الأعزل الذي لا سلاح معه وعلى هذا قول أبي الطّيّب أحمد بن الحسين : [الطويل]

٦٨٨ ـ وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه

ولكنّ من يبصر جفونك يعشق

وإذا عرفت هذا فإنّ (كفافا) خبر (كان) ، و (خيرك) اسمها ، (كلّه) توكيد له

__________________

٦٨٤ ـ الشاهد لعديّ بن زيد في ديوانه (ص ١٦٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٩٧) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٥) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ١٨٣) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٤٤٥) ، والدرر (٢ / ١٧٧) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٩٨) ، وهمع الهوامع (١ / ١٣٦).

٦٨٥ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ٣٨٥) ، والإنصاف (ص ١٨٠) ، وخزانة الأدب (٥ / ٤٢٠) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٨٦) ، والكتاب (٣ / ٨٣) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١١٤) ، وشرح شواهد المغني (ص ٩٢٤) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٧٥) ، وشرح المفصل (٣ / ١١٥).

٦٨٦ ـ الشاهد للأخطل في خزانة الأدب (١ / ٤٥٧) ، والدرر (٢ / ١٧٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩١٨) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ١٥٨) ، وخزانة الأدب (٥ / ٤٢٠) ، ورصف المباني (ص ١١٩) ، وشرح المفصّل (٣ / ١١٥) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٧) ، وهمع الهوامع (١ / ١٣٦).

٦٨٧ ـ الشاهد لأمية بن أبي الصلت في الكتاب (٣ / ٨٤) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٤٥٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٠٢) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (١ / ٢٩٢).

٦٨٨ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (ص ٢ / ٤٨) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٩١).


والجملة التي هي : كان واسمها وخبرها ، خبر ليت ، فالتقدير : ليته أي ليت الشأن كان خيرك كلّه كفافا عنّي ، أي كافّا. ومن روى (وشرّك) رفعه بالعطف على قوله : (خيرك) فدخل في حيّز كان فكأنّه قال : وكان شرّك ، فغير أبي عليّ يقدّر خبر (كان) المضمر محذوفا دلّ عليه خبر (كان) المظهر ، ويقدّر المحذوف بلفظ المذكور ، وهو القياس. ونظير ذلك في حذف الخبر لدلالة الخبر الآخر عليه وهما من لفظ واحد قول الشّاعر (١) : [المنسرح]

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف

أراد : نحن بما عندنا راضون ، فحذفه لدلالة (راض) عليه. ومثله في دلالة أحد الخبرين على الآخر في التّنزيل : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] التقدير : والله أحقّ أن يرضوه ورسوله أحقّ أن يرضوه ، ولو كان خبرا عنهما : لكان (يرضوهما). فالتقدير على هذا : وكان شرّك كفافا. وهذا على أن يكون (ارتوى) مسندا إلى (مرتوي).

وذهب أبو عليّ إلى أنّ الخبر (مرتوي) وكان حقّه (مرتويا) ولكنّه أسكن الياء لإقامة الوزن والقافية ، وهو من الضّرورات المستحسنة لأنّه ردّ حالة إلى حالتين ، أعني أنّ الشاعر حمل حالة النّصب على حالة الرّفع والجرّ. ومثله قول الآخر : [الوافر]

٦٨٩ ـ كفى بالنّأي من أسماء كافي

[وليس لحبّها ما عشت شافي]

وقوله (٣) : [البسيط]

يا دار هند عفت إلّا أثافيها

[بين الطويّ قصارات فواديها]

وحسن الإخبار عن الشّرّ بمرتو لأنّ الارتواء يكفّ الشارب عن الشّرب فجاز لذلك تعليق (عنّي) ب (مرتوي) كما يتعلّق بكاف أو كفاف ، فكأنّه قال : وكان شرّك كافّا عنّي.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٠).

٦٨٩ ـ الشاهد لبشر بن أبي خازم في ديوانه (ص ١٤٢) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤٣٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٢٩٤) ، ولأبي حيّة النميري في لسان العرب (قفا) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ٢٩٩) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٤٣) ، والخصائص (٢ / ٢٦٨) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٩٧٠) ، وشرح المفصّل (٦ / ١٥) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٣٥) ، والمقتضب (٤ / ٢٢) ، والمنصف (٢ / ١١٥).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٦١).


ومن قال : (وشرّك) بالنّصب حمله على (ليت) ، ولا يجوز أن يكون محمولا على (ليت) المذكورة لأنّ ضمير الشأن لا يصحّ العطف عليه لو كان ملفوظا به ، فكيف وهو محذوف؟ وإذا امتنع حمله على (ليت) المذكورة حملته على أخرى مقدّرة ، وحسن ذلك لدلالة المذكورة عليها كما حسن حذف (كلّ) فيما أورده سيبويه من قول الشاعر : [المتقارب]

٦٩٠ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرأ

ونار توقّد باللّيل نارا

أراد : وكلّ نار ، فحذف (كلّ) وأعملها مقدّرة كما كان يعملها لو ظهرت ، فكأنّه على هذا قال : وليت شرّك مرتو عنّي. ف (مرتوي) في هذا التقدير على ما يستحقّه من إسكان يائه لكونه خبرا لليت.

وعلى مذهب أبي عليّ في كون (مرتوي) خبرا ل (كان) أو ل (ليت) يجوز في الماء الرفع ، ورفعه بتقدير حذف مضاف أي : ما ارتوى أهل الماء ، كما جاء (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي : «أهل القرية» ، و (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [محمد : ٤] أي : يضع أهل الحرب أسلحتهم. ومن كلامهم : «صلّى المسجد» أي : أهل المسجد ، و «ما زلنا نطأ السّماء حتّى أتيناكم» ، يريدون : ماء السّماء. وقد كثر حذف المضاف جدّا ممّا يشهد فيه ما أبقي على ما ألقي كقول المرقّش : [السريع]

٦٩١ ـ ليس على طول الحياة ندم

[ومن وراء المرء ما يعلم]

أراد على فوت طول الحياة. وكقول الأعشى : [الطويل]

__________________

٦٩٠ ـ الشاهد لأبي دؤاد في ديوانه (ص ٣٥٣) ، والأصمعيات (ص ١٩١) ، وأمالي ابن الحاجب (١ / ١٣٤) ، وخزانة الأدب (٩ / ٥٩٢) ، والدرر (٥ / ٣٩) ، وشرح التصريح (٢ / ٥٦) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٩٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٠٠) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٠٠) ، وشرح المفصل (٣ / ٢٦) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٤٥٥) ، ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه (ص ١٩٩) ، وبلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٤٧٣) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤١٧) ، ورصف المباني (ص ٣٤٨) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٢٥) ، وشرح ابن عقيل (ص ٣٩٩) ، وشرح المفصّل (٣ / ٧٩) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٩٠) ، والمقرّب (١ / ٢٣٧) ، وهمع الهوامع (٢ / ٥٢).

٦٩١ ـ الشاهد للمرقش في ديوانه (ص ٥٨٧) ، ولسان العرب (وري) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ١٩٩) ، وتاج العروس (وري) ، وبلا نسبة في لسان العرب (صلم) ، وكتاب العين (٧ / ١٣٠) ، وتاج العروس (صلم).


٦٩٢ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

[وعادك ما عاد السليم المسهّدا]

أراد : اغتماض ليلة أرمد وأضاف الاغتماض المقدّر إلى اللّيلة كما أضيف المكر إلى اللّيل والنّهار في قوله عزّ وجلّ : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، فانتصاب اللّيلة انتصاب المصدر لا انتصاب الظّرف ، وكيف يكون انتصابها انتصاب الظّرف مع قوله بعده : [الطويل]

[ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا]

وبتّ كما بات السّليم مسهّدا

وأجاز بعض المتأخّرين أن يكون (الماء) رفعا بأنّه فاعل (ارتوى) من غير تقدير مضاف قال : وجاز وصف الماء بالارتواء للمبالغة كما جاز وصفه بالعطش لذلك في قوله : [الطويل]

٦٩٣ ـ [لقيت المرورى والشناخيب دونه]

وجئت هجيرا يترك الماء صاديا

ومن نصب الماء متّبعا مذهب أبي عليّ أراد : ما ارتوى الناس الماء أي : من الماء ، أضمر الفاعل وحذف الخافض فوصل الفعل ، فنصب ، كما جاء في التّنزيل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥] ، أي : من قومه ، وجاء فيه حذف الباء من قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [آل عمران : ١٧٥] ، أي : يخوّفكم بأوليائه ودليل ذلك قوله : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) [آل عمران : ١٧٥]. وجاء حذف (على) من قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥]. ومثل إضمار الفاعل هاهنا ـ ولم يتقدّم ذكر ظاهر يرجع الضّمير إليه ـ ما حكاه سيبويه من قولهم : «إذا كان غدا فأتني» (٣) ، أي : إذا كان ما نحن فيه من الرّخاء أو البلاء غدا.

و (ما) في قوله : «ما ارتوى» مصدريّة. وأبو طالب العبديّ لم يعرف في هذا البيت إلّا نصب الماء ، ولم يتّجه له إلّا إسناد ارتوى إلى (مرتوي) ، وذلك أنّه قال : معنى «ما ارتوى الماء مرتوي» ما شرب الماء شارب. ثمّ قال : وأمّا ما ذكره الشيخ أبو عليّ في قوله : «إن حملت العطف على (كان) كان (مرتوي) في موضع نصب وإن حملته على (ليت) نصبت قوله : (وشرّك) ، و (مرتوي) مرفوع» فكلام لم يفسّره رحمه الله.

__________________

٦٩٢ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١٧١) ، والخصائص (٣ / ٣٢٢) ، وشرح المفصل (١٠ / ١٠٢) ، والمغني (ص ٦٩٠) ، وبلا نسبة في همع الهوامع (١ / ١٨٨).

٦٩٣ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٤ / ٤٢٦) ، والمحتسب (٢ / ٢٠١) ، وشرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي (٥ / ١٩٣).

(١) انظر الكتاب (١ / ٢٨٣).


ثمّ قال : ومرّ بي بعد هذا في تعليقي كلام للشيخ أبي عليّ ، أنا حاكيه على الوجه ، وهو أنّه أورد البيت ثمّ قال بعد إيراده : (ليت) محمول على إضمار الحديث و (كفافا) خبر (كان) ، فأمّا قوله : «وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي» ، فقياس من أعمل الثاني أن يكون (شرّك) مرتفعا بالعطف على (كان) ، و (مرتوي) في موضع نصب ، إلّا أنّه أسكن في الشّعر مثل (١) : [الوافر]

كفى بالنّأي من أسماء كافي

[وليس لحبّها ما عشت شافي]

ومن أعمل الأوّل نصب (شرّك) بالعطف على (ليت) و (مرتوي) في موضع رفع لأنّه الخبر و «ما ارتوى الماء» في موضع نصب ظرف يعمل فيه (مرتوي) هذا ما ذكره أبو عليّ. ثمّ قال العبديّ : وفد تقدّمت مطالبتي بفاعل (ارتوى). وإذا ثبت ما ذكرته علم أنّ الأمر على ما قلته ، والمعنى عليه لا محالة. انتهى كلام العبدّي.

وقد مرّ بي كلام لأبي عليّ في التذكرة يشير فيه إلى ما قاله العبديّ ، واختيار أبي عليّ على ما اختاره في هذا البيت ـ من كون (مرتوي) خبرا لكان ، أو (ليت) مع صحّة إسناد (ارتوى) إلى (مرتوي) معنى وإعرابا ـ من مراميه البعيدة.

المسألة الخامسة (٢) : وأمّا (مزيّن) فلفظة تحتمل معنيين لكلّ واحد منهما وزن غير وزن الآخر ، أحدهما : أن تكون عبارة عن مكبّر ووزنه مفعّل وهو اسم الفاعل من قولك : زيّن يزيّن فهو مزيّن ، كقولك : بيّن يبيّن فهو مبيّن والآخر : أن تكون عبارة عن مصغّر ووزنه مفيعل وهو مصغّر (مزدان) و (مزدان) أصله (مزتين) مفتعل من الزّينة ، فقلبت ياؤه ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار إلى (مزتان) ، وكره اجتماع الزّاي والتاء لأنّ الزاي مجهور والتاء حرف مهموس ، فكرهوا التنافر فأبدلوا التاء دالا ، لأنّ الدّال توافق الزاي في الجهر وتقارب التّاء في المخرج ، ولمّا أريد تصغير (مزدان) وعدّة حروفه خمسة اثنان زائدان الميم والدّال ، ووجب أن يردّ إلى أربعة ، بحذف أحد الزائدين لم يخل من أن يحذف الميم أو الدّال فكان حذف الدال أولى لأمرين : أحدهما : أنّ الميم تدلّ على اسم الفاعل ، والحرف الدالّ على معنى أولى بالمحافظة عليه ، والثاني : أنّ الدّال أقرب من الطّرف ، والطّرف وما قاربه أحقّ بالحذف. ولمّا حذفت الدّال ، بقي (مزان) فقيل في تصغيره (مزيّن) ، كقولك في تصغير (غراب)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٩).

(٢) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٨).


غريّب) ، فالضمّة التي في المصغّر غير الضمّة التي في المكبّر كما أنّ الضمّة التي في أوّل (بلبل) تزول إذا قلت (بليبل).

المسألة السادسة (١) : وأمّا فتح التّاء في (أرأيتكم) و (أرأيتكما) و (أرأيتك يا هذه) و (أرأيتكنّ) ، فقد علمت أنّك إذا قلت : «رأيت يا رجل» فتحت التاء ، وإذا قلت : «رأيت يا فلانة» كسرتها ، وإذا خاطبت اثنين ، أو اثنتين ، أو جماعة ذكورا أو إناثا ، ضممتها فقلت : (رأيتما) ، و (رأيتم) ، و (رأيتنّ). وقد ثبت واستقرّ أنّ التذكير أصل للتّأنيث ، وأنّ التوحيد أصل للتثنية والجمع ، فلمّا خصّوا الواحد المذكّر المخاطب بفتح التّاء ، ثمّ جرّدوا التّاء من الخطاب وانفردت به الكاف في (أرأيتك) و «أرأيتك يا زينب» والكاف وما زيد عليها في (أرأيتكما) و (أرأيتكم) و (أريتكنّ) ألزموا التّاء الحركة الأصليّة وذلك لما ذكرته لك من كون الواحد أصلا للاثنين وللجماعة ، وكون المذكّر أصلا للمؤنّث ، فاعرف هذا واحتفظ به.

المسألة السابعة (٢) : وأمّا قول الشاعر (٣) : [الطويل]

وبعد غد يا لهف نفسي من غد

إذا راح أصحابي ولست برائح

فالعامل في الظّرف المصدر الذي هو اللهف ، وإن جعلت (من) زائدة على ما كان يراه أبو الحسن الأخفش من زيادتها في الموجب ـ وعليه حمل قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) [المائدة : ٤] ، وقوله : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [النور : ٣٠] ـ فالتقدير في هذا القول : يا لهف نفسي غدا ، فإذا قدّرت هذا جعلت (إذا) بدلا من (غد) فهذان وجهان واضحان. ولك وجه ثالث وهو أن تعمل في (إذا) معنى الكلام ، وذلك أنّ قوله : «يا لهف نفسي» لفظه لفظ النّداء ، ومعناه التوجّع ، فإذا حملته على هذا فالتقدير أتأسّف وأتوجّع وقت رواح أصحابي وتخلّفي عنهم.

المسألة الثامنة (٤) : قول أبي عليّ : «أخطب ما يكون الأمير قائما» ، (أخطب) من باب أفعل الذي هو بعض ما يضاف إليه كقولك : «زيد أكرم الرّجال» ، «وحمارك أفره الحمير» ، و «الياقوت أفضل الحجارة» ، «فزيد بعض الرّجال ، والحمار بعض

__________________

(١) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٩).

(٢) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٣٠٠).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٧٩).

(٤) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٣٠٠) ، والكتاب (١ / ٤٦٩).


الحمير ، والياقوت بعض الحجارة» ، ولا تقول : «الياقوت أفضل الزّجاج» ، لأنّه ليس منه كما لا تقول : «حمارك أحسن الرّجال». وإذا ثبت هذا فإنّ (ما) التي أضيف إليها (أخطب) مصدريّة زمانيّة كالتي في قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ) [هود : ١٠٧ ـ ١٠٨] أي : مدّة دوام السّماوات ، فقوله : «أخطب ما يكون الأمير» تقديره : أخطب أوقات كون الأمير ، كما قدّرت في الآية : مدّة دوام السّماوات ، أو مدد دوام السّماوات ، فقد صار (أخطب) بإضافته إلى الأوقات في التقدير وقتا لما مثّلته لك من كون (أفعل) هذا بعضا لما يضاف إليه ، وإضافة الخطابة إلى الوقت توسّع وتجوّز ، كما وصفوا اللّيل بالنّوم في قولهم : «نام ليلك» وذلك لكون النّوم فيه. قال : [الطويل]

٦٩٤ ـ لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى

ونمت وما ليل المطيّ بنائم

ومثله إضافة (المكر) إلى «اللّيل والنّهار في قوله عزّ وجلّ : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، وإنّما حسن إضافة المكر إلى اللّيل والنّهار لوقوعه فيهما والتقدير : بل مكركم في اللّيل والنّهار. وإذا عرفت هذا ف (أخطب) مبتدأ محذوف الخبر ، والحال التي هي (قائما) سادّة مسدّ خبره ، فالتقدير : أخطب أوقات كون الأمير إذا كان قائما. ولمّا كان (أخطب) مضافا إلى الكون لفظا وإلى الأوقات تقديرا ، وقد بيّنت لك أنّ أفعل هذا بعض لما يضاف إليه ، وقد صار في هذه المسألة وقتا وكونا ، فجاز لذلك الإخبار عنه بظرف الزمان الذي هو (إذا) الزّمانيّة. وإذا كان (قائما) نصبا على الحال ، ف (كان) المقدّرة في هذا النحو هي التامّة المكتفية بمرفوعها التي بمعنى حدث ووقع ووجد ، ولا يجوز أن تكون الناقصة ، لأنّ الناقصة لا يلزم منصوبها التنكير ، والمنصوب هاهنا لا يكون إلّا نكرة ، فثبت بلزوم التنكير له أنّه حال. وإذا ثبت أنّه حال فهو حال من ضمير فاعل مستكنّ في فعل موضعه مع مرفوعه جرّ بإضافة ظرف إليه عمل فيه اسم فاعل محذوف. وتفسير هذا أنّ (قائما) حال من الضّمير المستتر في (كان) ، و (كان) مع الضّمير جملة في موضع جرّ بإضافة (إذا) إليها لأن (إذا) و (إذ) تلزمهما الإضافة إلى جملة توضّح معنييهما كما توضّح الصّلة معنى الموصول ، ولذلك بنيا ، و (إذا) تضاف إلى جملة فعليّة لأنّها شرطيّة ، والشرط إنّما يكون بالفعل ، و (إذ) تضاف إلى جملة الاسم كما تضاف إلى جملة الفعل ، ف (إذا) في المسألة ظرف أوقع خبرا عن المبتدأ الذي هو (أخطب) ، والظّرف متى وقع

__________________

٦٩٤ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٩٩٣) ، وخزانة الأدب (١ / ٤٦٥) ، ولسان العرب (ربح) وبلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة (ص ٢٢٢) ، والمحتسب (٢ / ١٨٤) ، والمقتضب (٣ / ١٠٥).


خبرا ، عمل فيه اسم فاعل محذوف مرفوض إظهاره ، نحو قولك : زيد خلفك ، والخروج يوم السّبت ، فالتقدير مستقرّ خلفك ، وواقع يوم السّبت.

فتأمّل جملة الكلام في هذه المسألة فقد أبرزت لك غامضها وكشفت لك مخبوءها.

وأمّا قوله : «شربي السّويق ملتوتا» فداخل في هذا الشرح. وأقول : إنّ (شربي) مضاف ومضاف إليه ، و (شرب) مصدر أضيف إلى فاعله ، و (السّويق) انتصب بأنّه مفعوله ، وخبره على ما قرّرته محذوف سدّت الحال مسدّه. فقولك (ملتوتا) كقولك في المسألة الأولى (قائما) ، غير أنّ الظّرف المقدّر في الأولى هو (إذا) ، والمقدّر في هذه محمول على المعنى ، فإن كان الإخبار قبل الشّرب أردت : شربي السّويق إذا كان ملتوتا ، وإن كان الشّرب سابقا للإخبار أردت : شربي السّويق إذ كان ملتوتا وبالله التوفيق.

رسالة الملائكة للمعري

إجابة على بعض المسائل الصرفية

قال أبو الفضل مؤيّد بن موفّق الصّاحبي في كتاب (الحكم البوالغ في شرح الكلم النوابغ) :

رسالة الملائكة : ألّفها أبو العلاء المعرّي على جواب مسائل تصريفيّة ألقاها إليه بعض الطلبة فأجاب عنها بهذا الطّريق الظّريف الطّريف المشتمل على الفوائد الأنيقة مع صورتها المستغربة الرّشيقة.

بسم الله الرحمن الرحيم

ليس مولاي الشيخ أدام الله عزّه بأوّل رائد ظعن في الأرض العارية فوجدها من النّبات قفراء ولا آخر شائم ظنّ الخير بالسّحابة فكانت من قطر صفرا. جاءتني منه فوائد كأنّها في الحسن بنات مخر فأنشأت متمثّلا ببيت صخر : [الطويل]

٦٩٥ ـ لعمري لقد نبّهت من كان نائما

وأسمعت من كانت له أذنان

(إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر : ٢٢] ، (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] ، وكنت في غيسان الشّبيبة أودّ

__________________

٦٩٥ ـ الشاهد منسوب إلى صخر بن عمرو بن الشريد في الأصمعيات (ص ١٤٦) ، والشعر والشعراء (ص ٣٤٥)،وبلا نسبة في كتاب العين (٤ / ٦٠)


أنّني من أهل العلم فشجنتني عنه شواجن غادرتني مثل الكرة رهن المحاجن. فالآن مشيت رويدا وتركت عمرا للضارب وزيدا وما أوثر أن يزاد في صحيفتي خطأ في النحو فيخلد آمنا من المحو ، وإذا صدق فجر اللّمّة فلا عذر لصاحبها في الكذب ، ومن لمعذّب العطش بالعذب ، وصدق الشّعر في المفرق يوجب صدق الإنسان الفرق وكون الحالية بلا خرص أجمل بها من التخرّص ، وقيام النادبة بالمنادب أحسن بالرجل من أقوال الكاذب.

وهو أدام الله الجمال به يلزمه البحث عن غوامض الأشياء لأنّه يعتمد بسؤال رائح وغاد ، وحاضر يرجو الفائدة وباد ، فلا غرو إن كشف عن حقائق التّصريف واحتجّ للنّكرة والتّعريف وتكلّم في همز وإدغام وأزال الشّبه عن صدور الطّغام.

فأمّا أنا فجليس البيت إن لم أكن الميت فشبيه بالميت ، لو أعرضت الأغربة عن النّعيب إعراضي عن الأدب والأديب لأصبحت لا تحسن نعيبا ولا يطيق هرمها زعيبا.

ولمّا وافى شيخنا أبو القاسم عليّ بن محمد بن همّام بتلك المسائل ألفيتها في اللذّة كأنّها الرّاح يستفزّ من سمعها المراح ، فكانت الصّهباء الجرجانيّة طرق بها عميد كفر بعد ميل الجوزاء وسقوط الغفر. وكان عليّ بجباها جلب إلينا الشّمس وإيّاها فلمّا جليت الهديّ ذكرت ما قال الأسديّ : [الطويل]

٦٩٦ ـ فقلت اصطحبها أو لغيري فاهدها

فما أنا بعد الشّيب ويبك والخمر

تجاللت عنها في السّنين التي مضت

فكيف التّصابي بعد ما كلأ العمر

وما رغبتي في كوني كبعض الكروان تكلّم في خطب جرى ، والظّليم يسمع ويرى. فقال الأخنس أو الفرا (٢) : [مجزوء الرجز]

٦٩٧ ـ أطرق كرا أطرق كرا

إنّ النّعام في القرى (٤)

وحقّ مثلي ألّا يسأل ، فإن سئل تعيّن عليه ألّا يجيب ، فإن أجاب ففرض على السامع ألّا يسمع منه ، فإن خالف باستماعه ففريضة ألّا يكتب ما يقول فإن كتبه فواجب ألّا ينظر فيه ، فإن نظر فقد خبط خبط عشواء. وقد بلغت سنّ الأشياخ وما حار بيدي نفع من هذا الهذيان والظعن إلى الآخرة قريب ، أفتراني أدافع ملك الموت؟

__________________

٦٩٦ ـ البيتان للأقيشر في الشعر والشعراء (ص ٥٦٢) ، والبيت الثاني بلا نسبة في اللسان والتاج (كلأ).

(١) الأخنس : الثور من بقر الوحش. والفرا : حمار الوحش.

٦٩٧ ـ الرجز بلا نسبة في الكامل (٢ / ٥٦) ، واللسان (طرق) ، والخزانة (١ / ٣٩٤).

(٢) الكرا : ذكر الكروان.


أصل ملك

فأقول : أصل ملك مألك وإنّما أخذ من الألوكة وهي الرّسالة ثمّ قلب ، ويدلّنا على ذلك قولهم في الجمع : الملائكة ، لأنّ الجموع تردّ الأشياء إلى أصولها ، وأنشد قول الشاعر : [الطويل]

٦٩٨ ـ فلست لإنسيّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السّماء يصوب

فيعجبه ما سمع فينظرني ساعة لاشتغاله بما قلت ، فإذا همّ بالقبض قلت : وزن ملك على هذا : (معل) لأنّ الميم زائدة ، وإذا كان الملك من الألوكة فهو مقلوب من ألك إلى لأك ، والقلب في الهمز وحروف العلّة معروف عند أهل المقاييس. فأمّا جذب وجبذ ، ولقم الطّريق ولمقه فهو عند أهل اللّغة قلب ، والنحويّون لا يرونه مقلوبا بل يرون اللّفظين كلّ واحد منهما أصل في بابه.

فوزن الملائكة على هذا : معافلة ، لأنّها مقلوبة عن : مآلكة ، يقال : ألكني إلى فلان ، قال الشاعر : [الطويل]

٦٩٩ ـ ألكني إلى قومي السّلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا

وقال الأعشى في المألكة : [البسيط]

٧٠٠ ـ أبلغ يزيد بني شيبان مألكة

أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل

فكأنّهم فرّوا في (المآلكة) من ابتدائهم بالهمزة ثمّ يجيئون بعدها بالألف فرأوا أنّ مجيء الألف أوّلا أخفّ. كما فرّوا من شأى إلى شاء ، ومن نأى إلى ناء. قال عمر ابن أبي ربيعة : [الكامل]

__________________

٦٩٨ ـ الشاهد لعلقمة الفحل في ملحق ديوانه (ص ١١٨) ، ولمتمم بن نويرة في ديوانه (ص ٨٧) ، وشرح أشعار الهذليين (١ / ٢٢٢) ، ولرجل من عبد القيس أو لأبي وجزة أو لعلقمة في المقاصد النحوية (٤ / ٥٣٢) ، ولأبي وجزة في لسان العرب (ملك) ، وبلا نسبة في الكتاب (٤ / ٥٢٢) ، والأزهيّة (ص ٢٥٢) ، والاشتقاق (ص ٢٦) ، وإصلاح المنطق (ص ٧١) ، وأمالي ابن الحاجب (ص ٨٤٣) ، وجمهرة اللغة (ص ٩٨٢) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٨٧) ، ولسان العرب (صوب) و (ألك) و (لأك).

٦٩٩ ـ الشاهد لعمرو بن شأس في ديوانه (ص ٩٠) ، والكتاب (١ / ٢٥٩) ، والدرر (٥ / ٣٦) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٧٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٣٥) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٩٦) ، وبلا نسبة في المنصف (٢ / ١٠٣).

٧٠٠ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١١١) ، والخصائص (٢ / ٢٨٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٦٠٠) ، ولسان العرب (أكل) ، وتاج العروس (أكل) ، وبلا نسبة في لسان العرب (ألك) ، وتاج العروس (ألك).


٧٠١ ـ بان الحمول فما شأونك نقرة

ولقد أراك تشاء بالأظعان

وأنشد أبو عبيدة : [الطويل]

٧٠٢ ـ أقول وقد ناءت بهم غربة النّوى

نوى خيتعور لا تشطّ ديارك

همزة عزرائيل زائدة : فيقول الملك : من ابن أبي ربيعة وما أبو عبيدة؟ وما هذه الأباطيل؟ إن كان لك عمل صالح فأنت السّعيد وإلّا فاخسأ وراءك.

فأقول : فأمهلني ساعة حتى أخبرك بوزن عزرائيل وأقيم الدّليل على أنّ الهمزة فيه زائدة فيقول الملك : هيهات ليس الأمر إليّ : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤].

أم تراني أدارئ منكرا ونكيرا ، فأقول : كيف جاء اسماكما عربيّين منصرفين وأسماء الملائكة أكثرها من الأعجميّة ، مثل إسرافيل وجبريل وميكائيل فيقولان : هات حجّتك وخلّ الزّخرف عنك ، فأقول متقرّبا إليهما : قد كان ينبغي لكما أن تعرفا ما وزن ميكائيل وجبريل على اختلاف اللّغات ، إذ كانا أخويكما في عبادة الله عزّ وجلّ ، فلا يزيدهما ذلك إلّا غيظا ، ولو علمت أنّهما يرغبان في مثل هذه العلل لأعددت لهما شيئا كثيرا من ذلك ولقلت : ما تريان في وزن موسى اسم كليم الله الذي سألتماه عن دينه وحجّته فأبان وأوضح ، فإن قالا : موسى اسم أعجمي إلّا أنّه يوافق من العربيّة على وزن مفعل وفعلى.

أمّا مفعل فإذا كان من بنات الواو مثل أوسيت وأوريت فإنّك تقول : موسى ومورى ، وإن كان من ذوات الهمز فإنّك تخفّف حتّى تكون الواو خالصة من مفعل ، تقول : آنيت العشاء فهو مؤنى فإن خفّفت قلت مونى. قال الحطيئة : [الوافر]

٧٠٣ ـ وآنيت العشاء إلى سهيل

أو الشّعرى فطال بي الأناء

وحكى بعضهم همز (موسى) إذا كان اسما ، وزعم النحويّون أن ذلك لمجاورة

__________________

٧٠١ ـ الشاهد للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه (ص ١٠٧) ، ولسان العرب (أشأ) ، و (شأي) ، وتهذيب اللغة (١١ / ٤٤٧) ، وتاج العروس (شأو) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٢٤٠) ، والمخصص (١٤ / ٢٧).

٧٠٢ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (ختعر) و (نأي).

٧٠٣ ـ الشاهد للحيطئة في ديوانه (ص ٥٤) ، ولسان العرب (أنى) و (كرا) ، ومقاييس اللغة (١ / ١٤١) ، وكتاب العين (٨ / ٤٠٢) ، وجمهرة اللغة (ص ٢٥٠) ، وديوان الأدب (٤ / ١٠١) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٣٤٣) ، ومجمل اللغة (٤ / ٢٢٤) ، وأساس البلاغة (أني) و (كري) ، وتاج العروس (أنى) و (كرى). وبلا نسبة في المخصص (١٣ / ٢٦٤).


الواو الضّمة لأنّ الواو إذا كانت مضمومة ضمّا لغير إعراب أو غير ما يشاكل الإعراب جاز أن تحوّل همزة ، كما قالوا أقّتت ووقّتت وحمائم ورق وأرق ووشّحت وأشّحت ، قال الهذليّ : [الطويل]

٧٠٤ ـ أبا معقل إن كنت أشّحت حلّة

أبا معقل فانظر بسهمك من ترمي

وقال حميد بن ثور الهلاليّ : [الطويل]

٧٠٥ ـ وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامة

دعت ساق حرّ نوحة وترنّما

من الأرق حمّاء العلاطين باكرت

عسيب أشاء مطلع الشّمس أسحما

وقد ذكر الفارسيّ هذا البيت مهموزا : [الوافر]

٧٠٦ ـ أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى

وحزرة لو أضاء لي الوقود

وعلى مجاورة الضمّة جاز الهمز في (سوق) جمع (ساق) في قراءة من قرأ كذلك. ويجوز أن يكون جمع على فعل مثل أسد ، فيمن ضمّ السّين ثمّ همزت الواو ودخلها السكون بعد أن ذهب فيها حكم الهمز.

وإذا قيل : إنّ موسى : فعلى ، فإن جعل أصله الهمز وافق فعلى من مأس بين القوم : إذا أفسد بينهم. قال الأفوه : [السريع]

٧٠٧ ـ إمّا تري رأسي أزرى به

مأس زمان ذي انتكاس مؤوس

ويجوز أن يكون فعلى من ماس يميس فقلبت الياء واوا للضّمة كما قالوا : (الكوسى) من الكيس ولو بنوا : الفعلى من قولهم : هذا أعيش من هذا وأغيظ منه لقالوا : العوشى والغوظى.

فإذا سمعت ذلك منهما قلت : لله درّكما لم أكن أحسب أنّ الملائكة تنطق بمثل هذا الكلام وتعرف أحكام العربيّة ، فإن غشي عليّ من الخيفة ثمّ أفقت وقد أشارا إليّ بالإرزبّة (٥) قلت : تثبّتا رحمكما الله!

__________________

٧٠٤ ـ الشاهد لمعقل بن خويلد الهذليّ في شرح أشعار الهذليين (ص ٣٨٣) ، واللسان (وشح).

٧٠٥ ـ البيتان لحميد بن ثور في ديوانه (ص ٢٤) ، والبيت الأول في اللسان (حرر) و (سوق) و (حمم) ، ومقاييس اللغة (٢ / ٦) ، ومجمل اللغة (٢ / ٨) ، وتاج العروس (حرر) و (علط) ، والثاني في لسان العرب (علط) و (سفع).

٧٠٦ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٢٨٨) ، والخصائص (٢ / ١٧٥) ، وبلا نسبة في المنصف (٢ / ٢٠٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٩٠) ، وشرح الشافية (٣ / ٢٠٦).

٧٠٧ ـ انظر الطرائف الأدبية (ص ١٦).

(١) الإرزبّة : عصيّة من حديد.


تصغير الإرزبة : كيف تصغّران الإرزبّة وتجمعانها جمع التكسير؟ فإن قالا : (أريزبّة) و (أرازبّ) بالتشديد ، قلت : هذا وهم إنّما ينبغي أن يقال : (أريزبة) و (أرازب) بالتخفيف ، فإن قالا : كيف قالوا (علابيّ) فشدّدوا كما قال القريعيّ : [الطويل]

٧٠٨ ـ وذي فخوات طامح الطّرف جاذبت

حبالي فلوّى من علابيّه مدّي

قلت : ليست الياء كغيرها من الحروف فإنّما وإن لحقها التشديد ففيها عنصر من اللّين فإن قالا : أليس قد زعم (١) صاحبكم عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه أنّ الياء إذا شدّدت ذهب منها اللّين وأجاز في القوافي طيّا (٢) مع ظبي. قلت : وقد زعم ذلك إلّا أنّ السّماع عن العرب لم يأت فيه نحو ما قال إلّا أن يكون نادرا قليلا فإذا عجبت ممّا قالاه أظهرا لي تهاونا بما يعلمه بنو آدم ، وقالا : لو جمع ما علمه أهل الأرض على اختلاف اللّغات والأزمنة ما بلغ علم واحد من الملائكة يعدّونه فيهم ليس بعالم فأسبّح الله وأمجّده.

الجدث أو الجدف : وأقول : قد صارت لي بكما وسيلة فوسّعا لي في الجدث إن شئتما بالثّاء وإن شئتما بالفاء ، فإنّ إحداهما تبدل من الأخرى كما قالوا : مغاثير ومغافير ، وأثافي وأفافي وفوم وثوم ، وكيف تقرآن رحمكما الله هذه الآية : (وَفُومِها وَعَدَسِها) [البقرة : ٦١] ، أبالثّاء كما في مصحف عبد الله بن مسعود أم بالفاء كما في قراءة النّاس؟ وما الذي تختاران في تفسير الفوم أهو الحنطة كما قال أبو محجن : [الكامل]

٧٠٩ ـ قد كنت أحسبني كأغنى واجد

قدم المدينة من زراعة فوم

أم الثوم الذي له رائحة كريهة؟ وإلى ذلك ذهب الفرّاء وجاء في الشّعر الفصيح قال الفرزدق : [البسيط]

٧١٠ ـ من كلّ أغبر كالرّاقود حجزته

إذا تعشّى عتيق التّمر والثّوم

الريم بمعنى القبر : فيقولان أو أحدهما : إنّك لمنهدم الجول ، وإنّما يوسّع لك

__________________

(١) انظر الكتاب (٤ / ٥٨١).

(٢) في الكتاب (٤ / ٥٨١) ليّا.

٧٠٩ ـ البيت ليس في ديوانه ، ونسب إليه في المحتسب (١ / ٨٨) ، واللسان (فوم) ، والدرر (١ / ١٣٨).

٧١٠ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ١٨٦).


في ريمك عملك فأقول لهما : ما أفصحكما لقد كنت سمعت في الحياة الدّنيا أنّ الرّيم القبر ، وسمعت قول الشاعر : [الطويل]

٧١١ ـ إذا متّ فاعتادي القبور فسلّمي

على الرّيم أسقيت السّحاب الغواديا

وكيف تبنيان رحمكما الله من الرّيم مثل إبراهيم؟ أتريان فيه رأي الخليل وسيبويه فلا تبنيان مثله من الأسماء العربيّة أم تذهبان إلى ما قاله سعيد بن مسعدة فتجيزان أن تبنيا من العربيّ مثل الأعجميّ ، فيقولان : تربا لك ولمن سمّيت ، أيّ علم في ولد آدم ، إنّهم للقوم الجاهلون.

واحد الزبانية : وهل أتردّد إلى مالك خازن النّار فأقول : رحمك الله ما واحد الزّبانية فإنّ بني آدم فيه ختلفون يقول بعضهم : الزّبانية لا واحد لهم من لفظهم وإنّما يجرون مجرى السّواسية أي القوم المستوين في الشّرّ ، قال : [الطويل]

٧١٢ ـ سواسية سود الوجوه كأنّما

بطونهم من كثرة الزّاد أوطب

ومنهم من يقول : واحد الزّبانية : زبنية. وقال آخرون : واحدهم زبنيّ أو زبنيّ فيعبس لما سمع ويكفهرّ.

غسلين ونونه : فأقول يا مال ـ رحمك الله ـ ما ترى في نون غسلين وما حقيقة هذا اللّفظ أهو مصدر كما قال بعض الناس أم واحد أم جمع أعربت نونه تشبيها بنون مسكين كما أثبتوا نون (قلين) و (سنين) في الإضافة وكما قال سحيم بن وثيل (٣) : [الوافر]

وما ذا يدّري الشّعراء منّي

وقد جاوزت حدّ الأربعين

فأعرب النّون.

النون في جهنم : وهل النون في جهنّم زائدة؟. أمّا سيبويه فلم يذكر في الأبنية فعنّلا إلا قليلا ، وجهنّم اسم أعجمي ، ولو حملناه على الاشتقاق لجاز أن يكون من الجهامة في الوجه ومن قولهم تجهّمت الأمر إذا جعلنا النون زائدة ، واعتقد زيادتها في هجنّف وأنّه مثل هجفّ وكلاهما صفة للظّليم ، قال الهذليّ : [الوافر]

__________________

٧١١ ـ الشاهد لمالك بن الريب في ديوانه (ص ٤٧) ، ولسان العرب (ريم) ، وتهذيب اللغة (١٥ / ٢٨١) ، وتاج العروس (ريم) ، وبلا نسبة في ديوانه الأدب (٣ / ٣٠٦).

٧١٢ ـ الشاهد بلا نسبة في اللسان (سوى).

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٥٨).


٧١٣ ـ كأنّ ملاءتيّ على هجفّ

يعنّ مع العشيّة للرّئال

وقال جران العود : [الطويل]

٧١٤ ـ يشبّهها الرّائي المشبّه بيضة

غدا في النّدى عنها الظّليم الهجنّف

وقال قوم : ركيّة جهنام إذا كانت بعيدة القعر ، فإن كانت جهنّم عربيّة فيجوز أن يكون من هذا ، وزعم قوم أنّه يقال : أحمر جهنام إذا كان شديد الحمرة ولا يمتنع أن يكون اشتقاق جهنّم منه.

فأما سقر فإن كان عربيّا فهو مناسب لقولهم صقرته الشّمس : إذا آلمت دماغه يقال بالسّين والصّاد قال ذو الرّمّة : [الطويل]

٧١٥ ـ إذا ذابت الشّمس اتّقى صقراتها

بأفنان مربوع الصّريمة معبل

والسّين والصاد يتعاقبان في الحرف إذا كان بعدهما قاف أو خاء أو غين أو طاء ، تقول : سقب وصقب وسويق وصويق ، وبسط وبصط ، وسلغ الكبش وصلغ. فيقول مالك : ما أجهلك وأقلّ تمييزك ما جلست هنا للتّصريف وإنّما جلست لعقاب الكفرة والقاسطين.

مخاطبة الاثنين بلفظ واحد : وهل أقول للسائق والشّهيد اللّذين ذكرا في كتاب الله عزّ وجلّ قوله : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١] ، يا صاح أنظراني فيقولان : تخاطبنا مخاطبة الواحد ونحن اثنان! فأقول ألم تعلما أنّ ذلك جائز من الكلام ، وفي الكتاب العزيز : (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ. أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٣ ـ ٢٤] فوحّد القرين وثنّي في الأمر كما قال الشاعر : [الطويل]

٧١٦ ـ فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر

وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا

وكما قال امرؤ القيس : [الطويل]

__________________

٧١٣ ـ الشاهد للأعلم حبيب بن عبد الله الهذليّ في شرح أشعار الهذليين (ص ٣١٩).

٧١٤ ـ الشاهد في ديوانه (ص ١٦).

٧١٥ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ١٤٥٨) ، ولسان العرب (ذوب) و (صقر) و (ربع) و (عبل) ، وتهذيب اللغة (٢ / ٣٧٥) ، وتاج العروس (ذوب) و (صقر) و (عبل) ، وأساس البلاغة (ذوب) ، وكتاب العين (٥ / ٦٠) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٣٦٦) ، ومقاييس اللغة (٢ / ٣١٤).

٧١٦ ـ الشاهد لسويد بن كراع العكلي في لسان العرب (جزز) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ٢٣٩) ، وتاج العروس (جزز) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٨٣٩) ، والمخصص (٢ / ٥).


٧١٧ ـ خليليّ مرّا بي على أمّ جندب

لأقضي حاجات الفؤاد المعذّب

ألم تر أنّي كلّما جئت طارقا

وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب

هكذا أنشده الفرّاء وبعضهم ينشد : ألم ترياني. وأنشد أيضا : [الوافر]

٧١٨ ـ فقلت لصاحبي لا تحبسانا

بنزع أصوله واجتزّ شيحا

فهذا كلّه يدلّ على أن الخروج من مخاطبة الواحد إلى الاثنين أو من مخاطبة الاثنين إلى الواحد سائغ عند الفصحاء.

ترخيم رضوان : وهل أجيء في جماعة من خمّان الأدباء قصّرت أعمالهم عن دخول الجنّة ولحقهم عفو الله فزحزحوا عن النّار فنقف على باب الجنّة فنقول : يا رضو لنا إليك حاجة ، ويقول بعضنا : يا رضو فيضمّ الواو فيقول رضوان ما هذه الخاطبة التي ما خاطبني بها قبلكم أحد فنقول : إنّا كنّا في الدار الأولى نتكلّم بكلام العرب ، وإنّهم يرخّمون الذي في آخره ألف ونون ، فيحذفونهما للتّرخيم. وللعرب في ذلك لغتان يختلف حكماهما قال أبو زبيد : [الكامل]

٧١٩ ـ يا عثم أدركني فإنّ ركيّتي

صلدت فأعيت أن تفيض بمائها

وزن كمّثرى : فيقول رضوان : ما حاجتكم؟ فيقول بعضنا : إنّا لم نصل إلى دخول الجنّة لتقصير الأعمال وأدركنا عفو الله فنجونا من النار ، فبقينا بين الدّارين. ونحن نسألك أن تكون واسطتنا إلى أهل الجنّة ، فإنّهم لا يستغنون عن مثلنا ، وإنّه قبيح بالعبد المؤمن أن ينال هذه النّعم وهو إذا سبّح الله لحن ، ولا يحسن بساكن الجنان أن يصيب من ثمارها في الخلود وهو لا يعرف حقائق تسميتها. ولعلّ في الفردوس قوما لا يدركون أحروف الكمّثرى كلّها أصليّة أم بعضها زوائد ولو قيل لهم ما وزن كمثرى على مذهب أهل التّصريف لم يعرفوا فعّلّى ، وهذا بناء مستنكر لم يذكر سيبويه له نظيرا. وإذا صحّ قولهم للواحدة كمّثراة فألف كمّثرى ليست

__________________

٧١٧ ـ البيتان لامرئ القيس في ديوانه (ص ٤١).

٧١٨ ـ الشاهد لمضرّس بن ربعي في شرح شواهد الشافية (ص ٤٨١) ، وله أو ليزيد بن الطثرية في لسان العرب (جزز) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٩١) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١١ / ١٧) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ١٨٧) ، وشرح الأشموني (٣ / ٨٧٤) ، وشرح شافية ابن الحاجب (٣ / ٢٢٨) ، وشرح المفصل (١٠ / ٤٩) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٠٩) ، ولسان العرب (جرر) ، والمقرب (٢ / ١٦٦) ، والممتع في التصريف (١ / ٣٥٧).

٧١٩ ـ الشاهد لأبي زبيد الطائي في ديوانه (ص ٣٣) ، وجمهرة اللغة (ص ٧٢) ، ومقاييس اللغة (١ / ١٨٤) ، ولسان العرب (بضض) ، وتاج العروس (بضض).


للتأنيث. وزعم بعض أهل اللّغة أنّ الكمثرة تداخل الشيء بعضه في بعض ، فإن صحّ هذا فمنه اشتقاق الكمّثرى.

تصغير وجمع سفرجل : وما يجمل بالرجل من الصالحين أن يصيب من سفرجل الجنّة وهو لا يعلم كيف تصغيره وجمعه ولا يشعر إن كان يجوز أن يشتقّ منه فعل أم لا. والأفعال لا تشتقّ من الخماسيّة لأنّهم نقصوها عن مرتبة الأسماء ، فلم يبلغوا بها بنات الخمسة. وليس في كلامهم مثل : اسفرجل يسفرجل اسفرجالا.

وزن سندس : وهذا السّندس الذي يطؤه المؤمنون ويفرشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعلل أم فنعل والذي نعتقد فيه أنّ النون زائدة ، وأنّه من السّدوس وهو الطّيلسان الأخضر قال العبديّ : [الطويل]

٧٢٠ ـ وداويتها حتّى شتت حبشيّة

كأنّ عليها سندسا وسدوسا

ولا يمتنع أن يكون سندس فعللا ولكنّ الاشتقاق يوجب ما ذكر.

شجرة طوبى : وشجرة طوبى كيف يستظلّ بها المتّقون ويجتنونها آخر الأبد وفيهم كثير لا يعرفون أمن ذوات الواو هي أم من ذوات الياء. والذي نذهب إليه إذا حملناها على الاشتقاق أنّها من ذوات الياء وأنّها من طاب يطيب ، وليس قولهم الطّيب بدليل على أنّ طوبى من ذوات الياء لأنّنا إذا بنينا فعلا ونحوه من ذوات الواو قلبناها إلى الياء فقلنا : عيد ، وقيل ، وهو من عاد يعود وقال يقول ، فإن قال قائل : فلعلّ قولهم : طاب يطيب من ذوات الواو وجاء عى مثال حسب يحسب ، وقد ذهب إلى ذلك قوم في قولهم : تاه يتيه وهو من توّهت (٢) قيل له : يمنع من ذلك أنّهم يقولون طيّبت الرجل ، ولم يحك أحد طوّبته ، والمطيّبون أحياء من قريش اختلفوا فغمسوا أيديهم في طيب. فهذا يدلّك على أنّ الطّيب من ذوات الياء ، وكذلك قولهم : هذا أطيب من هذا ، فأمّا حكاية أهل اللّغة أنّهم يقولون : أوبة وطوبة ، فإنّما ذلك على معنى الإتباع كما يعتقد بعض النّاس في قولهم : (حيّاك الله وبيّاك) أنّه إتباع وأن أصل بيّاك بوّاك ، أي : بوّأك منزلا ترضاه فخفّف الهمز. وأمّا قولهم للآجرّ : طوب ، فإن

__________________

٧٢٠ ـ الشاهد ليزيد بن خذاق العبدي في لسان العرب (سدس) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ٢٧٩) ، وتاج العروس (سدس) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ١٢٨٢) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٢٣٣) ، والمخصّص (٤ / ٧٨) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ٢٢٧) ، وأساس البلاغة (دوي) ، ولسان العرب (دوا).

(١) انظر الكتاب (٤ / ٤٨٧).


كان عربيّا صحيحا فيجوز أن يكون اشتقاقه من غير لفظ الطيّب إلّا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعدة فإنّه إذا بنى فعلا من ذوات الياء مثل طاب يطيب وعاش يعيش يقلبه إلى الواو فيقول : الطّوب والعوش ، فإن كان الطّوب الآجرّ اشتقاقه من الطيّب فإنّما أريد به ـ والله أعلم ـ أن الموضع الذي بني به طابت الإقامة فيه. ولعلّنا لو سألنا من يرى طوبى في كلّ حين : لم حذف منها الألف واللّام لم يجر في ذلك جوابا. وقد زعم سيبويه أنّ الفعلى التي تؤخذ من أفعل منك لا تستعمل إلّا بالألف واللّام أو الإضافة ، تقول : هذا أصغر منك فإذا رددته إلى المؤنّث قلت : هذه الصّغرى أو صغرى بناتك ويقبح عنده أن يقال صغرى بغير إضافة ولا ألف ولام قال سحيم : [الطويل]

٧٢١ ـ ذهبن بمسواكي وغادرن مذهبا

من الصّوغ في صغرى بنان شماليا

وقرأ بعض القرّاء : وقولوا للناس حسني [البقرة : ٨٣] على فعلى بغير تنوين وكذا قرئ في الكهف : إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنى [الكهف : ٨٦] بغير تنوين فذهب سعيد بن مسعدة إلى أنّ ذلك خطأ لا يجوز ، وهو رأي أبي إسحاق الزّجّاج ، لأنّ الحسنى عندهما وعند غيرهما من أهل البصرة يجب أن تكون بالألف واللام ، كما جاء في موضع : (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) [الليل : ٩] ، وكذلك اليسرى والعسرى ، لأنّها أنثى «أفعل منك» وقد زعم (٢) سيبويه أنّ (أخرى) معدولة عن الألف واللّام ولا يمتنع أن تكون (حسنى) مثلها ، وفي الكتاب العزيز : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ٢٠] وفيه أيضا : (آيَةً أُخْرى. لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه : ٢٢ ـ ٢٣]. قال عمر بن أبي ربيعة : [الطويل]

٧٢٢ ـ وأخرى أتت من دون نعم ومثلها

نهى ذا النّهى ، لا يرعوي أو يفكّر

فلا يمتنع أن تعدل (حسنى) عن الألف واللّام كما عدلت (أخرى) ، وأفعل منك إذا حذف منه (من) بقي على إرادتها نكرة أو عرّف باللّام ، ولا يجوز أن يجمع بين (من) وبين حرف التعريف.

ماء الحيوان : والذين يشربون ماء الحيوان في النّعيم المقيم هل يعلمون ما هذه الواو التي بعد الياء وهل هي منقلبة كما قال الخليل أم هي على الأصل كما قال غيره من أهل العلم.

__________________

٧٢١ ـ الشاهد لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه (ص ٢٦).

(١) انظر الكتاب (٣ / ٢٤٨).

٧٢٢ ـ انظر ديوانه (ص ١٢٠).


معنى الحور : ومن هو مع الحور العين خالدا مخلّدا هل يدري ما معنى الحور ومن أيّ شيء اشتقّت هذه اللّفظة ، فإنّ الناس يختلفون في الحور فيقول بعضهم : هو البياض ومنه اشتقاق الحوّارى من الخبز والحواريّين إذا أريد بهم القصّارون ، والحواريّات إذا أريد بهنّ نساء الأمصار. وقال قوم : الحور في العين أن تكون كلّها سوداء وذلك لا يكون في الإنس وإنّما يكون في الوحوش.

وقال آخرون : الحور شدّة سواد العين في شدّة بياض العين. وقال بعضهم : الحور سعة العين وعظم المقلة.

وهل يجوز أيّها المتمتّع بالحور العين أن يقال : (حير) كما يقال (حور) فإنّهم ينشدون هذا البيت بالياء : [الطويل]

٧٢٣ ـ إلى السّلف الماضي وآخر واقف

إلى ربرب حير حسان جآذره

فإذا صحّت الرواية بالياء في هذا البيت قدح ذلك في قول من يقول : إنّما قالوا الحير إتباعا للعين كما قال الرّاجز : [الرجز]

٧٢٤ ـ هل تعرف الدّار بأعلى ذي القور

قد درست غير رماد مكفور

مكتئب اللّون مريح ممطور

أزمان عيناء سرور المسرور

حوراء عيناء من العين الحير

الإستبرق : وكيف يستجيز من فرشه من الإستبرق أن يمضي عليه أبد بعد أبد ، وهو لا يدري كيف يجمعه جمع التّكسير ولا كيف يصغّره. والنحويّون يقولون في جمعه : أبارق وفي تصغيره أبيرق (٣). وكان أبو إسحاق الزّجّاج يزعم أنّه في الأصل مسمّى بالفعل الماضي وذلك الفعل استفعل من البرق أو من البرق وهذه دعوى من أبي إسحاق وإنّما هو اسم أعجميّ عرّب.

__________________

٧٢٣ ـ الشاهد بلا نسبة في تهذيب إصلاح المنطق للتبريزي (ص ٥٩).

٧٢٤ ـ الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي في لسان العرب (روح) و (قور) و (كفر) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٢٤١) ، وتاج العروس (روح) و (قور) ، وبلا نسبة في لسان العرب (كفر) ، وإصلاح المنطق (ص ٣٤٠) ، وشرح المفصّل (٥ / ٢٢) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٣٦) ، ومقاييس اللغة (٥ / ١٩١) ، والمخصص (٦ / ٧٨) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ١٩٨).

(١) انظر الكتاب (٣ / ٤٧٧).


العبقري : وهذا العبقريّ الذي عليه اتّكاء المؤمنين إلى أيّ شيء نسب ، فإنّا كنّا نقول في الدّار الأولى : إنّ العرب كانت تقول إنّ عبقر بلاد يسكنها الجنّ وأنّهم إذا رأوا شيئا جيّدا قالوا : عبقريّ أي كأنّه من عمل الجنّ إذ كانت الإنس لا تقدر على مثله ، ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا : سيّد عبقريّ وظلم عبقريّ. قال ذو الرّمّة : [البسيط]

٧٢٥ ـ حتّى كأنّ حزون القفّ ألبسها

من وشي عبقر تجليل وتنجيد

وقال زهير : [الطويل]

٧٢٦ ـ بخيل عليها جنّة عبقريّة

جديرون يوما أن ينالوا ويستعلوا

وإن كان أهل الجنّة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلّدون ، فإنّ ذلك لم يقع إليهم ، وإنّا لنرضى بالقليل ممّا عندهم أجرا على تعليم الولدان. فيتبسّم إليهم رضوان ويقول : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس : ٥٥] ، فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه ، وإنّما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدّار الفانية فذهبت مع الباطل ، فإذا رأوا جدّه في ذلك قالوا : رحمك الله نحن نسألك أن تعرّف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنّة بأنّا واقفون على الباب نريد أن نخاطبه في أمر ، فيقول رضوان : من تؤثرون أن أعلم بمكانكم من أهل العلم الذين غفر لهم فيشتورون طويلا ثمّ يقولون : عرّف بموقفنا هذا الخليل بن أحمد الفرهوديّ ، فيرسل إليه رضوان بعض أصحابه ، فيقول : على باب الجنّة قوم قد أكثروا القول ، وإنّهم يريدون أن يخاطبوك ، فيشرف عليهم الخليل فيقول : أنا الذي سألتم عنه فما الّذي تريدون؟ فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان ، فيقول الخليل : إنّ الله جلّت قدرته ـ جعل من يسكن الجنّة ممّن يتكلّم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللّغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معدّ بن عدنان لا يدركهم الزّيغ ولا الزّلل وإنّما افتقر الناس في الدّار الغرّارة إلى علم اللّغة والنّحو لأنّ العربيّة الأولى أصابها تغيير. فأمّا الآن فقد رفع عن أهل الجنّة كلّ الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله ، فيذهبون وهم مخفقون ممّا طلبوه.

__________________

٧٢٥ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (ص ١٣٦٦) ، ولسان العرب (نجد) و (عبقر) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ١٦١) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٦٦٦) ، وتاج العروس (نجد).

٧٢٦ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ١٠٣) ، ولسان العرب (جدر) و (عبقر) ، وتهذيب اللغة (٢ / ٢٩٣) ، وأساس البلاغة (جدر) ، وتاج العروس (جدر).


ثمّ أعود إلى ما كنت متكلّما فيه قبل ذكر الملائكة : من أهدى البريرة إلى نعمان وأراق النّطفة على الفرات ، وشرح القضيّة لأمير المؤمنين فقد أساء فيما فعل. ودلّني كلامه على أنّه بحر يستجيش منّي ثمدا (١) ، وجبل يستضيف إلى صخوره حصى ، وغاضية من النّيران تجتلب إلى جمارها سقطا ، وحسب تهامة ما فيها من السّمرى.

وسؤال مولاي الشيخ كما قال الأوّل : [الطويل]

٧٢٧ ـ فهذي سيوف يا صديّ بن مالك

كثير ولكن أين بالسّيف ضارب

[الرجز]

٧٢٨ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ

[ولا فتى مثل ابن خبريّ]

قضيّة ولا أبا حسن لها ، وشكاة فأين الحارث بن كلدة ، وخيل لو كان لها فوارس. والله المستعان على ما تصفون.

والواجب أن أقول لنفسي : «وراءك أوسع لك» (٣) «فالّصيف ضيّعت اللّبن» (٤) و «لا يكذب الرائد أهله» (٥) ولو كان معي ملء السّقاء لسلكت في الأرض المقّاء. وسوف أذكر طرفا ممّا أنا عليه ، غريت بي العامّة من شبّ إلى دبّ ، يزعمون أنّي من أهل العلم وأنا منه خلو إلّا ما شاء الله ومنزلتي إلى الجهّال أدنى منها إلى الرّهط العلماء. ولن أكون مثل الرّبداء أزعم في الإبل أنّني طائر وفي الطّير أنّي بعير سائر ، والتّمويه خلق ذميم ولكنّي ضب لا أحمل ولا أطير ولا ثمني في البيع خطير أقتنع بالحبلة والسّحاء ، وأتعوّذ من بني آدم في مساء وضحاء ، وإذا خلوت في بيتي تعلّلت وإن فارقت مأواي ضللت. وذكر ابن حبيب أنّه يقال في المثل : «أحير من ضبّ» (٦) وذلك أنّه إذا فارق بيته فأبعد لم يهتد أن يرجع إليه. وقد علم الله تعالت قدرته أنّي

__________________

(١) الثمد : الماء القليل.

٧٢٨ ـ الرجز لبعض بني دبير في الدرر (٢ / ٢١٣) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٥٠) ، وتخليص الشواهد (ص ١٧٩) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥٧) ، ورصف المباني (ص ٢٦٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٥٩) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٠٥) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٠٢) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٤٥).

(٢) انظر مجمع الأمثال للميداني (٢ / ٣٧٠).

(٣) انظر مجمع الأمثال (٢ / ٦٨).

(٤) انظر مجمع الأمثال (٢ / ٢٣٣).

(٥) انظر مجمع الأمثال (١ / ٢٢٧).


لا أبتهج بأن أكون في الباطن أستحقّ تثريبا وأدعى في الظاهر أديبا ، ومثلي مثل البيعة الدّامرة تجمع طوائف من المسيحيّة أنّها تبرئ من الحمّى ، أو من كذا ، وإنّما هي جدر قائمة لا تفرق بين ملطس الهادم والمسيعة (١) بيد الهاجريّ ، وسيّان عندها صنّ الوبر (٢) وما يعتصر من ذكيّ الورد. ولست بدعا ممّن كذب عليه ، وادّعي له ما ليس عنده ، وقد ناديت بتكذيب القالة نداء خصّ وعمّ واعترفت بالجهالة عند من نقض وأمرّ واعتذرت بالتقصير إلى من هزل وجدّ. وقد حرم الكلام في هذه الأشياء لأنّي طلّقتها طلاقا بائنا لا أملك فيه الرّجعة وذلك لأنّني وجدتها فوارك فقابلت فركها بالصّلف وألقيت المرامي إلى النّازع ، وخلّيت الخطب لرقاة المنابر. وكنت في عدّان المهلة أجد إذا زاولت الأدب كأنّني عار يعتمّ أو أقطع الكفّين يتختّم. وينبغي له أدام الله تمكينه إن ذكرني عنده ذاكر أن يقول : «دهدرّين سعد القين» (٣) إنّما ذلك أجهل من صعل الدّوّ (٤) خال كخلوّ البوّ (٥).

ولو كنت في جنّ العمر كما قيل لكنت قد أنسيت ونسيت لأنّ حديثي لا يجهل في لزوم عطني (٦) الضّيّق وانقطاعي عن المعاشر ذهاب السّيّق (٧) ولو أنّني كما يظنّ لبلغت ما اخترت وبرزت للأعين فما استترت. وهو يروي البيت السائر لزهير : [الكامل]

٧٢٩ ـ والسّتر دون الفاحشات ولا

يلقاك دون الخير من ستر

وإنّما ينال الرتب من الآداب من يباشرها بنفسه ويفني الزمن بدرسه ويستعين الزّهلق والشّعاع المتألّق لا هو العاجز ولا المحاجز. [الوافر]

٧٣٠ ـ ولا جثّامة في الرّحل مثلي

ولا برم إذا أمسى نؤوم

ومثله لا يسأل مثلي للفائدة بل للامتحان والخبرة فإن سكتّ جاز أن يسبق إلى الظّنّ الحسن ؛ لأنّ السّكوت ستر يسبل على الجهول. وما أحبّ أن تفتري عليّ الظّنون كما افترت الألسن في ذكرها أنّي من أهل العلم.

__________________

(١) الملطس : المعول تكسر به الحجارة ، والمسيعة : خشبة ملساء يطيّن بها.

(٢) الصّنّ : بول الوبر ، والوبر : دويبة غبراء على قدر السنور.

(٣) انظر مجمع الأمثال للميداني (١ / ٢٦٦).

(٤) الصعل : الصغير الرأس ويقال للظليم صعل ، والدوّ : الفلاة الواسعة.

(٥) البوّ : ولد الناقة.

(٦) العطن : الدار.

(٧) السّيّق من السحاب : الذي طرأته الريح كان فيه ماء أو لم يكن.

٧٢٩ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ٩٥).


وأحلف بجروة الكذوب (١) ... لأن آزم صابة أو مقرا (٢) آثر لديّ من أن أتكلّم في هذه الصّناعة كلمة. وقد تكلّفت الإجابة فإن أخطأت فمنبت الخطأ ومعدنه غاو تعرّض لما لا يحسنه وإن أصبت فلا أحمد على الإصابة. ربّ دوراء ينفع وصفه من ليس بآس ، وكلمة حكم تسمع من حليف وسواس.

تمت الرسالة بحمد الله وعونه ، ولطفه وصونه ، والحمد لله على أفضاله ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

لا النافية للجنس

قال ابن الشجري في (أماليه) (٣) : كتب إليّ رجل من أماثل كتّاب العجم يسأل عن هذا البيت ، أصحيح إعرابه أم فاسد ، وذكر أنّه لشاعر أصفهانيّ من أهل هذا العصر : [الطويل]

٧٣١ ـ يؤلّل عصلا لا بناهنّ هينة

ضعافا ولا أطرافهنّ نوابيا

رفع (بناهنّ) ب (لا) ونصب (هينة) بأنّه خبرها. وإنّما فعل ذلك لينصب القافية ، لأنّه لمّا أعمل (لا) الأولى هذا العمل أعمل (لا) الثّانية عمل الأولى. ولحّنه في هذا نحويّ من أهل أصفهان ، لأنّه جعل اسم (لا) معرفة وقال : إنّ من شبّه (لا) بليس من العرب ، رفعوا بها النكرة دون المعرفة.

فأجبت عن هذا : بأنّي وجدت قوما من النّحويّين معتمدين على أنّ (لا) المشبّهة بليس إنّما ترفع النكرات خاصّة كقولك : «لا رجل حاضرا» ولم يجيزوا «لا الرجل حاضرا» كما يقال : «ليس الرجل حاضرا» ، وعلّلوا هذا بأنّ (لا) ضعيفة في باب العمل ، لأنّها إنّما تعمل بحكم الشّبه لا بحكم الأصل في العمل ، والنّكرة ضعيفة جدّا فلذلك لا يعمل العامل الضّعيف إلّا في النّكرات كقولك : «عشرون رجلا» و «لي مثله فرسا» و «زيد أحسنهم أدبا» ، فلمّا كانت (لا) أضعف العاملين ، والنّكرة أضعف المعمولين خصّوا الأضعف بالأضعف. وجاء في شعر أبي الطيّب أحمد بن الحسين إعمال (لا) في المعرفة في قوله : [الطويل]

٧٣٢ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

__________________

(١) الجروة : النفس. والكذوب والكذوبة : من أسماء النفس.

(٢) الصاب : الشجر المر. والمقر : شجر مرّ ، أو السمّ.

(٣) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٨١).

٧٣٢ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٤ / ٤١٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٩٩) ، والجنى الداني ـ ـ (ص ٢٩٤) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح شذور الذهب (ص ٢٥٧) ، وشرح قطر الندى (ص ١٤٥) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (١ / ٢٤٠).


ووجدت أبا الفتح عثمان بن جنّي غير منكر لذلك في تفسيره لشعر المتنبّي ولكنّه قال بعد إيراد البيت : «شبّه (لا) بليس فنصب بها الخبر».

وأقول : إنّ مجيء مرفوع (لا) منكورا في الشّعر القديم هو الأعرف إلّا أنّ خبرها كأنّهم ألزموه الحذف وذلك في قول سعد بن مالك بن ضبيعة : [مجزوء الكامل]

٧٣٣ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

أراد : لا براح لي أو عندي وفي قول رؤبة بن العجّاج : [الرجز]

٧٣٤ ـ والله لو لا أن تحشّ الطّبّخ

بي الجحيم حين لا مستصرخ

أراد : ولا مستصرخ لي. ومرّ بي بيت للنّابغة الجعدي فيه مرفوع (لا) معرفة وهو : [الطويل]

٧٣٥ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ

سواها ولا عن حبّها متراخيا

دنت فعل ذي حبّ فلمّا تبعتها

تولّت وردّت حاجتي في فؤاديا

__________________

٧٣٣ ـ الشاهد لسعد بن مالك في خزانة الأدب (١ / ٤٦٧) ، والدرر (٢ / ١١٢) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٨) ، والكتاب (١ / ١٠٢) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٥٠٩) ، وشرح شواهد المغني (ص ٥٨٢) ، وشرح المفصّل (١ / ١٠٩) ، ولسا العرب (برح) ، والمؤتلف والمختلف (ص ١٣٥) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٥٠) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (ص ٣٢٦) ، والإنصاف (ص ٣٦٧) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٩٣) ، ورصف المباني (ص ٢٦٦) ، وشرح الأشموني (ص ١٢٥) ، وشرح المفصل (١ / ١٨٠) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٠).

٧٣٤ ـ الرجز للعجاج في ديوانه (٢ / ١٧٣) ، وتهذيب اللغة (٣ / ٢٩٢) ، ولسان العرب (طبخ) و (فخخ) ، وكتاب العين (٤ / ٢٢٤) ، وتاج العروس (فنخ) و (نفخ) ، وجمهرة اللغة (ص ٥٦١) ، ومقاييس اللغة (٣ / ٤٣٧) ، ولرؤبة في لسان العرب (صدى) ، وتاج العروس (صدى) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ٢٢٧) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ٣٦٨) ، والدرر (٢ / ١١٣) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٥٠٦) ، ولسان العرب (طبخ) و (حشش) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٥) ، وتاج العروس (طبخ) ، وديوان الأدب (١ / ٢٩٦).

٧٣٥ ـ البيتان للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ١٧١) ، تخليص الشواهد (ص ٢٩٤) ، والجنى الداني (ص ٢٩٣) ، وخزانة الأدب (٣ / ٣٣٧) ، واللدرر (٢ / ١١٤) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٥) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦١٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٤٠) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٤١) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٢٤٧) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٥٩) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٥).


وبعده :

وقد طال عهدي بالشّباب وظلّه

ولاقيت أيّاما تشيب النّواصيا

وإنّما ذكرت هذين البيتين مستدلا بهما على نصب القافية ، لئلّا يتوهّم متوهّم أنّ البيت فرد مصنوع ، لأنّ إسكان الياء في قوله متراخيا ممكن مع تصحيح الوزن على أن يكون البيت من الطويل الثالث مثل : [الطويل]

٧٣٦ ـ أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم

وإلّا تقيموا صاغرين الرّؤوسا

وإذا صحّ نصب قافية البيت فلا تخلو (لا) الأولى أن تكون معملة أو ملغاة ، فإن كانت معملة ف (مبتغ) خبرها وكان حقّه أن ينصب ولكنّه أسكن الياء في موضع النّصب كما أسكنها الآخر في قوله (٢) : [الوافر]

كفى بالنّأي من أسماء كافي

[وليس لحبّها ما عشت شافي]

وكان حقّه (كافيا) ، لأنّه حال بمنزلة المنصوب في قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥].

ومثله في إسكان الياء في موضع النّصب قول الفرزدق : [الطويل]

٧٣٧ ـ يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد

وعينا له حولاء باد عيوبها

قال : (باد) وكان حقّه (باديا) إتباعا لقوله (عينا) ، ولا يجوز أن يكون (عيوبها) مبتدأ ، وخبره (باد) لأنّه لو أراد ذلك لزمه أن يقول : (بادية) ، ألا ترى أنّك لو قدّمت العيوب لم يصحّ أن تقول «عيوبها باد» كما لا تقول : «الرجال جالس». وإذا كان كذلك فالنصب في قوله (متراخيا) بالعطف على (مبتغ) لأنّه منصوب الموضع ، فكأنّه قال : لا أنا مبتغيا سواها ولا متراخيا عن حبّها ، فإن جعلت (لا) الأولى ملغاة كان قوله : «أنا مبتغ» مبتدأ وخبرا ، ولزمك أن تعمل الثانية ، ويكون اسمها محذوفا تقديره : ولا أنا عن حبّها متراخيا ، وحسن حذفه لتقدّم ذكره. فإن قيل : فهل يجوز أن يكون قوله (متراخيا) حالا ، والعامل فيه الظّرف الذي هو (عن) كما يعمل الظّرف في الحال إذا قلنا : «زيد في الدار جالسا»؟ قيل : لا يجوز ذلك لأنّ (عن) ظرف ناقص ، وإنّما يعمل في الحال الظّرف التامّ ، ألا ترى أنّ قولك : «زيد في

__________________

٧٣٦ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (قوم) ، وتاج العروس (قوم) وشرح المفصّل (٦ / ١١٥).

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٩).

٧٣٧ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٤٧) ، وخزانة الأدب (١١ / ١٦٣).


الدار» كلام مفيد ، ولو قلت : «زيد عنك راحلا» و «محمّد فيك راغبا» لم يجز لأنّك أسقطت (راحلا) و (راغبا) فقلت : «زيد عنك» و «محمّد فيك» لم يكن كلاما مفيدا ، فإذا لا يصحّ إلّا أن ترفع (راحلا) و (راغبا) وتعلّق الجارّين بهما.

ووجدت بعد انقضاء هذه الأمالي في كتاب عتيق يتضمّن المختار من شعر الجعديّ : «لا أنا باغيا سواها» ، فهذه الرواية تكفيك تكلّف الكلام على (مبتغ).

فأمّا قوله : «يؤلّل عصلا» فمعنى يؤلّل : يحدّد أنيابا عصلا ، والعصل : شدّة النّاب مع اعوجاج فيه ، وهو ناب أعصل. والبنى : جمع بنية ، يريد أصول الأنياب.

وقوله «هينة» : مخفّف هيّنة ، كقولهم في ميّت : ميت ، وكما جاء في الحديث : «المؤمن هين لين».

والنّوابي : من قولهم نبا السّيف ينبو إذا ضربت به فرجع إليك ولم يعمل في الضّريبة.

وقول رؤبة : «تحشّ الطّبّخ» ، يقال : حششت النّار أحشّها إذا أذكيتها ، والطّبّخ : واحدهم طابخ ، كساجد وسجّد ، وراكع وركّع ، شبّه ملائكة النّار بالطبّاخين. وقوله : «حين لا مستصرخ» أي : حين لا أحد هناك يستصرخ كما يوجد ذلك في الدّنيا.

وقول سعد بن مالك : «وضعت أراهط» (١) ، ذكر (أراهط) أبو عليّ في باب ما جاء بناء جمعه على غير بناء واحده كقولهم في جمع (باطل) : أباطيل ، كأنّه جمع إبطال أو إبطيل ، و (أراهط) كأنّه جمع (أرهط). قال : و (أفعل) لم يستعمل عنده في هذا ، ـ «قوله عنده يعني سيبويه ، وقوله : وأفعل لم يستعمل عنده في هذا» يعني أنّه لم يثبت عنده أنّهم جمعوا (الرّهط) الذي هو العصابة دون العشرة على (أرهط) ، ولكنّهم استعملوا الأرهط في الرّهط الذي هو أديم تلبسه الحائض ، يكون قدره ما بين السّرّة إلى الرّكبة. وغير سيبويه قد حكى في (الرّهط) الذي هو العصابة أنّهم جمعوه على (أرهط) ، وجمعوا الأرهط على (الأراهط) ، كما جمعوا الكلب على الأكلب ثمّ جمعوا الأكلب على الأكالب.

وممّا جمعوه على غير قياس (حديث) ، قالوا في جمعه أحاديث ، وأحاديث كأنّه جمع إحداث ، كإعصار وأعاصير. ولا يجوز أن يكون (أحاديث) جمع

__________________

(١) يشير إلى قول سعد بن مالك :

يا بؤس للحرب التي

وضعت أراهط فاستراحوا


أحدوثة ، كأغلوطة ، وأغاليط ، لأنّهم قد قالوا : حديث النّبيّ وأحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يقولوا : أحدوثة النّبيّ.

وممّا جمعوه على غير قياس قولهم في جمع (الرّبّى) وهي الشاة التي تحبس للّبن وقيل : الحديثة العهد بالولاد : (رباب) مضموم الأوّل. ومثله قولهم في جمع (التّوءم) وهو الذي يولد مع آخر : (تؤام) ، وفي جمع (الظّئر) وهي الدابّة : (ظؤار) ، وفي جمع الثّنيّ : (ثناء) ، وهو ولد الشّاة إذا دخل في السّنة الثّانية والبعير إذا ألقى ثنيّته ، وذلك إذا دخل في السّنة السادسة ، وفي جمع (الرّخل) : (رخال) ، وهي الأنثى من أولاد الضّأن ، وفي جمع النّفساء وهي المرأة التي وضعت : (نفاس) ؛ وقيل أيضا (نفاس) بكسر أوّله ، و (النّفاس) أيضا بالكسر : ولادها.

القصيدة الحرباويّة

نقلت من خطّ بعض الفضلاء ، قال : نقلت من خطّ العمّاريّ : قال الشيخ أبو عمرو عثمان بن عيسى بن منصور بن ميمون البلطيّ (١) النحويّ : هذه القصيدة الحرباويّة كأنّها تتلوّن كالحرباء ، وحرف رويّها يكون مضموما ، ثمّ يصير مفتوحا ، ثمّ مكسورا ، ثمّ ساكنا ، وإنّما عملتها كذلك لأمرين : أحدهما : أنّي آتي بما لم أسبق إليه ، والآخر كيما أتحدّى بها النّحاة ، لأنّي أتيت فيها بمذاهب من النّحو لم يقف عليها أحد منهم. ومضمونها شكوى الزّمان وأهله وهذا أوّلها : [مجزوء الكامل]

إنّي امرؤ لا يطبّي

ني الشّادن الحسن القوام (٢)

يجوز في ميم (القوام) الرفع على أنّه فاعل (الحسن) ، والنّصب على التّشبيه بالمفعول به والجرّ بالإضافة ، والوقف بالسّكون ، لأنّ وزن الشّعر يستقيم فيه حركة الميم وإسكانها ، أمّا إذا حرّكت فالشعر من الضّرب السادس من الكامل ، وإذا سكّنت فالشعر من الضّرب السابع منه.

فارقت شرّة عيشتي

إذ فارقتني والغرام (٣)

ارتفع (الغرام) عطفا على المضمر في (فارقتني) ، وانتصب عطفا على (شرّة) ، وانخفض عطفا على (عيشتي).

__________________

(١) عثمان بن عيسى منصور بن محمد البلطيّ ، تاج الدين صنّف : النيّر في العربية ، والعروض الكبير ، والعروض الصغير ، وعلم أشكال الخط ، وأخبار المتنبي وغير ذلك (ت ٥٩٩ ه‍). ترجمته في بغيته الوعاة (٢ / ١٣٥).

(٢) لا يطبيّني : لا يستميلني.

(٣) شرّة الشباب : حرصه ونشاطه.


لا أستلذّ بقينة

تشدو لديّ ولا غلام

ارتفع (غلام) عطفا على المضمر في (تشدو) ، وانتصب عطفا على موضع (قينة) ، فكأنّه قال : لا أستلذّ قينة ، وانخفض عطفا على لفظه.

ذو الحزن ليس يسرّه

طيب الأغاني والمدام

ارتفع (المدام) عطفا على (طيب) ، وانتصب بواو (مع) ، وانخفض عطفا على الأغاني.

أمسى بدمع سافح

في الخدّ منسكب سجام

ارتفع (سجام) لأنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو ، وانتصب بإضمار (أعني) وانجرّ صفة لما قبله.

ألقى صروف الدّهر مص

طبرا وما حدّي كهام

يجوز رفع خبر (ما) على لغة تميم ونصبه على لغة الحجاز ، وأمّا الكسر فإنّ بعض العرب يبني كلّ ما جاء على هذا الوزن على الكسر ، يقيسونه على (سفار) و (نزال).

لا أشتكي محن الدّواهي

إذ تحلّ بي العظام

ارتفع (العظام) فاعل (تحلّ) ، وانتصب صفة ل (محن) وانجرّ صفة للدّواهي.

مارستهنّ ومارست

ني في تصرّفها الجسام

ارتفع (الجسام) بقوله (مارستني) ، وانتصب بدلا من (هنّ) في (مارستهنّ) وانجرّ بدلا من (ها) في (تصرفها) على حد قول الفرزدق : [الطويل]

٧٣٨ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده لضنّ بالماء حاتم

والقوافي مخفوضة ، وانخفض (حاتم) على البدل من الهاء في (جوده).

وبلوت حدّ السّيف في

عمل فأخلفني الحسام

ارتفع (الحسام) فاعل (أخلفني) ، وانتصب بدلا من (حدّ) ، وانجرّ بدلا من (السّيف).

إن كنت في ليل الخطو

ب ارقب لينكشف الظلام

ارتفع (الظّلام) ب (ينكشف) ، وانتصب ب (ارقب) ، وانجرّ بدلا من (ليل).

واترك ملام الدّهر عن

ك فما حديثك والملام

__________________

٧٣٨ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ٢٩٧) ، ولسان العرب (حتم) ، وجمهرة اللغة (ص ١٦٦) ، والمخصّص (١٧ / ١٤).


ارتفع (الملام) عطفا على (حديثك) ، وانتصب بواو (مع) ، وانجرّ عطفا على الكاف في (حديثك).

أرمي زماني ما رمى

للعرض حتّى لا يرام

قد جاء الفعل بعد (حتّى) مرفوعا ومنصوبا كقوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤]. وأمّا الكسر فلا سبيل إليه إلّا بزيادة الياء في (يرام) فيصير (يرامي) من المراماة ، ويصير المعنى : لا أزال أرمي الزّمان حتّى يترك مراماتي.

إنّي أرى العيش الخمو

ل وصحبة الأشرار ذام

«صحبة الأشرار» مبتدأ ، و (ذام) خبره ، ويجوز نصبهما معا ب (أرى) ، والذام الذّمّ ، وإذا زدت على (ذام) الياء صار بلفظ المخفوض ، وتضيفه إليك.

كم حاسدين معاندي

ن عدوا عليّ وكم لئام

قد جاء بعد (كم) المرفوع والمنصوب والمجرور ، قال الفرزدق : [الكامل]

٧٣٩ ـ كم عمّة لك يا جرير وخالة

[فدعاء قد حلبت عليّ عشاري]

روي برفع (عمّة) ونصبها وجرّها.

ربّ امرئ عاينته

لهجا بسبي مستهام

الأخفش يقول : (ربّ) وما عملت فيه في موضع رفع ، فيكون رفع (مستهام) على الصفة لامرئ على الموضع ، ونصبه ب (عاينته) ، وجرّه نعت (امرئ) على اللّفظ.

بين العدوّ غدوت مض

طرّا بصحبته أسام

(أسام) بالرّفع مضارع من سام ، وبالفتح بمعنى : أسامى ، مبنيّ للمفعول ، وبالكسر أي : أسامي ، يقول : اضطرّني الزمان حتّى أفاخر من يفاخرني.

لا غرو في تفضيله

هذا الزمان علا اللّئام

ارتفع (اللّئام) على أنّ (علا) فعل ماض من العلوّ ، وانتصب كذلك على أنّ فاعله ضمير أي : علا هو اللّئام ، أي زاد عليهم في اللّؤم ، وانجرّ على أنّ (علا) اسم بمعنى فوق بجرّها. ويغلط النحاة ، ويسمّونها حرفا كقولهم : زيد على الفرس ، وإنّما التقدير : فوق الفرس. وأنشد سيبويه : [الرجز]

__________________

٧٣٩ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٣٦١) ، والكتاب (٢ / ٦٨) ، وأوضح المسالك (٤ / ٢٧١) ، وخزانة الأدب (٦ / ٤٥٨) ، والدرر (٤ / ٤٥) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٨٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٥١١) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٣٦) ، وشرح المفصّل (٤ / ١٣٣).


٧٤٠ ـ فهي تنوش الحوض نوشا من علا

مالي وللحمق الأثي

م الجاهل الفدم العبام

تقدّم أنّ النّعت يتبع ، ويقطع إلى الرّفع والنّصب.

إنّ المموّه عند فد

م الناس تعلو والطّغام

يجوز في الطّغام الرّفع على الابتداء والخبر محذوف ، والنصب عطفا على اسم (إنّ) ، والجرّ عطفا على (فدم).

لا ترج خيرا من ضعي

ف الودّ يبخل بالسّلام

الرفع على الحكاية أي بقوله : السّلام عليكم ، والنّصب على المصدر أي بأن يسلّم السّلام ، أنشد الفارسيّ : [مجزوء الوافر]

٧٤١ ـ تنادوا ب «الرّحيل» غدا

وفي ترحالهم نفسي

وقال : يجوز في (الرّحيل) الرفع والنصب والخفض ، ذكره ابن جنّي في سرّ الصناعة.

وعليك بالصّبر الجمي

ل وما يلوذ به الكرام

الرفع ب (يلوذ) ، والنصب ب (عليك) إغراء ، والجرّ بدلا من (الصّبر).

لا يستفيق القلب من

كمد يلاقي أو غرام

الرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، والنّصب ب (يلاقي) ، والجرّ عطفا على (كمد).

حتّى متى شكوى أخي ال

بثّ الكئيب المستضام

(شكوى) مصدر مضاف إلى فاعله أو مفعوله ، فرفع (المستضام) إتباعا لمحلّ الفاعل ، ونصبه إتباعا لمحلّ المفعول ، وجرّه على اللّفظ.

__________________

٧٤٠ ـ الرجز لغيلان بن حريث الربعي في خزانة الأدب (٩ / ٤٣٧) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٢٧٧) ، ولسان العرب (نوش) ، ولذي النجم العجلي في لسان العرب (علا) ، وبلا نسبة في الكتاب (٣ / ٥٠٢) ، وأسرار العربية (ص ١٠٣) ، وأدب الكاتب (ص ٥٠٢) ، وإصلاح المنطق (ص ٤٣٢) ، ورصف المباني (ص ٣٧١) ، وشرح المفصل (٤ / ٧٣) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٦٥٦) ، والمنصف (١ / ١٢٤).

٧٤١ ـ الشاهد بلا نسبة في درة الغوّاص (ص ٢٣٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٢٣٢) ، والمحتسب (٢ / ٢٣٥) ، والمقرّب (١ / ٢٩٣).


ما من جوى إلّا تضم

منه فؤادي أو سقام

الرفع إتباعا لموضع (جوى) فإنّ (من) زائدة ، والجرّ على لفظه ، والنّصب عطفا على هاء (تضمّنه).

همّ أرى في بثّه

ذلّا وملء فمي لجام

«ملء فمي لجام» مبتدأ وخبر ، ونصب (لجام) بأرى ، وكسره بتقدير : لجامي.

قدّر عليّ محتّم

من فوق يأتي أو أمام

(فوق) و (أمام) مبنيّان على الضمّ ، أو منصوبان على الظّرف ، أو مجروران ب (من) إعرابا على أنّهما نكرتان.

ما قيل خلفك خلّ عن

ه ففيه ما نفع الملام

الرفع ب (نفع) ، والنصب ب (خلّ) ، والجرّ بدلا من هاء (عنه).

ما إن يضرّ بذاك إل

لا حين تسمعه الكلام

الرفع ب (يضرّ) ، والنّصب بدلا من هاء (تسمعه) ، والجرّ بدلا من (ذاك).

ما في الورى من مكرم

لذوي العلوم ولا كرام

الرفع عطفا على موضع (مكرم) ، والجرّ على لفظه ، والنصب ب (لا).

أأعيش فيهم إذ بلو

تهم وقد جهلوا الأنام

الرفع بدلا من الواو في (جهلوا) ، والنصب بدلا من (هم) في (بلوتهم) ، والجرّ بدلا من (هم) في (فيهم).

في غفلة أيقاظهم

عن سؤدد بله النّيام

عند قطرب أن (بله) بمعنى كيف يرتفع ما بعدها ، وأصلها أن تكون بمعنى دع ، فينصب ما بعدها ويجرّ بها تشبيها بالمصدر. وقد أجاز ابن جنّي في قول المتنبي : []

٧٤٢ ـ أقلّ فعالي بله أكثره مجد

[وذا الجدّ فيه نلت أم لم أنل جدّ]

رفع (أكثر) ونصبه وجرّه.

ليس الحياة شهيّة

لي في الشّقاء ولا مرام

يرتفع (مرام) ب (لا) بمعنى ليس ، والخبر محذوف على حدّ قوله (٢) : [مجزوء الكامل]

[من صدّ عن نيرانها]

فأنا ابن قيس لا براح

__________________

٧٤٢ ـ انظر ديوانه (٢ / ٩١).

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٣٣).


وينصب عطفا على (شهيّة) ، ويجرّ عطفا عليها على التّوهّم ، لأنّها في تقدير الباء على حدّ قوله (١) : [الطويل]

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فكرهت في الدّنيا البقا

ء وقد تنكّد والمقام

الرفع عطفا على ضمير (تنكّد) ، والنصب عطفا على (البقاء) ، والجرّ بواو القسم على إرادة مقام إبراهيم.

إنّي وددت وقد سئم

ت العيش لو يدنو حمام

الرفع ب (يدنو) ، والنصب ب (وددت) ، والكسر على تقدير (حمامي) بياء الإضافة.

مسألة في التنازع : الكلام على قول شاعر

وجدت بخطّ العلامة شمس الدّين بن الصّائغ (٢) ما نصّه : [الكامل]

٧٤٣ ـ هيهات لا يأتي الزّمان بمثله

إنّ الزمان بمثله لبخيل

هيهات : اسم للفعل بمعنى بعد على الصحيح ـ فقد حكى ابن عصفور أنّها تستعمل مصدرا بمنزلة البعد ـ فيعرب إذ ذاك : لا يأتي الزمان بمثله : فعل وفاعل ومتعلّق. وفاعل هيهات : خطر لي فيه أنّه ضمير يعود على (مثل) ، أي : بعد مثل هذا الممدوح عنّا ، لا يأتي الزمان بمثله. والبعد لا يمتنع تعلّقه بالأعيان كما قال الشاعر : [الطويل]

٧٤٤ ـ فهيهات هيهات العقيق وأهله

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢١٨).

(٢) محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمرّدي ، الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي ، برع في النحو واللغة والفقه ، له من التصانيف : شرح المشارق في الحديث ، شرح ألفية ابن مالك ، الغمز على الكنز ، التذكرة في النحو ، المباني في المعاني ، الرقم على البردة وله حاشية على المغني لابن هشام وغيرها. (ت ٧٧٦ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٥٥).

٧٤٣ ـ الشاهد لأبي تمام في ديوانه (٤ / ١٠٢) ، ومعاهد التنصيص (٢ / ١٢٧).

٧٤٤ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٩٦٥) ، والخصائص (٣ / ٤٢) ، والدرر (٥ / ٣٢٤) ، وشرح التصريح (١ / ٣١٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٤٣) ، وشرح المفصّل (٤ / ٣٥) ، ولسان العرب (هيه) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٧) ، وكتاب العين (١ / ٦٤) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ١٩٣) ، وسمط اللآلي (ص ٣٦٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٠٠١) ، وشرح شذور الذهب (ص ٥١٦) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٥٦) ، والمقرّب (١ / ١٣٤) ، وهمع الهوامع (٢ / ١١١).


وتكون المسألة من باب الإعمال ، تنازع الاسم والفعل على حدّ قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، قيل : لا بدّ في باب الإعمال من ربط بين العاملين ، نصّ على ذلك ابن هشام الخضراويّ ، وابن عصفور في شرحهما على (الإيضاح) ، وأبو حيّان في الارتشاف ، والأبّدي في أثناء كلام على (الجزوليّة).

والجواب عن قوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) بأنّ هذه ليست من باب الإعمال ، أو أنّها منه ، وحرف العطف مقدّر كما خرّجت عليه آيات ، منها قوله تعالى : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ) [الكهف : ٢٢] و (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ) [الكهف : ٢٢] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] على قول أبي عليّ في الحجّة ، وقوله : «كيف أصبحت كيف أمسيت» و «أكلت سمكا لبنا تمرا» ، أو أنّها جملة حاليّة في تقدير الخبر ، أي : «هاؤم قارئين» على حدّ (فَلْيَمْدُدْ) [مريم : ٧٥] ، حال منتظرة ، أو أنّه بدل اشتمال ، أو بدل إضراب على حدّ ما أوّله ابن خروف في قوله : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج : ٥] ، أو أنّ الفعلين قد ارتبط أحدهما بالآخر من حيث كانا محكيّين بالقول ، ذكره ابن عصفور في (شرح الإيضاح)

قلت : لا نسلّم اشتراط الرّبط ، قال الإمام محمّد بن أبي البركات محمد بن عمرون في (شرح المفصّل) ما نصّه : «ضابط هذا ـ يعني باب الإعمال ـ أن يجتمع أكثر من عامل من فعل أو اسم يعمل عمل الفعل ، ويقع بعد ذلك كلمة يصحّ أن يعمل فيها كلّ واحد ممّا تقدّم على انفراده ، سواء في ذلك ما يعمل بنفسه أو بحرف جرّ ، وسواء المتعدّي لواحد واثنين ، وثلاثة وسواء وجود حرف عطف وعدمه ، أنت مخيّر في أيّها شئت».

وقال الأبّدي في (شرح الجزوليّة) بعد كلام طويل على قوله (١) : [الطويل]

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

[كفاني ولم أطلب قليل من المال]

 ـ البيت ـ «ودخول هذا البيت في باب الإعمال مشكل ، فإنّه لا يصحّ تسلّط الثاني عليه لفساد المعنى. وحقيقة الإعمال أن يتقدّم عاملان ويتأخر عنهما معمول ، لكلّ واحد منهما تعلّق به من جهة المعنى ، وطلب له. فقال بعضهم : إنّما أرادوا مشابهة لباب الإعمال في أن فصل فيه بين العامل والمعمول بجملة. وقال بعضهم : يمكن أن نجعله من باب الإعمال وننصب (قليلا) ب «لم أطلب» ولا يفسد المعنى وذلك على تقدير : «وأنا لم أطلب» معطوفا على الجمل كلّها لا على الجواب الذي هو (كفاني) ، ويكون التقدير : ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني هو ـ أي القليل

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٦٨).


من المال ـ وأنا لم أطلب القليل بل طلبت الكثير. وردّه بعضهم بأنّ باب الإعمال لا يكون حتّى يشترك الثاني مع الأوّل بحرف العطف ، أو يكون معمولا له نحو : «جاءني يضحك زيد» ، حتى يكون الفصل كلا فصل ، إذ العرب لا تقول : «أكرمت أهنت زيدا» إلّا بالواو أو نحوها. وفي تقديره : لا يشرك الثاني الأوّل في شيء. ثمّ على تقدير اشتراط الرّبط ، فليس الرّبط منحصرا في تعاطف بين العاملين ، أو عمل منهما ، فقد يكون في عمل غيرهما فيهما كما قدّمنا عن أبي الحسن بن عصفور في توجيه الإعمال في : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، و (آتُونِي أُفْرِغْ) [الكهف : ٩٦] ، إن قلنا : إنّ العامل شرط مقدّر فيه ، أي : إن تأتوني أفرغ ، فقد يحصل ربط من جهة المعنى ، كقوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ، فإنّه جواب سؤال مقدّر ، كأنّه قيل : ما جوابك؟ فقيل : قل الله .... ، وهكذا يخرّج (هاؤُمُ اقْرَؤُا ... ،) والبيت أيضا (١) : [الكامل]

هيهات لا يأتي الزّمان بمثله

إنّ الزمان بمثله لبخيل

هو أنّه سأله ، كأنّه قيل : فإن قيل لماذا بعد قيل : لا يأتي الزمان بمثله أو تقول الجملة الثانية مفسّرة للأولى كأنّه قال : «بعد مثله ، أي لا يأتي الزّمان بمثله» ، فإن قيل : فهيهات بمعنى بعد ، والبعد تفسيره : بعد إتيان الزّمان بمثله ، قلت : البعد يستعمل في المحال كقوله تعالى حكاية عن الكفّار (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٣] ، فإن قيل ذلك في لفظ (بعيد) ، قلت : جاء في لفظ (هيهات) ، قال : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) [المؤمنون : ٣٦]. وقد نصّ ابن عصفور في قوله (٢) :[الطويل]

هيهات هيهات العقيق [وأهله

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله]

على أنّه من باب الإعمال ، ونقله عن أبي عليّ وغيره ، ونفى أن يكون من باب التأكيد ، فانظر إلى تعلّق الأول بالثاني. قال ابن عصفور في (شرح أبيات الإيضاح) : «فإذا قلت إنّها اسم فعل فالاختيار في (العقيق) أنّه مرفوع ب (هيهات) المتأخّرة عند البصريّين ، وعند الكوفيّين بالمتقدّمة ، وأن تقول هذا من باب الإعمال. وليس قولك : «قام قام زيد» منه ، لأنّ ذلك الثاني مؤكّد للأول ولا يمكن هنا التأكيد ، لأنّ اسم الفعل أتي به بدل الفعل اختصارا ، بدليل قولهم : (صه) للمفرد والمثنّى والمجموع المذكّر والمؤنّث ، فتكراره للتأكيد مناقض لما أريد به من الاختصار ، فإن أكّدت الجملة بأسرها ساغ ، نحو «نزال نزال».

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٤٣).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٤٤).


وحمل الفارسيّ وغيره ذا البيت على الإعمال واغتفروا الإضمار في غير العامل في الظّاهر.

كتاب (الوضع الباهر في رفع أفعل الظاهر)

تصنيف الإمام العالم العلّامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن

الشهير بابن الصّائغ الحنفي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصّلاة على رسول الله محمد وآله وصحبه وسلّم :

اعلم أنّ اسم التفضيل من الأسماء المشتقّة من الأفعال ، ويشبه من الأفعال الأفعال غير المتصرّفة.

وهو وفعل التعجّب من باب واحد ، حتّى إنّ حذّاق النحويّين قالوا : إن الذي شذّ في أحد البابين شذّ في الآخر. قال ابن عصفور : لا يتعجّب من فعل المفعول ، وشذّ «ما أخوفه عندي» ، وأنشد : [البسيط]

٧٤٥ ـ فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه

[وقيل إنك محبوس ومقتول]

ولا من الألوان ، وشذّ قوله : [البسيط]

٧٤٦ ـ [أما الملوك فأنت ألأمهم]

فأنت أبيضهم سربال طبّاخ

وقد كنت قدما نظّرت هذه المسألة النّحوية ـ في أنّ البابين من واد واحد ، والوارد في أحدهما وارد في الآخر ـ بمسألة فقهية ، وهي أنّ التّمتّع والقران كذلك من واد واحد ، والنصّ الوارد في التّمتّع وارد حكمه في القران ، ضمّنته كتابا سمّيته باختراع الفهوم لاجتماع العلوم.

إذا تقرّر ذلك فمقتضى هذه الصّفة ألّا تعمل ، إذ هي اسم ، وحقّ الأسماء ألّا تعمل إلّا إن أشبهت الفعل ، أو أشبهت ما أشبه الفعل. فالأوّل كاسم الفاعل. والثاني الصّفة المشبّهة به. و (أفعل) هذه لو تشبه الفعل شبه اسم الفاعل في جريانها مطلقا ، وأعني حالة تذكيرها وإفرادها وفروعهما ، وهو (يفعل). حتّى إنّه في بعض الأماكن اختلف في الكلمة هل هي فعل أو اسم تفضيل كقوله : [الطويل]

__________________

٧٤٥ ـ الشاهد لكعب بن زهير في ديوانه (ص ٢١) ، والمقرّب (١ / ٧١).

٧٤٦ ـ الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه (ص ١٨) ، ولسان العرب (بيض) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى (١ / ٩٢) ، والإنصاف (١ / ١٤٩) ، وخزانة الأدب (٨ / ٢٣٠) ، وشرح المفصّل (٦ / ٩٣) ، ولسان العرب (بيض) و (عمى) ، والمقرّب (١ / ٧٣).


٧٤٧ ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل

على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

بل إن جرى أفعل على المضارع لم يجر بغير الفروع.

فإن قلت : ولم لم تكن (فعلى) جارية على المضارع في الحركات والسّكنات إذ لا اعتبار بالأصالة والزّيادة ألا ترى أنّ (ضاربا) جار على (يضرب) قلت : علامة التأنيث خارجة على ذلك ألا ترى أنّ (ضاربة) جارية والتّاء خارجة عن ذلك. ولقائل أن يقول : التاء خارجة عن الوزن بدليل استثنائه بخلاف الألف. والذي يدفع هذا كلّه أنّ كلامنا في «أفعل من» وهي لازمة الإفراد والتذكير.

ومعنى الجريان كما قاله ابن عصفور : والجريان على المضارع في الحركات والسّكنات والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، ولم تشبه اسم الفاعل الجاري على الفعل لشبه الصّفة له في لحاق العلامات الدالّة على فرعيّة المسند إليه ، بل جرى مجرى فعل التّعجّب في المعنى. وكذلك لزمت الإفراد والتذكير إذا كانت مجرّدة من (ال). والإضافة لزومه لذلك. وليس لزوم (أفعل) لذلك لتضمّنه معنى الفعل والمصدر المستحقّين لذلك بدلالتهما على الجنس كما ذكره موفّق الدّين بن يعيش في (شرح المفصّل) (٢) وابن بابشاذ وقد أخذاه عن ابن السرّاج كذا في (الإيضاح) ، وقد علّل ذلك بمثال في الإيضاح بأنّهم لو جمعوا بينهما في علامة الفروع وبين «ال فإذا البيت من ادخلوا الدّرع بمعنى مع ال الإضافة لأنّ غير المجرّد وبقية المشتقات كذلك».

ولا كما ذكره بعض المتأخّرين من أنّها مع (من) كبعض الكلمة مع باقيها ، وبعض الكلمة لا تلحقه العلامات لأنّ إعرابها على حدتها دفع ذلك.

وإذا كان الجامد من الأفعال قاصرا في عمله عن المتصرّف لشبهه بالأسماء ، فما يشبهه من الأسماء ينبغي ألا يعمل ، إلّا أنّ (أفعل) لما فيه من الاشتقاق والجريان

__________________

٧٤٧ ـ الشاهد لمعن بن أوس في ديوانه (ص ٣٩) ، وخزانة الأدب (٨ / ٢٤٤) ، وشرح التصريح (٢ / ٥١) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١١٢٦) ، ولسان العرب (كبر) و (وجل) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٤٩٣) ، وتاج العروس (وجل) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ١٦١) ، وجمهرة اللغة (ص ٤٩٣) ، وخزانة الأدب (٦ / ٥٠٥) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٢٢) ، وشرح شذور الذهب (ص ١٣٣) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٣) ، وشرح المفصل (٤ / ٨٧) ، ولسان العرب (عنف) و (هون) ، والمقتضب (٣ / ٢٤٦) ، والمنصف (٣ / ٣٥) ، وتاج العروس (عنف) و (هون).

(١) انظر شرح المفصّل (٦ / ٩٥).


على الموصوف عملت في الضمير المتّصل ، والتمييز ، والحال ، والظّرف ، وعديله ، لا في الظاهر ولا في المفعول به على المشهور ؛ وهذا معنى قول من قال : لا تعمل. وأمّا قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ، و (حيث) : نصبت بمقدر نصب المفعول به أي : يعلم حيث ، لا جرّ بالإضافة ؛ لأنّ (أفعل) بعض ما يضاف له ، ولا نصب ب (أعلم) نصب الظّرف ، لأنّ علمه غير مقيّد وفي الآخر بحث وكذلك قوله (١) : [الطويل]

[أكرّ وأحمى للحقيقة منهم]

وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا

نصبه ب (نضرب) مقدّرا ، وقيل بإسقاط الخافض ، أي : أضرب للقوانس ، ورجّح الأوّل بكثرة ، وحذف الفعل دون الحرف. ولا يقال إنّها لا تعمل وهو ممّا تلحقه علامات تدلّ على شبه ما يحكم بشبهه وهذه ليست كذلك فكيف تدلّ لأنّه كقوله (٢) : [الرجز]

كان جزائي بالعصا أن أجلدا

و «زيدا مررت به».

وبعض العرب لأجل الاشتقاق أعملها في الظّاهر مطلقا ؛ حكاه سيبويه في موضع ، ومنعه في آخر ، وحكم عليه بالعلّة والرّداءة (٣).

ورفع بها الظّاهر كلّ العرب في مسألة الكحل استحسانا. والقياس قدّمناه ووجهه ، إلّا أنّ بعض المتأخّرين اعترض عليه بأنّ عدم لحاق العلامات ل (أفعل) يقوّي شبهه بالفعل من حيث إنّ الفعل لا يثنّى ولا يجمع ، فينبغي أن يعمل بطريق الأولى.

وهو مسبوق بهذا الكلام في كلام الرّشيد سعيد والرّشيد سعيد مسبوق أيضا ؛ قال أبو عليّ فيما نقله التدمريّ عنه في مسألة «زيد شرّ ما يكون خير منك خير ما تكون» ، وتوجيه قول المازنيّ : إنّ «خير ما يكون» نصب ب «خير منك» : وقد تقدّم أنّه أشبه الفعل من جهات ؛ من أنّه لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث ، ويوصل بالحرف تارة : «زيد أعلم منك».

وجواب ذلك أنّا لا نسلّم أنّ ذلك لقوّة شبهه بالفعل بل لضعفه حيث لم يجر

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٩٢).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٥٤٧).

(٣) انظر الكتاب (٢ / ٢٤ ـ ٢٥).


مجراه في لحاق العلامات ، فلحاق العلامات ممّا يقوّي شبه الفعل ، وقد ذكره جماعة من النحويّين في علّة عمل اسم الفاعل وإن سلّم أنّ ذلك يقوّي شبهه بالفعل ، فهو الفعل الجامد الذي هو ضعيف غير متصرّف ؛ شبّه بالأسماء بدليل مسألة «إنّ زيدا لنعم الرّجل» و (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] ، فإنّها المخفّفة من الثقيلة بدليل : (وَأَنَّ سَعْيَهُ) [النجم : ٤٠] إلى غير هذا من المسائل.

وما حال ضعيف تعلّق بضعيف؟

ووجّه الشيخ أبو عمرو القياس بأنّ اسمي الفاعل والمفعول والصّفة المشبّهة باسم الفاعل إنّما عملت لشبهها بفعل وجد بمعناها وهو يفعل ويفعل وفعل ، و (أفعل) لم يوجد فعل بمعناه : أي يدلّ على الزّيادة. واعترض عليه : أوّلا : بأنّ الصّفة دالّة على الثبوت ، ولا فعل إلّا وهو دالّ على الحدوث وفي أفعال الغرائز ودلالتها على الحدوث أو الثبوت بحث. وأمّا أمثلة المبالغة فنائبة عن فاعل ، أو فعلها (فعّل) أو فعلها (فعل) المجرّد من أداة الكثرة فإنّه وإن لم يوضع لها لا ينافيها.

وثانيا : أن لا فعل بمعناه ، وهو فعل التعجّب ولو زاد قيد «التّصرّف» لخرج. على أنّ لقائل أن يقول : ليس أفعل في التعجّب موضوعا لذلك.

ومسألة الكحل لقّبت بذلك لأنّ سيبويه مثّلها ب «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في غيره» (١) وبسط الكلام في مثال الكحل وبغير ذلك من الأمثلة ما لم يبسطه في غيره ، ولكثرة الأمثلة في مثال الكحل.

وقد ضبطها الإمام جمال الدّين أبو عمرو بما إذا كان (أفعل) لشيء وهو في المعنى لمسبّب مفضّل باعتبار الأوّل على نفسه باعتبار غيره منفيّا ، أي صفة لشيء وهو في المعنى لمتعلّق به مفضّل وهو الكحل. وقيل : لمسبّب أي لمجعول سببا. وقيل : الأفضل بالحقيقة للعين وهي سبب الكحل في التّفضيل ولهذا ألزمت باعتبار وقوعه في الأوّل وهو ذلك الشيء الموصوف على نفس الكحل باعتبار وقوعه في غير ذلك الموصوف ، والتفضيل انعكس لأجل النّفي. والإمام جمال الدين بن مالك حيث قال في (تسهيله) : «لا يرفع أفعل التفضيل في الأعرف ظاهرا إلّا قبل مفضول هو هو ، مذكور أو مقدّر ، وبعد ضمير مذكور أو مقدّر مفسّر بعد نفي أو شبهه بصاحب أفعل» والأعرف مخرج للغة من يرفع بها الظاهر مطلقا كما سبق ، لكن كان ينبغي أن يزيد : «أو ضميرا منفصلا» ليخرج مثل «مررت برجل أحسن منه أنت».

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).


«إلّا قبل مفضول» : المفضول أبدا هو المجرور ب (من) و (أفعل) قبله ، وإنّما أراد أن يقيّده بأنّه هو هو أي المجرور هو ذلك الظاهر الذي فرض رفع (أفعل) له ، وهو الكحل ، إذ الضمير يعود عليه. ومثال كونه مذكورا المثال السابق ، وكونه مقدّرا .. ومنه ما ذكره سيبويه من الحديث : «ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الصوم من عشر ذي الحجّة» (١) قيل : وحذف (إليه) أيضا. قال الخفاف : من قال : (أحبّ) حمله على لفظ الأيّام ، ومن رفع على موضعها ، والخبر محذوف أي : «في الوجود». والمرويّ في الصّحيح : «ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر» ولا شاهد فيه.

أمّا تجويزه فمع إدخال (من) على المحلّ ك «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد» أو على ذي المحلّ : ك «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد» ، أو بحذفه مع من كقوله : [البسيط]

٧٤٨ ـ ما إن رأيت كعبد الله من أحد

أولى به الحمد في وجد وإعدام

ومنه بيتا الكتاب المعزوّان لسحيم : [الطويل]

٧٤٩ ـ مررت على وادي السّباع ولا أرى

كوادي السّباع حين يظلم واديا

أقلّ به ركب أتوه تئيّة

وأخوف إلّا ما وفى الله ساريا

قال الأعلم في كتابه (تحصيل علي الذهب) : «التّقدير أقلّ به ركب أتوه منهم بوادي السّباع فجرى في الحذف مجرى الله أكبر» ـ يعني على أحد القولين ـ وقدّره في (النّكت) : أقلّ به ركب تئيّة منهم به على أنّ (به) يعود على وادي السباع لا على ما عادت عليه (به) في الأوّل ، وهو قريب من الأوّل.

وقدّره بدر الدين بن مالك : لا أرى واديا أقلّ به ركب تئية كوادي السّباع. ولم يوفّ التقدير حقّه «لأنّه حذف المفضّل عليه» وهو (منهم) العائد على الرّكب ؛ وبقي المحلّ الآخر وهو «كوادي السباع» «الذي قدره الأعلم : (به) ؛ وأوقع كوادي السباع» فإنه أراد هو المذكور في البيت فيه (ال) ؛ و (ال) من جملة الموصوف باسم التفضيل وتلخيص البيت : ولا أرى كوادي السّباع واديا أقلّ به الرّكب الآتوه تئيّة وهو المكث منهم بوادي السباع. وقال أبو جعفر بن النحاس في شرح أبيات سيبويه : «تأيّيت بالمكان ، مثل تفعّلت : تمكّثت».

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).

٧٤٩ ـ البيتان لسحيم بن وثيل في خزانة الأدب (٨ / ٣٢٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٨) ، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (ص ٧٧٤).


وقال السخاوي في (شرح المفصّل) : ويحتمل أن يكون (أقلّ) هنا فعلا ماضيا ، ويرتفع (ركب) على أنّه فاعل و (تئيّة) مفعول به والكلّ في موضع الصّفة ل (واديا) ، و (أخوف) على : ولم أر أخوف. قال الخفاف : و (واديا) مفعول (أرى). و (كوادي) صفة تقدّمت فانتصب حالا ، ويجوز أن يكون (كوادي) مفعول (أرى) ، و (واديا) تمييز بمنزلة : «ما رأيت كاليوم رجلا» ، و (أخوف) معطوف ، أي : وأخوف به منهم.

وبعد ضمير : أي يكون (أفعل) بعده ضمير مذكور ، وهو في المثال «في عينه» ، أو مقدّر : نحو ما حكاه أبو جعفر عن محمد بن يزيد من قولهم : «ما رأيت قوما أشبه بعض ببعض من قومك». وقال : رفعت البعض لأنّ أشبه له وليس لقوم. قال بعض شرّاح (التّسهيل) : تقديره ما رأيت قوما أبين فيهم شبه بعض ببعض من شبه بعض قومك ببعض ، فجعل (أشبه) موضع (أبين) واستغني به عن ذكر المضاف ثمّ كمل الاختصار بوضوح المعنى بالتّقدير : ما رأيت قوما أبين فيهم شبه بعض ببعض من قومك ، ثم حذف الضمير الذي هو فيه العائد على (شبه) وأدخل (من) على (شبه) فصار التقدير : من شبه بعض قومك ببعض ، ثمّ حذف (شبه) و (بعض) وأدخلت (من) على قومك ، وحذف متعلّق (شبه) وهو (ببعض) لحذف ما تعلّق به وهو (شبه) ، فبقي «من قومك» وهو على حذف اسمين.

وبعد نفي : تقدّم في المثال ، وشبهه : يعني به النّهي والاستفهام.

وقد اعترض عليه بعدم السماع في ذلك وليس موضع قياس.

وجوابه أنّه قد استقرّ أنّ النهي والاستفهام للإنكار يجريان مجرى النفي في أخوات (كان) الأربعة والاستثناء ، وتسويغ مجيء الحال من النّكرة في الفصيح إلى غير ذلك.

وصاحب أفعل : هو (رجل) في المثال. وصرّح بدر الدّين ولد الشيخ جمال الدّين بن مالك باشتراط كون الفاعل أجنبيّا فقال في شرح الخلاصة : «لم يرفع الظاهر عند أكثر العرب إلّا إذا ولي نفيا وكان مرفوعه أجنبيّا مفضّلا على نفسه باعتبارين» (١) ، وقد رأيت الإمام جمال الدين بن الحاجب اشترط السببيّة والإمام جمال الدين ساكت عن ذلك فنقول : إن قصد بدر الدين بالأجنبي نفي السببيّ الذي اتّصل بضمير الموصوف كما مثّل به في أثناء كلامه من «ما رأيت رجلا أحسن منه

__________________

(١) انظر شرح الخلاصة لبدر الدين بن مالك (ص ١٨٩).


أبوه» فلا شكّ أنّ (أفعل) فيه لا يرفع الظاهر في اللّغة المشهورة ، ولكنّ هذا القيد كان مستغنى عنه بقوله : مفضّلا على نفسه باعتبارين. وإن أراد به نفي السببيّ الذي للموصوف به تعلّق ما فليس كذلك ، بل لا بدّ من أن يكون سببا بهذا المعنى ، وهذا الذي يحمل كلام الشيخ أبي عمرو عليه. وأن يكون أجنبيّا بالمعنى الأوّل ليخرج «ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه» لكن قد قدّمنا أنّ هذا خارج من قيد آخر.

وبقي النظر فيما إذا قيل : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه كحله منه في عين زيد» ، هل هي داخلة تحت الضابط ويرفع فيها أفعل الظاهر ، ويكون الضمير في منه يعود على كحله لفظا على حدّ «عندي درهم ونصف» ، خلافا لابن الصائغ شرح كذا ، وقوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) [فاطر : ١١] وقول الشاعر : [الطويل]

٧٥٠ ـ وكلّ أناس قاربوا قيد فحلهم

ونحن خلعنا قيده فهو سارب

وعبارته والذي يظهر أنّها تدخل إلّا على رأي بدر الدين عليه.

فإن قيل : الشيخ جمال الدين أبو عمرو يشترط أن يكون لمسبّب مفضّل باعتبار الأوّل على نفسه ، وما أعيد عليه الضّمير ليس عين ذلك الكحل بل المفضول كحل عين الفاضل ، ولذا شرط الشيخ جمال الدّين بن مالك قبل مفضول هو هو.

قلت : المسوّغ لعود الضمير يصيّره كأنّه هو ، وهذا المعنى لا بدّ من اعتباره في نفس المثال المجمع عليه ، فإنّ الكحل المنفيّ فضله في عين (رجل) غير الكحل المفضول ، وهذا هو الذي سوّغ تعدّي (أفعل) الرافع للكحل هنا إلى ضميره المجرور ب (من) في قولك : (منه). ولا يجوز «مرّ زيد به» قال الصفّار في (شرح الكتاب) بعد تقرير هذه المسألة : وبقي فيها إشكال أثاره صاحبنا أبو الحسن بن عصفور وفّقه الله تعالى ، وهو أنّهم قد منعوا «مرّ زيد به» وانفصل عن هذا بأنّه عائد على الكحل لفظا لا معنى لأنّ الكحل الذي في عين زيد ليس منتقلا لمعنى آخر فهو من باب : [الطويل]

أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم

[ونحن خلعنا قيده فهو سارب]

__________________

٧٥٠ ـ الشاهد للأخنس بن شهاب التغلبي في شعراء النصرانية (ص ١٨٧) ، ولسان العرب (سرب) ، وتاج العروس (سرب) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ٤١٤) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٠٩) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٩٤) ، وبلا نسبة في لسان العرب (خلع) ، وكتاب العين (١ / ١١٨) ، وتاج العروس (خلع).


ـ البيت ـ قال : وهذا حسن ، انتهى.

وقد يقال : إن (ال) في الكحل المذكور فيه للحقيقة فالذي يعود عليه الضمير مفسّر من حيث اللّفظ والمعنى وهذا مثل قولك : «الماء شرب منه زيد ، وشرب منه عمرو» فكلاهما يرجعان للماء وإن كان مشروب هذا الخاصّ غير مشروب الآخر ، انتهى.

ويمكن الانفصال عن إشكال ابن عصفور بأنّ ذلك اغتفر في (أفعل) لمّا كان بمعنى فعلين ، ولهذا جاز تعلّقه بظرفين مختلفين نحو : «زيد يوم الجمعة أحسن منه يوم الخميس» ، وبأنّ (أحسن) في المعنى إنّما هي لرجل لا للكحل على ما سيأتي من كلام سيبويه ، وشرحه.

واعلم أنّ قول ابن الحاجب : (منفيا) ، لا يخالف قول ابن مالك : «بعد نفي أو شبهه» ، لأنّ الواقع بعد شبه النفي منفيّ.

وبقي النظر في شيئين : في وجه رفع أفعل هنا الظّاهر ، وفي وجه اشتراط هذه الشروط لذلك.

أمّا رفعها الظاهر هنا فذكر له الجمهور تعليلين ، أنّ (أفعل) هنا يعاقبه الفعل فإذا أقمت الفعل مقامه أفاد ما أفاد (أفعل) من التفضيل ، وقد كان الموجب لقصوره عن الأوصاف العاملة كهؤلاء لا يوجد له فعل بمعناه كما سبق تقريره. قال الشيخ جمال الدين بن مالك وتابعوه : صحّ أن يرفع الظاهر هنا كما صحّ إعمال اسم الفاعل بمعنى المضيّ في صلة (ال). ـ يعني من أجل أن كان القياس ألّا يعمل في الماضي وحين دخلته (ال) عمل فيه ـ ، لأنّه واقع موقع الفعل ، وعليه مناقشة ، وهو أنّ (ال) تقتضي الوصل وأصله أن تكون بالجملة وتشابه المعرّفة ، وهي إنّما تدخل على المفرد فلذلك اختير وصلها بالوصف الذي له شبهان ، بالجملة والمفرد ، فهو بعدها له جانب للفعلية ، أمّا في مسألتنا فبعد تسليم أنّ الفعل يقع هنا ويؤدي معنى الوصف لا جاذب له إلّا أن يقال : الأصل في مكان المشتقّات إذا أدّى الفعل معناها وصحّ حلوله محلّها أن يكون للفعل. وقد اعترض على هذا التعليل بأنّ الفعل إذا وقع هنا لم يتساو التركيبان من حيث إنّ نفي الأحسنيّة يصدق بالمساواة.

وحاول بعض (شرّاح الحاجبيّة) الانفصال عن ذلك فقال : إذا نفي ذلك يكون المعنى نفي فضل حسن الكحل في عين رجل على عين زيد ، وهذا إنّما يحصل أيضا بنفي أن يكون حسنه كحسنه ، وهذه فيما أراه مكابرة. وحاول بعض أجناسه الانفصال بأنّ «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» محتمل لأن


يكون كحل عين زيد أحسن ، ولأن لا يكون ، بأن يكونا متساويين ، و «ما رأيت رجلا يحسن» محتمل لأن يكون كحل عين زيد أحسن وأزيد كما تقدّم ، ولأن لا يكون ، بأن يكون أنقص ، فقد تساوى المدلولان في الجملة وهو على ما فيه أقرب من الأوّل للقبول.

وقد يقال : إن قولك : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل» وإن كان منصبّا على نفي الزّيادة في عين الرّجل وهي تصدق بالمساواة وبنقصانها عن عين زيد ، فالمراد في الاستعمال الأخير ؛ يوضّح لك ذلك أنّك تقول : «ما رأيت أفضل من زيد» تقصد إثبات الأفضليّة له ، قال من نعلم من محقّقي المفسّرين في قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) [البقرة : ١١٤] ، و (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ) [الزمر : ٣٢] المعنى : لا أحد أظلم من أولئك ، وتكلّموا على الجمع بينهما بكلام يذكر في موضعه. وقولك : «ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل حسنه في عين زيد» (١) وإن كان منصبّا على نفي المماثلة وهي تصدق بشيئين بالزّيادة والنّقص ، كما سبق وضوح الأمرين حسب ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مائة مرّة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل ممّا جاء به ، إلّا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه» (٢) ولو قيل إنّ أو بمعنى الواو كان تكلّفا وما سبق أولى فتأمّله ، لكنّ المراد في الاستعمال إثبات الزّيادة للثاني قضاء لحقّ التّشبيه ، ويوضّح ذلك البحث البيانيّ في قوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [آل عمران : ٣٦]. ونظير ما ذكرناه هنا في التراكيب من قصرها في الاستعمال على أحد ما يقتضيه وضع اللّفظ قصر بعض المفردات على ذلك عرفا ، نحو : (الدابّة) في الأجناس و: إن عمرا ... البيت.

في الأعلام بالغلبة ، هذا شيء يوافق عليه من مارس اللّغة العربية ، ولم يجمد على القواعد الجدليّة.

الثاني : من تعليل الجمهور لرفع أفعل الظاهر أنّه لو لم يرفع الظاهر ، ورفع إمّا على أنّه مبتدأ مخبر عنه بالكحل أو خبره الحكل تقدّم عليه ، لزم منه أمر ممتنع وهو الفصل بين أفعل ومعموله بأجنبيّ منه ومعنى الأجنبي أنّه غير معمول له عمل الفعل فيه ، وإلّا فالفصل بالخبر أو بالمبتدأ والخبر ، ومعموله فصل بمعموله عند من يرفع أحدهما بالآخر ، والفصل بين العائد ومعموله بالأجنبيّ لا يجوز ، لأنّهما كالكلمة الواحدة.

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).

(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٤ / ٢٠٧١) رقم الحديث (٢٦٩٢).


قيل : ولأنّ (أفعل) مع (من) كالمتضايفين ، ولا يفصل بينهما بأجنبيّ على قول الجمهور ، ولا بغيره إلّا لضرورة. وقد اعترض على هذا التعليل بأنّ الفصل إنّما يلزم على تقدير أن يتقدّم (أحسن) ويتأخّر (منه) ، أمّا على تقدير أن يتقدّم الكحل أو يتأخر عن منه بأن يقال : «ما رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه» ، أو «ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه الكحل» فلا يلزم ذلك المحذور. وأجاب بدر الدين ابن مالك ووافقه الحديثي بأنّ في تقديم الكحل تقديم غير الأهمّ لا لضرورة ، إذ الامتناع من رفع أفعل الظاهر ليس لعلّة موجبة إنّما هو لأمر استحسانيّ ، ولذلك اطّرد عن بعض العرب رفعه الظّاهر ، فيجوز التخلّف عن مقتضاه إذا زاحمه ما رعايته أولى ، وهو تقديم ما هو أهمّ ، وإيراده في الذّكر أتمّ ، وذلك صفة ما يستلزم صدق الكلام تخصيصه نفي صفة رجل في المسألة بأحسن قال : ألا ترى أنّك لو قلت : «ما رأيت رجلا» كان صدق الكلام موقوفا على تخصيص رجل بأمر يمكن أنّه لم يحصل لمن رأيته من الرجال ؛ لأنّه ما من راء إلّا وقد رأى رجلا ما ، فلمّا كان الصدق موقوفا على الخمصّص ، وهو الوصف ، كان تقديمه مطلوبا فوق كلّ مطلوب ، واغتفر ما يترتّب على التّقديم من الخروج عن الأصل ومطلوبيّة المخصّص في الإثبات دون مطلوبيّته في النّفي ، لأنّه في الإثبات يزيد الفائدة ، وفي النّفي يصون الكلام عن كونه كذبا ، فلا يقتضي ذلك جواز مثله في الإثبات. وهذا الكلام مع طوله واختصاري له قد يقال إنّ فيه (أحسن) وحده ليس صفة ، إنّما هو جزء الصّفة ، وكذا الكحل جزء الصّفة.

وأجاب عن تأخير الكحل عن (منه) بأنّه تجنب عن قبح اجتماع تقديم الضّمير على مفسّره وإعمال الخبر في ضميرين لمسمّى واحد ، وليس هو من أفعال القلوب. ويقال له : إنّك قد أوجبت على تقدير أن يرفع أن يكون الكحل مبتدأ ، وهو إذا تأخّر لم يضرّ عود الضمير عليه ولم يقبح ، نحو : «في داره زيد» ، وهل ذلك إلّا مثل : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) [طه : ٦٧] في الإعراب المشهور ، لكنّ جعله مبتدأ مخبرا عنه بالكحل هو قياس قول سيبويه في نحو : «من أبوك» لأنّه إذا وضع موضعه يبقى الكلام على وضعه ، وحينئذ يمتنع لعود الضمير على متأخّر لفظا ورتبة ، وتصير مثل : «صاحبها في الدّار» وينبغي أن يحمل قول الشيخ أبو عمرو في تقدير تقديم (منه) على (الكحل) أنّه يلزم منه عود الضّمير على غير مذكور ، على أنّه بناه على قاعدة سيبويه التي ذكرناها ، فإن قيل : هذا التعليل لا يتأتّى في العبارة الثالثة وهي : «ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل» فإنّ الرفع لا يحصل به ذلك المحذور ، قلت : هذه فرع الأولى فكما لا يجوز الرفع في الأصل كذا في الفرع ، ولأنّ المحذور واقع في التّقدير. وقال الرّشيد سعيد : قد جوّزوا في التقدير ما لا يجوز في


غيره ، قلت : وإن كان كذلك فجوابه فقها كأنت طالق غدا و «لا تخرجي إلّا أن آذن لك» ، لكنّ الأصل أن يكون المقدّر كالملفوظ ، وإعمال الخبر في ضميرين لمسمّى واحد كاف في المنع. على أنّ ذلك مشكل أعني تعلّق (منه) ب (أحسن) في أصل المسألة ، إذا رفعت الكحل بأحسن ، لما يلزم من تعدّي فعل الظاهر إلى مضمره ، وقد تقدّم الكلام فيه ، ولعلّ الصفّار أخذ الإشكال عن ابن عصفور ، والانفصال عنه بأنّ الضمير الذي دخل عليه (من) هو كحل آخر غير الذي رفع ب (أحسن) فكذا هنا ، على أنّ هذا أيضا يتأتّى فيما إذا قدّم الكحل ولم يذكره ، وجنح إلى أمر طويل خطابيّ ، ولا يتكلّف له أن يقال : عود الضمير على متأخّر إنّما هو فيما جاء عن العرب ، وهذا لم يجئ ولا غيره من التكلّفات. واعلم أنّ هذين التعليلين مفهومان من كلام سيبويه ـ رحمه الله ـ وأورد بعضهم على التعليل الثاني ما قلناه ، وانفصل بأنّ سيبويه إنّما ذكر ذلك ليفرّق بين مسألة الكحل بترتيبها وبين مسألة «مررت برجل خير منه أبوه» (١). ولم يقل ليس لجواز الرفع محل آخر وقد صرّح الصفّار بجواز المسألة بالرفع على تقدير تقديم الكحل وعلى تقدير تأخيره عنه مثل أن يكون معطوفا على «من الناس» مقدّرا ، بأن يكون الكحل مبتدأ أمّا إذا كان خبرا فيمتنع تأخير الكحل لما ذكرناه. ونظير هذه المسألة على هذا التعليل من الحمل على أحسن القبيحين مسألة «ما قام إلّا زيدا أصحابك» ، وأصلها : ما قام أصحابك إلّا زيدا ، فدار الأمر حين التقديم بين الرفع الراجح والنصب المرجوح ، لمّا أنّ البدل لا يتقدّم ، ومسألة «مررت بزيد ورجل آخر قائمين» آثروا مجيء الحال من النكرة على وصف المعرفة بالنّكرة ، ومسألة «هذا مقبلا رجل» آثروا مجيء الحال من النكرة على تقديم الصّفة فتحمّلوا القبيح لدفع أقبح منه. ولعلّ هذا مراد الشيخ أبي عمرو في قوله لو لم يرفع الظاهر لكان مرفوعا بالابتداء وهو متعذّر لقصوره عن غيره ، أي : لأنّ الرفع بالابتداء قاصر عن الرفع على الفاعليّة لاستلزام ذلك الفصل ، وهذا وإن كان فعله رفع (أفعل) الظاهر فأمره أخفّ.

ولرفع (أفعل) الظاهر في هذه المسألة تعليل آخر مفهوم من كلام سيبويه أيضا اعتمد عليه شرّاحه وهي أنّ (أفعل) إذا كان لتفضيل الشيء على نفسه في موضعين فهي جارية على الأوّل في المعنى ، مع رفعها الظاهر ، فرفعه إذ ذاك كما يرفع الضمير ، لأنّك إنّما تفضّل بها المكان على غيره ، إذ لا تقدر أن تفضّل بها نفس الشيء نفسه. قال سيبويه : «ولكنّك زعمت أنّ للكحل هنا عملا وهيئة» (٢) يعني عملا من

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٤).

(٢) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).


الحسن ، وهيئة فيه ليست له في غيره ، فالمعنى : «ما رأيت أحدا عاملا في عينه الكحل من الحسن كعمله في عين زيد» وهذا في التقدير كقولك (١) : «ما رأيت أحدا تحسن عينه بالكحل كعين زيد» فهو ك : «ما رأيت أحدا يحسن بالكحل كحسن زيد» فهو ك «ما رأيت أحدا حسنا بالكحل كزيد» ، ولا يتأتّى ذلك في «مررت برجل خير منك أبوه» ، لأنّ فيه (أفعل) صفة للأب لأنّ تفضيل الأب على رجل ممكن فخلصت لما بعد.

وذكر ابن فلاح في (الكافي) تعليلين آخرين : أوّلهما : أنّها عملت في الظاهر في تفضيل الشيء على نفسه لأنّ ذاك بالنّسبة إلى المعاني غالبا يجري مجرى الضّمائر فرفعته كما ترفع الضمير. ثانيهما : أنّه لما اتّحد الفاضل والمفضول كأنّه عمل في شيء واحد فهذه خمس تعاليل لم أرها مجتمعة.

النظر الثاني في وجه اشتراط تلك الشّروط : أمّا اشتراط الموصوف وهو في عبارة ابن الحاجب في قوله : «لشيء» ، وفي عبارة التسهيل في قوله : «فصاحب أفعل» ، فقيل : ليتأتّى التفضيل وهو دعوى ، وقيل : لأنّ الأسماء العاملة لا بدّ لها من الاعتماد ، واعترض بأنّ ذلك يكفي فيه النّفي فنقول : «ما أحسن في عين رجل الكحل منه في عين زيد» كما تقول : «ما قام الزيدان» فرفع الوصف مكتفى به وأجيب بأنّ (أفعل) لم يقو قوّة اسم الفاعل ، ألا ترى أنّه لا ينصب المفعول به مطلقا على الصحيح ، ولو وجدت شروط رفعه للظّاهر ، بخلاف اسم الفاعل.

وأمّا السبب عند من اشترطه لأنّها صفة جرت في اللفظ على غير من هي له ، ولا بدّ منه لأنّه الذي رفعته (أفعل) ، وأمّا التفضيل ف (أفعل) وضعت له ، وكونه بين ضميرين ـ وهو المشار إليه بالاعتبارين ـ فلأنّ تفضيل الشيء على نفسه إنّما طريقه ذلك والنّفي لإمكان وقوع الفعل موقعه ، واغتنائه عنه ـ كما قرّرناه في التّعليل ـ بمعاقبة الفعل وهو ينتظم بالشروط السابقة لك وقد تقدّم أنّ بدر الدين بن مالك اشترط الأجنبيّة في مرفوعها وتقدّم الكلام معه ، والتوفيق بينه وبين من اشترط السببيّة.

فإن قلت : فأنت إذا قلت : «ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه» أو «رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» يصحّ وقوع الفعل موقعه فقد أجاب عنه بدر الدين بأنّ المعتبر في اطّراد رفع أفعل التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقع الفعل الذي يبنى منه مفيدا فائدته. ولو قلت في الأوّل : «يحسن أبوه كحسنه» لفاتت

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).


الدّلالة على التفضيل أو : «يحسنه أبوه» أي : يفوقه لكنت قد جئت بغير الفعل الذي بني منه «أحسن» وفاتت الدّلالة على الغريزة المستفادة من (أفعل) ... عينه الكحل كحسنه أو يحسن الكحل كحلا ، فاتت الدّلالة على التفضيل في الأوّل ، وعلى الغريزة في الثاني انتهى.

وهذا تقدّم أنّ مثله يقال في المثال المستجمع للشّرائط ، وتقدّم الجواب عنه فليطابق بينه وبين هذا.

واعلم أنّ رفع أفعل الظاهر على ما هو المختار مشروط بالشّروط السابقة ، لكن هل هذا لأفعل من أو لأفعل في جميع استعمالها؟ لم أجد من شفى العليل في هذه المسألة والذي ينبغي أن يقال : إنّ هذا ينبني على الاختلاف في تعليل وجه قياس عدم عملها هل هو كونها لم تشبه الفعل كاسم الفاعل ، ولا الوصف المشبه للفعل ، وهي الصّفة المشبّهة في لحاق العلامات ، وهو ظاهر عبارة سيبويه ـ رحمه الله ـ أو كونها لم يوجد فعل بمعناها كما قاله الشيخ أبو عمرو وغيره. إن قلنا بالأوّل فينبغي إذا استعملت بالألف واللّام أن يجوز رفعها للظاهر فنقول : «هذا الرجل الأفضل أبوه» لا تثنّى وتجمع إذ ذاك ، وكذا إذا أضيفت لمعرفة نحو : «زيد أفضل الناس أبوه» لأنّه يجوز تثنيتها وجمعها حينئذ ، وإن قلنا بالثاني فلا ينبغي أن تعمل إلّا بالشروط والله تعالى أعلم.

فائدة

الكلام في قوله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) [الرحمن : ٧٢]

قال الشيخ جلال الدين البلقيني في رسالة لوالده :

هذه الآية تنقض القاعدة وتكثر الفائدة ، لأنّ حورا جمع حورا ، وهو جمع لعاقل ، وقد جاءت صفته على الجمع مراعاة للتّكثير على ما قالواه ؛ لأنّ (مقصورات) معناه : مجعولات في القصور ، فلو جاء على الإفراد لكان : «حور مقصورة في الخيام» ، كما قال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ) [الغاشية : ٨ ـ ٩] وكما قال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) [الغاشية : ٢ ـ ٣].

وأما قوله تعالى : (... أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ) [التحريم : ٥] فيتعيّن أن يكون من هذا القسم وأنّ (مسلمات) صفة مجموعة ، ولا يجوز أن يكون بدلا لأنّ البدل إنّما يجيء عند التعذّر ، وقد نصّ النحاة على أنّ قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٢ ـ ٣] يجوز أن يكون الموصول تابعا ،


وأن يكون مقطوعا ، وعلى التّبعيّة فهو نعت لا بدل إلّا إذا تعذّر كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) [الهمزة : ١ ـ ٢] لامتناع وصف النّكرة بالمعرفة. ولا يجوز أن يكون نعتا للصّفة السّابقة وهو أفعل التّفضيل في قوله : (خَيْراً مِنْكُنَّ ،) لأنّ نصوص النحاة ـ على أنّ الصفة التي تنعت وينعت بها المشتقّات من أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين ـ تمنع ذلك ، لأنّ خيرا ليس من أسماء الفاعلين ولا المفعولين ، فيقع نعتا ولا ينعت ـ ولا يحسن أن يكون حالا من أزواج ، وإن كان نكرة تخصّص بالوصف ، لأنّ الحمل على الوصف أولى من الحمل على الحال. ولا يجوز أن يكون حالا من الضّمير وامتناعه أوضح من أن يذكر لأنّ صاحب الحال المضمر ، وهو المتبدّل بهنّ ، والحال إنّما هو للمتبدّلات فبطل هذا. وقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] إن شئنا جعلناه من هذا.

والذي أقوله : أنّ الوصف بكليهما وارد في القرآن والسّنّة فمن الجمع في السّنّة قوله عليه الصّلاة والسّلام : «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات» (١) لأنّ النساء والنّسوان والنّسوة جمع المرأة من غير لفظها ، كالقوم في جمع المرء. وإن جعلته اسم جمع خرج عن هذا الباب. ولكن الأكثر الإفراد. والله تعالى يمنحنا وإيّاكم مزيد الإمداد.

فكتب له والده رحمه الله ما نصّه :

قد ذكرنا في الدّرس يوم الخميس (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) [الرحمن : ٧٢] وذكرنا أيضا : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] وقلنا : (مقصورات) لا يتعيّن أن يكون صفة بل يجوز أن يكون خبرا والمعنى عليه ، فإنّ القصد الإخبار عنهنّ بأنّهنّ ملازمات لبيوتهنّ ، لسن بطوّافات. ويكون قوله : (في الخيام) نظير قولك : «زيد محبوس في المكان الفلاني» فالخبر هو قولك محبوس.

وأمّا قوله تعالى : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] فلأنّه لمّا قال : (فيهنّ) قابله بالجمع فقال : (خيرات) ، وقال (حسان) مراعاة للفواصل التي في السّورة من أوّلها إلى آخرها. والذي قبله من غير فاصل قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ٦٨ ـ ٦٩] وأعقب ذلك بقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ.)

وأمّا ما في : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) [الغاشية : ١] فهو كالذي في سورة القيامة.

__________________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢ / ١٦٨٠) رقم (٢١٢٨) ، وابن حبان في صحيحه (١٦ / ٥٠١).


وأمّا (مسلمات) ففي بدليّته كلام «آخر ذكرناه وهو البدل المشتقّ وهو ضعيف» ولكن جوّزنا أن يكون حالا من الضمير في (خيرا منكنّ).

وّا حديث «نساء كاسيات عاريات ..» فهذا جاء على إحدى اللّغتين. والكلام على ما في القرآن الكريم والذّكر الحكيم. زادنا الله وإيّاكم من اليقين والتّوفيق والحكمة ، وأفاض علينا جميعا النّعمة ودفع عنا النّقمة آمين.

الكلام في قوله تعالى : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ)

كتب الشيخ جلال الدين البلقيني إلى والده شيخ الإسلام سراج الدين ـ رحمهما الله ـ.

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، أسعد الله مساءكم وأزال عنكم ما ساءكم.

يقول الفقير أصلح الله شأنه وأزال عنه ما شانه : إنّ الزّمخشري في الكشّاف وقع عليه تعقّب من فيض الألطاف في قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) [النساء : ١٢٧] وذلك أنّ قال : «(ما) في محلّ الرّفع أي يفتيكم الله والمتلوّ في الكتاب «في معنى اليتامى يعني قوله» : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) [النساء : ٣] وهو مثل قولك : «أعجبني زيد وكرمه» ، ويجوز أن يكون (ما يتلى عليكم) مبتدأ و (في الكتاب) خبره على أنّها جملة معترضة. ويجوز أن يكون مجرورا على القسم كأنّه قيل : قل الله يفتيكم فيهنّ وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب ثمّ قال : (فإن قلت بم تعلّق قوله «في يتامى النّساء» قلت : في الوجه الأوّل هو صلة (يتلى) أي : يتلى عليكم في معناهنّ ، ويجوز أن يكون «في يتامى النّساء» بدلا من فيهنّ. وأمّا في الوجهين الآخرين فبدل لا غير) (١) ، انتهى كلامه.

وأقول : لا يصحّ على الوجه الأوّل ـ وهو أن يكون (ما) فاعلة ـ البدليّة من قوله (فيهنّ) ، والذي ذكره المعربون في ذلك ومنهم العكبري إنّما هو البدليّة من قوله : (في الكتاب). وإنّما لا يصح لوجهين :

أحدهما : أنّ قوله (فيهنّ) فيه ضمير عائد على النساء ، فهو مقصود في الجواب لأنّ الجواب عن حكم النّساء فجاء الجواب : (اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ،) أي : في

__________________

(١) انظر الكشاف (١ / ٥٦٧).


النساء ، وأما قوله : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) ففيه التصريح بيتامى النساء فصار التقدير قل الله يفتيكم في النساء ، ويفتيكم المتلو في الكتاب في يتامى النساء ، فلا تصحّ البدليّة حينئذ من (فيهنّ) لاستلزام أن يكون الجواب أخصّ من السؤال لأنّ المسؤول عنه حكم النّساء ، ويجيء الجواب على تقدير البدل : قل الله يفتيكم في يتامى النّساء. وهذا وإن كان مقصودا بالحكم إلا أنّ الأول أيضا مقصود وهي أنّ الله يفتي عباده في أمر النّساء عموما ، ويفتيكم المتلوّ في الكتاب في يتامى النّساء خصوصا ، والجواب لا يكون أخصّ من السّؤال.

الوجه الثاني : أنّ قوله (فيهنّ) متعلّق بجملة : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ.) وقوله في يتامى النّساء متعلّق بجملة يفتيكم المتلوّ ، بناء على أنّ (ما) فاعلة ، ولا يبدل المتعلّق بجملة من المتعلّق بجملة أخرى.

وأمّا على الوجهين الأخيرين فلا تستقيم البدليّة لا من (الكتاب) ولا من (فيهنّ). أمّا من (فيهنّ) فلما قدّمناه من استلزام أن يكون الجواب أخصّ من السؤال ، وأمّا من (في الكتاب) فإنّ على هذين الوجهين المراد : والذي يتلى عليكم محفوظ في الكتاب. لأنّه قال : «المراد بالكتاب على هذا الوجه اللّوح المحفوظ ، مثل : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف : ٤] ، فلا يصحّ أن يبدل (في يتامى النّساء) من قوله : (في الكتاب) ؛ لأنّ ذلك ذكر للتّعظيم والمبدل منه في نيّة الطّرح ، فيؤدّي إلى فوات الأمر الذي سيق له (والذي يتلى عليكم في الكتاب) على معنى : أنّه تقرّر في الكتاب اللّوح المحفوظ.

وكذلك على القسم لأنّه يقسم بالأمر العام وهو ما يتلى في الكتاب على سبيل التّعظيم ، وأمّا الأمر الخاصّ ، وهو الذي يتلى في يتامى النّساء فلم يقسم به ، فلا تصحّ البدليّة على هذين الوجهين بوجه. وإذا بطلت البدليّة فلا يصحّ له حينئذ أن تكون الجملة اعتراضيّة ولا قسميّة إلا إذا علّق (في يتامى النساء) بقوله : (يتلى عليكم في الكتاب) ، مع أنّهما إعرابان مخترعان لم يسبقه إليهما أحد.

فالمسؤول تأمّل هذه الاعتراضات وهل هي صحيحة أم لا ، والله يديم انتفاع النّاس بوجود من يزيل عنهم الباس.

فكتب إليه والده :

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، اللهمّ صلّ وسلّم على سيّدنا محمّد سيّد السادات من أهل الأرض والسّماوات وعلى آل سيّدنا محمّد وأصحابه وأتباعه وأحبابه.


أسعد الله صباحكم وأدام سعدكم ونجاحكم. لقد أبديتم أفنانا وقلّدتم امتنانا وأقول في الجواب والله الموفّق للصواب : إنّ قول الزّمخشري : «والمتلوّ في الكتاب في معنى اليتامى يعني قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) [النساء : ٣] الآية التي فيها ذكر اليتامى في الخوف ألّا يقسط لهنّ وهي المذكور فيها : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] فجوّز أن يكون «في يتامى النساء» بدلا من (فيهنّ) فيصير التقدير : والمتلوّ في الكتاب في الآية التي فيها ذكر اليتامى ممّا يتعلّق بالنّساء هو قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ،) وإذا اختصرت قلت : التقدير : قل الله يفتيكم فيهنّ والمتلوّ في الكتاب فيهنّ ، وذلك المتلوّ هو في الآية التي فيها ذكر اليتامى ، كما تقول إذا سألك سائل عن المحجور عليهم : العالم يفتيك فيهم والمقرّر في الجامع في حجر الصّبيّ ـ وكان قد ذكر في حجر الصّبيّ ما يتعلّق بعموم المحجور عليهم ـ وبذلك يظهر أنّ الجواب ليس أخصّ من السّؤال بل هو مساو له. وأمّا التعلّق فإنّ قوله (فيهنّ) يتعلّق بقوله (يفتيكم) ، وقوله : (في يتامى) يتعلّق بقوله (يفتيكم) أيضا على إعراب البدل. وإنّما يتعلّق بقوله (يتلى) على غير البدل.

وما ذكرتموه على الوجهين الآخرين ، فالبدليّة من «في الكتاب» لم يتعرّض لها الزّمخشري ، والبدليّة من (فيهنّ) قد تقدّم أنّها مساوية بما قرّرنا ، وهي متعيّنة على الاعتراض والقسم ، وصار التقدير : قل الله يفتيكم فيهنّ. ثمّ الكلام اعترض بقوله : والذي يتلى عليكم ثابت في اللّوح المحفوظ ، ثمّ عاد إلى تمام الأوّل وقال : («فِي يَتامَى النِّساءِ)» والتقدير : قل الله يفتيكم «فيهنّ في المذكور في قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] ، وذكر «في يتامى» للإعلام بموضعه. وعلى القسم يصير التّقدير : قل الله يفتيكم فيهنّ وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. ثمّ عاد إلى تمام الأوّل بالبدليّة المذكورة وجوّز الزّجاج أن يكون (ما) في محلّ خفض ، قال : وهو بعيد جدا لأنّ الظاهر لا يعطف على المضمر. وهذا الذي قدّمته هو الذي ظهر بعد التأمّل ، وهكذا يكون التّرسّل ، والفقير يرغب إلى الله في أن تكون خليفتي ، وأكثر بذلك التّوسّل. اللهمّ أجب سؤالي وأصلح حال خليفتي وحالي آمين.

الاستغناء بالفتح المبين في الاستثناء في (وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ :) للشيخ سراج الدين البلقيني رحمه الله تعالى :

أمّا بعد حمد الله الذي جعل علماء الشّريعة هم أهل العلم المبين وأقامهم لحفظ الشّرع المحمّديّ وفهم الكتاب المبين ، ومنحهم الثبات في الدّين ، فسلّوا سيوفهم على الزّنادقة المارقين ، وجعل على منطقهم من الفصاحة ما يظهر لكنة منطق المتفلسفين ، وحفظ عقولهم السّليمة من رديء العقول ، فاستقاموا على


الطّريق المستبين. والصلاة والسّلام على عبده محمّد المخصوص بالشّرع العامّ المفضّل على الخلق أجمعين ، وعلى آل محمّد وأصحابه وأزواجه وذرّيّته والتّابعين.

فإنّه لمّا حضر كاتب هذه الأوراق ، الفقير إلى عفو الله الخلّاق مجلس مولانا المعزّ الأشرف ، محبّ العلم والعلماء ، حبيب الأخيار الحلماء السّيفي ملكتمر المارداني ، بلّغه الله في الدّنيا والآخرة حسن الأماني ، تغيّر بعض من حضر بما تفضّل به من الإحسان وغمر ، في حقّ محبّه الفقير إلى عفو الله عمر ، فلمّا وقع الكلام في المتعة قال بعض الحاضرين قولا فمنعه ، ثمّ انتشر الكلام في الاستدلال ، وظهر من المتحمّلين في الكلام كثير من الاختلال ثم حصل بعد ذلك السّكون ، وربّك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون ، ثم قرأ قارئ من القرآن العظيم آيات يعلم السبيل إلى فهمها العلماء الأثبات منها : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [يونس : ٦١] ، ولم يكن في عزم كاتبه العود إلى الكلام مع أحد من الحاضرين ، لما يقع في ذلك من اللّغط ، وذلك مظنّة الغلط ، فقال بعضهم في الاستثناء إشكال ، ولم يكمل في المقال ، ولم يقتصر على السؤال ، وكان كاتبه ضيّق عليه في ذلك المجال ، إلى أن أرحته بالانتقال إلى الجواب ، فقلت والله الموفّق للصواب :

الجواب عن ذلك من أوجه أربعة : من لغط فقد قرّر أمره على المنازعة بغير علم وأزمعه وهنّ : أنّه يجوز أن تكون (إلّا) بمعنى الواو أو الاستثناء من محذوف ، أو من قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) أو منقطع. وفي أثناء ذلك كلام المتعصّبين لإقامة الشّرّ لا ينقطع ، فقصدت بهذا التّصنيف تقرير الأوجه في ذلك ، وإيضاح القول فيه والمسالك.

فأقول : وجه الإشكال أن يقال : لا يصحّ أن يكون الاستثناء من قوله (وما يعزب) إذ يصير المعنى : وما يبعد وما يغيب إلّا في كتاب مبين ، وهذا فاسد ولا يصحّ أن يكون الاستثناء من قوله (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) رفعت أو فتحت لأنّ الرّفع للعطف على محلّ مثقال ، والفتح للعطف على لفظه ، وهو في موضع الجرّ لامتناع الصّرف في أصغر وأكبر للصّفة والوزن. وحينئذ فيشكل الاستثناء. وهذا الأخير لم يقرّره من كان يستشكل بل اقتصر على الأوّل ، ولم يكمل الكلام لذهوله عن الثاني وتمام الكلام أنّ الاستثناء ممّا ذكر على ما تقرّر لا يصحّ. ولا مذكور فيما ذكر يستثنى منه الأوّل ، والأصل عدم الحذف وبتقديره فما هو. وبلغني من بعض العلماء الأعلام أن بعض من حضر المجلس له مدّة يسأله عن هذا السؤال بعينه وتردّد له في ذلك مرات في أوقات قريبة من هذا المجلس ، ولم يكن عندي علم من ذلك إلّا


بعد وقوعه وظهور ما كانوا يكتمون ، والله يكتب ما يبيّتون. ولما حصل الكلام في ذلك فتح الله عليّ على الفور بأجوبة أربعة فأردت أن أرتّبها بأن أخرج (إلّا) عن الاستثناء إلى العطف أو أجعلها على بابها ، والاستثناء من محذوف ملتزما العطف في (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) على اللفظ أو المحلّ ، أو لا ألتزم ذلك فيكون من (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بتقدير الابتداء رفعا ، أو نصبا و (لا) لنفي الجنس. وآخر ما ذكرت أن يكون الاستثناء منقطعا. فلمّا أخذت في الكلام على الأوّل وقعت المنازعة فيه لغرابته عندهم واعتقادهم أنّه لم يقل أو لم يقل مثله في القرآن العظيم ، وكلّ من الاعتقادين غير صحيح :

أمّا الأوّل : فقد صرّح جمع من النحاة بنقل ذلك عن جماعة من النحاة المتقدّمين ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأمّا الثاني : فقد ذكره جمع من المفسّرين والمعربين في قول الله تعالى في سورة هود : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٨].

وكان من جملة كلام بعض من حضر : يفسد المعنى على هذا التّقدير ، لأنّه يكون التقدير : «ولا في كتاب مبين» فقلت له في الجواب : الكلام في تقدير (إلّا) بالواو ولا ب (ولا).

ثمّ قلت : وكيف يفسد والمعنى صحيح على تقدير (ولا) ، لأنّ التقدير حينئذ : وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ولا في كتاب مبين ، والمعنى كلّ كائن في الأرض وفي السماء ، وفي أصغر من ذلك ، وفي أكبر منه ، وفي كتاب مبين ، لا يعزب منه شيء عن ربّك. وعلى تقدير الواو يصير التقدير : وذلك ، أو وهو في كتاب مبين. وكان وقع من استشهادي في المجلس ما قال الشّاعر : [الوافر]

٧٥١ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

__________________

٧٥١ ـ الشاهد لعمرو بن معدي كرب في ديوانه (ص ١٧٨) ، ولسان العرب (ألا) والممتع في التصريف (١ / ٥١) ، والكتاب (٢ / ٣٥٠) ، ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة (ص ٩٠) ، وحماسة البحتري (ص ١٥١) ، والحماسة البصرية (٢ / ٤١٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٤٦) ، والمؤتلف والمختلف (ص ٨٥) ، ولعمرو أو لحضرمي في خزانة الأدب (٣ / ٤٢١) ، والدرر (٣ / ١٧٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢١٦) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى (٢ / ٨٨) ، والجنى الداني (ص ٥١٩) ، وخزانة الأدب (٩ / ٣٢١) ، ورصف المباني في (ص ٩٢) ، ومغني اللبيب (١ / ٧٢) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٣٤) ، وشرح المفصّل (٢ / ٨٩) ، وفصل المقال (ص ٢٥٧) ، والمقتضب (٤ / ٤٠٩) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٢٩).


فعدلوا عن البحث فيه وعن المعنى إلى أنّ ذلك لا يقال في القرآن. وقال بعضهم : (إلّا) بمعنى الواو لا تعطف الجمل ، ولا يقدّر في القرآن. وهذا من العجيب فقد حمل الأخفش على ذلك قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة : ١٥٠] واستشهد على ذلك بقول الشاعر : [الكامل]

٧٥٢ ـ وأرى لها دارا بأغدرة السّ

يدان لم يدرس لها رسم

إلّا رمادا هامدا دفعت

عنه الرّياح خوالد سحم

أي : وأرى لها دارا ورمادا. وقال الفرّاء في قوله تعالى ـ وحكى عنه ذلك مكّيّ واستحسنه ـ فقال : «قوله تعالى :  (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [يونس : ٦١] ، حمل هذا اللّفظ على ظاهره وجعل قوله : (إلّا في كتاب) متّصلا بما قبله أوجب أنّ أشياء تعزب عن الله ، وهي في كتاب مبين ، تعالى الله عن ذلك. ومثله في الأنعام : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) [الأنعام : ٥٩] ، ولكن (إلّا) وما بعدها منقطعة ممّا قبلها على إضمار بعد (لا) تقديره : وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر تمّ الكلام ، فلا شيء يعزب عنه لا إله إلّا هو ، ثمّ ابتدأ فقال : (وهو في كتاب مبين) و (إلا) في موضع الواو و (هو) مضمرة». قال أبو محمّد مكّيّ عقب حكايته ذلك : «هذا قول حسن لو لا أنّ جميع البصريّين لا يعرفون (إلا) بمعنى الواو». وكذلك قال مكّيّ : «وكذلك قال قوم في قوله تعالى : (يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] : إنّ معناه واللّمم». قال مكي : «وكون إلّا بمعنى الواو بعيد شاذّ ، ولو جعلت (إلّا) بمعنى (لكن) لكان أقرب وأجود ، فكأنّه قال : لكن هو في كتاب مبين ، وهذا أحسن في التأويل والاستعمال من قول صاحب الكتاب : إنّ (إلّا) بمعنى الواو. وكون (إلّا) بمعنى (لكن) مستعمل كثير ، وكونها بمعنى الواو لا يعرف فحمل الكلام على المعروف المستعمل أولى. والإضمار لا بدّ منه في القولين جميعا ، وبه يتمّ الكلام» انتهى ما ذكر مكّيّ ، وقد علمت منه أمورا :

أحدها : أنّ الجرجانيّ جوّز ما جوّزناه.

الثاني : أنّ مكّيّا استحسنه إذ قال : لو لا أنّ جميع البصريّين لا يعرفون (إلّا) بمعنى الواو. وعلى مكّيّ في ذلك اعتراض فقد سبق لك النقل عن الأخفش سعيد بن

__________________

٧٥٢ ـ البيتان للمخبل السعدي في ديوانه (ص ٣١٢) ، والبيت الأول في اللسان (إلا) ، وبلا نسبة في تاج العروس (إلا) ، والبيت الثاني بلا نسبة في لسان العرب (خلد) ، وتاج العروس (خلد).


مسعدة المجاشعي وهو من رؤوس البصريّين أنّ (إلّا) تأتي بمعنى الواو ، ولذلك قال في (التسهيل) في باب العطف في حروفه فقال : «ولا (إلّا) خلافا للأخفش والفرّاء» (١).

الثالث : أن قوما خرّجوا على ذلك (إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] ، وظهر لك بذلك (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل : ١٠ ـ ١١] ، عن بعض النّحويّين أنّ (إلّا) بمعنى الواو. وأجاز الفرّاء أن تكون إلّا بمعنى الواو في قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٨].

فإذا كان الأخفش وهو من رؤوس نحاة البصرة ، والفرّاء وهو من رؤوس نحاة الكوفة يقدّران ذلك في كتاب الله تعالى ، بل وفيه الحذف أيضا ، وكذلك من حكى عنه الفرّاء. وقد جوّز ذلك في هذه الآية بعينها أبو عليّ الحسن بن يحيى الجرجانيّ. وإنكار هذا الأمر يدلّ على قلّة الممارسة بالعلوم ، والقول إذا حكي لا يلزم من حكايته اختياره ، مع أنّه لا محذور في اختياره في العقيدة ولله الحمد ، إنّما المحذور في العقائد الأفعال المنكرة التي يأباها الكرام البررة. مشيرا إلى هذا الحال بحمد الله معتقدي صحيح وما أنا عن مقال الحقّ زائغ وهذه الآيات التي سيقت ، فكيف ينكر هذا ذلك الكلام على الاستثناء فيها وإنما الكلام على ما نحن بصدده.

ولنقدّم الكلام على الاستثناء من المذكور ثمّ نذكر بعد ذلك الاستثناء من المقدّر فنقول : كان سبق في الأجوبة التي ذكرناها أن يكون الاستثناء من قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) على الرّفع على الابتداء ، أو الفتح على أنّ (لا) لنفي الجنس. وهذا هو الذي جزم به الزّمخشري فقال : «(وما يعزب) ، قرئ بالضمّ والكسر : وما يبعد وما يغيب ، ومنه الرّوض العازب (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) القراءة بالرّفع والنصب ، والوجه النصب على نفي الجنس ، والرّفع على الابتداء ليكون كلاما برأسه. وفي العطف على محل (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) أو على لفظ (مثقال ذرّة) فتحا : في موضع الجرّ لامتناع الصرف إشكال ، لأنّ قولك : لا يعزب عنه شيء إلّا في كتاب مشكل» (٢) انتهى ما قرّره الزمخشري وكأنّه قصد بذلك ما نقل عن أبي عليّ الفارسيّ من أنّ الرفع في ذلك للعطف على المحلّ والفتح فيه للعطف على اللّفظ. وقد قال السّخاوي شارح (الشاطبيّة) ـ رحمه الله تعالى ـ متكلّما على قول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ : [الرجز]

٧٥٣ ـ ويعزب كسر الضمّ مع سبأ رسا

وأصغر فارفعه وأكبر (ف) يصلا

__________________

(١) انظر تسهيل ابن مالك (ص ١٧٤).

(٢) انظر الكشّاف (٢ / ٢٤٣).

٧٥٣ ـ انظر شرح الشاطبية (ص ٢١٩).


«عزب يعزب ويعزب : إذا غاب ونأى ، وهما لغتان ، ومنه الأرض العازبة ، والرّوض العازب : البعيد. والوجه في رفع (أصغر) الابتداء ، فهو كلام مستقلّ بنفسه والنصب على نفي الجنس.

وقال أبو عليّ في الرّفع : هو حمل على موضع الجارّ والمجرور في (من مثقال) وهو رفع كما في (كفى بالله).

وقال في النّصب : إنّه معطوف على لفظ (مثقال) أو (ذرّة) إلّا أنّه لا ينصرف ، للصّفة والوزن ، تابعه على ذلك الجميع فيصير التقدير على ذلك : لا يعزب عنه شيء إلّا في كتاب وهذا فاسد» انتهى.

وليس ما ذكره أبو عليّ بفاسد إذا جعلنا الاستثناء من محذوف ، أو منقطعا كما هو الجوابان الباقيان وكأنّ الحامل لأبيّ عليّ الفارسي على ذلك بالنّصب أيضا لنفي الجنس فلمّا كان العطف هو المقصود واتّفقت السّبعة هناك على الرّفع عطفا على مثقال ، واختلفوا في آية يونس نظرا إلى اختلاف حالتي العطف وهذا الحال ضعيف.

وكان أراد بعض من حضر أن يقرّره بعكسه. وجوابه : أنّ القراءة سنّة متّبعة فلا يلزم من الاتّفاق في موضع حمل المختلف فيه عليه لوجود المانع هنا مع الاتّصال. على أنّ في آية سبأ تخريجا قاله الزّمخشري يأتي إن شاء الله تعالى.

ولنعد إلى الكلام على الجوابين الأخيرين فنقول : وعلى الانقطاع جرى جمع من المعربين ، وجزم به العكبري في إعرابه فقال : («وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) بفتح الرّاء في موضع جرّ لذرّة أو لمثقال على اللّفظ ويقرآن بالرّفع حملا على موضع (من مثقال) إلّا في كتاب (أي : إلّا هو في كتاب) والاستثناء منقطع» (١) وقدّمه صاحب تبصرة المتذكّر فقال : («إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) منقطع.» وقال على الذي جزم به الزّمخشري : «وزعم بعضهم : (ولا أصغر) إلا (مبين) جملة مستقلّة بنفسها وجعل الاستثناء متّصلا وفتح (ولا أصغر) و (لا أكبر) على نفي الجنس ورفعهما على الابتداء. فعلى هذا ينبغي أن يقف على (في السماء)».

والقول بأنّ الاستثناء منقطع هل يرد ، وهل وقع في القرآن العظيم أم لا ، وهي مسألة معروفة لا نطيل بذكرها :

وأمّا الجواب الآخر وهو أن يكون الاستثناء من محذوف فتقديره : ولا شيء إلّا

__________________

(١) انظر إملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ١٧).


في كتاب مبين. ونظيره : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨] ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) [النبأ : ٢٩]. وإنما لم أجعله مستثنى ممّا قبله رفعا أو فتحا لأنّ الكلام على أنّ الرفع للعطف على المحلّ ، والفتح للعطف على اللّفظ ، فعدلنا عن الاستثناء من المذكور إلى مقدّر مبتدأ دلّ على ما سبق ، ولا بدع في حذف ما قدّر لدلالة الكلام عليه ، ويكون من مجموع ذلك إثبات العلم لله تعالى في كلّ معلوم ، وأنّ كلّ شيء مكتوب في الكتاب ، وقد يجمع بينهما في قوله تعالى : (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] ، وفي قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩].

وهذه الأوجه الأربعة التي فتح الله بها لا توجد مجموعة في كتاب بل الأوّل منها قد علمت أصله ، ومن قدّره في هذه الآية ، والثاني قد علمت من قاله ، والثالث قد علمت من جزم به واختاره ، والرابع يشهد له كثير من أساليب العرب. وذكر صاحب كتاب (تبصرة المتذكّر) أنّه «يجوز أن يكون الاستثناء متّصلا بما قبل قوله (وما يعزب) ويكون في الآية تقديم وتأخير وترتيبها : «وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلّا في كتاب مبين إلّا كنّا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ..» إلى «ولا أكبر». تلخيصه : «ما من شيء إلّا وهو في اللّوح المحفوظ. ونحن نشاهده في كلّ آن» ويجوز الاستثناء من (وما يعزب) ويكون (يعزب) بمعنى يبين ويذهب ، المعنى : لم يبن شيء عن الله تعالى بعد خلقه له إلّا وهو مكتوب في اللّوح المحفوظ تلخيصه : كلّ مخلوق مكتوب» ، انتهى.

وفيه نظر ، أمّا الوجه الأوّل فليس هذا نظير «امرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا» (١) فلأنّك عند قصد التأكيد في نحو ذلك يجب العطف بالواو ولا تقول : قام القوم إلّا زيدا إلّا جعفرا» إذا قصدت التأكيد إلّا بالعطف فتقول : «وإلّا جعفرا».

فإن قيل : إنّما يكون ذلك في (إلّا) التي للتأكيد ، وهاهنا قد لا يكون مقصودا فيكون كقول القائل : «ما قام إلّا زيدا إلّا عمرا». قلت : لا يصحّ ، لأنّ المثال المستشهد به مفرّغ ، ولا تفريغ فيما نحن فيه ، ولكن هو قريب من قولك : «ما قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا. غير أنّ المستثنيين داخلان في القوم ، فلو سكت عن أحدهما لانتفى بخلاف ما نحن فيه. وأيضا فلأنّه يلزم مجازان أحدهما بالتّقديم والتأخير ، والثاني تكرير إلّا.

__________________

(١) انظر الأشموني (١ / ٣٩٧).


وأمّا الوجه الثاني : فتفسير (يعزب) : «يبين ويذهب» لا يعرف ، وإنّما المعروف في (عزب) ما تقدّم نعم ، قال الصّغاني (١) في (العباب) «قال أبو سعيد الضرير : يقال : ليس لفلان امرأة تعز به أي : تذهب عزبته بالنّكاح ، مثل قولك : تمرّضه أي : تقوم عليه في مرضه». ثمّ قال الصّغاني : «والتّركيب يدلّ على تباعد وتنحّ» فتفسيره بالظّهور بعيد ، ولئن سلّمناه فلأيّ شيء جمع بين الظّهور والذّهاب ، وكأنّه قصد بذلك أنّ علم الغيب مكتوم ، فما يظهر منه ويذهب إلّا في كتاب مبين ، وهذا المعنى قريب من كلام وقع للزّمخشري في سورة سبأ لمّا وجّه القراءة المشهورة بالرّفع على الابتداء أشار إلى قراءة شاذّة بالفتح على نفي الجنس كقولك : «لا حول ولا قوة إلّا بالله» ، بالرّفع والنّصب ، وهو كلام منقطع عمّا قبله. قال (٢) الزمخشري : «فإن قلت : هل يصحّ عطف المرفوع على مثقال ذرّة كأنّه قيل : لا يعزب عنه مثقال ذرّة وأصغر وأكبر ، وزيادة (لا) لتأكيد النّفي ، وعطف المفتوح على ذرّة بأنّه فتح في موضع الجرّ لامتناع الصّرف ، كأنّه قيل : لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر. قلت : يأبى ذلك حرف الاستثناء ، إلّا إذا جعلت الضمير في (عنه) للغيب وجعلت الغيب اسما للخفيّات قبل أن تكتب في اللّوح لأنّ إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنّه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزول عنه إلّا مسطورا في اللّوح» انتهى. ويمكن أن يجيء مثله هنا على تقدير حذف مضاف.

ولقائل أن يقول : ما المانع من الاتّصال وجعل الاستثناء من (ولا أصغر ولا أكبر) مع العطف على اللّفظ أو المحل فإن قيل : المانع ما سبق ، قلنا فقد وقع التصريح بالعطف مع الاستثناء في قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩] ، فإنّ القراءة عند السّبعة بجرّ حبّة ورطب ويابس ، وقد قال (٣) الزمخشري : («ولا حبة ولا رطب ولا يابس :) عطف على ورقة ، وداخل في حكمها ، كأنّه قيل : وما يسقط من شيء من هذه الأشياء إلّا يعلمه. وقوله : (إلّا في كتاب مبين) كالتكرير لقوله (إلّا يعلمها) ، لأنّ معنى (إلا يعلمها) ومعنى (إلّا في كتاب مبين) واحد ، والكتاب

__________________

(١) الصغاني : هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي العدوي العمريّ ، أبو الفضائل الصغاني ويقال الصاغاني ، من تضانيفه : مجمع البحرين في اللغة ، والتكملة على الصحاح ، والعباب ، والشوارد في اللغات وغيرها. (ت ٦٠٥ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٥٢٠).

(٢) انظر الكشاف (٣ / ٢٧٩).

(٣) انظر الكشاف (٢ / ٢٤).


المبين علم الله ، أو اللّوح». ويقال مثله هنا بأنّ قوله : (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) عطف على (مثقال) أو (ذرّة) ، وداخل في حكمها ، كأنّه قيل : وما يعزب عن ربّك من هذه الأشياء شيء ، وذلك مثبت للعلم ، فيكون معنى ذلك ومعنى (إلّا في كتاب مبين) التأكيد لما فهم من إثبات العلم ممّا سبق ، لأن معنى (ذلك) ومعنى (إلّا في كتاب مبين) واحد ، والكتاب هو علم الله تعالى ، والمعنى : وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء إلّا يعلمها ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في علمه. وهذا وجه آخر في الآية إلّا أنّ فيه حذف المؤكّد بخلاف (إلّا يعلمها) فإنّه مذكور ، نعم يتمشّى ذلك على التّقديم والتأخير وفيه ما تقدّم وبه مع الوجهين اللّذين قبله مع الأربعة التي ذكرتها في المجلس ، وأوضحت القول فيها هنا يكمل في الآية سبعة أوجه ، على أنّه قد قرئ شاذّا : ولا حبه ولا رطب ولا يابس برفعها قال (١) الزمخشري : «وفيه وجهان : أن يكون عطفا على محلّ من ورقة ، أو رفعا على الابتداء وخبره (إلّا في كتاب مبين) كقولك : لا رجل منهم ولا امرأة إلّا في الدّار».

وممّا وقع في الكلام من غيري أنّه يجوز أن يكون الاستثناء في ذلك روعي فيه ما راعى الجعدي بقوله : [الطويل]

٧٥٤ ـ فتى كملت خيراته غير أنّه

جواد فما يبقي من المال باقيا

فإنّه ذهب إلى معنى : ليس فيه عيب لأنّ الجود ليس بعيب ، فإذا لم يكن فيه عيب إلّا الجود فما فيه عيب فإنّه قال : كملت خيراته لكن ينقصه جوده. ونظيره في هذه الآية : إن كان يعزب عنه شيء فهو الذي في كتاب مبين ، لكنّ الذي في الكتاب لا يعزب فلا يعزب عنه شيء. وهذا التقدير لا يصحّ من جهة أنّ فيه فرض محال ، وليس في اللّفظ ما يدلّ عليه ، بخلاف ما تقدّم من البيت ، وأيضا فيؤدّي إلى تكثير المجاز ، وأيضا فلأنّ الجود بوصفه لفظا ليس بنقص ، وأمّا الذي في الكتاب المبين فليس في اللّفظ ما يدلّ على هذا التقدير ، وإن كان الأمر كذلك لمّا تقرّر أنّ الباري جلّ جلاله عالم بالكلّيّات والجزئيّات ؛ على أنّ التقدير في البيت إنّما هو على

__________________

(١) انظر الكشاف (٢ / ٢٥).

٧٥٤ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ١٧٣) ، والأزهيّة (ص ١٨١) ، وأمالي المرتضى (١ / ٢٦٨) ، وخزانة الأدب (٣ / ٣٣٤) ، والكتاب (٢ / ٣٤٠) ، والدرر (٣ / ١٨٢) ، وديوان المعاني (١ / ٣٦) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٦٢) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٠٦٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦١٤) ، والشعر والشعراء (١ / ٢٩٩) ، ولسان العرب (وصح) ، وبلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة (ص ٢٦٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٣٤).


المنقطع وحينئذ فتقدير الانقطاع قد تقدّم في الأوجه السابقة بما يصحّ ، فلا حاجة إلى تقديره بما لا يصحّ.

وعلى الجملة فأحسن الوجوه السّبعة جعل الاستثناء متّصلا بتقدير أن يكون من عطف الجمل : الرفع على الاستئناف ، والفتح على أنّ (لا) التي لنفي الجنس ، أو يكون من عطف المفردات وتفسير (يعزب) بيظهر ، أو يكون من باب ... ، أو يجعل منقطعا كما تقدّم ، ويليها كون (إلّا) للعطف كما تقدّم ، أو الاستثناء من محذوف.

وقد وضح أنّ الذي تبادر الذهن إليه في المجلس فتح من الرّبّ الكريم ، فله الشّكر على العطاء العميم ، والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله وصحبه والتّابعين.

الكلام في قوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ)

قال أبو محمد عبيد الله بن محمّد بن عليّ بن عبد الرحمن بن منصور بن زياد الكاتب في (أماليه) : حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ : حدّثني أبي حدثنا محمد بن الجهم قال : حجّ الفرّاء سنة ستّ ومائتين ، وحججنا معه ، فلقيني خلّاد بن عيسى المقرئ ، فسألني عن قوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) [الرحمن : ٥٦] ، فقال : لم جمع بعد قوله : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) [الرحمن : ٥٠] فأجبته بما أملى الفرّاء علينا في كتابه ، أنّ (فيهنّ) للجنّتين والجنّتين ، لمّا قال : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦] قال : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) [الرحمن : ٦٢] فقال لي خلّاد : أخطأت قد جمع قبل ذكره الجنّتين ، فصرت إلى الفرّاء فأخبرته بمسألة خلّاد وبجوابي وبإنكاره عليّ فردّد الفرّاء في نفسه شيئا ثمّ قال لي : إنّ العرب توقع الجمع على التثنية ، قال الله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [النساء : ١١] يريد : فإن كان له أخوان. وقال : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤] يعني : فقد صغا قلباكما. انتهى.

في كتاب (لبّ الألباب في المسألة والجواب) لأبي الحسن بن جبارة :

من أبيات المعاني قول الشاعر : [الرمل]

٧٥٥ ـ إنّما زيدا إلينا سائرا

من مكان ضلّ فيه السّائر

فهو يأتينا عشا في سحر

ماله في يده أو عامر

بأيّ شيء نصب زيدا وحقّه الرّفع وكيف يجتمع العشاء والسّحر وكيف يلتئم

__________________

٧٥٥ ـ البيتان بلا نسبة في الأبيات المشكلة للفارقي (ص ١٢٠).


ماله في يده أو عامر؟ وهذا العجز مباين للصّدر. وهي مسألة عظمى وإن أحاط اللبيب بها علما.

والجواب عن ذلك :

أمّا البيت الأوّل : فقوله (إن) شرط ، و (نمى) فعل ماض من قولهم : نمى ينمي أي : ارتفع وزاد. و (زيدا) مفعول به ، (وسائرا) نصب على الحال. وقوله (ضل) من الضلال وهو ضدّ الهدى. و (السائر) فاعل ، وهو الذي نصب (زيدا). وتقديره : إن نمى السائر زيدا ، يعني أنّه ارتفع به وهداه إلينا في حال كونه سائرا من مكان حار فيه وضلّ.

وأمّا البيت الثاني : فهو مستحيل إن أخذ على لفظه ، إذ العشاء والسّحر وقتان متباينان ولا يجتمعان ، وإنّما المعنى فيه : ف (هو) مبتدأ ، (يأتي) : فعل مضارع ، (ناعشا) : حال من المضمر في الإتيان ، من نعشته أنعشه أي رفعته ، ومنه قول الشاعر وهو أبو حيّة النّميري : [الطويل]

٧٥٦ ـ إذا ما نعشناه على الرّحل ينثني

مساليه عنه من وراء ومقدم

ومسالاه : عطفاه ، وقد نصبهما على الظّرف لأنّهما في معنى ناحيتيه ألا تراه يقول : من وراء ومقدم. وتفسير هذا البيت أنّا إذا رفعناه على الرّحل لا يستمسك فيتثنّى في ناحيتيه من جانبيه. وهذا الشاهد أيضا من أبيات المعاني وهو ممّا يسأل عنه.

وقوله في البيت المتقدّم (ما له) : منصوب بقوله (ناعشا) أي : رافعا ماله في يده ، وصرف (سحرا) لأنّه نكرة يريد : سحرا من الأسحار. وقوله (أو عامر) عطف على المضمر في يأتي ، وطول الكلام سدّ مسدّ التأكيد. وتقريب معنى هذين البيتين : إنّ زيدا ضلّ في موماة فهداه إلينا السائر فيها فهو يأتي ناعشا أي : رافعا مكثرا ماله هو أو عامر. انتهى.

سبعة أسئلة كتب عليها جلال الدين البلقيني

ورد في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة من بلاد المغرب من الفقيه أبي بكر بن محمد بن عقبة أسئلة في النحو إلى الشيخ جلال الدين البلقيني فكتب عليها.

__________________

٧٥٦ ـ الشاهد لأبي حيّة النميري في ديوانه (ص ٧٨) ، والكتاب (١ / ٤٧٩) ، والأزمنة والأمكنة (١ / ٣٠٧) ، ولسان العرب (مسل) ، وبلا نسبة في مجالس ثعلب (١ / ٩٢).


أمّا الأسئلة فسبعة :

الأوّل : زعم ابن مالك أنّ حذف عامل المؤكّد امتنع بقوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) [ص : ٣٣] ، هل هو مقبول أم لا؟.

الثاني : زعم الزمخشري أنّ قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) [الأحقاف : ٢٤] منصوب على التمييز ، وتعقّب أبي حيّان له ، من المصيب منهما وذكرا قريبا من ذلك في قوله تعالى : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩].

الثالث : أين المخصوص بالمدح فيما أنشده الزّمخشري في سورة الصافّات : [الطويل]

٧٥٧ ـ لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم

لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا

ومنه قول عائشة : «كان لنا جيران من الأنصار لنعم الجيران كانوا» (٢).

الرابع : علام انتصب (بصيرا) في قوله : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان : ٢]؟.

الخامس : من أيّ الضمائر قول أبي الطيّب : [الطويل]

٧٥٨ ـ هو الجدّ حتّى تفضل العين أختها

وحتّى يكون اليوم لليوم سيّدا

وقول المعرّي : [الطويل]

٧٥٩ ـ هو الهجر حتّى ما يلمّ خيال

[وبعض صدور الزائرين وصال]

السادس : ما معنى (من) في حديث : «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم» (٥) ، وفي حديث : «ما بال الكلب الأسود من الأحمر» (٦) ، وفي قول المعرّي : [الطويل]

٧٦٠ ـ وإن يك وادينا من الشّعر واحدا

فغير خفيّ أثله من ثمامه

السابع : ما إعراب قوله : «فخرج بلال بوضوء فمن ناضح ونائل» ، وقول المعرّي : [الخفيف]

__________________

٧٥٧ ـ الشاهد للأبيرد في لسان العرب (نزف) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٨٢١) ، وخزانة الأدب (٩ / ٣٨٨) ، والدرر (٥ / ٢١٥) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٧٩٣) ، والمحتسب (٢ / ٣٠٨).

(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه (٢ / ٢٨٥) ، والترمذي في سننه (٤ / ٥٢٨) ، والهيثمي في موارد الظمآن (١ / ٥٠٥).

٧٥٨ ـ الشاهد للمتنبي (٢ / ٩).

٧٥٩ ـ انظر شروح سقط الزند (١٠٤٦).

(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه (٢ / ٢٨٥) ، والترمذي في سننه (٤ / ٥٢٨) ، والهيثمي في موارد الظمآن (١ / ٥٠٥).

(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٣٦٥) ، وابن خزيمة في صحيحه (٢ / ٢٠).


٧٦١ ـ وهم النّاس فالحياة بهم سو

ق فمن غابن ومن مغبون

وأما الأجوبة :

فقال : اللهمّ ألهم الصّواب.

أما السؤال الأوّل : فالظاهر أنّه سقط شيء ، وهو : (ردّ) من : (زعم ابن مالك) ، لأنّ هذه الآية تردّ على ابن مالك.

والجواب : أنّ الردّ بذلك مقبول ، فإنّ الأصل : فطفق يمسح مسحا ، فحذف (يمسح) ، وهو عامل المؤكّد. وهذا الزّعم ذكره الشيخ جمال الدين بن مالك في (الكافية الشّافية) (٢) و (الألفيّة) ، وردّه عليه ابنه الشيخ بدر الدّين في (شرح الألفيّة) بما يوقف عليه من كلامه وقد قال الشيخ أبو حيّان هنا في تفسيره : «طفق : من أفعال المقاربة للشّروع في الفعل ، وحذف خبرها لدلالة المصدر عليه ، أي فطفق يمسح مسحا» (٣) انتهى. وقد أعرب الزمخشري قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] مصدرا مؤكّدا فقال : ««كتاب الله» مصدر مؤكّد ، أي : كتب الله ذلك عليكم كتابا» (٤). وقال (٥) الشيخ أبو حيّان : ««كتاب الله عليكم» : انتصب بإضمار فعل ، وهو مصدر مؤكّد لمضمون الجملة السابقة من قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٣] وكأنّه قيل : كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا وما ذهب إليه الكسائي من أنّه يجوز تقديم المفعول في باب الإغراء بالظّرف والمجرور مستدلّا بهذه الآية ، إذ تقدير ذلك عنده : عليكم كتاب الله ، أي : الزموا كتاب الله ، فلا يتمّ دليله لاحتمال أن يكون مصدرا كما ذكرناه».

وأمّا السؤال الثاني : فقال الشيخ أبو حيّان في سورة الأحقاف : «وانتصب (عارضا) على الحال من المفعول ، وقال ابن عطيّة : ويحتمل أن يعود على الشيء المرئيّ الطالع عليهم الذي فسّره قوله (عارضا).

وقال (٦) الزمخشري : «فلمّا رأوه في الضّمير وجهان : أحدهما : أن يرجع إلى ما

__________________

٧٦١ ـ انظر لزوم مالا يلزم للمعري (٢ / ٥٧٦).

(١) الكافية الشافية : هي منظومة طويلة لابن مالك في النحو والصرف عدد أبياتها (٢٧٥٧) بيتا.

(٢) انظر البحر المحيط (٧ / ٣٩٧).

(٣) انظر الكشاف (١ / ٥١٨).

(٤) انظر البحر المحيط (٣ / ٢١٤).

(٥) انظر الكشاف (٣ / ٥٢٤).


تعدنا وأن يكون مبهما قد وضح أمره بقوله (عارضا) إمّا تمييزا ، وإمّا حالا. وهذا الوجه أعرب وأفصح. انتهى» قال الشيخ أبو حيّان : «وهذا الذي ذكر أنّه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكره النّحاة ، لأنّ المبهم الذي يفسّره ويوضّحه التمييز لا يكون إلّا في باب «ربّ» ، نحو : «ربّه رجلا لقيته» ، وفي باب «نعم وبئس» ، على مذهب البصريّين نحو : «نعم رجلا زيد» ، و «بئس غلاما عمرو». وأما أنّ الحال يوضّح المبهم ويفسّره فلا نعلم أحدا ذهب إليه. وقد حصر النّحاة المضمر الذي يفسّره ما بعده ، فلم يذكروا فيه مفعول «رأى» إذا كان ضميرا ، ولا أنّ الحال يفسّر المضمر ويوضّحه» (١) انتهى.

وكلام ابن عطيّة من وادي كلام الزّمخشري ، فإنّه قال : «والضمير في رأوه يحتمل أن يعود على العذاب ويحتمل أن يعود على الشيء المرئيّ في الطالع عليهم ، وهو الذي فسّره قوله (عارضا)» انتهى. فقد جعل الضمير يفسّره ما بعده كما قال الزخشري لكنّ الزّمخشريّ أفصح بالإبهام والتّمييز والحال ، فلذلك خصّه الشيخ رحمه الله بالاعتراض ، والذي قاله الشيخ هو الجاري على القواعد المقرّرة في النّحو.

وأمّا آية البقرة ، فقال الشيخ أبو حيّان فيها : «قال الزّمخشري : والضمير في (فَسَوَّاهُنَّ) ضمير مبهم ، و (سَبْعَ سَماواتٍ) : تفسيره ، كقولهم (٢) : «ربّه رجلا» ، انتهى كلامه. ومفهومه أنّ هذا الضمير يعود على ما بعده وهو مفسّر به فهو عائد على غير متقدّم الذّكر. وهذا الذي يفسّره ما بعده منه ما يفسّر بجملة ، وهو ضمير الشأن أو القصّة ، وشرطها عند البصريّين أن يصرّح بجزأيها ، ومنه ما يفسّر بمفرد ، أي : غير جملة ، وهو الضّمير المرفوع بنعم وبئس ، وما جرى مجراهما ، والضمير المجرور بربّ ، والضمير المرفوع بأوّل المتنازعين على مذهب البصريّين ، والضمير المجعول خبره مفسّرا له ، والضمير الذي أبدل منه مفسّره. وفي إثبات هذا القسم الأخير خلاف ، وذلك نحو «ضربتهم قومك».

وهذا الذي ذكره الزمخشري ليس واحدا من هذه الضمائر التي سردناها إلّا أنّه يحتمل فيه أن يكون (سبع سماوات) بدلا منه ومفسّرا له ، وهو الذي يقتضيه تشبيه الزّمخشري له ب «ربّه رجلا» ، وأنّه ضمير مبهم ليس عائدا على شيء قبله ، لكنّ هذا يضعف بكون هذا التقدير يجعله غير مرتبط بما قبله ارتباطا كلّيّا ، إذ يكون الكلام

__________________

(١) انظر البحر المحيط (٨ / ٦٤).

(٢) انظر الكشاف (١ / ٢٧٠).


قد تضمّن أنّه تعالى استوى إلى السّماء وأنّه سوّى سبع سماوات عقب استوائه إلى السماء ، فيكون قد أخبر بإخبارين ، أحدهما : استواؤه إلى السماء ، والآخر تسويته سبع سماوات. وظاهر الكلام أنّ الذي استوى إليه هو بعينه المسوّى سبع سماوات وقد أعرب بعضهم (سبع سماوات) بدلا من الضمير على أنّ الضمير عائد على ما قبله ، وهو إعراب صحيح نحو : «أخوك مررت به زيد» (١) انتهى. فقد منع الشيخ من البدل على عود الضمير إلى ما بعده لأجل عدم الارتباط ، وأجازه على عود الضمير على ما قبله لوجود الارتباط ثمّ قال بعد سياق أعاريب : «فتلخّص في نصب (سبع سماوات) أوجه : البدل باعتبارين (يعني باعتبار ما قبله وما بعده) والمفعول به ، ومفعول ثان ، وحال» ، قال : «والمختار البدل باعتبار عود الضمير على ما قبله ، والحال ، ويترجّح البدل لعدم الاشتقاق» (٢) انتهى.

والتعقّب المذكور في سورة البقرة نظير التعقّب المذكور في سورة الأحقاف وكلام الشيخ ـ رحمه الله ـ في ذلك هو الجاري على القواعد كما تقدّم. وقد تعقّب القطب في حاشيته على الزّمخشري ذلك فقال : «قوله : والضمير في (فسوّاهنّ) ضمير مبهم فيه نظر ، لأن الباب ليس بقياس وإنّما حمل المضمر في قوله : «ربّه رجلا» على أنّه مبهم لأنّ «ربّ» لا تدخل إلّا على النّكرات وهذا لا يوجد في (فسوّاهنّ)».

وأمّا السؤال الثالث : فقد أشار إلى ذلك ابن مالك في (التسهيل) في الكلام على المخصوص بقوله : «أو يذكر قبلهما معمولا للابتداء أو لبعض نواسخه ، أو بعد فاعلهما : مبتدأ أو خبر مبتدأ لا يظهر ، أو أوّل معمولي فعل ناسخ» (٣) : مثال المخصوص الذي ذكر قبلهما معمولا للابتداء «زيد نعم الرّجل» و «عمرو بئس الغلام» ، ومثال المخصوص المعمول لبعض نواسخ الابتداء في باب «كان» قول الشاعر : [الطويل]

٧٦٢ ـ إذا أرسلوني عند تقدير حاجة

أمارس فيها كنت نعم الممارس

وفي باب «إنّ» قول الشاعر : [مجزوء الكامل]

__________________

(١) انظر البحر المحيط (١ / ١٣٥).

(٢) انظر البحر المحيط (١ / ١٣٥).

(٣) انظر التسهيل (ص ١٢٧).

٧٦٢ ـ الشاهد ليزيد بن الطثرية في ديوانه (ص ٨٤) ، والدرر (٥ / ٢١٨) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٣٤) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٣٨٨) ، وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٧٩).


٧٦٣ ـ إنّ ابن عبد الله نع

م أخو النّدى وابن العشيره

وفي باب «ظنّ» : «ظننت زيدا نعم الرّجل» ،. ومثال ذكر المخصوص بعد فاعلهما مبتدأ «نعم الرجل زيد» و «بئس الغلام عمرو» ، وقوله : «أو خبر مبتدأ لا يظهر» قال فيه الشيخ أبو حيّان : «هذا الإعراب نسب إلى سيبويه ، وممّن نسبه إلى سيبويه هذا المصنّف في الشّرح قال فيه : وأجاز سيبويه كون المخصوص خبر مبتدأ واجب الإضمار انتهى» وأطال الشيخ الكلام على ذلك بما يوقف عليه في شرح التسهيل. ومثال كون المخصوص مذكورا بعد فاعلهما أوّل معمولي فعل ناسخ هذا البيت المذكور في السؤال ، لأنّ «كان» من نواسخ الابتداء ، وقول زهير : [الطويل]

٧٦٤ ـ يمينا لنعم السّيّدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل ومبرم

وقد أنشده الزمخشري في سورة الصافّات في تفسير قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) [الصافات : ٤٧] حيث قال : «(وينزفون) على البناء للمفعول : من نزف الشارب إذا ذهب عقله ، ويقال للسّكران : «نزيف» و «منزوف» وقرئ (ينزفون) (يعني بكسر الزاي) ، من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه قال (٣) : [الطويل]

لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم

لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا

ومعناه : صار ذا نزف. ونظيره : أقشع السّحاب وقشعته الرّيح وأكبّ الرجل وكببته ، وحقيقتهما : دخلا في القشع والكبّ» انتهى.

وأمّا حديث عائشة فإن كان الذي فيه ذكر الهديّة فهو في الصحيحين بدون هذه اللّفظة. ورواه البخاري في الهبة والرّقاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة بلفظ «إلّا أنّه قد كان لنا جيران من الأنصار كانت لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه ألبانهم» (٤) وفي الرّقاق زيادة «فيسقيناه» ويقع في بعض النّسخ إسقاطه

__________________

٧٦٣ ـ الشاهد لأبي دهبل الجمحي في ديوانه (ص ٩٦) ، والدرر (٥ / ٢١٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٣٥) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٣٨٨) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٧٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٧٩٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ٨٧).

٧٦٤ ـ الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه (ص ١٤) ، وجمهرة اللغة (ص ٥٣٤) ، وخزانة الأدب (٣ / ٦) ، والدرر (٤ / ٢٢٧) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٧٩٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ٤٢) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٣٩).

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٥٧).

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٢ / ٩٠٧) رقم الحديث (٢٤٢٨).


من الرّقاق ولذلك لم يذكره المزّي في الأطراف. ورواه مسلم في آخر الكتاب كما في الرّقاق بدون هذه اللّفظة المذكورة في السؤال ، فقد يكون في غير الصحيحين. وفي مسند أحمد : «إلّا أنّ حولنا أهل دور من الأنصار جزاهم الله خيرا» (١). وفي ابن ماجه عن أبي سلمة عن عائشة «.. غير أنّه كان لنا جيران من الأنصار جيران صدق» (٢).

وأمّا السؤال الرابع : فجوابه أنّ (جعل) إن كانت بمعنى (خلق) فهما حالان ، ويجوز تعدّد الحال وصاحبها مفرد نحو : «جاء زيد راكبا ضاحكا». وإن كانت بمعنى (صيّر) فقوله (سميعا) مفعول ثان. وكذلك «بصيرا» لأنّهما خبران في الأصل فجاز جعل كلّ منهما مفعولا ثانيا ، ويجوز تعدّد خبر المبتدأ ، فكذلك يجوز تعدّد خبر ما دخل عليه ناسخ الابتداء ، ثم يعرب كلّ واحد منهما مفعولا ثانيا. وقد قال ابن مالك في التّسهيل «باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر ، الداخل عليهما (كان) والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام فتنصبهما مفعولين ، ولا يحذفان معا أو أحدهما إلّا بدليل ، ولهما من التقديم والتأخير ما لهما مجرّدين ، ولثانيهما من الأقسام والأحوال ما لخبر كان» انتهى. وقد جاء في خبر كان (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء : ٣٤] ، (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الفتح : ٤] فكذلك ما نحن فيه. ويمكن أن يجعل الأوّل المفعول الثاني ، والثاني صفته كما في قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣]. ويجوز أن يجعلا في معنى واحد على معنى : «مميّز بين الأشياء» ، إذ لا يحصل التمييز بين الأشياء غالبا إلّا بالسمع والبصر ، فيصير مثل قولنا : «الرمّان حلو حامض» بمعنى «مزّ» ، فإذا جاء مثل : جعل الله الرّمّان حلوا حامضا كان حكمه كذلك.

وأمّا السؤال الخامس : فجوابه أنّه حيث لم يتقدّم ما يعود عليه هذا الضمير يجوز أن يقال هو من القسم الخامس الذي ذكرناه من كلام الشيخ أبي حيّان في جواب السؤال الثاني وهو الضمير المجعول خبره مفسّرا له. وقد ذكر ابن مالك ذلك في التسهيل فقال : «ويتقدّم أيضا غير منويّ التأخير : إن جرّ بربّ ، أو رفع بنعم أو شبهها أو بأوّل المتنازعين ، أو أبدل منه المفسّر ، أو جعل خبره ، أو كان المسمّى ضمير الشأن عند البصريّين ، وضمير المجهول عند الكوفيّين».

قال الشيخ أبو حيان : «ومثال جعله خبرا قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام : ٢٩] قال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلّا بما يتلوه

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده (٢ / ٤٠٥) بغير هذا اللفظ.

(٢) أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (٤١٤٥).


من بيانه ، وأصله : «إن الحياة إلّا حياتنا الدّنيا» ثمّ وضع (هي) موضع (الحياة) ، لأنّ الخبر يدلّ عليها ويبيّنها قال : ومنه : [المتقارب]

٧٦٥ ـ هي النّفس تحمل ما حمّلت

 ...

و «هي العرب تقول ما شاءت». قال المصنّف في الشّرح وقد حكى كلام الزّمخشري : وهذا من جيّد كلامه وفي تنظيره ب «هي النّفس» و «هي العرب» ضعف لإمكان جعل العرب والنّفس بدلين ، و (تحمل) و (تقول) خبرين. انتهى كلامه». قال الشيخ أبو حيّان : «ولم يذكر أصحابنا في الضمير الذي يفسّره ما بعده ولا ينوى بالضمير التأخير أن يكون يفسّره الخبر وإنّما هذا يفسّره سياق الكلام ... وأمّا ما ذهب إليه المصنّف من أنّ (هي) يفسّرها «حياتنا الدّنيا» الذي هو الخبر فاسد ، لأنّه إذا فسّره الخبر والخبر مضاف لشيء وموصوف لشيء كان ذلك الضمير عائدا على الخبر بقيد إضافته وقيد صفته وإذا كان كذلك صار تقدير الكلام : ما حياتنا الدّنيا إلّا حياتنا الدّنيا ، ولا يجوز ذلك كما لا يجوز : ما غلامنا العالم إلّا غلامنا العالم ، لأنّه يؤدّي إلى أنّه لا يستفاد من الخبر إلّا ما يستفاد من المبتدأ ، وذلك لا يجوز ، ولذلك منعوا : «ربّ الدّار مالكها» ، و «سيّد الجارية مالكها». وليس في كلام الزمخشري ما يدلّ على ما ذهب إليه المصنّف لأنّه قال : وضع (هي) موضع (الحياة) ، ولم يقل موضع «حياتنا الدّنيا» الذي هو الخبر.

وقوله : لأنّ الخبر يدلّ عليها ويبيّنها يعني أنّ سياق هذا الكلام على أنّ المضمر هو الحياة» انتهى.

وتلخّص منه أنّه ارتضى كلام الزمخشري ولم يرتض تقرير ابن مالك. ويقال عليه : قد ذكرته في تفسير سورة البقرة على سبيل الجزم به بعبارة ابن مالك حيث قلت : «والضمير المجعول خبره مفسّرا له ، انتهى». وحينئذ فيصير تقدير قول (٢) المتنبّي : [الطويل]

هو الجدّ ...

إلى آخره

معناه : «الجدّ» أي الكامل الجدّ بهذه الصّفة. وقول (٣) المعرّي : [الطويل]

هو الهجر ...

 ...

__________________

٧٦٥ ـ الشاهد بلا نسبة في مغني اللبيب (٢ / ٤٨٩).

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٥٨).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٥٩).


معناه : «الهجر» أي الكامل الهجر بهذه الصّفة وهو ألّا يلمّ خيال فمتى ألمّ خيال لم يكمل الهجر. فهذا ما ظهر لي وفوق كلّ ذي علم عليم.

وأمّا السؤال السادس : فالحديث باللّفظ الأوّل (....) (١) وأمّا الثاني فهو من كلام عبد الله بن الصّامت الراوي عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إذا قام أحدكم يصلّي فإنّه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرّحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرّحل فإنّه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت : يا أبا ذرّ ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال : يا ابن أخي سألت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما سألتني فقال : الكلب الأسود شيطان» رواه مسلم. وهي في المثال الأوّل للفصل. قال (٢) ابن هشام في (المغني) في أقسام (من) : «الثاني عشر : الفصل ، وهي الدّاخلة على ثاني المتضادّين نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠](حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران : ١٧٩] ، قاله ابن مالك ، وفيه نظر ، لأنّ الفصل يستفاد من العامل فإنّ ماز وميّز بمعنى فصل ، والعلم صفة توجب التمييز ، والظاهر أنّ (من) في الآيتين للابتداء أو بمعنى (عن). وقد أقرّ الشيخ أبو حيّان في (شرح التسهيل) ابن مالك على ذلك فقال : «قال المصنّف في الشرح : وأشرت بذلك الفصل إلى دخولها على ثاني المتضادّين نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) و (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ،) ومنه قول الشاعر : [المضارع]

٧٦٦ ـ فإنّ الهوى دواء

لذي الجهل من جهله

انتهى». قال الشيخ : «ومنه : «لا يعرف قبيلا من دبير» وليس من شرطها الدّخول على المتضادّين بل تدخل على المتباينين ، تقول : لا يعرف زيدا من عمرو» انتهى كلام الشيخ في (شرح التسهيل).

وعلى هذا فتكون في قول عبد الله بن الصّامت للفصل أيضا ، أي : ما بال الكلب الأسود منفردا من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر. ويحتمل أن تكون بمعنى (عن) ، وكذلك هي في بيت المعرّي في قوله (٣) : [الطويل]

[...]

فغير خفيّ أثله من ثمامه

__________________

(١) يوجد بياض في جميع النسخ ويبدو أن هناك نقص في النصّ.

(٢) انظر المغني (ص ٣٥٧).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٧٥٩).


وأمّا السؤال السابع : في إعراب قول أبي جحيفة «فمن ناضح ونائل» : فقد سألني عنه من مدّة بعض المغاربة قال له العفيصي من المقيمين عندنا بالقاهرة ، وقد توجّه الآن للمغرب. وظهر لي في إعرابه أنّه بدل تفصيل على تقدير : فانقسموا قسمين من ناضح ونائل ، لأنّ في رواية : «فرأيت النّاس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسّح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه» واللفظان في مسلم في كتاب الصّلاة في ذكر السّترة ويكون ذلك كقول الشاعر : [الكامل]

٧٦٧ ـ قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

من بين ملجم مهره أو سافع

قال النّحاة : يريد : وسافع ، لأنّ البدل التفصيليّ لا يعطف إلّا بالواو. انتهى.

الكلام في قول الشاعر : كاثنين ثان إذهما في الغار : كتب الشيخ جلال الدين البلقيني إلى البدر الكلستاني ما نصّه : [الطويل]

إلى كعبة الآداب تأتي الرّسائل

ومن علمه الوافي تحلّ المسائل

إمام حوى علما وفخرا وسؤددا

فأصبح مقصودا ، وكلّ وسائل

فكاتب سرّ الملك عالم عصره

بمذهب نعمان وما ثمّ ماثل

فإن أشكلت يوما أمور فلذ به

فمن علمه التهذيب والفضل شامل

نهاية كلّ الناس عند اجتماعهم

بحضرته الإصغا لما هو ناقل

فيبدي سؤالا ثمّ يذكر حلّه

ألا فاعجبوا هذا مجيب وسائل

هو البدر إن لاقيته بمحاسن

هو الليث في كرّ وفرّ يعامل

ما قول إمام أهل الأدب ، ومالك زمام معالي الرّتب ، وخليفة النّعمان في هذا العصر ، ومن بأقدامه وإقدامه يحصل الفتح والنصر ، في بيتين وقعا لأبي تمّام مدح بهما المعتصم الإمام لمّا صلب بعض الخوارج العائجين عن الشّرائع والمناهج ، وهما : [الكامل]

٧٦٨ ـ ولقد شفيت النّفس من برحائها

أن صار بابك جار مازيّار

__________________

٧٦٧ ـ الشاهد لعمرو بن معد يكرب في ديوانه (ص ١٤٥) ، ولحميد بن ثور في ديوانه (ص ١١١) ، وشرح التصريح (٢ / ١٤٦) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٠٠) ، والمقاصد النحوية (٤ / ١٤٦) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ٣٧٩) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٢٤) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٢٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٦٢٨) ، ولسان العرب (سفع) ، ومغني اللبيب (١ / ٦٣).

٧٦٨ ـ انظر ديوانه بشرح التبريزي (٢ / ٢٠٧).


ثانيه في كبد السّماء ولم يكن

كاثنين ثان إذ هما في الغار

قال الصّفدي : «قد غلط أبو تمّام في هذا التّركيب ، لأنّه إنّما يقال : ثاني اثنين ، وثالث ثلاثة ورابع أربعة ، ولا يقال : اثنين ثان ، ولا ثلاثة ثالث ، ولا أربعة رابع». ولمّا وقف المملوك على هذا التّغليط استبعد وقوع مثله من أبي تمّام ، وخاض فكره في الجواب وعام. وخطر للمملوك أنّ المراد غير ما فهمه الصفدي ، وقصد عرض ذلك على من من علومه نقتبس وبكلامه نقتدي ، وهو أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا وتقليبا للتّركيب وتغييرا ، وهو أنّ التقدير : ولم يكن كاثنين إذ هما في الغار ثان وبذلك يدفع عن كلامه الغلط ويصان ، والمراد أنّه لم يكن كهذه القضية قضية أخرى. وكلام أبي تمّام بهذا المعنى أحرى ، وحصل هذا القلب مراعاة للقافية. ولا تسكن النّفوس لهذا الجواب إلّا بطبّكم منه الشفاء والعافية ، ولم يعرّج أبو تمّام على مراعاة الآية (١) حتّى ينسب كلامه إلى الغلط الواضح الأولي البداية. وإيضاحه أنّه لم يوجد كحال اثنين إذ هما في الغار حال ثان. والمسؤول إيضاح ما في هذا التّغليط والتصويب من المعاني أدام الله لكم المعالي وأجزل عليكم الفضل المتوالي.

فكتب إليه البدر الكلستاني مجيبا ما نصه :

أتتني أبيات تموج بلاغة

وفيها على بحر العلوم دلائل

ونظّمها صدر الزّمان وعينه

جلال المعاني ، والمعالي جلائل

هو الحبر تجل الحبر حاو وجيزه

بسيط المعاني للفضائل شامل

إذا هزّ أقلام الفصاحة تنجلي

مسائل فيها من فنون مسائل

ومالك فقه الشّافعيّ بأسره

أصولا فروعا واحد لا يشاكل

ونادى له في كلّ ناد خصاله

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

له المقول الوضّاح في كلّ معضل

وفضّاح نفس يوم تأتي تجادل

أتاني ما أتحف به ملك البلاغة ومالك المعاني ، فأطربني بنسيج وحده وأغناني عن المثالث والمثاني ، أوفى الله كاسه ، وطيّب أنفاسه. أمّا الصّفديّ المغلّط فغالط في واضح ، واعتراضه فاضح ، وقد صفّد ناقص ذهنه عند الكلام في حلّ تركيب أستاذ الأدباء أبي تمّام ، حيث لم يفرّق بين : «كاثنين ثان» وبين «كثاني اثنين». والفرق ظاهر عند سمع عار عن الآفة ، إذ الأوّل تركيب جملة ، والثاني تركيب إضافة ، وظهور

__________________

(١) يريد قوله تعالى في سورة التوبة الآية (٤١) (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ.)


النّون جعلهما كالضّبّ والنّون ، فزال هذا الوهم اللّفظيّ العاري من المعنى بمجرّد المبنى والمبنى والذي يقضى منه العجب أنّ المخطئ في الظاهر كيف يعدّ من محقّقي الأدب.

وأمّا حلّ مبناه وبيان معناه فالظّاهر من المقصود ما يقول العبد وهو محمود ، أنّ «ثانيه» خبر ثان لصار ولكن جعل من قبيل «أعط القوس باريها» (١) في ترك النّصب ، إذ هو خبر لمبتدأ محذوف ، و «لم يكن» بمعنى «لم يصر» لقربه من سياق «أن صار» ، و «ثان» اسمه وتنوينه عوض عن الضمير المضاف إليه و «كاثنين» خبره وفيه مضاف محذوف ، والمآل : ولم يصر ثانيه كثاني اثنين إذ هما في الغار ، لأنّهما تجاورا في العلوّ لا في الغور ، والغرض أن يصف مصلوبه بالارتفاع لكن في الصّلب ، وهو من التّهكّم المليح.

الكلام في قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً)

ومن الفوائد عن الشيخ بدر الدين بن مالك نقلت من خطّ الشيخ كمال الدين الشمنّي والد شيخنا :

سئل الشّيخ بدر الدين ابن العلّامة جمال الدّين بن مالك رحمهم الله تعالى عن قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) [الأنفال : ٢٣] الآية ، والبحث عن تركيبها.

فأجاب : هذه الآية على صورة الضّرب الأول من الشّكل الأول من القياس المؤلّف من متّصلتين ، لأنّها مشتملة على قضيّتين متّصلتين موجبتين كلّيتين ، وبينهما حدّ أوسط هو تال في الصّغرى ، مقدّم في الكبرى ، وذلك يستلزم قضية أخرى متّصلة ، مركبة من مقدّم الصّغرى وتالي الكبرى ، وهو : (ولو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهم معرضون ،) وكيف يكون علم الله فيهم خيرا وقبولا للحقّ ملزوما لتولّيهم وعدم قبولهم له ، هذا الإشكال ، قال : وعندي عنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : لا نسلّم أنّ نظم الآية الكريمة يستلزم المتّصلة المذكورة ، لأنّ من شرط الإنتاج اتحاد الأوسط ، ولا نسلّم أنّ الأوسط متّحد بناء على أحد التفسيرين لقوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) فإنّ قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) معناه : لو علم الله فيهم خيرا وقبولا للحقّ لأسمعهموه ولو أسمعهم ذلك الإسماع لتولّوا ، ولم يؤمنوا مبالغة في بعدهم عن الإقبال على الإيمان والدخول فيه. وقيل معناه : لو أسمعهم فآمنوا لتولّوا بعد ذلك وارتدّوا. فعلى هذا

__________________

(١) انظر شرح المفصل (١٠ / ١٠٣) ، وفصل المقال (ص ٢٩٨).


التفسير يكون الحدّ الأوسط وهو (أسمعهم) مختلفا : هو في الجملة الأولى بمعنى : لأسمعهم إسماع لطف بهم ورحمة لهم ، فسمعوا وآمنوا واستقاموا ، وفي الجملة الثانية بمعنى : ولو أسمعهم إسماع فتنة لهم وابتلاء فسمعوا ودخلوا في الإيمان لتولّوا وارتدّوا ، ولا شكّ أنّ إسماع اللّطف والرّحمة غير إسماع الابتلاء والفتنة. وإذا لم يكن الأوسط متّحدا لم يكن الإنتاج لازما.

الجواب الثاني : سلّمنا اتّحاد الأوسط ، لكن لا نسلّم إنتاج القياس المؤلّف من متّصلتين كما هو رأي جماعة من المتأخرين ، فإنّهم قالوا : لا يلزم من صدق : كلّما كان ا ب : ج د ، وكلّما كان ج د : ه ز ، ا ب : ه ز لأنّ الكبرى تدلّ على ملازمة الأكبر للأوسط في نفس الأمر ، والصّغرى تدلّ على صدق الأوسط فلا نسلّم أنّه يلزم من صدق المقدّمتين ملازمة الأكبر للأصغر وإنّما يلزم ذلك لو بقيت الملازمة بين الأوسط والأكبر على ذلك التقدير لازمة. ولك أن تعتبر مثل هذا في الآية الكريمة فتنزّل قوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) على أنّ التولّي لازم للإسماع في نفس الأمر و (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) على أنّ الإسماع ثابت على تقدير ثبوت (عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) فلا يلزم من ذلك : (لو علم الله فيهم خيرا لتولوا) لأنّ (عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) محال فجاز أن يستلزم صدقه رفع التلازم في قوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) ومعاندة اللازم فيه لأنّ المحال فيه يستلزم المحال.

الجواب الثالث : سلّمنا إنتاج القياس المؤلّف من متّصلتين كما هو رأي الإمام ومن قبله لكن لا نسلّم أنّ في اللازم عنه في الآية الكريمة إشكالا فإنّه يصدق لو علم الله فيهم خيرا لتولّوا على دعوى أنّ تولّيهم ثابت على كلّ تقدير ، فثبت على تقدير علم الله فيهم خيرا لتولّوا. فإن قلت : فعلم الله فيهم خيرا لازم لعدم التولّي فيكون ملزوما له. قلت : لأنّ علم الله فيهم خيرا محال فيجوز أن يستلزم شيئا ونقيضه لأنّ المحال لا يستبعد أن يستلزم المحال والله سبحانه وتعالى أعلم.

الادّكار بالمسائل الفقهيّة

لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجّاجي النحويّ رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي رحمه الله تعالى :

أما بعد : حفظك الله وأبقاك ، وهدانا وإيّاك ، ووفّقنا فيما نحاول دينا ودنيا للرّشاد ، ورزقنا علما نقرن به عملا يقرّب منه ويزلف لديه ، إنّه سميع بصير ، وعلى ما


يشاء قدير. فإنّك أذكرتني بالمسألة التي سألت عنها في البيت الذي سئل الكسائيّ عنه ، وهو قوله : [الطويل]

٧٦٩ ـ فأنت طلاق والطّلاق عزيمة

ثلاثا ومن يخرق أعقّ وأظلم

وتفسيري وجه الطلاق النصب في ثلاث مسائل فقهيّة من العربية يتلاقى بها النحويّون ويسأل عنها متأدّبو الفقهاء. وكنت جمعتها قديما ؛ منها مسائل ذكر لي أبو بكر محمّد بن أحمد بن منصور المعروف بالخيّاط النحويّ أنّه اجتمع هو وأبو الحسن بن كيسان مع أبي العبّاس ثعلب على تلخيصها وتقريرها ، ومنها مسائل ذكر لي أنّ أبا العبّاس ثعلبا أفاده إيّاها ، ومنها مسائل منثورة جمعت بعضها عن شيوخي شفاها ، وبعضها مستنبط من كتبهم ، فأحببت أن أجمعها في هذا الكتاب وأسمّيه :

كتاب الادّكار بالمسائل الفقهيّة ، فاعتمدت ذلك حين نشّطتني له ، فجمعتها فيه كلّها ، وما اتّصل بها وجانسها ، ومسألة الكسائي التي جرى ذكرها ، وجعلته نهاية في الاختصار ، موجزا غاية الإيجاز لئلّا يطول فيملّ ، ويكثر فيضجر ، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مسائل الجزاء

المسألة الأولى : قال : إذا قال الرجل لامرأته : إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق ثلاثا فهذه لا تطلق حتى تبدأ بالسؤال ثم يعدها ثمّ يعطيها بعد العدة ؛ لأنّه ابتدأ بالعطيّة واشترط لها العدة ، واشترط للعدة السؤال ، فقد جعل شرط كلّ شيء قبله ، فالعدة بعد السؤال ، والعطيّة بعد العدة ، وكذلك يقع الترتيب في الحقيقة. وليس هاهنا إضمار الفاء لأنّ جواب كلّ جزاء قد تقدّم قبله فصار مثل قولك : «أقوم إن قمت» ، ألا ترى أنّه لا يلزمك القيام حتّى يقوم مخاطبك ، وأنّ الجواب مبدوء به. وكذلك إن قال لرجل : «إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فعبدي حرّ ، فليس يعتق حتّى يبدأ بالسّؤال ثمّ يكون منه العدة ، ثمّ العطيّة ، فإن ابتدأ بالعطيّة من غير سؤال ولا عدة لم يعتق ، وكذلك المرأة لا تطلق ، وكذلك إن وعده من غير سؤال ثمّ أعطاه.

المسألة الثانية : فإن قال لها : إن سألتني إن أعطتك إن وعدتك فأنت طالق ؛ فهو مضمر للفاء في الجزاء الثاني لأنّ العطيّة لا تكون إلّا بعد السّؤال ، كأنّه قال : إن

__________________

٧٦٩ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (٣ / ٤٥٩) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٦٨) ، وشرح المفصّل (١ / ١٢) ، ومغني اللبيب (١ / ٥٣).


سألتني فإن أعطيتك إن وعدتك فأنت طالق. ولا تضمر الفاء في الجزاء الثالث لأنّ العدة قبل العطيّة ، فهذه أيضا لا تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها كأنه قال : إن سألتني فإن أعطيتك بعد أن أعدك فأنت طالق. فهي من جهة الطّلاق ووقوعه في التّرتيب مثل الأولى ، إلّا أنّها في تقدير الفاء وإضمارها تخالفها ، فإن أعطاها من غير سؤال لم تطلق ، وإن وعدها ولم يعطها لم تطلق وإن وعدها وأعطاها من غير أن يتقدّم سؤال لم تطلق.

وكذلك إذا قال لعبده : إن سألتني إن أعطيتك إن وعدتك فأنت حرّ وكذلك تضمر الفاء في الجزاء الثاني ، كأنّه قال : إن سألتني فإن أعطيتك إن وعدتك فأنت حرّ.

المسألة الثالثة : فإن قال : «إن سألتني إن وعدتك إن أعطيتك فأنت طالق». فهو مضمر للفاء في ذلك كلّه ، لأنّ قد أوقع كلّ شيء في موضعه لأنّ السؤال يكون ثمّ العدة ثمّ العطيّة فكأنّه قال : إن سألتني فإن وعدتك فإن أعطيتك فأنت طالق.

وهذه المسائل الثلاث في ترتيب وقوع الطّلاق سواء ، وفي تقدير العربيّة مختلفة.

المسألة الرابعة : فإن قال لها : إن أجنبت منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق ، فأجنب ثلاث مرّات واغتسل مرّة في الحمّام فإنّها تطلق واحدة ، لأنّ الاغتسال في الحمّام مشترط مع الإجناب فلا يقع الطلاق حتّى يقعا معا.

المسألة الخامسة : فإن قال : «كلّما أجنبت منك إجنابة فإن مات فلان فأنت طالق» فأجنب ثلاث مرّات ومات فلان فإنّها تطلق ثلاثا ، لأنّ موت فلان لا يتردّد مع كلّ إجنابة ، والمعنى : أنت طالق إن مات فلان بعدد كلّ إجنابة أجنبت منك. وكذلك «إن سقط الحائط» و «إن قدم زيد» يجري هذا المجرى ، لأنّه ليس ممّا يتكرّر. وقد قال بعض الفقهاء في قوله : «كلّما أجنبت منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق» فأجنب ثلاثا واغتسل في الحمّام مرّة واحدة فإنّها تطلق ثلاثا. وجعله بمنزلة الفعل الذي لا يتردّد ، وهذا غلط لأنّ الفعل إذا كان يجوز أن يقع مع شرطه فلا يقع الطلاق حتّى يقعا معا.

المسألة السادسة : إذا قال لها : «إن كلّمتك وإن دخلت دارك فأنت طالق» فإنّها تطلق بأحد الفعلين لأنّ المعنى به : إن كلّمتك فأنت طالق ، وإن دخلت دارك فأنت طالق ، لأنّه قد كرّر (إن) مرّتين ، ولا بدّ لكلّ واحدة من جواب لأنّهما شرطان. وكذلك إن قال لها : «إن كلّمتك وإن دخلت دارك فعبدي حر ، فإنّه يعتق بأحد الفعليين لما ذكرت لك. وإذا كان ذلك يجب بأحد الفعلين فوجوبه بهما جميعا إذا وقعا معا ألزم.

المسألة السابعة : إذا قال لها : «إن دخلت الدار وكلّمتك فأنت طالق» فهذه


تطلق بوقوع الفعلين جميعا ولا تطلق بأحدهما دون الآخر ، إن دخل ولم يكلّمها لم تطلق ، وإن كلّمها ولم يدخل لم تطلق ، وإذا جمع بينهما طلقت ، ولم يبال بأيّهما بدأ بالكلام أم بالدّخول ، أيّ ذلك بدأ به وقع الطّلاق بعد أن يجمع بينهما ؛ لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يقع آخره قبل أوّله ، ألا ترى أنّك تقول : رأيت زيدا وعمرا ، فيجوز أن يكون عمرو في الرؤية قبل زيد ، قال الله تعالى : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) [آل عمران : ٤٣]. وكذلك إن قال لعبده : «إن دخلت الدار وكلّمت زيدا فأنت حرّ» ، فإنّه لا يعتق إلّا بوقوع الفعلين جميعا كيف وقعا لا فرق بينهما في وقوع الأوّل قبل الثاني أو الثاني قبل الأوّل.

المسألة الثامنة : إن قال لها : «إن دخلت الدار فكلّمتك فأنت طالق» فهذه لا تطلق إلّا بوقوع الفعلين جميعا ، وتقدّم المتقدّم فيهما في الشّرط ؛ فلا تطلق حتى يدخل الدار أوّلا ثمّ يكلّمها فإن كلّمها قبل الدّخول لم تطلق ، وكذلك العبد لا يعتق لأنّ المعطوف بالفاء لا يكون إلّا بعد الأوّل وكذلك (ثمّ).

المسألة التاسعة : فإن قال لها : «إن كلّمتك أو دخلت دارك فأنت طالق» طلقت بواحد من الفعلين وإن لم يكرّر (إن) ، فأيّهما وقع طلقت ، لأنّ (أو) لأحد الشّيئين ، وهو بمنزلة قولك : «إن كلّمتك وإن دخلت دارك فأنت طالق» ، لا فرق بينهما في وقوع الطّلاق. وكذلك في العتاق إذا قال : «إن كلّمت زيدا أو دخلت الدّار فعببدي حرّ» عتق بواحد منهما. وإن وقع الفعلان وقع الطلاق والعتاق لأنّه إذا وقع بواحد فالاثنان أجدر أن يقع بهما.

المسألة العاشرة : إذا قال لها : «أنت طالق وإن دخلت الدّار» طلقت في وقتها على كلّ حال ، لأنّ المعنى : أنت طالق إن لم أدخل الدّار وإن دخلتها ، لأنّ الواو عاطفة على كلام محذوف ، وكذلك إذا قال : «عبدي حرّ وإن دخلت دارك» عتق على كلّ حال لأنّ المعنى : عبدي حرّ إن لم أدخل دارك وإن دخلتها وكذلك إذا قال : «عبدي حرّ وإن لم أدخل دارك» عتق لوقته على ما ذكرت لك.

المسألة الحادية عشرة : فإن قال لها : «أنت طالق إذا دخلت الدار» لم تطلق حتى تدخل الدّار. أمّا (إن) فشرط لا يقع الطلاق إلّا بعد وجود ما بعدها ، وأمّا (إذا) فوقت مستقبل ، فيه معنى الشرط فكأنّه قال : أنت طالق إذا جاء وقت كذا ، فهي تطلق وقت دخول الدار ، فقد استوت (إن) و (إذا) في هذا الموضع في وقوع الطّلاق ، ولهما مواضع كثيرة يفترقان فيها في هذا المعنى عتق لوقته على ما ذكرت لك.


المسألة الثانية عشرة : فإن قال لها : «أنت طالق» أن دخلت الدار ـ بفتح أن ـ طلقت لوقتها ؛ لأنّ المعنى : أنت طالق من أجل أن دخلت الدار ، أو لأن دخلت الدار ، فقد صار دخول الدار علّة طلاقها والسّبب الذي من أجله طلّقها ، لا شرطا لوقوع الطّلاق كما كان في باب (إن). وهي تطلق إذا فتح (أن) كانت دخلت الدّار أو لم تدخل ، فإنّ الطلاق يقع بها في وقته. وكذلك إذا شدّد (أنّ) وفتحها فقال : «أنت طالق أنّك دخلت الدار» طلقت لوقتها كانت دخلت الدّار أو لم تكن دخلت.

وشرح ذلك أنّه لو بلغه أنّها دخلت دار زيد ولم تكن دخلتها في الحقيقة فقال لها : أنت طالق ثلاثا ، فقالت له : لم طلّقتني فقال : من أجل أنّك دخلت دار زيد ، فقالت : إنّي لم أدخلها قطّ وقع الطلاق ولم يكن ذلك بمانع من وقوعه.

وكذلك إذا قال لها : «أنت طالق أن دخلت دار زيد» فكأنّه طلّقها ثمّ خبّر بالعلّة التي من أجلها طلّقها والسبب ، والإخبار بذلك لا يمنع من وقوع الطّلاق.

وكذلك لو قال لها : «أنت طالق إنّك دخلت الدار» ـ فكسر (إنّ) وشدّدها ـ طلقت وهذا لم يخبرها بالعلّة التي من أجلها طلّقها ، ولكنّه طلّقها ثمّ خبّرها بخبر منقطع من الأوّل ، وكأنّه خبّرها بما ليس ممّا هما فيه بشيء ، فالإخبار به والإمساك عنه سواء ، إذ ليس بشرط للطّلاق ولا بعلّة له. فهذا الفرق بين كسر (إنّ) وتشديدها ، وبين فتحها وتشديدها ، وفتحها وتخفيفها ، وكسرها وتخفيفها فاعلم ذلك.

المسألة الثالثة عشرة : فإن قال لها : «أنت طالق إذ دخلت دار زيد» فكأنّه قال لها : أنت طالق وقت دخولك دار زيد فيما مضى ، وهي في تقدير : أنت طالق أمس ، فالطلاق يقع بها وذكره المضيّ لغو. وهذا في اللغة كلام متناقض ، قد نقض آخره أوّله ، اللهمّ إلّا أن يكون قد طلّقها يوم دخولها دار زيد ، ثمّ خبّرها الآن بما كان منه في ذلك الوقت ، وإن كانت لم تدخل دار زيد قطّ ، فقال لها أنت طالق إذ دخلت دار زيد فكأنّه قال لها : أنت طالق أمس ، ثمّ كذب عليها بقوله : دخلت دار زيد ، فسواء هذا وقوله : «أنت طالق أمس» ، و: «أنت طالق إذ دخلت دار زيد». ولو حمل هذا على حقيقة اللّغة كان قوله : «أنت طالق إذ دخلت دار زيد» ، و: «أنت طالق أمس» كلاما مستحيلا ، لأنّه متناقض ؛ كأنّه قال : «طلّقتك أمس» ، وأمّا قوله : أطلّقك أمس فمحال ، لانتقاض أوّله بآخره. وأمّا قوله : «طلّقتك أمس» ؛ فإن كان قد فعل فقد مضى القول فيه ، وإن كان لم يفعل فإنّما كذب في إخباره ، وباب وقوع الطّلاق فيه ما يذهب إليه الفقهاء في ذلك.


المسألة الرابعة عشرة : إذا قال : «كلّما دعوتك فإن أجبتني فعبدي حرّ» ، فدعاه ثلاث مرّات وأجابه مرّة فإنّه يعتق واحد من عبيده ؛ لأنّ الإجابة مشترطة مع الدّعاء ، وهي تتردّد فلا يعتق العبد إلّا بدعاء معه إجابة. وكذلك إذا قال لامرأته : «كلّما ناديتك فإن أجبتني فأنت طالق تطليقة» ، فناداها ثلاث مرّات فأجابته مرّة طلقت واحدة.

المسألة الخامسة عشرة : أنشد الكسائيّ : [الطويل]

٧٧٠ ـ فإن ترفقي يا هند فالرّفق أحزم

وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق والطّلاق عزيمة

ثلاثا ومن يخرق أعقّ وأظلم

فبيني بها إن كنت غير رفيقة

وما لامرئ بعد الثّلاث تقدّم

أمّا قوله : أنت طلاق ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مصدرا موضوعا موضع اسم الفاعل كما قيل : رجل عدل أي : عادل ، ورجل صوم أي : صائم ، وفطر وزور ، أي : مفطر وزائر ، كما قال الله عزّ وجلّ : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [الملك : ٣٠] أي : غائرا. وقد يقع المصدر في موضع اسم المفعول أيضا كما قيل : «رجل رضى أي : مرضيّ». فكأنّه قال : أنت طالق ، فوضع طلاقا موضع طالق اسم الفاعل كما ترى. وهذه المصادر إذا وضعت موضع أسماء الفاعلين والمفعولين فإن شئت تركتها أيضا على لفظ واحد مفرد في الواحد والاثنين والجمع والمؤنّث فتقول : رجل عدل ، ورجلان عدل ، ورجال عدل ، ونسوة عدل ، وإن شئت ثنّيت وجمعت ، فقد قيل : عدول ومقانع ، أنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال : أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ : [الطويل]

٧٧١ ـ طمعت بليلى أن تريع وإنّما

تقطّع أعناق الرّجال المطامع

وبايعت ليلى في خلاء ولم يكن

شهود على ليلى عدول مقانع

فجمع «عدلا» و «مقنعا» ، فقال : «عدول» ، و «مقانع» ، كما ترى.

والوجه الثاني في قوله : «فأنت طلاق» أن يكون حذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه كما قيل : صلّى المسجد ، يراد : صلّى أهل المسجد ، وكما قال الله عزّ

__________________

٧٧٠ ـ مرّ تخريج البيت الثاني في الشاهد رقم (٥٩٩) ، والثلاثة معا بنفس المراجع السابقة.

٧٧١ ـ البيتان في شرح المفصّل (١ / ١٣) ، والأول في اللسان (ريع) ، والثاني لكثير في اللسان (عدل) ، وتاج العروس (عدل) ، وليس في ديوانه ، وللبعيث في لسان العرب (قطع) و (قنع) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٩٤٢) ، وشرح المفصّل (١ / ١٣).


وجلّ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢] ، يريد أهل القرية ، وأصحاب العير ؛ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. فكذلك أراد : أنت ذات طلاق ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قالت (١) الخنساء : [البسيط]

ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت

فإنّما هي إقبال وإدبار

أي : ذات إقبال وإدبار. وقد يجوز أن يكون جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذلك منها مجازا واتّساعا ، وأنشد سيبويه : [المتقارب]

٧٧٢ ـ وكيف أواصل من أصبحت

خلالته كأبي مرحب

يريد : كخلالة أبي مرحب ، والخلالة الصداقة.

وأمّا قوله : والطّلاق عزيمة ثلاثا : فإنّه إذا نصب الثّلاث فكأنّه قال : فأنت طالق ثلاثا ، يوقع بها الثلاث ، ويكون قوله «والطلاق ..» عزيمة منّي جدّا غير لغو.

وإذا قال : فأنت طلاق والطلاق عزيمة ثلاث برفع «ثلاث» فكأنّه قال : أنت طالق ، والطلاق عزيمة ثلاث يرفع أي الطلاق ثلاث ، أي : الذي بمثله يقع الفراق هو الثلاث فيكون (ثلاث) خبرا ثانيا عن الطّلاق أو موضّحا للعزيمة. وإن شاء كان تقديره : «فأنت طالق ثلاثا» ، ثمّ فسّر ذلك بقوله : والطلاق عزيمة ثلاث ، كأنّه قال : والطلاق الذي ذكرته أو نويته عزيمة ثلاث ففسّره بهذا. ودليل هذا : إذا نوى الثلاث ، ودليل قصد الثلاث ، قوله في البيت الذي بعده : «فبيني بها» ، فهذا يدلّ على أنّه أراد الثلاث والبينونة.

ويجوز نصب «عزيمة» إذا رفع الثلاث فقال : «والطلاق عزيمة ثلاث» فينتصب على إضمار فعل ، كأنّه قال : والطلاق ثلاث أعزم ذلك عزيمة ، ويجوز أن يكون تقدير قوله : «والطلاق إذا كان عزيمة ثلاث» كما تقول : عبد الله راكبا أحسن منه ماشيا ، وكما تقول : هذا بسرا أطيب منه رطبا.

وأمّا قوله : ومن يخرق أعقّ وأظلم فمن كلام الشعر لا يجوز في منثور الكلام. آخر المسائل.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٠).

٧٧٢ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ٢٦) ، والكتاب (١ / ٢٧٥) ، وسمط اللآلي (ص ٤٦٥) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٩٤) ، ولسان العرب (رحب) و (خلل) ، ونوادر أبي زيد (ص ١٨٩) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق (ص ١١٢) ، وأمالي المرتضى (١ / ٢٠٢) ، ولسان العرب (شرب) و (برر) ، ومجالس ثعلب (ص ٧٧) ، والمحتسب (٢ / ٢٦٤) ، والمقتضب (٣ / ٢٣١).


مسألة

فيها : الكلام على نصب «ضبّة» في قول صاحب (المنهاج) «وما ضبّب بذهب أو فضّة ضبّة كبيرة لزينة حرم». تحرير الشيخ الإمام العالم العلّامة كمال الدين أبي بكر بن محمّد السيوطي الشافعي رحمه الله تعالى وغفر له.

بسم الله الرحمن الرحيم

نقلت من خطّ والدي ـ رحمه الله ـ ما صورته : الحمد لله مسألة : عرض الاجتماع ببعض الأشياخ أعزّه الله تعالى ، فذكر لي أنّ بعض أصحابنا الشّافعيّة سأله عن وجه نصب (ضبّة) من قول صاحب (المنهاج) : «وما ضبّب بذهب أو فضّة ضبّة كبيرة لزينة حرم». وقال أعزّه الله :

وأخبرني ـ يعني السائل ـ أنّ الأصحاب اختلفوا في وجه نصب (ضبّة) ، وأنّ بعضهم قال : هو خبر كان محذوفة ، والمعنى : وكان ضبّة ، أو : وإن كان ضبّة. وقال بعضهم : هو مصدر وتقديره : تضبيبا ضبّة. وقال بعضهم : هو آلة. وقال بعضهم : توسّع المصنّف فأطلق الضبّة على المصدر ، وربّما قيل غير ذلك.

وقد ظهر لي ـ على أنّ إطلاق هذا اللّفظ بإزاء هذا المعنى عربيّ ـ أنّ هذه الأقوال كلّها لا تسلّم.

أمّا قول من قال : وكان ضبّة أو وإن كان ضبّة ، فغنيّ عن الجواب لأنّه يلزم منه عود الضمير في كان المقدّرة على (ما) الواقعة على الإناء المضبّب ، فيكون المعنى : وما ضبّب وكان المضبّب ضبّة ، أو : وإن كان المضبّب ضبّة ، ولا يخفى فساده سواء جعلت (كان) تامّة أو ناقصة ، والواو عاطفة ، أو للحال. هذا كلام الشيخ سلّمه الله تعالى وقد اقتضى أمرين :

أحدهما : أنّ اسم كان المقدّرة ضمير.

والثاني : أنّه عائد على (ما) الواقع على المضبّب. وكلّ منهما ليس بلازم.

أمّا الأوّل : فلأنّه يجوز أن يكون اسم كان ظاهرا تقديره : وكانت الضّبّة ضبّة كبيرة ... إلى آخره.

وأمّا الثاني : فلأنّا إذا جعلنا اسم كان ضميرا كان عائدا على الضّبّة المفهومة من قوله : وما ضبّب ، لأنّ مفسّر الضمير يجوز الاستغناء به بمستلزم له كقوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ١٧٨] فعفي يستلزم عافيا والضمير في إليه عائد عليه ، وكقوله : [الطويل]


٧٧٣ ـ لكالرّجل الحادي وقد تلع الضّحى

وطير المنايا فوقهنّ أواقع

فالحادي يستلزم إبلا محدوّة ، وضمير «فوقهنّ» عائد عليهنّ. إذا تقرّر ذلك فقد حذف كان واسمها ظاهرا قدّرناه أو ضميرا ، وبقي خبرها.

فإن اعترض معترض بأنّ حذف كان مع اسمها إنّما يحسن ويكثر بعد (إن) و (لو). أجبنا بأنّه يكفينا في التخريج وقوعه في كلام العرب وإن كان قليلا ، فقد خرّج سيبويه ـ رحمه الله تعالى ـ قول الرّاجز : [الرجز]

٧٧٤ ـ من لد شولا فإلى إتلائها

على أنّ التّقدير : من لد أن كانت شولا. وأمكننا أن نخلص عن اعتراضه بوجه آخر وهو أن نقول : أصله : فإن كانت الضّبّة ضبّة كبيرة ، فحذفت واسمها بعد (إن) وبقي خبرها ثمّ حذف (إن) بعد ذلك وجوّز حذفه دلالة (حرم) الذي هو الجواب عليه ، فإنّ حذف الشّرط مع القرينة جائز مع (إن) ، وإنّما الخلاف في غيرها من أدوات الشرط.

واشترط ابن عصفور والأبّدي تعويض (لا) من الفعل المحذوف. قال في الارتشاف : وليس بشيء. ومن أمثلة حذف الشّرط مع إن بدون (لا) قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) [الأنفال : ١٧] تقديره والله أعلم : إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم ولكنّ الله قتلهم ، وقوله تعالى : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) [الشورى : ٩] تقديره : إن أرادوا أولياء بحقّ فالله هو الوليّ بحقّ ، وقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت : ٥٦] أي : إن لم يتأتّ أن تخلصوا العبادة لي في أرض فإيّاي في غيرها فاعبدون. وهذا هو الأنسب ليوافق عبارة المنهاج عبارة أصله ، فإنّ عبارة المحرّر : «والمضبّب بالذّهب أو الفضّة إن كانت ضبّة كبيرة وفوق قدر الحاجة حرم استعماله ، وإن كانت صغيرة ...» إلى آخره. فهذا يشعر بأنّ صاحب

__________________

٧٧٣ ـ الشاهد بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب (٢ / ٨٠١) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٦٩٧) ، ولسان العرب (وقع) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٢٤).

٧٧٤ ـ الرجز بلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ٢٦٠) ، وخزانة الأدب (٤ / ٢٤) ، والدرر (٢ / ٨٧) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥٤٦) ، وشرح الأشموني (١ / ١١٩) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٤) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٣٦) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٤٩) ، وشرح المفصّل (٤ / ١٠١) ، ولسان العرب (لدن) ، ومغني اللبيب (٢ / ٤٢٢) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٥١) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٢).


المنهاج ـ رحمه الله ـ لمّا اختصر ما في المحرّر وحذف أوّلا «كان واسمها» ذكر الشّرط.

ثمّ قوله في ردّ هذا الوجه : «سواء جعلت كان تامّة أو ناقصة». كيف يصحّ فرض (كان) تامّة والمدّعى أنّ (ضبّة) منصوب بها فتأمّل. هذا آخر كلام الوالد على هذا الوجه ثم شرع في ذكر كلام المعترض على بقيّة الأوجه ثمّ قال :

وأمّا قول من قال : تضبيبا ضبّة : فليس بشيء ، لأنّه لم يعرب (ضبّة) وإنّما أكّد الفعل بمصدره القياسيّ وأبقى الضبّة على حالها.

وأمّا قول من قال : إنّ (ضبّة) مفعول مطلق لأنّه آلة التّضبيب أو توسّع المصنّف فأطلق الضبّة على المصدر ونصبها مفعولا مطلقا : فشبهته قوية جدّا لأنّ لفظ (ضبّة) موافق في المعنى واللّفظ للفعل قبله. ويردّ بأنّ الضبّة ليست بآلة للتّضبيب ، لأنّ كلّ الآلات تكون موجودة قبل الفعل معدّة معروضة له ، كالسّوط قبل الضّرب ، والقلم قبل الكتاب. وأيضا فإطلاق آلة المصدر عليه سماع كضربته سوطا ، ولا تقول كتبته قلما. والضبّة عبارة عن الرّقعة التي يرقع بها الإناء ونحوه ، وقد كانت قبل ذلك جنسا من الأجناس صيّر المضبّب بفعله فيه ضبّة ، ففعله فيه يسمّى تضبيبا ، والضبّة عبارة عن الذات وكانت قبل ذلك جنسا لا تسمّى ضبّة.

ولو سلّمنا أنّها من الألفاظ التي أطلقها العرب على المصادر وليست بمصادر كالآلات والعدد وما أضيف إليها ونحوه فإنّ وصفها بكبيرة يردّه ، لأنّ المعاني لا توصف بكبر ولا صغر ، وإنّما توصف بالقلّة والكثرة والقوّة والضّعف ، ونحوها من أوصاف المعاني.

وإذا صحّ ذلك فلا يقال : توسّع المصنّف فنصب الضّبّة على المصدريّة ، لأنّ معنى توسّع : ارتكب لغة مولّدة ، فهو قلّة حشمة وأدب على المصنّف ، لكنّه لا ينبغي أن يقال حتّى يقع العجز بعد النظر والاجتهاد ، لأنّ المولّد إذا صنّف في الفروع أو غيرها يعذر في ارتكابه لغته المولّدة لأنّه لو كلّف الكلام باللّسان العربي دائما صعب عليه ، لأنّه لا يقدر عليه إلّا بكلفة. فإذا عجزنا عن الدخول بكلامه في اللّسان العربيّ عذرناه ولا جناح عليه. انتهى.

واقتضى كلامه أنّ نزاعه إنّما هو في تعليل كونه مطلقا بجعله آلة. وأمّا نفس الدّعوى فلا نزاع فيها ، فإنّ المصدر قد ينوب عنه في الانتصاب على أنّه مفعول مطلق ملاق له في الاشتقاق ، وإن كان اسم عين حاصلا بفعل فاعل المصدر كقوله تعالى :


(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] فقد انتصب (نباتا) على أنّه مفعول مطلق ، وليس بآلة بل النبات ذات حاصلة بفعل الفاعل.

والذي ظهر لي فيه بعد البحث مع نجباء الأصحاب فيه ، ونظر المحكم والصّحاح وتهذيب اللّغة وغيرها ـ ولم نجده متعدّيا بهذا المعنى ـ أنّ الباء في (بذهب) بمعنى (من) البيانيّة ، ارتكبه على مذهب كوفيّ ، و (ضبّة) منصوب على إسقاط الخافض إمّا من باب : [البسيط]

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب (١)

وهو ظاهر. ولا يردّ عليّ بإدخاله فيه بكونهم لم يعدّوه من أفعاله ، لأنّا نقول : ما قيس على كلامها فهو من كلامها ، وقد قالوا في ضبط أفعال باب (أمرته) : كلّ فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وأصل الثاني منهما حرف الجرّ فهو من باب (أمر) وهذا الضابط يشمله لا محالة ، وهو أولى من أن يدّعى أنّه منصوب من باب قوله (٢) الشاعر : [الوافر]

تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذا حرام

على إسقاط الخافض ، لأنّ هذا يحفظ ولا يقاس عليه.

وارتكابه يخلّص من مشكلات كثيرة ، ودعواه أقلّ ضررا من دعوى اللّحن لعالم. ويكون (بذهب) في موضع نصب على الحال من النّكرة لتقدّمه عليها ، لأنّه لو تأخّر كان صفة لها ، والباء بمعنى (من) البيانيّة. والتقدير : وما ضبّب بضبّة من ذهب أو فضّة كبيرة لزينة حرم.

ويمكن أن يدّعى أنّه من باب (أعطى) ، وليس بظاهر ، لأنّ سقوط الحرف فيه ظاهر ، وليس فيه معطى ولا معطى له.

و (ما) مبتدأ ، وهي موصولة صلتها جملة (ضبّب) وفي (ضبّب) ضمير نائب فاعل وهو العائد ، وهو المفعول الأوّل إن جعلناه من باب (أمر) أو (أعطى) وجملة (حرم) خبره. فإن قلت لا يصحّ أن يكون (حرم) خبرا عن (ما) ، لأنّ (ما) واقعة على المضبّب ، والمضبّب جماد لا يوصف بحرام ولا بحلال ، قلت : هو على حذف مضاف أي : واستعمال ما ضبّب حرام على المكلّف ، وكذلك يقدّر في كلّ موضع ،

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٢٤).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٥٤٦).


قاله الفقهاء ، لأنّ الجمادات كالخمر لا توصف بحرام ولا بحلال ، وإنّما يوصف بهما فعل المكلّف ، فإذا قالوا : الخمر حرام ، إنّما يريدون استعمالها ، وحذفوه اختصارا للعلم به. آخر الكتاب.

مهمة من أبحاث شيخنا العلّامة الكافيجي ـ نفعنا الله به ـ

قال : في قول النّحاة «كان زيد قائما» أبحاث :

الأوّل : أنّهم يقولون : إنّه موضوع لتقرير الفاعل على صفة ، فكيف يتصوّر له الوضع مع أنّه لا يدلّ إلّا على الكون المخصوص نسبة وزمانا. فيكون مجازا إن وجد العلاقة والقرينة مع أنّهم لا يقولون عن آخرهم بذلك.

والجواب : أنّ اللام في قولهم : لتقرير الفاعل ، لام الغرض والتعليل لا لام التّعدية فلا يكون التقرير موضوعا له.

الثاني : أن الغرض منه بيان اتّصاف الشيء بصفة ، فأين سبب التّقرير؟ فكيف يفيد التّقرير؟.

والجواب : أنّهم إذا قصدوا تمكّن الشيء في صفة وثباته فيها وضعوا له صيغا مخصوصة مثل قولهم : تمكّن زيد في القيام ، أو : استقرّ فيه ، إلى غير ذلك ، أو يأتون بألفاظ تدلّ على ذلك بمعونة المقام ، وبالذوق السليم والطبع المستقيم ، مثل قولهم : «زيد على القيام» ، قال الله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥]. فلمّا دلّ (كان) على كون زيد قائما ، يفهم منه أنّ الغرض منه بيان ثبات زيد في صفة القيام فكيف لا ولأيّ شيء أبلغ في ذلك من طريق الائتلاف والاتّحاد ، ونظيره أنّ الاتحاد أقوى دلالة على الاختصاص من دلالة طرق الاختصاص عليه. وإذا تحقّق هذا الطريق بجزم بأنّه يفيد غرض التقرير.

الثالث : لا شكّ أنّ الصفة يتصوّر حصولها وتقرّرها في الموصوف كما هو المعقول والمنقول فلا يتصوّر حصول الموصوف في الصّفة فضلا عن التقرير فيها وإلّا فيلزم الدّور فإنّ حصول الصفة بدون تحقّق الموصوف لا يتصوّر ضرورة.

الجواب : إنّ الغرض منه هو الدّلالة على اعتبار التّمكّن لا على حصوله فيها في نفس الأمر كما مرّت الإشارة إليه.

الرابع : أنّه إذا قيل : «زيد قائم مستمرّ» يفهم منه ذلك الغرض فما الحاجة إلى مجيء (كان)؟


الجواب : لا نسلّم أنّه يفيد الغرض الذي هو بيان تمكّن الفاعل في صفة ، لا بيان تمكّن الصّفة فيه ، فبينهما بون بعيد ، وبعد التسليم أنّه من باب تعيّن الطريق ، وهو خارج عن قانون التوجيه.

تنبيه : إنّهم إذا أرادوا نسبة الشيء إلى صفته يقولون : «كان زيد قائما» ، كما يقولون : «زيد قائم» ، إذا قصدوا نسبة القيام إلى زيد ، ويقولون : «قام زيد» ، إذا قصدوا إفادة النّسبة بينهما.

الخامس : أنّ الحدث مسلوب عن الأفعال الناقصة فلا يتصوّر الفاعل بدون الفعل كما لا يتصوّر المضاف بدون الإضافة فما المراد من الفاعل في قولهم : «لتقرير الفاعل على صفة».

الجواب : إنّ (كان) لمّا تعلّق به ورفعه سمّي فاعلا على سبيل المجاز وإن كان موصوفا بالقيام فيكون له جهتان وكذلك يسمّى اسم كان أيضا.

السادس : أنّه يدلّ على الكون المخصوص نسبة وزمانا كما يدلّ (ضرب) في قولك : «ضرب زيد قائما» على الضّرب المخصوص فلا فرق بينهما ، فما معنى قولهم : الحدث مسلوب عن الأفعال النّاقصة.

الجواب : إنّ الظاهر هو ما قلته لكنّ التحقيق أنّ المقصود منه كما عرفته هو الدّلالة على تمكّن الموصوف في صفته فيكون هو العمدة ونصب الذّهن ومطرح نظر العقل لا غير ، وأمّا الدّلالة على الكون المخصوص فهي وسيلة إلى ذلك المقصود وحاكية عنه ، كالمرآة بالنسبة إلى صورة المرئيّ ، فيكون ساقطا عن درجة الاعتبار فكان المراد من مسلوبيّة الحدث عدم اعتبار الحدث قصدا ، فإذا لم يكن مقصودا فلا يسمّى الحدث فيه معنى ، لأنّهم لا يطلقون المعنى على شيء إلّا إذا كان مقصودا ، وأمّا إذا فهم الشيء على سبيل التّبعيّة فيسمّى معنى بالعرض لا بالذات. وقولهم : «الإطلاق» ينصرف إلى الكمال من قبيل المثل السّائر ، ويشعر بما مرّ أنّهم يقولون : إنّه مسلوب الحدث عنه ولا يقولون : إنّه لا يدلّ على الحدث.

السابع : أنّ المقصود هو بيان متعلّق الكون فما السرّ في تعلّق التّصديق بالكون لا بمتعلّقه.

الجواب : أنّ الكون لمّا ذكر أوّلا توجّه التصديق إليه ، فلا حاجة إلى تعلّقه بمتعلّقه.

تنبيه : إنّ التصديق قبل دخول (كان) يتوجّه إلى متعلّق الكون أصالة وكذا


الحال في متعلّقات أفعال القلوب وأنت خبير بأنّه لا استبعاد في كون الأمر جهة قصد وغير جهة قصد باختلاف الاعتبار.

الثامن : أنّه يدلّ على الكون المخصوص كسائر الأفعال فما السرّ في سلب الحدث فيه دون غيره.

الجواب : أنّ سائر الأفعال له معنى متحصّل في نفسه دون الأفعال النّاقصة ، فإن قلت : فما السرّ في عدم تحصّل معنى (كان) مع أنّه دالّ عليه. قلت : إنّ الغرض المذكور جعله من قبيل الألفاظ الدالّة على الإضافة المخصوصة ، وأنت خبير بأنّ كون اللّفظ موضوعا لمعنى لا يقتضي أن يكون حاصلا منه بنفسه كالحروف.

فإن قلت : تحصّل معنى سائر الأفعال مسلّم في المعاني الإفرادية ، لكن لا فرق بينه وبين الأفعال الناقصة في المعاني التركيبية وكلامنا فيها.

قلت : الحقّ ما ذكرته لكن لمّا كان معاني سائر الأفعال معتدّا بها في حالة الإفراد دون معنى الفعل النّاقص وكانت معتدّا بها في حالة التركيب بخلاف معاني الأفعال الناقصة كما أومأنا إليه ، قالوا : سلب الحدث فيها دون غيرها.

التاسع : أنّ المراد من الكون المخصوص في «كان زيد قائما» ما هو؟ أوجود زيد وهو غير مراد ، وكذا تحقّق نسبة القيام إليه.

الجواب : إنّ الحصر ممنوع بأنّه عبارة عن تعلّق زيد بالقيام وأنت خبير بأنّ التعلّق لا ينحصر في المسند كما بيّنّاه. فإن قلت : أليس يوجب وجود النّسبة في الخارج ، فإنّه يدلّ على الزمان الماضي. قلت : إنّ الزمان الماضي ظرف لمتعلّق النّسبة وهو موجود فيه لا النّسبة فإنّه ظرف لنفسها لا لوجودها.

العاشر : إنّ (كان) لمّا دلّ على ظرف القيام كان ينبغي أن يتأخّر عن القيام فلأيّ شيء صدّروا بكان.

قلت : لأنّ الغرض الأصليّ من استعمال (كان) ليس إلّا بيان تمكّن الفاعل في صفته وإن كان له دلالة على الظّرفيّة ضمنا فقدّم لاعتبار الباعث القويّ.

فإن قلت : لا شكّ أنّ القيام قيد داخل في الكون المخصوص ، فما معنى قولهم : (كان) قيد للقيام باعتبار دلالته على الزّمان الماضي فما التوفيق بين المعقول والمنقول؟

قلت : أوّلا الأصل في مباحث الألفاظ هو النّقل لا العقل ، وثانيا : أنّ كون


(كان) قيدا للقيام باعتبار التحقّق والمآل وكون القيام قيدا ل (كان) باعتبار الظّاهر المتبادر فلا منافاة بينهما.

فإن قلت : إذا كان القيام قيدا ل (كان) فينبغي أن يقيّد بدون ذلك القيد لأنّ القيد لترتيب الفائدة لا لتحصيلها.

قلت : إنّه قيد لازم من حيث إنّ وضع (كان) لإفادة تعلّق الموصوف بالصّفة فلا بدّ منه لفظا أو تقديرا كما في أفعال القلوب.

الحادي عشر : إنّ (كان) إذا كان بمعنى (وجد) يكون من الفعل التامّ ، وإذا كان دالّا على كون زيد قائما يكون من الأفعال الناقصة ، فمعنى الوجود حاصل فيهما ، فما السرّ في جعل أحدهما تامّا دون الآخر؟

والجواب : أنّ التأمّل الصادق في معناهما يطلع على الفرق بينهما فإنّ الأول يدلّ على نسبة الوجود إلى زيد فقط ، فقد تمّ به ، والثاني يدلّ على تعلّق زيد بالقيام فلا يتمّ بزيد وحده فيكون ناقصا وأمّا الفرق بين الوجودين فمعلوم ممّا سبق.

الثاني عشر : أنّ القوم اختلفوا في أنّه فعل أو حرف فهل يرجع إلى النّزاع اللفظيّ أو يمكن الترجيح بالحمل على الصواب؟

الجواب : أنّ النزاع المتبادر من كلامهم يرجع إلى التفسير ، ولكن المختار هو الحرف إن اعتبر القصد الأصليّ في دلالة الفعل على معناه ، وإلّا فهو الفعل بلا شبهة.

«قال شيخنا : ـ نفع الله به ـ» : هذا بعض ما سنح لي في هذا المقام والله أعلم.

أبحاث في قولهم (زيد قائم)

فائدة من مولّدات شيخنا العلّامة الكافيجي (١) أيّده الله تعالى :

قال رضي الله عنه : أمّا بعد فإنّ في مثل : «زيد قائم» أبحاثا :

١ ـ أن سبب أجزاء القضيّة اللغويّة جزءان.

__________________

(١) محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي البرعمي ، العلامة محيي الدين أبو عبد الله الكافيجيّ الحنفي ، كان عالما ، إماما في المعقولات كلها : الكلام ، وأصول اللغة والنحو والصرف والإعراب والمعاني والبيان والجدل والفلسفة ... من تصانيفه : شرح قواعد الإعراب ، وشرح كلمتي الشهادة ، ومختصر في علوم الحديث ، ومختصر في علوم التفسير يسمّى التيسير وغيرها. (ت ٨٧٩ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١١٧).


٢ ـ أن سببها الوضع والعلم به.

٣ ـ أنّ سبب أجزاء العقليّة جزءان آخران ولهما أسباب أيضا.

٤ ـ أنّ الحسّ لا يتصرّف في النّسبة وأحوالها لعجزه لعدم العادة بذلك.

٥ ـ أنّ العقل يتصرّف في ذلك لقدرته عليه ، فلذلك كان الخارجيّ بسيطا وجاز أن يكون الذّهنيّ مركّبا.

٦ ـ أنّ اعتبار المركّب مطابق للبسيط الخارجيّ.

٧ ـ أنّ سبب الكلّيات يمكّن العقل من ذلك.

٨ ـ أنّ سبب النّسب كون غير متعقّل في التعقّل وفي الوجود أيضا ، فيكون التّسبّب من باب الاجتماع والافتراق سواء كان حقيقيّا أو اعتباريّا.

٩ ـ أنّ وقوع النّسبة الذهنيّة غير معقولة وإن كانت كناية عن الكون الخارجيّ ، وأمّا كونها الذّهنيّ فليس فيه فائدة.

١٠ ـ أن مطابقتها ليست مناط الإدراك فإنّه ليس بمعلوم وليس فيه فائدة وأنّها لوهم التّسوية.

١١ ـ أنّ إيقاعها سواء كان فعلا أو إدراكا هما عند الأشعري بناء على مسألة خلق الأعمال.

١٢ ـ أنّه علم عند الفلاسفة وفعل عند الحكيم.

١٣ ـ أنّ مذهبهم حقّ وأنّ مذهبه باطل.

١٤ ـ أنّه نزاع لفظيّ.

١٥ ـ أنّ تصديقا لفظيا على المذهبين أيضا.

١٦ ـ أنّه يقتضي تسعة إدراكات عليهما.

١٧ ـ أنّه لا بدّ من اعتبار الشّرط في صدق كلّ قضيّة.

١٨ ـ أنّ الجزاء الواقع صار محلّ الحكم فما السرّ فيه؟ ولم ينعقد ذلك فيما عداه؟

١٩ ـ أنّ مطابقة النّسبة للنّسبة لا حاصل لها اللهمّ إلّا أن يقال إنّها تحصّل المقصود اللفظيّ. وأجيب : أنّ المطابقة إنّما هي باعتبار العقل لا بحسب الخارج نفسه.

٢٠ ـ أنّ درك العقل ذلك إنّما هو من عند الله عند أهل الحقّ خلافا للحكماء فإنّهم قالوا : يدرك الكليّ بالذّات والجزئيّ بالآلة.

٢١ ـ أنّ منشأ الحمل لا يتّحد مع الموضوع وأمّا المحمول فهو يتّحد معه والسرّ في ذلك يحتاج إلى تأمّل.

٢٢ ـ أنّ القضيّة ليس لها تحقّق في الخارج.

٢٣ ـ أنّها معدومة.


٢٤ ـ أنّ الاعتبار بوجود الموضوع وبتحقّق منشأ الحمل.

٢٥ ـ أنّ فيه وغيرها أبحاثا كثيرة محتملة بحسب العقل ولو لا ذلك كثرت المسائل والعلوم والأبحاث.

٢٦ ـ أنّ مطابقة النّسبة الخارجية عبارة عن كون المنسوب منه محتاجا إلى غيره في التحقّق.

٢٧ ـ أنّ بينهما تغايرا بالاعتبار وأنّهما متّحدتان في نفس الأمر عن ذلك الاعتبار.

٢٨ ـ أنّها تخيّليّة صرفة لا كون ولا اجتماع ولا افتراق بحسب نفس الأمر.

٢٩ ـ أنّها من قبيل اشتباه الخياليّة بالأمور العينيّة ولهذا لا تتحقّق أمور متعدّدة ذواتا في نفس الأمر.

٣٠ ـ أنّها مأخوذة من الأمور الخارجيّة الغير القائمة بنفسها بل بغيرها.

٣١ ـ أنّها تفيد أمورا صادقة وإن كانت ممّا شهده على ما ترى.

٣٢ ـ أنّ العقل يتعقّل ارتباط المحمول بالموضوع صادقا بلا نسبة بينهما وإنّما يحتاج إليها بناء على العادة الخارجية.

٣٣ ـ أنّها اعتبارات وأدوات يستعين العقل بها على تحصيل المقاصد.

٣٤ ـ أنّ سبب عدم تحقّق النّسبة عدم تحقّق المأخذ بخلاف الكلّيات ولهذا لا تنتهي إلى موجود والكلّي ينتهي إليه.

٣٥ ـ أنّ سبب التسلسل فيها يجدّد اعتبار العقل ولهذا لا يتصوّر في تحقّق الوجود.

٣٦ ـ أنّها ليست مأخوذة من أمر محقّق بخلاف الكلّي.

٣٧ ـ أنّ سبب مطابقته الذّهنيّ كون الخارج عادة دون الذّهنيّ وسبب العادة كون الخروج مجعولا بخلاف الذّهنيّ فإنّه خيال كالصّورة المنطبعة في المرآة.

٣٨ ـ أنّ جميع القضايا اعتباريّة وكذا أحكامها.

٣٩ ـ أنّ بين القضيّة الذّهنية والخارجيّة وجود الموضوع.

٤٠ ـ أنّ وقوع النّسبة مخترع العقل ، ولهذا صار محلّ الفائدة ، وكذا لو كان موضع الإيقاع ولكلّ جديد لذّة.

٤١ ـ أنّ نظر العقل مقصور عليها ولهذا لا ينتقل إلى ما عداها كما انتقل في تصوّر المحكوم عليه إلى المحكوم به.

٤٢ ـ أنّ سبب اقتصار نظره عليها كون المطلوب محبوبا له أعلى المطالب ، والاغتنام به حذرا عن فوات لذّة الحبيب.

٤٣ ـ أنّ سبب الاختراع قصد نيل المطالب مدركة وسبب الإدراك إمّا ذاته أو شيء آخر سواء كان شرطا أو سببا وقد يرتبط المحمول بالموضوع بدون الاختراع


حين الحكم لكون المحمول مخترعا قبله. وأمّا سبب اختراع النّسبة فهو قصد التعاون أو قياسا على الشاهد في الأعيان.

٤٤ ـ أنّ متعلّق العلم في القضيّة هو التحقّق سواء كان إيجابيّا أو سلبيّا.

٤٥ ـ أنّ الباعث على الاختراع قصد تعدّد المدرك سواء كان مرتبطا أو لا ، وقصد إرجاعه إيّاه إلى المخترع عنه حتى ينعقد هناك مخترع مطلوب ، ويكون الخارج مطلوبه ويذكر وثوقه به.

٤٦ ـ أنّ الاختراع منحصر في العقل لا يتعدى إلى الحسّ كلّ ذلك بفضل الله تعالى وكرمه وسببه عدم انحصار سبب إدراكه في شيء ، بخلاف الحسّ.

٤٧ ـ أنّ الكلّي المخترع سببه كلّيّة كون وضع مفهومه على الإبهام بلا تخصيص مانع من الاحتمال ، بخلاف الجزئيات.

٤٨ ـ أنّ حاصل الحمل هو الإعلام بالإيجاب في الحمل الإيجابي وبعدمه في السلبي. وأمّا التغاير الذهني فهو المشترك ، فإن قلت : فكيف يتصوّر هذا وأنه حكم متناقض من حاكم واحد في وقت واحد؟. قلت : لا استبعاد لاختلاف الجهة والاعتبار والشّرط.

٤٩ ـ أنّ السّلب في السالبة عدم الوقوع لا الانتزاع على ما يتبادر.

٥٠ ـ أنّ سبب الحمل السلبيّ ، أمّا البعيد فامتياز الذّوات وأمّا السّبب القريب فقصد الإعلام بذلك الامتناع ، ومنشأ الامتياز على قياس ما عرفت في الإيجاب.

٥١ ـ أنّ جميع القضايا في جميع الأشياء منحصرة في الإيجاب والسّلب إن كانت طرق العلم متّضحة.

٥٢ ـ أنّ القضية ليست تحت مقولة وإن كان لها أصل في الجملة.

٥٣ ـ غالب أحوال العقل الميل إلى الارتباط وسببه قصد الاطّلاع على المطالب التي لا يحصل أمثالها غالبا إلّا في ذلك الارتباط.

٥٤ ـ أنّ العقل معتدّ في كلّ الأحوال بدرك مطلوب ، أو بدرك ما يؤدّي إليه ، وأنّ ذلك سبب الحركة الموجبة للحياة لكنّ ذلك بتقدير العزيز العليم.

٥٥ ـ أنّ ذلك كلّه يحصّل الاستعمال لنقصانه لحدوثه وإمكانه وتحصيل القرب من الباري سواء قصد ذلك أو لا.

٥٦ ـ أنّ السبب لا يضرّ المطالب وإن كانت اعتباريّة لا تحقّق لها ، وسبب عدم المضرّة لعدم التدافع والمنازعة.

٥٧ ـ أنّ سبب التفات الحسّ إلى المشاهد دون غيره تعلّق كماله بكماله دون غيره على سبيل العادة.


٥٨ ـ أنّ سبب التفات العقل إلى تركيب وإلى مركّب ، وإلى كلّي ومعقوله قصد الإفادة وحصول الفائدة ، وتحصيل الفوائد على وجه كلّي والضبط عن الانتشار.

٥٩ ـ أنّ سبب عدم التفاته إلى جزئيّ هو استغناؤه بدرك القوّة الحاسّة وتغيّر الجزئيّات على زعمهم. والصحيح أنّه مدرك له ، لا سيّما على أصل الأشعريّ.

٦٠ ـ أنّ جميع المركّبات تتضمن أحد الأمرين إمّا الاجتماع وإمّا الافتراق سواء كانت إيجابيّة أو سلبيّة.

٦١ ـ أنّ الصفات السلبيّة لكلّ شيء أكثر من الصّفات الإيجابية.

٦٢ ـ أنّ سبب ذلك كثرة المخالفة وقلّة الموافقة.

٦٣ ـ سعة الرّحمة وأنّ مصلحة العامّة متقدّمة على مصلحة الخاصّة.

٦٤ ـ أنّ الفائض من الله تعالى هو الرّحمة وإنّما جاء التضادّ من التراحم.

٦٥ ـ أنّ في أمر القضيّة إشارة إلى المبدأ والمعاد وأن لا اعتبار لأمر إلّا لله الواجب الوجود الباقي.

٦٦ ـ أنّ علم الإنسان اعتباريّ وصعود ونزول وأصحاب ، وأنّه له دخل في مصلحة الوجود الحادث ، وأنّ مقامه العجز والتسليم ، والقدرة والحكم كلّها لله ألا إلى الله تصير الأمور.

٦٧ ـ أنّ مطابقة النّسبة ووقوعها وكيفية الوقوع كلّها اعتبارات للتّقريب وإنّما المعلوم وكذلك العلم له سرّ وحقيقة ، وكذا كلّ شيء لا يعلمه إلّا الله ، قال الله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩] وإنّما حال المخلوق كالرّخصة تسير على قدر دركه لا غير.

٦٨ ـ أنّ حقيقة الأمر في حقيقة الأمر هو الاعتماد على صاحب الشّرع لا غير ، هو كالماء وغيره كالسّراب ، بل التفاوت أكثر من ذلك.

٦٩ ـ أنّ طريق العقل إلى الجزئي الكلّيات.

٧٠ ـ أنّ السبب في ذلك قصد حصول علوم على أيسر وجه سواء كانت متعلّقة بالشواهد أو بالضمائر.

٧١ ـ أنّ توجّه العقل إلى الكلّيات لملاءمتها.

٧٢ ـ أنّ سبب الملاءمة كون كلّ واحد منهما موافقا للآخر في التجرّد.

٧٣ ـ أنّ سبب عموم الكلّيات تجرّده عمّا يفيد له التعيين بحسب ذاته ، وأمّا حصول التعيين لها بحسب العارض فلا ينافي تجرّدها في حدّ ذواتها.

٧٤ ـ أنّ سبب عدم عموم الجزئيّ حصول التعيّن له في حدّ ذاته.


٧٥ ـ أمّا سبب هروب العقل إلى الكلّيات فهو طلب السهولة ؛ فإنّ الكلّي بمنزلة البسيط في المركّب بخلاف الجزئيّ.

٧٦ ـ أنّ السبب في ذلك طلب المرام المناسب للمبدأ.

٧٧ ـ أنّ سبب منع تعيين الشّركة التدافع بينهما بحكم العقل بحسب الحسّ أو بالبديهة.

٧٨ ـ أنّ سبب توهّم علوّ الكلّي وتسفّل الجزئيّ إمّا الوهم القياسيّ ابتداء وإمّا قصد التقرير انتهاء.

٧٩ ـ أنّ الكلّي المحمول أيضا ليس له وجود أصلا وإنّما الوجود لمبدأ الكلّية والحمل في بعض الصور.

٨٠ ـ أنّه لا يحصل من حمل الكلّي على الموضوع تحقّق عينيّ في نفس الأمر ، وإنّما يتخيّل للوهم بالاشتباه أو التصوّر لأجل الإيضاح والتّقريب.

٨١ ـ أنّ وصف الموضوعية حالها كوصف الكلّي والمحمول.

٨٢ ـ أنّ مناط الحمل الصدق أو لا صدق والاتّحاد وعدمه لازم لذلك.

٨٣ ـ أنّ الروابط ليس لها دخل في المحمول وسبب ذلك أنّها نسب والمحمول منسوب.

٨٤ ـ أنّ ذلك بحسب التّباين في نفس الأمر بينهما.

٨٥ ـ أنّ سبب ذلك التخييل ، أو قصد التّعاون.

٨٦ ـ أنّ التحقيق قصد الألفة بين مدركة ومدرك الحسّ ، فيكون ذلك سبب الودّ ودفع الوحشة. فيكون كالولد ، فيكون النّسب كالنّسب.

٨٧ ـ أنّ في ذلك إشارة إلى روحانية العقل ، وإلى أرضيّة الجزئيّ ، وإلى الرّضى والسّخط ، وإلى أنّ في كلّ شيء تصوّر الرّوحانيّة وعدمها وتصوّر نسبة الاستقلال. فسبحان من أعلى شأنه وأعجز مخلوقه ، وربط كلّ ممكن بحبل العجز والحيرة.

٨٨ ـ أنّ الخارج كلّه تباين ، وأنّ المعقول الكلّي لا يخلو عن تناسب في بعض الصور ، وعدم التناسب في البعض الآخر إنّما هو بالإضافة إلى أمر خارجيّ.

٨٩ ـ أنّ سبب ذلك تحقّق التدافع بحسب الخارج.

٩٠ ـ أنّ سبب ذلك من الكلّي عدم المنافاة بسبب عدم اتّصافه بالكون الحادث.

٩١ ـ أنّ جميع اعتبار العقل في حقّ الكلّي والمحمول لا تحقّق له أصلا في نفس الأمر ، وأمّا التحقق الوهميّ فإنّما نشأ من قياس المعقول على المحسوس بلا جامع تصوّر التّحقّق له لأجل التقريب على ما مرّ. فعلم من هذا أنّ الكلّي من حيث هو كلّي ليس بمحلّ الحدوث والقدم ولا الوجود والعدم إلى غير ذلك من


الاعتبارات ، وأنّ الموجودات الحادثة مجازات واعتبارات تعرض على الممكنات تارة ، وأخرى لا تعرض عليها لأمر من الأمور.

٩٢ ـ أنّ الكلّي مثال الآخرة ومثال اللّوح ، وأنّ الجزئي مثال عذاب النار وعين الحجاب ، ومثال السّهو والنّسيان ، إلى غير ذلك من الاعتبارات.

٩٣ ـ أنّ مثالهما مثال الروح والبدن.

٩٤ ـ أنّ مثالهما مثال القهر واللّطف ، ومثالهما مثال كمال القدرة على كلّ شيء في كلّ شيء.

٩٥ ـ أنّ مثالهما مثال مظهر آثار الوصف.

٩٦ ـ أنّ الوجود الحادث ليس مثل الذات القديمة والدليل على ذلك اتّصافه بالحدوث دون القدم.

٩٧ ـ أنّ كلّ ذلك دليل العجز في المخلوق ودليل القدرة في الخالق.

٩٨ ـ أنّ كلّ ذلك أسرار إلهيّة لا يطّلع عليها إلّا الله ، وإنّما يرى ما يرى من جهة عجز الحادث.

٩٩ ـ أنّ ذلك أفاد حيرة الإنسان ، ودعوى العلم منه إمّا عناد وإمّا خلل ، وإمّا تجاسر على أمر لا ينبغي أن يتجاسر عليه ، وإمّا جنون ، وأرى عقله عقل المعتوه.

فسبحان الذي بيده ملكوت كلّ شيء وإليه ترجعون.

١٠٠ ـ أنّ الإنسان متلوّن ومتغيّر أن كان له عقل وكلّ ذلك عدم الوثوق ، والوثوق لا وثوق بالنسبة إلى المبدأ.

١٠١ ـ علم من هذا أنّه واحد في صفة الألوهية لا شريك له فيها. آمنت بأنّه لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ، وعلى سائر الأنبياء ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

١٠٢ ـ أنّ الانتزاع من الجزئيات اعتباريّ لا تحقّق له في نفس الأمر.

١٠٣ ـ أنّ انتزاع العقل الكلّي من الجزئيّ الغير المحسوس باعتبار المقالة أو باعتبار من عنده.

١٠٤ ـ أنّ مطابقة كلّيّ بجزئي وكذا تصرّف العقل وتطبيقه اعتبار محض أيضا.

١٠٥ ـ أنّ سبب الوقوع بأوضح ما ذكر كون التشبيه مقصودا لارتباط بما هو مقصود أصلي على سبيل المحاكاة.

١٠٦ ـ أنّ سبب كون الوقوع محلّ الحكم دون غيره من المدركات قيام الشاهد قصدا بحسب الخارج بخلاف غيره.

١٠٧ ـ أنّ سبب الوقوف عنده دون غيره لانتهاء رغبته عنده ولحصول طلبته التّركيبية


بخلاف غيره ، ولهذا لا يستقرّ إذ للعدد فوائد تركيبيّة مرتّبة حتّى ينتهى إلى آخرها.

١٠٨ ـ أنّ العقل لا تنتهي مطالبه دون لقاء ربّه.

١٠٩ ـ أنّها مقولة من المقولات العشر.

١١٠ ـ أنّها سلب عنها قيد الوقوع أو عدمه من جهة اعتبار المسند.

١١١ ـ أنّ النسبة زيدت على جانب منشاها النسبة وكيفيّتها لكن عري عن ذلك في التعقّل.

١١٢ ـ أنّها من النّوع المتكرر على قياس الوجوب والإمكان وإلّا يلزم التّسلسل.

١١٣ ـ على تقدير تحقّقها في الخارج إنّها بسيطة كالجزئيات الحقيقية والأشخاص وإنّما سوّغها العقل أمرا كلّيا تساهلا لا تلازما ، منحصرا في فرد واحد لا غير بناء على أنّ كلّ وجود خارج وجزئيّ حقيقيّ ، وكلّ يتعيّن بنوعها العقل ، كلّها كذلك ، فعلم من هذا أنّ انتقاض بحث التعيّن بتعيّن الواجب إنّما نشأ من تركيب الذّهن يستلزم التركيب الخارجيّ ، وليس كذلك بل لا تلازم بينهما أصلا.

انتهى ما استخرجه نظر شيخنا أيّده الله تعالى ولطف به آمين.

الكلام على مسألة «ضربي زيدا قائما»

تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي عفا الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد حمد الله تعالى والصلاة والسّلام على محمّد وآله وصحبه ؛ فهذه كرّاسة تكلّمت فيها على مسألة «ضربي زيدا قائما» ، وذكرت فيها خلاف العلماء وأدلتهم.

فأقول : اختلف الناس في إعراب هذا المثال : فقال بعضهم : «ضربي» مرتفع على أنّه فاعل فعل مضمر تقديره : يقع ضربي زيدا قائما ، أو : «ثبت ضربي زيدا قائما». وقيل عليه : إنّه تقدير ما لا دليل على تعيّنه ، لأنّه كما يجوز تقدير «ثبت» يجوز تقدير «قلّ» أو «عدم» ، وما لا يتعيّن تقديره لا سبيل إلى إضماره.

وقال آخرون ـ وهو الصحيح ـ : هو مبتدأ ، وهو مصدر مضاف إلى فاعله ، «وزيدا» مفعول به و «قائما» حال.

ثم اختلفوا هل يحتاج هذا المبتدأ إلى تقدير خبر أو لا.


فقال بعضهم : ليس ثمّ تقدير خبر ، لأنّ المصدر هنا واقع موقع الفعل كما في قولهم : «أقائم الزيدان» ، وردّ بأنّه لو وقع موقع الفعل لصحّ الاقتصار عليه مع فاعله كما صحّ ذلك في «أقائم الزيدان» (١). وحيث لم يصحّ أن يقال : «ضربي» ، ويقصر بطل ما ذكروه.

وقال الكسائي وهشام والفرّاء وابن كيسان : الحال بنفسها هي الخبر لا سادّة مسدّه. ثم اختلفوا ، فقال الكسائي وهشام : إنّ الحال إذا وقعت خبرا للمصدر كان فيها ذكران مرفوعان ، أحدهما من صاحب الحال والآخر من المصدر. وإنّما احتاجوا إلى ذلك لأنّ الحال لا بدّ لها من ضمير يعود على ذي الحال ، وهي خبر ، والخبر عندهم لا بدّ فيه من ضمير يعود على المبتدأ ، لأنّ المبتدأ عندهم إنّما يرتفع بما عاد عليه في أحد مذهبي الكوفيّين و «ضربي» هنا مبتدأ مرفوع ، فلا بدّ له من رافع فاحتاجوا إلى القول بتحمّل قائم ضميره لرفعه ، حتّى إنّهما قالا : يجوز أن يؤكّد اللذين في قائما فيقول : ضربي زيدا قائما نفسه نفسه ، وقيامك مسرعا نفسك نفسه. فإن أكّدت القيام أيضا مع الضميرين قلت : قيامك مسرعا نفسك نفسه نفسه ، فتكرّر النّفس ثلاث مرّات.

وقال الفرّاء : الحال إذا وقعت خبرا للمصدر فلا ضمير فيها من المصدر لجريانها على صاحبها في إفراده وتثنيته وجمعه ، وتعرّيها من ضمير المصدر للزومها مذهب الشّرط ، والشّرط بعد المصدر لا يتحمّل ضمير المصدر ؛ إذا قيل : «ركوبك إن بادرت» ، و «قيامك إن أسرعت» و «ضربي زيدا إن قام» ، فكما أنّ الشرط لا ضمير فيه يعود إلى المصدر فكذلك الحال.

وجاز نصب «قائما» و «مسرعا» وما أشبههما على الحال عند الكسائي وهشام والفرّاء وإن كان خبرا ، لمّا لم يكن عين المبتدأ ، ألا ترى أنّ المسرع هو المخاطب لا القيام ، والقائم هو زيد لا الضّرب ، فلمّا كان خلاف المبتدأ انتصب على الخلاف لأنّه عندهم يوجب النصب.

وقال ابن كيسان : إنّما أغنت الحال عن الخبر لشبهها بالظّرف. وردّ قول الكسائي وهشام بأنّ العامل الواحد لا يعمل في معمولين ظاهرين ليس أحدهما تابعا للآخر رفعا ، فكذلك لا يعمل في مضمرين. وإذا انتفى ذلك انتفى كون الحال خبرا. وممّا يبطل أيضا كون الحال رافعة ضميرين أنّنا لو ثنّينا فقلنا : «ضربي أخويك

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٦).


قائمين» لم يمكن أن يكون في قائمين ضميران لأنّه لو كان لكان أحدهما مثنّى من حيث عوده على مثنّى والآخر مفردا لعوده على مفرد ، وتثنية اسم الفاعل وإفراده إنما هو بحسب ما يرفع من الضمير ، فكان يلزم أن يكون اسم الفاعل مفردا مثنّى في حال واحدة ، وهو باطل.

وأمّا قول الفرّاء : الحال لم تتحمّل ضمير المبتدأ للزومها مذهب الشرط ، فالجواب عنه : أنّ الشرط بمفرده من غير جوابه لا يصلح للخبريّة لأنّه لا يفيد ، وإذا كان كذلك تعيّن أنّ جواب الشرط محذوف فيكون الضّمير محذوفا مع الجواب.

وأما تشبيه ابن كيسان الحال بالظّرف ، فكأنّه قال : ضربي زيدا في حال قيام فليس بشيء لأنّه لو جاز ذلك لهذا التقدير لجاز مع الجثّة أن يقول : «زيد قائما» لأنّه بمعنى : زيد في حال قيام ، وحيث لم يجيزوا ذلك دلّ على فساد ما ذكره.

وأمّا قولهم : إنّه منصوب على الخلاف ، ففاسد أيضا لأنّ الخلاف لو كان عاملا لعمل حيث وجد ، ونحن نرى العرب تقول : «ليس زيد قائما لكن قاعد» ، برفع «قاعد» على الجواز ، و: «ما زيد قائما لكن قاعد» برفعه على الوجوب مع كونه مخالفا لما قبله فبان فساد ما ذكروه.

وقال جماعة بتقدير الخبر ثم اختلفوا في كيفية تقديره ومكانه ، فحكى أبو محمّد ابن السيد البطليوسي وابن عمرون عن الكوفيّين أنّهم قالوا بتقديره بعد «قائم» والتقدير : ضربي زيدا قائما ثابت أو موجود ، وردّ بأنّه تقدير ما لا دليل في اللّفظ عليه ، فإنّه كما تقدّره «ثابت» يجوز أن يقدّر أيضا «منفيّ» أو «معدوم» ، ولأنّه إذ ذاك يكون حذف الخبر جائزا لا واجبا ، لأنّ قائما حينئذ يكون حالا من زيد والعامل فيه المصدر ، فلا تكون الحال سادّة مسدّ الخبر فلا يلزم حذفه. وإنّما يجب حذف الخبر في مثل هذا إذا سدّت الحال مسدّه ، لأنّ الحال إذ ذاك عوض من الخبر ، بدليل أنّ العرب لا تجمع بينهما ، ولا تحذف خبر هذه المصادر إلّا مع وجود الأحوال للمناسبة التي بين الحال والخبر ، لأنّ أصل الخبر التنكير كالحال ، ولأنّ الحال هي صاحبها كما أنّ الخبر المفرد هو المبتدأ ، والحال مقيّدة كما أنّ الخبر كذلك ، ففهم من عدم اجتماعهما قصد العوضيّة ، ولا تتصوّر العوضيّة إلّا على قول من قدّر الخبر قبل الحال.

وذهب البصريّون والأخفش ـ وهو الصّحيح ـ إلى تقديره قبل قائم ثمّ اختلفوا في كيفيته فقال الأخفش : تقديره «ضربي زيدا ضربه قائما». وهذا لا يخلو إمّا أن يجعل المصدر الثاني وهو ضربه مضافا إلى المفعول وفاعله ضمير المتكلّم محذوف ، فيصير كأنّه قال : ضربي زيدا ضربته قائما ، فإمّا أن يفهم من معنى الخبر عين المفهوم


من المبتدأ فلا يصحّ ، وإمّا أن يفهم منه أنّ ضربته المطلق مثل ضربته قائما ، وهو غير المعنى المفهوم. وإن جفعل المصدر مضافا إلى فاعله صار المفهوم منه غير المطلوب من الكلام.

وقال البصريون ـ وهو الصحيح ـ تقديره : «إذ كان قائما» إن أردت الماضي ، أو : «إذا كان قائما» إن أردت المستقبل ؛ لأنّ معنى «ضربي زيدا قائما» : ما ضربت زيدا إلّا قائما. وهذا لا يستقيم إلّا على مذهب البصريّين ، لأنّ العامل يتقيّد بمعموله ، فإذا جعل الحال من تمام المبتدأ يكون الإخبار بأنّ ضربي زيدا مقيّدا بالقيام حاصل ، وذا لا ينفي أن يقع الضرب في غير حال القيام. وإذا جعل الحال من جملة الخبر يكون «ضربي زيدا» هذا الذي لم يقيّد بحال كائنا إذا كان قائما فلو قدّر وقوع «ضربي» في غير حال القيام لكان مناقضا للإخبار ، ومن المحال وقوع عين المقيّد بالحال في زمان وتخلّف شيء منه عن ذلك الزمان إذا أريد به الحقيقة.

وإذ قد علمت أقوال العلماء وأدلّتهم ، وردّها ، والصحيح من ذلك وحجّته فلنختم الكتاب بفوائد لا بدّ من التعرّض لها :

الأولى : إنّما قدّرنا الخبر ظرفا دون غيره ، لأنّ تقديره محذوفا مجاز وتوسّع والظروف أحمل لذلك من غيرها.

الثانية : إنّما قدّرنا ظرف الزمان دون المكان ، لأنّ الحال عوض منه ، وهي لظرف الزمان أنسب منها لظرف المكان ، لأنّها توقيت للفعل من جهة المعنى كما أنّ الزمان توقيت للفعل ، ولأنّ المبتدأ هنا حدث ، وظرف الزّمان مختصّ بالإخبار به عن الحدث دون الجثّة فهو أخصّ من ظرف المكان.

الثالثة : إنّما قدّرت «إذ» و «إذا» دون غيرهما لاستغراق إذ للماضي وإذا للمستقبل قاله ابن عمرون.

الرابعة : إنّما قدّر بعد الظّرف فعل وكان «كان» التامّة ، ولم يقدّر نصب قائم على الخبر لكان لأنّ الظرف لا بدّ له من فعل أو معناه ، والحال لا بدّ لها أيضا من عامل ، والأصل في العمل للفعل ، وقدّرت «كان» التامّة لتدلّ على الحدث المطلق الذي يدلّ الكلام عليه ، ولم يعتقد في «قائم» الخبرية للزومه التنكير (١). وأجاز الفرّاء نصبه على خبر كان. وردّ بدخول الواو عليه (٢) ؛ ولا يلتفت إلى قول من أجاز دخول

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٧).

(٢) انظر مغني اللبيب (ص ٤٥٩).


الواو على خبر كان إذا كان الخبر جملة. والضمير في «كان» فاعلها ، وهو يعود إلى زيد. وذكر الزّمخشري أنّه يجوز أن يعود إلى فاعل المصدر ، وهو الياء في ضربي.

آخر الكتاب ـ انتهى ـ ، وصلّى الله وسلّم على نبيّه محمّد.

تحفة النجباء في قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا

لمؤلف الكتاب شيخنا الإمام الحافظ المجتهد جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن ابن الإمام كمال الدين السيوطي.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة على رسول الله : قولهم : «هذا بسرا أطيب منه رطبا» (١) فيه عشرة أسئلة :

الأول : ما وجه انتصاب بسرا ورطبا؟

والجواب : أنّه على الحال في أصحّ القولين ؛ وعليه سيبويه ، لأنّ المعنى عليه ، فإنّ المخبر إنّما يفضّله على نفسه باعتبار حالة من أحواله ، ولو لا ذلك لما صحّ تفضيل الشيء على نفسه. والتفضيل إنّما صحّ باعتبار الحالين فيه فكان انتصابهما على الحال لوجود شرط الحال خلافا لمن زعم أنّه خبر كان.

فإن قلت : هلّا جعل تمييزا؟ قلت : يأبى ذلك أنّه ليس من قسم التّمييز ؛ فإنّه ليس من المقادير المنتصبة عن تمام الاسم ولا من التّمييز المنتصب عن تمام الجملة ، فلا يصحّ أن يكون تمييزا.

السؤال الثاني : إذا كانا حالين فما صاحب الحال؟

والجواب : أنّه الاسم المضمر في «أطيب» الذي هو راجع إلى المبتدأ من خبره ، ف «بسرا» حال من الضّمير و «رطبا» حال من الضّمير المجرور ب «من» وهو الرفوع المستتر في «أطيب» من جهة المعنى ؛ ولكنّه تنزّل منزلة الأجنبي. وذهب الفارسي إلى أنّ صاحب الحالين الضمير المستكنّ في «كان» المقدّرة التامّة.

وأصل المسألة : هذا إذا كان ـ أي وجد ـ بسرا أطيب منه إذا كان ـ أي وجد ـ رطبا. وهذان القولان مبنيّان على المسألة الثالثة.

السؤال الثالث : ما العامل في الحالين؟

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٤٦٩).


والجواب فيه أربعة أقوال :

أحدها : أنّه ما في «أطيب» من معنى الفعل.

الثاني : أنّه كان التامّة المقدّرة ، وعليه الفارسي (١).

الثالث : أنّه ما في اسم الإشارة من معنى الفعل ، أي أشير إليه.

الرابع : أنّه ما في حرف التنبيه من معنى الفعل.

ورجّح الأوّل بأمور :

١ ـ منها : أنّهم متّفقون على جواز «زيد قائما أحسن منه راكبا» ، وثمرة نخل بسرا أطيب منها رطبا. والمعنى في هذا كلّه وفي الأوّل سواء ، وهو تفضيل الشيء على نفسه باعتبار حالين ؛ فانتفى اسم الإشارة وحرف التنبيه ، ودار الأمر بين القولين الباقيين. والقول بإضمار كان ضعيف ، فإنّها لا تضمر إلّا حيث كان في الكلام دليل عليها نحو : «إن خيرا فخير» وبابه ؛ لأنّ الكلام هناك لا يتمّ إلّا بإضمارها ، بخلاف هذا ، ويبطله شيء آخر ، وهو كثرة الإضمار ، فإنّ القائل به يضمر ثلاثة أشياء : «إذا» ، والفعل ، والضمير ، وهذا بعيد ، وقول بما لا دليل عليه.

٢ ـ ومنها : لو كان العامل الإشارة لكانت إلى الحال لا إلى الجوهر وهو باطل ؛ فإنّه إنّما يشير إلى ذات الجوهر ، ولهذا تصحّ إشارته إليه وإن لم يكن على تلك الحال ، كما إذا أشار إلى تمر يابس فقال : «هذا بسرا أطيب منه رطبا» ، فإنّه يصحّ ، ولو كان العامل في الحال هو الإشارة لم يصحّ.

٣ ـ ومنها : لو كان العامل الإشارة لوجب أن يكون الخبر عن الذات مطلقا ؛ لأنّ تقييد المشار إليه باعتبار الإشارة إذا كان مبتدأ لا يوجب تقييد خبره إذا أخبرت عنه ، ولهذا تقول : «هذا ضاحكا أبي» ، فالإخبار عنه بالأبوّة غير مقيّد بحال ضحكه بل التقييد للإشارة فقط ، والإخبار بالأبوّة وقع مطلقا عن الذّات.

٤ ـ ومنها : أنّ العامل لو لم يكن هو «أطيب» لم تكن الأطيبيّة مقيّدة بالبسريّة ، بل تكون مطلقة ، وذلك يفسد المعنى ؛ لأنّ الغرض تقييد الأطيبيّة بالبسريّة مفضلة على الرّطبيّة ، وهذا معنى العامل ؛ وإذا ثبت أنّ الأطيبيّة مقيّدة بالبسريّة وجب أن يكون «بسرا» معمولا ل «أطيب».

فإن قلت : لو كان العامل هو «أطيب» لزم منه المحال ؛ لأنّه يستلزم تقييده بحالين مختلفين ، وهذا ممتنع ؛ لأنّ الفعل الواحد لا يقع في حالين كما لا يقع في

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٦٠).


ظرفين ، لا يقال : زيد قائم يوم الجمعة يوم الخميس ، ولا يجوز أن يعمل عامل واحد في حالين ولا ظرفين إلّا أن يتداخلا ، ويصحّ الجمع بينهما نحو : «زيد مسافر يوم الخميس ضحوة» ، و «سرت راكبا مسرعا لدخول الضحوة في اليوم ، والإسراع في السّير وتضمّنه له. ولا يجوز : «سرت مسرعا مبطئا» لاستحالة الجمع بينهما. فكذا يستحيل أن يعمل في «بسرا» و «رطبا» عامل واحد لأنّهما غير متداخلين.

فالجواب : أنّ العامل في الحالين متعدّد لا متّحد ، فالعامل في الأوّل ما في «أطيب» من معنى الفعل ، وفي الثاني معنى التمييز والانفصال منه بزيادة في تلك الصّفة ، وهو الذي تضمّنه معنى «أفعل» وتعلّق به حرف الجرّ ؛ لأنّك إذا قلت : «هذا أطيب من هذا» ، تريد : أنّه طاب وزاد طيبة عليه. وعبّر عن هذا طائفة بأن قالوا : أفعل التفضيل في قوّة فعلين ، فهو عامل في «بسر» باعتبار «طاب» ، وفي «رطب» باعتبار «زاد» ؛ حتّى لو فككت ذلك لقلت : هذا زاد بسرا في الطيب على طيبه في حال كونه رطبا ، وكان المعنى المطلوب مستقيما.

السؤال الرابع : إذا كان العامل أفعل التفضيل لزم تقديم معموله عليه والاتّفاق على منعه.

والجواب من وجهين :

أحدهما : لا نسلّم المنع ، ودعوى الاتّفاق غير صحيح ؛ فإنّ بعض النّحاة جوّزه لقوله : [الطويل]

٧٧٥ ـ [فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت

جنى النحل] أو ما زوّدت منه أطيب

الثاني : سلّمناه إلّا أنّه خاصّ ب «منك» لا يتعدّى إلى الحال والظرف ، وذلك لأنّ «منك» في معنى المضاف إليه على ما تقرّر في بابه ، فكره تقديمه على ما هو كالمضاف ، ولا يلزم من ذلك امتناع تقديم معمول ليس مثله.

وجواب ثالث : وهو أنّهم إذا فضّلوا الشيء على نفسه باعتبار حالين فلا بدّ من تقديم أحدهما على العامل ، وإن كان ممّا لا يسوغ تقديمه لو لم يكن كذلك ؛ وكذا إذا فضّلوا ذاتين باعتبار حالين قدّموا أحدهما على العامل ، وقد قالوا : «زيد قائما كعمرو قاعدا». فإذا جاز تقديم هذا المعمول على كاف التشبيه التي هي أبعد في العمل من باب أفعل فتقديم معمول أفعل أجدر.

__________________

٧٧٥ ـ الشاهد للفرزدق في خزانة الأدب (٨ / ٢٦٩) ، والدرر (٥ / ٢٩٦) ، وشرح المفصّل (٢ / ٦٠) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٣) ، وتذكرة النحاة (ص ٤٧) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٨٩) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤٦٨) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٧٦٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٠٤).


السؤال الخامس : متى يجوز أن يعمل العامل الواحد في حالين وما ضابطه؟

والجواب : قد عرف ممّا تقدّم ؛ وهو إذا كانت إحدى الحالين متضمّنة للأخرى نحو : جاء زيد راكبا مسرعا.

السؤال السادس : هل يجوز التقديم والتأخير في الحالين أم لا؟

والجواب : أنّ الحال الأولى يجوز فيها ذلك لأنّ العامل فيها لفظيّ ؛ فلك أن تقول مع ما تقدّم : هذا أطيب بسرا منه رطبا ، وهو الأصل. ولا يجوز في الثانية التقديم لأنّ عاملها معنويّ ، والعامل المعنويّ لا يتصوّر تقديم معموله عليه.

السؤال السابع : كيف تصوّرت الحال في غير المشتقّ؟

والجواب : أنّه ليس لشرط الاشتقاق حجّة ، ولا قام عليه دليل ؛ ولهذا كان الحذّاق من النّحاة على أنّه لا يشترط ، بل كلّ ما دلّ على هيئة صحّ أن يقع حالا. ولا يشترط فيها إلّا أن تكون دالّة على معنى متحوّل ولهذا سمّيت حالا كما قال : [الرجز]

٧٧٦ ـ لو لم تحل ما سمّيت حالا

وكلّ ما حال فقد زالا

وكم من حال وردت جامدة نحو : «حتّى يتمثّل لي الملك رجلا» ، (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣] ، «مررت بهذا العود شجرا ثمّ مررت به رمادا» ، وتأويل ذلك بمشتقّ تعسّف ظاهر.

السؤال الثامن : إلى أي شيء وقعت الإشارة بقولهم : «هذا»؟

والجواب : أنّ متعلّق الإشارة هو الشيء الذي تتعاقب عليه هذه الأحوال وهو ما تخرجه النخل من أكمامها فيكون بلحا ثمّ سيابا ثمّ خلالا ثمّ بسرا إلى أن يكون رطبا. فمتعلّق الإشارة المحلّ الحامل لهذه الأوصاف. فالإشارة إلى شيء ثالث غير البسر والرّطب ، وهو حامل البسريّة والرّطبيّة ، أي : الحقيقة الحاملة لهذه الصّفات. ويدلّ على ذلك أنّك تقول : زيد قائما أخطب منه قاعدا ، وقال عبد الله بن سلام لعثمان : أنا خارجا أنفع منّي داخلا ؛ ولا إشارة ولا مشار إليه هنا ، وإنّما هو إخبار عن الاسم الحامل للصفات التي منها القيام والقعود والدخول والخروج. ولا يصحّ أن يكون متعلّق الإشارة صفة البسريّة ، ولا الجوهر بقيد تلك الصفة ؛ لأنّك لو أشرت إلى البسريّة أو الجوهر بقيدها لم يصحّ تقييده بحال الرّطبيّة ، فلم يبق إلّا أن تكون الإشارة إلى الجوهر الذي تتعاقب عليه الأحوال. وهو يبيّن لك بطلان قول من زعم أنّ متعلّق الإشارة في هذا هو العامل في «بسرا» فإنّ العامل إمّا ما تضمّنه «أطيب» من معنى الفعل ، وإمّا «كان» المقدّرة ، وكلاهما لا يصحّ تعلّق الإشارة به.


السؤال التاسع : هلّا قلتم إن «بسرا» و «رطبا» منصوبان على خبر «كان» وتخلّصتم من هذا كلّه؟

والجواب : إنّ «كان» لو أضمرت لأضمر ثلاثة أشياء : الظرف الذي هو «إذا» ، وفعل كان ، ومرفوعها ؛ وهذا لا نظير له إلّا حيث يدلّ عليه الدليل. وإذا منع سيبويه إضمار «كان» وحدها ، فكيف يجوز إضمار «إذ» أو «إذا» معها. وأنت لو قلت : «سآتيك جاء زيد» ، تريد : إذا جاء زيد ، لم يجز بإجماع ؛ فهنا أولى ، لأنّه لا يدرى أ«إذ» تريد أم «إذا». وفي «سآتيك» لا يحتمل إلّا أحدهما. وإذا بعد إضمار الظرف وحده فإضماره مع «كان» أبعد ، ومن قدّره من النّحاة فإنّما أشار إلى شرح المعنى بضرب من التّقريب.

فإن قيل : يدلّ على إضمار «كان» أنّ هذا الكلام لا يذكر إلّا بتفضيل شيء في زمان من أزمانه على نفسه في زمان آخر. ويجوز أن يكون الزمان المفضّل فيه ماضيا ، وأن يكون مستقبلا ، ولا بدّ من إضمار ما يدلّ على المراد منهما ، فيضمر للماضي «إذ» وللمستقبل «إذا» ، و «إذ» و «إذا» يطلبان الفعل ، وأعمّ الأفعال وأشملها فعل الكون ، فتعيّن إضمار «كان» لتصحيح الكلام.

قيل : إنّما يلزم هذا السؤال إذا أضمرنا الظرف ، وأمّا إذا لم نضمره لم يحتج إلى كان ويكون.

وأمّا قولكم : إنّه يفضّل الشيء على نفسه باعتبار زمانين ، و «إذ» و «إذا» للزّمان ، وفجوابه : أنّ في التصريح بالحالين المفضّل أحدهما على الآخر غنية عن ذكر الزّمان ، وتقدير إضماره ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : هذا في حال بسريّته أطيب منه في حال رطبيّته ، استقام الكلام ، ولا «إذ» هنا ، ولا «إذا» لدلالة الحال مقصود المتكلّم من التفضيل باعتبار الوقتين.

السؤال العاشر : هل يشترط اتّحاد المفضّل والمفضّل عليه بالحقيقة؟

والجواب : إنّ وضعهما كذلك ، ولا يجوز أن تقول : هذا بسرا أطيب منه عنبا ؛ لأنّ وضع هذا الباب لتفضيل الشيء على نفسه باعتبارين وفي زمانين ؛ فإن جئت بهذا التركيب وجب الرفع فقلت : هذا بسر أطيب منه عنب ، فيكون جملتين إحداهما : «هذا بسر» ، والثانية : «أطيب منه عنب» ، والمعنى : العنب أطيب منه. ولو قلت : هذا البسر أطيب منه عنب لا تّضحت المسألة وانكشف معناها والله سبحانه وتعالى أعلم.


مسألة

سئلت عن إعراب تركيب وقع في بعض كتب الحنفيّة وهو : «يقضى بالشّفعة دافعا عهدتها الدّفع إلى ذي اليد» وأنّ الشارح أعرب (دافعا) حالا من الفاعل وهو (الدّفع).

الجواب : الوجه إعرابه حالا من النائب عن الفاعل ، وهو (بالشّفعة) لا من (الدّفع) الذي هو فاعل اسم الفاعل وهو (دافعا). والذي ذكره الشارح من كونه حالا منه إنّما هو تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وتفسير المعنى يتسمّح فيه من غير مراعاة ما تقتضيه الصّناعة الإعرابيّة. والذي تقتضيه الصّناعة قطعا إنّما هو كونه حالا من (بالشّفعة) ، وإن كان في المعنى إنّما هو صفة للدّفع فهو حال سببيّة جارية على غير من هي له كالصّفة السببيّة والخبر السّببيّ. فهو كقولك : «جيء بهند ضاربا أبوها عمرا» ف (ضاربا) حال من (بهند) لا من أبوها الفاعل به ، وإن كان في المعنى له ، ونظيره في الصّفة : «مررت بامرأة ضارب أبوها عمرا». وفي الخبر : «هند ضارب أبوها عمرا» ، ف «ضارب» صفة ل (امرأة) لا لأبيها وخبر عن (هند) لا عن أبيها ، وإن كان في المعنى إنّما هو للأب.

وتفكيك العبارة : يقضى بالشّفعة حال كونها دافعا عهدتها الدّفع .. إلى آخره.

ولو أعرب حالا من (الدّفع) لكان حقّه التأخير ، وحينئذ يصير التركيب : يقضى بالشّفعة الدّفع إلى ذي اليد دافعا عهدتها ، وهذا تركيب مفلت غير ملتئم. وأعجب من ذلك أن يظنّ أنّ (دافعا) حال من (الدّفع) وهو فاعل به ، وفي ذلك محذوران من جهة العربيّة :

أحدهما : أنّه باعتبار كونه حالا منه حقّه التأخير عنه ، وباعتبار كونه عاملا في (الدّفع) الفاعليّة حقّه التقديم عليه ، وهذان أمران متناقضان.

الثاني : أنّ اسم الفاعل هنا وهو (دافع) إنّما سوّغ عمله الفاعليّة والمفعوليّة كونه حالا ، كما تقرّر في العربيّة أنّه إنّما يعمل في مواضع مخصوصة منها كونه حالا ، فلا بدّ أن يكون حالا قبل العمل حتّى يصحّ عمله ، فلا يصحّ أن يعمل الفاعليّة في مواضع مخصوصة ثمّ يصير حالا من الفاعل لأنّه عمل قبل وجود الشّرط وذلك باطل بالإجماع والله أعلم.


كشف الغمّة عن (الصّمّة)

لمؤلّفه شيخنا الإمام جلال الدّين السّيوطي

بسم الله الرحمن الرحيم

سأل سائل عن (الصّمّة) في : «أبي جهم بن الحارث بن الصّمّة (١)» : هل يقرأ مجرورا بالكسرة أو بالفتحة ، وذكر أنّه قرأه بالكسرة فردّه عليه رادّ وقال : إنّما يقرأ بالفتح لأنّه غير منصرف. فقال له : الألف واللّام توجب جرّ غير المنصرف بالكسرة.

فقال له : ليست هي هذه إنّما هي من نفس الكلمة وليست (ال) المعرّفة.

والجواب : أنّه يقرأ بالكسرة ، لا يجوز إلّا ذلك ؛ وبيان ذلك بمسائل :

الأولى : قال النّحاة : يجب جرّ غير المنصرف بالكسرة إذا دخلته «ال» ، سواء كانت معرّفة كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) [البقرة : ١٨٧] ، أو موصولة كالأعمى والأصمّ ، أو للّمح كالنّعمان ، أو زائدة كقول الشاعر : [الطويل]

٧٧٧ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

[شديدا بأعباء الخلافة كاهله]

الثانية : قال النّحاة : العلم إمّا مرتجل وإمّا منقول ، والمنقول إمّا من اسم عين كأسد وثور وذئب ونعمان ، وإمّا من مصدر كفضل وزيد وسعد ، وإمّا من صفة اسم فاعل كحارث وطالب ، أو اسم مفعول منصور ومسعود ، أو صفة مشبّهة كحسن وسعيد ، أو صيغة مبالغة كعبّاس. فإن لمح فيه الأصل دخلته الأداة ، وإن لم يلمح لم تدخل. قال في الألفيّة : [الرجز]

وبعض الأعلام عليه دخلا

للمح ما قد كان عنه نقلا

كالفضل والحارث والنّعمان

فذكر ذا وحذفه سيّان (٣)

__________________

(١) يشير إلى الشاعر دريد بن الصّمة.

٧٧٧ ـ الشاهد لابن ميادة في ديوانه (ص ١٩٢) ، وخزانة الأدب (٢ / ٢٢٦) ، والدرر (١ / ٨٧) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٤٥١) ، وشرح شواهد الشافية (ص ١٢) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٦٤) ، ولسان العرب (زيد) ، والمقاصد النحوية (١ / ٢١٨) ، ولجرير في لسان العرب (وسع) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٣٢٢) ، والإنصاف (١ / ٣١٧) ، وأوضح المسالك (١ / ٧٣) ، وخزانة الأدب (٧ / ٢٤٧) ، وشرح الأشموني (١ / ٨٥) ، وشرح التصريح (١ / ١٥٣) ، وشرح شافية ابن الحاجب (١ / ٣٦) ، وشرح قطر الندى (ص ٥٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٥٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٤).

(٢) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص ٢٩) ، شرح الألفية لابن عقيل (١ / ١٨٣).


الثالثة : «الصّمّة» علم منقول ؛ فإنّه في اللّغة اسم للأسد وللرّجل الشّجاع فإن قدّر نقله من الأولى فهو منقول من اسم عين كأسد وليث وثور وذئب ، وإن قدّر نقله من الثاني فهو منقول من صفة مشبّهة كالحسن والحسين. فعلى كل تقدير اللام فيه للّمح ، فإذا اقترنت به جرّ بالكسرة جزما من غير مرية.

الرابعة : لا يعرف في الألفاظ مطلقا اسم فيه ألف ولام وهي من نفس الكلمة إلّا لفظ الجلالة على أرجح القولين فيه ، وما عداه فلا يخلو (ال) فيه من قسم ممّا قدّمناه ؛ إمّا معرّفة أو للّمح أو موصولة أو زائدة فهي طارئة عليه قطعا ، ويوجب جرّ غير المنصرف جزما.

تم الكتاب ولله الحمد



فهرس الشواهد الشعرية

قافية الهمزة

٣٢٣ ـ يستمسكون من حذار الإلقاء

بتلعات كجذوع الصّيصاء

ردي ردي ورد قطاة صماء

كدريّة أعجبها برد الماء ١٦٩/٢

١٩٣ ـ لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا

أدع القتال وأشهد الهيجاءا ٢٥٣/١

٦٠٧ ـ راحوا بصائرهم على أكتافهم

وبصيرتي يعدو بها عتد وأى ٤٥/٤

٦٨٦ ـ إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباءا ١٨٥/٤

٢٠١ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء ٢٨٥/١

٢٠٢ ـ ومهمه مغبرّة أرجاؤه

كأنّ لون أرضه سماؤه ٢٨٥/١

٣٣٥ ـ وما أدري وسوف إخال أدري

[أقوم آل حصن أم نساء] ٢١٥/٢

٤٣٢ ـ وإمّا أن يقولوا قد أبينا

فشرّ مواطن الحسب الإباء ١٢٢/٣

٥٦٩ ـ فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء ٢٥٧/٣

٥٩٦ ـ وجحود من جحد الصّباح إذا بدا

من بعد ما انتشرت له الأضواء

ما دلّ أنّ الفجر ليس بطالع

بل إنّ عينا أنكرت عمياء ٢٨/٤

٧٠٣ ـ وآنيت العشاء إلى سهيل

أو الشّعرى فطال بي الأناء ١٩٥/٤

١٥٦ ـ وحاتم الطائيّ وهاب المئي ٢١١/١

٤٢٢ ـ [تجانف عن جوّ اليمامة ناقتي]

وما قصدت من أهلها لسوائكا ١٣٣/٣

٥٩٢ ـ يرمون بالخطب الطّوال وتارة

وحي الملاحظ خيفة الرّقباء ٢٢/٤


٦٤٢ ـ تقطّع بيننا الحاجات إلّا

حوائج يعتسفن مع الجريء ١٣٥/٤

٧١٩ ـ يا عثم أدركني فإنّ ركيّتي

صلدت فأعيت أن تفيض بمائها ٢٠٠/٤

٧٧٤ ـ من لد شولا فإلى إتلائها ٢٦٥/٤

قافية الباء

٢٤٥ ـ ومن يناد آل يربوع يجب

يأتيك منهم خير فتيان العرب ٣٢٨/١

٦٧٢ ـ يا من يدلّ عزبا على عزب ١٧١/٤

٥٣٧ ـ فلم يزل يبتزّه دهره

ما فيه من بطش وعود صليب ٢١٩/٣

٢٤٦ ـ لأنكحنّ ببه

جارية خديّه

مكرمة محبّه ٣٢٨/١

٢٦٨ ـ يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي

وكان ذهابهنّ له ذهابا ١٩/٢

٢٨٥ ـ مرسّعة بين أرساعه

[به عسم يبتغي أرنبا] ٥٧/٢

٢٩٦ ـ يبسط للأضياف وجها رحبا

بسط ذراعين لعظم كلبا ٨٤/٢

٤٤٧ ـ أرى رجلا منهم أسيفا كأنّما

يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا ,١٥٧٣ ، ١٥٧

٤٩٩ ـ فغضّ الطّرف [إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا] ١٧٣/٣

٥٠٩ ـ لم يمنع النّاس منّي ما أردت ولا

أعطيتهم ما أرادوا حسن ذا أدبا ١٨٣/٣

٥١٧ ـ لن تراها ولو تأمّلت إلّا

ولها في مفارق الرّأس طيبا ١٨٧/٣

٥٤٣ ـ إذا لم يكن إلّا الأسنّة مركب

فلا أر للمحتاج إلّا ركوبها ٢٢٧/٣

٦٧٣ ـ حتّى إذا ذرّ قرن الشّمس صبّحها

أضري ابن قرّان بات الوحش والعزبا ١٧٣/٤

٣١ ـ [فمن يك أمسى بالمدينة رحله]

فإنّي وقيّارا بها لغريب ٥٢/١

٤١ ـ وإنّي وقفت اليوم والأمس قبله

ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب ٩٢/١

٦٨ ـ تلوّم يهياه بياه وقد مضى

من اللّيل جوز واسبطرّت كواكبه ١٢٠/١

١٦٢ ـ [ولكن ديافيّ أبوه وأمه

بحوران] يعصرن السليط أقاربه ٣١٢/١ ، ٣١٢


١٨٠ ـ يرجّي المرء ما إن لا يراه

[وتعرض دون أبعده الخطوب] ٢٣٢/١

٢١٢ ـ لا بارك الله في الغواني هل

يصبحن إلّا لهنّ مطّلب ٣٠٢/١

٢١٨ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلّا ببين غرابها ٣٠٦/١

٢٥٦ ـ [طعامهم لئن أكلوا معدّ]

وما إن لا تحاك لهم ثياب ٢٣٨/١

٢٦٩ ـ بآية قام ينطق كلّ شيء

وخان أمانة الدّيك الغراب ٢١/٢

٢٩٥ ـ [كذاك أدّبت حتى صار من خلقي]

أنّي رأيت ملاك الشّيمة الأدب ٦٥/٢

٣٤١ ـ [هذا لعمركم الصّغار بعينيه]

لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب ٢٤٣/٢

٣٨٠ ـ تتابعن حتّى لم تكن لي ريبة

ولم يك عمّا خبّروا متعقّب ٨١/٣

٣٩٦ ـ فظلّ لنا يوم لذيذ بنعمة

فقل في مقيل نحسه متغيّب ٨٨/٣

٤٠٥ ـ وقد عاد عذب الماء بحرا فزادني

على ظمئي أن أبحر المشرب العذب ٩٤/٣

٤٦٩ ـ كأنّهنّ خوافي أجدل قرم

ولّى ليسبقه بالأمعز الخرب ١٦٢/٣

٤٩٠ ـ ليس بالمنكر أن برّزت سبقا

غير مدفوع عن السّبق العراب ١٦٩/٣

٥٠٢ ـ فإنّك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب ١٧٥/٣

٥٠٨ ـ هجرت غضوب وحبّ من يتغضّب

[وعدت عواد دون وليك تشعب] ١٨٣/٣

٥٣٩ ـ هذا سراقة للقرآن يدرسه

[والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب] ٢٢٢/٣

٥٦٠ ـ وغيّرها عن وصلها الشّيب إنّه

شفيع إلى بعض الخدود مدرّب ٢٤٨/٣

٦٤٠ ـ ثممت حوائجي ووذأت بشرا

فبين معرّس الرّكب السّغاب ١٣٥/٤

٦٤٤ ـ ولي ببلاد السّند عند أميرها

حوائج جمّات وعندي ثوابها ١٣٦/٤

٦٧٤ ـ تجلو البوارق عن مجر مّز لهق

كأنّه متقبّي يلمق عزب ١٧٤/٤

٦٩٨ ـ فلست لإنسيّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السّماء يصوب ١٩٤/٤

٧١٢ ـ سواسية سود الوجوه كأنّما

بطونهم من كثرة الزّاد أوطب ١٩٨/٤

٧٢٧ ـ فهذي سيوف يا صديّ بن مالك

كثير ولكن أين بالسّيف ضارب ٢٠٥/٤

٧٣٧ ـ يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد

وعينا له حولاء باد عيوبها ٢٠٩/٤


٧٥٠ ـ وكلّ أناس قاربوا قيد فحلهم

ونحن خلعنا قيده فهو سارب ٢٢٥/٤

٧٧٥ ـ [فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت

جنى النحل] أو ما زوّدت منه أطيب ٢٨٤/٤

٢٥ ـ ف بالعقود وبالأيمان لا سيما

عقد وفاء به من أعظم القرب ٤٥/١

٧٤ ـ أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا

وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب ١٢٤/١

٩٥ ـ يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم

[أن ليس وصل إذا انحلّت عرا الذّنب] ١٥٦/١

١٢٠ ـ كلمع أيدي مثاكيل مسلّبة

يندبن ضرس بنات الدّهر والخطب ١٧٨/١

١٢٨ ـ أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت

به الخوف والأعداء من كلّ جانب ١٩٦/١

١٥٥ ـ [أبلغ أبا دختنوس مألكة]

غير الّذي قد يقال ملكذب ٢١١/١

١٦٦ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم

[ولكنّ سيرا في عراض المواكب] ٣١٨/١

١٧٨ ـ [فما سوّدتني عامر عن وراثة]

أبي الله أن أسمو بأمّ ولا أب ٣٣١/١

١٨١ ـ ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

[كاليوم هانىء أينق جرب] ٣٣٣/١

١٩٢ ـ إذن والله نرميهم بحرب

[يشيب الطّفل من قبل المشيب] ٢٥٣/١

٢٣٢ ـ [وعدت وكان الخلف منك سجيّة]

مواعيد عرقوب أخاه بيثرب ٣٢٢/١ ،١٩٦/٢,٣٢٣

٢٣٥ ـ تدرّي فوق متنيها قرونا

على بشر وآنسة لباب ٣٢٤/١

٢٥٠ ـ فلولا الله والمهر المفدّى

لرحت وأنت غربال الإهاب ٣٣٠/١

٢٩٠ ـ فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب ٦١/٢

٢٩١ ـ فإن تنأعنها حقبة لا تلاقها

فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب ٦٢/٢

٣٠٥ ـ إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل أذاعت غزلها في القرائب ٩٠/٢

٣٢٦ ـ أمرتك الخير [فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب] ١٧١/٢

٣٣٠ ـ [صريع غوان راقهنّ ورقنه]

لدن شاب حتّى شاب سود الذّوائب ١٨٥/٢

٣٦٣ ـ سراة بني أبي بكر تساموا

على ـ كان ـ المسوّمة العراب ٥٠/٣

٣٨١ ـ وأطنابه أرسان جرد كأنّها

صدور القنا من بادىء ومعقّب ٨١/٣


٣٨٢ ـ كأنّ على أعرافه ولجامه

سنا ضرم من عرفج متلهّب ٨١/٣

٣٩١ ـ ذعرت قلاص الثّلج تحت ظلاله

بمثنى الأيادي والمنيح المعقّب ٨٣/٣

٤٤١ ـ [إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه]

تقول : هزيز الرّيح مرّت بأثأب ١٣٧/٣

٤٥٩ ـ حتّى استغثن بأهل الملح ضاحية

يركضن قد قلقت عقد الأطانيب ١٥١/٣

٤٧٧ ـ وكمتا مدمّاة كأنّ متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب ١٦٣/٣ ، ١٤٩/٤ ، ١٥٦

٤٧٩ ـ وإذا تنوّر طارق مستطرق

نبحت فدلّته عليّ كلابي ١٦٤/٣

٥١١ ـ كخطّاب ليلى يا لبرثن منكم

أدلّ وأمضى من سليك المقانب ١٨٣/٣

٥٧٢ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة

إنّ الرّياضة لا تنصبك للشيّب ٦/٤

٥٧٦ ـ أشليت عنزي ومسحت قعبي ٨/٤

٥٨٥ ـ فما كلّ ذي نصح بمؤتيك نصحه

٦١٠ ـ كأنّ يدي حربائها متشمّسا

وما كلّ مؤت نصحه بلبيب ١٩/٤

٦٦٦ ـ طلبت فلم أدرك بوجهي فليتني

يدا مذنب يستغفر الله تائب ٤٧/٤

٦٧٧ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم

قعدت ولم أبغ النّدى بعد سائب ١٥٧/٤

٦٨٥ ـ إنّ من لام في بني بنت حسّا

ولكنّ سيرا في عراض المواكب ١٧٦/٤،١٧٧،١٨١

٧١٧ ـ خليليّ مرّا بي على أمّ جندب

ن ألمه وأعصه في الخطوب ١٨٥/٤

لأقضي حاجات الفؤاد المعذّب

ألم تر أنّي كلّما جئت طارقا

٧٧٢ ـ وكيف أواصل من أصبحت

وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب ٢٠٠/٤

خلالته كأبي مرحب ٢٦٣/٤

قافية التاء

٣٤ ـ الله نجاك بكفي مسلمت ٥٦/١

٧٦٥ ـ هي النّفس تحمل ما حمّلت ٢٥٢/٤

١٢٩ ـ يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته

سائل بني أسد ما هذه الصّوت ١٩٦/١

٦٠٤ ـ فيا ليت الأطبّا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الأساة ٤٥/٤


٩٩ ـ أري عينيّ ما لم تر أياه

[كلانا عالم بالتّرّهات] ١٥٨/١

١١١ ـ [...]

إذا ما العوالي بالعبيط احمأرّت ١٧٤/١

١١٢ ـ وللأرض أمّا سودها فتجلّلت

بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت ١٧٤/١

٢٥٩ ـ وأيّ فتى هيجاء أنت وجارها

[إذا ما رجال بالرّجال استقلّت] ٣٤٢/١

٢٦٥ ـ فما لكم ـ إن لم تحوطوا ذماركم ـ

سوام ولا دار بحتّى ورامة ١٠/٢

٣٢٥ ـ أغار على معزاي لم يدر أنّني

وصفراء منها عبلة الصّفرات ١٧٠/٢

قافية الثاء

٣٤٢ ـ جاءك سلمان أبو هاشما

فقد غدا سيّدها الحارث ٤/٣

قافية الجيم

٢٢ ـ واحذر ولا تكتر كريّا أعرجا ١/٣٦

٢٣٧ ـ ومهمه هالك من تعرّجا ٣٦/١

٣٨٥ ـ كأنّما يستضرمان العرفجا

فوق الجلاذيّ إذا ما أمججا ٣٢٥/١

٦٥٠ ـ حتّى إذا ما قضت الحوائجا

وملأت حلّابها الخلانجا ٨٢/٣

٣٦٠ ـ شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهن نئيج ١٣٦/٤

٦٣٩ ـ فسيّان بيت العنكبوت وجوسق

رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج ٤٤/٣

٤٣٨ ـ [إنّي أتيحت لي يمانية]

إحدى بني الحارث [من مذحج] ١٣٦/٣

٦٤١ ـ يا ربّ ربّ القلص النّواعج

مستعجلات بذوي الحوائج ١٣٥/٤

٦٥١ ـ بدأن بنا لا راجيات لحاجة

ولا يائسات من قضاء الحوائج ١٣٦/٤

قافية الحاء

١١٧ ـ [فطرت بمنصلي في يعملات]

دوامي الأيد يخبطن السّريحا ١٧٨/١

١٣٨ ـ يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا ١٩٩/١

٧١٨ ـ فقلت لصاحبي لا تحبسانا

بنزع أصوله واجتزّ شيحا ٢٠٠/٤

١٥ ـ وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة

فبح لان منها بالّذي أنت بائح ٣٢/١


٨٩ ـ أتقرح أكباد المحبّين كالّذي

أرى كبدي من حبّ ميّة تقرح ١٤٥/١

٢١٦ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطّوائح ١ ٣٠٥/

٣٤٧ ـ ألا إنّ جيراني العشيّة رائح

[دعتهم دواع للهوى ومنادح] ١٦/٣ ، ٨٠

٣٦٢ ـ نهيتك عن طلابك أمّ عمرو

بعافية ، وأنت إذ صحيح ٤٩/٣

٣٦٥ ـ يا بؤس للحرب [التي

وضعت أراهط فاستراحوا] ٥٢/٣

٣٨٩ ـ مفدّى مؤدّى باليدين ملعّن

خليع لحام فائز متمنّح ٨٣/٣

٣٩٠ ـ بأيديهم مقرومة ومغالق

يعود بأرزاق العيال منيحها ٨٣/٣

٥٦٣ ـ تغيّرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبر قبيح

تغيّر كلّ ذي طعم ولون

وقلّ بشاشة الوجه المليح ٢٥٠/٣

٧٣٣ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لابراح ٢٠٨/٤ ، ٢١٥

١٠٢ ـ فأنت من الغوائل حين ترمى

ومن ذمّ الرّجال بمنتزاح ١٦٤/١

٣١٧ ـ [فما أدري وكلّ الظنّ ظنّي]

أمسلمني إلى قومي شراحي ١١٢/٢

٣٢٩ ـ [أبحت حمى تهامة بعد نجد]

وما شيء حميت بمستباح ١٧٧/٤

٦٧٩ ـ وبعد غد يا لهف نفسي من غد

إذا راح أصحابي ولست برائح ١٧٧/٤ ، ١٩٠

قافية الخاء

٧٣٤ ـ والله لو لا أن تحشّ الطّبّخ

بي الجحيم حين لا مستصرخ ٢٠٨/٤

٧٤٦ ـ [أما الملوك فأنت ألأمهم]

فأنت أبيضهم سربال طبّاخ ٢١٩/٤

قافية الدال

٨١ ـ عاضها الله غلاما بعد ما

شابت الأصداغ والضّرس نقد ١٢٩/١

٥٨٢ ـ ألا قل لسكّان وادي الحمى

هنيئا لكم في الجنان الخلود


أفيضوا علينا من الماء فيضا

فنحن عطاش وأنتم ورود ١٦/٤ ، ٣٢

٩ ـ وإن رأيت الحجج الرّواددا

قواصرا بالعمر أو مواددا ٣١/١

٤٥ ـ [بما لم تشكروا المعروف عندي]

وإن شئتم تعاودنا عوادا ١٠٨/١

٦٩ ـ وكيف ينال الحاجبيّة آلف

بيليل ممساه وقد جاوزت رقدا ١٢٠/١

٧٣ ـ إنّي امرؤ من بني خزيمة لا

أحسن قتو الملوك والحفدا ١٢٣/١

٨٣ ـ أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّي السّلام وأن لا يشعرا أحدا ١٤٢/١

١١٦ ـ وأخو الغوان متى يشأ يصير منه

[ويكنّ أعداء بعيد وداد] ١٧٨/١

٢٨٧ ـ وأنا النّذير بحرّة مسوّدة

يصل الأعمّ إليكم أقوادها

أبناؤها متكنّفون أباهم

حنقو الصّدور وما هم أولادها ٦٠/٢

٣١٦ ـ أقائلنّ أحضروا الشهودا ١١١/٢

٣٦٧ ـ معاوي إنّنا بشر فأسجح

٣٦٨ ـ حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة

فلسنا بالجبال ولا الحديدا ٥٤/٣

شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا ٦٣/٣

٣٧٣ ـ فإن تبدّلت بآدي آدا

لم يك ينآد فأمس انآدا

فقد أراني أصل القعّادا ٧٣/٣

٥٢٥ ـ فآليت لا أرثي لها من كلالة

ولا من حفى حتّى تزور محمّدا ٢٠٨/٣

٥٣٥ ـ ومن قبل آمنّا وقد كان قومنا

يصلّون للأوثان قبل محمّدا ٢١٧/٣

٥٤٦ ـ ربّيته حتّى إذا تمعددا

وآض نهدا كالحصان أجردا

٦٩٢ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

كان جزائي بالعصا أن أجلدا ٢٣١/٣ ، ٢٦٧/٤

٧٠٦ ـ أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى

[وعادك ما عاد السليم المسهّدا] ١٨٨/٤

٧٥٨ ـ هو الجدّ حتّى تفضل العين أختها

وحزرة لو أضاء لي الوقودا ١٩٦/٤

١٧ ـ ألا يا هند هند بني عمير

وحتّى يكون اليوم لليوم سيّدا ٢٤٦/٤ ، ٢٥٢

٤٩ ـ فمضت وقد صبغ الحياء بياضها

أرثّ لان وصلك أم جديد؟؟ ٣٣/١

لوني كما صبغ اللّجين العسجد ١٠٩/١


٩٦ ـ لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى

[وجعدة إذ أضاءهما الوقود] ١٥٧/١

١٧٩ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

[على السّنّ خيرا لا يزال يزيد] ٢٣٢/١

١٩٦ ـ على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى

قضيّته أن لا يجور ويقصد ٢٥٩/١

٢٩٨ ـ فإن يمس مهجور الفناء فربّما

أقام به بعد الوفود وفود ٨٧/٢

٣١٨ ـ [عزمت على إقامة ذي صباح]

لأمر ما يسوّد من يسود ١١٩/٢

٣٢٨ ـ [يلومونني في حبّ ليلى عواذلي]

ولكنّني من حبّها لعميد ١٨١/٢

٤٢٤ ـ أرض لها شرف سواها مثلها

لو كان مثلك في سواها يوجد ١١٧/٣

٤٣١ ـ وقد علم الأقوام ما كان داؤها

بثهلان إلّا الخزي ممّن يقودها ١٢٢/٣

٤٥٤ ـ إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا

وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا ١٤٧/٣

٤٦٥ ـ فجاءت إلينا والدّجى مدلهمّة

رغوث شتاء قد تترّب عودها ١٥٣/٣

٤٧٢ ـ ألا هل أتاها على بابها

بما فضحت قومها غامد ١٦٢/٣

٥٠٥ ـ [ربحلة] أسمر مقبّلها

سبحلة] أبيض مجرّدها ١٧٧/٣

٥٥٥ ـ غلامان خاضا الموت من كلّ جانب

فآبا ولم تعقد وراءهما يد

متى يلقيا قرنا فلا بدّ أنّه

سيلقاه مكروه من الموت أسود ٢٤٥/٣

٥٩٣ ـ أفيضوا علينا من الماء فيضا

فنحن عطاش وأنتم ورود ٢٣/٤

٦٠٩ ـ أأبيّ لا تبعد فليس بخالد

حيّ ومن يصب الحمام بعيد ٤٦/٤

٦٧٠ ـ عد النّفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا

كذا وكذا لطفا به ، نسي الجهد ١٦٢/٤

٧٢٥ ـ حتّى كأنّ حزون القفّ ألبسها

من وشي عبقر تجليل وتنجيد ٢٠٤/٤

٧٤٢ ـ أقلّ فعالي بله أكثره مجد

[وذا الجدّ فيه نلت أم لم أنل جدّ] ٢١٥/٤

٢٩ ـ [يا من رأى عارضا أسرّ به]

بين ذراعي وجبهة الأسد ٥١/١ ، ٢٦٩

٥٠ ـ ألم تر أنّني ولكلّ شيء

إذا لم توت وجهته تعادي

أطعت الآمريّ بصرم ليلى

ولم أسمع بها قول الأعادي ١١٣/١


٨٠ ـ أهان دمّك فرغا بعد عزّته

يا عمرو بغيك إصرارا على الحسد

فقد شقيت شقاء لا انقضاء له

وسعد مرديك موفور على الأبد ١٢٦/١

١٠٣ ـ ومن يتّق فإن الله معه

[ورزق مؤتاب وغادي] ٢٠٨/١ ، ٢٠٨

١١٤ ـ [أزف الرحيل غير أنّ ركابنا]

لمّا تزل برحالنا وكأن قد ٣٠٩/١ ، ٣٠٩

٢٣٠ ـ يا عين هلّا بكيت أربد إذ

قمنا وقام الخصوم في كبد ٣٢١/١

٢٦٣ ـ [ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه]

ولا أحاشي من الأقوام من أحد ٨/٢

٢٧٩ ـ [الذئب يطرقها في الدهر واحدة]

وكلّ يوم تراني مدية بيدي ٤٨/٢

٢٨٩ ـ دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد ٦١/٢

٣١٠ ـ [إن الرزيّة لا رزيّة مثلها]

فقدان مثل محمّد ومحمّد ٩٩/٢

٣١٤ ـ إذا ما مات ميت من تميم

فسرّك أن يعيش فجىء بزاد :

بخبز أو بتمر أو بسمن

أو الشيء الملفف في البجاد ١٠٣/٢

٣١٥ ـ إذا الخمس والخمسين جاوزت فارتقب

[قدوما على الأموات غير بعيد] ١٠٨/٢

٣٣٦ ـ فما جمع ليغلب جمع قومي

مقاومة ، ولا فرد لفرد ٢١٧/٢

٣٤٨ ـ قدني من نصر الخبيبين قدي

[ليس الإمام بالشحيح الملحد] ٢٣/٣

٣٥٠ ـ ثلاثة أيّام هي الدّهر كلّه

وما هي غير اليوم والأمس والغد ٢٨/٣

٣٦٩ ـ فإذا وذلك لا مهاه لذكره

والدّهر يعقب صالحا بفساد ٦٤/٣

٣٧٠ ـ فلولا الشّهى والله كنت جديرة

بأن أترك اللّذّات في كلّ مشهد

وحقّ لعمري أنّه غاية الرّدى

وليس شهى لذّاتنا بمخلّد ٦٥/٣

٣٧٤ ـ أبصارهنّ إلى الشّبّان مائلة

وقد أراهنّ عنّي غير صدّاد ٧٣/٣

٣٨٣ ـ سبوحا جموحا وإحضارها

كمعمعة السّعف الموقد ٨٢/٣

٤٧٤ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد ١٦٣/٣

٤٧٥ ـ أرجو وأخشى وأدعو الله مبتغيا

عفوا وعافية في الرّوح والجسد ١٦٣/٣


٤٧٦ ـ إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن في الغيب أحفظ للودّ

وألغ أحاديث الوشاة فقلّما

يحاول واش غير هجران ذي عهد ١٦٣/٣

٤٩٢ ـ [إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم]

ولا تصحب الأردى فتردى مع الرّدي ١٦٩/٣

٥١٣ ـ وقد علتني ذرأة بادي بدي

ورثية تنهض في تشدّدي ١٨٥/٤

٥٧٨ ـ كأنّه خارجا من جنب صفحته

[سفّود شرب نسوه عند مفتأد] ١١/٤

٦٢١ ـ مهلا فداء لك الأقوام كلّهم

وما أثمّر من مال ومن ولد ٧٥/٤

٧٠٨ ـ وذي فخوات طامح الطّرف جاذبت

حبالي فلوّى من علابيّه مدّي ١٩٧/٤

قافية الذال

٢٢٠ ـ أبني كليب إن عمّيّ اللّذا ٣١١/١

قافية الراء

٤ ـ يا سارق اللّيلة أهل الدّار ٢٢/١ ، ٢٣ ، ٢٦

٦ ـ تقضّي البازي [إذا البازي كسر] ٢٩/١

١٨ ـ في أيّ يوميّ من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر ٣٥/١ ، ١٥٨

٩٧ ـ قد يؤخذ الجار بجرم الجار ١٥٧/١

١٠٦ ـ أصحوت اليوم أم شاقتك هر

[ومن الحبّ جنون مستعر] ١٦٧/١

١٦٩ ـ في بئر لا حور سرى وما شعر ٢٢٣/١

٢٨٢ ـ فأقبلت زحفا على الرّكبتين

فثوب عليّ ، وثوب أجر ٥٤/٢

٣٢٤ ـ في جفان تعتري نادينا

وسديف حين هاج الصّنّبر ١٦٩/٢

٣٧٢ ـ له متنتان خظاتا كما

أكبّ على ساعديه النّمر ٧٢/٣

٤٤٢ ـ برهرهة رؤدة رخصة

كخرعوبة البانة المنفطر


فتور القيام قطيع الكلا

م تفترّ عن ذي غروب خصر ٣ ١٤٢/ ، ١٥٦

٤٥٣ ـ فتور القيام قطيع الكلا

م تفترّ عن ذي غروب خصر ١٤٦/٣

٤٩٧ ـ لو طبخت قدر على فرسخ

أو بذرى نيق بأعلى الثّغور

وكان يحمي القدر كلّ الورى

بكلّ ماضي الحدّ عضب بتور

وكنت في السّند لوافيتها

يا عالم الغيب بما في القدور ١٧٢/٣

٦٢٣ ـ إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ٧٨/٤

٦٧١ ـ فأنشب أظفاره في النّسا

فقلت : هبلت ألا تنتصر ١٧١/٤ ، ١٧٣

٧٢٤ ـ هل تعرف الدّار بأعلى ذي القور

قد درست غير رماد مكفور

مكتئب اللّون مريح ممطور

أزمان عيناء سرور المسرور

٧٦ ـ أولى فأولى بامرىء القيس بعد ما

حوراء عيناء من العين الحير ٢٠٣/٤

٢٤٢ ـ فأصبح جاراكم قتيلا ونافيا

خصفن بآثار المطيّ الحوافرا ١٢٥/١

٢٦٤ ـ ماذا ابتغت حتى إلى حلّ العرى

[أصمّ فزادوا في مسامعه وقرا] ٣٢٦/١

٣٣٣ ـ [إنّي وأسطار سطرن سطرا]

أحسبتني جئت من وادي القرى ٩/٢

٣٣٤ ـ إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده

لقائل : يا نصر نصر نصرا ٢٠٥/٢

٣٤٩ ـ إذا أخذ القرطاس خلت يمينه

أطال فأملى ، أو تناهى فأقصرا ٢١٣/٢

٣٩٩ ـ سألنا من أباك سراة تيم

تفتّح نورا ، أو تنظّم جوهرا ٢٧/٣

٤٠٩ ـ وهم أهلات حول قيس بن عاصم

فقال : أبي تسوّده نزارا ٩٠/٣

٤١٧ ـ [فهذا يعدّ لهنّ الغلى]

إذا أدلجوا باللّيل يدعون كوثرا ١٠٧/٣

٤١٩ ـ ها أنذا آمل الخلود وقد

ويجمع ذا بينهنّ الإصارا ١١٠/٣

٤٢٥ ـ حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة

أدرك عقلي ومولدي حجرا ١١٣/٣

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا ١١٧/٣


٤٤٣ ـ له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم

قريب ولا البسباسة بنة يشكرا ١٤٢/٣ ،١٤٧

٤٤٨ ـ وقائع في مضر تسعة ١٤٧

وفي وائل كانت العاشرة ١٤٤/٣

٤٦٦ ـ إنارة العقل مكسوف بطوع هوى

[وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا] ١٥٥/٣

٥٠١ ـ الشّمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا ١٧٤/٣

٥٠٦ ـ سلع ما ومثله عشر ما

عائل ما وعالت البيقورا ١٧٨/٣

٥٤١ ـ على لاحب لا يهتدى بمناره

[إذا سافه العود الدّيافيّ جرجرا] ٣٢٤/٣

٥٤٨ ـ لطالما جررتكنّ جرّا

حتّى نوى الأعجف واستمرّا

٥٤٩ ـ فإن جاوزت مقفرة رمت بي

فاليوم لا آلو الرّكاب شبرا ٢٣٣/٣

٥٥٠ ـ المطعمين لدى الشّتا

إلى أخرى كتلك هلمّ جرّا ٢٣٣/٣

ء سدائفا مل نيب غرّا

في الجاهليّة كان سؤ

٥٩١ ـ لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

دد وائل فهلمّ جرّا ٢٣٣/٣

٦٣٣ ـ والذئب أخشاه إن مررت به

لن تبلغ المجد حتّى تلعق الصّبرا ٢١/٤

٦٣٧ ـ فلمّا قرعنا النّبع بالنّبع بعضه

وحدي وأخشى الرّياح والمطرا ١١٣/٤

٦٣٨ ـ وأصفر من ضرب دار الملوك

ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا ١٢٩/٤

٦٨٠ ـ ألا ليت شعري هل إلى أمّ معمر

تلوح على وجهه جعفرا ١٣٣/٤

٦٨١ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء

سبيل فأمّا الصبر عنها فلا صبرا ١٧٨/٤

٦٩٠ ـ أكلّ امرىء تحسبين امرأ

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا ١٧٩/٤

٦٩٧ ـ أطرق كرا أطرق كرا

ونار توقّد باللّيل نارا ١٨٧/٤

٧٥٧ ـ لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم

إنّ النّعام في القرى ١٩٣/٤

٧٦٣ ـ إنّ ابن عبد الله نع

لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا ٢٥٠/٤ ، ٢٥٠

٢٧ ـ تنظّرت نسرا والسّماكين أيهما

م أخو النّدى وابن العشيره ٢٥٠/٤

 [عليّ من الغيث استهلّت مواطره] ٤٧/١


٤٠ ـ [ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت]

فإنّما هي إقبال وإدبار,٣٢٠ ٩٠/١ ،١٩٦/٢

٨٨ ـ [مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت] ٣٢٠ ، ٢

بخران أو بلغت سوآتهم هجر ١٤٤/١

١٠١ ـ وإنّني حيثما يسري الهوى بصري

من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور ١٦٤/١

١٣١ ـ فكان مجنّي دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص : كاعبان ومعصر ١٩٧/١

١٤٠ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينه إن مولاه ثاب له وفر ١٩٩/١

١٥٢ ـ [وما علينا إذا ما كنت جارتنا]

ألا يجاورنا إلّاك ديّار ٢٠٩/١

١٥٤ ـ كأنها ملآن لم يتغيّرا

[وقد مرّ بالدّارين من بعدنا عصر] ٢١١/١

١٥٨ ـ [حتى كأنّ لم يكن إلا تذكّره]

والدّهر أيّتما حال دهارير ٢١٢/١

١٦٨ ـ يموت أناس أو يشيب فتاهم

ويحدث ناس والصّغير فيكبر ٢٢٢/١

١٨٨ ـ [فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش] وإذا ما مثلهم بشر ٦٠/٢ ، ٢٤٢/١

٢٢٢ ـ له زجل كأنّه صوت حاد

[إذا طلب الوسيقة أو زمير] ٣١٧/١

٢٤٠ ـ فلا تغضبا من سيرة أنت سرتها

فأوّل راضي سنّة من يسيرها ٣٢٥/١

٢٥٧ ـ حتى يكون عزيزا في نفوسهم

أو أن يبين جميعا وهو مختار ٣٤١/١

٢٦٦ ـ بينما النّاس على عليائها

إذ هووا في هوّة فيها فغاروا ١٨/٢

٢٩٢ ـ ولكنّ أجرا لو علمت بهيّن

[وهل ينكر المعروف في النّاس والأجر] ٦٢/٢

٣٠٧ ـ ولهت عليه كلّ معصفة

هو جاء ليس للبّها زبر ٩٣/٢

٣٤٦ ـ يا تيم تيم عديّ [لا أبا لكم

لا يوقعنّكم في سوءة عمر] ٩٨/٣ ، ١٩٧

٣٥٧ ـ فقلنا : أسلموا إنّا أخوكم

فقد برئت من الإحن الصّدور ٤٣/٣

٤١٨ ـ المرء يأمل أن يعي

ش وطول عيش قد يضرّه ١١٣/٣

٤٢٧ ـ قامت تبكّيه على قبره

من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدّار ذا غربة

قد ذلّ من ليس له ناصر ١١٩/٣ ، ١٤٥ ، ١٥٤


٤٢٩ ـ وأنت التي حبّبت كلّ قصيرة

إليّ وما تدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا شرّ النّساء البحاتر ١٢٠/٣

٤٣٤ ـ ولكن أهلكت لوّ كثيرا

وقبل اليوم عالجها قدار ١٢٥/٣

٤٣٦ ـ وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر ١٣٠/٣

٤٤٤ ـ أتنفعك الحياة وأمّ عمرو

قريب لا تزور ولا تزار ١٤٢/٣ ، ١٤٧

٤٥٢ ـ بغي النّفوس معيدة نعماءها

نقما وإن عمهت وطال غرورها ١٤٥/٣

٤٥٥ ـ نعم القرين وكنت علق مضنّة

وأرى بنعف بليّة الأحجار ١٤٩/٣

٤٦٧ ـ يبكي الغريب عليه ليس يعرفه

وذو قرابته في الحيّ مسرور ١٥٧/٣

٥٢٢ ـ لهفي عليك للهفة من خائف

يبغي جوارك حين ليس مجير ٢٠٥/٣

٥٥٢ ـ ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها

شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر ٢٤١/٣

٥٦٨ ـ ما رأينا خربا نق

قر عنه البيض صقر

لا يكون العير مهرا

لا يكون المهر مهر ٢٥٤/٣

٥٨٣ ـ فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى

فلا خير في اللّذّات من دونها ستر ١٧/٤

٥٨٩ ـ عليّ نحت القوافي من معادنها

وما عليّ إذا لم تفهم البقر ٢١/٤

٥٩٩ ـ وما النّفس إلّا نطفة في قرارة

إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها ٢٩/٤

٦١١ ـ وإنّي لتعروني لذكراك فترة

كما انتفض العصفور بلّله القطر ٤٩/٤

٦١٢ ـ إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها

كما انتفض العصفور بلّله القطر ٥٠/٤

٦١٧ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها ٦٣/٤

٦٤٧ ـ فإن أصبح تحاسبني هموم

ونفس في حوائجها انتشار ١٣٦/٤

٦٥٣ ـ [وغيّره ماء الورد فاها فلونه

كلون النّؤور] وهي أدماء سارها ١٣٧/٤

٦٩٦ ـ فقلت اصطحبها أو لغيري فاهدها

فما أنا بعد الشّيب ويبك والخمر


تجاللت عنها في السّنين التي مضت

فكيف التّصابي بعد ما كلأ العمر ١٩٣/٤

٧٠٢ ـ أقول وقد ناءت بهم غربة النّوى

نوّى خيتعور لا تشطّ ديارك ١٩٥/٤

٧٢٢ ـ وأخرى أتت من دون نعم ومثلها

نهى ذا النّهى ، لا يرعوي أو يفكّر ٢٠٢/٤

٧٢٣ ـ إلى السّلف الماضي وآخر واقف

إلى ربرب حير حسان جآذره ٢٠٣/٤

٧٥٥ ـ إنّما زيدا إلينا سائرا

من مكان ضلّ فيه السّائر

فهو يأتينا عشا في سحر

ماله في يده أو عامر ٢٤٤/٤

١١ ـ وأطلس يهديه إلى الزّاد أنفه

أطاف بنا واللّيل داجي العساكر ٣١/١

١٩ ـ [رحب وفي رجليك ما فيهما]

وقد بدا هنك من المئزر ٣٥/١

٣٣ ـ فرأيت ما فيه فثمّ رزئته

[فلبثت بعدك غير راض معمري] ٥٥/١

٣٦ ـ ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها

حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار ٥٨/١

٥٢ ـ جلاها الصّيقلون فأخلصوها

خفافا كلّها يتّقي بأثر ١١٤/١

٦٠ ـ هينون لينون أيسار ذوو يسر

سوّاس مكرمة أبناء أيسار ١١٥/١

٩٣ ـ إنا اقتسمنا خطّتينا بيننا

فحملت برّة واحتملت فجار ١٥٠/١

١٠٤ ـ [رحت وفي رجليك ما فيهما]

وقد بدا هنك من المئزر ١٦٥/١

١٣٢ ـ وإنّ كلابا هذه عشر أبطن

وأنت بريء من قبائلها العشر ١٩٧/١

١٤١ ـ [أقول لمّا جاءني فخره]

سبحان من علقمة الفاخر ١٩٩/١

١٤٨ ـ ومن أنتم إنّا نسينا من انتم

وريحكم من أيّ ريح الأعاصر ٢٠٦/١

١٥١ ـ [بالوارث الباعث الأموات] قد ضمنت

إيّاهم الأرض [في دهر الدهارير] ٢٠٩/١

١٧٧ ـ [هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة

سود المحاجر] لا يقرأن بالسّور ٢٣٠/١

٢٠٠ ـ إلى ملك كاد الجبال لفقده

تزول ، وزال الرّاسيات من الصّخر ٢٨٤/١

٣٠١ ـ باعد أمّ العمرو من أسيرها

[حرّاس أبواب على قصورها] ٨٨/٢

٣٨٨ ـ مطلّا على أعدائه يزجرونه

بساحتهم زجر المنيح المشهّر ٨٧/٣

٣٩٣ ـ من كان مسرورا بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار


يجد النّساء حواسرا يندبنه

قد قمن قبل تبلّج الأسحار

قد كنّ يخبأن الوجوه تستّرا

فالآن حين بدون للنّظّار ٨٥/٣

٤٠٧ ـ ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فسما فأدرك خمسة الأشبار ٩٨/٣

٤٦٤ ـ وأوقد للضّيوف النّار حتّى

أفوز بهم إذا قصدوا لناري ١٥٣/٣

٤٨٧ ـ أولاك بنو خير وشرّ كليهما

[جميعا ومعروف ألمّ ومنكر] ١٦٦/٣

٥٥٦ ـ فتّى إذا عدّت تميم معا

ساداتها عدّوه بالخنصر

ألبسه الله ثياب النّدى

فلم تطل عنه ولم تقصر ٢٤٦/٣

٥٧١ ـ النّازلين بكلّ معترك

والطّيّبون معاقد الأزر ٤/٤

٦٥٤ ـ من كان في نفسه حوجاء يطلبها

عندي ، فإنّي له رهن بإصحار ١٣٨/٤

٧٢٩ ـ والسّتر دون الفاحشات ولا

يلقاك دون الخير من ستر ٢٠٦/٤

٧٣٩ ـ كم عمّة لك يا جرير وخالة

[فدعاء قد حلبت عليّ عشاري] ٢١٣/٤

٧٦٨ ـ ولقد شفيت النّفس من برحائها

أن صار بابك جار مازيّار ٢٥٤/٤

قافية الزاي

٣٩٥ ـ وصاحب أبدأ حلوا مزّا

بحاجة القوم خفيفا نزّا

إذا تغشّاه الكرى ابرخزّا

كأنّ قطنا تحته وقزّا

أو فرشا محشوّة إوزّا ٨٧/٣

٤٢٣ ـ يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي ١١٥/٣

قافية السين

٥٤٢ ـ بمهمه ما لأنيس به

حسّ فما فيه له من رسيس ٢٢٤/٣

٩٢ ـ [أكرّ وأحمى للحقيقة منهم]

وأضرب منّا بالسيوف القوانسا ١٤٨/١ ، ٢٠١/٢

٧٢٠ ـ وداويتها حتّى شتت حبشيّة

كأنّ عليها سندسا وسدوسا ٢٠١/٤

٧٣٦ ـ أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم

وإلّا تقيموا صاغرين الرّؤوسا ٢٠٩/٤

١٢٧ ـ وبلدة ليس بها أنيس ١٩١/١


١٩٩ ـ ورمل كأوراك العذارى قطعته

[إذا ألبسته المظلمات الحنادس] ١/٢٧٩

٢٣٦ ـ سبحلا أبا شرخين أحيا بناته

مقاليتها فهي اللّباب الحبائس ١/٢٣٤

٤٣٥ ـ يا أيّها المشتكي عكلا وما جرمت

إلى القبائل من قتل وإبآس

إنّا كذلك إذ كانت همرّجة

نسبي ونقتل حتى يسلم النّاس ٣/١٢٩

٥١٠ ـ لله يبقى على الأيّام ذو حيد

بمشمخرّ به الظّيّان والآس ٣/١٨٣

٦٦٧ ـ وأسلمني الزّمان كذا

فلا طرب ولا أنس ٤/١٥٨ ، ١٥٩

٧٦٢ ـ إذا أرسلوني عند تقدير حاجة

أمارس فيها كنت نعم الممارس ٤/٢٤٩

٣٥٩ ـ إذا أقول : صحا قلبي أبيح له

سكر متى قهوة سارت إلى الرّأس ٣/٤٣

٣٩٢ ـ وأصفر من قداح النّبع فرع

له علمان من عقب وضرس ٣/٨٣

٤٠٠ ـ ويئست ممّا كان يشعفني

منها ولا يسليك كاليأس ٣/٩١

٦٦٥ ـ [فأين إلى أين النّجاة ببغلتي]

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس ٤/١٥٦

٧٠٧ ـ إمّا تري رأسي أزرى به

مأس زمان ذي انتكاس مؤوس ٤/١٩٦

٧٤١ ـ تنادوا ب «الرّحيل» غدا

وفي ترحالهم نفسي ٤/٢١٤

قافية الضاد

١٢٥ ـ جارية في رمضان الماضي

تقطع الحديث بالإيماض ١/١٨٦

١٣٥ ـ طول اللّيالي أسرعت في نقضي ١/١٩٨

قافية الطاء

٢٣٨ ـ ما راعني إلا جناح هابطا

على البيوت قوطه العلابطا ١/٣٢٥

٤٩٦ ـ كأنّي بك تنحطّ

[إلى اللّحد وتنغطّ] ٣/١٧٢

قافية الظاء

٦٠٣ ـ يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى لأعدائها عائظه

فأمّا الّتي يرتجى خيرها

فأجود جودا من اللّافظه


وأمّا الّتي يتّقى شرّها

فنفس العدوّ بها فائظه ٤/٤٤

قافية العين

١٠٨ ـ يطرق حلما وأناة معا

ثمّت ينباع انبياع الشّجاع ١/١٧٢

٢١٥ ـ يا ربّ أبّاز من العفر صدع

تقبض الذئب إليه واجتمع

لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع ١/٣٠٣

٢٩٧ ـ يا سيّدا ما أنت من سيّد

[موطّأ البيت رحيب الذّراع] ٢/٨٧

٣٥٢ ـ كذاك الّذي يبغي على النّاس ظالما

تصبه على رغم قوارع ما صنع ٣/٢٩

٤٤ ـ [تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى] لو لا كميّ المقنّعا ١/١٠٦

٤٦ ـ [وخير الأمر ما استقبلت منه]

وليس بأن تتبعه اتّباعا ١/١٠٨

١٧٤ ـ ليت شعري عن خليلي ما الّذي

غاله في الحبّ حتّى ودّعه ١/٢٢٧

١٨٤ ـ لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة

[عليك من اللّائي يدعنك أجدعا] ١/٢٣٤

٢٠٤ ـ [فلما أن جرى سمن عليها]

كما طيّنت بالفدان السّياعا ١/٢٨٥

٢٣٣ ـ وما هي إلا في إزار وعلقة

مغار ابن همّام على حيّ خثعما ١/٣٢٣

٢٣٤ ـ كم جرّبوه فما زادت تجاربهم

أبا قدامة ، إلا المجد والفنعا ١/٣٢٣

٢٥٢ ـ [أكفرا بعد ردّ الموت عني]

وبعد عطائك المائة الرّتاعا ١/٢٣٠

٢٦٠ ـ أنا ابن التارك البكريّ بشر

[عليه الطّير ترقبه وقوعا] ١/٣٤٢

٢٨٣ ـ عندي اصطبار ، وشكوى عند قاتلتي

[فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا] ٢/٥٥

٣٤٣ ـ كأن قيود رجلي حين ضمّت

حوالب غرّزا ، ومعى جياعا ٣/٦

٣٥٣ ـ يا ليت أيّام الصّبا رواجعا ٣/٦٨

٣٧١ ـ قد طرقت سلمى بليل هاجعا

يطوي إليها مهوأنّا واسعا

فأرّقت بالحلم ولعا والعا ٣/٣٣

٣٧٩ ـ هم منعوني إذ زياد كأنّما

يرى بي أخلاء بقاع موضّعا ٣/٨٠

٤١٥ ـ أمور لو تدبّرها حليم

لهيّب أو لحذّر ما استطاعا ٣/١٠٨


٥١٦ ـ فكرّت تبتغيه فوافقته

على دمه ومصرعه السّباعا ٣/١٨٧

٥٩٧ ـ لحى الله قوما لم يقولوا لعاثر

ولا لابن عمّ كبّه الدّهر دعدعا ٤/٢٨

٦٢٦ ـ فإن عثرت بعدها إن وألت

نفسي من هاتا فقولا لا لعا ٤/٨٥

٧١٦ ـ فإن تزحراني يا ابن عفّان أنزجر

وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا ٤/١٩٩

٦٥ ـ فألحقت أخراهم طريق ألاهم

[كما قيل نجم قد خوى متتابع] ١/١١٧ ، ١٦٥

١٠٩ ـ بينا تعنّقه الكماة وروغه

يوما أتيح له جريء سلفع ١/١٧٣

١٣٤ ـ لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع ١/١٩٧

١٤٣ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

[فقلت ألمّا أصح والشّيب وازع] ١/٢٠٠

١٤٤ ـ أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع ١/٢٠١

١٤٦ ـ إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكد

إليه بوجه آخر الدّهر ترجع ١/٢٠٣

١٧٥ ـ ويستخرج اليربوع من نافقائه

ومن حجره بالشّيخة اليتقصّع ١/٢٢٨

٢١١ ـ ومنّا الذي اختير الرّجال سماحة

[وجودا إذا هبّ الرياح الزعازع] ١/٢٩٩

٢١٩ ـ إن الخليط باك أجمعه ١/٣٠٩

٣٦٦ ـ من النّفر اللّاء الذين إذا هم

٤٠٤ ـ أخذنا بآفاق السّماء عليكم

يهاب اللّئام حلقة الباب قعقعوا ٣/٥٢

٤٠٦ ـ وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى

لنا قمراها والنّجوم الطّوالع ٣/٩٣

٤١٤ ـ إذا لم تستطع شيئا فدعه

ثلاث الأثافي والرّسوم البلاقع ٣/٩٨ ، ١٦٣

٤٤٠ ـ [أرميعليها]وهيفرع أجمع ٣/١٣٧، ١٣٨

وجاوزه إلى ما تستطيع ٣/١٠٨

٤٥٦ ـ فسقاك حين حللت غير فقيدة

هزج الرّواح وديمة لا تقلع ٣/١٤٩

٤٨٥ ـ بعكاظ يعشي النّاظري

ن إذا هم لمحوا شعاعه ٣/١٦٤


٤٩١ ـ مقالة أن قد قلت [سوف أناله

وذلك من تلقاء نفسك رائع] ٣/١٦٩

٤٩٣ ـ أتاني أبيت اللّعن أنّك لمتني

وتلك التي تستك منها المسامع

مقالة أن قد قلت

 ... ٣/١٦٩

٥٤٠ ـ مضى زمن والناس يستشفعون بي

[فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع] ٣/٢٣٣

٦١٦ ـ ولست أبالي بعد فقدي مالكا

أموتي ناء أم هو الآن واقع ٤/٨٥

٦٢٧ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع ٤/٨٦

٧٧١ ـ طمعت بليلى أن تريع وإنّما

تقطّع أعناق الرّجال المطامع

وبايعت ليلى في خلاء ولم يكن

شهود على ليلى عدول مقانع ٤/٢٦٢

٧٧٣ ـ لكالرّجل الحادي وقد تلع الضّحى

وطير المنايا فوقهنّ أواقع ٤/٢٦٥

٥٣ ـ قصرت له القبيلة إذ تجهنا

ومما ضاقت بشدّته ذراعي ١/١١٤

١٦٥ ـ لا تجزعي إن منفسا أهلكته

[وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي] ١/٢١٧

١٧١ ـ إذا ما أدلجت وضعت يداها

لها إدلاج ليلة لا هجوع ١/٢٢٤

٢٦٧ ـ فبينا نحن نرقبه أتانا

معلّق وفضّة وزناد راع ٢/١٨

٥٦١ ـ وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم

[وكيف بتكليم الديار البلاقع] ٣/٢٤٩

٥٧٣ ـ ألا يا أمّ فارع لا تلومي

على شيء رفعت به سماعي

وكوني بالمكارم ذكّريني

ودلّي دلّ ماجدة صناع ٤/٦

٥٨٠ ـ فلمّا رأين اللّيل والشّمس حيّة

حياة الّذي يقضي حشاشة نازع ٤/١٤

٥٩٤ ـ [لا نسب اليوم ولا خلّة]

اتّسع الخرق على الرّاقع ٤/٢٧

٦٣٦ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع ٤/١١٧

٧٦٧ ـ قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

من بين ملجم مهره أو سافع ٤/٢٥٤

قافية الفاء

٤١٠ ـ اشدد يديك بمن تهوى فما أحد

يمضي فيدرك حيّ بعده خلفا ٣/١٠٢

٣٠ ـ نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف ١/٥٢


١٩٤ ـ [وقالوا تعرّفها المنازل من منّى]

وما كلّ من وافى منّى أنا عارف ١/٢٥٤ ، ٣٠٦

٢٠٩ ـ وإنّي من قوم بهم يتّقى العدا

ورأب الثّأى والجانب المتخوّف ١/٢٩٧

٣٠٨ ـ أضمرت في القلب هوى شادن

مشتغل بالنحو لا ينصف

وصفت ما أضمرت يوما له

فقال لي : المضمر لا يوصف ٢/٩٥

٣٢٢ ـ بني غدانة ما إن أنتم ذهب

[ولا صريف ولكن أنتم الخزف] ٢/١٥٥

٤٥٧ ـ فداويته عامين وهي قريبة

أراها وتدنو لي مرارا وأرشف ٣/١٤٩

٤٥٨ ـ آل المهلّب جذّ الله دابرهم

أمسوا رميما فلا أصل ولا طرف ٣/١٤٩

٥١٥ ـ تواهق رجلاها يداه ورأسه

لها قتب خلف الحقيبة رادف ٣/١٨٧

٧١٤ ـ يشبّهها الرّائي المشبّه بيضة

غدا في النّدى عنها الظّليم الهجنّف ٤/١٩٩

٦٣ ـ وأن يعرين إن كسي الجواري

فتنبو العين عن كرم عجاف ١/١١٧

٧١ ـ سرهفته ما شئت من سرهاف ١/١٢٣

١٠٠ ـ [تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة]

٣٥٦ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني

نفي الدّارهيم تنقاد الصّياريف ١/١٦٤

٤٢٨ ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه

[أحبّ إليّ من لبس الشّفوف] ٣/٤٠

٥٠٣ ـ أيا شجر الخابور مالك مورقا

[وخالف والسّفيه إلى خلاف] ٣/١٢٠

٦٨٩ ـ كفى بالنّأي من أسماء كافي

كأنّك لم تجزع على ابن طريف ٣/١٧٦

 [وليس لحبّها ما عشت شافي] ٤/١٨٦ ، ١٨٩ ، ٢٠٩

قافية القاف

٦٢ ـ كأنّ أيديهن بالقاع القرق ١/١١٧ ، ٢٠٨

١٠٥ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترق ١/١٦٧

١١٩ ـ حتى إذا بلّت حلاقيم الحلق ١/١٧٨

٣٧٥ ـ فيها خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق ٣/٧٨


٣٨٤ ـ تكاد أيديها تهادى في الزّهق

من كفتها شدّا كإضرام الحرق ٣/٨٢

٥٣٨ ـ قلّما يبقى على هذا القلق

صخرة صمّاء فضلا عن رمق ٣/٢٢١

٢١ ـ قالت سليمى اشتر لنا دقيقا ١/٣٦

٨٦ ـ لن يخب الآن من رجائك من

٦٥٢ ـ إنّي رأيت ذوي الحوائج إذ عروا

حرّك من دون بابك الحلقه ١/١٤٣

٢٠٣ ـ فديت بنفسه نفسي ومالي

فأتوك قصرا أو أتوك طروقا ٤/١٣٧

٢٨١ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة

[وما آلوك إلا ما أطيق] ١/٢٨٥

٣٨٦ ـ إذا اجتهدا شدّا حسبت عليهما

فيبدو ، وتارات يجمّ ، فيغرق ٢/٥١

٤٤٥ ـ كأن لم نحارب يا بثين لو انّها

عريشا علته النّار فهو محرّق ٣/٨٢

٤٤٦ ـ دعون النّوى ثم ارتمين قلوبنا

تكشّف غمّاها وأنت صديق ٣/١٤٢

٤٥٠ ـ فلو أنّك في يوم الرّخاء سألتني

بأسهم أعداء وهنّ صديق ٣/١٤٢

٥٠٠ ـ من كلّ من ضاق الفضاء بجيشه ١٥٥

فراقك لم أبخل وأنت صديق ٣/١٤٥ ،

٥١٢ ـ سودت فلم أملك سوادي وتحته

حتّى ثوى فحواه لحد ضيّق ٣/١٧٣

٥١٤ ـ لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر

قميص من القوهيّ بيض بنائقه ٣/١٨٥

٥١٨ ـ أحار بن بدر قد وليت ولاية

كما كلّ ضبّيّ من اللّؤم أزرق ٣/١٨٥

٦٠١ ـ وليس بمعييني وفي النّاس مقنع

فكن جرذا فيها تخون وتسرق ٣/١٩٠

٦٦٢ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة

صديقي إذا أعيى عليّ صديق ٤/٤٣

٥٤ ـ وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها

فيبدو وتارات يجمّ فيغرق ٤/١٥١

٦٤ ـ [سيفي وما كنّا بنجد وما]

نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق ١/١١٤

١٥٠ ـ إذا العجوز غضبت فطلّق

قرقر قمر الواد بالشّاهق ١/١١٧

١٩٧ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا

ولا ترضّاها ولا تملّق ١/٢٠٩

٢٤٣ ـ إذا ما استحمت أرضه من سمائه

أو عبد ربّ أخاعون بن مخراق ١/٢٦٥

٢٤٨ ـ وو الله لو لا تمره ما حببته

جرى وهو مودوع وواعد مصدق ١/٣٢٨

ولا كان أدنى من عبيد ومشرق ١/٢٣٠


٢٥١ ـ ...

مئبرة العرقوب إشفى المرفق ١/٣٣٠

٢٧٨ ـ سرينا ونجم قد أضاء [فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق] ٢/٤٨

٣٣٧ ـ فإن كنت مأكولا خير آكل

وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق ٢/٢١٨

٥٧٥ ـ ألا انعم صباحا أيّها الرّبع وانطق

[وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق] ٤/٦

٦٠٨ ـ ولو لا سواد اللّيل ما آب عامر

إلى جعفر سرباله لم يمزّق ٤/٤٦

٦٨٨ ـ وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه

ولكنّ من يبصر جفونك يعشق ٤/١٨٥

قافية الكاف

١٨٧ ـ وانصر على آل الصّليب

وعابديه اليوم آلك ١/٢٤١

٨٧ ـ يا أبتا علّك أو عساكا ١/١٤٤

٩١ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا

[إني رأيت الناس يحمدونكا] ١/٢٧٥

١٩٨ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا ١/١٤٨

٤٢٢ ـ [تجانف عن جوّ اليمامة ناقتي]

وما قصدت من أهلها لسوائكا ٣/١١٣

٥٠٤ ـ تعيّرنا أنّنا عالة

ونحن صعاليك أنتم ملوكا ٣/١٧٧ ، ١٧٨

٥١٩ ـ أهوى لها أسفع الخدّين مطّرق

ريش القوادم لم تنصب له الشّبك ٣/١٩١

٢٣ ـ أبيت أسري وتبيتي تدلكي

[شعرك بالعنبر والمسك الذكي] ١/٤٣

١٨٦ ـ كأن بين فكّها والفكّ

 ... ١/٢٣٨

٣٠٣ ـ وقد كان منهم حاجب وابن مامة

أبو جندل والزّيد زيد المعارك ٢/٨٩

قافية اللام

٦٧ ـ [وقبيل من لكيز ناهد]

رهط مرجوم ورهط ابن المعل ١/١١٨

٧٥ ـ إنّ الكريم ـ وأبيك ـ يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل ١/١٢٤

٨٤ ـ لو يشأ طار بها ذو ميعة

[لاحق الآطال نهد ذو خصل] ١/١٤٣

١١٠ ـ ممكورة جمّ العظام عطبول

كأنّ في أنيابها القرنفول ١/١٧٣


١٢١ ـ مثل النّقا لبّده ضرب الطلل ١/١٧٨

٢٧٢ ـ علّمنا إخواننا بنو عجل

٣٥١ ـ لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل

[شرب النبيذ واصطفافا بالرّجل] ٢/٣٥

٤٩٤ ـ [تداعى منخراه بدم]

على الجبال الصّمّ لا رفضّ الجبل ٣/٢٨

٥٣٢ ـ آنس طملا من جديلة مش

مثل ما أثمر حمّاض الجبل ٣/١٧٠

٦٠٥ ـ دار حيّ وتنوها مربعا

غوفا بنوه بالسّمار غيل ٣/٢١٤

دخل الضّيف عليهم فاحتمل

فاسألن عنّا إذا النّاس شتوا

٦٤٣ ـ النّاس حول قبابه

واسألن عنّا إذا النّاس نزل ٤/٤٥

٥٥ ـ في دارة تقسم الأزواد بينهم

أهل الحوائج والمسائل ٤/١٣٦

١٣٦ ـ وميّة أحسن الثّقلين وجها

كأنّما أهله منها الّذي اتّهلا ١/١١٤

١٥٧ ـ [فألفيته غير مستعتب]

وسالفة وأحسنه قذالا ١/١٩٨

٢٠٦ ـ رأى الأمر يفضي إلى آخر

ولا ذاكر الله إلا قليلا ١/٢١١

٢١٠ ـ إنّ محلا وإن مرتحلا

فصيّر آخره أوّلا ١/٢٩١

٢٣٩ ـ فاذكري موقفي إذا التقت الخي

[وإن في السّفر إذ مضوا مهلا] ١/١٩٨

٢٥٨ ـ الواهب المائة الهجان وعبدها

ل وسارت إلى الرّجال الرّجالا ١/٣٢٥

٣٥٥ ـ قروم تسامى عند باب دفاعه

[عوذا تزجّي بينها أطفالها] ١/٣٤١

٣٧٦ ـ لو أنّ عصم عمايتين ويذبل

كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا ٣/٣٩

٤٠١ ـ قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما

سمعا حديثك أنزلا الأوعالا ٣/٧٩

٤٧١ ـ ولم أمدح لأرضيه بشعري

ودعا فلم أر مثله مخذولا ٣/٩٢

٤٩٥ ـ وأقسم لو صلحت يمين شيء

لئيما أن يكون أفاد مالا ٣/١٦٢

٤٩٨ ـ لم يطيقوا أن ينزلوا فنزلنا

لما صلح العباد له شمالا ٣/١٧٠

٥٢٣ ـ ومن يك ذا فم مرّ مريض

وأخو الحرب من أطاق النّزولا ٣/١٧٢

٥٢٨ ـ بدت قمرا ومالت خوط بان

يجد مرّا به الماء الزّلالا ٣/٢٠٦

٥٤٧ ـ ككنت ترابا أنت تكره واسع

وفاحت عنبرا ورنت غزالا ٣/٢٣٢

عليم وأيضا تمّ ميقات مثّلا ٣/٢٣٢ ، ٤/٢٢١


٦٠٢ ـ وليس الموافيني ليرفد خائبا

فإنّ له أضعاف ما كان آملا ٤/٤٣

٦١٩ ـ [لا تحسبنّك أثوابي فقد جمعت]

هذا ردائي مطويّا وسربالا ٤/٦٩

٦٢٩ ـ نفس عصام سوّدت عصاما ٤/١٠٥

٦٣٠ ـ قد طلبنا فلم نجد لك في السّؤ

٦٦٨ ـ ذي المعالي فليعلون من تعالى

دد والمجد والمكارم مثلا ٤/١٠٥

٦٩٩ ـ ألكني إلى قومي السّلام رسالة

هكذا هكذا وإلّا فلالا ٤/١٥٨

٧٤٠ ـ فهي تنوش الحوضنوشامن علا ٤/٢١٤

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا ٤/١٩٤

٧٥٣ ـ ويعزب كسر الضمّ مع سبأ رسا

وأصغر فارفعه وأكبر (ف) يصلا ٤/٢٣٩

٧٧٦ ـ لو لم تحل ما سمّيت حالا

وكلّ ما حال فقد زالا ٤/٢٨٥

٢ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

[شديدا بأعباء الخلافة كاهله] ١/١٩

٥ ـ ويوما شهدناه سليما وعامرا

٣ ـ وقال:اضربالسّاقين إمّك هابل ١/٢٠،١٨١

١٠ ـ زيارتنا نعمان لا تنسينّها

[قليل سوى الطّعن النّهال نوافله] ١/٢٥، ٢٤١

٥١ ـ تقاك بكعب واحد وتلذّه

تق الله فينا والكتاب الذي نتلو ١/٣١

٥٧ ـ [أبلغ يزيد بني شيبان مألكة]

يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل ١/١١٣

١٧٣ ـ هنالك إن يستخولوا المال يخولوا

أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل ١/١١٥

١٨٥ ـ [أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم]

[وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا] ١/٢٢٧

١٨٩ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها

فإنّي إلى قوم سواكم لأميل ١/٢٣٧

٢٢٥ ـ متى يشتجر قوم يقل سرواتهم

أخاك مصاب القلب جم بلابله ١/٢٥٣

٢٣١ ـ إذا نزل الأضياف كان عذوّرا

هم بيننا فهم رضا وهم عدل ١/٣١٩

٢٤٧ ـ أعاشني بعدك واد مبقل

على الحيّ حتّى تستقلّ مراجله ١/٢٣١

٢٧١ ـ فما خلّيت إلا الثلاثة والثّنى

آكل من حوذانه وأنسل ١/٣٣٠

٢٧٣ ـ جفوني ولم أجف الأخلّاء ، إنّني

ولا قيّلت إلّا قريبا مقالها ٢/٣١

 [لغير جميل من خليليّ مهمل] ٢/٣٨


٢٨٨ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم ، إذ أجشع القوم أعجل ٢/٦١

٣٢٧ ـ أستغفر الله ذنبا [لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل] ٢/١٧١

٣٨٧ ـ كأنّه بعد ما صدّرن من عرق

سيد تمطّر جنح اللّيل مبلول ٣/٨٢

٣٩٤ ـ هي الشّفاء لدائي لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الدّاء مبذول ٣/٨٦ ، ٢٠٣ ، ٢٠٤

٤١٢ ـ فلا زال قبر بين تبنى وجاسم

عليه من الوسميّ جود ووابل

فينبت حوذانا وعوفا منوّرا

سأتبعه من خير ما قال قائل ٣/١٠٣

٤١٦ ـ علّقتها عرضا وعلّقت رجلا

غيري وعلّق أخرى ذلك الرّجل ٣/١٠٩

٤٢٠ ـ [أنبئت أن رسول الله أوعدني]

والعفو عند رسول الله مأمول ٣/١١٣

٤٧٠ ـ قطوب فما تلقاه إلّا كأنّه

زوى وجهه أن لاكه فوه حنظل ٣/١٢٢

٤٨٠ ـ جفوني ولم أجف الأخلّاء إنّني

لغير جميل من خليليّ مهمل ٣/١٦٤

٥٢٠ ـ إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول ٣/١٩٣

٥٣٤ ـ إنّي لعمر الّذي خطّت مناسمها

تخدي وسيق إليه الباقر الغيل ٣/٢١٥

٥٥٨ ـ ذريني إنّما خطئي وصوبي

عليّ وإنّ ما أنفقت مال ٣/٢٤٦

٥٦٤ ـ بأبي امرؤ والشّام بيني وبينه

أتتني ببشرى برده ورسائله ٣/٢٥١

٥٨١ ـ وزهراء إن كفّنتها فهو عيشها

وإن لم أكفّنها فموت معجّل ٤/١٤

٥٨٤ ـ إنّي امرؤ أسم القصائد للعدى

إنّ القصائد شرّها أغفالها ٤/١٧

٥٩٠ ـ لو كان هذا العلم يدرك بالمنى

ما كان يبقى في البريّة جاهل ٤/٢١

٦٠٦ ـ ويشرب أسآري القطا الكدر بعد ما

سرت قربا أحناؤها تتصلصل ٤/٤٥

٦٣١ ـ ما أقدر الله أن يدني على شحط

من داره الحزن ممّن داره صول ٤/١٠٩

٦٤٦ ـ من عفّ خفّ على الوجوه لقاؤه

وأخو الحوائج وجهه مبذول ٤/١٣٦

٦٦٩ ـ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل ٤/١٦١

٦٨٧ ـ ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه

بعدّته ينزل به وهو أعزل ٤/١٨٥

٧٠٠ ـ أبلغ يزيد بني شيبان مألكة

أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل ٤/١٩٤


٧٢٦ ـ بخيل عليها جنّة عبقريّة

جديرون يوما أن ينالوا ويستعلوا ٤/٢٠٤

٧٤٣ ـ هيهات لا يأتي الزّمان بمثله

إنّ الزمان بمثله لبخيل ٤/٢١٦ ، ٢١٨

٧٤٤ ـ فهيهات هيهات العقيق وأهله

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله ٤/٢١٦ ، ٢١٨

٧٤٥ ـ فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه

[وقيل إنك محبوس ومقتول] ٤/٢١٩

٧٤٧ ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل

على أيّنا تعدو المنيّة أوّل ٤/٢٢٠

٧٥٩ ـ هو الهجر حتّى ما يلمّ خيال

[وبعض صدور الزائرين وصال] ٤/٢٤٦ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣

٧٧٧ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

[شديدا بأعباء الخلافة كاهله] ٤/٢٨٨

٧ ـ الحمد لله العليّ الأجلل ١/٣٠ ، ٣٤ ، ٣٠٢

٨ ـ تشكو الوجى من أظلل وأظلل ١/٣٠

٢٠ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب

[إثما من الله ولا واغل] ١/٣٦ ،

١٦٥ ٢٨ ـ يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

تطاول اللّيل عليك فانزل] ١/٥٠ ، ٥١

٣٩ ـ أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه

خفوقا ورقصات الهوى في المفاصل ١/٦٤

٤٧ ـ ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب

منه وحرف السّاق طيّ المحمل ١/١٠٨

٧٩ ـ [حيث التقت بكر وفهم كلّها]

والدمّ يجري بينهم كالجدول ١/١٢٦

٨٥ ـ [واستغن ما أغناك ربّك بالغنى]

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل ١/١٤٣

٩٠ ـ إذا قامتا تضوّع المسك منهما

نسيم الصّبا [جاءت بريّا القرنفل] ١/١٤٧

٩٤ ـ [كأن ثبيرا في عرانين وبله]

كبير أناس في بجاد مزمّل ١/١٥٦

١١٣ ـ [أغرّك مني أن حبّك قاتلي]

وأنّك مهما تأمري القلب يفعل ١/١٧٦

١٢٢ ـ ألا لا بارك الله في سهيل

إذا ما الله بارك في الرّجال ٤/١٧٩

١٢٦ ـ يغشون حتى لا تهرّ كلابهم

[لا يسألون عن السّواد المقبل] ١/١٨٦


١٣٠ ـ لو كان في قلبي كقدر قلامة

حبّا لغيرك قد أتاها أرسلي ١/١٩٧

١٣٧ ـ ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني

كبرت وأن لا تحسن السرّ أمثالي ١/١٩٨

١٤٢ ـ [أنا الذائد الحامي الذمار] وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ١/٢٠٠ ، ٢٠٢

١٥٣ ـ [فلست بآتيه ولا أستطيعه]

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل ١/٢١٠ ، ٣١١

١٧٠ ـ [بعد ابن عاتكة الثاوي على أبوي]

أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال ١/٢٢٤

١٨٢ ـ لما أغفلت شكرك فاصطنعني

[فكيف ومن عطائك جلّ مالي] ١/٣٣٣

٢٠٥ ـ إذا أحسن ابن العمّ بعد إساءة

فلست لشرّي فعله بحمول ١/٢٨٦

٢٠٨ ـ رسم دار وقفت في طلله

[كدت أقضي الغداة من جلله] ١/٢٩٦

٢٢٤ ـ ببازل وجناء أو عيهلّ ١/٣١٧

٢٢٦ ـ ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل

وضنّت علينا والضّنين من البخل ١/٣١٩

٢٢٧ ـ ...

٢٤٩ ـ [وقد أغتدي والطّير في وكناتها

وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل ١/٣٢٠

٢٦١ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

بمنجرد] قيد الأوابد هيكل ١/٣٣٠ ، ٢/٢٠

٣٠٠ ـ ربما تكره النفوس من الأم

[تصلّ وعن قيض ببيداء مجهل] ٢/٧

٣٠٤ ـ فأرسلها العراك [ولم يذدها

ر [له فرحة كحلّ العقال] ٢/٨٧

٣٠٩ ـ [بكيت وما بكا رجل حليم]

ولم يشفق على نغص الدّخال] ٢/٨٩

٣٣١ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

على ربعين مسلوب وبال ٢/٩٩

٣٤٠ ـ لو لا الأمير ولو لا حقّ طاعته

[حمامة في غصون ذات أو قال] ٢/١٩٥

٣٤٤ ـ [تبقّلت في أوّل التّبقّل]

لقد شربت دما أحلى من العسل ٢/٢٢٢

٣٦٤ ـ تحاماه أطراف الرّماح تحاميا

بين رماحي مالك ونهشل ٣/٧

٣٧٧ ـ تبسم عن مختلفات ثعل

وجاد عليه كلّ أسحم هطّال ٣/٥١

٤٢٦ ـ إنّ الّتي ناولتني فرددتها

أكسّ لا عذب ولا برتل ٣/٨٠

قتلت قتلت فهاتها لم تقتل


كلتاهما حلب العصير فعاطني

بزجاجة أرخاهما للمفصل ٣/١١٨

٤٤٩ ـ يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل ٣/١٤٤ ، ١٥٤

٤٦٨ ـ [فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة]

كفاني ولم أطلب قليل من المال ٣/١٦٠ ، ٢١٧

٤٨١ ـ هوينني وهويت الغانيات إلى

أن شبت فانصرفت عنهنّ آمالي ٣/١٦٤

٤٨٨ ـ وراكضة ما تستجنّ بجنّة

بعير حلال غادرته مجعفل ٣/١٦٦

٤٨٩ ـ غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن ٣/١٦٦ ، ٤/٤٧

٥٥١ ـ إذا قلت هاتي نوّليني تمايلت

[عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل] ٣/٢٣٥

٥٥٣ ـ كبكر المقاناة البياض بصفرة

[غذاها نمير الماء غير المحلّل] ٣/٢٤٥

٥٥٤ ـ يا ضبّ إنّ هوى القيون أضلّكم

كضلال شيعة أعور الدّجّال ٣/٢٤٥

٥٩٥ ـ أراك على شفا خطر مهول

بما آذيت نفسك من فضول

طلبت على تقدّمنا دليلا

متى احتاج النّهار إلى دليل ٤/٢٧

٦١٨ ـ كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالي ٤/٦٤

٦٤٥ ـ صريعي مدام ما يفرّق بيننا

حوائج من إلقاح مال ولا نخل ٤/١٣٦

٦٤٨ ـ نهار المرء أمثل حين يقضي

حوائجه من اللّيل الطّويل ٤/١٣٦

٦٨٤ ـ فليت دفعت الهمّ عنّي ساعة

فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال ٤/١٨٥

٧١٣ ـ كأنّ ملاءتيّ على هجف

يعنّ مع العشيّة للرّئال ٤/١٩٩

٧١٥ ـ إذا ذابت الشّمس اتّقى صقراتها

بأفنان مربوع الصّريمة معبل ٤/١٩٩

٧٦٦ ـ فإنّ الهوى دواء

لذي الجهل من جهله ٤/٢٥٣

قافية الميم

١١٨ ـ إنّ الفقير بيننا قاض حكم

إن يرد الماء إذا غاب النجم ١/١٧٨

٥٥٧ ـ قومي بنو مذحج من خير الأمم

لا يصعدون قدما على قدم ٣/٢٤٦

٥٧٩ ـ يقوم على الوغم في قومه

فيعفو إذا شاء أو ينتقم ٤/١٣


٦١٣ ـ ما بال هذا الرّيم أن لا يريم

لو كان يرثي لسليم سليم ٤/٥٠

٦٩١ ـ ليس على طول الحياة ندم

[ومن وراء المرء ما يعلم] ٤/١٨٧

١٣ ـ كفّاك كف ما تليق درهما

جودا وأخرى تعط بالسّيف الدّما ١/٣٢ ، ١٧٧

٣٨ ـ لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى

[وأسيافنا يقطرن من نجدة دما] ١/٦٣ ، ٣٢١

٤٣ ـ سقته الرّواعد من صيّف

وإن من خريف فلن يعدما ١/٩٩ ، ١٠٣

١٥٩ ـ ألا هيّما مما لقيت ، وهيّما

وويحا لما لم ألق منهنّ ويحما

وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت

إليّ وأصحابي بأيّ وأينما ١/٢١٢

١٧٢ ـ [أكثرن في العذل ملحا دائما]

لا تعذلن إنّي عسيت صائما ١/٢٢٦

١٩٠ ـ أبعد بعد تقول الدّار جامعة

[شملي بهم أم تقول البعد محتوما] ١/٢٥٣

١٩١ ـ [لمّا رأت ساتيد ما استعبرت]

لله درّ اليوم من لامها ١/٢٥٣

٣٧٨ ـ فماحت به غرّ الثّنايا مفلّجا

وسيما جلا عنه الطّلال موشّما ٣/٨٠

٣٩٧ ـ تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد

لنفسي حياة مثل أن أتقدّما

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا يقطر الدّما ٣/٨٩

٣٩٨ ـ كأطوم فقدت برغزها

أعقبتها الغبس منها عدما

شغلت ثمّ أتت ترقبه

فإذا هي بعظام ودما

فأفاقت فوقه ترشفه

وأغيض القلب منها ندما ٣/٨٩ ، ٩٠

٤٣٩ ـ إحدى بليّ [وما هام الفؤاد بها

إلا السّفاه وإلّا ذكرة حلما] ٣/١٣٦

٥٣٦ ـ قد سالم الحيّات منه القدما

الأفعوان والشّجاع الشّجعما

٦٤٩ ـ خليليّ إن قام الهوى فاقعدا به

وذات قرنين ضموزا ضرزما ٣/٢١٨

٦٨٢ ـ وأمّا بنو عامر بالنّسار

لعنّا نقضّي من حوائجنا رمّا ٤/١٣٦

٧٠٥ ـ وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامة

غداة لقوا القوم كانوا نعاما ٤/١٨١

دعت ساق حرّ نوحة وترنّما


من الأرق حمّاء العلاطين باكرت

عسيب أشاء مطلع الشّمس أسحما ٤/١٩٦

١٢ ـ في فتية كلّما تجمّعت ال

بيداء لم يهلعوا ولم يخموا ١/٣٢

١١٥ ـ فهم بطانتهم وهم وزراؤهم

وهم القضاة ومنهم الحكام ١/١٧٧

١٤٩ ـ [فقمت للطيف مرتاعا وأرّقني]

فقلت أهي سرت أم عادني حلم ١/٢٠٨

١٦٣ ـ ألا يا سنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم ١/٢١٥

١٨٣ ـ بنيّ إنّ البرّ شيء هيّن

المنطق اللّين والطعيم ١/٢٣٤

٢٠٧ ـ ...

شرقت دموع بهن فهي سجوم ١/٢٩٣

٢٢١ ـ يلومونني في اشتراء النخي

ل قومي فكلهم ألومو ١/٣١٢

٢٢٩ ـ والحيّة الحتفة الرقشاء أخرجها

من بيتها آمنات الله والكلم ١/٣٢١

٣١٣ ـ [ألا يا نخلة من ذات عرق]

عليك ورحمة الله السّلام ٢/١٠٠

٤٠٣ ـ فإن ترفقي يا هند فالرّفق أيمن

وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق والطّلاق عزيمة

ثلاثا ومن يخرق أعقّ وأظلم ٣/٩٢

٤٦٠ ـ فمضى وقدّمها وكانت عادة

منه إذا هي عرّدت إقدامها ٣/١٥١

٤٧٨ ـ قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها ٣/١٦٣

٤٨٣ ـ سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا

فسيّان لا حمد لديك ولا ذمّ ٣/١٦٤

٥٠٧ ـ ونمسك بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام ٣/١٧٨

٥٤٤ ـ تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

[كلامكم عليّ إذا حرام] ٣/٢٦٧

٥٦٦ ـ جعلنا لهم نهج الطّريق فأصبحوا

على ثبت من أمرهم حيث يمّموا ٣/٢٥٢

٥٧٠ ـ أظليم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحيّة ظلم ٣/٢٥٨

٥٧٤ ـ فإنّما أنت أخ لا نعدمه ٤/٦

٥٩٨ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

٦١٤ ـ هل ما علمت وما استودعت مكتوم

عار عليك إذا فعلت عظيم ٤/٢٩

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم


أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبّة يوم البين مشكوم ٤/٥٧

٦١٥ ـ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم جفاني بظهر غيب لئيم ٤/٥٨

٦٢٥ ـ إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم ٤/٨٤ ، ٨٦ ، ٨٩ ، ٩٠

٦٣٢ ـ ما أقدر الله أن يخزي خليقته

ولا يصدّق قوما في الّذي زعموا ٤/١١١

٦٥٩ ـ أو كلّما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم ٤/١٤٧

٦٦٤ ـ فرطن فلا ردّ لما فات وانقضى

ولكن بغوض أن يقال عديم ٤/١٥٥

٧٣٠ ـ ولا جثّامة في الرّحل مثلي

ولا برم إذا أمسى نؤوم ٤/٢٠٦

٧٥٢ ـ وأرى لها دارا بأغدرة السّ

يدان لم يدرس لها رسم

إلّا رمادا هامدا دفعت

عنه الرّياح خوالد سحم ٤/٢٣٨

٧٦٩ ـ فأنت طلاق والطّلاق عزيمة

ثلاثا ومن يخرق أعقّ وأظلم ٤/٢٥٨

٧٧٠ ـ فإن ترفقي يا هند فالرّفق أحزم

وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق والطّلاق عزيمة

ثلاثا ومن يخرق أعقّ وأظلم

فبيني بها إن كنت غير رفيقة

وما لامرىء بعد الثّلاث تقدّم ٤/٢٦٢

٣٥ ـ [فكيف إذا رأيت ديار قوم]

وجيران لنا ـ كانوا ـ كرام ١/٥٨ ، ٧٧

٤٢ ـ هما نفثا في فيّ من فمويهما

[على النّابح العاوي أشدّ رجام] ١/٩٦

٧٧ ـ يا ليتها قد خرجت من فمّه ١/١٢٥

١٠٧ ـ ينباع من ذفرى غضوب جسرة

١٢٣ ـ أو ألفا مكّة من ورق الحمي ١/١٧٩

[زيّافة مثل الفنيق المكدم] ١/١٧٢

١٣٣ ـ [وتشرق القول الذي قد أذعته]

كما شرقت صدر القناة من الدّم ١/١٩٧ ، ٢/٩٢

١٦٤ ـ يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي ١/٢١٥

٢٤٤ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم ١/٣٢٨


٢٥٤ ـ [سائل فوارس يربوع بشدّتنا]

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم ١/٣٣٦

٢٦٢ ـ [ولقد أراني للرّماح رديئة]

من عن يميني مرّة وأمامي ٢/٧

٢٧٧ ـ غير لاه عداك فاطّرح الله

وولا تغترر بعارض سلم ٢/٤٧

٢٩٣ ـ [يقول إذا اقلولى عليها وأقردت]

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم ٢/٦٢

٢٩٩ ـ ماويّ يا ربّتما غارة

شعواء كاللّذعة بالميسم ٢/٨٧

٣٠٦ ـ إذا بعض السّنين تعرّقتنا

[كفى الأيتام فقد أبي اليتيم] ٢/٩٢

٣١٩ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

[على رأسه تلقي اللسان من الفم] ٢/١٢٠

٣٢١ ـ [إلّا الإفادة فاستولت ركائبنا]

عند الجبابير بالبأساء والنّعم ٢/١٢٩

٣٣٩ ـ احفظ وديعتك التي استودعتها

يوم الأعارب إن وصلت وإن لم ٢/٢١٩

٣٦١ ـ يا شاة من قنص لمن حلّت له

حرمت عليّ وليتها لم تحرم ٣/٤٩

٤٣٠ ـ لقد شهدت قيس فما كان نصرها

قتيبة إلّا عضّها بالأباهم ٣/١٢٢

٤٥١ ـ مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم ٣/١٤٥

٤٦٢ ـ عليهم وقار الحلم من أجل أنّني

به أتغنّى باسمها غير معجم ٣/١٥٣

٤٧٣ ـ ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني

بنو عبد شمس من مناف وهاشم ٣/١٦٢

٥٢٤ ـ ورثتم قناة الدّين لا عن كلالة

عن ابني مناف عبد شمس وهاشم ٣/٢٠٦

٥٢٧ ـ أسير إلى إقطاعه في ثيابه

على طرفه من داره بحسامه ٣/٢١١

٥٢٩ ـ وتركتنا لحما على وضم

لو كنت تستبقي على اللّحم ٣/٢١٣

٦٦٣ ـ [قد أوبيت كلّ ماء فهي طاوية]

مهما تصب أفقا من بارق تشم ٤/١٥٣

٦٧٥ ـ أوعدني بالسّجن والأداهم

رجلي ، ورجلي شثنة المناسم ٤/١٧٥

٦٩٤ ـ لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى

ونمت وما ليل المطيّ بنائم ٤/١٩١

٧٠٤ ـ أبا معقل إن كنت أشّحت حلّة

أبا معقل فانظر بسهمك من ترمي ٤/١٩٦

٧٠٩ ـ قد كنت أحسبني كأغنى واجد

قدم المدينة من زراعة فوم ٤/١٩٧

٧١٠ ـ من كلّ أغبر كالرّاقود حجزته

إذا تعشّى عتيق التّمر والثّوم ٤/١٩٧

٧٣٨ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده لضنّ بالماء حاتم ٤/٢١٢


٧٤٨ ـ ما إن رأيت كعبد الله من أحد

أولى به الحمد في وجد وإعدام ٤/٢٢٣

٧٥٦ ـ إذا ما نعشناه على الرّحل ينثني

مساليه عنه من وراء ومقدم ٤/٢٤٥

٧٦٠ ـ وإن يك وادينا من الشّعر واحدا

فغير خفيّ أثله من ثمامه ٤/٢٤٦

٧٦٤ ـ يمينا لنعم السّيّدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل ومبرم ٤/٢٥٠

قافية النون

١٦ ـ حد بد بى حد بد بى منكم لان

إن بني فزارة بن ذبيان

قد طرقت ناقتهم بإنسان

مشيئا سبحان ربي الرحمن ١ ٥٦ ـ بيض أتمّن ١/١١٤

١٦٠ ـ أثور ما أصيدكم أم ثورين

أم تيكم الجمّاء ذات القرنين ١/٢١٣

٢٤١ ـ [إلى فتى فاض أكفّ الفتيان]

ماء خليج مدّه خليجان ١/٣٢٦

٤٠٢ ـ قتلوا كسرى بليل محرما

فتولّى لم يمتّع بكفن ٣/٩٢

٥٣٣ ـ [لكاعب مائلة في العطفين]

بيضاء ذات ساعدين غيلين ٣/٢١٤

٦٦٠ ـ حتّى تراها وكأنّ وكأن

أعناقها مشدّدات في قرن ٤/١٤٨

٧٢ ـ [تهدّدنا وأوعدنا رويدا]

متى كنّا لأمّك مقتوينا ١/١٢٣

٨٢ ـ إنّ المنايا يطّلعن

على الأناس الآمنينا ١/١٣٣

١٦٧ ـ هويت السّمان فشيّبنني

وما كنت قدما هويت السّمانا ١/٢١٩

١٩٥ ـ ونحن عن فضلك ما استغنينا ١/٢٥٤

٢٨٠ ـ أكلّ عام نعم تحوونه

٣١١ ـ [إذا ما الغانيات برزن يوما]

[يلقحه قوم وتنتجونه] ٢/٥٠

٣١٢ ـ [وقدّدت الأديم لراهشيه]

وزجّجن الحواجب والعيونا ٢/٩٩

٣٣٢ ـ ونحن التّاركون لما سخطنا

وألفى قولها كذبا ومينا ٢/٩٩

٣٣٨ ـ فجئت قبورهم بدءا ، ولمّا

ونحن الآخذون لما رضينا ٢/١٩٧

٣٥٨ ـ فلمّا تبيّنّ أصواتنا

فناديت القبور فلم يجبنه ٢/٢١٨

٤٠٨ ـ تفقّأ فوقه القلع السّواري

بكين وفدّيننا بالأبينا ٣/٤٣

وجنّ الخازباز به جنونا ٣/١٠٠


٤٣٣ ـ علقت لوّا تكرّره

إنّ لوّا ذاك أعيانا ٣/١٢٥

٤٣٧ ـ يا ليت أنّا ضمّنا سفينه

حتى يعود الوصل كيّنونه ٣/١٣١ ، ١٨٠

٥٢٦ ـ لو استطعت ركبت النّاس كلّهم

إلى سعيد بن عبد الله بعرانا ٣/٣١١

٥٦٢ ـ وقائلة أسيت فقلت : جير

أسيّ إنّني من ذاك إنّه

أصابهم الحمى وهم عواف

وكنّ عليهم نحسا لعنّه

فجئت قبورهم بدأ ولمّا

فناديت القبور ولم يجبنه

وكيف تجيب أصداء وهام

وأبدان بدرن وما تخرنه ٣/٢٤٩

٥٨٨ ـ لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا ٤/٢٠

٦٢٤ ـ لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد

ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا ٤/٨٤

٦٥٥ ـ قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلّا أنا ٤/١٤٣

٦٦١ ـ عدينا في غد ما شئت إنّا

نحبّ ولو مطلت الواعدينا ٤/١٤٩

٦٧٦ ـ دببت لها الضّراء وقلت أبقى

إذا عزّ ابن عمّك أن تهونا ٤/١٧٦

٤٨٦ ـ علّموني كيف أبكي

هم إذا خفّ القطين ٣/١٦٥

٥٢١ ـ فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم

وليس كلّ النّوى يلقي المساكين ٣/٢٠٣

٥٤٥ ـ وبعض الحلم عند الجه

ل للذّلة إذعان ٣/٢٣٨

٥٨٦ ـ جراحات السّنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللّسان ٤/٢٠

٥٨٧ ـ وبعض الحلم عند الجه

ل للذّلّة إذعان

وفي الشّرّ نجاة حي

ن لا ينجيك إحسان ٤/٢٠

٦٣٤ ـ ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه

[تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن] ٤/١١٥

٦٣٥ ـ [فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم]

وليس كلّ النّوى تلقي المساكين ٤/١١٥

١ ـ [ألا ربّ مولود وليس له أبّ

وذي ولد]

لم يلده أبوان ١/١٧

١٤ ـ بالذي تردان ١/٣٢

٢٤ ـ [تراه كالثّغام يعلّ مسكا]

يسوء الفاليات إذا فليني ١/٤٤

٢٦ ـ أيّها السّائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني ١/٤٦


٤٨ ـ [كيف تراني قالبا مجنّي]

قد قتل الله زيادا عنّي ١/١٠٨ ، ١٩٩

٥٨ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

[عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني] ١/١١٥ ، ٢٠٥ ، ٢٣٩

٦٦ ـ وصّاني العجاج فيما وصّني ١/١١٧ ، ١٦٥

٧٨ ـ ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة

١٢٤ ـ فلست بمدرك ما فات منّي

وهنّي جاذ بين لهزمتي هن ١/١٢٦

١٤٥ ـ [رأت جبلا فوق الجبال إذا التقت]

بلهف ولا بليت ولا لو أني ١/١٧٩

١٦١ ـ أنّى جزوا عامرا سوأى بفعلهم

رؤوس كبيريهن ينتطحان ١/٢٠٣

أم كيف يجزونني السّوأى من الحسن

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

١٧٦ ـ من اجلك يا الّتي تيّمت قلبي

ريمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن ١/٢١٣

٢٢٨ ـ [لخلّابة العينين كذّابة المنى]

وأنت بخيلة بالودّ عنّي ١/٢٢٨

٢٥٥ ـ أم كيف ينفع ما يعطي العلوق به

وهنّ من الإخلاف والولعان ١/٣٢٠

٢٧٠ ـ سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم

[رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن] ١/٢٣٦

٢٧٥ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان ٢/٢١

٢٧٦ ـ غير مأسوف على زمن

[فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني] ٢/٤٥

٢٨٤ ـ لو لا اصطبار لأودى كلّ ذي مقة

ينقضي بالهمّ والحزن ٢/٤٧

٢٨٦ ـ رؤبة والعجّاج أورثاني

[لمّا استقلّت مطاياهنّ للظّعن] ٢/٥٦

٢٩٤ ـ أبا لموت الّذي لا بدّ أنّي

نجرين ما مثلهما نجران ٢/٦٠

٣٠٢ ـ علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

ملاق ـ لا أباك ـ تخوّفيني ٢/٦٥

٣٢٠ ـ ما ترى الدّهر قد أباد معدّا

[بأبيض ماضي الشفرتين يمان] ٢/٨٨ ، ٨٩

٣٤٥ ـ لأصبح الحيّ أوبادا ، ولم يجدوا

[وأباد السّراة من عدنان] ٢/١٢٠

٤٢١ ـ حرموا الذي أملوا [وأدرك منهم

عند التّفرّق في الهيجا جمالين ٣/٧ ، ٤/١٣٧

آماله من عاد بالحرمان] ٣/١١٣


٤٦١ ـ من اجلك يا الّتي تيّمت حبّي

[وأنت بخيلة بالودّ عنّي] ٣/١٥٣

٤٦٣ ـ إنّ القصائد يا أخيطل فاعترف

قصدت إليك مجرّة الأرسان ٣/١٥٣

٤٨٢ ـ يرنو إليّ وأرنو من أصادفه

في النّائبات فأرضيه ويرضيني ٣/١٦٤

٥٦٥ ـ يا عمرو إلّا تدع شتمي ومنقصتي

أضربك حتّى تقول الهامة اسقوني ٣/٢٥٢

٥٦٧ ـ أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن ٣/٢٥٣ ، ٤/٥٨

٦٠٠ ـ فنكّب عنهم درء الأعادي

وداووا بالجنون من الجنون ٤/٣٠

٦٢٠ ـ ونحن منعنا البحر أن تشربوا به

وقد كان منكم ماؤه بمكان ٤/٧٤

٦٢٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

[والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان] ٤/٨٨ ، ١٨١

٦٥٦ ـ أقول حين أرى كعبا ولحيته

لا بارك الله في بضع وستّين

من السّنين تملّاها بلا حسب

ولا حياء ولا عقل ولا دين ٤/١٤٦

٦٥٧ ـ [وما ذا تبتغي الشّعراء منّي]

وقد جاوزت حدّ الأربعين ٤/١٤٦

٦٥٨ ـ [عرفنا جعفرا وبني أبيه]

وأنكرنا زعانف آخرين ٤/١٤٦ ، ١٩٨

٦٩٥ ـ لعمري لقد نبّهت من كان نائما

وأسمعت من كانت له أذنان ٤/١٩٢

٧٠١ ـ بان الحمول فما شأونك نقرة

ولقد أراك تشاء بالأظعان ٤/١٩٥

٧٥١ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان ٤/٢٣٧

٧٦١ ـ وهم النّاس فالحياة بهم سو

ق فمن غابن ومن مغبون ٤/٢٤٧

قافية الهاء

٣٧ ـ في كلّ يوم ما وكل ليلاه ١/٦٠

٢٤٦ ـ لأنكحن ببه

٦١ ـ يا دار هند عفت إلّا أثافيها

جارية خدبّه مكرمة محبّه ١/٣٢٨

١٣٩ ـ علفتها تبنا وماء باردا

[بين الطّويّ فصارات فواديها] ١/١١٧

 [حتّى شتت همّالة عيناها] ١/١٩٩


١٤٧ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير

[لعمر الله أعجبني رضاها] ١/٢٠٤ ، ٢٣١

٦٢٢ ـ علفتها تبنا وماء [باردا

حتى شتت همّالة عيناها] ٤/٧٧ ، ١٣٩

٤٨٤ ـ ولقد أرى تغنى به سيفانة

تصبي الحليم ومثلها أصباه ٣/١٦٤

٥٣٠ ـ وقوّل إلّا ده فلا ده ٣/٢١٣

٥٣١ ـ فاليوم قد نهنهني تنهنهي

وأول حلم ليس بالمسفّه

وقوّل إلّا ده فلا ده ٣/٢١٤

قافية الواو

٦٧٨ ـ فليت كفافا كان خيرك كلّه

وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي ٤/١٧٧ ، ١٨٤

قافية الياء

٥٥٩ ـ ما تنقم الحرب العوان منّي

بازل عامين حديث سنّي

٣٢ ـ أراني إذا ما بتّ بتّ على هوى

لمثل هذا ولدتني أمّي ٣/٢٤٧

٧٠ ـ باتت تنزّي دلوها تنزيّا

فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا ١/٥٥

٩٨ ـ [وتضحك مني شيخة عبشمية]

كما تنزّي شهلة صبيّا ١/١٢٣

٢١٣ ـ [له ما رأت عين البصير وفوقه]

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا ١/١٥٨

٢١٤ ـ أهبى التراب فوقه إهبايا ١/٣٠٢

سماء الإله فوق سبع سمائيا ١/٣٠٢

٢١٧ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا ١/٣٠٦

٢٢٣ ـ يا مرحباه بحمار ناجيه

إذا أتى قرّبته للسانيه ١/٣١٧

٢٥٣ ـ من آل أبي موسى ترى النّاس حوله

كأنّهم الكروان أبصرن بازيا ١/٣٣١


٣٥٤ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا ٣/٣٨ ، ٥١ ، ٥٤

٤١١ ـ ألا لا أرى ذا إمّة أصبحت به

فتتركه الأيّام وهي كما هيا ٣/١٠٢

٤١٣ ـ يا أمّتاه واخصبي العشيّه

قد صدت دقشين وسندريّه ٣/١٠٧

٥٧٧ ـ فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا ٤/٩

٦٨٣ ـ يا أيّها الذّكر الّذي قد سؤتني

وفضحتني وطردت أمّ عياليا ٤/١٨٣

٦٩٣ ـ [لقيت المرورى والشناخيب دونه]

وجئت هجيرا يترك الماء صاديا ٤/١٨٨

٧١١ ـ إذا متّ فاعتادي القبور فسلّمي

على الرّيم أسقيت السّحاب الغواديا ٤/١٩٨

٧٢١ ـ ذهبن بمسواكي وغادرن مذهبا

من الصّوغ في صغرى بنان شماليا ٤/٢٠٢

٧٣١ ـ يؤلّل عصلا لا بناهنّ هينة

ضعافا ولا أطرافهنّ نوابيا ٤/٢٠٧

٧٣٢ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا ٤/٢٠٧

٧٣٥ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ

سواها ولا عن حبّها متراخيا

دنت فعل ذي حبّ فلمّا تبعتها

تولّت وردّت حاجتي في فؤاديا ٤/٢٠٨

٧٤٩ ـ مررت على وادي السّباع ولا أرى

كوادي السّباع حين يظلم واديا

أقلّ به ركب أتوه تئيّة

وأخوف إلا ما وفى الله ساريا ٤/٢٢٣

٧٥٤ ـ فتى كملت خيراته غير أنّه

جواد فما يبقي من المال باقيا ٤/٢٤٣

٥٩ ـ لاث به الأشاء والعبريّ ١/١١٥

٢٧٤ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ

[ولا فتى مثل ابن خيبريّ] ٢/٤١

٧٢٨ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ

 [ولا فتى مثل ابن خبريّ] ٤/٢٠٥


فهرس الجزء الرابع

في المسائل لابن السيد البطليوسي لفظ الجلالة ليس أصله الإله

٣

الكلام على مسألة الاستفهام

٥٤

الكلام في قولهم (بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد)

٣

الفصل الأول في تفسيره

٥٤

الكلام في قوله تعالى:(وأولوا العلم قائما بالقسط)

٩

الفصل الثاني

٥٥

الكلام في قولنا : يا حليما لا يعجل.

١٣

الفصل الثالث في الفرق بين قسمي (أم)

٥٦

سؤال العضد وجواب الجاربردي ورد العضد على الجاربردي وانتصار ولد الجاربردي لأبيه على العضد

١٦

تقرير آخر في الفرق بين المتصلة والمنقطعة

٦٠

جواب الجاربردي

١٧

الكلام في القائل : (كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل)

٦١

انتصار إبراهيم ولد الجاربردي لأبيه.

١٩

الكلام في قولهم : أنت أعلم ومالك ، وعلى أي شيء عطف

٦٥

رأي مظفر الدين الشيرازي ، وهذه رسالة في ذلك تأليف صاحبنا العلامة مظفر الدين الشيرازي

٣٠

الكلام في قوله تعالى : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)

٧٣

علّة حذف الواو بين الياء والكسرة

٣٩

على أي شيء رفع (وخير منك) في قول جابر رضي الله عنه

٧٦

القول في وسواس

٤٠

مسألة نصب لفظ (قيله) في قوله تعالى : (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون)

٧٩

مسألة فعل الأمر لا يعمل في غير ضمير المخاطب

٤٦

مسألة الكلام في قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا تقتل مسلم بكافر»

٨٠

مسألة نسبة الحال إلى المضاف إليه.

٤٧

مسألة اعتراض الشرط على الشرط للشيخ جمال الدين رحمه الله

٨٢

هل الصحيح هزّة أم فترة

٤٩

الكلام على اعراب قوله تعالى:

٨٢

جواب سؤال سائل سأل عن حرف (لو) للشيخ تقي الدين بن تيمية

٥٠


(خلق الله السماوات) فإنه من المهمات

٩٠

مسألة (علمت) بمعنى عرفت وبمعنى العلم

١٤٧

وقال ابن الحاجب في (أماليه)

٩١

الشروط التي يتحقق بها تنازع العوامل

١٤٨

إعراب (صالحا) في قوله تعالى :(واعملوا صالحا)

٩٢

شروط التنازع

١٥٥

الكلام في قولهم في مثل : (خلق الله السماوات والأرض)

٩٩

مسألة الأفعال المتعدية لا تتميز عن غيرها

١٥٦

فائدة : (من) في قولهم : زيد أفضل من عمرو لابتداء الارتفاع

١٠٠

تهذيب ابن هشام لكتاب الشذا في أحكام (كذا) لأبي حيان

١٥٧

ترك العطف في قوله تعالى : (التائبون العابدون)

١٠٠

الفصل الأول : في ضبط موارد استعمالها

١٥٨

الكلام في قوله تعالى : (استطعما أهلها)

١٠١

الفصل الثاني : في كيفية اللفظ بها وبتمييزها

١٦١

مسألة التعجب من صفات الله

١٠٨

الفصل الثالث : في إعرابها

١٦٣

مسألة فعل في التعجب

١٠٨

الفصل الرابع : في بيان معناها عند النحويين

١٦٣

الرفدة في معنى وحده

١١٢

الفصل الخامس : فيما يلزم بها عند الفقهاء

١٦٦

نيل العلا في العطف ب (لا)

١١٧

مسألة في التعجب

١٦٨

الحلم والأناة ، في إعراب (غير ناظرين إناه)

١٢٥

مخاطبة جرت بين أبي إسحاق إبراهيم ابن السري الزجاج وأبي العباس أحمد ابن يحيى

١٦٩

رأي النحاة في بيت من الشعر

١٣٣

الحمل على اللفظ والمعنى

١٧٠

تفسير نحلة في قوله تعالى : (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)

١٣٤

النسا أو عرق النسا

١٧١

مسألة في جمع (حاجة) من كلام ابن برّي

١٣٤

امرأة عزب أم عزبة

١٧١

مسألة ومن فوائد الشيخ جمال الدين ابن هشام

١٣٨

نطق كسرى

١٧١

الكلام في (إنما)

١٤٢

وعدته وأوعدته

١٧١

مسألة المبدوء به والموقوف عليه

١٤٦

المطوّعة

١٧٢

من أبيات الحماسة

١٤٦

وزن اسم المرة والهيئة من الثلاثي

١٧٢

الفرق بين العرض والتحضيض

١٤٧

ضبط أسمنة

١٧٢


انتصار ابن خالويه لثعلب

١٧٢

القصيدة الحرباويّة

٢١١

مسائل وردت على ابن الشجري وردّه عليها

١٧٦

مسألة في التنازع : الكلام على قول شاعر

٢١٦

الإجابة عن المسائل

١٧٧

كتاب (الوضع الباهر في رفع أفعل الظاهر)

٢١٩

المسألة الأولى

١٧٧

فائدة الكلام في قوله تعالى : (حور مقصورات في الخيام)

٢٣١

المسألة الثانية

١٨٢

الكلام في قوله تعالى : (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء)

٢٣٣

المسألة الثالثة

١٨٣

الاستغناء بالفتح المبين في الاستثناء في (ولا أكبر إلا في كتاب مبين.)

٢٣٥

المسألة الرابعة

١٨٤

الكلام في قوله تعالى : (فيهن قاصرات الطرف)

٢٤٤

المسألة الخامسة

١٨٩

في كتاب (لب الألباب في المسألة والجواب) لأبي الحسن بن جبارة

٢٤٤

المسألة السادسة

١٩٠

سبعة أسئلة كتب عليها جلال الدين البلقيني

٢٤٥

المسألة السابعة

١٩٠

الكلام في قوله تعالى : (ولو علم الله فيهم خيرا)

٢٥٦

المسألة الثامنة

١٩٠

الادّكار بالمسائل الفقهية لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي

٢٥٧

رسالة الملائكة للمعري ، إجابة على بعض المسائل الصرفية

١٩٢

مسائل الجزاء

٢٥٨

أصل ملك

١٩٤

المسألة الأولى

٢٥٨

تصغير الإرزبة

١٩٧

المسألة الثانية

٢٥٨

الجدث أو الجدف

١٩٧

المسألة الثالثة

٢٥٩

الريم بمعنى القبر

١٩٧

المسألة الرابعة

٢٥٩

غسلين ونونه

١٩٨

المسألة الخامسة

٢٥٩

النون في جهنم

١٩٨

المسألة السادسة

٢٥٩

مخاطبة الاثنين بلفظ واحد

١٩٩

ترخيم رضوان

٢٠٠

وزن كمّثرى

٢٠٠

تصغير وجمع سفرجل

٢٠١

شجرة طوبى

٢٠١

ماء الحيوان

٢٠٢

معنى الحور

٢٠٣

الإستبرق

٢٠٣

العبقري

٢٠٤

لا النافية للجنس

٢٠٧


المسألة السابعة

٢٥٩

مهمة من أبحاث شيخنا العلامة الكافيجي

٢٦٨

المسألة الثامنة

٢٦٠

أبحاث في قولهم (زيد قائم)

٢٧١

المسألة التاسعة

٢٦٠

فائدة من مولدات شيخنا العلامة الكافيجي

٢٧١

المسألة العاشرة

٢٦٠

الكلام على مسألة «ضربي زيدا قائما»

٢٧٨

المسألة الحادية عشرة

٢٦٠

تحفة النجباء في قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا

٢٨٢

المسألة الثانية عشرة

٢٦١

مسألة

٢٨٧

المسألة الثالثة عشرة

٢٦١

كشف الغمّة عن (الصّمّة) ء

٢٨٢

المسألة الرابعة عشرة

٢٦٢

مهمة من أبحاث شيخنا العلامة الكافيجي

٢٦٨

المسألة الخامسة عشرة

٢٦٢

أبحاث في قولهم (زيد قائم)

٢٧١

مسألة فيها : الكلام على نصب «ضبّة» في قول صاحب (المنهاج).

٢٦٤

فائدة من مولدات شيخنا العلامة الكافيجي

٢٧١

الكلام على مسألة «ضربي زيدا قائما»

٢٧٨

تحفة النجباء في قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا

٢٨٢

مسألة

٢٨٧

كشف الغمّة عن (الصّمّة)

٢٨٨

الأشباه والنظائر في النحو - ٤

المؤلف:
الصفحات: 334