مقدمة المحقق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذى خلق الأرض واختار منها مواضع رفعها ، وأماكن شرّفها ، فسمّاها «بيوته» الكرام ، ومشاعره العظام ، وأمر بطهارتها ، ونبّه على زيارتها ، وأذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ)(١).

وفاوت بين تلك المساجد فى التفضيل ، وبان ذلك لنا مفصلا فى سنة المصطفى ومحكم التنزيل ؛ فجعل منها مسجدا أسس على التقوى ، قبلة عظيمة لمن اهتدى ، ومسجدا فضّله بالنبى المصطفى ، ومسجد زاد قدرا بليلة الإسرا ، فقال عزّ من قائل : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٢).

وحظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الخلق أن يفضّلوا شيئا من المساجد عليها ، ونهى أن تشّدّ الرّحال إلا إليها ، فله الحمد على ما أسبغ علينا من نعمه ، ونسأله المزيد من فضله وكرمه.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مبرأة من النفاق ، ومدخرة ليوم التلاق ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وبعد : فهذا كتاب «إيثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة وإلى البيت العتيق» للإمام محمد بن إسحاق الخوارزمى ، جمع فيه مؤلفه ما تفرّق من أخبار وفضائل المساجد الثلاثة التى تشدّ إليها الرحال ، أقدمه للمكتبة الإسلامية ، معتمدا على الله تعالى فى العون ، طالبا منه التسهيل والسداد ، فهو الموفّق للصواب ، وعليه الاتكال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

__________________

(١) سورة النور : آية ٣٦ ، ٣٧.

(٢) سورة الإسراء : آية ١.


ترجمة المؤلف (١)

هو محمد بن إسحاق الخوارزمى ، شمس الدين الحنفى ، نزيل مكة ، ونائب الإمامة بمقام الحنفية (٢).

كان ذا فضل فى العربية ومتعلقاتها وغير ذلك ، كثير التصدى للاشتغال والإفادة ، والنظر والكتابة.

أخذ العربية عن صهره : إمام الحنفية شمس الدين المعروف : بالمعيد ، وناب عنه فى الإمامة بالمسجد الحرام ، وعن ابنه شهاب الدين أحمد بن شمس الدين المعيد فى غيبتهما وحضورهما فى مدة سنين كثيرة.

ورحل من مكة للهند طلبا للرزق ، وعاد لمكة ، وجمع شيئا فى فضائلها ، وفضائل الكعبة وغير ذلك ، وجل ذلك : غير قليل من تاريخ الأزرقى ، وكتب المناسك.

وكان يكتب صفة الكعبة المعظمة ، والمسجد الحرام فى أوراق ، ويهادى بها الناس فى الهند ، وغيرها.

وفيه دين وخير وسكون وانجماع عن الناس.

وتوفى فى آخر يوم من ربيع الأول يوم الخميس سنة سبع وعشرين وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة بكرة يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر ، وهو فى عشر الستين ظنّا أو جاوزها.

__________________

(١) مصادر الترجمة : العقد الثمين ١ / ٤١٢ ، الأعلام ٦ / ٣٠ ، هدية العارفين ٦ / ١٨٥ ، معجم المؤلفين ٩ / ٤٠ ، بغية الوعاة ١ / ٥٤ برقم ٩٣ ، إتحاف الورى ٣ / ٦٣٧ ، الضوء اللامع ٧ / ١٣٣ برقم ٣١٨.

(٢) بحمد الله أبطلت تلك المقامات فى المسجد الحرام.


وصف نسخة الكتاب الخطية

اعتمدنا فى نشر هذا الكتاب على مخطوطة وحيدة له محفوظة فى رواق الأتراك ، بالمكتبة الأزهرية ، ورقمها (٩٨٠).

وقد حاولنا التفتيش فى فهارس مكتبات عديدة فى العالم عن نسخة أخرى لها إلا أن جهودنا هذه لم تكلل بالنجاح.

أما وصف المخطوط فهو كالتالى :

قياس أوراق هذه المخطوطة ١٨ سم عرضا و ١٩ سم طولا ، وتحتوى الصفحة على ٢١ سطرا ، ومتوسط عدد كلمات السطر اثنا عشر كلمة.

وعدد أوراق المخطوط (١٦٩) ورقة ، فى كل ورقه صفحتان.

وحالة النسخة حسنة ، وهى كاملة تامة لا نقص فيها.

وعن هذه النسخة صورة فى معهد المخطوطات العربية وأخرى فى مكتبة المسجد النبوى بالمدينة المنورة.

وعلى صفحة العنوان بعض التملكات ، ولم يذكر فى آخر المخطوطة ـ كما هى عادة النساخ ـ سنة نسخها.

أما خط الناسخ فهو نسخى جميل ، مشكول فى بعض الأحيان ، وبعد قليل من الدربة والإلف يمكن قراءته فى غير صعوبة.

* * *


وقفة مع الكتاب

لقد قسم الخوارزمى مادة كتابه إلى أربعة أقسام ، كل قسم يحمل عنوانا لمادته ، ويحوى تحته أبوابا عدة متفاوتة طولا وقصرا ، ويحس قارئها بوضوح أنها محكمة الترتيب ، ويمكن أن تردّ هذه الأبواب جميعا ، بل مادة الكتاب كلها ، إلى المصادر الآتية :

(١) القرآن الكريم وكتب التفسير : وردت فى الكتاب آيات قرآنية ذات علاقة بالمساجد الثلاثة ، بعضها جاءت الإشاره فيها إلى هذه الأماكن صريحة لا مجال للاجتهاد فيها ، وبعضها جاءت حسب رأى مفسّر من المفسرين.

(٢) الأحاديث النبوية : وهذه تعد المصدر الأساسى للكتاب ، لكثرة ما ورد فيه منها ، وهى متفاوته فى صحتها ودرجة قبولها ، ولو وزنت بمقياس قواعد أهل الفن ـ من الجرح والتعديل ـ لوجدنا منها ما هو : صحيح ، أو حسن ، أو غريب ، أو ضعيف تالف ، أو واه جدا ومنكرا ، أو موضوع مكذوب.

وواضح أن الخوارزمى تساهل وترخّص فى رواية هذه الأحاديث الضعيفة والواهية والمكذوبة ، مع إشارته إلى ذلك فى خاتمة الكتاب.

(٣) الإسرائليات : وخاصه فيما يتعلق بفضائل بيت المقدس ، وهى روايات دخلت المؤلفات الإسلامية من مصادر يهودية من التوراة والتلمود والزّبور ، كما استمدّت من بعض الأخبار المسيحية ، الممزوجة بالقصص والأساطير ، وليس فيها شىء من الحقيقة والواقع.

ويبدو أن الهدف من هذه القصص كان فى الأصل الوعظ ، ثم تجاوز المألوف.

ونحن ننكر على المؤلف هذا المنهج المتساهل فى إيراد هذه الحكايات والأحاديث المختلقة ، دون التعليق عليها ، وليته أبقى الأسانيد الأصلية ؛ لكان من السهل الحكم عليها.

وواضح أن تلك الأمور قد راجت بين العامة واستفحل أمرها ، وأفرط بعضهم


فى تداولها ، والتعلّق بها ، وخرجوا فى ذلك عمّا تقرّه الشريعة الإسلامية الغراء ، ولعلّ هذا ما حدا بشيخ الإسلام ابن تيمية إلى تأليف رسالته المعروفة «زيارة بيت المقدس» لما رآه من تجاوزات فى تقديس هذه المدينة ؛ كالوقوف بها عشية عرفة فى عيد الأضحى ، والطواف بالصخرة ، وغير ذلك من معتقدات العامة التى لا تستند إلّا إلى أقوال باطلة لا أصل لها باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، مما جعل ابن تيمية يصف هؤلاء العوام بالجهل والضلال.

وقد تحدث كاتب آخر قدم من الأندلس إلى القدس فى القرن الخامس الهجرى «٤٧٦ ه‍» ، وهو أبو بكر الطرطوشى عن هذا الإفراط فى النظر إلى قداسة القدس ، فقال : «وقد كنت ببيت المقدس ؛ فإذا كان يوم عرفة ، حشر أهل السواد وكثير من أهل البلد ، فيقفون فى المسجد مستقبلين القبلة مرتفعة أصواتهم بالدعاء ، كأنه موطن عرفة».

ويسجل ابن هشام الأنصارى ، عبد الله بن يوسف بن أحمد ، المتوفى ٧٦١ ه‍ ، فى كتابه «تحصيل الأنس لزائر القدس» مبلغ هذا التردى ، ويعدد أمورا يذكرها أهل البلد ، يغرون بها العوام ورعاع الناس ، كلها أكاذيب وترهات ، أدى إلى القول بها قلة الدين ، وذكر ما يلى فى مخطوطته : «وقد بلغنى أن قوما من الجهلاء يجتمعون يوم عرفة بالمسجد ، وأن منهم من يطوف بالصخرة ، وأنهم ينفرون عند غروب الشمس ، ويرجعون القهقرى ، وكل ذلك ضلال وأضغاث أحلام».

وتبعه كذلك ابن سرور المقدسى ، المتوفى سنة ٧٦٥ ه‍ ، فى كتابه «مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام» فيقول : «قاتل الله القصاصين والوضاعين».

ثم يحذر ابن الحاج فى «المدخل» من كثير من هذه البدع ، فيقول : «وليحذر مما يفعله بعضهم من هذه البدعة المستهجنة وهو أنهم يطوفون بالصخرة كما يطوفون بالبيت العتيق.

وليحذر مما يفعله بعضهم من أنهم يتعمدون الصلاة خلف الصخرة حتى يجمعوا فى صلاتهم بنياتهم بين استقبال القبلتين : الكعبة ، والصخرة. واستقبال الصخرة منسوخ باستقبال الكعبة ، فمن نوى ذلك فهو بدعة ، بل ينوى استقبال


الكعبة فقط دون أن يخلط معها ما ذكر.

وليحذر مما يفعله بعض من لا خير فيه وهو أنهم يأتون إلى موضع هناك يسمونه «سرة الدنيا» فمن لم يكشف عن سرته ويضعها عليه وإلا وقع فى زيارته الخلل ـ على زعمهم ـ فأدى ذلك إلى فعل محرم متفق عليه وهو كشف أبدان النساء والرجال لوضعها عليه.

والبدع التى تعمل هناك كثيرة ، وقد تقدم التنبيه على بعضها» (١).

وواضح أن ابن تيمية ، أو أيا ممن ذكرنا آنفا ، لم يقصد أن ينفى فضل بيت المقدس ، أو يلغى تعلق قلوب المسلمين به ، وإنما أرادوا إعطاءها وضعها الحقيقى حسب الضوابط الشرعية ـ والذى تستحقه من حب وقدسية ـ دونما تجاوز أو إطراء أو إفراط.

كل هذه الأسباب حدت بى إلى تهذيب هذا الكتاب وحذف ما فيه من الإسرائليات والأحاديث الواهيات الموضوعة التى أوردها المؤلف فى القسم الخاص بفضائل بيت المقدس ، والتى توجد كلها حرفيا فى ثلاثة كتب متداولة مطبوعة ، وهى :

الأول : كتاب «فضائل بيت المقدس» للإمام ابن الجوزى ، وأنا أشك فى نسبة هذا الكتاب إلى الإمام ابن الجوزى ؛ نعم ذكرت المصادر أن لابن الجوزى كتاب فى فضائل بيت المقدس ، ولكن منهج الكتاب وحشوه بهذا الكم الهائل من الأخبار الواهية يحتاج إلى نظر فى تصحيح نسبة الكتاب المطبوع لابن الجوزى ، وأن يعاود العلماء البحث عن نسخة خطية أخرى لهذا الكتاب ، حيث أنه نشر على مخطوطة وحيدة فى جامعة «برنستون».

الثانى : كتاب «فضائل البيت المقدس» للواسطى المتوفى فى النصف الأول من القرن الخامس ، والكتاب فى حكم النادر ، وهو كتاب فى حاجة إلى من يحققه تحقيقا علميّا ، من أجل الحكم على ما ورد فيه من أحاديث وأخبار ، حتى لا يفتن الناس فى دينهم. وطبع أيضا على نسخة وحيدة فى فلسطين!

__________________

(١) المدخل لابن الحاج ٤ / ٢٤٣.


الثالث : «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» وهو مطبوع بدون تحقيق علمى.

ولعل هذا أيضا من الأسباب التى دفعتنى إلى أن أذيّل وأزيّن الكتاب برسالة شيخ الإسلام ابن تيمية «زيارة بيت المقدس» لما حوته من درر منهج أهل السنة.

وهى رسالة لطيفة ، سبق نشرها ، ولكن يصعب العثور عليها مفردة ؛ فألحقتها بالكتاب إتماما للفائدة.

عنوان الكتاب وصحة نسبه للإمام الخوارزمى

اتفقت المصادر التى تعرضت لترجمة الإمام الخوارزمى على تسمية الكتاب تسمية واحدة ، فأسموه «إيثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة وإلى البيت العتيق».

وهذه التسمية ثابتة فى طرّة النسخة الأزهرية ، ومما يؤكد صحة نسبة هذا الكتاب للإمام الخوارزمى : تصريح النسخة الخطية بذلك نصا.

وقد ذكر الكتاب جمع من العلماء وغيرهم من أصحاب الفهارس ونسبوه للإمام الخوارزمى ؛ من هؤلاء : الحافظ تقى الدين الفاسى ، والإمام الشوكانى ، وبروكلمان ، والزركلى.

منهج التحقيق

(١) ذكرت فيما تقدم أنى قد اعتمدت على نسخة المكتبة الأزهرية فى تحقيق الكتاب فقمت بقراءتها قراءة فاحصة ، وبعد نسخها حرصت على عرض النصوص ومقابلتها بنصوص الكتب المعتبرة فى هذا الشأن بغية التأكد من سلامتها.

وقد راعيت عند ضبطى للنص وضع الفواصل والنقط ، وعلامات السؤال والتعجب ، إلى غير ذلك من علامات الترقيم المعينة على فهم النص.

(٢) عزوت الآيات القرآنية إلى سورها ورقمها.

(٣) خرجت الأحاديث ، والآثار ، والأخبار ـ على كثرتها ـ باستثناء القليل النادر إذ لم أقف عليه فيما رجعت إليه من مصادر أصلية ، فلم أعلق عليه بشىء اكتفاء


بهذا التنويه هنا ، راجيا من الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يكرمنا إلى استدراك ذلك فى طبعة لاحقة.

(٤) شرحت ما يحتاج إلى شرح من غريب الألفاظ.

(٥) عرفت ما يحتاج إلى بيان من المواضع والبلدان ، أو الأماكن الغريبة الوارد ذكرها فى الكتاب مستعينا بالمراجع المتداولة فى هذا الفن.

(٦) قمت بكتابة مقدمة هذا الكتاب ، والترجمة لمؤلف الكتاب ، مع سرد لأشهر الكتب المؤلفة عن المساجد الثلاثة ، سواء المخطوط منها ، أو المطبوع.

(٧) وضعت فهارس الكتاب على النحو التالى :

أ ـ فهرس للآيات القرآنية حسب ترتيب سورها.

ب ـ فهرس للأحاديث والآثار.

ج ـ فهرس الأخبار.

د ـ فهرس الأشعار.

ه ـ فهرس الأعلام المترجم لهم.

و ـ فهرس الأماكن والبلدان المترجم لها.

ز ـ فهرس للمصادر والمراجع.

ح ـ فهرس لموضوعات الكتاب.

وكل هذه الفهارس على ترتيب حروف المعجم إلا الآيات القرآنية فإنها على ترتيب سور القرآن.

وبعد فهذا عملى أقدمه للمكتبة الإسلامية ، ولم أقصر فى خدمة هذا الكتاب ، ولم أدخر وسعا فى إخراجه للناس بالصورة التى تليق بموضوعه وترضى مؤلفه ، فإن أصبت فهذا فضل من الله ، وإن أخطأت فهذا من شأن البشر.

والله أسأل أن يجعل جهدى خالصا لوجهه ، وأن يثيبنا عنه خيرا ، ويقينا شر الذلل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

القاهرة ١٨ جمادى الأخر ١٤١٨ هجرية

دكتور

مصطفى محمد حسين الذهبى


نبذة عن أشهر ما ألف عن مكة والمدينة وبيت المقدس (١)

معلوم ما للمساجد الثلاثة من المكانة لدى المسلمين ، ولقد حظوا بعناية الأمة الإسلامية على مدى التاريخ ، وأفردهم العلماء بالتصنيف والتأليف ، وها أنا ذا مورد فى تلك العجالة أسماء مشهور ما ألف عنهم ـ المطبوع منها والمخطوط والمفقود ـ حسب التسلسل الزمنى لوفاة مؤلفيها :

* «فضائل مكة والسكن فيها» للحسن البصرى ، المتوفى سنة ١٠٠ ه‍ ، طبع فى الكويت ١٩٨٠ بعناية سامى العانى.

* «أخبار المدينة» لمحمد بن الحسن بن زبالة ، من أصحاب مالك ، المتوفى سنة ١٩٩ ه‍ ، (كشف الظنون ١ ، ٣٠٢).

* «أخبار مكة شرفها الله تعالى وما جاء فيها من الآثار» لمحمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى ، المتوفى سنة ٢٢٣ ه‍ ، طبع غوتنغن ١٢٧٥ ه‍ ، بعناية وستنفلد ، كما طبع بتحقيق رشدى الصالح ملحس ، وكذلك طبع فى المكتبة التجارية بمكة.

* «أخبار المدينة» للزبير بن بكّار ، المتوفى سنة ٢٥٦ ه‍ ، (الرسالة المستطرفة ٦٠ ، وسير أعلام النبلاء ١٢).

* «ذرع الكعبة والمسجد والقبر» لأبى بكر أحمد بن عمرو بن مهير الشيبانى ، المعروف بالخصاف ، المتوفى سنة ٢٦١ ه‍ ، (سير أعلام النبلاء ١٣).

* «أخبار المدينة» لعمر بن شبه ، المتوفى سنة ٢٦٢ ه‍ ، (قطعة منه فى رباط مظهر فى المدينة المنورة) وطبع بتحقيق الأستاذ فيهم شلتوت.

* «أخبار مكة» لعمر بن شبه ، المتوفى سنة ٢٦٢ ه‍ ، (سير أعلام النبلاء ١٢).

* «المنتقى فى أخبار أم القرى» لمحمد بن إسحاق الفاكهى ، المتوفى سنة ٢٧٢ ه‍ ، (ط : غوتنجن ، بعناية وستنفلد سنة ١٢٧٤ ه‍).

__________________

(١) لم نورد فى هذه العجالة كتب المناسك ، ولا الكتب التى ألفت عن «زمزم».


* «أخبار مكة فى قديم الدهر وحديثه» لأبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى ، تحيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ، نشر مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة مكة المكرمة (١٤٠٧ ه‍).

* «تاريخ المدينة» ليحيى بن الحسن الحسينى المدنى ، المتوفى سنة ٢٧٧ ه‍ ، (ذكره الجاسر ، فى رسائله ٤٤).

* «فضائل المدينة» للمفضل بن محمد الجندى ، المتوفى سنة ٣٠٨ ه‍ ، (خ :ظاهرية ، مجموع ٦٧ ، من ٦٢ أ ـ ٦٩ ب) وطبع ـ ظنا ـ فى الرياض.

* «فضائل مكة» للمفضل بن محمد الجندى ، المتوفى سنة ٣٠٨ ه‍ ، (معجم البلدان : ٨٠٩).

* «أخبار المدينة» لمحمد بن يحيى العلوى ، المتوفى سنة ٣١٠ ه‍ ، (الإعلان بالتوبيخ ، للسخاوى : ١٣٠).

* «فضائل مكة على سائر البقاع» لأحمد أبو زيد البلخى ، المتوفى سنة ٣٢٢ ه‍ ، (طبقات المفسرين للداودى ١).

* «مكة» لأبى سعيد بن الأعرابى ، شيخ الحرم المكى ، المتوفى سنة ٣٤٠ ه‍ ، (الإعلان بالتوبيخ ، للسخاوى : ١٣٣).

* «مكة» لأبى القاسم عبد الرحمن بن أبى عبد الله بن منده ، المتوفى سنة ٣٤٠ ه‍ ، (الإعلان بالتوبيخ ، للسخاوى : ١٣٣).

* «فضائل الشام وفضل دمشق» لأبى الحسن على بن محمد الربعى ، المتوفى بدمشق سنة ٤٤٤ ه‍ ، وقد حقق الكتاب ونشره صلاح الدين المنجّد ، وطبع الكتاب فى دمشق سنة ١٩٥٠.

* «كتاب فى فضائل بيت المقدس» لأبى القاسم مكى بن عبد السلام الرميلى المقدسى المحدّث ، المولود سنة ٤٣٢ ه‍ ، والذى قتله الصليبيون بعد احتلالهم القدس سنة ٤٩٢ ه‍ ، وقد ذهب الكتاب قبل تمامه مع مؤلفه الشهيد.

* «أخبار مكة والمدينة وفضلهما» لرزين بن معاوية العبدرى السرقطى ، المتوفى سنة ٥٣٥ ه‍ ، (بروكلمن ، الذيل الأول ٦٣٠).


* «فضائل البيت المقدس» أو «فضائل البيت المقدس» لأبى بكر محمد بن أحمد الواسطى ، المتوفى فى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى ، وقد حقق الكتاب ونشره بعنوان «فضائل البيت المقدّس» ، إسحاق حسون ، من معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية فى الجامعة العبرية بالقدس سنة ١٩٧٩.

* «فضائل بيت المقدس» للحسن بن هبة الله أبى العظائم بن محفوظ بن صصرى الربعى التغلبى الدمشقى ، المتوفى سنة ٥٨٦ ه‍.

* «مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن» لابن الجوزى ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ ، طبع بتحقيقى ، دار الحديث ، القاهرة.

* «فضائل المدينة» لابن الجوزى ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ ، مؤلفات ابن الجوزى للحلوجى : ٢٧٨) وطبع فى المدينة المنورة ، وما طبع هو الجزء الأخير من الكتاب السابقه.

* «فضائل القدس» تأليف أبى الفرج عبد الرحمن ابن الجوزى ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ ، وحقق الكتاب ونشره فى بيروت سنة ١٩٧٩ ، الدكتور جبرائيل جبور ، واعتمد فى تحقيق الكتاب على مخطوطة فى مكتبة جامعة برنستون ، وأعيد طبعه فى مكتبة الثقافة ، بالقاهرة ، وهى طبعة شوهاء.

* «الفتح القسى فى الفتح القدسى» لعماد الدين محمد بن محمد بن حامد الأصفهانى ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ ، وقد حقق الجزء الأول من الكتاب كارلودى لاندبرج,Landberg de Carlo وقد طبع فى ليدن سنة ١٨٨٨ م ، ثم طبع عدة مرات فى القاهرة ، كانت الأولى والثانية سنتى ١٣٢١ ه‍ ، و ١٣٢٢ ه‍ ، وكانت الثالثة ـ وهى بتحقيق محمد محمود صبيح ـ سنة ١٩٦٥.

* «فضائل البيت المقدس والخليل ، وفضائل الشام» لأبى المعالى المشرّف بن المرجّى ابن إبراهيم المقدسى ، من رجال القرن الخامس الهجرى (مخطوطة فى مكتبة توبنجن رقم ٢٧).

* «فضائل المدينة» للقاسم بن على بن عساكر ، المتوفى سنة ٦٠٠ ه‍ ، (طبقات الشافعية ٨).


* «فضائل مكة» لتقى الدين أبو محمد عبد الغنى المقدسى ، المتوفى سنة ٦٠٠ ه‍ ، (سير أعلام النبلاء ٢١).

* «الأنباء المبينة عن فضائل المدينة» للقاسم بن على بن عساكر ، المتوفى سنة ٦٠٠ ه‍ ، (الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٢٩).

* «الجامع المستقصى فى فضائل المسجد الأقصى» للقاسم بن على بن الحسين بن هبة الله ، أبى محمد بن عساكر ، بهاء الدين الشافعى ، المتوفى سنة ٦٠٠ ه‍.

ولم يستيقن صاحب «مخطوطات فضائل بيت المقدس» من وجود نسخة كاملة من الكتاب ، ولكنه مستيقن من وجود قطعة صغيرة فقط من المخطوطة فى مكتبة الأزهر الشريف ، وهى فى عشر ورقات.

* «الأنس فى فضائل القدس» للقاضى أمين الدين أحمد بن محمد بن الحسين بن هبة الله الشافعى ، المتوفى سنة ٦١٠ ه‍.

* «مفتاح المقاصد ومصباح المراصد فى زيارة بيت المقدس» لعبد الرحيم بن على ابن شيت القرشى ، المتوفى سنة ٦٢٥ ه‍.

* «نزهة الورى فى أخبار أم القرى» لابن النجار محمد بن محمود ، المتوفى سنة ٦٤٣ ه‍ ، (كشف الظنون : ١٩٥٠ ، الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٣٢).

* «الدرة الثمنية فى أخبار المدينة» لمحمد بن محمود بن النجار البغدادى ، المتوفى سنة ٦٤٣ ه‍ ، مطبوع.

* «روضة الأولياء فى المسجد إيلياء» لمحمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن النجار ، الملقب بمحب الدين ، البغدادى ، الشافعى ، المتوفى سنة ٦٤٣ ه‍.

* «إتحاف الزائر فى فضائل المدينة» لعبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر ، أبو اليمن ، المتوفى سنة ٦٧٦ ه‍ ، (الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٢٩).

* «فضل بيت المقدس» لأبى سعد ، عبد الله بن الحسن بن نظام الدين بن عساكر ، المتوفى سنة ٦٤٥ ه‍.

* «فضائل بيت المقدس ، وفضائل الشام» لشمس الدين محمد بن حسين الكنجى المتوفى سنة ٦٨٢ ه‍ ، (مخطوطة فى مكتبة توبنجن رقم ٢٦).


* «القرى لقاصد أم القرى» لأبى العباس أحمد بن عبد الله بن محمد أبى بكر محب الدين الطبرى المكى ، المتوفى سنة ٦٩٤ ه‍ ، (طبعة الحلبى ثانية ١٣٩٠ ه‍).

* «عواطف النصرة فى تفضيل الطواف على العمرة» للمحب الطبرى ، المتوفى سنة ٦٩٤ ه‍.

* «استقصاء البيان فى مسألة الشاذروان» للمحب الطبرى ، المتوفى سنة ٦٩٤ ه‍.

* «تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة» لأبى بكر بن الحسين المراغى ، المتوفى سنة ٧١٦ ه‍ ، وهو مختصر من «التعريف بما أنست الهجرة ...» (خ : مغنسيا ، ١٣٣٦ ، كتب فى حياة المؤلف سنة ٧٧٧ ه‍ ـ دار الكتب ، تاريخ ٥٩) (طبع فى : القاهرة : ١٩٥٥).

* «باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» تأليف برهان الدين أبى إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم الفزارى البدرى ، الملقب بابن الفركاح ، المتوفى سنة ٧٢٦ ه‍. حقق الكتاب تشارلزد. ماثيورMat ـ.D Charles Thews ، ونشره فى «مجلة الدراسات الشرقية الفلسطينية» ، المجلد ١٤ عام ١٩٣٤ والمجلد ١٥ عام ١٩٣٥.

* «كتاب فيه فضائل بيت المقدس ، وفضائل الشام» لأبى إسحاق إبراهيم بن يحيى ابن أبى الحافظ المكناسى ، من رجال القرن السابع الهجرى (مخطوطة فى مكتبة توبنجن رقم ٢٥).

* «الروضة» لمحمد بن أحمد بن أمين الأقشهرى ، المتوفى سنة ٧٣١ ه‍ ، فيه أسماء من دفن بالبقيع (الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٣٠).

* «أخبار مكة المكرمة» لعبد الملك بن أحمد بن عبد الملك الأنصارى الأرمانتى ، المتوفى سنة ٧٣٢ ه‍.

* «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» لمحمد بن أحمد المطرى ، المتوفى سنة ٧٤١ ه‍ ، (خ : لاله لى إسماعيل ٦٣ ـ دار الكتب ؛ تاريخ ٥٦٤).

* «تفضيل مكة على المدينة» لابن القيم ، المتوفى سنة ٧٥١ ه‍ ، (طبقات الداودى ٢).


* «سلسلة العسجد فى صفة الأقصى والمسجد» لتاج الدين أحمد ابن الوزير ، أمين الدين أبى محمد ، الحنفى ، المتوفى سنة ٧٥٥ ه‍.

* «مسائل الأنس فى تهذيب الوارد فى فضائل القدس» لصلاح الدين أبى سعيد خليل بن كيكلدى العلائى ، المتوفى فى القدس سنة ٧٦١ ه‍.

* «الإعلام بمن دخل المدينة من الأعلام» لعبد الله بن محمد بن أحمد المطرى ؛ عفيف الدين ، المتوفى سنة ٧٦٥ ه‍ ، (الضوء اللامع ، للسخاوى : ٦٤٣).

* «كتاب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام» لشهاب الدين أبى محمود أحمد ابن محمد بن إبراهيم بن هلال بن تميم بن سرور المقدسى الشافعى ، المتوفى سنة ٧٦٥ ه‍ ، والجزء المحقق منه ، هو الفصل الأخير من فصوله ، وقد حققه ونشره أحمد سامح الخالدى ، وطبع هذا الجزء من الكتاب فى المطبعة العصرية بيافا فى فلسطين عام ١٩٤٦ (وتوجد مخطوطته فى المكتبة الوطنية بباريس رقم ١٦٦٧)

* «نصيحة المشاور وتعزية المجاور» لعبد الله بن محمد بن فرحون ، المتوفى سنة ٧٦٩ ه‍ ، يشتمل على تراجم جماعة من أهل المدينة (بروكلمن ، الذيل الثانى ٢٢١ ، الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٣٠).

* «تاريخ القدس» لمحمد بن محمود بن إسحاق المقدسى ، المتوفى سنة ٧٧٦ ه‍.

* «تحصيل الأنس لزائر القدس» لعبد الله بن هشام ، المتوفى سنة ٧٦١ ه‍.

* «بهجة النفوس والأسرار فى تاريخ دار هجرة المختار» لعبد الله بن عبد الملك المرجانى التونسى ، المتوفى سنة ٧٨١ ه‍ ، ألفه سنة ٧٥١ ه‍. (خ : عارف حكمت ٤٥ تاريخ ؛ الحرم الملكى ١٣ تاريخ دهلوى).

* «إعلام الساجد بأحكام المساجد» لبدر الدين الزركشى ، المتوفى سنة ٧٩٤ ه‍ ، (طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر).

* «عرف الطيب من أخبار مكة ومدينة الحبيب» لغياث الدين أبى العباس محمد ابن محمد بن عبد الله العاقولى ، المتوفى سنة ٧٩٧ أو ٧٩٨ ه‍ ، (دار الكتب المصرية ٥٢٧٤ تاريخ ، ومعهد إحياء المخطوطات ١٨١٦ تاريخ).

* «تاريخ المدينة» لأحمد بن عماد بن محمد الأقفهسى ، المتوفى سنة ٨٠٨ ه‍ ، (الحاوى للسيوطى).


* «تسهيل المقاصد لزوار المساجد» لشهاب الدين أبى العباس أحمد بن عماد الدين بن محمد الأقفهسى بن العماد المصرى الشافعى ، المتوفى سنة ٨٠٨ ه‍.

* «إثارة الحجون إلى زيارة الحجون» للمجد الفيروز آبادى ، المتوفى سنة ٨١٧ ه‍ ، (الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٣٣).

* «الوصل والمنى فى فضائل منى» للمجد الفيروز آبادى ، المتوفى سنة ٨١٧ ه‍.

* «مهيج الغرام إلى البلد الحرام» للمجد الفيروز آبادى ، المتوفى سنة ٨١٧ ه‍ ، (الضوء اللامع ، للسخاوى : ١٣٣).

* «المغانم المطابة فى معالم طابة» للفيروزآبادى ، المتوفى سنة ٨١٧ ه‍ ، (خ : حاجى محمود ١٦٠٧ : كتب سنة ٨٨٥ ه‍ ؛ فيض الله ١٥٢٩) (ط : نشر قسم المواضع منه فقط بعناية حمد الجاسر : بيروت ١٩٦٩).

* «إثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة والبيت العتيق» لمحمد بن إسحاق الخوارزمى ، المتوفى سنة ٨٢٧ ه‍ ، وهو الكتاب الذى بين أيدينا.

* «نزهة الكرام فى مدح طيبة والبلد الحرام» لشعبان بن محمد القرشى الآثارى ، المتوفى سنة ٨٢٨ ه‍ ، (هدية العارفين ٢).

* «تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام» وهو «مختصر شفاء الغرام» لمحمد بن أحمد الفاسى ، المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ ، (كشف الظنون ١ ، وبروكلمان ٢ : ١٧٢ ، وملحق ٢ : ٢٢١ ، ومعهد المخطوطات ٤٨٣ تاريخ).

* «تحصيل المرام من تاريخ البلد الحرام» للفاسى ، وهو مختصر لما قبله (رواق الأتراك الأزهر ٩٣٩ تاريخ ، ومعهد المخطوطات ١٤٧١ تاريخ).

* «الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة» للفاسى ، (المتحف العراقى ١٣٨٥ ، ومعهد المخطوطات ١٧٠٩ تاريخ) وطبع بتحقيقى ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، ١٤١٨ ه‍.

* «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» لتقى الدين محمد بن أحمد الفاسى ، المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ ، طبع فى القاهرة : ١٩٥٦ ، وطبع بتحقيقى ، مكتبة النهضة ، مكة المكرمة ، ١٤١٨ ه‍.


* «عجالة القرى للراغب فى تاريخ أم القرى» وهو مختصر العقد الثمين لمحمد بن أحمد الفاسى ، المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ ، (خ : عارف حكمت ، تاريخ ١٥١ ، نسخت سنة ٨١٧ ه‍).

* «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» لمحمد بن أحمد الفاسى ، المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ ، طبع فى القاهرة ، ١٩٥٩ ، ٨ مجلدات.

* «مختصر تاريخ مكة للأزرقى» ليحيى بن محمد الكرمانى المصرى ، المتوفى سنة ٨٣٣ ه‍ ، (مكتبة برلين).

* «مثير الغرام إلى زيارة الخليل عليه الصلاة والسلام» تأليف تاج الدين إسحاق ابن الخطيب برهان الدين بن أحمد بن محمد بن كامل التدمرى الشافعى ، خطيب مقام الخليل ، المتوفى فى مدينة الخليل سنة ٨٣٣ ه‍.

وقد نشر تشارلز ماثيوس الأميركى هذا الكتاب ، بعد أن حققه ، مثلما نشر من قبل «باعث النفوس» ، فى مجلة الجمعية الشرقية الفلسطينية OF Journal The Society Oriental Palestine The فى عدديها الصادرين عام ١٩٣٦ وعام ١٩٣٧ م.

* «النبأ الأنبه فى بناء الكعبة» لابن حجر ، أحمد بن محمود العسقلانى ، المتوفى سنة ٨٥٢ ه‍ ، (كشف ١٩٥٠).

* «فضائل بيت المقدس» لعز الدين ، حمزة بن أحمد بن على الحسينى الدمشقى ، المتوفى فى القدس سنة ٨٧٤ ه‍.

* «الروض المغرّس فى فضائل البيت المقدّس» لتاج الدين أبى النصر عبد الوهاب ابن على بن الحسين بن أحمد الحسينى الشافعى ، المتوفى سنة ٨٧٥ ه‍.

* «إتحاف الأخصّا بفضائل المسجد الأقصى» لشمس الدين أبى عبد الله محمد بن شهاب الدين أحمد بن على بن عبد الخالق المنهاجى السيوطى ، المتوفى سنة ٨٨٠ ه‍ ، وطبع فى الهيئة العامة للكتاب ، بمصر ، فى مجلدين.

* «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» لعمر بن محمد بن فهد المكى ، المتوفى سنة ٨٨٥ ه‍ ، طبع بتحقيق الأستاذ محمد فهيم شلتوت.


* «هداية التصديق إلى حكاية الحريق» لفضل الله بن روزبهان الأصفهانى. فى حريق المسجد النبوى سنة ٨٨٦ ه‍ طبع فى طهران ١٣٤٨ ، بعناية محمد تقى دانش بزروه.

* «التحفة اللطيفة فى تاريخ المدينة الشريفة» لمحمد بن عبد الرحمن السخاوى ، المتوفى سنة ٩٠٢ ه‍ ، (خ : مدينة ٥٢٧ ، كتب سنة ٩٥٢ ه‍) طبع فى القاهرة ، ط ١ ، ١٩٥٧ ، بعناية أسعد درابزونى.

* «اقتضاء الوفا بأخبار دار المصطفى» للسمهودى ، على بن عبد الله ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍ ، (كشف الظنون ٢٠١٦).

* «خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى» لعلى بن عبد الله السمهودى ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍ ، (خ : الرباط ، الخزانة الملكية عدة نسخ : ١٥٥٨. ٤٧١٦ ، ٢١٤٣ ، ٥٠٩٨ ، ٨٨٨٤ ؛ روان كشك ١٥٧٣) طبع فى بولاق ١٢٨٥ ؛ المدينة المنورة : نمثكانى ١٩٧٢.

* «دفع التعرض والأنكار لبسط روضة المختار» للسمهودى ، على بن عبد الله ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍ ، (ذكره الجاسر : رسائل فى تاريخ المدينة ص ٣٥).

* «ذروة الوفا بأخبار المصطفى» للسمهودى ، على بن عبد الله ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍ ، (خ : الحرم المكى ١٢٣ تاريخ دهلوى).

* «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» للسمهودى ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍ ، وهو مختصر كتابه : اقتضاء الوفا (خ : بايزيد عمومى ١٩٠٦٧) ، طبع فى القاهرة ، بعناية محمد محيى الدين عبد الحميد.

* «النصيحة الواجبة القبول فى بيان موضع منبر الرسول» للسمهودى ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍.

* «بلوغ القرى فى ذيل إتحاف الورى» لعبد العزيز بن عمر بن فهد المكى ، المتوفى سنة ٩٢٢ ه‍ ، (خ : الحرم المكى ، تاريخ ، عبد الوهاب).

* كتاب «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» تأليف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمى المقدسى الحنبلى ، أبو اليمن ، مجير الدين ، المولود فى


القدس عام ٨٦٠ ه‍ والمتوفّى فيها بين سنتى ٩٢٧ و ٩٢٨ ه‍ ، وطبع فى القاهرة ١٢٨٣ ه‍ ، وفى الأردن فى مكتبة المحتسب ١٩٧٢ م.

* «الأخبار المستفادة فيمن ولى مكة من آل قتادة» لمحمد بن أبى السعود بن ظهيرة ، المتوفى سنة ٩٤٠ ه‍ ، (كشف الظنون ١).

* «التحفة اللطيفة فى عمارة المسجد النبوى وسور المدينة الشريفة» لمحمد بن خضر الرومى الحنفى ، المتوفى سنة ٩٤٨ ه‍ ، طبع فى مجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية ، مدريد ١٩٥٥ ، المجلد الأول ، الجزء الثالث ، ص ١٤٩ بعناية الدكتور عبد العزيز الأهوانى. وأعاد نشرها حمد الجاسر فى «رسائل فى تاريخ المدينة ص ٨٥ ـ ٩٢».

* «المستقصى فى فضل الزيارة للمسجد الأقصى» لنصر الدين الحلبى الرومى المتوفى سنة ٩٤٨ ه‍.

* «فضائل بيت المقدس» لمحمد بن على بن طولون الصالحى الدمشقى ، المتوفى فى دمشق سنة ٩٥٣ ه‍.

* «التحفة اللطيفة فى أنباء المسجد الحرام والكعبة الشريفة» لجار الله بن عبد العزيز بن فهد ، المتوفى سنة ٩٥٤ ه‍ ، (كشف الظنون ١).

* «الجوهر المنظم فى زيارة القبر المكرم» لابن حجر الهيتمى ، المتوفى سنة ٩٧٤ ه‍ ، (بولاق ١٢٧٩ ه‍).

* «الجامع اللطيف فى فضائل مكة والبيت الشريف» لمحمد جار الله بن أمين بن ظهيرة المكى ، المتوفى سنة ٩٨٦ ه‍ ، طبع فى غوتنجن ، بعناية وستنفلد ١٢٧٤ ه‍ ، وأعيد طبعه فى بيروت مصورا ١٩٦٤.

* «الإعلام بأعلام بلد الله الحرام» لمحمد بن أحمد القطب المكى النهروالى ، المتوفى سنة ٩٨٨ ه‍ ، طبع بعناية وستنفلد ، غوتنجن ١٢٧٤ ه‍ ؛ مصر ١٣٠٣ ه‍ ، المكتبة التجارية بمكة المكرمة ، ١٤١٧ ه‍.

* «المستقصى فى فضائل المسجد الأقصى» لنصر الدين محمد بن محمد العلمى الحنفى القدسى ، من رجال القرن العاشر.


* «فضائل قدس شريف» لمحمد يحيى أفندى ، المتوفى سنة ١٠١٠ ه‍ ، وهو بالتركية.

* «إخبار الكرام بأخبار المسجد الحرام» لأحمد بن محمد الأسدى ، المتوفى سنة ١٠٦٦ ه‍ ، (خ : الحرم المكى تاريخ دهلوى).

* «فضائل مكة والمدينة وبيت المقدس ، وشىء من تاريخها» لأحمد بن محمد بن سلامة أبى العباس ، شهاب الدين القليوبى ، المتوفى فى مصر سنة ١٠٦٩ ه‍.

* «الجواهر الثمينة فى محاسن المدينة» لمحمد كبريت بن عبد الله الحسنى المدنى ، المتوفى سنة ١٠٧٠ ه‍ ، (خ : بايزيد ٥٠٢٦ ـ مدينة ٥١٥ ـ رضا رامبور ٣٦١٩).

* «تهنئة أهل الإسلام ببناء بيت الله الحرام» لإبراهيم بن محمد بن عيسى أبو إسحاق برهان الدين الميمونى ، المتوفى سنة ١٠٧٩ ه‍ (الأعلام ١ ، وكشف الظنون ١ ، ومعهد إحياء المخطوطات ١٥٣٨ تاريخ).

* «رسالة فى الكلام على الحجر الأسود» لأحمد بن أحمد الفيومى ، المتوفى سنة ١١٠١ ه‍ ، (خ : الحرم المكى ، تاريخ ٤٢).

* «منائح الكرم فى أخبار مكة والبيت وولاة الحرم» لعلى بن تاج الدين السنجارى ، المتوفى سنة ١١٢٥ ه‍ ، (خ : الحرم المكى ٣٠ تاريخ دهلوى).

* «نتيجة الفكر فى خبر مدينة سيد البشر» لزين العابدين محمد بن عبد الله المدنى الخليفتى ، المتوفى سنة

١١٣٠ ه‍ ، (هدية العارفين ٢).

* «تاريخ بناء البيت المقدس» لمحمد بن محمد بن شرف الدين الخليلى المقدسى من علماء بيت المقدس ، المتوفى سنة ١١٤٧ ه‍.

* «بلوغ المرام بالرحلة إلى البلد الحرام» لعبد المجيد بن على بن المؤذن المثالى الشهير بالزبادى ، المتوفى سنة ١١٦٣ ه‍ ، (بروكلمن ملحق ٢ : ٨٧٦ ، والرباط ٣٩٨ ك ، ومعهد إحياء المخطواطات ١٤٣٤ تاريخ).

* «لطائف أنس الجليل فى تحايف القدس والخليل» لمصطفى أسعد اللقيمى الدمياطى ، المولود فى دمياط سنة ١١٠٥ ه‍ ، والمتوفى بدمشق سنة ١١٧٣ ه‍.


* «حسن الاستقصا لما صح وثبت فى المسجد الأقصى» لمحمد بن محمد التافلاتى الأزهرى الخلوتى المولود فى المغرب ، والمتوفى فى القدس سنة ١١٩١ ه‍.

* «كنز المطالب فى فضل البيت الحرام والحجر والشاذروان وما فى زيارة القبر الشريف من المآرب» لحسن العدوى المالكى ، المتوفى سنة ١٣٠٣ ه‍ ، (طبع حجر مصر ١٢٨٢).

* «مرآة الحرمين» لأيوب صبرى ، طبع فى الأستانة ١٣٠٦ ه‍.

* «مرآة الحرمين» لإبراهيم رفعت المتوفى ، سنة ١٣٥٣ ه‍ ، طبع فى مصر ١٣٤٤ ه‍.

* «الرحلة الحجازية» لمحمد لبيب البتنونى المتوفى سنة ١٣٥٧ ه‍ ، طبع فى القاهرة ١٣٢٩.

* «روضة الأنس فى فضائل الخليل والقدس» تأليف عارف بن عبد الرحمن الشريف ، المتوفى سنة ١٣٨٣ ه‍ ، وقد طبع الكتاب فى القدس سنة ١٩٤٦ فى مطبعة اللواء التجارية.

* * *




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى فضل الكعبة البيت الحرام فى الأرض على البنيان ، كما فضل فى السماء عرشه المجيد الثابت الأركان ، وفضل الطائفين حولهما من الملائكة والإنس والجان ؛ كما أخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيد بنى عدنان.

وأكرم سكان السماء على الله تعالى : الذين يطوفون حول عرشه ، وفى الأرض : الذين يطوفون حول بيت الرحمن.

وفرض الله ـ تعالى ـ حج بيته على عباده المستطيعين ؛ لقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) ؛ من استطاع فحج فله الأمان ، ومن لم يحج فكفر فجزاؤه الجحيم والنيران.

وهو فرض فى العمر مرة واحدة تخفيفا عليهم وإشفاقا وامتنان. ومن زاد فتطوع محسوب له عند الملك الديّان. وجزاؤه الحور والقصور والغلمان فى دار الجنان ؛ لقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٢).

قال القاضى أبو الفضل العياض بن موسى اليحصبى (٣) : حدّثت أن من حج حجة واحدة فقد أدى فرضه ، ومن حج حجة ثانية داين ربه ، ومن حج حجة ثالثة حرّم الله شعره وبشره على النيران (٤). يعنى يوم تحرق فيها الأبدان.

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمى القرشى العظيم الشأن : «يقول الله تعالى : إن من

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٧٩.

(٢) سورة الرحمن : آية ٦٠.

(٣) هو : عياض بن موسى بن عياض اليحصبى السبتى ، عالم المغرب وفقيهها ، صاحب : الشفاء ، والإلماع ، وغيرها.

(٤) هداية السالك ١ / ٢٠.


أصححت بدنه ، ووسعت عليه رزقه ، ثم لم يزرنى فى كل خمسة أعوام عامّا فقد حرم» (١). فنسأل الله تعالى الإعانة ، ونعوذ به من الحرمان ... آمين.

أحمده على جميع إنعامه : الجلىّ والخفىّ ، غاية الوسع والإمكان ، وأشكره طول الدهر والأزمان. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نبى الرحمة وحبيب السبحان ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته ، ما ترنم طائر على الأشجار والأغصان. وسلم عليه وعليهم تسليما كثيرا ما ضحك الروض ونبت الريحان.

فهذا مختصر يشتمل على ذكر فضيلة مكة والمدينة ، وكيفية بناء الكعبة ، وذكر هبوط آدم وما يتعلق بها ، وذكر زيارة قبر نبى الرحمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يتعلق بها من التواريخ والأخبار والآثار المروية فيها. جمعته تذكرة لنفسى ، وترغيبا للطالبين المشتاقين العاشقين من الحجاج والمعتمرين ، والزائرين المتوجهين إلى جنابهما من كل فج عميق وواد سحيق ، وترهيبا وتوبيخا للغافلين ، وحثا وتنبيها للكسلانين ، وطلبا لمرضات الله ـ تعالى ـ وتضعيفا للأجر فى الآخرة ، ورجاء لمغفرته. إنه على ما يشاء قدير ، وبعباده خبير بصير ، وبالإجابة جدير.

وأضفت إليهما من الأحاديث المروية ما يدل على فضائل الحج والعمرة ، وعظم أمرهما ، وشرف قدرهما ، وذكر ثواب من حج واعتمر وزار قبر النبى ـ عليه‌السلام ـ وذكر المناسك والأدعية من حين خروجه من بيته وبلده إلى آخر نسكه ورجوعه إلى وطنه وأهله.

ثم أضفت إليهما نبذا من ذكر فضائل بيت المقدس وما يتعلق بها ؛ لقوله عليه‌السلام : «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدى هذا ، والمسجد الأقصى» (٢).

وختمت كتابى هذا بقسم رابع مختصر فى ذكر فضائل قبر إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ وما يتصل بها ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حديث آخر : «لا تشد الرحال إلا إلى

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٣٩).

(٢) أخرجه : البخارى : كتاب فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة ٢ / ٦٠ ، مسلم : الحج ٤ / ١٢٦ ، ابن ماجة ١ / ٤٥٢.


أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدى هذا ، والمسجد الأقصى ، ومسجد الخليل عليه‌السلام» (١).

وعن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد : إلى مسجد إبراهيم عليه‌السلام ، ومسجد محمد عليه‌السلام ، ومسجد إيلياء» (٢).

فانقسم كتابى على أربعة أقسام : القسم الأول : فى ذكر فضل مكة شرفها الله تعالى وشرف قدرها ، وما ورد فيها من الأحاديث والأخبار ، والآيات ، وحكايات الصالحين ؛ وفيه نيف وخمسون فصلا.

والقسم الثانى : فى ذكر فضيلة المدينة النبوية ، وما ورد فيها من الأحاديث والأخبار والآثار ، وذكر زيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يتعلق بها ؛ وفيه خمسة وعشرون فصلا.

والقسم الثالث : فى ذكر فضيلة بيت المقدس ، وما يتعلق بها ؛ وفيه اثنا عشر فصلا.

والقسم الرابع : فى ذكر فضيلة قبر إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وذكر زيارة قبره ، وما يتعلق بها ؛ وفيه فصل واحد (٣).

ورجوت من الله تعالى إلهام الرشد والصواب ؛ لإتمام هذا الكتاب ، وإليه المرجع والمآب ، وهو حسبى ونعم الوكيل.

__________________

(١) لم أعثر عليه فيما تحت يدى من مصادر ، حتى فى كتب الموضوعات!

(٢) لم أعثر عليه فيما تحت يدى من مصادر ، حتى فى كتب الموضوعات!

(٣) حذفنا هذا الفصل ؛ إذ لم يثبت فيه حديث واحد صحيح ، انظر ما كتبناه فى مقدمة الكتاب من نقد لهذا القسم ، وانظر كذلك رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية ـ نوّر الله مرقده وفى غرف الجنان أسكنه ـ فى نهاية هذا الكتاب.



القسم الأول فى ذكر فضيلة مكة

وما ورد فيها من الأخبار والأحاديث والآيات وحكايات الصالحين وفيه نيف وخمسون فصلا ، ولكن أذكر الأحاديث محذوفة الأسانيد ؛ طلبا للاختصار. وأذكر الآيات الدالة على فضلها مفسرة دوما للاعتبار.

الفصل الأول : فى فضائل مكة شرفها الله تعالى ، والآيات التى نزلت فى فضلها وشرفها.

والفصل الثانى : فى ذكر حديث الإسراء.

والفصل الثالث : فى اختلاف الناس ؛ هل كان الإسراء ببدنه وروحه ، أو بروحه فقط.

والفصل الرابع : فى اختلاف الناس فى رؤية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رآه بعينه ، أو بقلبه.

والفصل الخامس : فى ذكر أسامى هذه البلدة الشريفة.

والفصل السادس : فى ذكر ما كانت الكعبة فوق الماء قبل أن يخلق الله ـ تعالى ـ السماوات والأرض.

والفصل السابع : فى ذكر بناء الملائكة الكعبة الشريفة.

والفصل الثامن : فى ذكر زيارة الملائكة [لها] عليهم‌السلام.

والفصل التاسع : فى ذكر هبوط آدم عليه‌السلام ـ وبنائه الكعبة ، وطوافه بالبيت وحجه.

والفصل العاشر : فى ذكر ما جاء فى حج آدم ـ عليه‌السلام ـ ودعائه لذريته.


والفصل الحادى عشر : فى ذكر وحشة آدم فى الأرض حين نزل فيها ، وفضل البيت الحرام والحرم.

والفصل الثانى عشر : فى ذكر ما جاء فى البيت المعمور ، ورفعه إلى السماء من الغرق.

والفصل الثالث عشر : فى ذكر أمر الكعبة بين نوح وإبراهيم عليهما‌السلام.

والفصل الرابع عشر : فى ذكر تخير إبراهيم موضع البيت الحرام من الأرض.

والفصل الخامس عشر : فى ذكر بناء إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ الكعبة.

والفصل السادس عشر : فى ذكر حج إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وأذانه بالحج ، وحج الأنبياء عليهم‌السلام.

والفصل السابع عشر : فى ذكر ما جاء فى فتح الكعبة ، ومتى كانوا يفتحونها.

والفصل الثامن عشر : فى ذكر الصلاة فى الكعبة ، وأين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والفصل التاسع عشر : فى ذكر المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والفصل العشرين : فى ذكر شرفها على ما سواها من بقاع الأرض.

والفصل الحادى والعشرون : فى ذكر فضائل الكعبة الشريفة شرّفها الله تعالى.

والفصل الثانى والعشرون : فى ذكر فضائل الحج ، وعظم أمره ، وشرف قدره.

والفصل الثالث والعشرون : فى ذكر فضائل العمرة فى شهر رمضان.

والفصل الرابع والعشرون : فى ذكر حج الأنبياء والأولياء والخلفاء الراشدين.

والفصل الخامس والعشرون : فى ذكر فضيلة الحج ماشيا.

والفصل السادس والعشرون : فى ذكر جهات الحلّ وأساميه.

والفصل السابع والعشرون : فى ذكر استحباب تعجيل الحج وذم التأخير.

والفصل الثامن والعشرون : فى ذكر فضيلة الصلاة فى المسجد الحرام ، وأول مسجد وضع على وجه الأرض.

الفصل التاسع والعشرون : فى ذكر فضائل الطواف وركعتيه.


الفصل الثلاثون : فى ذكر الجلوس مستقبل الكعبة ، والنظر إليها.

الفصل الحادى والثلاثون : فى ذكر فضائل الطواف عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند شدة الحرّ.

الفصل الثانى والثلاثون : فى ذكر فضائل الركن والمقام.

الفصل الثالث والثلاثون : فى ذكر الحجر الأسود.

الفصل الرابع والثلاثون : فى ذكر فضائل الاستلام للركن الأسود واليمانى.

الفصل الخامس والثلاثون : فى ترك الاستلام فى الزحام.

الفصل السادس والثلاثون : فى ذكر فضائل الملتزم.

الفصل السابع والثلاثون : فى ذكر دخول الحجر والصلاة والدعاء فيه.

الفصل الثامن والثلاثون : فى ذكر فضائل زمزم وأساميها.

الفصل التاسع والثلاثون : فى ذكر شرب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماء زمزم.

الفصل الأربعون : فى ذكر أسرار الحج.

الفصل الحادى والأربعون : فى ذكر أحوال السلف الصالحين من المتعبدين والمجاورين والمتوجهين إلى حرم الله الشريف ، وفيه أربعة أنواع :

الأول : فى ذكر احوال السلف الصالحين من المتعبدين والمجاورين والمتوجهين إلى حرم الله الشريف.

الثانى : فى ذكر من آثر أهل الفاقة بنفقة الحج ولم يحج.

الثالث : فى ذكر طرف من أخبار المحبين المشتاقين.

الرابع : فى ذكر من جاور منهم ومات بها.

الفصل الثانى والأربعون : فى ذكر تاريخ الكعبة على وجه الاختصار.

الفصل الثالث والأربعون : فى ذكر كسوة الكعبة المعظمة.

الفصل الرابع والأربعون : فى ذكر ذرع الكعبة الشريفة.


الفصل الخامس والأربعون : فى ذكر ذرع مقام إبراهيم عليه‌السلام.

الفصل السادس والأربعون : فى ذكر ما جاء فى الذهب الذى كان فى المقام ومن جعله عليه.

الفصل السابع والأربعون : فى ذكر ما جاء فى بدء شأن زمزم.

الفصل الثامن والأربعون : فى ذكر المواضع التى تستجاب الدعوات فيها وزيارة الأماكن الشريفة بمكة وحواليها.

الفصل التاسع والأربعون : فى ذكر زيارة مقبرة مكة.

الفصل الخمسون : فى ذكر ثواب كل عمل يفعله الحاج فى الحج.

الفصل الحادى والخمسون : فى ذكر الإشارة فى سر السعى بين الصفا والمروة.

الفصل الثانى والخمسون : فى ذكر من مرض بمكة أو مات حاجا أو معتمرا أو عقيب الحج.

الفصل الثالث والخمسون : فى ذكر اختلاف العلماء فى المجاورة بمكة المشرفة.

الفصل الرابع والخمسون : فى ذكر ما جاء فى بناء المسجد الحرام ، وما فى فضائل مكة شرف الله تعالى قدرها.

* * *


الفصل الأول

فى فضائل مكة شرفها الله تعالى

والآيات التى نزلت فى فضلها وشرفها

اعلم أن البيت الحرام بل الحرم كله محل عظيم القدر ومكان جليل الخطر والفخر ؛ بل هو أفضل بقاع الأرض وما عداه المفضول ، ويدل على ذلك المعقول والمنقول.

أما المعقول : فمن وجهين : أحدهما : أنه مبتدأ الأرض وأصلها الذى تفرعت هى عن بقعته على ما روى أنها دحيت من تحته وهو أحد التأويلين لما ورد به الكتاب العزيز من تسمية مكة بأم القرى (١).

والتأويل الآخر : كونها قبله تؤمها الوجوه ، وفيها بيت الله الحرام ، كما جرت العادة أن يكون بلد الملك وبيته هو المقدم على الأماكن كلها ، وسميت أمّا ؛ لأن الأم مقدمة.

والثانى : لطيفة الله تعالى بالمذنبين من عباده ، وعطفه على طلب رضاه بدلالته عليها وإرشاده إليها.

وأما المنقول : فقد ثبت بنص القرآن أن الله تعالى جعل البيت مثابة للعالمين وأمنا للخائفين ، وأمر خليله بتطهيره للطائفين والعاكفين ، وأودع فيه من السر الربانى ما شهدت به ألسنة الوجود ، وشاهدته أسرار العارفين ، وعرّفه بإضافته إلى جلاله فقال : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)(٢) فهل وراء هذا الإطناب فى الفخار مضرب لإطناب خيمة الأفكار ، أو مطلب لاستقصاء الواصفين :

__________________

(١) وذلك فى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) [سورة الشورى : آية ٧] وقوله تعالى : (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الأنعام : ٩٢].

(٢) سورة البقرة : آية ١٢٥.


كفا شرفا أنّى مضاف إليكم

وأنّى بكم أدعى وأرعى وأعرف

وقال كعب الأحبار : اختاره الله تعالى من أحب البلاد ، وأحب البلاد إلى الله البلد الحرام.

وعن عثمان بن ساج قال : بلغنا أن إبراهيم عليه‌السلام عرج به إلى السماء ، فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة ، فقالت الملائكة : يا خليل الرحمن اخترت حرم الله فى الأرض (١).

ويحكى عن وهب بن منبّه ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : وجد فى أساس الكعبة لوح مكتوب فيه : لكل ملك حيازة مما حواليه ، وبطن مكة حوزتى التى اخترتها لنفسى دون خلقى ، أنا الله ذو بكة ، وأهلها جيرتى وجيران بيتى ، وعمارها وزوارها وفدى وأضيافى وفى كنفى وأمانى ضامنون علىّ وفى ذمتى وجوارى ، من أمّنهم فقد استوجب بذلك أمانى ، ومن أخافهم فقد أخفرنى فى ذمتى.

تأمل يا ولى الله سر هذه النسبة الإلهية وحاصل هذا التفضيل ، ولا حظ بعين التفكر وأذن التدبر هذه الإشارة ولطيفة هذا التمثيل : لما كان لكل ملك محل يقصد فيه لأداء خدمته ، ولكل سلطان باب تعفر الجباه على عتبته ، ولكل باب حيازه يلجأ إليها من لاذ بجنابه ، ولكل سخى ساحة يفد إليه من رغب فى ثوابه ، اختص الله تعالى هذا البيت المشرف بهذه المعانى ، واطلع فى أفق قصده شموس الظفر وبدور الأمانى ، وصير ما حواليه حرما له تحقيقا لعظمته ، وجعل عرفة كالميزان على فناء حرمه ، ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصدها الوفاد من كل جهة ، ويفد إليها القصاد من كل مكان وبقعة ، شعثا غبرا ، متواضعين مستكينين ، خاضعين إذعانا لجلال ملكوته ، وانقيادا لعزته وجبروته ، مع تنزيهه سبحانه وتعالى أن يحويه بيتا ويكنفه بلدا. أو يشبهه فى حقيقة ما ضرب له من المثال أحد.

والحكمة فى ذلك : بيان أسرار العظمة الإلهية ، وإيضاح آثار سطوتها ، وإظهار انقياد ملوك الأرض والجبابرة إلى إجابة دعوتها ؛ فيذل هنالك منهم العزيز ، وتخضع العبيد ، وينطفئ نور من سواها ؛ لاستيلاء أنوارها ، وتصير بحار ذوى

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٢.


الأقدار تحت أقدام علو منارها كما قيل :

تزاحم تيجان الملوك ببابه

ويكثر فى يوم القدوم ازدحامها

إذا ما رأته من بعيد ترجّلت

وإن هى لم تفعل يرجل هامها

وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن على رضى الله عنه ، أنه قال : لما قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)(١) الآية. غضب عليهم ربهم فعاذوا بالعرش وطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضى عنهم ، وقال لهم : ابنوا لى بيتا فى الأرض يعوذ به كل من سخطت عليه من خلقى ، فيطوفون حوله كما فعلتم بعرشى ، فأغفر لهم كما غفرت لكم ، فبنوا له هذا البيت من خمسة أجبل : طور سيناء ، وطور زيتا ، والجودى ، وحراء ، ولبنان ، وإن جبريل ـ عليه‌السلام ـ ضرب بجناحه الأرض ، فأبرز عن أسّ ثابت على الأرض السفلى ، فقذفت فيه الملائكة الصخرة ما لا يطيق به ثلاثون رجلا ، فبنوه تسعة أذرع ولم يسقفوه (٢).

ومن المعقول أيضا ـ اعلم وفقك الله وإيانا ، وثبت أقدامنا على جادة الشريعة القويمة والطريق المستقيم فى طاعة رب العالمين ، وكحل أبصارنا بنور سراج المشاهدة والعرفان ، وزين بواطننا بضياء شعاع معرفة الإيمان والإيقان ، وطهر قلوبنا بصائر نور التوحيد من دنس الشرك والنفاق والطغيان ، ورزقنا الله تعالى جلوة جمال كعبته باللطف والإحسان ، بمنه وكرمه والامتنان.

إن فضائل مكة المعظمة شرفها الله تعالى لا تعد ولا تحصى ولو لم يكن فيها غير أنها مهبط الوحى ، ومسقط رأس خير الأنام ، ومنزل القرآن ، ومظهر الإيمان والإسلام ، ومنبت الخلفاء الراشدين الكرام ، ومقر أهل العرفان ، ومقهر الشرك والطغيان ، وملاذ العابدين ، وملجأ الصالحين ، ومقصد الطالبين ، وقرة عين المشتاقين ، ومأوى الخائفين ، ومقار العابدين ، لكفى ذلك شرفا وفضلا وعزا وقدرا ؛ فكيف وفيها بيت الله الحرام ، والحجر والحجر وزمزم والمقام ، ودار

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٣٠.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٣.


خديجة ، وفيها مجلس جبريل ومحمد عليهما أفضل الصلاة والسلام :

انظر بعينك بهجة الحسناء

ما بعد هذا منظر للراء

فهى التى سلبت فؤاد محبّها

بجمال بهجتها ونور بهاء

جعل المهيمن كلّ عام حجّها

فرضا وهذا صحّ فى الأنباء

بشراك يا عين انظرى وتدللى

وتلذّذى منها بطيب لقاء

شنّف بذكر مطافها ومقامها

أذنى ، فهذا اليوم يوم هناء

وقال رجل يبين افتخار الحرمين الشريفين :

أرض بها البيت المحرّم قبلة

للعالمين له المساجد تعدل

حرم حرام أرضها وصيودها

والصيد فى كلّ البلاد محلّل

وبها المشاعر والمناسك كلها

وإلى فضيلتها البرية ترحل

وبها المقام وحوض زمزم مترعا

والحجر والركن الذى لا يرحل

والمسجد العالى الممجد والصفا

والمشعران لمن يطوف ويرمل

وبمكة الحسنات يضعف أجرها

وبها المسىء عن الخطية يغسل

يجزى المسىء عن الخطيئة مثلها

وتضعف الحسنات منه وتقبل

ما ينبغى لك أن تفاخر يا فتى

أرضا بها ولد النبىّ المرسل

بالبيت دون الردم مسقط رأسه

وبه نشا صلّى عليه المرسل

وبها أقام وجاءه وحى السما

وسرى به الملك الرفيع المنزل

ونبوة الرحمن فيها أنزلت

والدين فيها قبل دينك أوّل

واعلم أن الله تعالى قد ذكر مكة فى كتابه المنزل على نبى الرحمة فى مواضع شتى ؛ لأنها أحب البلاد إلى الله تعالى ، وأشرف البقاع على وجه الأرض عند الله تعالى ، ولا شك أن محبوب الله تعالى محبوب خلقه ؛ لأن محبوب المحبوب محبوب ، ومحبوبه لا بد أن يكون أفضل وأشرف وأحسن من جميع الأشياء من خلقه فى ذلك الجنس.


فى ذكر الآيات التى نزلت فى حق الكعبة المعظمة ـ شرف الله تعالى قدرها ـ مع تفسيرها

فمنها قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ)(١).

قوله : جعل بمعنى صير ، وقيل : بمعنى بيّن وحكم.

وقال مجاهد : سمى البيت كعبة لتربعها وظهورها ، ومنه الكاعب والكعب لنتوءه وخروجه من جانب القدم ، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثديها : تكعّبت.

وقيل : لارتفاعها من الأرض. وأصلها من الخروج والارتفاع.

وسمى البيت الحرام ؛ لأن الله تعالى حرّمه وعظّمه وشرّفه وعظّم حرمته.

قوله : قياما أى : قواما لأمر الدين لما فيه من عصمة الإحرام. وقيل : صلاحا.

وقيل : أمنا.

وقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٢).

قوله : إن أول بيت وضع للناس : أى لعموم الناس ونسكهم ؛ يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده.

للذى ببكة : يعنى الكعبة التى بناها إبراهيم صلوات الله عليه ، وقال مجاهد فى سبب نزولها : افتخر المسلمون واليهود فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل من الكعبة ؛ لأنه مهاجر الأنبياء ، وفى الأرض المقدسة. وقال المسلمون : الكعبة أفضل. فنزلت هذه الآية ، حتى إذا بلغ (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) فقال المسلمون : ليس ذلك فى بيت المقدس (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً). وليس ذلك فى

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٩٧.

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٦.


بيت المقدس. (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). وليس ذلك فى بيت المقدس ؛ فرجح قول المسلمين على قول اليهود.

وفى معنى كونه أولا أقوال : أحدها : أنه أول بيت كان فى الأرض. واختلف أرباب هذا القول كيف كان أول بيت على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ظهر على وجه الماء بيت قبل خلق الله الأرض فكان خلقه قبلها بألفى عام ودحى الأرض من تحته.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : كانت الكعبة خشفة على الماء عليها ملكان يسبحان الليل والنهار قبل الأرض بألفى سنة (١).

وقال ابن عباس رضى الله عنهما : وضع البيت فى الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفى سنة ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت (٢).

وقال ابن عباس : أراد به أنه أول بيت بناه آدم فى الأرض.

وقيل : هو أول بيت مبارك وضع هدى للناس تعبدا لله فيه ويحج إليه.

وقيل : هو أول بيت جعل قبلة للناس.

وقيل : هو أول بيت وضع للناس كما قال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ)(٣). يعنى المساجد.

قوله : مباركا أى : وضع مباركا. (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) قيل : كان موضع الكعبة قد سماه الله تعالى بيتا قبل أن تكون الكعبة فى الأرض ، وقد بنى قبله ، ولكن الله تعالى سماه بيتا وجعله مباركا ، وهدى للعالمين : قبلة لهم.

قال الزجاج : هو منصوب على الحال ، والمعنى : للذى استقر بمكة فى حال بركته ، وهدى : أى ذا هدى.

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٦٤ ، والسيوطى فى الدر المنثور ٢ / ٩٣ ، وعزاه إلى ابن المنذر أيضا.

(٢) أخرجه : أبو الشيخ فى العظمة (٨٩٩) ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٣٦ إلى ابن جرير الطبرى.

(٣) سورة النور : آية ٣٦.


فأما بركته : ففيه تغفر الذنوب ، وتضاعف الحسنات ، ويأمن من دخله.

وقيل : مباركا ، أى : كثير الخير لمن حجه واعتمره أو اعتكف عنده أو طاف حوله.

وقوله : (هُدىً لِلْعالَمِينَ) أى : متعبدهم وقبلتهم ، وفى معنى الهدى هاهنا أربعة أقوال :

أحدها : أنه بمعنى القبلة فتقديره : وقبلة للعالمين.

والثانى : أنه بمعنى المرحمة.

والثالث : أنه بمعنى الصلاح ؛ لأن من قصده صلح حاله عند ربه.

والرابع : أنه بمعنى البيان والدلالة على الله تعالى بما فيه من الآيات التى لا يقدر عليها غيره ؛ حيث يجتمع الكلب والظبى فى الحرم ، فلا الكلب يهيج الظبى ، ولا الظبى يستوحش منه.

قوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أي : دلالات ظاهرة من بناء إبراهيم ، وأن الله عظمه وشرفه.

قال المفسرون (١) : الآيات فيه كثيرة ، منها : مقام إبراهيم. ومنها : أمن من دخله.

ومنها : امتناع الطير من العلو عليه. واستشفاء المريض به. وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته. وإهلاك أصحاب الفيل لما قصدوا تخريبه ... إلى غير ذلك.

قال أبو يعلى : والمراد بالبيت هاهنا الحرم كله ؛ لأن هذه الآيات موجودة فيه ، ومقام إبراهيم ليس فى البيت.

قوله : (مَقامِ إِبْراهِيمَ) قيل : عطف بيان على آيات ، وبين الجمع بالواحد ؛ لاشتماله على آيات أثر قدميه الشريفتين فى الصخرة وبقاؤه وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وذلك دليل على قدرة الله تعالى وصدق إبراهيم عليه‌السلام.

وقيل : الآيات تزيد على ذلك لكنه تعالى طوى ذكر غيرها دلالة على تكاثر الآيات.

__________________

(١) تفسير الكشاف ١ / ٤٤٨.


وقال مجاهد : أثر قدميه فى المقام آية بينة.

قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً). يعنى حرم مكة ، أى : إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء.

قال ابن عباس : من عاذ بالبيت أعاذه البيت.

وقال القاضى أبو يعلى : لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر ؛ فتقديره : من دخله فأمّنوه. وهو عام فيمن جنا فيه قبل دخوله وفيمن جنا فيه بعد دخوله ؛ إلا أن الإجماع انعقد على أن من جنا فيه لا يؤمن ؛ لأنه هتك حرمة الحرم ورد الأمان فبقى حكم الآية فيمن جنا خارجا منه ثم لجأ إلى الحرم.

وقد اختلف الفقهاء فى ذلك ؛ قال أحمد فى رواية المروزى : إذا قتل أو قطع يدا أو أتى حدا فى غير الحرم ثم دخله لم يقم عليه الحد ولم يقتص منه ، ولكن لا يبايع ولا يشارى ، ولا يؤاكل حتى يخرج ؛ فإن فعل شيئا من ذلك فى الحرم استوفى منه.

وقال أحمد فى رواية : إذا قتل خارج الحرم ثم دخله لم يقتل ، وإن كانت الجناية دون النفس فإنه يقام عليه الحد ؛ وبه قال أبو حنفية وأصحابه ، رحمهم الله.

وقال مالك والشافعى رضى الله عنهم : يقام عليه جميع ذلك فى النفس ، وفيما دون النفس.

وفى قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) دليل على أنه لا يقام عليه شىء من ذلك ، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس وعطاء ، والشعبى وسعيد بن جبير وطاووس.

وقيل : من دخله فى عمرة القضاء مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان آمنا.

وقيل : من دخله لقضاء النسك معظما لحرمته عارفا لحقه متقربا إلى الله تعالى كان آمنا يوم القيامة.

وقيل : ومن دخله كان آمنا ، أى : آمنا من النار ؛ وفى معنى هذا عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت دخل فى حسنة وخرج من سيئة ، وإذا خرج خرج مغفورا له» (١).

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى سننه ٥ / ١٥٨ ، والطبرانى فى الكبير ، والبزار بنحوه ، وفى سنده : عبيد الله


وقوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً)(١) المثل عبارة عن قول فى شىء يشبه قولا فى شىء آخر بينهما مشابهة ليتبين أحدهما من الآخر ويصوره.

وقيل : هو عبارة عن المشابهة لغيره فى معنى من المعانى ، أى معنّى كان ، وهو أعم من الألفاظ الموضوعة للمشابهة.

قال الإمام فخر الدين الرازى : المثل قد يضرب بشىء موصوف بصفة معينة سواء كان ذكر الشىء موجودا أو لم يكن ، وقد يضرب بشىء موجود معين فهذه القرية التى ضرب الله بها هذا المثل يحتمل أن تكون شيئا معروفا ويحتمل أن تكون قرية معينة.

وعلى التقدير الثانى : فتلك القرية يحتمل أن تكون مكة أو غيرها ، والأكثر من المفسرين على أنها مكة. والأقرب أنها غير مكة ؛ لأنها ضربت مثلا بمكة.

وقال الزمخشرى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) أى جعلت القرية التى هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا ، فأنزل الله بهم نقمته.

والآية عند عامة المفسرين نازلة فى أهل مكة وما امتحنوا به من الخوف والجوع بعد الأمن والنعمة بتكذيبهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتقدير الآية : ضرب الله مثلا لقريتكم مثلا ، أى : بين الله بها شبها. ثم قال : قرية ، فيجوز أن تكون القرية بدلا من مثلا ؛ لأنها هى الممثل بها فى المثل. ويجوز أن يكون المعنى : ضرب الله مثلا مثل قرية ، فحذف المضاف ؛ هذا قول الزجاج.

والمفسرون كلهم قالوا : أراد بالقرية مكة يعنون أنه أراد مكة فى تمثيلها بقرية صفتها ما ذكر.

وقال الزمخشرى : فى هذه القرية قولان :

أحدهما : أنها مكة ؛ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والجمهور ، وهو الصحيح.

__________________

ابن المؤمل ؛ تفرد به. وثقه ابن سعد وغيره وفيه ضعف (مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٣) ، وحسنه السيوطى فى الجامع الصغير ، كما فى الفيض ٦ / ١٢٤.

(١) سورة النحل : آية ١١٢.


والثانى : أنها قرية أوسع الله على أهلها حتى كانوا يستنجون بالخبز ، فبعث الله عليهم الجوع ؛ قاله الحسن.

وأما تفسير الآية : فقوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) يعنى مكة كانت آمنة : أى ذات أمن لا يهاج أهلها ولا يغار عليهم. مطمئنة : يعنى هادئة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها للانتجاع كما كان يحتاج إليه سائر العرب.

يأتيها رزقها رغدا : يعنى واسعا من كل مكان ؛ يعنى يحمل إليها الرزق والميرة من البر والبحر ، نظيره : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) وذلك بدعوة إبراهيم ، وهو قوله : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ)(١).

وقوله تعالى لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(٢).

وسبب نزول هذه الآية : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة ، فلما هاجروا إلى المدينة أحب أن يستقبل بيت المقدس ؛ يتألف بذلك اليهود.

وقيل : أن الله تعالى أمره بذلك ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته وصفته فى التوراة ، فصلى إلى بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ... (٣)

وقال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : معاد أو ملجأ.

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة : «إن هذا البلد حرّمه الله تعالى إلى يوم القيامة يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحلّ القتال فيها لأحد قبلى ، ولم يحل لى إلا ساعة من نهار ، وهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها ، ولا يختلى خلاه» فقال العباس :

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٦.

(٢) سورة البقرة : آية ١٤٤.

(٣) توجد من هنا ورقة مطموسة لم نستطع قراءتها.


يا رسول الله ، إلا الإذخر ؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال : «إلا الإذخر».

معنى الحديث : أنه لا يحل لأحد أن ينصب القتال والحرب فى الحرم ، وإنّما أحل ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة فقط ، ولا يحل لأحد بعده.

قوله : ولا يعضد شوكه : أى لا يقطع شوك الحرم ؛ وأراد به ما لا يؤذى. فأما المؤذى منه كالعوسجة فلا بأس بقطعه عند الشافعى خلافا لأبى حنيفة رحمه الله.

وقوله : ولا ينفر صيده : أى : لا يتعرض له بالاصطياد ولا يهاج.

وقوله : ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها أى : الذى ينشدها ، والنشد رفع الصوت بالتعريف ، واللقطة : فى جميع الأرض لا تحل إلا لمن يعرفها حولا ؛ فإن جاء صاحبها أخذها وإلا انتفع بها الملتقط بشرط الضمان. وحكم مكة فى اللقطة أن يعرفها على الدوام بخلاف غيرها فإنه محدود لسنة ، هذا عند الشافعى. وعند أبى حنيفة يستوى حكم لقطة الحل والحرم ، وله تفصيل فيه.

وقوله : ولا يختلى خلاه : الخلا مقصور : الرطب من النبات الذى يرعى ، وقيل : هو اليابس من الحشيش ، وخلاه : قطعه.

وقوله : لقينهم : القين الحداد.

وقوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ)(١) أى : أمرناهما وألزمناهما وأوصينا إليهما. وقيل : إنما سمى إسماعيل ؛ لأن إبراهيم كان يدعو الله تعالى أن يرزقه ولدا ، ويقول فى دعائه : اسمع يا إيل ، وإيل بلسان السريانية هو الله تعالى ، فلما رزق الولد سماه به.

وقوله : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) : يعنى الكعبة أضافه إليه تشريفا وتفضيلا وتخصيصا ، أى : ابنياه على الطهارة والتوحيد. وقيل : طهراه من سائر الأقذار والأنجاس. وقيل : طهراه من الشرك والأوثان وقول الزور ؛ والزور من الزور والأزوار وهو الانحراف. وقيل : قول الزور قولهم : هذا حلال وهذا حرام وما أشبه ذلك من افترائهم. وقيل : شهادة الزور. وقيل : الكذب والبهتان.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٥.


فإن قيل لم يكن هناك بيت فما معنى أمرهما بتطهيره؟

فعن هذا السؤال جوابان : أحدهما : أنه كانت هناك أصنام فأمر بإخراجها ؛ قاله عكرمة.

والثانى : قال السّدّى : ابنياه مطهرا.

قوله : للطائفين : يعنى الزائرين حوله. والعاكفين : يعنى المقيمين به المجاورين له ؛ يقال : عكف يعكف عكوفا ، إذا أقام ، ومنه الاعتكاف. (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : جمع راكع ، والسجود جمع ساجد وهم المصلون ، وقيل : الطائفين الغرباء الواردين إلى مكة. والعاكفين : يعنى أهل مكة المقيمين بها ، وقيل : إن الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل (١).

وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(٢) قوله : (هذا) إشارة إلى مكة ، وقيل : إلى الحرم. (بَلَداً آمِناً) : أى ذا أمن يأمن فيه أهله. (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) : عن سائب بن يسار ، قال : سمعت بعض أولاد نافع بن جبير وغيره يذكرون أنهم سمعوا أنه لما دعا إبراهيم عليه‌السلام لأهل مكة أن يرزقوا من الثمرات ، نقل الله تعالى بقعة الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقا للحرم.

وعن محمد بن المنكدر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما وضع الله تعالى الحرم نقل الطائف من الشام إليه».

وقال زهير نحوه.

وإنما دعا إبراهيم لهم بالأمن ؛ لأنه بلد ليس فيه زرع ولا ثمر ؛ فإذا لم يكن أمنا لم يجلب إليه شىء من النواحى فيتعذر المقام بها ، فأجاب الله تعالى دعاء إبراهيم عليه‌السلام وجعله بلدا آمنا ؛ فما قصده جبار إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم من الجبابرة.

فإن قيل : فقد غزا مكة الحجّاج وأخرب الكعبة؟ فالجواب عنه : أنه لم يكن

__________________

(١) تفسير الكشاف ١ / ٣١٠.

(٢) سورة البقرة : آية ١٢٦.


قصده بذلك مكة وأهلها ولا خراب الكعبة ، وإنما كان قصده خلع ابن الزبير عن الخلافة ولم يتمكن من ذلك إلا بذلك ، فلما حصل ما قصده أعاد بناء الكعبة ، فبناها وشيدها وعظم حرمتها وأحسن إلى أهلها.

واختلفوا هل كانت مكة محرمة قبل دعوة إبراهيم أو حرمت بدعوته ، على قولين :

أحدهما : أنها كانت محرمة قبل دعوته ، بدليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض». (١) وقول إبراهيم دليل على هذا المعنى : (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) فهذا يقتضى أن مكة كانت محرمة قبل دعوة إبراهيم.

والثانى : أنها إنما حرمت بدعوة إبراهيم بدليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن إبراهيم حرم مكة ، وإنى حرمت المدينة» (٢) وهذا يقتضى أن مكة كانت قبل دعوة إبراهيم حلالا كغيرها من البلاد ، وإنما حرمت بدعوة إبراهيم.

ووجه الجمع بين القولين ـ وهو الصواب ـ أن الله تعالى حرم مكة يوم خلقها كما أخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قوله : «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض» (٣).

ولكن لم يظهر ذلك التحريم على لسان أحد من أنبيائه ورسله ، وإنما كان تعالى يمنعها ممن أراد سوءها ويدفع عنها وعن أهلها الآفات والعقوبات ، فلم يزل ذلك من أمرها حتى بوأها إبراهيم وأسكنها أهله ، فحينئذ سأل إبراهيم ربه عزّ وجلّ أن يظهر تحريم مكة لعباده على لسانه ، فأجاب الله دعوته ، وألزم عباده تحريم مكة ، فصارت مكة حراما بدعوة إبراهيم ، وفرض على الخلق تحريمها والامتناع من استحلالها واستحلال صيدها وشجرها ، فهذا وجه الجمع بين القولين ، وهو

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى المصنف ٥ / ١٤٠ عن ابن جريج ، وابن أبى شيبة ١٤ / ٤٨٩ من طريق أبى الخليل ، عن مجاهد ، والفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٤٨.

(٢) أخرجه : البخارى فى البيوع (باب بركة صاع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ٣ / ٦٨ ، ومسلم (الحج : فضل المدينة ودعاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، ٤ / ١١٢. وأحمد فى المسند ٤ / ٤٠ ، والمنتخب من مسند عبد بن حميد (٥١٨).

(٣) سبق تخريجه.


الصواب ، والله اعلم.

وقوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(١) وفى سبب نزولها على اختلاف الروايات ثلاثة أقوال :

أحدها : أن رجالا من الأنصار ممن كان يهلّ لمناة فى الجاهلية ـ ومناة اسم صنم كان بين الصفا والمروة ـ قالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ، فهل علينا حرج أن نطوف بهما الآن؟ فنزلت هذه الآية (٢). رواه عروة عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ. وقالت عائشة : «قد سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطواف بهما فليس لأحد أن يدع الطواف بهما». أخرجاه فى الصحيحين» (٣).

والثانى : أن المسلمين كانوا لا يطوفون بين الصفا والمروة ؛ لأنه كان على الصفا تماثيل وأصنام فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس.

وقال الشعبى : كان وثن على الصفا ووثن على المروة تدعيان بإساف ونائلة ، وكان فى الجاهلية يسعون بينهما ويمسحونهما ، فلما جاء الإسلام كفوا عن السعى بينهما. فنزلت هذه الآية.

والثالث : أن الصحابة قالوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا كنا نطوف فى الجاهلية بين الصفا والمروة ، وإن الله تعالى ذكر الطواف بالبيت ولم يذكره بين الصفا والمروة ، فهل علينا حرج أن لا نطوف بهما؟ فنزلت هذه الآية (٤). رواه الزهرى عن أبى بكر بن عبد الرحمن عن جماعة من أهل العلم.

وذكر ابن إسحاق فى كتاب السيرة : أن إسافا ونائلة كانا بشرين فزنيا داخل الكعبة ، فمسخا حجرين ، فنصباهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلما طال عهدهما عبدا ثم حوّلا إلى الصفا والمروة ، ولهذا يقول أبو طالب فى قصيدته :

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٥٨.

(٢) القرى (ص : ٣٦١).

(٣) أخرجه : البخارى (باب وجوب السعى بالصفا والمروة ٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨) ، ومسلم (باب : بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن) ٤ / ٦٨ ـ ٧٠.

(٤) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٦١) وعزاه للبخارى ومسلم ، وقال : أخرجاه بطرقه.


وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم

بمقضى سيول من إساف ونائل(١)

الصفا فى اللغة : الحجارة الصلبة الصلدة التى لا تنبت شيئا ، وهو جمع ، واحده صفاة وصفى مثل حصاة وحصى.

والمروة : الحجارة اللينة وجمعها مرو ومروات ، وإنما عنى الله تعالى بهما الجبلين المعروفين بمكة فى طرفى المسعى ، ولذلك أدخل فيهما الألف واللام.

وشعائر الله تعالى : إعلام دينه ، وأصلها من الإشعار وهو الإعلام ؛ واحدتها شعيرة. وكل ما كان معلما لقربات يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة من شعائر الله تعالى.

ومشاعر الحج : معالمه الظاهرة للحواس ، ويقال : شعائر الحج ، فالمطاف والموقف والمنحر كلها شعائر. والمراد بالشعائر هاهنا : المناسك التى جعلها الله تعالى إعلاما لطاعته ، فالصفا والمروة منها حيث يسعى بينهما.

وقال الله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) أى : فرغتم من حجكم وعبادتكم ، وذبحتم نسائككم أى ذبائحكم. وذلك بعد رمى جمرة العقبة ، والحلق والاستقرار بمنى. (فَاذْكُرُوا اللهَ) يعنى : بالتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير والثناء عليه.

(كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) : قال أهل التفسير : كانت العرب فى الجاهلية إذا فرغوا من حجهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل ـ وقيل : عند البيت ـ فيذكرون مفاخر آبائهم ومآثرهم وفضائلهم ومحاسنهم ومناقبهم ، فيقول أحدهم : كان أبى كبير الجفنة رحب الفناء يقرى الضيف وكان كذا وكذا يعد مفاخره ومناقبه ، ويتناشدون فى ذلك الأشعار ، ويتكلمون بالمنثور والمنظوم من الكلام الفصيح ، وغرضهم بذلك الشهرة والسمعة والرفعة بذكر مناقب سلفهم وآبائهم ، فلما منّ الله تعالى عليهم بالإسلام أمرهم أن يكون ذكرهم لله تعالى لا لآبائهم ، وقال : (فَاذْكُرُونِي) فأنا الذى فعلت ذلك بكم وبهم ، وأحسنت إليهم وإليكم.

قال ابن عباس : معناه فاذكروا الله كذكر الصبيان الصغار الآباء ؛ وذلك أن

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ٨٣ ، وقد قال أبو طالب هذا الشعر يحلف بإساف ونائلة حين تحالفت قريش على بنى هاشم فى أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا البيت قبله :

أحضرت عند البيت رهطى ومعشرى

وأمسكت من أثوابه بالوصائل


الصبى أول ما يفصح بالكلام فيقول : يا أبه ويا أمه لا يعرف غير ذلك ، فأمرهم أن يذكروه كذكر الصبيان الصغار الآباء.

(أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) : أى أو أكثر ذكرا للآباء ؛ لأنه هو المنعم عليهم وعلى الآباء للذكر والحمد مطلقا. والمقصود منه : الحث على كثرة الذكر لله تعالى.

قوله : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) : نصب على التمييز ؛ تقديره : كذكركم آباءكم أو أشد منه ذكرا. و «أو» هاهنا لتحقيق المماثلة فى الخبر ؛ كقوله : (كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(١).

وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)(٢) يعنى : ذا أمن يؤمن فيه. وأراد بالبلد مكة ، وقيل : الحرم البلد صدر القرى ، والبالد المقيم بالبلد ، والبلدة الصدر ، ووضعت الناقة بلدتها : أى بركت على صدرها.

والمراد بهذا الأمن فيه ثلاثة أقوال :

الأول : أنه سأل الأمن من القتل.

والثانى : من الخسف والقذف.

والثالث : من القحط والجدب.

وقوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٣) قال الرواة : إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفى عام وكانت ربذة بيضاء على الماء ، فدحيت الأرض من تحتها ، فلما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض استوحش ، فشكا إلى الله تعالى ، فأنزل الله تعالى البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر ، باب شرقى وباب غربى ، فوضعه موضع البيت. فقال : يا آدم ، إنى أهبطت لك بيتا تطوف به كما كنت تطوف حول عرشى ، وتصلى عنده كما كنت تصلى عند عرشى ، وأنزل الحجر ـ وكان أبيض فاسود من لمس الحيض فى الجاهلية ـ فتوجه آدم من أرض

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٧٤.

(٢) سورة إبراهيم : آية ٣٥.

(٣) سورة البقرة : آية ١٢٧.


الهند إلى مكة ماشيا ، وقيض الله تعالى له ملكا يدله على البيت ، فحج البيت وأقام المناسك ، فلما فرغ تلقته الملائكة ، وقالوا : برّ حجك يا آدم ؛ لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام (١).

قوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) هو أساس البيت ، واحدتها قاعدة ، وأما قواعد النساء فواحدتها قاعد وهى العجوز.

قوله : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) وفى الآية إضمار تقديره : ويقولان : ربنا تقبّل منا ، أى : ما عملنا لك ، وتقبّل طاعتنا إياك وعبادتنا لك ، إنك أنت السميع لدعائنا. العليم : يعنى بنياتنا. والسميع بمعنى السامع لكنه أبلغ منه ؛ لأن بناء فعيل للمبالغة.

قال الخطابى : ويكون السماع بمعنى القبول والإجابة ؛ لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعوذ بك من دعاء لا يسمع» أى : لا يستجاب. وقول المصلى : سمع الله لمن حمده ، أى : قبل الله ممن حمده.

وقوله : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)(٢) قوله : من ذريتى : من للتبعيض ، أى : من بعض ذريتى وهو إسماعيل عليه‌السلام.

قوله : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) يعنى : ليس فيه زرع. ومكة واد بين جبلين ، جبل أبى قبيس وجبل أجياد. ومكة واد بينهما.

وقوله : عند بيتك المحرم : سماه محرما ؛ لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره.

وقيل : لأن الله تعالى حرّمه على الجبابرة فلم ينالوه بسوء ، وحرّم التعرض له والتهاون به وبحرمته ، وجعل ما حوله حرما لمكانه وشرفه عنده.

__________________

(١) أخرجه الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٣ ، وابن الجوزى فى العلل (٩٣٧) ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٤٥ إلى الجندى ، والديلمى (٤٨٥١) وفيه : محمد بن زياد اليشكرى الجزرى صاحب ميمون بن مهران الفأفأ ، قال عنه الدارقطنى : كذاب. وقال ابن حبان : كان ممن يضع الحديث ولا يحل ذكره فى الكتب إلا على جهة القدح فيه. وقال عنه الترمذى : ضعيف جدا. وقال عنه النسائى : متروك الحديث.

(٢) سورة إبراهيم : آية ٣٧.


وقيل : لأنه حرم عن الطوفان ؛ بمعنى أنه امتنع منه.

وقيل : سمى حرما ؛ لأن الزائرين له يحرمون على أنفسهم أشياء كانت مباحة لهم من قبل.

وسمى عتيقا أيضا ؛ لأنه أعتق من الجبابرة أو من الطوفان.

فإن قيل : كيف قال : عند بيتك المحرم ولم يكن هناك حينئذ بيت وإنما بناه إبراهيم عليه‌السلام بعد ذلك؟ فالجواب : أنه يحتمل أن الله عزّ وجلّ أوحى إليه وأعلمه أن له هناك بيتا قد كان فى سالف الأزمان ، وأنه سيعمره ؛ فلذلك قال :عند بيتك المحرم.

وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : عند بيتك المحرم الذى كان ثم رفع أيام الطوفان.

وقيل : يحتمل أن يكون المعنى عند بيتك المحرم الذى جرى فى سابق علمك أنه سيحدث فى هذا المكان.

وقوله تعالى : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(١).

قوله : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) : أى لكم فى البدن منافع من لبنها وصوفها وأوبارها وأشعارها وركوبها. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : قال ابن عباس فى قوله تعالى : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال : ما لم تسم بدنا.

وقال مجاهد فى هذه الآية : المنافع الركوب واللبن والولد ، فإذا سميت بدنة أو هديا ذهب ذلك.

قوله : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أى : محل الهدى وانتهاؤه إلى البيت العتيق ، كما قال تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٢). والمحل بكسر الحاء عبارة عن المكان كالمجلس والمسجد ، وهو مكة أو الحرم كله.

__________________

(١) سورة الحج : آية ٣٣.

(٢) سورة المائدة : آية ٩٥.


وقوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً)(١) النسك فى كلام العرب : الموضع المعتاد لعمل خير ؛ ومنه مناسك الحج.

وقيل : منسكا أى : عيدا.

وقال عكرمة : أى ذبحا.

وقال زيد بن أسلم : إنها مكة ، لم يجعل الله لأمة قط منسكا غيرها.

وقيل : موضع عبادة.

وقوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٢).

قوله : إنما أمرت : يعنى يقول الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة يعنى : مكة ، وإنما خصها من بين سائر البلاد بالذكر ؛ لأنها مضافة إليه ، وأحب البلاد إليه وأكرمها عليه ، وأشار إليها إشارة التعظيم لها ؛ لأنها موطن نبيه وموضع وحيه. (الَّذِي حَرَّمَها) : أى جعلها الله حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ولا يدخلها إلا محرم. وإنما ذكر أنه هو الذى حرمها ؛ لأن العرب كانوا معترفين بفضيلة مكة وأن تحريمها من الله تعالى لأمر الأصنام.

وقوله تعالى : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا)(٣) قوله : (يُجْبى إِلَيْهِ) : أى يجلب ويجمع إليه ويحمل إلى الحرم من الشام ومصر والعراق واليمن.

(ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : يعنى أهل مكة لا يعلمون ذلك.

وقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(٤).

__________________

(١) سورة الحج : آية ٣٤.

(٢) سورة النمل : آية ٩١.

(٣) سورة القصص : آية ٥٧.

(٤) سورة التوبة : آية ١٩.


قوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) : والسقاية مصدر كالحماية والرعاية بمعنى الفاعل كالبر بمعنى البار ، وتقديره : أجعلتم سقاية الحاج كعمل من آمن ؛ كقولهم : الشعر زهير ، والجود حاتم.

وقرأ الضحاك : والسقاية بفتح السين وبنو الزبير سقاة وعمرة ، وهما جمع ساق وعامر.

وقيل : السقاية والعمارة بمعنى الساقى والعامر ، تقديره : أجعلتم ساقى الحاج وعامر المسجد الحرام.

(كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) : يعنى لا يستوى حال هؤلاء الذين آمنوا بالله وجاهدوا فى سبيله بحال من سقى الحاج وعمر المسجد الحرام وهو مقيم على شركه وكفى ؛ لأن الله تعالى لا يقبل عملا إلا مع الإيمان به ، والله لا يهدى القوم الظالمين (١).

عن ابن عباس قال : إن المشركين قالوا : عمارة بيت الله الحرام والقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفتخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم من أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ)(٢) يعنى : أنهم كانوا يستكبرون بالحرم ، قال : (بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) ؛ لأنهم كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخيّر الإيمان والجهاد على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ، ولم تكن تنفعهم عند الله مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته (٣).

قال الله تعالى : (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٤) يعنى :الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله الظالمين لشركهم فلم تغن عنهم

__________________

(١) تفسير الطبرى ٤ / ٢٩٣١.

(٢) سورة المؤمنون : آية ٦٦.

(٣) أخرجه : السيوطى فى الدر المنثور ٣ / ٢١٨ ، وعزاه إلى ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.

(٤) سورة التوبة : آية ١٩.


العمارة شيئا.

وقال علىّ بن طلحة ، عن ابن عباس فى تفسير هذه الآية ، قال : نزلت فى العباس بن عبد المطلب بعد بدر أنه قال : إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العانى ، قال الله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) إلى قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يعنى : إن ذلك كان فى الشرك ، ولا أقبل ما كان فى الشرك (١).

وعن النعمان بن بشير الأنصارى قال : كنت عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالى أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج ، وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام ، وقال آخر : بل جهاد فى سبيل الله خير مما قلتم ، فزجرهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يوم الجمعة ولكنى إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه ، قال : ففعل ، فأنزل الله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إلى قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أى : الواضعين الفخر والمدح فى غير موضعهما (٢).

وقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(٣) سبحان علم للتسبيح كعثمان علم للرجل ، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره : أسبح الله سبحانا ، ثم نزّل سبحان منزلة الفعل فسد مسدّه ودلّ على التنزيه البليغ من جميع القبائح التى يضيفها إلى الله أعداء الله تعالى.

قوله : (سُبْحانَ) : يعنى يمجد الله تعالى نفسه ويعظم شأنه ؛ لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه فلا إله غيره.

__________________

(١) تفسير الطبرى ١٠ / ٦٧ ، والحديث أخرجه السيوطى فى الدر المنثور ٣ / ٢١٨ ، وعزاه لعبد الرزاق فى مصنفه ، وابن أبى شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، وأبى الشيخ عن الشعبى.

(٢) تفسير الطبرى ٤ / ٩٣١.

(٣) سورة الإسراء : آية ١.


(الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) : يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لَيْلاً) : أى فى جنح الليل.

(مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وهو : مسجد مكة. (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) : وهو مسجد بيت المقدس الذى بإيلياء ، وسمى أقصى لبعده عن المسجد الحرام ؛ ولأنه لم يكن وراءه مسجد ، وهو معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ولهذا اجتمعوا له هناك كلهم ؛ فإنهم فى محلتهم ودارهم ؛ فدل على أنه هو الإمام المعظم والرئيس المقدم صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

وقال صاحب الكشاف : (لَيْلاً) نصب على الظرف ، فإن قلت الإسراء لا يكون إلا ليلا فما معنى ذكر الليل؟ فإن أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء ؛ فإنه أسرى به فى بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية ، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة «من الليل» أى : بعض الليل ، كقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) يعنى الأمر بالقيام فى بعض الليل (١).

قال مقاتل : كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة.

ويقال : إنه كان فى رجب. وقيل : كان فى شهر رمضان.

واعلم أن القول الأصح عند صاحب «المنتقى» أن المعراج كان فى ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، وكثير من أهل السير على أنه كان فى الليلة السابع والعشرين من رجب ، قبل الهجرة بسنة ، وعليه رأى النووى.

والأقوال كثيرة لأهل السير فى ذلك.

وقوله تعالى : (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) أى : فى الزروع والثمار والأشجار والأنهار.

وقيل : سماه مباركا ؛ لأنه مقر الأنبياء ومهبط الوحى والملائكة ، وقبلة الأنبياء قبل نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإليه يحشر الخلق يوم القيامة كما يجىء بيانه فى القسم الثالث.

__________________

(١) تفسير الكشاف ٢ / ٤٣٧.


(لِنُرِيَهُ) : أى : محمدا. (مِنْ آياتِنا) : أى : من عجائب قدرتنا ، وقد رأى هنالك الأنبياء والآيات الكبرى كما قال تعالى : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى).

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) : ذكر السميع ؛ لينبه على أنه المجيب لدعائه. وذكر البصير ؛ لينبه على أنه الحافظ له فى ظلمة الليل (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) تفسير الكشاف ٢ / ٤٣٧.


الفصل الثانى

فى ذكر حديث الإسراء على عدد الروايات

وأنا أذكر رواية أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة وهى أصح الروايات عند أهل هذا الفن ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا عثمان ، حدثنا همام ، قال :سمعت قتادة ، يحدث عن أنس بن مالك ، أن مالك بن صعصعة حدثه ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال : «بينما أنا فى الحطيم (١) ـ وربما قال قتادة : فى الحجر ـ مضطجعا ، وفى طريق آخر أنه أسرى به من بيت أم هانئ ، وفى طريق :بينا أنا بالمسجد الحرام ، وفى طريق : أنا نائم ، وفى طريق : أنه كان بالحطيم بين النائم واليقظان ـ إذ أتانى آت فجعل يقول لصاحبه : الأوسط بين الثلاثة ، قال :فأتانى فقد سمعت قتادة يقول : فشق ما بين هذه إلى هذه ـ وقال قتادة : فقلت للجارود وهو إلى جانبى : ما يعنى به؟ قال : نقرة نحره إلى شعرته ، وقد سمعته يقول من قصته إلى شعرته ـ قال : فاستخرج قلبى. قال : فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة فغسل قلبى ، ثم حشى ، ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض ـ فقال الجارود : هو البراق يا أبا حمزة؟ قال : نعم ـ يضع خطوة عند أقصى طرفه. قال : فحملت عليه ، فانطلق بى جبريل عليه‌السلام حتى أتى بى إلى السماء الدنيا فاستفتح. فقيل : من هذا؟ قال : جبريل : قيل : ومن معك؟ قال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم. فقيل : مرحبا به ولنعم المجىء جاء. قال : ففتح ، فلما خلصت فإذا فيها آدم عليه‌السلام. قال : هذا أبوك آدم ، فسلّم عليه ، فسلّمت عليه فردّ علىّ السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح ، ثم صعد بى حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ فقال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قيل أو قد أرسل إليه؟ قال :نعم. قيل : مرحبا به ولنعم المجىء جاء ، ففتح ، فلما خلصت فإذا يحيى بن زكريا

__________________

(١) سيأتى كلام المؤلف عليه.


وعيسى ابن مريم وهما ابنا خالة. قال : هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما. قال :فسلّمت عليهما فردا السلام. ثمّ قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح ، ثم صعد بى حتى أتى السماء الثالثة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ فقال : جبريل.

قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم. قال : مرحبا به ولنعم المجىء جاء. قال : ففتح ، فلما خلصت فإذا يوسف عليه‌السلام ، وإذا هو قد أعطى شطر الحسن. قال : هذا يوسف فسلّم عليه. قال : فسلّمت عليه فردّ السلام علىّ ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح ، ثم صعد بى حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال :محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ولنعم المجىء جاء ، قال : ففتح ، فلما خلصت فإذا إدريس عليه‌السلام ، قال : هذا إدريس عليه‌السلام ، فسلّم عليه. قال : فسلّمت عليه فردّ السلام علىّ. ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح ، قال : ثم صعد بى حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح.

فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه ، قال : نعم ، قيل : مرحبا به ولنعم المجىء جاء ، ففتح. فلما خلصت فإذا هارون عليه‌السلام فسلّمت عليه فردّ السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح ، ثم صعد بى حتى أتى السماء السادسة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال :جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ولنعم المجىء جاء ففتح ، فلما خلصت فإذا أنا بموسى عليه‌السلام فسلّمت عليه فردّ السلام ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح. قال :فلما تجاوزت بكى ، قيل له : ما يبكيك؟ قال : أبكى لأن غلاما بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى ، ويزعم بنو إسرائيل أنى أكرم بنى آدم على الله تعالى وهذا رجل من بنى آدم عليه‌السلام ، قال : ثم صعد بى حتى أتى السماء السابعة فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ولنعم المجىء جاء. ففتح ، فلما خلصت فإذا إبراهيم عليه‌السلام وهو رجل أشمط. فقال : هذا إبراهيم عليه‌السلام فسلّم عليه فسلّمت عليه فردّ السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبى


الصالح. قال : ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها (١) مثل قلال هجر (٢) وإذا ورقها مثل أذان الفيلة ، فقال : هذه سدرة المنتهى ، قال : وإذا أربعة أنهار ، نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : أما الباطنان فنهران فى الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات ، قال : ثم رفع لى البيت المعمور.

قال قتادة : وحدثنا الحسن ، عن أبى هريرة ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه (٣).

ثم رجع إلى حديث أنس قال : ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل. قال : فأخذت اللبن ، قال جبريل : هذه الفطرة التى أنت عليها وأمتك ، قال : ثم فرضت الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة ، قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال : ما فرض ربك على أمتك ، قال : قلت : خمسين صلاة كل يوم وليلة. قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وليلة ؛ وإنى جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال : فرجعت ، فوضع عنى عشرا ، قال : فرجعت إلى موسى ، فقال : بما أمرت؟ قلت : بأربعين صلاة كل يوم وليلة ، قال : أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وليلة ، وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال : فرجعت فوضع عنى عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى ، قال : بما أمرت؟ قلت بثلاثين صلاة كل يوم وليلة قال : إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وليلة ؛ وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال : فرجعت فوضع عنى عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى ، قال : بما أمرت؟ قلت : بعشرين صلاة كل يوم وليلة ، فقال : إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم وليلة ؛ وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، قال : فرجعت فوضع عنى عشرا أخر ، فرجعت إلى

__________________

(١) النبق : جمع نبقة ؛ وهو حمل السدر.

(٢) القلال : الجرار ، يريد : أن ثمرها فى الكبر مثل الجرار ، وهجر : اسم بلد بقرب المدينة المنورة.

(٣) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٣٧٨ ، ٣٧٩.


موسى ، قال : بما أمرت؟ قلت : بعشر صلوات كل يوم وليلة. قال : إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وليلة ؛ وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال : فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم وليلة ، فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت؟ قلت : بخمس صلوات كل يوم وليلة. قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وليلة ؛ وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال : قلت : قد سألت ربى حتى استحييت منه ولكن أرضى وأسلم ، فنفدت ، فنادانى مناد : قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى» (١). وأخرجاه فى الصحيحين من حديث قتادة بنحوه (٢).

وقال أهل النقل فى رواية أخرى : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما كانت ليلة أسرى بى وأنا بين النائم واليقظان جاءنى جبريل ومعه ميكائيل عليهما‌السلام ، فقال جبريل لميكائيل : ائتنى بطست من ماء زمزم لكيما أطهر قلبه وأشرح له صدره ، قال : فشق بطنى وغسله ثلاث مرات ، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طاسات من ماء زمزم فشرح صدرى وما كان من غل وملأه حلما وإيمانا ، وختم بين كتفى بخاتم النبوة ، ثم أخذ جبريل بيدى حتى انتهى بى إلى سقاية زمزم ، فقال الملك : ائتنى بتور من ماء زمزم أو من ماء الكوثر ، فقال : توضأ ، فتوضأت ، ثم قال لى : انطلق يا محمد ، قلت : إلى أين؟ قال : إلى ربك ورب كل شىء ، فأخذ بيدى وأخرجنى من المسجد ؛ فإذا أنا بالبراق دابة فوق الحمار دون البغل ، وجهها كوجه الإنسان ، وخدها كخد الفرس ، وذنبها كذنب البعير ، وعرفها كعرف الفرس ، وقوائمها كقوائم الإبل ، وأظلافها كأظلاف البقر ، صدرها كأنه ياقوتة حمراء ، وظهرها كأنه درة بيضاء ، عليها رحل من رحال الجنة ، وله جناحان فى فخذيه ، يمر مثل البرق ، خطوه منتهى طرفه. فقال لى : اركب. وهى دابة إبراهيم عليه‌السلام التى كان يمر عليها إلى البيت الحرام ، فلما وضعت يدى عليه تشامس واستصعب علىّ ،

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٣٧٥ ـ ٣٧٧ ، أحمد فى المسند ٤ / ٢٠٨ ، ابن الجوزى فى المنتظم ٣ / ٢٦ ، البغوى فى شرح السنة ١٣ / ٣٣٧ ، الدر المنثور ٤ / ١٤٠.

(٢) البخارى (٣٨٨٧) ، مسلم (الإيمان : ٢٦٤).


فقال له جبريل : مه يا براق ، فقال : يا جبريل مس صنما ، فقال : يا محمد ، هل مسست صنما؟ قال : والله إنى مررت على إساف ونائلة فمسحت يدى على رءوسهما وقلت : إن قوما يعبدونكما من دون الله لضلال ، فقال جبريل : يا براق أما تستحى ، فوالله ما ركبك منذ كنت قط نبى أكرم على الله تعالى من محمد ، فارتعش البراق وانصبّ عرقا حياء منى ، ثم خفض حتى لزق بالأرض ، فركبته واستويت عليه ، فأمّ جبريل نحو المسجد الأقصى يخطو مدّ البصر وجبريل معى لا يفوتنى ولا أفوته ، فبينا نحن فى مستوى إذ سمعت نداء عن يمينى ، فقال : يا محمد على رسلك ، يقولها ثلاثا ، فلم ألو عليه ، فجاوزته ، ثم نادانى عن يسارى ، فقال : يا محمد على رسلك ، يقولها ثلاثا ، فلم ألو عليه ، ثم مضيت حتى جاوزته ، فإذا أنا بامرأة عجوز رفعت عليها كل زينة وبهجة تقول : يا محمد إلىّ ، فلم ألتفت إليها ، فلما جاوزتها ، قلت : يا جبريل من هذا الذى نادانى عن يمينى ، قال : داعية اليهود ؛ والذى نفسى بيده لو أجبته لتهودت أمتك بعدك ، والذى ناداك عن يسارك داعية النصارى ، والذى نفسى بيده لو أجبته لتنصرت أمتك بعدك. وأما التى رفعت لك بهجتها وزينتها هى الدنيا ؛ فلو لويت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.

ثم أتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر ، فقال لى : اشرب أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته ، فقال جبريل : أصبت الفطرة ؛ أما إنك لو أخذت الخمر لغوت أمتك بعدك.

ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه جبريل ، فقال : انزل فصلّ قال : فنزلت فصلّيت ، قال : تدرى أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى.

ثم ركب وسار ، ثم قال : انزل فصلّ. قال : فنزلت فصليت. قال : تدرى أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه‌السلام.

ثم مضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، فلما انتهينا إليه فإذا أنا بملائكة قد نزلوا من السماء يتلقونى بالبشارة والكرامة من عند رب العزة ، يقولون : السلام عليك يا أول ويا آخر ويا حاشر. قلت : يا جبريل ، وما تحيتهم لى؟ قال : يقولون إنك أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، وأول مشفع ، وإنك آخر الأنبياء ، وإن الحشر


بك وبأمتك.

ثم جاوزناهم حتى انتهينا إلى باب المسجد ، فأنزلنى وربط البراق بالحلقة التى كانت تربط بها الأنبياء عليهم‌السلام بخطام من حرير الجنة ، فلما دخلت الباب إذا أنا بالأنبياء والمرسلين ـ وقد ورد فى حديث أبى العالية : بأرواح الأنبياء ـ الذين بعثهم الله قبلى من لدن إدريس ونوح إلى عيسى فسلموا علىّ وحيونى بمثل تحية الملائكة ، قلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : إخوتك الأنبياء ، ثم جمعهم والملائكة صفوفا ، فقدّمنى وأمرنى أن أصلى بهم ركعتين ـ فى كتاب «المقتفى» : وفى طريق أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى بالأنبياء فى السموات ـ ثم أتى بآنية ثلاث مغطاة أفواهها ، إناء فيه ماء فقيل له : اشرب ، فشرب منه يسيرا ، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن ، فقيل له : اشرب ، فشرب منه حتى روى ، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر ، فقيل له : اشرب ، فقال : لا أريد قد رويت. قال له جبريل : قد أصبت ؛ أما إنه سيحرم على أمتك ، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل ، ولو رويت من الماء لغرقت وغرقت أمتك.

ثم أخذ جبريل بيدى فانطلق بى إلى الصخرة فصعد بى عليها ؛ فإذا معراج لم أر مثله حسنا وجمالا ، ولم ينظر الناظرون إلى شىء قط أحسن منه ، ومنه تعرج الملائكة ، أصله على صخرة بيت المقدس ورأسه معلق بالسماء ، إحدى عارضيه ياقوتة حمراء والاخرى زبرجدة خضراء ، ودرجة من فضة ودرجة من زمرد ، مكلل بالدّر والياقوت ، وهو المعراج الذى يبدو منه ملك الموت فيقبض الأرواح ، فاحتملنى جبريل حتى وضعنى على جناحه ، ثم ارتفع إلى السماء الدنيا من ذلك المعراج ، فقرع الباب ... وساق الحديث إلى آخره (١).

__________________

(١) أخرجه : أحمد ٢ / ٣٧٠ ، البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٣٣٥ ، الشفا ١ / ١٨١ ، والسيوطى فى الجامع الكبير ٢ / ٤٥٢ ، وعزاه لأحمد ، والبيهقى ، وابن جرير الطبرى ، وابن أبى حاتم ، والحاكم ، والبزار ، وأبى يعلى.


الفصل الثالث

فى اختلاف الناس هل كان الإسراء ببدنه وروحه أم بروحه فقط

على قولين ؛ فالأكثرون من العلماء أنه أسرى ببدنه وروحه يقظة لا مناما. ولا ينكر أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى مناما قبل ذلك ورآه بعده يقظة ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)(١) ولو كان مناما لقال : «بروح عبده» ولم يقل : «بعبده». وأيضا : فإن التسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، ولو كان مناما لم يكن فيه كبير شىء ولم يكن مستعظما ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتد جماعة ممن كان قد أسلم.

وأيضا : فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ؛ وقد قال : (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ولم يقل بروحه ، وقد قال الله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٢) قال ابن عباس : هى رؤيا عين أريها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا رؤيا منام ، رواه البخارى (٣).

وقوله : (فِتْنَةً لِلنَّاسِ) : يؤيد أنها رؤيا عين ، وإسراء لشخص إذ ليس فى الحلم فتنة ولا يكذب به أحد ؛ لأن كل أحد يرى مثل ذلك فى منامه من الكون فى ساعة واحدة فى أقطار متباينة.

وقال تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى)(٤) والبصر من آلات البدن لا الروح.

وأيضا : لو كان مناما ما كانت فيه آية ولا معجزة ولا يقال أسرى ، ولما استبعده

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ١.

(٢) سورة الإسراء : آية ٦٠.

(٣) أخرجه : البخارى (٤٧١٦).

(٤) سورة النجم : آية ١٧.


الكفار ولا كذبوه فيه ولا ارتد فيه ضعفاء من أسلم ولا افتتنوا به ؛ إذ مثل هذه المنامات لا ينكر ، بل لم يكن ذلك منهم إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه وحال يقظته.

وأيضا : فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء برّاقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح ؛ لأنها لا تحتاج فى حركتها إلى مركب يركب عليه ، والله أعلم.

وقال آخرون : بل أسرى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بروحه لا بجسده.

قال محمد بن يسار فى السيرة : حدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، أن معاوية بن أبى سفيان كان أذا سئل عن مسرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كانت الرؤيا من الله صادقة.

وحدثنى بعض آل أبى بكر أن عائشة رضى الله عنها كانت تقول : ما فقد جسد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكن أسرى بروحه.

وقال ابن إسحاق : فلم ينكر ذلك من قولها ؛ لقول الحسن : إن هذه الآية نزلت (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(١) ولقوله تعالى فى الخبر عن إبراهيم : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى)(٢) ثم مضى ذلك فعرفت أن الوحى يأتى للأنبياء من الله يقظة ومناما ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تنام عيناى وقلبى يقظان» ، فالله تعالى أعلم أى ذلك كان قد جاءه وعاين فيه من الله ما عاين على أى حالاته ، كان نائما أو يقظانا ، كل ذلك حق وصدق .. انتهى كلام ابن إسحاق.

وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير فى تفسيره بالرد عليه والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن ، وذكر من الأدلة على رده بعض ما تقدم.

وقال القاضى عياض : أما قول عائشة رضى الله عنها : «ما فقد جسده» فعائشة لم تحدث به عن مشاهدة ؛ لأنها لم تكن حينئذ زوجة له ولا فى سنّ من تضبط ، ولعلها لم تكن ولدت بعد على الخلاف فى الإسراء ؛ فإن الإسراء كان فى أول

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ٦٠.

(٢) سورة الصافات : آية ١٠٢.


الإسلام على قول الزهرى ومن وافقه بعد المبعث بعام ونصف ، وكانت عائشة فى الهجرة بنت نحو ثمانية أعوام ، وقد كان الإسراء قبل الهجرة بعام وشهرين ، والحجة لذلك تطول وليست من غرضنا ؛ فإذا لم تشاهد ذلك عائشة دل على أنها حدّثت بذلك عن غيرها فلم يرجح خبرها على خبر غيرها ، وغيرها يقول خلافه مما وقع نصّا فى حديث أم هانئ وغيره ، وأيضا فليس حديث عائشة بالثابت والأحاديث الأخر أثبت. وأيضا فقد روى فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت : «ما فقدته» ولم يدخل بها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا بالمدينة ، وكل هذا يوهنه ، بل الذى يدل عليه صحيح قولها أنه بجسده ؛ لإنكارها أن تكون رؤيا لربه رؤيا عين ، ولو كانت عندها مناما لم تنكر.

فإن قيل : فقد قال تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(١) فقد جعل ما رآه للقلب وهذا يدل على أنها رؤيا نوم ووحى لا مشاهدة عين وحس؟ قلنا : يقابله قوله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى)(٢) وقد أضاف الأمر إلى البصر.

وقد قال أهل التفسير فى قوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أى لم يوهم القلب العين غير الحقيقة بل صدق رؤيتها ، وقيل : ما أنكر قلبه ما رأته عينه ـ انتهى كلام القاضى.

فائدة حسنة جليلة مفيدة على أن الإسراء بالجسد وفى اليقظة : ما قاله الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية فى كتابه «التنوير فى مولد السراج المنير» ، وقد ذكر الإسراء من طريق أنس ، وتكلم عليه فأجاد وأفاد ، ثم قال : وقد تواترت الروايات فى حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب ، وعلىّ ، وابن مسعود ، وأبى ذر ، ومالك ابن صعصعة ، وأبى هريرة ، وأبى سعيد ، وابن عباس ، وشداد بن أوس ، وأبى بن كعب ، وعبد الرحمن بن قرظ ، وأبى حية البدرى ، وأبى ليلى الأنصارى ، وعبد الله ابن عمر ، وجابر ، وحذيفة ، وبريدة ، وأبى أيوب ، وأبى أمامة ، وسمرة بن جندب ، وأبى الحمراء ، وصهيب الرومى ، وأم هانئ ، وعائشة وأسماء ، بنتى أبى بكر الصديق رضى الله عنهم أجمعين ؛ منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصر

__________________

(١) سورة النجم : آية ١١.

(٢) سورة النجم : آية ١٧.


على ما وقع فى المسانيد. وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين ، واعترض فيه الزنادقة والملحدون بفساد اعتقادهم فى دين الله وتعطيل نبوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(١).

__________________

(١) سورة الصف : آية ٨.


الفصل الرابع

فى اختلاف الناس فى رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رآه بعينه أو بقلبه (١)

عن ابن عباس قال : إنه رآه بعينه.

وروى عطاء : أنه رآه بقلبه.

وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله : هل رأى محمد ربه؟ فقال : نعم.

والأشهر عنه أنه رأى ربه بعينه ، روى ذلك عنه من طرق. وقال : إن الله تعالى خص موسى بالكلام ، وإبراهيم بالخلّه ، ومحمدا بالرؤية. وحجته قوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(٢).

وقال الماوردى : قيل : إن الله قسّم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، فرآه محمد مرتين ، وكلمه موسى مرتين.

وحكى عبد الرزاق : أن الحسن كان يحلف بالله إنه لقد رأى محمد ربه.

وحكى ابن إسحاق ، أن مروان سأل أبا هريرة : هل رأى محمد ربه؟ فقال : نعم.

وعن ابن عطاء فى قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٣) قال : شرح صدره للرؤية ، وشرح صدر موسى للكلام.

وحكى النقاش ، عن أحمد بن حنبل أنه قال : أنا أقول بحديث ابن عباس :

__________________

(١) انظر آراء العلماء فى هذه المسألة فى : سبل الهدى والرشاد ٣ / ٨٨ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٥٠ ، شرح مسلم للنووى ٣ / ٨.

(٢) سورة النجم : ١١ ـ ١٣.

(٣) سورة الشرح : آية ١.


بعينه رآه ، رآه ، حتى انقطع نفسه : يعنى نفس أحمد.

وقال سعيد بن جبير : لا أقول رآه ولا لم يره.

وقال أبو الحسن الأشعرى وجماعة من أصحابه : إنه رأى الله تعالى ببصره وعينى رأسه. وقال : كل آية أوتيها نبى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أوتيها نبينا عليه الصلاة والسلام وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.

وقيل : بات موسى مشتاقا إلى لقاء ربه فلما كانت ليلة معراج نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبكى ، فلما رجع نبينا من سفر قاب قوسين ردّه فى الصلوات ليسعد برؤية من قد رآه.

وقيل بلسان الحال :

إن تشق عينى بهم فقد

سعدت عين رسولى وفزت بالنّظر

وكلّما جاءنى الرسول لهم

رددت شوقا لطرفه نظرى

تظهر فى طرفه محاسنهم

قد أثّرت فيه أحسن الأثر

خذ مقلتى يا رسول الله عارية

فانظر بها واحتكم على بصرى

وقال أبو الحسن الثورى قدس الله سره : شاهد الحق تعالى القلوب فلم ير قلبا أشوق إليه من قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأكرمه بالمعراج تعجيلا للرؤية والمكالمة.

وبعضهم روى أنه رأى نورا.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قلت لأبى ذر : لو رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسألته قال : وما كنت تسأله؟ قال : كنت أسأله هل رأى ربه؟ فقال : إنى قد سألته ، فقال : «رأيته نورا ، أنّى أراه» هكذا وقع فى رواية الإمام أحمد.

وأخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى بكر بن أبى شيبة ، عن وكيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبى ذر ، قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رأيت ربك؟ قال : «نور ، أنّى أراه».


وعن محمد بن يسار ، عن معاذ بن هشام ، حدثنا أبى ، عن قتادة ، عن عبد الله ابن شقيق ، قال : قلت لأبى ذر : لو رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسألته ، فقال : عن أى شىء كنت تسأله؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر : قد سألته. قال :«رأيته نورا».

* * *


الفصل الخامس

فى ذكر أسامى هذه البلدة الشريفة المباركة عظّم الله قدرها (١)

اعلم يا أخا الصفا صفا الله باطنك بنور معرفة علم الأسماء أن كثرة الأسامى عند العرب تدل على شرف المسمى ، فمن أسمائها : مكة وإنما سميت بذلك لأنها تمكّ الذنوب ، أى : تذهبها.

وقيل : لأنها يؤمها الناس من كل مكان فكأنها تجذبهم ؛ وهذه الأقوال ترجع إلى قول العرب : أمتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا امتصه وجذب بقية ما فى الضرع من اللبن.

وقيل : لأنها تمك من ظلم فيها ، أى : تهلكه.

وقيل : لأنها تجهد أهلها ؛ من قولك : تمككت العظم إذا أخرجت مخه.

والتمكك الاستقصاء (٢).

ومنها : بكة ؛ قيل : لازدحام الناس فيها يبكّ بعضهم بعضا أى : يدفع فى زحمة الطواف وغيره.

وقيل : لأنها تبك أعناق الجبابرة ، أى : تدقها ، وما قصدها جبار إلا قصمه الله تعالى ، وقيل : لأن الناس يتباكون فيها أى : يزدحمون ، قال قتادة : إن الله بكّ به الناس فتصلى النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها.

__________________

(١) للبلد الشريف أسماء كثيرة قاربت الخمسين ، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى. وينظر عن ذلك فى. شفاء الغرام ١ / ٧٥ ـ ٨٤ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٢٢٥ ـ ٢٣١ ، القرى (ص : ٦٥٢) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٧٩ ، أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٨٠ ـ ٢٨٢ تهذيب الأسماء واللغات للنووى ٣ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ، المناسك للحربى ٣ / ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) المعجم الوسيط ٢ / ٩١٧ ، والقرى (ص : ٦٥٠).


وعن ابن عباس قال : مكة من الفج إلى التنعيم ، وبكة من البيت إلى البطحاء.

وقال عكرمة : البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة.

وقيل : بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة.

وقال الضحاك : إن بكة ومكة اسمان مترادفان لهذا البلد ، والباء بدل من الميم.

وقيل : بكة بالباء اسم لموضع البيت والمسجد ، ومكة بالميم اسم للحرم كله.

وقيل : بكة بالباء : موضع البيت ، ومكة بالميم : القرية (١).

ومنها : أم القرى ؛ لقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى)(٢) يعنى : مكة.

قيل : سميت بذلك ؛ لأن الأرض دحيت من تحتها ؛ كذا عن ابن عباس رضى الله عنهما.

وقال ابن قتيبة : لأنها أقدمها.

وقيل : لأنها أعظم القرى شأنا.

وقيل : لأن فيها بيت الله تعالى ؛ واطردت العادة بأن بلد الملك وبيته متقدم على الأماكن ، والأم متقدمة أيضا.

ومنها : البلد قال الله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ)(٣).

والبلد فى اللغة : صدر القرى.

ومنها : القرية : قال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً)(٤) يريد مكة.

ومنها : البلدة قال الله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ)(٥) ؛ يعنى مكة.

__________________

(١) القرى (ص : ٦٥٠).

(٢) سورة الأنعام : ٩٢.

(٣) سورة البلد : آية ١.

(٤) سورة النحل : آية ١١٢.

(٥) سورة النمل : آية ٩١.


ومنها : البلد الأمين قال الله تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)(١).

ومنها : أم رحم بضم الراء وإسكان الحاء المهملة ؛ لأن الناس يتراحمون ويتواصلون فيها.

ومنها : الباسّة بالباء الموحدة والسين المهملة ؛ لأنها تبس من ألحد فيها أى : تحطمه ، ومنه قوله تعالى : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا)(٢).

ومنها : صلاح بكسر الحاء وفتح الصاد كحذام وقطام ، سميت بذلك لأمنها وصلاحها.

ومنها : النّاسّة ؛ لأنها تنس الملحد ، أى : تطرده.

وقيل : لقلة مائها. والنّس اليبس ، والنّاسّة بالنون والسين المهملة.

ومنها : الحاطمة لأنها تحطم من استخف بها.

ومنها : كوثى بضم الكاف وبالثاء المثلثة وهو اسم محلة لبنى عبد الدار.

ومنها : الرأس ؛ لأنها أشرف الأراضى كالرأس بين الناس أشرف الأعضاء.

ومنها : العرش بضم العين والراء.

ومنها : العرش بفتح العين المهملة وإسكان الراء.

ومنها : القادس.

ومنها : العريش.

ومنها المقدسة ،

ومنها : القادسية.

ومنها : الحرم.

ومنها : المسجد الحرام.

ومنها : برّة.

ومنها : الرباح.

ومنها : الكعبة ؛ وإنما سميت الكعبة لأنها مكعبة على خلقة الكعب.

__________________

(١) سورة التين : آية ٣.

(٢) سورة الواقعة : آية ٥.


ومنها : البيت العتيق

؛ وإنما سميت الكعبة البيت العتيق ؛ لأنها أعتقها الله تعالى من الجبابرة فلا يتجبرون فيه إذا طافوا.

وعن مجاهد رضى الله عنه قال : البيت العتيق أعتقه الله تعالى من كل جبار ؛ فلا يستطيع جبار أن يدعى أنه له ، ولا يقال بيت فلان ولا ينسب إلا إلى الله عز وجل.

وقال الكلبى فى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)(١) قال : هى الكعبة. وقال غيره : إن أول بيت وضع للناس أول مسجد بنى للناس ، أى : للمؤمنين. للذى ببكة : وبكة ما بين الجبلين تبك الرجال والنساء لا يضر أحدا كيف صلى إن مر أحد بين يديه. ومكة الحرم كله.

والبيت قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة أهل مكة ، والحرم قبلة الناس كلهم.

وقيل : بكة الكعبة والمسجد مبارك للناس. ومكة ذى طوى وهو بطن مكة الذى ذكر الله تعالى فى سورة الفتح.

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٩٦.


الفصل السادس

فى ذكر ما كانت الكعبة على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض وما جاء فى ذلك

بالإسناد عن سعيد بن المسيب ، قال : قال كعب الأحبار : كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى السموات والأرض بأربعين سنة ، ومنها دحيت الأرض (١).

وبالإسناد عن حميد ، قال : سمعت مجاهدا يقول : خلق الله تعالى هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين (٢).

وعن عطاء ، عن ابن عباس ، أنه قال : لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بعث الله ريحا هفافة فصفقت الماء ، فأبرزت عن خشفة فى موضع البيت كأنها قبة ، فدحا الله تعالى الأرضين من تحتها ، فمادت ثم مادت ، فأوتدها الله تعالى بالجبال ، فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس ، فلذلك سميت مكة أم القرى (٣).

وعن هشام ، عن مجاهد ، قال : لقد خلق الله تعالى موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفى سنة ، وإن قواعده لفى الأرض السابعة السفلى (٤).

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق (٩٠٨٩) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣١. والغثاء : ما يجىء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢. وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٤٥). صفقت : أى حركت. الخشفة : واحدة الخشف ، وهى حجارة تنبت فى الأرض نباتا ، وقيل : هو ما غلبت عليه السهولة ، أى : ليس بحجر ولا طين ، وقال الخطابى : الحشفة بمعنى الخشفة. وقال الأزهرى : يقال للجزيرة فى البحر لا يعلوها الماء : خشفة.

(٤) أخرجه : عبد الرزاق (٩٠٩٧) ، وأخرج بعضه الطبرانى فى الكبير ٣ / ٢٨٩ ، عن عبد الله بن عمرو ، ونقله ابن كثير فى التفسير ١ / ١٧٩ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢.


الفصل السابع

فى ذكر بناء الملائكة الكعبة ـ عليهم‌السلام ـ قبل آدم

ومبدأ الطوفان وكيف كان

قال أهل التفسير : كان بناء الملائكة البيت الحرام قبل أن يخلق الله تعالى آدم عليه‌السلام بألفى عام.

وعن مجاهد ، عن علىّ بن الحسين بن علىّ ، قال : كنت مع أبى الحسين بن علىّ رضى الله عنهما بمكة وهو يطوف بالبيت وأنا وراءه ، إذ جاءه رجل شرحم من الرجال ، يقول : طويل ، فوضع يده على ظهر أبى ، فالتفت أبى إليه ، فقال الرجل : السلام عليك يا ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرد عليه‌السلام ، فقال الرجل : يا ابن بنت رسول الله ، إنى أريد أن أسألك ، فسكت أبى ، وأنا والرجل خلفه ، حتى فرغ من أسبوعه ، فدخل الحجر ، فقام تحت الميزاب ، فقمت أنا والرجل خلفه ، فصلى ركعتى أسبوعه ، ثم استوى قاعدا ، فالتفت إلىّ ، فقمت فجلست إلى جنبه. فقال : يا محمد ، أين السائل؟ فأومأت إلى الرجل فجاء فجلس بين يدى أبى ، فقال له أبى : عم تسأل؟ قال : أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت لم كان ، وأنّى كان ، وكيف كان؟ قال له أبى : نعم. من أين أنت؟ قال : من أهل الشام ، قال : أين مسكنك؟ قال : فى بيت المقدس ، قال : فهل قرأت الكتابين ، يعنى : التوراة والإنجيل؟ قال الرجل : نعم ، قال أبى : يا أخا أهل الشام ، احفظ ولا تروين عنى إلا حقا : أما بدأ الطواف بهذا البيت ؛ فإن الله تبارك وتعالى قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). فقالت الملائكة : أى رب ، أخليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون ويتباغون ، أى رب اجعل ذلك الخليفة منا ، فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك ، قال الله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : فظنت الملائكة أن ما قالوا ردّ على


ربهم ، وأنه قد غضب من قولهم ، فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا لغضبه عليهم ، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات ، فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم ، فوضع الله تعالى تحت العرش بيتا على أربعة أساطين من زبرجد ، وغشّاهن بياقوته حمراء وسمى هذا البيت الضراح ، ثم قال الله تعالى للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش ، قال : فطافت الملائكة وتركوا العرش وصار أهون عليهم ، وهو البيت المعمور الذى ذكره الله تعالى فى القرآن المجيد ، يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ، ثم إن الله سبحانه وتعالى بعث ملائكة وقال لهم : ابنوا لى بيتا فى الأرض بمثاله وبقدره ، فأمر الله تعالى من فى الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور ، فقال الرجل : صدقت يا ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هكذا كان وجدته فى التوراة والإنجيل (١).

واعلم أن الله تعالى لم يذكر وجه الحكمة فى هذه الآية على التفصيل فى تخليق الإنسان ولم يزد على قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢) وللعلماء فى هذا المقام طريقان :

الأول : الطريقة الإجمالية التى ذكرها الله فى هذه الآية وتقريرها : أنه تعالى قادر على جميع المقدورات منزّه عن جميع الحاجات عالم بكل المعلومات. وإذا كان الأمر كذلك كان لا محالة عالما بأنه ما الذى ينبغى فعله ، وما الذى ينبغى تركه ، وكان عالما لا محالة بكونه غنيا عن كل ما لا ينبغى ، ومن كان غنيا عما لا ينبغى كان عالما بكونه غنيا عما لا ينبغى امتنع إقدامه على فعل ما لا ينبغى ، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن كل ما يفعله الله تعالى حكمة وصواب ، وأنه منزه عن فعل العبث كما قال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً)(٣) ومنزّه عن فعل اللعب ، كما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)(٤) ومنزّه عن الباطل

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٥.

(٢) سورة المؤمنون : آية ١١٥.

(٣) سورة الدخان : آية ٣٨.

(٤) سورة ص : آية ٢٧.


كما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً)(١) بل كل ما فعل فهو إنما فعله بالحق كما قال : (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ)(٢). وله الملك ، والملك بالحق كما قال : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ)(٣) ومتى علمنا أن الأمر كذلك علمنا أن له فى تخليق البشر حكمة بالغة وأسرارا شريفة ولكنه تعالى ما كشف تفاصيلها للبشر ، كما قال : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)(٤) فوجب الإيمان بتلك الحكم على الإجمال ، وترك الخوض فى تفاصيلها.

الطريق الثانى : بيان حكمة خلق الإنسان على التفصيل ، وفيه وجوه ، ونحن نذكر منها وجها واحدا اختصارا ، وهو أن المخلوقات على أربعة أقسام :

أحدها : الذى له عقل ولا شهوة له ؛ وهم الملائكة.

والثانى : الذى له شهوة ولا عقل ؛ وهو كالحيوانات سوى الإنسان.

والثالث : الذى له شهوة وعقل وهو الإنسان ؛ فإن رجّح شهوته على عقله التحق بالبهائم بل كان أضل كما قال تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ)(٥).

وإن رجّح عقله على شهوته التحق بالملائكة كما قال تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)(٦).

الرابع : الذى لا عقل له ولا شهوة وهو الجمادات.

ثم إنه تعالى كان فى العهد القديم والزمان الأسبق خلق الأقسام الثلاثة وبقى القسم الرابع ، وهو الذى يحصل فيه العقل والشهوة معا فاقتضت قدرته التامة ومشيئته الكاملة خلق هذا القسم الرابع كيلا يبقى شىء من الأقسام الممكنة محروما عن جود وجوده ونعمة إبداعه ؛ عند هذا قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فقالت الملائكة : إنك إذا جمعت بين الشهوة والغضب وبين العقل جاءت المنازعة فيتولد الفساد من الشهوة ، ويتولد سفك الدماء من الغضب ، فقال لهم

__________________

(٤) سورة الأعراف : آية ١٧٩.

(١) سورة الدخان : آية ٣٨.

(٢) سورة الأنعام : آية ٦٢.

(٣) سورة الكهف : آية ٥١.

(٤) سورة الأعراف : آية ١٧٩.

(٥) سورة الإسراء : آية ٧٠.


مدبر العالم المحيط علمه بجميع الكليات والجزئيات : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).

ويحتمل ـ والله أعلم بمراده ـ أن يقال : إنه يحصل من تخليقهم وتكوينهم كمال حكمتى ورحمتى وقدرتى ، ويحصل لهم منه أيضا كمال حالهم ودرجاتهم. أما كمال قدرتى ؛ فلئلا يبقى هذا القسم محروما عن أثر الجود. وأما كمال حكمتى ؛ فلأنه وإن كان الفساد والقتل يحصلان كثيرا إلا أن الأكثر عدمهما وحصول العبودية والتذلل أكثر منهما ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شرّ كثير فهو غير لائق بحكمتى ، وأما كمال حالهم ودرجاتهم فهو أن العمل بمقتضى العقل عند عدم الشهوة ليس فى غاية الكمال ، وإنما الكمال هو العمل بمقتضى العقل مع قيام منازعة الشهوة كما فى حق البشر فيحتمل فى ظنوننا أن المراد بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) هو هذا المعنى. والله أعلم بأسرار كلامه كذا فى «أسرار التنزيل» للشيخ فخر الدين الرازى رحمه الله.

* * *


الفصل الثامن

فى ذكر زيارة الملائكة عليهم‌السلام البيت الحرام

عن وهب بن منبّه ، عن ابن عباس رضى الله عنهما : أن جبريل عليه‌السلام وقف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما وعليه عصابة حمراء قد علاها الغبار ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما هذا الغبار الذى أرى على عصابتك أيها الروح الأمين؟» فقال : يا رسول الله ، إنى زرت البيت الحرام فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذى ترى مما تثير بأجنحتها (١).

وعن عثمان بن ساج ، قال : أخبرنى عثمان بن يسار ، قال : بلغنى ـ والله أعلم ـ أن الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره فى الأرض استأذنه ذلك الملك فى الطواف لبيته ، فهبط الملك مهللا (٢).

وعن وهب بن منبّه نحوه إلا أنه قال : ويصلى فى البيت ركعتين (٣).

وعن ليث بن معاذ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا سبعة منها فى السماء إلى العرش ، وسبعة منها إلى نجوم الأرض السفلى ، وأعلاها الذى يلى العرش : البيت المعمور ، لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت ، لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى ، ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت ، أخرجه الأزرقى (٤).

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٥.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٥.

(٣) أخرجه : السيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٣٩ ، وعزاه للجندى.

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٥ ، هداية السالك ٣ / ١٣٢١.


الفصل التاسع

فى ذكر هبوط آدم عليه‌السلام إلى الأرض وبنائه الكعبة وحجه وطوافه بالبيت

اختلف فى المكان الذى أهبط فيه آدم (١) ، فقيل : أهبط بالهند وحواء بجدة.

وقيل : أهبط بسرنديب (٢).

وقيل : أهبط آدم وحواء على جبل بالهند اسمه واسم.

وقيل : آدم بسرنديب. وحواء بجدة ، وإبليس بالأبلة موضع بالبصرة ، والحيّة بأصفهان. كذا فى الكواشى فى تفسير القرآن عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : لما أهبط الله تعالى آدم عليه‌السلام إلى الأرض من الجنة كان رأسه فى السماء ورجلاه فى الأرض ، وهو مثل الفلك (٣) من رعدته.

قال : فطأطأ الله ـ تعالى ـ منه إلى ستين ذراعا ، فقال : يا رب ، ما لى لا أسمع أصوات ملائكتك ولا حسهم؟ قال الله تعالى : خطيئتك يا آدم ، ولكن اذهب فابن لى بيتا وطف به واذكرنى حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشى. قال : فأقبل آدم ـ عليه‌السلام ـ يتخطا ، فطويت له الأرض ، وقبضت له المفازة ، فصار كل مفازة يمر بها خطوة ، وقبض له ما كان من مخاض أو بحر ، فجعل له خطوة ، ولم يقع قدمه فى شىء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة ، حتى انتهى إلى مكة ، فبنى البيت الحرام ، وإن جبريل ـ عليه‌السلام ـ ضرب بجناحه الأرض ، فأبرز عن أسّ ثابت فى الأرض السفلى ، فقذفت فيه الملائكة الصخار كل صخرة منها ما تطيق ثلاثون رجلا ، وإنه بناه من خمسة أجبل : من لبنان ، وطور زينا ،

__________________

(١) ينظر عن ذلك : أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٥.

(٢) سرنديب : هى جزيرة سيلان حاليا.

(٣) الفلك : قيل : موج البحر المضطرب ، وقيل : أراد فلكة المغزل حال دورانها (سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٢).


وطور سيناء ، والجودى ، وجبل حراء ، حتى استوى على وجه الأرض (١).

وقيل : من ستة أجبل : من أبى قبيس ، ومن الطور ، ومن جبل القدس ، ومن ورقان ، ومن رضوى ، ومن أحد (٢).

وقيل : من خمسة أجبل : من حراء ، وثبير ، ولبنان ، والطور ، والجبل الأحمر ، والله أعلم.

قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : وكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم ـ عليه‌السلام ـ حتى بعث الله ـ تعالى ـ الطوفان. قال : ولم يقرب الطوفان أرض الهند والسند (٣).

قال : فدرس موضع البيت فى الطوفان حتى بعث الله ـ تعالى ـ إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما‌السلام ـ فرفعا قواعده وأعلامه ، ثم بنته قريش بعد ذلك ، وهو بحذاء البيت المعمور ؛ لو سقط ما سقط إلا عليه.

وعن وهب بن منبّه قال : إن الله تبارك وتعالى لما تاب على آدم ـ عليه‌السلام ـ أمره أن يسير إلى مكة ، فطوى له الأرض ، وقبض له المفاوز ، فصار كل مفازة يمر بها خطوة ، وقبض له ما كان من مخاض ماء أو بحر ، فجعل له خطوة ، فلم يضع قدمه فى شىء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة ، حتى انتهى إلى مكة.

وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة ؛ حتى إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكى لبكائه ، فعزّاه الله ـ تعالى ـ بخيمة من خيام الجنة ، ووضعها له بمكة فى موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة ، وتلك الخيمة كانت من ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة ، فيها ثلاث قناديل من ذهب من تبر الجنة

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق (٩٠٩٣) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٧ ، وابن سعد فى الطبقات ١ / ٣٨ ، والصالحى فى سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧١ ، وقال السهيلى فى الروض الأنف ١ / ١٢٩ : انتبه لحكمة الله تعالى كيف جعل بناءها من خمسة أجبل فشاكل ذلك معناها ؛ إذ هى قبلة الصلوات الخمس وعمود الإسلام الذى بنى على خمس.

(٢) انظر روايات : خمس أجبل فى أخبار مكة ١ / ٦٣ ، وسبعة أجبل ١ / ٥٣ ، أما رواية «ستة أجبل» فلم أعثر عليها إلا فى هداية السالك لابن جماعة ٣ / ١٣٢٤.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٧ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٢.


فيها نور يلتهب من نور الجنة ، ونزل معه الركن وهو يومئذ ياقوته بيضاء من ربض الجنة ، وقيل : من رياض الجنة ، وكان كرسيا لآدم ـ عليه‌السلام ـ.

فلما صار آدم بمكة حرسها الله ـ تعالى ـ وحرس له تلك الخيمة بالملائكة ؛ كانوا يحرسونها ويزودون عنها ساكن الأرض ـ وسكانها يومئذ الجن والشياطين ـ فلا ينبغى لهم أن ينظروا إلى شىء من الجنة ؛ لأن من نظر إلى شىء من الجنة وجبت له ، والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تتنجس ، ولم تسفك فيها الدماء ، ولم تعمل فيها الخطايا ؛ فلذلك جعلها الله تعالى مسكنا للملائكة ، وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم ، كل الحلّ من خلفهم والحرم كله من أمامهم ، فلا يجوزهم جنّىّ ولا شيطان ، ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة.

وحرّم الله ـ تعالى ـ على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم ، من أجل خطيئتها التى أخطأتها فى الجنة ؛ فلم تنظر إلى شىء من ذلك حتى قبضت ، وأن آدم ـ عليه‌السلام كان إذا أراد لقاءها ليلمّ بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها ، فلم تزل خيمة آدم ـ عليه‌السلام ـ مكانها حتى قبض الله ـ تعالى ـ آدم ـ عليه‌السلام ـ ورفعها الله ـ تعالى ـ إلى السماء.

ثم بنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة ، فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح ـ عليه‌السلام ـ فنسفه الغرق وخفى مكانه ؛ فلما بعث الله ـ عز وجل ـ إبراهيم خليله ـ عليه‌السلام ـ طلب الأساس ، فلما وصل إليه ظلل الله له مكان البيت بغمامة ، فكانت حفاف البيت الأول ، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظلل إبراهيم وتهديه مكان القواعد ، حتى رفع إبراهيم القواعد قدر قامته ، ثم انكشفت الغمامة ؛ فذلك قول الله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ). أى : الغمامة التى ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد ، فلم يزل بحمد الله منذ رفعه الله ـ تعالى ـ معمورا (١).

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٥١ ـ ٥٢ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧١ ، ١٧٢.


قال وهب بن منبّه : وقرأت فى كتاب من الكتب الأولى ذكر فيه أمر الكعبة فوجدت فيه : أن ليس من ملك من الملائكة بعثه الله ـ تعالى ـ إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت ، فينقضّ من تحت العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر ، ثم يطوف سبعا بالبيت ، ويركع فى جوفه ركعتين ، ثم يصعد (١).

وعن عبد الله بن لبيد ، قال : بلغنى أن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : لما أهبط الله ـ تعالى آدم ـ عليه‌السلام ـ إلى الأرض ، أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته ، ثم أنزل عليه الحجر الأسود ـ يعنى : الركن ـ وهو يتلالأ من شدة بياضه ، فأخذه آدم فضمه إليه ؛ أنسا به ، ثم نزلت عليه العصا ، فقيل له : تخطّ يا آدم ، فتخطى ، فإذا هو بأرض الهند والسند ، فمكث بذلك ما شاء الله ، ثم استوحش إلى الركن ، فقيل له : احجج ، فحج ، فلقيته الملائكة ، فقالوا : برّ حجك يا آدم ؛ لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام (٢).

وعن عثمان بن ساج ، قال : بلغنى أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قال لكعب : يا كعب ، أخبرنى عن البيت الحرام ، قال كعب : أنزله الله تعالى من السماء ياقوتة مجوفة مع آدم ، فقال : يا آدم إن هذا بيتى أنزلته معك ، يطاف حوله كما يطاف حول عرشى ، ويصلى حوله كما يصلى حول عرشى. ونزلت الملائكة فرفعوا قواعده من الحجارة ، ثم وضع البيت عليه ، فكان آدم ـ عليه‌السلام ـ يطوف حوله كما كان يطوف حول العرش ، ويصلى عنده كما كان يصلى عند العرش. فلما أغرق الله ـ تعالى ـ قوم نوح ، رفعه الله ـ تعالى ـ إلى السماء ، وبقيت قواعده (٣).

وعن وهب بن منبّه ، قال : كان البيت الذى بوّأه الله ـ تعالى ـ لآدم ـ عليه

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٣٩٩٠) ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٥.

(٢) أخرجه : الأزرقى موقوفا على أبى هريرة (١ / ٤٣) ، وابن الجوزى فى العلل (٩٣٧) ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور إلى الجندى (١ / ٢٤٥). الديلمى فى الفردوس (٤٨٥١) ، وفيه : محمد ابن زياد اليشكرى الجزرى صاحب ميمون بن مهران الفأفأ ، قال عنه الدارقطنى : كذاب. وقال ابن حبان : كان ممن يضع الحديث ولا يحل ذكره فى الكتب إلا على جهة القدح فيه. وقال عنه الترمذى : ضعيف جدا. وقال عنه النسائى : متروك الحديث.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٠.


السلام ـ يومئذ من ياقوت الجنة ، وكان من ياقوتة حمراء تلتهب إلتهابا ، لها بابان : أحدهما شرقى ، والآخر غربى ، وكان فيه قناديل من نور آنيتها ذهب من تبر الجنة ، وهو منظوم بنجوم من ياقوت أبيض ، والركن يومئذ نجم من نجومه ، وهو يومئذ ياقوته بيضاء (١).

وعن عطاء بن أبى رباح ، قال : لما بنى ابن الزّبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا إلى الأرض ، فبلغوا صخارا مثل الإبل الخلف. قال : فقالوا : إنا بلغنا صخارا معمولة مثل الإبل الخلف ، قال : زيدوا فاحفروا ، فلما زادوا بلغوا هواء من نار تلقاهم. فقال : ما بالكم؟ قالوا : لسنا نستطيع أن نزيد ؛ رأينا أمرا عظيما. فقال لهم : ابنوا عليه. قال : فسمعت عطاء يقول : يرون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه الصلاة والسلام (٢) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٠ ، ٤١ ، ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٣٢١.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤١ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٣٧) وتراجع تفاصيل هبوط آدم ووحشته وبناؤه للبيت فى : سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٠ ، شفاء الغرام ١ / ١٤٧ ـ ١٦١ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٥ ، الروض الأنف ١ / ٢٢١ ، عيون الأثر ١ / ١٢١.


الفصل العاشر

فى ذكر ما جاء فى حج آدم عليه‌السلام ودعائه لذريته

عن عثمان بن ساج ، قال : حدّثت أن آدم ـ عليه‌السلام ـ خرج حتى قدم مكة ، فبنى البيت ، وأعانت له الملائكة ، فلما فرغ من بنائه ، قال : أى رب ، إن لكل عامل أجرا ، وإن لى أجرا؟ قال : نعم ، فاسألنى ، قال : أى رب ، تردنى من من حيث أخرجتنى. قال : نعم ، لك ذلك. قال : يا رب ، ومن خرج إلى هذا البيت من ذريتى يقر على نفسه بمثل الذى أقررت من ذنوبى أن تغفر له ، قال : نعم ، لك ذلك (١).

وعن أبى المليح أنه قال : كان أبو هريرة ـ رضى الله عنه يقول : حج آدم ـ عليه‌السلام ـ فقضى المناسك ، فلما فرغ من نسكه وقف فى الملتزم ، وقال : يا رب ، إن لكل عامل أجرا ، قال : يا رب ، ولى أجر فبين لى أجرى. قال الله تعالى : نعم ، أما أنت يا آدم فقد غفرت لك ، وأما ذريتك : فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه فقد غفرت له على ما كان فيه ولا أبالى. فقال آدم : قد رضيت يا رب. فحج آدم ، فاستقبلته الملائكة بالردم (٢) ، فقالوا : برّ حجك يا آدم ؛ إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام. قال : فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فكان آدم إذا طاف يقول هذه الكلمات ، وكان طواف آدم سبعة أسابيع بالليل ، وخمسة أسابيع بالنهار (٣).

قال نافع : كان ابن عمر يفعل ذلك ؛ يعنى : طواف آدم.

__________________

(١) أورده ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٤٩) ولم يعزه.

(٢) يقع هذا الردم فى الجهة الشمالية الغربية من الحرم ، وكان بين باب بنى سهم (باب العمرة حاليا) ، وباب إبراهيم ، وهذه المنطقة منطقة مرتفعة لا يعلوها السيل ؛ فهى عنه بمعزل ، ولا أثر لهذا الردم فى الوقت الحاضر ؛ فكأنه دخل فى توسعات الحرم.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٥.


وعن عبد الله بن أبى سليمان ـ مولى بنى مخزوم ـ أنه قال : طاف آدم ـ عليه‌السلام ـ بالبيت سبعا بالليل حين أنزل من الجنة ، وأنزل بين الركن والمقام ، ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين ، ثم أتى الملتزم ، فقال : اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فاقبل معذرتى ، وتعلم ما فى نفسى وما عندى فاغفر لى ذنوبى ، وتعلم حاجتى فاعطنى سؤلى ، اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى ، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبنى إلا ما كتبت لى ، والرضا بما قضيت علىّ.

فأوحى الله إليه : يا آدم قد دعوتنى بدعوات فاستجبت لك ، ولن يدعونى بها أحد من أولادك إلا كشفت عنه غمومه ، وكففت عليه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه ، وتجرّت له من وراء تجارة كل تاجر ، وأتته الدنيا وهى راغمة ، وإن كان لا يريدها (١).

قال : فمذ طاف آدم ـ عليه‌السلام ـ كانت سنّة.

وعن عثمان بن ساج ، قال : أخبرنى سعيد : أن آدم ـ عليه‌السلام ـ حج على رجليه سبعين حجة ماشيا ، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين ، فقالوا : برّ حجك يا آدم ، إنا قد حججنا قبلك بألفى عام (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ مثله ، وزاد : قال : ما كنتم تقولون فى الطواف؟. قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فأعلمناه ذلك ، فقال آدم عليه‌السلام : زيدوا فيها : ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فقال إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : زيدوا فيها : العلى العظيم. ففعلت الملائكة ـ عليهم‌السلام ـ ذلك (٣).

وعن عثمان بن ساج ، عن أبى إسحاق ، قال : بلغنى أن آدم ـ عليه‌السلام ـ لما أهبطه الله تعالى ـ إلى الأرض حزن على ما فاته مما كان يرى ويسمع فى الجنة من

__________________

(١) أخرجه ابن عساكر «مختصر تاريخ دمشق ٤ / ٢٢٣» ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤ موقوفا على عبد الله بن أبى سليمان ، وفيه سليمان بن قسيم ، وقيل : ابن يسير ، أبو الصباح قال عنه ابن حجر فى التقريب (٢٦٢٨) : ضعيف. ومثير الغرام الساكن (ص : ٣٧٤).

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٧).

(٣) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٤٦) وعزاه للأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٥.


عبادة الله تعالى ، فبوأ الله ـ تعالى ـ البيت الحرام ، وأمره بالمسير إليه ، فصار لا ينزل منزلا إلا فجر الله به ماء معينا حتى انتهى إلى مكة ، فأقام بها ، فعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ عند البيت ، وطاف به ، ثم لم تزل مكة داره حتى مات ودفن فى أبى قبيس. ووقت الطوفان حمله نوح معه فى السفينة فى تابوت صنعه من الساج ، فلما رفع الطوفان رده إلى مكانه ، ودفنه فيه.

وقيل : إن سام بن نوح أخرج جسده من السفينة وحمله إلى منى ، ودفنه عند منارة مسجد الخيف.

وكان طوله : ستون ذراعا ، وعرضه : سبعة فى سبعة بذراعه ، وكان أمرد بلا لحية ، وولد له أربعون ولدا فى عشرين بطن ، منهم عشرون ذكرا ، وعشرون أنثى.

وأنزل الله عليه عشر صحائف ، ومات وعمره ألف سنة ، وقيل : ألف إلا تسعين سنة.

واختلف فى المكان الذى أهبط فيه ؛ فقيل : أهبط فى الهند وحواء بجدة ، وقيل : أهبط بسرنديب ، وقيل : أهبط آدم وحواء على جبل بالهند ، والله أعلم.

* * *


الفصل الحادى عشر

فى ذكر وحشة آدم عليه‌السلام فى الأرض

حين نزل بها ، وفضل البيت الحرام والحرم

عن وهب بن منبّه أنه قال : إن آدم ـ عليه‌السلام ـ لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من شعثها ، ولم ير فيها أحدا غيره. قال : يا رب ، أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيرى؟ قال الله : إنى سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدى ويقدس لى ، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكرى ويسبحنى فيها خلقى ، وسأبؤك فيها بيتا أختاره لنفسى وأختصه بكراماتى ، وأؤثره على بيوت الأرض كلها باسمى ، فأسميه بيتى ، وأنطقه بعظمتى ، وأحوزه بحرماتى ، وأجعله أحق بيوت الأرض كلها وأولاها لذكرى ، وأضعه فى البقعة التى اخترتها لنفسى ؛ فإنى اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض وقبل ذلك ، وقد كان بعينى ، فهو صفوتى من البيوت ، ولست أسكنه ، ولا ينبغى لها أن تسعنى ، ولكنى على كرسى الكبرياء والجبروت ، وهو الذى استقل بعزتى ، وعليه وضعت عظمتى وجلالى ، وهنالك استقر قرارى ، ثم هو بعد ضعيف عنى لو لا قوتى ، ثم أنا ملء كل شىء ، وفوق كل شىء ، ومع كل شىء ، ومحيط بكل شىء ، وأمام كل شىء ، وخلف كل شىء ، ليس ينبغى لشىء أن يعلم علمى ، ولا يقدر قدرتى ، ولا يبلغ كنه شأنى ، أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرما وأمنا ، أحرّم بحرماتى ما فوقه وما تحته وما حوله ، فمن حرّمه بحرمتى فقد عظم حرماتى ، ومن أخافهم فقد أخفرنى فى ذمتى ، ومن عظّم شأنه عظم فى عينى ، ومن تهاون به صغر فى عينى. ولكل ملك حيازة مما حواليه ، وبطن مكة حوزتى وحيازتى ، وأهلها جيران بيتى ، وعمارها وزوارها وفدى وأضيافى ، فى كنفى وأفنيتى آمنون علىّ ، فى ذمتى وجوارى ، فأجعله أول بيت وضع للناس ، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض ، يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل


فج عميق ، يعجون بالتكبير عجيجا ، ويضجون بالتلبية ضجيجا ، وينتحبون بالبكاء نحيبا ، فمن اعتمده لا يريد غيره فقد زارنى ووفد إلىّ ونزل بى ، ومن نزل بى فحقيق علىّ أن ألحقه بكرامتى ، وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه ، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته ، تعمره أنت يا آدم ما كنت حيا ، ثم تعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء أمة بعد أمة ، وقرنا بعد قرن ، ونبى بعد نبى ؛ حتى ينتهى ذلك إلى نبى من ولدك وهو خاتم النبيين ، فأجعله من عمّاره وسكّانه وحماته وولاته وسقاته ، يكون أمينى عليه ؛ ما كان حيا ، فإذا انقلب إلىّ وجدنى قد دخرت له من أجره وفضيلته ما يمكن القربى منى والوسيلة إلىّ ، وأفضل المنازل فى دار المقام.

وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبى من ولدك يكون فيها من قبل هذا النبى وهو أبوه ، يقال له : إبراهيم ، أرفع له قواعده ، وأقضى على يديه عمارته ، وأنيط له سقايته ، وأريه حلّه وحرمه وموقفه ، وأعلمه مشاعره ومناسكه ، وأجعله أمة واحدا قانتا لى ، قائما بأمرى داعيا إلى سبيلى ، أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم ، ابتليه فيصبر ، وأعافيه فيشكر ، وينذر لى فيفى ، ويعدنى فينجز ، وأستجيب له فى ولده وذريته من بعده ، وأشفعه فيهم ؛ فأجعل لهم ذلك البيت ، وولاته وحماته وسقاته وخدّامه وخزّانه وحجابه ؛ حتى يبتدعوا ويغيروا ؛ فإذا فعلوا ذلك : فأنا الله أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء ؛ أجعل إبراهيم إمام ذلك البيت ، وأهل تلك الشريعة ؛ يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن ، يطأون فيها آثاره ، ويتبعون فيها سنته ، ويقتدون فيها بهديه. فمن فعل ذلك منهم : أوفى بنذره ، واستكمل نسكه ، ومن لم يفعل ذلك منهم : ضيع نسكه ، وأخطأ بغيته. فمن سأل عنى يومئذ فى تلك المواطن أين أنا ، فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم ، المستكملين مناسكهم ، المبتهلين إلى ربهم الذى يعلم ما يبدون وما يكتمون ، وليس هذا الخلق ولا هذا الأمر الذى قصصت عليك شأنه يا آدم بزائد فى ملكى وعظمتى ولا سلطانى ولا شىء مما عندى ؛ إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت فى سبعة أبحر تمدها من بعدها سبعة أبحر ، لا يحصى بلّ القطرة أزيد فى البحر من هذا الأمر فى شىء مما


عندى ، ولو لم أخلقه لم ينتقص شىء من ملكى ولا عظمتى ولا مما عندى من الغنا والسعة إلا كما نقصت الأرض ذرة وقعت من جميع ترابها وجبالها وحصائها ورمالها وأشجارها ونباتها ؛ بل الذرة فى الأرض أنقص فى هذا الأمر لو لم أخلقه لشىء مما عندى (١).

وروى وهب بن منبّه بنحوه أيضا.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٦ ـ ٤٨.


الفصل الثانى عشر

فى ذكر ما جاء فى البيت المعمور ورفعه من الغرق

عن مقاتل ، يرفع الحديث إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حديث حدث به : أن آدم ـ عليه‌السلام ـ قال : أى رب ، إنى أعرف شقوتى ، وإنى لا أرى شيئا من نورك أتعبد فيه ، فأنزل الله تعالى عليه البيت المعمور على عرض البيت فى موضعه من ياقوتة حمراء ؛ ولكن طوله كما بين السماء والأرض ، وأمره أن يطوف به ، فأذهب الله عنه الهم الذى كان يجده قبل ذلك. ثم رفع فى عهد نوح عليه‌السلام (١).

وقال جويبر : كان البيت المعمور بمكة فرفع زمن الغرق فهو فى السماء.

وعن مجاهد ، قال : بلغنى أنه لما خلق الله تعالى السموات والأرض كان أول شىء وضعه فيه البيت الحرام ؛ وهو يومئذ ياقوتة حمراء مجوفة ، لها بابان : أحدهما شرقى ، والآخر غربى ، وجعل مستقبل البيت المعمور ، فلما كان زمن الغرق رفع فى ديباجتين ، فهو فيها إلى يوم القيامة ، واستودع الله الركن أبا قبيس (٢).

وعن مقاتل ـ فى حديث رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «إنما سمى البيت المعمور ؛ لأنه يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم ينزلون ، ثم ينصرفون فلا تأتيهم النوبة إلى يوم القيامة» (٣).

وعن عثمان بن ساج ، عن وهب : أنه وجد فى التوراة : أن بيتا فى السماء بحيال الكعبة فوق قبتها اسمه الضراح ؛ وهو البيت المعمور ، يرده كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه أبدا (٤).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٠.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٩.

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٩ ، والديلمى فى الفردوس (٢٠٤٩).


وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البيت المعمور الذى فى السماء يقال له الضراح ، وهو مثل بناء البيت الحرام ، ولو سقط لسقط عليه ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه أبدا» (١).

وعن أبى الطفيل ، قال : سأل ابن الكوّاء عليّا ـ رضى الله عنه ـ ما البيت المعمور؟ قال : هو الضراح ، وهو حذاء هذا البيت ، وهو فى السماء السادسة ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه أبدا (٢).

وعن سفيان بن عيينة : نحوه ، إلا أنه زاد : فى السماء السابعة ، وقال : لا يعودون إليه إلى يوم القيامة (٣) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه مرسلا عن كريب (٨٨٧٤) ، البيهقى فى الشعب موقوفا (٣٩٩٧) ، والأزرقى أخبار مكة ١ / ٤٩.

وسمى الضراح ؛ لأنه ضرح عن الأرض زمن الطوفان ، وقيل : من المضارحة وهى المقابلة. (النهاية ٣ / ٨١).

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٩ ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ٦ / ١٤٤ إلى ابن جرير ، وابن المنذر عن الضحاك ، وعبد الرزاق فى مسنده (٨٨٧٥).

(٣) السيوطى فى الدر المنثور ٦ / ١٤٤ ، وعزاه إلى ابن المنذر ، والعقيلى ، وابن أبى حاتم ، وابن مردويه ، وضعفه.


الفصل الثالث عشر

فى ذكر أمر الكعبة بين نوح وإبراهيم عليهما‌السلام

عن مجاهد ، أنه قال : كان موضع البيت قد خفى ودرس من الغرق بين نوح وإبراهيم عليهما‌السلام. قال : وكان موضعه أكمة حمراء ، مدرة لا تعلوها السيول ؛ غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك ولا ينبت موضعه ، وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ، ويدعو عنده المكروب ؛ فقلّ من دعا هنالك إلا استجيب له ، وكان الناس يحجون إلى مكة إلى موضع البيت يطوفون بذلك حتى بوأ الله ـ تعالى ـ مكانه لإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لما أراد عمارة بيته وإظهار دينه وشعائره ، فلم يزل منذ أهبط الله آدم إلى الأرض معظما محرّما يتناسخه الأمم والملل ، أمة بعد أمة ، وملة بعد ملة. وقد كانت الملائكة تحجه قبل آدم ـ عليه‌السلام ـ كما مر من قبل (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٢ ، ٥٣.


الفصل الرابع عشر

فى ذكر تخيّر إبراهيم عليه‌السلام موضع البيت الحرام من الأرض

عن عثمان بن ساج قال : بلغنا ـ والله أعلم ـ أن إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ عرج به إلى السماء ، فنظر إلى الأرض ؛ مشارقها ومغاربها ؛ وذلك قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(١) فاختار موضع الكعبة ، فقالت له الملائكة : يا خليل الله ، اخترت حرم الله فى الأرض.

قال : فبناه من حجارة سبعة أجبل. قال : ويقول : من خمسة أجبل. وكانت الملائكة تأتى بالحجارة إلى إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ من تلك الجبال (٢).

بيت بناه بإذن من رفع العلى

بانى المكارم والعلى وجداء

نقل المليك بعد قلع رضامه

من أجبل طالت على الخضراء

هذاك بيت الله ما من خائف

ومثابة للناس فى العوصاء

وعن مجاهد : أن الله ـ تعالى ـ لما بوأ لإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ مكان البيت خرج إليه من الشام ، وخرج معه ابنه إسماعيل وهو طفل يرضع ، وأمه هاجر ، وجاءوا ـ فيما يحدثنى ـ على البراق (٣).

وعن الحسن البصرى ، أنه كان يقول فى صفة البراق ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنه أتانى جبريل ـ عليه‌السلام ـ بدابة بين الحمار والبغل ، لها جناحان فى فخذيها يحفرانها ، تضع حافرها فى منتهى طرفها» (٤).

قال محمد بن إسحاق : ومعه جبريل يدلّه على موضع البيت ومعالم الحرم.

__________________

(١) سورة الأنعام : آية ٧٥.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٣.

(٣) سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٤٤.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٤.


قال : فخرج وخرج معه جبريل ، فلا يمر إبراهيم بقرية من القرى ، إلا قال : يا جبريل ، أبهذا أمرت؟ فيقول له جبريل : امض ، حتى قدم مكة ؛ وهى إذا ذاك عضاة من معلم وسمر ، وبها ناس يقال لهم العماليق خارجا من مكة فيما حولها ، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة. فقال إبراهيم لجبريل ـ عليه‌السلام ـ : أها هنا أمرت أن أضعهما؟ قال : نعم. قال : فعمد بهما إلى موضع الحجر ، فأنزلهما فيه ، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا. ثم قال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)(١) الآية ، ثم انصرف إلى الشام وتركهما عند البيت الحرام (٢).

وعن محمد بن إسحاق ، أنه قال : بلغنى أن ملكا أتى إلى هاجر أم إسماعيل ؛ حين أنزلها إبراهيم بمكة قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت ، فأشار لها إلى البيت ؛ وهى ربوة حمراء مدرة ، فقال لها : هذا أول بيت وضع للناس فى الأرض ، وهو بيت الله العتيق ، واعلمى أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس (٣).

وقال ابن جريج : وبلغنى أن جبريل ـ عليه‌السلام ـ هزم بعقبه فى موضع زمزم ، وقال لأم إسماعيل ـ وأشار لها إلى موضع البيت ـ : هذا أول بيت وضع للناس ، وهو بيت الله العتيق ، واعلمى أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه ويعمرانه ، فلا يزال معمورا محرما مكرما إلى يوم القيامة (٤).

وعن ابن جريج ـ أيضا ـ قال : فماتت أم إسماعيل قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد ، ودفنت فى موضع الحجر ، وإسماعيل ـ عليه‌السلام ـ لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق أن يدفنه فى الحجر إلى جنب أمه هاجر.

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن الملك الذى أخرج زمزم لهاجر قال لها : وسيأتى أبو هذا الغلام فيبنى بيتا وهذا مكانه ـ وأشار إلى موضع البيت ـ ثم انطلق الملك (٥). وقال ابن عباس : هذا الملك كان غير جبريل عليه‌السلام ، والله أعلم.

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية ٣٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٤ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٣ ، الاكتفا ١ / ٥٢.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٦.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٦.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٦.


الفصل الخامس عشر

فى ذكر بناء إبراهيم عليه‌السلام الكعبة

عن سعيد بن جبير ، قال : حدثنا عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال :لبث إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ فى الشام ما شاء الله أن يلبث ، ثم جاء فى المرة الثالثة فوجد إسماعيل قاعدا تحت الدوحة التى فى ناحية البئر يبرى نبلا له ـ أو نباله ـ وعمره عشرون سنة ، فسلم عليه ونزل إليه فقعد معه ، فقال إبراهيم له : يا إسماعيل إن الله قد أمرنى بأمر. فقال له إسماعيل : فأطع ربك فيما أمرك. فقال إبراهيم : أمرنى ربى أن أبنى له بيتا. فقال له إسماعيل : وأين؟ يقول ابن عباس : فأشار إلى أكمة (١) مرتفعة على ما حولها رضراض (٢) من حصباء ، يأتيها السيل من نواحيها ، ولا يركبها.

يقول ابن عباس : فقاما يحفران عن القواعد ، ويقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.)(٣)

ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته ، ويبنى إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ فلما ارتفع البنيان وشق على إبراهيم تناول الحجر منه قرّب له إسماعيل هذا الحجر ـ يعنى : المقام ـ فكان يقوم عليه ويبنى ويحوله فى نواحى البيت حتى انتهى وجه البيت (٤). يقول ابن عباس : فلذلك سمى مقام إبراهيم لقيامه عليه.

وعن وهب بن منبّه ، أنه أخبر ، قال : لما أن بعث الله ـ تعالى ـ إبراهيم خليله ليبنى البيت ؛ طلب الأساس الأول الذى وضعه بنو آدم فى موضع الخيمة التى

__________________

(١) الأكمة : التل ، والجمع : أكم وإكام ، وآكام : (المعجم الوسيط ١ / ٢٣).

(٢) الرضراض : الحصى الصغار فى مجارى الماء ، والقطر الصغار من المطر (المعجم الوسيط ١ / ٣٦٣).

(٣) سورة البقرة : آية ١٢٧.

(٤) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٥٢ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٥٩ ، السيوطى فى الخصائص الكبرى ١ / ٧٨ ، الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٠ ـ ١٨٢.


عزّى الله بها آدم ـ عليه‌السلام ـ من خيام الجنة حين وضعت له بمكة فى موضع البيت ، فلم يزل إبراهيم يحفر حتى وصل إلى القواعد التى أسست الملائكة عليها الخيمة ، وأسسه بعده بنو آدم فى زمانهم فى موضع الخيمة ، فلما وصل إليها : أظل الله ـ تعالى ـ له مكان البيت بغمامة ، فكانت حفاف البيت الأول ، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظلل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قدر قامته ، ثم انكشطت الغمامة ؛ فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(١) ، أى : الغمامة التى ركدت على الحفاف ؛ ليهتدى بها مكان القواعد ، فلم يزل والحمد لله منذ رفعه الله معمورا (٢).

وعن خالد بن عرعرة ، عن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ فى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ* فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٣). قال : إنه ليس بأول بيت مطلقا ؛ بل كان نوح ـ عليه‌السلام ـ فى البيوت قبل إبراهيم ، وكان إبراهيم فى البيوت ؛ ولكنه أول بيت وضع للناس فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا بهذه الآيات. قال : إن إبراهيم لما أمر ببناء البيت فضاق به ذرعا ، فلم يدر كيف يبنى ، فأرسل الله ـ تعالى ـ إليه السكينة ؛ وهى ريح خجوج لها رأس ، حتى تطوقت مثل الحجفة (٤) ، فقالت السكينة : ابن علىّ ، فبنى عليها ، وكان يبنى كل يوم ساقا ، ومكة يومئذ شديدة الحر ، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل : اذهب فالتمس لى حجرا أضعه هاهنا ، ليبتدئ الناس به ، فذهب إسماعيل يطوف فى الجبال.

وجاء جبريل ـ عليه‌السلام بالحجر الأسود ، فجاء إسماعيل فقال : من أين لك هذا الحجر؟ قال : من عند من لم يتكل على بنائى وبنائك (٥).

__________________

(١) سورة الحج : آية ٢٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨١.

(٣) سورة آل عمران : آية ٩٦ ، وانظر : هداية السالك ٣ / ١٣٢٣.

(٤) الحجفة : الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب (المعجم الوسيط ١ / ١٦٥).

(٥) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوه ٢ / ٥٦ ، والأزرقى فى أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٠ ـ ٦٣ ، الكلاعى فى الاكتفا ١ / ٤٩ عن الواقدى عن أبى بكر بن سليمان بن خيثمة العدوى ؛ الطبرى فى التفسير ٣ / ٦٩.


ويروى عن الشعبى أنه لما بنى ساقا قال لإسماعيل : ائتنى بحجر ، فذهب إسماعيل إلى الوادى يطلب الحجر ، فنزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ بالحجر الأسود ـ وقد كان رفع إلى السماء وقت الطوفان ـ وجاء إسماعيل بحجر من الوادى ، فوجد إبراهيم قد وضع الحجر الأسود ، فقال : من جاءك به؟ قال : من لم يكلنى إلى حجرك (١).

ويروى أنه لما غرقت الأرض استودع الله ـ تعالى ـ الحجر الأسود بأبى قبيس ، وقال له : إذا رأيت خليلى يبنى لى بيتا فأعطه إياه ، فلما ابتغى إبراهيم الحجر ، ناداه من أبى قبيس ، فوفى إليه إبراهيم فأخذه ووضعه فى هذا الموضع الذى هو فيه اليوم.

ويروى : أن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ كان يبنى وإسماعيل يناوله الحجر ، حتى إذا بلغ موضع الركن ؛ فإذا النداء من جبل أبى قبيس : يا إبراهيم ، إن لك عندى وديعة فأت فخذها ، فعمد إلى الجبل فبرز له هذا الحجر الأسود ، فوضعه إبراهيم فى هذا الموضع الذى هو فيه اليوم ؛ فلأجل ذلك سمى هذا الجبل أبا قبيس ؛ لأن الحجر الأسود اقتبس منه بعد الطوفان. وقيل : سمى به ؛ لأنه كان فيه رجل يقال له : أبو قبيس بنى فيه البناء ، فلما صعد إليه سمى جبل أبى قبيس (٢).

ثم انهدم البيت فبنته العمالقة ، ثم انهدم فبنته قبيلة من جرهم ، ثم انهدم فبنته قريش. فلما أرادوا أن يضعوا الحجر الأسود تنازعوا فيه ، فقالوا : أول رجل يدخل علينا من هذا الباب فهو يضعه ، فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بثوب فبسط ، ثم وضعه فيه ، ثم قال : ليأخذ من كل قبيلة رجل من ناحية الثوب ، ثم رفعوه إلى

__________________

(١) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ؛ وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى ، والصالحى فى سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٢ ، الاكتفا ١ / ٤٢.

(٢) أخرجه : السيوطى فى الدر المنثور ٤ / ٣٥٤ ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبى حاتم من قول مجاهد ، والفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٤٧ ، وابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٣٢٤ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٥١ ، ٥٦ ، ٢ / ٢٦٦.

وأبو قبيس : أحد أخشبى مكة ، وهو الجبل المشرف على الصفا ، وهو ما بين حرف أجياد الصغير إلى السويداء التى تلى الخندمة.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذه فوضعه بيده المباركة (١).

وقال قتادة فى قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ)(٢) قال : التى كانت قواعد البيت قبل ذلك ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٩١٠٤) ، البيهقى فى الدلائل ١ / ٥٧ ، الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ١٥٤ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٦٢.

(٢) سورة البقرة : آية ١٢٧.


الفصل السادس عشر

فى ذكر حج إبراهيم عليه‌السلام وآذانه بالحج

وحج الأنبياء عليهم‌السلام بعده وطواف الأنبياء بعده

عن محمد بن إسحاق ، قال : لما فرغ إبراهيم ـ خليل الرحمن ـ من بناء البيت الحرام ، وجاءه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فقال : طف به سبعا ، فطاف به سبعا هو وإسماعيل ؛ يستلمان الأركان كلها فى كل طواف ، فلما أكملا السبع هو وإسماعيل صليا خلف المقام ركعتين. قال : فقام معه جبريل ، فأراه المناسك كلها : الصفا ، والمروة ، ومنى ، ومزدلفة ، وعرفة. قال : فلما دخل منى وهبط من العقبة ؛ تمثل له إبليس عند جمرة العقبة ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم بسبع حصيات ، فغاب عنه ، ثم برز له عند الجمرة الوسطى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ بسبع حصيات ، فغاب عنه ، ثم برز له عند الجمرة السفلى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الحذف ، فغاب عنه إبليس.

ثم مضى إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ فى حجه وجبريل يوقفه على المواقف ، ويعلمه المشاعر والمناسك حتى انتهى إلى عرفة ، فلما انتهى إليها ، قال له جبريل : أعرفت مناسكك؟ قال إبراهيم : نعم ، فيقال : سميت عرفات لذلك ، أى : لقوله أعرفت مناسكك؟ ثم أمر الله ـ تعالى ـ إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ أن يؤذن فى الناس بالحج ، فقال إبراهيم : يا رب ، وأين يبلغ صوتى؟ قال الله تعالى : أذن وعلىّ البلاغ. قال : فعلا إبراهيم على المقام ـ وقيل : على جبل أبى قبيس ـ فأشرف به حتى صار كأرفع الجبال وأطولها ، فجمعت له الأرض يومئذ : سهلها وجبلها ، برها وبحرها ، إنسها وجنها ، حتى أسمعهم جميعا ، فأدخل أصبعيه فى أذنيه ، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا ، وشرقا وغربا ، وبدأ بشق اليمن ، فقال : أيها الناس ، كتب الله عليكم حج البيت العتيق ، فأجيبوا ربكم ، فأجابوه فى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ،


من تحت النجوم السبعة ، ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أقطار الأرض كلها : لبيك داعى ربنا ، لبيك اللهم لبيك.

قال : وكانت الحجارة على ما هى عليه اليوم ؛ إلا أن الله تعالى أراد أن يجعل المقام آية ، وكان أثر قدميه فى المقام إلى اليوم (١).

قال : أفلا تراهم إلى اليوم يقولون : لبيك اللهم لبيك. قال : فكل من حج إلى اليوم ممن أجاب إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وإنما حجهم على قدر إجابتهم يومئذ ؛ فمن حج فقد كان أجابه مرة ، ومن حج حجتين فقد كان أجاب مرتين ، أو ثلاثا ، فثلاثا على هذا (٢).

وقال زهير بن محمد : إن أول من أجابه أهل اليمن.

وقال : وأثر قدمى إبراهيم فى المقام آية ؛ وذلك قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٣) .. الآية.

قال ابن إسحاق : وبلغنى أن آدم ـ عليه‌السلام ـ كان استلم الأركان كلها قبل إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وحج إسحاق وسارة أمه من الشام ، وكان إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ يحجه كل سنة على البراق. قال : وحجت الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ والأمم.

وعن مجاهد ـ أيضا ـ أنه قال : حج موسى ـ عليه‌السلام ـ على جمل أحمر فمر بالروحاء ، عليه عباءتان قطوانيتان مئتزرا بأحدهما ، مرتد بالأخرى ، فطاف بالبيت ، ثم طاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو بين الصفا والمروة ؛ إذ سمع صوتا من السماء وهو يقول : لبيك عبدى أنا معك ، قال : فخر موسى ساجدا (٤).

وعن مجاهد ، قال : حج خمسة وسبعون نبيا ؛ كلهم قد طاف بالبيت وصلى

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٦ ، والطبرى فى تاريخه ١ / ٢٦٠ ، والتفسير ١٧ / ١٠٦ ، وشطره الأخير فى الشعب للبيهقى (٤٠٠٠) ، الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٤ ـ ١٨٧ ، الاكتفا ١ / ٦٠ ـ ٦٣.

(٢) القرى (ص : ٥١).

(٣) سورة آل عمران : آية ٩٧.

(٤) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٢٦ ، والبغوى فى تفسيره ١ / ١٣٣.


فى مسجد منى ، فإن استطعت أن لا تفوتك الصلاة فى مسجد منى فافعل (١).

وعن موسى بن عبيدة ، قال : لما أمر الله إبراهيم بالأذان فى الناس بالحج استدار بالأرض ، فدعا فى كل وجهة : يا أيها الناس أجيبوا ربكم وحجوا. قال : فلبى الناس من كل مشرق ومغرب ، وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته (٢).

وقال ابن عطاء : (وَأَرِنا مَناسِكَنا)(٣) ؛ أى أبرزها لنا وعلّمناه.

وقال مجاهد : أرنا مناسكنا ، أى : مذابحنا.

وعن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى بعض أهل العلم أن عبد الله بن الزّبير قال لعبيد بن عمير الليثى : كيف بلغك أن إبراهيم عليه‌السلام دعا إلى الحج؟ قال : بلغنى أنه لما رفع إبراهيم القواعد وإسماعيل انتهى إلى ما أراد الله تعالى من البناء وحضر الحج استقبل اليمن ، فدعا إلى الله تعالى وإلى حج بيته ، فأجيب أن لبيك لبيك ، ثم استقبل المشرق ، فدعا إلى الله تعالى وإلى حج بيته ، فأجيب لبيك لبيك ، وإلى المغرب بمثل ذلك ، وإلى الشام بمثل ذلك ، ثم حج إبراهيم ومعه من المسلمين من جرهم وهم سكان الحرم يومئذ مع إسماعيل وهم أصهاره ، وصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى ، ثم بات بهم بها حتى أصبح وصلى بهم الغداة ، ثم غدا بهم إلى نمرة فقام بهم هنالك ، حتى إذا مالت الشمس جمع بين الظهر والعصر بعرفة فى مسجد إبراهيم ، ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة فوقف بهم ـ وهو الموقف من عرفة الذى يقف عليه الإمام ـ يريه ويعلمه ، فلما غربت الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى المزدلفة ، فجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ، ثم بات بها حتى إذا طلع الفجر صلى بهم صلاة الغداة ، ثم وقف به على قزح من المزدلفة وبمن معه ، وهو الموقف الذى يقف به الإمام ، حتى إذا أسفر غير مشرق دفع به وبمن معه يريه ويعلمه كيف يرمى الجمار ، حتى فرغ له من الحج كله ، وأذن به فى الناس ، ثم انصرف إبراهيم راجعا إلى الشام فتوفى بها صلوات

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٧٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٥.

(٣) سورة البقرة : آية ١٢٨.


الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين (١).

وقيل : لما بلغ إبراهيم عليه‌السلام خمسا وثمانين سنة وهبت له سارة جاريتها هاجر ، فولدت له إسماعيل وأختين له ، وله تسع وتسعون سنة ، وولدت له سارة إسحاق ، وأنزل الله عليه عشر صحائف ، وماتت سارة قبل إبراهيم.

وعن غالب بن عبد الله قال : سمعت مجاهدا يذكر عن ابن عباس قال : مر بصفاح الروحاء ستون نبيا إبلهم مخطمة بالليف.

وعن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى من لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول : لقد سلك فجّ الروحاء سبعون نبيا حجاجا عليهم لباس الصوف ، مخطمى رواحلهم بحبال الليف ، ولقد صلى فى مسجد الخيف سبعون نبيا (٢).

وعن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى طلحة بن الخزاعى : أن موسى عليه‌السلام حين حج طاف بالبيت ، فلما خرج إلى الصفا لقيه جبريل عليه‌السلام فقال : يا صفى الله إنه ينبغى أن تشتد إذا هبطت بطن الوادى ، فاحتزم موسى عليه‌السلام على وسطه بثوبه ، فلما انحدر عن الصفا وبلغ بطن الوادى سعى وهو يقول : لبيك اللهم لبيك. قال : ويقول الله : لبيك يا موسى وها أنا معك (٣).

وعن عطاء بن السائب : أن إبراهيم عليه‌السلام رأى رجلا يطوف بالبيت فأنكره ، فسأله : ممن أنت؟ قال : من أصحاب ذى القرنين قال : وأين هو؟ قال :هو بالأبطح ، فتلقاه إبراهيم عليه‌السلام فاعتنقه ومشى معه. فقيل لذى القرنين : لم لا تركب؟ قال : ما كنت لأركب وهذا يمشى ، فحج ماشيا (٤).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٩.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٧٣ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعى فى حديث طويل يرفعه ، وعن ابن عباس موقوفا عليه بنحوه. وأخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٣٢ ، وأبو نعيم فى الحلية ١ / ٢٦٠. وانظر كنز العمال (٣٤٧٢٠ ، ٣٤٧٩٦ ، ٣٤٧٩٧).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٧٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٧٣.


الفصل السابع عشر

فى ذكر ما جاء فى فتح الكعبة ومتى كانوا يفتحونها

ودخولهم إياها وأول من خلع النعل والخفّ عند دخولها

عن سعيد بن عمرو الهذلى ، عن أبيه ، قال : رأيت قريشا يفتحون البيت فى الجاهلية يوم الاثنين والخميس ، وكان حجابه يجلسون عند بابه فيرتقى الرجل فى السلم إذا كانوا لا يريدون دخوله ، فيدفعونه ويطرحونه ، فربما عطب أو نجا.

وكانوا لا يدخلون الكعبة بحذاء يعظمون ذلك ، ويضعون نعالهم تحت الدرجة (١).

وعن الواقدى ، عن أشياخه قال : ولما فرغت قريش من بناء الكعبة كان أول من خلع الخف والنعل فلم يدخلها بهما الوليد بن المغيرة ؛ إعظاما لها ، فجرى ذلك سنة (٢).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٣٣ ، شفاء الغرام ١ / ٢٨.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٧٤.


الفصل الثامن عشر

فى ذكر الصلاة فى الكعبة

وأين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عن عبد الله بن عمر قال : أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ، ثم دعا عثمان بن طلحة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائتنى بالمفتاح ، فذهب عثمان إلى أمه فأبت أن تعطيه إياه. فقال : والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبى أو ظهرى. قال : فأعطته إياه ، فجاء به إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدفعه إليه ، ففتح الباب فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة ، فأجافوا عليهم الباب مليا ـ وكنت فتى قويا ـ فبدرت فزاحمت الناس ، فكنت أول من دخل الكعبة ، فرأيت بلالا عند الباب فقلت : أى بلال ، أين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : بين العمودين المقدمين ـ وكانت الكعبة على ستة أعمدة ـ قال ابن عمر : فنسيت أن أسأله كم صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وعن حسن بن أبى الحسن البصرى وطاووس : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل يوم الفتح البيت ، فصلى فيه ركعتين ، ثم خرج وقد لبط بالناس حول الكعبة (٢).

وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له» (٣). رواه البيهقى.

وفى رواية : «وخرج منه معصوما فيما بقى» (٤). قيل : يحتمل أنه يريد بذلك

__________________

(١) البخارى (٤٢٨٩) ، السيرة لابن هشام ٤ / ٤٦.

(٢) انظر الأحاديث فى صحيح البخارى ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ، مسلم ٤ / ٩٥ ـ ٩٧ ، أبو داود ٢ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، وانظر الكلام على الروايات فى فتح البارى ٣ / ٣٠٤ ، مسلم بشرح النووى ٩ / ٨٢.

(٣) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١٥٨.

(٤) أورده الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٣ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير والبزار بنحوه ، وانظر : فيض القدير ٦ / ١٢٤.


العصمة من الكفر فيكون فيه البشارة لمن دخله بالموت على الإسلام.

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من دخل الكعبة دخل فى رحمة الله ، وفى حمى الله ، وفى أمن الله ، وإذا خرج خرج مغفورا له» (١).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٩٢ ، والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ٧٧٦ ، وعزاه للطبرانى والبيهقى فى السنن.


الفصل التاسع عشر

فى المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة

ثبت فى الصحيح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى ركعتى الطواف خلف المقام (١).

وعن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر وطاف بالبيت ، وصلى خلف المقام.

ويروى أن الدعاء يستجاب خلف المقام (٢).

وعن عروة بن الزبير ، قال : سألت عبد الله بن عمرو : أخبرنى بأشد شىء صنعه المشركون بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فى حجر الكعبة إذا أقبل عقبة بن عامر بن أبى معيط فوضع ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله؟!» (٣). رواه البخارى.

وعن ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن جبريل عليه‌السلام أمنى حين فرضت الصلاة عند باب الكعبة مرتين» (٤). رواه الإمام الشافعى رحمه الله بإسناد حسن.

وروى الأزرقى : أن آدم عليه‌السلام طاف بالبيت سبعا حين نزل إلى الأرض ، ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين (٥).

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٢ / ١٥٤ (الحج) ، وأبو داود فى الحروف ٤ / ٤٤ ، وابن ماجه فى الصلاة ١ / ٣٢٢ ، والترمذى ٤ / ٨٨ ، والنسائى فى الحج ٥ / ٢٣٦ جميعهم من طريق : جعفر بن محمد.

(٢) أخرجه : البخارى فى الحج ٣ / ٤٦٧ ، وأبو داود فى الحج ٢ / ٤٧ ، كلاهما من طريق : خالد بن عبد الله ، عن إسماعيل بن أبى خالد ، وابن ماجة ٢ / ٩٩٥ ، من طريق يعلى عن إسماعيل بن أبى خالد.

(٣) أخرجه : البخارى (فضائل الصحابة : باب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو كنت متخذا خليلا) ٥ / ٤.

(٤) أخرجه : الشافعى فى الأم ١ / ٧١ ، الترمذى ١ / ٢٧٨ ـ ٢٨١ ، أبو داود ١ / ١٠٧ ، الدارقطنى ١ / ٢٥٨ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ١٩٣.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤.


وفى الصحيح عن أسامة بن زيد : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من الكعبة ركع قبل البيت ، وقال : «هذه القبلة» (١).

وقبل البيت هو وجهه ويطلق على جميع الجانب الذى فيه الباب.

وعن ابن عمر : البيت كله قبلة ، وقبلته وجهه. فإن فاتك ذلك فعليك بقبلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنى تحت الميزاب (٢).

وعن المطلب بن أبى وداعة ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من سعيه جاء حتى يحاذى بالركن فصلى ركعتين فى حاشية المطاف وليس بينه وبين الطائفين أحد (٣). رواه أحمد وابن ماجه.

وروى عن المطلب بن أبى وداعة : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه ، وما كانت بينهم سترة (٤).

وروى عن المطلب بن أبى وداعة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى مما يلى باب بنى سهم والباب خلف ظهره على حاشية المطاف والناس يمرون بين يديه ليس بينه وبين الكعبة سترة (٥).

وباب بنى سهم هو الذى يقال له اليوم باب العمرة.

وقال ابن إسحاق : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلى بين الركنين اليمانيين (٦).

وفى الأزرقى أن آدم عليه‌السلام ركع إلى جانب الركن اليمانى (٧).

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : إن الحفرة الملاصقة للكعبة فى ناحية الباب هى المكان الذى صلى فيه جبريل عليه‌السلام بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلوات الخمس

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٢ / ١٥٤ ، ومسلم (الحج : باب دخول الكعبة للحاج) ٤ / ٩٧.

(٢) أخرجه : أحمد فى المسند ٥ / ٢٠٩ ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٥١ ، مسلم (الحج : استحباب دخول الكعبة) ٤ / ٩٦.

(٣) أخرجه : ابن ماجه ٢ / ٩٨٦ ، أحمد فى المسند ٦ / ٣٩٩.

(٤) أخرجه : ابن حبان فى الموارد (ص : ١١٨).

(٥) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٤٨) ، وعزاه للنسائى وابن حبان.

(٦) هداية السالك ١ / ٧٤.

(٧) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤.


فى اليومين حين فرضها الله تعالى على أمته يعلمه الأوقات ، والثقات ما صححوا ذلك ، والله أعلم.

وقيل : جميع المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة :

الأول : خلف المقام.

والثانى : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

والثالث : قريبا من الركن مما يلى الحجر.

الرابع : عند باب الكعبة مرتين.

الخامس : تلقاء الركن الذى يلى الحجر من جهة الغرب.

السادس : فى وجه الكعبة.

السابع : بين الركنين اليمانيين ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين الركن الأسود والركن اليمانى روضة من رياض الجنة (١).

الثامن : فى الحجر.

التاسع : فى البيت ؛ صح أن النبى صلى فى البيت وجعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، ثم صلى (٢).

العاشر : فى مصلى آدم وهو وجاه باب الكعبة كما مر ، وقد ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إلى جانب الركن اليمانى. فتستحب الصلاة فى هذه المواضع الشريفة اتباعا لأثره صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

كذا فى كتاب ترجمة الترغيب والتشويق إلى بيت الله العتيق مسندا بالأحاديث ، ولكن نقلته مختصرا مجملا ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٦٨ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ١٩٧.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٩٢ ، وأحمد فى المسند ٣ / ٤٣١.

(٣) يراجع هذا فى : القرى (ص : ٣٥٠ ـ ٣٥٤) ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٨ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥ ـ ٣٦ ، شفاء الغرام ١ / ٧.


الفصل العشرون

فى ذكر شرفها على ما سواها من بقاع الأرض

عن عبد الله بن عدى أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو واقف على الحزورة (١) يقول لمكة : «والله إنى لأعلم أنك خير أرض الله ، وأحب أرض الله ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمكة : «ما أطيبك من بلد ، وأحبك إلىّ ، ولو لا أن قومى أخرجونى منك ما سكنت غيرك» (٣).

وعن عبد الرحمن بن سابط قال : لما أراد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت وقال : «إنى لأعلم ما وضع الله ـ عزّ وجلّ ـ فى الأرض بيتا أحب إلى الله منك ، وما فى الأرض بلد أحب إلىّ منك ، وما خرجت عنك رغبة ، ولكن الذين كفروا أخرجونى ، ثم نادى : يا بنى عبد مناف لا يحل لعبد منع عبدا صلى فى هذا المسجد أية ساعة شاء من ليل أو نهار» (٤).

وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أخرج من مكة : «أما والله إنى لأخرج منك وإنى لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله تعالى وأكرمها على الله تعالى ، ولو لا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت ، يا بنى عبد مناف ، إن كنتم ولاة هذا

__________________

(١) الحزورة : سوق مكة آنذاك ، ودخلت فى المسجد لما زيد فيه.

(٢) أخرجه : ابن ماجه (٣١٠٨) ، الترمذى (٣٩٢٥) ، أحمد فى المسند ٤ / ٣٠٥) ، ابن حبان (٣٧٠٨) ، الحاكم فى المستدرك ٣ / ٤٣١ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٦٨).

(٣) أخرجه : الترمذى (المناقب : باب فضل مكة) ٥ / ٧٢٣ ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٦ وصححه ووافقه الذهبى.

(٤) أخرجه : الترمذى (المناقب ـ باب فضل مكة) ٥ / ٧٢٢ ، وقال : حديث غريب صحيح ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٣) ، وابن ماجه (٣١٠٨) ، وأحمد فى المسند ٤ / ٣٠٥ ، وهداية السالك ١ / ٤٥.


الأمر فلا تمنعن طائفا يطوف ببيت الله تعالى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ، ولو لا أن تطغى قريش لأخبرتها بما لها عند الله عزّ وجلّ ، اللهم أذقت أولها وبالا فأذق آخرها نوالا» (١).

ويحكى عن وهب بن منبّه أنه قال : وجد فى أساس الكعبة لوح مكتوب فيه : لكل ملك حيازة مما حواليه ، وبطن مكة حوزتى التى اخترته لنفسى ، أنا الله ذو بكة وأهلها جيرتى وجيران بيتى ، وعمارها وزوارها وفدى وأضيافى ، وفى كنفى وأمانى ، ضامنون علىّ فى ذمتى ، من آمنهم فقد استوجب لأمانى ، ومن أخافهم فقد أخفرنى فى ذمتى (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة : «إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض ؛ فهى حرام إلى يوم القيامة» (٣).

وعن ابن عباس ـ أيضا ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها» (٤).

ويروى أن أول من عاذ بالحرم الحيتان الصغار من الكبار زمن الطوفان فلم تأكلها تعظيما للحرم (٥).

وعن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما عقرت ثمود الناقة وأخذتهم الصيحة لم يبق منهم أحدا إلا أهلكته إلا رجلا واحدا كان فى حرم الله تعالى ، فقالوا : من هو يا رسول الله؟ فقال : «أبو رغال أبو ثقيف ، فلما

__________________

(١) أخرجه : أحمد ٤ / ٣٠٥ ، والترمذى ١٣ / ٢٨٠ ، وابن ماجه ٢ / ١٠٣٧ ، والحاكم فى المستدرك ٣ / ٢٧ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٥٦ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٠٧.

(٢) هداية السالك ١ / ٤٣.

(٣) أخرجه : الترمذى (١٥٩٠) ، النسائى (٢٨٧٤) ، أبو داود (٢٠١٨) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٠٧) ، أبو يعلى (٥٩٢٨).

(٤) أخرجه : البخارى (١٥٨٧) ، مسلم (الحج : ٤٤٥). أبو يعلى (٥٩٢٨).

(٥) هداية السالك ١ / ٤٣.


خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثنا أن قريشا وجدت بالركن اليمانى كتابا بالسريانى فلم تدر ما فيه حتى قرأه رجل من اليهود فإذا فيه : أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، لا تزول حتى يزول أخشابها ، مبارك لأهلها فى الماء واللبن. وأخشباها : جبلاها وهما أبو قبيس والأحمر ومكة بين هذين الجبلين (٢).

وعن مجاهد قال : خلق الله تعالى موضع البيت الحرام قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفى عام (٣).

وقال ابن عباس رضى الله عنهما : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول لمعة وضعت على الأرض موضع مكة ، ثم حدثت منه الأرض ، وأن أول جبل وضعه الله تعالى على الأرض أبو قبيس ، ثم حدثت منه الجبال» (٤).

وقيل : لما خاطب الله تعالى السموات والأرض بقوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(٥) نطق وأجاب من الأرض موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها.

وقال ابن عباس : أصل طينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سرة الأرض بمكة.

قال بعض العلماء : فيه إيذان بأنها التى أجاب من الأرض موضع الكعبة ومن موضع الكعبة دحيت الأرض ، فصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الأصل فى التكوين والكائنات تبع له. قيل : ولذلك سمى أميا ؛ لأن مكة أم القرى وطينته أم الخليقة.

وقد قيل : إن مدفن الإنسان تربته ؛ فيقال : إن الماء لما تعرّح رمى بتلك الطينة إلى ذلك الموضع من المدينة ؛ كذا فى «العوارف».

وفى الصحيح : «أنه ليس من بلد إلا سيطأه الدجال إلا مكة والمدينة ؛ ليس

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٤٧) ، وعزاه لأحمد فى مسنده ومسلم ، وأبى حاتم.

(٢) القرى (ص : ٦٤٨) ، وهداية السالك ١ / ٤٣ ، الأزرقى ١ / ٨٠ ، مثير الغرام (ص : ٢٣٤).

(٣) هداية السالك ١ / ٤٣ ، مثير الغرام (ص : ٤٢٦) ، الأزرقى ١ / ٣٢.

(٤) القرى ص : ٦٤٨.

(٥) سورة فصلت ، آية ١١.


نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها» (١).

روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما استعمل عتّاب بن أسيد على أهل مكة قال : «أتدرى على من استعملتك ؛ استعملتك على أهل الله ، فاستوص بهم خيرا». قالها ثلاثا (٢).

ويحكى عن عبد الله بن صالح أنه كان يفر من الناس من بلد إلى بلد حتى أتى مكة ، فطاف بالبيت وطال مقامه بها ، فقال له بعض أصحابه : لقد طال مقامك بمكة فما قصتك؟ فقال له : ولم لا أقوم بها ولم أر بلدا تنزل فيه الرحمة والبركة أكثر من هذا ، والملائكة تغدو فيه وتروح ، وإنى لأرى فيه أعاجيب كثيرة ، وأرى الملائكة تطوف به على صور شتى لا يقطعون ذلك ، ولو قلت ذلك كلما رأيت فيه لصغرت عنه عقول أقوام ليسوا بمؤمنين ، فقلت له : أسألك بالله إلا ما أخبرتنى بشىء من ذلك ، فقال : ما من ولى لله تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر ويطوف بهذا البيت فى كل ليلة جمعة ولا يتأخر عنه ويصلى مع الجماعات ، فمقامى هاهنا لأجل من أراه منهم (٣).

وقد وردت الروايات فى فضيلة ليلة الجمعة ويومها ، منها : ما روى عن عبد الله ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر». أخرجه الترمذى وقال : غريب ، وأخرجه ابن أبى شيبة.

وفى رواية ابن عباس ، قال عليه‌السلام : «لا يعذب الله فى القبر المؤذن ، والشهيد ، والمتوفّى فى ليلة الجمعة» أخرجه ابن أبى الدنيا.

__________________

(١) أخرجه : البخارى (الحج : باب لا يدخل الدجال المدينة) ٣ / ١٢ ، ومسلم (الفتن من حديث طويل) ٨ / ١٩٠ ـ ١٩١. والنقب : الطريق.

(٢) أخرجه : الفاكهى ٣ / ٦٥ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٨٦ ، وعزاه للزبير بن بكار فى النسب ، وذكره السيوطى فى الكبير وعزاه للطبرانى فى الكبير ، ورواه البيهقى فى السنن ٥ / ٣٣٩ من طريق العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه ، عن الأوزاعى ، عن عمرو بن شعيب ، به ، بنحوه ، وإسناده حسن.

(٣) صفوة الصفوة ٤ / ٢١٤ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٢٣٦).


«من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» أخرجه البيهقى.

وعنه فى أخرى : «ما بينه وبين البيت العتيق».

وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الأيام يوم عرفة يوافق يوم الجمعة تعدل سبعين حجة فى غير يوم الجمعة» (١). من كتاب الاغتراف ، أخرجه مالك فى موطأه فى رواية مصعب عنه.

وعن عكرمة بن خالد قال : بينما أنا فى ليلة فى جوف الليل عند زمزم جالس إذا أنا بنفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر أشد بياضا من ثيابهم قط ، فلما فرغوا صلوا قريبا منى ، فالتفت بعضهم فقال لأصحابه : اذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار. قال : فقاموا ودخلوا زمزم ، فقلت : والله لو دخلت على القوم فسلمت عليهم ، فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر!

وقد أفادتنا هذه الكلمات أن تلك البقعة الشريفة لم تزل منهلا وموردا للأولياء والصالحين ومتوجه وجوه مقاصد الأولين والآخرين. وأن الشوق إلى سنائها ما برح آخذا بأزمة قلوبهم ، والوقوف بفنائها غاية مرادهم ونهاية مطلوبهم ، ويقول كل واحد لصاحبة لسان حاله :

يا زائرى البيت الحرام تهيأوا

نلتم مناكم بعد طول عناء

طوفوا بهذا البيت عند قدومكم

رملا ومشيا مشية الضعفاء

ثم اركعوا راجين رحمة ربكم

خلف المقام بخيفة ورجاء

روّوا الفؤاد بماء زمزم وانزعوا

نزعا كنزع العبقرى بدلاء

وجاء فى الخبر : أن الخضر وإلياس عليهما‌السلام يلتقيان كل عام بمكة فى الموسم (٢).

__________________

(١) عزاه فى جامع الأصول ٩ / ٢٦٤ إلى الموطأ ، وهو عجيب ؛ لأن لفظ الموطأ : «أفضل الدعاء يوم عرفة ..» ولم يذكر الجمعة.

(٢) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (٨٣٥٥) ، انظر : الشذرة ٩٢٦ ، والتذكرة (ص : ٢٠٧) ، الأسرار المرفوعة (١٣) ، الموضوعات ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، تنزيه الشريعة ١ / ١٣٤ ، الضعفاء للعقيلى ١ / ٢٢٥.


وعن ابن أبى رواد قال : إلياس والخضر عليهما‌السلام يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام (١).

وقال الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ فى رسالته فى فضائل مكة ، شرفها الله تعالى : ما أعلم على وجه الأرض بلدة ترفع فيها الحسنات من أنواع البر كل واحدة بمائة ألف إلا بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يتصدق بدرهم واحد يكتب بمائة ألف درهم إلا بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض أن مس شىء يكون تكفيرا لخطاياه وانحطاطا لذنوبه كما ينحط الورق من الشجر إلا بمكة ـ وهو استلام الحجر الأسود والركن اليمانى ـ وما أعلم بلدة على وجه الأرض إذا دعا أحد بدعاء أمّنت له الملائكة فيقولون : آمين آمين إلا بمكة حول بيت الله تعالى ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض صدر إليها جميع النبيين والمرسلين خاصة إلا بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يحشر منها الأنبياء والرسل والفقهاء والأبرار والزهاد والعباد والشهداء والصالحون من الرجال والنساء إلا بمكة ؛ إنهم يحشرون وهم آمنون يوم القيامة ، ثم قال : وما أعلم بلدة على وجه الأرض كل يوم تنزل فيها رائحة الجنة وروحها إلا بمكة ؛ وذلك للطائفين والمصلين والناظرين.

وقال الحسن البصرى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات بمكة بعثه الله فى الآمنين يوم القيامة».

وقال الحسن البصرى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد يخرج من مكة إلا ندم ، وما من أحد يخرج منها ثم يعود إليها إلا ولله به عناية».

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر ؛ كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة ، وكتبت له كل يوم حسنة ، وكل ليلة حسنة ، وكل يوم عتق رقبة ، وكل ليلة عتق رقبة ، وكل يوم حملان فرس فى سبيل الله» (٢).

__________________

(١) أخرجه : السيوطى فى الدر المنثور ٤ / ٤٣٤ ، وعزاه إلى العقيلى والدارقطنى فى الأفراد. وقال ابن القيم : الأحاديث التى يذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب ، ولا يصح فى حياته حديث واحد.

(٢) أخرجه : السيوطى فى الجامع الكبير ، وعزاه لأبى يعلى ، وأبى نعيم فى الحلية ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، والخطيب فى تاريخ بغداد ، وابن عدى فى الكامل ١ / ٣٣٦ ، والعقيلى ٣ / ٤١٠ ـ ـ من طريق إسحاق بن بشر ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٣٨٧.

وفيه : إسحاق بن بشر ، هو : الكاهلى الكوفى. قال أبو زرعة : كان يكذب على مالك وأبى معشر بأحاديث موضوعة ، وقال أبو حاتم : كان يكذب (الجرح والتعديل ٢ / ٢١٤).


وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة» (١).

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل نبى إذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى بها ذلك النبى ومن معه حتى يموت فيها. قال : حتى مات فيها نوح وهود وصالح وشعيب ، وقبورهم بين زمزم والحجر» (٢).

وقال عبد الله بن ضمرة السلوالى : ما بين الركن والمقام إلى زمزم وإلى الحجر قبر تسعة وتسعين نبيا كلهم جاءوا وجاوروا فيها ، فقبروا هنالك عليهم‌السلام (٣).

وشكى إسماعيل إلى ربه ـ عزّ وجلّ ـ من حرّ مكة ، فأوحى الله تعالى إليه أنى أفتح لك بابا من الجنة فى الحجر يجرى عليك الروح إلى يوم القيامة ، وفى ذلك الموضع دفن هو عليه‌السلام (٤).

قال خالد بن فيروز : إن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربى وفيه قبره.

وعن صفوان بن عبد الله الجمحى قال : حفر ابن الزبير الحجر فوجد فيه سفطا من حجارة خضر ، فسأل قريشا : هل عند أحد منهم فيه علم [فلم يجد عند أحد فيه علما] ، فأرسل إلى عبد الله ابن صفوان فسأله عنه ، فقال : هذا قبر إسماعيل عليه‌السلام فلا تحركه ، قال فتركه (٥).

وعن الحسن البصرى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن حول الكعبة لقبور ثلثمائة نبى ، وأن ما بين الركن اليمانى والحجر الأسود قبور سبعين نبيا عليهم‌السلام» (٦).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجة (٣١١٧). وفى سنده : عبد الرحيم بن زيد العمى ، ضعيف جدا ، كذبه ابن معين كما فى التقريب.

(٢) هداية السالك ١ / ٤٠.

(٣) هداية السالك ١ / ٦٦ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣٤ ، مثير الغرام (ص : ٣٧٥).

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٣٩) ، والأزرقى ١ / ٣١٢ ، وإسناده ضعيف.

(٥) هداية السالك ١ / ٧١ ، مثير الغرام (ص : ٣٧٥) ، الأزرقى ١ / ٣١٢ ، وإسناده ضعيف.

(٦) هداية السالك ١ / ٦٦.


وقال وهب بن منبّه : خطب صالح ـ عليه‌السلام ـ للذين آمنوا معه حين هلك قومه : إن هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فاظعنوا منها ، فقالوا : مرنا بم نفعل؟ قال : تلحقون بحرم الله تعالى ، فأهلوا من ساعتهم بالحج ، ثم أحرموا فى العباء ، فوردوا مكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا ؛ فتلك قبورهم بين دار الندوة ودور بنى هاشم (١).

قيل : قصىّ بن كلاب بنى بمكة دار الندوة ليحكم فيها بين قريش ، ثم صارت لتشاورهم وعقد اللواء فى حروبهم.

قال الكلبى : وكانت أول دار بنيت بمكة ، ثم تتابع الناس فبنوا الدور.

قال ابن هشام : لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه‌السلام إلا وقد حج هذا البيت (٢).

قال أبو عبد الله الحميدى : أنشدنى أبو محمد عبد الله بن عثمان النحوى بالمغرب لبعض أهل تلك البلاد فى الشوق إلى مكة شرفها الله تعالى :

يحنّ إلى أرض الحجاز فؤادى

ويحدو اشتياقى نحو مكة حادى

ولى أمل ما زال يسمو بهمّتى

إلى البلدة الغراء خير بلاد

بها كعبة الله التى طاف حولها

عباد هم لله خير عباد

لأقضى حقّ الله فى حج بيته

بأصدق إيمان وأطيب زاد

أطوف كما طاف النبيون حوله

طواف انقياد لا طواف عناد

وأستلم الركن اليمانىّ تابعا

لسنة مهدىّ وطاعة هادى

وأركع تلقاء المقام مصليا

صلاة أرجّيها ليوم معادى

وأسعى سبوعا بين مروة والصفا

أهلل ربّى تارة وأنادى

وأرقى على أعلا المعرّف داعيا

إلى الله ربّى فى صلاح فسادى

وآتى منى أقضى بها التّفث

الذى يتمّ بها حجى وهدى رشادى

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٣٨) ، الأزرقى ١ / ٧٣.

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ٣٧٥) ، القرى (ص : ٥١).


فيا ليتنى شارفت أجبل مكة

فبت بناد عند أكرم واد

ويا ليتنى قد جئت بطن محسّر

على ذات لون كالعقيق سنادى

ويا ليتنى روّيت من ماء زمزم

صدا خلد بين الجوانح صادى

ويا ليتنى قد زرت قبر محمد

فأشفى بتسليم عليه فؤادى (١)

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٤٦). وانظر أقوال العلماء فى زيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الصارم المنكى ، ووفاء الوفا.


الفصل الحادى والعشرون

فى ذكر فضائل الكعبة الشريفة شرفها الله تعالى

اعلم أن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمنا للخائفين ، وأمر خليله عليه‌السلام بتطهيره للطائفين والعاكفين ، وعرّفه بإضافته إلى جلاله ، وقال : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ)(١).

كفى شرفا أنّى مضاف إليكم

وأنّى بكم أدعى وأرعى وأعرف

وقيل فى انجذاب القلوب وميل النفوس إلى هذا المكان الشريف أربعة معان :

الأول : أنه ورد أن الله تعالى أخذ الميثاق من بنى آدم ببطن نعمان ـ وهى عرفة ـ فاستخرجهم هنالك من صلب أبيهم آدم ونثرهم بين يديه كهيئة الذر ، قوله تعالى : (مِنْ ظُهُورِهِمْ)(٢) أى : من ظهور بنى آدم على حسب التوالد قرنا بعد قرن كأمثال الذر ، وركب فيهم من العقل ما يفهمون عن الله عزّ وجلّ ، ولم يذكر ظهر آدم للعلم به.

قال مقاتل : أخرج أهل السعادة من جانب ظهره الأيمن وعكسه عكسه.

وقال القرطبى : خاطب الله الأرواح. ولفظ الذرية دليل على الأجساد.

وروى : أن الله تعالى أخرجهم جميعا وصورهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون ثم كلمهم قبلا ، أى : عيانا. ثم قال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى.

فكتب الله إقرارهم فى الرق ، وأشهد فيه بعضهم على بعض ثم ألقمة الحجر الأسود. ومن أجل ذلك شرع لموافيه أن يقول : اللهم إيمانا بك ، ووفاء بعهدك.

وهذا ينزع إلى معنى «حب الوطن من الإيمان» ؛ فإنه قد ثبت أن ذلك المكان الأول وطن له.

__________________

(١) سورة الحج : آية ٢٦.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٧٢.


كم منزل فى الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدا لأوّل منزل

ولهذا قال ذو النون المصرى لما قيل له : أين أنت من قوله ألست بربكم؟ قال : كأنه الآن فى أذنى (١).

المعنى الثانى : أن سبب ذلك دعاء الخليل عليه‌السلام حيث قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(٢) ، لحجه. قال ابن عباس فى تفسيره : يحن إليهم ، ولو قال : فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم بدون «من» لحجه اليهود والنصارى.

وهذا المعنى أرفع من الأول وأشرف ؛ إذ ليس فيه شائبة نفسانية ترد الحنين إليه وتصرفه.

المعنى الثالث : وهو أهذب منهما مذهبا وأرق واصفى مشربا ؛ أنه جاء فى الحديث : «أن الله تعالى ينظر إلى الكعبة ليلة النصف من شعبان فتحن إليه القلوب من أجل ذلك» (٣).

المعنى الرابع : أنه ورد أن الله تعالى أوحى إلى الكعبة عند بنائها : أنى منزل نورا وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه ، ويدفون إليك دفيف النسور.

فانظر يا أخا الصفا بالوفا إلى ما تضمنته هذه الكلمات من فضل الله الحسن الجميل ، وفوائد المنح وقلائد المنن ، بدأ الخلق من العدم ثم ابتدأهم بسوابغ النعم ، ونصب خيمة القرى فى أم القرى ، ونادى : هلموا إلىّ ، نادى الكريم فيا هناء لمن اختير لتلك الحضرة وارتضى لمقعد الجلال ، ويا قرة عين من حظى بمشاهدة الجمال.

قال جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن على ـ رضى الله عنهم ـ أنه قال : لما قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) غضب الله عليهم ، فعاذوا بالعرش وطافوا حوله سبعة

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٧٤).

(٢) سورة إبراهيم : آية ٣٧.

(٣) أخرجه الديلمى فى الفردوس عن ابن عباس (٥٤٢).


أشواط يسترضون ربهم فرضى عنهم. وقال لهم : ابنوا لى بيتا يعوذ به من سخطت عليه من خلقى ، فيطوف حوله كما فعلتم حول عرشى ، فأغفر لهم كما غفرت لكم ، فبنوا هذا البيت (١).

وفى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ)(٢) فضائل كثيرة ودلائل باهرة وآيات ظاهرة قد تقدّم بعضها ؛ فمن بعض آياتها : ما روى : أن الحجاج بن يوسف نصب المنجنيق على جبل أبى قبيس بالحجارة والنيران ، فاشتعلت أستار الكعبة بالنار ، فجاءت سحابة من نحو جدّة يسمع منها الرعد ويرى منها البرق واستوت فوق البيت ، فمطرت فما جاوز مطرها الكعبة ، والمطاف ، فأطفأت النار ، وأرسل الله تعالى عليهم صاعقة فأحرقت منجنيقهم فتداركوه ، واحترقت تحته أربعة رجال ، فقال الحجاج : لا يهولنكم هذا فإنها أرض صواعق ، فأرسل الله تعالى عليهم صاعقة أخرى فأحرقت المنجنيق واحترق تحته أربعون رجلا. وكان ذلك فى سنة ثلاث وسبعين فى أيام عبد الملك بن مروان (٣) ، فوهى البيت بسبب ما أصابه من حجارة المنجنيق ، ثم هدم الحجاج بأمر عبد الملك ابن مروان ما زاده ابن الزّبير رضى الله عنه وبناه الحجاج. وفى رواية : فجاءت سحابة من نحو جدّة واستوت فوق البيت ، فمطرت حتى سال الميزاب فى الحجر ، ثم عدلت إلى أبى قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت المنجنيق ، وأمسك الحجاج عن القتال ، وكتب بذلك إلى عبد الملك بن مروان. ويجىء تمامه فى موضعه (٤).

ثم جاء أبو طاهر القرمطى فقلع الحجر الأسود والباب وأصعد رجلا من أصحابه ليقلع الميزاب ، فتردى على رأسه ومات وأخذ أسلاب أهل مكة والحجاج (٥) وانصرف ومعه الحجر الأسود وعلقه على الأسطوانة السابعة من جامع الكوفة من

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢ ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٢٤٨) ، والحديث فيه : القاسم بن عبد الرحمن منكر الحديث.

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٨٩ ، ٩٠ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ١٤٦ ، هداية السالك ٣ / ١٣٠٩.

(٤) تاريخ الطبرى ٧ / ١٩٥ ، ٢٠٢ ، العقد الثمين ٥ / ١٤٦ ، ١٤٧.

(٥) شفاء الغرام ٢ / ٢١٩ ، درر الفرائد (ص : ٢٣٦) ، إتحاف الورى ٢ / ٣٧٧ ، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٣).


الجانب الغربى ؛ ظنّا منه أن الحج ينتقل إلى الكوفة ، ثم حمل إلى هجر سنة سبع عشرة وثلثمائة (١) وبقى عند القرامطة ثمانيا وعشرين سنة ، وقيل : اثنين وعشرين سنة إلا شهرا ، وكان الأمير بجكم التركى [قد] بذل فيه خمسين ألف دينار ليردوه فلم يفعلوا ، وقال : أخذناه بأمر فلا نردّه إلا بأمر.

وقيل : إن أبا طاهر باعه من المقتدر بالله بثلاثين ألف دينار ، وأعيد إلى موضعه من البيت فى خلافة المطيع بالله لخمس خلون من ذى الحجة الحرام سنة تسع وثلاثين وثلثمائة (٢). وكم مرة أزيل عن موضعه من البيت ثم رده الله تعالى إليه ؛ فغلب جرهم ، وإياد ، والعماليق ، وخزاعة ، ومن سخط الله عليه ، وقلعوا الحجر ، وسيقلع الحجر فى آخر الزمان وتخرب كعبة الرحمن كما ورد فى الحديث الصحيح (٣).

قيل : ولما اخذه القرمطى هلك تحته أربعون جملا ، ولما أعيد إلى مكة أنفذ على قعود أعجف فسمن تحته وزاد جسمه إلى مكة (٤).

ومنها : ما وقع هيبته فى القلوب والخشوع عنده ، وجريان الدموع لديه ، وامتناع الطير من العلو والجلوس عليه إلا أن يكون مريضا ؛ فيجلس عليه مستشفيا ، ولو لا ذلك لكانت الأستار مملوءة من قذرهن كنحوها مما يعتدن القعود عليه.

ومنها : الحجر الأسود وحفظه.

ومنها : ائتلاف الظباء والسباع فيه ويتبعها فى الحل ، فإذا دخلت الحرم تركتها.

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ الخلفاء (ص : ٣٨٢) ، تاريخ الخميس (٢ / ٣٥٠ ، درر الفرائد (ص : ٢٣٦) ، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٦) ، البداية والنهاية ١١ / ١٦٠ ، النجوم الزاهرة ٣ / ٢٢٤.

(٢) شفاء الغرام ١ / ١٩٤ ، تاريخ الخلفاء (ص : ٣٩٩) ، إتحاف الورى ٢ / ٣٩٦ ، دول الإسلام ١ / ٢١٠. هداية السالك ٣ / ١٣٥٨.

(٣) الحديث أخرجه : البخارى (١٥٩١). مسلم (الفتن : باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) (٢٩٠٩) ، ابن حبان (٦٧٥١) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٠ ، الحميدى (١١٤٦) ، ابن أبى شيبة (١٥ / ٤٧).

(٤) هداية السالك ٣ / ١٣٥٨ ، تاريخ الخلفاء (ص : ٣٨٣) ، إتحاف الورى ٢ / ٣٩٦ ، درر الفرائد (ص : ٢٤٢ ، ٢٤٣).


ويجتمع الكلب والغزال فى الحرم ، فإذا جازا من الحرم خطوة سعى الغزال وسعى الكلب فى طلبه فإن لحقه عقره ، وإن عادا إلى الحرم لم يكن له عليه سلطان.

وكذلك الطيور والصيد لا ينفّر من الحرم ولا يستوحش.

ومنها : الغيث إذا كان فى ناحية الركن اليمانى كان الخصب باليمن ، وإذا كان فى ناحية الشام كان الخصب بالشام ، وإذا عمّ البيت كان الخصب عاما.

ومنها : أن الجمار مع كثرتها تمتحق وترى على قدر واحد وإلا فينبغى أن يصير المرمى مثل أبى قبيس أو أحد ، ويروى أنه من قبلت حجته رفعت جمرته.

ومنها : أن الذباب لا يقع على الطعام فى أيام منى بل يؤكل العسل ونحوه فلا يحوم عليه مع كثرة العفونات الجالبة ، لكثرة الذباب من الدماء والأثقال الملقاة فى الطرقات ، فإذا انقضت إيام الموسم تهافت الذباب على كل طعام حتى لا يطيب للطاعم طعام.

وتلك الآيات ظاهرة لمن اعتبرها ، وعبرة مبينة لمن أمعن النظر فيها.

وعن أبى الدرداء ، قال : قلنا : يا رسول الله إن أمر منّى لعجيب ؛ هى ضيقة فإذا نزلها الناس اتسعت. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن منى كمثل الرحم إذا حملت وسّعها الله تعالى» (١).

وذكر النقاش فى مناسكه : أن وادى مكة يتسع فى كل سنة فى أيام الموسم وكذلك منى وعرفة (٢).

وعن أبى الطفيل قال : سمعت ابن عباس رضى الله عنه سئل عن منى ، وقيل له : عجبا لضيقه فى غير الحج ؛ فقال ابن عباس : إن منى يتسع بأهله كما تتسع الرحم للولد (٣).

قال : وحدثنى أبو عبد الله ، عن الكلبى ، أن ابن عباس رضى الله عنه قال : إنما سميت منى ؛ لأن جبريل ـ عليه‌السلام ـ حين أراد أن يفارق آدم عليه‌السلام قال

__________________

(١) القرى (ص : ٥٤١).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٩ ، وأخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٧٧ ، ٢٧٨.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٧٩ من طريق يحيى بن محمد عن سليم ، والفاكهى ٤ / ٢٧٨.


له : ما تتمنّ؟ قال : أتمنى الجنة. فسميت منى لما تمنى فيها (١).

وقيل : إنما سميت منى لما يمنى من الدم فيها أى يراق (٢).

ومن الآيات أيضا : ما عجل من العقوبة على قوم أساءوا الأدب عند هذه الحضرة الشريفة ؛ روى أن رجلا كان يطوف بالبيت ، فلزق له ساعد امرأة ، فوضع ساعده على ساعدها متلذّذا ، فالتصق ساعداهما ، فقال بعض الصالحين : ارجع إلى المكان الذى فعلت فيه فعاهد رب البيت أن لا تعود ، ففعل فخلى عنه (٣).

وعن ابن نجيح أن إساف ونائلة ـ رجل وامرأة ـ حجا من الشام ، فقبّل أحدهما الآخر فى البيت ، فمسخا حجرين ، لم يزالا فى المسجد الحرام حتى جاء الإسلام فأخرجا (٤).

وذكر فى تاريخ المدينة : أنهما رجل وامرأة من جرهم : إساف بن بغىّ ، ونائلة بنت ديك ، فوقع إساف على نائلة فى الكعبة ، فمسخهما الله تعالى حجرين (٥) ، والله أعلم.

ويروى : أن امرأة عاذت عند البيت من زوجها الظالم ، فجاء فمد يده إليها فيبست يده وصارت شلاء (٦).

وعن بعض السلف أنه قال : رأيت فى الطواف رجلا أعمى وهو يقول فى طوافه : أعوذ بك منك. فقلت : ما هذا الدعاء؟ فقال لى : إنى مجاور منذ خمسين سنة ، فنظرت إلى شخص يوما فاستحسنته ، فسالت عينى على خدى ، فقالت :

__________________

(١) القرى (ص : ٥٤١).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٨٠ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٧٨.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٦٧) عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط ، والأزرقى فى أخبار مكة مطولا ١ / ١١٩.

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ٢٩١) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ١١٩.

(٥) أخرج نحوه الأزرقى ٢ / ٢٣ ، وفيه يزيد بن عياض بن جعدبة الليثى ، قال عنه البخارى ومسلم :منكر الحديث. وقال الترمذى : ضعيف عند أهل الحديث. وقال النسائى والدارقطنى : متروك. وقيل : هو من أكذب أهل المدينة (جامع الجرح والتعديل : ٥٠٢٤).

(٦) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٦٦) ، والسيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٣١ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٥ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٩٢).


آه ، فوقعت الآخرى ، فإذ سمعت قائلا يقول : لو زدت لزدناك.

اللهم نبهنا من سنة الغفلة ولا تغفلنا عند هذه الحضرة العلية عن أسرار عبادتك ، وارزقنا علما نافعا لمعرفتك ، وقلبا صادقا لمحبتك ، ولسانا ذاكرا لشكر نعمتك ، ونية خالصة لصرف طاعتك برحمتك يا أرحم الراحمين.

وعن عباس بن ربيعة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها ـ يعنى حرمة الكعبة والحرم ـ فإذا ضيعوا هلكوا» (١) رواه ابن ماجه.

ويروى أنه جلس كعب الأحبار ـ أو سلمان الفارسى ـ بفناء البيت فقال : شكت الكعبة إلى الله تعالى عما نصب حولها من الأصنام ، وما استقسم من الأزلام ، فأوحى الله تعالى إليها أنى منزل نورا ، وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه ، ويدفّون إليك دفيف النسور ، فقال له قائل : وهل لها لسان؟ قال : نعم ، وأذنان وشفتان (٢). أخرجه الأزرقى.

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لقد وعد الله تعالى هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف إنسان فإن نقصوا أكملهم الله تعالى بالملائكة ، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة ، من حجها تعلق بأستارها حتى تدخلهم الجنة» (٣).

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار

لا يمنعنّك بعد عن زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار

وقال أبو بكر النقاش : إن عدد الحاج الواردين من الآفاق ألف ألف وخمس مائة ألف إنسان ، وإن ذلك الغاية التى لا يزاد فيها ، والحد الذى لا ينقص منه هو أن تكون ستمائة ألف إنسان. كما روى فى الحديث.

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢ / ١٠٣٨) ، أحمد فى المسند ٤ / ٣٤٧ من طريق : يزيد بن أبى زياد ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عياش بن أبى ربيعة بلا واسطة ـ وذكره المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٣٧) وعزاه لابن الحاج فى منسكه ، وذكره الهندى فى كنز العمال ١٢ / ٢١٢ ، وعزاه لأحمد والطبرانى.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٤ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٤ ، ١٨.

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى منسكه ١ / ٤١ ، ولم يعزه لأحد.


ويروى : أن الملك إذا نزل إلى الأرض فى بعض أمور الله تعالى ؛ فأول ما يأمره الله تعالى به : زيارة البيت ، فينقض من [تحت] العرش محرما ملبيّا حتى يستلم الحجر ثم يطوف بالبيت سبعا ويركع ركعتين ، ثم يعمد لحاجته بعد ؛ تعظيما لهذا البيت.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما : الكعبة محفوفة بسبعين ألف من الملائكة يستغفرون الله تعالى لمن طاف بها ويصلون عليه. رواه الفاكهى (١).

وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه ؛ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن هذا البيت دعامة الإسلام ، من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله تعالى أنه إن قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة» (٢).

وعن عمر رضى الله عنه أنه قال : من أتى هذا البيت لا ينهزه غير صلاة فيه ؛ رجع كيوم ولدته أمه (٣).

وقوله : لا ينهزه ، أى لا يحمله على ذلك غير الصلاة فيه.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كانت الأنبياء عليهم‌السلام يدخلون الحرم حفاة مشاة تعظيما له (٤).

ويقال : إن الكعبة منذ خلقها الله تعالى ما خلت عن طائف جن أو أنس أو ملك (٥).

قال بعض السلف : خرجت فى يوم ذات سموم وقت الهاجرة فقلت : إن خلت الكعبة عن طائف فى حين فهذا الحين ، ورأيت المطاف خاليا ، فدنوت ، فرأيت حية عظيمة رافعة رأسها تطوف حول البيت وتستلم الركن فى كل شوط (٦).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٦.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣ عن الزنجى عن أبى زبير ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٩ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط ، وفيه : محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن عمير ، وهو متروك ، وأخرجه ابن جماعة فى منسكه ١ / ٢٦ ، ٤٢ ، وعزاه للأزرقى.

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى منسكه ١ / ٥٥ ، وعزاه لسعيد بن منصور.

(٤) أخرجه : ابن ماجه (٩٨٠).

(٥) القرى (ص : ٣٢٩) ، وعزاه لابن الصلاح فى منسكه.

(٦) أخرجه : ابن أبى الدينا فى الهواتف (١٥٧) ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٢٩).


الفصل الثانى والعشرون

فى ذكر فضائل الحج وعظم أمره وشرف قدره

وفيه آيات ظاهرة ودلالات باهرة ، ومن جملتها : أنه من دعائم الإسلام التى أسس عليها بناؤه ، والعلم [فى] هذا مستفيض حتى أمن إخفاؤه وأكمل به الدين وأتمّ به نعمته.

قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١).

قال بعض اليهود : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا (٢).

قال عمر رضى الله عنه : والله إنى لأعلم فى أى وقت نزلت ، وفى أى مكان ؛ نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو واقف على ناقته فى الموقف فى حجة الوداع (٣).

وناهيك بطاعة ، أكمل الله تعالى بها فى يومها الدين ، وجعلها تماما للنعمة ، وأخبر عندها أنه رضى دين الإسلام دينا لهذه الأمة.

قيل : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بركت ناقته أحد وثمانين يوما من ثقل الوحى ، وعاش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزولها أحد وثمانين يوما.

ومنها : أنه متضمن الدخول فى جملة المخلصين ، والاختلاط بالأبدال والصالحين ، والأنغماس فى دعاء المقبولين والمقربين.

ومنها : أنه حلول بحضرة المعبود ، ووقوف على باب الجود ، ومشاهدة لذلك المشهد العلى ، وإلمام بمعهد العهد الربانى ، ولا يخفى أن نفس الكون بتلك الأماكن

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٣.

(٢) أخرجه : البخارى (الإيمان : باب زيادة الإيمان ونقصانه) ١ / ١٣ ـ ١٤.

(٣) أخرجه : البخارى ٧ / ١٠٨ ، مسلم ٤ / ٢٣١٣ ، أحمد فى المسند ١ / ٢٨ ، الترمذى ١١ / ١٧١ ، النسائى (٣٠٠٢) ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨ ، البيهقى فى الشعب (٤٠٦٧) ، والطبرانى فى الأوسط (٨٣٤).


شرف وعلو ، وأن التردد فى تلك المواطن فخار وسمو ، وحسبك فى هذا ما يحكى عن مجنون بنى عامر :

رأى المجنون فى البيداء كلبا

فجرّ عليه للإحسان ذيلا

فلاموه على ما كان منه

وقالوا لم منحت الكلب نيلا

فقال دعوا الملام فإنّ عينى

رأته مرّة فى حىّ ليلى

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحجاج والعمار وفد الله وأضيافه ، وإن سألوا أعطوا ، وإن دعوا أجيبوا ، وإن أنفقوا خلف الله عليهم ، والذى نفس أبى القاسم بيده ؛ ما أهل مهل ، ولا كبر مكبر ، على شرف من الأشراف إلا هلل ما بين يديه ، وكبر بتكبيره حتى ينقطع مبلغ التراب» (١).

وفى بعض الأخبار : وفد الله وزواره ثلاثة : الحاج ، والمعتمر ، والمجاهد (٢) ؛ فما ظنكم بأكرم مزور ، وأرحم من وفد على جوده.

وعن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أتى هذا البيت فلم يرفث ، ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٣).

وسأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحاج حين يقضى آخر طوافه بالبيت ، قال :«يستقبله ملك على الركن فيغشيه بجناحه ويقول : يا عبد الله استأنف العمل لما بقى ؛ فقد كفيت ما مضى» (٤).

ومنها : ما روى مع ذلك من تنزل الرحمة على الحجيج ، ومباهاة الله تعالى ملائكته بذلك الضجيج.

وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يهبط الله تعالى يوم عرفة

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٠٤) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤١٥ ، وابن عدى فى الكامل ٦ / ٢٢٠٤ من طريق محمد بن أبى حميد ، وذكره السيوطى فى الكبير ١ / ٤٠٥ ، وعزاه للبيهقى فى الشعب.

(٢) الديلمى فى الفردوس (١٥٠٩) ، والأصفهانى فى الترغيب (١٠٣٥).

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى منسكه ١ / ٥٥ ، الفوائد المجموعة للشوكانى (١٠٦).

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤ ، من طريق يحيى بن سعيد القداح ، وهو ضعيف له مناكير ؛ كما فى ضعفاء العقيلى ٤ / ٤٠٤.


إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الموقف ملائكة السماء ، ويقول : انظروا إلى عبادى ، جاءونى شعثا غبرا ملبين من كل فج عميق وواد سحيق يرجون رحمتى ومغفرتى ، اشهدوا ملائكتى أنى قد غفرت لهم ذنوبهم ولو كانت كعدد الرمل أو كعدد القطر أو كزبد البحر» (١).

وقد ورد الأثر فى كثرة عتق الله تعالى فيه الرقاب من ربقة الآثام ، وتجاوزه فى ذلك الموقف الشريف عن الذنوب العظام.

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة» (٢).

وعن طلحة بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما رؤى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة» (٣) يحثو التراب على رأسه ويدعو بالويل والثبور على نفسه ، ويقول : يا ويلتاه ، جميع ما بنيته فى العمر الطويل بجهد الاستطاعة هدمه ابن آدم بفعله هذه الطاعة ، وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام ، فعظم بذلك الموقف قدرا وأكرم بذلك المقام عزّا ، بلّغ الله إلى ذلك اليوم كل مشتاق إليه ونبه كل معرض عنه بالإقبال عليه.

عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مسجد الخيف ، فجاءه رجلان أحدهما أنصارى ، والآخر ثقفى ، فسلما عليه ودعوا له وقالا : جئناك يا رسول الله نسألك. فقال : «إن شئتما خبّرتكما عما جئتما تسألانى عنه ، وإن شئتما سكت فتسألانى» ، فقالا : بل أخبرنا يا رسول الله نزدد إيمانا ـ أو قالا : يقينا ، شك الراوى ـ فقال الأنصارى للثقفى فاسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما

__________________

(١) أخرجه : البغوى فى شرح السنة (١٩٢٣) ، وابن عبد البر فى التمهيد ١ / ١٢٠ ، وابن منده فى التوحيد ١ / ١٤٧ ، وابن خزيمة (٢٨٤٠) ، وابن حبان (١٠٠٦) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٦٨).

(٢) أخرجه : مسلم (الحج : ٤٣٦) ، ابن ماجه (٣٠١٤) ، النسائى (٣٠٠٣) ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٣٠١ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨.

(٣) أخرجه : مالك فى الموطأ ٢ / ٣٩٥ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨١٢٥) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٦٩).


جئت له ، فقال الثقفى : بل أنت تقدّم فإنى أعرف لك حقّا ، قال : أخبرنى يا رسول الله عما جئت أسألك عنه ، قال : «جئتنى تسألنى عن مخرجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام وما لك فيه ، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه ، وعن الركعتين بعد الطواف وما لك فيهما ، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه ، ومن موقفك عشية عرفة وما لك فيه ، وعن رميك الجمار وما لك فيه ، وعن نحرك هديك وما لك فيه ، وعن حلاقك رأسك وما لك فيه ، وعن طوافك بعد ذلك وما لك فيه» فقال : والذى بعثك بالحق إنه الذى جئت أسألك عنه لم تخطئ منه شيئا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام : لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب الله لك بها حسنة ومحى عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة. وأما طوافك بالبيت : فإنك لا تضع قدما ولا ترفعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحى عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة ، وأما ركعتاك بعد الطواف : فعتق رقبة من ولد إسماعيل. وأما طوافك بين الصفا والمروة : فعدل سبعين رقبة.

وأما وقوفك عشية عرفة : فإن الله تعالى يهبط إلى السماء الدنيا فيباهى بكم الملائكة فيقول : هؤلاء عبادى جاءونى شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتى ، ويخافون عذابى ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل وكعدد القطر أو كزبد البحر لغفرتها ، أفيضوا عبادى مغفورا لكم ولمن شفعتم له. وأما رميك الجمار :فيغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات. وأما نحرك :فمدخر لك عند ربك. وأما حلاقك رأسك : فلك بكل شعرة حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة» فقال : يا رسول الله أرأيت إن كانت الذنوب أقل من ذلك؟ فقال : «إذا مدخر فى حسناتك ، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك ـ يعنى طواف الإفاضة ـ فإنك تطوف ولا ذنب عليك ، ويأتى ملك حتى يضع كفه بين كتفيك فيقول لك : اعمل لما قد بقى ، فقد كفيت ما مضى» (١).

والحج قسيم التوحيد فى تكفير ما سلف من الذنوب.

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان مختصرا فى موارد الظمآن (٢٣٩ ـ ٢٤٠) والبزار والطبرانى فى الكبير فى حديث طويل عن ابن عمر ، ورجال البزار موثقون ، ذكر ذلك الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٧٤.


وعن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام فى قلبى : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ابسط يدك فلأبايعك ، فبسط ، فقبضت يدى ، فقال : «ما لك يا عمرو؟» قلت : أشترط ، قال : «تشترط ماذا»؟ قلت : أن يغفر الله لى ، قال :«أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله» (١).

واختصاصه بوفد الله تعالى. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحجاج والعمار وفد الله وزواره» (٢).

ويحكى عن أبى سهل بن يوسف أنه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام ، فقلت : يا رسول الله استغفر لى. فقال : «أحججت؟» قلت : نعم ، قال : «وحلقت رأسك بمنى؟» قلت : نعم ، قال : «رأس حلق بمنى لا تمسه النار».

وعن بلال بن رباح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له بمزدلفة : «يا بلال أسكت الناس ـ أو قال : أنصت الناس ـ ثم قال : «إن الله تعالى تطوّل عليكم فى جمعكم هذا ؛ فوهب مسيئكم لمحسنكم ، وأعطى لمحسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله» (٣).

وعن العباس بن مرداس السلمى ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب : أنى قد غفرت لهم ما خلا ظلم بعضهم بعضا ؛ فإنى آخذ للمظلوم من الظالم. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أى رب إنك لقادر على أن تغفر للظالم وتعوض المظلوم من عندك خيرا من مظلمته» فلم يجب صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذلك فى تلك العشية. فلما كان من الغد ، وقف صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند المشعر الحرام وأعاد الدعاء لهم وتضرع إلى الله تعالى فى أن يتحمل عنهم المظالم والتبعات ، فلم يلبث صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تبسم فقال له أصحابه : مم ضحكت أضحك الله سنك يا رسول الله؟ فقال : «إن عدو الله إبليس لما علم أن الله تعالى قد استجاب دعائى فى أمتى وغفر لهم المظالم فذهب يدعو بالويل والثبور

__________________

(١) أخرجه : مسلم فى حديث طويل ذكره عمرو بن العاص عند ما حضره الموت (كتاب الإيمان : باب كون الإسلام يهدم ما قبله) ١ / ٧٨.

(٢) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤).

(٣) أخرجه : ابن ماجه (٣٠٢٤) ، وعزاه المحب الطبرى فى «القرى» لابن المبارك والمنذرى فى الترغيب بصيغة تشير إلى الضعف.


ويحثو على رأسه التراب ، فأضحكنى ما رأيت من جزعه». أخرجه ابن ماجه (١).

وعن عائشة رضى الله عنها ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة» رواه مسلم (٢).

ويحكى عن على بن الموفق أنه قال : حججت فى بعض السنين فنمت ليلة عرفة فى مسجد الخيف ، فرأيت فى المنام كأن ملكين نزلا من السماء فنادى أحدهما لصاحبه : يا عبد الله. فقال : لبيك يا عبد الله ، قال : أتدرى كم حج بيت ربنا فى هذه السنة؟ قال : لا ، قال : حجه ستمائة ألف نفر ، ثم قال : أفتدرى كم قبل منهم؟ قال : لا ، قال : ستة أنفس ، قال : ثم ارتفعا فى الهواء وغابا عنى ، فانتبهت فزعا مرعوبا ، وأغتممت غمّا شديدا ، وأهمنى أمرى ، وقلت إذا لم يكن المقبولون غير ستة أنفس ، فأين أكون أنا فى ستة أنفس! فلما أفضت من عرفات وبت عند المشعر الحرام وجعلت أفكر فى كثرة الخلق وقلة من قبل منهم ، فغلبنى النوم ، فإذا أنا بالملكين قد نزلا بعينهما ، فأعاد المتكلم منهما فى الليلة الماضية حديثه بجملته ، ثم قال بعد ذلك لصاحبه : أفتدرى ماذا حكم ربنا فى هذه الليلة؟ قال : لا ، قال : فإنه وهب لكل واحد من الستة الأنفس مائة ألف ، فقبل الجميع ببركتهم ، قال : فانتبهت وبى من السرور فى الجنان ما يجلّ عن الوصف والبيان باللسان!! (٣).

ومنها : ما يتفضل الله تعالى فى حق عباده وهو أعظم من ذلك كله نعمة وأعم منه تفضلا ، ما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (٤).

فأكرم بعباده لم يقتصر فى ثوابه على ذكر تكفير الذنوب ولم يرض فى جزائها إلا بإنالة المرام الأعظم ، وبلوغ عين المطلوب وهو الجنة.

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٣٠١٣) ، أحمد فى المسند ٤ / ١٥ ، وفى سنده عبد الله بن كنانه ، قال عنه البخارى : لم يصح حديثه.

(٢) أخرجه : مسلم ٤ / ١٠٧ ، النسائى ٥ / ٢٥١.

(٣) مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٦).

(٤) أخرجه : البخارى (١١٧٣) ، مسلم ٤ / ١٠٧ ، الترمذى (٩٣٣) ، أحمد فى المسند ٢ / ٢٤٦ ، ابن ماجه (٢٨٨٨) ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٦١ ، النسائى (٢٦٢١) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٩١) ، مالك فى الموطأ ٢ / ٢٦٨ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨٧٩٨) ، ابن خزيمة (٣٠٧٢) ، الحميدى (١٠٠٢).


ونوع آخر من البشارة ؛ وهو فى غاية الشرف وكمال المراد ما روى : أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد : الحج. عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أى الأعمال أفضل؟ قال : «إيمان بالله ورسوله» قيل : ثم ماذا؟

قال : «ثم جهاد فى سبيل الله» قيل : ثم ماذا؟ قال : «ثم حج مبرور» وهذا متفق عليه (١).

والمبرور الذى لا يخالطه إثم ، وقيل : المتقبل ، وقيل : الذى لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق. وقيل : الذى لا معصية بعده.

وقال الحسن البصرى : الحج المبرور : أن يرجع الحاج زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور» (٣).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». متفق عليه (٤).

ومعناه أنه لا يقتصر فيه على تكفير بعض الذنوب بل لا بد أن يبلغ به إلى الجنة.

وفى صحيح البخارى من حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال : «أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور» (٥).

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال : «لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور». رواه البخارى (٦).

__________________

(١) أخرجه : البخارى (كتاب الإيمان : باب من قال : إن الإيمان هو العمل) ١ / ١٠ ، مسلم (الحج : فضل الحج المبرور) ٢ / ١٣٣.

(٢) أخرجه : الأصبهانى فى الترغيب (١٠٧٢).

(٣) هداية السالك ١ / ٨.

(٤) أخرجه : البخارى (باب العمرة) ٣ / ٢ ، مسلم ٤ / ١٠٧.

(٥) أخرجه : البخارى (فضل الحج) ٢ / ١٣٣ ، النسائى ٥ / ١١٤ ، ١١٥.

(٦) أخرجه : البخارى (١٥٢٠) ، ابن ماجه (٢٩٠١) ، أحمد فى المسند ٦ / ٧١ ، النسائى (٢٦٢٧) ، ـ البيهقى فى السنن ٤ / ٣٢٦ ، ابن خزيمة (٣٠٧٤) البغوى فى شرح السنة (١٨٤٨).


وعن جابر رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». قالوا : يا رسول الله ، ما بر الحج؟ قال : «إطعام الطعام ، وإفشاء السلام» (١). أخرجه الإمام أحمد وأخرجه الذهبى. وقال : «وطيب الكلام» مكان «إفشاء السلام» (٢).

وعن أبى موسى قال : الحاج يشفع فى أربعة مائة من أهل بيته ، ويبارك له فى أربعين بعيرا فى أمهات البعير الذى حمله ، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وإذا حج على البعير سبع مرات كان حقّا على الله عز وجل أن يرعى فى رياض الجنة ، فقال رجل : يا أبا موسى إنى كنت أعالج الحج وقد ضعفت وكبرت ، فهل من شىء يعدل الحج؟ فقال : تستطيع ، أن تعتق سبعين رقبة من ولد إسماعيل ، فأما الحل والرحيل فما أجد له عدلا أو قال مثلا (٣) .. رواه عبد الرزاق.

وعن أبى ذر وقد مر به أقوام فقال : من أين أقبلتم؟ قالوا : من مكة ، قال : أمن البيت العتيق؟ قالوا : نعم. قال : معكم تجارة ولا بيع ، قالوا : لا ، قال : استقبلوا العمل فأما ما سلف فقد كفيتموه (٤). رواه سعيد بن منصور.

وروى سعيد أيضا ، وعبد الرزاق فى مصنفه : أن رجلا جاء إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنى أريد الجهاد فى سبيل الله ، فقال : «ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟» قال : بلى ، قال : «حج البيت» (٥).

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١١٧٣) ، مسلم ٤ / ١٠٧ ، ابن ماجه (٢٨٨٨) ، وقد سبق تخريجه.

(٢) أخرجه : أحمد فى المسند ٣ / ٣٢٥ ، الحاكم فى المستدرك (١٧٧٨) ، وعبد الرزاق فى مصنفه (٨٨١٧) ، البيهقى فى الشعب (٤١١٩) وفيه «طيب الكلام وإطعام الطعام» ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٦٦٢ ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٧ : إسناده حسن.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٦ ، ٧ ، هكذا موقوفا من كلام أبى موسى ، وفيه عبد الله بن عيسى الجندى تكلم فيه الذهبى ، ووافقه ابن حجر فى لسان الميزان ٣ / ٣٢٣ ، ورواه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢١١ ، وعزاه للبزار.

(٤) أخرجه : سعيد بن منصور ٢ / ١٣٤ ، ومالك فى الموطأ ١ / ٤٢٤ مطولا ، وسنده صحيح.

(٥) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٧ ـ ٨ وسعيد بن منصور ٢ / ١٣٤ ، عن على بن حسين والشفاء بنت عبد الله.


وروى عبد الرزاق ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «حجوا تستغنوا» (١).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة». رواه النسائى (٢).

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله تعالى : إن عبدا صححت جسمه ، ووسعت عليه فى المعيشة ، يمضى عليه خمسة أعوام لا يفد إلىّ لمحروم». رواه ابن أبى شيبة ، وابن حبان فى صحيحه (٣).

قال ابن وضاح : يريد الحج وهو محمول على الاستحباب والتأكيد فى هذه المدة.

وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال : إن أمرأة قالت : يا رسول الله إن فريضة الله تعالى على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه؟ قال : «نعم». متفق عليه (٤).

وعن لقيط بن عامر ، أنه أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن. فقال : «حج عن أبيك واعتمر». رواه أبو داود والترمذى وقال : حديث حسن صحيح (٥).

وعن السائب بن يزيد رضى الله عنه قال : حجّ بى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجة الوداع وانا ابن سبع سنين. رواه البخارى.

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق ٥ / ١٠ ، والديلمى فى الفردوس. والحديث مرسل وفى سنده ضعف ، كما فى الجامع الصغير وفتح القدير ٣ / ٣٧٣.

(٢) أخرجه : النسائى ٥ / ١١٣ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٦ ، وعزاه لأحمد ، وقال : رجال أحمد رجال الصحيح ، وفى ابن ماجه (٢٩٠٢) عن أم سلمة مرفوعا : «الحج جهاد كل ضعيف».

(٣) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٣٩) ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٢٠٦ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح.

(٤) أخرجه : أحمد ١ / ٣٤٦ ، أبو يعلى (٦٧٠٥) ، مالك فى الموطأ (٨١٥) ، ابن حبان (٣٩٨٩) ، ابن ماجه (٢٩٠٧).

(٥) أخرجه : أبو داود (١٨٠٩) ، الترمذى (٩٢٨).


وعن عمر رضى الله عنه قال : إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال للحج والعمرة ؛ فإنهما أحد الجهادين. أخرجه عبد الرزاق (١).

وفى رواية ابن ماجه : «الحجاج والعمار وفد لله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم» (٢).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج» رواه البيهقى وصححه الحاكم (٣).

وعن عمر رضى الله عنه ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : استأذنه فى العمرة فأذن له وقال :«يا أخى لا تنسنا فى دعائك» (٤).

وفى لفظ آخر : «يا أخى أشركنا فى دعائك» (٥).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يستجاب للحاج من حين يريد مكة إلى أن يرجع إلى أهله وفضل أربعين يوما» (٦).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا لقيت الحاج فصافحه وسلم عليه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته ؛ فإنه مغفور له». رواه الإمام أحمد (٧).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خمس دعوات لا ترد : دعوة المظلوم حتى ينصر ، ودعوة الحاج حتى يصدر ، ودعوة الغازى حتى يرجع ، ودعوة المريض حتى يبرأ ، ودعوة الأخ لأخيه بالغيب ، وأسرع هؤلاء الدعوات إجابة ؛ دعوة الأخ لأخيه

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٧ ، ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٥.

(٢) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٠٤) ، ابن عدى فى الكامل ٦ / ٢٢٠٤ ، ابن ماجه فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٠) والسنن (٢٨٩٢) ، الترغيب والترهيب ٢ / ١٦٧.

(٣) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٢٦١ ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤١ ، وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبى.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٩ ، ٢ / ٥٩.

(٥) أخرجه : الترمذى ٥ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، وقال : هذا حديث حسن ، أبو داود ٢ / ٨٠ ، ابن ماجه (٢٨٩٤).

(٦) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٦ ، ولم يعزه.

(٧) أخرجه : أحمد ٢ / ٦٩ ، وفى سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى وهو ضعيف.


بالغيب». أخرجه الحافظ منصور بن عبد الله بن محمد بن الوليد (١).

وعن أبى أمامة وواثلة ، قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أربعة حق على الله تعالى عونهم : الغازى ، والمتزوج ، والمكاتب ، والحاج» أخرجه الشيخ محب الدين الطبرى المكى (٢).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أمعر حاج». رواه الفاكهى فى أخبار مكة (٣). ومعناه : ما افتقر. وقيل : ما فنى زاده. وقيل : ما انقطع به إلا حمل ، وهو بالعين والراء المهملتين.

وقال ابن عباس : لو يعلم المقيمون ما للحاج عليهم لأتوهم حتى يقبلوا رواحلهم تعظيما لهم (٤).

وقال حجة الإسلام محمد الغزالى رحمه الله : أنه كان من سنة السلف أن يستقبلوا الحاج ، ويقبلوا بين أعينهم ، ويسألوهم الدعاء ، ويبادروا إلى ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام (٥).

وقال سعيد بن جبير : ما أتى هذا البيت طالب حاجة قط دينا ودنيا إلا رجع بحاجته.

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال للسائل عن خروجه من بيته يؤم البيت الحرام أن له بكل وطأة تطأها دابته حسنة وتمحى عنه بها سيئة. رواه عبد الرزاق (٦).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قضى نسكه ، وسلم

__________________

(١) أخرجه : الهندى فى كنز العمال ٢ / ٩٨ ، وعزاه للبيهقى فى السنن.

(٢) أخرجه : الترمذى (١٦٥٥) ، وقال : حديث حسن ، والنسائى ٦ / ٦١ ، والديلمى فى الفردوس (١٥٠٩) ، والأصبهانى فى الترغيب (١٠٣٥).

(٣) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٠٦ مرسلا ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٨ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط ، والبزار ، عن جابر بن عبد الله مرفوعا ، ورجاله رجال الصحيح.

(٤) هداية السالك ١ / ١٨.

(٥) هداية السالك ١ / ١٨.

(٦) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٣٠) ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٧٥ ، وعزاه إلى البزار والطبرانى فى الكبير.


الناس من لسانه ويده ؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».

وحكى القاضى أبى الفضل عياض فى كتاب «الشفا» عن بعض شيوخ العرب : أن قوما أتوه فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا وأضرموا عليه النار فلم تعمل فيه وبقى أبيض البدن ، فقال لهم : لعله حج ثلاث حجج ، فقالوا : نعم. فقال : حدّثت أن من حج مرة أدى فرضه ، ومن حج ثانية داين ربه ، ومن حج ثلاث حجج حرّم الله تعالى شعره وبشره على النار (١).

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٢٠.


الفصل الثالث والعشرون

فى ذكر فضائل العمرة فى شهر رمضان

عن ابن عباس رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمرأة من الأنصار :«ما منعك أن تحجى معنا»؟ فقالت : لم يكن لنا إلا ناضحان ، حج أبو ولدى وابنى على ناضح وترك لنا ناضحا ننضح عليه. قال عليه‌السلام : «فإن جاءك شهر رمضان فاعتمرى ؛ فإن عمرة فى رمضان تعدل حجة». متفق عليه (١).

وفى طريق آخر لمسلم : «فعمرة فى رمضان تعدل حجة أو حجة معى» (٢).

وفى رواية أبى داود والطبرانى والحاكم من حديث ابن عباس : «تعدل حجة معى» (٣) من غير شك.

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان (٣٦٩٩) ، الطبرانى فى الكبير (١١٤١٠) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٦.

(٢) أخرجه : البخارى (١٧٨٢) ، مسلم ٣ / ٢٠٠ ، ابن ماجه (٢٩٩٢) ، ابن حبان (٣٧٠٠) ، ابن خزيمة (٣٠٧٧).

(٣) أخرجه : أبو داود (١٩٩٠) ، الطبرانى فى الكبير (١١٢٩٩ ، ١١٣٢٢).


الفصل الرابع والعشرون

فى ذكر حج الأنبياء والأولياء والخلفاء الراشدين

روى عثمان بن ساج : أن آدم ـ عليه‌السلام ـ حج البيت سبعين حجة من أرض الهند ماشيا. قيل لمجاهد : أفلا يركب؟ قال : وأى شىء كان يحمله ـ أخرجه أبو الفرج فى مثير الغرام (١).

وقال عروة بن الزّبير : بلغنى أن نوحا عليه‌السلام حج البيت وجاءه وعظمه قبل الغرق (٢).

وقال مجاهد : حج إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما‌السلام ـ ماشيين ، وحج موسى عليه‌السلام راكبا على جمل أحمر وعليه عباءتان (٣).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه ابن عباس : أنه مر بوادى الأزرق ، فقال : كأنى أنظر إلى موسى هابطا من الثنية ، له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية ، ثم أتى على ثنية هرشى ، فقال : «كأنى أنظر إلى يونس عليه‌السلام على ناقة جعدة ، عليه جبة من صوف ، خطام ناقته خلبة مارا بهذا الوادى ملبيا» (٤).

وفى رواية : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجد الروحاء (٥) ، ثم قال : «لقد صلى فى هذا المسجد قبلى سبعون نبيّا ، ولقد مر موسى بن عمران حاجا أو معتمرا بسبعين ألفا

__________________

(١) مثير الغرام (ص : ٣٧٣) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٩.

(٢) أخرجه : الأزرقى ١ / ٧٢ ، وفى إسناده مجهول.

(٣) رواه الأزرقى فى أخبار مكة ٦٨٨ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٥) ، والبغوى فى تفسيره ١ / ١٣٣.

(٤) أخرجه : مسلم (١٦٦) ، ابن حبان (٣٨٠١) ، أحمد فى المسند ١ / ٢١٦ ، ابن ماجه (٢٨٩١) ، البيهقى فى السنن ٥ / ٤٢ ، والشعب (٤٠٢٣) ، ابن خزيمة (٢٦٣٣). والثنية : الطريق فى الجبل ، والجؤار : رفع الصوت بالاستعاذة ، هرشا : جبل قريب من الجحفة.

(٥) مسجد بين مكة والمدينة (تنوير الحوالك ١ / ٢٥٥).


من بنى إسرائيل على ناقة ورقاء عليه عباءتان قطوانيتان» (١).

وفى رواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لقد مرّ بهذا الفج سبعون نبيا لباسهم العباء ، وتلبيتهم شتى ، منهم : يونس بن متى ، وكان يقول : لبيك فراج الكروب لبيك.

وكان موسى عليه‌السلام يقول : لبيك أنا عبدك لديك ، وكان عيسى عليه‌السلام يقول : لبيك أنا عبدك ابن أمتك بنت عبديك» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : أتى هذا الوادى عيسى وموسى وصالح وغيرهم من الأنبياء عليهم‌السلام على بكرات ، خطمهم الليف ، وأزرهم النّمار ، وأرديتهم العباء ، يلبّون ، يحجون هذا البيت العتيق (٣).

وعن عبد الله بن الزّبير أنه قال : حج هذا البيت ألف نبى من بنى إسرائيل ، لم يدخلوا مكة حتى عقلوا أنعامهم بذى طوى (٤).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان الأنبياء عليهم‌السلام يحجون مشاة (٥).

وعنه : أنه حج الحواريون ، فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيما للحرم.

وحج سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل البعث وبعده قبل نزول فرض الحج وقبل هجرته حججا ، ثم توجه من المدينة بعد الهجرة إلى مكة محرما فلما بلغ الحديبية صده المشركون عن دخول الحرم ، ثم صالحوه على أن يعود من العام المقبل ويخلون له مكة ثلاثة أيام ولياليها ، فأصعد قومه رؤوس الجبال فخلوا من إحرامهم هنالك ،

__________________

(١) أخرجه : القرطبى فى التذكرة (٣٨٦) ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٦) ، وفى إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، قيل : ضعيف ، وقيل : متروك. وقال أبو زرعة : أحاديثه عن أبيه عن جده واهية.

(٢) أخرجه : ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٦) ١ / ٢٣٢ ، وأبو نعيم فى الحلية ١ / ٢٦٠ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٧٣ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز فى حديث طويل لم يرفعه.

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ٢ / ٥١١ ، وعزاه لسعيد بن منصور فى سننه.

(٤) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٥٣) وعزاه لأبى ذر الهروى. وذى طوى : واد معروف عند باب مكة ، سمى ببئر مطوية ثمّ ، وهو بضم الطاء وفتح الواو المخففة.

(٥) أخرجه : ابن ماجه (٩٨٠).


ونحر سبعين بدنة كان ساقها معه هديا ، ورجع إلى المدينة ، ثم توجه فى السنة القابلة إلى مكة معتمرا ، وأخلت له المشركون مكة حين وصل ثلاثة أيام ولياليها كما التزموه ، ثم خرج وذهب إلى المدينة ، ثم عاد إلى مكة زمن الفتح وأحرم بعمرة من الجعرانة (١) حين قسم غنيمة حنين فى ذى القعدة ، وعمرته مع حجته. متفق عليه.

هذا بعد قدومه المدينة.

وحج باتفاق بين الأئمة حجة الوداع من المدينة سنة عشر من الهجرة (٢) ، وسميت حجة الوداع ؛ لأنه ودع الناس فيها ، وقال : «لعلى لا أحج بعد عامى هذا» (٣).

قال جابر : نظرت فيها إلى مدّ بصرى بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك.

ووافقت وقفته تلك يوم تاسع ذى الحجة ، يوم الجمعة ، فاستقر الحج عليه ، وكان قبل ذلك ينتقل فى أشهر السنة (٤).

وعن أبى زرعة أنه قال : شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجة الوداع أربعون ألفا.

واختلفوا فى أنه هل فرض الحج سنة ست أو خمس أو تسع. وقال الشيخ أبو بكر الرازى فى أصول فقهه : إنه قد قيل : إن فرض الحج نزل فى سنة عشر وهى السنة التى حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجة الوداع فيها (٥).

وحج أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ وعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قبل حجة الوداع ، وحجا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها.

__________________

(١) كان ذلك سنة ٨ ه‍ ، انظر : تاريخ الطبرى ٣ / ٩٤ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣١٠ ، ٣١١.

(٢) تاريخ الطبرى ٣ / ١٤٨ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣٥٠.

(٣) هناك أقوال أخرى فى تلك التسمية ، وأفرد حجة الوداع بالتصنيف : ابن المنذر ، والمحب الطبرى ، الإمام البقاعى ، وابن حزم الظاهرى ، ويراجع ذلك فى : زاد المعاد ١ / ١٧٣ ، السيرة الشامية ٧ / ٦١٤ ، وغيرها.

(٤) أخرجه : مسلم (١٢١٨) ، ابن حبان (٣٩٤٤) ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٩).

(٥) القرى (ص : ٦٣).


وحج أبو بكر رضى الله عنه بالناس بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة (١) ، وأمّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر ـ رضى الله عنه ـ على الناس فحج بهم سنة تسع (٢).

وحج عمر رضى الله عنه بالناس عشر حجج فى خلافته (٣).

وحج عثمان رضى الله عنه تسع حجج ، واستناب فى بقية مدته (٤).

وأما على رضى الله عنه فحج قبل خلافته حججا لم يضبط عددها. وأما فى زمن خلافته فلم يتفرغ للحج بنفسه بل كان مشغولا بالحروب ، وكان يبعث من يحج بهم ، ولم يزل خلفاء أئمة الراشدين وخلفاء الإسلام وولاة المسلمين إلى وقتنا هذا مهتمين بأمر الحج مواظبين على إقامته ولله الحمد.

__________________

(١) كان ذلك فى سنة (١٣ ه‍) ، وينظر عن ذلك فى : مختصر تاريخ دمشق ١٣ / ١٠٤ ، المنتظم ٤ / ١٠٠ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ١٨٧.

(٢) تاريخ الطبرى ٣ / ١٢٢.

(٣) كان ذلك سنة (١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢) (انظر : إتحاف الورى ٢ / ٥ ـ ١٢ ، تاريخ الطبرى ٤ / ٨٢ ، ١٥٢ ، ١٦٨ ، ١٨٨ ، ٢٢ ، ٢٢٥ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ١٨٨ ، ٢٠٧ ، ٢١٥ ، ٢٢٢ ، ٢٣٤ ، ٢٣٨).

(٤) يراجع فى ذلك : تاريخ الطبرى ٥ / ٤٦ ـ ١٧٢ ، والكامل ٣ / ٣٣ ـ ٨٧ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥٠ ـ ١٨٧.


الفصل الخامس والعشرون

فى ذكر فضيلة الحج ماشيا

نقل عن السلف الصالحين تعاهد الحج ومواظبته على التكرار ماشيا ، وها أنا أذكر بعض الأنبياء والصالحين الذين حجوا ماشيا.

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كانت الأنبياء عليهم‌السلام يحجون مشاة حفاة (١).

وقال : «حج آدم عليه‌السلام أربعين حجة من الهند على رجليه ، فلما فرغ من حجه الأول ، قال : يا رب إن لكل عامل أجرا ، قال الله تعالى : أما أنت يا آدم فقد غفرت لك ، وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه فقد غفرت له» (٢).

وإبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام حجا ماشيين (٣).

وعن سعيد بن جبير قال : دخلت على ابن عباس فى مرضه الذى مات فيه ، فسمعته يقول لبنيه : يا بنى حجوا مشاة ؛ فإنى ما آسى على شىء ما آسى أنى لم أحج ماشيا. قالوا : من أين؟ قال : من مكة حتى ترجعوا إليها ؛ فإن للراكب بكل خطوة سبعين حسنة ، وللماشى بكل خطوة سبع مائة حسنة من حسنات الحرم ، قالوا : وما حسنات الحرم؟ قال : الحسنة الواحدة بمائة ألف حسنة (٤).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٩٨٠).

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك (١٦٩٢) ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبى : ليس بصحيح وأخشى أن يكون كذبا. والبيهقى فى السنن ٤ / ٣٣١ ، والشعب (٣٩٨١). وقال : فيه عيسى بن سوادة : مجهول ، وذكره ابن حبان فى الثقات.

(٣) أخرجه : البيهقى فى السنن ٤ / ٣٣٢ ، والسيوطى فى الدر المنثور ٤ / ٦٣٩ ، وعزاه إلى ابن جرير ، وابن أبى شيبة ٢ / ٤٩٢.

(٤) أخرج شطره الأول البيهقى فى الشعب ٤ / ٣٣١ ، وهو فى أخبار أصبهان ٢ / ٣٥٤ ، وتحرف متن الحديث فى العلل المتناهية (٩٣٢). ومداره على إسماعيل بن أمية ، قال فيه الدارقطنى : كان يضع الأحاديث ، ووثقه ابن حجر فى التقريب (٤٢٦).


قال عطاء : ولا أحسب السيئة إلا بمثلها (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج من أمتى إلى عرفة ماشيا كتب الله له مائة ألف حجة» (٢).

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الملائكة لتصافح ركبان الحاج ، وتعتنق المشاة» (٣).

وعن مجاهد وغيره من علماء السلف أن الحاج إذا قدموا تلقتهم الملائكة وسلموا على ركبان الإبل ، وصافحوا ركبان الحمر ، واعتنقوا المشاة اعتناقا.

وعن مصعب بن الزبير قال : حج الحسن بن علىّ خمسة عشر حجة ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه (٤).

وذكر [ابن] الجوزى فى كتابه المجتبى : أن الحسن بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهما ـ حج خمس عشرة حجة ماشيا ، وحج الحسين بن على ـ رضى الله عنهما ـ خمسا وعشرين حجة ماشيا (٥).

وروى سحنون : أن علىّ بن شعيب حج نيفا وستين حجة من نيسابور (٦) على قدميه (٧).

وكان ابن جريج والثورى يحجان ماشيين.

وسافر المغيرة بن حكيم إلى مكة أكثر من خمسين سفرا حافيا محرما صائما ،

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧.

(٢) أخرجه : ابن الجوزى فى العلل (٩٣١).

(٣) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (٧٦٩) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٩٩) ، والسنن ٢ / ٣٩٣ ، وإسناده ضعيف ؛ وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس ؛ فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدى ، وإن كان المحاربى فمتروك الحديث كما قال الأزدى ، وإن كان القرشى فوضاع كذاب كما قال ابن حبان.

(٤) المنتظم ٥ / ٢٢٥.

(٥) أخرجه : البيهقى فى السنن ٤ / ٣٣١ ، الذهبى فى سير أعلام النبلاء ٣ / ٦٧.

(٦) نيسابور : مدينة عظيمة من مدن خراسان ، فتحها المسلمون فى عهد عثمان (مراصد الاطلاع : ١٤١١).

(٧) صفوة الصفوة ٤ / ١٠٩ ، وفى إسناده ابن جهضم ، كذاب.


لا يترك قيام الليل فى سفره ؛ بل إذا كان السحر قام يصلى ويمضى أصحابه ، فإذا صلى الصبح لحقهم متى ما لحق (١).

وحج أبو العباس العباسى ثمانين حجة على قدميه.

وحج أبو عبد الله المغربى على قدميه سبعا وتسعين حجة وعاش مائة وعشرين سنة (٢).

وأخبر الحسين بن عمران عن أخى سفيان ، قال : حججت مع سفيان آخر حجة حجها سنة تسع وتسعين ومائة فلما كنا بجمع (٣) وصلى استلقى على فراشه ، ثم قال : لقد وافيت هذا الموضع سبعين عاما أقول فى كل عام : اللهم لا تجعله آخر العهد ، وإنى استحييت من الله تعالى من كثرة ما أسأله ذلك ، فرجع فتوفى فى السنة الداخلة.

وحج أخا سنان الدينورى ست عشرة حجة حافيا بغير زاد (٤).

وقال عباس بن عبد الله الشافعى : خرج أبو حمزة الصوفى من قزوين (٥) محرما راجلا ، فحج ورجع فقيل له فى ذلك ، فقال : ما خرجت إلا لأسأل الله تعالى أن لا يرزقنى فوق قوتى (٦).

وقال الحسين بن عبد الرحمن : حج سعيد بن وهب (٧) ماشيا فبلغ منه الجهد (٨).

ويحكى عن على ابن الموفق أنه حج سبعين حجة ماشيا.

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٨).

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٨).

(٣) جمع : هى المزدلفة.

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٩) ، وهذا من تلبيس إبليس على جهلة القوم ؛ إذ لا خلاف بين الفقهاء على عدم جواز السفر بغير زاد.

(٥) قزوين : مدينة مشهورة بينها وبين الرى سبعة وعشرون فرسخا. (مراصد الاطلاع : ١٠٨٩).

(٦) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٩).

(٧) هو سعيد بن وهيب أبو عثمان مولى بنى سلمة بن لؤى ، كان شاعرا ماجنا ، كثير القول فى الخمر والغزل ، ثم تاب وتعبد وحج راجلا.

(٨) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٨) ، صفوة الصفوة ٢ / ٢٣٥ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٣٣٢ ، تاريخ بغداد ٩ / ٧٣.


ويروى أن جعفر الخواص حج قريبا من ستين حجة ماشيا.

وعن إبراهيم بن أحمد قال : سمعت جرار بن بكر الدبيلى قال : أحرمت من تحت صخرة بيت المقدس فدخلت بادية تبوك إلى أن وصلت مكة ، فدخلت المسجد الحرام فإذا أبو عبد الله بن الجلاء جالس فى شق الطواف فسلمت عليه وقبلت رأسه ، فقال : يا بنى من أين أحرمت؟ قلت له : من تحت صخرة بيت المقدس ، فقال : من أى طريق جئت؟ فقلت : من طريق تبوك ، فقال : على شرط التوكل؟ فقلت : نعم ، فقال : يا بنى ، إنى أعرف رجلا حج اثنين وخمسين حجة على التوكل وهو يستغفر الله تعالى من ذلك ، فقلت له : يا عم بحق هذا البيت من هو؟ قال : أنا استغفر الله.

ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فى أن حج الآفاقى راكبا أفضل أو ماشيا؟ فعند الحنفية راكبا أفضل من المشى وهو أحد قولى الشافعى رحمه الله وهو الأصح من قوليه (١).

والقول الثانى : أن المشى أفضل ؛ وهو قول داود ؛ لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «للماشى فضل على الراكب كفضل ليلة القدر على سائر الليالى» (٢).

وقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «للحاج الراكب بكل خطوة ...» الحديث إلى آخره (٣).

ولقول ابن عباس لبنيه عند الموت أن يحجوا مشاة. ودليل الحنيفة وأصح قولى الشافعى (٤) : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حج راكبا ، فاتباعه أولى ؛ ولأن فى الركوب إنفاقا ومؤونة

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٣٥ ، الفتاوى الهندية ١ / ٣٠٣. ويرى الإمام مالك أيضا أن الحج راكبا أفضل.

(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، بلفظ «كفضل ليلة البدر على النجوم». وهذا الرأى هو رأى الحنابلة وبعض المالكية.

(٣) أخرجه : الحاكم فى المستدرك (١٦٩٢) ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وقال الذهبى : ليس بصحيح وأخشى أن يكون كذابا. والبيهقى فى الشعب (٣٩٨١) ، والسنن ٤ / ٣٣١ ، وقال فيه عيسى بن سوادة : مجهول. وقال ابن التركمانى : أخرج له الحاكم فى المستدرك ، وذكره ابن حبان فى الثقات.

(٤) هداية السالك ١ / ٣٥ ، القرى (ص : ٤٦).


بالمال وعونا على قوة النفس ؛ لقضاء النسك بصفة الكمال ، ولأنا نقول المراد من هذا الحديث الحج ماشيا من مكة وحواليها على ما ذكرنا أن القدرة على الراحلة ليست بشرط فى حق أهل مكة ؛ لأنه لا تلحقهم زيادة مشقة تخلّ بنسك الحج ؛ لقرب المسافة ، دل عليه قول ابن عباس لبنيه : اخرجوا حاجين من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة ؛ فإن للحاج الراكب بكل خطوة ... وساق الحديث إلى آخره ، فكان المراد من الحديث الحج ماشيا من مكة جمعا بين الحديثين وعملا بهما بقدر الإمكان (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٣٥ ، ٣٦ ، القرى (ص : ٤٧).


الفصل السادس والعشرون

فى ذكر جهات الحل وأسمائها

اعلم أن أفضل جهات الحل للإحرام لأهل مكة بالعمرة : التنعيم ، ثم الجعرانة ، ثم الحديبية عن الحنفية. وعند الشافعى الأفضل الجعرانة ، ثم التنعيم ، ثم الحديبية.

وقدم أبو حامد الغزالى ـ منهم ـ الحديبية على التنعيم.

وقال الإمام أحمد : كلما تباعد فى الإحرام فهو أعظم للأجر.

والجعرانة بكسر الجيم وإسكان العين المهملة ، وقد يكسران مع تشديد الراء موضع بين مكة والطائف ، وهو إلى مكة أقرب ، وهو من الحل.

قال ابن المدنى : أهل المدينة يثقلونه وأهل العراق يخففونه وبالتخفيف قيدها المفتون.

وسمى هذا الموضع باسم امرأة كانت تلقب بالجعرانة وهى كانت تسكن فيه (١).

وعن يوسف بن ماهك قال : اعتمر من الجعرانة ثلاث مائة نبى عليهم‌السلام.

والتنعيم بفتح التاء المثناة من فوق وإسكان النون أقرب أطراف الحل إلى البيت الحرام على ثلاثة أميال. وقيل : أربعة أميال. يقال : سمى بذلك لأن على يمينه جبلا يقال له : نعيم وعلى يساره جبل يقال له : ناعم ، والوادى يقال له : نعمان.

والحديبية بتخفيف الياء وتشديدها والتخفيف أفصح ؛ كذا قال العلماء ، وهو موضع بينه وبين الحرم أزيد من ميل.

وحد الحرم من جانب المدينة : التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون والفاء والراء على ثلاثة أميال من مكة ، وقيل : أربعة أميال.

ومن طريق اليمن إضاه لبن على سبعة أميال من مكة ، وإضاه على وزن قناه ،

__________________

(١) القرى (ص : ٦١٦ ، ٦١٧).


ولبن بلام مكسورة ثم باء موحدة ساكنة ثم نون.

ومن طريق الطائف على طريق عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال.

ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمقطع على سبعة أميال. ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال.

ومن طريق جدة منقطع الأعشاش على عشرة أميال. هذا قول جمهور العلماء فى ضبط حدود الحرم ، وهى توقيفية (١).

ويروى أن الأصل فى ذلك أن آدم عليه‌السلام خاف على نفسه من الشيطان فاستعاذ بالله تعالى ، فأرسل الله تعالى إليه ملائكة حفوا بمكة من كل جانب فكان الحرم من حيث وقفت الملائكة (٢).

ويروى : أنه لما بلغ إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام فى بناء الكعبة إلى موضع الحجر الأسود ، فجاء به جبريل من الجنة ، فوضعه إبراهيم عليه‌السلام فى موضعه ، فأنار شرقا وغربا ويمينا وشمالا ، وكان الحرم من حيث انتهى النور إليه (٣).

ويروى : أنه لما أهبط آدم عليه‌السلام تلهف على ما فاته من الطواف بالعرش مع الملائكة فأهبط الله تعالى إليه البيت المعمور من ياقوتة حمراء تلتهب التهابا وله بابان شرقى وغربى مرصّع بكواكب بيض من ياقوت الجنة ، فلما استقر البيت فى الأرض أضاء نوره ما بين المشرق والمغرب ، ففزع لذلك الجن والشياطين ورقوا فى الجو ينظرون من أين ذلك النور ، فلما رأوه أنه من مكة أقبلوا يريدون الاقتراب إليه ، فأرسل الله تعالى الملائكة. فقاموا حول الحرم من مكان الأعلام اليوم ، فمنعهم ، فمن ثم ابتدئ باسم الحرم (٤).

__________________

(١) القرى (ص : ٦٥١).

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٧٥ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤١ ، القرى (ص : ٦٥٣).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٥ ، ومثير الغرام (ص : ١٤٤).

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٧٤ ، الطبرانى فى الكبير ١١ / ٥٥ ، العقيلى فى الضعفاء ٢ / ٢٦٦ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢٢.


وأول من نصب أنصاب الحرم : إبراهيم بتعليم جبريل عليهما‌السلام ، ثم جددها قصىّ بن كلاب ، ثم أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح تميم بن أسد فجددها ، ثم جددها عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ثم جددها عثمان رضى الله عنه ، ثم الخلفاء الراشدون إلى يومنا هذا ، وهى الآن بينة (١) ، والحمد لله.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٢٩ ، جمع الجوامع للسيوطى ٢٠ / ٤٦١ ، البيهقى فى السنن ١ / ٦٣ ، الدر المنثور ١ / ٢٢٨. وأنصاب الحرم : هى الأعلام على حدوده ، وتراجع فى : أخبار مكة الأزرقى ٢ / ١٣١ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ٨٩.


الفصل السابع والعشرون

فى ذكر استحباب تعجيل الحج وذم التأخير

اعلم وفقك الله تعالى وإيانا أن من وجب عليه الحج وتمكن من فعله إما بنفسه أو بنائبه فالأولى له أن يبادر إليه ؛ قال الله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(١) وقال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)(٢). وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له» (٣).

ثم إن أخره وفعل قبل أن يموت فقد استدرك ما فاته ، وإن مات قبل ذلك ؛ فعليه أن يوصى من تركته من يحج عنه ومع هذا أمره شديد وأثمه أكيد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر ومات فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» (٤).

وهذا إشارة منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تشبيهه باليهود والنصارى فى تهاونه بهذه الطاعة وعدم اهتمامه بها حتى مات ولم يأت بها ؛ لأن الإجماع متفق على أن هذا ليس على ظاهره ، وإن من مات من المسلمين ولم يحج وكان قادرا عليه لا يكون تركه الحج مخرجا له عن الإسلام فهو محمول على المستحلّ لذلك فيكفر به حينئذ أو أنّ فعله أشبه فعل اليهود والنصارى كما تقدم ، وقد استدل بظاهره من ذهب أن الحج يجب على الفور.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٤٨.

(٢) سورة آل عمران : آية ١٣٣.

(٣) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٣١٤ ، والمعنى : «ما يعرض له من مرض أو حاجة» كما فى رواية الديلمى.

(٤) أخرجه : الدارمى (١٧٨٥) ، والبيهقى فى السنن ٤ / ٣٣٤ ، والشعب (٣٩٧٩) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٠١ ، والديلمى فى الفردوس (٦٣٦٦) ، وأبو نعيم فى الحلية ٩ / ٢٥١ ، وابن أبى شيبة ١ / ٢٦٩ ، وابن عدى فى الكامل ٧ / ٢٥٠٢ ، وفيه : ليث : وهو ضعيف. وشريك : سيئ الحفظ ، ووثقه بعضهم.


وعن إبراهيم النخعى ومجاهد وطاووس أنهم قالوا : أن رجلا إذا وجب عليه الحج ومات قبل أن يحج ما صلينا عليه.

وكان لبعضهم جار موسر فمات قبل أن يحج فلم يصلّ عليه.

ويروى عن ابن عباس فى تفسير قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)(١).

قال : هو مؤمن مات ولم يحج فيسأل الرجعة إلى الدنيا ؛ وما ذاك إلا لما يجده من الحسرة والندامة ويحل به من التوبيخ والملامة.

وسئل سعيد بن جبير عن رجل مات وهو موسر ولم يحج ، فقال : هو فى النار ، ثلاث مرات (٢).

وسئل عبد الله بن مغفل عن ذلك قال : مات عاصيا (٣).

واعلم يا أخا الصفا بالوفا قواك الله على طاعته وإيانا أن الله تعالى نصب بفضله وكرمه مائدة الغفران على بساط الرحمة بالجود والكرم ، وبسط سماط الأنعام على الخاص والعام بالنعم ، ودعى إليها جميع الجن والأنس وسائر الأمم ، وأمر خليله بالنداء لكافة الذريات فى صلب بنى آدم إلى الوقوف عليها من العرب والعجم ، وسمّى فاعل ذلك زائرا وافدا إليه إلى انقراض مدة العالم ، ووعد عند الموافاة بأن يفرغ سجال الأنعام عليه مع كونه تعالى متصفا باستحقاق الطاعات له من عباده ومع كونهم مضطرين إلى نيل ما تفضل به هنالك ، فهل يحمل بك ـ رحمك الله ـ الغفلة عن مثل هذه الطاعة ، وماذا يعوضك عنها إذا قابلتها بالإضاعة؟ فإن لم تذعن نفس ذاكر إلى الانقياد فليعلم عند ذلك أنه من المحرومين ، وليترقب ما يلوح من خلال قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٤). وفقنا الله تعالى وإياكم بالانقياد والطاعة ، وجنبنا عن الارتداد

__________________

(١) سورة المؤمنون : آية ٩٩.

(٢) أخرجه : ابن أبى شيبة ٣ / ٢٦٩ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٦٤).

(٣) قال العلماء : يحمل هذا على من استحل الترك ، أو اعتقد عدم وجوبه (تلخيص الحبير ٢ / ٢٢٣).

(٤) سورة آل عمران : آية ٩٧.


والضلالة.

ثم اعلم أن المسارعة فيه والإتيان به على الفور مستحب بالإجماع. وأما الوجوب فقد اختلفوا فيه ؛ روى أبو يوسف عن أبى حنيفة ـ رضى الله عنهما ـ أنه واجب على الفور ، وهو الأصح عنه ، وبه أخذ مالك وأحمد رحمهما الله (١).

وقال محمد والشافعى ـ رضى الله عنهما ـ هو واجب على سبيل التراخى ؛ ودليل كل فريق مذكور فى كتبهم المبسوطة.

والمراد من الفور : أنه يلزم المأمور فعل المأمور به فى أول أوقات الإمكان ، مستعارا للسرعة ، من فارت القدر إذا غلت.

ثم على قول من يوجب الحج على التراخى فلم يحج حتى مات فهل يأثم بذلك؟ ففيه ثلاثة أوجه :

أحدها : لا يأثم بذلك ؛ لأنا جوزنا التأخير له ولم يرتكب محظورا بعد ذلك.

والثانى : يأثم بذلك ؛ لأن التأخير إنما جوزناه له بشرط السلامة والأداء ، وهو الأصح.

والثالث : أنه إن خاف الفقر والكبر والضعف فلم يحج حتى مات يأثم ، وإن أدركته المنية فجأة قبل خوف الفوات لم يأثم ؛ لأن الحكم لغالب الظن (٢).

ثم على الوجه الذى يأثم : من أى وقت يأثم؟ قال بعضهم : بتأخير عن السّنة الأولى ، وقال بعضهم : بتأخير عن السنة الأخيرة ، وقال بعضهم : يأثم من حين تبين ورأى فى نفسه الضعف والعجز والكبر ، وقال بعضهم : يأثم فى الجملة لا فى وقت معين بل علمه إلى الله تعالى (٣) ، وهو أعلم.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٢٤٨ ، القرى (ص : ٦٢).

(٢) هداية السالك ١ / ٢٥٢.

(٣) هداية السالك ١ / ٢٥٢.


الفصل الثامن والعشرون

فى ذكر فضيلة الصلاة فى المسجد الحرام

وأول مسجد وضع على وجه الأرض

عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر رضى الله عنه قال : «سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، أى المسجد وضع أوّلا؟ قال : «المسجد الحرام». قلت : ثم أى؟ قال : «المسجد الأقصى». قلت : كم كان بينهما؟ قال : «أربعون سنة» ، ثم حيث عرضت لك الصلاة فصلّ فهو مسجد» (١).

وعن عطاء بن أبى رباح قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح فقال : إنى نذرت أن أصلى فى بيت المقدس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ها هنا أفضل» فردد ذلك عليه ثلاثا. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذى نفسى بيده ؛ لصلاة فيها أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من البلدان» (٢).

وعن أبى مليكة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من خمس وعشرين ألف صلاة فيما سواه من المساجد» (٣).

قال أبو رجاء : سأل حفص الحسن ـ وأنا أسمع ـ عن قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)(٤). قال : هو أول مسجد عبد الله فيه فى الأرض ، (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) قال : فعدهن وأنا أنظر إلى أصابعه. (مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٥).

__________________

(١) عزاه المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٥٦) للبخارى ومسلم.

(٢) أخرجه : الطبرانى فى الكبير (٩٠٧) ، والحاكم فى المستدرك ٣ / ٥٠٤ ، وصححه. ووافقه الذهبى ، وأخرجه الذهبى فى سير أعلام النبلاء ٢ / ٤٧٩.

(٣) أخرجه : الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٨٠ ، ولم يعزه.

(٤) سورة آل عمران : آية ٩٦.

(٥) سورة آل عمران : آية ٩٧.


وعن عمرو بن دينار ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد : إلى مسجد إبراهيم عليه‌السلام ، ومسجد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسجد إيلياء» (١).

وعن إسماعيل بن منبّه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة إلا فى المسجد الحرام ، وفضل المسجد الحرام فضل مائة» (٢).

وعن عطاء بن أبى رباح ، قال : سمعت ابن الزّبير ، يقول : قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل المسجد الحرام على مسجدى هذا مائة صلاة».

قال خلاد : فلقيت عمرو بن شعيب ، فقلت : إن عطاء بن أبى رباح أخبرنى أن ابن الزّبير ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فضل المسجد الحرام على مسجدى مائة صلاة». فقال عمرو بن شعيب : وهم عطاء ، وإنما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل المسجد الحرام على مسجدى كفضل مسجدى على سائر المساجد» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ؛ فإن صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة إذا صلاها وحده ، وإن صلاها فى جماعة ؛ فإن صلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة ، وصلاة الرجل فى المسجد الحرام كله إذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة ، وإذا صلاها فى جماعة فصلاته بألفى ألف صلاة وخمس مائة ألف صلاة ؛ فذلك خمسة وعشرون مرة مائة ألف صلاة» (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من صلى فى المسجد الحرام بالجماعة صلاة واحدة كتب

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٥٥) ، وعزاه للبخارى ومسلم.

(٢) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٤) ، ابن عدى فى الكامل ٢ / ٨١٧ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٧٩ ، كلهم من طريق حماد بن زيد ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، وقال : رجاله رجال الصحيح. والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ٥٦٣ ، وعزاه للطيالسى ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن زنجويه ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والطبرانى.

(٣) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٧ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، وذكره الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٧٩ ، وعزاه لابن عساكر فى الإتحاف ، ذكره الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩١.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ٣ / ٣٩٧ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٣.


الله له ألف ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة» (١).

وفى رواية : «صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة» (٢).

قال أبو بكر النقاش المفسر المقرئ (٣) : فحسبت على هذه الرواية ، فبلغت صلاة واحدة فى المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة.

وصلاة يوم وليلة فى المسجد الحرام ـ وهى خمس صلوات ـ عمر مائتى سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة الرجل فى بيته بصلاة ، وصلاته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته فى المسجد الذى يجمع فيه بخمسمائة صلاة ، وصلاته فى المسجد الأقصى بخمسة آلاف صلاة ، وصلاته فى مسجدى بخمسين ألف صلاة ، وصلاته فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» (٥).

ذكر ما جاء فى المراد بالمسجد الحرام حيث أطلق

قال [الطبرى] فى كتاب «القرى فى فضائل أم القرى» : روى عن ابن عباس قال : الحرم كله هو المسجد الحرام ـ أخرجه سعيد بن منصور وأبو ذر ، وهو قول بعض أهل العلم ، ويتأيد بقوله تعالى : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٦). وقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٧) وكان ذلك فى بيت

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٣. وفى إسناده متروك.

(٢) أخرجه : الحميدى ٢ / ٤٢٠ ، عن سفيان ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٦.

(٣) هو : العلامة المفسر ، شيخ القراء أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلى النقاش صاحب «شفاء الصدور» فى التفسير ، و «الإشارة فى غريب القرآن». توفى سنة «٣٠١ ه‍». (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٣ ، والمنتظم ١٤ / ١٤٨).

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ٢٥٤).

(٥) أورده المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٥٦).

(٦) سورة الحج : آية ٢٥.

(٧) سورة الإسراء : آية ١.


أم هانئ.

وقال بعضهم : المسجد الحرام مسجد الجماعة الذى يصلى فيه الصلوات الخمس بالجماعة والجمع والأعياد خاصة ، ويتأيد بما تقدم من قوله عليه‌السلام : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (١).

والإشارة بمسجده إلى مسجد الجماعة ، فينبغى أن يكون المستثنى أيضا كذلك.

وقال بعضهم : المسجد الحرام هو الكعبة خاصة ، واختاره بعض المتأخرين من أصحابنا ، واستدل بقوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٢).

وقال هذا القائل : لو نذر الاعتكاف فى المسجد الحرام لزمه فى البيت أو فيما فى الحجر منه ، والله أعلم.

ويتأيد هذا القول بحديث ميمونة رضى الله عنها : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الكعبة» (٣).

وبحديث أبى هريرة رضى الله عنه : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا الكعبة». أخرجه النسائى (٤).

والظاهر أن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به كل واحد منهما كما ذكرناه.

وقوله : مسجد الأقصى ومسجد الحرام من إضافة الشىء إلى صفته كمسجد الجامع ، وأما مسجد الكعبة فعلى قول من يقول المسجد الحرام هو الكعبة يكون من إضافة الشىء إلى نفسه (٥) .. انتهى كلامه.

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٧٦ ، أحمد فى المسند ٢ / ٢٩ ، ١٥٥ ، ابن ماجه (١٤٠٥) ، أبو يعلى (٥٧٦٠) ، أخبار أصفهان ١ / ٣٥٣.

(٢) سورة البقرة : آية ١٤٤.

(٣) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٧٧ ، النسائى فى الكبرى مختصرا (٧٧٠).

(٤) المراجع السابقة.

(٥) القرى (ص : ٦٥٧ ، ٦٥٨).


الفصل التاسع والعشرون

فى ذكر فضائل الطواف وركعتيه بعده

قال الله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(١).

وعن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف بهذا البيت أسبوعا وأحصاه كان كعتق رقبة» (٢).

قال : وسمعته يقول : «لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة ، وكتب له بها حسنة». رواه الترمذى (٣).

وفى رواية ابن عمر قال : سمعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف أسبوعا يحصيه وصلى ركعتين كان كعدل رقبة» (٤).

قال : وسمعته يقول : «ما رفع رجل قدما ولا وضعها إلا كتب الله له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات» (٥).

وروى أن أبا سعيد كان يطوف بالبيت وهو متكىء على غلام يقال له : طهمان وهو يقول : والله لأن أطوف بهذا البيت أسبوعا ، لا أقول فيه هجرا ، وأصلى ركعتين بعده ؛ أحب إلىّ من أن أعتق طهمان وضرب بيده على منكبه (٦).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت سبعا ،

__________________

(١) سورة الحج : آية ٢٩.

(٢) أخرجه : السيوطى فى جمع الجوامع ١ / ٧٩٨ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٢٧٥. وفيه سليمان بن أبى داود ، ضعفه أبو حاتم ، وقال البخارى فى التاريخ الكبير ٤ / ١١ : منكر الحديث.

(٣) أخرجه : الترمذى ٢ / ٢٩٢.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ٢ / ١١.

(٥) أخرجه : أحمد فى المسند ٢ / ١١.

(٦) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣ ، وابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٠.


وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم ، غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت» (١). أخرجه أبو سعيد الخدرى والواحدى فى تفسيره.

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرج المرء من بيته يريد الطواف بالبيت ؛ أقبل يخوض فى الرحمة ، فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحط عنه خمسمائة سيئة ، ورفع له خمسمائة درجة ، فإذا فرغ من الطواف وصلى ركعتين خلف المقام ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك على الركن ، وقال له : استأنف العلم فيما تستقبل فقد كفيت ما مضى ، ويشفع له فى سبعين من أهل بيته».

وعن سعيد بن سالم بإسناده مثله ، أخرجه الفاكهى والأزرقى (٢).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ أنه سمع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا بقوله : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ؛ محيت عنه عشر سيئات ، وكتب له عشر حسنات ، ورفعت له عشر درجات» (٣).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : الطواف بالبيت صلاة فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير. أخرجه الترمذى (٤).

وعنه أنه قال : إذا طفت بالبيت فأقلل الكلام ؛ فإنك فى صلاة (٥).

وقيل : الكلام بخير هو أن يسلم الرجل على أخيه أو يرد عليه‌السلام أو يسأله عن حاله وأولاده ، أو يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ، وأشباه ذلك من تعليم جاهل أو إجابة مسألة ، وهو مع ذلك مقبل على الله تعالى فى طوافه خاشع بقلبه

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٦) ، والنسائى ٥ / ٢٢١ ، وفيه : «من طاف سبعا» دون قوله «بالبيت».

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٨٤).

(٣) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٧) بإسناد ضعيف.

(٤) أخرجه : الترمذى (٩٦٠) ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٨٥ ، الدارمى ٢ / ٤٤ ، الحاكم فى المستدرك (١٦٨٧) ، ابن حبان (٣٨٣٦) ، الديلمى فى الفردوس (٣٧٨٦) ، ابن خزيمة (٢٧٣٩).

(٥) القرى (ص : ٢٧٠).


متواضع لربه ، فمن كان بهذا الوصف ؛ رجوت أن يكون ممن قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يباهى ملائكته فى طوافه» (١).

وعن الحسن البصرى رضى الله عنه قال : الطواف بالبيت خوض فى رحمة الله تعالى (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». رواه الترمذى (٣).

والمراد بخمسين مرة : يعنى خمسين أسبوعا ، ويدل على ذلك رواية عبد الرزاق والفاكهى وغيرهما : «من طاف بالبيت خمسين أسبوعا كان كمن ولدته أمه» (٤).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «استكثروا من الطواف ؛ فإنه أقل شىء تجدونه وأغبط عمل تجدونه فى صحيفتكم» (٥).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استكثروا من الطواف بالبيت قبل أن يحال بينكم وبينه ؛ كأنى أنظر إلى رجل من الحبشة أصيلع أفيدع جالس عليها يهدمها حجرا حجرا» (٦)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أكرم سكان أهل السماء على الله : الذى يطوفون حول عرشه ، وفى أرضه : الذين يطوفون حول بيته» (٧).

__________________

(١) نص الحديث : «إن الله عز وجل يباهى بالطائفين» والحديث أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤٠٩٧) ، وأبو يعلى (٤٥٨٩) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٤ ، وابن عدى فى الكامل ٥ / ٢٩٩٢ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٢٩٢ ، والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ١٨٢ ، وعزاه لأبى نعيم فى الحلية ، والبيهقى فى شعب الإيمان.

(٢) هداية السالك ١ / ٥٢.

(٣) أخرجه : الترمذى (٨٦٦).

(٤) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٥ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٥٠٠ ، وابن الجوزى فى العلل (٩٤٢) وقال : حديث غريب ، وابن أبى شيبة موقوفا ٢ / ٣ ، وفى إسناده شريك القاضى صدوق يخطئ كثيرا ، ووثقه العجلى.

(٥) أورده ابن الجوزى فى مثير الغرام الساكن (ص : ٢٨٦) ولم يعزه.

(٦) أخرجه : البخارى (١٥٩١) ، مسلم (٢٩٠٩) ، ابن حبان (٦٧٥١) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٠ ، الحميدى (١١٤٦) ، ابن أبى شيبة ١٥ / ٤٧.

(٧) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٥.


وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أنه كان يطوف سبعة أسابيع بالليل وخمسة بالنهار ، وقال : إن آدم عليه‌السلام كان يطوف كذلك (١).

وقال الشيخ محب الدين الطبرى : إن بعض أهل العلم ذكر تعداد الطواف سبع مرات :

الأولى : خمسون أسبوعا فى اليوم والليلة.

والثانية : أحد وعشرون ، وقد قيل : سبع أسابيع تعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة.

والثالثة : أربعة عشر ؛ فقد ورد عمرتان بحجة ، وهذا فى غير رمضان ؛ لأن العمرة فيه بحجة.

والرابعة : اثنا عشر أسبوعا خمسة بالنهار وسبعة بالليل كما تقدم ، وكان طواف آدم عليه‌السلام سبعة أسابيع بالليل وخمسة اسابيع بالنهار ترغيبا.

والخامسة : سبعة أسابيع.

والسادسة : ثلاثة أسابيع.

والسابعة : أسبوع واحد (٢) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤ ، وفى سنده : «إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى» ضعيف جدّا.

(٢) القرى (ص : ٣٢١ ـ ٣٢٩) ، هداية السالك ١ / ٥٦.


الفصل الثلاثون

فى ذكر الجلوس مستقبل الكعبة والنظر إليها

عن الحسن البصرى رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جلس مستقبل الكعبة ساعة واحدة محتسبا لله ولرسوله وتعظيما للبيت ، كان له كأجر الحاج والمعتمر والمرابط القائم ، وأول ما ينظر الله تعالى ينظر إلى أهل الحرام ، فمن رآه مصلّيا غفر له ، ومن رآه قائما غفر له ، ومن رآه ساجدا غفر له ، ومن رآه مستقبل القبلة غفر له» (١).

وعن يونس بن خباب قال : النظر إلى الكعبة عبادة فيما سواه من الأرض ؛ عبادة الصائم القائم الدائم القانت (٢).

وعن حماد بن سلمة : الناظر إلى الكعبة كالمجتهد فى العبادة فى غيرها من البلاد.

وعن مجاهد رضى الله عنه قال : النظر إلى الكعبة عبادة ، والدخول فيها دخول فى حسنة ، والخروج منها خروج من سيئة (٣).

وعن عطاء قال : سمعت ابن عباس يقول : النظر إلى الكعبة محض الإيمان (٤).

وعن ابن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه (٥).

وعن أبى السائب المدنى قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا ؛ تحاطت عنه الذنوب كما ينحاط الورق من الشجر (٦).

__________________

(١) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٤ ، وعزاه للحسن البصرى فى رسالته.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٨ ، ٩.

(٣) القرى (ص : ٣٤١).

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، والدر المنثور للسيوطى ١ / ٢٥٠ ، وعزاه إلى الجندى.

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، والدر المنثور للسيوطى ١ / ٢٥٠ ، وعزاه إلى الجندى.

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، والدر المنثور للسيوطى ١ / ٢٥٠ ، وعزاه إلى الجندى.


وأخبرنى زهير بن محمد قال : الجالس فى المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلى أفضل من المصلى فى بيته لم ينظر إلى البيت.

وعن عطاء قال : النظر إلى البيت عبادة ، والناظر إلى البيت بمنزلة الصائم القائم الدائم المخبت المجاهد فى سبيل الله (١).

وعن حسان بن عطية قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى خلق لهذا البيت عشرين ومائة رحمة ينزلها كل يوم : ستون منها للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين» (٢).

قال حسان : فنظرنا فإذا هى كلها لطائف ، هو يطوف ويصلى وينظر.

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩.

(٢) أخرجه : ابن عدى فى الكامل ٧ / ٢٦٢٠ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٨ ، والخطيب فى تاريخ بغداد ١ / ٤٨٧ ، ابن أبى حاتم فى العلل ١ / ٢٨٧ ، أبو نعيم فى تاريخ أصبهان ١ / ١١٦ ، ابن حبان فى المجروحين ١ / ٣٢١ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٤٠) ، وفيه : يوسف بن السفر ، كاتب الأوزاعى ، قال عنه البخارى ومسلم : منكر الحديث ، وقال النسائى وأبو زرعة والدارقطنى : متروك. وقال البيهقى : هو فى عداد من يضع الحديث.


الفصل الحادى والثلاثون

فى ذكر فضيلة الطواف عند المطر

وعند طلوع الشمس وعند غروبها وعند شدة الحر

عن داود بن عجلان أنه طاف مع أبى عقال فى مطر ونحن رجال ، قال : فلما فرغنا من طوافنا أتينا نحو المقام ، فوقف أبو عقال دون المقام ، وقال : ألا أحدثكم بحديث تسّرون به؟ ـ أو تعجبون به؟ ـ فقلنا : بلى ، قال : طفت مع أنس بن مالك وغيره فى مطر ، فصلينا خلف المقام ركعتين ، فأقبل علينا أنس بوجهه ، فقال لنا : استأنفوا العمل فقد غفر لكم ما مضى ؛ هكذا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين طفنا معه فى مطر (١).

وفى رواية ابن ماجه ، عن أبى عقال ، قال : طفت مع أنس فى مطر ، فلما قضينا الطواف فصلينا ركعتين ، فقال لنا أنس : استئنفوا العمل ؛ فقد غفر لكم ؛ هكذا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين طفنا معه فى مطر (٢).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالكعبة فى يوم مطير ، كتب الله له بكل قطرة تصيبه حسنة ، ومحى عنه بالأخرى سيئة» (٣).

وروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من طاف حول الكعبة أسبوعا فى يوم صائف شديد الحر ، واستلم الحجر فى كل طواف من غير أن يؤذى أحدا ، وقلّ كلامه إلا بذكر الله تعالى ؛ كان له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعون ألف حسنة ، ومحى عنه بكل قدم يرفعها ويضعها سبعون ألف حسنة ، ورفع له سبعون ألف درجة» (٤).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه ٢ / ١٠٤١ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢١ ، من طريق ابن أبى عمر ، وفيه : أبو عقال ، هو : هلال بن زيد ، وهو متروك. وذكره المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣٠) وعزاه لأبى ذر الهروى. ثم قال : قال ابن الجوزى : هذا حديث لا يصح.

(٢) نفس المصادر السابقة.

(٣) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٢٥٠. والحديث إسناده ضعيف جدّا.

(٤) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣١) وعزاه لأبى سعيد الجندى فى منسكه وابن الحاج ـ ـ فى منسكه. وابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٧.


وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف حول البيت الحرام سبعا فى يوم صائف شديد الحر ، وحسر عن رأسه ، وقارب بين خطاه ، وقل خطأه ، وقل التفاته ، وغض بصره ، وقل كلامه إلا بذكر الله تعالى ، واستلم الحجر فى كل طواف من غير أن يؤذى أحدا ؛ كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعين ألف حسنة ، ومحى عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وأعطاه الله تعالى شفاعة سبعين من أهل بيته من المسلمين إن شاء فى القيامة ، وإن شاء عجلت له فى الدنيا ، وإن شاء أخرت له فى الآخرة» (١).

وعن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طوافان لا يوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتغفر له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت : طواف بعد صلاة الفجر يكون فراغه مع طلوع الشمس ، وطواف بعد صلاة العصر يكون فراغه مع غروب الشمس» (٢).

باب فى المشى فى الطواف

عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن مشى الإنسان فى الطواف فقال : أحب له أن يمشى فيه مشيه فى غيره (٣).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : أسعد الناس بهذا الطواف قريش وأهل مكة ؛ وذلك أنهم ألين الناس فيه مناكب ، وإنهم يمشون فيه بالتؤدة (٤).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣١) وعزاه للحسن البصرى فى رسالته ، ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٨.

(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٢٥٣ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٢ ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣٠) ، والمناوى فى الجامع الأزهر ، وعزاه للطبرانى فى الكبير. وفى إسناده عبد الرحيم بن زيد العمى ، حوله كلام لا يضر.

(٣) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٠٤). وعزاه لسعيد بن منصور.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٥ ، القرى (ص : ٣٠٤).


الفصل الثانى والثلاثون

فى ذكر فضائل الركن والمقام

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الركن والمقام من الجنة (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : ليس فى الأرض من الجنة شىء إلا الركن الأسود والمقام ؛ فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ، ولو لا مسهما أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله عز وجل (٢).

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : نزل الركن وإنه أشد بياضا من الفضة (٣).

وعن وهب بن منبّه ، أن عبد الله بن عباس أخبره ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة رضى الله عنها وهى تطوف معه بالكعبة حين استلم الركن الأسود : «لو لا ما طبع على هذا الحجر يا عائشة من أرجاس الجاهلية وأنجاسها ؛ إذا لاشتفى به من استلمه من كل عاهة ، وإذا لألقى اليوم كهيئته يوم أنزل الله عز وجل ، وليعيدنه إلى ما خلقه أول مرة ؛ فإنه لياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة ؛ ولكن الله غيره بمعصية العاصين ، وستر زينته عن الظلمة والأثمة ؛ لأنه لا ينبغى لهم أن ينظروا إلى شىء كان بدءه من الجنة» (٤).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله عز وجل يبعث

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٧٥ ، والشعب (٤٠٣٠) ، وابن حبان (٣٧١٠) ، وعبد الرزاق فى مصنفه (٨٩٢١) ، وابن خزيمة (٢٧٣١).

(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٣. وإسناده ضعيف جدّا.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٢ ، من طريق سفيان بن عيينة ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٩.

(٤) أخرجه : الطبرانى فى المعجم الكبير ١ / ٥٥ ، ٥٦ ، العقيلى فى الضعفاء ٢ / ٢٦٦ ، كلاهما من طريق الحسن بن على الحلوانى ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨١ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٢ ، من طريق سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج.


الركن الأسود له عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق» (١).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : الركن يمين الله فى الأرض يصافح به عباده كما يصافح أحدكم أخاه (٢).

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ إلى مكة ، فلما دخلنا الطواف قام عند الحجر الأسود وقال : والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أنى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسحك ويقبلك ما قبلتك ولا مسحتك ، ثم قبله ومضى فى الطواف ، فقال له علىّ رضى الله عنه : يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع ، قال : وبم ذلك؟ قال : بكتاب الله عزّ وجلّ ، قال : وأين ذلك من كتاب الله؟ قال : قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا)(٣) قال : فلما خلق الله تعالى آدم مسح ظهره فأخرج ذريته من صلبه ، فقررهم أنه الرب وهم العبيد ، ثم كتب ميثاقهم فى رق ، وكان هذا الحجر له عينان ولسان ، فقال له : افتح فاك ، فألقمه ذلك الرق ، وجعله فى هذا الموضع وقال له : تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة. قال : فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش فى قوم لست أنت فيهم يا أبا الحسن (٤).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : ليبعثن الله عزّ وجلّ هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق (٥).

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٦٢ ، ٢٩١ ، الدارمى ٢ / ٤٢ ، وابن ماجه ٢ / ٩٨٢ ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٧ ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٨).

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٩١٩) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٤ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٩ ، والمعنى : أن من صافحه فى الأرض كان له عند الله عهد. وقال فى النهاية : هذا كلام تخييل وتمثيل ، وأصله : أن الملك إذا صافح رجلا بيده قبل الرجل يده ، فكان الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك حين يستلم ويلثم.

(٣) سورة الأعراف : آية ١٧٢.

(٤) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١٦٨٢ ، وقال الذهبى : أبو هارون ساقط. البيهقى فى الشعب ٤٠٤٠ ، والأزرقى ١ / ٣٢٤ ، وضعفه السيوطى فى الجامع الكبير (٥٤).

(٥) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٤٧ ، الترمذى (٩٦١) ، الدارمى (١٨٣٩) ، البيهقى فى السنن ـ ـ ٥ / ٧٥ ، أبو يعلى (٢٧١١) ، الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٣.

واستلامه بحق : هو طاعة الله واتباع سنة نبيه.


وعن عكرمة قال : إن الحجر الأسود يمين الله فى الأرض ، من لم يدرك بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسح الركن فقد بايع الله ورسوله (١).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أنزل الركن والمقام مع آدم عليه‌السلام ليلة نزل بين الركن والمقام ، فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما إليه وأنس بهما (٢).

وعن ابن جريج عن أبيه ، أنه قال : كان سلمان الفارسى قاعدا بين الركن وزمزم والناس يزدحمون على الركن ، فقال لجلسائه : هل تدرون ما هو؟ قالوا : هذا الحجر؟ قال : أرى كذلك ، ولكنه من حجارة الجنة ، أما والذى نفس سلمان الفارسى بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بالحق (٣).

وعن مجاهد أنه يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالوفاء (٤).

وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : أشهد بالله أن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولو لا أن الله تعالى أطفأ نورهما لأضاء نورهما ما بين السماء والأرض (٥).

وعن مجاهد قال : الركن من الجنة ، ولو لم يكن من الجنة لفنى (٦).

وعن ابن عمر أنه قال : استقبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه وبكى

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٨ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٥ ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٢٨٠) وعزاه إلى أبى طاهر المخلص فى فوائده.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢٤.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٠ ، عن ابن جريج ، الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٩٣ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٢.

(٤) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٩٣ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٢ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٦.

(٥) أخرجه : ابن خزيمة ٤ / ٢١٩ ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٧٥.

(٦) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٦.


طويلا ، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكى ، فقال : «يا عمر هاهنا تسكب العبرات». رواه ابن ماجه (١).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله له» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، فسودته خطايا بنى آدم» (٣).

قال القاضى عز الدين فى مناسكه : وقد رأيته فى أول حجتى سنة ثمان وسبع مائة وبه نقطة بيضاء ظاهرة لكل أحد ، ثم رأيت البياض بعد ذلك نقص نقصا بيّنا (٤).

وقال الإمام الربيع فى مناسكه : ولقد أدركت فى الحجر الأسود ثلاث مواضع بيض ظاهرة فى ناحية الباب ، أكبرها قدر حبة الذرة الكبيرة ، والأخرى إلى جنبها وهى أصغر منها ، والثالثة إلى جنبها قدر حبة الدخن ، والآن فيه نقطة فى ناحية الباب أقل من حبة السمسم (٥).

وقال أبو بكر محمد بن الحسن النقاش المقرى فى مناسكه : إن الحجر الأسود يتخايل فى أوقات كثيرة كأنه وجه مدور فيه عينان وشفتان ولسان ، وفيه رق الميثاق الذى أخذ على بنى آدم ، وربما ظهرت فيه حصاة مثل الحمصة فى الجانب الأيمن من الكسر أسود وأحمر ، وربما تغيب وربما تبقى أياما.

وعن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو مسند ظهره إلى الكعبة : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولو لا أن الله تعالى طمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب». رواه أحمد والترمذى (٦).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٤٥) ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٤ ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى.

(٢) أخرجه : الترمذى (الحج : فضل الحجر الأسود والركن والمقام) ٣ / ٢٢٦ ، النسائى ٥ / ٢٢٦.

(٣) أخرجه : الترمذى (٨٧٧) ، أحمد فى المسند ١ / ٣٠٧ ، ٣٢٩ ، البيهقى فى الشعب (٤٠٣٤).

(٤) هداية السالك ١ / ٥٩.

(٥) هداية السالك ١ / ٥٩.

(٦) أخرجه : الترمذى ٣ / ٢٢٦ ، أحمد فى المسند ٢ / ٢١٣ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢٢ ، من ـ ـ طريق ابن جريج عن ابن عباس ، ورجح الترمذى وقف الحديث على عبد الله بن عمرو. لكن يقويه حديث ابن عباس.


وفى رواية : «ولو لا مسهما من خطايا بنى آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ، وما مسهما ذو عاهة ولا سقم إلا شفى» (١).

وعن مجاهد أنه قال : يأتى الحجر والمقام يوم القيامة مثل أبى قبيس كل واحد منهما له عينان وشفتان ، يناديان بأعلا صوتهما يشهدان لمن وافاهما بالوفاء (٢).

وفى رسالة الحسن البصرى ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن عند الركن الأسود بابا من أبواب الجنة ، وأنه ما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله تعالى له ، وكذلك عند الميزاب (٣).

وعن عباد بن بشر ، قال : رأيت ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ جاء يوم التروية وعليه حلة مرحل ، فقبل الركن الأسود وسجد عليه ، ثم قبله وسجد عليه ، ثم قبله وسجد عليه. ثلاثا (٤).

وعن أبى سفيان الجمحى قال : رأيت طاووسا أتى الركن فقبله ثلاثا ثم سجد عليه (٥).

وروى ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الحجر وسجد عليه ثم قبله وسجد عليه ، ثم قبله وسجد عليه (٦).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٣ ، بإسناد ضعيف ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٩.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٩٣ ، أخبار مكة ١ / ٣٢٦.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٨.

(٤) أخرجه : الشافعى فى الأم ٢ / ١٧١ ، من طريق سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٧ عن ابن جريج ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٩ من طريق ابن عيينة.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١١٦ ، الأم للشافعى ٢ / ١١٧.

(٦) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٥ ، من طريق محمد بن معاذ ، عن أبى عاصم ؛ وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى. ورواه الطيالسى فى منحة المعبود ١ / ٢١٥ ، وابن خزيمة ٤ / ٢١٣.


الفصل الثالث والثلاثون

فى ذكر رفع الحجر الأسود

عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكثروا استلام هذا الحجر ؛ فانكم توشكون أن تفقدوه. بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه ، إن الله عزّ وجلّ لا يترك شيئا من الجنة فى الأرض إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة» (١).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ قال : إن الله تعالى يرفع القرآن من صدور الرجال والحجر الأسود قبل يوم القيامة (٢).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٢٨٠) وعزاه للأزرقى فى أخبار مكة.

(٢) رفع القرآن فى آخر الزمان ثابت عن نبينا الأمين صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


الفصل الرابع والثلاثون

فى ذكر فضائل استلام الركن الأسود والركن اليمانى

استلام الحجر تناوله باليد أو بالقبلة أو مسحه بالكف ؛ من السلمة بفتح السين استلم أى مس السلام وهو الحجر ، وكسر اللام وهى الحجارة.

عن عطاء بن السائب ، أن عبيد بن عمير قال لابن عمير أنى أراك تزاحم على هذين الركنين. فقال : إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن استلامهما يحط الخطايا حطّا» (١).

وعن عبد العزيز بن أبى رواد ، عن أبيه ، قال : سمعت غير واحد من أهل المدينة يذكرون أن رجلا سأل ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ فقال : يا أبا عبد الرحمن نراك تفعل خصالا أربعا لا يفعلها الناس : نراك لا تستلم من الأركان إلا الحجر الأسود والركن اليمانى ، ونراك لا تلبس من النعال إلا المسبتة ، ونراك تصفر شعر لحيتك ، وقد يصبغ الناس بالحناء ، ونراك لا تحرم حتى تستوى راحلتك وتتوجه ، قال عبد الله : إنى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعل ذلك كله (٢).

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان لا يدع الركن الأسود والركن اليمانى إلا أن يستلمهما فى كل طواف عليهما ، قال : وكان لا يستلم الركنين الآخرين (٣).

وقال نافع : إن ابن عمر كان لا يدعهما فى كل طواف طاف بهما حتى يستلمهما. ولقد زاحم على الركن مرة فى شدة الزحام حتى رعف أو دمى فوه ، فخرج فغسل عنه ثم رجع ، فعاد يزاحم ، فلم يصل إليه حتى رعف فى الثانية ،

__________________

(١) أخرجه : الطبرانى فى الكبير ١٢ / ٣٩٠ ، ٣٩٢ ، الترمذى ٤ / ١٨١ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٧) ، عبد الرزاق فى المصنف ٥ / ٢٩ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٣١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٣٣.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٢٨.


فخرج فغسل عنه ثم رجع ، فزاحم حتى استلمه (١).

وعن مجاهد قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستلم الركن اليمانى ويضع خده عليه (٢).

وعن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يمر بالركن اليمانى إلا يقول : وعنده ملك يقول : يا محمد استلم.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما مررت بالركن اليمانى إلا وجدت جبريل قائما عنده يستغفر لمن استلمه» (٣).

وعن عثمان قال : وبلغنى عن عطاء قال : قيل : يا رسول الله ، تكثر استلام الركن اليمانى. قال : «ما أتيت عليه قط إلا وجدت جبريل عليه‌السلام قائما عنده يستغفر ويدعو لمن استلمه» (٤).

وعن مجاهد قال : من وضع يده على الركن اليمانى ثم دعا استجيب له. قال : قلت : قم بنا يا أبا الحجاج فلنفعل ذلك ، ففعلنا ذلك (٥).

وعن مجاهد : ما من إنسان يضع يده على الركن اليمانى ويدعو إلا استجيب له. وبلغنى أن ما بين الركن اليمانى والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه وهم هنالك منذ خلق الله تعالى البيت (٦).

وعن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ـ رضى الله عنه ـ قال : قد مررنا قريبا من الركن اليمانى ونحن نطوف دونه فقلت : ما أبرد هذا المكان ، فقال : قد بلغنى أنه باب من أبواب الجنة.

وعن مجاهد أنه كان يقول : ملك موكل بالركن اليمانى منذ خلق الله تعالى

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٣١ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٣٢ ، عبد الرزاق فى مصنفه ١ / ٣٥.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٧٦ ، الحاكم فى المستدرك (١٦٧٥) ، وصححه ، ووافقه الذهبى ، والدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٩٠ ، وأبو يعلى (٢٥٩٨) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٣٨ ، وابن خزيمة (٢٧٢٧).

(٣) أخرجه : الأزرقى فى تاريخ مكة ، وعزاه لأبى ذر.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤١.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤٢.

(٦) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٧) ، الديلمى فى الفردوس (٧٣٣٢) ، ابن عدى فى الكامل ٤ / ٢٧٥.


السموات والأرض يقول : آمين آمين ، قولوا : ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (١).

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال : على الركن ملكان موكلان يؤمنان على دعاء من يمر بهما ، وإن على الحجر الأسود ما لا يحصى (٢).

وعن سفيان الثورى ، عن طارق بن عبد العزيز ، عن الشعبى ، قال : لقد رأيت عجبا ؛ كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن الزّبير ومصعب بن الزّبير وعبد الملك بن مروان وعبد الله بن عمر ، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم : ليقم رجل فليأخذ بالركن اليمانى وليسأل الله حاجته ؛ فإنه يعطى من سعته. ثم قالوا : قم يا عبد الله بن الزّبير ؛ فإنك أول مولود فى الهجرة ، فقام فأخذ بالركن اليمانى ، وقال : اللهم إنك عظيم ترجّى لكل عظيم ، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى الحجاز ، ويسلّم علىّ بالخلافة ، وجاء وجلس. ثم قالوا : قم يا مصعب بن الزبير ، فقام حتى أخذ بالركن فقال : اللهم إنك رب كل شىء وإليك مصير كل شىء ، أسألك بقدرتك على كل شىء أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى العراق ، وتزوجنى سكينة بنت الحسين رضى الله عنه ، وجاء وجلس. ثم قالوا : قم يا عبد الملك بن مروان ، فقام فأخذ بالركن ، فقال : اللهم رب السموات السبع ورب الأرضين ذوات النبات بعد القفر ، أسألك بحقك على جميع خلقك ، وبحق الطائفين حول بيتك ، أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى شرق الأرض وغربها ، ولا ينازعنى أحد إلا أتيت برأسه ، ثم جاء وجلس. ثم قالوا : قم يا عبد الله بن عمر ، فقام حتى أخذ بالركن ، وقال : اللهم إنك رحمن رحيم ، أسألك برحمتك التى سبقت غضبك ، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ، أن لا تميتنى من الدنيا حتى توجب لى

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤٠٤٦) ، وفى إسناده محمد بن الفضل بن عطيه أبو عبد الله المروزى. قال عنه البخارى : ذاهب الحديث (ترتيب علل الترمذى ٧٦ ، ٧٧) ، وقال مسلم : متروك الحديث (الكنى : ٩٥) ، وقال أبو حاتم الرازى : متروك الحديث (علل الحديث : ٢٦٦٣) ، وقال النسائى متروك الحديث (الضعفاء : ٥٦٩).

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤١ ، ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٦١.


الجنة. قال الشعبى : فما ذهبت عيناى من الدنيا حتى رأيت كل واحد منهم قد أعطى ما سأل وبشر عبد الله بن عمر بالجنة (١).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن خير البقاع وأقربها إلى الله تعالى ما بين الركن والمقام».

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : ما بين الركن والباب ملتزم ، ما يدعو به صاحب عاهة إلا برئ. رواه الطبرانى (٢).

__________________

(١) أخرجه : أبو نعيم فى الحلية ١ / ٣٠٩ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٤١ ، الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ١٩٦ ، وعزاه لابن أبى الدنيا فى كتابه «مجابى الدعوة» (ص : ١٣٠ ـ ١٣١).

(٢) أخرجه : الطبرانى فى الكبير ١ / ٤٢٤.


الفصل الخامس والثلاثون

فى ذكر ترك الاستلام فى الزحام

عن أبى يعقوب العبدى قال : سمعت رجلا من خزاعة كان أميرا على مكة منصرف الحاج عن مكة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ : «إنك رجل قوى ، وإنك تؤذى الضعيف ؛ فإذا رأيت خلوة فاستلمه ، وإلا فكبر وامض» أخرجه البغوى فى معجمه (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : إذا وجدت على الركن رجالا فلا تؤذى ولا تؤذى.

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : لا تؤذى مسلما ولا يؤذيك ، إن رأيت منه خلوة فقبله أو استلمه ، وإلا فامض (٢).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٢٨٦) وعزاه للبغوى.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٢٩.


الفصل السادس والثلاثون

فى ذكر فضائل الملتزم

عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، أنه قال : طفت مع عبد الله بن عمرو بن العاص ، فلما جئنا دبر الكعبة قلت : ألا نتعوذ؟ قال : نعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر الأسود وقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطا عليه ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعله.

رواه أبو داود وابن ماجه (١).

وعن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : الملتزم ما بين الركن والباب ـ رواه الطبرانى (٢).

وسمى الملتزم لأن الناس يلزمونه (٣).

وعن ابن عباس أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول : ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ، ولا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه.

وقال ابن الزّبير : فدعوت هنالك فاستجيب لى.

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء ، وما دعا الله تعالى عبد فيه دعوة إلا استجابها له ، فو الله ما دعوت الله تعالى فيه إلا أجابنى» (٤).

وقال عمرو : وأنا والله ما أهمنى أمر فدعوت الله تعالى فيه إلا استجاب لى

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٦٢) ، أبو داود ٢ / ١٨١ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٩٣.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٧٦ ، ابن أبى شيبة ١ / ١٧٥ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤٧ ، ٣٥٠ ، الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٤٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ولكن فى سنده راو متروك. والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٦٠.

(٣) هداية السالك ١ / ٦٧.

(٤) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١٦٤ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٦٥ ، ١٥٤.


منذ سمعت هذا الحديث من ابن عباس.

وقال سفيان : وأنا والله ما دعوت الله قط فيه بشىء إلا استجاب لى منذ سمعت هذا الحديث من عمرو بن دينار. وقال الحميدى : وأنا والله ما دعوت الله تعالى قط فيه بشىء إلا استجاب لى.

وقال أبو بكر محمد بن أدريس : وأنا والله ما دعوت الله بشىء قط إلا استجاب لى.

وقال عبد الله بن محمد : دعوت الله تعالى فيه مرارا فاستجاب لى. وقال حمزة : مثله.

وقال أبو الحسن : مثله. وقال أبو طاهر الأصفهانى : مثله. وقال أبو عبد الله : مثله. وقال محب الدين الطبرى (١) : مثله. وقال عبد العزيز بن جماعة (٢) : مثله (٣).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : من التزم الكعبة ودعا استجيب له ـ أخرجه الأزرقى (٤). فيجوز أن يكون على عمومه ويجوز أن يكون محمولا على الملتزم.

وعن سليمان بن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طاف آدم حين نزل بالبيت سبعا ، ثم صلى تجاه الكعبة ركعتين ، ثم أتى الملتزم ، فقال : اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فاقبل معذرتى ، وتعلم ما فى نفسى وما عندى فاغفر لى ذنوبى ، وتعلم حاجتى فاعطنى سؤلى ، اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى ،

__________________

(١) هو : أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر محب الدين الطبرى ، صاحب كتاب : «القرى لقاصد أم القرى» وأحد العلماء المحدثين وفقهاء الشافعية (انظر ترجمته فى خلاصة الأثر ص : ٤٥٧).

(٢) هو : الإمام : عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة ، الحموى الأصل ، الدمشقى ، ثم المصرى ، الشهير بالعز بن جماعة ، الفقيه العالم المحدث ، صاحب «هداية السالك» المعروف بمناسك ابن جماعة. (انظر ترجمته فى الدرر الكامنة ٢ / ٤٨٩ ، والبدر الطالع ١ / ٣٥٩).

(٣) هداية السالك ١ / ٦٩ ، ٧٠ ، القرى (ص : ٣١٥).

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٤٨.


ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبنى إلا ما كتبت علىّ والرضا بما قضيت لى.

فأوحى الله تعالى : يا آدم قد دعوتنى دعوات فاستجبتهن لك ، ولن يدعونى بها أحد من أولادك إلا كشفت همومه ، وكففت عنه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه ، وتجّرت له من وراء تجارة كل تاجر ، وأتته الدنيا وهى راغمة وإن كان لا يريدها» (١) وقد تقدم هذا الدعاء.

__________________

(١) سبق تخريجه.


الفصل السابع والثلاثون

فى ذكر دخول الحجر والصلاة والدعاء فيه

وقد يسمى هذا الموضع حطيما ؛ لأنه حطم من البيت أى كسر وأخرج منه ، أو لأن الناس يحطمون هنالك بالأيمان ، ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم ؛ فقل من دعا أحد هنالك على الظالم إلا هلك ، وقل من حلف أحد هنالك آثما إلا عجلت له العقوبة.

ويسمى الحظيرة أيضا ؛ لأنه حظر من دخوله فى بناء البيت أى : منع. والحظر : المنع (١).

عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلوا فى مصلى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار» فقيل : وما مصلى الأخيار؟ قال : «تحت الميزاب» فقيل : وما شراب الأبرار؟ قال : «ماء زمزم» (٢). رواه الفاكهى وغيره.

وعن ابن عمر : إن قبلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الميزاب (٣).

وفى رسالة الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ إن إسماعيل عليه‌السلام شكى إلى ربه حرّ مكة فأوحى الله تعالى : أنى أفتح لك بابا من الجنة يخرج عليك الروح منه إلى يوم القيامة (٤).

وروى أن عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ أقبل ذات يوم ، فقال لأصحابه : ألا تسألونى من أين جئت؟ قالوا : من أين جئت يا أمير المؤمنين؟ قال : كنت قائما على باب الجنة. وكان قائما تحت الميزاب يدعو الله تعالى عنده (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٣ ، هداية السالك ١ / ٦٨.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣١٨.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣١٨ ، هداية السالك ١ / ٧٣ ، ٧٨.

(٤) هداية السالك ١ / ٧٨.

(٥) هداية السالك ١ / ٧٨.


قال الشيخ محب الدين الطبرى رحمه الله : يروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من أحد يدعو تحت الميزاب إلا استجيب له» (١).

وعن بعض السلف أن من صلى تحت الميزاب ركعتين ثم دعا بشىء مائة مرة وهو ساجد استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وقال ابن الزّبير : فدعوت هنالك بدعاء استجيب لى (٢).

ويروى عن أبى هريرة وسعيد بن جبير وزين العابدين أنهم كانوا يلتزمون ما تحت الميزاب من الكعبة ويدعون.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : كنت أحب أن أدخل البيت وأصلى فيه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدى فأدخلنى فى الحجر وقال : «إذا أردت دخول البيت فصلى فى الحطيم ، فإنما هو قطعة منه».

قالت : فما أبالى بعد هذا صليت فى الحجر أو فى البيت (٣).

وقد روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة ـ رضى الله عنها ـ : «إن شئت أريتك القدر الذى أخرجوه من البيت ، حتى أن قومك لو أرادوا أن يبنوه لبنوا عليه». قالت : فأرانى نحوا من سبعة أذرع. فثبت أن الحجر من البيت.

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣١٨ ، المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٠٠) ولم يعزه.

(٢) هداية السالك ١ / ٧٩.

(٣) أخرجه : أبو داود ٢ / ٢١٤ ، النسائى ٥ / ٢١٨ ، الترمذى ٣ / ٢٣١.


الفصل الثامن والثلاثون

فى ذكر فضائل زمزم وأسمائها

روى الفاكهى عن أشياخ مكة أن لها أسماء كثيرة ، وقد ذكرنا أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى. وهى : زمزم ، وهزمة جبريل ، وسقيا الله إسماعيل ، وبركة ، وسيّدة ، ونافعة ، ومضمونة ، وعونة ، وبشرى ، وصافية ، وبرّة ، وعصمة ، وسالمة ، وميمونة ، ومباركة ، وكافية ، وعافية ، ومغذية ، وطاهرة ، وحرميّة ، ومروية ، ومؤنسة ، وطعام طعم ، وشفاء سقم (١).

وفى الحديث فى بداء شأنها : أن عبد المطلب أتى فى منامه ، وقيل له : احفر ظبية (٢).

وظبية بالظاء المعجمة والباء الموحدة ، سميت بها : تشبيها بالظبية الخريطة ؛ كذا قاله ابن الأثير.

وكانت تسمى فى الجاهلية : شباعة العيال ؛ لأن أهل العيال منهم كانوا يفدون لعيالهم فينيخون عليها ، فتكون صبوحا لهم (٣).

وقالت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما شكى محمد جوعا قط ولا عطشا ، وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم ، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : أنا شبعان (٤).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٦٧ ، ٦٨ ، شفاء الغرام ١ / ٢٥١ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٢١٤ ، الأعلاق النفيسة لابن رسته (ص : ٤٤).

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ١٤٣ ، مغازى ابن إسحاق (ص : ٢٤) ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ٩٣ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٢١٨ ، كنز العمال ١٤ / ١٢٣ ، أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٤٤ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٤٤.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٥٤ ، وأصله فى البخارى ٥ / ٤٧ مختصرا.

(٤) هداية السالك ١ / ٨٠.


وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ماء زمزم لما شرب له ؛ فإن شربته تستشفى به : شفاك الله ، وإن شربته مستعيذا به : أعاذك الله ، وإن شربته لتقطع ظماك : قطعه الله» (١).

وكان ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ إذا شرب ماء زمزم قال : اللهم إنى أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء (٢). رواه الحاكم فى المستدرك ـ وهذا لفظه ـ والدارقطنى. وعنه بدل قوله : «وإن شربته مستعيذا به : أعاذك الله» ، «وإن شربته ليشبعك أشبعك الله».

وزاد : «وهى هزمة جبريل بعقبه ، وسقيا الله إسماعيل عليهما‌السلام» (٣).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحمّى من فيح جهنم ، فأبردوها بماء زمزم». رواه الإمام أحمد (٤).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «خمس من العبادة : النظر إلى المصحف ، والنظر إلى الكعبة ، والنظر إلى وجه الوالدين ، والنظر فى زمزم ـ وهى تحط الخطايا حطّا ـ والنظر إلى وجه العالم». رواه الفاكهى (٥).

وعن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «انفرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ، ففرج صدرى ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٣٠٦٢) ، أحمد فى المسند ٣ / ٢٢٠ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١٤٨ ، الحاكم فى المستدرك (١٧٣٩) ، البيهقى فى الشعب (٤١٢٧) ، الطبرانى فى الأوسط (٨٥٣) ، وابن أبى شيبة ٦ / ٢١٩. وفيه عبد الله بن المؤمل ، وقد اختلف فى توثيقه وتضعيفه لكن للحديث متابعات وشواهد يتقوى بها ، فيرتقى إلى مرتبة الحسن ، والله أعلم. انظر طرقه والكلام عليه فى : المقاصد الحسنة (٣٥٧) ، كشف الخفاء ٢ / ٢٢٩ ، أسنى المطالب (١٢٢١).

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٧٣ ، وقال : صحيح الإسناد إن سلم من الجارودى ، ولم يخرجاه.

(٣) أخرجه : الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٨٨.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٩١ ، من طريق عفان ، عن همام.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٢٠٠ ، وفيه : بقية بن الوليد ، صدوق كثير التدليس. (انظر : التقريب ١ / ١٠٥).


ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها فى صدرى ثم أطبقه» أخرجه البخارى (١).

وعنه فى حديث قدومه بمكة واستخفائه بها حين أسلم ، قال : وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما قضى صلاته قال أبو ذر : فكنت أول من حياه بتحية الإسلام ، وقال : وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال : من أين أنت؟. قلت : من غفار. قال : متى كنت هاهنا؟. قال : كنت هاهنا منذ ثلاثين يوما وليلة. قال : فمن كان يطعمك؟

قلت : ما كان لى طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكن بطنى ، وما أجد فى كبدى سخفة جوع. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنها مباركة ، إنها طعام طعم ، وشفاء سقم. فقال أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ : ائذن لى يا رسول الله فى إطعامه الليلة. قال : فافعل ، فانطلق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ـ رضى الله عنه ـ فانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابا فجعل يفيض لنا من زبيب الطائف. قال : وكان ذلك أول طعام آكله بها ، فلبثت ما لبثت ، ثم قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنى قد وجهت إلى أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب ، فهل أنت مبلغ عنى قومك ؛ لعل الله تعالى ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟. قال : فانطلقت حتى أتيت أخى أنيسا ، فقال لى : ما صنعت؟ قلت : أسلمت وصدّقت ، قال : صنعت ما صنعت إنى صدّقت وأسلمت ، ثم أتينا أمّنا ، فقالت : ما لى رغبة عن غير دينكما ؛ فإنى أسلمت وصدقت ، فتحملنا حتى أتينا قومنا غفارا ، فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله المدينة (٢).

وعن كعب أنه قال لزمزم : إنا نجدها مضنونة ضن بها لكم ، وأول من سقى ماءها إسماعيل ، إنها طعام طعم ، وشفاء سقم (٣).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : كان أهل مكة لا يسابقهم أحد إلا

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٣ / ٤٩٢ ، مسلم فى الإسراء : ٢ / ٢١٧.

(٢) مسلم بشرح النووى ١٦ / ٢٧ ، أحمد فى المسند ٥ / ١٧٤ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١٤٧ ، الطيالسى ٢ / ٢٠٣ ، ابن سعد فى الطبقات ٤ / ٢١٩ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٨٦ ، وعزاه للبزار والطبرانى فى الكبير ، وقال : ورجال البزار رجال الصحيح. وذكره ابن حجر فى المطالب العالية ١ / ٣٦٨ ، وعزاه لابن أبى شيبة.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١١٥ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٥٣ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٣٣.


سبقوه ، ولا يصارعهم أحد إلا صرعوه ؛ حتى رغبوا عن ماء زمزم فأصابهم المرض فى أرجلهم. أخرجه أبو ذر الهروى.

وقيل : من كان بمكة وفاتته ثلاثة أشياء فهو محروم : من مضى عليه يومان ولم يطف بالكعبة ، ومن حلق رأسه من غير عمرة ، ومن صام ولم يجعل فطره على ماء زمزم (١).

واعلم أنه لا ينبغى أن يستعمل ماء زمزم إلا فى شىء طاهر على وجه التبرك وتجديد الوضوء ، وأما إزالة النجاسة به فحرام ؛ ذكره الماوردى (٢).

ويكره الاستنجاء به عند بعض العلماء ، وأهل مكة ينفون ذلك ، ويقال : إن بعض الناس استنجا به ، فحدث به الباسور.

وجزم الشيخ محب الدين الطبرى بتحريم إزالة النجاسة به ، وإن حصل به التطهير ، وأخذ ذلك من قول الماوردى ، ولو استنجى به مع حرمته أجزأه إجماعا.

ولو أخذ من ماء زمزم هدية لأهل بلده للتبرك جاز إجماعا (٣).

وأما غيره من التراب والحجارة وأستار الكعبة فلا يجوز أخذه عند الشافعى ، ومن أخذ من ذلك شيئا وجب عليه رده عنده ـ رضى الله عنه ـ وأما عند أبى حنيفة ـ رضى الله عنه ـ فقد روى الكرخى عنه أنه قال : لا بأس بإخراج حجارة الحرم وترابه إلى الحل (٤).

ثم التوضؤ من ماء زمزم والاغتسال به من غير جنابة لا يكره ، وبه قال مالك والشافعى (٥).

وقال أحمد : يكره ذلك لقول العباس وهو قائم عند زمزم : «لا أبيحه لمغتسل وهو لشارب». وجوابه : أنه محمول على زمان كان الماء بمكة قليلا ضيقا جدّا أو

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٨٥ ، القرى (ص : ٤٨٨).

(٢) القرى (ص : ٤٩٠) ، أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٦٣.

(٣) المرجع السابق.

(٤) القرى (ص : ٤٩١).

(٥) المرجع السابق (ص : ٤٩١).


محمول على أنه لا أبيحه لمغتسل (١). أى : لمغتسل جنب ؛ وبه نقول.

وعن أبى الحسين ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم ، فبعث إليه براويتين. أخرجه الأزرقى (٢).

وذكر الواقدى أن كعب الأحبار حمل من ماء زمزم اثنى عشر راوية إلى الشام (٣).

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها كانت تحمل ماء زمزم ، وتخبر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحمله ، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنّك الحسن والحسين به وبتمرة العجوة (٤).

وقال ابن شعبان فى مناسك ابن الحاج : إن العين التى تلى الركن ـ وهو زمزم ـ من عيون الجنة.

وعن على ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : خير بئر فى الأرض زمزم ، وشر بئر فى الأرض برهوت ؛ تجتمع فيه أرواح الكفار. رواه عبد الرزاق (٥).

وبرهوت بفتح الباء الموحدة والراء المهملة : بئر عتيقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها. ويقال : بفتح الباء وضمها والراء الساكنة فيهما ، وذكره الأزرقى وغيره باللام ، فقال : بلهوت ، والمشهور الأول ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١١٤ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٥٨.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١١٩ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٤٨ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٥٣ ، ابن حجر فى الإصابة ٤ / ٢٢١ ، وعزاه للفاكهى ، وعمر بن شبه.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٥٣ ، ابن أبى شيبة ٨ / ٩٥ ، المحب الطبرى فى القرى (ص : ٤٩١) وعزاه للواقدى.

(٤) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٨٧ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، الترمذى ٤ / ١٨٣ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٥ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٠٢ ، الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٢٥٩.

(٥) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٣٤ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١١٩ ، وأبو نعيم فى الحلية ٦ / ١٣ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٥٣ ، الطبرانى فى الكبير ١١ / ٩٨.


الفصل التاسع والثلاثون

فى ذكر شرب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماء زمزم

عن ابن طاووس ، عن أبيه ، قال : أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه أن يفيضوا به نهارا ، وأفاض فى نسائه ليلا ، فطاف بالبيت على ناقته ، ثم جاء زمزم ، فقال : ناولونى ، فنوّل دلوا ، فشرب منها ثم تمضمض ، فمجّ فى الدلو ، فأفرغ فى البئر ، ثم قال :لو لا أن تغلبوا عليها لنزعت معكم (١).

وفى رواية : لنزعت بيدى. رواه الطبرانى (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : رأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزع له دلو من زمزم فشرب منها قائما.

وعن ابن عباس ـ أيضا ـ قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صفّة زمزم ، فأمر بدلو ، فنزعت له من البئر ، فوضعها على شفة البئر ، ثم وضع يده من تحت عراقى الدلو ، ثم قال : بسم الله ، ثم كرع فيها فأطال ، ثم أطال فرفع رأسه فقال : الحمد لله ، ثم عاد فقال : بسم الله ، ثم كرع فيها فأطال وهو دون الأول ، ثم رفع رأسه ، فقال : الحمد لله ، ثم كرع فيها ، فقال : بسم الله فأطال وهو دون الثانى ، ثم رفع رأسه فقال ، الحمد لله ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علامة ما بيننا وبين المنافقين : أنهم لم يشربوا منها قط حتى يتضلعوا (٣).

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ١٥٦ ، ١٥٧ ، الترمذى ٤ / ١١٩ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٥٥.

«ونزعت معكم» أى : أخرجت الماء بالدلو من البئر.

(٢) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٣٧٢.

(٣) مسلم بشرح النووى ١٣ / ١٩٨ ، الترمذى ٨ / ٧٥ ، أحمد ١ / ٣٧٢ ، ابن ماجه ٢ / ١٣٢ ، النسائى ٥ / ٢٣٧.


الفصل الأربعون

فى ذكر أسرار الحج والحكمة الإلهية الأزلية

فى ضمن الإشارات التى تتعلق بها

واعلم يا أخى كحل الله تعالى بنور اليقين بصر بصيرتك ، ونبه عن سنة الغفلة قلبك وسريرتك ، وانظر بحقيقة حقيقتك ، وتيقن عند إحرامك إجابة الداعى ، وعند تجردك من المخيط لبس الكفن ، وعند التلبية نداء الحق سبحانه وتعالى ، وأى عارف تفكر فى هذه الأسرار العجيبة فهم ، وأى عاقل تأمل فى الآيات الغريبة ألهم أن هذه العبادات ملازمة رسم يدل على باطن مقصود به تزكية النفس وتجلية الروح وإصلاح القلب ؛ لأن حقيقة التعبد : هو صرف القلب وحضرة رب القلب.

واعلم أن هذه العبادات كلها تنبيهات ، فليتنبه السالك المسافر عند ترك العيال والأطفال ، ومفارقة الأهل والأولاد على قطع العلائق الشاغلة ؛ لينفرد عن العوائق المانعة بخدمة الخالق الخفية ، ويلوى باطنه عن الخلائق الفانية ؛ لأن من انقطع عن العلائق وتجرد عن العوائق شاهد رب الخلائق.

ولتنظر بأى بدن قصدت ، وبأى باطن حضرت ؛ فإنه لا ينظر إلى الصور ، ولكن ينظر إلى الصدور ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أعمالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم».

وقال رويم ـ رحمه الله ـ : للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه وهى القلب.

وروى عن موسى صلوات الله عليه وسلامه فى مناجاته ، قال : أين أنت يا رب؟ قال : أنا فى قلوب عبادى المؤمنين.

ويروى فى مناجاة داود عليه‌السلام قال : أين أنت يا رب؟ قال : عند المنكسرة قلوبهم والمندرسة قبورهم ، فيلحظ إذا أمره المحرم بإكثار الزاد والماء ؛ لخوف بعد


المفاوز ؛ لأن سفر الآخرة أطول ، وعطش حشر القيامة أشد.

وما أحسن كلام أبى ذر الغفارى ـ رضى الله عنه ـ فى هذا المعنى عند الكعبة : يا أيها الناس ، أنا جندب بن الغفارى ، هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق ، فاكتنفه الناس ، فقال : أرأيتم أن أحدكم إذا أراد سفرا ؛ أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ، ويبلغه؟ قالوا : بلى. قال : فسفر طريق القيامة طريق أبعد ما ترون ، فخذوا ما يصلحكم ، قالوا : وما يصلحنا؟ قال : حجوا حجة لعظائم الأمور ، وصوموا يوما شديد الحر لطول النشور ، وصلوا ركعتين فى سواد الليل لوحشة القبور. كلمة خير يقولها ، أو كلمة شر سكت عنها لوقوف يوم عظيم. تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها. اجعل الدنيا مجلسين : مجلسا فى طلب الحلال ، ومجلسا فى طلب الآخرة. والثالث يضرك ولا ينفعك ، لا ترده ، فاجعل المال درهمين : درهم تنفقه على عيالك من حله. ودرهم تقدمه لآخرتك. والآخر : يضرك ولا ينفعك ؛ لا ترده.

ثم نادى بأعلى صوته : يا أيها الناس ، قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدا.

وليتذكر تقطع العقبات والفيافى : عقبات يوم القيامة ، وبالموقف على عرفة العرفات ، لتذكر النفس تعارف أبينا آدم ، وأمنا حواء ، بل تعارف الأرواح فى الذرّ ؛ حين أخذ الميثاق ، فيذكر طيب ذلك العيش ، ويذكر وقوفه فى دار جزائه ومسائلته مولاه ، والإقامة فيها إلى غروب شمس وجود البشريه إلى وجود الحقانية والرجوع من الكل إلى مكون الكل ، والعبور بين علمى الممثولين ، وحمل حصى الاختصاص ؛ فمن مزدلفة قاب قوسين ، ثم العزم على المبيت بالمشعر الحرام. قال الله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ)(١) ثم الإسراع فى وادى محسّر : الوداد بين القلب والروح ، والسّر والفؤاد ، والفوز بالتجاوز عن خوف الخيف.

ولما وردنا الحىّ راحت عقولنا

إلى موقف الأحباب فى حرم الوصل

وطفنا وطافت بالطواف سرائر

غنينا بها عمّا نشاهد بالعقل

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٩٨.


وفى عرفات تكشف الحجب بيننا

فلم يبق فيها للرسوم سوى العدل

ثم رمى ما سواه فى منى الأمن ، وذبح النفس للأضحية المسنونة فى محبة مولاه ، ويريق دمه بسكين لا يحيا إلا بلقياه ، وعند الحلق تنقص آمال غروره بدنياه ، ويتجرد بذاته من الكونين لمن خصه بحبه ووالاه. اخلع نعليك بالواد المقدس طوى. ولبس عباء العبودية للطواف بالكعبة العيانيّة. ثم الطواف حول البيت سبعا ؛ ليذكر الملائكة حول العرش طائفين ، وجولان الأرواح الطاهرة فى ملكوت رب العالمين ، فيستفيد من الرمل فى الأشواط الثلاثة الأول : الهرب من الدنيا وأهلها ، ومن المشى فى الأربعة الباقية : الأمن فى رياض الجنة مأواه ، فيكون بالله طائعا ، ومن هيبة جلاله خائفا ، وبالتعلق بأستار الكعبة تمسّك العبد المذنب بذيل المالك ، أو مثل سيد يكون عليك غضبان ؛ فإذا ركب أخذت بطرف ثوبه وبحقويه حتى يرضى عنك ، وبالسعى بين الصفا والمروة والمشى والهرولة بالفرار منه إليه.

وكان محمد بن الفضل ـ رحمه الله ـ يقول : عجبا لمن يقطع الأودية والقفار والمفاوز والبحار حتى يصل إلى بيت الملك الغفار ، وآثار رسوله النبى المختار ، كيف لا يقطع التعلقات النفسانية ، ليصل إلى الراحات الروحانية ، والدرجات العلية.

إليك قصدى لا للبيت والأثر

ولا طواف بأركان ولا حجر

صفا دمعى صفا لى حين أعبره

وزمزمى دمعة تجرى من البصر

وفيك سعيى وتعميرى ومزدلفى

والهدى جسمى الذى يغنى عن الجزر

وحمر قلبى جمار سرّه شرر

والحرم تحريمى الدنيا عن الفكر

عرفانه عرفاتى إذ مناى منى

وموقفى وقفة للخوف والحذر

ومسجد الخيف خوفى من تباعدكم

ومشعرى ومقامى دونكم حظرى

زادى رجاءى له والشوق راحلتى

والماء من عبراتى والهوى سفرى

وسئل على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ عن الموقف لم لم يكن بالحرم؟


فقال : لأن الكعبة بيته ، والحرم حجابه ، وعرفة بابه ، فلما أن قصده الوافدون أوقفهم فى الباب الأول يتضرعون إليه. فقيل له : فالمشعر كيف صار بالحرم؟ قال : لأنه لما أذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثانى وهى المزدلفة ، فلما طال تضرعهم بها أذن لهم بتقريب قربانا ، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم بمنى وتطهروا من الذنوب التى كانت لهم حجابا فيما بينهم وبين الله تعالى أذن لهم بزيارة بيته على الطهارة.

واعلم أن الموقف الكريم موقف الوفود فى فناء الملك يلتمسون منه عوائده الجميلة ، ثم الإقبال بعد ذلك إلى موقف الأبرار ومستقر الأخيار ؛ فموقف فى حل ، وموقف فى حرم ، ودنو من منزلة إلى منزلة.

ويروى أن بعض الصالحين من الصوفية حج إلى مكة ، فلما رجع دخل على الشيخ الشبلى ـ قدس الله سره ـ فقال له : عقدت الحج حين أحرمت؟ قال : نعم ، قال : فسخت بعقدك كل عقد يخالف هذا العقد؟ قال : لا ، قال : ما عقدت.

قال : تجردت عن ثيابك؟ قال : نعم ، قال : تجردت عند ذلك عن كل ما نهيت عنه؟ قال : لا. قال : ما تجردت. قال : لبيت؟ قال : نعم ، قال : سمعت جواب تلبيتك؟ قال : لا. قال : ما لبيت ، قال : دخلت الحرم؟ قال : نعم ، قال : حرّمت على نفسك الوقوع فى كل محرم بعده؟ قال : لا. قال : ما دخلت. قال : طفت بالبيت؟ قال : نعم ، قال : طالعت بقلبك عظمة من تطوف بيته؟ قال : لا. قال : ما طفت. قال : قمت عند المقام وصليت ركعتين؟ قال : نعم. قال : رأيت مكانك من بساط الرحمة؟ قال : لا. قال : ما قمت وما صليت. قال : دخلت الكعبة؟ قال : نعم ، قال : عرفت أنك خرجت حين دخلتها عن كل معصية؟ قال : لا. قال : ما دخلتها ، قال : شربت ماء زمزم؟ قال : نعم. قال : نويت أنك تغسل به حب الدنيا ووساوس الشيطان من قلبك؟ قال : لا. قال : ما شربت ، قال : سعيت بين الصفا والمروة؟ قال : نعم ، قال : سعيت بذلك بين الخوف والرجاء؟ قال : لا. قال : ما سعيت ، قال : خرجت إلى منى؟ قال : نعم. قال : أمنت من الخوف بذلك؟ قال : لا. قال : ما خرجت إليها. قال : وقفت بعرفات؟ قال : نعم. قال : عرفت أن الله تعالى يباهى بك ملائكته؟ قال : لا. قال : ما وقفت. قال : بت بمزدلفة؟ قال :


نعم. قال : هل سكنت بها بجوارحك لرحمة الله تعالى؟ قال : لا. قال : ما بت بها. قال : وقفت بالمشعر الحرام؟ قال : نعم. قال : استشعرت بشعائر أهل الولاية؟ قال : لا. قال : ما وقفت بالمشعر الحرام. قال : رميت الجمار؟ قال : نعم. قال :رميت بذلك عيوبك كلها؟ قال : لا. قال : ما رميت. قال : حلقت رأسك بمنى؟قال : نعم. قال : نويت بذلك إسقاط الذنوب والأدناس كلها؟ قال : لا. قال : ما حلقت. قال : ذبحت هديك؟ قال : نعم. قال : نويت بذلك أنك ذبحت عدوك إبليس؟ قال : لا. قال : ما ذبحت. قال : رجعت إلى مكة وطفت بالبيت؟ قال :نعم. قال : نويت أنك رجعت عن كل ما سوى الله تعالى؟ قال : لا. قال : ما رجعت وما طفت وما حججت ، ارجع فعليك العود لأداء فريضتك.

وعلى هذا كان حج العارفين والزاهدين وزيارة العابدين والمشتاقين ، وهذه الحكاية مروية عن ذى النون المصرى فى كتاب «مناقب الأبرار» (١). وذكرها النقاش أيضا فى «مناسكه» عن ذى النون رحمه الله.

وأنشد بعضهم فى هذا المعنى :

للناس حجّ ولى حج إلى سكنى

تهدى الأضاحى وأهدى مهجتى ودمى

يطوف بالبيت قوم لا بجارحة

بالله طافوا فأغناهم عن الحرم

إنّ الحبيب الذى يرضيه سفك دمى

دمى حلال له فى الحلّ والحرم

والله لو علمت روحى بمن علقت

قامت على رأسها فضلا عن القدم

يا لائمى لا تلمنى فى هواه ولو

عانيت مثل الذى عانيت لم تلم

وروى أنه حج زين العابدين علىّ بن الحسين (٢) ـ رضى الله عنهما ـ فلما أحرم واستوى على راحلته أصفر لونه وارتعدت فرائصه ولم يستطع أن يلبى ، فقيل له :مالك لا تلبى يا ابن سيدنا؟ فقال : أخشى أن يقال لى : لا لبيك ولا سعديك ،

__________________

(١) هو مناقب الأبرار ومحاسن الأخيار لابن خميس ، وتوجد له عدة نسخ خطية فى معهد المخطوطات العربية.

(٢) هو على بن الحسين بن على بن أبى طالب ؛ وكان يكنى أبا الحسين ، وقيل أبا محمد. انظر صفة الصفوة (٢ / ٦٦).


فلما لبى غشى عليه (١).

ولما حج جعفر الصادق ـ رضى الله عنه ـ فأراد أن يلبى تغير وجهه ، فقيل له : ما لك يا ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : أريد أن ألبى وأخاف أن أسمع غير الجواب (٢).

هذه حال جعفر الصادق وزين العابدين فى خوفهما من سطوة جلال عظمة الله تعالى ، فكيف تكون حال الغافلين المدعين الكذابين؟ يا مسكين طهر قلبك وأخلص نيتك إذا قصدت إلى جناب حضرة عظمة عتبة بابه العظيم ؛ لأنه تعالى عالم ما فى سرك وخفايا سريرتك ، وارجع بالتوبة والاستغفار إلى جناب حضرة الكريم خاشعا متضرعا متذللا متأدبا ، ولا تيأس من رحمته ؛ لأن رحمته ومغفرته واسعة عامة على كل شىء ، وبابه مفتوح أبدا وما هو مغلق عليك ولا على من سواك.

قال ذو النون قدس الله سره : التوبة سبب الرضى ، والمراقبة سبب العصمة ، والخوف سبب الأمن ، والرجوع إليه سبب الصلح ، والاعتذار سبب العفو ، والندامة سبب القبول.

وقال أحمد بن أبى الحوارى : كنت مع سليمان الدارانى (٣) رحمه الله حين أراد أن يحرم فلم يلب حتى سرنا ميلا ، ثم غشى عليه ، ثم أفاق وقال : يا أحمد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام مر ظلمة بنى إسرائيل أن لا يذكرونى ؛ فإنى أذكر من ذكرنى منهم باللعنة ، ويحك يا أحمد بلغنى أن من حج من غير حلّه ثم لبى ، قال الله تعالى : لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما فى يديك ، فما أنا آمن أن يقال لى ذلك (٤).

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق (١٧ / ٢٣٦) ، والبداية والنهاية (٩ / ١١١) ، وتحرفت فى «القرى» إلى : يا ابن رسول الله : ١٧٨.

(٢) مثير الغرام (ص : ١٦٤).

(٣) هو : عبد الرحمن بن أحمد بن عطية ـ ويقال : عبد الرحمن بن عساكر ـ أبو سليمان العنسى الدارانى الزاهد ، من أهل داريّا ، من قرى دمشق. (انظر ترجمته فى : حلية الأولياء ٩ / ٢٥٤ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٥).

(٤) الخبر فى : مختصر تاريخ دمشق ١٤ / ١٩٣ ، حلية الأولياء ٩ / ٢٦٣ ، مثير الغرام (ص : ١٦٤).


وعن جعفر بن سليمان قال : خرجت مع مالك بن دينار إلى مكة ، فلما أحرم أراد أن يلبى سقط ثم أفاق ، فأراد أن يلبى فسقط ثم أفاق ، فأراد أن يلبى فسقط.

فقلت له : ما لك يا أبا يحيى؟ قال : أخشى أن أقول : لبيك فيقول : لا لبيك ولا سعديك.

وقال يحيى بن الجلاء : كنت بذى الحليفة (١) وأنا أريد الحج والناس يحرمون ، فرأيت شابا قد صب عليه الماء يريد الإحرام وأنا أنظر إليه ، فقال : يا رب ، أريد أن أقول لبيك اللهم لبيك وأخشى أن تجيبنى : لا لبيك ولا سعديك ، وبقى يردد هذا القول مرات وإنا أسمع عليه ، فلما أكثر قلت له : فليس لك بد من الإحرام ، فقال : أخشى إن قلت : لبيك أجابنى بلا لبيك ، قلت : أحسن ظنك بالله وقل معى لبيك ، فقال : لبيك اللهم وطوّلها وخرجت نفسه مع قوله اللهم وسقط ميتا على الأرض (٢) ، رحمه الله.

ويروى عن الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ وقد قام بعرفة ، فشغله البكاء عن الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب قال : واسوأتاه منك وإن غفرت (٣).

ووقف بعض الخائفين بالموقف على قدم الإطراق والحياء ، فقيل له : لم لا تدعو؟ قال : ثمّ وحشة ، قيل : فهذا يوم العفو عن الذنوب ، فبسط يديه ووقع على الأرض ميتا (٤) ، رحمه الله.

__________________

(١) ذو الحليفة : قرية بينها وبين مكة (٢٠٠) ميل ، وهى ميقات أهل الشام ومصر والمغرب.

(٢) الخبر فى : صفة الصفوة ٤ / ٣٢٩ ، مثير الغرام الساكن (ص : ١٦٥) ، مختصر تاريخ دمشق ٢٢ / ١٥٢ ، تاريخ بغداد ٥ / ٢٦٧ مطولا.

(٣) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٩٦) ، مثير الغرام الساكن (ص : ١٩١).

(٤) صفوة الصفوة ٤ / ٣٣٠ ، مثير الغرام الساكن (ص : ١٩١) مطولا.


الفصل الحادى والأربعون

وفيه أربعة أنواع :

النوع الأول من الفصل الحادى والأربعين

فى ذكر أحوال السلف الصالحين من المتعبدين

والمجاورين والمتوجهين إلى حرم الله تعالى الشريف

ومن دخل الحرم من المحبين وشاهد جمال الكعبة وحسن جلوتها ، وتفكر فى عظمة جلال كبريائه ، وتأمل فى سر كنز حكمة الأسرار المودع بها خاصة ، فتجلى على قلبه من سرادقات الغيب أشعة أنوار الهيبة والإجلال ، فهام وتحير فى سطوة عظمة جناب جلال ذى الجلال ورد. ورد وقته.

قد تحيّرت فيك خذ بيدى

يا دليلا لمن تحيّر فيكا

ويحكى أن الشبلى (١) ـ قدس الله سره ـ لما وصل إلى مكة المشرفة ودخل الحرم وشاهد من عجائب تسخير الحكمة الإلهية وكمال القدرة الأزلية فى ضمن هذه اللطيفة الحجرية فطاب وقته وطاش عقله طربا وسكرا فأنشد :

أبطحاء مكة هذا الذى

أراه عيانا وهذا أنا

ثم لم يزل يكررها حتى غشى عليه وأفاق ، فقال :

هذه دارهم وأنت محبّ

فما بقاء الدموع فى الآماق

ولما دخل أبو الفضل الجوهرى (٢) الحرم ونظر إلى الكعبة وقد داخله الطرب ،

__________________

(١) هو : أبو بكر دلف بن جحدر ، الصوفى العابد ، ترك الولاية واشتغل بالعبادة ، وسلك مسلك الزهد ، وتوفى سنة (٣٣٤ ه‍).

(٢) هو من أكبار مشايخ المصريين ، من بيت علم وعدالة بمصر. توفى وهو فى طريقه للحج سنة (٤٨٠ ه‍) حسبما جاء فى طبقات الشعرانى ، والخبر فى مثير الغرام الساكن (ص : ٢٧٨).


قال : هذه ديار المحبوب فأين المحبون ، وهذه أسرار القلوب فأين المشتاقون ، وهذه ساعة الاطلاع على الدموع فأين البكاءون؟! ثم شهق شهقة وبادر إلى البيت باكيا وهو ينادى : لبيك لبيك (١).

وروى أن أمرأة عابدة حجت ، فلما دخلت مكة جعلت تقول : أين بيت ربى؟

أين بيت ربى؟ فقيل لها : هذا بيت ربك ، فاشتدت نحوه تسعى حتى ألصقت جبينها بحائط البيت ، فما رفعت إلا ميتة (٢).

ما بين معترك الأحداق والمهج

أنا القتيل بلا ذنب ولا حرج

من مات فيه غراما عاش مرتقيا

ما بين أهل الهوى فى أرفع الدّرج

تبارك الله ما أحلا شمائله

فكم أماتت وأحيت فيه من مهج

قال سعيد بن جبير : رأيت امرأة جاءت فقامت فى الملتزم فجعلت تدعو وتبكى حتى ماتت.

هذه تحية المحب فى بيت المحبوب ، وشهادة العاشق إلى لقاء المعشوق.

وقال مالك بن دينار : رأيت شابا يمنيا وهو يقول : اللهم إن الناس قد ذبحوا ومحروا وتقربوا إليك ، فما لى شىء أتقرب به إليك أكبر من نفسى فتقبلها منى ، ثم شهق شهقة ، فدنوت منه فإذا هو ميت ، رحمه الله تعالى.

هذا فؤاد لقد ملى أسفا

قطعه الشوق والنوى قطعا

يقول فى نأيه وغربته

عدل من الله كلّ ما صنعا

وقال عبد الصمد : اجتمعت أنا وبشر الحافى فى العمرة ومعنا شاب تائب ، سريع الدمعة ، قليل الكلام ، كثير التفكر ، فقلت له : هذا بشر الحافى فتبرك به ، فقال له : يا أبا نصر ، ما جزاء من خالف محبوبه؟ فقال : أن يقتل بسيوف العتاب ، ثم يحرق بنار الهوى ، ثم يذرّ فى هوى الذل ؛ فإن شاء جمعه ، وإن شاء قمعه ،

__________________

(١) هداية السالك ١ / ١٥٩.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٦٧ ، مثير الغرام (ص : ٢٧٨) ، تاريخ جرجان (ص : ٦١) ، الواضح المبين فى ذكر من استشهد من المحبين لابن مغلطاى (بتحقيقنا).


قال : فشهق الغلام لما سمع ذلك منه ووقع ، ولم يزل يئن ويرتعد ويشهق إلى أن مات ، فندمت على ذلك ، وواريناه فى مكانه فى ثوبى إحرامه ، رحمه الله.

البين فيه لمن ذاق الهوى أجل

به النفوس عن الأجساد ترتحل

يا سائلى كيف مات العاشقون فما

ماتوا ولكن بأسياف الهوى قتلوا

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : رأيت بالموقف شابا ساكنا وعليه أثر الذلة والخشوع والناس يسألون الحوائج ، فقلت : يا فتى ، أخرج يديك وسل حاجة ، فقال لى : يا شيخ ، وقعت وحشة وليس ثمّ وجه ، قلت : فإن كان كذلك فالوقت يفوت ، فقال لى : لا بد لى منه؟ قلت : نعم ، قال : فلما أراد أن يرفع يديه بالدعاء صاح صيحة وخر ميتا ، رحمه الله.

وقال بشر بن الحارث الحافى : رأيت على جبل عرفة رجلا قد ولع به الوله وهو يقول أبياتا آخرها :

أنت الحبيب وأنت الحبّ يا أملى

من لى سواك ومن أرجوه لمدّخرى

كم قد زللت فلم أذكرك فى زللى

وأنت يا واجدى فى الغيب تذكرنى

كم أكشف السّتر جهلا عند معصيتى

وأنت تلطف بى جودا وتسترنى

قال : ثم غاص فى خلال الناس فلم أره بعد ذلك ، فسألت عنه ، فقيل لى :هذا أبو عبيد السالم الخواص ، منذ سبعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عزّ وجلّ.

وروى عن بعض الصالحين قال : كنت بمكة فرأيت فقيرا يطوف بالبيت ، فأخرج من جيبه رقعة فنظر فيها فلما كان فى اليوم الثانى والثالث كان يفعل ذلك ، فيوما من الأيام طاف ونظر فى الرقعة وتباعد قليلا وسقط ميتا ، فأخرجت الرقعة من جيبه فإذا فيها مكتوب (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا)(١).

صبرت على بعض الأذى خوف كلّه

ودافعت عن نفسى لنفسى فعزّت

وجرّعتها المكروه حتى تدرّبت

ولو لم أجرّعها إذا لاشمأزت

__________________

(١) سورة الطور : آية ٤٨.


ألا ربّ ذل ساق للنفس عزّة

ويا ربّ نفس بالتذلل عزّت

سأصبر جهدى إنّ فى الصبر عزّة

وأرضا بدنياى وإن هى قلّت

وقيل : تجرع الصبر فإن أفناك أفناك شهيدا ، وإن أحياك أحياك عزيزا.

وقال الأصمعى : رأيت أعرابيا فى البادية بيده سيف مسلول ظننت أنه سكران ، وقال لى : يا حضرى انزع ثيابك ، ولا تجعل بيتك خرابا بموتك ، فقلت له : أتدرى من أنا؟ فقال لى : ليس عند قطاع الطريق معرفة ، ولو عرفتك أنكرتك وجهلت معرفتك ، فقلت له : أما تعلم أن الله تعالى يطالبك بما تفعل؟ فقال : لا بد من الرزق كما لا بد من الموت ، إن طالبنى بما أفعل طالبته برزقى ، فقلت له : كأنك تطلب رزقك فى الأرض؟ قال : فأين أطلبه؟ فقلت له : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)(١) فرمى السيف من يده وقال : أستغفر الله ، رزقى فى السماء وأنا أطلبه فى الأرض ، فإذا برغيفين طائرين وقصعة فيها مرقة حارة ، ظهر ذلك من تصديقه بالقرآن ، قال : فالتفت إلىّ ، وقال : هداك الله كما هديتنى إلى الرزق ، فتحيرت من شأنه وانصرفت باكيا. ثم لقيته بعد ذلك بمكة فى الطواف فعرفنى ، وقال : ألست صاحبى بالبادية؟ فقلت : نعم ، فقال لى : من ذلك اليوم إلى هذا الوقت يأتينى رغيفان وقصعة فى كل ليلة ، فإذا أكلت تبقى القصعة عندى ، فإذا أصبحت وجدتها فضّة ، وعندى قصع كثيرة ، فقلت له : لم لا تفرقها على أهلك ، قال لى :من ذلك الوقت عاهدت الله تعالى أن لا أفعل شيئا إلا بأمر الله تعالى ، وما أمرنى بشىء ثم قال : ألا تزدنى منه بيتا آخر ، قلت : وما ذاك شعر وإنما هو كلام الله تعالى ، ثم قرأت : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٢) قال : فتغير لونه وارتعدت فرائصه ، وقال : من الجأه إلى الحلف ووقع ميتا ، قال :فإذا أنا بهاتف ينادى : ألا من أراد أن يصلى على ولىّ لله فليصلّ على هذا البدوى فغسلناه وصلينا عليه ودفناه ، فرأيته فى منامى بعد أسبوع على هيئة حسنة ، فقلت :بم بلغت هذه المنزلة؟ قال : باستماعى لقراءة القرآن وتصديقى له (٣).

__________________

(١) سورة الذاريات : آية ٢٢.

(٢) سورة الذاريات : آية ٢٣.

(٣) صفة الصفوة ٤ / ٣١٠ ، وكتاب التوابين للمقدسى (٢٧٣) بتوسع ، البيهقى فى الشعب (١٣٣٧) ، مثير الغرام الساكن (ص : ١٣٨).


ويروى أن الجنيد (١) ـ قدس الله سره ـ طاف بالبيت فى جوف الليل ، فسمع جارية تطوف وهى تقول شعرا :

أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته

فأصبح عندى قد أناخ وطنّبا

إذا اشتد شوقى هام قلبى بذكره

وإن رمت قربا من حبيبى تقرّبا

فقلت لها : يا جارية ، أما تتقين الله تعالى تتكلمين فى مثل هذا المكان بمثل هذا الكلام ، فالتفتت إلىّ وقالت : يا جنيد :

لو لا التقى لم ترنى

أهجر طيب الوسن

إنّ التقا شرّدنى

كما ترى من وطنى

أفرّ من وجدى به

فحبّه هيّمنى

ثم قالت : يا جنيد تطوف بالبيت أم برب البيت؟ فقلت : أطوف بالبيت ، فرفعت رأسها ، وقالت : سبحانك ما أعظم شأنك على خلقك ؛ خلق كالأحجار يطوفون بالأحجار ، ثم أنشأت تقول :

يطوفون بالأحجار يبغون قربا

إليك وهم أقسى قلوبا من الصخر

قال الجنيد : فغشى علىّ من قولها ، فلما أفقت لم أرها (٢).

وما أحسن كلام أبى يزيد ـ قدس الله سره ـ فى هذا المعنى قال : الحجاج يطوفون حول البيت يطلبون البقاء ، وأهل المحبة يطوفون حول العرش يطلبون اللقاء.

وقال الشيخ أبو الحسن الخرقانى قدس الله سره : القبلة خمس : فالكعبة قبلة المؤمنين ؛ وبيت المقدس قبلة الأنبياء ، والبيت المعمور قبلة الملائكة ، والعرش قبلة الدعاء ، والحق تعالى قبلة أحبابه ، فأين ما تولوا فثم وجه الله ، والحمد لله الذى هو قبلة أحبابه.

__________________

(١) هو : الإمام الحجة جنيد بن محمد بن جنيد البغدادى ، واحد من كبار علماء التصوف ، وهو الذى أوضح معالم التصوف وضبطها ؛ فجاء بطريقة التصوف الصحيح الذى ينضبط بالشرع.

(٢) هداية السالك ١ / ١٦٣ ، صفة الصفوة ٤ / ٣٣٨ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٢٩٥).


لكلّ قوم قبلة يتوجهوا

وقبلة الأحباب فرد واحد

ففى كلّ شىء له آية

تدل على أنه واحد

ونقل عن أبى يزيد البسطامى (١) ـ رحمه الله ـ أنه قال : حججت ثلاث حجج ؛ ففى الحجة الأولى : رأيت البيت ولم أر رب البيت. وفى الثانية : رأيت البيت ورب البيت ، وفى الثالثة : رأيت رب البيت ولم أر البيت (٢).

وقال الشيخ أبو الحسن الخرقانى قدس الله سره : من زار مكة فليكن له ثلاث خلال : أولها : أن لا يقول فى البادية ليتها كانت كذا وكذا. والثانى : إذا مشى لا يمشى إلا فى بادية الوحدانية. والثالث : أن لا يرى الكعبة بل يرى ربها.

وقال على بن الموفق : طفت بالبيت وصليت ركعتين فى الحجر واستندت إلى جدار الكعبة أبكى وأقول : كم أحضر هذا البيت الشريف ولا أزداد فى نفسى خيرا ، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذ هتف بى هاتف : يا علىّ سمعنا مقالتك ، أو تدعو أنت إلى بيتك من لا تحبه! (٣).

وقال الأوزاعى : رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : يا رب إنى فقير كما ترى ، وصبيتى قد عروا كما ترى ، وناقتى قد عجفت كما ترى ، وبردتى قد بليت كما ترى ، فما ترى مما يرى يا من يرى ولا يرى؟ وإذا بصوت من خلفه : يا عاصم الحق عمك قد هلك بالطائف وخلّف لك ألف نعجة وثلثمائة ناقة وأربعمائة دينار وأربعة أعبد وثلاثة أسياف يمانية ، فامض وخذها فليس له وارث غيرك ، قال الأوزاعى : فقلت له : يا عاصم إن الذى دعوته لقد كان قريبا. فقال :

__________________

(١) هو : سلطان العارفين ، أبو يزيد ، طيفور بن عيسى بن شروسان ، البسطامى نسبة إلى بسطام بلدة شرقى العراق ، زاهد تكلم كثيرا فى التصوف ، وتعمق ، فوضعت عليه قصص ، ولفقت أقوال يأباها العقل والشرع. (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٨٦ ، المنتظم ١٢ / ١٦٦).

(٢) هداية السالك ١ / ١٦٣ ، والمراد من هذه العبارات أن يلاحظ التقرب من الله عز وجل فى الطواف ، وأنه يتوصل إلى رضا رب البيت حتى يغلب ذلك الشعور على بعضهم ، كما فى الجملة الأخيرة. وقد علق «القارى» فى رسالته «أنوار الحجج» فقال : «فى المرة الثانية رأيت البيت ورب البيت» إنها حال أهل جمع الجمع فى الحضرة الأعلى ، وهى الفضلى والأولى كما لا يخفى».

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ١١١ ، طبقات الأولياء (٣٤١) ؛ وفى إسناده مجهول.


يا هذا أما سمعت قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.)(١) وقيل : تعلق بأستار الكعبة شاب ، وقال : إلهى لا شريك لك فيؤتى ، ولا وزير فيرشى ، إن أطعتك فبفضلك ولك الحمد ، وإن عصيتك فبجهلى ولك الحجة علىّ ، فبإثبات حجتك علىّ وبانقطاع حجتى لديك إلا غفرت لى. فسمع هاتفا يقول : الفتى عتيق من النار (٢).

وقال بعض السلف : كنت بالمزدلفة وأنا أحيى الليل ، فإذا بامرأة تصلى حتى الصباح ومعها شيخ سمعته يقول : اللهم إنا قد جئنا من حيث تعلم ، وحججنا كما أمرتنا ، ووقفنا كما دللتنا ، وقد رأينا أهل الدنيا ؛ إذا شاب المملوك فى خدمتهم يذمّوا أن يبيعوه بل يعتقونه ، وقد شبنا فى ملكك فارحمنا وأعتقنا من النار (٣).

قال بعض الصالحين : كنت عاهدت الله أن لا أنظر إلى حسان الوجوه ، فبينا أنا فى الطواف وإذا أنا بامرأة حسناء ، فتأملت فيها تعجبا ؛ فإذا بسهم من الهوى قد وقع فى إحدى عينى ، وإذا عليه مكتوب : نظرت بعين العبرة فرميناك بسهم الأدب ، فلو نظرت بعين الشهوة رميناك بسهم القطيعة.

وروى أن إبراهيم بن أدهم (٤) ـ قدس الله سره ـ خرج ليلة من الليالى بمكة على أنه يطوف بالبيت خاليا ـ وكانت ليلة مظلمة ـ فقال فى نفسه : وجدت الفسحة ، الليلة أطوف أنا وحدى. فلما دخل الطواف إذا هو بسبعين ألف طائف ، فتحير وقال : ما رأيت خلقا فى سائر الليالى مثل ما أرى هذه الليلة. فتعلق به شيخ وقال : يا إبراهيم هؤلاء كلهم طلاب الخلوة طمعوا فيما طمعت فاجتمع الطماعون!

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٨٦.

(٢) انظر : صفة الصفوة ٤ / ٣٣٣ ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٢٩٨).

(٣) هداية السالك ١ / ١٦٨. وزاد «القارى» فى «رسالته» «فارحمنا بلطفك ، وأعتقنا بجودك» ثم ختم رسالته بقوله : «فهذا طريق العلماء الأبرار والمشايخ الأخيار فى اجتنابهم الآثام والأوزار ؛ خوف المحاسبة فى دار القرار. والمعاقبة بالنار فى دار البوار».

(٤) هو : إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر ، أبو إسحاق التميمى ، ويقال : العجلى البلخى الزاهد ، ثقة مأمون. (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ٧ / ٣٨٧).


حسب المحب من الحبيب بعلمه

أن الحبيب ببابه مطروح

والقلب منه إذا تنفس فى الدجى

بسهام لوعات الهوى مجروح

وروى عن بعض العارفين قال : رأيت شابة نحيفة البدن خفيفة الساقين فى الطواف وهى تقول : هذا بيت ربى هذا بيت معبودى هذا بيت من اشتقت إليه ، ثم وضعت خدها على حائط البيت فوقفت ساعة ثم قالت :

الشوق حيّرنى والشوق طيّرنى

والشوق قرّبنى والشوق أبعدنى

والشوق قيّدنى والشوق أطلقنى

والشوق فرّق بين الجفن والوسن

فقال الشبلى لها : هل اشتقت إلى ربك؟ قالت : لا ؛ لأن الشوق لا يكون إلا على غائب وما غبت عنه طرفة عين (١).

قال الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ : وروى عن الأصمعى أنه قال : خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد عليه‌السلام ، فبينا أنا أطوف حول الكعبة بالليل ـ وكانت ليلة مقمرة ـ فإذا أنا بصوت حزين ، فاتبعت الصوت فإذا أنا بشاب حسن الثياب ، ظريف الشمائل ، عليه آثار الخير ، وكان على رأسه ذؤابتان وهو متعلق بأستار الكعبة ، وهو يقول : يا سيدى ومولاى ؛ نامت العيون وغابت النجوم وأنت ملك حى قيوم ، وغلقت الملوك أبوابها وقامت عليها حجابها وبابك مفتوح للسائلين ، فها أنا سائل ببابك ، مذنب فقير ببابك ، خاطئ ببابك ، مسكين ببابك ، جئت أنتظر رحمتك يا كريم يا رحيم ؛ ثم أنشأ يقول :

يا من يجيب دعاء المضطر فى الظّلم

يا كاشف الضر والبلوى مع السّقم

قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا

وعين جودك يا قيوم لم تنم

أدعوك ربى حزينا راجيا فرحا

فارحم بكائى بحقّ البيت والحرم

أنت الغفور فجد لى بمغفرة

واعطف بفضلك يا ذا الجود والكرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو زلل

من ذا يجود على العاصين بالكرم؟

ثم رفع رأسه إلى السماء وهو ينادى : يا سيدى ويا مولاى إن أطعتك بمنّك

__________________

(١) هداية السالك ١ / ١٥٧.


فلك المنة علىّ ، وإن عصيتك بجهلى فلك الحجة لدى ؛ فبإظهار منّتك علىّ وبإثبات حجتك لدىّ أن ترحمنى وتغفر ذنوبى ولا تحرمنى رؤية جدّى وقرة عينى حبيبك وصفيك ونبيك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى دار كرامتك ، ثم أنشأ يقول :

أتيت إليك رب العالمينا

وخلّيت الخلائق أجمعينا

وجئت إليك قصدا يا إلهى

فأنت السور والملجا الحصينا

أنخت بباب عفوك يا رجائى

لترحمنى بعفوك يا معينا

فأنت الله ذو الأفضال حقا

وأنت المؤنس المستوحشينا

ثم قال : يا سيدى ومولاى الحسنات لا تسرك ، والسيئات لا تضرك ، يا كريم أكرمنى ، ثم أنشأ يقول :

ألا أيها المأمول فى كلّ حاجة

شكوت إليك الضر فارحم شكايتى

ألا يا رجائى أنت كاشف كربتى

فهب لى ذنوبى كلّها واقض حاجتى

فزادى قليل لا أراه مبلّغى

أللزاد أبكى أم لبعد مسافتى؟

أتيت بأعمال قباح دنيّة

وما فى الورى خلق جنى كجنايتى

أتحرقنى بالنار يا غاية المنى

فأين رجائى ثمّ أين مخافتى؟

قال الأصمعى : وكان يكرر هذه الأبيات حتى سقط على الأرض مغشيا عليه ، فدنوت منه فإذا هو زين العابدين علىّ بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ فوضعت رأسه فى حجرى ، وبكيت بكاء شديدا إشفاقا عليه ؛ لرقة قلبه. فقطرت من دموعى قطرة على وجهه فأفاق من غشيته وفتح عينيه ، وقال : من ذا الذى أشغلنى عن مولاى؟ فقلت : أنا الأصمعى يا سيدى ، ما هذا البكاء وما هذا الجرع؟ وأنت من أهل البيت الطاهر ومعدن النبوة والكرامة ، أليس الله تعالى يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١).

__________________

(١) سورة الأحزاب : آية ٣٣.


قال : فاستوى جالسا ، وقال : يا أصمعى ، هيهات ؛ إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ، وإن كان عبدا حبشيا. وخلق النار لمن عصاه وإن كان شريفا قرشيا ؛ أما سمعت قول الله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(١) قال : فتركته على حاله ومضيت.

وروى أن عليا الرازى ـ رحمه الله ـ قد حج نيفا وخمسين حجة من نيسابور (٢) أحرم بكل حجة منها ، وكان يصلى فى كلّ البادية عند كل ميل ركعتين ، ويقول : قال الله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ)(٣) وهذه منافعى فى حجى ، وقال بلسان الحال :

وجعلت قلبى منزلا لك عامرا

فإليه طرفى حين أطرف يسجد (٤)

وروى أن أبا بكر الكتانى ختم اثنى عشر ألف ختمة فى الطواف.

وقيل : أقام أبو عمرو الزجاجى بمكة أربعين سنة لم يبل ولم يتغوط فى الحرم ، وكان يخرج فى كل يوم خارج الحرم فيتطهر. وقيل : كان يعتمر كل يوم ثلاث عمرات ، وكان يأكل بعد ثلاثة أيام أكلة واحدة. ومات عن نيف وسبعين وقفة.

__________________

(١) سورة المؤمنون : آية ١٠١.

(٢) نيسابور : مدينة عظيمة فتحها المسلمون أيام عثمان بن عفان (انظر : مراصد الاطلاع : ١٤١١).

(٣) سورة الحج : آية ٢٨.

(٤) صفوة الصفوة ٢ / ١٠٩.


النوع الثانى من الفصل الحادى والأربعين

فى ذكر من آثر أهل الفاقة بنفقة الحج ولم يحج

فبعث الله تعالى ملكا فحج عنه

عن عبد الله بن المبارك (١) رحمه الله قال : كان بعض المتقدمين قد حبب إليه الحج ، قال : فحدث عنه أنه قال : ورد الحاجّ فى بعض السنين إلى بغداد فعزمت على الخروج معهم إلى الحج فأخذت فى كمى خمسمائة دينار وخرجت إلى السوق أشترى بها آلة الحج ، فبينا أنا فى الطريق فعارضتنى فى الطريق امرأة فقالت : رحمك الله أنا امرأة شريفة ولى بنات عراة واليوم الرابع ما أكلنا شيئا ، قال : فوقع كلامها فى قلبى فطرحت الخمسمائة دينار فى طرف إزارها ، وقلت : عودى إلى بيتك واستعينى بهذه الدنانير على وقتك ، فحمدت الله تعالى وانصرفت ، ونزع الله من قلبى حلاوة الخروج فى تلك السنة ، وخرج الناس وحجوا وعادوا ، فقلت : أخرج للقاء الأصدقاء والسلام عليهم ، فخرجت ، فكلما لقيت صديقا سلمت عليه وقلت له : تقبل الله حجك وشكر سعيك يقول لى : وأنت تقبل الله حجك وشكر سعيك ، فطال علىّ ذلك فلما إن كانت تلك الليلة رأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام فقال لى : يا فلان لا تعجب من تهنئة الناس لك بالحج ؛ أغثت ملهوفا وأعنته ، فسألت الله تعالى فخلق فى صورتك ملكا فهو يحج عنك فى كل عام فإن شئت حج وإن شئت لا تحج.

وقال أبو سعيد بن عبد الملك بن أبى عثمان الواعظ أن عبد الله بن المبارك دخل الكوفة وهو يريد الحج وإذا بامرأة جالسة على مزبلة تنتف بطة فوقع فى نفسه أنها ميتة ، فوقف وقال : يا هذه أهذه ميتة أم مذبوحة؟ قالت : ميتة وأنا أريد أكلها وعيالى. فقال : إن الله قد حرم الميتة وأنت فى هذه البلد ، فقالت : يا هذا انصرف

__________________

(١) هو : عبد الله بن المبارك ، أبو عبد الرحمن المروزى ؛ جمع بين العلم والزهد والجهاد. (انظر ترجمته فى سير أعلام النبلاء ٨ / ٣٧٨) ، والخبر فى مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٨).


عنى ، فلم يزل يراجعها الكلام إلى أن تعرف منزلها ، ثم انصرف فحمل معه نفقة وكسوة وزادا على بغل وجاء وطرق الباب ففتحت فنزل عن البغل وربطه ودخل البيت ثم قال للمرأة : هذا البغل وما عليه من النفقة والكسوة والزاد لكم ، ثم أقام حتى رجع الحاج ، فجاءه قوم يهنؤنه بالحج ، فقال : ما حججت السنة ، فقال له بعضهم : سبحان الله ألم أودعك نفقتى فى موضع كذا وكذا؟ وقال آخر : ألم تشتر لى كذا وكذا؟ فقال : ما أدرى ما تقولون ؛ أما أنا لم أحج العام ، فلما كان الليل أتى فى منامه فقيل له : يا عبد الله بن المبارك إن الله عزّ وجلّ قد قبل صدقتك وإنه بعث ملكا على صورتك فحج عنك (١).

وحكى عن بعض السلف أنه نودى بالحج ومعه ثمان مائة درهم فعرض له ذات يوم حاجة ، فبعث ولده إلى بعض جيرانه فرجع الولد يبكى ، فقال : ما لك؟ قال : دخلت على جارنا وعندهم طبيخ فاشتهيته فلم يطعمونى ، فذهب الرجل إلى جاره يعاتبه على ما فعل ، فبكى الجار ، فقال : ألجأتنى أن أكشف حالى ، إنا منذ خمسة أيام لم نطعم شيئا فطبخنا اليوم ميتة وأكلنا ، وعلمت أن ولدك يجد شيئا ولا يحل له أكل الميتة ، فتعجب الرجل ، وقال لنفسه كيف النجاة وفى جوارك مثل هذا الرجل وأنت تتأهب للحج؟ فرجع إلى بيته وأعطاه الثمان مائة درهم ، فلما كان عشية عرفة رأى ذو النون المصرى فى منامه وهو بعرفة كأن قائلا يقول : يا ذا النون ترى هذا الزحام على هذا الموقف؟ قال : نعم ، قال : ما حج منهم إلا رجل واحد تخلف عن الوقوف فحج بهمته فوهب الله له أهل الموقف ، قال ذو النون : من هو؟ قال : هو رجل يسكن دمشق ، فذهب ذو النون إلى دمشق وبحث عنه حتى عرفه وسلّم عليه (٢).

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٩).

(٢) هذه الحكاية مجهولة الإسناد ، وعلامات الوضع فيها لائحة. وقد ذكرها ابن الجوزى فى كتابه «مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٩ ـ ٣٧٠).


النوع الثالث من الفصل الحادى والأربعين

فى ذكر طرف من أخبار المحبين وأحوال المقربين

عن سرى بن يحيى قال : حدثنى جار كان لأبى قلابة الجرمى ، أنه خرج حاجّا فتقدم على أصحابه فى يوم صائف وهو صائم فأصابه عطش شديد فقال : اللهم إنك قادر على أن تذهب عطشى من غير فطر ، فأظلته سحابة فأمطرت عليه حتى بلت ثوبه وذهب العطش عنه ، فنزل فحّوض حوضا فملأها ماء ، فانتهى إليه أصحابه فشربوا منه وما أصاب أصحابه من ذلك المطر شىء (١).

وقيل : حج شيبان الراعى مع سفيان الثورى فعرض لهما سبع فخاف سفيان وقال : يا شيبان ترى هذا السبع؟ فقال له شيبان : لا تخف وأخذ بأذن السبع وعركها فبسبس السبع بين يديه وحرك أذنيه ، فقال سفيان : ما هذه الشهرة؟! فقال شيبان : لو لا مخافتى من الشهرة لوضعت زادى على ظهره إلى مكة!

وعن ابن شوذب قال : كان حبيب العجمى (٢) أبو محمد يرى بالبصرة يوم التروية ، ويرى يوم عرفة بعرفة (٣).

وعن موسى بن إبراهيم ، قال : رأيت الحسن بن الخليل بن مرة بعرفات وكلمته ، ثم رأيته يطوف بالبيت. فقلت : ادع لى أن يقبل الله حجى ، فبكى ودعا لى ، فأتيت مصر ، فقلت : إن الحسن كان معنا بمكة ، فقالوا : ما حج العام. وقد كان يبلغنى أنه يمر إلى مكة فى ليلة فما كنت أصدق حتى رأيته وجاء فى بيتى

__________________

(١) أخرجه : ابن أبى الدينا فى الأولياء (٦٣) ، ومجابو الدعوة (١٣١) ، ومختصر تاريخ دمشق ١٢ / ٢١٦ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٣٩٨). وفى إسناده مجاهيل.

(٢) هو : حبيب بن محمد ، أبو محمد العجمى ، زاهد أهل البصرة وعابدهم ، وكانت له كرامات وأحوال. (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ٦ / ١٤٣).

(٣) الخبر فى مختصر تاريخ دمشق بنحوه ٦ / ١٨٨ ، وسير أعلام النبلاء ٦ / ١٤٤ ، وحلية الأولياء ٦ / ١٥٤ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٣٩٩).


وقال : شهرتنى ، ما كنت أحب أن تحدث به عنى فلا تعد بحقّى عليك (١).

وعن أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا سنان ، عن جعفر ، عن حبيب العجمى : أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات (٢).

وعن محمد بن عمرو الواسطى قال : كنت مع معروف الكرخى يوما فدعانى ، فرجعت إليه من الغد وفى وجهه أثر ، فقال له إنسان : يا أبا محفوظ كنا عندك أمس وما بوجهك هذا الأثر!! فاليوم نرى على وجهك أثرا؟ فقال معروف : سل عما يعنيك. فقال الرجل : بمعبودك إلا عرّفتنى. فتغير معروف وقال : لم أعلم أنك تحلفنى بالله تعالى ؛ إنى قد وصلت البارحة ها هنا ، فاشتهيت أن أطوف بالبيت ، فمضيت إلى البيت فطفت بالبيت ، ثم جئت إلى زمزم لأشرب من مائها ؛ فزلقت على الباب فأصاب وجهى ما تراه (٣).

وعن أبى العباس السرمى قال : كنا مع أبى تراب النخشبى (٤) فى طريق مكة فمرض ، فعدل عن الطريق إلى ناحية فقال له بعض أصحابه : أنا عطشان ، فضرب برجله فإذا عين ماء كالزلال ، فقال الفتى : أحب أن أشرب فى قدح ، فضرب بيده الأرض فناوله قدحا من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت فشرب وسقانا وما زال القدح معنا إلى مكة (٥).

وعن أبى جعفر محمد بن عبد الملك بن هاشم قال : قلت لذى النون المصرى : صف لنا من خيار من رأيت ، فذرفت عيناه وقال : مرة ركبنا فى البحر نريد جدة ومعنا فتى ابن نيف وعشرين سنة قد ألبس ثوبا من الهيبة فكنت أحب أن أكلمه

__________________

(١) المنتظم ٨ / ٣١٢ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٠) ، وفى إسناده من لم أعثر عليه.

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٠).

(٣) الخبر فى : صفة الصفوة ٢ / ٢١٣ ، المنتظم ١٠ / ٨٨ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٢٠٢ ، الرسالة القشيرية (ص : ١٨٤) ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٥).

(٤) هو : أبو تراب ، عسكر بن الحسين التّخشبىّ ، مات فى طريق الحج سنة (٢٤٥ ه‍) ، (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٤٥ ، العبر ١ / ٤٤٥ ، حلية الأولياء ١٠ / ٤٥ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣١٥ ، ٣١٨).

(٥) الخبر فى : مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٥٣ ، صفة الصفوة ٤ / ١٥٠ ، الرسالة القشيرية (ص : ١٨٦) ، مثير الغرام (ص : ٤٠٦).


فلم أستطع ، فحينا نراه مصليا ، وحينا نراه قارئا ، وحينا نراه مسبحا ، إلى أن رقد ذات يوم ، فوقع فى المركب تهمة ، فجعل الناس يفتش بعضهم بعضا إلى أن بلغوا إلى الفتى النائم ، فقال صاحب الصرّة : لم يكن أحد أقرب إلىّ من هذا الفتى النائم ، فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته ، فما كلمنى حتى توضأ للصلاة ، فصلى أربع ركعات ، ثم قال لى : يا فتى ما تشاء؟ فقلت : إن تهمة وقعت فى المركب ، وإن الناس لم يزل يفتش بعضهم بعضا حتى بلغوا إليك. فالتفت إلى صاحب الصرة ، وقال : هو كما يقول؟ قال : نعم. لم يكن أحدا أقرب إلىّ منك ، فرفع الفتى يديه يدعو ، وخفت على أهل المركب من دعائه ، وخيل إلينا أن كل حوت فى البحر قد خرجت. وفى فم كل حوت جوهرة. فقام الفتى إلى جوهرة فى فم الحوت ، فأخذها وألقاها إلى صاحب الصرة ، وقال : فى هذه عوض عما ذهب منك وأنت فى حلّ مما زاد.

وقال ابن خفيف سمعت أبا الحسن المزين بمكة قال : كنت فى بادية تبوك فتقدمت إلى بئر لاستقى منها فزلقت رجلى فوقعت فى جوف البئر ، فرأيت فى البئر زاوية واسعة فأصلحت موضعا وجلست عليه ، وقلت : إن كان خرج منى شىء لا أفسد الماء على الناس ، وسكن قلبى ، فبينما أنا قاعد وإذا بخشخشة ؛ فتأملت ، فإذا بأفعى تنزل علىّ ، فراجعت نفسى فإذا هى ساكنة ، فنزل ودار بى ، ثم لف بى ذنبه فأخرجنى من البئر ، ثم حل عنى فلا أدرى أرض ابتلعته أم سماء رفعته وقمت فمشيت (١).

وعن علىّ بن سالم قال : سمعت سهل بن عبد الله (٢) يقول لأحمد بن سالم وكان قريب المغرب : اترك الحيل والتدبير حتى نصلى العشاء بمكة!

وعن جعفر الخلدى قال : حججت سنة من السنين فصحبنى بعض الصوفية

__________________

(١) الخبر فى المنتظم ١٣ / ٣٨٨ ، صفة الصفوة ٢ / ١٥٠ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٧) ، وليت هذا الرجل كما تورع عن أن يفسد على الناس ماءهم تورع أيضا عن أن يفسد عليهم دينهم بادعائه عدم الخوف من ذلك الثعبان المبين ؛ وقد خاف من قبله كليم الله موسى عليه‌السلام!! وكيف لا يخاف وهذا من خصائص النفس البشرية.

(٢) هو : سهل بن عبد الله بن يونس ، أبو محمد التسترى ، الصوفى الزاهد. (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠) ، والخبر فى مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٨).


وكان ممن يشار إليه بالعلم والمعرفة ، فأضافتنا الطريق إلى الجبل ، وكنا جماعة ، فاستسقيناه ماء ولم يكن بالقرب ماء ، فأخذ ركوته ورمى بها إلى الجبل فسمعت خرير الماء بأذنى حتى امتلأت الركوة ، فسقى الجماعة ، وكانت عينى إلى الموضع فلا أرى للماء أثرا ولا شقا فى الجبل ، قال أبى : فسألت جعفرا عن هذا فقال : كرامة الله لأوليائه (١).

وعن أبى تراب النخشبى قال : كنت أنا وجماعة من أصحابى قد خرجنا من مكة فمضيت إلى طريق ومضوا على طريق ، وكان قد أصابنا جوع شديد ، فلما افترقنا صاد أصحابى ظبيا فذبحوه وشووه فلما جلسوا ليأكلوه إذا بنسر قد انقض عليهم واحتمل ربع الظبى ، قالوا : فأقبلنا ننظر إليه ولا نقدر عليه ، قال أبو تراب : فلما اجتمعنا بمكة قلت لهم : أى شىء كان خبركم بعدى؟ فأخبرونى بخبرهم وما كان من قصة الظبى ، فقلت لهم : إنى كنت سائرا فإذا بنسر قد ألقى إلىّ ربع ظبى مشوى فأكلت ، وكان أكلنا فى وقت واحد (٢).

وعن جعفر الخلدى قال سمعت إبراهيم الخواص (٣) يقول : إنى أعرف من طريق مكة ستة عشر طريقا منها طريقان طريق ذهب وطريق فضة (٤).

وعن علىّ بن محمد السروانى قال : سمعت إبراهيم الخواص يقول : سلكت البادية ستة عشر طريقا على غير الجادة فأعجب ما رأيت فيها رجلا ليس له يدان ولا رجلان وعليه من البلاء أمر عظيم وهو يزحف زحفا ، فتحيرت منه ، وسملت عليه فقال : وعليك السلام يا إبراهيم ، قال : فقلت له : فبما عرفتنى ولم ترنى قبلها؟ قال : الذى جاء بك عرّف بينى وبينك ، فقلت : صدقت ، إلى أين تريد؟ فقال : إلى مكة ، فقلت : من أين؟ قال : من بخارى ، فبقيت متعجبا أنظر إليه ، فنظر إلىّ شزرا وقال : يا إبراهيم تعجب من قوى يحمل ضعيفا ويرفق به؟! ثم

__________________

(١) الخبر فى : المنتظم ٥ / ١٦٢ ، حلية الأولياء ١٠ / ١٨٩ ، مثير الغرام (ص : ٤٠٨).

(٢) الخبر فى : صفوة الصفوة ٤ / ٣٢٧ ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٨ ، ٤٠٩). وفى إسناده : أبو الحسن الصوفى ، ابن جهضم ، دجال من الدجاجلة.

(٣) هو : أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص. (انظر ترجمته فى : حلية الأولياء ١٠ / ٣٢٥).

(٤) الخبر فى صفوة الصفوة ، ومثير الغرام (ص : ٤١٧).


دمعت عيناه ، فقلت له : لا يا جيبى ، فتركته على حاله ومضيت أنا ، فلما دخلت مكة رأيته فى الطواف وهو يزحف زحفا (١).

وعن الخلدى رحمه الله قال : حج عبد الله الأقطع على فرد قدم ، قال : فلما بلغت بين المسجدين (٢) وقع فى سرى أنه لم يحج أحد قبلى فإذا أنا بمقعد يحبو فوقفت عليه أتعجب منه ، فقال لى : ما لك تعجب من قوى يحمل ضعيفا؟!

__________________

(١) الخبر فى صفوة الصفوة ، ومثير الغرام (ص : ٤١٧) ، وفى إسناده ابن جهضم.

(٢) بين المسجدين : مكة والمدينة.


و [النوع] الرابع من الفصل الحادى والأربعين فى ذكر من جاور منهم بمكة ومن مات بها فمنهم : الشيخ أبو علىّ الفضيل بن عياض (١) بن مسعود التميمى اليربوعى الخراسانى من ناحية مرو (٢) ، مات بها فى المحرم سنة تسع وثلاثين ومائة ، ودفن بمقبرة المعلاة.

ومنهم : الشيخ أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادى الخراسانى ، ومات بها سنة سبع وستين وثلثمائة.

ومنهم : الشيخ أبو عمرو محمد بن إبراهيم الزجّاج (٣) النيسابورى الخراسانى حج قريبا من ستين حجة ـ وقيل : نيفا وسبعين حجة ـ ولم يبل ولم يتغوط فى الحرم أربعين سنة ، توفى بها سنة ثمان وأربعين وثلثمائة.

ومنهم : الشيخ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن محمد بن طلحة القشيرى (٤) الخراسانى النيسابورى الواثق المستأنس بالله الصادق العطوف بخلق الله تعالى. وحكى أن كثيرا من أكابر نيسابور رأوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام فأخبرهم أن أبا القاسم القشيرى سر الله فى الأرض من خلقه ، توفى بها ودفن بالمعلاة ، وقبره اليوم مشهور ظاهر.

__________________

(١) الفضيل بن عياض ، هو : شيخ مكة وعابدها ، أخذ عنه الأئمة وتوفى سنة ١٨٧ ه‍ (انظر ترجمته فى العقد الثمين ٧ / ١٣ ، مرآة الجنان ١ / ٤١٥).

(٢) مرو : أشهر مدن خراسان (مراصد الاطلاع : ١٢٦٢).

(٣) أبو عمرو الزجاج : انظر ترجمته فى : العقد الثمين ١ / ٤٠٨ برقم ٨٧ ، وطبقات الأولياء ١٥٦ ، وفيه توفى فى سنة ٣٤٦ ه‍.

(٤) انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٢٧ ، تاريخ بغداد ١١ / ٨٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٠٧ ، شذرات الذهب ٣ / ٣١٩.


ومنهم : الشيخ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم بن الأعرابى ، بصرى الأصل ، وكان شيخ الحرم فى وقته وعلمه ، وصنف للقوم كتبا كثيرة ، توفى بها سنة إحدى وأربعين وثلثمائة.

ومنهم : الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد الحداد الرازى الخراسانى ، جاور بالحرم مدة ، وتوفى بها سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة.

ومنهم : الشيخ أبو يعقوب إسحاق بن محمد النّهرجورى (١) ، جاور بمكة مدة ، وتوفى بها سنة ثلاثين وثلثمائة.

ومنهم : الشيخ أبو بكر محمد بن على بن جعفر الكتانى (٢) البغدادى يعرف بسراج الحرم ، توفى بها سنة اثنين وعشرين وثلثمائة. وقيل : إنه ختم القرآن اثنتى عشرة ألف ختمة فى الطواف.

ومنهم : الشيخ عمر النسائى الخراسانى ، كان شيخ الشيوخ بالموصل ، ثم جاور بالمدينة مدة ، ثم جاور بمكة ، وتوفى بها فى سنة ست وخمسين وخمسمائة.

ومنهم : الشيخ أبو الحسن على بن محمد المعروف بالمزيّن (٣) ، جاور بمكة ، ومات بها سنة ثمان وعشرين وثلثمائة.

ومنهم : أبو جعفر أحمد بن حمدان بن على بن سنان (٤) النيسابورى ، جاور

__________________

(١) أبو يعقوب النهرجورى : انظر ترجمته فى : البداية والنهاية ١١ / ٢٠٣ ، طبقات الأولياء ١٠٥ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٣٢ ، حلية الأولياء ١٠ / ٣٥٦ ، المنتظم ١٤ / ٢٠.

(٢) أبو بكر محمد بن جعفر الكتانى : المثبت عن صفوة الصفوة ٢ / ٢٥٧ ، وحلية الأولياء ١٠ / ٣٥٧ ، والنجوم الزاهرة ٣ / ٢٤٨ ؛ أن اسمه : أبو محمد بن مجلى بن جعفر الكتانى. وفى إتحاف الورى ٢ / ٣٨٥ كما فى نسختنا.

(٣) أبو الحسن على بن المزين البغدادى ، توفى سنة ٣٢٨ ه‍ (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٣٢ ، تاريخ بغداد ٢ / ٧٣ ، العبر ٢ / ٢١٥).

(٤) أبو جعفر أحمد بن سنان بن أسد بن حبّان القطان ، حدث عنه البخارى ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، توفى سنة ٢٥٦ على الأرجح (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٢ / ٢٤٤ ، الجرح والتعديل ٢ / ٥٣ ، العبر ٢ / ١٦).


بمكة ، ومات بها سنة إحدى عشرة وثلثمائة.

ومنهم : الشيخ أبو بشر محمد بن أحمد الجلاوى من أولاد أبى جعفر أحمد بن حمدان النيسابورى ، كان أوحد المشايخ فى وقته ، جاور بمكة ، ومات بها سنة سبع وثمانين وثلثمائة ، قدس الله أرواحهم أجمعين.

* * *


الفصل الثانى والأربعون

فى ذكر تاريخ الكعبة الشريفة على وجه الاختصار

اعلم وفقنا الله تعالى وإياك بالخير والطاعة أن العلماء أجمعوا على أن الكعبة أول بيت وضع للعبادة ولكن اختلفوا : هل هو أول بيت مطلقا أم لا؟ فقيل : كانت قبله بيوت. والمنقول عن جمهور العلماء أنه أول بيت وضع للعبادة مطلقا (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «البيت المعمور الذى فى السماء يقال له الضراح ، وهو على البيت الحرام ، لو سقط عليه لغمره ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لم يروه قط ، وإن له فى السماء السابعة حرما على قدر حرم هذا». رواه عبد الرزاق (٢).

ويروى : أنه كان قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة ، وكان له بابان من زمرد أخضر ، شرقى وغربى ، وفيه قناديل من قناديل الجنة (٣).

وعن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أوّلا؟ قال : «المسجد الحرام» ، قلت : ثم أى؟ قال : «المسجد الأقصى» ، قلت : كم بينهما؟ قال : «أربعون سنة» ـ متفق عليه واللفظ لمسلم.

ويروى : أن ذو القرنين قدم مكة وإبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة ، فقال : ما

__________________

(١) ينظر فى ذلك : القرى (ص : ٣٣٨) ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٦٤.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٧٤) مرسلا عن كريب ، والبيهقى فى الشعب (٣٩٩٧) موقوفا ، والديلمى فى الفردوس (٢٠٤٩) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٤٩.

وسمى الضراح : لأنه ضرح عن الأرض زمن الطوفان.

وقيل : من المضارحة ؛ وهى المقابلة (النهاية ٣ / ٨١).

(٣) أخرجه : الأزرقى موقوفا على أبى هريرة ١ / ٤٣ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٣٧) ، السيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٤٥ ، وعزاه إلى الجندى ، الديلمى (٤٨٥١). وفيه : محمد بن زياد اليشكرى الجزرى صاحب ميمون بن مهران الفأفأ. قال عنه الدارقطنى : كذاب ، وقال الترمذى : ضعيف جدّا ، وقال النسائى : متروك الحديث.


هذا؟ فقالا : نحن مأموران بهذا البناء ، قال : فهاتما البينة على ما تدعيان ، فقامت خمسة أكبش فقلن : نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران بهذا البناء ، فقال : رضيت وسلمت ومضى (١).

ويروى : أن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ جعل طول الكعبة فى السماء تسعة أذرع وطولها فى الأرض ثلاثين ذراعا وعرضها فى الأرض اثنين وعشرين ذراعا ، ولم يسقفها ، وكان بابها لاصقا بالأرض ، ولما فرغ من بنائها أتاه جبريل فأراه الطواف ، ثم أتى به جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات (٢).

ويروى : أنه كان بين ذلك وبين أن يبعث الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثة آلاف سنة (٣).

ويقال : إن قصىّ بن كلاب جدّد بنائها بعد إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل ، ثم بنتها قريش ، وقيل : إن العمالقة بنتها بعد إبراهيم عليه‌السلام ، ثم بنتها جرهم ، ثم بنتها قريش حين وهن البيت فى زمنهم فى الجاهلية ؛ وكان سبب ذلك أن امرأة جاءت بمجمرة نحو الكعبة فسقطت منها شرارة فتعلقت بكسوة الكعبة فاحترقت واحترق قرن الكبش الذى كان فدى به إسماعيل ـ أو إسحاق على الاختلاف ـ فتصدعت الكعبة بسبب ذلك ، فخافت قريش من أن ينهدم فأجمعوا على هدمها وتجديدها ، فيروى أنهم كانوا كلما أرادوا نقضها خرجت حية سوداء الظهر بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدى فمنعتهم عن ذلك ، فلما رأوا ذلك اجتمعوا عند المقام واتفقوا على أنهم لا يدخلون فى بنائها من كسبهم إلا طيبا حلالا ، وعجّوا إلى الله تعالى وقالوا : ربنا ما أردنا إلا عمارة بيتك فإن كنت ترضى بذلك وإلا فما بدا لك ، فإذا هم بطائر أسود الظهر أبيض البطن أعظم من النسر جاء فغرز مخاليبه فى رأس الحية حتى انطلق بها يجرها نحو أجياد.

__________________

(١) الخبر فى : هداية السالك ٣ / ١٣٢٤.

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٧٧ وصححه ، ووافقه الذهبى ، البيهقى فى السنن ٥ / ١٥٣ ، ١٥٤ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٣) هداية السالك ٣ / ١٣٢٦.


ويروى أن هذه الحية هى الدابة التى تخرج عند قيام الساعة من أجياد تكلم الناس وتسم وجه المؤمن والكافر ، وأنها تخرج قبل يوم التروية بيوم ، وقيل : يوم التروية ، وقيل : يوم عرفة ، وقيل : يوم النحر أو الغد من يوم النحر ، ويروى أنها تخرج من شعب أجياد ، وأنها يمس رأسها السحاب وما خرجت رجلاها من الأرض ، وقيل : تخرج من تحت الصفا ، وقيل : من المروة (١) ، والله أعلم.

ثم هدمت قريش الكعبة ، وأول من بدأ بالهدم الوليد بن المغيرة ، ثم أخذوا فى البناء ، وحضر سيدنا محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان ينقل معهم الحجارة وهو ابن خمس وعشرين سنة ـ وقيل : خمس وثلاثين سنة ـ ثم لما بلغوا موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه من القبائل حتى هموا بالقتال ، فاجتمع رأيهم أن يتحاكموا إلى أول داخل من باب المسجد ، فكانوا منتظرين فإذا هم كذلك دخل سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو غلام ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين قد رضينا بما يقضى به بيننا ، ثم أخبروه بالخبر ، فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رداءه وبسطه على الأرض ثم وضع الحجر فيه ، ثم أمر سيد كل قبيلة أن يأخذ بناحية من الثوب ، ثم قال : «ارفعوا جميعا» ، فلما رفعوه وضعه سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده المباركة الطاهرة (٢).

وسبب تسميته بالأمين أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قائما بين الصفا والمروة وهو ابن سبع سنين إذ نزل جماعة من تجار الشام وكانوا على ملة المسيح عليه‌السلام فنظر إليه أحدهم فعرفه بعلامات وجدها فى كتبهم من نعوته وسيره فقال له : من أنت؟ فقال : «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب» فقال له : من رب هذه؟ وأشار إلى السماء فقال : «الله ربها» ، وقال : من رب هذه؟ وأشار إلى الأرض فقال : «الله ربها» ، فقال : من رب هذه؟ وأشار إلى الجبال ، فقال : «الله ربها لا شريك له» ، فقال النصرانى : فهل لها رب غيره؟ فقال : «لا جئت لتشككنى فى الله تعالى ما له

__________________

(١) ينظر عن أمر بناء الكعبة فى هذا الوقت فى : أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٦ ـ ٧٢ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣٠٠ ، شفاء الغرام ١ / ١٥٤ ـ ١٥٧ ، فتح البارى ٣ / ٥١٥ ـ ٥١٧ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٩١٠٤). البيهقى فى دلائل النبوة ١ / ٥٧.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٩١٠٤) ، البيهقى فى الدلائل ١ / ٥٧ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٦٢ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٥ / ٢٢٨ ، ابن إسحاق فى السير والمغازى ٢ / ١٠٨ ، ابن سيد الناس فى عيون الأثر ١ / ٥١ ، ٥٢.


شريك ولا ضد».

ولما ترعرع كانت قريش تسميه محمدا الأمين لما شاهدوا فيه من الأمانة والصدق.

وزادت قريش فى طولها فى السماء تسعة أذرع ونقصت من طولها فى الأرض ما تركته فى الحجر ؛ لأنه قصرت بهم النفقة الحلال ، ورفعوا باب الكعبة ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا (١) ، وسقفوه.

ولم يزل على ذلك حتى كان زمن عبد الله بن الزّبير ـ رضى الله عنهما ـ فاستشار فى هدم الكعبة وتجديدها ، فأشار جابر بن عبد الله وغيره بهدمها وتجديدها ، وأشار ابن عباس وغيره بتركها على حالها. فعزم ابن الزّبير على هدمها ، فخرج أهل مكة إلى منى فأقاموا بها ثلاثة أيام خوفا من أن ينزل عليهم عذاب بسبب هدمها ، فأمر ابن الزّبير بهدمها فما اجترأ أحد على ذلك ، فعلاها ابن الزّبير بنفسه وأخذ المعول فجعل يهدمها ويرمى أحجارها فلما رأوا أنه لا يصيبه شىء اجترؤا وهدموها حجرا حجرا ، ثم عزل ابن الزّبير ما يصلح أن يعاد من الأحجار فى البناء فبنى به ، وما لا يصلح أن يبنى به فأمر به فدفن فى جوف الكعبة ، وبناها على قواعد إبراهيم عليه‌السلام فأدخل فيها ما نقصته قريش من الحجر ، وجعل لها بابين ، وزاد فى طولها فى السماء تسعة أذرع أخرى فصار طولها فى السماء سبعا وعشرين ذراعا ، كذا قاله الأزرقى.

قال : وكان هدمها فى يوم السبت للنصف من شهر جمادى الآخر سنة أربع وستين من الهجرة.

وجعل ابن الزّبير الحجر الأسود عنده فى صندوق فى بيته وقفل عليه ، وكان قد انكسر ثلاث فلق من الحريق الذى أصاب الكعبة ، فلما بلغ البناء موضع الحجر جاء به ووضعه بنفسه وشده بالفضة. والذى حمل ابن الزّبير على ذلك قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة رضى الله عنها : «لو لا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لأمرت بهدم البيت وأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقت بابه بالأرض ، وجعلت له بابين شرقيا

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٥٧ ، وما بعدها ، شفاء الغرام ١ / ١٥٥ ، هداية السالك ٣ / ١٣٢٨.


وغربيا فبلغت به أساس إبراهيم عليه‌السلام ؛ فإنهم عجزوا عن بنائها لما قصرت بهم النفقة». ثم قال عليه‌السلام لعائشة : «إن شئت أريتك القدر الذى أخرجوه من البيت حتى أن قومك لو أرادوا أن يبنوه لبنوه عليه» ، قالت : فأرانى نحوا من سبعة أذرع (١).

ولما فرغ ابن الزّبير من بناء الكعبة خلّقها من داخلها وخارجها من أعلاها إلى أسفلها بالعنبر والمسك وكساها القباطى والديباج وقال : من كان لى عليه حق وطاعة فليخرج وليعتمر من التنعيم ، فمن قدر أن يذبح بدنة فليفعل وإلا شاة وإلا فليتصدق بقدر طوله.

وخرج ابن الزبير ماشيا مع جميع الناس حتى اعتمروا ، ولم ير يوم أكثر بدنة منحورة وشاة مذبوحة من هذا اليوم (٢).

وهذه الليلة كانت ليلة الإسراء ، وقد تقدم الخلاف فيها.

واعلم أن القول الأصح عند صاحب «المنتقى» أن المعراج كان فى ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة وكثير من أهل السير على أنه كان فى ليلة السابع والعشرين من رجب قبل الهجرة بسنة ، وعليه رأى النووى ، والأقوال كثيرة لأهل السير فى ذلك (٣).

ثم هدم الحجّاج بأمر عبد الملك بن مروان زيادة ابن الزّبير وأعادها على بناء قريش ، وأبقى ما علا ابن الزّبير إلى السماء ، واستقر بناؤها على ذلك إلى اليوم فكل الكعبة اليوم بناء ابن الزّبير إلا الشق الذى من ناحية حجر إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ وهو يظهر للرائى عند رفع أستار الكعبة المشرفة.

__________________

(١) الحديث أخرجه بطرقه المختلفة : البخارى (١٥٨٣ ، ١٥٨٤ ، ١٥٨٥ ، ١٥٨٦) ، مسلم ٣ / ٣٦٨ ، أحمد ٦ / ٢٥٣ ، ٢٦٢ ، ابن ماجه (٢٩٥٥) ، النسائى (٣٨٨٦) ، مالك (٨٢٤) ، الديلمى فى الفردوس (٥١١٩) ، أبو يعلى (٤٣٦٣) ، ابن خزيمة (٢٧٤١) ، ابن حبان (٣٨١٥).

(٢) انظر عن بناء ابن الزبير للكعبة فى : الكامل لابن الأثير ٤ / ٨٧ ، شفاء الغرام ١ / ٩٧ ، درر الفرائد (ص : ١٩٨) ، الجامع اللطيف (ص : ٩١) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٥ ، الروض الأنف ١ / ٢٢١ ، أخبار الكرام للأسدى (ص : ١٠٨) ، إتحاف الورى ٢ / ٦٥.

(٣) انظر أقوال العلماء فى هذا الأمر فى : سبل الهدى والرشاد ٣ / ٩٤.


وقال عبد الملك بعد أن هدمها الحجّاج وقد أخبره من يثق به بحديث عائشة رضى الله عنها المتقدم ذكره : لو كنت سمعته قبل هدمها لتركتها على بناء ابن الزّبير (١).

وسأل هارون الرشيد مالك بن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزّبير فقال مالك : أنشدتك الله يا أمير المؤمنين لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه فتذهب حرمتها من قلوب الناس.

وقال الشافعى رضى الله عنه : لا أحب أن تهدم الكعبة وتبنى كيلا تذهب حرمتها (٢).

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استمتعوا من هذا البيت فإنه يهدم مرتين ويرفع فى الثالثة». رواه الطبرانى (٣).

وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه : يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة (٤).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كأنى به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا» ـ رواه البخارى (٥).

والأفحج بالفاء ثم بالحاء المهملة ثم الجيم : الذى تتوانى صدور قدميه وتتباعد عقباه وتتفحج ساقاه.

__________________

(١) الكامل ٤ / ١٥٢ ، تاريخ الطبرى ٧ / ٢١٠ ، شفاء الغرام ١ / ٩٩ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١١ ، الجامع اللطيف (ص : ٩٢) ، إتحاف الورى ٢ / ١٠٢.

(٢) شفاء الغرام ١ / ١٦٣.

(٣) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤١ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤١) ، الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٦ ، وعزاه للبزار والطبرانى فى الكبير.

(٤) أخرجه : البخارى (١٥٩١) ، مسلم (٢٩٢٩) ، ابن حبان (٦٧٥١) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٠ ، الحميدى (١١٤٦) ، ابن أبى شيبة ١٥ / ٤٧. والسويقتين : تثنية سويقة ، وهى تصغير ساق ؛ أى له ساقان دقيقان.

(٥) أخرجه : البخارى (الحج : هدم الكعبة) ٢ / ١٤٩ ، مسلم (الفتن : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) ٨ / ١٨٣. بنحوه.


وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تجىء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا» رواه أبو داود الطيالسى (١).

وذكر الحليمى أن ذلك يكون فى زمن عيس عليه‌السلام ؛ فإن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين الحبشى قد سار إلى البيت يهدمه ، فيبعث عيسى عليه‌السلام إليه.

وقال غير الحليمى : يكون خرابه بعد رفع القرآن وذلك بعد موت عيسى عليه‌السلام ، وصححه بعض متأخرى العلماء (٢).

__________________

(١) أخرجه : أبو داود الطيالسى ١٠ / ٣١٣.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٣٣٣.


الفصل الثالث والأربعون

فى ذكر كسوة الكعبة المعظمة المشرفة شرفها الله تعالى

يروى أن أول من كست الكعبة الديباج والحرير نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب ، وهى أول عربية كست الكعبة الحرير والديباج (١). ثم بعدها كساها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء الراشدون والسلاطين إلى يومنا هذا.

والكسوة منسوجة من حرير أسود وبطانتها من كتان أبيض وهى أربعة وأربعون شقة كل شقة على طول الكعبة سبعه وعشرون ذراعا ، منها عشر شقاق ما بين الركن الأسود والركن اليمانى ، واثنا عشر شقة ما بين الركن اليمانى والركن الغربى ويقال له : الركن الشامى ، وعشر شقاق ما بين الركن الغربى إلى الركن العراقى ويقال له : الشامى ـ أيضا ـ وهو جانب الحطيم ، واثنا عشر شقة ما بين الركن العراقى إلى الركن الأسود ، وهذا الجانب وجه الكعبة وفيه باب الكعبة.

وللكسوة طراز مدوّر بالكعبة ، من الطراز إلى الأرض مقدار عشرين ذراعا ، وعرض الطراز ذراع ونصف أو أكثر ، مكتوب فى الطراز على جانب وجه الكعبة بعد البسملة : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٢) صدق الله العظيم.

وبين الركن الأسود والركن اليمانى مكتوب بعد البسملة : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) إلى قوله : (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٣) صدق الله العظيم.

__________________

(١) عزاه فى الفتح إلى الدارقطنى فى المؤتلف ٣ / ٥٣٧. وكان العباس قد ضاع وهو صغير ، فنذرت «نتيلة» أن تكسو البيت الحرير إن وجدته ، فوجدته ، فكست البيت الحرير. (انظر : الإصابة : ٤٥١٠).

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٦ ، ٩٧.

(٣) سورة المائدة : آية ٩٧.


وبين الركن اليمانى والغربى مكتوب بعد البسملة : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) إلى قوله : (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١) صدق الله العظيم.

وبين الركن الغربى والعراقى مكتوب بعد البسملة ممن أمر بعمل هذه الكسوة الشريفة العبد الفقير إلى الله تعالى السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين سلطان مصر فى سنة تسع وسبعين وسبعمائة ، ومن تملك بعده يكتب على الطراز اسمه كذلك (٢).

وقال الأزرقى : أول من كسا البيت تبّع ، ثم كساه الناس فى الجاهلية ، ثم كساه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم كساه معاوية وابن الزبير الديباج ، ثم كان يكسوه المأمون ثلاث مرات : الديباج الأحمر يوم التروية ، والقباطى فى أول رجب ، والديباج الأبيض فى السابع والعشرين من رمضان.

وأهل اليمن كانوا يكسونه الأنطاع والحصر.

وفى خلاصة الفتاوى : ديباج الكعبة إذا صار خلقا لا يجوز أخذه ولكن السلطان يبيعه ويستعين به على أمر الكعبة ، ولو شرط الواقف فى الوقف الصرف إلى إمام المسجد وبين قدره يصرف إليه إن كان فقيرا ، وإن كان غنيا لا يحل له الأخذ وكذا الوقف على الفقهاء والمؤذنين (٣).

وفى مناسك الإمام النووى ـ الشافعى ـ رحمه الله : قال الإمام أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا : لا يجوز قطع شىء من سترة الكعبة ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه ولا وضعه بين أوراق المصحف ، ومن حمل شيئا من ذلك لزمه رده بخلاف ما يتوهمه العامة أنهم يشترونه من بنى شيبة ـ هذا كلام ابن عبدان ، وحكاه الإمام أبو القاسم الرافعى عنه ولم يعترض عليه فكأنه وافقه فيه.

وقال الإمام أبو عبد الله الحليمى : لا ينبغى أن يؤخذ من كسوة الكعبة شىء (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٢) العقد الثمين ٣ / ٢٥٧ ، درر الفرائد (ص : ٣١٦).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٤٩ ، والسيرة لابن هشام ١ / ٢٧.

(٤) القرى (ص : ٥٢٠) ، أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٣١.


وقال أبو العباس بن القاضى من أصحابنا : لا يجوز بيع كسوة الكعبة.

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : الأمر فيها إلى الإمام يصرفها فى بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء ، واحتج بما رواه الأزرقى فى كتاب مكة : أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج ، وهذا الذى قاله الشيخ حسن.

وقد روى الأزرقى عن ابن عباس وعائشة ـ رضى الله عنهما ـ أنهما قالا : تباع كسوتها ويجعل ثمنها فى سبيل الله والمساكين وابن السبيل (١).

وقال ابن عباس وعائشة وأم سلمة : لا بأس أن يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض أو جنب وغيرهما (٢).

__________________

(١) القرى (ص : ٥٢١).

(٢) القرى (ص : ٥٢١).


الفصل الرابع والأربعون

فى ذكر ذرع الكعبة

قال الأزرقى : إن طول الكعبة اليوم فى السماء سبعة وعشرون ذراعا وست عشر أصبعا (١).

وقال القاضى عز الدين بن جماعة فى كتابه الموسوم بهداية السالك إلى المذاهب الأربعة فى المناسك : وحررت أنا ارتفاعها ومقدار ما بين أركانها وغير ذلك لما كنت مجاورا بمكة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، فكان ارتفاعها من أعلا الملتزم إلى أرض الشاذروان : ثلاثة وعشرين ذراعا ونصف ذراع وثلث ذراع ، وبين الركن أى الذى فيه الحجر الأسود وبين الركن العراقى ـ ويقال له الشامى أيضا ـ من الداخل ثمانية عشر ذراعا وثلث وربع ذراع ، ومن الخارج ثلاثة وعشرين ذراعا وربع ذراع.

وارتفاع باب الكعبة الشريفة من داخلها ستة أذرع وعشر أصابع ، ومن خارجها خمسة أذرع ، وعرضه من داخلها : ثلاثة أذرع وربع وثمن ذراع ، ومن خارجه : ثلاثة أذرع وربع ذراع.

وللباب الشريف مصراعان وعود الباب من ساج ، وغلظه ثلاثة أصابع ، وعرض العتبة المباركة نصف ذراع وربع ذراع ، وهى حجر واحد ، وارتفاع الباب عن أرض الشاذروان ثلاثة أذرع وثلث وثمن ذراع ، وارتفاع الشاذروان عن أرض المطاف ربع وثمن ذراع ، وعرضه فى هذه الجهة ـ وهى جهة الباب ـ نصف وربع ذراع.

وذرع الملتزم ـ وهو ما بين الركن والباب ـ من داخل الكعبة ذراعان ، ومن خارجها أربعة أذرع وسدس ذراع.

وارتفاع الحجر الأسود عن أرض المطاف ذراعان وربع وسدس ذراع.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٨٨.


وبين الركن العراقى والشامى ـ ويقال له الغربى أيضا ـ من داخل الكعبة خمسة عشر ذراعا وقيراطين ، ومن خارجها ثمانية عشر ذراعا ونصف وربع ذراع.

وبين الركن الشامى والركن اليمانى من داخلها ثمانية عشر ذراعا وثلثى ذراع وثمن ذراع ، ومن خارجها ثلاثة وعشرون ذراعا.

وبين الركن اليمانى والركن الأسود من داخلها خمسة عشر ذراعا وثلث ذراع ، ومن خارجها تسعة عشر ذراعا وربع ذراع.

وذرع دائرة الحجر من داخله من الفتحة إلى الفتحة ستة وثلاثون ونصف وربع وثمن ذراع ، ومن الفتحة إلى الفتحة على الاستواء سبعة عشر ذراعا ، ومن صدر دائرة الحجر من داخله إلى جدار البيت تحت الميزاب خمسة عشر ذراعا ، وعرض جدار الحجر ذراعان وثلث ذراع ، وارتفاعه مما يلى الفتحة الأخرى ذراع ونصف وثلث وثمن ذراع ، وارتفاعه من وسطه ذراع وثلثا ذراع ، واتساع ما بين جدار الحجر والشاذروان عند الفتحة التى من جهة المقام أربعة أذرع وثلث ذراع ، وعرض الشاذروان فى هذه الجهة ـ وهى جهة الحجر ـ ثلثا ذراع ، والخارج من جدار الحجر فى هذه الجهة عن مسامته الشاذروان نصف وثلث ذراع.

وكل ذلك حرر بذراع القماش المستعمل فى زماننا بمصر المحروسة وهو أربعة وعشرون أصبعا سوى الإبهام منضمة بعضها على بعض على عدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله (١).

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٣٣٤ ، ١٣٣٥.


الفصل الخامس والأربعون

فى ذرع مقام إبراهيم عليه‌السلام

والمقام فى اللغة موضع قدم القائم.

قال سعيد بن جبير : مقام إبراهيم هو الحجر الذى وقف عليه إبراهيم عليه‌السلام.

وفى سبب وقوفه عليه أقوال :

الأول : أنه وقف عليه لبناء البيت. قاله سعيد بن جبير (١).

الثانى : أنه لما جاء فى [المرة] الثانية من الشام لطلب ابنه إسماعيل عليه‌السلام فلم يجده ، فقالت له زوجة إسماعيل : انزل من الجمل فأبى ، فقالت : دعنى حتى أغسل رأسك ، فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو راكب ، فغسلت شق رأسه وقد غابت رجله فيه ، ثم رفعته ووضعته تحت رجله الأخرى وغسلته فغابت رجله الأخرى فيه ، فجعله الله تعالى من الشعائر ، وهذا مروى عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما (٢).

الثالث : أنه وقف عليه وأذّن فى الناس بالحج.

وذكر الأزرقى قال : لما فرغ من التأذين أمر بالمقام فوضعه قبلة وكان يصلى إليه مستقبل الباب.

وذكر الأزرقى : أن ذرع المقام ذراع واحد (٣).

__________________

(١) أخرجه : البغوى فى تفسيره ١ / ١١٣ ، الطبرى فى تاريخه ١ / ١٥٥ ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣١٢).

(٢) أخرجه : البغوى فى تفسيره ١ / ١١٤ ، الطبرى فى تاريخه ١ / ١٥٦ ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣١٢) ، والقول الأول أظهر. وسبيل الجمع بينهما أن يكون قيامه للبناء كان بعد قيامه الأول ؛ فإنه مرتب عليه.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٤٠ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٨١.


والمقام حجر مربع سعة ، أعلاه أربع عشرة أصبعا فى أربع عشرة أصبعا ، ومن أسفله مثل ذلك ، وفى طرفيه أعلاه وأسفله طوقان من ذهب ، وأن القدمين داخلتان فيه مقدار سبعة أصابع ودخولهما منحرفتان ، وبين القدمين من الحجر أصبعان. ووسطه قد استدق من التمسح به.

وحرر مقدار ارتفاعه من الأرض فكان نصف ذراع وربع ذراع.

وموضع غوص القدمين فى المقام ملبّس بالفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط ونصف قيراط من الذراع المصرى.

والمقام اليوم فى صندوق من حديد وحوله شباك من حديد عرض الشباك عن يمين المصلى وعن يساره خمسة أذرع وثمن ذراع ، وطوله إلى جهة الكعبة خمسة أذرع إلا قيراطين ، وخلف الشباك هو مصلى الناس اليوم ، وهو محوز بعمودين من حجارة وحجرين من جانبى المصلى ، وطول المصلى خمسة أذرع وسدس ذراع ، ومن صدر الشباك الذى فى داخله المقام إلى شاذروان الكعبة عشرون ذراعا وثلثا ذراع وثمن ذراع ، كل ذلك بالذراع المصرى (١).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٨٢.


الفصل السادس والأربعون

فى ذكر ما جاء فى الذهب الذى كان على المقام

ومن جعله عليه وتذهيب الكعبة ومن جعله عليها

قال عبد الله بن شعيب بن شيبة بن جبير بن شيبة : ذهبنا نرفع المقام فى خلافة المهدى فانثلم منه ، قال : وهو حجر رخو يشبه السنان ، فخشيت أن يتفتت ـ أو قال أن يتداعا ـ فكتبنا فى ذلك إلى المهدى فبعث إلينا بألف دينار فضينا بها المقام أسفله وأعلاه ، وهو الذهب الذى هو عليه اليوم.

وقال عبد الله بن شعيب نحوه ، وقال : فلم يزل ذلك الذهب عليه حتى أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب أحسن من ذلك العمل فعمل عليه ، وكان ذلك فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين (١) ، فهو الذهب الذى عليه اليوم ، وجعل فوق ذلك الذهب الذى كان عمله المهدى ولم يقلع عنه.

ولما كان فى سنة تسع وسبع مائة وخمسين سرقا جميعا فى حكومة الإمام العالم المفتى المتقى القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محب الدين الطبرى رحمه الله ، وكان هو الناظر بحرم الله الشريف والقاضى بمكة ، فعمل عليه الفضة ، وهى اليوم عليه (٢).

قال الأزرقى : أما الكعبة الشريفة فإن الوليد بن عبد الملك بعث إلى خالد بن عبد الله القسرى وإلى مكة ستة وثلاثين ألف دينار فجعل على بابها صفائح الذهب وعلى ميزابها وعلى الأساطين التى فى بطنها وعلى الأركان ، وهو أول من ذهّب البيت فى الإسلام ، ولما رقّ ما على الباب بعث محمد بن الرشيد ثمانية

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٨٣ ، شفاء الغرام ١ / ٢٠٣.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.


عشر ألف دينار فجعلت صفائح على الباب مع ما كان فيه ، والصفائح التى هى اليوم والمسامير وحلقتا الباب والضبب الذى على الباب من الذهب : ثلاثة وثلاثون ألف مثقال.

وجميع ما فيها من الرخام الأخضر والأحمر والأبيض من عمل الوليد وهو أول من زخرف المساجد (١).

وقال الأزرقى : كان عبد الله بن الزّبير يجمّر الكعبة فى كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة رطلين ، وأجرى معاوية للكعبة الطيب لكل صلاة ، وأجرى الزيت لقناديل المسجد من بيت المال (٢).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١١ ، شفاء الغرام ١ / ١١٤ ، إتحاف الورى ٢ / ١١٩.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٥٢ ، هداية السالك ٣ / ١٣٤٠.


الفصل السابع والأربعون

فى ذكر ما جاء فى بدء شأن زمزم وذكر ذرعه

روى أنه جاء إبراهيم عليه‌السلام بهاجر أم إسماعيل عليها‌السلام وإسماعيل وهى ترضعه حتى وضعهما عند دوحة فوق زمزم ، وليس بمكة يومئذ أحد ولا ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم رجع منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس فيه أنيس ولا شىء؟وقالت له ذلك مرارا وهو لا يلتفت إليها ، فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم.

قالت : إذا لا يضيعنا الله تعالى ، ثم رجعت.

فانطلق إبراهيم عليه‌السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه الكعبة ورفع يديه ودعا بهذه الكلمات : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) حتى بلغ إلى قوله : (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(١).

وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها وتشرب من هذا الماء حتى إذا عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى من العطش فانطلقت كراهة أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل فى الأرض يليها فقامت عليه ، فاستقبلت الوادى ونظرت فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى بلغت الوادى رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادى ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت فلم تر أحدا ، ففعلت هكذا سبع مرات ، فلذلك شرع السعى بينهما سبعا فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت له : صه ، تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت الصوت أيضا فقالت : قد أسمعت من كان عندك غوث ، فإذا هو جبريل عليه‌السلام عند زمزم ، فبحث بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا هكذا وتغرف من الماء فى سقائها وهو يفور بعد ما تغرف ، فشربت منه وأرضعت ولدها ، فقال لها جبريل عليه‌السلام : لا تخافى الضيعة فإن

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية ٣٧.


هاهنا بيتا لله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله تعالى لا يضيع أهله (١).

وفى الحديث أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ـ أو قال : لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينا معينا» (٢).

ثم إن جرهما دفنوا زمزم حين ظعنوا من مكة ، ولم تزل داثرة حتى قام عبد المطلب فتولى سقاية البيت ورفادته ، فأتى فى منامه فقيل له : احفر ظبيه ، فقال : وما ظبيه ، ثم أتى من الغد فقيل له : احفر برّة (٣) ، فقال : وما برّة ، ثم أتى من الغد فقيل له : احفر المضنونة (٤) ، فقال وما المضنونة؟ فأتى من الغد فقيل له : احفر زمزم ، فقال : وما زمزم؟ قال : التى لا تنزح (٥) ولا تذم (٦) تسقى الحجيج الأعظم وهى شرف لك ولولدك ، فغدا عبد المطلب بمعوله ومسحاته ومعه ابنه الحارث فجعل يحفر ثلاثة أيام حتى بدا له الطوى فقال : الله أكبر هذا طوى إسماعيل ، ثم حفر حتى بدا الماء وانفجر (٧).

فى ذكر ذرع زمزم

اعلم أن ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستون ذراعا ، وفى قعرها ثلاثة عيون : عين حذاء الركن الأسود ، وعين حذاء أبى قبيس والصفا ، وعين حذاء المروة.

وذرع تدوير فم زمزم أحد عشر ذراعا ، وسعة فم زمزم ثلاثة أذرع وثلثا ذراع (٨).

__________________

(١) انظر : سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٣.

(٢) أخرجه : البخارى (المساقاة : باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه ، ٣ / ١١٢ بلفظه.

(٣) برّة : سميت بذلك لكثرة منافعها وسعة مائها.

(٤) المضنونة : سميت بذلك لأنها ضن بها على غير المؤمنين فلا يتضلع منها منافق.

(٥) أى : لا يفنى ماؤها.

(٦) أى : لا تعاب (النهاية : ٢ / ١٦٩) ، ورده السهيلى. وقال الخشنى : أى : لا توجد قليلة الماء ؛ يقال : أذممت البئر إذا وجدتها ذمّة ، أى : قليلة الماء.

(٧) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوة ١ / ٩٣ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤٤ ، السيرة الشامية ١ / ٢١٨ ، السيرة لابن هشام ١ / ١٤٥.

(٨) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٤ ، أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٧٩ ـ ٨١.


الفصل الثامن والأربعون

فى ذكر المواضع التى تستجاب فيه الدعوات

وزيارة الأماكن الشريفة بمكة وحواليها (١)

روى عن الحسن البصرى رضى الله عنه يرفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يستجاب الدعاء بمكة فى خمسة عشر موضعا : فى الطواف ، وعند الحجر الأسود ، وعند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وداخل الكعبة ، وخلف المقام ، وعند بئر زمزم ، وعلى الصفا ، وعلى المروة ، وفى المسعى ، وفى عرفات ، وفى مزدلفة ، وفى منى ، وعند الجمرات الثلاث ، ويستجاب أيضا على ظهر الكعبة وهو المستجار (٢).

وذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر فى مناسكه : الدعاء يستجاب بمكة فى أربعين بقعة ، ووقّت كل بقعة بأوقات معينة ، منها : خلف المقام ، وتحت الميزاب فى وقت السحر ، وعند الركن اليمانى مع الفجر ، وعند الحجر الأسود نصف النهار ، وعند الملتزم نصف الليل ، وداخل قبة زمزم غيبوبة الشمس ، وداخل البيت عند الزوال ، وإذا دخلت من باب بنى هاشم ، وعلى الصفا والمروة عند العصر ، وفى دار خديجة ليلة الجمعة ، وفى مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين عند الزوال.

وفى دار الخيزران عند المختبا ، بين العشائين ، وبمنى ليلة البدر شطر الليل.

وفى مسجد الكبش والمزدلفة عند طلوع الشمس ، وبعرفة وقت الزوال تحت السدرة.

وعلى الموقف عند غيبوبة الشمس ، وفى مسجد الشجرة يوم الأربعاء ، وفى

__________________

(١) يراجع ذلك فى : أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٨ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥ ـ ٣٦ ، شفاء الغرام ١ / ٤١٧ ، القرى (ص : ٦٦٤) ، مثير الغرام (ص : ٣٤٤).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٨.


المتكا غداة الأحد ، وفى جبل الثور عند الظهر ، وفى حراء وثبير. انتهى كلامه وسقط عنه من أربعين النصف أو أقل ، هذا ما وجدته.

وأما زيارة الأماكن الشريفة التى بها وحواليها :

كمسجد الخيف بمنى : قال ابن عباس رضى الله عنهما : صلى فى مسجد الخيف سبعون نبيا منهم موسى عليهم‌السلام كلهم مخطمون بالليف ، يعنى : رواحلهم (١).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه فيه قبر سبعين نبيا» (٢).

وعن مجاهد رضى الله عنه : حج البيت خمسة وسبعون نبيا كلهم طاف بالبيت وصلى فى مسجد منى ؛ فإن استطعت أن لا تفوتك الصلاة فيه فافعل.

وقال أبو سعيد : إن قبر آدم عليه‌السلام فى مسجد الخيف عند مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقرب المنارة التى فى وسط المسجد (٣).

وقال أبو هريرة رضى الله عنه : لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد منى كل سبت.

والغار الذى أنزلت فيه سورة والمرسلات : عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : بينا نحن مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار منى إذ أنزلت عليه سورة «والمرسلات عرفا» وإنه ليتلوها وإنى لأتلقيها من فيه إذ وثبت علينا حية ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتلوها» فابتدرناها فذهبت ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وقيت شرّكم كما وقيتم شرّها» أخرجه البخارى (٤).

وهذا الغار مشهور خلف مسجد الخيف فى جهة اليمن.

__________________

(١) أخرجه : الطبرانى فى الكبير ١١ / ٤٥٢ بنحوه من طريق ابن فضيل ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٧٤ ، وفيه : أشعث بن سوّار ، ضعيف (التقريب ١ / ٧٩). وعزاه المحب الطبرى إلى أبى سعد فى شرف النبوة (القرى : ٥٣٩).

(٢) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٧ وعزاه للبزار وقال : رجاله ثقات ، وذكره الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٦٦.

(٣) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٦٨.

(٤) البخارى (جزاء الصيد : باب ما يقتل المحرم من الدواب) ٣ / ١٤ ، مسلم (السلام : قتل الحيات) ٧ / ٤٠.


ومسجد الكبش : عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم ، عن أبيه قال : لما فدى الله تعالى إسماعيل بالذبح نظر إبراهيم عليه‌السلام فإذا الكبش منهبطا من ثبير على العرق الأبيض الذى على باب شعب علىّ ، فخلى إسماعيل وسعى يتلقى الكبش ليأخذه فحاد عنه ، فلم يزل يعرض عنه ، ورده حتى أخذه على الصفا الذى بأصل الجبل على باب شعب علىّ الذى يقال أن لبانة بنت على بن عبد الله بن عباس بنت عليه المسجد الذى يقال له مسجد الكبش ، ثم اقتاده إبراهيم عليه‌السلام حتى ذبحه فى المنحر. وقيل : ذبحه على ذلك الصفا (١).

وكالغار الذى فى جبل حراء : وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتعبد فيه ، وفضائله كثيرة معروفة.

والغار الذى فى جبل ثور (٢) : روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من مكة خوفا من الكفار ومعه أبو بكر الصديق رضى الله عنه فجعل أبو بكر يمشى أمام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة ، وخلفه مرة فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : إن كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك ، وإن كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك ، حتى انتهيا إلى الغار.

قال أبو بكر رضى الله عنه : قف يا رسول الله حتى أدخل يدى إن كان فيه أذية أصابتنى قبلك ، ثم دخلا فيه ومكثا ثلاثة أيام ، ثم خرجا وهاجرا إلى المدينة (٣).

والمسجد الذى بأعلا مكة عند الردم : يقال إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، ويعرف اليوم بمسجد الراية (٤).

والمسجد الذى بأعلا مكة : أيضا يقال : مسجد الجن. ويقال له : مسجد البيعة أيضا لأن الجن بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هنالك (٥).

والمسجد الذى يقال له : مسجد الجن : ويسمى أيضا : مسجد الشجرة ، يقال : إن

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٥.

(٢) القرى (ص : ٦٦٤ ، ٦٦٥).

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٠٥ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٧٩.

(٤) القرى (ص : ٦٦٤).

(٥) سنن النسائى ١ / ٣٧ ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٢٣٠ ، تفسير الطبرى ٢٦ / ٣٢ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٠.


النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا شجرة كانت فى ذلك الموضع فأقبلت تخرق الأرض بأصلها وعروقها حتى وقفت بين يدى رسول الله فسألها عما تريده ، ثم أمرها فرجعت حتى انتهت إلى موضعها (١).

والمسجد الذى بأعلى مكة أيضا عند سوق الغنم : يقال : إن رسول الله بايع الناس عنده يوم فتح مكة (٢).

والمسجد الذى فى أجياد الصغير : وفيه موضع يقال له : المتكأ يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتكأ هنالك. وقيل : صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

والمسجد الذى على جبل أبى قبيس : يقال له : مسجد إبراهيم عليه‌السلام (٤).

والمسجد الذى بذى طوى : يقال نزل هنالك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اعتمر وحين حج (٥).

ومسجد جمرة العقبة : حيث بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار (٦).

ومسجد الجعرانة : يقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحرم للعمرة من هنالك (٧).

ومسجد التنعيم : حيث أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرحمن أخا عائشة أن يعمرها منه ؛ ويسمى اليوم مسجد عائشة رضى الله عنها (٨) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٢ ، ٢٣.

(٢) القرى (ص : ٦٦٥).

(٣) دلائل النبوة للبيهقى ٧ / ١٤٤ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٠.

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٧ ، حلية الأولياء ٣ / ٥ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠٢.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٧ ، القرى (ص : ٦٦٥).

(٦) دلائل النبوة ٢ / ٤٤٢ ، مسند أحمد ٣ / ٣٢٢ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢١٧ ، المستدرك ٢ / ٦٢٦.

(٧) القرى (ص : ٦٦٥).

(٨) القرى (ص : ٦٦٥).


الفصل التاسع والأربعون

فى ذكر زيارة مقبرة مكة

ويقال لها المعلاة والحجون أيضا.

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نعم المقبرة هذه مقبرة أهل مكة» (١). رواه ابن عباس رضى الله عنهما.

وروى إسماعيل بن الوليد بن هشام ، عن يحيى بن محمد بن عبد الله ، أنه قال : من قبر فى هذه المقبرة بعث آمنا يوم القيامة. يعنى : مقبرة مكة (٢).

وعن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ثنية المقبرة ـ وليس بها يومئذ مقبرة ـ فقال : «يبعث الله من هذه البقعة ـ أو من هذا الحرم ـ سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ، يشفع كل واحد منهم فى سبعين ألفا من الأولين والآخرين ، وجوههم كالقمر ليلة البدر» ، فقال أبو بكر رضى الله عنه : من هم يا رسول الله؟ قال : «الغرباء» (٣).

ويروى : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل الله عزّ وجلّ عما لأهل بقيع الغرقد ، فقال الله تعالى : لهم الجنة. فقال : «يا رب وما لأهل المعلاة؟» قال : يا محمد ، سألتنى عن جوارك فلا تسألنى عن جوارى (٤).

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى مسنده ١ / ٣٦٧ ، عبد الرزاق فى مصنفه ٣ / ٥٧٩ ، البخارى فى التاريخ الكبير ١ / ٢٨٤ ، الطبرانى فى الكبير ١١ / ١٣٧ ، كلهم من طريق ابن جريج. وفيه : إبراهيم بن خداش الهاشمى ، ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين ٤ / ١٠ ، وسكت عنه البخارى ١ / ٢٨٤.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٣ / ٥٧٨ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٠٩ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٦٦.

(٣) أخرجه : الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٢٨٤ ، وعزاه للجندى فى فضائل مكة من طريق : عبد الرحيم بن زيد العمىّ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٥١ ، الديلمى كما فى كنز العمال ١٢ / ٢٦٢ ، وما تفرد به الديلمى ضعيف.

(٤) هداية السالك ١ / ٤٨.


وفيها عدد كثير من الصحابة والأولياء والأخيار لكن قد خفى قبورهم ولا يعلم اليوم منها إلا قبر خديجة ـ الكبرى ـ بنت خويلد زوجة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان سنها يوم توفيت خمسا وستين سنة.

وقبر عبد الله بن الزّبير ، وقبر الفضيل بن عياض ، وقبر سفيان بن عيينة ، وقبر الإمام القشيرى ، وقبر عبد الملك ابن الطبرى. رحمة الله عليهم أجمعين (١).

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٣٩٥.


الفصل الخمسون فى ذكر

ثواب كلّ عمل يفعله الحاج من حين خروجه

من منزله إلى آخر نسكه وسنن رجوعه إلى بيته

إذا أراد الحاج أن يسافر سفر الحج وجزم عزمه عليه ينبغى أن يعلم أن المسير بالظاهر إلى البيت الحرام وبالباطن إلى رب البيت والمقام ، فجعله على مثال حضرة الملوك المرجو لنيل المطالب وقضاء المآرب ، ويكون قصده إلى بيته امتثالا لأمره وخضوعا لعظمة جلاله ؛ فأهم شىء واجب عليه أن ينوى نية خالصة لوجه الله تعالى وطلبا لمرضاته ؛ لأن الله تعالى لا يقبل عبادة عباده إلا ما كان خالصا مخلصا لوجه الله تعالى كما قال فى كلامه المجيد : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(١).

وقال محمد بن عبد الوهاب الثقفى : لا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان صوابا ، ومن صوابها إلا ما كان مخلصا ، ومن مخلصها إلا ما وافقت السنة.

وينبغى أن يحفظ من شوائب الرياء والسمعة والتفرّج والنزهة والتجارة والجولان فى البلدان ، بل يكون همه مجردا لله تعالى ، ويكون قلبه متفرغا لذكره وتعظيما لشعائره ، ويسير بكليته إلى ربه ، ويقطع العلائق الشاغلة عنه فلا يلتفت إلى ما سواه ، ويتوجه بكليته إلى مولاه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يأتى على أمتى زمان يحج أغنياؤهم للنزهة ، وأوساطهم للتجارة ، وفقراؤهم للمسألة ، وقراؤهم للرياء والسمعة» (٢).

واعلم أن من عزم وقصد أن يحج بيت الله الحرام يجب عليه أولا أن يتوب عن

__________________

(١) سورة البينة : آية ٥.

(٢) رواه الديلمى عن أنس ، كما فى كنز العمال ٥ / ١٣٣ ، الخطيب فى تاريخ بغداد ١٠ / ٢٩٦ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٢٧) وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكثر رواته مجاهيل.


جميع الذنوب والخطايا ما ظهر منها وما بطن توبة نصوحا وإن كانت التوبة لا تختص بسفر الحج ، لكن تلك الحالة ادعى لها من غيرها من الحالات فلهذا اختصت بالذكر ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) الآية (١).

أمرنا بالتوبة النصوح ، والأمر حقيقة للوجوب ، وكلمة «عسى» من الله تعالى للتحقيق لا للشك.

وقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)(٢).

وقال تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)(٣).

قيل : معنى التوبة : الندم على ما فات من الطاعة وإصلاح ما هو آت ، ثم التوبة النصوح أن يندم على ما ارتكب من الذنوب فى الزمان الماضى ، ويعزم أن لا يعود إليها فى الزمان المستقبل أبدا ؛ فإنه بذلك يستحق الرحمة والمغفرة بالنص ؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام : «إن الله أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد ، ومن الظمأن الوارد ، ومن العقيم الوالد».

وفى رواية : «أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم بضالته يجدها بأرض فلاة عليها زاده وسقاؤه».

والفرح من الله تعالى : الرضا وحسن القبول ، والإقبال عليه ببسط الرحمة والمغفرة والكرامة ؛ ومعناه أن

الله تعالى أرضى بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بأرض فلاة ... الحديث.

وإذا تاب توبة نصوحا على ما ذكرنا صارت التوبة مقبولة غير مردودة قطعا من غير شك وشبهة ، بحكم الوعد بالنص لقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ)(٤) الآية. وقد قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)(٥).

__________________

(١) سورة التحريم : آية ٨.

(٢) سورة النور : آية ٣١.

(٣) سورة الزمر : آية ٥٤.

(٤) سورة الشورى : آية ٢٥.

(٥) سورة الرعد : آية ٣١.


ولا يجوز لأحد أن يقول : إن قبول التوبة النصوح فى مشيئة الله تعالى ؛ فإن ذلك جهل محض ويخاف على قائله الكفر ؛ لأنه وعد قبول التوبة قطعا وهذا بخلاف الإيعاد فإن العفو عنه وترك العقوبة كرم منه لا أنه خلف. هذا مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وتمامه عرف فى الأصول ، وإنما ذكرت هذه المسألة هنا كيلا يتشكك التائب فى قبول توبته إذا كانت توبة نصوحا ؛ فإنه بتلك التوبة والاعتقاد يصير مذنبا أعظم من الذنب الأول.

ثم اعلم أن تمام التوبة وقبولها موقوف على إرضاء الخصوم برد المظالم إلى أصحابها ، وقضاء الديون ، ورد الودائع والأمانات بقدر الوسع والطاقة ؛ لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يقبل الله توبة عبد حتى يرضى الخصماء ؛ فإذا رضى خصماؤه رضى الله عنه ، ويقبل توبتة وصومه وصلاته ، ودرهم واحد يرد إلى الخصماء خير له من عبادة ألف سنة».

وفى رواية : «ولرد دانق من حرام خير له من سبعين حجة» (١).

وينبغى أن يجتهد فى رد المظالم وقضاء الديوان ورد الودائع إلى أربابها ؛ فإن السفر بعيد والعمر قصير والناقد بصير والخطر شديد ، وأن يخيّل هذا السفر بسفر الآخرة ؛ لأن علاماته أنموذج علامات سفر الآخرة بعينه فى الحقيقة لمن تدبره.

واعلم أن كل معصية أو مظلمة أو حق لغير يجب عليك توبته ورده وأداؤه ؛ فهو كغريم متعلق بذيلك ويمنعك من الوصول إلى مقصدك ومطلوبك ، وكأنه يقول لك بلسان الحال فى المقال : كيف يحل لك قصد حرم الملك ذى الجلال وأنت مصر على معصيته ومرتكب على مخالفته وتطمع فى رضاه عليك وتتعرض لإحسانه إليك أفلا تخش من الرد والطرد؟!

__________________

(١) الدانق : أصغر قطعة نقد فى العصور الأولى ، وكان يساوى سدس درهم ، والحديث غريب جدا ، قال عنه القارى فى رسالته (ص : ٥٥) : وقال العسقلانى : «ما عرفت أصله» ، وهو مذكور فى كشف الخفاء ومزيل الالتباس ١ / ٥١٥ ـ ٥١٦ ، وهداية السالك ١ / ١٣٧. وفيه : إسحاق بن وهب الطهرمسى ؛ قال عنه الدارقطنى : كذاب متروك يحدث بالأباطيل عن عبد الله بن وهب وغيره. انظر : الضعفاء والمتروكون (١٠١) ، وتنزيه الشريعة ١ / ٣٧ ، وقال عنه ابن حبان : يضع الحديث ، لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه ، منكر الرواية (المجروحين ١ / ٢٩٤).


وينبغى له أنه إذا رجع إلى باب الله تعالى وخرج من بابه أن يتصدق بشىء على الفقراء والمساكين ؛ فإن ذلك سبب للسلامة.

وينبغى له أن يرتب الزاد ونفقة الطريق من وجه حلال ، ويحترز من الحرام ؛ لقوله عليه‌السلام : «إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ، ووضع رجله ونادى ربه : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لبيك وسعديك ، زادك حلال ، وراحلتك حلال ، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل حاجا بنفقة خبيثة فوضع رجله فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور» (١).

ولقوله عليه‌السلام : «كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به». فإذا أكل الحرام فى الطريق وغيره نبت منه لحم طاهر فيستحق هو النار والعقوبة ، فكيف تنزل عليه الرحمة ويستحق المغفرة؟!

ومذهب أحمد أنّ من حجّ بمال مغصوب لم يجز حجه أصلا ، ولم يخرج من عهدة الحج ، وهو من المجتهدين ، وأئمة أهل السنة والجماعة.

وقال قائلهم :

إذا حججت بمال أصله سحت

فما حججت ولكن حجّت الإبل (٢)

فليحترز الحاج عن الحرام بقدر الإمكان وكذا عن كل ما فيه شبهة الحرمة ؛ لقوله عليه‌السلام : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».

ولقول الصحابة : كنا ندع تسعة أعشار من الحلال مخافة أن نقع فى عشر من الحرام.

وقد قال عليه‌السلام : «فمن وقع فى الشبهات فقد وقع فى الحرام ؛ كالراعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه».

__________________

(١) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٩ ، وعزاه للبزار ، وبمثله رواه : ابن عدى فى الكامل ٣ / ١٠٥ ، والديلمى فى الفردوس (١٧٢) ، والأصبهانى فى الترغيب (١٠٧٦).

(٢) هداية السالك ١ / ٢٩١ ، الإيضاح (ص : ٣٠) ، شرح اللباب (ص : ٣٢٢ ـ ٣٢٦) ، المجموع ٧ / ٤٧ ـ ٤٨.


وقال عليه‌السلام : «من اشترى ثوبا بعشرين درهما وفى ثمنه درهم حرام لم يقبل الله تعالى صلاته ما دام عليه منه شىء».

وينبغى له أن يحمل من الزاد والنفقة فى الطريق قدر ما يكفيه هو ورفقاؤه من الفقراء إن تيسر له ذلك وله مكنة فيه رفقا بالمساكين ؛ فإنه برّ الحج ؛ لقوله عليه‌السلام حين سئل عنه : ما برّ الحج؟ قال : «إطعام الطعام ولين الكلام» (١). ولقوله عليه‌السلام فيه : «خيركم من أطعم الطعام».

وينبغى أن يودّع إخوانه وجيرانه وأهله وأقاربه ، وأن يستحل منهم ويسألهم الدعاء ؛ فقد روى الطبرانى فى الحديث : «أن الله تعالى جاعل له فى دعائهم خيرا» (٢) ، ويقول هو لمن يودعه منهم : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ، ويقول أهله له : فى حفظ الله وكنفه ، وزودك الله التقوى ، وجنبك عن الردى. أو غفر ذنبك ، ووجّهك للخير أينما توجهت ، كذا روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنه قال : كنت عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يوما يعرض فيه الناس ؛ إذ عرض رجل معه ابنه ، فقال له عمر رضى الله عنه : ما رأيت غرابا أشبه بغراب من هذا منك ، فقال الرجل : والله يا أمير المؤمنين ما ولدته أمه إلا ميتة فى القبر ، فلما سمع عمر ـ رضى الله عنه ـ ذلك استوى جالسا ، وقال : ويحك حدثنى ، فقال الرجل : خرجت فى غزوة وأمه حامل به ، فقالت لى : أتخرج أنت وتدعنى على هذه الحالة حاملا مثقلة به ، فقلت لها : أستودع الله تعالى ما فى بطنك ، وذهبت ثم قدمت فلما وصلت إلى دارى فإذا الباب مغلق ، فقلت : ما فعلت فلانة؟ قالوا : ماتت ودفنت بالبقيع ،

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى المسند ٣ / ٣٢٥ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٣ ، وصححه ووافقه الذهبى ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١١.

(٢) الأذكار للنووى (ص : ٣٢٤) باب أذكاره حين يخرج ، ولفظ الحديث : «إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه ؛ فإن الله ـ تعالى ـ جاعل فى دعائهم خيرا». قال الحافظ ابن حجر : هذا حديث غريب أخرجه الطبرانى فى الأوسط.

(٣) للحديث الذى أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٢٥١٧ ، النسائى (٥٠٦) ، ابن ماجه (٢٨٢٦) ، الترمذى (٣٤٤٢) ، الحاكم فى مستدركه ٢ / ٩٧ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٥١ ، ابن خزيمة (٢٥٣١).


فمضيت إلى قبرها وبكيت ، فلما جن الليل قعدت مع بنى عمى أتحدّث ، فارتفع من قبرها لهب نار ، فقلت لبنى عمى : ما هذه النار؟ فتفرقوا عنى حياء منى ، فسألت أهل تلك البقعة ، فقالوا : نرى على قبرها كل ليلة نارا. فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أما والله إنها كانت صوامة قوامة عفيفة مسلمة ، فكيف هذا الحال؟فأخذت فأسا فنبشت قبرها ، فرأيت قبرها مفتوحا وهى جالسة فيه وهذا الصبى يدب حولها ، فسمعت مناديا ينادى ويقول : أيها المستودع ربه خذ وديعتك ، أما والله لو استودعتنا أمه لوجدتها ، فأخذت ولدى هذا ، وعاد القبر كما كان (١).

ويستحب أن يجعل سفره يوم الخميس ؛ فإن لم يكن فيوم الاثنين ؛ اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وليكن سفره بكرة النهار ؛ فإن الله تعالى بارك لهذه الأمة فى بكورها (٢).

فإذا بلغ باب داره يقول : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الرجل إذا خرج من بيته كان معه ملكان موكلان ، فإذا قال : بسم الله. قال : الملكان الموكلان : هديت ، وإذا قال : توكلت على الله.

قالا : كفيت. وإذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، قالا : وقيت. وتلقاه قريناه ، فيقولان : ما تريدان من رجل قد هدى وكفى ووقى» (٣).

ويشيع الحاج أقرباؤه وأصحابه وجيرانه ؛ فقد ورد الحديث : «إن الله تعالى يغفر لمن شيع الحاج ولمن استغفر له الحاج» (٤).

وفى حديث آخر : «إن الله يغفر لمن شيع الحاج».

فإذا ركب قال : الحمد لله الذى هدانا للإسلام ، ومنّ علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سبحان

__________________

(١) أخرجه : الطبرانى فى الدعاء ٢ / ١١٨٣ ، ابن أبى الدنيا فى مجابى الدعوة (ص : ٨٨) ، وقال الحافظ ابن حجر فى «الفتوحات الربانية» ٥ / ١١٤ عن هذا الخبر : «غريب موقوف».

(٢) للحديث الذى أخرجه : أبو داود (الجهاد : الابتكار فى السفر) ٣ / ٣٥ ، ابن ماجه ٢ / ٧٥٢ ، الترمذى (البيوع : التبكير فى التجارة) ٣ / ٥١٧.

(٣) أخرجه : أبو داود ٤ / ٣٢٥ (الأدب : باب فيمن دخل بيته) ، الترمذى ٥ / ٤٩٠ (الدعوات) ، ابن ماجه ٢ / ١٢٧٨ ، ١٢٧٩.

(٤) هداية السالك ١ / ٣٤١ ، الأذكار (ص : ٣٢٤).


الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (١). للحديث الصحيح.

وإن كان يركب السفينة يقرأ هذه الآية : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً)(٢) إلى آخر الآية ؛ لقوله عليه‌السلام : «أمان أمتى من الغرق إذا ركبوا فى السفينة أن يقولوا : بسم الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٣). ثم يقرأ :(بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(٤).

وإذا نزل منزلا يقول : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(٥).

وإذا حطّ رحله يقول : بسم الله توكلت على الله ، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، سلام على نوح فى العالمين.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من نزل منزلا وقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ؛ لم يضره شىء حتى يرتحل من منزله ذلك» (٦).

ويستحب إكثار الدعاء لنفسه ولغيره من المؤمنين ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم» (٧).

ويكون أكثر سيره بالليل ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليكم بالدلجة ؛ فإن الأرض تطوى بالليل ما لا يطوى بالنهار» (٨).

__________________

(١) أخرجه : أحمد ١ / ٢٥٦ ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤١) ، الهيثمى فى مجمع الزوائد ١ / ١٢٩ وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط وأبو يعلى والبزار ، ورجالهم رجال الصحيح.

(٢) سورة الأنعام : آية ٩١.

(٣) سورة الأنعام : آية ٩١.

(٤) سورة هود : آية ٤١.

(٥) سورة المؤمنون : آية ٢٩.

(٦) أخرجه : مسلم (الذكر والدعاء : التعوذ من سوء القضاء) ٨ / ٧٦. والمراد بالتامات : التى لا يدخلها عيب ولا نقص. وقيل : هى النافعة الشافية.

(٧) أخرجه : أبو داود ٢ / ٨٩ ، ابن ماجة ٢ / ١٢٧٠ ، الترمذى ٤ / ٣١٤.

(٨) أخرجه : أبو داود ٣ / ٢٨ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤٥ ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.


وينبغى أن يطلب للطريق رفيقا صالحا عاقلا ورعا قد سافر قبل ذلك ؛ لقوله عليه‌السلام : «الرفيق ثم الطريق» (١) ولأنه إذا كان له رفيق بهذه الصفة يكون أقرب إلى محافظة آداب السفر على وجه السنة ، ويكون معينا له على الطاعة والعبادة ، ورادعا له عن المنكر والمعصية ؛ فإنه إن نسى خيرا ذكّره ، وإذا ذكر أعانه ، وإذا ضاق صدره صبّره ، وإذا جبن شجّعه ؛ لقوله عليه‌السلام : «إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له رفيقا صالحا ، إن نسى ذكّره وإذا ذكر أعانه ...» الحديث.

وأن يكون رفيقه حسن الخلق ، ومن حسن خلقه : كفّ الأذى عن الناس واحتماله وإهماله والتجاوز عنه.

ولا يمشى منفردا فى الطريق إلا مع الرفقة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب» (٢).

وفى رواية أخرى : «الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان ، والثلاثة ركب» (٣).

فإذا وصل إلى ميقات طريقه وقت الإحرام ، أحرم وتفكر وتأمل أن الله سبحانه وتعالى لما جعل البيت الحرام قياما للناس ، وألبسه لباس إضافته إليه ، وخصه بوجوب حجه وتعظيم شعائره ؛ جعله على مثال حضرة الملك العظيم التى لا يدخلها قاصدها إلا متلبسا بالتواضع والخضوع ، والافتقار والخشوع ، والذلة ، والعادة فى حضرة الملك العظيم أن يكون لها أوقات معلومة ؛ لحضور أرباب المطالب وإفاضة النعم العامة ، فلا تقصد لذلك إلا فيها ، وأن يكون لها مواضع معروفة لا يتعدّاها قاصد الحضرة إلا على هيئة التواضع تعظيما لصاحب الحضرة ؛ فكذلك هذا البيت المكرم والحرم المعظم ؛ لما كان حجه مجمعا عاما جعل له ميقات زمانى لا يقصد إلا فيه ، وميقات مكانى لا يتعداه قاصده إلا على هيئة الخضوع على الوجه المشروع ؛ وهو الإحرام بواجباته ومحظوراته.

ولو أحرم قبل ميقاته المكانى لكان أفضل عندنا ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما

__________________

(١) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٨ / ١٦٤ ، وعزاه للطبرانى. وفيه أبان بن المحبر وهو متروك.

(٢) أخرجه : أبو داود ٣ / ٣٦.

(٣) أخرجه : الترمذى ٤ / ١٩٣.


تأخر ، ووجبت له الجنة» (١).

ولأنه أكثر عملا فى القربة ، وأشق على النفس فكان أفضل بشرط أن : يكون مالكا لنفسه أن لا يقع فى محظور الإحرام ، ولا يرتكبه.

وقال الشافعى : الإحرام من الميقات أفضل فى رواية المزنى عنه ، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله ؛ لما روى أن النبى عليه‌السلام أحرم من الميقات ، ولو كان الإحرام قبل الميقات أفضل لفعله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفى رواية عن الشافعى ـ رحمه الله ـ : أن الإحرام من بلده أفضل (٢).

فإذا أراد الإحرام يستحب له أن ينظف بدنه بقص شاربه وتقليم أظفاره وحلق عانته ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النظافة من الإيمان».

ثم يتجرد عن ثيابه المخيط ، ويغتسل أو يتوضأ ، والغسل أفضل ؛ لما روى أن النبى عليه‌السلام : اغتسل وأحرم وأمر أصحابه بالاغتسال (٣) ، ولأن الغسل أبلغ فى التنظيف فكان أفضل ، أو اقتداء واتباعا للسنة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تعالى ملكا ينادى فى كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينل شفاعته».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فمن رغب عن سنتى فليس منى».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحيا سنتى فقد أحبنى ، ومن أحبنى كان معى فى الجنة».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا أبدا ما أخذتم بهما : كتاب الله وسنتى».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أطاعنى فقد أطاع الله ، ومن عصانى فقد عصى الله».

__________________

(١) أخرجه : أبو داود ٢ / ١٤٤ ، ابن ماجه (٣٠٠١) ، أحمد فى المسند ٦ / ٢٩٩ ، الدارقطنى ٢ / ٢٨٣ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٣٠.

(٢) الأم ٢ / ٤٥ ، المجموع ٧ / ٢١٣.

(٣) مسلم (الحج : حجة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ٤ / ٣٩ ، الترمذى ٣ / ١٩٢.


وهذا الغسل والوضوء مشروع لأجل التنظيف لا أنه شرط لصحة الإحرام كالغسل فى يوم الجمعة والعيدين ؛ لأن الإحرام وإن كان عبادة لكن ليس فى معنى الصلاة ليشترط فيه الوضوء ؛ فيصح بدونه كالإيمان والأذان وغير ذلك.

ويستحبّ هذا الوضوء والغسل للمرأة الحائض والنفساء والصبى ؛ لما روى أن النبى عليه‌السلام أمر أسماء بنت عميس أن تغتسل وتحرم وهى نفساء ولدت بذى الحليفة فى الطريق (١) ، ففى حق الصبى أولى.

ثم بعد الغسل يلبس ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين ، والجديد أفضل ؛ لأنه أبقى وأنقى وأطيب وأطهر على مثال يوم الجمعة والعيدين إلا أن هنا يلبس إزار أو رداء ، ويكون مضطبعا فيه ، والاضطباع أن يتوشح بردائه ويخرجه من تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر ويغطيه ويبدى منكبه الأيمن ؛ فإنه سنة لما روى :أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبس فى إحرامه إزار أو رداء على هذا الوجه واضبع هو وأصحابه رضى الله عنهم (٢).

وفى رواية : أن الاضطباع لم يبق سنة فى هذا الزمان ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما فعل ذلك وأمر أصحابه لأجل المشركين إظهارا للقوة والجلادة ؛ حيث طعن المشركون فى عجزهم وضعفهم ، والأول أصح ، وأنه سنة على الوجه الذى ذكرنا.

ثم يمس طيبا فى بدنه إن كان له طيب ، وهو مستحب أى طيب شاء سواء كان طيبا يبقى عليه عينه بعد الإحرام أو لا يبقى فى المشهور من الرواية عن أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعى وأحمد رحمهم الله (٣).

وقال محمد : يكره أن يتطيب بطيب يبقى أثره على بدنه كالمسك والغالية ويجب بذلك عنده دم ؛ لقوله عليه‌السلام : «الحاج أشعث أغبر» وأثر الطيب يزيل هذا المعنى.

__________________

(١) الحديث فى مسلم (الحج : إحرام النفساء) ٤ / ٢٧.

(٢) ينظر عن ذلك : أحمد فى مسنده ٢ / ٣٤ ، أبو داود (٣٨٧٨) ، الترمذى ٣ / ٣٢٠ ، ابن ماجه (٣٥٦٧) ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٣٤٨).

(٣) ينظر عن ذلك فى : الإيضاح فى مناسك الحج للنووى (ص : ١٥٠ ـ ١٥١) ، المنهاج بشرح مغنى المحتاج ١ / ٤٧٩ ، شرح المهذب ٧ / ٢٢٠ ، هداية السالك ٢ / ٤٨٨ ـ ٤٩٠.


ولنا أحاديث كثيرة (١) منها : ما روت عائشة وأنس وغيرهما رضى الله عنهم : رأينا وميض الطيب فى مفارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يلبى. والوميض : هو بريق الطيب.

وقال مالك : يكره أن يتطيب بطيب تبقى رائحته وإن تطيب به يجب غسله (٢) ؛ لما روى أن عمر ـ رضى الله عنه ـ خرج من المدينة محرما مع جماعة فوجد رائحة طيب ، فقال : ممن هذه؟ فقال معاوية : منى ، فقال له عمر : أنت لها ، أنت لها ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما طيبتنى أم حبيبة ، فقال : لترجعن ولتغسلن عنك ، ففعل ذلك. هذا فى البدن أما فى الثوب فيكره التطيب فيه على وجه يبقى أثره بعد الإحرام كما قال محمد لأنه لا يزول سريعا وهو المراد مما ذكر مالك ومحمد من الحديثين.

وعن الشافعى قولان آخران ، فى قول : مستحب أيضا كما فى البدن ، وفى قول : هو مباح غير مستحب (٣).

ثم يصلى ركعتين بعد اللبس وهاتان الركعتان سنتان غير واجبتين بمنزلة صلاة الاستخارة للأمور ، ولا يصليهما فى الأوقات المكروهة بالإجماع إلا قولا واحدا عن بعض أصحاب الشافعى ، والأصح عنده أن يحرم بغير الصلاة ؛ لأن ابتداء النافلة فى ذلك الوقت فى الحل عندهم أيضا لا يجوز فلا يصلى ؛ فإن صلى المكتوبة ولبى جاز لوجود التحية له.

ثم ينوى الإحرام بعد ذلك ، ثم يلبى ؛ لأن الإحرام عبادة والعبادة لا تصح ولا تنعقد بدون النية بالإجماع والحديث المعروف ، وتفسيره أن ينوى بقلبه إحرام الحج أو العمرة ، والذكر باللسان ليس بشرط لقوله عليه‌السلام : «الأعمال بالنيات» (٤).

لكن الأحوط والأولى أن يذكره أيضا باللسان ليطابق لسانه قلبه فى العبادة

__________________

(١) من هذه الأحاديث ما روى فى : صحيح البخارى ٢ / ١٣٦ ، ١٧٩. مسلم ٤ / ١٠ ، ١٣ ، النسائى ٥ / ١٤٠.

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ١٥١).

(٣) هداية السالك ٢ / ٤٨٧ ، ٤٨٨ ، شرح فتح القدير ٢ / ١٤٣ ، الأم ٢ / ١٤٨.

(٤) أخرجه : البخارى (١)


ويقول : اللهم إنى أريد الحج أو العمرة فيسره لى وتقبله منى (١).

ثم عندنا وإحدى الروايتين عن مالك : لا يصير داخلا فى الإحرام بمجرد ذكرها باللسان حتى يضم إليها التلبية أو نحوها من الذكر والثناء باللسان كالتكبير فى باب الصلاة ، وهذان الاثنان فريضتان ؛ يعنى التلبية والنية والذكر بالثناء لله تعالى بأى لسان كان حتى لو ترك واحدا منهما لا يصير محرما إلا أن يسوق الهدى ويتوجه معه ؛ فإن سوقه يقوم مقام التلبية عندنا.

وقال مالك والشافعى وأحمد رحمهم الله : يصير بمجرد النية بدون التلبية والذكر باللسان ؛ لأن هذه عبادة ليس فى أثنائها نطق واجب فتصح بدون النطق كما فى الصوم لقوله عليه‌السلام : «لا إحرام إلا لمن لبى».

ولأن هذه عبادة لها تحليل وهو الحلق ، فيجب أن يكون لها تحريم وهو الذكر أو ما يقوم مقامه كما فى الصلاة.

وروى عن أبى يوسف أنه يصير محرما بمجرد النية.

ثم عندنا يصير داخلا فى الإحرام بكل ذكر يقصد به التعظيم سواء كان بالعربية أو بالفارسية كما فى تكبيرة الصلاة ، وعند أبى يوسف لا يصير محرما إلا بصفة التلبية والنية كما فى تكبيرة الصلاة على أصله.

وقال الشافعى : إن لم يحسن العجمى بالعربية لبى بلسانه بحكم العجز.

ثم إذا نوى الإحرام على ما ذكرنا بعد الركعتين يلبى عقيبهما ؛ لقوله عليه‌السلام : «أتانى آت من ربى وأنا بالعقيق فقال : قم فصلّ فى هذا الوادى المبارك ركعتين وقل : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك» (٢).

وفى رواية : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة

__________________

(١) ويدل لذلك حديث أنس ـ رضى الله عنه ـ قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلبى بالحج والعمرة جميعا ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لبيك عمرة وحجّا» رواه مسلم ٤ / ٥٢ ، (باب الإفراد والقران بالحج والعمرة».

(٢) أخرجه : البخارى ٢ / ١٣٥ (باب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : العقيق واد مبارك).


لك والملك لا شريك لك» (١).

وإن الحمد بكسر الهمزة هكذا رواه ابن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما فى تلبية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الأفضل عندنا ، وعند الشافعى بالفتح أفضل ؛ لأن بكسر الألف يكون ابتداء بالثناء ، وبفتح الألف يكون وصفا لما تقدم وبناء على ما قبله فكان معناه ؛ لأن الحمد أو بأن الحمد وابتداء الثناء أولى ، وزاد بالوصف الوصف الحقيقى وهو القائم بالذات لا الوصف النحوى.

والسنة أن يأتى بها ولا ينقص منها شيئا ، والأفضل أن يلبى عقيب الصلاة عندنا وهو أحد قولى الشافعى ، وفى قوله الآخر ـ وهو قول مالك وأحمد ـ : الأفضل أن يلبى حين تنبعث به راحلته إن كان راكبا ، وإن كان ماشيا فى ابتداء السير ، وعن مالك أنه يلبى حين يشرف على البيداء ، وكلاهما منقولان عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن الأخذ بما ذكرنا أولى وأفضل ؛ لأنه أكثر عملا وأقوى فى باب الاحتياط (٢).

وإن زاد على ذلك شيئا فهو حسن وأنه مستحب ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زاد على ذلك فى بعض الأحيان وقال : «لبيك إله الحق لبيك لبيك حقا حقا» (٣). وكذا روى عن أبى بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم.

وقال الشافعى : هو مكروه ، وروى عن الشافعى أنه قال لا تضييق فى ذلك.

والأصح عن أصحاب الشافعى مثل قولنا (٤).

والمرأة لا ترفع صوتها بل تخفض والرجل ، يرفع صوته بالتلبية ، وأنه مستحب بالإجماع لقوله عليه‌السلام : «أفضل الحج العج والثج» (٥).

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٤ / ٧ (باب التلبية وصفتها ووقتها) ، الشافعى فى الأم ٢ / ١٥٦ ، ومسند الشافعى ١ / ٣٠٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ / ١٤٥ ، الأم ٢ / ١٥٥ (باب كيفية التلبية).

(٣) أخرجه : أحمد فى المسند ٢ / ٣٤١ ، ٣٥٢ ، ٤٧٦ ، النسائى ٥ / ١٦١ ، ابن ماجه ٢ / ٩٧٤ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٠ وصححه ووافقه الذهبى ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٢٥ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٢).

(٤) الأم ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٦.

(٥) أخرجه : الترمذى ٣ / ١٨٩ ، ابن ماجه (٢٩٢٤) ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥١ ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى.


فالعج : رفع الصوت بالتلبية ، والثج : إراقة الدم (١).

وإذا فرغ من التلبية يستحب له أن يصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار ويقول : «اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار».

ويكثر التلبية عقيب الصلوات ، وكلما علا شرفا أو هبط واديا أو لقى ركبا ، وبالأسحار.

فإذا دخل مكة ورأى البيت رفع يديه بالدعاء ؛ لما روى أن دعاء المسلم عند رؤية البيت مستجاب ، ولما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا رأى البيت يرفع يديه ثم يكبر ويهلل ـ وفى رواية : يرفع يديه بالدعاء عقيبه ـ ويستحب أن يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام» (٢) ويقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ـ ثلاثا ـ اللهم زد بيتك هذا تعظيما وتشريفا وتكريما وبرّا ومهابة وزد من شرّفه وعظّمه وكرّمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرّا وإيمانا ، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد عبدك ورسولك ، أسألك أن ترحمنى وتقبل عثرتى وتغفر ذنبى وتضع عنى وزرى برحمتك يا أرحم الراحمين (٣).

ويسأل الله تعالى حوائجه عقيب ذلك فإنها مستجابة ثم يمسح بهما وجهه.

وعن مالك : أنه لا يرفع يديه (٤).

فاحضر فى قلبك عند رؤية البيت عظمته وعظمة مشاهدة رب البيت الذى قصدت له وإليه حججت ، وتشوق إلى وجهه الكريم عند مشاهدة بيته العظيم ،

__________________

(١) ينظر عن ذلك فى : الإيضاح للنووى (ص : ١٦٧) ، والمجموع ٧ / ٥٤٩ ، المغنى ٣ / ٢٩٢.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٧٣.

(٣) أخرجه : الشافعى فى الأم ٢ / ١٦٩ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٧٣ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٣٨ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط ، وفيه عاصم بن سليمان الكوزى وهو متروك.

(٤) يرى الشافعية والحنابلة ـ وهو قول عند الأحناف ـ استحباب رفع اليدين عند رؤية البيت خلافا للمالكية. (ينظر عن ذلك : المجموع ٨ / ٩ ، المغنى ٣ / ٣٦٨ ، شرح الرسالة ١ / ٤٦٤ ، هداية السالك ٢ / ٧٤٩).


وارج رحمته وقبوله ؛ لأن رحمة الله تعالى قريب من المحسنين عامة تامة شاملة على كل مخلوقاته ، ورحمته تعالى سابقة على غضبه كما قال تعالى : «أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتى غضبى» وقوله عزّ وعلا : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(١). وقول الملائكة : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)(٢).

وينبغى أن يكون رجاؤك هاهنا أغلب على الخوف ؛ فإن كرم الكريم عميم وشرف الحرم جسيم ، وحق الزائر على المزور عظيم.

فإذا دخل الطواف يبتدئ بالحجر الأسود ويقف بحياله ويستقبله بوجهه رافعا يديه حذاء أذنيه كما فى الصلاة ؛ لقوله عليه‌السلام : «لا ترفع الأيدى إلا فى سبع مواطن : فى افتتاح الصلاة ، وفى القنوت ، وفى العيدين ، وعند استلام الحجر ، وعلى الصفا والمروة ، وبعرفات ، وبجمع» (٣).

ولو قال عند ذلك : اللهم إنى أريد طواف بيتك المحرم فيسره لى وتقبله منى ، يكون أحسن وأحوط ، ثم يكبر بعد النية ويرسل يديه ، ثم يستلم الحجر ؛ لما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استلم الركن الأسود فقد بايع الله ورسوله» (٤).

وهو على مثال يمين الملك يقبله ويصافحه ويبايعه الوفاد عليه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الركن يمين الله فى الأرض يصافح بها كما يصافح أحدكم أخاه». ومن لم يدرك بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم مسح الركن فقد بايع الله ورسوله.

وتفسير الاستلام : أن يضع كفيه على الحجر ويقبله إن أمكن ، من غير إيذاء أحد.

وقال الشافعى : يسجد عليه إن أمكن ؛ لما روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ١٥٦.

(٢) سورة غافر : آية ٧.

(٣) جمع هى المزدلفة.

(٤) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٩١٩) ، الديلمى فى الفردوس (٢٦٣٠). والمعنى أن من صافحه فى الأرض كان له عند الله عهد. وقال فى النهاية : هذا كلام تخييل وتمثيل ، وأصله : أن الملك إذا صافح رجلا قبّل الرجل يده ، فكان الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك حين يستلم ويلثم.


أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبّل الحجر وسجد عليه ، ثم قبّله وسجد عليه ، ثم قبّله وسجد عليه (١).

وإن لم يمكنه السجود يقتصر على التقبيل. فإن لم يمكنه ذلك من غير إيذاء يستلمه بيده. فإن لم يمكنه ذلك من غير إيذاء يشير بكفيه نحو الحجر كأنه واضع يديه على الحجر مع التكبير والتهليل ، ثم يقبل كفيه.

ثم يأخذ فى الطواف عن يمين نفسه مما يلى باب الكعبة ويطوف سبعة أشواط وقد اضبع قبل ذلك. وهذا الطواف يسمى طواف القدوم وهو سنة عندنا إلا عند مالك [فهو] واجب (٢).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب التيامن فى كل شىء.

وعن جابر ـ رضى الله عنه ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم مكة أتى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ؛ لما روى أن الكفار كانوا يأخذون عن شمائلهم فى الطواف ، فاستحب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخالفتهم فيه ؛ فطاف عن يمينه.

ويعرف عظمة الكعبة المعظمة.

فإن سأل سائل وقال : ما الفائدة فى الابتداء بالحجر الأسود دون غيره؟ وما الحكمة فيه؟ قلنا : الفائدة متابعة فعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأما الحكمة فيه : فكما أخبر صدقه بن عمرو المكى : أن رجلا وقف على عطاء بن أبى رباح وهو جالس فى المسجد الحرام وعنده وهب بن منبّه ، فقال الرجل لعطاء : ما بال هذا الحجر ـ وأشار إلى الحجر الأسود ـ يعظم من بين حجر هذا البيت؟ فلم يدر عطاء ما يجيبه. فالتفت إلى وهب ـ أى أجب عنى ـ ، فقال وهب : إن الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل هذا الحجر مفتاحا للطواف لهذا البيت كما جعل تكبيرة الإحرام مفتاحا

__________________

(١) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٥ ، الشافعى فى الأم ٢ / ١٧١ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٣٨.

(٢) انظر : الأم ٢ / ١٧٠ ، ١٧١ ، هداية السالك ٢ / ٨١٠ ـ ٨١٣ ، متن المنهاج ١ / ٤٨٧ ، المجموع ٨ / ٣٨ ، هداية السالك ٢ / ٤٥ ، ٨١٠ ـ ٨١٤.


للصلاة ، فقال عطاء لوهب : يرحمك الله يرحمك الله.

وقال أبو بكر النقاش : الطواف بالبيت لياذة واستكانة وخضوع ورغبة ورهبة ، والطائف بالبيت كالعبد يلوذ بسيده ويدور بفنائه مستأمنا من أمر يخافه ومستمنحنا منه أمرا يرجوه ؛ فإذا تعلق بأستار الكعبة فهو كالعبد العاصى الآبق يتعلق بذيل مولاه ؛ يخضع له ويتملق لديه ليرضى عنه السيد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الكعبة محفوفة بسبعين ألفا من الملائكة يستغفرون لمن طاف بالبيت ويصلون عليه» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرج المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض فى الرحمة ، فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحطت عنه خمسمائة سيئة ، ورفعت له خمسمائة درجة. فإذا فرغ من طوافه وصلى ركعتين خلف المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك فقال له : استأنف العمل فيما تستقبله ؛ فقد كفيت ما مضى. ويشفع فى سبعين من أهل بيته» (٢).

وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قدم مكة طواف البيت.

فإذا استلم الركنين فى طوافه تحط عنه الخطايا حطّا (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استلامهما يحط الخطايا حطّا» (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أتيت على الركن اليمانى قط إلا وجبريل عليه‌السلام قائم عنده ويستغفر لمن استلمه» (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٩٦ ، والحديث إسناده ضعيف ؛ ففيه : أحمد بن صالح ، وهو ضعيف.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤ ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٨٤).

(٣) أخرج البخارى الحديث بصورة تقارب هذا المعنى وهى : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا طاف فى الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت (انظر : البخارى ٢ / ١٥٢ ، مسلم ٤ / ٦٣.

(٤) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٨٩ ، الترمذى ٣ / ٢٩٢ ، ابن حبان (ص : ٢٤٧).

(٥) أخرجه الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤١ ، عن مجاهد مرسلا.


وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى وكّل بالركن اليمانى سبعين ألف ملك قياما عليه فمن دعا عنده قالوا آمين آمين» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الركن اليمانى باب من أبواب الجنة ، والركن الأسود من الجنة».

فإذا فرغ من طوافه : يصلى خلف المقام ركعتين وهما واجبتان عندنا إلا عند مالك وأحمد والشافعى فى قول سنتان ، ويشرب من ماء زمزم غفر له.

وجاء فى رواية أخرى : «من صلى خلف المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ويحشر يوم القيامة من الآمنين» (٢).

فإذا أراد السعى عاد إلى الحجر الأسود فيستلمه ويقبله ، ثم يخرج من باب الصفا وهو فى محاذاة الضلع بين الركن اليمانى والحجر الأسود. وإن خرج من باب آخر جاز ؛ لأن المقصود هو الكون والمصير إلى الصفا. ويقدم رجله اليسرى على اليمنى فى الخروج ، فإذا خرج من ذلك الباب أو من غيره وانتهى إلى الصفا يصعد عليه ويستقبل القبلة حتى يشاهد الكعبة إن أمكنه ، وإلا فبقدر ما يمكنه ، ثم يكبر ويهلل ويثنى على الله تعالى ويصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويسأل الله تعالى حاجته ، ويكون رافعا يديه وبطون كفيه نحو السماء من أول ما يكبر ويهلل ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صعد على الصفا فعل هكذا (٣).

والدعاء عند أصحابنا فى ذلك وفى غيره غير مؤقت ؛ لأن التوقيت فى الدعاء يذهب برقة القلب ؛ بل يدعو بما شاء إلا أنه يكبر ويهلل ؛ فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كبر وهلل ووحده ودعا (٤). إلا أنهم اختلفوا فى كيفية ذلك ، والأشهر أن يقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ثلاثا ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٧) ، بلفظ «سبعون ملكا» ، والديلمى فى الفردوس (٧٣٣٢) ، ابن عدى فى الكامل ٤ / ٢٧٥ ، الفاكهى فى أخبار مكة ١ /. وفيه إسماعيل بن عياش حوله كلام (الجامع فى الجرح والتعديل ص : ٣٧٦).

(٢) ذكره القاضى عياض فى الشفا ، وابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٣.

(٣) انظر : أحمد ١ / ٢٨ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٨٠ ، عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٦ ، السنن للشافعى ٢ / ١٣٦ رقم ٤٩٢.

(٤) المراجع السابقة.


ويميت وهو حى لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شىء قدير ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، يقولها ثلاثا.

ثم يقول : الحمد لله الذى أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا (١).

ثم يصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويدعو لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات بما تيسر له من الدعاء لما مّر أنه غير مؤقت عندنا ، ثم يدعو بما شاء ويسأل الله تعالى ما شاء من حاجته الدينية والدنيوية.

ثم يهبط من الصفا ويمشى على هيئته. ويقول عند الهبوط : اللهم استعملنى بسنة نبيك ، وتوفنى على ملته ، وأعذنى من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين (٢).

فإذا وصل إلى بطن الوادى عند الميل الأخضر الذى بجنب المسجد تحت المنارة يسعى عند ذلك ويهرول حتى يجاوز الميل الأخضر الآخر الذى بحذاء دار العباس ـ رضى الله عنه ـ ويقول فى سعيه : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، فإنك أنت الأعز الأكرم ، نجنا من النار سالمين ، وادخلنا الجنة آمين (٣).

وقال الشافعى : إذا بلغ الميل الأخضر يسعى قبله بنحو ستة أذرع سعيا شديدا حتى يحاذى الميل الأخضر الآخر (٤). وفى قول : حتى يجاوز.

ثم يمشى على هيئته حتى يصعد المروة ، فإذا صعد على المروة يستقبل القبلة بوجهه ويفعل مثل ما قلنا أنه يفعله على الصفا ، ويكبر ويهلل ويدعو ويصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الوجه الذى ذكرنا فى فضل الصفا ، ويسأل الله تعالى حاجته ؛ وهذا شوط ، ثم ينزل من المروة ، ويقول مثل ما قال فى الصفا عند الهبوط. فإذا

__________________

(١) الأم ٢ / ٢١٠ ولم أقف عليه بهذا اللفظ فى شىء من الأخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٩٥.

(٣) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٤٨ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط عن ابن مسعود.

وفيه : ليث بن أبى سليم ، وهو ثقة ، لكنه مدلس.

(٤) المجموع ٨ / ٧١ ـ ٧٥.


بلغ الميل يسعى ويهرول مثل ما قلنا ؛ يفعل ذلك سبعة أشواط ، أى : سبع مرات يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. وهذا السعى واجب عندنا وليس بركن.

وقال مالك والشافعى : هو ركن لا ينوب عنه الدم. وعن أحمد روايتان : فى رواية مثل قول الشافعى ، وفى رواية : هو مستحب غير واجب (١).

وإن لم يصعد على الصفا والمروة فى السعى يجوز عندنا ويكره لما فيه من ترك السنة ولا يجب بتركه شىء ؛ لأنه من السنن.

وقال الشافعى : استيفاء ما بين الصفا والمروة شرط حتى لو أخل بشىء منه وإن قلّ لا يجوز كما يقول فى الطواف (٢).

وقال بعض أصحابه ؛ منهم أبو حفص بن الوليد : إن لم يصعد على الصفا والمروة لا يجزئه.

والأصح عند الشافعى : أن الصعود عليهما ليس بشرط لازم بل الشرط أستيفاء ما بينهما على ما ذكرنا.

ويمكن استيفاء ذلك بأن يلصق عقيبه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سعى بين الصفا والمروة ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصارى الذى سأله عن الطواف بين الصفا والمروة : «أما طوافك بين الصفا والمروة كعدل رقبة» (٣).

وقال الحسن البصرى رضى الله عنه يرفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كعدل سبعين رقبة من ولد إسماعيل».

__________________

(١) يبحث عن ذلك فى : المجموع ٨ / ٧١ ـ ٧٥ ، الشرح الكبير وحاشيته ٢ / ٣٤ وما بعدها ، المغنى ٣ / ٣٨٨.

(٢) قال الشافعية : «لو بقى من السعى خطوة أو بعض خطوة لم يصح حجه ، ولم يتحلل من إحرامه حتى يأتى بما بقى ، ولا يحل له النساء وإن طال ذلك سنين». (انظر : المجموع ٨ / ٧١).

(٣) سبق تخريجه.


الفصل الحادى والخمسون

فى ذكر الإشارة فى سر السعى بين الصفا والمروة

واعلم يا أخا الصفا بالوفا وتفكر فى ترددك بينهما كتردد العبد الخاطئ المذنب فى فناء حضرة مالكه خاشعا متفرعا متذللا إظهارا لمحبته ، ومواظبا لخدمته ، ورجاء لملاحظته بعين الجود والمرحمة ، وعفوا لزلاته ، ومحوا لسيئاته ، وطمعا فى قبول طاعته وخدمته ولم يعلم هل قبله أم لا.

أسير الخطايا عند بابك واقف

على وجل مما به أنت عارف

يخاف ذنوبا لم يغب عنك غبّها

ويرجوك فيها وهو راج وخائف

ومن ذا الذى يرجى سواك ويتقى

وما لك فى فصل القضاء مخالف

فيا سيدى لا تخزنى فى صحيفتى

إذا نشرت يوم الحساب الصحائف

وكن مؤنسى فى ظلمة القبر عند ما

تصد ذوو القربى ويجفو المحالف

لئن ضاق عنّى عفوك الواسع الذى

أرجّى لإسرافى فإنى تالف

وافتح بصرك وأبصر ببصر بصيرتك ، واعلم أن الصفا والمروة بمثابة كفتى الميزان ؛ كأنه توزن فيه أعمالك ، وترددك بينهما كتردد كفتى الميزان كيف يميل إلى الرجحان أو النقصان ، مترددا بين خوف العذاب ورجاء الغفران متمسكا بذيل عناية الرحمن قائلا بلسان الترجمان :

تعاظمنى ذنبى فلما قرنته

بعفوك ربى كان عفوك أعظما

ولولاك لم يعبد بإبليس عابد

فكيف وقد أغوى صفيك آدما

واعلم أن السعى فى الوادى هو انكماش العبد فى طاعة الله سبحانه وتعالى ، وإجابته إلى ما دعاه إليه. وقد كانت هاجر أم إسماعيل ـ سريّة خليل الرحمن عليه‌السلام ـ عند السدرة التى نزل بها إبراهيم استغاثت وعلت على هذين


الموضعين تطلب مغيثا عند ذلك الجهد ، فلما سعت بين الصفا والمروة نزلت عليها الرحمة ، وفرّج الله عنها الكربة ، وفجّر لها وأنبع لها عينا معينا وهى زمزم شراب الأبرار ، وكذلك من اقتدى بفعلها وعمل مثل عملها ؛ يتوقع له الرحمة والمغفرة ، ويخرج من مضيق عالم الكربة إلى فضاء عالم المغفرة كما رحمها الله تعالى وفرّج عنها ، وذلك أعظم الفرج إذ هى أعظم الكربة ـ قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(١). فعظمهما الله تعالى وأعلمهم أنها من شعائر حجهم ونسبهما إليه.

ثم يخرج من مكة فى اليوم الثامن من ذى الحجة من الباكر إلى منى ليوافى بها صلاة الظهر ، ويسمى هذا اليوم يوم التروية ؛ لأنهم كانوا يتروّون فيه من الماء ويحملون إلى منى وعرفات ؛ لأنه ما كان فيهما من الآبار كما هى فيها الآن (٢).

وقيل : لأن جبريل عليه‌السلام أرى إبراهيم عليه‌السلام مناسكه فى هذا اليوم.

وقيل : لأن آدم عليه‌السلام رأى حواء فيه بعد ما هبط إلى الأرض (٣). والأول المشهور.

وينزل بمنى مع الناس اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويستحب أن يقيم فيها يوم التروية ويصلى بها الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ويبيت تلك الليلة بها حتى يصلى صلاة الصبح من يوم عرفة بها. وهذه البيتوتة ليست بواجبة ، وإنما هى للاستراحة والهيئة ؛ فإن فعلها فقد أحسن ، وإن تركها فلا شىء عليه إلا أنه يكون مسيئا ؛ حيث ترك الاقتداء بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وترك السنة مكروه إلا لضرورة (٤).

فإذا صلى الصبح بها من يوم عرفة ، يمكث هنيهة إلى أن تطلع الشمس على ثبير (٥). وهو أعلى جبل بمنى. وإن راح قبل طلوع الشمس جاز ؛ إلا أن الأفضل

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٥٨.

(٢) هداية السالك ٢ / ٩٧٢ ، المجموع ٨ / ٢٩ ، المغنى ٣ / ٤٠٦.

(٣) ينظر عن ذلك فى : طبقات ابن سعد ١ / ٣٦ تفسير الطبرى ٢ / ٨٧ ، مثير الغرام (ص : ١٧٧).

(٤) شرح اللباب (ص : ١٢٧) ، المجموع ٨ / ٩٢ ، المغنى ٣ / ٦٠ ، الشرح الكبير للدردير مع الدسوقى ٢ / ٤٣.

(٥) هو جبل مشرف على منى ، وهو أعلى جبل بمنى ، وقيل : هو جبل عظيم بالمزدلفة على يمين ـ ـ الذاهب إلى عرفة ، والمشهور الأول.


ما ذكرنا ؛ لمتابعة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم يروح إلى عرفة ملبيا وينزل بها فى أى موضع شاء وأحب ؛ ولكن يجتهد أن ينزل بقرب الجبل فإنه الأفضل عندنا (١).

وعند الشافعى : النزول بعرفة بوادى نمرة (٢) أفضل ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل نمرّة وأمر بقبة من شعر. وروى : من أدم حمراء (٣). ولنا أن عرنة ليست من الموقف ، والجبل وحواليه من الموقف وأنه موضع أداء القربات والطاعات ومجمع العباد والرجال ؛ فكان النزول به أولى ، ونزول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى تلك السنة بعرنة كان بحكم الاتفاق ؛ لأنه كان قاصدا به.

فإذا زالت الشمس اغتسل إن أمكنه اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووقف عند الصخرات السود الكبار المفترشة ؛ وهو موضع وقوف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وموقف آدم عليه‌السلام والأنبياء من بعده عليهم‌السلام (٤).

ويقف هنالك إلى أن تغرب الشمس باكيا خاشعا خائفا ملبيا مكبرا مهللا مصليا على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم داعيا لنفسه ولجميع المسلمين ، وأفضل الدعاء المروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى هذا اليوم : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير» (٥).

وجاء فى فضيلة هذا الدعاء يوم عرفة بأسانيد صحيحة متصلة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس فى الوقفة بعرفة قول ولا عمل أفضل من هذا الدعاء ، فأول من ينظر الله إليه صاحب هذا الدعاء».

وقال بعض أصحابنا وأكثر العلماء رحمهم الله : ينبغى أن يكون أكثر دعاء الحاج بعرفة يوم عرفة الدعاء الذى رواه علىّ رضى الله عنه عن النبى عليه‌السلام

__________________

(١) حاشية الدسوقى ٢ / ٤٤ ، هداية السالك ٣ / ٩٧٩.

(٢) نمرة ناحية بعرفة ، وقيل : هى الجبل الذى عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف.

(٣) الحديث فى : صحيح مسلم ٤ / ٧٢.

(٤) ودليل ذلك ما جاء فى صحيح مسلم ٤ / ٤١ ، ٤٢ فى حديث جابر الطويل.

(٥) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١١٧ ، الترمذى فى السنن (٣٥٨٥) ، أحمد فى مسنده ٢ / ٢١٠.


أنه قال : «أكثر دعاء النبيين قبلى ودعائى يوم عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو حى لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شىء قدير».

فإذا وقف يستقبل البيت الحرام بوجهه ويبسط يديه كهيئة الداعى ثم يلبى ثلاثا ويكبر ثلاثا ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير ؛ يقول ذلك مائة مرة ، ثم يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، أشهد أن الله على كل شىء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شىء علما ؛ فيقول ذلك مائة مرة. ثم يتعوذ من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. ويقول : ذلك ثلاث مرات. ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثلاث مرات يبدأ فى كل مرة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وفى آخر الفاتحة يقول مرة واحدة آمين. ثم يقرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، ثم يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقول : إن الله وملائكته يصلون على النبى الأمى الطيب المبارك والسلام عليه ورحمة الله وبركاته مائة مرة ، ثم يدعو لنفسه والمسلمين ويجتهد فى الدعاء لوالديه ولأقربائه ولإخوانه فى الله عزّ وجلّ من المؤمنين والمؤمنات. فإذا فرغ من دعائه عاد فى مقالته هذه يقولها ثلاثا ، ولا يكون له فى الموقف قول وعمل غير الدعاء حتى يمسى.

فإذا أمسى باهى الله تعالى ملائكته به ، ويقول : يا ملائكتى أنظروا إلى عبدى ، استقبل بيتى وكبّرنى وهلّلنى ولبّانى وسبّحنى وحمدنى ، وقرأ بأحب السور إلىّ ، وصلى على نبيّى ، وأشهدكم أنى قد قبلت عمله ، وأوجبت له أجره ، وغفرت له ذنوبه ، وشفعته فيمن يشفع له ولو شفع فى أهل الموقف لشفعته (١).

ويجتهد فى ذلك ويقوى رجاء الإجابة ولا يشتغل فى شىء من هذا اليوم بغير

__________________

(١) أخرجه البيهقى فى الشعب (٧٠٧٤) مختصرا ، وقال : هذا متن غريب ، وليس فى إسناده من ينتسب إلى الوضع ، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات ٢ / ٢١٢.

قلت : فيه عبد الرحيم بن زيد العمى متروك. وقيل : لا يكتب حديثه. وكذبه ابن معين (الجامع فى الجرح والتعديل ٢٥٨٧) ، وعزاه السيوطى فى اللآلئ ٢ / ١٢٦ ، وابن عراق فى تنزيه الشريعة ٢ / ١٧١ إلى أبى يوسف الجصاص فى فوائده ، وابن حجر فى أماليه.


الدعاء والابتهال ، والتضرع والبكاء ؛ فهناك تسكب العبرات ، وتغفر الخطيئات ، وتنال الطلبات ؛ فإن الموقف عظيم والرب كريم والوقت شريف والرحمة واسعة والمنعم جواد.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يهبط إلى السماء الدنيا فيباهى بكم الملائكة فيقول : هؤلاء عبادى جاءونى شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتى ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل ، وعدد القطر ، أو كزبد البحر ، لغفرتها. أفيضوا عبادى فقد غفرت لكم ولمن شفعتم له» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من يوم عرفة» (٢).

وعن بلال بن أبى رباح ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله تعالى يباهى ملائكته بأهل عرفة عامة ، وباهى بعمر بن الخطاب خاصة».

وعن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تطّول على أهل عرفة فيباهى بهم الملائكة فيقول : انظروا إلى عبادى شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلىّ من كل فج عميق ، فاشهدوا أنى قد غفرت لهم إلا التبعات التى بينهم» (٣).

وعن العباس بن مرداس السلمى : أن النبى عليه‌السلام دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب : أنى قد غفرت لهم ما خلا ظلم بعضهم بعضا ؛ فإنى آخذ للمظلوم من الظالم ، فقال النبى : «أى رب ، إنك لقادر على أن تغفر للظالم وتعوض المظلوم من عندك خيرا من مظلمته» فلم يجب صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذلك فى تلك العشية ، فلما كان من الغد وقف صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند المشعر الحرام وأعاد الدعاء لهم وتضرع

__________________

(١) أخرجه : البغوى فى شرح السنة (١٩٢٣) ، وابن عبد البر فى التمهيد ١ / ١٢٠ ، ابن منده فى التوحيد ١ / ١٤٧ ، ابن خزيمة (٢٨٤٠) ، الأصبهانى فى الترغيب (٣٨٤) ، ابن حبان (١٠٠٦) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٦٨).

(٢) أخرجه : مسلم (الحج : ٤٣٦) ، ابن ماجه (٣٠١٤) ، النسائى (٣٠٠٣) ، الحاكم فى المستدرك (١٧٠٥) ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨ ، الدارقطنى ٢ / ٣٠١.

(٣) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٥٧ ، وعزاه لأبى يعلى. وفيه : صالح المرى وهو ضعيف.


إلى الله تعالى فى أن يتحمل عنهم المظالم والتبعات ، فلم يلبث صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تبسم ، فقال له أصحابه : مم ضحكت أضحك الله سنك يا رسول الله؟ فقال : «إن عدو الله إبليس لما علم أن الله تعالى قد استجاب دعائى فى أمتى وغفر لهم المظالم فذهب يدعو بالويل والثبور ويحثو على رأسه التراب ، فأضحكنى ما رأيت من جزعه» أخرج ابن ماجه (١).

فإذا غربت الشمس أفاض إلى المزدلفة ذاكرا باكيا ملبيا مكبرا ، ويؤخر المغرب إلى العشاء ليجمع بينهما فى المزدلفة فى وقت العشاء ، ويبيت تلك الليلة بها اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينزل بها حيث شاء وأحب إلا الجادة ؛ فإن النزول عليها مكروه.

ويستحب أن ينزل بقرب الجبل الذى عليه الميقدة ، يقال له : قزح (٢). وهذه البيتوتة سنة وليست بواجبة. وقال الشافعى وأحمد : هى واجبة على الأصح منهما. وبه قال مالك ، حتى لو لم يبت بها ودفع منها قبل نصف الليل فعليه الدم على الأصح.

وقال الشعبى والنخعى : البيتوتة فيها ركن حتى لو تركها لم يصح حجه (٣).

قال أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ : إن القوم إذا أفاضوا من عرفات إلى جمع ، فقال الله تعالى : يا ملائكتى انظروا إلى عبادى وقفوا فعادوا فى الطلب والرغبة والمسألة ، اشهدوا أنى قد وهبت مسيئهم لمحسنهم ، وتحملت عنهم التبعات التى بينهم (٤).

فإذا أصبح يصلى الصبح بغلس ويقف عند المشعر الحرام ويدعو إلى أن يسفر جدا ، وهذه الوقفة واجبة عند أبى حنيفة حتى لو تركها من غير عذر يجب عليه

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٣٠١٣) ، أحمد فى مسنده ٤ / ١٤ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨ ، المزى فى التهذيب ٢ / ٦٦١ ، ولم يصب ابن الجوزى بذكره فى الموضوعات ٢ / ٢١٤ ، وتعقبه السيوطى فى اللآلئ ٢ / ١٢٢.

(٢) قزح : هو آخر المزدلفة ، وهو المشعر الحرام.

(٣) ينظر فى هذا : المجموع ٨ / ١٢٧ ، الأم ٢ / ٢١٢ ، هداية السالك ٣ / ١٠٤٧ ، ١٠٤٨.

(٤) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٥٧ ، وعزاه لأبى يعلى ، وفيه : صالح المرى وهو ضعيف.


دم ، وإذا لم يقف يكون حجه ناقصا وذلك يقتضى الوجوب ؛ هذا إذا تركها من غير عذر ، فإن كان به عذر أو علة أو ضعف أو يخاف الازدحام : لا بأس أن يتعجل بليل ولا شىء عليه.

وقال الشافعى : المستحب أن يبيت بها إلى أن يطلع الفجر الثانى ويصلى بها ، فإن لم يبت بها إلى الفجر الثانى وخرج من المزدلفة بعد نصف الليل ـ وهو النصف الثانى ـ فلا شىء عليه ؛ فإن المأمور والواجب عليه عنده أن يحضر بمزدلفة فى جزء من النصف الثانى من الليل.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدعاء بجمع مستجاب» وهو المشعر الحرام.

ويستحب أن يجمع من المزدلفة سبع حصيات مثل حصى الحذف ويحملها معه إلى منى ويرمى بها جمرة العقبة.

ثم اختلفوا فى قدرها ، قال بعضهم : أصغر من الأنملة طولا وعرضا ، وقال بعضهم : مثل بندقة القوس ، وقال بعضهم : مثل الباقلاء. وهذه المقادير كلها متقاربة ؛ لأن الحذف لا يكون إلا بالصغير ، يقال : حذف الحصاة إذا وضعها على رأس سبابته ووضع إبهامه عليها ، وحذف بها إذا رمى بها. يقال : الخذف بالحصا والخذف بالعصا (١).

فإذا أفاض إلى منى يرمى جمرة العقبة بسبع حصيات ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصارى الذى سأل النبى عليه‌السلام عن الرمى : «أما رميك الجمار فلك بكل رمية رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات» (٢) أى تغفر لك.

ثم يذبح هديه إن كان له ؛ فإن كان مفردا لا يجب عليه ذبح الهدى بالإجماع بل يحلق. ويحل له كل شىء إلا النساء ، وله أن يذبح إن كان معه هدى ؛ لأنه طاعة وقربة واليوم قابل لذلك. وإن كان قارنا أو متمتعا يجب عليه الذبح فيذبح

__________________

(١) المجموع ٨ / ١٢٩ ، الأم ٥ / ٢١٣ ، الإيضاح (ص : ٢٤١ ، ٢٤٢) ، المدونة الكبرى ٢ / ١٨٣ ، الشرح الكبير ٢ / ٤٦ ، المغنى ٣ / ٤٢٤. والخذف : الحصى الذى ترمى به الطيور والعصافير لتصاد.

(٢) سبق تخريجه.


أولا ثم يحلق. والترتيب واجب عندنا يقدم الذبح ثم يحلق ؛ فإن لم يجد ما يذبح صام ثلاثة أيام فى الحج آخرها يوم عرفة وسبعا إذا رجع.

وقال الشافعى : الترتيب مستحب غير واجب حتى لو قدّم الحلق على الذبح جاز قولا واحدا ، وإن قدّم الحلق على الرمى فله فيه قولان (١).

وعند مالك : إذا قدّم الحلق على الذبح جاز ولا شىء عليه ، وإن قدّمه على الرمى لزمه دم (٢).

وقال أحمد الترتيب واجب فى الكل على ما ذكرنا ، مثل مذهبنا (٣).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، والدم يقع من الله تعالى بمكان قبل أن يقع إلى الأرض». ثم قال : «ولك بكل صوفة من جلدها حسنة ، وبكل قطرة من دمها حسنة» (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصارى الذى سأله عن النحر : «أما نحرك فمدخر لك».

ثم يحلق رأسه والأصح أن الحلق عند الشافعى نسك كما هو مذهبنا وهو قول مالك (٥).

فإذا فرغ من رمى جمرة العقبة يوم النحر على الوجه الذى ذكرنا لا يتحلل فى حق اللبس والطيب وغير ذلك حتى يحلق أو يقصر.

وفى أحد قولى الشافعى يتحلل حين يفرغ من الرمى والأول أصح ؛ لما مر أنه

__________________

(١) المجموع ٨ / ١٤٢ ، الإيضاح (ص : ٣٥٣).

(٢) الشرح الكبير ٢ / ٥٠.

(٣) المغنى ٣ / ٤٢٩ ، الفروع ٣ / ٥١٣.

(٤) أخرجه : الترمذى (١٤٩٣) وقال : حديث حسن ، ابن ماجه (٣١٢٦) ، البيهقى فى السنن ٩ / ٢٦١ ، والشعب (٧٣٣٣) ، الحاكم فى المستدرك ٤ / ٢٢١ ، وقال : صحيح الإسناد ، وتعقبة الذهبى بأن سليمان ـ أبا المثنى ـ واه ، وبعضهم تركه. وقال البخارى : لم يسمع أبو المثنى من هشام بن عروة (ترتيب علل الترمذى : ق ٤٤). وأخرجه : ابن حبان فى المجروحين ٣ / ١٥١ ، وابن الجوزى فى العلل (٩٣٦).

(٥) المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ١ / ٥١ ، هداية السالك ٣ / ١١٥٣.


نسك على القول المنصور له ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصارى الذى سأل عن الحلق فقال عليه‌السلام : «فلك بكل شعرة حلقتها حسنة وتمحى بها عنك خطيئة» (١).

ويحكى عن أبى سهل بن يونس أنه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام فقلت : يا رسول الله استغفر لى ، فقال : حججت؟ قلت : نعم ، قال حلقت رأسك بمنى؟ قلت : نعم ، فقال : رأس حلق بمنى لا تمسه النار (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله المحلقين» ، قالوا : يا رسول الله والمقصرين؟ قال : «رحم الله المحلقين» ، قالوا : يا رسول الله والمقصرين؟ قال : «رحم الله المحلقين» ، قالوا : يا رسول الله والمقصرين؟ قال : «والمقصرين» فى الرابعة (٣).

اعلم أن الإتيان بالحلق أفضل من التقصير للحديث المروى آنفا ؛ حيث دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة ، فدل على أن الحلق أفضل.

ثم الحلق أو التقصير لا يجوز عندنا أقل من ربع الرأس كما فى مسح الرأس فى الوضوء ؛ فإن حلق أو قصّر أقل من النصف أجزاه عندنا وهو مسىء فى ذلك ؛ لأن السنة حلق جميع الرأس أو تقصير جميع الرأس ، فإن ترك ذلك فيكون مسيئا.

وقال الشافعى : إن اقتصر على حلق ثلاث شعرات أو تقصيرها أجزأه كما فى مسح الرأس عنده ، ثم قال : ولا فرق بين أن يقصر من الشعر الذى يحاذى الرأس أو من الشعر الذى نزل من الرأس ؛ لأن المقصود تقصير الشعر من الرأس وذلك به (٤).

وذكر ابن الصباغ من أصحابه : أنه لا يجوز فيما نزل من الرأس. والأول أصح.

وقال مالك : لا يجوز الحلق والتقصير إلا بالأكثر اعتبارا بمسح الرأس عنده.

هذا فى حق الرجال ، أما النساء فليس عليهن الحلق ؛ لأن فيه نوع مثلة فى

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) أخرجه ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٠٠.

(٣) أخرجه : البخارى ٢ / ١٧٤ (الحج : الحلق والتقصير) ، مسلم ٤ / ٨١ (الحج : تفضيل الحلق).

(٤) المجموع ٧ / ٢٥٢ ، مغنى المحتاج ١ / ٥٢١ ، وانظر مسألة الشعرة فى : المجموع ٨ / ١٥٧ ، ١٥٨.


حقهن فلا يؤمرن به ، وإنما عليهن التقصير ؛ لقوله عليه‌السلام : «ليس على النساء الحلق وعليهن التقصير ، ويكفيها قدر أنملة نافذ من شعر رأسها» (١).

وفى «آداب المفتيين» : أن المرأة لو قصرت مقدار الأنملة من أحد جانبى رأسها وذلك يبلغ النصف أو دونه أجزأها.

وقال الشافعى : أحب أن تجمع المرأة ضفائرها وتأخذ من أطرافها قدر أنملة ؛ لتعم الشعر كله ، وإن قصرت ثلاث شعرات أجزأها كما فى الرجل على أصله (٢).

ثم الحلق عند أبى حنيفة ـ رضى الله عنه ـ نسك ؛ لأنه يستحق به الثواب والرحمة وأنه يختص بزمان ومكان. أما الزمان فأيام النحر ، وأما المكان فهو الحرم ؛ لأنه إذا ثبت كونه نسكا فمناسك الحج مختصة بزمان ومكان كسائر المناسك.

وقال أبو يوسف : الحلق يختص بالزمان دون المكان.

وقال محمد : يختص بالمكان دون الزمان (٣).

ثم أفاض إلى مكة فى يومه ذلك إن تيسر له ؛ لأنه الأفضل. فإن لم يتيسر له فى يوم النحر ففى الغد إلى آخر أيام النحر عندنا ، لكن الأفضل النزول فى يوم النحر وطاف طواف الزيارة على الوجه الذى وصفنا ، ويصلى الركعتين بعده كما ذكرنا قبل ، ويسمى هذا الطواف طواف الإفاضة أيضا وهو ركن الحج بالاتفاق (٤).

وإذا فرغ من الطواف رجع إلى منى ، ويبيت بها لياليها وهذه البيتوتة سنة عندنا ، وعند مالك والشافعى هى واجبة على الأصح إلا فى حق المعذور كأهل مكة ومن به عذر ومرض ، وكرعاة الإبل.

ثم عند الشافعى لو ترك المبيت بها هل يجب عليه الدم بتركه أو لا؟ فله فيه روايتان : إحداهما : يجب ؛ لأنه نسك ، والثانية : لا يجب ؛ لترك مبيتها ليلة عرفة.

__________________

(١) أخرجه : أبو داود ٢ / ٢٠٣ ، وينظر عن ذلك المبحث فى المجموع ٨ / ١٥٤ ، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر رقم ٢٨ ، وهداية السالك ٣ / ١١٥٢.

(٢) المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ١ / ٥١.

(٣) هداية السالك ٣ / ١١٦٢.

(٤) هداية السالك ٢ / ٨٥٣ ، ٨٦٢ ، ٣ / ١١٦٣.


وعلى قول أنه يجب فإن ترك المبيت فى الليالى الثلاث وجب عليه الدم ، وإن ترك ليلة أو ليلتين ففيه ثلاثة أقوال كما لو حلق شعرة أو شعرتين ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يجب فى الشعرة ثلث دم ، وفى الشعرتين ثلثا دم ، وفى الثلاثة دم ، وما دونها فبحسابه.

والقول الثانى : يجب فى الشعرة درهم ، وفى الشعرتين درهمان.

والقول الثالث : ما ذكرنا فى الظفر يجب فى الشعرة مدّ ، وفى الشعرتين مدّان والظفر والأظفار على هذا.

ولو ترك مبيت الليلة الثالثة ولم يبت الليلة الأولى والثانية قبل ذلك يجب بترك الليلة الثالثة دم ، ولو بات الأولى والثانية لا يجب شىء (١).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصارى الذى سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن طواف الإفاضة فقال عليه‌السلام : «أما طوافك ـ يعنى الإفاضة ـ فإنك تطوف ولا ذنب عليك ، ويأتى ملك حتى يضع كفه بين كتفيك فيقول لك : اعمل لما قد بقى فقد كفيت ما مضى».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج حجة الإسلام وطاف طواف الزيارة ؛ فإنه يطوف ولا ذنب عليه ويأتيه ملك يضع كفه ...» (٢) الحديث.

فإذا فرغ من الطواف والصلاة قام فى الملتزم ويدعو لنفسه وسائر المسلمين.

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء» (٣).

وقال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : الملتزم ما بين الحجر والباب ، لا يلتزم ما

__________________

(١) انظر ترتيب أعمال يوم النحر فى : بدائع الصنائع ٢ / ١٥٨ ، شرح اللباب (ص : ١٢٥) ، شرح المنهاج ٢ / ١١٩ ، شرح الزرقانى ٢ / ٢٨٠ ، شرح الرسالة بحاشية العدوى ١ / ٤٧٦ ، المغنى ٣ / ٤٤٦ ، هداية السالك ٣ / ١١٧٣.

(٢) سبق تخريجه.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤٨.


بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه (١).

وعنه أيضا : ما دعى عبد لله تعالى فيه إلا استجاب له.

ثم يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه ؛ فإن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق ، فإنه طعام طعم ، وشفاء سقم ، وإن ماء زمزم لما شرب له (٢).

ثم يرجع إلى منى لرمى أيام التشريق اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبيت بها لياليها ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بات بمنى ليالى الرمى (٣).

وهذه البيتوتة سنة عندنا ، وعند مالك والشافعى ـ رحمهما الله ـ هى واجبة ـ على الأصح ـ إلا فى حق المعذور كأهل مكة ، ومن له عذر ومرض ، وكرعاة الإبل.

فإذا مضى أيام التشريق عاد إلى مكة ، فإن كان لم يعتمر من قبل اعتمر من التنعيم ، وهو ميقات المعتمرين لأهل مكة ، وهو أقرب الحل إلى مكة ، والأفضل أن يأتى بالعمرة عقيب الحج وهى سنة عندنا وعند مالك.

وقال الشافعى وأحمد : هى واجبة كوجوب الحج ولا ينوب عنها الدم (٤).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قضى نسكه ، وسلم الناس من لسانه ويده ؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العمرة الحج الأصغر» (٥).

وهذا آخر نسكه ، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع.

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤٠٦٠) ، عبد الرزاق فى مصنفه (٤٦ ـ ٩ ، ٤٧ ـ ٩) ، ابن أبى شيبة ٤ / ٣١٧.

(٢) أخرجه : مسلم (٢٤٧٤) ، البيهقى ٥ / ١٤٧ ، أحمد ٥ / ١٧٤ ، أبو نعيم فى الدلائل (١٩٧) ، ابن حبان (٧١٣٣).

(٣) الحديث فى أبى دواد ٢ / ١٩٨.

(٤) الإيضاح (ص : ٣٩٧) ، شرح الرافعى ٧ / ٣٨٩ ، مالك فى الموطأ ١ / ٤٠٦ ، الأم ٢ / ٢١٥.

(٥) أخرجه : الدارقطنى فى سننه ٢ / ٢٨٥ مرفوعا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفس اللفظ. وموقوفا على ابن عباس بلفظ : «الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأصغر العمرة». والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٠٣) وعزاه لابن الحاج فى منسكه.


ويستحب أن يتصدق على جيران بيت الله الحرام بما تيسر ؛ لأن الإحسان إليهم من أسنى الرغائب وأسمى القرب. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما نفقاتهم فيخلفها الله تعالى فى دار الدنيا قبل أن يخرجوا منها ، وأما الألف ؛ فالألف فمدخر فى الآخرة ، والذى نفسى بيده إن الدرهم الواحد أثقل فى الميزان من جبلكم هذا ، وأشار إلى أبى قبيس».

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحسنة بمكة بسبعين من حسنات الحرم» قالوا : وما حسنات الحرم يا رسول الله؟ قال : «الحسنة بمائة ألف حسنة».

وقال الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ : صوم يوم بمكة بمائة ألف ، وصدقة درهم بمائة ألف (١).

فإذا قضى أحدكم حجه فليتعجل إلى أهله فأنه أعظم لأجره.

وأما طواف الوداع فلا رمل فيه ولا سعى بعده بل يطوف سبعة أشواط كما تقدم. وهذا الطواف يسمى طواف الصدر. وهو واجب عندنا وبه أخذ أحمد إلا على ستة : المعتمر ، والمكى ، وكذا أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة ، وكذا الآفاقى إذا نوى الإقامة بعد فراغه من أفعال الحج والعمرة بمكة ؛ فلا وداع عليه ؛ هذا إذا نوى الإقامة والعزم عليها قبل أن يحل النفر الأول وهو اليوم الثانى من أيام التشريق وهو الثانى عشر من ذى الحجة بعد الزوال ؛ لأنه نوى الإقامة فى وقتها (٢).

وإن عزم على المقام ونوى بعد ما حل النفر الأول لم يسقط عنه ويلزمه طواف الصدر عند أبى حنيفة.

وقال الشافعى : يسقط كما قيل حل النفر الأول ؛ لأنه غير مفارق للبيت فلا يلزمه وداعه إلا إذا شرع فى الطواف ثم نوى ؛ فحينئذ لا يسقط عنه بحكم الشروع.

وكذا الحائض والنفساء ؛ لأنهما معذورتان فيه (٣) ، وقد روى : أن النبى عليه

__________________

(١) فضائل مكة للحسن البصرى (ص : ٢١) ، مثير الغرام الساكن (ص : ٢٣٥).

(٢) هداية السالك ٣ / ١٢٢٥.

(٣) يبحث عن ذلك فى : شرح اللباب (ص : ١٦٩) ، الشرح الكبير ٧ / ٤١٢ ، المجموع ٨ / ١٩٩.


السلام رخص للحائض ترك الوداع ولم يأمرهن بإقامة دم ولا شىء مقامه ، والنفساء كالحائض فى ذلك (١).

وللشافعى فيه قولان :

أحدهما : أنه غير واجب ؛ وهو قول مالك اعتبارا بالمكى ، وعلى هذا لو تركه لا يجب عليه دم (٢).

وفى قوله الآخر : هو واجب مثل قولنا ، ولو تركه بغير عذر يجب عليه دم.

فإذا فرغ من الطواف يصلى ركعتين خلف المقام إن تيسر له ، وإلا فى غيره من المسجد. ثم يأتى زمزم ـ على المشهور من الروايات ـ وقيل : يرجع إلى الملتزم ثم يأتى إلى زمزم ، والأول هو الأصح. ويشرب من مائها ، وإن نزع الماء بنفسه من غير أن يستعين بأحد ، ثم يشرب منه ويمسح وجهه ورأسه وجسده كان ذلك أحسن ؛ لما روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى زمزم ونزع لنفسه بدلو ولم ينزع معه أحد ، فشرب ، ثم أفرغ ماء الدلو عليه (٣).

ويستحب أن يستقبل البيت عند الشرب ويتنفس فيه ثلاث مرات ، ويرفع بصره فى كل مرة وينظر إلى البيت ، ويقول فى كل مرة : بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله ، ثم يقول فى المرة الأخيرة بعد الصلاة : اللهم إنى أسألك رزقا واسعا ، وعلما نافعا ، وشفاء من كل داء وسقم ، يا أرحم الراحمين ، ثم يمسح به وجهه ورأسه ويصب عليه إن تيسر له لما ذكرنا.

ثم يرجع إلى الملتزم وهو ما بين الركن والباب ، فيضع وجهه وصدره عليه ، ويتعلق بأستار الكعبة ، ويتشبث بها ساعة كالمتعلق بطرف ثوب مولاه يتشفعه فى أمر عظيم ، ثم يتضرع إلى الله تعالى بالدعاء بما أحب ، والأشهر أن يقول : اللهم إن هذا بيتك الذى جعلته مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لو لا أن هدانا الله ،

__________________

(١) ومن ذلك الحديث الذى أخرجه : البخارى ٢ / ١٨٠ (باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت).

(٢) الأم ٢ / ١٨٠ ، المجموع ٨ / ١٩٩ هداية السالك ٣ / ١٢٣٣.

(٣) شرح اللباب (ص : ١٧٠) ، هداية السالك ٣ / ١٢٣٩.


اللهم فكما هديتنا لذلك فتقبله منا ، ولا تجعل هذا آخر العهد ببيتك الحرام ، وإن جعلته آخر العهد فعوضنى عنه الجنة ، وارزقنى العود إليه وإلى زيارة قبر نبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأما عند الشافعى فالمنقول عنه أن يقول عند الوداع بين الركن والباب وهو الملتزم (١) : اللهم إن هذا البيت بيتك ، والعبد عبدك وابن عبدك ، حملتنى على ما سخرت لك من خلقك ، وسيرتنى فى بلادك حتى بلغتنى بنعمتك ، وأعنتنى على قضاء نسكك ، فإن كنت رضيت عنى فازدد عنى رضى وإلا فمنّ الآن قبل تناء عن بيتك ، وهذا وقت انصرافى ، إن أذنت لى غير مستبدل بك ولا بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا راغب عنك ولا عن نبيك ، اللهم فاصحبنى العافية فى بدنى ، والعصمة فى دينى ، وأحسن منقلبى ، وارزقنى طاعتك ما أبقيتنى ، واجمع لى خيرى الدنيا والآخرة ، إنك على كل شىء قدير.

ويستحب أن يدعو فى الملتزم بدعاء آدم عليه‌السلام ؛ لما روى عن عبد الله بن أبى سليمان ـ مولى بنى مخزوم ـ أنه قال : طاف آدم عليه‌السلام بالبيت سبعا بالليل حين نزل من الجنة ، ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين ، ثم أتى الملتزم فقال : اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فاقبل معذرتى ، وتعلم ما فى نفسى وما عندى فاغفر لى ذنوبى ، وتعلم حاجتى فأعطنى سؤلى ، اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى ، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبنى إلا ما كتبت علىّ ، والرضا بما قضيت لى. فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم قد دعوتنى بدعوات فاستجبتها لك ، ولن يدعونى بها أحد من أولادك إلا كشفت عنه غمومه ، وكففت عليه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه ، وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر ، وأتته الدنيا وهى راغمة وإن كان لا يريدها (٢).

قال : فمذ طاف آدم عليه‌السلام كانت سنة الطواف.

__________________

(١) هذا الدعاء ذكره الشافعى فى الإملاء ، وفى مختصر الحج. واتفق الأصحاب على استحبابه.

وقد ورد هذا النص أيضا فى المجموع ٨ / ٢٠٢ ، هداية السالك ٣ / ١٢٣٩.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤. عن عبد الله بن أبى سليم ، ولم يسنده عبد الله إلى أحد ، فالله أعلم بمصدره.


ثم ينصرف من البيت ويكن بصره إلى البيت حتى يغيب عنه ليكون آخر عهده به.

وفى رواية : يأتى زمزم ويشرب منها ـ على ما ذكرنا ـ ثم ينصرف من زمزم نحو باب المسجد ـ وهو باب الحزورة ـ وباب الوداع من الأسفل ، ويخرج من أسفل مكة ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها (١). وهو باب بنى شيبة.

ويقول حالة الانصراف والرجوع : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ولرحمته قاصدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (٢).

وإن كان حج قبل هذا حجة الإسلام فقد فاز فوزا عظيما وأدى فرضه والباقى له تطوع.

وعن ابن عباس رضى الله عنه أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الحج فى كل سنة أو مرة واحدة؟ قال : «بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع».

وحكى الفضيل بن عياض عن شيوخ العرب : أن قوما أتوه فأعلموه أن جماعة من أهل الزيغ قتلوا رجلا وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه شيئا وهو أبيض البدن. قال : لعله حج ثلاث حجات؟ قالوا : نعم ، فقال : حدثت أن من حج حجة واحدة أدى فرضه ، ومن حج حجة ثانية داين ربه ، ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبصره على النار.

وقال النهروانى : بلغنى أن وقادا لأتون حمام أتى بسلسلة عظام جمل ليوقد بها ، قال : فألقيتها فى المستوقد فخرجت منه ، ثم ألقيتها ثانية فعادت فخرجت ، فعدت فألقيتها الثالثة فعادت فخرجت بشدة حتى وقعت على صدرى ، وإذا

__________________

(١) الحديث الدال على ذلك أخرجه : البخارى ٢ / ١٤٤ ، ومسلم ٤ / ٦٢ (الحج : باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى).

(٢) أخرجه : البخارى ٣ / ٧ (العمرة : ما يقول إذا رجع) ، مسلم ٤ / ١٠٥ (الحج : ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره).


بصوت هاتف يقول : ويحك هذا عظام جمل قد سعى إلى مكة عشر مرات كيف تحرقها بالنار؟!

فانظر يا أخا الصفا بالوفا إذا كانت الرأفة والرحمة بمطيهم فكيف بالحاج الأشعث الأغبر الذى أتى من كل فج عميق ، وفقنا الله وإياكم بطاعته ، وأعاننا على مرضاته إنه خير موفق ومعين. آمين.

* * *


الفصل الثانى والخمسون

فى ذكر ثواب من مرض بمكة أو مات حاجا أو معتمرا

أو مات عقيب الحج أو عقيب رمضان أو عقيب غزوة

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مرض يوما واحدا بمكة كتب الله له من العمل الصالح الذى كان يعمل فى غيرها عبادة ستين سنة ، وإن مات : مات مغفورا له وشهيدا» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات بمكة فكأنما مات فى سماء الدنيا» (٢).

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : من مات فى هذا الوجه من حاج أو معتمر لم يعرض ولم يحاسب وقيل له : ادخل الجنة (٣).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من خرج مجاهدا فمات كتب الله له أجره إلى يوم القيامة ، ومن خرج حاجا فمات كتب الله له أجره إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات كتب الله له أجره إلى يوم القيامة» (٤).

وعن خيثمة قال : من حج فمات فى عامه ذلك دخل الجنة ، ومن صام رمضان فمات فى عامه ذلك دخل الجنة (٥).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٣١٢. والحديث فى إسناده متروك.

(٢) ذكره ابن حجر فى لسان الميزان ١ / ١٨٧ ، وقال : رواه الحاكم فى تاريخه من رواية أحمد بن صالح عن عبد الله بن نافع عن مالك ، وذكره السيوطى فى الكبير ١ / ٨٣٦ ، وعزاه للديلمى ، والفاكهى فى أخبار مكة ٣ / ١٦٠.

(٣) أخرجه : ابن عدى فى الكامل ٥ / ١٩٩٢ ، من طريق عائذ بن بشير ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٨ ، وعزاه لأبى يعلى ، وقال : فيه عائذ بن بشير ، وهو ضعيف. وأخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٣٨٦.

(٤) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٢٠٨ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط ، وفيه جميل بن أبى ميمونة ذكره ابن حبان فى الثقات ، وأخرجه أبو يعلى بسند ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق (المطالب العالية ١ / ٣٢٦).

(٥) القرى (ص : ٤٢) وعزاه لسعيد بن منصور.


وعن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله» قالوا : وما عسله؟ قال : «يفتح الله له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه» (١).

وقال الحسن البصرى رضى الله عنه : من مات عقيب رمضان ، أو عقيب حجة أو عمرة ، أو غزوة ؛ مات شهيدا (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النفقة فى الحج كالنفقة فى سبيل الله الدرهم بسبع مائة» (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرج الحاج من بيته كان فى حرز الله ؛ فإن مات قبل أن يقضى نسكه وقع أجره على الله ، وإن بقى حتى يقضى نسكه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» (٤).

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى مسنده ٤ / ٢٠٠ ، الزهد للبيهقى (٨١٨) ، منتخب مسند عبد بن حميد (٤٨١) ، الحاكم فى المستدرك (١٢٥٨) ، وقال العراقى فى تخريج الإحياء ٢ / ١٥ : إسناده جيد.

والعسل : طيب الثناء ، مأخوذ من العسل ، شبه ما رزقه الله تعالى من العمل الصالح الذى طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذى يجعل الطعام فيحلو به ويطيب.

(٢) مثير الغرام (ص : ٤٤٥).

(٣) أخرجه : أحمد فى مسنده ٥ / ٣٣٥ ، البيهقى فى الشعب (٤١٢٦) ، الديلمى فى الفردوس (٧١٤٨) ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٨ : فيه أبو زهير لم أجده.

(٤) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (١٢٦١) ، وقال ابن حجر : حديث موضوع (تنزيه الشريعة ٢ / ١٧٥).


الفصل الثالث والخمسون

فى ذكر اختلاف العلماء فى المجاورة بمكة المشرفة

فذهب أبو حنيفة ومن تابعه وبعض أصحاب الشافعى وجماعة من المحتاطين فى دين الله من أرباب القلوب رضى الله عنهم إلى أن المقام بمكة مكروه.

وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد وجماعة من أصحاب الشافعى ومن تابعهم من العلماء رضى الله عنهم : أنه يجوز ذلك من غير كراهة بدليل النص ، قال الله تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ)(١) مطلقا يعنى : الكعبة إضافة إليه تشريفا وتفضيلا وتخصيصا ، وقوله للطائفين يعنى : الدائرين حوله.

وقوله : والعاكفين يعنى : المقيمين به المجاورين له.

قلنا : المراد من العكوف هو المقام دون المجاورة والإقامة وعلى هذا أكثر أصحاب القلوب والمحتاطون فى دين الله تعالى (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة» (٣).

قلنا : أى الخروج رغبة عنها لا مطلق الخروج.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مكة والمدينة تنفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد ، ألا فمن صبر على لأوائهما كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة».

وقال الحسن البصرى رضى الله عنه : ما أعلم على وجه الأرض بلدة ترفع منها الحسنات من أنواع البر كل واحدة منها بمائة ألف ما يرفع بمكة.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٥.

(٢) يراجع ذلك فى : إعلام الساجد للزركشى (١٢٩) ، مثير الغرام (ص : ٤٣٤) ، شفاء الغرام ١ / ١٣٥ ، إتحاف السادة المتقين ٤ / ٤٧٤ ، القرى (ص : ٦٠٠).

(٣) هذا ليس حديثا عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما هو جزء من رسالة الحسن البصرى المشهورة فى فضل مكة والسكن فيها.


وقد سبقت الأحاديث فى شرفها وتفضيلها.

وأما دليل أبى حنيفة ومن تابعه رضى الله عنهم : قوله عليه الصلاة والسلام : «من فرغ من حجه فليعجل إلى أهله فإنه أعظم لأجره» (١).

ولأن كثرة المشاهدة توجب التبرم وتقلل الحرمة من حيث العادة ولهذا قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى هريرة : «زر غبّا تزدد حبا».

ولأن تقليل الحرمة ذنب والحرمة بمكة والكعبة واجب فيؤدى إلى ترك الواجب وأنه حرام فكان مكروها لأجل هذا. وكان عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يدور على الناس بالدّرّة بعد قضاء نسك الحج ويقول : يا أهل اليمن يمنكم ، ويا أهل الشام شامكم ، ويا أهل العراق عراقكم (٢).

وقد روى أن عمر ـ رضى الله عنه ـ همّ بمنع الناس من كثرة الطواف ثم قال :خشيت أن ينسى الناس هذا البيت. ولهذا قال ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ حين اختار المقام من مكة إلى الطائف وحواليه : لأن أذنب خمسين ذنبا بركبة أحب إلىّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة (٣). [وركبة] : موضع بقرب الطائف كثير العشب والماء.

وقال ابن مسعود رضى الله عنه : ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمّة قبل العمل إلا مكة ، وتلا هذه الآية : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٤) ومن يرد الميل عن الحق بمجرد الإرادة والنية ، وإلحاد : الميل والباء زائدة كما فى قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ.) وقال : إن السيئات تتضاعف [فيها] كما تتضاعف الحسنات (٥).

__________________

(١) ذكره ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٠٣.

(٢) أخرجه : ابن أبى شيبة ١ / ١٦٨ ، والفاكهى ٢ / ٣٠٧. وفيه : عمر بن أبى معروف. منكر الحديث. قال ابن عدى وابن أبى مليكة : لم يدرك عمر (لسان الميزان ٢ / ٣٣٢).

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٢٨ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٥٦. وركبة : أرض تبعد عن مكة ١٦٠ كم ، وعن الطائف ٦٥ كم وهى أرض فسيحة يحدها من الشرق جبل حضن ، ومن الغرب سلسلة جبال الحجاز العليا ، ومن الجنوب جبال عشيرة. (معجم البلدان ٣ / ٦٣ ، معجم معالم الحجاز ٤ / ٦٨).

(٤) سورة الحج : آية ٢٥.

(٥) ينظر عن ذلك فى : القرى (ص : ٦٦٠) ، هداية السالك ١ / ١٠١ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٣٤) ، شفاء الغرام ١ / ١٣٥.


فلخوف هذه الخصال احترزوا عن القيام والمجاورة فيها ، وبعضهم من أصحاب القلوب الزاهدين الخاشعين المحتاطين فى دين الله تعالى يعللون بعلل أخرى أن فيها خوف ارتكاب المحظورات والخطايا والذنوب إما الكبائر أو الصغائر مثل الاشتغال بالسمر وحكايات الدنيا فى الطواف والمسجد وغير ذلك من الكبائر والصغائر ولكل واحد منهما نتيجة وخواص ، فمن خواص الكبائر : أن يتولد منها مقت الله تعالى وسخطه ، وإطفاء نور المعرفة بالكلية وزوال الولاية.

ومن خواص الصغائر : أن يورث تقليل نور المعرفة وترقيقه لشرف تلك البقعة الشريفة.

واعلم أن معصيته الله تعالى فاحشة حيث وجدت ؛ أما فى حضرة الله تعالى وفى فناء بيته ومحل اختصاصه أفظع وأفحش ، وأن المعصية تتضاعف عقوبتها بالعلم ؛ إذ ليس عقاب من يعلم كعقاب من لا يعلم ؛ كما تتضاعف عقوبة المعصية بسبب شرف مكان الحرم وعظم حرمته. وأى شىء أعظم حرمه وأى شىء أعظم من الذنب فى حوزته وحرمه.

وروى أن بعض الصالحين من الأولياء أقام شهرا بمكة ما وضع جنبيه على الأرض أدبا واحتراما لها (١).

وروى أن محمد بن الجريرى جاور بمكة سنة ثلاث وتسعين ومائتين ولم يتكلم ولم يستند إلى عمود ولا حائط ولم يمد رجليه ، فعبر أبو بكر الكتانى عليه ، وقال له : يا أبا محمد قدرت على هذا الاعتكاف؟ فقال : علم الله صدق باطنى فأعاننى على ظاهرى ، فأطرق الكتانى ومشى متفكرا ، فقال الجريرى :

شكرتك لا إنى أجازيك منعما

بشكر ولا كيما يقال له شكر

واذكر أيامى لديك وحسنها

وآخر ما يبقى على الذاكر الذكر (٢)

وقال السرى السقطى : من جالس الملوك بلا أدب فقد تعرض للقتل.

وقال أبو على الدقاق : ترك الأدب يوجب الطرد ، فمن أساء الأدب على

__________________

(١) القرى (ص : ٦٦٠).

(٢) مثير الغرام (ص : ٤٣٦).


البساط رد إلى الباب ، ومن أساء الأدب على الباب رد إلى سياسة الدواب.

وقال علىّ رضى الله عنه : من خدم الملوك بغير علم أسلمه الجهل إلى القتل.

وقال يحيى بن معاذ : إذا ترك العارف أدبه عند معروفه فقد هلك مع الهالكين.

وقال الشافعى رحمه الله : سياسة الناس أشد من سياسة الدواب.

وقال عمر بن شيبة : كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلا راكبا على بغلة وبين يديه غلمان يطوفون ويعنّفون الناس ، قال : ثم بعد حين دخلت بغداد فكنت على الجسر فإذا رجل حاف حاسر طويل الشعر ، قال : فجعلت أنظر إليه وأتأمل فيه ، فقال : ما لك تنظر إلىّ؟ فقلت : شبهتك برجل رأيته بمكة ووصفت له الصفة ، فقال : أنا ذلك الرجل ، فقلت : ما فعل الله [بك]؟ فقال : إنى ترفعت فى موضع يتواضع فيه الناس فوضعنى الله تعالى فى موضع يترفع الناس فيه.

فلخوف هذه الخصال المذمومة وترك الأدب احترزوا عن المقام والمجاورة فيها فإن ذلك كله سبب يخاف فيه لحوق المقت والسخط من الله تعالى وأقله نقصان نور المعرفة ، والمقت هو موت القلب ، ومن مات قلبه زال عنه مولاه ، وحياة القلب حقيقة المعرفة بالمحيى كما أخبر الله فى كتابه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) أى : بالجهل وهوى النفس فأحييناه أى : بالعلم ومحبة الحق ، وجعلنا له نورا من هدايتنا يمشى به فى الناس ولقوله تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)(١). أى : حياة حقيقية بتحقق معرفته لا موت بعدها ، بالتجرد عن المواد البدنية والانخراط فى سلك الأنوار السرمدية والتلذذ بكمالات الصفات من مشاهدات التجليات الأفعالية والصفاتية.

ثم أهل المعرفة والعرفان اختلفوا فى حد حقيقة المعرفة وهى حياة القلب بالمحيى على ما ذكرنا.

قال ذو النون المصرى : حقيقة المعرفة هى اطلاع الحق على الأسرار بمواصلة لطائف الأنوار كما أن الشمس إذا طلعت أشرقت الأرض بنورها ، وكذلك الحق إذا طلع على الأسرار أشرقت الأفئدة بنوره.

وقال بعضهم : حقيقة المعرفة هى الغنى الكلى تحت اطلاع الحق سبحانه كما

__________________

(١) سورة النحل : آية ٩٧.


قيل لأبى يزيد رحمه الله : متى يعرف الرجل أنه على تحقيق المعرفة؟ قال : إذا صار فانيا تحت اطلاع الحق باقيا على بساط الحق بلا نفس ولا سبب ولا خلق ؛ فهو فان باق وباق فان ، وميت حى وحى ميت ، ومحجوب مكشوف ومكشوف محجوب ؛ فعند ذلك يصير هذا العبد والها على باب أمره ، هائما فى ميدان بره ، متذللا تحت جميل ستره ، فانيا تحت سلطان حكمه ، باقيا على بساط لطفه.

وقال بعضهم : حقيقة المعرفة هى عرفان قدر الله تعالى وحرمته كما قال تعالى :(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(١). وهو الأصح.

وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذى ليس بعده جهل ، ولزالت الجبال بدعائكم مع أنه لا يبلغ أحد منتهى معرفته» قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا ، إن الله أعظم من أن يبلغ أحدكم منتهى معرفته».

كذا ذكر هذا الحديث الحكيم أبو القاسم السمرقندى فى تصنيفه ، لكن المراد ما ذكرنا أنه لا يعرف قدر الله وحرمته وتعظيمه ؛ ولهذا قال المشايخ : كل عارف يعرف قدر الله وحرمته على قدر معرفته. وقال بعضهم : حقيقة المعرفة نور أسكنه الله تعالى قلوب خواصه.

ثم اعلم أن الناس فى المعرفة على ضربين : خاص وعام ؛ فمعرفة العام معرفة الحق ؛ وهى معرفة الإيمان التى ضدها الكفر والنكرة.

وأما معرفة الخاص هى معرفة التحقيق وهى معرفة القربة والانبساط التى ضدها البعد عن البساط. وهذه معرفة أصفياء الله تعالى وأحبابه الذين يعبدونه على بساط فردانيته ، وقد استنارت قلوبهم بنور وحدانيته. ولهذا قال أبو بكر الواسطى :المعرفة على وجهين : معرفة الإيمان ومعرفة الإيقان على ما قال الله تعالى :(زادَتْهُمْ إِيماناً) أى : يقينا على ما عرف. وفى هذا أقوال كثيرة لا يحتملها هذا البياض فاقتصرت على هذا القدر احترازا عن السآمة.

واعلم أن المعرفة على الحقيقة نور من أنوار الرب جلّ وعلا نوّر به قلوب أهل النور ، لا يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبى مرسل ولا أحد دون الله تعالى.

__________________

(١) سورة الأنعام : آية ٩١.


ولا شىء أعظم وأعزّ فى حق الله تعالى من المعرفة على ما بينا ، وغرضنا من هذا كله أن المحتاطين فى دين الله تعالى كرهوا المجاورة فى بيت الله تعالى خوفا من فوات هذا النور بترك الحرمة والتعظيم ومعرفة قدره ، ولهذا قال بعضهم : إذا كنت فى بلدك وقلبك مشتاق إلى الكعبة ومتعلق بها خير من أن تكون أنت فيها وقلبك فى بلد آخر.

ولهذا قال بعض السلف : كم من غائب بخراسان وهو أقرب إلى البيت من رجل يطوف به.

ثم بعض العلماء من المحتاطين فى الدين يكرهون المنع من الإقامة والمجاورة أيضا بها ؛ لأنه منع من الطاعة والعبادة ، ويحتمل أن المجاورة قد تفى بحق الكعبة وما يتعلق به من التعظيم والحرمة ، والأدلة من الجانبين قد تقدمت فليتأمل ؛ فالحاصل من اختلافهم وأقوالهم أن من لم يقدر على الوفاء بحقه كما يجب وينبغى فترك المقام والمجاورة أفضل له لما فيه من وجود التقصير والتبرم والإخلال بحرمته وتعظيمه وتوقيره كما هو المشروع. ومن قدر على المجاورة والإقامة بها على وجه يتمكن من الوفاء بحقه وحرمته وتعظيمه على وجه تبقى تلك الحرمة فى عينه كما دخل فيها أولا ، فهيهات هيهات فذلك الفوز العظيم والفضل الجسيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء الذى لا يوازيه شىء على ما نطق به سيد البشر صلوات الله عليه وسلامه : «إن النظر إلى الكعبة عبادة ، ومن نظر إلى البيت نظرة إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» (١).

وفى رواية : «من نظر إلى البيت من غير طواف ولا صلاة تطوعا فذلك عند الله أفضل من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، فإن صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة إذا صلاها وحده ، وإن صلاها فى جماعة فإنها بألفى صلاة وخمسمائة ألف

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٥٠ إلى الجندى ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٧٦) ، وابن جماعة فى منسكه ١ / ٧٥.

(٢) ذكره ابن جماعة فى منسكه ١ / ٧٥.


صلاة ، وصلاة الرجل فى المسجد الحرام كله إذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة ، وإذا صلاها فى جماعة فصلاته بألفى ألف صلاة وخمس مائة ألف صلاة ؛ فذلك خمسة وعشرون مرة مائة ألف صلاة ، ومن جلس مستقبل الكعبة ساعة واحدة إيمانا واحتسابا لله تعالى ورسوله وتعظيما للقبلة كان له مثل أجر الحاجين والمعتمرين والمجاهدين والمرابطين فى سبيل الله ، وإن الله عزّ وجلّ ينظر إلى خلقه فى كل يوم ثلثمائة وستين نظرة ، فأول من ينظر الله إليه منهم ينظر إلى أهل حرمه وأمنه فمن رآه طائفا غفر له ، ومن رآه قائما غفر له ، ومن رآه جالسا مستقبل القبلة غفر له. فتقول الملائكة : إلهنا وسيدنا ما بقى إلا النائمون ، فيقول الله تعالى :

ألحقوهم بهم فهم جيران بيتى ، ألا وإن أهل مكة هم أهل الله وجيران بيته الحرام ، وحملة القرآن هم أهل الله وخاصته» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من اعتمر فى شهر رمضان عمرة فكأنما حج معى حجة ، ومن صام شهر رمضان بمكة فصام منه كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغيرها ، وكان له بكل يوم مغفرة وشفاعة ، وبكل ليلة مغفرة وشفاعة ، وبكل ليلة حملان فرس فى سبيل الله» (٢).

فإحراز هذه الفضيلة جرّ ذيل إلى المجارة بها مع اعترافى بأنى غير موف بحقها كما هو الشرع فى الشريعة. اللهم وفقنا على طاعتك وجنبنا عن معصيتك ، وثبتنا على مجاورة بيتك. وإن أخرجنا منها فارزقنا العود إليها ، وهب لنا حقيقة الإيمان بك والتوكل عليك ، وامنن علينا بما يقربنا منك مقرونا بالعوافى فى الدارين برحمتك يا أرحم الراحمين.

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٤) ، وأحمد فى مسنده ٤ / ٥ الجزء الأول منه ، والمنذرى فى الترغيب ٢ / ٢١٤ ، وعزاه لابن خزيمة والبزار بنحوه.

(٢) ذكره السيوطى فى الجامع الكبير ١ / ٧٧٦ وعزاه للديلمى ، وفيه : أحمد بن سليمان ، صدوق له أغلاط ، ضعفه بسببها أبو حاتم (التقريب ١ / ١٧). وعبد الله بن منصور ، سكت عنه الخطيب فى تاريخ بغداد ١٠ / ١٧٨.


الفصل الرابع والخمسون

فى ذكر ما جاء فى بناء المسجد الحرام ومن بناه أولا (١)

قال أبو الوليد الأزرقى والإمام أقضى القضاة الماوردى البصرى فى كتابه «الأحكام السلطانية» وغيرهما من الأئمة المعتبرين ـ وفى كلام بعضهم زيادة على كلام بعض ـ : أما المسجد الحرام فكان فناء حول الكعبة وفضاء للطائفين (٢) ، ولم يكن له على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر ـ رضى الله عنه ـ جدار يحيط به وإنما كانت الدور محدقة به ، وبين الدور أبواب يدخل الناس منها من كل ناحية.

فلما استخلف عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وأدخلها فيه ، ثم أحاط عليه جدارا قصيرا دون القامة ، وكانت المصابيح توضع عليه ، وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام (٣).

ثم لما استخلف عثمان ـ رضى الله عنه ـ ابتاع المنازل ووسع الحرم بها أيضا وبنى المسجد والأروقة ، فكان عثمان أول من اتخذ للمسجد الأروقة (٤).

ثم إن ابن الزّبير ـ رضى الله عنه ـ زاد فى المسجد زيادة كثيرة واشترى دورا وأدخلها فيه (٥).

__________________

(١) انظر : أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢ وما بعدها ، والروض الأنف ١ / ٢٢١ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢ : ١٢٤ ، أخبار مكة للفاكهى ٥ / ، مروج الذهب ٢ / ٤٧ ، الأحكام السلطانية (ص : ١٦٠).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٦٩ ، تاريخ الطبرى ٤ / ٢٠٦ ، إتحاف الورى ٢ / ٨ ، شفاء الغرام ١ / ٢٢٤. الكامل ٢ / ٢٢٧ ، وكانت هذه الزيادة سنة (١٧ ه‍).

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٥٨ ، تاريخ الطبرى ٥ / ٤٧ ، إتحاف الورى ٢ / ١٩ ، شفاء الغرام ١ / ٢٤ ، الكامل ٣ / ٣٦.

(٥) الروض الأنف ١ / ٢٢١ ، الكامل ٤ / ٢٠٧ ، العبر / وفيات سنة ٧٣ ه‍ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٥ ، أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٥٩ ، شفاء الغرام ١ / ١٥٦.


ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه ولكن علا جداره وسقفه بالساج المزخرف (١).

ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد وحمل إليه أعمدة الرخام (٢).

ثم إن المنصور زاد فى شقه الشامى وجعل فيه عمد الرخام (٣).

ثم زاد المهدى بعده مرتين : إحداهما : سنة ستين ومائة (٤). والثانية : سنة سبع وستين ومائة إلى سنة تسع وستين (٥). وفيها توفى المهدى. واستقر على ذلك بناؤه إلى يومنا هذا ، وكانت الكعبة فى جانب من المسجد فأحب أن تكون فى الوسط فاشترى الدور من الناس ووسّطها ، ذكر ذلك من ذكرناه ، والحافظ أبو الفرج فى «مثير الغرام» ، وحكى الجميع النووى فى مناسكه. كذا فى كتاب «القرى فى فضائل أم القرى» (٦).

واعلم أن البيت فى وسط المسجد الحرام والمسجد فى وسط مكة ، والصفا خارج المسجد من الجانب الشرقى ، والصفا فى جهة الجنوب ، والمروة كذلك فى الجانب الشمالى ، ومنى خارج مكة من الجانب الشرقى تميل إلى الجنوب قليلا ، ومزدلفة فوق منى من الجانب الشرقى أيضا ، وعرفات فوق مزدلفة من الجانب الشرقى أيضا تميل إلى الجنوب بحيث لو صلى رجل فى موضع من هذه المواضع يتوجه إلى المغرب الشمالى.

ثم اعلم أن الذراع أربعة وعشرون أصبعا مضمومة سوى الإبهام ، وذرع البيت العتيق إلى جانب السماء : سبعة وعشرون ذراعا ، ومن الركن الأسود إلى الركن

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١٢ ، شفاء الغرام ١ / ٢٢٥.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١٣ ، شفاء الغرام ١ / ٢٢٥.

(٣) شفاء الغرام ١ / ٢٢٦ ، إتحاف الورى ٢ / ١٧٣ ، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ٨٩). وكان ذلك عام (١٣٨ ه‍).

(٤) المحبر (ص : ٣٦) ، مروج الذهب ٤ / ٤٠٢ ، الكامل ٦ / ١٨ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٣ ، الذهب المسبوك (ص : ٤٢).

(٥) تاريخ الطبرى ١٠ / ٩ ، إتحاف الورى ٢ / ٢١٧.

(٦) القرى (ص : ٦٦٠).


العراقى أربعة وعشرون ذراعا وربع ذراع وشبر ، ومن العراقى إلى الشامى اثنان وعشرون ذراعا ، ومن الشامى إلى اليمانى أربعة وعشرون ذراعا ، وشبر ومن اليمانى إلى الركن الأسود أحد وعشرون ذراعا وشبر ، وعرض جدار البيت ذراعان.

وللبيت سقفان أحدهما فوق الآخر. وفى البيت ثلاثة أعمدة مصطفة على طول البيت كلها من الخشب. وعرض الباب أربعة أذرع. وعرض سطح الكعبة ثمانية عشر ذراعا فى خمسة عشر ذراعا. والميزاب فى وسط الجدار الذى يلى الحجر ، وطول باب الكعبة إلى جانب السماء ستة أذرع وعشرة أصابع. والباب من خشب الساج مضبب بصفائح من الفضة. وعرض الملتزم وهو ما بين الباب والحجر الأسود أربعة أذرع. وعرض الحجر أى القدر الذى يرى منه شبر وأربع أصابع مضمومة. وعرض الذى يصلى عليه خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام سبعة أشبار وطوله عشرة أشبار. ومن الحجر الأسود إلى المقام سبعة وعشرون ذراعا. ومن الكعبة إلى زمزم ثلاثة وثلاثون ذراعا. وذرع ما بين المقام إلى زمزم أحد وعشرون ذراعا. وذرع بئر زمزم من أعلاها إلى أسفلها سبع وستون ذراعا. وعرض رأس البئر أربعة أذرع فى أربعة أذرع.

وأما المسجد : ففى الجانب الشرقى الذى هو مقابل باب الكعبة.

والمقام فيه ثلاثون طاقة. ومن الأساطين ستة وتسعون أسطوانة كلها من مرمر أو رخام ، وفى هذا الجانب أربعة أبواب : باب بنى شيبة ، ويعرف قديما بباب السيل.

وباب الخلفاء ، وباب بنى عبد شمس ، وباب السلام ، وباب جبريل عليه‌السلام ، وباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وباب الجنائز ـ ويعرف بباب العباس ـ وباب علىّ ـ رضى الله عنه ـ وقديما بباب بنى هاشم.

وفى الجانب الشامى الذى يلى الحطيم من الطاقات أربعة وأربعون طاقة. ومن الأساطين مائة وثمانية وثلاثون أسطوانة. وفيه ثلاثة أبواب : باب دار الندوة ، وباب دار العجلة ، وباب شدة الوهوط ، وبابان آخران : باب السويقة ويعرف بباب


الزيادة ، والباب الثانى باب الدريبة.

وفى الجانب الغربى وهو مما يلى خلف الكعبة من الطاقات سبعة وثلاثون طاقة ، ومن الأساطين مائة وأربعون أسطوانة. وفى هذا الجانب أربعة أبواب : باب العمرة ويعرف بباب بنى سهم ، وباب دار زبيدة ، وباب إبراهيم الأصفهانى رحمه الله ، وباب الحزورة ويعرف بباب الصدر ، وباب الحزاميين.

وفى الجانب الجنوبى وهو جانب اليمن من الطاقات أربعة وأربعون طاقة ، ومن الأساطين مائة وأربعون أسطوانة ، وأبواب هذا الجانب سبعة : باب أبى جهل ويعرف بباب أم هانئ ، وباب الملاعبة ، وباب بنى جميع ، وباب العلّافين ويعرف بباب الرحمة ، وباب التمّارين ويعرف بباب المجاهدية ، وباب الجياد ، وباب الصفا ويعرف بباب بنى مخزوم ، وباب الخياطين ويعرف بباب الظلة ، وبباب البغلة ، وباب القائد ويعرف بباب العيون وأوّلا بباب بنى عابد وباب بنى سفيان وباب بازان.

وقيل : ذرع جميع المسجد مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع.

واعلم أن باب الصفا فى جانب الحجر الأسود ومنه يصعد إلى الصفا.

والصفا والمروة جبلان يصعد عليهما من يسعى ، ولم يكن فيهما بناء ولا درج إلى زمن أبى جعفر ، فبنى هو على الصفا اثنتى عشرة درجة وعلى المروة خمسة عشر درجة. ومن الكعبة إلى الصفا مائتى ذراع واثنان وستون ذراعا وثمانية عشر أصبعا.

وموضع السعى بين الميلين الأخضرين مائة ذراع واثنا عشر ذراعا.

ومن الصفا إلى المروة طواف واحد : سبع مائة ذراع وستة وستون ذراعا ونصف.

وأما منى : فإن حده من جمرة العقبة إلى وادى محسّر ومن جمرة العقبة ؛ وهى أول الجمار مما يلى مكة إلى الجمرة الأولى ، وهى التى تلى مسجد الخيف ثلثمائة ذراع وخمسة أذرع.

والمشعر الحرام : ما بين جبلى مزدلفة.


وحدّ وادى محسّر من القرن الأحمر إلى منقطع السيل الذى يهبط إلى بطن محسّر.

ومن مزدلفة إلى عرفات أربعة أميال.

ومن مكة إلى منى أربعة أميال ، ومن أول عرفات إلى موقف الإمام ميل ، ومن مكة إلى موقف الإمام بريد ، والبريد اثنا عشر ميلا وهو أربع فراسخ.

وذكر أبو الليث عن الهندوانى : أن حد الحرم من جانب الشرق ستة أميال ، ومن الجانب الآخر اثنا عشر ميلا. ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ، ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا.

وهذا ما ذكره الإمام السيد الزاهد العالم قاضى القضاة جمال الدين أبو سعيد المطهر بن الحسين بن سعيد بن على اليزدى ـ رحمه الله ـ فى كتاب له مفرد فى المناسك كذا فى السحامى من قوله : واعلم أن البيت فى وسط المسجد الحرام إلى هنا. رحمهم الله تعالى رحمة واسعه.

وهذه صورة المسجد الحرام والكعبة المعظمة المشرفة والصفا والمروة (١) شرف الله قدرها وعظّم أمرها. وصلى الله على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم (٢).

يتلوه القسم الثانى فى فضل المدينة الشريفة.

__________________

(١) أوردت مصادر ترجمة المؤلف أنه كان يرسم صورا للمسجد الحرام ، ويهادى بها الناس.

(٢) انظر عن هذا كله : أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٨١ ـ ٢٤٥ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٨٩ ، هداية السالك ٣ / ١٣٣٤ ، المسالك والممالك (ص : ١٣٢) ، الأحكام السلطانية (ص : ١٥٢) ، رحلة ابن جبير (ص : ٦٨).



القسم الثانى

فى ذكر فضيلة المدينة وزيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يضاف إليها

وفيه خمسة وعشرون فصلا :

الفصل الأول : فى ذكر نسب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه رضى الله عنهم.

الفصل الثانى : فى ذكر أسامى المدينة وفضل سكانها.

الفصل الثالث : فى ذكر فضيلة المدينة وفضل سكانها.

الفصل الرابع : فى ذكر كيفية فتح المدينة.

الفصل الخامس : فى ذكر وصية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل السادس : فى ذكر فضيلة المقام والمجاورة وفضل الموت فيها.

الفصل السابع : فى ذكر فضيلة مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الثامن : فى ذكر فضيلة الروضة والمنبر الشريفين.

الفصل التاسع : فى ذكر زيارة القبر المقدس.

الفصل العاشر : فى ذكر الأسطوانة المخلقة.

الفصل الحادى عشر : فى ذكر أسطوانة التوبة.

الفصل الثانى عشر : فى ذكر آداب زيارة القبر المقدس.

الفصل الثالث عشر : فى ذكر الكلمات المروية من زوار قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الرابع عشر : فى ذكر زيارة البقيع.

الفصل الخامس عشر : فى ذكر زيارة مسجد قباء.

الفصل السادس عشر : فى ذكر زيارة شهداء أحد.


الفصل السابع عشر : فى ذكر المساجد التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الثامن عشر : فى ذكر الآبار التى كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوضأ ويغتسل ويشرب منها.

الفصل التاسع عشر : فى ذكر بعض خصائص مدينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل العشرون : فى ذكر الاختلاف فى نقل تراب المدينة.

الفصل الحادى والعشرون : فى ذكر ما يتعلق بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الثانى والعشرون : فى ذكر حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الثالث والعشرون : فى ذكر أن بعد بناء عمر بن عبد العزيز هل دخل أحد فى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الرابع والعشرون : فى ذكر المنبر والشريف والأسطوانة الحنانة.

الفصل الخامس والعشرون : فى ذكر رجوع الحاج إلى وطنه وبلده وأهله.

* * *


الفصل الأول

فى ذكر نسب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب بن مرةّ بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بن أدّ (١) ابن أدد بن المقوم بن ناجور بن يبرح بن يشجب بن يعرب بن يشجب بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم ـ خليل الرحمن عليه‌السلام ـ بن تارخ ـ وهو آذر ـ بن ناخور ابن شاروح بن راعو بن فالح بن غبير بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لابك بن متوشلح بن أخنوخ ـ وهو إدريس عليه‌السلام ـ فيما يزعمون ، وهو أول نبى أعطى النبوة وخط بالقلم ، وهو ـ ابن يزد بن مهليل بن قتيز بن يانس بن شيث بن آدم عليه‌السلام (٢).

ذكر هذا النسب محمد بن إسحاق بن يسار المدنى فى إحدى الروايات عنه.

وإلى عدنان متفق على صحته من غير شك واختلاف. واختلفوا فيما فوقه ؛ لأن عائشة رضى الله عنها قالت : ما سمع من النسب فوق عدنان إلا من اليهود.

ولما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ)(٣) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذب النسابون» والبخارى رحمه الله لم يتعد فى الصحيح فوق عدنان.

وروى عن ابن عباس قال : كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا انتهى إلى عدنان أمسك ثم يقول : كذب النسابون.

__________________

(١) كل الطرق تقول : «عدنان بن إدد» إلا طائفة واحدة تقول : «عدنان بن أد بن أدد».

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ٢ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٢٨٠.

(٣) سورة إبراهيم : آية ٩.


وقريش هو فهر بن مالك. وقيل : النّضر بن كنانة (١).

وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن لؤى بن غالب.

مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال بعضهم : ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة عام الفيل فى شهر ربيع الأول لليلتين خلتا منه ، يوم الاثنين (٢).

وقال بعضهم : بعد عام الفيل بثلاثين عاما. وقال بعضهم : بأربعين عاما (٣).

والصحيح أنه ولد عام الفيل (٤).

ومات أبوه عبد الله بن عبد المطلب ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أتى عليه ثمانية وعشرون شهرا (٥).

وقال بعضهم : مات أبوه وهو ابن سبعة أشهر (٦).

وقال بعضهم : مات أبوه فى دار النابغة وهو حمل (٧).

وقيل : مات بالأبواء بين مكة والمدينة (٨).

__________________

(١) انظر : سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٣٢ ، سنن ابن ماجه (٢٦١٢). وقال ابن شهاب : إن من جاور فهرا فليس من قريش ، وبه قال الشعبى وهشام بن محمد الكلبى ، وصححه الحافظ شرف الدين الدمياطى ، والحافظ العراقى.

أما محمد بن إسحاق وأبو عبيد القاسم بن سلام ، والإمام الشافعى فقالوا : إن قريشا هم بنو النضر بن كنانه ، وهو الصحيح كما ورد فى الحديث الذى رواه ابن ماجه فى سننه عند ما قدم عليه الأشعث بن قيس ـ رضى الله عنه ـ وقال له : ألستم منا يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا.

نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفوا أمنا ولا ننتفى من أبينا». سنن ابن ماجه (٢٦١٢).

(٢) هذا هو الرأى الصحيح مما ورد فى : صحيح مسلم (الصيام : ١٩٧) ، أحمد ٢ / ٢٠٠ ، سنن أبى داود ١ / ٢٤١ ، مستدرك الحاكم ٢ / ٦٠٣.

(٣) انظر عن ذلك : الروض الأنف ١ / ١٠٧ ، طبقات ابن سعد ١ / ٦٢ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٤٠٥.

(٤) انظر : السيرة لابن هشام ١ / ١٥٨ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٤٠٣ ، ٤٠٤.

(٥) السهيلى فى الروض الأنف ١ / ١٠٧ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٩٨.

(٦) سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٩٨.

(٧) هذا هو الرأى الذى عليه الأكثرين ، انظر : السيرة لابن هشام ١ / ١٥٨ ، الروض الأنف ١ / ١٠٧ ، طبقات ابن سعد ١ / ٦١ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٩٨.

(٨) أكثر العلماء قالوا بأن عبد الله مات عند أخواله بنى النجار ، ويقال إنه دفن فى دار النابغة فى


وقال عبد الله بن الزّبير بن بكّار الزّبيرى : توفى عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن شهرين ، وماتت زوجته وهو ابن أربع سنين ، ومات جده عبد المطلب وهو ابن ثمانى سنين ، وقيل : ماتت أمه وهو ابن ست سنين.

وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثويبة جارية أبى لهب ، وأرضعت معه حمزة بن عبد المطلب وأبا سلمة عبد الله بن عبد الأسود المخزومى وأرضعتهم بلبن ابنها مسروح. وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا حليمة بنت أبى ذوئب السعدية (١).

ونشأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتيما يكفله جده عبد المطلب وبعده عمه أبو طالب بن عبد المطلب ، وطهره الله تعالى من دنس الجاهلية ومن كل عيب ، ومنحه كل خلق حسن حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين ؛ لما شاهدوا من أمانته وصدق حديثه وطهارته.

فلما بلغ عمره اثنا عشر سنة خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام حتى بلغ إلى بصرى فرآه بحيرا الراهب (٢) فعرفه بصفاته ، فجاء إليه وأخذ بيده وقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقيل له : وما علمك بذلك؟ قال : إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ له ساجدا. ولا يسجد إلا لنبى ، وإنّا نجد فى كتبنا كذلك. وسأل أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود (٣).

ثم خرج ثانيا إلى الشام مع ميسرة ـ غلام خديجة ـ رضى الله عنها ـ فى تجارة لها قبل أن يتزوجها حتى بلغ إلى سوق بصرى ، فباع تجارته ، فلما رجع وبلغ خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة ـ رضى الله عنها (٤).

__________________

الدار الصغرى. وكان عمره عند وفاته خمس وعشرون سنة. (يراجع فى ذلك : طبقات ابن سعد ١ / ٦٢ ، السيرة لابن هشام ١ / ١٥٨ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٩٨.

(١) السيرة لابن هشام ١ / ١٦٨ ، ١٦٩.

(٢) هو : جرجيس ، ويقال : سرجس ، وجرجس. حبر من أحبار يهود تيماء ـ كما قيل ـ كان نصرانيا من بنى عبد القيس. (انظر : السيرة لابن هشام ١ / ١٨٠ ، المواهب اللدنية ١ / ١٩٢).

(٣) أخرجه : الترمذى (٣٦٢٠) ، مشكاة المصابيح (٥٩١٨).

(٤) انظر فى زواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخديجة : السيرة لابن هشام ١ / ١٨٧ ، مسند أحمد ١ / ٣١٢.


فلما بلغ أربعين سنة اختصه الله تعالى بكرامته وبعثه برسالته ؛ أتاه جبريل عليه‌السلام وهو بغار حراء ـ جبل بمكة ـ وأقام بها بعد البعث ثلاث عشر سنة. وقيل : خمس عشرة سنة. وقيل : عشرا (١). والصحيح هو الأول.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى إلى بيت المقدس مدة إقامته بمكة وما كان يستدبر الكعبة بل يجعلها بين يديه ، ثم هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ ومولى أبى بكر عامر بن فهيرة ، وكان دليلهم عبد الله بن أريقط ، وهو كافر ولم يعرف له إسلام ، فأقام بالمدينة عشر سنين كوامل ، وتوفى بها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيجىء ذكر وفاته بعد إن شاء الله تعالى.

ذكر أنساب الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم أجمعين

أبو بكر الصديق رضى الله عنه : ولد بمنى ، واسمه : عبد الله بن أبى قحافة ، واسم أبى قحافة : عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب التيمى القرشى (٢). وكان اسمه : عبد الكعبة فسماه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله (٣).

قال ابن قتيبة : ولقبه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عتيقا لجمال وجهه ، وسماه الصديق. وكان على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبى بكر من السماء الصديق (٤).

يلتقى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مرة بن كعب. وهو أول من أسلم ، ولم يفته مشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال فى الملخص : اختلف فى أول من أسلم منهم فقيل : أبو بكر. وقيل : علىّ. وقيل : زيد بن حارثة. وقيل : بلال. وادّعى الثعلبى المفسر اتفاق العلماء

__________________

(١) هذا هو الرأى الصحيح الذى عليه رأى العلماء وهو الموافق لما فى صحيح البخارى (٣٩٠٢) ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ١٣١.

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ٢٤٩.

(٣) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص ٦٧١) بلفظ : «يفتح الشام» وعزاه لمسلم فى صحيحه.

(٤) أخرجه : البخارى ٣ / ٢٠ (حرم المدينة) ، مسلم ٤ / ١١٥ ، ١١٦ (فضل المدينة).


على أن أول من أسلم خديجة بنت خويلد وأن اختلافهم إنما هو فى أول من أسلم بعدها. والأورع أن يقال : أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر ، ومن الصبيان علىّ ، ومن النساء خديجة ، ومن الموالى زيد بن حارثة ، ومن العبيد بلال رضى الله عنهم.

وأسلم على يد أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ عثمان بن عفان ، والزبير ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبى وقاص ، رضى الله عنهم.

وهو أول من جمع القرآن ـ يعنى أبا بكر ـ وقاية ومخرجا من الشبهات ، وتنزه عن الخمر فى الجاهلية والإسلام.

واسم أمه : أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وهى بنت عم أبيه (١).

أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى. يلتقى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كعب بن لؤى.

واسم أمه : حنتمة بنت هاشم ـ وقيل : هشام ـ بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم.

وأسلم بمكة فى سنة ست من النبوة. وقيل : سنة خمس (٢).

وقال الليث : أسلم بعد ثلاثة وثلاثين رجلا. وقال هلال بن يساف : بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة (٣). وقيل : إنه أتم الأربعين ، فنزل جبريل عليه‌السلام وقال : يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وظهر الإسلام يوم أسلم عمر رضى الله عنه ؛ فلذلك يسمى الفاروق (٤) ، ولم يفته مشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ٢٥٠.

(٢) راجع قصة إسلام عمر فى : السيرة لابن هشام ١ / ٣٤٢ ، سنن الترمذى (٣٦٨١) ، طبقات ابن سعد ٥ / ٦١٧ ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٢١٦.

(٣) دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٢٢٢.

(٤) السيرة لابن هشام ١ / ٣٤٥.


وهو أول خليفة دعى بأمير المؤمنين. وأول من كتب التاريخ للمسلمين. وأول من جمع القرآن فى المصحف. وأول من جمع الناس على قيام رمضان. وأول من عشّر فى عمله ، وحمل الدرّة وأدب بها ، ووضع الخراج ، ومصّر الأمصار ، واستقضى القضاة ، ودوّن الديوان ، وفرض الأعطية ، وحج بأزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى آخر حجة حجها (١).

أبو عبد الله عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. يلتقى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى عبد مناف وهو الأب الخامس.

واسم أمه : أروى بنت كريز بن ربيعة بن خبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأمها : أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب.

أسلم قديما. وهاجر إلى الحبشة الهجرتين. وتزوج ابنتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقية وأم كلثوم وهما من خديجة رضى الله عنها (٢).

أبو الحسن علىّ بن أبى طالب بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

واسم أمه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وهى أول هاشمية ولدت هاشميا ، أسلمت وهاجرت إلى المدينة وماتت فى حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فتزوج علىّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فولدت له الحسن والحسين ومحسن ؛ ولكن محسن مات صغيرا. ولم يتخلف علىّ رضى الله عنه فى مشهد إلا فى تبوك ، خلّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أهله. رضى الله عنهم أجمعين (٣).

__________________

(١) راجع عن سيرة عمر بن الخطاب : طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣٤ ـ ٣٤٢ ، تاريخ الطبرى ٥ / ٣٣ ـ ٣٨ ، الكامل ٣ / ٢٠ ، صفوة الصفوة ١ / ٨٧ ، البداية والنهاية ٧ / ١٣٧ ، تاريخ الخلفاء (ص : ١٣١ ـ ١٣٤) ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٤٨ ، النجوم الزاهرة ١ / ٧٧ ، الاستيعاب ٣ / ١١٥٨.

(٢) راجع سيرة عثمان بن عفان فى : تاريخ الطبرى ٥ / ١٧٢ ، الكامل ٣ / ٨٧ ، البداية والنهاية ٧ / ١٨٧ ، تاريخ الخلفاء (ص : ١٦٣ ـ ١٨٣).

(٣) يراجع فى ذلك : تاريخ الخلفاء (ص : ١٨٥ ـ ٢١٣) ، طبقات ابن سعد ٢ / ٢٣٨ ، تاريخ الطبرى ٦ / ٩٢ ، الكامل ٣ / ١٧٤.


الفصل الثانى فى ذكر أسامى المدينة (١) وفضل سكانها

اعلم أن لهذه البلدة الشريفة التى شرفها الله تعالى بالنبى الأمى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامى كثيرة وأعلاما منيرة ، وأن كثرة الأسامى تدل على شرف المسمى ؛ فمنها : المدينة ، وطيبة ، وطابة ، وطيّبة ، والمسكينة ، وجابرة ، والمجبورة ، والمرحومة ، والمحبة ، والمحبوبة ، والحبيبة ، والمحبّبة ، والقاصمة ، والهزراء. ومن أسمائها الدار أيضا.

عن كعب الأحبار قال : نجد فى كتاب الله الذى نزل على موسى عليه‌السلام أن الله تعالى قال للمدينة : يا طيبة يا طابة يا مسكينة ، لا تقبلى الكنوز ، ارفعى أجاجيرك على أجاجير القرى (٢).

قيل : الإجّار : المسطح بلغة أهل الحجاز والشام ، والجمع : أجاجير.

وقال عبد العزيز بن محمد : بلغنى أن لها فى التوراة أربعين اسما.

وقد كره بعض العلماء تسميتها يثرب ؛ والدليل على قولهم أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من سمّى المدينة يثرب فليستغفر الله ؛ هى طابة هى طابة» (٣).

وتسميتها فى القرآن يثرب ؛ حكاية عن قول من قالها من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض (٤).

وحكى عن عيسى بن دينار : من سماها يثرب كتب عليه خطيئة.

__________________

(١) للمدينة النبوية أسماء كثيرة زادت عن مائة. انظر : سبل الهدى والرشاد ٣ / ٤١٤ ، والرحلة الحجازية للنابلسى (ص : ٣٣٦) وقد نظمها شعرا. ووفاء الوفاء ١ / ٨ ـ ٢٧ ، وإعلام الساجد (ص : ٢٣٢) ، وأخبار المدينة لابن النجار (ص : ١١) ، ومئير الغرام (ص : ٤٥١).

(٢) أخرجه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٣٠٠ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير.

(٣) أخرجه : أحمد فى مسنده ٤ / ٢٨٥ ، وأبو يعلى ٢ / ٢٩٠ ، ابن شبه فى أخبار المدينة ، والبخارى فى تاريخه ، وابن زبالة ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٣٠٠ ، رجاله ثقات.

(٤) هداية السالك ١ / ١٠٨.


وسبب الكراهة : إما لكونه مأخوذا من الثرب وهو الفساد ، أو من التثريب وهو المؤاخذة بالذنب ، وكان عليه‌السلام يحب الاسم الحسن ؛ ولهذا سماها عليه‌السلام طابة وطيبة لما فى اسم طيبة من معنى الطيب ـ وهو موجود فى المدينة حتى ذكروا أنه توجد أبدا رائحة الجنة فى هوائها أو تربتها لموافقتها لقوله تعالى : (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(١) ، أو لطهارتها من الكفر ؛ لقوله تعالى : (الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ)(٢) الطيّب والطاب لغتان بمعنى واحد.

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون لها يثرب» (٣).

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : يثرب اسم أرض ، ومدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ناحية منها (٤).

وهى اليوم معروفة بهذا الاسم ، وفيها نخيل كثيرة ملك لأهل المدينة ، وأوقاف للفقراء وغيرهم ، وهى غربى مشهد أبى عمارة حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشرقى الموضع المعروف بالبركة مصرف عين الأزرق الذى ينزلها الركب الشامى فى وروده وصدوره ، ويسميها الحجاج عيون حمزة ، وكانت يثرب منازل بنى حارثة بن الحارث بطن ضخم من الأوس.

وفى قوله : تأكل القرى وجوه :

أحدها : أنها مركز جيوش الإسلام فى أول الأمر ؛ فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها.

والثانى : أن أكلها وميرتها تكون من القرى المفتتحة وإليها يساق غنائمها.

الثالث : أن الإسلام يكون ابتداؤه من المدينة ثم يغلب على سائر القرى ويعلو على سائر الملك ؛ فكأنها أتت عليها (٥).

__________________

(١) سورة يونس : آية ٢٢.

(٢) سورة النور : آية ٢٦.

(٣) أخرجه : البخارى ٣ / ٢٠ (باب فضل المدينة) ، مسلم ٤ / ١٢٠ (باب : المدينة تنفى شرارها).

(٤) مثير الغرام (ص : ٤٥٢).

(٥) هذا المعنى الأخير كالأول ، والخبر فى : هداية السالك ١ / ١٠٨.


وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» (١).

ومعنى تأرز أى : تنضم وتنقبض.

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ أيضا ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يأتى على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقرابته هلمّ إلى الرخاء ، هلمّ إلى الرخاء ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. والذى نفسى بيده ما يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه» رواه مسلم (٢).

وفى صحيحه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة» (٣).

وفيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد أهلها بسوء أذابه الله تعالى كما يذوب الملح فى الماء» (٤).

وفى صحيح البخارى من حديث سعد بن أبى وقاص قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا يكيد أهل المدينة أحدا إلا انماع كما ينماع الملح فى الماء» (٥).

وعن أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» (٦).

وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ؛ ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٣ / ٢١ ، مسلم ١ / ٩٠ (الإيمان : باب الإسلام بدأ غريبا).

(٢) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٥٦ ، ابن حبان (٣٧٣٤). وقوله : «لا يخرج أحد منهم رغبة عنها» ؛ اختلفوا فيه ، فقيل : هو مختص بمدة حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : هو عام أبدا.

(٣) مسلم ٣ / ٤٢٩ ، أبو يعلى (١٢٦١). واللأواء : الشدة وضيق العيش.

(٤) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٣١.

(٥) أخرجه : البخارى (١٨٧٧) ، مسلم (١٣٨٧) ، أحمد فى مسنده ١ / ١٨٠ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١٨٧. وانماع : ذاب وسال.

(٦) أخرجه : البخارى (٧١٢٦) ، أحمد ٥ / ٤٣ ، الحاكم فى المستدرك ٤ / ٥٤١ ، ابن حبان (٣٧٣١ ، ٦٨٠٥) ، ابن أبى شيبة ١٢ / ١٨٠ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٢٠٨٢٣).


يحرسونهما ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج منها كل كافر ومنافق» (١).

وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ عن صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اللهم اجعل بالمدينة ضعفى ما جعلت بمكة من البركة» (٢).

وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ أيضا ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قدم من سفر ونظر إلى جدران المدينة أوضع ، وإن كان على دابة حركها من حبها» ومعنى أوضع : أسرع.

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أشرف على المدينة قط إلا عرف فى وجهه السرور والفرح.

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من ظلم أهل المدينة أو أخافهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل» (٣) رواه الطبرانى.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : كل البلاد افتتحت بالسيف ، والمدينة افتتحت بالقرآن (٤).

وعن سفيان بن أبى زهير ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يفتح اليمن ، فيأتى قوم يبسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. ويفتح الشام ، فيأتى قوم يبسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. ويفتح العراق ، فيأتى قوم يبسّون فيتحمّلون

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١٨٨١) ، مسلم (٢٩٤٣) ، النسائى (٤٢٧٤) ، ابن حبان (٦٨٠٣) ، قال العينى فى عمدة القارى ١٠ / ٥٤٤ : أى يحصل بها زلزلة بعد أخرى ، ثم فى الرجفة الثالثة يخرج الله منها من ليس مخلصا فى إيمانه ؛ ولا تعارض بين هذا الحديث والحديث السابق ؛ لأن المراد بالرعب فى الحديث السابق : ما يحدث من الفزع من ذكره ، والخوف من عتوه ، لا الرجفة التى تقع بالزلزلة لإخراج من ليس بمخلص. والنقب : الطريق بين جبلين.

(٢) ذكره ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٠٩.

(٣) أخرجه : أحمد فى مسنده ٤ / ٥٥ ، الطبرانى فى الكبير (٦٦٣١ ـ ٦٦٣٧) النسائى فى الكبرى (٤٢٦٥). والصرف : الفريضة ، وقيل : التوبة. والعدل : النافلة ، وقيل : الفدية.

(٤) ذكره ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٤٥٧) ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٦٩) ولم يعزه.


بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» (١).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «حرّم ما بين لابتى المدينة على لسانى» (٢).

وأتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى حارثة ، وقال : «أراكم يا بنى حارثة قد خرجتم من الحرم ، ثم التفت ، وقال : بل أنتم فيه».

وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ عن يحيى بن سعيد ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا وقبر يحفر بالمدينة ، فاطلع رجل من القبر ، فقال : بئس مضجع المؤمن ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بئس ما قلت» ، قال : إنى لم أرد هذا يا رسول الله ، إنما أردت القتل فى سبيل الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا مثل ولا شبيه للقتل فى سبيل الله ؛ وما على وجه الأرض بقعة هى أحب إلىّ أن يكون قبرى بها منها» ثلاث مرات (٣).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : كان الناس إذا رأوا أول ثمرة جاءوا بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا أخذها قال : «اللهم بارك لنا فى ثمرنا ، وبارك لنا فى مدينتنا ، وبارك لنا فى صاعنا ، وبارك لنا فى مدنا. اللهم إن إبراهيم عليه‌السلام عبدك وخليلك ونبيك ، وإنه دعاك لمكة ، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة» ثم يدعو أصغر وليد ويعطيه الثمرة (٤).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «المدينة فيها قبرى ، وفيها بيتى وتربتى ؛ فحق على كل مسلم زيارتها». رواه الطبرانى (٥).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٧٤) وعزاه لمسلم.

(٢) أخرجه : البخارى ٣ / ٢١ (فضائل المدينة : باب لابتى المدينة). مسلم ٤ / ١١٦ (فضل المدينة).

(٣) أخرجه : مالك فى الموطأ ٢ / ٤٦٢ ، والحديث مرسل كما صرح ابن عبد البر (انظر : تنوير الحوالك ١ / ٣٠٧).

(٤) أخرجه : مسلم (١٣٧٣) ، الترمذى (٣٤٥٤) ، ابن ماجه (٣٣٢٩) ، مالك (١٩٢٠) ، ابن حبان (٣٧٤٧) البغوى (٢٠١٢).

(٥) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (٦٩٥٣) ، وابن النجار (ص : ٣٣) ، والصالح الشامى فى السيرة ٣ / ٤٤٦ ، وعزاه إلى أبى عمرو بن السماك ، والسمهودى فى الوفا ١ / ٤٨ ، وعزاه إلى القاضى أبو الحسين الهاشمى فى «فوائده» ، وابن زبالة.


وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ـ رضى الله عنهما ـ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :

كل أمرئ مصبّح فى أهله

والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال يقول :

ألا ليت شعرى هل أبتينّ ليلة

بواد وحولى إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنّة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. فلما سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، اللهم بارك لنا فى صاعنا وفى مدنا ، وصحّحها لنا ، وأنقل حماها إلى الجحفة» (١).

وروى أنه عليه‌السلام قال : «رأيت فى المنام أن امرأة سوداء أردفت خلفى حتى بلغت الجحفة (٢) فنزلت بها فأولتها حمى المدينة».

وفى صحيح مسلم : عن عبد الله بن زيد بن عاصم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ حرم مكة ودعا لأهلها ، وإنى حرّمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإنى دعوت فى صاعها ومدّها بمثلى ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» (٣).

وروى ابن النجار ، عن محمد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه فى قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٤).

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٣ / ٢٣ ، مسلم ٤ / ١١٩.

(٢) الجحفة : موضع على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهى ميقات أهل مصر والشام إذا لم يمروا على المدينة.

(٣) أخرجه : البخارى ٣ / ٨٨ ، مسلم ٣ / ٤٢٥ ، أحمد فى مسنده ٤ / ٤٠ ، المنتخب من مسند عبد بن حميد (٥١٨).

(٤) سورة الإسراء : آية ٨٠.


قال : جعل الله مدخل صدق : المدينة ، ومخرج صدق : مكة ، وسلطانا نصيرا :الأنصار.

ونقل البغوى ، عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فى قوله تعالى : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً)(١) قال : إنها المدينة.

وعن نافع بن جبير ، أن مروان بن الحكم خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها ، فناداه رافع بن خديج ، فقال : أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها ؛ فقد حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما بين لابتيها وذلك عندنا فى أديم خولانى ، إن شئت أقرأتكه ، فسكت مروان ، ثم قال : قد سمعت بعض ذلك.

وعن عامر بن سعد بن أبى وقاص ، عن أبيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثم ذكر مثل حديث ابن جبير ، وزاد فى الحديث «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله تعالى فى النار ذوب الرصاص ، أو ذوب الملح فى الماء» (٢).

وعن سهل بن حنيف قال : أومأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده إلى المدينة وقال : «إنها حرم آمن» (٣).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : يأتى المسيح الدجال من قبل المشرق وهمّته المدينة حتى يأتى دبر أحد ، ثم يصرف الملائكة وجهه قبل الشام ، وهنالك يهلك.

وعن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى أحرّم ما بين لابتى المدينة أن يقطع عضاها أو يقتل صيدها» (٤).

__________________

(١) سورة النحل : آية ٤١.

(٢) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢١ (باب من أراد أهل المدينة بسوء).

(٣) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢٢ (باب من أراد أهل المدينة بسوء).

(٤) أخرجه : البخارى (١٨٧٣) ، مسلم ٣ / ٤٤٠ ، الترمذى (٤١٧٨) ، أحمد ٢ / ٢٣٦ ، مالك (٩٣٤) ، البيهقى فى السنن ٥ / ١٩٦ ، ابن حبان (٣٧٥١).

واللابتان : الحرتان ، واحدتهما «لابة» وهى الأرض المليئة حجارة سوداء ، وللمدينة لابتان : شرقية وغربية وهى بينهما.


وقال : «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ؛ لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» (١).

__________________

(١) أخرجه : البزار بسند حسن ، وعزاه الحافظ الشامى فى السيرة ٣ / ٤٤٧ ، إلى أبى عمرو بن السماك. وأخرجه : ابن النجار مختصرا (ص : ٣٢).


الفصل الثالث

فى ذكر فضيلة المدينة وذكر تفضيل مكة والمدينة

أجمع العلماء بالاتفاق أن موضع قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل بقاع الأرض ، وبعده مكة. والمدينة أفضل من جميع بقاع الدنيا.

ثم اختلفوا فى أن مكة شرفها الله تعالى أفضل أم المدينة كرمها الله تعالى وعظمها ؛ فذهب عمر وبعض الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ إلى تفضيل المدينة ؛ وهو قول مالك وأكثر المدنيين.

وذهب أبو حنيفة وأهل الكوفة إلى تفضيل مكة ، وبه قال ابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك. وإليه ذهب الشافعى وأحمد رحمهم الله (١).

أما حجة المدنيين : هذا الحديث ؛ وهو أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أخرج من مكة وتوجه إلى المدينة قال : «إلهى إن أهل مكة أخرجونى من أحب البقاع إلىّ ، فأنزلنى إلى أحب البقاع إليك» ، فأنزله بالمدينة (٢).

ولا شك أن محبوب الله تعالى أفضل من محبوب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولهذا اختار المقام فيها إلى أن مات ودفن بها صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وذهب ابن عبد البر على ترجيح قول الأئمة الباقين وقال : حسبك بفضل مكة أن فيها بيت الله تعالى الذى يحط أوزار العباد بقصده إليه مرة فى العمر ، ولم تقبل من أحد صلاة إلا باستقبال جهته إذا قدر على التوجه إليها ، وهى قبلة لسائر المسلمين أحياء وأمواتا.

وأيضا : أن الله تعالى ذكر المسجد الحرام فى القرآن فى عدة من المواضع على

__________________

(١) القرى (ص : ٦٧٧) ، هداية السالك ١ / ٤٩.

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ٣ / ٣. لكن لم يصححه ، وقال الذهبى : لكنه موضوع ؛ فقد ثبت أن أحب البلاد إلى الله مكة ، وسعد ليس بثقة.


سبيل التعظيم صريحا ، ولم يذكر مسجد المدينة على تلك الصفة (١).

وحجة الأئمة الباقين قوله عليه‌السلام : «صلاة فى مسجد المدينة بعشرة ألاف صلاة ، وصلاة فى المسجد الأقصى بألف صلاة ، وصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» (٢).

فلولا أن مكة أفضل لما جعلت الصلاة بالمدينة بعشرة آلاف وبمكة بمائة ألف.

وقد تقدم ما يدل عليه من الأحاديث أو نقول الرواية الصحيحة : «فأنزلنى إلى أحبّ البقاع إلىّ ، فأنزله بالمدينة».

وأما الجمع فيما خصّ الله تعالى به الحرمين الشريفين ـ عظم الله قدرهما ـ من الشرف فى كتبه المنزلة على رسله وعلى سيدنا محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال الله تعالى : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ)(٣) الآية. وقال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «مسجدى هذا الذى أسس على التقوى» (٤).

وقال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ)(٥).

وقال تعالى : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)(٦). يعنى سائر البلدان ؛ فمن مكة كان أصل الإنذار ، ومن المدينة تم.

ومن مكة دحيت الأرض أولا ، ومن المدينة افتتحت بالإسلام آخرا. وفى مكة مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفى المدينة قبره. ومن مكة بعث فى الدنيا رحمة للعالمين ،

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٤٨.

(٢) لم أعثر على من أخرجه بهذا النص ؛ وإنما ربما يقصد المؤلف أن كل صلاة بعشر حسنات فتكون الصلاة فى مسجده بعشرة آلاف حسنة ؛ وذلك تحقيقا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فى مسجدى» (أخرجه أحمد ٤ / ٥).

(٣) سورة التوبة : آية ١٠٩.

(٤) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢٦ (باب بيان أن المسجد الذى أسس على التقوى).

(٥) سورة آل عمران : آية ٩٦.

(٦) سورة الأنعام : آية ٩٢.


ومن المدينة يبعث يوم القيامة شفيعا لهم يوم الدين فى كبائر المذنبين من أمته.

وقال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين هجرته : «إنى أمرت بقرية تأكل القرى» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج ولم يزرنى فقد جفانى» (٣).

وعن بكر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أتى المدينة زائرا إلىّ وجبت له شفاعتى ، ومن مات فى أحد الحرمين بعثه الله تعالى يوم القيامة آمنّا» (٤).

وعن سليمان عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من مات فى أحد الحرمين استوجب شفاعتى وجاء يوم القيامة من الآمنين» (٥).

وعن جابر عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات فى أحد الحرمين ـ مكة والمدينة ـ بعث آمنا» (٦).

وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ يرفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صبر على حر مكة وجوع المدينة صابرا محتسبا كنت له شفيعا يوم القيامة».

يقال : احتسب فلان عمله أى : عمله طلبا لوجه الله تعالى وثوابه.

وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما تجلى الله إلى جبل طور سيناء تشظّى منه ستة أشظاظ ، فنزلت بمكة ثلاثة : حراء وثبير وثور ، وفى المدينة :

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٩٧.

(٢) أخرجه : البخارى ٣ / ٢٠ (باب فضل المدينة) ، مسلم ٤ / ٢٠ (باب المدينة تنفى شرارها).

(٣) ذكره ابن النجار فى «الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة» ٢ / ٣٩٧ ، والحديث لا يصح ، انظر : الفوائد المجموعة (ص : ١١٨) ، تنزيه الشريعة ٢ / ١٧٢ ، الموضوعات ٢ / ٢١٧.

(٤) أخرجه : الدارقطنى ٢ / ٢٧٨.

(٥) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٣١٩ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، وفيه : عبد الغفور بن سعيد ، وهو متروك.

(٦) ذكره الفاسى : فى شفاء الغرام ١ / ٨٥ ، وعزاه للجندى فى فضائل مكة ، والسيوطى فى الكبير ١ / ٨٣٦ ، وعزاه لأبى نعيم فى معرفة الصحابة. وفيه عبد الله بن المؤمل ، ضعيف الحديث ، ومحمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب المطلبى. يقال : له رؤية ، وجزم البغوى بأن حديثه مرسل (الإصابة ٣ / ٤٥٤).


أحد ، وورقان وعير ؛ وقيل : رضوى» (١).

وعن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس من بلد إلا سيطأه الدجال إلا مكة والمدينة ليس من أنقابها نقب إلا وعليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فيخرج منها كل كافر ومنافق فيها ، وإن إبراهيم خليلك دعاك لمكة وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به إبراهيم» (٢).

وعن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، قال : خطبنا علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وقال فى آخر خطبته : من زعم أن عندنا شىء يقرأ إلا كتاب الله أو ما فى هذه الصحيفة فقد كذب ، وفيها : أن المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ؛ من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (٣).

وقال عبد القاسم : عير وثور جبلان بالمدينة ، وأهل المدينة لا يعرفون بها جبلا يقال له ثور وإنما الثور بمكة ، فيرى أن الحديث أصله ما بين عير إلى أحد.

ونقل أهل المدينة عن أسلافهم أن خلف جبل أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا يضرب إلى الحمرة ، وله تدوير يسمى ثورا (٤) ، والله أعلم.

ثم اختلف العلماء فى حرم المدينة : ألها حرم كما لمكة حرم؟ فقال أبو حنيفة ومن تابعه رضى الله عنهم : ليس للمدينة حرم على مثال حرم مكة فى تحريم الصيد ووجوب الإحرام للدخول فيها ونحو ذلك بل يجوز الاصطياد ولا يحرم ذبحه.

وقال مالك والشافعى وأحمد رحمهم الله : للمدينة حرم يحرم قتل صيدها ، ولا يعضد شوكها قولا واحدا ؛ اللهم إلا أنهم اختلفوا فى تضمين صيدها ؛ إلا أن

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٣ ، وورقان : جبل أسود على الطريق من المدينة إلى مكة. ورضوى جبل بالمدينة ، والحديث حول صحته كلام ، انظر : الفوائد المجموعة (ص : ٤٤٥).

(٢) أخرجه : البخارى (١٨٨١) ، مسلم (٢٩٤٣) ، النسائى فى الكبير (٤٢٧٤) ، ابن حبان (٦٨٠٣) ، البغوى (٢٠٢٢).

(٣) أخرجه : البخارى ٣ / ٢٠ (باب حرم المدينة) ، مسلم ٤ / ١١٥ (باب فضل المدينة) فى خطبة طويلة للإمام على.

(٤) هداية السالك ٣ / ١٤٠١.


عند الحنفية لها حرم بمعنى أن لها حرمة ما هى لغيرها من البلدان ؛ لكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مدفون فيها ، وأنها مهاجره على ما قال عليه‌السلام : «المدينة مهاجرى وفيها بيتى وحق على أمتى حفظ جيرانى» (١).

ويجوز الدخول فيها بغير إحرام إلا فى القول القديم للشافعى أنه لا يجوز.

والصحيح أنه يجوز الدخول فيها بغير إحرام كمذهب أبى حنيفة رضى الله عنه ؛ لما روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقدم من غزواته ويدخل المدينة من غير إحرام.

__________________

(١) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (٦٩٥٣). وابن النجار (ص : ٣٣) ، والصالح الشامى فى السيرة ٣ / ٤٤٦ ، وعزاه إلى أبى عمرو بن السماك والمدارك للقاضى عياض ، والسمهودى فى الوفا ١ / ٤٨ ، وعزاه إلى القاضى أبو الحسن الهاشمى فى فوائده ، وابن زبالة.

وينظر فى هذا الباب فى : هداية السالك ٣ / ١٣٩٩ ، الإيضاح (ص : ٥٤٢) ، بدائع الصنائع ٢ / ٢٢١ ، الدر المختار ٢ / ٣٥٢ ، المغنى ٣ / ٣٥٤.


الفصل الرابع

فى ذكر كيفية فتح المدينة (١)

اعلم أن المدينة لم تفتح بقتال وإنما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرض نفسه فى كل موسم على الناس ويقول : ألا رجل يحملنى إلى قومه فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى ، فلقى فى بعض السنين رهطا من الخزرج ، فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ، وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبيا مبعوثا قد أظل زمانه ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم والله إن هذا النبى الذى تعدكم به اليهود فلا تسبقكم إليه ، فأجابوه ، وكانوا ستة : أسعد بن زرارة ، وعوف ، ورافع ابن مالك ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابى ، وجابر بن عبد الله ابن رباب ، فلما انصرفوا ذكروا لقومهم ما جرى لهم ، ففشى الإسلام فيهم حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ذكر ، حتى إذا كان العام المقبل أتى فى الموسم اثنى عشر رجلا من الأنصار ، فلقوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعقبة ـ أى : جمرة العقبة ـ فبايعوه عندها ، فلما انصرفوا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن ويدعو الناس إلى الإسلام ، فأسلم على يديه خلق كثير. ثم لقيه فى الموسم الآخر سبعون رجلا من الأنصار ومعهم امرأتان فبايعوه ، وأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه إلى المدينة ، ثم خرج من الغار بعد ذلك فقدمها يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، وقيل : لليلتين خلتا منه ، وقيل : لهلال ربيع الأول ، والقول الأول أصح. ولما أرخوا من الهجرة ردوا التاريخ إلى المحرم ؛ لأنه أول السنة (٢).

ولما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة مكث بقباء ثلاث ليال ، ثم ركب يوم

__________________

(١) انظر : السيرة الشامية ٣ / ٣٧٧ ، وفاء الوفا ٢ / ٢٢٠ ، أخبار المدينة لابن النجار (ص : ٢٠) ، عيون الأثر ١ / ٢٦٢ ، السيرة لابن هشام ١ / ٤٢٨.

(٢) وفاء الوفا ١ / ٢٤٦.


الجمعة فمر على بنى سالم فجمع بهم ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ، ثم ركب من بنى سالم فمرت الناقة حتى بركت فى بنى النجار على باب دار أبى أيوب الأنصارى ، فنزل عليه إلى أن بنى مسجده ومساكنه ، فأقام صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة عشر سنين كوامل وتوفى بها صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

__________________

(١) انظر : شرح المواهب ١ / ٣٥١ ، مختصر تاريخ دمشق ١ / ٣٢ ، طبقات ابن سعد ١ / ٣٢٣ ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٥٠٣.


الفصل الخامس

فى ذكر وصية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر وفاته

قال الفقيه أبو الليث السمرقندى فى كتابه المسمى ب «تنبيه الغافلين» مسندا إلى علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)(١) مرض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما لبث أن خرج إلى الناس يوم الخميس وقد شد رأسه بعصابة ، فرقى المنبر وجلس عليه مصفارّ الوجه تدمع عيناه ، ثم دعا بلالا فأمر أن ينادى الناس : أن اجتمعوا لوصية رسول الله ، فإنها آخر وصية لكم. فنادى بلال ، فاجتمع الناس كبيرهم وصغيرهم وتركوا أبواب بيوتهم مفتوحة وأسواقهم على حالها ؛ حتى خرجت العذارى من خدورهن ليسمعن وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ حتى غص المسجد بأهله والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «وسعوا لمن وراءكم». ثم قام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبكى ويسترجع ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على الأنبياء وعلى نفسه ، ثم قال : «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم العربى الحرمى المكى الذى لا نبى بعدى ، أيها الناس اعلموا أن نفسى قد نعيت إلىّ وجان فراقى من الدنيا ، واشتقت إلى لقاء ربى ، فواحسرتاه على فراق أمتى ؛ ماذا يلقون بعدى. اللهم سلم سلم.

أيها الناس اسمعوا وصيتى وعوها ، وليبلغ الشاهد منكم الغائب ؛ فإنها آخر وصية لكم ، أيها الناس قد بيّن الله فى محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم ، وما تأتون وما تتقون ، فأحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه ، وآمنوا بمتشابهه ، واعملوا بمحكمه ، واعتبروا بأمثاله».

ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : «ألا هل بلغت ، أيها الناس ، إياكم وهذه الأهواء الضالة المضلة البعيدة من الله البعيدة من الجنة القريبة من النار ، وعليكم بالجماعة ، والاستقامة عليها قريبة من الله قريبة من الجنة بعيدة من النار. ثم قال :«اللهم هل بلغت».

__________________

(١) سورة النصر : آية ١.


أيها الناس ، الله الله فى دينكم وأمانتكم ، الله الله فيما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ؛ فإنهم لحم ودم وخلق أمثالكم ، ألا فمن ظلمهم فأنا خصمه يوم القيامة والله حاكمهم.

الله الله فى النساء أوفوا لهن مهورهن ولا تظلمونهن فتحرمكم حسناتكم يوم القيامة ؛ ألا هل بلغت.

أيها الناس ، أطيعوا ولاة أموركم ولا تعصوهم وإن كان عبدا حبشيا مجدّعا ؛ فإن من أطاعهم فقد أطاعنى ومن أطاعنى فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصانى ومن عصانى فقد عصى الله ، ألا لا تخرجوا عليهم ولا تنقضوا عهودهم ؛ ألا هل بلغت.

أيها الناس عليكم بحب أهل بيتى ، عليكم بحب حملة القرآن ، عليكم بحب علمائكم ، لا تبغضوهم ولا تحسدوهم ولا تطعنوا فيهم ؛ ألا من أحبهم فقد أحبنى ومن أحبنى فقد أحب الله ، ومن أبغضهم فقد

أبغضنى ومن أبغضنى فقد أبغض الله ؛ ألا هل بلغت.

أيها الناس عليكم بالصلوات الخمس بإسباغ وضوئها وإتمام ركوعها وسجودها ، ألا هل بلغت.

أيها الناس ، أدوا زكاة أموالكم ؛ ألا من لا يزكى فلا صلاة له ، ألا من لا صلاة له لا دين له ولا صوم له ولا حج له ولا جهاد له ؛ اللهم هل بلغت.

أيها الناس ، إن الله فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا ، ومن لم يفعل فليمت على أى دين شاء إن شاء يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ، إلا أن يكون به مرض أو منع من سلطان جائر ؛ ألا لا نصيب له من شفاعتى ولا يرد حوضى ؛ اللهم هل بلغت.

أيها الناس إن الله جامعكم يوم القيامة فى صعيد واحد فى مقام عظيم وهول شديد ، فى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؛ ألا هل بلغت.

أيها الناس ، احفظوا ألسنتكم ، وأبكوا أعينكم ، وأخضعوا قلوبكم ، وأتعبوا أبدانكم ، وجاهدوا عدوكم ، وأعمروا مساجدكم ، وأخلصوا إيمانكم ، وانصحوا


إخوانكم ، وقدموا لأنفسكم ، واحفظوا فروجكم ، وتصدقوا عن أموالكم ، ولا تحاسدوا ؛ فتذهب حسناتكم ، ولا يغتب بعضكم بعضا فتهلكوا ، اللهم هل بلغت.

أيها الناس ، اسعوا فى رقابكم واعملوا الخير ليوم فقركم وفاقتكم.

أيها الناس ، لا تظلموا ؛ فإن الله يطالب لمن جاروا ؛ عليه حسابكم وإليه إيابكم. إن الله لا يرضى منكم بالمعصية.

أيها الناس (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)(١) الآية. (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)(٢) الآية.

أيها الناس إنى قادم على ربى ونعيت إلىّ نفسى فاستودع الله دينكم والسلام عليكم يا معشر أصحابى وعلى جميع أمتى ورحمة الله وبركاته».

قال فى «الملخص» سئل أبو زرعة عن عدة أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن رآه وروى عنه وسمع منه. فقيل له : يا أبا زرعة ، هؤلاء أين كانوا ، وأين سمعوا منه؟ قال : أهل مكة ، وأهل المدينة ، ومن بينهما ، والأعراب ، ومن شهد معه حجة الوداع ، كل رآه وسمع منه بعرفة. انتهى كلامه. قال : ثم نزل فدخل المنزل فما خرج بعده إلى يوم القيامة صلوات الله وسلامه.

وعن عكرمة قال : لما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عمر : والله ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما وعده الله كما وعد موسى عليه‌السلام ، وسيجىء ويقطع أيدى قوم وأرجلهم. فكان ذلك قوله حتى جاء أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ فقال : تأخر يا عمر ، ثم دخل عليه فقبّل بين عينى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : بأبى أنت وأمى يا رسول الله طبت حيا وميتا ، أما الموتة التى كتبها الله عليك فقد متها ، ثم قرأ :(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(٣).

__________________

(١) سورة فصلت : آية ٤٦.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٨١.

(٣) سورة آل عمران : آية ١٤٤ ، والحديث أخرجه البخارى (٣٦٦٨).


فموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فى يوم الاثنين ضحىّ لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، ودفن ليلة الأربعاء ، وقيل : ليلة الثلاثاء.

وكانت مدة مرضه اثنى عشر يوما. وقيل : أربعة عشر يوما. وقيل : ثلاثة عشر يوما. وقيل : عشرة أيام ، وكان عمره عليه‌السلام ثلاثا وستين سنة (١).

وغسله علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وعمه العباس والفضل بن العباس وأسامة بن زيد وقثم بن العباس وشقران مولاه ، وحضرهم أوس بن خولى من الأنصار ، وكفن فى ثلاثة أثواب بيض سحولية من ثياب سحول ـ بلدة من اليمن ـ لا تكون إلا من القطن ليس فيها قميص ولا عمامة ، فلما فرغوا كان أول من صلى عليه الملائكة صلوا عليه أفواجا بلا إمام ، ثم صلى عليه أهل بيته ، ثم الناس فوجا فوجا ، ثم نساءه آخرا (٢). وفى كتاب يحيى : ثم الصبيان آخرا.

ثم قالوا : أين تدفنون؟ فقال أبو بكر رضى الله عنه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما يهلك نبى قط إلا يدفن حيث يقبض روحه» (٣).

وقال علىّ : وأنا أيضا سمعته ؛ فحفروا لحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى موضع فراشه فنزعوا الفراش وحفروا له فى موضعه حيث قبض ، وفرش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطّى بها ؛ وهو بيت عائشة رضى الله عنها (٤).

وقيل : دخل فى قبره علىّ والعباس وحضر معهم رجل من الأنصار. وقيل : دخل معهم الفضل وقثم وشقران ، وأطبق عليه تسع لبنات. ثم دفن ورشّ قبره بماء ، وجعل عليه من حصباء حمراء وبيضاء ، ورفع قبره من الأرض قدر شبر وسنم صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومما قاله أبو بكر رضى الله عنه فى مرثية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٠.

(٢) تاريخ الطبرى ٣ / ٢١١.

(٣) تاريخ الطبرى ٣ / ٢١٣ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣٧٥.

(٤) تاريخ الطبرى ٣ / ٢١٣.


ودعنا البيت إذ ولّيت عنّا

فودّعنا من الله الكلام

سوى ما قد تركت لنا رهينا

تضمنه القراطيس الكرام

وقال أيضا :

يا عين أبكى ولا تسأمى

وحقّ البكاء على السيد

على خير خندف عند البلا

أمسى يغيّب فى الملحد

فكيف الحياة لفقد الحبيب

وزين المعاشر فى المشهد

فليت الممات لنا كلنا

فإنا جميعا مع المهتدى

وروى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها رأت فى منامها كأن ثلاثة أقمار نزلوا من السماء فدخلوا من باب حجرتها وغاصوا فى الأرض ، فقصت الرؤيا على أبيها أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فلم يجبها بشىء ، فبعد أيام يسيرة توفى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفن فى حجرتها ، فقال لها أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ : هذا أحد أقمارك يا بنية وهو خيرها.

ورأى العباس ـ رضى الله عنه ـ قبل موته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيسير كأن القمر قد رفع من الأرض إلى السماء بأشطان ، فقصّها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «هو ابن أخيك».

ثم مات أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ بعده بعامين وهو ابن ثلاث وستين سنة فى الأصح ، وكانت وفاته فى ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء ، ودفن قبل الصبح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال ، وقيل : وثلاثة أشهر وتسع ليال ، وصلى عليه عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى المسجد عند المنبر ، ودفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلف ظهره. كذا قاله يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب.

ثم مات عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بطعن أبو لؤلؤة يوم الأربعاء عند صلاة الصبح لأربع ، وقيل : لثلاث بقين من ذى الحجة ـ وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام ـ سنة ثلاث وعشرين من الهجرة. ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم ، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام. وقيل : وخمس ليال. وكان


سنه ثلاثا وستين سنة فى الأصح (١) ، وقيل : ستا وستين سنة ، وصلّى عليه صهيب ـ رضى الله عنه ـ فى المسجد عند المنبر ، وكبّر عليه أربع تكبيرات ، ودفن معهما فى البيت خلف ظهر أبى بكر رضى الله عنهما ، وقيل : صلّى عليه ابنه عبد الله (٢).

ثم توفى عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ فى ذى الحجة ، ولا خلاف بينهم فى أنه قتل فى ذى الحجة وإنما الخلاف فى أى يوم منه ، واختلفوا فى قاتله ؛ فقيل :الأسود التجيبى. وقيل : جبلة بن الأيهم. وقيل : سودان بن حمران (٣). وقيل :ابن رومان اليمانى رجل من بنى أسد بن خزيمة (٤).

وذكر الحافظ أبو الربيع بن سلمان بن سالم الكلاعى فى كتابه «الاكتفا» قال :الذى باشر قتل عثمان بنفسه جبلة بن الأيهم. وقيل غير ذلك.

وكان ذلك فى سنة خمس وثلاثين من الهجرة وعمره اثنين وثمانين سنة.

وقيل : تسعين سنة. وكانت خلافته اثنتى عشرة سنة. وقيل : إلا ثنتى عشرة ليلة ، ودفن فى البقيع (٥).

ثم توفى علىّ ـ رضى الله عنه ـ فى شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقيل : ابن أربع وستين سنة. وقيل : ابن خمس وستين سنة. وكان الذى قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادى أشقى الآخرين ؛ وكانت خلافته ست سنين. وقيل : خمس سنين إلا ثلاثة أشهر. رضى الله عنهم أجمعين ، وصلّى الله على خير الورى محمد المصطفى ، وعليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) أسد الغابة ٤ / ٧٧ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٥ ، سيرة عمر ٢ / ٦٣٠ ، الرياض النضرة ٢ / ١٠٣.

(٢) تاريخ المدينة ٣ / ٩٤٣ ـ ٩٤٥.

(٣) ويقال : أسودان بن رومان المرادى ، وأسود بن حمران (البداية والنهاية ٧ / ١٨٥).

(٤) تاريخ الطبرى ٥ / ١٢٣ ـ ١٣٠ ، البداية والنهاية ٧ / ١٨٥ ، العواصم والقواصم (ص : ١١٣).

(٥) تاريخ المدينة ٤ / ١٢٤٠ ، الرياض النضرة ٢ / ١٧٤ ، البداية والنهاية ٧ / ١٩١ ، وفاء الوفا ٣ / ٩١٣ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٦٥.


الفصل السادس

فى ذكر فضيلة المقام والمجاورة وفضل الموت فيها

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استطاع منكم أن يموت فى المدينة فليمت ؛ فإنى أشفع لمن يموت فيها» (١).

وفى رواية : «من أستطاع أن يموت بالمدينة فليمت ؛ فإنه لا يموت فيها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» (٢).

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها» (٣).

وعنه أيضا رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صيام شهر رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر فيما سواه». أخرجه الحافظ ابن الجوزى فى «مثير الغرام» (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يصبر على لأواء المدينة أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» (٥).

وعن أبى هريرة وسعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنهما ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :«المدينة مشتبكة بالملائكة لا يدخلها الدجال ولا الطاعون ، من أراد أهلها بسوء

__________________

(١) أخرجه : أحمد ٤ / ٧٤ ، الترمذى (٤١٧٤) ، ابن ماجه (٣١١٢) ، البيهقى فى الشعب (٤١٨٦) ، ابن حبان (٣٧٤١) ، شرح السنة للبغوى (٢٠٢٠) ، تاريخ أصفهان ٢ / ١٠٣.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٤٨) وقال : إسناده ضعيف ، وقال ابن الجوزى فى العلل (٩٤٧) : لا يصح. وعزاه الحافظ الشامى فى السيرة إلى الطبرانى فى الكبير عن بلال بن الحارث. وذكره ابن النجار (ص : ٣٥).

وفيه : كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، قال عنه النسائى : متروك. وذكره الدارقطنى فى الضعفاء والمتروكين : ٤٤٦ ، وقال الشافعى : ركن من أركان الكذب. وقال ابن حبان : منكر الحديث. وقال ابن معين : ليس بشىء (المجروحين ٢ / ٢٢١).

(٤) مثير الغرام (ص : ٤٧٣) ، أخبار أصفهان ٢ / ٢٣٨ ، ابن النجار (ص : ٣٥) ، البيهقى فى الشعب (٤١٤٨). وقال : إسناده ضعيف.

(٥) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٢٩ ، وأبو يعلى (١٢٦١).


أذابه الله كما يذوب الملح بالماء» (١).

وعن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المدينة مهاجرى وفيها مضجعى وفيها مبعثى ، حقيق على أمتى حفظ جيرانى ما اجتنبوا الكبائر ؛ من حفظهم كنت له شفيعا يوم القيامة ، ومن لم يحفظهم سقى من طينة الخبال» (٢) قيل لمعقل : وما طينة الخبال؟ قال : عصارة أهل النار (٣).

وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت أبىّ يقول : سمعت عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يقول : اشتد الجهد بالمدينة وغلا السعر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اصبروا يا أهل المدينة وأبشروا ؛ فإنى قد باركت على طعامكم ومدّكم ، كلوا جميعا ولا تفرقوا ؛ فإن طعام الرجل يكفى الاثنين. فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا ، وكنت له شهيدا يوم القيامة ، ومن خرج عنها رغبة عما فيها أبدل الله ـ عزّ وجلّ ـ فيها من هو خير منه ، ومن بغاها أو كادها بسوء أذابه الله تعالى كما يذوب الملح فى الماء» (٤).

وأما المجاورة فيها : فعلى ما ذكرنا فى مجاورة مكة المشرفة ؛ فإن كان يقدر على حفظ الحرمة والتوقير لروضة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والوفاء بحرمتها كما يجب من غير إخلال بالحرمة وإفضاء إلى التبرم فذلك فوز عظيم وفضل جسيم ، وذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء ، على ما تقدم من الأحاديث فى فضائل الإقامة فيها. ومن لا يقدر على المحافظة بحقها والصبر على لأوائها فترك الإقامة له فيها أولى.

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يصبر على لأواء المدينة أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» (٥).

وفى فضائلها أخبار كثيرة قد تقدم بعضها وسيأتى بعضها فى موضعه ، فاكتفينا هنا على هذه الأحاديث ؛ فإن فيها كفاية وغنية للمؤمن.

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢١ (باب من أراد أهل المدينة بسوء).

(٢) أخرجه : البزار بسند حسن ، وعزاه الحافظ الشامى فى السيرة ٣ / ٤٤٧ إلى أبى عمرو بن السماك ، وأخرجه : ابن النجار مختصرا.

(٣) النهاية ١ / ٢٨٠.

(٤) أخرجه مسلم ٤ / ١١٩ (باب الترغيب فى سكنى المدينة).

(٥) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٢٩.


الفصل السابع

فى ذكر فضائل المسجد الشريف النبوى

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدى هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى» (١).

وفى صحيح مسلم : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فى غيره من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» (٢).

وفيه أيضا : عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى آخر الأنبياء ، وإن مسجدى آخر المساجد» (٣).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ أيضا ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدى ، ومسجد إيلياء».

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه ١ / ٤٥٢ ، أحمد فى مسنده ٣ / ٤٥ ، البخارى ٣ / ٧٠ ، مسلم ٩ / ١٠٤ ، الترمذى ٢ / ١٢٣ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٦) ، الحميدى ٢ / ٣٣٠ ، ابن أبى شيبة ٤ / ٦٦.

(٢) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٧٦ ، أحمد فى مسنده ٢ / ٢٩ ، ابن ماجه (١٤٠٥) ، أبو يعلى (٥٧٦٠) ، أخبار أصبهان ١ / ٣٥٣ ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٤) ، وابن عدى فى الكامل ٢ / ٨١٧ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٧٩ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، وقال : رجاله رجال الصحيح ، والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ٥٦٣ ، وعزاه للطيالسى وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن زنجويه ، وابن خزيمة ، والطحاوى ، وابن حبان ، والطبرانى ، والضياء المقدسى.

(٣) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (١١٥) ، السمهودى فى وفاء الوفا ٢ / ٤٢٠ ، وعزاه للبزار ، وأخرج شطره الأول ، شرح السنة للبغوى (٤٥٠) ، وابن أبى شيبة ٢ / ٣١٨ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٤ ، وعزاه للبزار ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٧٩ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط.

وفيه : موسى بن عبيدة. هو : الربذى ، وداود بن مدرك مجهول (التقريب ١ / ٢٣٤).


وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا خاتم الأنبياء ، ومسجدى خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار ، وتركب إليه الرواحل ، صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام بقدر مائة ألف صلاة» (١).

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فى بيت بعض نسائه فقلت : يا رسول الله ، أى المساجد الذى أسس على التقوى؟ قال : فأخذ كفا من حصباء فضرب بها الأرض ، ثم قال : «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة (٢).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صلى فى مسجدى أربعين صلاة بالجماعة كتب الله له براءة من النفاق ، وبراءة من النار ، وبراءة من العذاب» (٣).

وبسند ابن النجار أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة فى مسجدى حتى يصلى فيه كان بمنزلة حجة ؛ وإن أدرك بها الجمعة فحسن» (٤).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة جمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواه» (٥).

وروى سهل بن سعد أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من دخل مسجدى هذا ليتعلم فيه خيرا أو يعلّمه كان بمنزلة المجاهد فى سبيل الله ، ومن دخله لغير ذلك من أحاديث الناس كان كالذى يرى ما يعجبه وهو لغيره» (٦).

__________________

(١) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (١١٥).

(٢) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢٦ (باب بيان أن المسجد الذى أسس على التقوى).

(٣) أخرجه : أحمد فى مسنده ٤ / ١٥٥ ، ابن ماجه (٧٩٨) ، الترمذى ٢ / ٧ ـ ٩ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٨ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط ، وقال : رجاله ثقات.

(٤) ذكره ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١١٢ ، وعزاه للزبير بن بكار.

(٥) سبق تخريجه فى الفصل السابق.

(٦) أخرجه : ابن ماجه فى المقدمة ١ / ٨٢ ، ابن أبى شيبة ١٢ / ٢٠٩ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٩١ ، وصححه على شرط الشيخين ، وقال الذهبى : وهو على شرطهما ولا أعلم له علة. وصححه ابن حبان.


وفى رواية : «فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره».

وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أن امرأة شكت بشكوى فقالت : إن شفانى الله تعالى لأخرجن فلأصلين فى بيت المقدس ، فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج ، فجاءت إلى ميمونة زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرتها بذلك ، فقالت ميمونة : اجلسى وكلى ما صنعت وصلى فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :«صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة».

أخرجه مسلم (١).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدى فرجل تكتب له حسنة ورجل تحط عنه خطيئة حتى يرجع» (٢).

واعلم أن الفضل الثابت لمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثابت أيضا لما زيد بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذلك ما زيد فى المسجد الحرام [له] حكم المزيد عليه فى زيادة الفضل.

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : زاد عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى المسجد من جهة الشام ، قال : لو زدنا فيه حتى نبلغ الجبانة لكان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو بنى هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدى».

وروى غيره مرفوعا أنه قال : «هذا مسجدى ، وما زيد فيه فهو منه ، ولو بلغ صنعاء لكان مسجدى». كذا فى «الدرة الثمينة فى أخبار المدينة».

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٩ / ١٦٧ ، أحمد ٦ / ٣٣٤ ، ابن أبى شيبة ٢ / ٣٧١ ، عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٢١. وفيه إبراهيم بن عبد الله بن معبد. هو : ابن العباس بن عبد المطلب : صدوق (التقريب ١ / ٣٨).

(٢) هذا ثابت من حديث أبى هريرة فى كل مسجد كما فى الحديث الذى أخرجه : البخارى ١ / ١٢٧ (الأذان : فضل الجماعة) ، مسلم ٢ / ١٢٨ ، ١٢٩.


الفصل الثامن

فى ذكر فضائل الروضة والمنبر الشريفين

ثبت فى الصحيح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة ، ومنبرى على حوضى» (١).

وروى : «ما بين حجرتى ومنبرى» ، وروى : «ما بين قبرى ومنبرى» (٢).

وفى تفسيره معنيان :

أحدهما : أنه يحصل روضة من رياض الجنة بالعبادة فيه كما قيل : «الجنة تحت ظلال السيوف».

الثانى : أن تلك البقعة قد ينقلها الله تعالى فتكون فى الجنة بعينها.

وقيل : يحتمل أن يراد أن العلم والقرآن يقتبسان من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذلك الموضع فسمى روضة ، وجاء فى الحديث : رياض الجنة حلق الذكر أهم من أن تكون قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك.

وقوله : ومنبرى على حوضى قالوا : معناه من لزم العبادة عند المنبر سقى من الحوض يوم القيامة ، وبعض العلماء حمله على الحقيقة.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «قواعد منبرى رواتب فى الجنة» (٣) يعنى : ثوابت فى الجنة.

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١١٩٦ ، ١١٨٨) ، مسلم ٣ / ٤٦٩ ، أحمد ٢ / ٢٣٦ ، ٣٧٦ ، ٣ / ٤٥٤ ، الترمذى (٤١٧٢ ، ٤١٧٣) ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٧ ، عبد الرزاق (٥٢٤٣) ، الطبرانى فى الصغير ٢ / ١٢٢ ، البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٦٤ ، والشعب (٤١٤٦) ، وأبو نعيم فى الحلية ٣ / ٢٦ ، ٢٦٤ ، ٦ / ٣٤١ ، ٣٤٧.

(٢) أخرجه : البخارى ٢ / ٦١ (التهجد : فضل ما بين القبر والمنبر) ، أبو يعلى (١١٣) ، أحمد فى مسنده ٣ / ٦٤ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٦ ، والشعب (٤١٦٣).

(٣) هداية السالك ١ / ١١٢.


وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «منبرى على ترعة من ترع الجنة» (١). والترعة فى اللغة : الباب ، وقيل : الترعة : الروضة على مكان مرتفع. وقيل : الترعة : العتبة.

ونقل ابن الزّبير ، عن نعيم بن عبد الله ، عن أبيه ، أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو على منبره : «إن قدمىّ الآن على ترعة من ترع الجنة» (٢).

وروى أبو داود من حديث جابر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يحلف أحد عند منبرى هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار ، ووجبت له النار».

فى ذكر ذرع ما بين الروضة الشريفة

ومصلّى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقبر المقدس المطهر

نقل ابن زبالة أن ذرع ما بين المنبر ومصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى كان يصلى فيه إلى أن توفى أربعة عشر ذراعا. ويقال : وشبر. وأن ذرع ما بين القبر المقدس والمنبر الشريف ثلاث وخمسون ذراعا ، والآن خمسون ذراعا إلا ثلثى ذراع ولعل نقصه عن النقول بسبب ما دخل فى حائز عمر بن عبد العزيز على الحجرة (٣).

وينبغى اعتقاد كون الروضة الشريفة بما هو معروف الآن بل تتسع إلى جدّ بيوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ناحية الشام ، وهو كان آخر المسجد فى زمانه ؛ فيكون كله روضة.

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٣٦٠ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٧ ، النسائى فى الكبرى (٤٢٨٨) ، البغوى فى شرح السنة (٤٥٥) ، ابن سعد ١ / ١٠.

(٢) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٤١٢.

(٣) هداية السالك ٣ / ١٤١٩ ، وفاء الوفا ٢ / ٣٩١.


الفصل التاسع

فى ذكر فضائل زيارة القبر المقدس

عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من زار قبرى وجبت له شفاعتى» (١). رواه الدارقطنى.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جاءنى زائرا لا حاجة له إلا زيارتى كان حقا علىّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة» (٢) أخرجه الطبرانى والدارقطنى.

وعن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا عذر لمن كان ذا سعة من أمتى ولم يزرنى» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى علىّ عند قبرى سمعته ، ومن صلى علىّ نائيا بلغته» (٤).

رواه أبو بكر بن أبى شيبة وغيره.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من أحد يسلم علىّ إلا ردّ الله علىّ روحى حتى أرد عليه‌السلام» (٥). رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من حج وزار قبرى بعد موتى كان كمن زارنى فى حياتى» (٦).

__________________

(١) أخرجه : الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٧٨ ، وابن النجار (ص : ١٤٣) ، وأخرجه : ابن خزيمة وأشار إلى تضعيفه ، وعزاه فى الشذرة (٩٦٠) إلى أبى الشيخ ، وابن أبى الدنيا. وقال الذهبى : طرق هذا الحديث كلها لينة يقوى بعضها بعضا.

(٢) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط والكبير. وفيه : مسلمة بن سالم ضعيف.

(٣) ذكره ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١١٣ ، وعزاه للحافظ ابن عساكر بمعناه.

(٤) رواه البيهقى كما فى فتح البارى ، ويشهد له حديث أبى هريرة عند أبى داود ٢ / ٢١٨ : «وصلوا علىّ فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم».

(٥) أخرجه : أبو داود ٢ / ٢١٨ ، أحمد فى مسنده ٢ / ٥٢٧.

(٦) أخرجه : الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٧٨ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط والصغير.


وعن على ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج ولم يزر قبرى فقد جفانى» (١). ذكره أبو اليمن فى كتابه «تحفة الزائر».

وعن كعب أنه قال : ما من فجر يطلع إلا نزل عليه سبعون ألف ملك من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى إذا أمسوا عرجوا ، وهبط سبعون ألفا حتى يحفون بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ سبعون ألفا بالليل وسبعون ألفا بالنهار ، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج فى سبعين ألف من الملائكة (٢).

وروى عنه عليه‌السلام أنه قال : «من زارنى فى المدينة متعمدا كان فى جوارى يوم القيامة» (٣). أخرجه عبد الواحد التميمى فى كتابه المسمى بجواهر الكلام.

وفى رواية أنس بن مالك : «من زارنى فى المدينة محتسبا ؛ كان فى جوارى ، وكنت شفيعا له يوم القيامة» (٤).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى» (٥).

__________________

(١) ذكره ابن النجار فى «الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة» ٢ / ٣٩٧.

(٢) ذكره ابن الجوزى فى مثير الغرام الساكن (ص : ٤٨٧) ، وابن عساكر فى مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٤٠٧ ، وعزاه السيوطى فى الخصائص إلى ابن المبارك ، وابن أبى الدنيا ٢ / ٣٧٦ ، وابن النجار (ص : ١٤٥) وقد تحرف فيه المتن قليلا. والبيهقى فى الشعب (٤١٧٠) عن وهب بن منبه.

(٣) ذكره الهندى فى كنز العمال ٥ / ٦٥٢ ، وعزاه للبيهقى فى الشعب ، وانظر : الجامع الصغير وفيض القدير ٦ / ١٤٠.

(٤) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٥٧) ، وابن عساكر فى مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٤٠٦ ، المنذرى فى الترغيب والترهيب ٢ / ٢٢٤ ، وراجع تنزيه الشريعة ٢ / ١٧٦ ، واللالئ المصنوعة ٢ / ٧٢ ، وتذكرة الموضوعات (٧٥).

وفيه سليمان بن يزيد الكعبى ذكره ابن حبان فى الثقات ، وقال : وزعم ابن عبد الهادى أن روايته عن أنس منقطعة ، وأنه لم يدركه ، فإنه إنما يروى عن التابعين وأتباعهم. قلت : وضعفه الدارقطنى.

(٥) أخرجه : الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٧٨.


الفصل العاشر

فى ذكر فضائل الأسطوانة المخلقة

وهى التى صلى إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المكتوبة بعد تحويل القبلة ببضعة عشر يوما ، ثم تقدم إلى مصلاه وهى الثالثة من المنبر ، والثالثة من القبلة ، والثالثة من القبر الشريف ، والخامسة من رحبة المسجد اليوم.

وهى متوسطة فى الروضة ، وتعرف أيضا بأسطوانة المهاجرين ؛ لأن أكابر الصحابة كانوا يصلون إليها ويجلسون حولها. وتسمى أيضا : أسطوانة عائشة ـ رضى الله عنها ـ للحديث الذى روت فيه : أنها لو عرفها الناس لاضطربوا على الصلاة عندها بالسهمان (١).

وهى التى أسرّت بها إلى ابن أختها عبد الله بن الزّبير ، وكان أكثر نوافل عبد الله ابن الزّبير إليها ، ويقال : إن الدعاء عندها مستجاب (٢).

__________________

(١) أى : لاقترعوا على الصلاة عندها.

(٢) هداية السالك ١ / ١١٧.


الفصل الحادى عشر

فى ذكر فضائل أسطوانة التوبة

وهى التى ارتبط بها أبو لبابة بشر بن عبد المنذر الأنصارى الأوسى.

ونقل ابن زبالة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلى نوافله إليها. وفى رواية : كان أكثر نوافله إليها ، وكان إذا صلى الصبح انصرف إليها. وقد سبق إليها الضعفاء والمساكين ، وأهل الضر وضيفان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمؤلفة قلوبهم ، ومن لا مبيت له إلا المسجد ، فينصرف إليهم من مصلّاه من الصبح فيتلو عليهم ما أنزل الله تعالى عليه من ليلته ويحدثهم الحديث (١).

وعن ابن عمر رضى الله عنه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه ويوضع له سريره إلى أسطوانة التوبة مما يلى القبلة يستند إليها (٢).

وهى الثانية من القبر الشريف ، والثالثة من القبلة ، والرابعة من المنبر ، والخامسة من رحبة المسجد اليوم (٣).

وعن عبد الله بن أبى بكر قال : ارتبط أبو لبابة إلى هذه الأسطوانة بضعة عشر ليلة ، وكانت ابنته تأتيه عند كل صلاة فتحله فيتوضأ ويصلى حتى نزلت آية توبته بينها وبين القبر ، فجاءوه ليحلوه ، فقال : لا حتى يحلنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحلّه منها.

وخلفها من جهة الشمال أسطوانة أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وتعرف بالمحرس ؛ لأنه ـ رضى الله عنه ـ كان يجلس إليها لحراسة النبى

__________________

(١) أخرجه : البخارى ١ / ١٠٢ (الصلاة : باب الصلاة إلى الاسطوانة). مسلم ٢ / ٥٩ (الصلاة : دنو المصلى من السترة).

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٧ ، ابن ماجه ١ / ٥٦٤.

(٣) تفسير أحكام القرآن لابن العربى ٢ / ٩٩٨ ، تفسير آية (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ.) والاستيعاب بهامش الإصابة ٤ / ١٦٨.


صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهى مقابل للخوخة التى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج منها من بيت عائشة ـ رضى الله عنها ـ إلى الروضة الشريفة للصلاة (١).

وخلفها ـ أيضا ـ أسطوانة الوفود ؛ يروى : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجلس إليها لوفود العرب إذا جاءته ، وكانت مما تلى رحبة المسجد قبل أن يزاد فى السقف القبلى الرواقان المستجدان ، وكان يعرف أيضا بمجلس القلادة ؛ لأنه كان يجلس إليها الرؤساء من الصحابة وأفاضلهم رضى الله عنهم أجمعين (٢).

__________________

(١) هداية السالك ١ / ١١٦ ، ١١٧.

(٢) هداية السالك ١ / ١١٨.


الفصل الثانى عشر

فى ذكر آداب زيارة القبر المقدس

وهو قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم العربى القرشى المدنى الهاشمى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ فإن زيارته مستحبة مندوبة قريبة إلى الواجب فى حق من كان له سعة وقدرة على ما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من وجد سعة ولم يفد إلىّ فقد جفانى» (١).

وفى رواية : «ما من أحد من أمتى له سعة ولم يزرنى فليس له عذر عند الله تعالى».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جاءنى زائرا لا يهمه إلا زيارتى كان حقا على الله تعالى أن أكون شفيعا له» (٢).

وقال عليه‌السلام : «من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى» (٣).

وفى الباب أحاديث كثيرة قد تقدم بعضها ويكفى هذا القدر للمؤمن الذى يدّعى محبته ؛ فينبغى للحاج أن يهتم بزيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الفراغ من حجة ، وأن لا يضع أكوار الحزم عن رواحل العزم إلا بعد التوجه إلى حضرته ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :«من حج ولم يزرنى فقد جفانى».

وينبغى للزائر إذا وصل إلى المدينة الشريفة أن يغتسل ويلبس أنظف وأحسن ثيابه (٤) ، ويمس شيئا من الطيب على بدنه وثوبه ولو يسيرا ، ويستحضر فى قلبه أنس أرض مشى جبريل ـ عليه‌السلام ـ فى عرصتها. والله شرّف أرضها وسماها ، ويكثر الصلاة والتسليم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الطرق ، فإذا وقع بصره على حيطان

__________________

(١) ذكره ابن النجار فى تاريخ المدينة ٢ / ٣٩٧ ، وانظر : المقاصد ١١٧٨ ، كشف الخفاء ٢٦١٢ ، الموضوعات ٢ / ٢١٧ ، الفوائد المجموعة (ص : ١١٨).

(٢) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط والكبير.

(٣) أخرجه : الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٧٨ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، وعزاه للطبرانى.

(٤) انظر فى ذلك : الإيضاح للنووى (ص : ٤٩) ، المجموع ٨ / ٢١٥ ، شرح اللباب (ص : ٣٣٦).


المدينة والأشجار فليزد من الصلاة والتسليم عليه والاستغفار ، ويسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته ويسعده بها فى الدارين ويقول : اللهم هذا حرم نبيك ورسولك فاجعله لى جنة من سوء الحساب ، ووقاية من النار (١).

فإذا قرب إلى درب المدينة يقول : اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الرياح وما ذرين ، أسألك خير هذه القرية وخير من فيها ، ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر من فيها (٢).

وإذا وقع بصره على المدينة وعلى الحرم النبوى نزل عن الرواحل ، ولا يركب مركبا ؛ لأن العلماء لا يرون ذلك أدبا.

وكان مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ يقول : أستحيى من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحافر دابتى.

ثم يدخل على هيئة الخشوع والتواضع والمسكنة والوقار مشتغلا بالدعاء والأذكار متفكرا فى نفسه شرفها وجلالة من شرفت به ، ومتأملا فى قلبه أنها دار الهجرة ومهبط الوحى وأصل الأحكام ومنبع الإيمان ومظهر الإسلام ، ويقول عند دخوله : بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا (٣).

ويقصد فى دخوله باب الصلاة (٤). فإذا وصل إلى باب المسجد صلّى عليه وسلم ، ويقدم رجله اليمين ويطرق بصره على الأرض ، ويكثر من التواضع والخشوع والمسكنة والتذلل ، ويقول : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ،

__________________

(١) أورده النووى فى الأذكار (ص : ٣٠٦).

(٢) أخرجه : النسائى فى عمل اليوم والليلة (ص : ٣٦٧ ـ ٣٦٨) ، وموارد الظمأن (ص : ٥٩٠) ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤٦ ، وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبى. وأخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٢٥٢ ، والطبرانى فى الدعاء ٢ / ١١٨٨.

(٣) الإيضاح (ص : ٤٩٠ ـ ٤٩١) ، المجموع ٨ / ٢١٥ ، شرح اللباب (ص : ٣٣٦) ، هداية السالك ٣ / ١٣٧٤.

(٤) انظر : آداب دخول المسجد النبوى والزيارة فى : الإيضاح (ص : ٤٩٢ ـ ٤٩٤) ، فتح القدير ٣ / ٣٣٦ ، هداية السالك ٣ / ١٣٧٢ ، شرح اللباب (ص : ٣٣٦).


اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح علىّ أبواب فضلك وأبواب رحمتك.

ثم يتوجه إلى منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويصلى عنده ركعتين بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه اليمين ؛ فإنه موقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقرأ فى الركعة الأولى الفاتحة وقل يا أيها الكافرون ، والثانية الفاتحة وقل هو الله أحد ، ثم يسجد شكرا لله تعالى على الوصول إلى تلك البقعة الشريفة والبلوغ إلى تلك الروضة المنيفة ؛ على قول من يرى سجدة الشكر معتبرة مشروعة كأبى يوسف ومحمد والشافعى ـ رضى الله عنهم ـ ويدعو بما أحب.

وإن كان يخاف فوات المكتوبة يبدأ بها ؛ فإن تحية المسجد تحصل بها أيضا ، ويدعو بعدها.

ثم ينهض ويتوجه إلى قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقف عند رأسه ويدنو منه ويكون وقوفه بين القبر والمنبر مستقبلا للقبلة ، ولا يضع يده على جدران الحظيرة ولا يقبلها ؛ فإن تلك ليست من سنن الصحابة رضى الله عنهم ؛ بل يدنو على قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع ، ويصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى الصديق والفاروق على ما يأتى ، ثم يبعد عنها قدر رمح أو أقل ؛ فإن ذلك أقرب إلى الحرمة. كذا عن الفقيه أبى الليث وعن أصحابنا أيضا.

ورأيت فى مناسك أصحاب الشافعى ـ رضى الله عنهم ـ وغيره : أنه يقف على وجه يكون ظهره إلى القبلة ووجهه إلى الحظيرة ، والصحيح ما ذكرنا ؛ لأنه جمع بين العبادتين مع استقبال القبلة فى حالة واحدة.

فإذا وقف بحذاء رأسه ـ عليه‌السلام ـ على ما ذكرنا يقف بالحرمة ناظرا إلى الأرض غاض البصر مطرق ، ويضع يمينه على شماله كما فى الصلاة ، ويمثل صورته الكريمة فى عينه أنه موضوع فى اللحد ما زال كالنائم ، وأنه عالم بحضوره وقيامه وزيارته ، وأنه يسمع كلامه وسلامه وصلاته ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى علىّ عند قبرى سمعته ، ومن صلّى نائيا بلغته» ؛ ولأنه أوفر تعظيما له فى قلبه ويقول :السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبى الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا أمين وحى الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا


خيرة الله ، السلام عليك يا أشرف خلق الله ، السلام عليك يا أفضل رسل الله ، السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا محمود ، السلام عليك يا أبا القاسم ، السلام عليك يا بشير ، السلام عليك يا نذير ، السلام عليك يا شاهد ، السلام عليك يا طاهر ، السلام عليك يا ماحى ، السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا شفيع المذنبين ، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين ، السلام عليك يا رسول رب العالمين ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا إمام المتقين ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين ، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين ، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالحين ، جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا عن قومه ، ورسولا عن أمته ، وأشهد أنك يا سيدى رسول الله قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وأوضحت الحجة ، وجاهدت فى الله حق جهاده ، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، صلى الله عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عن ذكرك الغافلون ، وصلى الله عليك فى الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من خلقه أجمعين ، وصلى الله عليك وعلى روحك فى الأرواح ، وعلى جسدك فى الأجساد ، وعلى قبرك فى القبور. نحن وفدك وزوّارك يا رسول الله ، ونحن قصّادك وأضيافك يا أكرم الخلق على الله ، جئناك من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة ، قطعنا إليك السهل والجبل والحرار ، وخضنا المهامة والمفاوز والقفار ، وقصدنا به قضاء حقك ، والنظر إلى مآثرك ، والتيمن بزيارتك ، والتبرك بالسلام عليك ، وقد حللنا رحيب فناءك وأنخنا بساحة جودك وإنعامك ؛ وأنت خير مخلوق وفد إليه الرجال وشدّت إلى فناءه الرحال ، وقد ندبتنا إلى إكرام الضيف ، وحرضتنا على قرى الوافد ، وأنت أولى بذلك منا ؛ فقد وصفك الله تعالى بالخلق العظيم وسمّاك بالرءوف الرحيم ، فاجعل قرانا الشفاعة إلى ربنا وربك ، واجعل ضيافتنا أن تسأل الله تعالى لنا أن يحيينا ويميتنا على ملتك ، وأن يحشرنا يوم القيامة فى زمرتك ، ويوردنا حوضك ، ويسقينا بكأسك غير خزايا ولا نادمين ولا مبدلين ولا مغيرين ، وأن يبلغنا آمالنا فى الدنيا والآخرة ،


ويصلح أحوالنا الباطنة والظاهرة ، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا ، والأوزار قد أثقلت كواهلنا ، وأنت الشافع المشفوع الموعود بالشفاعة الكبرى والمقام المحمود ، وقد قال الله تعالى فيما أنزل عليك : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(١).

وقد جئناك يا حبيب الله ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا معترفين بإساءتنا فاستغفر لنا إلى ربنا ، واستقل لنا من ذنوبنا ، وإن لم نكن لذلك أهلا فأنت أهل الصفح الجميل والعفو عن المسيئ المعترف ، فافعل بنا ما يليق بكرمك ، فقد طرحنا أنفسنا عليك يا رسول الله ، ليس لنا منقلب عنك ولا ذهاب عن بابك ولا أحد نستشفع به غيرك ؛ لأنك نبينا ، أرسلك الله رحمة للعالمين ، وبعثك منقذا للمذنبين فلا تخيب ظننا فيك ، ولا تخلف أملنا منك ، صلى الله عليك ورضى الله عن أهل بيتك وأصحابك وأزواجك وأتباعك أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وإن كان أحد من إخوانه وخلّانه من المسلمين أوصاه بتبليغ السلام إلى النبى عليه‌السلام فيقول : السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك إلى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له ولجميع المؤمنين ؛ فأنت الشافع المشفع الرؤوف الرحيم.

ثم يتحول من ذلك المكان ويدور إلى أن يقف بحذاء وجه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستديرا للقبلة ، ويقف لحظة ويصلى عليه مرة أو ثلاثا (٢).

ثم يتحول من ذلك الموضع قدر ذراع إلى أن يحاذى رأس الصديق رضى الله عنه ؛ فإن رأس الصديق عند منكب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله فى الغار ، السلام عليك يا رفيق رسول الله فى الأسفار ، السلام عليك يا أمين رسول الله فى الأسرار ، السلام عليك يا صديق ، جزاك الله أفضل ما جزى إماما عن أمة نبيه ؛ فقد خلفته بأحسن

__________________

(١) سورة النساء : آية ٦٤.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٣٧٦ ، وهذه الصيغ فى السلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما هى اختيارات للعلماء ، وليس فيها تحديد ، وأى صيغة ألهمك الله إياها فهى صيغة مقبولة إن شاء الله.


الخلف ، وسلكت طريقه ومناهجه بأحسن المناهج ، وقاتلت أهل الردة والبدعة ، ونصرت الإسلام ، وكفلت الأيتام ، ووصلت الأرحام ، ولم تزل قائلا للحق ناصرا لأهله إلى أن أتاك اليقين. رضوان الله عليك وسلامه وبركاته. أسأل الله تعالى أن يميتنا على محبتك ، وأن يحشرنا فى زمرة نبينا ونبيك وزمرتك ، وأن ينفعنا بمحبتك كما وفقنا لزيارتك. إنه هو الغفور الرحيم (١).

ثم يتحول قدر ذراع إلى أن يحاذى رأس قبر الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ؛ فإنه رأسه عند منكب أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فيقول :السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا مظهر الإسلام ، السلام عليك يا كاسر الأصنام ، السلام عليك يا من أعز الله به الإسلام ، ودفع به الكفر والأصنام. جزاك الله عنا يا أمير المؤمنين أفضل ما جزى إماما عن أمة نبيه ، ولقد سلكت بأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم طريقة مرضية ، وسرت فيهم سيرة نقية ، وأمرتهم بما أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونهيتهم عما نهاهم عنه ، وكنت فيهم هاديا مهديا ، وإماما مرضيا ، فجمعت شملهم ، وأغنيت فقرهم ، وجبرت كسرهم ، ولا تألو فى الله تعالى وفى عباده جهدا ، سلام الله عليك ورضوانه وبركاته ، أسأل الله تعالى أن يحيينا ويميتنا على محبتك ، وأن يحشرنا فى زمرة نبينا وزمرتك ، السلام عليك يا أمير المؤمنين إنه هو الغفور الرحيم (٢).

ثم يرجع قدر نصف ذراع ويقف بين رأس الصديق ورأس الفاروق ـ رضى الله عنهما ـ ويقول : السلام عليكما يا صاحبى رسول الله ، السلام عليكما يا ضجيعى رسول الله ، السلام عليكما يا رفيقى رسول الله ، السلام عليكما يا وزيرى رسول الله ، جزاكما الله تعالى خير الجزاء. جئنا يا صاحبى رسول الله زائرين لنبينا وصدّيقنا وفاروقنا ، ونحن نتوسل بكما إلى رسول الله ليشفع لنا ، ونحن نسأل الله تعالى أن يتقبل سعينا ، وأن يحيينا على ملتكم ، ويميتنا على ملتكم ، ويحشرنا فى زمرتكم. ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ويسأل الله تعالى حاجته ويصلى فى آخره على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله.

__________________

(١) المرجع السابق ٣ / ١٣٧٧.

(٢) نفس المرجع ٣ / ١٣٧٨.


ثم يرجع ويقف عند رأس النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين القبر والمنبر على الوجه الذى وقف فى الابتداء (١) ، ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ، ويكثر من الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويسأل الله تعالى المغفرة والرضوان لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين ولمن أحب من إخوانه وأصدقائه وأستاذيه ومعلميه ، ثم يقول : اللهم إنك قلت وأنت أصدق القائلين : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٢) سمعنا قولك ، وأطعنا أمرك ، وقصدنا نبيك مستشفعين به إليك بالمغفرة والرضوان ، ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ولو أراد أن يزيد أو ينقص فله ذلك ؛ لأنه ليس له دعاء على سبيل التعيين ؛ بل يدعو بما تيسر له (٣). والله الموفق لذلك.

ولا يصلى عند القبر صلاة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد ؛ اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تتخذوا قبرى عيدا» (٥) ، ولكن يجئ إلى أسطوانة التوبة ـ التى ذكرنا ـ فيصلى عندها ركعتين ويدعو الله تعالى بالرحمة والمغفرة ، ويشكره على ما أولاه ويسأله بلوغ ما أمله ورجاه ، ثم يقصد الروضة فيصلى فيها ما تيسر ، ويكثر من الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والدعاء لنفسه فيها ؛ ففى الحديث المتفق عليه : «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة» (٦).

__________________

(١) ما ذكر من العود إلى قبالة الوجه الشريف ، والتقدم إلى رأس القبر المقدس للدعاء عقب الزيارة لم ينقل عن فعل الصحابة ، أو التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.

(٢) سورة النساء : آية ٦٤.

(٣) انظر فى الاختصار فى الدعاء : المجموع ٨ / ٢١٧ ، فتح القدير ٢ / ٣٣٧ ، شرح اللباب (ص : ٣٤١) ونبه على أن لا يغفل الزائر عن الأدب وكمال التوجه سواء اختصر صيغة السلام أم لا ؛ فإن ذلك هو الأساس.

(٤) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٢٤٦ ، مالك فى الموطا ١ / ١٧٢.

(٥) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٣٦٧ بلفظه فى ضمن حديث ، وأبو داود ٢ / ٢١٨ ، فى آخر المناسك ضمن حديث عن أبى هريرة (زيارة القبور). بلفظ : «لا تجعلوا».

(٦) أخرجه : البخارى (١١٩٦ ، ١٨٨٨) مسلم ٣ / ٤٦٩ ، الترمذى (٤١٧٢ ، ٤١٧٣) ، أحمد فى


ثم يأتى المنبر فيقف عنده ويدعو ويصلى ؛ فقد روى أن الدعاء هنالك مستجاب.

ثم يأتى إلى الأسطوانة الحنانة التى احتضنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيحتضنها ؛ لأنه السنة ؛ لما روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يستند إلى جذع ويخطب ، ثم اتخذ المنبر وكان يقوم عليه ، فحنّت التى كان يستند إليها حنينا سمعه أهل المسجد ، فأتاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسها فسكنت ـ وفى رواية أنس رضى الله عنه : احتضنها فسكنت ـ وقال : «لو لم أحتضنه ـ يعنى الجذع ـ لحنّ إلى يوم القيامة» (١).

واعلم أن هذا الجذع ليس له اليوم عين ولا أثر ؛ فقد روى : أن أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ أخذه لما غير المسجد وهدم فكان عنده فى بيته حتى بلى وأكلته الأرضة وعاد رفاة. ولكن اليوم فى موضعها أخرى تزار تبركا بها ، وهذا تمام الزيارة وآخرها فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وليجتهد أن يبيت فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحيى ليلته فيه بقراءة القرآن وذكر الله تعالى ، ويكثر من الاختلاف إلى القبر المطهر والحظيرة فى كل ساعة من ساعات الليل ، ويدعو تارة سرا وتارة جهرا. ويدعو لمن أحب من إخوانه وأولاده فى دعائه ، وليكن الزائر قوى الرجاء حسن الظن ، ملاحظا لما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الله تعالى من عريض الجاه وعظيم الحرمة. متصورا لما جبل عليه الصلاة والسلام من الرأفة والرحمة والشفاعة.

__________________

مسنده ٢ / ٢٤٦ ، ٣٧٦ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٧ ، الطبرانى فى الصغير ٢ / ١٢٢ ، البيهقى فى الشعب (٤١٤٦) ، عبد الرزاق فى مصنفه (٥٢٤٣) ، أبو نعيم فى الحلية ٣ / ٢٦ ، ٢٦٤.

(١) أخرجه : أحمد فى مسنده ١ / ٢٤٩ ، ٢٦٣ ، ابن ماجه (١٤١٥) ، الدارمى (٣٩) ، أبو نعيم فى دلائل النبوة (ص : ١٤٢). وفى هذه الأحاديث دليل على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كأشرف الحيوانات.


الفصل الثالث عشر

فى ذكر الكلمات المروية من زوار قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

روى محمد بن عبيد الله العتبى قال : بينما أنا جالس عند قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا بأعرابى قد أقبل إلى المسجد على بعير فأناخه ، ثم دخل المسجد وأتى القبر الشريف فسلم عليه سلاما حسنا ودعا دعاء جميلا ، ثم قال : يا رسول الله ، إن الله تعالى قد أنزل عليك كتابا صادقا فيه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً.)

وقد جئتك مستغفرا من ذنبى مستشفعا بك إلى ربى ، ثم أنشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

أنت الشفيع الذى ترجى شفاعته

عند الصراط إذا ما زلّت القدم

ثم استغفر وانصرف.

ثم غلبنى النوم فرقدت ، فرأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : يا عتبى الحق الأعرابى وبشره أن الله قد غفر له بشفاعتى ، فخرجت فطلبته فما لقيته (١).

وقال إبراهيم بن شيبان حججت فى بعض السنين فجئت المدينة وتقدمت إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلمت عليه ، فسمعت من داخل الحجرة : وعليك السلام (٢).

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٤٠٨ ، البيهقى فى الشعب (٤١٧٨) ، ابن النجار (ص : ١٤٧) ، ابن الجوزى فى مثير الغرام الساكن (ص : ٤٩٠).

وهى حكاية مشهورة عن العتبى فى كتب المناسك ، ولفظ الاستشفاع بالنبى فيه تفصيل ليس هنا موضعه.

(٢) أخرجه : الأصبهانى فى الترغيب (١٠٢) ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٤٨٩) ، ابن النجار (ص : ١٤٦) ، وفى سنده ابن جهضم.


وعن أبى الخير الأقطع (١) قال : دخلت مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا بفاقة فأقمت خمسة أيام ما ذقت شيئا ، فتقدمت إلى القبر المقدس وسلمت على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وقلت : أنا ضيفك الليلة يا رسول الله ، وتنحيت فنمت خلف المنبر فرأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله وعلىّ بن أبى طالب بين يديه ، فحركنى علىّ وقال لى : قم قد جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فقمت إليه وقبلت بين عينيه ، فدفع إلىّ رغيفا فأكلت نصفه ، فانتبهت وإذا فى يدى نصف رغيف (٢).

وعن عمرو بن محمد أنه ترك الأذان فى المسجد أيام الحرّة ثلاثة أيام اشتغلوا عنه ، قال سعيد بن المسيب : وكنت لا أخرج من المسجد فاستوحشت فدنوت من القبر ، فلما حضرت الظهر سمعت الأذان من الروضة فصليت ركعتين ، ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر ، ثم لم أزل أسمع الأذان والإقامة لكل صلاة حتى عاد الناس والمؤذنون إلى المسجد (٣).

وروى عن امرأة من المتعبدات أنها قالت لعائشة رضى الله عنها : اكشفى لى عن قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكشفت لها ، فبكت حتى ماتت (٤).

وقيل : جاء أعرابى بعد دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله ، قلت : فسمعنا ، وكان فيما أنزل عليك :(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) الآية ، وقد ظلمت نفسى وجئتك أستغفر الله من ذنبى فاستغفر لى من ربى ، فنودى من القبر أنه قد غفر لك (٥).

وعن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير ـ وكان مصعب يصلى فى اليوم

__________________

(١) هو : أبو الخير الأقطع التينماتى (نسبة إلى تينمات ببلاد المشرق) انظر ترجمته فى : الحلية ١٠ / ٣٧٧ ، المنتظم ١٤ / ٩٦ ، جامع الكرامات ١ / ٤٥٠.

(٢) صفة الصفوة ٤ / ٢٣٦ ، ابن النجار (ص : ١٤٨) ، وتحرفت فيه : «أبو الخير» إلى : «أبى الخبر» ، وذكر هذه الحكاية القشيرى بدون إسناد ، ونسبها لابن الجلاء (١٩٥) ، وتحرفت فى وفاء الوفا (ص : ١٣٨٠) إلى ابن الجلاد.

(٣) ذكره السيوطى فى الخصائص ٢ / ٤٩٠ ، وعزاه لأبى نعيم فى الحلية.

(٤) ذكره ابن النجار (ص : ١٤٩) ، وابن الجوزى فى مثير الغرم (ص : ٤٩٢).

(٥) مثير الغرام (ص : ٤٩٠) ، مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٤٠٨ ، ابن النجار (ص : ١٤٧).


والليلة ألف ركعة ويصوم الدهر ـ قال : بت ليلة فى المسجد بعد ما خرج الناس منه ؛ فإذا برجل قد جاء إلى قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أسند ظهره إلى الجدار ثم قال : اللهم إنك تعلم أنى كنت أمس صائما ثم أمسيت فلم أفطر على شىء وإنى أمسيت أشتهى الثريد فأطعمنيه من عندك ، قال : فنظرت إلى وصيف غلام داخل من خوخة المنارة ليس فى خلقه وصفاته أحد ، ومعه قصعة فأهوى بها إلى الرجل فوضعها بين يديه ، وجلس الرجل يأكل وخصنى فقال : هلمّ ، فجئته فظننت أنها من الجنة ، فأحببت أن آكل منها فأكلت منها لقمة ما أكلت طعاما لا يشبه طعام الدنيا ، ثم احتشمت فقمت فرجعت إلى مجلسى ، فلما فرغ من أكله أخذ الوصيف القصعة ثم أهوى راجعا من حيث جاء ، وقام الرجل منصرفا ، فقمت فاتبعته لا أعرف ولا أدرى أين سلك ، فظننت أنه الخضر عليه‌السلام (١).

وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : لما رمس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءت فاطمة فوقفت على قبره وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته على عينيها وبكت وأنشأت تقول :

ماذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشم من الزمان غواليا

صبّت علىّ مصائب لو أنها صبّت

على الأيام عدت لياليا (٢)

وروى ابن أبى فديك ـ وهو من علماء أهل المدينة ـ أنه قال : بلغنا أنه من وقف عند قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتلى هذه الآية : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ)(٣) ثم قال : صلى الله عليك سبعين مرة ، ناداه ملك صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك حاجة (٤).

قال الإمام زين الدين بن الحسين مدرس المدينة : والأولى أن ينادى يا رسول الله

__________________

(١) أخرجه : ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٤٩٢) ، ابن النجار (ص : ١٤٩). وفيه : مصعب بن الزبير ضعفه أحمد والنسائى ، وقال عنه أبو حاتم : لا يحتج به. وقال ابن حبان : منكر الحديث.

(٢) الخبر فى : الرقة لابن قدامة المقدسى (٦٢) ، مثير الغرام (ص : ٤٨٩) ، ابن النجار (ص : ١٢٥) ، وعزاه السمهودى (ص : ١٠٤٥) لابن عساكر.

(٣) سورة الأحزاب : آية ٥٦.

(٤) ذكر هذا الخبر : ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٣٨٣ ، البيهقى فى الشعب ٤١٦٩.


وإن كانت الرواية : «يا محمد» تأدبا وحشمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال العلماء : يجب الأدب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد مماته كما فى حال حياته.

وقد روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قال : لا ينبغى رفع الصوت عند النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيا وميتا (١).

وروى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد فى بعض الدور المطنبة بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فترسل إليهم : لا تؤذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قالوا : وما عمل علىّ ـ رضى الله عنه ـ مصراعى داره بالمناصع توقيا عن ذلك.

وفى صحيح البخارى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال لرجلين من أهل الطائف : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا ؛ ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

ويروى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالك بن أنس فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)(٣) الآية ، وذمّ قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ)(٤) الآية. وإن حرمته كحرمته ميتا ، فاستكان له أبو جعفر ، ثم قال أبو جعفر : يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى يوم القيامة ، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله تعالى (٥).

وروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد أن تغفر لى ، فقال الله تعالى : وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ، قال :

__________________

(١) انظر : المجموع ٨ / ٢١٧ ، فتح القدير ٢ / ٣٣٧.

(٢) أخرجه : البخارى ٢ / ٩٧ (الصلاة : باب رفع الصوت فى المساجد).

(٣) سورة الحجرات : آية ٣.

(٤) سورة الحجرات : آية ٤.

(٥) ذكر هذا الخبر ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٣٨١. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه القصة مكذوبة على الإمام مالك (مجموع الرسائل الكبرى ٢ / ٣٩١).


لأنك لما خلقتنى بيدك ونفخت فىّ من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا اسم أحب الخلق إليك ، فقال الله تعالى : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلىّ ، وإذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك ، ولو لا محمد ما خلقتك. رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد (١).

شعر لبعضهم :

جرمى عظيم يا عفوّ وإننى

بمحمد أرجو التسامح فيه

فيه توسّل آدم فى أمره

وقد اهتدى من يقتدى بأبيه (٢)

وليجتهد فى مدة إقامته بالمدينة الشريفة على أن يصلى الصلوات الخمس فى جماعة بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ٢ / ٦١٥ ، ولم يوافقه الذهبى على صحة هذا الحديث.

وفيه : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف ، وعبد الله بن مسلم الفهرى مجهول إن لم يكن به شىء فإنه متهم. (لسان الميزان ٣ / ٣٦٠).

(٢) أى بأبيه الصالح فى الخير. وإلا فكم نعى القرآن على مقلدى آبائهم على غير هدى من الله.


الفصل الرابع عشر

فى ذكر زيارة البقيع

ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصا يوم الجمعة ، ويكون ذلك بعد السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى ابن النجار عن أبى عاصم قال : حدثتنى أم قيس بنت محصن قالت : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدى فى سكة المدينة حتى انتهى إلى بقيع الغرقد ، فقال : «يا أم قيس» قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله. قال : «ترين هذه المقبرة؟» قلت : نعم ، قال : «يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن مقبرة البقيع تضىء لأهل السماء كما تضىء الشمس والقمر لأهل الدنيا».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من دفناه فى مقبرتنا هذه شفعنا له» (٢).

وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلما كانت ليلتى منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا أول من تنشق عنه الأرض ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم آتى أهل البقيع فيحشرون معى ، ثم أنتظر أهل مكة بين الحرمين» (٤).

__________________

(١) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ١٣ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير. وقال : فيه من لم أعرفه.

(٢) أخرجه : ابن النجار فى الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢.

(٣) أخرجه : مسلم ٢ / ٦٦٩ ، أحمد فى مسنده ٦ / ١٨٠ ، ابن ماجه (١٥٤٦) ، النسائى (٢٠٣٨) ، ابن حبان (٣١٧٢) ، عبد الرزاق مصنفه (٦٧٢٢) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٧٩.

(٤) أخرجه : الترمذى (٣٦٩٢) الحاكم فى المستدرك ٢ / ٤٦٥ ، ٤٦٦ ، الطبرانى فى الكبير ١٢ / ٣٠٥ ، ابن عساكر ١٨ / ٣٠٥ ، البيهقى فى دلائل النبوة ١ / ٧٤ ، ابن عدى فى الكامل ٥ / ١٨٧٠ ، ابن


وعن أبى عبد الملك يرفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «مقبرتان تضيئان لأهل السماء كما تضىء الشمس والقمر لأهل الدنيا : البقيع ؛ بقيع المدينة ، ومقبرة بعسقلان».

وروى أن أكثر الصحابة ممن توفى فى حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعد وفاته مدفون فى البقيع وكذلك سادات أهل البيت والتابعين. ونقل فى «مدارك القاضى عياض» عن مالك أنه قال : مات فى المدينة من الصحابة عشرة آلاف وباقيهم فى البلدان.

وكذلك أمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير خديجة ؛ فإنها مدفونة بمكة ، وغير ميمونة ؛ فإنها مدفونة بسرف على عشرة أميال من مكة ، وباقيهنّ فى البقيع ؛ فمنها : سودة بنت زمعة توفيت بالمدينة فى شوال سنة أربع وخمسين.

وتوفيت عائشة رضى الله عنها بالمدينة ، وأوصت أن تدفن بالبقيع مع صواحباتها ، وصلّى عليها أبو هريرة وكان خليفة مروان بالمدينة ، وقال الواقدى : ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة من رمضان سنة ثمان وخمسين ، وهى بنت ست وستين سنة.

ومنها : حفصة بنت عمر ، هاجرت مع زوجها خنيس بن حذافة فتوفى بالمدينة فتزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم طلقها تطليقة فأتاه جبريل فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة ؛ فإنها صوامة قوامة ، فراجعها ، وتوفيت بالمدينة فى خلافة معاوية وهى بنت ستين سنة.

ومنها : أم سلمة ، واسمها هند بنت أمية ، واسم أمية سهل ، تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ليال بقين من شوال سنة أربع وتوفيت سنة تسع وخمسين ، وصلى عليها سعيد بن زيد ، وقيل : أبو هريرة ، وقبرت بالبقيع ، وهى ابنة أربع وثمانين سنة.

ومنها : أم حبيبة ، واسمها : رملة ابنة أبى سفيان بن حرب ، توفيت سنة أربع وأربعين ، ودفنت بالبقيع (١).

__________________

النجار (ص : ١٥١) ، ابن شاهين فى الثقات (١٥١) ، ابن الجوزى فى العلل (١٥٢٧).

وفيه : عاصم بن عمر ؛ قال عنه البخارى ومسلم : منكر الحديث ، وضعفه الدارقطنى وأبو حاتم.

وقال النسائى : متروك.

(١) تاريخ المدينة ١ / ١٢٠.


ومنها : زينب بنت جحش بن رباب ، اسم أمها : أميمة بنت عبد المطلب ، تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة فى سنة خمس من الهجرة ، وتوفيت سنة عشرين وهى بنت ثلاث وخمسين سنة (١).

ومنها : زينب بنت خزيمة ، وكانت تسمى أم المساكين ، فتزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى رمضان على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، ومكثت عنده ثمانية أشهر ، وماتت فى ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهرا ودفنت بالبقيع (٢).

ومنها : صفية بنت حيى بن أحطب ، ماتت فى سنة خمسين ، ودفنت بالبقيع (٣).

ومنها : ريحانة بنت زيد بن عمرو ، ماتت فى رجوعه عليه‌السلام من حجة الوداع ، فدفنها فى البقيع ، قال الواقدى : سنة ست عشرة ، وصلى عليها عمر رضى الله عنه.

ومنها : جويرية بنت الحارث ، تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى شعبان سنة ست ، وكان اسمها برّة فسماها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جويرية ، توفيت فى ربيع الأول سنة ست وخمسين وهى ابنة خمس وستين سنة.

والقبور المشهورة اليوم فى البقيع : قبر أبى الفضل العباس عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى محمد الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما (٤).

وقد ورد أن الحسن بن على حين أحس بالموت قال : ادفنونى إلى جنب أمى فاطمة فدفن إلى جنبها (٥).

وجاء فى طريق آخر : أن قبر فاطمة فى بيتها الذى أدخله الإمام عمر بن عبد العزيز فى المسجد.

وروى أن الشيخ أبا العباس المرسى كان إذا زار البقيع وقف أمام قبلة قبة

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩١٢.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٩١٢.

(٣) وفاء الوفا ٣ / ٩١١.

(٤) تاريخ المدينة ١ / ١٢٧.

(٥) وفاء الوفا ٣ / ٩٠٨ ، عمدة الأخبار (ص : ١٢٩).


العباس ، وسلّم على فاطمة رضى الله عنها ، ويذكر أنه كشف له عن قبرها.

وماتت فاطمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أشهر وهى بنت تسع وعشرين سنة وغسّلها علىّ وصلى عليها ، وقيل : صلى عليها العباس ، وقيل : صلى عليها أبو بكر ، فالأول قول عروة ، والثانى قول عمرة بنت عبد الرحمن ، والثالث قول النخعى. ودفنت ليلا (١).

وأربعة فى قبر واحد عند رجل أبى الفضل العباس ـ رضى الله عنه ـ وهم : الحسن ابن على توفى فى ربيع الأول سنة تسع وأربعين وهو ابن سبع وأربعين سنة وصلى عليه سعيد بن العاص ، ومولده فى شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.

وزين الدين على بن الحسين ، ومحمد الباقر بن زين العابدين ، وجعفر الصادق ابن محمد الباقر رضى الله عنهم أجمعين. وقد بنى الخليفة الناصر بن المستضىء أحمد قبة عالية عليهم.

ثم قبر عقيل بن أبى طالب ومعه فى القبة أخيه عبد الرحمن الجواد بن جعفر ابن أبى طالب ، وعليهما قبة يقال : إن الدعاء [عندها] مستجاب (٢).

ثم قبر إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليه قبة فيها شباك من جهة القبلة ، وهو مدفون إلى جنب عثمان بن مظعون ، كما ورد فى الصحيح أنهم قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين نحفر لإبراهيم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عند فرطنا عثمان بن مظعون» (٣).

قيل : أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون فى شهر شعبان على رأس ثلاثين من الهجرة ، وقبّل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خده بعد موته ، وسماه السلف الصالح ، وكان متعبدا ، وحرم الخمر فى الجاهلية والإسلام ، وقال : لا أشرب شيئا يذهب عقلى ويضحك بى من هو أدنى منى (٤).

وورد أيضا : أن عبد الرحمن بن عوف حين نزل به الموت أرسلت إليه عائشة ـ

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ / ١٠٤ ، وفاء الوفا ٣ / ٩٠١.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٩٠٩.

(٣) تاريخ المدينة ١ / ١٢١ ، وفاء الوفا ٣ / ٨٩١.

(٤) وفاء الوفا ٣ / ٨٩٣ ، تاريخ المدينة ١ / ١٠٢ ، عمدة الأخبار (ص : ١٢٧).


رضى الله عنها ـ أن هلم إلى أصحابك يعنى : النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر وعمر ، فقال : لست بمضيق عليك بابك ، إنى قد كنت عاهدت عثمان بن مظعون أن أينا مات دفن إلى جانب صاحبه ادفنونى إلى جانب عثمان ، فدفن هناك ، فيزاران مع سيدنا إبراهيم (١).

وفى جانب قبة عقيل حظيرة مبنية بالحجارة يقال : إن فيها قبر أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسلم عليهنّ هناك.

ثم قبر أمير المؤمنين أبى عمرو عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ شرقى البقيع فى موضع يعرف بحس كوكب ، والحس : البستان ، وعليه قبة عالية بناها أسامة بن سنان الصالحى أحد أمراء صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة إحدى وستمائة.

وكانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأياما ، وبلغ تسعين سنة ، ودفن ليلة السبت وقد تقدم الخلاف فى قاتله (٢).

ثم قبر أم أبى الحسن على بن أبى طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ـ رضى الله عنها ـ وهى شمالى قبة عثمان بن عفان فى موضع يعرف بالحمام وعليها قبة صغيرة (٣).

ونقل ابن زبالة وابن النجار عن أبى روق قال : حمل الحسين ـ رضى الله عنه ـ بدن أبيه على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ فدفن بالبقيع ، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ، وبلغ عمره سبعا وخمسين سنة ، ويقال : إن رأس الحسين حمل إليه أيضا ودفن بالبقيع (٤).

ثم قبر أم الزّبير صفية بنت عبد المطلب عمة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يسار الخارج من باب البقيع عند دار المغيرة بن شعبة بن خداش ، ويقال : إنه دفنت عندها أختها عاتكة رضى الله عنهما (٥).

__________________

(١) الإصابة ٤ / ٢٩٨ ، عمدة الأخبار (ص : ١٢٧) ، وفاء الوفا ٣ / ٩٠٩ ، تاريخ المدينة ١ / ١١٥.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٩١٣ ، الإصابة ٢ / ٤٥٦ ، تاريخ المدينة ١ / ١١١ ، الخلاصة (ص : ٢٦٢).

(٣) تاريخ المدينة ١ / ١٢١.

(٤) وفاء الوفا ٣ / ٩٠٩.

(٥) تاريخ المدينة ١ / ١٢٦.


ثم قبر الإمام أبى عبد الله مالك بن أنس الأصبحى إمام دار الهجرة صاحب المذهب رضى الله عنه ، إذا خرج الشخص من باب البقيع يكون مواجها له من جهة الشرق فى قبة صغيرة (١).

ثم قبر إسماعيل بن جعفر الصادق فى مشهد كبير مبيض غربى قبة العباس ، وهو ركن سور المدينة من جهة القبلة والشرق ، وبابه من داخل المدينة بناه بعض العبيديين من ملوك مصر. ويقال : إن عرضة هذا المشهد وما حولها من جهة الشمال إلى الباب كانت دار زين العابدين على بن الحسين رضى الله عنه (٢).

وبين الباب الأول وبين المشهد بئر منسوبة إلى زين العابدين ، وفى الجانب الغربى للمشهد مسجد صغير مهجور يقال له : مسجد زين العابدين ، رضى الله عنه.

وصهيب بن سنان بن مالك الرومى مدفون بالبقيع ، توفى بالمدينة سنة ثمان وثلاثين وهو ابن سبعين سنة.

وحكيم بن حزام مات بالمدينة سنة أربع وخمسين ، وهو ابن مائة وعشرين سنة (٣).

فإذا انتهى الزائر إلى البقيع فليستقبل المقابر وليقل ما ثبت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت عائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج فى آخر الليل إلى البقيع فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجّلون ، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» (٤).

وفى شمال المدينة على طريق الحاج الشامى من خارج سور المدينة قبر محمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩٢٠.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٩٢٠.

(٣) يبحث عن ذلك فى : القرى (ص : ٦٨٥ ـ ٦٨٧) ، هداية السالك ٣ / ١٣٩٤ ـ ١٣٩٦.

(٤) أخرجه : مسلم ٢ / ٦٦٩ ، أحمد فى مسنده ٦ / ١٨٠ ، ابن ماجه (١٥٤٦) ، النسائى (٢٠٣٨) البيهقى فى السنن ٤ / ٧٩ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٦٧٢٢) ، ابن شبة ١ / ٩٠ ، ابن حبان (٣١٧٢). البغوى فى شرح السنة (١٥٥٠).


المقتول فى أيام أبى جعفر المنصور بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس شرقى جبل سلع ، وعليه بناء كبير بالحجارة ، وهو داخل مسجد كبير مهجور فيه محراب (١).

وفى قبلى المسجد منهل من العين الزرقاء الخارجة من المدينة عليه بناء مدرّج بدرج من جهة الشرق والغرب ، والعين فى وسطه تجرى إلى مفيضها من البركة التى ينزلها الحجاج عند ورودهم وصدورهم.

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩٢٣.


الفصل الخامس عشر

فى ذكر زيارة مسجد قباء

ويستحب استحبابا مؤكدا أن يأتى مسجد قباء يوم السبت ، فإن تعذر فى يوم السبت ففى غيره من الأيام.

وفى الصحيحين : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأتيه كل سبت راكبا وماشيا ، وكان ابن عمر رضى الله عنه يفعله (١).

وفى الصحيحين أيضا : أنه عليه الصلاة والسلام كان يأتيه راكبا وماشيا فيصلى فيه ركعتين (٢).

وفى رواية لابن حبان فى صحيحه : أنه عليه الصلاة والسلام كان يأتى قباء كل يوم سبت (٣).

وصح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الصلاة فيه كعمرة» رواه أحمد والترمذى وابن حبان فى صحيحه والحاكم وصحح إسناده (٤).

وعن سهل بن حنيف ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء ، فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة» رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (٥).

وعنه أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من توضأ فأحسن وضؤه فدخل مسجد

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١١٩٤) ، مسلم ٣ / ٤٨١ ـ ٤٨٤ ، أبو داود (٣٠٣٨) ، أحمد فى مسنده ٢ / ١٥٥ ، النسائى (٦٩٧) ، ابن حبان (١٦٢٨) البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٨.

(٢) البخارى ٢ / ٦١ (التطوع : باب إتيان مسجد قباء) ، مسلم (الحج) ٤ / ١٢٧.

(٣) صحيح ابن حبان (١٦٢٨).

(٤) أخرجه : الترمذى ٢ / ١٤٦ ، أحمد فى مسنده ٣ / ٤٨٧ ، ابن ماجه (١٤١٢) ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٧.

(٥) أخرجه : ابن ماجه (٢ / ١٤) أحمد فى مسنده ٣ / ٤٨٧ ، ابن أبى شيبة ٢ / ٣٧٣ ، وعمر بن شبه ١ / ٤٠ ، ٤١.


قباء فركع فيه أربع ركعات كان ذلك عدل رقبة» (١) رواه الطبرانى.

ويستحب أن يدعو بهذا الدعاء قبل دخوله فى المسجد ، ويدعو بما شاء : يا صريخ المستصرخين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا مفرج الكروب عن المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، صلى على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، واكشف عنى كربى وحزنى كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه فى هذا المقام ، يا حنان يا منان ، يا كثير المعروف ، يا دائم الإحسان.

وعن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه كان يأتى قباء يوم الاثنين ويوم الخميس ، فجاء يوما فلم يجد فيه أحدا من أهله ، فقال : والذى نفسى بيده لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر ـ رضى الله عنه ـ فى أصحابه ينقلون حجارته على بطونهم ، ويؤسسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجبريل عليه‌السلام يؤم به البيت.

وحلف عمر ـ رضى الله عنه ـ لو كان مسجدنا هذا فى طرف من الأطراف لضربنا إليه أكباد الإبل (٢).

وفى رواية : «من خرج من بيته حتى يأتى مسجد قباء ويصلى فيه كان كعدل عمرة» أخرجه أحمد والنسائى ، وقال الترمذى : حديث حسن صحيح (٣).

وروت عائشة بنت سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنها ـ عن أبيها ، قالت :والله لئن أصلى فى مسجد قباء ركعتين أحب إلىّ من أن آتى بيت المقدس مرتين ، ولو يعلمون ما فيه لضربوا إليه أكباد الإبل (٤).

وروى نافع عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إلى الأسطوانة الثالثة فى مسجد قباء التى فى الرحبة.

واختلفوا فى أنه كم تكون المسافة من المدينة إلى قباء. قال بعضهم : ثلاثة

__________________

(١) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ١١ ، وعزاه للطبرانى ، وفيه موسى بن عبيد ضعيف.

(٢) ذكره ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٤٧٥) ، وابن النجار فى الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٠.

(٣) أخرجه : أحمد فى مسنده ٣ / ٤٨٧ ، النسائى ٢ / ٣٧ ، الترمذى ٢ / ١٤٦ (الصلاة فى مسجد قباء).

(٤) أخرجه : الحاكم فى المستدرك وصححه ، وابن شبه ١ / ٤٢.


أميال ، وقال الباجى : هو على ميلين ، وقال القاضى عياض : على ثلثى فرسخ ، والصحيح هو الأول ، وهو مروى عن مالك رحمة الله عليه (١).

ذكر ذرع مسجد قباء

اعلم أن طول المسجد ثمانية وستون ذراعا وعرضه أيضا كذلك ، وارتفاعه إلى السماء عشرون ذراعا ، وطول منارته من سطح المسجد إلى رأسها اثنان وعشرون ذراعا ، وهى على يمين المصلى ، وهى مربعة ، وعدد أسطوانات المسجد تسعة وثلاثون.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ١٢١.


الفصل السادس عشر

فى ذكر زيارة شهداء أحد رضى الله عنهم أجمعين

والأفضل أن تكون زيارتهم يوم الخميس بعد صلاة الفجر فى مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويجتهد أن يعود وقت الظهر إلى المسجد كيلا تفوته فضيلة الجماعة المكتوبة فى مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن أحب أن يصعد الجبل فليصعد.

وفى الحديث الصحيح عن أنس : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان معه ، فرجف بهم ، فضرب برجله ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اثبت أحد فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان» (١).

وفى الصحيح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أحد جبل يحبنا ونحبه ، وعير جبل يبغضنا ونبغضه» (٢).

وفى رواية ابن ماجه : إن أحدا على ترعة من ترع الجنة ، وإن عيرا على ترعة من ترع النار» (٣).

وبسند ابن النجار قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحد ركن من أركان الجنة» (٤).

وعن جابر بن عتيك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خرج موسى وهارون عليهما‌السلام حاجين أو معتمرين ، فلما كانا بالمدينة ، مرض هارون عليه‌السلام ، فثقل ، فخاف موسى ـ عليه‌السلام ـ من اليهود ، فدخل به أحدا ، فمات هارون فدفنه فيه» (٥). ونقل ابن زبالة : فحفر له ولحده.

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٥ / ٩ (فضائل الصحابة : لو كنت متخذا خليلا ، (ومناقب عمر بن الخطاب) ٥ / ١٥.

(٢) أخرجه : البخارى ٤ / ٣٥ (الجهاد : فضل الخدمة فى الغزو) ، مسلم ٤ / ١٢٣ ، ١٢٤.

(٣) أخرجه : ابن ماجه ٢ / ١٠٤٠.

(٤) الحديث ضعيف (الفوائد المجموعة ص : ٤٦٦).

(٥) أخرجه : ابن شبه ١ / ٨٣ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ١٣ ، وعزاه للبزار والطبرانى فى الكبير والأوسط ، وقال : فيه عبد المجيد بن أبى عيسى ، لينه أبو حاتم. وفيه : من لم أعرفه.


وروى عن أنس ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما تجلى الله تعالى لجبل طور سيناء تشظّى منه شظايا فنزلت بمكة ثلاثة : أحد ، وعير ، وورقان» (١).

وفى رواية ابن زبالة فى أحد : «إنه جبل يحبنا ونحبه جبل ليس من جبال أرضنا». وهو مؤكد لحديث أنس رضى الله عنه ، فأحد معروف ، وعير يقابله من قبلى المدينة وهى بينهما ، وهو جبل أسود.

وقال السهيلى : سمى أحد لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك.

وفى قبلى أحد قبور الشهداء السعداء الذين قتلوا بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال : إنه قتل من المشركين اثنان وعشرون. وقيل : قتل يومئذ خمسة من الأنصار رضى الله عنهم ، وسبعون من المهاجرين رضى الله عنهم. وقيل : قتل من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ سبعون رجلا. وقيل : خمسة وستون بينهم حمزة بن عبد المطلب عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحربة وحشى ، وشجّ جبين سيد المرسلين وكسرت رباعيته وجرحت وجنته ودخلت عليه حلقتان من المغفر ، ووقع فى حفرة من الحفر التى كيد بها المسلمون ، فاتقاه طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه ، وشقّت شفته السفلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

ولا يعرف من قبور الشهداء اليوم إلا قبر حمزة ، ومعه فى القبر ابن أخيه عبيد الله المجدّع بن جحش ، سمى بذلك : لأنه قتل وجدع أنفه (٣). وعليهما قبة عالية مبيضة بنتها أم الخليفة الناصر لدين الله ابن المستضىء فى سنة سبعين وخمس مائة.

وعند رجل حمزة ـ رضى الله عنه ـ قبر سنقر التركى متولى عمارة المشهد توفى فدفن هنالك.

وفى صحن المشهد قبر قريب من الباب لبعض أشراف المدينة فلا يظن ويتوهم أنهما من شهداء أحد.

__________________

(١) ذكره السيوطى فى الدر المنثور ٣ / ١١٩ ، وعزاه لابن أبى حاتم ، وأبى الشيخ ، وابن مردويه.

(٢) انظر السيرة لابن هشام ٢ / ٧٠ ـ ٩٨.

(٣) السيرة لابن هشام ٢ / ٩٧.


وفى قبلى مشهد حمزة ـ رضى الله عنه ـ جبيل صغير يسمى عنين بالعين المهملة المفتوحة وكسر النون الأولى ، والوادى بينهما. وكانت الرماة عليه يوم أحد ، وعنده مسجدان أحدهما : فى ركنه الشرقى يقال : إنه الموضع الذى طعن فيه حمزة ، ويقال : مشى إلى هناك ثم صرع. وهناك عين ماء.

والمسجد الآخر : شمالى هذا المسجد على شفير الوادى ؛ يقال : إنه مصرع حمزة رضى الله عنه.

وبين المشهد والمدينة ثلاثة أميال ونصف أو ما يقاربه ، ومنه إلى جبل أحد نحو أربعة أميال. وقيل : دون الفرسخ.

وروى ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : مر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمصعب بن عمير ـ رضى الله عنه ـ فوقف عليه وقال : «أشهد أنكم أحياء عند الله» ، ثم نظر إلينا وقال : «ائتوهم وسلموا عليهم فو الذى نفسى بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردّوا عليه‌السلام إلى يوم القيامة» (١).

وعن أبى اسحاق بن سعيد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتيهم كل عام فيرفع صوته ويقول : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(٢) الآية. وفعل ذلك الخلفاء بعده.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة.

ونقل ابن النجار عن بعض العابدات قالت : ركبت يوما حتى جئت إلى قبر حمزة رضى الله عنه ، فصليت ما شاء الله ، ولا والله فى الوادى داع ولا مجيب ، وغلامى آخذ برأس دابتى ، فلما فرغت من صلاتى قمت فقلت : السلام عليكم وأشرت إلى القبر ، فسمعت رد السلام علىّ من تحت الأرض فاقشعر كل شعرة منى ، فدعوت الغلام وركبت ورجعت (٣).

__________________

(١) أخرجه : أبو نعيم فى الحلية ١ / ١٠٨.

(٢) سورة الرعد : آية ٢٤.

(٣) ذكره ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٤٩٧) ، وفى إسناده العطاف بن خالد ، حوله كلام.


الفصل السابع عشر

فى ذكر المساجد التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بالمدينة الشريفة

فمنها : مسجد قباء وقد تقدم ذكره (١).

ومنها : مسجد الفضيخ ويعرف اليوم بمسجد الشمس ، وهو شرقى مسجد قباء على شفير الوادى على نشز من المكان وهو صغير جدا.

عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما حاصر بنى النضير ضرب قبة فى موضع مسجد الفضيخ وأقام بها سبعا ، قال : وجاءت آية تحريم الخمر فيها ، وأبو أيوب فى نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى موضعه معهم ومع الصحابة راوية خمر من فضيخ ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا أيوب ، ففتح رأس الراوية فسال الفضيخ. فيه ، فسمى مسجد الفضيخ (٢).

وكان تحريم الخمر فى سنة ثلاث. وقيل : فى سنة أربع على الأصح.

ومنها : مسجد بنى قريظة وهو شرقى مسجد الشمس ، وهو على هيئة مسجد قباء طولا وعرضا.

وذكر ابن النجار أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى بيت امرأة من بنى قريظة فأدخل ذلك البيت فى مسجد بنى قريظة.

وروى ابن النجار أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مشربة أم إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا الموضع شمال مسجد بنى قريظة قريبا من الحرّة الشرقية فى موضع يعرف بالدشت بين نخل يعرف بالأشراف القواسم من بنى قاسم بن إدريس بن جعفر أخى الحسن العسكرى لآل شعيب بن جماز منهم.

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ / ٥٦.

(٢) تاريخ المدينة ١ / ٦٩ ، خلاصة وفاء الوفا (ص : ٢٦٩).


ومنها : مسجد بنى ظفر من الأوس وهو شرقى البقيع من طرف الحرّة خراب ، ويعرف اليوم بمسجد البغلة ، وعنده حجر عليه أثر يقولون إنه جلس عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما من أمرأة يعدم ولدها تجلس عليه إلا حملت ، وكل أحد يقصده ويدعو عنده لطلب الولد إلا أعطاه الله تعالى ما طلب.

وعنده أيضا حجر عليه آثار يقال : إنها آثار حافر بغلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعنده حجر آخر فيه أثر مرفق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى حجر آخر آثار أصابع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس يتبركون بها (١).

ومنها : مسجد الإجابة وهو شمالى البقيع على يسار الطريق السالك إلى العريض فى وسط تلوك ، هى آثار قرية بنى معاوية ، وهى اليوم خراب ، قيل : صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعا أن لا يظهر عليهم عدو من غيرهم فأعطيها ، وأن لا يهلكهم بالسنين فأعطيها ، وأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها. قال عبد الله بن عمر : فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة (٢).

ومنها : مسجد الفتح ، روى ابن النجار من حديث جابر : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا فى مسجد الفتح يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر فى وجهه.

وقال جابر : فلم ينزل بى أمر مهم قط فدعوت الله تعالى بين الصلاتين يوم الأربعاء فيه فى تلك الساعة إلا عرفت الإجابة.

وروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا يوم الخندق على الأحزاب فى موضع الأسطوانة الوسطى من مسجد الفتح الذى على الجبل ، يعنى : جبل سلع. ويصعد إلى المسجد بدرجتين شمالية وشرقية ، ويعرف الموضع اليوم بالسيح بسين مهملة مفتوحة وياء مثناة من تحت (٣).

ومنها : مسجد أمير المؤمنين على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وهذا المسجد

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٨٢٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٦٦. قلت : والخير فى اتباع السلف.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٨٢٨.

(٣) تاريخ المدينة ١ / ٥٩.


تحت جبل سلع فى جانب القبلة.

ومنها : مسجد سلمان الفارسى وهو شمالى جبل سلع.

ومنها : جبل القبلتين ، قال ابن النجار : روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار امرأة من بنى سلمة يقال لها : أم بشر ، فصنعت له طعاما ، فحانت الظهر فصلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه صلاة الظهر ، فلما صلى ركعتين إلى بيت المقدس جاء جبريل عليه‌السلام وأمره أن يتوجه إلى الكعبة ، وصلى الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة. وهذا المسجد على رابية على شفير وادى العقيق ، ويعرف موضعه اليوم بالقاع ، وحوله آبار ومزارع (١).

ومنها : مسجد الغبيب وهو فى بطن وادى رانونا والآن حواليه نخيل.

روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من قباء يوم الجمعة متوجها إلى المدينة فأدركته الجمعة فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الجمعة فى هذا المسجد ، وكانت أول جمعة صلاها فى المدينة ، قيل : كانوا مائة رجل. وقيل : أربعين رجلا ، ويسمى مسجد الوادى ومسجد الجمعة أيضا ، وهو على يمين السالك إلى مسجد قباء ، وهو مسجد صغير مبنى بالحجارة قدر نصف قامة الرجل (٢).

ومنها : مصلى العيد ؛ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فيه صلاة العيد وصلاة الاستسقاء ، وهو خارج من سور المدينة فى طريق المكيين ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين مسجدى إلى المصلى روضة من رياض الجنة».

ومنها : مساجد أخر صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل مسجد بنى عبد الأشهل رهط سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضى الله عنهما ، ومسجد بنى عصيّة ، ومسجد بنى الحارث ، ومسجد بنى حذارة ، ومسجد الشيخ ، ومسجد بنى حطمة ، ومسجد بنى وائل قبيلتان من الأوس ، ومسجد العجوز ، ومسجد بنى أمية بن زيد ، ومسجد بنى بياضة ، ومسجد بنى واقف ، ومسجد الراية على يمين السالك الخارج من المدينة إلى منزل الشاميين ؛ وهو مسجد صغير على تل ، وفى بيت أنس رضى

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٨٤٠.

(٢) ويسمى هذا المسجد بمسجد بنى سالم ، ومسجد عاتكة (انظر : تاريخ المدينة ١ / ٦٨).


الله عنه ، وفى دار السقيا ، وقال المطرى : دار بنى عبد الأشهل قبلىّ دار بنى ظفرة المذكورة ، ومسجد بنى الحارث شرقى واد بطحان وشرقى صعيب الذى يؤخذ من ترابه للحمى ويعرف بالحارث بإسقاط بنى ، ومسجد أمية بن زيد شرقى دار بنى الحارث بن الخزرج ، ومسجد بنى حذارة قبلى دار ساعدة وبئر قضاعة مما يلى سور المدينة (١).

وقال المطرى : وبين سعد بن خيثمة أحد الدور التى قبلىّ مسجد قباء يدخلها الناس إذا زاروا مسجد قباء ويصلون فيها ويتبركون بها ، ومسجد بنى حطمة.

وأنه صلى فى مسجد العجوز ببنى حطمة وهى امرأة من سليم ، وصلى فى مسجد بياضة من الخزرج بوادى رانونا عند مسجد الجمعة إلى وادى بطحان قبلى دار بنى مازن بن النجار.

والمسجد الذى بين الشيخين وهو موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرّة إلى جبل أحد ففيه كانت وقعة أحد فى النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة.

__________________

(١) ينظر فى ذلك : وفاء الوفا ٣ / ٧٧٩ ـ ٨٨٢ ، تاريخ المدينة لابن شبه ١ / ٥٧ ـ ٧٧ ، عمدة الأخبار (ص : ١٦٩ ـ ١٧٥) ، القرى (ص : ٦٩٠).


الفصل الثامن عشر

فى ذكر الآبار التى كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

يتوضأ منها ويغتسل منها ويشرب منها

ويستحب أن يتوضأ ويشرب ويغتسل منها اتباعا لفعله عليه‌السلام وطلبا للشفاء والعافية ودوما للبركة.

فمنها : بئر أريس بقباء غربى المسجد الشريف ، روى فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى أنه توضأ فى بيته ثم خرج فقال : لألزمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأكونن معه يومى هذا ، فجاء إلى المسجد فسأل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : خرج ، قال : فخرجت على أثره حتى دخل بئر أريس. قال : فجلست عند الباب وبابها من جريد النخل حتى قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاجته وتوضأ ، فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس ، وتوسط قفّها ، وكشف عن ساقيه ودلّاهما فى البئر ، قال : فسلمت عليه ثم انصرفت ، فجلست عند الباب فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليوم ، فجاء أبو بكر الصديق فدفع الباب فقلت : من هذا؟ فقال : أبو بكر ، فقلت : على رسلك ، قال : ثم ذهبت. فقلت : هذا يا رسول الله أبو بكر يستأذن ، فقال : «ائذن له وبشره بالجنة» ، قال : فأقبلت حتى قلت لأبى بكر ـ رضى الله عنه ـ ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة ، فدخل أبو بكر فجلس على يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه فى القف ودلّى رجليه فى البئر وكشف عن ساقيه كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم رجعت ، فجلست. فإذا إنسان يحرك الباب ، فقلت : من هذا؟ فقال : عمر بن الخطاب ، فقلت : على رسلك ، ثم جئت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقلت : هذا عمر يستأذن ، فقال : «ائذن له وبشره بالجنة» فجئت عمر فقلت : ويبشرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة ، قال : ادخل فدخل فجلس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى القف عن يساره ودلّى رجليه فى البئر ، ثم رجعت فجلست ، فحرك الباب فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفان فقلت : على رسلك ، وجئت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته


فقال : «ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه» ، فجئت ، فقلت : ادخل ويبشرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك ، فدخل فوجد القفّ قد ملىء ، فجلس وجاههم من الشق الآخر. قال شريك : فقال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم.

وفى حديث البخارى من حديث أنس قال : كان خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى يده ، وفى يد أبى بكر بعده ، وفى يد عمر بعد أبى بكر ، ثم فى يد عثمان ، فلما جلس عثمان على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط فى البئر ، فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده ، وعلق عليها اثنى عشر ناضحا فلم يقدر عليه حتى الساعة.

ويقال : إن ذلك لتمام ست سنين من خلافته ، فمن ذلك اليوم حصل فى خلافته ما حصل من اختلاف الأمر لفوات بركة الخاتم فى هذه البئر.

قال ابن النجار : ذرعت طولها فكان أربعة عشر ذراعا وشبرا منها ذراعان ونيف ماء ، وعرضها خمسة أذرع ، وطول قفها الذى جلس فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحباه ثلاثة أذرع.

ومنها : بئر غرس : روى ابن النجار عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال : جاءنا أنس بن مالك بقباء ، فقال : أين بئركم هذه؟ يعنى : بئر غرس. فدللناه عليها ، فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءها فدعا بدلو من مائها فتوضأ منه ثم سكبه فيها فما نزحت بعد.

وروى ابن النجار أيضا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت الليلة فى المنام كأنى أصبحت على بئر من الجنة فأصبحت على بئر غرس فتوضأ منها وبزق فيها» قيل : وأهدى له عسل فذاق منه ثم صبّه فيها (١).

وزاد ابن زبالة : وحين توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غسّل من مائها ، قيل : بوصية (٢).

وهى شرقى مسجد قباء إلى جهة الشمال بين النخيل وبينها وبين المسجد نحو من نصف ميل ، وقال المطرى : وهى اليوم ملك لبعض أهل المدينة وكانت قد

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩٨٠ ، وعزاه لابن النجار.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٩٧٩.


خربت فجددت بعد السبع مائة ، وهى كثيرة الماء ، وعرضها عشرة أذرع وطولها يزيد على ذلك ، وماؤها تغلب عليه الخضرة ، وهو طيب عذب.

ومنها : بئر البصّة : وهذه قريبة من البقيع على يسار السالك إلى قباء فى حديقة كبيرة محوط عليها حائط ، وعندها أيضا فى الحديقة بئر أصغر منها ، وابن النجار قطع بأن الكبرى القبلية.

روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء ذات يوم أبا سعيد الخدرى فقال : «هل عندك من سدر أغسل به رأسى فإن اليوم يوم الجمعة؟» قال : نعم ، فأخرج له سدرا وخرج معه إلى بئر بصة فغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه وصب غسالة رأسه ومراقة شعره فى البصّة (١). وذكر أن عرضها تسعة أذرع ، وأن طولها أحد عشر ذراعا.

ومنها : بئر حاء : روى فى صحيح البخارى من حديث أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كان أبو طلحة الأنصارى أكثر أمواله نخيل ، وكان أحب أمواله إليه بئر حاء ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلها ويشرب من مائها ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٢). قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إن أحب أموالى إلىّ بئر حاء ، وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : «بخ بخ ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين» قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسّمها أبو طلحة فى أقاربه ، وبنى عمه ، فصارت لأبىّ وحسان (٣).

ونقل ابن زبالة أنهم تقاوموه فصار لحسان ، فباعه من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف.

وقال المطرى : هذه البئر فى وسط حديقة صغيره فيها نخل جيد ، وهى شمالى

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩٥٤.

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٢.

(٣) أخرجه : ابن شبه ١ / ١٥٧.

وحاء : بئر وبستان شمالى سور المدينة من جهة الشرق ، وقد صارت لأبى بن كعب وحسان بن ثابت ؛ حسب رواية الصحيحين. (انظر : عمدة الأخيار (ص : ٢٣١) ، مراصد الاطلاع ١ / ١٤٠).


سور المدينة الشريفة ، وبينها وبين السور الطريق ، وتعرف الآن بالنويرية اشترتها بعض نساء النويريين وأوقفتها على الفقراء والمساكين والواردين والصادرين لزيارة سيدنا محمد سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ابن النجار : ذرعتها فكان طولها عشرين ذراعا ، منها أحد عشر ذراعا ماء ، والباقى بناء ، وعرضها ثلاثة أذرع وشىء يسير.

ومنها : بئر بضاعة (١) : وهى غربى بئر حاء إلى جهة الشمال ؛ وعن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصق فى بئر بضاعة (٢).

وعن أبى أسيد ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لبئر بضاعة (٣).

وهى اليوم فى حديقة ، ويستسقى منها أهل حديقة أخرى. وهى بئر مليحة وماؤها الآن عذب طيب.

قال الشيخ محب الدين : قال ابن النجار : ذرعتها فكان طولها : أحد عشر ذراعا وشبرا منها ذراعان راجحان ماء والباقى بناء ، وعرضها : ستة أذرع كما ذكر أبو داود.

ومنها : بئر رومة (٤) : وهذه فى وسط وادى العقيق من أسفله براح واسع ، وعندها بناء عال بالحجر والجص منهدم يقال : إنه كان ديرا لليهود ، وهى شمالى مسجد القبلتين بعيدا منه ، وحولها آبار ومزارع ، وهذه البئر ماؤها طيب حلو جدا.

نقل البغوى فى مسنده من حديث بشر بن بشير الأسلمى عن أبيه قال : لما قدم

__________________

(١) هى بئر غربى بئر «حاء» فى جهة الشمال ، وهى بئر مليحة طيبة الماء ، وكان المرضى يغتسلون من مائها فيعافون ، وهى فى وسط بيوت بنى ساعدة (انظر : مراصد الاطلاع ١ / ١٤٠).

(٢) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٧ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٩٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير.

(٣) وفاء الوفا ٣ / ٩٥٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير.

(٤) هى بئر فى العقيق الأصغر ، واسمها : رومة ، بضم أوله وسكون ثانيه ، أرض بالمدينة بين الجرف ورعانة ، نزلها المشركون عام الخندق. (انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٦٤٢ ، معجم ما استعجم ص : ٦٧٧).


المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من غفار عين يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل تبيعها بعين فى الجنة»؟ ، فقال : يا رسول الله ليس لى ولعيالى عين غيرها لا أستطيع ذلك ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان ، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، فأتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أتجعل لى مثل الذى جعلت له عينا فى الجنة ، وإنى اشتريتها ، قال : «نعم» قال : فقد اشتريتها وجعلتها للمسلمين (١).

وروى الزّبير أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نعم الصدقة صدقة عثمان» (٢) يعنى : بئر رومة.

وفى صحيح البخارى من حديث أبى عبد الرحمن السلمى : أن عثمان حين حوصر أشرف على الناس وقال : أنشدكم ولا أنشد إلا أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ألستم تعلمون أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم؟ فصدقوه بما قال (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم الحفيرة حفيرة المزنى» (٤) يعنى : بئر رومة.

قال المطرى : وقد خربت هذه البئر ـ يعنى : بئر رومة ـ ونقضت حجارتها وأخذت وانطمّت ولم يبق اليوم إلا أثرها. ولكن ينبغى أن تعلم أنها جددت بعد ذلك ورفع بنيانها عن الأرض نحو نصف قامة والآن ماؤها غير حلو جدا ، أحياها الإمام المفتى المتقى القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد بن محب الدين الطبرى قاضى مكة المشرفة فى سنة خمسين وسبع مائة فتناوله عموم الحديث.

ومنها : بئر أخرى قد حوط عليها ببناء مجصص وكان شفيرها حوض لم يزل أهل المدينة يتبركون بها ويشربون من مائها وينقل ماؤها إلى الآفاق كماء زمزم بل ويسمونها زمزم ، ولعل هذه البئر هى التى احتفرتها فاطمة بنت الحسين بن على

__________________

(١) أخرجه : السمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٩ ، وعزاه للبغوى فى الصحابة ، وذكره الهندى فى كنز العمال ٥ / ٩.

(٢) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٤ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٨.

(٣) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٣ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٧.

(٤) وفاء الوفا ٣ / ٩٦٨.


زوجة الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ حين أخرجت من بيت جدتها فاطمة الكبرى ـ رضى الله عنها ـ فى أيام الوليد بن عبد الملك لما أمر بإدخال الحجرات وبيت فاطمة فى المسجد ، وحينئذ بنت دارها فى الحرّة وأمرت بحفر بئرها ، فطلع لهم جبل فذكروا ذلك لها ، فتوضأت وصلت ركعتين ودعت ، ورشت موضع البئر بفضل وضوئها وأمرتهم فحفروا فلم يتوقف عليهم من الجبل شىء حتى ظهر لهم الماء. والبئر السابقة تسمى بئر العهن ، وهى بالعالية ، ويزرع عليها اليوم ، وكانت عندها سدرة. ولها اسم آخر هى مشهورة ، به وهذه البئر معروفة بالعوالى منقورة فى جبل فى بستان معروف بها ، والسدرة منفردة الآن وعندها شجرات الحنا ، ولا يكاد ينزف ماؤها مع طينة ؛ قاله المطرى كذا فى «الدرة الثمنية فى أخبار المدينة» (١).

__________________

(١) انظر عن ذلك : وفاء الوفا ٣ / ٩٧٧ ، ٩٧٨.


الفصل التاسع عشر

فى ذكر بعض خصائص المدينة الشريفة لبركة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

فمنها : مضاعفة الأعمال ، كما ذكرنا.

ومنها : خصوصية ثمرها ، روى فى صحيح مسلم من حديث سعد بن أبى وقاص أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أكل سبع تمرات من بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسى» (١).

وفى الصحيحين من حديث سعد أيضا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تصبّح كل يوم بسبع تمرات من عجوة العالية لم يضره فى ذلك اليوم سم ولا سحر» (٢).

وفى صحيح مسلم من حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن فى عجوة العالية شفاء وإنها ترياق فى أول البكرة» (٣).

وفى رواية قال عليه‌السلام : «العجوة من الجنة وهى شفاء من السم» (٤).

ومنها : خصوصية تربتها ، روى ابن النجار أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «غبار المدينة شفاء من الجذام» (٥).

وروى عن إبراهيم بن الجيم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى على بنى الحارث من الخزرج فإذا هم ووبى فقال : «ما لكم يا بنى الحارث ووبى؟» ، قالوا : نعم يا رسول الله أصابتنا هذه الحمى ، قال : «أين أنتم عن الصعيب؟» قالوا : يا رسول الله ما

__________________

(١) أخرجه : مسلم (٢٠٤٧) ، البخارى (٥٤٤٥) ، أبو داود (٣٨٧٦).

(٢) أخرجه : مسلم (٢٠٤٧) ، البخارى (٥٤٤٥) ، أبو داود (٣٨٧٦).

(٣) أخرجه : أحمد (٢٣٩٦٣ ، ٢٤٢١٤ ، ٢٤٦٦١).

(٤) أخرجه : الترمذى (٢٢٠٦٨) ، وابن ماجه (٣٤٥٥).

(٥) أخرجه الديلمى فى الفردوس (٤١٥٩) ، ابن النجار (ص : ٢٨) ، وعزاه فى الجامع الصغير (٥٧٥٣) لأبى نعيم فى الطب ، وفاء الوفا ١ / ٦٧ وعزاه لابن زبالة ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٥٦) ، وانظر كشف الخفاء ٢ / ١٠١.


نصنع به؟ قال : «تأخذون من ترابه فتجعلونه فى ماء ، ثم يتفل أحدكم ويقول : بسم الله ، بتربة أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا بإذن ربنا» ، ففعلوا ذلك فتركتهم الحمى (١).

والصعيب : وادى بطحان ، وفيه حفرة يأخذ الناس منها التراب ، وهو اليوم إذا وبى إنسان أخذ منه ، وذكروا أنهم جربوه فوجدوه صحيحا.

ونقل رزين عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دنا من المدينة حين انصرافه من تبوك خرج إليه أهل المدينة من المشايخ والعلماء والعوام والخواص فثارت من آثارهم غبرة ، فخمّر بعض من كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنفه من الغبار ، فمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فأماطه عن وجهه وقال : «أما علمت أن عجوة المدينة شفاء من السقم ، وغبارها شفاء من الجذام» (٢).

وفى رواية ابن زبالة : أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة غزاها ، فلما دخل المدينة أمسك بعض أصحابه على أنفه من ترابها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذى نفسى بيده إن تربتها لمؤمنة وإنها لشفاء من الجذام» (٣).

وفى رواية : «تراب المدينة يطفئ الجذام» (٤).

__________________

(١) وفاء الوفا ١ / ٤٨ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

(٢) وفاء الوفا ١ / ٤٧ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

(٣) وفاء الوفا ١ / ٤٧ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

(٤) وفاء الوفا ١ / ٤٧ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).


الفصل العشرون

فى ذكر اختلاف نقل تراب المدينة الشريفة إلى البلدان

ذهب الإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ إلى أنه ليس للمسافر أن يستصحب شيئا من تراب حرم المدينة ويخرجه إلى وطنه الذى هو خارج المدينة.

وكذا حكم الكيزان والأباريق المعمولة من تراب المدينة ، وكذا الأحجار والرمال ، فإذا أخذ آخذ من ذلك شيئا وجب عليه ردّه ، ثم اختلف أصحابه فيما بينهم فأكثرهم يقولون : يكره ، وبعضهم يقولون : لا يجوز ، وصح فى «الروضة» بالاتفاق أنه لا يجوز نقل شىء منها. وعند الحنابلة أن ذلك يكره. وعند أبى حنيفة ـ رضى الله عنه ـ يجوز نقل هذه الأشياء إلى بلده للتبرك.

وكذا الخلاف فى تراب حرم مكة المشرفة إلا فى نقل ماء زمزم فإنه لا خلاف فى جواز نقله كما سبق ذكره (١).

__________________

(١) يراجع فى ذلك : بدائع الصنائع ٢ / ٢٢١ ، الدر المختار ٢ / ٣٥٢ ، المغنى ٣ / ٣٥٤ ، الإيضاح (ص : ٥١٢) ، المجموع ٨ / ٢٢٠.


الفصل الحادى والعشرون

فى ذكر ما يتعلق بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وحجرته المقدسة من التاريخ

فى الصحيح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه المسجد الذى أسس على التقوى من أول يوم (١) ، وأنه كان يصلى فيه رجال من المسلمين قبل بنائه وهو مربد التمر (٢).

وقد عرّف المؤرخون بالمقدار الذى كان عليه فى زمن رسول الله فقالوا : كان على التربيع من الحجرة المقدسة إلى مكان السارية السابعة من جهة الغرب ، ومن موضع الداربزين الذى هو بين الأساطين المتصلة بالصندوق أمام مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى موضع الحجرين المغروزين فى صحن المسجد الشريف (٣).

وقالوا : إن المنبر لم يؤخر عما كان عليه فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وورد فى الأخبار أنه كان بين الحائط القبلى ، وبين المنبر قدر ممر الشاة وبين المنبر والداربزين اليوم قدر ثلاثة أذرع بذراع مصر (٤).

وقال المؤرخون : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بناه حين قدم أقل من مائة فى مائة ، فلما فتح الله تعالى عليه خيبر بناه وزاد فيه مثله (٥).

__________________

(١) أى أنه المقصود من قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) حسب ما جاء فى الحديث الذى أخرجه البخارى ٥ / ٦١ ، (فضائل الصحابة : باب حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

(٢) مريد التمر : البيدر الذى يوضع فيه التمر لينشف ، وهو أيضا : الموضع الذى تحبس فيه الإبل والغنم.

(٣) نقل السمهودى هذه الفقرة عن ابن جماعة ، وانتهى إلى تأييدها والتوفيق بينها وبين ما قد يشكل عليها (انظر : وفاء الوفا ١ / ٣٣٢).

(٤) وفاء الوفا ١ / ٣٤٣ ، هداية السالك ٣ / ١٤٠٨ ، ١٤٠٩.

(٥) ذكر السمهودى فى وفاء الوفا ١ / ٣٤١ ، أن أطوال المسجد النبوى فى بنائه الأول : سبعون ذراعا فى ستين. وسبقه لاختيار ذلك النووى ويراجع ذلك فى الإيضاح (ص : ٥١٤). ثم ذكر


وقيل : كان عرض الجدار لبنة ، ثم إن المسلمين لما كثروا بنوه لبنة ونصفا ثم قالوا : يا رسول الله لو أمرت لزدنا فيه ، فقال : «نعم» ، فزادوا فيه وبنوا جداره لبنتين مختلفتين ورفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة.

ولم يكن للمسجد سطح فشكى الصحابة الحر فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقيم له سوارى من جذوع النخل ثم طرحت عليها بالعوارض والخصف والإذخر فأصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكفّ عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطيّن ، فقال لهم : «عريش كعريش موسى عليه‌السلام ثمامات وخشبات والأمر أعجل من ذلك» (١).

وقيل : إن جدار المسجد قبل أن يظلل كان قدر قامة وشبرا ، ويقال : إن عريش موسى ـ عليه‌السلام ـ كان إذا قام أصاب رأسه السقف.

ثم بعد ذلك صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوجها إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم أمر بالتحول إلى الكعبة ، فأقام رهطا على زوايا المسجد ليعدل القبلة ، فأتاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فقال بيده

هكذا ، فأماط كل حائل بينه وبين مكة من جبل وغيره ، واستقبلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ينظر إليها ، لم يحل دون نظره شىء ، فلما فرغ قال جبريل عليه‌السلام هكذا ، فأعاد الجبال والأشجار والأشياء على حالها ، فصارت قبلته إلى الميزاب (٢).

وفى الصحيحين : أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الكعبة صلاة العصر يوم الاثنين فى النصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة (٣).

__________________

السمهودى بعد ذلك أنه بعد زيادة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كان مائة ذراع ، قال : «ويرجحه عندى أن المنبر الشريف يكون حينئذ متوسطا للمسجد ؛ إذ يبعد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتوسط أصحابه ويقف على منبر فى طرفهم».

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٣ / ١٥٤ ، والدارمى فى المقدمة ١ / ١٨ ، والديلمى فى الفردوس (٤١٣٦).

والمراد : ما يجلس عليه ليكون مرتفعا.

(٢) ورد ذلك من روايات كثيرة يدل مجموعها على أن للحديث أصلا : انظر فى ذلك : وفاء الوفا ١ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ؛ ففيه سبع روايات بعضها مجمل ، وبعضها مفصل.

(٣) البخارى ١ / ١٣ (الإيمان : باب الصلاة من الإيمان) ، مسلم ٢ / ٦٥ (المساجد : تحويل القبلة).


وفى رواية : فى نصف شعبان يوم الثلاثاء فى السنة الثانية من الهجرة صلاة الظهر ، كذا فى تاريخ اليافعى.

وتوفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسجد كذلك ، ولم يزد أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ لاشتغاله بالفتح ثانيا.

فلما ولّى عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : إنى أريد أن أزيد فى المسجد ولو لا أنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «[لا] ينبغى أن يزاد فى المسجد» ما زدت فيه شيئا ، فجعل عمر ـ رضى الله عنه ـ طول المسجد أربعين ومائة ذراع ، وعرضه عشرين ذراعا ، وبدّل أساطينه بأخر من جذوع النخل ، وسقفه بجريد النخل وفرشه بالحصباء.

ثم غيره عثمان ـ رضى الله عنه ـ فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. رواه البخارى (١).

وقال أهل السير : جعل عثمان رضى الله عنه طول المسجد : مائة وستين ذراعا ، وعرضه : مائة وخمسين ذراعا.

وذكر المؤرخون أن أبواب المسجد فى زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت ثلاثة : باب خلفة ، وباب عاتكة وهو باب الرحمة ، والباب الذى كان يدخل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام.

وأن عمر ـ رضى الله عنه ـ جعل أبوابه ستة : بابين عن يمين القبلة ، وبابين عن يسارها ، وبابين خلفها. وجعل طول السقف أحد عشر ذراعا ، وزاد فيه من جهة القبلة عن يمينها ، وبنى فوق ظهره سترة ثلاثة أذرع (٢).

وأن عثمان ـ رضى الله عنه ـ غيره فى أول شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين ، وزاد فيه من جهة القبلة إلى موضع الجدار اليوم ، وزاد فيه من جهة الغرب ، ومن جهة الشام ، ولم يزد فيه من جهة الشرق شيئا. وجعل أبوابه ستة

__________________

(١) أخرجه : البخارى ١ / ٩٣ (الصلاة : بنيان المسجد) ، أبو داود ١ / ١٢٣ (الصلاة : بناء المساجد).

(٢) انظر : وفاء الوفا ٢ / ٤٨١ (فصل : زيادة عمر بن الخطاب فى المسجد).


كما كانت فى أيام عمر رضى الله عنه ، وباشر العمل بنفسه ، وكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يخرج من المسجد حتى فرغ منه لهلال المحرم سنة ثلاثين (١).

ثم زاد فيه عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بأمر الوليد بن عبد الملك وكان عامله على مكة والمدينة ، وأرسل الوليد إلى ملك الروم يستدعى منه عمالا وآلات لأجل العمارة ، فأرسل إليه أربعين رجلا من الروم ، وأربعين رجلا من القبط.

فيروى أنه يوما من الأيام يعملون عمال الروم إذ خلا لهم المسجد ، فقال أحدهم لصاحبه : لأبولن على قبر نبيهم اليوم ، فأتى فتهيأ لذلك فوقع على رأسه [فانكسر] دماغه ، وأسلم بعض أولئك النصارى لذلك (٢).

فصار طوله : مائتى ذراع ، وعرضه فى مقدمه : مائتى ذراع ، وفى مؤخره : مائة وثمانين.

وجعل عمر بن عبد العزيز فى كل ركن من أركان المسجد منارة للأذان ، وكانت المنارة الرابعة مطلة على دار مروان وهى قبلى المسجد من الغرب. فلما حج سليمان بن عبد الملك أذن المؤذن فأطلّ على سليمان وهو فى الدار ، فأمر بالهدم فهدمت تلك المنارة إلى ظهر المسجد.

وأقام عمر بن عبد العزيز فى بنائه ثلاث سنين ، وجعل له عشرين بابا ، ولم يبق من الأبواب التى كان يدخل رسول الله منها إلا باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام (٣).

ثم لما حج المهدى سنة ستين ومائة فقدم المدينة بعد انصرافه من الحج استعمل عليها جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس سنة إحدى وستين ومائة ، وأمره بالزيادة فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزاد من جهة الشام إلى منتهاه اليوم ، ثم لم يزد فيه أحد (٤).

__________________

(١) انظر : المرجع السابق ٢ / ٥٠٠ ، هداية السالك ٣ / ١٤١٢.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٢.

(٣) وفاء الوفا ٢ / ٥١٣ (زيادة عمر بن عبد العزيز).

(٤) وفاء الوفا ٢ / ٥٣٥ (زيادة المهدى).


ثم عمّر فى صحن المسجد الشريف قبة لحفظ حواصل الحرم وذخائره مثل المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ وغيره بأمر الخليفة الناصر لدين الله سنة ست وسبعين وخمس مائة.

ثم احترق المسجد الشريف فى ليلة الجمعة أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة ، واستولى الحريق على جميع سقوفه حتى على سقف الحجرة المقدسة ، وسقط بعض سواريه. وسلم من الحريق ما فى القبة من الحواصل ، وكتب بذلك إلى الخليفة المستعصم بالله أبى أحمد بن عبد الله الإمام المستضىء بالله ، من المدينة الشريفة فى شهر رمضان المذكور ، فوصل الصنّاع والآلات مع حجاج العراق سنة خمس وخمسين وستمائة ، وسقفوا فى هذه السنة الحجرة المقدسة وما حولها إلى الحائط القبلى وإلى الحائط الشرقى إلى باب جبريل ، وسقفوا من جهة الغرب الروضة الشريفة جميعها إلى المنبر (١).

ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة ، فقتل الخليفة واستولى التتار على بغداد ، فوصلت الآلات من صاحب اليمن الملك المظفر يوسف بن عمر بن على ابن رسول فعمل إلى باب السلام ، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة (٢).

ثم فى سنة ثمان وخمسين وستمائة من جهة صاحب مصر الملك المظفر سيف الدين قطز المعزى واسمه الحقيقى محمود بن ممدود وأمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه ، وأبوه ابن عم خوارزم شاه ، أسر عند غلبة التتار فباعوه بدمشق ، ثم انتقل بالبيع إلى مصر ، وتملك فى سنة ثمان وخمسين وستمائة ، ثم انتقل الملك فى آخر هذه السنة إلى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى فعمل فى أيامه باقى المسجد الشريف إلى باب الرحمة إلى شمالى المسجد ، ثم إلى باب النساء ، وكمل سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفا فوق سقف.

ولم يزل على ذلك إلى أوائل دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحى سنة إحدى وسبع مائة ، فجدد سقف الرواق الذى فيه الروضة الشريفة ، وكتب عليه اسمه ، ثم جدد فى أيامه السقف الشرقى والسقف الغربى فى سنة خمس

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٤١٣.

(٢) وفاء الوفاء ٢ / ٥٩٨ وما بعدها.


وسبع مائة (١). وجعلا سقفا واحدا ، أما السقف الشمالى فإنه جعل فى أيام الملك الظاهر كذلك ، ثم أمر بعمارة المنارة الرابعة مكان التى تقدم أن سليمان بن عبد الملك كان أمر بهدمها فعمرت فى سنة ست وسبع مائة ، ثم أمر بإنشاء الرواقين فى صحن المسجد الشريف من جهة القبلة فى سنة تسع وعشرين وسبع مائة (٢).

وأبواب المسجد اليوم أربعة : بابان من جهة الشرق ، وهما : باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام ، وهو الباب الذى كان يدخل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وباب النساء.

وبابان من جهة الغرب : باب السلام ، وباب الرحمة.

وفى المسجد من جهة القبلة طابق مقفل يفتح أيام الموسم وينزل فيه إلى مكان يطل عليه شباك فى القبلة يقال : إنه بيوت العشرة المبشرة ، وليس ذلك بصحيح ؛ وإنما هى دار لآل عبد الله بن عمر ، وهى بيدهم اليوم ، وتمامه مذكور فى كتب التواريخ (٣).

وأما الحجرة الشريفة المقدسة : فبنى عليها عمر بن عبد العزيز فى أيام الوليد بن عبد الملك حائطا ولم يلصقه بجدار الحجرة بل جعل بينهما مكانا خاليا ، ولم يوصل الحائط إلى سقف المسجد بل دونه بمقدار أربعة أذرع ، وأدار عليه شباكا من الخشب من فوق الحائط إلى السقف ، وجعل بنيان الحائز على خمس زوايا ؛ لئلا يستقيم لأحد استقبال الحجرة بالصلاة لتحذيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك (٤).

__________________

(١) السلوك للمقريزى ٢ / ١ : ١٣ ، وما بعدها ، النجوم الزاهرة ٨ / ٢١٧.

(٢) العقد الثمين ٤ / ١٧٤.

(٣) هداية السالك ٣ / ١٤١٤ ، ١٤١٥.

(٤) يدل لذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قاتل الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» أخرجه : البخارى ١ / ٩١ ، ومسلم ٢ / ٦٧.


الفصل الثانى والعشرون

فى ذكر حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

واعلم أنه لم يكن قبل حريق المسجد ولا بعده على الحجرة الشريفة قبة ؛ بل كان ما حول الحجرة فى السطح مقدار نصف قامة مبنى بالآجر ؛ تمييزا للحجرة الشريفة عن بقية السطح إلى سنة ثمان وسبعين وستمائة فى أيام الملك المنصور السلطان قلاوون الصالحى عملت هذه القبة الشريفة ، وهى مربعة من أسفلها مثمنة من أعلاها.

وقد جددت فى أيام الملك الناصر السلطان حسن بن محمد بن قلاوون.

ثم اختلقت ألواح الرصاص عن وضعها بإصابة الأمطار ، فجددت وأحكمت فى أيام دولة السلطان الملك الأشرف ناصر أولياء الله قاصم أعداء الله شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون الصالحى فى سنة خمس وستين وسبع مائة. وهى أخشاب أقيمت وسمرت عليها ألواح من خشب ومن فوقها ألواح الرصاص وعمل مكان الحظيرة الأخرى شباك من خشب وتحته بين السقفين أيضا شباك خشب يحكيه ، وعلى سقف الحجرة الشريفة بين السقفين ألواح قد سمر بعضها على بعض ، وسمر عليها ثوب مشمع ، وفيها طابق مقفل إذا فتح كان النزول منه إلى ما بين حائط بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وروى أن عائشة رضى الله عنها قد بنت حائطا بينها وبين القبور المقدسة بعد دفن عمر ـ رضى الله عنه ـ وقالت : إنما كان أبى وزوجى. وتحفظت فى لباسها إلى أن بنت الحائط المذكور ، وبقيت فى بقية البيت من جهة الشام. وفيها باب البيت (٢).

__________________

(١) انظر صفة الحجرة الشريفة فى وفاء الوفا ٢ / ٥٤٠ ، هداية السالك ٣ / ١٤١٥ ، ١٤١٦.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٦.


وقال المؤرخون : إن قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبر صاحبيه فى ضفّة بيت عائشة ـ رضى الله عنها ـ وقالوا : إن فى البيت موضع قبر فى السهوة الشريفة ، وأن سعيد بن المسيب قال : يدفن فيه عيسى ابن مريم مع سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام ، وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما.

وروى أبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إذ أهبط الله تعالى عيسى ـ عليه‌السلام ـ من السماء فإنه يعيش فى هذه الأمة ما شاء الله تعالى ، ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن إلى جانب قبر عمر رضى الله عنه. فطوبى لأبى بكر وعمر ؛ فإنهما يحشران بين النبيين (١). وقد قيل : إن ذلك يكون عقيب حجه وزيارته لسيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

السّهوة قيل : إنها كالصّفة بين البيت.

ثم لما حج السلطان الملك الظاهر فى سنة سبع وستين وستمائة أراد أن يدير على الحجرة المقدسة داربزينا من خشب فقاس ما حولها بيده ، وقدر بالحبال ، وأرسل الداربزين فى سنة ثمان وستين وستمائة ، وأداره عليها ، وعمل له ثلاثة أبواب : قبليا وشرقيا وغربيا ، ونصبها بين الأساطين التى تلى الحجرة الشريفة إلا من ناحية الشام ، فإنه زاد فيه إلى متهجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم أحدثوا بابا رابعا من جهة الشمال فى رحبة المسجد وغربى متهجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفتح كل يوم ويدخل الناس والزوار منه.

وإنما صنع الملك الظاهر ذلك الداربزين ظنا حسنا منه أن ذلك زيادة تعظيم ، وحرمة للحجرة الشريفة ؛ لكنه حجز طائفة من الروضة الشريفة مما يلى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتعذرت الصلاة فيها ـ مع فضل الصلاة فيها ـ وصار ما بين الحجرة والداربزين مأوى النساء بأولادهن الصغار فى أيام الموسم (٢).

قال الشيخ عز الدين بن جماعة : وذكر ذلك للملك الظاهر فسكت وما أجاب ، وهذا من أهم ما ينظر فيه.

__________________

(١) الحديث أخرجه : مسلم ٤ / ٦٠ (الحج : إهلال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهديه).

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٨ ، ١٤١٩.


وأما الذى عمله الملك الظاهر نحو قامتين.

فلما كان فى سنة أربع وتسعين وستمائة زاد عليه الملك العادل زين الدولة والدين كتبغا شباكا دائرا عليه ورفعه حتى وصّله إلى سقف المسجد الشريف (١).

ثم عمل ابن أبى الهيجاء وزير الملك بمصر كسوة للحجرة المقدسة من الدسق الأبيض وأدار عليها طرازا أحمر مكتوب عليه سورة يس بأسرها وعلقها نحو العامين على الجدار الدائر على الحجرة المقدسة بعد الأذن من الخليفة المستضىء بأمر الله فى ذلك.

ثم جاءت من الخليفة المستضىء بالله كسوة من الأبريسم البنفسجى عليها الطرز والجامات البيض المرقومة ، وعليها مكتوب : أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ ، وعلى طرازها اسم الخليفة ، ثم شيلت تلك ونفدت إلى مشهد علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه بالكوفة وعلقت هذه عوضها (٢).

فلما ولى الإمام الناصر لدين الله تعالى أنفد كسوة أخرى من الأبريسم الأسود وطرزها وجاماتها من الأبريسم الأبيض وعلقت فوق ذلك.

فلما حجت أم الخليفة وعادت إلى العراق عملت كسوة على شكل الكسوة المذكورة قبلها ونفدتها ، فعلقت فوق الأوليتين ، فصار يومئذ على الجدار ثلاث ستائر.

ثم فى زماننا هذا ترسل الكسوة من جهة مصر بعد سبع سنين من الأبريسم الأسود وتعلق بعد قلع التى قبلها ، والله أعلم (٣).

__________________

(١) المرجع السابق ٣ / ١٤١٩.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٧.

(٣) المرجع السابق.


الفصل الثالث والعشرون

فى ذكر أن بعد بناء عمر بن عبد العزيز

هل دخل أحد بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم لا

ولم يرو أحد ذلك إلا ما حكاه ابن النجار فى تاريخه أنه فى سنة ثمان وأربعين وخمس مائة سمع من داخل الحجرة المقدسة هدّة فاقتضى رأيهم إنزال شخص من أهل الدين والصلاح هناك فلم يروا أحدا أمثل حالا من الشيخ عمر النسائى شيخ الشيوخ بالموصل ، فكلموه فى ذلك فامتنع واعتذر بسبب مرض يحتاج معه إلى الوضوء فى غالب الأوقات ، فألزم بذلك. فيقال : إنه امتنع من الأكل والشرب مدة وسأل الله تعالى إمساك هذا المرض عنه بقدر ما ينزل ويخرج ، فأنزلوه بالحبال من بين السقفين من الطاق ، فنزل بين حائط بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين الحائز ومعه شمعة يستضىء بها ، ومشى إلى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخل من الباب إلى القبور المقدسة ، فرأى شيئا من ردم ، إما من السقف ، وإما من الحائط وقد وقع على القبور المقدسة فأزاله ، وكنس ما عليها من التراب بلحيته وكان مليح الشيبة ، ثم طلع فأمسك الله تعالى عنه هذا المرض بقدر ما نزل وطلع (١).

ثم فى سنة أربع وخمسين وخمس مائة وجدت من داخل الحجرة المقدسة رائحة كريهة متغيرة فنزل الطواشى بيان ـ من أحد خدام الحرم الشريف ـ ونزل معه الصفى الموصلى متولى عمارة المسجد الشريف ، ونزل معهما هارون الصوفى فوجدوا هرا قد سقط من الشباك الذى بأعلى الحائط بين الحائط وبين النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخرجوها وطيبوا مكانها ، وكان نزولهم يوم السبت الحادى عشر من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وخمس مائة (٢).

__________________

(١) ذكر هذا الخبر ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٤١٨.

(٢) ذكر هذا الخبر ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٤١٨.


الفصل الرابع والعشرون

فى ذكر المنبر الشريف والأسطوانة الحنانة

فعمل لسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منبر بأمره فى سنة ثمان من الهجرة.

عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب جذع مسندا ظهره إليه ، فلما كثر الناس قال : «ابنوا لى منبرا» فبنوا له وكان له درجتين ومجلسا ، فلما قام على المنبر ليخطب حنّت الخشبة إلى رسول الله. قال أنس : وأنا فى المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله ، فما زالت تحن حتى نزل إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاحتضنها ، فسكنت. فقال عليه‌السلام : «لو لم أحتضنها لحنّت إلى يوم القيامة» (١).

وفى بعض الروايات : خار كخوار الثور حتى أرتجّ المسجد من خواره تحزنا على فراق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفى رواية أنس رضى الله عنه : حتى ارتجّ لخواره (٢).

وفى رواية سهل : وكثر بكاء الناس لما رأوا به.

وذكر الشيخ مظفر الدين الإسفراينى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاه إلى نفسه فجاءه يخرق الأرض فالتزمه ثم عاد إلى مكانه (٣).

وفى رواية : خار حتى تصدّع ، وانشق حتى جاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليه فسكن ، فأمر به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدفن تحت المنبر (٤).

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٥٩ ، الدارمى فى السنن ١ / ٢٥ ، الجندى فى فضائل مكة (٣٧) ، ابن حجر فى فتح البارى ٦ / ٦٠٢.

والوله : ذهاب العقل حيرة من حزن أو عشق أو نحوهما.

(٢) أحمد فى المسند ١ / ٢٤٩ ، ٢٦٣ ، ٢٦٧ ، ابن ماجه (١٤١٥) ، أبو نعيم فى دلائل النبوة (ص : ١٤٢).

(٣) البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٥٥٧.

(٤) أخرجه : البخارى (٣٥٨٥) ، البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٦٠.


وفى رواية يحيى : فحن الجذع حنينا رقّ له أهل المسجد ، فأتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليه فسكن ، وقال له : «إن شئت أن أردك إلى الحائط الذى كنت فيه كما كنت تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد خوصك وتمرك ، وإن شئت أن أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء الله من تمرك» ثم أصغى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه يستمع ما يقول فقال : بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء الله تعالى ، وأكون فى مكان لا أبلى فيه ، فسمعه من يليه فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فنعم قد فعلت» ، ثم عاد إلى المنبر وأقبل على الناس فقال : «خيرته كما سمعتم فاختار أن أغرسه فى الجنة ، اختار دار البقاء على دار الفناء».

وفى رواية : فغاب الجذع وذهب.

وكان الشيخ أبو الحسن البصرى ـ رحمه الله ـ إذا حدّث بحديث الجذع بكى طويلا وقال : يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شوقا إليه من الله تعالى ؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه (١).

وحديث الجذع مشهور ، والخبر به متواتر. وجماعة من الصحابة كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث منهم : أبى بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وسهل بن سعد ، وأبو سعيد الخدرى ، وبريدة ، وأم سلمة ، والمطلب بن أبى وداعة.

وفى رواية جابر بن عبد الله : سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار (٢).

واعلم أن هذا الجذع ليس له اليوم عين ولا أثر ؛ فقد روى أن أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ أخذه لما غير المسجد وهدم فكان عنده فى بيته حتى بلى وأكلته الأرضة وعاد رفاة (٣).

__________________

(١) البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٥٩ ، سنن الدارمى ١ / ٢٥ ، مثير الغرام (ص : ٤٧٠).

(٢) أخرجه : البخارى (٣٥٨٥) ، والعشار : جمع عشراء ؛ وهى الناقة التى انتهت فى حملها إلى عشرة أشهر.

(٣) أحاديث حنين الجذع متواترة عن جمع غفير من الصحابة ، انظر عن ذلك : دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٥٥٦ ، أحمد ١ / ٢٤٩ ، سنن الدارمى (٣٩) وما بعده ، الأزهار المتناثرة (٣٦) ، نظم المتناثر (١٣٤ ـ ١٣٥) ، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦ ، الزرقانى على المواهب ٥ / ١٣٣. وفاء الوفا ٤ / ٣٨٨ ـ ٣٩١.


وكان المنبر المعمول للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طرفاء الغابة ، عمله غلام لامرأة من الأنصار واسمه مينا ، وقيل : إبراهيم.

وفى رواية : صنعه غلام عمه العباس ـ رضى الله عنه ـ واسمه الصباح ، وقيل : كلاب.

وقيل : إنما عمله تميم الدارى. رواه أبو داود فى سننه.

وقيل : عمله غلام لسعيد بن العاص واسمه باقول.

ونقل عن الواقدى عن ابن الزياد : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجلس على المجلس ويضع رجليه على الدرجة الثانية ، فلما ولى أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الأرض إذا قعد ، فلما ولى عثمان ـ رضى الله عنه ـ فعل كذلك ست سنين من خلافته ، ثم علا فجلس فى موضع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : من يأتى بعدنا أين يجلس؟ رضى الله عنه (١). وكسى المنبر قبطية وهو أول من كساه ، فسرقتها امرأة فأتى بها فقال لها : سرقت؟ قولى لا ، فاعترفت فقطع يدها.

وكان طول منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما حكاه ابن النجار ـ : ذراعان فى السماء وثلاثة أصابع ، وعرضه : ذراع راجح ، وطول صدره وهو مستند النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذراع ، وطول رمّانتى المنبر اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس : شبر وأصبعان ، وعرضه : ذراع فى ذراع ، وتربيعه سواء ، وعدد درجاته : ثلاث بالمقعد ، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة ، وهكذا كان فى حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفى خلافة أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ رضى الله عنهم.

ثم لما حج معاوية كساه قبطية ، والقبطية بضم القاف وقد تكسر مع سكون الباء الموحدة ثياب رقاق من مصر.

وكانت الخلفاء يرسلون فى كل سنة ثوبا من الحرير الأسود وله علم يكسى به المنبر ، ولما كثرت الكسوة عندهم جعلوها ستورا على أبواب الحرم الشريف. هكذا حكاه ابن النجار.

__________________

(١) انظر : هداية السالك ٣ / ١٤٢٠.


وينبغى أن يعلم أن الأبواب الشريفة لها ستور بالاستقلال الآن لكن لا يظهرونها إلا فى أوقات المهمات كقدوم سلطان أو أمير (١).

ثم فى عشر الستين وسبع مائة اشتريت قرية من بيت مال المسلمين ووقفت على كسوة الكعبة المشرفة فى كل سنة وعلى كسوة الحجرة المقدسة والمنبر الشريف فى كل سبع سنين ، ثم لما رجع معاوية كتب إلى مروان ـ وهو عامله على المدينة ـ أن ارفع المنبر عن الأرض وزد فيه ، فدعى النجارين فرفعوه عن الأرض وزاد من أسفله ست درجات ، فصار للمنبر الشريف تسع درجات بالمجلس.

وقال ابن زبالة لم يزد فيه أحد قبله ولا بعده ؛ كذا نقله المطرى عنه.

ونقل ابن النجار أن مروان أراد أن يبعث بمنبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى معاوية فكسفت الشمس حتى دنت النجوم وأظلمت المدينة وأصابتهم ريح شديدة فامتنع منه.

وذكر أن المهدى بن منصور لما حج سنة إحدى وستين ومائة قال للإمام مالك ابن أنس : إنى أريد أن أعيد منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حاله الأولى ، فقال له مالك : إنما هو من طرفاء الغابة وقد سمر إلى هذه العيدان وشد فمتى نزعته خفت أن يتهافت ، فلا نرى أن تغيره ، فتركه المهدى على حاله ورجع عما أراد.

ويقال : إن المنبر الذى زاد فيه معاوية تهافت على طول الزمان وأن بعض الخلفاء من بنى العباس جدد منبرا واتخذ من بقايا أعواد منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمشاطا للتبرك بها.

ثم احترق المنبر لما احترق المسجد الشريف ، فعمل الملك المظفر صاحب اليمن منبرا رمانتاه من الصندل ، وأرسله فى سنة ست وخمسين وستمائة ، ونصب فى موضع منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤخر عنه ولم يزل كذلك إلى سنة ست وستين وستمائة يخطب عليه.

ثم أرسل الملك الظاهر هذا المنبر الموجود اليوم ، فقلع منبر صاحب اليمن وجعل فى حاصل الحرم ، وهو باق إلى اليوم فى القبة ، ونصب منبر الملك الظاهر

__________________

(١) انظر ما يتعلق بالمنبر من التاريخ فى وفاء الوفا ٢ / ٣٩١ ـ ٤١٣.


مكانه (١). وارتفاعه من الأرض إلى أعلاه ثلاثة أذرع ، وطوله فى العرض من القبلة إلى آخره ثلاثة أذرع ونصف وربع وثمن كل ذلك بذراع مصر ، وعدد درجاته سبعة بالمقعد ، وله مصراعان يفتح يوم الجمعة ، وبه طاقة يدخل فيه كثير من العوام أيديهم منها إلى خشبة يتبركون بها ظانين أنها من بقايا منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يبق من منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شىء اليوم ، والله أعلم.

__________________

(١) العقود اللؤلؤية ١ / ١٢٨ ، هداية السالك ٣ / ١٤٢٠.


الفصل الخامس والعشرون

فى ذكر سنن رجوع الحاج إلى وطنه وبلده

فإذا أراد الرجوع إلى أهله وبيته ووطنه ينبغى أن يأتى الروضة الشريفة ويصلى فيها ، ثم يأتى القبر الشريف فيسلم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى صاحبيه ، ويعيد تلك الصلوات والتسليمات والدعوات التى سبق ذكرها فى ابتداء الزيارة ، أو يقتصر على هذه الكلمات ويقول : السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا شفيع المذنبين ، السلام عليك يا إمام المتقين ، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين ، السلام عليك يا رسول رب العالمين ، السلام عليك يا منة الله على المؤمنين ، السلام عليك يا طه ، السلام عليك يا يس ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات المبرات أمهات المؤمنين ، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين ورحمة الله وبركاته ، جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل الجزاء وصلى عليك أفضل الصلاة (١).

وإن كان الوقت متسعا فمن أحسن السلام أن يقول : السلام عليك يا من سفرت لوامع مجده ، السلام عليك يا من همزت هوامع رفده ، السلام عليك يا من ظهرت أنوار علائه ، السلام عليك يا من بهرت آثار سنائه ، السلام عليك يا نتيجة الشرف الباذخ ، السلام عليك يا سلالة المجد الراسخ ، السلام على يا جوهرة الشرف الأعلى ، السلام عليك يا واسطة العقد المجلى ، السلام عليك يا إمام الأنبياء ، السلام عليك يا صفوة الأوفياء ، السلام عليك يا معنى الجود ، السلام عليك يا منبع الكرم والجود ، السلام عليك يا درة لؤى ، السلام عليك يا غرة قصىّ ، السلام عليك يا نبعة المكارم ، السلام عليك يا سلالة الأكارم ، السلام عليك يا من عظمت هباته ، السلام عليك يا من بهرت آياته ، السلام عليك يا من

__________________

(١) انظر : آداب دخول المسجد النبوى والزيارة فى : الإيضاح (ص : ٤٩٢ ـ ٤٩٤) ، فتح القدير ٣ / ٣٣٦ ، شرح اللباب (ص : ٣٣٦ ـ ٣٣٨).


ظهرت راياته ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله الذى أقر عينى برؤيتك ، وأحلنى بشريف روضتك ، وقضى لى أن أفوز بزورتك ، وأحوز سابق السعادة بحلول بلدتك.

ويقول : ودعناك يا رسول الله غير مودعين ولا سامحين بفرقتك ، ونحن نسألك أن تسأل الله لنا أن لا يقطع آثارنا من زيارتك ، وحرمك ، وأن يعيدنا سالمين غانمين إلى أوطاننا ، وأن يبارك لنا فيما وهب لنا من الولد وخوّل من النعم ، وأن يرزقنا الشكر على ذلك بمنه وكرمه. اللهم لا تجعل هذا آخر العهد من حرم رسولك ، ويسر لى العود إلى الحرمين الشريفين ، وارزقنى العفو والعافية فى الدنيا والآخرة ، وإن جعلته آخر العهد فعوضنى الجنة عن ذلك يا أرحم الراحمين (١).

فإذا أراد الخروج من المسجد يقدم رجله اليسرى أولا ثم اليمنى.

وينبغى أن يجتهد فى أن يخرج من عينيه قطرات عبرات من الدمع ؛ فإنه من أمارات القبول.

وقيل : إن البكاء على سبعة أنواع : بكاء الحزن ، وبكاء الوجع ، وبكاء الفزع ، وبكاء الفرح ، وبكاء الرياء والكذب ، وبكاء الشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى.

والبكاء على كل حال مندوب ومطلوب لقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(٢).

وقوله تعالى : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ)(٣).

وقوله تعالى : (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم ارزقنى عينين هطّالتين».

ومن البكاء [وهو] أعلاها درجة وأغلاها ثمنا فى الآخرة : البكاء من خشية الله

__________________

(١) هذه الصيغ فى السلام على النبى ليس فيها تحديد وإنما هى اختيارات للعلماء ، فمهما ألهمك الله من صيغة مقبولة فاعلم أن الله يقبلها إن شاء.

(٢) سورة التوبة : آية ٨٢.

(٣) سورة الإسراء : آية ١٠٩.

(٤) سورة مريم : آية ٥٨.


عزّ وجلّ. وحق البكاء لمن لم يعلم ما جرى له من الحكم فى سابق علم الله فى الأزل : أبا لسعادة جرى له القلم أم بالشقاوة.

ثم يقول : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بنبيك ، وحط أوزارى بزيارته ، وأصحبنى فى سفرى هذا البر والتقوى ، ويسر لى رجوعا إلى أهلى يا أرحم الراحمين.

وينبغى أن يتصدق على جيران النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما تيسر له ؛ لأن الإحسان إليهم من أسنى الرغائب وأسمى القرب. قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما نفقاتهم فيخلفها الله تعالى فى دار الدنيا قبل أن يخرجوا منها ، وأما الألف فالألف مدخر فى الآخرة ، والذى نفسى بيده إن الدرهم الواحد أثقل فى الميزان من جبلكم هذا» وأشار إلى أبى قبيس.

وأنشد بعض الأكابر عند توديعه وهو يبكى :

أحنّ إلى زيارة حىّ ليلى

وعهدى من زيارتها قريب

وكنت أظنّ قرب العهد يطفى

لهيب الشوق فازداد اللهيب

وينبغى أن يستصحب معه هدية لأهله وأولاده وتحفة لأحبابه وأصحابه من أهله وأهل بلده ولو بشىء يسير لأنه منصرف من ضيافة الكريم ، وآت من ساحة ذى الإحسان الجسيم وحضرة [ذى] المن العظيم.

ويروى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قدم أحدكم من سفره فليهد إلى أهله ، وليطرفهم ولو كانت حجارة» (١).

وإذا أخذ فى الطريق ينبغى أن يكبر كلما علا شرفا من الأرض ثلاث تكبيرات ، ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شىء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه

__________________

(١) أخرجه : الدارقطنى ٢ / ٣٠٠ ، الديلمى فى الفردوس ١ / ٢٩٩ ، ومعنى يطرفهم : أى يأتيهم بشىء جديد. ولو كانت حجارة : فسّرت بحجارة الزناد ، أى : شىء فيه جدة ولو يسيرا ؛ جبرا لخواطرهم ما أمكن ، ولتشوقهم إلى ما يقدم به.


ترجعون (١).

ويستحب له أنه إذا قرب من بلده أن يسرع إليه وأن يقدم إلى أهله من يخبرهم بقدومه ولا يطرقهم ليلا ولا يأتيهم بغتة فجأة» ؛ بل يدخل عليهم بكرة أو عشية ، ويقول عند دخوله إلى بلده : بسم الله وبالله ، والحمد لله على طول الأعمار ، والتردد إلى الآثار. ثم ليبدأ بالمسجد فليصلى فيه ركعتين ، فإذا وصل إلى باب داره يقدم رجله اليمنى ويقول عند ذلك : توبا توبا لربنا ، اللهم لا تغادر علينا حوبا (٢).

ثم يقرأ الفاتحة والإخلاص فإن فيهما بركة عظيمة ، ويصلى فيه ركعتين أيضا أول ما يدخل.

ويستحب أعتناق القادم وتقبيله ومصافحته فقد روى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : لما قدم زيد بن حارثة المدينة اعتنقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبّله (٣).

وقالت : لما قدم جعفر وأصحابه تلقاه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبل بين عينيه (٤).

وينبغى [لهم] أن يصافحوا الحاج قبل أن يدخل بيته ، فإنه يرجع مغفورا له.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لصحابى : «إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته ، فإنه مغفور له» (٥).

وعن الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : إذا خرج الحاج فشيعوهم وزودوهم بالدعاء ، فإذا قفلوا فالتقوهم وصافحوهم قبل أن يخالطوا الذنوب ، فإن البركة فى أيديهم.

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٣ / ٧ (العمرة : ما يقول إذا رجع). مسلم ٤ / ١٠٥ (الحج : ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره).

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٨ ، وصححه ووافقه الذهبى.

(٣) أخرجه : الترمذى ٥ / ٧٦.

(٤) أخرجه : أبو داود ٤ / ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، الطيالسى (٦٤).

(٥) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٦٩ ، وفى سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى ، وهو ضعيف.


وأنشد عبد الرحمن البزورى عند قدوم بعض إخوانه من الحج الزائرين :

أهلا بحجاج بيت الله والحرم

ماذا لهم من كرامات ومن نعم

قضوا مآربهم من حجهم وأتوا

مفضّلين على خلق من الأمم

فماء زمزمهم يشفى العليل به

ونور أوجههم يهدى من الظلم

زاروا النبى [وعاينوا نور] حجرته

يا طيب طابة من واد ومن أكم

يا أيها الركب قد دأب المشوق بكم

وفى لقائكم برؤ من السّقم

سلوا دياركم من بعد فرقتكم

هل لاح فيها سنا برق لمبتسم

سقى الربوع التى كنتم بها أبدا

غيث السماء ومنهل من الديم

وينبغى لمن منّ الله تعالى عليه بطاعته ووفقه لحج بيته الحرام وزيارة قبر رسوله عليه الصلاة والسلام ، ونظفت صحيفة ثياب عمله بصابون الغفران من دنس الآثام أن يحذر من العود ، ويتحفظ من وسخ المعاصى ثانيا ؛ فإن النكسة أشد من المرض الأول ، وأصعب للمعالجة.

واعلم أن الذل فى طاعة الله تعالى أقرب من التعزز بالمعصية ، فطوبى لأهل التقوى وويل لأهل الهوى ، والعاقبة للمتقين ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

قال الكتانى : قسمت الدنيا على بلوى ، وقسمت الجنة على التقوى.

وقال بشر الحافى رحمه الله :

أقسم بالله لرضخ النوى

وشرب ماء القلّة المالحه

أعزّ للإنسان من حرصه

ومن سؤال الأوجه الكالحه

فاستغن بالله تكن ذا غنىّ

مغتبطا بالصفقة الرابحه

واليأس عزّ والتقوى سؤدد

ورغبة النفس لها فاضحه

من كانت الدنيا به برة

فإنها يوما له ذابحه

واعلم أن المعصية بعد الحج أفحش وأقبح مما كان قبله ، قال أحمد بن خالد :سمعت محمد بن مخلد يقول : قدمت من الحج فدعتنى نفسى إلى أمر سوء ،


فسمعت هاتفا من ناحية البيت يقول لى : ويلك ألم تحج ، ويلك ألم تحج؟فعصمنى الله تعالى بسبب ذلك.

وسئل الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ عن الحج المبرور وما علامته؟ فقال : أن يرجع الشخص منه زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا فرغ من حديثه وأراد أن يقوم من مجلسه يقول : «اللهم اغفر لنا ما أخطأنا وما تعمدنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت».

وصلى الله على سيدنا محمد وآله.



القسم الثالث

فى ذكر فضائل بيت المقدس (١) وما يتعلق به

وفيه ثمان فصول :

الفصل الأول : فى ذكر ابتداء بناء المسجد الأقصى.

الفصل الثانى : فى ذكر شد الرحال إليه ، وفضل إتيانه وإسراجه.

الفصل الثالث : فى ذكر فضيلة الصلاة فيه ، وفضل الحج والصلاة فى مسجد المدينة والمسجد الأقصى فى عام واحد.

الفصل الرابع : فى ذكر فضل الإحرام من بيت المقدس والأذان فيه.

الفصل الخامس : فى ذكر فضل الصدقة والصيام فيه.

الفصل السادس : فى ذكر فضل الصخرة وأنها من الجنة.

الفصل السابع : فى ذكر الساهرة ، وفضل من مات فى بيت المقدس.

الفصل الثامن : فى ذكر جامع الفضائل لبيت المقدس.

__________________

(١) جمع الزركشى من أسمائها سبعة عشر اسما. (إعلام الساجد ٢٧٧).


الفصل الأول

فى ذكر ابتداء بناء المسجد الأقصى

وذكر أى مسجد وضع أولا

روى البخارى فى صحيحه عن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال : «المسجد الحرام» ، قلت : ثم أى؟

قال : «المسجد الأقصى» ، قلت : كم كان بينهما؟ قال : «أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلها فإن الفضل فيه» (١).

وفى رواية : «فإن الأرض جعلت لنا مسجدا» (٢).

وعن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال : «المسجد الحرام» ، قلت : ثم أى؟ قال : «المسجد الأقصى» ، قال : قلت : كم بينهما؟ قال : «أربعون سنة» (٣).

ثم قال : زاد الفراء فأينما أدركتك الصلاة فهو مسجد» ثم قال : هذا حديث صحيح أخرجاه فى الصحيحين ، وأخرجه النسائى ، والقزوينى (٤).

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ قال : بنى سليمان عليه‌السلام بيت المقدس على أساس قديم. كما بنى إبراهيم عليه‌السلام الكعبة على أساس قديم ، ثم قال : والأساس القديم الذى كان لبيت المقدس أسسه سام بن نوح ـ عليه‌السلام ـ ثم

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٢ / ٦٣ (المساجد : ذكر أى مسجد وضع أولا) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٥).

(٢) أخرجه : البخارى ٤ / ١٤٥ (الأنبياء : باب واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٦).

(٣) أخرجه : مسلم ٢ / ٦٣.

(٤) أخرجه : البخارى ٢ / ١٨٩ ط الأميرية (بدء الخلق : باب يزفون النبلان فى المشى) ، مسلم (المساجد : ١) ، أحمد ٥ / ١٥ ، ابن ماجه (٧٥٣).


بنى داود وسليمان ـ عليهما‌السلام ـ على ذلك الأساس (١).

وقال الإمام الخطابى فى كتاب «الأعلام» (٢) له : أنه بنى المسجد الأقصى بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما‌السلام ، ثم بناه داود وسليمان ، وزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه.

__________________

(١) إعلام الساجد (٢٨٣) ، ولم يعزه ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٦).

(٢) هو كتاب «أعلام الحديث» شرح صحيح البخارى ، وطبع فى جامعة أم القرى ، بمكة المكرمة.


الفصل الثانى

فى ذكر شد الرحال إلى بيت المقدس وفضل إتيانه وإسراجه

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد المدينة ، ومسجد إبراهيم ، ومسجد بيت المقدس». رواه البخارى ومسلم (١).

وفى رواية أخرى : «المسجد الحرام ، ومسجدى ، والمسجد الأقصى» (٢).

وفى رواية : عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول عليه‌السلام ، ومسجد الأقصى» (٣).

وفى حديث آخر : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تحمل المطى إلا إلى ثلاثة مساجد ...» وذكرها (٤).

__________________

(١) لم أعثر على هذا الحديث فى صحيحى البخارى ومسلم ونص حديثى البخارى ومسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدى هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى» ، البخارى ٢ / ٦٠ (التطوع : فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة) ، ومسلم ٤ / ١٢٦ (الحج : لا تشد الرحال إلا).

(٢) أخرجه : البخارى ٣ / ٧٠ ، مسلم ٤ / ١٢٦ ، الترمذى ٢ / ١٢٣ ، ابن ماجه ١ / ٤٥٢ ، أحمد فى مسنده ٣ / ٤٥ ، النسائى فى الكبرى (انظر : تحفة الأشراف ٣ / ٤٤٥) ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٦) ، الحميدى ٢ / ٣٣٠ ، ابن أبى شيبة ٤ / ٦٦.

(٣) رواه ابن أبى شيبة ٢ / ٣٧٤ ، ٤ / ٦٥ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٣٥ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٤.

(٤) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٥٠١ ، ٦ / ٧ ، النسائى ٣ / ١١٤ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٧ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٢) كلهم من طريق يزيد بن الهاد ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٣ ، وعزاه للبزار والطبرانى فى الكبير والأوسط.

ورواه عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٣٣ من طريق ابن جريج.


وفى حديث آخر : عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى ، فصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وصلاة فى مسجدى بألف صلاة ـ وفى بعض الروايات : كألف صلاة ـ وصلاة فى المسجد الأقصى بعشرة آلاف صلاة» (١).

وعن ذى الأصابع أنه قال : يا رسول الله ، إن ابتلينا بالبقاء بعدك فأين تأمرنا؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليك ببيت المقدس لعل الله يرزقك ذرية يغدون إليه ويروحون» (٢).

قال أبو أيوب : يعنى مسجد بيت المقدس.

وروى عن ميمونة مولاة رسول الله ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله ، أفتنا فى بيت المقدس ، فقال : «ائتوه فصلوا فيه» قالت : كيف إذ ذاك والروم فيه؟! قال : «فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج فى قناديله». رواه أبو داود والقزوينى (٣).

وروى عن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرنا عن بيت المقدس قال : «أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه» (٤).

وعن ميمونة بنت الحارث زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس ، قال : «أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ؛ فإن

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٣٣.

(٢) ذو الأصابع : هو ذو الأصابع التميمى ، ويقال : الخزاعى ، ويقال : الجهنى ، نزيل بيت المقدس (تعجيل المنفعة رقم ٢٩١).

والخبر فى فضل بيت المقدس للواسطى (٣٤) ، الأنس الجليل ١ / ٢٣٥ ، كنز العمال (٢٤٧١٣) رقم (١٣٧٣) حيث أخرجه من طرق عديدة.

(٣) أخرجه أبو داود نقلا عن تيسير الوصول لابن الربيع ٣ / ١٢٧ ، والصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٣ ، وعزاه لابن ماجه فى سننه ١ / ٤٥٣

(٤) ذكره المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٩٣) ، والصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٤ ، وعزاه لأبى داود فى السنن ، مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٣٢٢.

والمحشر : مفعل من الحشر وهو الجمع ، يعنى : يوم القيامة ، فإذا فتحت الشين فهو المصدر ، وأما موضع الحشر فهو بالكسر. قال الجوهرى : المحشر بالكسر : موضع الحشر. انتهى.


صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه» ، قالت : أرأيت يا رسول الله من لم يطق محملا إليه؟ قال : «فليهد زيتا يسرج فى قناديله» (١).

وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : يا رسول الله ، أفتنا فى بيت المقدس ، قال : «أرض المحشر والمنشر ، ائتوه فصلوا فيه ؛ فإن الصلاة فيه كألف صلاة فيما سواه». قالت : أرأيت إن لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال : «فليهد زيتا يسرج فيه ؛ فإنه من أهدى إليه كان كمن صلى فيه» (٢) أخرجه القزوينى.

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : لما فرغ سليمان عليه‌السلام من بيت المقدس وضع القربان فى رحبة المسجد ، ثم قام على الصخرة ، ثم قال ثناء وحمد : اللهم إنى أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : أن لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل توبته منه وتتوب عليه وتغفر له ، ولا يدخل إليه خائف لم يتعمده إلا لطلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخل إليه مريض لم يعمده إلا لطلب الشفاء أن تشفيه من سقمه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخل إليه مقحط لم يتعمده إلا لطلب الاستسقاء أن تسقى بلاده ، وأن لا تصرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه. اللهم إنك أجبت دعوتى وأعطيتنى مسألتى فاجعل علامة ذلك أن تتقبل قربانى. فنزلت نار من السماء فاحتملت القربان وصعدت به إلى السماء (٣).

وعن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما بنى سليمان البيت المقدس سأل ربه خلالا ثلاثا ، فأعطاه الله تعالى اثنتين ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة أيضا : سأله ملكا لا ينبغى لأحد من بعده» ـ قال قتادة :يعنى : لا تسلبنى إياه مرة أخرى ـ «فأعطاه ذلك. وسأله حكما وعلما لا ينبغى لأحد من بعده ، فأعطاه ذلك. وسأله أن لا يأتى أحد هذا البيت فيصلى فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ؛ وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة أيضا» (٤).

__________________

(١) عزاه السيوطى فى الدر المنثور للواسطى ٤ / ٢٩١ ، وعزاه الزركشى فى إعلام الساجد (ص : ٢٨٩) لابن ماجه.

(٢) مجمع الزوائد ٤ / ٧ ، المطالب العالية (١٢٦٥) وضعفه.

(٣) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٩).

(٤) ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٤٨ ، وعزاه لأحمد فى مسنده ، والنسائى ، وابن ـ ـ ماجه ، والحاكم فى المستدرك وصححه. وانظر : مجمع الزوائد ٨ / ٤ ، وإعلام الساجد (٢٨٢) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٠).


وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : إن سليمان بن داود ـ عليه‌السلام ـ لما فرغ من بيت المقدس قرب قربانا فتقبل الله منه ، ودعا الله تعالى بدعوات منهن :اللهم أيما عبد مؤمن بك زار فى هذا البيت تائبا إليك إنما جاء ينفصل من خطاياه وذنوبه أن تتقبل منه وتتركه من خطاياه وذنوبه كيوم ولدته أمه (١).

وفى رواية : أن تنزعه من خطاياه.

وعن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما فرغ سليمان ـ عليه‌السلام ـ من بناء بيت المقدس سأل الله عزّ وجلّ ثلاث خصال : حكما يوافق حكمه ، وملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، ولا يأتى هذا البيت أحد لا ينزعه إليه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما اثنتين فقد أعطاهما الله تعالى ، وأما الثالثة فأنا أرجو أن يكون قد أعطاه إياها» وقال : «دعاء نبى ورجاء نبى» (٢).

وفى رواية : عن عبد الله ـ أيضا ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن سليمان بن داود ـ عليه‌السلام ـ لما فرغ من بناء مسجد بيت المقدس سأل الله عزّ وجلّ حكما يصادف حكمه ، وملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، ولا يأتى هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه». فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فأما اثنتان فقد أعطيهما إياه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطى الثالثة» (٣) رواه النسائى وابن ماجه.

وعن أبى العوام أنه قال : ذكر لنا أن سليمان ـ عليه‌السلام ـ لما فرغ من بنائه ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ، ثم قال : اللهم من أتاه من ذى ذنب فاغفر له ذنبه ، أو ذى ضر فاكشف له ضره. قال : ولا يأتيه أحد إلا أصاب من دعوة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٤٩ ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور أيضا للحكيم الترمذى فى نوادر الأصول والبيهقى فى الشعب ٤ / ٢٩١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٤٩ ، وإعلام الساجد (٢٨٢) ، ابن ماجه ١ / ٤٥١.

(٣) المرجع السابق ٣ / ١٤٩.


سليمان بن داود عليهما‌السلام خيرا كبيرا (١).

وروى الإمام البيهقى فى باب الإسراء من كتاب «دلائل النبوة» بسنده عن شداد ابن أوس ـ رضى الله عنه ـ قال : قلنا يا رسول الله : كيف أسرى بك؟ قال :

«صليت لأصحابى صلاة العتمة بمكة معتما ، قال : فأتانى جبريل بدابة أبيض فوق الحمار ، ودون البغل ، فقال : اركب ، فاستصعب علىّ ، فدارها بأذنها ثم حملنى عليها. فانطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلنى ، فقال : صلّ ، فصليت ، ثم ركبنا فقال : أتدرى أين صليت؟ قلت : الله أعلم. قال : صليت بيثرب ، قال : صليت بطيبة. فانطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ، فقال : انزل فصلّ ـ أو قال : انزل ، فنزلت ، ثم قال : صلّ ، فصليت ، ثم ركبنا ، فقال : أتدرى أين صليت؟ قلت : الله أعلم ، قال : صليت بمدين عند شجرة موسى عليه‌السلام ، ثم انطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها ، فقال : انزل ، فنزلت فقال : صلّ ، فصليت ، ثم ركبنا ، فقال : أتدرى أين صليت؟ قلت : الله أعلم ، قال : صليت ببيت اللحم حيث ولد فيه أخوك عيسى المسيح ابن مريم عليه‌السلام ، ثم انطلق بى حتى دخلنا المدينة من بابها اليمانى ، فأتى قبلة المسجد فربط دابته ، ودخلنا المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر ، فصليت فى المسجد حيث شاء الله ، وأخذ بى من العطش ما أخذ بى ، فأتيت بإناءين فى أحدهما لبن وفى الآخر عسل أرسل إلىّ بهما جميعا ، فعدلت عنهما ، ثم هدانى الله عزّ وجلّ فأخذت اللبن فشربت حتى فرغت وبين يدى شيخ متكئ على مثراة له ، فقال :أخذ صاحبك اللبن الفطرة ؛ إنه ليهدى ، ثم انطلق بى حتى أتينا الوادى الذى فيه المدينة ؛ فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابى» ، قلت : يا رسول الله كيف وجدتها؟

قال : «مثل اللحمة السخنة ، ثم انصرف بى ، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيرا لهم وقد جمعه فلان ، فسلمت عليهم ، فقال بعضهم : هذا صوت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتيت أصحابى قبل الصبح بمكة ، فأتانى أبو بكر وقال : يا رسول الله

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٤٩ ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ٤ / ٢٩٢ للواسطى فى فضل بيت المقدس عن كعب ، بنحوه.


أين كنت الليلة فقد التمستك فى مظانك؟ فقال : علمت أنى أتيت بيت المقدس الليلة ، فقال : يا رسول الله إنه مسيرة شهر. صفه لى. قال : ففتح لى صراط كأنى أنظر إليه لا يسألنى عن شىء إلا أنبأته عنه. قال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله».

فقال المشركون : انظروا إلى ابن أبى كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة. قال : فقال : «من آية ما أقول لكم أنى قد مررت بعير لكم بمكان كذا قد أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل أدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان» ، فلما كان ذلك اليوم انصرف الناس ينتظرون حتى كان قريبا من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذى وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. هذا رأيته فى رواية الإمام البيهقى ـ رحمه الله ـ ثم قال عقيبه : هذا إسناد صحيح (١).

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٣٥٥ ـ ٣٥٧ ، أحمد فى مسنده ٢ / ٢٨٢.


الفصل الثالث

فى ذكر فضل الصلاة فى بيت المقدس

وفضل الحج والصلاة فى مسجد المدينة

والمسجد الأقصى فى عام واحد

روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «صلاة فى بيت المقدس أفضل [من ألف صلاة] فيما سواه إلا المسجد الحرام ، ومسجدى هذا» (١).

وعن أبى الدرداء ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الصلاة فى المسجد الحرام تزيد على غيره بمائة ألف صلاة ، وفى مسجدى ألف صلاة ، وفى مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة» (٢).

وفى حديث آخر عن أبى المهاجر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصلاة فى بيت المقدس بخمس مائة ، الجماعة فيها تضاعف خمسا وعشرين درجة» (٣).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى فى بيت المقدس غفرت له ذنوبه كلها» (٤).

وعن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة الرجل فى بيته بصلاة [واحدة] ، وصلاته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته فى المسجد الذى يجمع فيه بخمس مائة صلاة ، وصلاته فى

__________________

(١) ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب ٢ / ٢١٦.

(٢) أخرجه : مسلم ٤ / ١٢٥ ، النسائى فى المناسك ٥ / ٢١٣ ، ابن ماجه (١٤٠٥) ، وذكره السيوطى فى الجامع الكبير ، وعزاه للبيهقى فى الشعب ، والخطيب فى المتفق والمفترق ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٥).

(٣) إتحاف الأخصا ١ / ١٣٩ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٥).

(٤) إتحاف الأخصا ١ / ١٣٨ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٥).


المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، [وصلاته على الساحل ألف صلاة ، وصلاته بسواك بأربعمائة صلاة] ، وصلاته فى مسجدى هذا بخمسين ألف صلاة ، وصلاته فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» (١).

وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى فى البيت المقدس [خمس] صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات يقرأ فى خمس صلوات عشرة آلاف مرة : قل هو الله أحد فقد اشترى نفسه من الله تعالى وليس للنار عليه سلطان» (٢).

وفى حديث آخر عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وصلاة فى مسجدى بخمسين ألف صلاة ، وصلاة فى مسجد بيت المقدس بخمس وعشرين ألف صلاة» (٣).

وعن أبى أمامة الباهلى (٤) ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج واعتمر ، وصلى فى بيت المقدس ، وجاهد ورابط ، فقد استكمل جميع سنتى».

وعن مكحول ـ رضى الله عنه ـ قال : من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلا إلى الصلاة فيه ؛ فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه (٥).

__________________

(١) إعلام الساجد (ص : ١١٧) ، فضل بيت المقدس للواسطى (١١ ، ١٢) ، مسالك الأبصار ١ / ١٣٥ ، إتحاف الأخصا ١ / ١٧ ، باعث النفوس (ص : ٥٩) ، مجمع الزوائد ٤ / ٧ وعزاه للطبرانى فى الكبير. وما بين المعقوفتين من الزيادات المنكرة.

(٢) الأنس الجليل ١ / ٢٠٨ ، إتحاف الأخصا ١ / ١٣٩ ، ١٤٠ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٦) ، فضل بيت المقدس للواسطى (٤٠).

(٣) ذكره السيوطى فى الدر المنثور ٢ / ٥٣ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٦).

(٤) هو : أبو أمامة الباهلى : الصدى بن عجلان بن وهب الباهلى ، صحابى جليل. سكن الشام وتوفى بحمص سنة (٨١ ه‍) (انظر ترجمته فى : شذرات الذهب ١ / ٩٦ ، تهذيب التهذيب ٤ / ٤٢٠).

والحديث فى فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٦).

(٥) ذكره السيوطى فى إتحاف الأخصا ١ / ١٤١ ، ولم يعزه ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٦).


وفى رواية أخرى عنه : من صلى ببيت المقدس ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء ، ثم صلى الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (١).

وعن مكحول أيضا ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : من زار بيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة مدللا ، وزاره جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى الجنة ، وغبطوه بمنزلته من الله عزّ وجلّ. وأيما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس شيعتهم عشرة آلاف من الملائكة يستغفرون لهم ويصلون عليهم ، ولهم مثل أعمالهم إذا انتهوا إلى بيت المقدس ، ولهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة سبعين ملكا ، ومن دخل بيت المقدس طاهرا من الكبائر تلقاه مائة رحمة ما منها رحمة إلا لو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم ، ومن صلى فى بيت المقدس ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكان له بكل شعرة من جسده حسنة. ومن صلى فى بيت المقدس أربع ركعات : مر على الصراط كالبرق ، وأعطى أمانا من الفزع الأكبر يوم القيامة. ومن صلى فى بيت المقدس ست ركعات : أعطى مائة دعوة مستجابة أدناها براءة من النار ، ووجبت له الجنة. ومن صلى فى بيت المقدس ثمان ركعات : كان رفيق إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه‌السلام ـ فى الجنة. ومن صلى فى بيت المقدس عشر ركعات : كان رفيق داود وسليمان عليهما‌السلام فى الجنة. ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات فى بيت المقدس ثلاث مرات : كان له مثل أجورهم وحسناتهم ، ووصل إلى كل مؤمن ومؤمنة من دعائه سبعون مغفرة ، وغفرت له ذنوبه كلها (٢).

وعن محمد بن شعيب قال : قلت لعثمان بن عطاء الخراسانى : ما تقول فى الصلاة فى بيت المقدس؟ قال : ونعمت ، ائته فصلّ فيه فإن داود عليه‌السلام أسسه وسليمان عليه‌السلام بناه وبلطه بالذهب لبنة ذهبا ولبنة فضة ، وليس فيه شبر من الأرض إلا سجد عليه ملك أو نبى ؛ فلعل جبهتك توافق موضع جبهة ملك أو

__________________

(١) أخرجه : الكنجى (ص : ٢٧٦) ، والسيوطى فى الدر المنثور ٤ / ١٦١ ، كلاهما عن الواسطى رقم (٣٨) ، وأخرجه أيضا أبو المعالى (ص : ٣٤) ، الأنس الجليل ١ / ٢٠٣.

(٢) إتحاف الأخصا ١ / ١٣٨ ، ١٣٩ ، الأنس الجليل ١ / ٢٠٨ ، فضل بيت المقدس للواسطى (٣٩) ، باعث النفوس (ص : ٦٠).


جبهة نبى (١).

وعن سفيان الثورى رحمه الله : أنه سأله رجل بمكة فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فى الصلاة فى هذه البلدة؟ قال : بمائة ألف صلاة ، قال : ففى مسجد بيت المقدس ، قال : بأربعين ألف صلاة ، قال : ففى مسجد دمشق؟ قال : بثلاثين ألف صلاة (٢).

وروى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : من حج وصلى فى مسجد المدينة والمسجد الأقصى فى عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (٣).

__________________

(١) إعلام الساجد (٢٨١) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٧).

(٢) إتحاف الأخصا ١ / ١٤٢ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٧).

(٣) ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٧ ، ولم يعزه ، وعزاه الزركشى فى إعلام الساجد (٢٩٦) لابن المرجى فى «فضائل القدس».


الفصل الرابع

فى ذكر فضل الإحرام من بيت المقدس والأذان فيه

عن أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أهلّ بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة» (١). رواه الدارقطنى.

وفى رواية عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحرم من بيت المقدس بحج أو عمرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٢).

وفى رواية أخرى : «غفر له ما تقدم من ذنبه» (٣) رواه أبو داود والقزوينى.

وعن أم حكيم قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أهل بحج من بيت المقدس غفر له» (٤).

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحرم معتمرا فى شهر رمضان من بيت المقدس عدلت عشر غزوات مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٥).

وعن جابر ـ رضى الله عنه ـ أن رجلا قال : يا رسول الله ، أى الخلق أول دخولا الجنة؟ قال : «الأنبياء» ، قال : يا نبى الله ، ثم من؟ قال : «ثم الشهداء» ، قال : يا نبى الله ، ثم من؟ قال : «ثم مؤذنوا بيت المقدس» ، قال : يا نبى الله ، ثم

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى مسنده ٦ / ٢٩٩ ، وأبو داود ٢ / ١٩٦ ، وابن ماجه ٢ / ٩٩٩ ، إعلام الساجد (٢٨٩) ، فضل بيت المقدس (٩٢) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٩).

(٢) أخرجه : أحمد فى مسنده ٦ / ٢٩٩ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥١ ، ٢٥٢) ، الدارقطنى ٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٣٠.

(٣) سنن أبى داود ٢ / ١٤٤ (باب فى المواقيت) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٩).

(٤) أخرجه : ابن ماجه (٣٠٠١ ، ٣٠٠٢) ، أبو داود (١٧٤١) ، البيهقى فى السنن ٥ / ٣٠ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٩).

(٥) إتحاف الأخصا ١ / ١٤٩) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٩).


من؟ قال : «مؤذنوا المسجد الحرام» ، قال : يا نبى الله ، ثم من؟ قال : «ثم مؤذنوا مسجدى هذا» ، قال : يا نبى الله ، ثم من؟ قال : «ثم سائر المؤذنين على قدر أعمالهم» (١).

__________________

(١) ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٦ ، وعزاه للخطيب فى الموضح. إتحاف الأخصا ١ / ١٤٧ ، والزركشي فى إعلام الساجد (٢٩٤) ، الأنس الجليل ١ / ٢٠٨ ، وقال الخطيب : غريب.


الفصل الخامس

فى ذكر فضل الصدقة والصيام ببيت المقدس وشهود الموسم بمكة

عن الحسن البصرى (١) ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : من تصدق فى بيت المقدس بدرهم كان فداءه من النار ، ومن تصدق برغيف كان كمن تصدق بجبال الأرض ذهبا (٢).

وعن مقاتل ـ رحمه الله ـ أنه قال : من صام يوما فى بيت المقدس كان له براءة من النار (٣).

وفى كتاب ابن الرجاء عن السرى ـ رحمه الله ـ أنه قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان فى بيت المقدس ويوافيان الموسم ـ الحج ـ كل عام (٤).

__________________

(١) هو : أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن بن يسار البصرى ، من سادات التابعين كان إمام أهل البصرة (انظر ترجمته فى : وفيات الأعيان ١ / ٣٥٤ ، شذارات الذهب ١ / ١٣٨) ، والخبر فى فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٠).

(٢) إتحاف الأخصا ١ / ١٥٠ ، والخبر فى فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥١).

(٣) ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٤ ، ولم يعزه ، والخبر فى فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٠).

(٤) حديث منكر (وانظر : المقاصد ٢٧ ، كشف الخفاء ١١٠ ، التذكرة ٢٠٧ ، الموضوعات ١ / ١٩٦ ، الفوائد المجموعة ٤٩٥ ، الشذرة ٢٦).


الفصل السادس

فى ذكر فضيلة الصخرة وأنها من الجنة

عن رافع بن عمرو المزنى ـ رضى الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الصخرة والعجوة من الجنة» (١).

وعن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :«سيد البقاع بيت المقدس ، وسيد الصخور صخرة بيت المقدس» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : صخرة بيت المقدس من صخور الجنة (٣).

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ قال : إن الكعبة بميزان البيت المعمور فى السماء السابعة الذى يحجه ملائكة الله تعالى لو وقعت منه أحجار لوقعت على أحجار الكعبة ، وإن الجنة فى السماء السابعة بميزان بيت المقدس والصخرة ولو وقع منها حجر لوقع على الصخرة ، ولذك دعيت أورشليم ـ يعنى : بيتا مباركا وهو اسم لبيت المقدس ـ ودعيت الجنة دار السلام (٤).

وعن وهب ـ رضى الله عنه ـ قال : قال الله تعالى : الصخرة بيت المقدس ، فيك جنتى ونارى ، وفيك جزائى وعقابى ، فطوبى لمن زارك ، ثم طوبى لمن زارك ، ثم طوبى لمن زارك (٥).

__________________

(١) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ٣ / ٥٨٨ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٣) ، وعزاه السيوطى فى جامع الأحاديث لأحمد وابن ماجه (١٤٤٩٢).

(٢) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٣).

(٣) إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى ١ / ١٣٠ ، أنس الجليل ١ / ٢٠٨ ، إعلام الساجد (٢٨٩) ، فضل بيت المقدس للواسطى (١٢٨) ، والله أعلم بصحته.

(٤) إتحاف الأخصا ١ / ١٣٢ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٣).

(٥) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٣).


وعن عبادة بن الصامت ـ رضى الله عنه ـ قال : قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصخرة صخرة بيت المقدس على نخلة ، والنخلة على نهر من أنهار الجنة ، وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ينظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة» (١).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الأنهار كلها والسحاب والرياح من تحت صخرة بيت المقدس» (٢).

وفى رواية : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المياه العذبة والرياح اللواقح تخرج من أصل صخرة بيت المقدس» (٣).

وعن أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : ما من ماء عذب إلا ويخرج من تلك الصخرة التى فى بيت المقدس (٤).

وعن نوف البكالىّ ـ رحمه الله ـ قال : الصخرة تخرج من تحتها أربعة أنهار : سيحان ، وجيحان ، والفرات ، والنيل (٥).

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ قال : قال الله عزّ وجلّ لصخرة بيت المقدس : أنت عرشى الأدنى ، ومن تحتك بسطت الأرض ، ومنك ارتفعت السماء ، ومن تحتك جعلت كل ماء عذب يطلع على رؤوس الجبال (٦).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما أسرى بى إلى بيت المقدس أتانى جبريل ـ عليه‌السلام ـ إلى الصخرة فقال : من هاهنا عرج ربك

__________________

(١) أورده الهيثمى فى مجمع الزوائد ٩ / ٢١٨. وفيه : محمد بن مخلد الرعينى يحدث بالأباطيل ، وذكره الهندى فى كنز العمال (٣٤٤٠٧). وعزاه للطبرانى فى الكبير ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٣) ، السيرة الحلبية ٢ / ١٨ ، تنزيه الشريعة ٢ / ١٧٦ ، وقال الذهبى : إسناده مظلم وهو كذب ظاهر.

(٢) فضل بيت المقدس (ص : ٥٤).

(٣) أخرجه : ابن الجوزى (ص : ٣٩) عن الواسطى ، وأخرجه أبو المعالى فى كتابه (ص : ٣٨) ، نهاية الأرب ١ / ٣٣٦ ، مسالك الأبصار ١ / ١٣٨ ، إتحاف الأخصا ١ / ١٥٥.

(٤) إتحاف الأخصا ١ / ١٥٦ ، الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد ٤ / ٥٨١.

(٥) إتحاف الأخصا ١ / ١٥٦ ، الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد ٤ / ٥٨١ ، الأنس الجليل ١ / ٢٠٥.

(٦) الأسرار المرفوعة لعلى القارى (٤٥٧) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤١) ، نهاية الأرب ١ / ٣٣٨ وفى إسناده : إبراهيم بن أعين منكر الحديث.


إلى السماء ، فألهمنى الله تعالى أن قلت : نحن بموضع عرج منه ربى ، فصليت بالنبيين ، ثم عرج بى إلى السماء (١).

وقوله : «عرج ربك» ليس المراد منه ما يفهم مثله فى حقنا ؛ بل أمر يليق بجلال الله تعالى.

وعن إدريس الخولانى ـ رحمه الله ـ قال : يحوّل الله تعالى صخرة بيت المقدس يوم القيامة مرجانة بيضاء كعرض السماء والأرض ، ثم يضع عليها عرشه ، ويضع ميزانه ويقضى بين عباده ويصيرون منها إلى الجنة أو إلى النار (٢).

وعن ابن البحترى القاضى ـ رضى الله عنه ـ قال : تكره الصلاة فى سبع مواطن : على الكعبة ، وعلى صخرة بيت المقدس ، وعلى طور زيتا ، وعلى طور سيناء ، وعلى الصفا والمروة ، وعلى الجمرة ، وعلى جبل عرفة (٣).

وعن أبى الحسن على بن أحمد الواحدى قال فى قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)(٤) : يدعو إسرافيل ـ عليه‌السلام ـ من صخرة بيت المقدس من حين ينفخ فى الصور بأمر الله تعالى للمبعث بعد الموت.

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صليت ليلة أسرى بى إلى بيت المقدس غربى الصخرة» (٥).

وعن عبد الله بن سلام ـ رضى الله عنه ـ قال : من صلى فى بيت المقدس ألف ركعة عن يمين الصخرة وعن يسارها دخل الجنة قبل موته ؛ يعنى : يراها فى منامه (٦).

__________________

(١) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٤) ، وفى المطالب العالية (١٢٦٣) موقوفا على كعب أن الرّب عرج من وجّ ، وفى إسناده مجهول.

(٢) إتحاف الأخصا ١ / ١٣٢ ، إعلام الساجد ، بنحوه (٢٩٢) ، وعزاه لأبى نعيم.

(٣) إتحاف الأخصا ١ / ١٦٢ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٤).

(٤) سورة الروم : آية ٣٠ ، والخبر فى فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٤).

(٥) إتحاف الأخصا ١ / ١٦٠ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٥).

(٦) إتحاف الأخصا ١ / ١٦٢ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٥٥).


وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : أحبّ الشام إلى الله تعالى : بيت المقدس : وأحب القدس إلى الله تعالى : الصخرة والطور.

وروى أبو المعالى ـ أيضا ـ عن محمد بن شهاب الزهرى ـ رحمه الله ـ قال : لم يبعث الله تعالى نبيا منذ أهبط الله تعالى آدم إلى الدنيا إلا جعل قبلته صخرة بيت المقدس ، ولقد صلى إليها نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ستة عشر أو سبعة عشر شهرا.

* * *


الفصل السابع

فى ذكر فضل الساهرة وفضل من مات فى بيت المقدس

عن حذيفة وابن عباس وعلى بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ قالوا : كنا جلوسا ذات يوم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يحشر الناس ...» الحديث. يقولوا :وفيه : «فينتهون إلى أرض يقال لها الساهرة ، وهى فى ناحية بيت المقدس ، تسع الناس وتحملهم بإذن الله» (١).

وعن أبى عبلة فى قول الله عزّ وجلّ : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)(٢) قال : هى البقيع الذى إلى جانب الطور طور زيتا (٣).

وعن أبى بكر بن إبراهيم قال : حديث مستفاض معروف ببيت المقدس : أن الساهرة على جبل طور زيتا موضع فيه مقابر مصلى عمر ـ رضى الله عنه ـ معروف بالساهرة (٤).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات فى بيت المقدس فكأنما مات فى السماء» (٥).

وعن كعب قال : يقول الله عزّ وجلّ فى التوراة لبيت المقدس : من مات فيك فكأنما مات فى السماء ، ومن مات حولك فكأنما مات فيك (٦).

__________________

(١) إتحاف الأخصا ١ / ٢٢٢ ، الأنس الجليل ١ / ١٥٧ ، ولم يعزياء لأحد.

(٢) سورة النازعات : آية ١٤.

(٣) الأنس الجليل ١ / ١٥٧ ، فضل بيت المقدس للواسطى ٧١ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٦٥) ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور لعبد بن حميد وابن المنذر ، بنحوه (٦ / ٥١٢).

(٤) إتحاف الورى ١ / ٢٢٢.

(٥) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٣١٩ ، وعزاه للبزار وفيه : يوسف بن عطية البصرى ، وهو ضعيف ، وأخرجه الواسطى ٦٤ ، ابن الجوزى فى فضل بيت المقدس (ص : ٦٥) ، أنس الجليل ٢ / ٤١٠ ، تنزيه الشريعة ٢ / ١٦٧ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٠ / ٧٢.

(٦) ابن الجوزى فى فضل بيت المقدس (ص : ٦٥) ، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور للواسطى ، بنحوه ٤ / ٢٩٤.


وعن كعب الأحبار ـ رضى الله عنه ـ قال : من دفن فى بيت المقدس فقد جاز الصراط (١).

وعنه أنه قال : مقبور ببيت المقدس لا يعذب (٢).

وعن وهب بن منبّه قال : من دفن فى بيت المقدس نجا من فتنة القبر وضيقه (٣).

وعن خليد بن دعلج قال : سمعت الحسن يقول : من دفن فى بيت المقدس فى زيتون الملة فكأنما دفن فى سماء الدنيا ، قال الخليد : فما عرفت الملة حتى قدمت بيت المقدس (٤).

وعن عبد الرحمن بن عدى المازنى قال : سألنى عبد الرزاق عن منزلى فأخبرته أنى من بيت المقدس ، قال لى : هل تعرفون زيتون الملة؟ قال : قلت : نعم ، قال : بلغنى أنها روضة من رياض الجنة (٥).

__________________

(١) إعلام الساجد (ص : ٢٩٤) ، ابن الجوزى فى فضل بيت المقدس (ص : ٦٥) ، فضل بيت المقدس للواسطى ٦٥.

(٢) فضل بيت المقدس للواسطى ٦٦ ، نهاية الأرب ١ / ٣٣٣.

(٣) الأنس الجليل ١ / ٢٠٨ ، إعلام الساجد (ص : ٢٩٤) ، ابن الجوزى فى فضل بيت المقدس (ص : ٦٥).

(٤) إعلام الساجد (ص : ٢٩٤) ، ابن الجوزى فى فضل بيت المقدس (ص : ٦٧).

وزيتون الملة أو ما ملا : مقبرة كبيرة من مقابر بيت المقدس. وأصلها : «مما من الله. وقيل : باب الملة. وقيل : زيتون الملة».

(٥) الأنس الجليل ٢ / ٤١٣ ، ابن الجوزى فى فضل بيت المقدس (ص : ٦٨).


الفصل الثامن

فى ذكر جامع فضائل بيت المقدس

عن أبى أمامة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنزل القرآن فى ثلاثة أمكنة : مكة ، والمدينة ، والشام ، قال الوليد : يعنى بيت المقدس.

وعن أبى الفتح سليم الرازى ـ رحمه الله ـ أنه قال فى قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)(١). جاء فى التفسير أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسرى به جمع له الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ فى بيت المقدس فأمهم وقيل له : سلهم ، فلم يشكل ولم يسأل.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن مكة بلد عظّمه الله تعالى وعظّم حرمته ؛ خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ كلها بألف عام ووصلها بالمدينة ، ووصل المدينة ببيت المقدس ، ثم خلق الأرض كلها بعده بألف عام خلقا واحدا» (٢).

وعن على بن أبي طالب ـ رضى الله عنه ـ قال : كانت الأرض ماء فبعث الله تعالى ريحا فمسحت الماء ، فظهرت على الأرض زبدة فقسمها أربع قطع : خلق من قطعة مكة ، ومن الثانية المدينة ، ومن الثالثة بيت المقدس ، ومن الرابعة الكوفة.

وعن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : إن لهذا الحرم لحرم فى السموات السبع بمقداره من الأرض ، وإن بيت المقدس [لمقدس] فى السموات السبع بمقداره فى الأرض (٣).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أربع مدائن فى

__________________

(١) سورة الزخرف : آية ٤٥.

(٢) فضل بيت المقدس للواسطى ١٨ ، الدر المنثور ١ / ١٢٤ ، وهو حديث واه منكر كما قال شهاب الدين المقدسى فى «مثير الغرام».

(٣) عزاه السيوطى فى الدر المنثور لابن أبى شيبة والواسطى ٥ / ٢٩٣.


الدنيا من الجنة : مكة ، والمدينة ، وبيت المقدس ، ودمشق» (١).

وعن معاذ ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله تعالى يا أورشليم أنت صفوتى من بلادى ، وأنا سائق إليك صفوتى من عبادى ، من كان مولده فيك فاختار عليك فبذنب يصيبه ، ومن كان مولده فى غيرك واختارك على مولده فبرحمة منى ، وفيه : يا أورشليم أنت مقدّس بنورى ، وفيك محشر عبادى ، أزفك يوم القيامة كالعروس إلى بعلها ، ومن دخلك استغنى من القمح والزيت» (٢).

وأورشليم : اسم لبيت المقدس.

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ قال : قال الله عزّ وجلّ لبيت المقدس : أنت جنتى وقدسى وصفوتى من بلادى ، من سكنك فبرحمة منى ، ومن خرج منك فبسخط منى عليه (٣).

وعن وهب بن منبّه ـ رضى الله عنه ـ قال : أهل بيت المقدس جيران الله ، وحق على الله عزّ وجلّ أن لا يعذب جيرانه (٤).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : باب مفتوح من أبواب الجنة تخرج الرحمة من خلاله من جنان الجنة فتسقط على مسجدها وجبالها وصخورها ، وصخرة بيت المقدس من صخور الجنة (٥).

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ قال : باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة تنزل من الجنان الرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة ، والظل الذى ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء ؛ لأنه من جنان الجنة (٦).

وعن مقاتل رضى الله عنه : أن كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى مسجد بيت المقدس ؛ يهللون الله ، ويسبحون الله ، ويقدسون الله ، ويحمدون الله ،

__________________

(١) رواه ابن عدى مرفوعا ، وفى إسناده الوليد بن محمد المنقرى ، كذاب (الفوائد المجموعة (ص : ٤٢٨) ، تنزيه الشريعة ٢ / ٤٨ ، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات فأصاب).

(٢) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠)

(٣) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٢٧) ، أنس الجليل ١ / ٢٠٣ ، نهاية الأرب ١ / ٣٣٣.

(٤) إتحاف الأخصا ١ / ١٠٢ فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٦٩).

(٥) إتحاف الأخصا ١ / ١٠١ فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).

(٦) إتحاف الأخصا ١ / ١٠١ فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).


ولا يعودون إلى أن تقوم الساعة (١).

وعن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : إن الجنة تحن شوقا إلى بيت المقدس ، وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس ، وهى سرة الأرض (٢).

وروى الحافظ بهاء الدين عن مقاتل ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : صخرة بيت المقدس وسط الأرض ، وإذا قال العبد لصاحبه : انطلق بنا إلى بيت المقدس ، يقول الله تعالى : يا ملائكتى اشهدوا أنى قد غفرت لهما قبل أن يخرجا ، هذا إذا كانا لا يصران على الذنوب (٣).

وقال : إن الله تعالى تكفل [لمن سكن] ببيت المقدس بالرزق إن فاته المال ، ومن مات سقيما محتسبا فى بيت المقدس فكأنما مات فى السماء ، ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فى بيت المقدس ، وما نقص من الأرضين زيد فى الأرض التى حول بيت المقدس ، والمياه العذبة كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس ، والأرض التى بارك الله تعالى فيها أرض بيت المقدس ، ويجعل الرب جل جلاله مقامه يوم القيامة فى أرض بيت المقدس ، وجعل صفوته من الأرضين كلها أرض بيت المقدس ، والأرض المقدسة التى ذكرها الله تعالى فى القرآن بيت المقدس ، فقال : (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) هى أرض بيت المقدس (٤).

وقال الله تعالى لموسى عليه‌السلام : انطلق إلى بيت المقدس ؛ فإن فيه نورى ونارى وتنورى ـ يعنى : (وَفارَ التَّنُّورُ) ـ وكلم الله موسى تكليما فى أرض بيت المقدس ، وتجلى الله تعالى للجبل فى أرض بيت المقدس ، ورأى موسى ـ عليه‌السلام ـ نور رب العزة فى أرض بيت المقدس ، وصخرة بيت المقدس من صخور الجنة وهى وسط الأرضين كلها ، فإذا قال الرجل للرجل : انطلق بنا إلى بيت المقدس ففعلا يقول الله تعالى : طوبى للقائل والمقول له (٥).

وروى أيضا عن مقاتل (٦) ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : تاب الله تعالى على داود

__________________

(١) إتحاف الأخصا ١ / ١٠٣ فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).

(٢) إتحاف الأخصا ١ / ١٠١ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).

(٣) إتحاف الأخصا ١ / ١٠٤ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).

(٤) إتحاف الأخصا ١ / ١٠٥ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).

(٥) إتحاف الأخصا ١ / ١٠٥ ، ١٠٦ ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠).

(٦) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٧٠ ـ ٧٤).


وسليمان ـ عليهما‌السلام ـ فى أرض بيت المقدس.

وغفر الله تعالى خطايا بنى إسرائيل فى بيت المقدس.

ورد الله تعالى على سليمان ـ عليه‌السلام ـ ملكه فى بيت المقدس.

وبشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق فى بيت المقدس.

وبشر الله تعالى زكريا بيحيى فى بيت المقدس.

وسخر الله تعالى لداود عليه‌السلام الجبال والطير فى بيت المقدس.

وتسورت الملائكة على داود المحراب فى بيت المقدس.

وكانت الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ تقرب القربان فى بيت المقدس.

وتهبط الملائكة كل ليلة إلى بيت المقدس.

وأوتيت مريم ـ عليها‌السلام ـ فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء وأجرى الله تعالى لها نهرا من الأردن إلى بيت المقدس ، وأنبت الله تعالى النخلة لمريم ـ عليها‌السلام ـ فى بيت المقدس ، وأثمرت فى الحال رطبا جنيا فى بيت المقدس.

وتكلم عيسى فى المهد صبيا فى بيت المقدس ، وولد عيسى ـ عليه‌السلام ـ فى بيت المقدس ، ورفعه الله تعالى إلى السماء من بيت المقدس ، وينزل عيسى ـ عليه‌السلام ـ من السماء إلى أرض بيت المقدس ، ويقتل الدجال ببيت المقدس.

ويغلب يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس ، ويهلكهم الله تعالى فى أرض بيت المقدس.

وينظر الله تعالى فى كل يوم بخير إلى بيت المقدس.

وأعطى الله تعالى البراق للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحمله إلى بيت المقدس.

وأوصى آدم ـ عليه‌السلام ـ حين مات بأرض الهند أن يدفن ببيت المقدس.

وأوصى إبراهيم وإسحاق ـ عليهما‌السلام ـ إذا ماتا أن يدفنا فى أرض بيت المقدس.


وماتت مريم ـ عليها‌السلام ـ ببيت المقدس.

وهاجر إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ من «كوناريا» إلى بيت المقدس.

وتكون الهجرة فى آخر الزمان إلى بيت المقدس.

ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس.

وصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون زمانا إلى بيت المقدس.

وهبطت السكينة إلى بيت المقدس.

ونزلت السلسلة فى بيت المقدس ، ورفعت السلسلة من بيت المقدس.

ورأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسرى به مالكا خازن النار فى بيت المقدس.

وركب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم البراق إلى بيت المقدس.

وأسرى به إلى بيت المقدس.

وصلى نبينا بالنبيين ببيت المقدس.

والمحشر والمنشر فى بيت المقدس.

ويأتى الله تعالى بظلل من الغمام والملائكة إلى بيت المقدس.

وتزف الجنة يوم القيامة إلى أرض بيت المقدس.

وتصير الخلائق كلهم ترابا غير الثقلين ببيت المقدس.

والحساب يكون يوم القيامة فى أرض بيت المقدس.

وينصب الصراط على متن جهنم إلى الجنة بأرض بيت المقدس.

ويوضع الميزان يوم القيامة ببيت المقدس.

وصفوف الملائكة يوم القيامة ببيت المقدس.

وينفخ إسرافيل ـ عليه‌السلام ـ فى الصور على صخرة بيت المقدس ، وينادى : أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والعروق المتقطعة أخرجوا إلى حسابكم ينفخ فيكم أرواحكم وتجازون بأعمالكم ، ويتفرق الناس من بيت المقدس إلى الجنة أو


إلى النار فذلك قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ)(١) ، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ)(٢) ، (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)(٣).

وكفل زكريا مريم عليها‌السلام ببيت المقدس ، ويقتل عيسى عليه‌السلام الدجال فى أرض بيت المقدس.

وفهم الله تعالى سليمان ـ عليه‌السلام ـ منطق الطير ببيت المقدس.

وسأل سليمان ـ عليه‌السلام ـ ربه ملكا لا ينبغى لأحد من بعده فأعطاه الله ذلك فى بيت المقدس ، وسأل سليمان ـ عليه‌السلام ـ أن يغفر الله لمن صلى فى بيت المقدس.

ومن سره أن يمشى فى روضة من رياض الجنة فليمش فى صخرة بيت المقدس.

و (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من صخرة بيت المقدس (٤).

وقوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ)(٥) هى بيت المقدس.

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ)(٦) قال : هى بيت المقدس.

وقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(٧) ، وهو بيت المقدس.

__________________

(١) سورة الروم : آية ١٤.

(٢) سورة الحاقة : آية ١٨.

(٣) سورة الشورى : آية ٧.

(٤) سورة ق : آية ٤١.

والخبر له شواهد فى الدر المنثور ٦ / ١٣١ ، تفسير الطبرى ٢٦ / ٨٣ ، فضل بيت المقدس للواسطى (١٤٥).

(٥) سورة الأنبياء : آية ٧١.

(٦) سورة يونس : آية ٩٣.

وعزاه فى الدر المنثور لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر ٣ / ٥٧٠.

(٧) سورة الإسراء : آية ١.


وقوله تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(١) هى بيت المقدس.

وقوله تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ)(٢) هو بيت المقدس.

وقوله تعالى لبنى إسرائيل : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً)(٣) هى بيت المقدس.

وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٤) هى بيت المقدس.

وقرب نوح ـ عليه‌السلام ـ القربان على صخرة بيت المقدس.

وفدى الله تعالى إسحاق ـ عليه‌السلام ـ من الذبح ببيت المقدس.

وقوله تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٥) هى أرض بيت المقدس.

وقرب آدم ـ عليه‌السلام ـ القربان ببيت المقدس.

وسدد الله تعالى لداود ـ عليه‌السلام ـ ملكه فى بيت المقدس ، وألان له الحديد ببيت المقدس.

وتقبل الله تعالى من امرأة عمران نذرها ببيت المقدس.

ووهب الله تعالى لداود ـ عليه‌السلام ـ ذنبه فى بيت المقدس.

وأيد الله تعالى عيسى بروح القدس ببيت المقدس.

وآتى الله تعالى ليحيى ـ عليه‌السلام ـ الحكم صبيا ببيت المقدس.

وكان عيسى ـ عليه‌السلام ـ يحيى الموتى ويصنع العجائب فى بيت المقدس.

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ١٢٨.

(٢) سورة طه : آية ٨٠.

(٣) سورة البقرة : آية ٥٨.

وعزاه فى الدر المنثور لعبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم ١ / ١٣٨.

(٤) سورة المؤمنون : آية ٥٠.

وعزاه فى الدر المنثور لعبد بن حميد وابن جرير وابن عساكر ٥ / ١٨.

(٥) سورة المائدة : آية ٢١.


ولا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا وينزل ببيت المقدس.

وسرّة الأرض بيت المقدس ، ومن صلى فى بيت المقدس فكأنما صلى فى سماء الدنيا.

وتخرب الأرضون كلها وتعمر أرض بيت المقدس.

ويحشر الله تعالى الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ كلهم إلى بيت المقدس ، ويحشر الله تعالى محمد ـ عليه‌السلام ـ إلى بيت المقدس.

وأول ما حسر ماء الطوفان عن صخرة بيت المقدس.

ويحشر الله تعالى الخلائق يوم القيامة إلى بيت المقدس.

ونشر الله تعالى الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلى بهم ببيت المقدس.

وتصف الملائكة حول بيت المقدس.

ويغفر الله تعالى لمن أتى بيت المقدس.

وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه جبريل وميكائيل ـ عليهما‌السلام ـ إلى بيت المقدس.

وباب السماء مفتوح فى بيت المقدس ، وتسجر النار فى بيت المقدس.

ويحشر الله تعالى مؤذنى المسجد الحرام ومؤذنى المسجد الأقصى ومؤذنى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيت المقدس.

ودعا سليمان ـ عليه‌السلام ـ لمؤذنى بيت المقدس.

ومن أتاه متوسلا أن يغفر الله له غفر الله له.

وحملت النخلة اليابسة لمريم ـ عليها‌السلام ـ رطبا جنيا فى بيت المقدس.

وتطير أرواح المؤمنين إلى أجسادهم فى بيت المقدس.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن خيار أمتى سيهاجر هجرة بعد هجرة إلى بيت المقدس حتى لا يبقى إلا شرار أهلها ، ومن توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين أو أربعا فى بيت المقدس غفر الله له ما كان قبل ذلك» (١).

__________________

(١) لم أعثر عليه فيما تحت يدى من مصادر.


ومن صلى فى بيت المقدس خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكان له بكل شعرة من جسده مائة نور عند الله تعالى يوم القيامة ، وكانت له حجة مبرورة متقبلة ، وأعطاه الله تعالى قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وعصمة من المعاصى ، وحشره الله تعالى مع الأنبياء عليهم‌السلام.

ومن صبر ببيت المقدس سنة على لأوائها وشدتها جاءه الله تعالى برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته يأكل رغدا ، ويدخل الجنة إن شاء الله تعالى غدا.

وأول بقعة بنيت من الأرض كلها موضع صخرة بيت المقدس.

وقال الله تعالى لسليمان ـ عليه‌السلام ـ حين فرغ من بناء بيت المقدس : يا سليمان سلنى أعطك. قال : يا رب أسألك أن تغفر لى ذنوبى ، قال الله تعالى : لك ذلك ، وقال : يا رب وأسألك ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى إنك أنت الوهاب ، قال الله تعالى : لك ذلك ، وقال : يا رب وأسألك لمن جاء إلى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه أن تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه. قال الله تعالى : لك ذلك ، قال : يا رب وأسألك لمن جاءه سقيم أن تشفيه. قال الله تعالى : لك ذلك. قال : وأسألك يا رب أن تكون رحمتك عليه إلى يوم القيامة. قال الله تعالى : لك ذلك. قال : وينظر الله تعالى بالرحمة كل يوم إلى بيت المقدس.

ويظهر الله تعالى عصى موسى ـ عليه‌السلام ـ فى آخر الزمان فى بيت المقدس.

وبشر الله تعالى مريم بعيسى ـ عليه‌السلام ـ فى بيت المقدس وفضل الله تعالى مريم ـ عليها‌السلام ـ على نساء العالمين فى بيت المقدس.

وتهبط الملائكة كل ليلة إلى بيت المقدس.

ويمنع الله تعالى عدوه الدجال من الدخول إلى بيت المقدس ، ويغلب على الأرضين كلها إلا على بيت المقدس ومكة والمدينة.

وتاب الله تعالى على آدم عليه‌السلام فى بيت المقدس.

ومن تصدق برغيف فى بيت المقدس فكأنما تصدق بوزن جبال الأرض كلها


ذهبا ، ومن تصدق بدرهم ببيت المقدس كان فداؤه من النار.

ومن صام يوما ببيت المقدس كان له براءة من النار.

وصفوة الله من بلاده بيت المقدس ، وفيها صفوته من عباده ، ومنها بسطت الأرض ، ومنها تطوى.

ويطلع الله تعالى كل صباح إلى بيت المقدس فينزل من رحمته وحسناته ثم ينزله على سائر البلدان.

وما يسكن أحد فى بيت المقدس حتى يشفع له سبعون ألف ملك إلى الله تعالى.

ويقول الله تعالى للمقبور فى بيت المقدس : تجاورنى فى دارى ، ألا وإن الجنة دارى لا يجاورنى فيها إلا السخاء والحلم.

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه : «النجاء النجاء إلى بيت المقدس إذا ظهرت الفتن» قال : يا رسول الله فإن لم أدركه؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن لم تدرك بيت المقدس فابذل مالك وأحرز دينك» (١).

وكذلك قال على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ لصعصعة رضى الله عنه : نعم المسكن عند ظهور الفتن بيت المقدس ؛ القائم فيه كالمجاهد فى سبيل الله ، وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم : ليتنى كنت تبنة فى لبنة فى بيت المقدس (٢).

وأحب الشام إلى الله تعالى بيت المقدس ، وأحب جبالها إليه الصخرة ، وهى آخر الأرضين خرابا بأربعين عاما ، وهى روضة من رياض الجنة.

ويقول الله تعالى لصخرة بيت المقدس : وعزتى وجلالى لأضعن عليك عرشى ، ولأحشرن إليك خلقى ، ولأجرين أنهارك : نهرا من لبن ، ونهرا من عسل ، ونهرا من خمر ، وأنا يومئذ ربهم ، وداود ملكهم (٣).

__________________

(١) إتحاف الأخصا ١ / ١١٠ ، ولم يعزه.

(٢) إتحاف الأخصا ١ / ١١٠.

(٣) إعلام الساجد (٢٩٢) وعزاه لأبى نعيم.


القسم الرابع

فى ذكر فضيلة قبر إبراهيم عليه‌السلام وما يتصل به (١)

وفيه فصل واحد :

فصل

عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما أسرى بى إلى بيت المقدس مر بى جبريل ـ عليه‌السلام ـ إلى قبر الخليل ـ عليه‌السلام ـ فقال : انزل فصلّ ركعتين ؛ فإن هاهنا قبر أبيك إبراهيم عليه‌السلام» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : لما أراد الله تعالى أن يقبض روح خليله إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ أوحى الله تعالى إلى الدنيا : إنى قابض ودافن فيك خليلى ، فاضطربت الدنيا اضطرابا شديدا ، وتشامخت جبالها ، وتواضعت منها بقعة يقال لها : «حبرى». فقال الله تعالى : يا حبرى أنت صفوتى ، أنت قدسى ، أنت بيت مقدسى ، فيك خزانة علمى ، وعليك أنزل رحمتى وبركاتى ، وإليك أحشر خيار عبادى ، ومن ولد خليلى ؛ فطوبى لمن وضع جبهته فيك لى ساجدا ، أسقيه من حضرة قدسى ، وآمنه من أفزاع قيامتى ، وأسكنه الجنة برحمتى ، فطوباك ، ثم طوباك ، ثم طوباك ؛ أدفن فيك خليلى عليه‌السلام.

__________________

(١) ينظر : ما كتبناه فى مقدمة التحقيق ، ورسالة شيخ الإسلام ابن تيمية الملحقة بالكتاب.

(٢) أخرجه الواسطى فى فضل بيت المقدس (١١٧) ، والحديث فى نهاية الأرب ١ / ٣٣٨ ، وهو حديث لا يشك عوام أهل الحديث أنه موضوع ، فى إسناده بكر بن زياد الباهلى يضع الحديث على الثقات.


اللهم ثبت أقدامنا على طريق الاهتداء بسيرة الصالحين ، ونور أبصارنا بنور هداية بصيرة المقربين ، وزين قلوبنا بزينة محبة الفقراء والزاهدين ، وارزقنا عملا صالحا متقبلا إلى يوم الدين ، واجعل لنا لسان صدق فى الآخرين ، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولجميع المسلمين ، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

فالمتوقع من مكارم أخلاق سادات العلماء والإخوان الناظرين المتأملين المطالعين المطّلعين فيه أنهم إذا طالعوه واطلعوا فيه على موضع سهو أو غلط من تصحيف وإعراب أن يصلحوا بأنامل قلم فضلهم ، وببنان بيان كرم علمهم ؛ شرط أن يكونوا على يقين تام دون تحيز ، وظن حام ؛ فإن الظن قد يخطئ ويصيب ، ولا يكونوا ممن رأى ألف ألف صواب فغطاه ، وإذا وجد أقل سهو قلم فناداه ، وإذا عثروا على حديث ضعيف أو ما يوجب ضعفه أن ينبهوا على الصحيح والقوى من الأحاديث فى حاشية الكتاب.

وقد اتفق الحفاظ والعلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال.

وقال ابن الصلاح : يجوز التساهل فى الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير تبيين ضعفها فى المواعظ والقصص وفضائل الأعمال دون صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما (١).

__________________

(١) ولشيخ الإسلام «ابن تيمية» كلام نفيس فى هذا ، نسوقه بنصّه لجلالته وأهميته.

يقول الإمام ابن تيمية : «قول أحمد بن حنبل : إذا جاء الحلال والحرام : شدّدنا فى الأسانيد ، وإذا جاء الترغيب والترهيب : تساهلنا فى الأسانيد ، وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال ، ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذى لا يحتج به ، فإنّ الاستحباب حكم شرعى فلا يثبت إلا بدليل شرعى. ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعى فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، كما لو أثبت الإيجاب ، أو التحريم ، ولهذا يختلف العلماء فى الاستحباب كما يختلفون فى غيره ، بل هو أصل الدين المشروع.


فإذا تجلى فى مرآة نظر قبول عين قلوبهم فالمتوقع منهم أن لا ينسونى من صالح

__________________

وإنما مرادهم بذلك : أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله ، أو مما يكرهه الله ينصّ أو إجماع ، كتلاوة القرآن ، والتسبيح والدعاء ، والصدقة ، والعتق ، والإحسان إلى الناس ، وكراهية الكذب والخيانة ، ونحو ذلك.

فإذا روى حديث فى فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها ، وكراهة بعض الأعمال وعقابها فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته ، والعمل به ، بمعنى : أنّ النفس ترجو ذلك الثواب ، أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح ، لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ، فهذا إن صدّق نفعه ، وإن كذّب لم يضره.

ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات ، والمنامات ، وكلمات السّلف والعلماء ، ووقائع العلماء ، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعى لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر فى الترغيب والترهيب ، والترجية والتخويف.

فما علم حسنه ، أو قبحه بأدلة الشرع ، فإنّ ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان فى نفس الأمر حقا ، أو باطلا ، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ، فإنّ الكذب لا يفيد شيئا.

وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روى لإمكان صدقه ، ولعدم المضرة فى كذبه.

وأحمد إنما قال : «إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا فى الأسانيد» ومعناه : انّا نروى فى ذلك الأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتجّ بهم.

وكذلك قول من قال : «يعمل بها فى فضائل الأعمال» إنما العمل بها فيها من الأعمال الصالحة مثل : التلاوة ، والذكر ، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة.

ونظير هذا قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى الحديث الذى رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو : «بلّغوا عنى ولو آية ، وحدّثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».

مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى الحديث الصحيح : «إذا حدثّكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» فإنه رخص فى الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن فى التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخّص فيه ، وأمر به. ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم ، فالنفوس تنتفع بما تظنّ صدقه فى مواضع.

فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا ، مثل صلاة فى وقت معين بقراءة معينة ، أو على صفة معينة لم يجز ذلك ؛ لأنّ استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعى ، بخلاف ما لو روى فيه «من دخل السوق ، فقال : لا إله إلا الله كان له كذا وكذا» فإن ذكر الله فى السوق مستحبّ لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، كما جاء فى الحديث المعروف : «ذاكر الله فى الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس».

فأما تقدير : الثواب المروى فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته ، وفى مثله جاء الحديث الذى رواه الترمذى : «من بلغه عن الله شىء فيه فضل ، فعمل به رجاء ذلك الفضل ، أعطاه الله ذلك.


دعائهم فى وقت مناجاتهم وحضور صلواتهم ، ختم الله لنا ولهم بأحسن الحسنى بحق نبيه وحبيبه محمد المصطفى وعلى آله مصابيح الدجى وأصحابه نجوم الهدى صلى الله عليه وعليهم فى الآخرة والأولى وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.

__________________

وإن لم يكن ذلك كذلك».

فالحاصل : أنّ هذا الباب يروى ويعمل فيه فى الترغيب والترهيب ، لا فى الاستحباب ، ثم اعتقاد موجبه ، وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعى».


فصل فى زيارة

بيت المقدس لشيخ الإسلام ابن تيمية



بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

فصل فى زيارة بيت المقدس

ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدى هذا» (١) من حديث أبى سعيد وأبى هريرة ، وقد روى من طرق أخرى ، وهو حديث مستفيض متلقى بالقبول ، أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق.

واتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه ؛ كالصلاة والدعاء والذكر وقراءة القرآن والاعتكاف.

وقد روى من حديث رواه الحاكم فى «مستدركه» أن سليمان ـ عليه‌السلام ـ سأل ربه ثلاثا : ملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، وسأله حكما يوافق حكمه ، وسأله أنه لا يؤم أحد هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه إلا غفر له (٢).

ولهذا كان ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ يأتى إليه فيصلى فيه ، ولا يشرب فيه ماء لتصيبه دعوة سليمان لقوله : «لا يريد إلا الصلاة فيه» فإن هذا يقتضى إخلاص النية فى السفر إليه ، ولا يأتيه لغرض دنيوى ولا بدعة.

__________________

(١) أخرجه : البخارى (مواقيت الصلاة) ٥٦٨ ، (الحج) ١٨٦٤ ، مسلم (الحج) ٨٢٧ ، الترمذى (الصلاة) ٣٢٦.

(٢) سبق تخريجه.


وتنازع العلماء فيمن نذر السفر إليه للصلاة فيه أو الاعتكاف فيه (١) : هل يجب عليه الوفاء بنذره؟ على قولين مشهورين ، وهما قولان للشافعى : أحدهما : يجب الوفاء بهذا النذر ، وهو قول الأكثرين مثل : مالك وأحمد بن حنبل وغيرهما.

والثانى : لا يجب ، وهو قول أبى حنيفة ؛ فإن من أصله أنه لا يجب بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع ، فلهذا يوجب نذر الصلاة والصيام والصدقة والحج والعمرة فإن من جنسها واجب بالشرع وواجب نذر الاعتكاف فإن الاعتكاف لا يصح عنده إلا بصوم ، وهو مذهب مالك وأحمد فى أحد الروايتين عنه.

وأما الأكثرون فيحتجون بما رواه البخارى فى «صحيحه» عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من نذر أنه يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه» (٢) فأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالوفاء بالنذر لكل من نذر أن يطيع الله ولم يشترط أن تكون الطاعة من جنس الواجب بالشرع ، وهذا القول أصح.

وهكذا النزاع : لو نذر السفر إلى مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ مع أنه أفضل من المسجد الأقصى.

وأما لو نذر إتيان المسجد الحرام لحج أو عمرة وجب عليه الوفاء بنذره باتفاق العلماء (٣).

والمسجد الحرام أفضل المساجد ، ويليه مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويليه المسجد الأقصى. وقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «صلاة فى مسجدى هذا خيرا من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام».

والذى عليه جمهور العلماء أن الصلاة فى المسجد الحرام أفضل منها فى مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) انظر : إعلام الساجد (ص : ٢٦٩).

(٢) أخرجه : البخارى (الأيمان والنذور) ٦٦٩٦ ، الترمذى (الأيمان والنذور) ١٥٢٤ ، أبو داود (الأيمان والنذور) ٣٢٨٩.

(٣) انظر : إعلام الساجد (ص : ٢١٢).


وقد روى أحمد والنسائى وغيرهما عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وأما فى المسجد الاقصى فقد روى أنها بخمسين صلاة ، وقيل : بخمسمائة صلاة ، وهو أشبه.

ولو نذر السفر إلى قبر الخليل ـ عليه‌السلام ـ أو قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو إلى الطور الذى كلم الله عليه موسى ـ عليه‌السلام ـ أو إلى جبل حراء الذى كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتعبد فيه وجاءه الوحى فيه ، أو الغار المذكور فى القرآن ، أو غير ذلك من المقابر والمقامات والمشاهد المضافة إلى بعض الأنبياء والمشايخ ، أو إلى بعض المغارات أو الجبال : لم يجب الوفاء بهذا النذر باتفاق الأئمة الأربعة ؛ فإن السفر إلى هذه المواضع منهى عنه لنهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» فإذا كانت المساجد التى هى من بيوت الله التى أمر فيها بالصلوات الخمس قد نهى عن السفر إليها حتى مسجد قباء الذى يستحب لمن كان بالمدينة أن يذهب إليه لما ثبت فى الصحيحين عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يأتى قباء كل سبت راكبا وماشيا (١).

وروى الترمذى وغيره أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تطهر فى بيته فأحسن الطهور ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان له كعمرة» قال الترمذى حديث حسن صحيح (٢).

فإذا كان مثل هذا ينهى عن السفر إليه ، وينهى عن السفر إلى الطور المذكور فى القرآن ، وكما ذكر مالك فى المواضع التى لم تبنى للصلوات الخمس ، بل ينهى عن اتخاذها مساجد ، فقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال فى مرض موته : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا» (٣).

قالت عائشة : ولو لا ذلك لأبرز قبره ، ولكن كره أن يتخذ مسجدا.

وفى صحيح مسلم وغيره عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ألا وإن من كان قبلكم كانوا

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) سبق تخريجه.

(٣) أخرجه : مسلم (المساجد ومواضع الصلاة) ٥٣١ ، النسائى (المساجد) ٧٠٣ ، الدارمى (الصلاة) ١٤٠٣.


يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، وإنى أنهاكم عن ذلك» (١).

ولهذا لم تكن الصحابة يسافرون إلى شىء من مشاهد الأنبياء لا مشهد إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ ولا غيره ، والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة المعراج صلى فى بيت المقدس ركعتين كما ثبت ذلك فى الحديث الصحيح ولم يصل فى غيره ، وأما ما يرويه بعض الناس من حديث المعراج أنه صلى فى المدينة وصلى عند قبر موسى ـ عليه‌السلام ـ وصلى عند قبر الخليل فكل هذه الأحاديث مكذوبة موضوعة.

وقد رخص بعض المتأخرين فى السفر إلى المشاهد ولم ينقلوا ذلك عن أحد من الأئمة ولا احتجوا بحجة شرعية.

[العبادات المشروعة فى المسجد الأقصى]

فصل : والعبادات المشروعة فى المسجد الأقصى : هى من جنس العبادات المشروعة فى مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيره من سائر المساجد إلا المسجد الحرام فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد : الطواف بالكعبة ، واستلام الركنين اليمانيين ، وتقبيل الحجر الأسود.

وأما مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يطاف به ، ولا فيها ما يتمسح به ولا ما يقبل ، فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين ولا بصخرة بيت المقدس ، ولا بغير هؤلاء كالقبة التى فوق جبل عرفات وأمثالها ، بل ليس فى الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة.

ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شرّ ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة ؛ فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هاجر فكانت قبلة المسلمين هذه المدة ، ثم إن الله حول القبلة إلى الكعبة وأنزل الله فى ذلك القرآن كما ذكر فى سورة البقرة ، وصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون إلى الكعبة ، وصارت هى القبلة ، وهى قبلة إبراهيم وغيره من

__________________

(١) أخرجه : مسلم ، كتاب المساجد ٥٣٢.


الأنبياء ، فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلى إليها فهو كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك ، فكيف بمن يتخذها مكانا يطاف به كما يطاف بالكعبة ، والطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله.

وكذلك من قصد أن يسوق إليها غنما أو بقرا ليذبحها هناك ويعتقد أن الأضحية فيها أفضل ، وأن يحلق فيها شعره فى العيد ، أو أن يسافر إليها ليعرّف بها عشية عرفه فهذه الأمور التى يشبه بها بيت المقدس فى الوقوف والطواف والذبح والحلق من البدع والضلالات ، ومن فعل شيئا من ذلك معتقدا أن هذا قربة إلى الله فإنه يستتاب وإلا قتل ، كما لو صلى إلى الصخرة معتقدا أن استقبالها فى الصلاة قربة كاستقبال الكعبة ؛ ولهذا بنى عمر بن الخطاب مصلى المسلمين فى مقدم المسجد الأقصى.

فإن المسجد الاقصى اسم لجميع المسجد الذى بناه سليمان ـ عليه‌السلام ـ وقد صار بعض الناس يسمى الأقصى : المصلى الذى بناه عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى مقدمه.

والصلاة فى هذا المصلى الذى بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة فى سائر المسجد ؛ فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة ؛ لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذى يصلون إليها ، فأمر عمر ـ رضى الله عنه ـ بإزالة النجاسة عنها ، وقال لكعب الأحبار : أين ترى أن نبنى مصلى المسلمين؟ فقال : خلف الصخرة. فقال : يا ابن اليهودية! خالطتك يهودية ، بل ابنيه أمامها ؛ فإن لنا صدور المسجد (١).

ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة فى المصلى الذى بناه عمر.

وقد روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه صلى فى محراب داود ، وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر ـ رضى الله عنه ـ ولا الصحابة ، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة بل كانت مكشوفة فى خلافة عمر وعثمان وعلى ومعاوية

__________________

(١) مثير الغرام للمقدسى ص ٣٨ (مخطوط) ، فضل بيت المقدس للواسطى (٦٣).


ويزيد ومروان ، ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام ووقع بينه وبين ابن الزّبير الفتنة كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزّبير ، فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن ابن الزّبير فبنى القبة على الصخرة ، وكساها فى الشتاء والصيف ليرغب الناس فى زيارة بيت المقدس ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزّبير.

وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة ؛ فإنها قبلة منسوخة كما أن يوم السبت كان عيدا فى شريعة موسى ـ عليه‌السلام ـ ثم نسخ فى شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيوم الجمعة ، فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة كما تفعل اليهود والنصارى ، وكذلك الصخرة إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى.

وما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأثر عمامته وغير ذلك فكله كذب ، وأكذب منه من يظن أنه موضع قدم الرب.

وكذلك المكان الذى يذكر أنه مهد عيسى ـ عليه‌السلام ـ كذب ، وإنما كان موضع معمودية النصارى.

وكذا من زعم أن هناك الصراط والميزان أو أن السور الذى يضرب به بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبنى شرقى المسجد ، وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعا.

فصل : وليس ببيت المقدس مكان يقصد للعبادة سوى المسجد الأقصى ، لكن إذا زار قبور الموتى وسلّم عليهم وترحّم عليهم كما كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلم أصحابه فحسن ؛ فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات وإنا إن شاء الله بكم لا حقون ، ويرحم الله المستقدمين منّا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم.

فصل : وأما زيارة معابد الكفار مثل : الموضع المسمى بالقمامة أو بيت لحم أو صهيون أو غير ذلك مثل كنائس النصارى فمنهىّ عنها ، فمن زار مكانا من هذه الأمكنة معتقدا أن زيارته مستحبة والعبادة فيه أفضل من العبادة فى بيته فهو ضال


خارج عن شريعة الإسلام يستتاب ؛ فإن تاب وإلا قتل.

وأما إذا دخلها الإنسان لحاجة وعرضت له الصلاة فيها ؛ فللعلماء فيها ثلاثة أقوال فى مذهب أحمد وغيره.

قيل : تكره الصلاة فيها مطلقا ، واختاره ابن عقيل ، وهو منقول عن مالك.

وقيل : تباح مطلقا.

وقيل : إن كان فيها صور ينهى عن الصلاة وإلا فلا ، وهذا منصوص عن أحمد وغيره ، وهو مروى عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وغيره ؛ فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة» (١).

ولما فتح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة كان فى الكعبة تماثيل فلم يدخل الكعبة حتى محيت تلك الصور ، والله أعلم.

فصل : وليس ببيت المقدس مكانا يسمى حرما ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع إلا ثلاثة أماكن :

أحدها : هو حرم باتفاق المسلمين ، وهو حرم مكة شرفها الله تعالى.

والثانى : حرم عند جمهور العلماء ، وهو حرم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عير إلى ثور ، بريد فى بريد ، فإن هذا حرم عند جمهور العلماء كمالك والشافعى وأحمد ، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والثالث : «وج» ، وهو واد بالطائف ؛ فإن هذا روى فيه أحاديث رواها أحمد فى المسند (٢) وليست فى الصحاح ، وهذا حرم عند الشافعى لاعتقاده صحة الحديث ، وليس حرما عن أكثر الأماكن الثلاثة فليس حرما عند أحد من علماء المسلمين ؛ فإن الحرم ما حرّم الله صيده ونباته ، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة.

__________________

(١) أخرجه : البخارى (بدء الخلق) ٣٢٢٦ ، مسلم (اللباس والزينة) ٢١٠٦ ، النسائى (الطهارة) ٢٦١ ، أبو داود (الطهارة) ٢٢٧ ، أحمد فى المسند ١٢٩٢ ، والحديث ليس من رواية عمر بن الخطاب.

(٢) ونص حديث أحمد ١٧١١٢ : «إن آخر وطأة وطئها الرحمن عزّ وجلّ بوجّ».


فصل : وأما زيارة بيت المقدس فمشروعة فى جميع الأوقات ولكن لا ينبغى أن يولى فى الأوقات التى تقصدها الضلال مثل وقت عيد النحر ، فإن كثيرا من الضلال يسافرون إليه ليقفوا هناك.

والسفر إليه لأجل التعريف به ـ معتقدا أن هذا قربة ـ محرّم بلا ريب.

وينبغى أن لا يتشبه بهم ولا يكثّر سوادهم ، وليس السفر إليه مع الحج قربة ، وقول القائل : «قدس الله حجتك قول باطل لا أصل له ، كما يروى : «من زارنى وزار أبى فى عام واحد ضمنت له الجنة» (١) فإن هذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، بل وكذلك كل حديث يروى فى زيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه ضعيف بل موضوع (٢) ، ولم يرو أهل الصحاح والسنن والمسانيد كمسند أحمد وغيره من ذلك شيئا ولكن الذى فى السنن ما رواه أبو داود عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من أحد يسلم علىّ إلا ردّ الله علىّ روحى حتى أردّ عليه‌السلام» (٣) فهو يرد السلام على من سلّم عليه عند قبره ، ويبلغ سلام من سلّم عليه من البعيد كما فى النسائى عنه أنه قال : «إن الله وكّل بقبرى ملائكة يبلغونى عن أمتى السلام» (٤).

وفى السنن عنه أنه قال : «أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة على» قالوا : كيف صلاتنا تعرض عليك وقد أرمت؟ فقال : «إن الله ـ عزّ وجلّ ـ قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» (٥) فبين صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الصلاة والسلام توصل إليه من البعيد.

والله قد أمرنا أن نصلى عليه ونسلم ، وثبت فى الصحيح أنه قال : «من صلّى

__________________

(١) انظر : المقاصد ١١٢٦ ، كشف الخفاء ٢٤٩٠ ، الأسرار المرفوعة ٤٨٩.

(٢) انظر : المقاصد ١١٢٥ ، كشف الخفاء ٢٤٨٩ ، الشذرة ٩٦٠ ، ميزان الاعتدال ٢١٢١ ، سنن الدارقطنى ٢ / ٢٧٨ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٤٦ ، ويراجع وفاء الوفا (ص : ١٢٣٦) وما بعدها ، والصارم المنكى ، وشفاء السقام ، وفتح البارى ٣ / ٧٩.

(٣) أخرجه : أبو داود (المناسك) ٢٤١ ، أحمد فى المسند ١٠٤٣.

(٤) أخرجه : النسائى (السهو) ٢٨٢ ، أحمد فى المسند ٣٦٥٧. ونص الحديث : «إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى».

(٥) أخرجه : النسائى (الجمعة) ١٣٧٤ ، أبو داود (الصلاة) ١٠٤٧ ، ابن ماجه (الجنائز) ١٦٣٦ ، أحمد فى المسند ١٥٧٢٩.


علىّ مرة صلّى الله عليه بها عشرا» (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما كثيرا.

فصل : وأما السفر إلى عسقلان فى هذه الأوقات فليس مشروعا ولا واجبا ولا مستحبا ، ولكن عسقلان كان لسكناها وقصدها فضيلة لما كانت ثغرا للمسلمين يقيم بها المرابطون فى سبيل الله ؛ فإنه قد ثبت فى صحيح مسلم عن سلمان عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «رباط يوم وليلة فى سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، ومن مات مرابطا مات مجاهدا وأجرى عليه عمله وأجرى عليه رزقه من الجنة وأمن الفتّان» (٢).

وقال أبو هريرة : لأن أرابط فى سبيل الله أحبّ إلى من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود.

وكان أهل الخير والدين يقصدون ثغور المسلمين للرباط فيها ، ثغور الشام كعسقلان وطرسوس وجبل لبنان وغيرها ، وثغور مصر كالاسكندرية وغيرها ، وثغور العراق كعبدان وغيرها ، فما خرب من هذه البقاع ولم يبق بيوتا كعسقلان لم يكن ثغورا ولا فى السفر إليه فضيلة ، وليس فيه أحد من الصالحين المتبسعين الشريعة الإسلام ولكن فيه كثير من الجن ، وهم رجال الغيب الذين يرون أحيانا فى هذه البقاع ، قال تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً)(٣).

وكذلك الذين يرون الخضر (٤) أحيانا : هو جنى رآه ، وقد رآه غير واحد ممن أعرفه وقال : إننى الخضر ، وكان ذلك جنيا لبس على المسلمين الذى رأوه ، وإلا فالخضر الذى كان مع موسى ـ عليه‌السلام ـ مات ، ولو كان حيا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لوجب عليه أن يأتى إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويؤمن به ويجاهد معه ؛ فإن

__________________

(١) أخرجه : مسلم (الصلاة) ٣٨٤ ، الترمذى (المناقب) ٣٦١٤ ، النسائى (الأذان) ٦٧٨ ، أبو داود (الصلاة) ٥٢٣.

(٢) أخرجه : مسلم (الإمارة) ١٩١٣ ، الترمذى (الجهاد) ١٦٦٥ ، النسائى (الجهاد) ٣١٦٧.

(٣) سورة الجن : آية ٦.

(٤) وقال ابن القيم : الأحاديث التى يذكر فيها الخضر وحياته : كلها كذب ، ولا يصح فى حياته حديث واحد. وانظر : «المنتظم» ١ / ٣٥٧ ، و «الزهر النضر» لابن حجر.


الله فرض على كل نبى أدرك محمدا ـ لو كان من الأنبياء ـ أن يؤمنوا به ويجاهدوا معه كما قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(١).

قال ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ : لم يبعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق إن بعث محمد وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.

ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر ولا أنه أتى إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدرا من أن يلتبس الشيطان عليهم ، ولكن لبّس على كثير من بعدهم فصار يتمثل لأحدهم فى صورة النبى ويقول أنا الخضر ، وإنما هو شيطان ، كما أن كثيرا من الناس يرى ميّته خرج وجاء إليه وكلمه فى أمور وقضاء حوائج فيظنه الميت نفسه ، وإنما هو شيطان تصور بصورته.

وكثير من الناس يستغيث بمخلوق إما نصرانى كجرجس ، أو غير نصرانى فيراه قد جاءه وربما يكلمه ، وإنما هو شيطان تصوّر بصورة ذلك المستغاث به لما أشرك به المستغيث تصوّر له ؛ كما كانت الشياطين تدخل فى الأصنام وتكلم الناس ، ومثل هذا موجود كثير فى هذه الأزمان فى كثير من البلاد.

ومن هؤلاء من تحمله الشياطين فتطير به فى الهواء إلى مكان بعيد ، ومنهم من تحمله إلى عرفة فلا يحج حجا شرعيا ولا يحرم ولا يلبى ولا يطوف ولا يسعى ولكن يقف بثيابه مع الناس ثم يحملونه إلى بلده ، وهذا من تلعب الشياطين بكثير من الناس كما قد بسط الكلام فى غير هذا الموضع ، والله أعلم بالصواب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٨١.


الفهارس العامة

١ ـ فهرس الآيات القرآنية

٢ ـ فهرس الأحاديث والآثار

٣ ـ فهرس الأخبار

٤ ـ فهرس الأشعار

٥ ـ فهرس الأعلام المترجم لهم

٦ ـ فهرس الأماكن والبلدان المترجم لها

٧ ـ فهرس مصادر التحقيق

٨ ـ فهرس الموضوعات



فهرس الآيات القرآنية

طرف الآية

رقم الآية

الصفحة

البقرة

(ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ ...)

٥٨

٤٢٣

(فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ...)

٧٤

٥٠

(وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ ...)

١٢٥

٤٥

(رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ...)

١٢٦

٤٦

(وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ ...)

١٢٦

٤٤

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ...)

١٢٧

٥٠

(رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ...)

١٢٧

٩٧

(وَأَرِنا مَناسِكَنا ...)

١٢٨

١٠٣

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ...)

١٤٤

٤٤

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ...)

١٤٨

١٥٣

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...)

١٤٩

١٥٩

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...)

١٥٨

٤٨

(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ...)

١٨٦

٢٠٣

(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ...)

١٩٨

١٩١

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ...)

٢٢٧

٢٢٥

(وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ...)

٢٢٨

٢٢٥

(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ...)

٢٨١

٣٠٨

آل عمران

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...)

٧٩

٢٧


(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ...)

٩٢

٣٦٦

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ...)

٩٦

٣٩

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ...)

٩٧

١٠٢

(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ...)

٩٧

١٥٤

(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ...)

١٣٣

١٥٣

النساء

(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ ...)

٦٤

٣٣٨

المائدة

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...)

٣

١٢٨

(ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ...)

٢١

٤٢٣

(هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ...)

٩٥

٥٢

(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ...)

٩٧

٣٩

الأنعام

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ...)

٦٢

٧٨

(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...)

٧٥

٩٥

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...)

٩١

٢٤٧

(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ...)

٩٢

٧٢

الأعراف

(أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ...)

١٢٨

٤٢٣

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ...)

١٥٦

٢٥٥

(مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...)

١٧٢

١٦٩

(أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ...)

١٧٩

٧٨

التوبة

(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ ...)

٩٢

٥٣


(لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ ...)

١٩

٥٤

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ ...)

١٠٩

٣١٠

(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ...)

٨٢

٣٨٩

يونس

(بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ...)

٨٢

٣٠٢

(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ...)

٩٣

٤٢٢

هود

(بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ...)

٤١

٢٤٧

الرعد

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ...)

٢٤

٣٥٩

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ...)

٣١

٢٤٢

إبراهيم

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ ...)

٩

٢٩٥

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ ...)

٣٥

٥٠

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي ...)

٣٧

٥١

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ...)

٣٧

١٢١

النحل

(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ...)

٤١

٢٩٥

(فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ...)

٩٧

٥٠

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً ...)

١١٢

٥١

الإسراء

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى ...)

١

٥٥

(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ...)

٦٠

٦٤

(وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ...)

٧٠

٧٨


(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ...)

٨٠

٣٠٦

(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ ...)

١٠٩

٣٨٩

الكهف

(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...)

٥١

٧٨

مريم

(خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ...)

٥٨

٣٨٩

طه

(وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ...)

٨

٤٢٣

الأنبياء

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها ...)

٧١

٤٢٢

الحج

(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ...)

٢٦

١٢٠

النحل

(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ ...)

٩١

٥٣

القصص

(يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ...)

٥٧

٥٣

الروم

(ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ ...)

٣٠

٤١٣

الأحزاب

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ...)

٣٣

٢٠٥

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...)

٥٦

٣٤٤

الصافات

(إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ...)

١٠٢

٦٦

ص

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ...)

٢٧

٧٧


الزمر

(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ...)

٥٤

٢٤٢

فصلت

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ...)

٤٦

٣١٨

الشورى

(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ...)

٧

٤٢٢

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ...)

٢٥

٢٤٢

الدخان

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ...)

٣٨

٧٧

(ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...)

٣٨

٧٨

غافر

(رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً ...)

٧

٢٥٥

الحجرات

(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ ...)

٣

٣٤٥

(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ ...)

٤

٣٤٥

ق

(يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ...)

٤١

٤٢٢

الذاريات

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ...)

٢٢

٢٠٠

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ...)

٢٣

٢٠٠

الطور

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ...)

٤٨

١٩٩

النجم

(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ...)

١١

٦٦


(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ...)

١٧

٦٤

الرحمن

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ...)

٦٠

٢٧

الواقعة

(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ...)

٥

٧٣

الصف

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ ...)

٨

٦٧

التحريم

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ ...)

٨

٦٧

الحاقة

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ...)

١٨

٢٤٢

النازعات

(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ...)

١٤

٤٢٢

الشرح

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ...)

١

٤١٥

التين

(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ...)

٣

٧٣

البينة

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ...)

٥

٢٤١

النصر

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ...)

١

٣١٦


فهرس الأحاديث والآثار

(أ)

طرف الحديث أو الأثر

الصفحة

«احفر ظبية ...».......................................................... ٢٣٤

«أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدى ...»............................................ ٣٤٧

«إذا أردت دخول البيت ...»............................................... ١٨٣

«إذا أراد الله بعبد خيرا ...»................................................ ٢٧٩

«إذا أهبط الله تعالى عيسى ...»............................................ ٣٨٠

«إذا خرج المرء يريد الطواف ...»............................................ ١٦١

«إذا خرج الرجل حاجا ...»................................................ ٢٤٤

«إذا خرج الحاج من بيته ...»............................................... ٢٧٩

«إذا طفت بالبيت فأقلل الكلام ...»........................................ ١٦١

«إذا قدم أحدكم من سفر فليهد ...»........................................ ٣٩٠

«إذا لقيت الحاج فسلم عليه ...»........................................... ٣٩١

«إذا لقيت الحاج فصافحه ...»............................................. ١٣٧

«إذا وضعتم السروج ...».................................................. ١٣٧

«أراكم يا بنى حارثة قد خرجتم من الحرم ...»................................. ٣٠٥

«أربع مدائن فى الدنيا من الجنة ...»......................................... ٤١٧

«أربعة حق على الله تعالى عونهم ...»........................................ ١٣٨

«أرض المحشر والمنشر ...».................................................. ٣٩٩

«ارفعوا جميعا ...»......................................................... ٢١٩

«استأنفوا العمل فقد غفر لكم ...»......................................... ١٦٦

«استكثروا الطواف بالبيت ...»............................................. ١٦٢

«استكثروا من الطواف بالبيت ...».......................................... ١٦٢

«استمتعوا من هذا البيت فإنه هدم مرتين ...»................................ ٢٢٢


«استودع الله تعالى دينك وأمانتك ...»....................................... ٢٤٥

«اشتد الجهد بالمدينة ...».................................................. ٣٢٣

«أشهد أنكم أحياء عند الله ...»............................................ ٣٥٩

«أشهد بالله أن الركن والمقام ياقوتتان ...».................................... ١٧٠

«اصبروا يا أهل المدينة ...»................................................. ٣٢٣

«الأعمال بالنيات ...».................................................... ٢٥١

«أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم الجمعة ...».................................. ١١٥

«أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور ...»........................................ ١٣٤

«أفضل الجهاد الحج ...»................................................... ١٣٦

«أفضل الحج العج والثج ...»............................................... ٢٥٣

«أقبل رسول الله ، من غزوة غزاها ...»....................................... ٣٧١

«أكثر دعاء النبيين قبلى ...»............................................... ٢٦٤

«أكثروا استلام هذا الحجر ...»............................................. ١٧٣

«إلا أدلك على جهاد لا شوكة فيه ...»..................................... ١٣٥

«ألا رجل يحملنى إلى قومه ...»............................................. ٣١٤

«الله أكبر ... الله أكبر ...»................................................ ٢٥٤

«اللهم أنت السلام ...»................................................... ٢٥٤

«اللهم اجعل بالمدينة ضعفى ما جعلته بمكة ...»............................... ٣٠٤

«اللهم استهلنى بسنة نبيك ...»............................................. ٢٥٩

«اللهم اغفر لنا ما أخطأنا ...»............................................. ٣٩٣

«اللهم ارزقنى عينين هطالتين ...»........................................... ٣٨٩

«اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى ...».......................................... ٨٧

«اللهم إنى أريد الحج ...».................................................. ٢٥٢

«اللهم إنى أسألك علما نافعا ...».......................................... ١٨٥

«اللهم أيما عبد مؤمن بك زار هذا البيت ...»................................. ٤٠١

«اللهم بارك لنا فى ثمرنا ...»................................................ ٣٠٥


«اللهم حبب إلينا المدينة ...»............................................... ٣٠٦

«اللهم رب السماوات السبع ...»........................................... ٣٠٥

«اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ...».................................. ٣٣٥

«اللهم لا تجعل قبرى وثنا ...».............................................. ٣٤٠

«إلهى إن أهل مكة أخرجونى ...»........................................... ٣٠٩

«اللهم هذا حرم نبيك ورسولك ...»......................................... ٣٣٥

«أما والله إنى لأخرج منك ...».............................................. ١١١

«أما طوافك بين الصفا والمروة ...».......................................... ٢٦٠

«أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ...».................................... ١٣٢

«أما علمت أن عجوة المدينة شفاء ...»...................................... ٣٧١

«أمرت بقرية تأكل القرى ...».............................................. ٣٠٢

«أنا الله ذو بكة ...»...................................................... ١١٣

«أنا أول من تنشق عنه الأرض ...»......................................... ٣٤٧

«أنا الله لا إله إلا أنا ...».................................................. ٢٥٥

«أنا خاتم الأنبياء ومسجدى خاتم مساجد الأنبياء ...»......................... ٣٢٥

«إن آدم عليه‌السلام ركع إلى جانب الركن ...»..................................... ١٠٩

«حج على رجليه سبعين حجة ...»........................................... ٨٧

«إن آدم عليه‌السلام طاف بالبيت سبعا ...»...................................... ١٠٨

«إن إبراهيم جعل طول الكعبة فى السماء ...»................................ ٢١٨

«إن إبراهيم حرم مكة ...»................................................... ٤٧

«إن أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ...»............................ ١٣٦

«إن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ...»........................................... ٩٨

«إن إبراهيم كان يبنى ...»................................................... ٩٩

«إن الجنة تحن شوقا إلى بيت المقدس ...».................................... ٤١٧

«إن أحدا على ترعة من ترع الجنة ...»....................................... ٣٥٧

«إن أكرم أهل السماء على الله ...»......................................... ١٦٢


«أن امرأة عاذت عند البيت ...»............................................ ١٢٥

«إن أول صلاة صلاها رسول الله إلى الكعبة ...».............................. ٣٧٤

«إن أول لمعة وضعت على الأرض موضع مكة ...»............................ ١١٣

«إن الإيمان ليأرز إلى المدينة ...»............................................ ٣٠٣

«أن جبريل عليه‌السلام أمنى حين فرضت الصلاة عند باب الكعبة ...»................ ١٠٨

«إن الحجر الأسود يمين الله ...»............................................ ١٧٠

«إن حول الكعبة لقبور ثلاثمائة نبى ...»...................................... ١١٧

«إن خير البقاع وأقربها إلى الله ...».......................................... ١٧٧

«إن ذو القرنين قدم مكة ...».............................................. ٢١٧

«إن الرجل إذا خرج من بيته كان معه ملكان ...»............................. ٢٤٦

«إن رجلا كان يطوف بالبيت ...».......................................... ١٢٥

«أن رسول الله أتى على بنى الحارث وهم ووبى ...»............................. ٣٧٠

«أن رسول الله دعا يوم الخندق ...»......................................... ٣٦١

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار امرأة من بنى سلمة ...»............................... ٣٦٢

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل عما لأهل بقيع الغرقد ...».......................... ٢٣٩

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحمله ...»......................................... ١٨٨

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه ...»....................... ٣٣٢

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما حاصر بنى النضير ...»................................. ٣٦٠

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج من قباء ...»....................................... ٣٦٢

«أن سليمان بن داود لما فرغ من بيت المقدس ...»............................. ٤٠١

«أن سليمان بن داود لما فرغ من بناء بيت المقدس ...»......................... ٤٠١

«إن شئت أريتك القدر الذى أخرجوه ...»................................... ١٨٣

«إن شئتما أخبرتكما ...».................................................. ١٣٠

«إن شفانى الله تعالى لأخرجن فلأصلين ...».................................. ٣٢٦

«إن الله تطول على أهل عرفة ...».......................................... ٢٦٥


«إن عائشة قد بنت حائطا ...»............................................ ٣٧٩

«انفرج سقف بيتى وأنا بمكة ...»............................................ ١٨٥

«إن فى عجوة العالية شفاء ...»............................................. ٣٧٠

«إن قبلة النبى من تحت الميزاب ...»......................................... ١٨٢

«إن الله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ...»..................................... ٢٤٢

«إن الله أفرح بتوبة عبده المؤمن ...»......................................... ٢٤٢

«إن الله بارك لأمتى فى بكورها ...».......................................... ٢٤٦

«إن الله تعالى جاعل فى دعائهم خيرا ...».................................... ٢٤٥

«إن الله تعالى وكل بالركن اليمانى ألف ملك ...».............................. ٢٥٨

«إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة ...»................................... ٣٤٨

«إن الله تعالى يباهى بالطائفين ملائكته ...».................................. ١٦٢

«إن الله تعالى يرفع القرآن من صدور الرجال ...».............................. ١٧٣

«إن الله تعالى يغفر لمن شيع الحاج ...»....................................... ٢٤٦

«إن الله تعالى يقول : إن عبدا أصححت له جسمه ...»......................... ٢٧

«إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ...»........................ ٤٧

«إن الله تعالى خلق لهذا البيت عشرين ومائة رحمة ...»......................... ١٦٥

«إن الله لا ينظر إلى صوركم ...»............................................ ١٩٠

«إن الله يبعث الركن الأسود ...»............................................ ١٦٩

«إن الله ينظر إلى الكعبة ليلة النصف من شعبان ...».......................... ١٢١

«إن الله يهبط إلى السماء الدنيا ...»........................................ ٢٦٥

«إن قدمى الآن على ترعة من ترع الجنة ...».................................. ٣٢٨

«إن لهذا الحرم فى السماوات السبع ...»...................................... ٤١٧

«إنما كان أبى وزوجى ...».................................................. ٣٧٩

«إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد ...».......................................... ٣٢٤

«إن مقبرة البقيع تضىء ...»............................................... ٣٤٧

«إن مكة بلد عظمه الله تعالى ...».......................................... ٤١٧


«إن الملائكة لتصافح ركبان الحاج ...»....................................... ١٤٦

«إن من أصححت له بدنه ...».............................................. ٢٧

«إن من حين يخرج أحدكم من منزله ...».................................... ٣٢٦

«إن منى كمثل الرحم ...».................................................. ١٢٤

«إن المياه العذبة والرياح ...»................................................ ٤١٢

«إنما سمى البيت المعمور لأنه يصلى فيه ...».................................... ٩٢

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى زمزم ...»............................................... ٢٧٤

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اغتسل وأحرم ...»........................................... ٢٤٩

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أسماء بنت عميس ...»................................... ٢٥٠

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بات بمنى ...»............................................... ٢٧٢

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل يوم الفتح البيت ...».................................... ١٠٦

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لأمته عشية عرفة ...».................................... ٢٦٥

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رخص للحائض ترك الوداع ...»............................... ٢٧٤

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إلى الأسطوانة الثالثة ...»................................ ٣٥٥

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى حذو الركن الأسود ...»................................. ١٠٩

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الحجر وسجد عليه ...».................................. ١٧٢

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا رأى البيت يرفع يديه ...»............................. ٢٥٤

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قدم من سفر ...».................................... ٣٠٤

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأتى مسجد قباء ...».................................... ٣٥٤

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كبر وهلل ودعا ...».......................................... ٢٥٨

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس فى إحرامه إزار ...»...................................... ٢٥١

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دنا من المدينة ...»......................................... ٣٧١

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يمر بالركن اليمانى ...»................................. ١٧٥

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أشرف على المدينة إلا عرف فى وجهه السرور ...»............. ٣٠٤

«أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل نمرة ...»................................................ ٢٦٣


«إن هذا البلد حرمه الله تعالى ...».......................................... ١١٢

«إن هذا البلد حرمه الله إلى يوم القيامة ...».................................... ٤٤

«إن هذا البيت دعامة الإسلام ...»......................................... ١٢٧

«إنك رجل قوى ...»...................................................... ١٧٨

«إنه جبل يحبنا ونحبه ...».................................................. ٣٥٨

«أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم ...».................................... ٦٠

«أنه كان لا يدع الركن الأسود والركن اليمانى ...»............................. ١٧٤

«أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى مما يلى باب بنى سهم ...»................................... ١٠٩

«أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأتى مسجد قباء ...»........................................ ٣٥٤

«أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من الكعبة ركع ...»....................................... ١٠٩

«إنها حرم آمن ...»........................................................ ٣٠٧

«الأنهار كلها والسحاب والرياح ...»......................................... ٤١٢

«إنى آخر الأنبياء ومسجدى آخر المساجد ...»............................... ٣٢٤

«إنى أحرم ما بين لابتى المدينة ...».......................................... ٣٠٧

«إنى لأعلم ما وضع الله عز وجل فى الأرض بيتا ...»........................... ١١١

«إنى نذرت أن أصلى فى بيت المقدس ...»................................... ١٥٦

«أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم ...»................................... ١٥٢

«أومأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده إلى المدينة ...».................................... ٣٠٧

«آيبون تائبون عابدون ...»................................................. ٢٧٦

«أى رب أعرف شقوتى ...»................................................. ٩٢

«أى رب إنك لقادر على أن تغفر للظالم ...»................................ ١٣٢

«أى رب إن لكل عامل أجرا ...»............................................ ٨٦

«أى الأعمال أفضل ...».................................................. ١٣٤

«أى مسجد وضع أولا ...».................................................. ٥٦

«أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى ...»........................................ ٢٢٣

«أين نحفر لإبراهيم ...»................................................... ٣٥٠


(ب)

«بخ بخ ، ذلك مال رابح ...».............................................. ٣٦٦

«بسم الله وعلى ملة رسول الله ...».......................................... ٣٣٥

«بعث رسول الله إلى سهيل بن عمرو يستهديه ...»............................ ١٨٨

«البيت كله قبلة ...»...................................................... ١٠٩

«البيت المعمور الذى فى السماء يقال له : الضراح ...».......................... ٩٣

«بينما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فى حجر الكعبة ...»................................. ١٠٨

«بينما أنا فى الحطيم ...».................................................... ٥٨

«بينما نحن مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار بمنى ...».................................... ٢٣٦

(ت)

«تجىء الحبشة فيخربونه ...»................................................ ٢٢٣

«تراب المدينة يطفئ الجذام ...»............................................. ٣٧١

«تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد ...».......................................... ٢٩

«تعجلوا الحج ...»........................................................ ١٥٣

«توبا توبا لربنا ...»........................................................ ٣٩١

(ث)

«ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن ...»................................ ٢٤٧

(ج)

«جئناك يا رسول الله نسألك ...»........................................... ١٣٠

«جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة ...».................................. ١٣٦

(ح)

«الحجاج والعمار وفد الله ...».............................................. ١٢٩

«حج آدم أربعين حجة من الهند ...»........................................ ١٤٥

«حج آدم فقضى المناسك ...»............................................... ٨٦

«حج بى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...»............................................ ١٣٦

«حج خمسة وسبعون نبيا ...».............................................. ١٠٢


«حج عن أبيك واعتمر ...»................................................ ١٣٦

«حجوا تستغنوا ...»....................................................... ١٣٦

«الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ...»..................................... ١٣٣

«حرم ما بين لابتى المدينة على لسانى ...».................................... ٣٠٥

«الحسنة بمكة بسبعين من حسنات الحرم ...»................................. ٢٧٣

«الحمد لله الذى أنجز وعده ...»............................................ ٢٥٩

«الحمد لله الذى هدانا للإسلام ...»......................................... ٢٤٦

«الحمى من فيح جهنم ...»................................................ ١٨٥

(خ)

«خرج موسى وهارون عليهما‌السلام حاجين ...».................................... ٣٥٧

«خيركم من أطعم الطعام ...».............................................. ٢٤٥

«خمس دعوات لا ترد ...»................................................. ١٣٧

«خمس من العبادة ...».................................................... ١٨٥

«خير بئر فى الأرض زمزم ...».............................................. ١٨٨

(د)

«دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فى بيت بعض نسائه ...».................... ٣٢٥

«الدعاء بجمع مستجاب ...»............................................... ٢٦٧

«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ...».......................................... ٢٤٤

(ر) «الراكب شيطان ...»................................................. ٢٤٨

«رأيت الليلة فى المنام كأنى أصبحت على بئر من الجنة ...»..................... ٣٦٥

«رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من سعيه ...»................................ ١٠٩

«رأيت فى المنام أن امرأة سوداء ...»......................................... ٣٠٦

«رأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزع له دلو من زمزم ...».................................... ١٨٩

«رب اغفر وارحم ...»..................................................... ٢٥٩

«رحم الله المحلقين ...»..................................................... ٢٦٩


«الرفيق ثم الطريق ...»..................................................... ٢٤٧

«الركن والمقام من الجنة ...»................................................. ١٦٨

«الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ...».................................. ١٧١

«الركن يمين الله فى الأرض ...».............................................. ٢٥٥

(ز)

«زر غبا تزدد حبا ...»..................................................... ٢٨١

(س)

«سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رأيت ربك ...».................................... ٦٩

«السلام عليكم دار قوم مؤمنين ...»........................................ ٣٥٢

«سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ...»................................ ٣٨٤

«سيد البقاع بيت المقدس ...».............................................. ٤١١

(ص) «صخرة بيت المقدس من صخور الجنة ...».............................. ٤١١

«الصخرة صخرة بيت المقدس على نخلة ...».................................. ٤١٢

«الصخرة والعجوة من الجنة ...»............................................. ٤١١

«صلاة جمعة بالمدينة كألف صلاة ...»....................................... ٣٢٥

«صلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة ...»..................................... ٣٢٢

«صلاة الرجل فى بيته بصلاة واحدة ...»..................................... ٤٠٤

«صلاة فى بيت المقدس أفضل من ألف صلاة ...»............................ ٤٠٤

«صلاة فى بيت المقدس بخمسمائة صلاة ...»................................. ٤٠٤

«صلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ...»................................ ٤٠٥

«صلاة فى مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة ...»............................. ٣١٠

«صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ...».................. ٢٨٥

«صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا الكعبة ...»........ ١٥٩

«صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ...».................... ٣٢٤

«صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة إلا المسجد الحرام ...»............. ١٥٧


«الصلاة فى مسجد قباء كعمرة ...»......................................... ٣٥٤

«الصلاة فى المسجد الحرام تزيد على غيره بمائة ألف صلاة ...».................. ٤٠٤

«صلوا فى مصلى الأخيار ...».............................................. ١٨٢

«صليت لأصحابى العتمة ...».............................................. ٤٠٢

«صليت ليلة أسرى بى إلى بيت المقدس ...».................................. ٤١٣

«صيام شهر رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر ...»............................ ٣٢٢

(ط)

«طاف آدم حين نزل البيت سبعا ...»....................................... ١٨٠

«طفت مع عبد الله بن عمرو بن العاص ...»................................. ١٧٩

«الطواف بالبيت صلاة ...»................................................ ١٦١

«طوافان لا يوافقهما عبد مسلم ...»......................................... ١٦٧

(ع)

«العجوة من الجنة ...»..................................................... ٣٧٠

«عريش كعريش موسى تمام ...»............................................. ٣٧٤

«عليك ببيت المقدس لعل الله يرزقك ...».................................... ٣٩٩

«عليكم بالدلجة ...»...................................................... ٢٤٧

«عمرة فى رمضان تعدل حجة ...».......................................... ١٤٠

«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ...»....................................... ١٣٤

«العمرة الحج الأصغر ...».................................................. ٢٧٢

(غ) «غبار المدينة شفاء من الجذام ...»...................................... ٣٧٠

(ف) «فضل المسجد الحرام على مسجدى كفضل ...»........................ ١٥٧

«فضل المسجد الحرام على مسجدى هذا بمائة صلاة ...»....................... ١٥٧

«فى مسجد الخيف قبر سبعين نبيا ...»...................................... ٣٢٥


(ق)

«قال الله تعالى : إن عبدا أصححت له جسمه ...»........................... ١٣٦

«قف يا رسول الله حتى أدخل يدى ...»..................................... ٢٣٧

«قواعد منبرى ...»........................................................ ٣٢٧

(ك)

«كان أبو طلحة الأنصارى أكثر أمواله نخيل ...»............................. ٣٦٦

«كان أكثر نوافله إليها ...»................................................ ٣٣٢

«كان خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى يده ...»...................................... ٣٦٥

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا فرغ من حديثه ...»................................. ٣٩٣

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستلم الركن اليمانى ...»................................ ١٧٥

«كانت الأرض ماء فبعث الله ريحا ...»...................................... ٤١٧

«كانت الأنبياء يحجون حفاة ...»........................................... ١٤٥

«كانت الأنبياء يدخلون الحرم ...».......................................... ١٢٧

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا وقبر يحفر بالمدينة ...»........................... ٣٠٥

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلما كانت ليلتى منه ...»............................... ٣٤٧

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب ...»........................ ٣٨٣

«كان على بن أبى طالب يحلف بالله ...».................................... ٢٩٨

«كأنى أنظر إلى يونس عليه‌السلام ...»........................................... ١٤١

«كأنى به أسود أفحج ...»................................................. ٢٢٢

«كذب النسابون ...»..................................................... ٢٩٥

«الكعبة محفوفة بسبعين ألفا ...»............................................ ٢٥٧

«كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به ...»................................... ٢٤٤

«كل نبى هلكت أمته لحق بمكانه ...»....................................... ١١٧

«كنا جلوسا ذات يوم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...»............................... ٤١٥

«كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صفّة زمزم ...»................................... ١٨٩

«كنت عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...»........................... ٥٥


(ل)

«لا أحج بعد عامى هذا ...»............................................... ١٤٢

«لألزمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأكونن معه ...».................................... ٣٦٤

«لا إله إلا الله وحده ...».................................................. ٢٦٣

«لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...»....................................... ٢٦٤

«لئن أذنب خمسين ذنبا بركبة ...».......................................... ٢٨١

«لا تتخذوا قبرى عيدا ...»................................................. ٣٤٠

«لا تحمل المطى إلا إلى ثلاثة مساجد ...»................................... ٣٩٨

«لا ترفع الأيدى إلا فى سبع ...»........................................... ٢٥٥

«لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة ...»............................ ١٢٦

«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...»..................................... ٢٨

«لا عذر لمن كان له سعة ...».............................................. ٣٢٩

«لا مثل ولا شبيه للقتل فى سبيل الله ...».................................... ٣٠٥

«لا يحلف أحد عند منبرى ...»............................................. ٣٢٨

«لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ...».................................. ٣٠٣

«لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد ...»................................. ٣٠٣

«لا يعذب فى القبر المؤذن والشهيد ...»...................................... ١١٤

«لا يقبل الله توبة عبد حتى يرضى الخصماء ...».............................. ٢٤٣

«لا يكيد أهل المدينة أحد ...»............................................. ٣٠٣

«لا ينبغى أن يزاد فى المسجد ...»........................................... ٣٧٥

«لبيك إله الحق لبيك ...»................................................. ٢٥٣

«لبيك اللهم لبيك ...».................................................... ٢٥٢

«لرد دانق من حرام ...»................................................... ٢٤٣

«لقد سلك فج الروحاء سبعون نبيا ...»...................................... ١٠٢

«لقد صلى فى هذا المسجد قبلى ...»........................................ ١٤١

«لقد مر بهذا الفج سبعون نبيا ...».......................................... ١٤٢


«لقد وعد الله تعالى هذا البيت أن يحجه ...»................................. ١٢٦

«لما أسرى بى إلى بيت المقدس ...».......................................... ٤١٢

«لما اقترف آدم الخطيئة ...»................................................ ٣٤٥

«لما بنى سليمان بيت المقدس ...»........................................... ٤٠٠

«لما تجلى الله إلى جبل طور سيناء ...»....................................... ٣١١

«لما عقرت ثمود الناقة ...».................................................. ١١٢

«لما فدى الله تعالى إسماعيل ...»............................................ ٢٣٧

«لما قدم جعفر المدينة اعتنقه رسول الله ...»................................... ٣٩١

«لما قدم رسول الله المدينة وعك أبو بكر ...»................................. ٣٠٦

«لما قدم زيد بن حارثة المدينة اعتنقه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...»............................ ٣٩١

«لما قدم المهاجرون المدينة ...».............................................. ٣٦٧

«لما كان ليلة أسرى بى ...».................................................. ٦١

«لما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عمر : ...»..................................... ٣١٨

«لما وضع الله تعالى الحرم نقل الطائف ...»..................................... ٤٦

«لو بنى مسجدى إلى صنعاء ...»........................................... ٣٢٦

«لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد منى ...»............................... ٢٣٦

«لو كنتما من أهل البلد ...»............................................... ٣٤٥

«لو لا أن تغلبوا عليها ...»................................................. ١٨٩

«لو لا ما طبع على هذا الحجر يا عائشة ...»................................ ١٦٨

«لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ...»...................................... ٣٤١

«لو نزلت هذه الآية علينا ...».............................................. ١٢٨

«ليبعثن الله عز وجل هذا الحجر ...»........................................ ١٦٩

«ليس على النساء الحلق ...»............................................... ٢٧٠

«ليس فى الأرض من الجنة إلا الركن الأسود ...».............................. ١٦٨

«ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ...»....................................... ١١٣

«للحاج الراكب بكل خطوة ...»............................................ ١٤٨


«للماشى فضل على الراكب ...»........................................... ١٤٨

(م)

«ماء زمزم لما شرب له ...»................................................. ١٨٥

«ما أتيت على الركن اليمانى قط ...»........................................ ٢٥٧

«ما أطيبك من بلد ...»................................................... ١١١

«ما أمعر الحاج ...»....................................................... ١٣٨

«ما بر الحج ...».......................................................... ٢٤٥

«ما بين بيتى ومنبرى روضة ...»............................................. ٣٢٧

«ما بين حجرتى ومنبرى ...»............................................... ٣٢٧

«ما بين الركن الأسود والركن اليمانى ...»..................................... ١١٠

«ما بين الركن والباب ملتزم ...»............................................. ١٧٧

«ما بين قبرى ومنبرى ...»................................................. ٣٢٧

«ما بين مسجدى إلى المصلى ...».......................................... ٣٦٢

«ما رئى الشيطان يوما هو فيه أصغر ...».................................... ١٣٠

«ما عمل ابن آدم يوم النحر ...»........................................... ٢٦٨

«ما لكم يا بنى حارثة ووبى ...»............................................. ٣٧٠

«ما مررت بالركن اليمانى إلا وعنده جبريل ...»................................ ١٧٥

«ما منعك أن تحجى معنا ...».............................................. ١٤٠

«ما من أحد من أمتى له سعة ...».......................................... ٣٣٤

«ما من أحد يدعو تحت الميزاب ...»........................................ ١٨٣

«ما من أحد يدعو عند الركن ...».......................................... ١٧١

«ما من أحد يسلم على ...»............................................... ٣٢٩

«ما من ماء عذب إلا ويخرج من تلك الصخرة ...»............................ ٤١٢

«ما من مسلم يموت يوم الجمعة ...»......................................... ١١٤

«ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا ...».................................. ١٣٠

«ما هذا الغبار الذى أرى ...»................................................ ٨٠


«ما يهلك نبى قط إلا يدفن حيث يقبض ...»................................ ٣١٩

«المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ...»........................................ ٣٠٨

«المدينة مشتبكة بالملائكة ...».............................................. ٣٢٢

«المدينة فيها قبرى ...».................................................... ٣٠٥

«المدينة مهاجرى وفيها بيتى ...»............................................ ٣١٣

«المدينة مهاجرى وفيها مضجعى ...»........................................ ٣٢٣

«مر بمصعب بن عمير فوقف عليه ...»...................................... ٣٥٩

«مسجدى هذا الذى أسس على التقوى ...».................................. ٣١

«المقام بمكة سعادة ...».................................................... ١١٧

«مقبرتان تضيئان لأهل السماء ...»......................................... ٣٤٨

«مكة والمدينة تنفيان الذنوب ...»........................................... ٢٨٠

«الملتزم ما بين الركن والباب ...»............................................ ١٧٩

«الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء ...»...................................... ١٧٥

«من أتى المدينة زائرا ...»................................................... ٣١١

«من أتى المدينة فلم يرفث ...»............................................. ١٢٩

«من أتى هذا البيت لا ينهزه غير صلاة ...».................................. ١٢٧

«من أحرم معتمرا فى شهر رمضان ...»....................................... ٤٠٨

«من أحرم من المسجد الأقصى ...»......................................... ٢٤٨

«من أحرم من بيت المقدس ...»............................................. ٤٠٨

«من أدرك رمضان بمكة ...»................................................ ١١٦

«من أراد أهلها بسوء أذابه الله ...».......................................... ٣٠٣

«من استطاع منكم أن يموت بالمدينة ...».................................... ٣٢٢

«من استلم الركن الأسود فقد بايع ...»...................................... ٢٥٥

«من اشترى ثوبا بعشرين درهما ...».......................................... ٢٤٥

«من اعتمر فى شهر رمضان ...»............................................ ٢٨٦

«من أكل سبع تمرات من بين لابتيها ...».................................... ٣٧٠


«من أهل بحجة أو عمرة ...»............................................... ٤٠٨

«من أين أقبلتم؟ ...»...................................................... ١٣٥

«من أين أنت؟ ...»....................................................... ١٨٦

«من تصبح كل يوم بسبع تمرات ...»........................................ ٣٧٠

«منبرى على ترعة ...»..................................................... ٣٢٧

«من بلغه عن الله تعالى فضيلة ...».......................................... ١٢٤

«من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء ...»................................... ٣٥٤

«من توضأ فأحسن وضوءه ثم دخل مسجد قباء ...».......................... ٣٥٤

«من جاءنى زائرا ...»...................................................... ٣٢٩

«من حج حجة الإسلام ...»............................................... ٢٧١

«من حج من أمتى إلى عرفة ماشيا ...»....................................... ١٤٦

«من حج واعتمر وصلى فى بيت المقدس ...»................................. ٤٠٥

«من حج وزار قبرى ...»................................................... ٣٢٩

«من حج ولم يزر قبرى ...»................................................. ٣٣٠

«من حج ولم يزرنى ...».................................................... ٣١١

«من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة ...»................................... ٤٠٥

«من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة فيه ...».............................. ٣٢٥

«من خرج مجاهدا فمات ...»............................................... ٢٧٨

«من خرج من بيته حتى يأتى مسجد قباء ...»................................ ٣٥٥

«من دخل البيت دخل فى حسنة ...»......................................... ٤٢

«من دخل الكعبة دخل فى رحمة ...»........................................ ١٠٧

«من دخل مسجدى هذا ليتعلم ...»........................................ ٣٢٥

«من دفناه فى مقبرتنا هذه شفعنا له ...»...................................... ٣٤٧

«من زار بيت المقدس شوقا إليه ...»......................................... ٤٠٦

«من زار قبرى وجبت له شفاعتى ...»........................................ ٣٢٩

«من زارنى بعد مماتى ...»................................................... ٣٣٤


«من زارنى بعد موتى ...».................................................. ٣٣٠

«من زارنى فى المدينة متعمدا ...»............................................ ٣٣٠

«من زعم أن عندنا شىء يقرأ إلا كتاب الله ...».............................. ٣١٢

«من سمى المدينة يثرب ...»................................................. ٣٠١

«من صبر على حر مكة ...»............................................... ٣١١

«من صلى خلف المقام ركعتين ...».......................................... ٢٥٨

«من صلى علىّ عند قبرى سمعته ...»........................................ ٣٣٦

«من صلى عند قبرى سمعته ...»............................................ ٣٢٩

«من صلى فى المسجد الحرام بالجماعة ...».................................... ١٥٧

«من صلى فى بيت المقدس غفرت له ذنوبه ...»............................... ٤٠٤

«من صلى فى بيت المقدس ظهرا وعصرا ...».................................. ٤٠٦

«من صلى فى مسجدى أربعين صلاة ...».................................... ٣٢٥

«من طاف أسبوعا يحصيه ...»............................................. ١٦٠

«من طاف بالبيت الحرام أسبوعا ...»........................................ ١٦٧

«من طاف بالبيت خمسين أسبوعا ...»...................................... ١٦٢

«من طاف بالبيت خمسين مرة ...».......................................... ١٦٢

«من طاف بالبيت سبعا وصلى ...».......................................... ٦٠

«من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم ...»...................................... ١٦١

«من طاف بالكعبة فى يوم مطر ...»......................................... ١٦٦

«من طاف بهذا البيت أسبوعا ...».......................................... ١٦٠

«من طاف حول الكعبة أسبوعا ...»........................................ ١٦٦

«من ظلم أهل المدينة ...».................................................. ٣٠٤

«من فرغ من حجه فليعجل ...»............................................ ٢٨١

«من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ...»....................................... ١١٥


«من قضى نسكه وسلم ...»............................................... ١٣٨

«من لم تمنعه من الحج حاجة ...»........................................... ١٥٣

«من مات بمكة فكأنما مات ...»............................................ ٢٧٨

«من مات فى أحد الحرمين استوجب شفاعتى ...»............................. ٣١١

«من مات فى أحد الحرمين بعث آمنا ...».................................... ٣١١

«من مات فى بيت المقدس ...»............................................. ٤١٣

«من مات فى هذا الوجه ...»............................................... ٢٧٨

«من مرض يوما واحدا بمكة ...»............................................ ٢٧٨

«من نذر أن يطيع الله فليطعه ...».......................................... ٤٢٨

«من نزل منزلا وقال : أعوذ ...»............................................ ٢٤٧

«من نظر إلى البيت فى غير طواف ...»...................................... ٢٨٥

«من وجد سعة ولم يفدنى ...»............................................... ٣٣٤

«من يحفر بئر رومة وله الجنة ...»........................................... ٣٦٨

(ن)

«النجاء النجاء إلى بيت المقدس ...»........................................ ٤٢٦

«نزل الركن وإنه أشد بياضا ...»............................................ ١٦٨

«نعم الحفيرة حفيرة المزنى ...»............................................... ٣٦٨

«نعم الصدقة صدقة عثمان ...»............................................ ٣٦٨

«نعم المقبرة هذه ...»...................................................... ٢٣٩

«النفقة فى الحج كالنفقة فى سبيل الله ...».................................... ٢٧٩

(هـ)

«هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا ...»...................................... ٨٠

«هذا سيد العالمين ...».................................................... ٢٩٧

«هذا مسجدى ، وما زاد عليه فهو منه ...».................................. ٣٢٦

«هل تبيعها بعين فى الجنة ...».............................................. ٣٦٨


«هل عندك من سدر أغسل به رأسى؟ ...».................................. ٣٦٦

«هى هزمة جبريل بعقبه ...»................................................ ١٨٥

(و)

«الواحد شيطان ...»...................................................... ٢٤٨

«وسعوا لمن وراءكم ...».................................................... ٣١٦

«وفد الله وزواره ثلاثة ...».................................................. ١٢٩

«وقف صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ثنية المقبرة ...»............................................ ٢٣٩

«وقيت شركم ...»........................................................ ٢٣٦

«والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ...»............................. ١٦٩

«والله إنى لأعلم أنك خير أرض الله ...»..................................... ١١١

«والله إنى لأعلم فى أى وقت نزلت ...»...................................... ١٢٨

(ى)

«يأتى الركن والمقام يوم القيامة ...».......................................... ١٧٠

«يأتى على أمتى زمان يحج أغنياؤهم للنزهة ...»............................... ٢٤٢

«يأتى على الناس زمان ...»................................................ ٣٠٣

«يا أخى أشركنا فى دعائك ...»............................................. ١٣٧

«يا أخى لا تنسنا فى دعائك ...»........................................... ١٣٧

«يا أم قيس ترين هذه المقبرة ...»............................................ ٣٤٧

«يا أهل اليمن يمنكم ...».................................................. ٢٨١

«يا بلال أسكت الناس ...»................................................ ١٣٢

«يا رسول الله أبسط يدك ...».............................................. ١٣٢

«يا رسول الله أخبرنا عن بيت المقدس ...».................................... ٣٩٩

«يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس ...»...................................... ٣٩٩

«يا رسول الله إنا ابتلينا بالبقاء بعدك ...»..................................... ٣٩٩

«يا رسول الله إنا كنا نطوف بين الصفا والمروة ...».............................. ٤٨

«يا رسول الله إن فريضة الله على عباده ...».................................. ١٣٦


«يا رسول الله أى الخلق أول دخولا الجنة ...»................................. ٤٠٨

«يا رسول الله أى المساجد الذى أسس على التقوى؟ ...»...................... ٣٢٥

«يا رسول الله تكثر استلام الحجر ...»....................................... ١٧٥

«يا رسول الله كيف أسرى بك؟ ...»........................................ ٤٠٢

«يا رسول الله لو أمرت لزدنا فيه ...»........................................ ٣٧٤

«يا رسول الله لو أمرت بالمسجد لطين ...»................................... ٣٧٤

«يا سليمان سلنى أعطك ...».............................................. ٤٢٥

«يا عمر هنا تسكب العبرات ...».......................................... ١٧١

«يستجاب للحاج من حين يريد مكة ...».................................... ١٣٧

«يستقبلك ملك على الركن ...»............................................ ١٢٩

«يهبط الله تعالى يوم عرفة ...».............................................. ١٢٩


فهرس الأخبار

طرف الخبر

القائل

الصفحة

(أ)

«ائته فصلّ فيه ...»

 محمد بن شعيب

٤٠٦

«أتدرى كم حج بيت ربنا ...»

 على بن الموفق

١٣٣

«أحب الشام إلى الله تعالى بيت المقدس ...»

 كعب الأحبار

٤١٤

«أخشى أن أقول لبيك ...»

 مالك بن دينار

١٩٦

«أخشى أن يقال لى : لا لبيك ولا سعديك ...»

 ـ

١٩٤

«ادع لى أن يقبل الله حجى ...»

 موسى بن إبراهيم

٢٠٩

«إذا ترك العارف أدبه عند معروفه ...»

 يحيى بن معاذ

٢٨٣

«إذا خرج الحاج فشيعوهم ...»

 الحسن البصرى

٣٩١

«إذا كنت فى بلدك وقلبك مشتاق إلى الكعبة ...»

 ـ

٢٨٥

«أريد أن ألبى وأخاف ...»

 ـ

١٩٥

«أستحيى من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...»

 مالك بن أنس

٣٣٥

«أسعد الناس بهذا الطواف قريش ...»

 ابن عباس

١٦٧

«أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ...»

 نافع بن جبير

٣٠٧

«أصل طينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سرة الأرض بمكة ...»

 ابن عباس

١٢٣

«افتخر المسلمون واليهود ...»

 مجاهد

٣٩

«اكشفى لى عن قبر رسول الله ...»

 ـ

٣٤٣

«اللهم إنك قادر على أن تذهب عطشى ...»

 سرى بن يحيى

٣٩

«اللهم إن الناس قد ذبحوا ونحروا ...»

 مالك بن دينار

٣٩٨

«اللهم إنى أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال ...»

 كعب الأحبار

٤٠٠

«اللهم من أتاه من ذى ذنب ...»

 أبو العوام

٤٠١


«إلهى لا شريك لك فيؤتى ...»

٢٠٣

«إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ...»

 ابن أبى رواد

١١٦

«أن آدم ـ عليه‌السلام ـ حج البيت سبعين حجة ماشيا ...»

 عثمان بن ساج

١٤١

«أن آدم عليه‌السلام خاف على نفسه ...»

 ـ

١٥١

«أن آدم ـ عليه‌السلام ـ لما أهبط إلى الأرض استوحش ...»

 ـ

٨٩

«أن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ رأى رجلا يطوف بالبيت ...»

 عطاء بن السائب

١٠٤

«أن إساف ونائلة حجا من الشام ...»

 ابن نجيح

١٢٥

«أن إسماعيل عليه‌السلام شكى إلى ربه ...»

 الحسن البصرى

١٨٢

«أنا ضيفك الليلة يا رسول الله ...»

 ـ

٣٤٣

«إن الله تبارك وتعالى لما تاب على آدم ...»

 وهب بن منبه

٨٢

«أن الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكا ...»

 عثمان بن يسار

٨٠

«أن الله تعالى خلق موضع البيت ...»

 ـ

٥٠

«أن الله تعالى لما بوأ لإبراهيم مكان البيت ...»

 مجاهد

٩٥

«أن الله تكفل لمن سكن ببيت المقدس بالرزق ...»

 مقاتل

٤١٩

«أن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد ..»

 الماوردى

٦٨

«إن الحجر الأسود يتخايل فى أوقات كثيرة ...»

 محمد بن الحسن

١٧١

«إن بيتا فى السماء بحيال الكعبة اسمه الضراح ...»

 وهب بن منبه

٩٢

«إن الحسن كان يحلف بالله إنه لقد رأى محمد ربه ...»

 عبد الرزاق

٦٨

«أن الخضر وإلياس يلتقيان كل عام بمكة ...»

 ـ

١١٥

«إن رأسا حلق بمنى لا تمسه النار ...»

 أبو سهل بن يوسف

١٣٢


«أن الساهرة بميزان البيت المعمور ...»

 كعب الأحبار

٤١١

«أنشدتك الله يا أمير المؤمنين ...»

 مالك بن أنس

٢٢٢

«انطلق إلى بيت المقدس فإن فيه نورى ...»

 مقاتل

٤١٩

«إن عند الركن الأسود بابا من أبواب الجنة ...»

 الحسن البصرى

١٧٢

«إن القوم إذا أفاضوا من عرفات ...»

 أنس بن مالك

٢٦٦

«إن الكعبة بميزان البيت المعمور ...»

 كعب الأحبار

٤١١

«إن كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك ...»

 مقاتل

٤١٨

«أن ليس من ملك من الملائكة بعثه الله إلى الأرض ...»

 وهب بن منبه

٨٤

«إنما سميت منى لأن جبريل حين أراد أن يفارق آدم ...»

 ابن عباس

١٢٤

«إنما هو من طرفاء الغابة ...»

 مالك بن أنس

٣٨٦

«إن منى يتسع بأهله ...»

 ابن عباس

١٢٤

«إنى أريد أن أعيد قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حاله ...»

 المهدى بن المنصور

٣٨٦

«إنى ترفعت فى موضع يتواضع فيه الناس ...»

 عمرو بن شبه

٣٨٣

«إن هذه دار قد سخط الله عليها ...»

 وهب بن منبه

١١٨

«أوحى الله إلى موسى مر ظلمة بنى إسرائيل ...»

 سليمان الدارانى

١٩٥

«أول من كسى البيت تبع ...»

 الأزرقى

٢٢٥

«أول من كست الكعبة الديباج والحرير ...»

 ـ

٢٢٤

«أيها المستودع ربه خذ وديعتك ...»

 ـ

٢٤٦

«أين بئركم هذه؟ ...»

 سعيد بن عبد الرحمن

٣٦٥

«أين بيت ربى ...»

 ـ

٢٩٨

(ب)

«باب مفتوح من أبواب الجنة تخرج الرحمة من خلاله ...»

 ابن عباس

٤١٨

«باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ...»

 ابن عباس

٤١٨


«بات موسى مشتاقا إلى لقاء ربه ...»

 ـ

٦٩

«بت ليلة فى المسجد بعد ما خرج الناس منه ...»

 مصعب بن ثابت

٣٤٤

«بلغنا أن إبراهيم عليه‌السلام عرج به إلى السماء ...»

 عثمان بن ساج

٣٦

«بلغنى أن نوحا عليه‌السلام حج البيت ...»

 عروة بن الزبير

٢٤١

«بلغنى أن وتادا لأتون حمام أتى بسلسلة عظام ..»

 النهروانى

٢٦٧

«بنى سليمان عليه‌السلام بيت المقدس على أساس قديم ...»

 كعب الأحبار

٣٩٦

«البيتوتة فيها ركن ...»

 الشعبى

٢٦٦

«بينما أنا جالس عند قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا بأعرابى ...»

 محمد بن عبيد الله

٣٤٢

«بينما أنا فى الطواف وإذا أنا بامرأة حسناء ...»

 ـ

٢٠٣

«تباع كسوتها ويجعل ثمنها ...»

 عائشة

٢٢٦

(ت)

«ترك الأدب يوجب الطرد ...»

 أبو على الدقاق

٢٢٦

«تكره الصلاة فى سبع مواطن ...»

 ابن البحترى

٢٨٢

«التوبة سبب الرضى ...»

 ذا النون

٤١٣

(ج)

«الجالس فى المسجد ينظر إلى البيت ...»

 زهير بن محمد

١٦٥

(ح)

«الحاج يشفع فى أربعمائة من أهل بيته ...»

 أبو موسى الأشعرى

١٣٥

«حج إبراهيم وإسماعيل ماشيين ...»

 مجاهد

١٤١

«الحجاج يطوفون حول البيت يطلبون البقاء ...»

 أبو يزيد البسطامى

٢٠١

«حج البيت خمسة وسبعون نبيا ...»

 مجاهد

١٣٦

«حججت ثلاث حجج ففى الحجة الأولى رأيت البيت ...»

 أبو يزيد البسطامى

٢٠٢


«حججت فى بعض السنين فجئت المدينة ...»

 إبراهيم بن شيبان

٣٤٢

«حج الحسن بن على خمسة عشر حجة ماشيا ...»

 مصعب بن الزبير

١٤٦

«الحج المبرور أن يرجع الحاج زاهدا ...»

 مجاهد

١٣٤

«حج موسى عليه‌السلام على جمل أحمر ...»

 مجاهد

١٠٢

«حج هذا البيت ألف نبى ...»

 عبد الله بن الزبير

١٤٢

«الحرم كله هذا المسجد الحرام ...»

 ابن عباس

١٥٨

«حسبك بفضل مكة أن فيها بيت الله ...»

 ابن عبد البر

٣٠٩

«حقيقة المعرفة هى اطلاع الحق على الأسرار ...»

 ذا النون المصرى

٢٨٣

(خ)

«خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام ...»

 الحسن البصرى

٢٠٤

«خرجت فى يوم ذات سموم وقت الهاجرة ...»

 ـ

١٢٧

«خلق الله تعالى موضع البيت الحرام ...»

 مجاهد

١١٣

«خلق الله تعالى هذا البيت ...»

 مجاهد

٧٥

(د)

«دخلت مدينة رسول الله وأنا بفاقة ...»

 أبو الخير الأقطع

٣٤٣

(ذ)

«ذكر لنا أن سليمان لما فرغ من بنائه

 أبو العوام

٤٠١

ذهبنا نرفع المقام فى خلافة المهدى ...»

 عبد الله بن شعيب

٢٣١

(ر)

«رأيت شابة نحيفة البدن خفيفة الساقين ...»

 ـ

٢٠٤

«رأيت فى الطواف رجلا أعمى ...»

 ـ

١٢٥

«رأيت قريشا يفتحون البيت فى الجاهلية ...»

 سعيد بن عمر الهذلى

١٠٥

«ركبت يوما حتى جئت قبر حمزة ...»

 ابن النجار

٣٥٩

«الركن من الجنة ...»

 مجاهد

١٧٠

(س)

«سئل على بن أبى طالب عن الموقف ...»

 ـ

١٩٢


«السلام عليكما يا صاحبى رسول الله ...»

 ـ

٣٣٩

«السلام عليك يا أمير المؤمنين ...»

 ـ

٣٣٩

«السلام عليك يا خليفة رسول الله ...»

 ـ

٣٣٨

«السلام عليك يا رسول الله ...»

 ـ

٣٣٦

«السلام عليك يا من سفرت لوامع مجده ...»

 ـ

٣٨٨

«سلكت البادية ستة عشر طريقا ...»

 على بن محمد السروانى

٢١٢

«سياسة الناس أشد من سياسة الدواب ...»

 الشافعى

٢٨٣

(ش)

«شاهد الله تعالى القلوب ...»

 أبو الحسن الثورى

٦٩

«شكت الكعبة إلى الله تعالى ...»

 كعب الأحبار

١٢٦

(ص)

«صخرة بيت المقدس وسط الأرض ...»

 مقاتل

٤١٩

«صوم يوم بمكة بمائة ألف ...»

 الحسن البصرى

٢٧٣

«الصخرة بيت المقدس ، فيك جنتى ونارى ...»

 وهب بن منبه

٤١١

(ط)

«طاف آدم بالبيت سبعا بالليل ...»

 عبد الله بن أبى سليمان

٨٧

«طفت بالبيت وصليت ركعتين ...»

 على بن الموفق

٢٠٢

«الطواف بالبيت خوض فى رحمة ...»

 الحسن البصرى

١٦٢

(ع)

«عقدت الحج حين أحرمت ...»

 الشبلى

١٩٣

«على الركن ملكان موكلان ...»

 سالم بن عبد الله

١٧٦

«علم الله صدق باطنى ...»

 أبو بكر الكتانى

٢٨٢

(ق)

«قال الله عز وجل الصخرة بيت المقدس ...»

 كعب الأحبار

٤١٢

«قال الله لبيت المقدس أنت جنتى وقدسى ...»

 كعب الأحبار

٤١٨

«القبلة خمس ...»

 أبو الحسن المخرقانى

٢٠١


«قدمت من الحج فدعتنى نفسى إلى أمر سوء ...»

محمد بن مخلد

٣٩٢

 (ك)

«كان الأنبياء يحجون مشاة ...»

 ابن عباس

١٤٢

«كان أهل مكة لا يسابقهم أحد ...»

 ابن عباس

١٨٦

«كان أول من أسس البيت وصلى فيه آدم ...»

 ابن عباس

٨٢

«كان البيت المعمور بمكة فرفع ...»

 جويبر

٩٢

«كانت الكعبة غثاء على الماء ...»

 كعب الأحبار

٧٥

«كان موضع البيت قد خفى ...»

 مجاهد

٩٤

«كان وثن على الصفا ...»

 الشعبى

٤٨

«الكعبة محفوفة بسبعين ألف من الملائكة ...»

 ابن عباس

١٢٧

«كم من غائب بخراسان وهو أقرب إلى البيت ..»

 ـ

٢٨٥

«كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن الزبير ...»

 الشعبى

١٧٦

«كنا ندع تسعة أعشار الحلال ...»

 ـ

٢٤٤

«كنت بمكة بين الصفا والمروة ...»

 عمر بن شيبة

٢٨٣

«كنت فى بادية تبوك ...»

 ابن خفيف

٢١١

(ل)

«لا أبيحه لمغتسل وهو لشارب ...»

 ابن عباس

١٨٧

«لا أحب أن تهدم الكعبة ...»

 الشافعى

٢٢٢

«لا أشرب شيئا يذهب عقلى ...»

 عثمان بن مظعون

٣٥٠

«لا بأس أن يلبس كسوتها ...»

 ابن عباس ، عائشة

٣٢٦

«لا تؤذى مسلما ولا يؤذيك ...»

 ابن عباس

١٧٨

«لا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان

 محمد بن عبد الوهاب صوابا ...»

٢٤١

«لبث إبراهيم عليه‌السلام فى الشام ...»

 سعيد بن جبير

٩٧

«لست بمضيق عليك بابك ...»

 عبد الرحمن بن عوف

٣٥١


«لعله حج ثلاث حجات ...»

 القاضى عياض

١٣٩

«لقد خلق الله تعالى موضع هذا البيت ...»

 مجاهد

٧٥

«لكل ملك حيازة ...»

 وهب بن منبه

٣٦

«لما أمر الله إبراهيم بالأذان ...»

 موسى بن عبيدة

١٠٣

«لما أن بعث الله تعالى إبراهيم ليبنى البيت ...»

 وهب بن منبه

٩٧

«لما أهبط الله تعالى آدم ...»

 ابن عباس

٨١

«لما بلغ إبراهيم وإسماعيل فى بناء الكعبة موضع الحجر ...»

 ـ

١٥١

«لما رمس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءت فاطمة ...»

 على بن أبى طالب

٣٤٤

«لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن من بناء البيت ...»

 ـ

١٠١

«لما فرغ سليمان عليه‌السلام من بيت المقدس ...»

 كعب الأحبار

٤٠٠

«لما قال الله تعالى للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ...»

 يحيى بن على

٣٧

«لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا وقد حج البيت ...»

 ـ

١١٨

«لم يبعث الله تعالى نبيا منذ أهبط آدم إلا وقد حج ...»

 أبو المعالى

٤١٤

«لو رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسألته ...»

 عبد الله بن شفيق

٦٩

«لو زدنا فيه حتى نبلغ الجبانة ...»

 عمر بن الخطاب

٣٢٦

«لو كان مسجدنا هذا فى طرف من الأطراف ...»

 عمر بن الخطاب

٣٥٥

«لو كنت سمعته قبل هدمها ...»

 عبد الملك بن مروان

٢٢٢

(م)

«ما أتى هذا البيت طالب ...»

 سعيد بن جبير

١٣٨

«ما أعلم على وجه الأرض بلدة ترفع فيها الحسنات ...»

 الحسن البصرى

١١٦

«ما البيت المعمور؟ ...»

 أبى الطفيل ، سفيان ابن عيينة

٩٣


«ما بال هذا الحجر يعظم من بين حجر البيت ...»

 صدفة بن عمر

٢٥٦

«ما بين الركن والمقام إلى زمزم وإلى الحجر ...»

 عبد الله بن ضمرة السلولى

١١٧

«مات فى المدينة من الصحابة عشرة آلاف ...»

 مالك بن أنس

٣٤٨

«ما تقول فى الصلاة فى بيت المقدس؟ ...»

 محمد بن شعيب

٤٠٦

«ما جزاء من خالف محبوبه؟ ...»

 عبد الصمد

١٩٨

«ما رأيت غرابا أشبه بغراب من هذا منك ...»

 عمر بن الخطاب

٢٤٥

«ما فقد جسد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...»

 عائشة

٦٥

«ما من أحد يخرج من مكة إلا ندم ...»

 الحسن البصرى

١١٦

«ما من إنسان يضع يده على الركن اليمانى ...»

 مجاهد

١٧٥

«ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل ...»

 ابن مسعود

٢٨١

«ما من فجر يطلع إلا نزل عليه سبعون ألف ملك ...»

 كعب الأحبار

٣٣٠

«مر بصفائح الروحاء ستون نبيا ...»

 مجاهد

١٠٤

«مرة ركبنا فى البحر نريد جدة ...»

 محمد بن عبد الملك

٢١٠

«مقام إبراهيم هو الحجر ...»

 سعيد بن جبير

٢٢٩

«المقام بمكة سعادة ...»

 الحسن البصرى

٢٨٠

«ملك موكل بالركن اليمانى ...»

 مجاهد

١٧٥

«من التزم الكعبة ودعا استجيب له ...»

 ابن عباس

١٨٠

«من تصدق فى بيت المقدس بدرهم ...»

 الحسن البصرى

٤١٠

«من جالس الملوك بلا أدب فقد تعرض للقتل ...»

 السرى السقطى

٢٨٢

«من حج فمات فى عامه هذا دخل الجنة ...»

 خيثمة

٢٧١

«من حج حجة واحدة فقد أدى فرضه ...»

 أبو الفضل عياض

٢٧

«من حج وصلى فى مسجد المدينة والمسجد الأقصى فى عام واحد ...»

 ابن عباس

٤٠٧

«من زار مكة فليكن له ثلاث خلال ...»

 أبو الحسن

٢٠٢


«من خدم الملوك بغير علم ...»

 على بن أبى طالب

٢٨٣

«من دفن فى بيت المقدس فقد جاز الصراط ...»

 كعب

٤١٦

«من دفن فى بيت المقدس فى زيتون الملة ...»

 خليد بن دعلج

٤١٦

«من صام يوما فى بيت المقدس كان له براءة ...»

 مقاتل

٤١٠

«من صلى فى بيت المقدس ألف ركعة ...»

 عبد الله بن سلام

٤١٣

«من مات بمكة بعثه الله من الآمنين ...»

 الحسن البصرى

١١٦

«من مات عقيب رمضان ...»

 الحسن البصرى

٢٧٩

«من مات فيك فكأنما مات فى السماء ...»

 كعب

٤١٥

«من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا تحاطت عنه الذنوب ...»

 أبى السائب المدنى

١٦٤

«من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا ...»

 ابن المسيب

١٦٤

«من وضع يده على الركن اليمانى ...»

 مجاهد

١٧٥

«من وقف عند قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتلى هذه الآية ...»

 ابن أبى فديك

٣٤٤

(ن)

١٦٤

«الناظر إلى الكعبة كالمجتهد فى العبادة ...»

 حماد بن سلمة

١٦٥

«النظر إلى البيت عبادة ...»

 عطاء

١٦٥

«النظر إلى الكعبة عبادة ...»

 يونس بن خباب

١٦٤

«النظر إلى الكعبة عبادة والدخول فيها دخول فى جنة ...»

 مجاهد

١٦٤

«النظر إلى الكعبة محض الإيمان ...»

 ابن عباس

١٦٤

(ه)

«هذا أول بيت وضع للناس ...»

 ابن إسحاق

٩٦

«هل تعرفون زيتون الملة ...»

 عبد الرحمن بن عدى

٤١٦

(و)

«وا سوأتاه منك وإن عقرت ...»

 الفضيل بن عياض

١٩٦


«والله لأن أطوف بهذا البيت أسبوعا ...»

 أبا سعيد

١٦٠

«والذى نفسى بيده لقد رأيت رسول الله ...»

 عمر بن الخطاب

٣٥٥

«ورد الحاج فى بعض السنين إلى بغداد ...»

 عبد الله بن المبارك

٢٠٧

«وضع البيت على أربعة أركان ...»

 ابن عباس

٤٠

(ى)

«يا أيها الناس أنا جندب الغفارى ...»

 أبو ذر

١٩١

«يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا ...»

 مالك بن أنس

٣٤٥

«يا بنى حجوا مشاة ...»

 سعيد بن جبير

١٤٥

«يا جنيد تطوف بالبيت أم برب البيت ...»

 ـ

٢٠١

«يا حضرى انزع ثيابك ...»

 الأصمعى

٢٠٠

«يا رب أريد أن أقول لبيك ...»

 يحيى بن الجلاء

١٩٦

«يا رب إنى فقير كما ترى ...»

 الأوزاعى

٢٠٢

«يا رسول الله إن الله تعالى قد أنزل عليك كتابا

 محمد بن عبيد الله صادقا ...»

٣٤٢

«يا رسول الله ، قلت فسمعنا ...»

 رجل أعرابى

٣٤٣

«يا شيبان ترى هذا السبع ...»

 ـ

٢٠٩

«يا صريخ المستصرخين ...»

 ـ

٣٥٥

«يا طيبة يا طابة يا مسكينة ...»

 كعب الأحبار

٣٠١

«يا فتى ، أخرج يديك وسل الحاجة ...»

 الفضيل بن عياض

١٩٩

«يا كعب أخبرنى عن البيت الحرام ...»

 عمر بن الخطاب

٨٤

«يا هذه أهذه ميتة أم مذبوحة ...»

 عبد الله بن المبارك

٢٠٧

«يثرب اسم أرض ...»

 أبو عبيدة معمر بن المثنى

٣٠٢

«يحول الله تعالى صخرة بيت المقدس يوم القيامة ...»

 إدريس الخولانى

٤١٣

«يا ملائكتى اشهدوا أنى قد غفرت لهما ...»

 مقاتل

٤١٩


فهرس الأشعار

صفحة

الهمزة

انظر بعينك بهجة الحسناء

ما بعد هذا منظر للراء ٣٨

بيت بناه بإذن من رفع العلى

بانى المكارم والعلى وجداء ٩٥

يا زائرى البيت الحرام تهيأوا

نلتم مناكم بعد طول عناء ١١٥

الباء

أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته

فأصبح عندى قد أناخ وطنبا ٢٠١

أحن إلى زيارة حى ليلى

وعهدى من زيارتها قريب ٣٩٠

التاء

صبرت على بعض الأذى خوف كله

ودافعت عن نفسى لنفسى فعزت ١٩٩

ألا أيها المأمول فى كل حاجة

شكوت إليك الضر فارحم شكايتى ٢٠٥

الجيم

ما بين معترك الأحداق والمهج

أنا القتيل بلا ذنب ولا حرج ١٩٨

الحاء

حسب المحب من الحبيب بعلمه

أن الحبيب ببابه مطروح ٢٠٤

الدال

يحن إلى أرض الحجاز فؤادى

ويحدو اشتياقى نحو مكة حادى ١١٨

لكل قوم قبلة يتوجهوا

وقبلة الأحباب فرد واحد ٢٠٢

وجعلت قلبى منزلا لك عامرا

فإليه طرفى حين أطرف يسجد ٢٠٥

يا عين بكى ولا تسأمى

وحق البكاء على السيد ٣٢٠

الراء

إن تشق عينى بهم فقد

سعدت عين رسولى وفزت بالنظر ٦٩


زر من هويت وإن شطت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار ١٢٦

إليك قصدى لا للبيت والأثر

ولا طواف بأركان ولا حجر ١٩٢

أنت الحبيب وأنت الحب يا أملى

من لى سواك ومن أرجو لمدخرى ١٩٩

شكرتك لا إنى أجازيك منعما

بشكر ولا كيما يقال له شكر ٢٨٢

العين

هذا فؤادى لقد ملى أسفا

قطعه الشوق والنوى قطعا ١٩٨

الفاء

كفى شرفا أنى مضاف إليكم

وأنى بكم أدعى وأرعى وأعرف ٣٦

أسير الخطا عند بابك واقف

على رجل مما أنت عارف ٢٦١

القاف

هذه دارهم وأنت مجيب

ما بقاء الدموع فى الآماق ١٩٧

الكاف

قد تحيرت فيك خذ بيدى

يا دليلا لمن تحير فيكا ١٩٧

اللام

أرض بها البيت المحرم قبلة

للعالمين له المساجد تعدل ٣٨

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم

بمفضى سيول من إساف ونائل ٤٩

كم منزل فى الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدا لأول منزل ١٢١

رأى المجنون فى البيداء كلبا

فجر عليه للإحسان ذيلا ١٢٩

ولما وردنا الحى راحت عقولنا

إلى موقف الأحباب فى حرم الوصل ١٩١

البين فيه لمن ذاق الهوى أجل

به النفوس عن الأجساد ترتحل ١٩٩

إذا حججت بمال أصله سحت

فما حججت ولكن حجت الإبل ٢٤٤

ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة

بواد وحولى إذخر وجليل ٣٠٦

الميم

للناس حج ولى حج إلى سكنى

تهدى الأضاحى وأهدى مهجتى ودمى ١٩٤


يا من يجيب دعاء المضطر فى الظلم

يا كاشف الضر والبلوى مع السقم ٢٠٤

تعاظمنى ذنبى فلما قرنته

بعفوك ربى كان عفوك أعظم ٢٦١

ودعنا البيت إذ وليت عنا

فودعنا من الله الكلام ٣٢٠

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم ٣٤٢

أهلا بحجاج بيت الله والحرم

ماذا لهم من كرامات ومن نعم ٣٩٢

النون

أبطحاء مكة هذا الذى

أراه عيانا وهذا أنا ١٩٧

لو لا التقى لم ترن

أهجر طيب الوسن ٢٠١

الشوق صيرنى والشوق طيرنى

والشوق قربنى والشوق أبعدنى ٢٠٤

أتيت إليك رب العالمينا

وخليت الخلائق أجمعينا ٢٠٥

الهاء

تزاحم تيجان الملوك ببابه

ويكثر فى يوم القدوم ازدحامها ٣٨

جرمى عظيم يا عفو وإننى

بمحمد أرجو التسامح فيه ٣٤٦

أقسم بالله لرضخ النوى

وشرب ماء القلة المالحه ٣٩٢

الياء

ماذا على من شم تربة أحمد

أن لا يشم من الزمان غواليا ٣٤٤


فهرس الأعلام المترجم لهم

إبراهيم بن أدهم

٢٠٣

بحيرا الراهب

٢٩٧

إبراهيم الخواص

٢١٢

الجنيد

٢٠١

أبو أمامة الباهلى

٤٠٥

حبيب العجمى

٢٠٩

أبو بكر الكتانى

٢١٥

الحسن بن أبى الحسن

٤١٠

أبو بكر النقاش

١٥٨

الحسن البصرى

٤١٠

أبو تراب النخشبى

٢١٠

ذو الأصابع العدوانى

٣٩٩

أبو جعفر أحمد بن سنان

٢١٥

سليمان الدارانى

١٩٥

أبو الحسن على بن المزين

٢١٥

سهل بن عبد الله التسترى

٢١١

أبو الخير الأقطع

٣٤٣

سودان بن حمران

٣٢١

أبو عمرو الزجاج

٢١٤

الشبلى

١٩٧

أبو الفضل الجوهرى

١٩٧

الصدى بن عجلان

٤٠٥

أبو القاسم القشيرى

٢١٤

الفضيل بن عياض

٢١٤

أبو يعقوب النهرجورى

٢١٥

على بن الحسين بن على

١٩٤

أبو يزيد السطامى

٢٠٢


فهرس الأماكن والبلدان المترجم لها

أبو قبيس

٩٩

الردم

٨٦

بئر برهوت

١٨٨

ركبة

٢٨١

بئر حاء

٣٦٧

زيتون الملة

٤١٦

بئر رومة

٣٦٧

سرنديب

٨١

البّصة

٣٦٦

قزح

٢٦٦

ثبير

٢٦٢

مرو

٢١٤

ثنية هرشا

١٤١

مسجد الروحاء

١٤١

الجحفة

٣٠٦

نيساور

١٤٦

الحزورة

١١١

هجر

٦٠

ذو الحليفة

١٩٦

وادى نمرة

٢٦٢

ذى طوى

١٤٢


مصادر التحقيق

* إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى ـ لأبى عبد الله محمد شمس الدين السيوطى ـ الهيئة العامة للكتاب ، مصر.

* إتحاف الورى بأخبار أم القرى ـ لمحمد بن محمد بن فهد المكى ـ تحقيق فهيم محمد شلتوت ـ نشر مركز البحث العلمى فى جامعة أم القرى (١٤٠٤ ه‍).

* أخبار مكة فى قديم الدهر وحديثه ـ لأبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى ـ تحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ـ نشر مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة مكة المكرمة (١٤٠٧ ه‍ ـ ١٩٨٨ م).

* أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ـ أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى (ت فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى) ـ تحقيق رشدى صالح ملحس ـ دار الأندلس.

* إعلام الساجد بأحكام المساجد ـ لمحمد بن عبد الله الزركشى ـ تحقيق أبى الوفا المراغى ـ القاهرة ١٣٨٥ ه‍.

* الإعلام بفضائل الشام ـ أحمد بن على بن عمر بن صالح المنينى ـ القدس ـ تصحيح أحمد صالح الخلدى ، بدون تاريخ.

* الإنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ـ لأبى اليمن مجير الدين الحنبلى ـ القاهرة ١٢٨٣ ه‍ ، الأردن مكتبة المحتسب ، ١٩٧٣ م.

* باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس ـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن سباع الفزارى ـ تحقيق تشارلس ماتيوس ، نشر فى Jpos ، ٩٣٥ م (ص ٥١ ـ ٨٧).

* البداية والنهاية فى التاريخ ـ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقى (ت ٧٧٤ ه‍) ـ ط. الأولى ، مطابع السعادة والسلفية والخانجى ، القاهرة (١٣٥١ ه‍).

* البدر الطالع فى محاسن من بعد القرن السابع ـ الشوكانى ـ القاهرة ١٣٤٨ ه‍.

* تاج العروس من جواهر القاموس ـ السيد محمد مرتضى الحسينى الزّبيدى ـ طبعة مصورة عن طبعة المطبعة الخيرية بمصر سنة (١٣٠٦ ه‍) ، دار مكتبة الحياة ، بيروت.

* تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام ـ للذهبى ـ مكتبة المقدسى ، القاهرة (١٣٦٧ ه‍).


* تاريخ بغداد ـ الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادى (ت ٤٦٣ ه‍) ـ مطبعة السعادة ـ مصر (١٩٣١ م).

* تاريخ التراث العربى ـ لفؤاد سزكين ـ ترجمة محمود فهمى حجازى ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض (١٤٠٣ ه‍).

* تاريخ الرّسل والملوك ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى (ت ٣١٠ ه‍) ـ طبعة دار المعارف ـ القاهرة (١٩٧٩ م).

* تاريخ عمارة المسجد الحرام ـ حسين عبد الله باسلامه.

* تاريخ الكعبة المعظمة ـ حسين عبد الله باسلامه.

* تاريخ المدينة المنورة ـ لأبى زيد عمر بن شبة النميرى ـ تحقيق فهيم محمد شلتوت ـ دار الأصفهانى للطباعة ـ جدة السعودية.

* تذكرة الموضوعات ـ لمحمد بن طاهر بن على الهندى الفتنى ـ المتوفى سنة ٩٨٦ ه‍ ـ دار إحياء التراث العربى.

* تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ـ لأبى الحسن على بن محمد ابن عراق الكنانى ، المتوفى سنة ٩٦٣ ه‍ ـ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، وعبد الله الصديق الغمارى ـ دار الكتب العلمية ، ١٤٠١ ه‍.

* تهذيب تاريخ دمشق ـ الحافظ أبو الحسن على المعروف بابن عساكر الدمشقى (ت ٥٧١ ه‍) ـ دار المسيرة ـ بيروت (١٣٩٩ ه‍).

* تهذيب التهذيب ـ ابن حجر العسقلانى (ت ٨٥٢ ه‍) ـ طبعة حيدر آباد (١٣٢٥ ه‍).

* التاريخ الكبير ـ الإمام البخارى ـ صحّحه عبد الرحمن بن يحيى اليمانى ـ نشرته دائرة المعارف العثمانية ١٣٦٢ ه‍ ـ طبعة دائرة المعارف العثمانية ١٣٦٢ ه‍.

* الجامع الصحيح ـ الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذى ـ بيروت (١٤٥٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م).

* الجامع اللطيف ـ القاضى ابن ظهيرة المخزومى المكّى (ت ٩٥٠ ه‍) ـ المكتبة الشعبية (١٣٩٣ ه‍).

* الدر المنثور فى التفسير بالمأثور ـ لجلال الدين السيوطى ، المتوفى ٩١١ ه‍ ، دار الكتب العلمية ١٩٩٠ م.

* الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة ـ لابن حجر العسقلانى ـ مصر (١٩٦٦ م).

* الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة ـ لابن النجار ـ مصر (١٩٥٦ م).


* دلائل النبوة ـ للبيهقى أحمد بن الحسن ، المتوفى سنة ٤٥٨ ه‍ ـ تحقيق عبد المعطى قلعجى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤٠٨ ه‍.

* الذيل على الروضتين ـ شهاب الدين أبو محمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبى شامة المقدسى الدمشقى (٦٦٥ ه‍) ـ دار الجيل ـ بيروت.

* الرسالة القشيرية ـ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى (٤٦٥ ه‍) ـ ط بولاق (١٢٨٤ ه‍).

* الروض الأنف فى تفسير السيرة النبوية ـ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمى السّهيلى (ت ٥٨١ ه‍) ـ دار النصر للطباعة ـ مصر ، بدون تاريخ.

* الزيادات فى الحرم المكى الشريف من العصر النبوى إلى العصر السعودى ـ للشريف محمد بن مساعد بن منصور آل عبد الله ـ ط ١ (١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٥ م).

* سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد ـ لمحمد بن يوسف الصالحى الشامى ـ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، مصر ، ١٣٩٢ ه‍.

* السلوك لمعرفة دول الملوك ـ تقىّ الدين المقريزى أحمد بن على (ت ٨٤٥ ه‍).

* سنن ابن ماجه ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزوينى (ت ٢٧٥ ه‍) ـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ـ دار إحياء الكت العربية (١٣٧٢ ه‍).

* سنن أبى داود ـ الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستانى (ت ٢٧٥ ه‍) ـ ط مصطى محمد ـ القاهرة ، بدون تاريخ.

* سنن الدارقطنى ـ الإمام على بن عمر الدارقطنى (ت ٣٨٥ ه‍) ـ عالم الكتب ـ بيروت (١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م).

* السنن الكبرى ـ أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى (ت ٤٥٨ ه‍).

* سنن النسائى ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن على بن بحر النسائى ـ المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة.

* سير أعلام النبلاء ـ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبى (ت ٧٤٨ ه‍) ـ مؤسسة الرسالة (١٤٠٢ ه‍).

* سيرة ابن هشام ـ الإمام أبو محمد بن عبد الملك بن هشام المعافرى (ت ٢١٣ ه‍) ـ مطبعة مصطفى البابى الحلبى (١٣٥٥ ه‍).

* شذرات الذهب فى أخبار من ذهب ـ ابن العماد الحنبلى ـ مكتبة القدسى ـ القاهرة (١٣٥٠ ه‍).


* شرح معانى الآثار ـ الطّحاوى أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدى (٣٢١ ه‍) ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت (١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٦ م).

* شفاء السقام فى زيارة خير الأنام ـ لتقى الدين على بن عبد الكافى السبكى ـ بولاق ١٣١٨ ه‍.

* شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ لأبى الطيب محمد بن أحمد الفاسى ـ دار الكتاب العربى ـ ١٩٨٥ ه‍.

* صحيح البخارى (الجامع الصحيح) ـ الإمام أبو عبد الله إسماعيل بن إبراهيم الجعفى البخارى (ت ٢٥٦ ه‍) ـ المطبعة الأميرية (١٣١٤ ه‍).

* صحيح مسلم ـ الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيرى النيسابورى (ت ٢٦١ ه‍).

* صفة جزيرة العرب ـ الهمدانى ـ الحسن بن أحمد (ت ٣٣٤ ه‍) ـ استانبول ، العامرة (١٣٣٠ ه‍) ، وط دار إحياء التراث العربى ـ بيروت.

* صفة الصفوة ـ لأبى الفرج عبد الرحمن بن على ، ابن الجوزى ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ ـ دار الكتب العلمية ١٤٠٩ ه‍.

* الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ـ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوى (ت ٩٠٢ ه‍).

* طبقات الحنابلة ـ القاضى أبو الحسين عمر بن أبى يعلى الفرّاء (ت ٥٢٧ ه‍) ـ مصر (١٩٥٢ م).

* طبقات الشافعية ـ جمال الدين بن عبد الرحيم الإسنوى (ت ٧٧٢ ه‍) ـ طبعة وزارة الأوقاف ـ بغداد (١٩٥٠ م).

* طبقات الصوفية ـ لأبى عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابورى السلمى ، المتوفى سنة ٤١٢ ه‍ ـ تحقيق نور الدين شريبة.

* الطبقات الكبرى ـ أبو عبد الله محمد بن سعد بن الزّهرى كاتب الواقدى (ت ٢٣٠ ه‍) ـ تحقيق إحسان عباس ـ دار صادر ـ بيروت ، بدون تاريخ.

* العقد الثمين فى أخبار البلد الأمين ـ لتقى الدين الفاسى ، المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ ـ دار الكتب المصرية ـ تحقيق فؤاد السيد ـ القاهرة ١٩٥٩ ـ ١٩٦٩ م.

* العلل المتناهية فى الأحاديث الواهية ـ لعبد الرحمن بن على ابن الجوزى ـ دار الكتب العلمية ، ١٩٨٣ م.


* عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسيّر ـ أبو الفتح محمد بن محمد اليعمرى المعروف بابن سيّد الأندلسى (ت ٧٣٤ ه‍) ـ ط مصر (تصوير بيروت) بدون تاريخ.

* فضائل بيت المقدس ـ لأبى الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد ابن الجوزى ـ تحقيق د. محمد زينهم ـ مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة ، بدون تاريخ.

* فضائل بيت المقدس ـ لأبى بكر محمد بن أحمد الواسطى ـ المتوفى فى منتصف القرن الخامس تقريبا ـ تحقيق أ. حسون ـ دار فاغنس للنشر ـ القدس ١٩٧٩ م.

* الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة ـ لمحمد بن على الشوكانى ـ مطبعة السنة المحمدية ، ١٣٨٠ ه‍ ، مصر.

* قاعدة فى زيارة بيت المقدس ـ لابن تيمية ـ مصر ١٣٢٣ ه‍.

* القرى لقاصد أم القرى ـ أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد ، محبّ الدين الطبرى (ت ٦٧٤ ه‍) ـ مصطفى البابى الحلبى ، ط الثانية (١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٧٠ م).

* الكامل فى التاريخ ـ لابن الأثير الجزرى (ت ٦٣٠ ه‍) ـ دار الكتاب العربى ـ بيروت (١٤٠٠ ه‍).

* كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ـ إسماعيل ابن محمد العجلونى (١١٦٢ ه‍) ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت (١٣٥١ ه‍).

* كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ـ مصطفى بن عبيد الله الشهير بحاجى خليفة وكاتب جلبى ـ مكتبة المتنى ـ بغداد ، مصورة عن طبعة استانبول (١٩٢١ م).

* لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفّاظ ـ الحافظ تقىّ الدين محمد بن فهد المكّى ـ ملحق بذيل تذكرة الحفاظ ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ، بدون تاريخ.

* لسان الميزان ـ الحافظ بن حجر العسقلانى (ت ٨٥٢ ه‍) ـ دائرة المعارف النظامية ـ الهند (١٣٢٩ ه‍) ، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ـ بيروت (١٣٧١ ه‍).

* مثير الغرام الساكن ـ لأبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى ـ تحقيق د. مصطفى محمد حسين الذهبى ـ دار الحديث ـ القاهرة (١٤١٥ ه‍ ـ ١٩٩٥ م).

* مثير الغرام بفضائل القدس والشام ـ أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سرور المقدسى ـ الجزء الأخير ، صححه أحمد سامح الخالدى ـ يافا ١٣٦٥ ه‍.

* مجمع الزوائد ـ لنور الدين على بن أبى بكر الهيثمى ، مكتبة المقدسى القاهرة (١٣٥٢ ه‍)

* مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ـ ابن منظور ـ دار الفكر ، دمشق ، ١٤٠٤ ه‍.


* مراصد الإطّلاع على أسماء الأماكن والبقاع ـ صفىّ الدين البغدادى (ت ٧٣٩ ه‍) ـ دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى ـ القاهرة (١٣٧٣ ه‍).

* مرآة الحرمين ـ لإبراهيم باشا رفعت ـ مصر (١٣٤٤ ه‍).

* المسالك والممالك ـ أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبه ـ نشره دى غويه ـ ليدن ١٨٨٩.

* المستدرك على الصحيحين ـ الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابورى ـ طبعة مصورة ، مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب ، ودار الفكر ـ بيروت.

* مسند أحمد بن حنبل ـ بيروت (١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م) ، دار المعارف ـ مصر (١٣٦٥ م).

* مسند الإمام الشافعى ـ الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى (ت ٢٠٤ ه‍) ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت (١٤٠٠ ه‍).

* مسند الحميدى ـ الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدى (٢١٩ ه‍) ـ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى ـ المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ، بدون تاريخ.

* المصنف ـ لابن أبى شيبة أبى بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبى شيبة ـ المتوفى سنة ٢٣٥ ه‍ ـ تحقيق سعيد اللحام ـ دار الفكر ، ١٤٠٩ ه‍.

* المصنف ـ لأبى بكر عبد الرزاق بن همام الصنعانى ، المتوفى سنة ٢١١ ه‍ ـ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى ، ١٣٩٠ ه‍.

* معجم البلدان ـ شهاب الدين ياقوت الحموى ـ دار صادر ـ بيروت (١٣٧٤ ه‍).

* المعجم الكبير ـ الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرانى (ت ٣٦٠ ه‍) ـ وزارة الأوقاف العراقية ـ بغداد (١٩٨٣ م).

* معجم ما ألف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صلاح الدين المنجد ـ دار القاضى عياض ، القاهرة.

* المنتظم فى تاريخ الملوك والأمم ـ ابن الجوزى ـ ط حيدر آباد ـ الهند (١٣٥٩ ه‍) ، وطبعة دار الكتب العلمية.

* موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ـ لنور الدين على بن أبى بكر الهيثمى ـ تحقيق محمد عبد الرازق حمزة ـ المطبعة السلفية ـ مصر.

* الموضوعات ـ لأبى الفرج عبد الرحمن بن على ابن الجوزى ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ ـ تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ـ دار الفكر ١٩٨٣ م.

* الموطّأ ـ الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩ ه‍) ـ ط مصطفى البابى الحلبى ـ مصر (١٣٤٨ ه‍).


* ميزان الاعتدال فى نقد الرجال ـ الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبى (ت ٧٤٨ ه‍) ـ القاهرة (١٩٦٣ م).

* النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ـ جمال الدين يوسف بن تغرى بردى أبو المحاسن ـ دار الكتب المصرية (١٩٦٣ م).

* نزهة النفوس والأبدان فى تواريخ الزمان ـ على بن داود الجوهرى الخطيب الصيرفى (ت ٩٠٠ ه‍) ـ دار الكتب المصرية ، بدون تاريخ.

* نهاية الأرب فى فنون الأدب ـ شهاب الدين أحمد النويرى ـ الشركة العربية للطباعة والنشر ـ القاهرة (١٩٥٩ م).

* النهاية فى غريب الحديث ـ ابن الأثير ـ دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة (١٣٨٣ ه‍).

* هديّة العارفين فى أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين ـ إسماعيل باشا البغدادى ـ ط استانبول (١٩٥١ م).

* وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ـ لنور الدين على بن أحمد السمهودى ـ تحقيق محمد محيى الدين ـ دار الكتب العلمية ، ١٩٨٤ م.

* وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ أبو العباس شمس الدين أحمد بن خلّكان (ت ٦٨١ ه‍) ـ تحقيق إحسان عباس ـ دار الثقافة ـ بدون تاريخ.


فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

مقدمة المحقق.................................................................. ٥

ترجمة المؤلف.................................................................. ٦

وصف نسخة الكتاب الخطية................................................... ٧

وقفة مع الكتاب.............................................................. ٨

عنوان الكتاب وصحة نسبته للإمام الخوارزمى.................................... ١١

منهج التحقيق............................................................... ١١

نبذة عن أشهر ما ألف عن مكة والمدينة وبيت المقدس............................ ١٣

مقدمة المؤلف............................................................... ٢٧

القسم الأول

فى ذكر فضيلة مكة وما ورد فيها من الأخبار والأحاديث والآيات وحكايات الصالحين ٣١

الفصل الأول : فى فضائل مكة شرفها الله تعالى ، والآيات التى نزلت فى فضلها وشرفها ٣٥

الفصل الثانى : فى ذكر حديث الإسراء......................................... ٥٨

الفصل الثالث : فى اختلاف الناس ؛ هل كان الإسراء ببدنه وروحه ، أو بروحه فقط.. ٦٤

الفصل الرابع : فى اختلاف الناس فى رؤية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ هل رآه بعينه ، أو بقلبه....... ٦٨

الفصل الخامس : فى ذكر أسامى هذه البلدة الشريفة.............................. ٧١

الفصل السادس : فى ذكر ما كانت الكعبة فوق الماء قبل أن يخلق الله ـ تعالى ـ السماوات والأرض ٧٥

الفصل السابع : فى ذكر بناء الملائكة الكعبة الشريفة............................. ٧٦

الفصل الثامن : فى ذكر زيارة الملائكة [لها] عليهم‌السلام................................ ٨٠


الفصل التاسع : فى ذكر هبوط آدم ـ عليه‌السلام ـ وبنائه الكعبة ، وطوافه بالبيت وحجه.... ٨١

الفصل العاشر : فى ذكر ما جاء فى حج آدم ـ عليه‌السلام ـ ودعائه لذريته................. ٨٦

الفصل الحادى عشر : فى ذكر وحشة آدم فى الأرض حين نزل فيها ، وفضل البيت الحرام والحرم   ٨٩

الفصل الثانى عشر : فى ذكر ما جاء فى البيت المعمور ، ورفعه إلى السماء من الغرق.. ٩٢

الفصل الثالث عشر : فى ذكر أمر الكعبة بين نوح وإبراهيم عليهما‌السلام................. ٩٤

الفصل الرابع عشر : فى ذكر تخير إبراهيم موضع البيت الحرام من الأرض............ ٩٥

الفصل الخامس عشر : فى ذكر بناء إبراهيم ـ عليه‌السلام – الكعبة...................... ٩٧

الفصل السادس عشر : فى ذكر حج إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وأذانه بالحج ، وحج الأنبياء عليهم‌السلام ١٠١

الفصل السابع عشر : فى ذكر ما جاء فى فتح الكعبة ، ومتى كانوا يفتحونها........ ١٠٥

الفصل الثامن عشر : فى ذكر الصلاة فى الكعبة ، وأين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم....... ١٠٦

الفصل التاسع عشر : فى ذكر المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.............. ١٠٨

الفصل العشرين : فى ذكر شرفها على ما سواها من بقاع الأرض.................. ١١١

الفصل الحادى والعشرون : فى ذكر فضائل الكعبة الشريفة شرّفها الله تعالى......... ١٢٠

الفصل الثانى والعشرون : فى ذكر فضائل الحج ، وعظم أمره ، وشرف قدره........ ١٢٨

الفصل الثالث والعشرون : فى ذكر فضائل العمرة فى شهر رمضان................ ١٤٠

الفصل الرابع والعشرون : فى ذكر حج الأنبياء والأولياء والخلفاء الراشدين.......... ١٤١

الفصل الخامس والعشرون : فى ذكر فضيلة الحج ماشيا.......................... ١٤٥

الفصل السادس والعشرون : فى ذكر جهات الحلّ وأساميه....................... ١٥٠

الفصل السابع والعشرون : فى ذكر استحباب تعجيل الحج وذم التأخير............ ١٥٣

الفصل الثامن والعشرون : فى ذكر فضيلة الصلاة فى المسجد الحرام ، وأول مسجد وضع على وجه الأرض  ١٥٦


الفصل التاسع والعشرون : فى ذكر فضائل الطواف وركعتيه...................... ١٦٠

الفصل الثلاثون : فى ذكر الجلوس مستقبل الكعبة ، والنظر إليها.................. ١٦٤

الفصل الحادى والثلاثون : فى ذكر فضائل الطواف عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند شدة الحرّ    ١٦٦

الفصل الثانى والثلاثون : فى ذكر فضائل الركن والمقام........................... ١٦٨

الفصل الثالث والثلاثون : فى ذكر الحجر الأسود............................... ١٧٣

الفصل الرابع والثلاثون : فى ذكر فضائل الاستلام للركن الأسود واليمانى........... ١٧٤

الفصل الخامس والثلاثون : فى ترك الاستلام فى الزحام........................... ١٧٨

الفصل السادس والثلاثون : فى ذكر فضائل الملتزم.............................. ١٧٩

الفصل السابع والثلاثون : فى ذكر دخول الحجر والصلاة والدعاء فيه............. ١٨٢

الفصل الثامن والثلاثون : فى ذكر فضائل زمزم وأساميها......................... ١٨٤

الفصل التاسع والثلاثون : فى ذكر شرب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماء زمزم.................. ١٨٩

الفصل الأربعون : فى ذكر أسرار الحج......................................... ١٩٠

الفصل الحادى والأربعون : فى ذكر أحوال السلف الصالحين من المتعبدين والمجاورين والمتوجهين إلى حرم الله الشريف  ١٩٧

النوع الأول : فى ذكر احوال السلف الصالحين من المتعبدين والمجاورين والمتوجهين إلى حرم الله الشريف       ١٩٧

النوع الثانى : فى ذكر من آثر أهل الفاقة بنفقة الحج ولم يحج...................... ٢٠٧

النوع الثالث : فى ذكر طرف من أخبار المحبين المشتاقين......................... ٢٠٩

النوع الرابع : فى ذكر من جاور منهم ومات بها................................. ٢١٤

الفصل الثانى والأربعون : فى ذكر تاريخ الكعبة على وجه الاختصار............... ٢١٧

الفصل الثالث والأربعون : فى ذكر كسوة الكعبة المعظمة......................... ٢٢٤

الفصل الرابع والأربعون : فى ذكر ذرع الكعبة الشريفة........................... ٢٢٧

الفصل الخامس والأربعون : فى ذكر ذرع مقام إبراهيم عليه‌السلام...................... ٢٢٩


الفصل السادس والأربعون : فى ذكر ما جاء فى الذهب الذى كان فى المقام ومن جعله عليه ٢٣١

الفصل السابع والأربعون : فى ذكر ما جاء فى بدء شأن زمزم..................... ٢٣٣

الفصل الثامن والأربعون : فى ذكر المواضع التى تستجاب الدعوات فيها وزيارة الأماكن الشريفة بمكة وحواليها         ٢٣٥

الفصل التاسع والأربعون : فى ذكر زيارة مقبرة مكة.............................. ٢٣٩

الفصل الخمسون : فى ذكر ثواب كل عمل يفعله الحاج فى الحج................... ٢٤١

الفصل الحادى والخمسون : فى ذكر الإشارة فى سر السعى بين الصفا والمروة........ ٢٦١

الفصل الثانى والخمسون : فى ذكر من مرض بمكة أو مات حاجا أو معتمرا أو عقيب الحج ٢٧٨

الفصل الثالث والخمسون : فى ذكر اختلاف العلماء فى المجاورة بمكة المشرفة........ ٢٨٠

الفصل الرابع والخمسون : فى ذكر ما جاء فى بناء المسجد الحرام ، وما فى فضائل مكة شرف الله تعالى قدرها         ٢٨٧

القسم الثانى

فى ذكر فضيلة المدينة وزيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يضاف إليها.................... ٢٩٣

الفصل الأول : فى ذكر نسب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه رضى الله عنهم................. ٢٩٥

الفصل الثانى : فى ذكر أسامى المدينة وفضل سكانها............................ ٣٠١

الفصل الثالث : فى ذكر فضيلة المدينة وفضل سكانها........................... ٣٠٩

الفصل الرابع : فى ذكر كيفية فتح المدينة...................................... ٣١٤

الفصل الخامس : فى ذكر وصية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم...................... ٣١٦

الفصل السادس : فى ذكر فضيلة المقام والمجاورة وفضل الموت فيها................. ٣٢٢

الفصل السابع : فى ذكر فضيلة مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.............................. ٣٢٤

الفصل الثامن : فى ذكر فضيلة الروضة والمنبر الشريفين.......................... ٣٢٧

الفصل التاسع : فى ذكر زيارة القبر المقدس..................................... ٣٢٩


الفصل العاشر : فى ذكر الأسطوانة المخلقة.................................... ٣٣١

الفصل الحادى عشر : فى ذكر أسطوانة التوبة.................................. ٣٣٢

الفصل الثانى عشر : فى ذكر آداب زيارة القبر المقدس........................... ٣٣٤

الفصل الثالث عشر : فى ذكر الكلمات المروية من زوار قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم............. ٣٤٢

الفصل الرابع عشر : فى ذكر زيارة البقيع...................................... ٣٤٧

الفصل الخامس عشر : فى ذكر زيارة مسجد قباء............................... ٣٥٤

الفصل السادس عشر : فى ذكر زيارة شهداء أحد.............................. ٣٥٧

الفصل السابع عشر : فى ذكر المساجد التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم............. ٣٦٠

الفصل الثامن عشر : فى ذكر الآبار التى كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوضأ ويغتسل ويشرب منها ٣٦٤

الفصل التاسع عشر : فى ذكر بعض خصائص مدينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.................. ٣٧٠

الفصل العشرون : فى ذكر الاختلاف فى نقل تراب المدينة....................... ٣٧٢

الفصل الحادى والعشرون : فى ذكر ما يتعلق بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم............... ٣٧٣

الفصل الثانى والعشرون : فى ذكر حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.............................. ٣٧٦

الفصل الثالث والعشرون : فى ذكر أن بعد بناء عمر بن عبد العزيز هل دخل أحد فى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم      ٣٨٢

الفصل الرابع والعشرون : فى ذكر المنبر والشريف والأسطوانة الحنانة............... ٣٨٣

الفصل الخامس والعشرون : فى ذكر رجوع الحاج إلى وطنه وبلده وأهله............. ٣٨٨

القسم الثالث فى ذكر فضائل بيت المقدس وما يتعلق به......................... ٣٩٥

الفصل الأول : فى ذكر ابتداء بناء المسجد الأقصى............................. ٣٩٦

الفصل الثانى : فى ذكر شد الرحال إليه ، وفضل إتيانه وإسراجه.................. ٣٩٨

الفصل الثالث : فى ذكر فضيلة الصلاة فيه ، وفضل الحج والصلاة فى مسجد المدينة والمسجد الأقصى فى عام واحد ٤٠٤


الفصل الرابع : فى ذكر فضل الإحرام من بيت المقدس والأذان فيه................ ٤٠٨

الفصل الخامس : فى ذكر فضل الصدقة والصيام فيه............................ ٤١٠

الفصل السادس : فى ذكر فضل الصخرة وأنها من الجنة.......................... ٤١١

الفصل السابع : فى ذكر الساهرة ، وفضل من مات فى بيت المقدس.............. ٤١٥

الفصل الثامن : فى ذكر جامع الفضائل لبيت المقدس........................... ٤١٧

القسم الرابع فى ذكر فضيلة قبر إبراهيم عليه‌السلام وما يتصل به....................... ٤٢٧

خاتمة المؤلف.............................................................. ٤٢٨

فصل فى زيارة بيت المقدس لشيخ الإسلام ابن تيمية............................. ٤٣٣

الفهارس العامة............................................................. ٤٤٣

فهرس الآيات القرآنية....................................................... ٤٤٥

فهرس الأحاديث والآثار.................................................... ٤٥١

فهرس الأخبار............................................................. ٤٧٢

فهرس الأشعار............................................................. ٤٨٣

فهرس الأعلام المترجم لهم................................................... ٤٨٦

فهرس الأماكن والبلدان المترجم لها............................................ ٤٨٧

مصادر التحقيق............................................................ ٤٨٨

فهرس الموضوعات.......................................................... ٤٩٥

* * *

إثارة الترغيب والتشويق

المؤلف:
الصفحات: 500