



بسم الله الرحمن الرحيم
سُبحانَكَ لا
عِلمَ لَنا إلاّ ما عَلّمتَنا إنَّكَ أنتَ العَليمُ الحَكِيمُ. وَلَقَدْ جِئناهُمْ
بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلى عِلمٍ هُدىً وَرَحمَةً. وَالّذِينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ
يَعلَمُونَ أنَّهُ مُنزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ. وَلا يَرتابُ الّذِينَ
أُوتُوا الكِتابَ وَالمؤمنونَ. وَما اختَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلاّ مِنْ
بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغياً بَينَهُم. وَلَئنِ اتَّبَعتَ أهواءَهُم مِنْ
بَعدِ ما جَاءَكَ مِنَ العِلمِ إنَّكَ إذاً لَمِنَ الظّالِمِين. وَمَا لَهُمْ بِهِ
مِنْ عِلمٍ إنْ يَتَّبعُونَ إلاّ الظَنَّ وَإنَّ الظَنَّ لا يُغني مِنَ الحَقِّ
شَيئاً. ذَلِك مَبلَغُهُمْ مِنَ العِلمِ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أعلَمُ بمَنِ ضَلَّ
عَنْ سَبِيلِهِ وَهُو أَعْلَمُ بِمَنِ اهتَدَى.
الحَمدُ لِلّه
الّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَو لا أنْ هَدانا الله. وَسَلامٌ
عَلى عِبادِهِ الّذِينَ اصطَفى. أُولئِكَ عَلَيهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ المُهتَدُون.
الأميني
شعراء الغدير
في
القرن الثّامن
|
١
ـ أبو محمد بن داود الحلي
٢
ـ جمال الدين الخلعي
٣
ـ السريجي الأُوالي
٤
ـ صفيّ الدين الحلّي
٥
ـ الإمام الشيباني الشافعي
٦
ـ شمس الدين المالكي
٧
ـ علاء الدين الحلّي
|
ـ ٦٥ ـ
أبو محمد بن داود الحلّي
المولود (٦٤٧)
وإذا نظرتَ إلى
خطاب محمدٍ
|
|
يوم الغدير إذ
استقرَّ المنزلُ
|
من كنتُ مولاه
فهذا حيدرٌ
|
|
مولاه لا يرتابُ
فيه محصِّلُ
|
لعرفتَ نصَّ
المصطفى بخلافةٍ
|
|
من بعدِه غرّاءَ
لا يُتأوَّلُ
|
وله من أُرجوزة في
الإمامة طويلة :
وقد جرتْ لي
قصّةٌ غريبه
|
|
قد نتجت قضيّةً
عجيبه
|
فاعتبروا فيها
ففيها معتبرْ
|
|
يغني عن الإغراق
في قوسِ النظرْ
|
حضرتُ في بغدادَ
دارَ علمِ
|
|
فيها رجال نظرٍ
وفهمِ
|
في كلِّ يومٍ
لهمُ مجالُ
|
|
تدنو به
الأوجالُ والآجالُ
|
لا بدَّ أن
يسفرَ عن جريحِ
|
|
بصارمِ الحجّة
أو طريحِ
|
لمّا اطمأنّت
بهمُ المجالسُ
|
|
ووضعتْ لاماتِها
الفوارسُ
|
واجتمعَ
المدرِّسون الأربعه
|
|
في خلوةٍ آراؤهم
مجتمعه
|
حضرتُ في
مجلسِهمْ فقالوا
|
|
أنت فقيهٌ وهنا
سؤالُ
|
من ذا تُرى
أحقُّ بالتقدُّمِ
|
|
بعد رسولِ اللهِ
هادي الأممِ
|
فقلت فيه نظرٌ
يحتاجُ
|
|
أن يُترك
العنادُ واللجاجُ
|
وكلّنا ذوو
عقولٍ ونظرْ
|
|
وفِكَرٍ صالحةٍ
ومعتبرْ
|
فلنفرض الآن قضى
النبيُ
|
|
واجتمع الدنيُّ
والقصيُ
|
وأنتمُ مكانَ
أهلِ العقدِ
|
|
والحلِّ بل
فوقهمُ في النقدِ
|
فالتزموا قواعد
الإنصافِ
|
|
فإنَّها من
شِيَمِ الأشرافِ
|
لمّا قضى
النبيُّ قال الأكثرُ
|
|
إنَّ أبا بكر هو
المؤمَّرُ
|
وقال قومٌ ذاك
للعبّاسِ
|
|
وانقرضوا وقال
باقي الناسِ
|
ذاك عليٌّ والجميع
مدّعي
|
|
أنَّ سواه
للمحال يدَّعي
|
فهل ترون أنَّه
لمّا قضى
|
|
نصَّ على خليفةٍ
أم فوّضا
|
ترتيبه بعدُ إلى
الرعايا
|
|
ليجمعوا على
الإمام رأيا
|
فقال منهم واحدٌ
بل نصّا
|
|
على أبي بكر بها
وخصّا
|
قال له الباقون
هذا يشكلُ
|
|
بما عن الفاروق
نحن ننقلُ
|
من أنَّهُ قال
إن استخلفتُ
|
|
فلأبي بكر قد
اتّبعتُ
|
وإن تركتُ
فالنبيُّ قد ترك
|
|
والحقُّ بين
الرجلين مشترك
|
وقال كانت فلتةً
بيعتهُ
|
|
فمن يعد حلّت
لكم قتلتهُ
|
وقول سلمان لهم
فعلتم
|
|
وما فعلتم إذ له
عزلتم
|
وقالت الأنصار
نستخيرُ
|
|
منّا أميراً
ولكم أميرُ
|
فلو يكون نصّ في
عتيقِ
|
|
للزمَ الطعنُ
على الفاروقِ
|
ثمَّ على سلمانَ
والأنصارِ
|
|
وليس ذا
بالمذهبِ المختارِ
|
مع أنَّه استقال
واستقالتُهْ
|
|
دلّت على أن
باختيارٍ بيعتُهْ
|
لو أنَّها نصٌّ
من الرسولِ
|
|
لم يك في العالم
من مقيلِ
|
فاجتمعَ القومُ
على الإنكارِ
|
|
للنصِّ والقولِ
بالاختيارِ
|
__________________
فقلت لمّا فوّضت
إلينا
|
|
أيلزم الأمّةَ
أن يكونا
|
أفضلَهم أم
ناقصاً مفضولا
|
|
لا يستحقُّ
الحكم والتأهيلا
|
فاجتمعوا أن ليس
للرعيّه
|
|
إلاّ اختيار
أفضلِ البقيّه
|
قلت لهم يا قوم
خبّروني
|
|
أعلى صفات
الفضلِ بالتعيينِ
|
فقدّموا السبقَ
إلى الإيمانِ
|
|
وهجرةَ القوم عن
الأوطانِ
|
إلى أن يقول فيها
:
قلت دعوني من
صفات الفضلِ
|
|
فأنتمُ من كلّها
في حلِ
|
نفرضُها كأمةٍ
بين نفرْ
|
|
قد أحدقوا من
حولها وهم زُمَرْ
|
وافترق الناسُ
فقال الأكثرُ
|
|
لواحد خذها فأنت
أجدرُ
|
وقال باقيهم
لشخصٍ ثاني
|
|
ليس لها مولىً
سواك قاني
|
ثمَّ رأينا
الأوّل المولّى
|
|
ينكر فيها الملك
مستقلاّ
|
يقول ليس لي بها
من حقِ
|
|
وذا يقول أمتي
ورقي
|
ويستغيث وله
تألّمُ
|
|
على الذي يغصبُه
ويظلمُ
|
وكلُّ شخصٍ
منهما صدِّيقُ
|
|
ليس إلى تكذيبه
طريقُ
|
فما يقول
الفقهاء فيها
|
|
شرعاً أنعطيها
لمدّعيها
|
أم من يقول ليس
لي بحقِ
|
|
بالله أفتونا
بمحض الحقِ
|
بُعيد هذا قالت
الجماعه
|
|
سمعاً لما
ذكرتمُ وطاعه
|
ما عندنا في
فضله تردّدُ
|
|
وأنَّه المكمّل
المؤيَّدُ
|
لكنّنا لا نترك
الإجماعا
|
|
ولا نرى الشقاق
والنزاعا
|
والمسلمون قطُّ
لم يجتمعوا
|
|
على ضلالٍ فلهم
نتّبعُ
|
ثمَّ الأحاديثُ
عن النبيِ
|
|
ناطقةٌ بنصِّهِ
الجليِ
|
قلت لهم دعواكمُ
الإجماعا
|
|
ممنوعة إذ
ضدُّها قد شاعا
|
وأيُّ إجماعٍ
هنالك انعقدْ
|
|
والصفوةُ
الأبرارُ ما منهم أحدْ
|
مثل عليّ الصنو
والعبّاسِ
|
|
ثمَّ الزبير هم
سراة الناسِ
|
ولم يكن سعدُ فتى
عباده
|
|
ولا لقيسٍ ابنهِ
إراده
|
ولا أبو ذرٍّ
ولا سلمانُ
|
|
ولا أبو سفيانَ
والنعمانُ
|
أعني ابنَ زيد
لا ولا المقدادُ
|
|
بل نقضوا عليهمُ
ما شادوا
|
وغيرهم ممَّن له
اعتبارُ
|
|
لم يقنعوا بها
ولم يختاروا
|
فلا يقال إنّه
إجماعُ
|
|
بل أكثرُ الناسِ
له أطاعوا
|
لكنّما الكثرة
ليست حجّه
|
|
بل ربما في
العكس كان أوجه
|
فاللهُ قد أثنى
على القليلِ
|
|
في غيرِ موضعٍ
من التنزيلِ
|
فسقطَ الإجماعُ
باليقينِ
|
|
إلاّ إذا
كابرتمُ في الدينِ
|
ونصّكمْ كيف
ادّعيتموهُ
|
|
وعن قليلٍ قد
منعتموهُ
|
أليس قد قرّرتمُ
أنَّ النبي
|
|
مات بلا نصّ
وليس مذهبي
|
لكنّني وافقتكم
إلزاما
|
|
ولم أقل بذلك
التزاما
|
لأنَّني أعلمُ
مثلَ الشمسِ
|
|
نصَّ الغدير
واضحاً عن لبسِ
|
وأنتمُ أيضاً
نقلتموهُ
|
|
كنقلنا لكن
رفضتموهُ
|
إلى آخر الأرجوزة
، ذُكر شطر مهمّ منها في أعيان الشيعة (٢٢ / ٣٤٣).
الشاعر
تقيّ الدين أبو
محمد الحسن بن عليّ بن داود الحلي ، هو نابغة في الفقه والحديث والرجال والعربيّة
وفي علوم شتّى ، ولم يختلف اثنان في أنّه من أوحديّي هذه الفرقة الناجية ، ومن
علمائها الأعلام ، وأطراه العلماء في المعاجم والإجازات بكلِّ جميل ، وإن
__________________
تكلّم بعضهم في
مقدار اعتبار كتابه المعروف السائر في الرجال ، فمن معوِّل عليه حاصر لتعويله به ، ومن معرض عنه نهائيّا ، لكن خير الأُمور أوسطها ، وهو نظريّة أكثر
علمائنا من أنّه كغيره من أُصول علم الرجال يُعتمد عليه وربما يُنتقد ، وأمّا
الشعر فقد كان تحدوه إلى نظمه غايات كريمة حيناً بعد حين.
ولد المترجم (٥)
جمادى الثانية سنة (٦٤٧) ، وأخذ العلم من السيّد الحجّة السيّد أبي الفضائل أحمد
بن طاووس الحلّي المتوفّى (٦٧٣) ، ويروي عنه وعن جمع آخر من أعلام الطائفة منهم :
١ ـ المحقِّق نجم
الدين جعفر بن الحسن الحلّي : المتوفّى (٦٧٦) وهو أحد مشايخ قراءته.
٢ ـ الشيخ نجيب
الدين أبو زكريّا يحيى بن سعيد الحلّي ابن عمّ المحقّق المذكور : المتوفّى (٦٨٩).
٣ ـ الفيلسوف
الأكبر خواجه نصير الدين الطوسي : المتوفّى (٦٧٢).
٤ ـ السيّد غياث
الدين عبد الكريم ابن السيّد أبي الفضائل أحمد بن طاووس الحلّي المذكور : المتوفّى
(٦٩٣).
٥ ـ الشيخ سديد
الدين يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي والد العلاّمة الحلّي.
٦ ـ الشيخ مفيد
الدين محمد بن جهيم ـ جهم ـ الأسدي ، عدّه المترجم في رجاله من مشايخه.
ويروي عنه من مشايخ
الطائفة :
__________________
١ ـ الشيخ رضيُ
الدين أبو الحسن عليّ بن أحمد المزيدي الحلّي : المتوفّى (٧٥٧)
٢ ـ السيّد أبو
عبد الله محمّد بن القاسم الديباجي الحلّي الشهير بابن معيّة : المتوفّى (٧٧٦).
٣ ـ الشيخ زين
الدين عليّ بن طرّاد المطارآبادي : المتوفّى بالحلّة (٧٥٤).
تآليفه القيّمة :
ذكر المترجم في
كتابه في الرجال لنفسه تآليف قيّمة وهي :
١ ـ التحفة
السعديّة
|
١٥ ـ مختصر أسرار العربية (في النحو)
|
٢ ـ المقتصر من
المختصر
|
١٦ ـ حلّ الإشكال في عقد الأشكال
|
٣ ـ كتاب الرائع
|
١٧ ـ إحكام القضيّة في أحكام القضيّة
|
٤ ـ كتاب في
الفقه
|
١٨ ـ شرح قصيدة الساوي (في العروض)
|
٥ ـ كتاب الرجال
|
١٩ ـ تكملة المعتبر
|
٦ ـ مختصر
الإيضاح
|
٢٠ ـ كتاب الدرج
|
٧ ـ اللمعة في
الصلاة
|
٢١ ـ كتاب الكافي
|
٨ ـ الإكليل (في
العروض)
|
٢٢ ـ البغية في القضايا
|
٩ ـ الرائض في
الفرائض [نظماً]
|
٢٣ ـ كتاب النكت
|
١٠ ـ عدّة
الناسك في قضاء المناسك (نظماً)
|
٢٤ ـ حروف المعجم
|
١١ ـ اللؤلؤة في
خلاف أصحابنا (نظماً)
|
٢٥ ـ تحصيل المنافع
|
١٢ ـ الخريدة
العذراء في العقيدة الغرّاء (نظماً)
|
٢٦ ـ خلاف المذاهب
|
١٣ ـ الدرّ
الثمين في أصول الدين (نظماً)
|
٢٧ ـ أصول الدين
|
١٤ ـ عقد
الجواهر في الأشباه والنظائر (نظماً)
|
٢٨ ـ الجوهرة في نظم التبصرة
|
٢٩ ـ قرّة عين
الخليل في شرح النظم الجليل لابن حاجب (في العروض)
__________________
لم نقف على تاريخ
وفاة المترجم وإنّما فرغ من كتاب رجاله سنة (٧٠٧) وله من العمر ستون سنة ، ورأى
صاحب رياض العلماء في مشهد الرضا عليهالسلام نسخة من الفصيح بخطّ شاعرنا المترجم له في آخرها : كتبه
مملوكه حقّا حسن بن علي بن داود غفر له في ثالث عشر شهر رمضان المبارك سنة إحدى
وأربعين وسبعمائة حامداً مصلّياً مستغفراً . فكان في (٧٤١) حيّا وله من العمر (٩٤) عاماً.
ومرّت من شعر
المترجم أبيات في رثاء الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح الحلّي في (٥ / ٤٤٢).
__________________
ـ ٦٦ ـ
جمال الدين الخلعي
المتوفّى (٧٥٠)
فاح أريجُ
الرياضِ والشجرِ
|
|
ونبّه الورقُ
راقدَ السحرِ
|
واقتدحَ الصبحُ
زندَ بهجتهِ
|
|
فأشعلت في محاجر
الزهرِ
|
وافترَّ ثغرُ
النوار مبتسماً
|
|
لمّا بكته
مدامعُ المطرِ
|
واختالتِ الأرضُ
في غلائلِها
|
|
فعطّرتنا
بنشرِها العطرِ
|
وقامت الورقُ في
الغصونِ فلم
|
|
يبق لنا حاجةٌ
إلى الوترِ
|
ونبّهتنا إلى
مساحبِ أذ
|
|
يالِ الصبا
بالأصيلِ والبُكرِ
|
يا طيبَ
أوقاتِنا ونحن على
|
|
مستشرفٍ شاهقٍ
نَدٍ نضرِ
|
تطلُّ منه على
بقاعٍ أنيقا
|
|
تٍ كساها
الربيعُ بالحُبرِ
|
في فتيةٍ ينثرُ
البليغُ لهم
|
|
وتراً فيهدي
تمراً إلى هجرِ
|
من كلِّ من
يشرفُ الجليسُ له
|
|
معطّر الذكر
طيِّب الخبرِ
|
فمن جليلِ صدرٍ
ومن شادنٍ
|
|
شادٍ فصيحٍ
كطلعة القمرِ
|
يورد ما جاء في
الغديرِ وما
|
|
حدّث فيه عن
خاتمِ النذرِ
|
ممّا روته
الثقاتُ في صحّة
|
|
النقلِ وما
أسندوا إلى عمرِ
|
قد رقى المصطفى
بخمّ على
|
|
الأقتابِ لا
بالونى ولا الحصرِ
|
إذ عاد من حجّةِ
الوداعِ إلى
|
|
منزله وهي آخرُ
السفرِ
|
وقال يا قوم
إنَّ ربِّيَ قد
|
|
عاودني وحيُه
على خطرِ
|
إن لم أُبلّغ ما
قد أُمرِتُ به
|
|
وكنتُ من خلقكم
على حذرِ
|
وقال إن لم
تفعلْ محوتُكَ من
|
|
حكمِ النبيِّين
فاخشَ واعتبرِ
|
إن خفت من كيدِهم
عصمتُكَ فاس
|
|
تبشر فإنّي
لَخيرُ منتصرِ
|
أقمْ عليّا
عليهمُ علماً
|
|
فقد تخيّرتُه من
البشرِ
|
ثمَّ تلا آيةَ
البلاغ لهم
|
|
والسمع يعنو لها
مع البصرِ
|
وقال قد آن أن
أُجيب إلى
|
|
داعي المنايا
وقد مضى عمري
|
ألستُ أولى منكم
بأنفسكم
|
|
قلنا بلى فاقضِ
حاكماً ومُرِ
|
فقالَ والناسُ
محدقون به
|
|
ما بين مصغٍ
وبين منتظرِ
|
من كنتُ مولىً
له فحيدرةٌ
|
|
مولاه يقفو به
على أثري
|
يا ربّ فانصر من
كان ناصرَهُ
|
|
واخذل عداه
كخذلِ مقتدرِ
|
فقمت لمّا عرفتُ
موضعَهُ
|
|
من ربِّه وهو
خيرةُ الخيرِ
|
فقلت يا خيرةَ
الأنامِ بخٍ
|
|
جاءتك منقادةً
على قدرِ
|
أصبحتَ مولىً
لنا وكنتَ أخاً
|
|
فافخر فقد حزتَ
خيرَ مفتخرِ
|
ويقول فيها :
تالله ما ذنبُ
من يقيسُ إلى
|
|
نعلك من قدّموا
بمغتفرِ
|
أنكر قومٌ عيد
الغدير وما
|
|
فيه على
المؤمنين من نكرِ
|
حكّمك اللهُ في
العبادِ به
|
|
وسرتَ فيهم
بأحسنِ السِّيرِ
|
وأكملَ اللهُ
فيه دينَهمُ
|
|
كما أتانا في
محكمِ السُّورِ
|
نعتُكَ في محكمِ
الكتابِ وفي
|
|
التوراةِ بادٍ
والسّفر والزُّبُرِ
|
عليك عرضُ
العباد تقضي على
|
|
من شئت منهم
بالنفع والضررِ
|
تُظمئ قوماً عند
الورود كما
|
|
تروي أُناساً بالوِردِ
والصَدرِ
|
يا ملجأ الخائف
اللهيفِ ويا
|
|
كنزَ الموالي
وخير مدّخرِ
|
لقّبتُ بالرفضِ
وهو أشرفُ لي
|
|
من ناصبيٍّ
بالكفر مشتهرِ
|
نعم رفضتُ
الطاغوتَ والجبتَ
|
|
واستخلصتُ ودّي
للأنجم الزُّهرِ
|
القصيدة (٥٦)
بيتاً
وله قوله :
حبّذا يومُ
الغديرِ
|
|
يومُ عيدٍ
وسرورِ
|
إذ أقامَ
المصطفى
|
|
من بعدِه خيرَ
أميرِ
|
قائلاً هذا
وصيِّي
|
|
في مغيبي وحضوري
|
وظهيري ونصيري و
|
|
وزيري ونظيري
|
وهو الحاكمُ
بعدي
|
|
بالكتابِ
المستنيرِ
|
والذي أظهرَهُ
اللهُ
|
|
على علمِ
الدهورِ
|
والذي طاعتُهُ
فرضٌ
|
|
على أهلِ العصورِ
|
فأطيعوه تنالوا
|
|
القصدَ من خيرِ
ذخيرِ
|
فأجابوه وقد
أخفوا
|
|
له غلَّ الصدورِ
|
بقبولِ القولِ
منه
|
|
والتهاني
والحبورِ
|
يا أمير النحلِ
يا من
|
|
حبُّه عقدُ
ضميري
|
والذي ينقذني من
|
|
حرِّ نيرانِ
السعيرِ
|
والذي مِدحتُهُ
ما
|
|
عشت أُنسي
وسميري
|
والذي يجعلُ في
الحشر
|
|
إلى الخلدِ
مصيري
|
لكَ أخلصتُ
الولا يا
|
|
صاحبَ العلمِ
الغزيرِ
|
ولمن عاداكَ
منّي
|
|
كلُّ لعنٍ
ودحورِ
|
نال مولاك «الخليعيُّ»
|
|
الهنا يوم
النشورِ
|
بتبرِّيه إلى
الرح
|
|
من من كلِّ
كفورِ
|
وله من قصيدة
تناهز واحداً وستّين بيتاً ، يوجد منها في مجالس المؤمنين (ص ٤٦٤) ستّة
وثلاثون بيتاً ، وذكرت برمّتها في رياض الجنّة لسيّدنا الزنوزي في الروضة الخامسة
، وفي غير واحد من المجاميع المخطوطة.
سارت بأنوار
علمك السِّيَرُ
|
|
وحدّثت عن جلالك
السورُ
|
والمادحون
المخبرون غلوا
|
|
وبالغوا في ثناك
واعتذروا
|
وعظّمتك التوراة
والصحف ال
|
|
أُولى وأثنى
الإنجيل والزُّبرُ
|
وأحكم اللهُ في
إمامتِكَ الآياتِ
|
|
واستبشرت بكَ
العصُرُ
|
والأنبياءُ
المكرمون وفوا
|
|
فيك بما عاهدوا
وما غدروا
|
وذكّر المصطفى
فأسمع من
|
|
ألقى له السمع
وهو مدَّكرُ
|
وجدَّ في نصحهم
فما قبلوا
|
|
ولا استقاموا له
كما أُمروا
|
يقول فيها :
أسماؤك المشرقات
في أوجه
|
|
القرآن في كلِّ
سورة غُررُ
|
سمّاك ربُّ
العباد قسوَرةً
|
|
من حيث فرّوا
كأنَّهم حمُرُ
|
والعينُ والجنبُ
والوجه أنت
|
|
والهادي وليلُ
الضلالِ معتكرُ
|
يا صاحبَ الأمرِ
في الغدير وقد
|
|
بخبخَ لمّا
ولّيته عمرُ
|
لو شئت ما مدَّ
حبترٌ يده
|
|
لها ولا نال
حكمَها زُفَرُ
|
لكن تأنَّيتَ في
الأُمور ولم
|
|
تعجل عليهم وأنت
مقتدرُ
|
الشاعر
أبو الحسن جمال
الدين عليّ بن عبد العزيز بن أبي محمد الخلعي ـ الخليعي ـ
__________________
الموصلي الحلّي ،
شاعر أهل البيت عليهمالسلام المفلق ، نظم فيهم فأكثر ، ومدحهم فأبلغ ، ومجموع شعره
الموجود ليس فيه إلاّ مدحهم ورثاؤهم ، كان فاضلاً مشاركاً في الفنون قويّ العارضة
، رقيق الشعر سهله ، وقد سكن الحلّة إلى أن مات في حدود سنة (٧٥٠) ودفن بها وله
هناك قبر معروف.
وُلد من أبوين
ناصبيّين ذكر القاضي التستري في المجالس (ص ٤٦٣) ، وسيّدنا
الزنوزي في رياض الجنّة في الروضة الأولى : أنّ أُمّه نذرت أنّها إن رُزقت ولداً
تبعثه لقطع طريق السابلة من زوّار الامام السبط الحسين عليهالسلام وقتلهم ، فلمّا ولدت المترجم وبلغ أشدّه ابتعثته إلى جهة نذرها ، فلمّا بلغ
إلى نواحي المسيّب بمقربة من كربلاء المشرّفة طفق ينتظر قدوم الزائرين ، فاستولى
عليه النوم واجتازت عليه القوافل فأصابه القتام الثائر ، فرأى فيما يراه النائم
أنّ القيامة قد قامت وقد أُمر به إلى النار ولكنّها لم تمسّه لما عليه من ذلك
العِثْيَر الطاهر ، فانتبه مرتدعاً عن نيّته السيِّئة ، واعتنق ولاء العترة ، وهبط
الحائر الشريف ردحاً. انتهى. ويقال : إنّه نظم عندئذٍ بيتين خمّسهما الشاعر المبدع
الحاج مهدي الفلّوجي الحلّي المتوفّى (١٣٥٧) وهما مع التخميس :
أراك بحيرةٍ
ملأتكَ رَينْا
|
|
وشتَّتك الهوى
بيناً فبينا
|
فطب نفساً وقر
بالله عينا
|
|
إذا شئت النجاة
فزر حسينا
|
لكي تلقى الإلهَ قريرَ عينِ
إذا علم
الملائكُ منك عزما
|
|
تروم مزارَه
كتبوك رسما
|
وحُرِّمتِ
الجحيمُ عليك حتما
|
|
فإنَّ النارَ
ليس تمسُّ جسما
|
عليه غبار زوّار الحسينِ
__________________
ولقد أخلص في
الولاء حتى تحظّى بعنايات خاصة من ناحية أهل البيت عليهمالسلام ، ففي دار السلام للعلاّمة النوري (ص ١٨٧) نقلاً عن
كتاب حبل المتين في معجزات أمير المؤمنين للسيّد شمس الدين محمد الرضوي : أنّ
المترجم لمّا دخل الحرم الحسيني المقدّس أنشأ قصيدة في الحسين عليهالسلام وتلاها عليه وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمِّي بالخليعي أو
الخلعي ، وهو يتخلّص بهما في شعره.
وفي دار السلام (ص ١٨٣) عن حبل
المتين المذكور عن المولى محمد الجيلاني أنّه جرت مفاخرة بين المترجم وبين ابن
حمّاد الشاعر ، وحسب كلّ أنّ مديحه لأمير المؤمنين عليهالسلام أحسن من مديح الآخر ، فنظم كلٌّ قصيدةً وألقياها في الضريح
العلوي المقدّس محكّمين الإمام عليهالسلام فخرجت قصيدة الخليعي مكتوباً عليها بماء الذهب : أحسنت.
وعلى قصيدة ابن حمّاد مثله بماء الفضّة. فتأثّر ابن حمّاد وخاطب أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : أنا محبّك القديم ، وهذا حديث العهد بولائك ، ثمّ رأى أمير المؤمنين عليهالسلام في المنام وهو يقول له : إنّك منّا وإنّه حديث عهد بأمرنا فمن اللاّزم
رعايته. انتهى ملخّصاً.
ومن شعر المترجم
قوله في رثاء الحسين السبط سلام الله عليه :
أيُّ عذر لمهجةٍ
لا تذوبُ
|
|
وحَشاً لا يشبُّ
فيها لهيبُ
|
ولقلبٍ يضيق من
ألمِ الحز
|
|
نِ وعينٍ دموعها
لا تصوبُ
|
وابنُ بنتِ
النبيِّ بالطفِّ مطرو
|
|
حٌ لقىً
والجبينُ منه تريبُ
|
حوله من بني
أبيه شبابٌ
|
|
صرعتهمْ أيدي
المنايا وشيبُ
|
__________________
وحريمُ النبيِّ
عبرى من الثك
|
|
لِ وحسرى
خمارُها منهوبُ
|
تلك تدعو أخي
وتلك تنادي
|
|
يا أبي وهو
شاخصٌ لا يجيبُ
|
لهفَ قلبي
وطفلُه في يديهِ
|
|
يتلظّى والنحرُ
منه خضيبُ
|
لهفَ قلبي
لأُخته زينبَ تأ
|
|
وي اليتامى ودمعُها
مسكوبُ
|
لهفَ قلبي
لفاطمٍ خيفةَ السب
|
|
ـي تخفَّتْ وقلبُها
مرعوبُ
|
لهفَ قلبي لأُم
كلثومَ والخدّ
|
|
ان منها قد
خدّدتها الندوبُ
|
وهي تدعو يا
واحدي يا شقيقي
|
|
يا مغيثي قد
برّحتني الخطوبُ
|
ثمَّ تشكو إلى
النبيِّ ودمعُ ال
|
|
عين في خدِّها
الأسيلِ صبيبُ
|
جدُّ يا جدُّ لو
ترانا سبايا
|
|
قد عرتْنا
بكربلاءَ الكروبُ
|
جدُّ يا جدُّ لم
يفد ذلك النص
|
|
ح وذاك الترهيبُ
والترغيبُ
|
جدُّ لم تقبل
الوصيّةُ في الأه
|
|
لِ ولم يُرحَمِ
الوحيدُ الغريبُ
|
يصبح الجاهدُ
البعيدُ من الحقِ
|
|
قريباً منهم
ويُقصى القريبُ
|
أين عيناكَ
والحسينُ قتيلٌ
|
|
وعليٌّ مغلَّلٌ
مضروبُ
|
لا ترى سبطَكَ
المفدّى طريحاً
|
|
عارياً والرداءُ
منه سليبُ
|
لو ترانا نُساقُ
بالذلِّ ما بي
|
|
ن العدى قد قست
علينا القلوبُ
|
لو ترانا حسرى
وقد أبرزت منّا
|
|
وجوهٌ صينتْ
وشقَّتْ جيوبُ
|
بأبي الطاهراتِ
تُحدى بهنِّ ال
|
|
عيسُ بين الملا
وتُطوى السهوبُ
|
بأبي رأسَ نجلِ
فاطمةٍ يش
|
|
هرُه للعيونِ
رمحٌ كعوبُ
|
يا ابن أزكى
الورى نِجاراً على مث
|
|
لك يستحسنُ
البكا والنحيبُ
|
هاجفوني لما
أُصِبتَ به قر
|
|
حى وقلبي لما
رُزيتُ كئيبُ
|
أين قلبُ
الشجيِّ والفارغِ البا
|
|
لِ وأين المحقُّ
والمستريبُ
|
لا هَنا لي عيشي
ومبسمُك الد
|
|
رِّيُّ بادٍ وقد
علاه قضيبُ
|
ليت أنيّ فداك
لو كان بالعب
|
|
د يُفدى المولى
الحسيبُ النسيبُ
|
سهمُ بغي الأُلى
أصابك من قب
|
|
لُ وللهِ عنك
سهمٌ مصيبُ
|
أظهروا فيك حقد
بدرٍ ومن قب
|
|
لُ دُعوا للهدى
فلم يستجيبوا
|
يا بني أحمدٍ
إلى مدحكم قل
|
|
ب الخليعيِّ
مُستهامٌ طروبُ
|
كيف صبر امرئٍ
يرى الودَّ في القر
|
|
بى وجوباً
وإرثُكم مغصوبُ
|
أنتمُ حجّةُ
الإلهِ على الخل
|
|
ق وأنتم للطالبِ
المطلوبُ
|
بولاكمْ وبغض
أعدائكم تُقب
|
|
لُ أعمالُنا وتُمحى
الذنوبُ
|
لثناكم شاهت
وجوه ذوي النص
|
|
ب وشُقَّتْ من
النفورِ القلوبُ
|
وله رحمهالله تعالى قوله :
سجعتْ فوق
الغصونِ
|
|
فاقداتٌ للقرينِ
|
فاستهلّتْ سحبَ
أجفا
|
|
ني وهزّتني
شجوني
|
غرّدت لا شجوُها
شج
|
|
وي ولا حنّت
حنيني
|
لا ولا قلت لها
|
|
يا ورقُ بالنوح
اسعديني
|
ما شجى الباكي
طروباً
|
|
كشجى الباكي
الحزينِ
|
حقَّ لي أبكي
دماءً
|
|
عوضَ الدمعِ
الهتونِ
|
لغريبٍ نازح
الدا
|
|
ر خليٍّ من
معينِ
|
لتريب الخدّ
دامي ال
|
|
وجهِ مرضوضِ
الجبينِ
|
ومنها :
يا بني طه وياسي
|
|
ـن وحاميمٍ ونونِ
|
بكمُ استعصمتُ
من
|
|
شرِّ خطوبٍ
تعتريني
|
فإذا خفتُ
فأنتمْ
|
|
لنجاتي كالسفينِ
|
وعليكم ثقلُ
ميزا
|
|
ني وأنتم
تنقذوني
|
فاحشروا العبدَ
الخليعيَ
|
|
إلى ذات اليمينِ
|
وإليكم مِدَحاً
أس
|
|
نى من الدرِّ
الثمينِ
|
يا حجابَ اللهِ
والمح
|
|
ميَّ عن رجمِ
الظنونِ
|
فيك داريتُ
أُناساً
|
|
عزموا أن
يقتلوني
|
وتحصّنت بقولِ
ال
|
|
صّادقِ الحَبرِ
الأمينِ
|
اتّقوا إنَّ
التّقى من
|
|
دين آبائي وديني
|
ولأوصافِكَ ورّي
|
|
ت كلامي وحنيني
|
وإلى مدحِكَ
أظهر
|
|
تُ ظهوري وبطوني
|
وكفاني علمُك
الشا
|
|
هدُ للسرِّ
المصونِ
|
ومعاذَ الله أن
أل
|
|
وي عن الحبلِ
المتينِ
|
وأُساوي بين
مفضا
|
|
لٍ ومفضولٍ
ضنينِ
|
بين من قال
أقيلو
|
|
ني ومن قال
سلوني
|
وله يرثي البطل
الهاشميَّ الشهيد مسلم بن عقيل سلام الله عليه قوله :
ألمسلمِ بنِ
عقيلِ قام الناعي
|
|
لمَّا استهلّت
أدمعُ الأشياعِ
|
مولىً دعاه وليُّهُ
وإمامُه
|
|
فأجابَ دعوتَه
بسمعٍ واعِ
|
حفظَ الودادَ
لذي القرابةِ فاقتنى
|
|
شرفاً على
الأهلين والأتباعِ
|
أفديه من حُرٍّ
نقيٍّ طاهرٍ
|
|
ماضي العزيمة
ساجدٍ ركّاعِ
|
أفديه من بطلٍ
كميٍّ ماجدٍ
|
|
جمِّ الوفا ندبٍ
طويلِ الباعِ
|
لهفي لمسلم
والرماحُ تنوشُه
|
|
لا بالجَزوعِ
لها ولا المرتاعِ
|
حتى إذا ظفرتْ
به عُصَبُ الخنا
|
|
من بعد معتركٍ
وطولِ نزاعِ
|
جاءوا به نحو
اللّعينِ فغاظَهُ
|
|
بالقولِ من ثبتِ
الجنانِ شجاعِ
|
وإلى ابن سعدٍ
بالوصيّةِ مبطناً
|
|
أفضى فأظهرها
بلؤمِ طباعِ
|
وهوى من القصر
المشوم مهلّلاً
|
|
ومكبّراً تجلو
صدى الأسماعِ
|
لهفي لسيفٍ من
سيوفِ محمدٍ
|
|
عبثَ الفلولُ
بحدِّهِ القطّاعِ
|
لهفي لمزج
شرابِهِ بنجيعِهِ
|
|
لهفي لمسقط
ثغرِه اللمّاعِ
|
لهفي له فوق
الترابِ مجدَّلاً
|
|
دامي الجبينِ
مهشّمَ الأضلاعِ
|
مولاي يا ابن
عقيلِ يومُك جاعلٌ
|
|
حَبَّ القلوبِ
دريئةَ الأوجاعِ
|
جادت معالمك
الدموع بريِّها
|
|
وسقى الحميم
بواطن الأبداعِ
|
وسقى ابنَ عروةَ
هانياً غدقُ الحيا
|
|
فلقد أصاخَ إلى
نداءِ الداعي
|
يا سادةً ما زلت
مذ علقت يدي
|
|
بهمُ أُحافظ
ودَّهم وأُراعي
|
مولاكمُ
الخلعيُّ رافعُ قصّةٍ
|
|
يشكو سمومَ
عقاربٍ وأفاعي
|
وقفت للمترجم على
قصائد كثيرة كلّها في العترة الطاهرة مدحاً ورثاءً لو تجمع لجاءت ديواناً فخماً
وإليك فهرستها ، توجد في مجاميع مخطوطة بالنجف الأشرف وأخرى بالكاظميّة المشرّفة :
عدد القصائد
|
مطلع القصائد
|
عدد الأبيات
|
١ ـ لم أبكِ عافي دمنةٍ وطلولِ
|
|
وشموسَ ركبٍ
آذنت برحيلِ / ٢٧
|
٢ ـ أضرمتْ نار قلبي المحزونِ
|
|
صادحاتُ الحمامِ
فوق الغصونِ / ٥٦
|
٣ ـ طِلابُ العلى بالسمهريّ المقوَّمِ
|
|
وضربُ الطُّلى
مرمىً إلى كلِّ مغنمِ / ٥٠
|
٤ ـ جعلت النوحَ في عاشورَ دأبي
|
|
فزادَ أليم وجدي
واكتئابي / ٣٠
|
٥ ـ يا عينُ بالدمع الغزيرِ
|
|
جودي على الطهرِ
المزورِ / ٣١
|
٦ ـ أَرَقي لابن النبيِ
|
|
لا لبرقٍ
حاجريِّ / ٣١
|
٧ ـ عرِّج على أرضِ كربلاءِ
|
|
وامزج الدمع
بالدماءِ / ٢٣
|
٨ ـ ذكرت المصارعَ في كربلا
|
|
فزاد بقلبي
عظيمُ البلا / ٢٣
|
٩ ـ ألحاظُ ساكنةِ الخبا
|
|
فتكتكَ أم
مُقَلُ الظبا / ٤٤
|
١٠ ـ فرطُ وجدي قد حلا لي
|
|
ما لعذّالي وما
لي / ٥١
|
عدد القصائد
|
مطلع القصائد
|
عدد الأبيات
|
١١ ـ ليته زار لماما
|
|
فاهتدى جفني
المناما / ٥٩
|
١٢ ـ زاد همّي وشجوني
|
|
وجفا نومي جفوني
/ ٦٦
|
١٣ ـ طال حزني واكتئابي
|
|
فجعلت النوح
دابي / ٣٥
|
١٤ ـ هاج لي نوحُ الحمامِ
|
|
فرطَ وجدي
وغرامي / ٢٩
|
١٥ ـ ما ذا يريد النوى من قلبي العاني
|
|
أما تناهت
صباباتي وأشجاني / ٩٠
|
١٦ ـ أُكفكف دمعي وهولايسأم الوكفا
|
|
وأُخفي غرامي
والصبابةُ لا تخفى / ٣٥
|
١٧ ـ سلام الله ذي الحجبِ
|
|
على الزوّار في
رجبِ / ٣٧
|
١٨ ـ قل ولا تخش في المعاد أثاما
|
|
لا سُقي شانئي
عليٍّ غماما ٣٧
|
ويقول فيها :
وتناسى العهد
المؤكّد في خم
|
|
ولم ترع للوصيِّ
ذماما
|
١٩ ـ لم أُطِلْ في عرصةِ الدمنِ
|
|
وقفةَ الباكي
على السكنِ / ٢٥
|
٢٠ ـ يا زائراً حرم الوصيِ
|
|
الطاهرِ العلمِ
الإمامِ ٣٢
|
يبغي بزورته
الرضا
|
|
والأمنَ في يومِ
الزحامِ
|
٢١ ـ لم أبك ربعاً للأحبّةِ قد خلا
|
|
وعفى وغيّرهُ
الجديدُ وأمحلا ٧٥
|
توجه هذه القصيدة
في بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (١٠ / ٢٥٨) ،
ووقفنا للمترجم على قصائد في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه في مجموعة
كبيرة بالكاظميّة المشرّفة غير ما سبق ، فهرستها :
٢٢ ـ يا عينُ لا
لمرابعٍ وخيامِ
|
|
أودت بساكنها
يدُ الأيامِ ٣٨
|
٢٣ ـ يا عينُ لا لخلوِّ الربعِ والدمنِ
|
|
باكي الرزايا
سوى الباكي على السكنِ ٤٤
|
__________________
عدد القصائد
|
مطلع القصائد
|
عدد الأبيات
|
٢٤ ـ سل جيرةَ القاطنين ما فعلوا
|
|
وهل أقاموا
بالحيِّ أم رحلوا ٥٥
|
٢٥ ـ العين عبرى ودمعُها مسفوحُ
|
|
والقلبُ من ألمِ
الأسى مقروحُ ٣٢
|
٢٦ ـ أعاد لي ذكرُ كربلا حزني
|
|
فسحّ دمعي
كالعارضِ الهتنِ ٢٩
|
٢٧ ـ ألا ما لجفني بالسهاد موكّلُ
|
|
وقلبي لأعباء
الهوى يتحمّلُ ٣٩
|
٢٨ ـ لم أبك ربعاً دارسَ العرصاتِ
|
|
أضحتْ معارفُه
من النكراتِ ٣٦
|
٢٩ ـ لم أبك من وقفةٍ على الدمنِ
|
|
ولا لخلٍّ نأى
ولا سكنِ ٥١
|
٣٠ ـ هاج حزني وزاد حرُّ لهيبي
|
|
وشجاني ذكرُ
القتيلِ الغريبِ ٣٩
|
٣١ ـ جفونٌ لا تملُّ من الهمولِ
|
|
وجسمٌ لا يفكُّ
من النحولِ ٤٨
|
٣٢ ـ ما هاجني ذكرُ مربعٍ خصبِ
|
|
ولا شجاني وجدي
ولا طربي ٤٦
|
٣٣ ـ ما لدمعي لم يُطْفِ حرَّ غليلي
|
|
للقتيل الظامي
وأيّ قتيلِ ٥٨
|
٣٤ ـ هاج حزني وغليلي
|
|
ذكرُ عطشانٍ
قتيلِ ٢٨
|
٣٥ ـ هجرتْ مقلتي لذيذَ كراها
|
|
لمصاب الشهيد من
آل طه ٥٢
|
ووجدت عند الشيخ
العلاّمة السماوي قصائد للمترجم في رثاء الإمام السبط عليهالسلام ، مستهلّها :
٣٦ ـ عذرتُكَ لو
تجدي ملامةُ لُوَّمِ
|
|
على اللّوم
للمُضنى الكئيب المتيمِ ٥٥
|
٣٧ ـ لست ممّن يبكي رسوماً محولا
|
|
ودياراً أعفى
البلا وطلولا ٥٣
|
٣٨ ـ جعلت النوحَ إدمانا
|
|
لما نال ابن
مولانا ٣٠
|
٣٩ ـ هو الحمى وبانُهُ
|
|
لا نفرت غزلانه
٣٧
|
__________________
فمجموع أبيات ما
وقفنا عليه من شعر المترجم : (١٦٥٦) بيتاً.
لفت نظر :
توجد في أعيان
الشيعة (٢١ / ٢٤٩) ترجمة
تحت عنوان : الشيخ حسن الخليعي ، ذُكرت له خمسة أبيات من بائيّة شاعرنا الخليعي
التي أسلفناها برمّتها مطلعها :
أيّ عذر لمهجة
لا تذوبُ
|
|
وحشاً لا يشبُّ
فيها لهيبُ
|
وستّة وعشرون
بيتاً من قصيدته الرائيّة في مدح أمير المؤمنين أوّلها :
سارت بأنوار
علمك السِّيرُ
|
|
وحدّثتْ من
جلالك السورُ
|
وقد مرّ أنّ
القاضي ذكر منها في مجالسه للمترجم ستّة وثلاثين بيتاً ، واحتمل سيّد الأعيان كون الشيخ حسن هذا ولد مترجمنا أو
أنّ النسخة محرّفة. والصواب أنّ الشعر المنقول هناك المنتزع منه العنوان المذكور
كلّه للمترجم له ، والحسن محرّف كنيته أبي الحسن.
__________________
ـ ٦٧ ـ
السريجي الأُوالي
المتوفّى (٧٥٠)
تقريباً
إن لم أُفِضْ في
المغاني ماءَ أجفاني
|
|
فما أفظَّ إذن
قلبي وأجفاني
|
وكيف لا يَهملُ
الدمعَ الهتونَ فتىً
|
|
أمسى أسيرَ
صباباتٍ وأحزانِ
|
يا ربَّةَ
السجفِ هلاّ كنتِ قاضيةً
|
|
دَيْناً وأقلعتِ
عن مطلٍ وليّانِ
|
لو كنتِ في عصرِ
بلقيسٍ لما خلبت
|
|
بلقيسُ قلبَ
ابنِ داودَ سليمانِ
|
يا قلبُ كم
بالحسانِ البيضِ تجعلُني
|
|
مستهتَراً
والنُّهى عن ذاك ينهاني
|
ولي بودِّ أمير
النحلِ «حيدرةٍ»
|
|
شغلٌ عن اللهو
والإطراب ألهاني
|
هاتِ الحديث
سميري عن مناقبِه
|
|
ودع حديثَ رُبى
نجدٍ ونعمانِ
|
مُردي الكماةِ
وفتّاكُ العتاةِ و
|
|
هطّالُ الهبات
وأمنُ الخائفِ الجاني
|
بنى بصارمِهِ
الإسلامَ إذ هدم ال
|
|
أصنامَ أكرِمْ
به من هادمٍ بانِ
|
سائل به يوم
أُحدٍ والقليب وفي
|
|
بدرٍ وخيبرَ يا
من فيه يلحاني
|
ويومَ صفّينَ
والألبابُ طائشةٌ
|
|
وفي حُنينَ إذا
التفَّ الفريقانِ
|
ويومَ عمرو بن
ودٍّ حين جلّلَهُ
|
|
عضباً به قربت
آجالُ أقرانِ
|
وفي «الغديرِ»
وقد أبدى النبيُّ له
|
|
مناقباً أرغمت
ذا البغضةِ الشاني
|
إذ قال من كنتُ
مولاه فأنت له
|
|
مولىً به اللهُ
يهدي كلَّ حيرانِ
|
__________________
أُنزلت منّي كما
هارون أُنزل من
|
|
موسى ولم يك
بعدي مرسلٌ ثاني
|
وآية الشمس إذ
رُدَّت مبادرةً
|
|
غرّاءَ أقصرَ
عنها كلُّ إنسانِ
|
وإنَّ في قصّةِ
الأفعى ومكمنِهِ
|
|
في الخفِّ هدياً
لذي بغضٍ وإرعانِ
|
وقصّةُ الطائرِ
المشويّ بيّنة
|
|
لكلِّ من حاد عن
عمدٍ وشنآنِ
|
واسأل به يومَ
وافى ظهرَ منبرِهِ
|
|
والناسُ قد
فزعوا من شخصِ ثعبان
|
فقال خلّوا له
نهجاً ولا تجدوا
|
|
بأساً بتمكينِهِ
قصدي وإتياني
|
فجاء حتى رقى أعوادَ
منبرِه
|
|
مهمهماً بلسانِ
الخاضعِ الجاني
|
من غيرُه بَطَنَ
العلمَ الخفيَّ ومن
|
|
سواه قال
اسألوني قبل فقداني
|
ومن وقت نفسُهُ
نفسَ الرسولِ وقد
|
|
وافى الفراشَ
ذوو كفرٍ وطغيانِ
|
ومن تصدّقَ في
حالِ الركوع ولم
|
|
يسجدْ كما سجدتْ
قومٌ لأوثانِ
|
من كان في حرم
الرحمن مولدُهُ
|
|
وحاطه اللهُ من
باسٍ وعدوانِ
|
من غيره خاطبَ
الرحمنَ واعتضدتْ
|
|
به النبوّةُ في
سرٍّ وإعلانِ
|
من أُعطي
الرايةَ الغرّاءَ إذ ربدتْ
|
|
نارُ الوغى
فتحاماها الخميسانِ
|
من رُدّت الكفُّ
إذ بانت بدعوتِهِ
|
|
والعينُ بعد
ذهابِ المنظرِ الفاني
|
من أنزل الوحيُ
في أن لا يُسدَّ له
|
|
بابٌ وقد سُدَّ
أبوابٌ لإخوانِ
|
ومن به بُلّغت
من بعد أوبتِها
|
|
براءةٌ لأُولي
شركٍ وكفرانِ
|
ومن تظلّمَ
طفلاً وارتقى كتف ال
|
|
ـمختار خيرَ ذوي شيبٍ وشبّانِ
|
ومن يقول خذي يا
نار ذا وذري
|
|
هذا وبالكأسِ
يسقي كلّ ظمآنِ
|
من غسّل المصطفى
من سال في يدِهِ
|
|
أجلُّ نفسٍ نأتْ
عن خيرِ جثمانِ
|
ومن تورّكَ متن
الرِّيحِ طائعةً
|
|
تجري بأمرِ
مليكِ الخلقِ رحمانِ
|
حتى أتى فتيةَ الكهفِ الذين جرتْ
|
|
على مراقدِهمْ أعصارُ أزمانِ
|
فاستيقظوا ثمَّ قالوا بعد يقظتِهمْ
|
|
أنت الوصيُّ على علمٍ وإيقانِ
|
ما يتبع الشعر
في هذه القصيدة
إشارة إلى لمّة من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وقد بسطنا القول
في جملة مهمة منها في الأجزاء السابقة ، ونذكر هنا ما أشار إليه شاعرنا بقوله
من كان في حرمِ
الرحمنِ مولدُهُ
|
|
وحاطه اللهُ من
باسٍ وعدوانِ
|
يريد به قصّة
ولادته صلوات الله عليه في الكعبة المعظّمة ، وقد انشقّ جدار البيت لأُمِّه فاطمة
بنت أسد فدخلته ثمّ التأمت الفتحة ، فلم تزل في البيت العتيق حتى ولدت مشرِّف
البيت بذلك الهبوط الميمون ، وأكلت من ثمار الجنّة ، ولم ينفلق صدف الكعبة عن
درِّه الدريّ إلاّ وأضاء الكون بنور محيّاه الأبلج ، وفاح في الأجواء شذى عنصره
الأقدس ، وهذه حقيقة ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان ، وتضافرت بها الأحاديث ،
وطفحت بها الكتب ، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نصِّ جمع من أعلام
الفريقين على تواتر حديث هذه الأثارة.
قال الحاكم في
المستدرك (٣ / ٤٨٣) : وقد
تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله
وجهه في جوف الكعبة.
وحكى الحافظ
الكنجي الشافعي في الكفاية من طريق ابن النجّار عن الحاكم النيسابوري أنّه قال : وُلد
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكّة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة
ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت
الله الحرام سواه إكراماً له بذلك ، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.
__________________
وتبعه أحمد بن عبد
الرحيم الدهلوي الشهير بشاه وليّ الله والد عبد العزيز الدهلوي مصنِّف التحفة
الاثني عشريّة في الردِّ على الشيعة ، فقال في كتابه إزالة الخفاء : تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين
عليّا في جوف الكعبة. فإنّه وُلد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل
بثلاثين سنة في الكعبة ، ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده.
قال شهاب الدين
السيّد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في : سرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة
العينيّة لعبد الباقي أفندي العمري (ص ١٥) عند قول الناظم :
أنت العليُّ
الذي فوق العلى رُفِعا
|
|
ببطن مكّةَ عند
البيتِ إذ وُضعا
|
وكون الأمير كرّم
الله وجهه وُلد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنّة
والشيعة ... إلى أن قال : ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه بل لم
تتّفق الكلمة عليه ، وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين ،
وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين.
وقال في (ص ٧٥)
عند قول العمري :
وأنت أنت الذي
حطّت له قدمٌ
|
|
في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ
قد وضَعا
|
وقيل : أحبّ عليه
الصلاة والسلام ـ يعنى عليّا ـ أن يكافئ الكعبة حيث وُلد في بطنها بوضع الصنم عن
ظهرها ؛ فإنّها ـ كما ورد في بعض الآثار ـ كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة
الأصنام حولها وتقول : أي ربّ حتى متى تُعبد هذه الأصنام حولي؟ والله تعالى يعدها
بتطهيرها من ذلك. انتهى.
__________________
وإلى هذا المعنى
أشار العلاّمة السيّد رضا الهندي بقوله :
لمّا دعاكَ
اللهُ قدماً لأن
|
|
تولد في البيت
فلبّيته
|
شكرتَه بين
قريشٍ بأن
|
|
طهّرتَ من
أصنامِهمْ بيته
|
ويجدها القارئ من
المتسالم عليه من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في غير واحد من
مصادر القوم منها :
١ ـ مروج الذهب (٢
/ ٢) / تأليف أبي الحسن المسعودي الهذلي.
٢ ـ تذكرة خواصّ
الأُمّة (ص ٧) / تأليف سبط ابن الجوزي الحنفي.
٣ ـ الفصول
المهمّة (ص ١٤) / تأليف ابن الصباغ المالكي.
٤ ـ السيرة
النبوية (١ / ١٥٠) / تأليف نور الدين علي الحلبي الشافعي.
٥ ـ شرح الشفا (١
/ ١٥١) / تأليف الشيخ علي القاري الحنفي.
٦ ـ مطالب السؤول (ص
١١) / تأليف أبي سالم محمد بن طلحة الشافعي.
٧ ـ محاضرة
الأوائل (ص ١٢٠) / تأليف الشيخ علاء الدين السكتواري.
٨ ـ مفتاح النجا
في مناقب آل العبا / تأليف ميرزا محمد البدخشي.
٩ ـ المناقب /
تأليف الأمير محمد صالح الترمذي.
١٠ ـ مدارج
النبوّة / تأليف الشيخ عبد الحقِّ الدهلوي.
١١ ـ نزهة المجالس
(٢ / ٢٠٤) / تأليف عبد الرحمن الصفوري الشافعي.
__________________
١٢ ـ آيينه تصوّف (طبع
سنة ١٣١١) / تأليف شاه محمد حسن الجشتي.
١٣ ـ روائح
المصطفى (ص ١٠) / تأليف صدر الدين أحمد البردواني.
١٤ ـ كتاب الحسين (١
/ ١٦) / تأليف السيّد علي جلال الدين.
١٥ ـ نور الأبصار (ص
٧٦) / تأليف السيّد محمد مؤمن الشبلنجي.
١٦ ـ كفاية الطالب
(ص ٣٧) / تأليف الشيخ حبيب الله الشنقيطي.
وأما أعلام الشيعة
، فقد ذكرت منهم هذه الأثارة أُمّة كبيرة منها :
١ ـ الحسن بن محمد
بن الحسن القمي ، في تاريخ قم الذي ألّفه وقدّمه إلى الصاحب بن عباد سنة (٣٧٨) ،
وترجمه إلى الفارسية الشيخ الحسن بن عليّ بن الحسن القمي سنة (٨٦٥) ، راجع (ص ١٩١)
من الترجمة.
٢ ـ الشريف الرضي
: المتوفّى (٤٠٦) المترجم في (٤ / ١٨١ ـ ٢٢١) ، ذكرها في خصائص الأئمّة وقال : لم نعلم مولوداً في الكعبة غيره.
٣ ـ شيخ الأُمّة
معلّم البشر أبو عبد الله المفيد : المتوفّى (٤١٣) ، في المقنعة ، ومسار الشيعة (ص ٥١) طبع مصر ، والإرشاد (ص ٣)
وقال : لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه ، إكراماً من الله جلّ اسمه
بذلك ، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.
٤ ـ الشريف
المرتضى : المتوفّى (٤٣٦) مرّت ترجمته في (٤ / ٢٦٤ ـ ٢٩٩) ، ذكرها في شرح القصيدة
البائيّة للحميري (ص ٥١) طبع مصر وقال : لا نظير له في هذه الفضيلة.
٥ ـ نجم الدين
الشريف أبو الحسن عليّ بن أبي الغنائم محمد المعروف بابن
__________________
الصوفي ، ذكرها في
كتابه المجدي المخطوط.
٦ ـ الشيخ أبو
الفتح الكراجكي : المتوفّى (٤٤٩)،في كنز الفوائد (ص ١١٥).
٧ ـ الشيخ حسين بن
عبد الوهّاب معاصر الشريف المرتضى ، في عيون المعجزات .
٨ ـ شيخ الطائفة
محمد بن الحسن الطوسي : المتوفّى (٤٦٠) ، في التهذيب (ج ٢) ومصباح المتهجّد (ص ٥٦٠) ، والأمالي (ص ٨٠ ـ
٨٢).
٩ ـ أمين الإسلام
الفضل بن الحسن الطبرسي : المتوفّى (٥٤٨) صاحب مجمع البيان ، في إعلام الورى (ص ٩٣) وقال : لم
يولد قطُّ في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده.
١٠ ـ ابن شهرآشوب
السروي : المتوفّى (٥٨٨) ، في المناقب (١ / ٣٥٩ و ٢ / ٥٠).
١١ ـ ابن البطريق
شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن الحلّي : المتوفّى (٦٠٠) ، في كتابه العمدة وقال : لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه.
١٢ ـ رضيُ الدين
علي بن طاووس : المتوفّى (٦٦٤) ، في كتابه الإقبال (ص ١٤١).
__________________
١٣ ـ عماد الدين
الحسن الطبري الآملي صاحب الكامل المؤلّف سنة (٦٧٥) ، في كتابه تحفة الأبرار في
الفصل الثامن من الباب الرابع.
١٤ ـ بهاء الدين
الإربلي : المتوفّى (٦٩٢) مرّت ترجمته في (٥ / ٤٤٥) ، في كتابه كشف الغمّة (ص ١٩) وقال : لم
يولد في البيت أحد سواه قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خصّه الله بها إجلالاً له ،
وإعلاءً لرتبته ، وإظهاراً لتكرمته.
١٥ ـ أبو علي ابن
الفتّال النيسابوري المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ٣٧) ذكرها في روضة
الواعظين (ص ٦٧).
١٦ ـ هندوشاه بن
عبد الله الصاحبي النخجواني ، في تجارب السلف (ص ٣٧).
١٧ ـ العلاّمة
الحسن بن يوسف الحلّي : المتوفّى (٧٢٦) ، في كتابيه : كشف الحقّ ، وكشف اليقين (ص ٥) ونصّ على أنّه لم يولد
أحد سواه فيها لا قبله ولا بعده.
١٨ ـ جمال الدين
بن عنبة : المتوفّى (٨٢٨) ، في عمدة الطالب (ص ٤١).
١٩ ـ الشيخ عليّ
بن يونس العاملي البياضي : المتوفّى (٨٧٧) ، في الصراط المستقيم .
٢٠ ـ السيّد محمد
بن أحمد بن عميد الدين علي الحسيني ، في المشجّر الكشّاف لأصول السادة الأشراف (ص
٢٣٠) طبع مصر.
٢١ ـ الشيخ تقيّ
الدين الكفعمي الآتي ترجمته في هذا الجزء إن شاء الله ، في المصباح (ص ٥١٢).
__________________
٢٢ ـ أحمد بن محمد
بن عبد الغفّار الغفاري القزويني ، في تاريخ نگارستان المؤلّف سنة (٩٤٩) (ص ١٠) طبع سنة (١٢٤٥).
٢٣ ـ القاضي نور
الله المرعشي المستشهد (١٠١٩) المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ١٧١) ، في كتابه
إحقاق الحق .
٢٤ ـ الشيخ عبد
النبيّ الجزائري : المتوفّى (١٠٢١) ، في حاوي الأقوال.
٢٥ ـ الشيخ محمد
ابن الشيخ علي اللاهيجي ، في محبوب القلوب .
٢٦ ـ المولى
المحسن الكاشاني : المتوفّى (١٠٩١) ، في كتابه تقويم المحسنين .
٢٧ ـ الشيخ نظام
الدين محمد بن الحسين التفرشي الساوجي تلميذ شيخنا البهائي ، في تأليفه تكملة
الجامع العبّاسي لشيخه المذكور.
٢٨ ـ الشيخ أبو
الحسن الشريف : المتوفّى (١١٠٠) ، في كتابه الضخم الفخم القيِّم ضياء العالمين
وقال : كانت مشهورة في الصدر الأوّل.
٢٩ ـ السيّد هاشم
التوبلي البحراني صاحب التآليف القيِّمة : المتوفّى (١١٠٧) ، في غاية المرام ، وقال : بلغت حدّ التواتر ، معلومة في كتب العامّة
والخاصّة.
٣٠ ـ العلاّمة
المجلسي : المتوفّى (١١١٠ ، ١١١١) ، في جلاء العيون (ص ٨٠) فقال ما
معناه : مشهور بين المحدِّثين والمؤرِّخين من الخاصّة والعامّة.
__________________
٣١ ـ السيّد نعمة
الله الجزائري : المتوفّى (١١١٢) ، في الأنوار النعمانيّة .
٣٢ ـ السيّد علي
خان الشيرازي (١١١٨ ـ ١١٢٠) ، في الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة .
٣٣ ـ السيّد محمد
الطباطبائي جدّ آية الله بحر العلوم الفارغ عن بعض تآليفه سنة (١١٢٦) ، في رسالته
الموضوعة لتواريخ مواليد الأئمّة ووفياتهم.
٣٤ ـ السيّد عبّاس
بن عليّ بن نور الدين الموسوي الحسيني المكّي : المتوفّى (١١٧٩) ، في كتابه نزهة
الجليس (١ / ٦٨).
٣٥ ـ أبو عليّ
الحائري : المتوفّى (١٢١٥) ، في رجاله الدائر منتهى المقال (ص ٤٦).
٣٦ ـ السيّد محسن
الأعرجي : المتوفّى (١٢٢٧) ، في عمدة الرجال.
٣٧ ـ الشيخ خضر بن
شلاّل العفكاوي النجفي : المتوفّى (١٢٥٥) ، في مزاره المسمّى بأبواب الجنان وبشائر
الرضوان .
٣٨ ـ السيّد حيدر
الحسني الحسيني الكاظمي : المتوفّى (١٢٦٥) ، في عمدة الزائر (ص ٥٤).
٣٩ ـ السيّد مهدي
القزويني : المتوفّى (١٣٠٠) ، في فلك النجاة (ص ٣٢٦).
٤٠ ـ المولى
السيّد محمود بن محمد علي بن محمد باقر ، في تحفة السلاطين (ج ٢)
__________________
فقال ما معناه :
مشهور كالشمس في رائعة النهار.
٤١ ـ المولى
السلطان محمد بن تاج الدين حسن ، في تحفة المجالس (ص ٨٨) طبع سنة (١٢٧٤).
٤٢ ـ السيّد ميرزا
حسن الزنوزي ـ نزيل خوي ـ في كتابه الضخم بحر العلوم.
٤٣ ـ الحاج المولى
شريف الشرواني من تلمذة السيّد العظيم صاحب الرياض ، في كتابه الشهاب الثاقب في
مناقب عليّ بن أبي طالب.
٤٤ ـ المولى علي
أصغر البروجردي ، في عقائد الشيعة (ص ٣١) طبع سنة
(١٢٦٣).
٤٥ ـ الحاج ميرزا
حبيب الخوئي ، في كتابه الكبير شرح نهج البلاغة (١ / ٧١).
٤٦ ـ أبو عبد الله
جعفر بن محمد بن جعفر الحسيني الأعرجي ، في مناهل الضَّرَب في أنساب العرب.
٤٧ ـ الحاج الشيخ
عبّاس القميّ : المتوفّى (١٣٥٩) ، في سفينة البحار (٢ / ٢٢٩).
٤٨ ـ السيّد محسن
الأمين الحسيني العاملي ، في أعيان الشيعة (٣ / ٣).
٤٩ ـ الشيخ جعفر
النقدي ، في كتابه نزهة المحبّين في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام (ص ٢ ـ ٨).
__________________
٥٠ ـ شيخنا
الأُوردبادي ، ألّف في الموضوع كتاباً فخماً ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق ولم يبق
في القوس منزعاً ، وإليك فهرست عناوينه :
١ ـ حديث المولد
الشريف وتواتره.
٢ ـ حديث الولادة
الشريفة مشهور بين الأُمّة.
٣ ـ نبأ الولادة
والمحدِّثون.
٤ ـ حديث الولادة
والنسّابون.
٥ ـ حديث الولادة
والمؤرّخون.
٦ ـ حديث الولادة
والشعراء.
٧ ـ حديث الولادة
والإجماع عليه.
ألّف القاضي أبو
البختري كتاباً في مولد أمير المؤمنين عليهالسلام كما ذكره النجاشي وشيخ الطائفة ، ورواه أبو محمد العلوي الحسن بن محمد ، عن حجر بن محمد
السامي ، عن رجاء بن سهل الصنعاني ، عن أبي البختري كما في تاريخ الخطيب البغدادي (٧
/ ٤١٩).
وذكر النجاشي في
فهرسته (ص ٢٧٩) كتاب مولد
أمير المؤمنين لشيخنا ابن بابويه الصدوق.
وقد نظم هذه
الأثارة كثيرون من أعلام الشيعة الفطاحل وشعرائها الأفذاذ نظراء :
١ ـ السيّد
الحميري : المتوفّى (١٧٣) ، وقد مرّت ترجمته في (٢ / ٢٣١ ـ ٢٧٨) قال :
__________________
ولدتْهُ في حرمِ
الإلهِ وأمنهِ
|
|
والبيتِ حيث
فناؤه والمسجدُ
|
بيضاءُ طاهرةُ
الثيابِ كريمةٌ
|
|
طابتْ وطابَ
وليدُها والمولدُ
|
في ليلةٍ غابتْ
نحوسُ نجومِها
|
|
وبدتْ مع القمرِ
المنيرِ الأسْعُدُ
|
ما لُفَّ في
خِرَقِ القوابلِ مثلُه
|
|
إلاّ ابنُ آمنةَ
النبيُّ محمدُ
|
٢ ـ محمد بن منصور السرخسي ، ذكرها في
أبيات توجد في مناقب ابن شهرآشوب (١ / ٣٦٠).
٣ ـ خواجه معين
الدين الجشتي الأجميري : المتوفّى (٦٣٢).
٤ ـ المولى الرومي
العارف الشهير : المتوفّى (٦٧٢).
٥ ـ المولى محمد
بن عبد الله الكاتبي النيسابوري : المتوفّى (٨٨٩) ، المترجم في مجالس المؤمنين .
٦ ـ المولى أهلي
الشيرازي : المتوفّى (٩٤٢).
٧ ـ ميرزا محمد
علي التبريزي المتخلّص في شعره بصائب ، من شعراء عهد السلطان سليمان المتوفّى
(٩٧٤) ، له قصيدة يمدح بها الكعبة المشرّفة ويذكر مزاياها ، وعدّ منها ولادة أمير
المؤمنين بها ، توجد في كتاب الخزانة العامرة (ص ٢٩١).
٨ ـ السيّد محمد
باقر بن محمد الحسيني الأسترآباديّ الشهير بداماد : المتوفّى (١٠٤١).
٩ ـ المولى محمد
مسيح المعروف بمسيحا الفسوي الشيرازي : المتوفّى (١١٢٧) ،
__________________
الآتي شعره
وترجمته في شعراء القرن الثاني عشر.
١٠ ـ السيّد نصر
الله المدرّس الحائري الشهيد سنة (١١٦٠) ، أحد شعراء الغدير ، يأتي في شعراء القرن
الثاني عشر.
١١ ـ المولى رضا
الرشتي المتخلّص في شعره بالمحزون في مثنويٍّ له.
١٢ ـ ميرزا نصر
الله المتخلّص بالشهاب.
١٣ ـ الشريف محمد
بن فلاح الكاظمي أحد شعراء الغدير ، يأتي شعره وترجمته في محلّهما ، ذكرها في
قصيدته الكرّاريّة.
١٤ ـ الشيخ محمد
رضا النحوي : المتوفّى (١٢٢٦) أحد شعراء الغدير ، تأتي ترجمته في محلّها.
١٥ ـ الشيخ حسين
نجف : المتوفّى (١٢٥٢) ، أحد شعراء الغدير ، يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن
الثالث عشر ، قال في قصيدته الكبيرة :
جعلَ اللهُ
بيتَهُ لعليٍ
|
|
مولداً يا له
علاً لا يُضاهى
|
لم يشاركْهُ في
الولادة فيه
|
|
سيّدُ الرسلِ لا
ولا أنبياها
|
علمَ اللهُ
شوقَها لعليٍ
|
|
علمه بالذي به
من هواها
|
إذ تمنّت
لقاءَهُ وتمنّى
|
|
فأراها حبيبَهُ
ورآها
|
ما ادّعى مُدّعٍ
لذلك كلاّ
|
|
من تُرى في
الورى يرومُ ادّعاها
|
فاكتست مكّةٌ
بذاك افتخاراً
|
|
وكذا المَشعران
بعد مِناها
|
بل به الأرضُ قد
علتْ إذ حوته
|
|
فغدت أرضُها
مَطافَ سماها
|
أوَما تنظرُ
الكواكبُ ليلاً
|
|
ونهاراً تطوفُ
حول حماها
|
وإلى الحشرِ في
الطوافِ عليه
|
|
وبذاك الطوافِ
دام بقاها
|
١٦ ـ ميرزا عبّاس
الدامغاني المتخلّص بنشاط الهزارجريبي : المتوفّى (١٢٦٢).
١٧ ـ السيد محمد
تقي القزويني : المتوفّى (١٢٧٠) ، أحد شعراء الغدير ، تأتي ترجمته في شعراء القرن
الثالث عشر.
١٨ ـ الشيخ حسين
بن عليّ الفتوني الهمداني العاملي الحائري من شعراء الغدير ، يأتي ذكره في القرن
الثالث عشر.
١٩ ـ الحاج محمد
خان المولود سنة (١٢٤٦) المتخلّص بدشتي في ديوانه المطبوع.
٢٠ ـ الحاج ميرزا
إسماعيل الشيرازي : المتوفّى (١٣٠٥) ، أحد شعراء الغدير من حجج الطائفة ، يأتي
ذكره في شعراء القرن الرابع عشر له قصيدة موشّحة في المولود المقدّس ، ألا وهي :
رغدَ العيشُ
فزدهُ رغدا
|
|
بسُلافٍ منه
تشفي سقمي
|
طربَ الصبُّ على
وصلِ الحبيبْ
|
|
وهنى العيشُ على
بُعد الرقيبْ
|
وفِّني من أكؤسِ
الراحِ النصيبْ
|
|
وائتني تَوماً
بها لا مفردا
|
فالهنا كلُّ الهنا في التوأمِ
آتني الصهباءَ
ناراً ذائبه
|
|
كلّلتها قبساتٌ
لاهبه
|
واسقنيها
والندامى قاطبه
|
|
فلَعمري إنّها
ريُّ الصدى
|
لفؤادٍ بالتصابي مضرمِ
ما أُحَيْلَى
الراحَ من كفِّ المِلاحْ
|
|
هي روحٌ هي
رَوحٌ هي راحْ
|
فأدرها في غدوٍّ
ورواحْ
|
|
كذُكاءٍ تتجلّى
صرخدا
|
رصّعتها حببٌ كالأنجمِ
حبّذا آناءُ
أُنسٍ أقبلتْ
|
|
أدركتْ نفسي بها
ما أمّلتْ
|
وضعت أُمُّ
العلى ما حملتْ
|
|
طاب أصلاً
وتعالى محتدا
|
مالكاً ثقلَ ولاء الأُممِ
آنستْ نفسي من
الكعبةِ نورْ
|
|
مثلَ ما آنس
موسى نار طورْ
|
يوم غشّى الملأَ
الأعلى سرورْ
|
|
قرعَ السمعَ
نداءٌ كندا
|
شاطئ الوادي طُوى من حرمِ
ولدتْ شمسُ
الضحى بدرَ التمامْ
|
|
فانجلتْ عنّا
دياجيرُ الظلامْ
|
نادِ يا بشراكمُ
هذا غلامْ
|
|
وجهُهُ فلقةُ
بدرٍ يهتدى
|
بسنا أنوارِهِ في الظُّلَمِ
هذه فاطمةٌ بنتُ
أسدْ
|
|
أقبلت تحملُ
لاهوتَ الأبدْ
|
فاسجدوا ذلًّا
له في من سجدْ
|
|
فله الأملاكُ
خرّت سُجّدا
|
إذ تجلّى نورُه في آدمِ
كُشفَ السترُ عن
الحقِّ المبين
|
|
وتجلّى وجهُ
ربِّ العالمينْ
|
وبدا مصباحُ
مشكاةِ اليقينْ
|
|
وبدت مشرقةً
شمسُ الهدى
|
فانجلى ليلُ الضلالِ المظلمِ
نُسخ التأبيدُ
من نفي ترى
|
|
فأرانا وجهه
ربُّ الورى
|
ليت موسى كان
فينا فيرى
|
|
ما تمنّاه بطورٍ
مُجهدا
|
فانثنى عنه بكفّي معدمِ
هل درتْ أُمّ
العلى ما وضعتْ
|
|
أم درتْ ثديُ
الهدى ما أرضَعتْ
|
أم درتْ كفُّ
النهى ما رفعتْ
|
|
أم درى ربُّ
الحجى ما ولدا
|
جلَّ معناه فلمّا يُعلَمِ
سيّدٌ فاق عُلاً
كلَّ الأنامْ
|
|
كان إذ لا كائنٌ
وهو إمامْ
|
شرّف اللهُ به
البيتَ الحرامْ
|
|
حين أضحى لعُلاه
مولدا
|
فوطا تربتَهُ بالقدمِ
إن يكن يُجعَلُ
لله البنونْ
|
|
وتعالى اللهُ
عمّا يصفونْ
|
فوليدُ البيتِ
أحرى أن يكون
|
|
لوليِّ البيتِ
حقّا ولدا
|
لا عُزير لا ولا ابنُ مريمِ
هو بعدَ المصطفى
خيرُ الورى
|
|
من ذرى العرش
إلى تحت الثرى
|
قد كست علياؤه
أُمّ القرى
|
|
غرّةً تحمي
حماها أبدا
|
حيث لا يدنوه من لم يُحرمِ
سبق الكونَ
جميعاً في الوجودْ
|
|
وطوى عالمَ غيبٍ
وشهودْ
|
كلّ ما في
الكونِ من يمناه جودْ
|
|
إذ هو الكائنُ
لله يدا
|
ويدُ اللهِ مَدَرُّ الأنعمِ
سيّدٌ حازت به
الفضلَ مضرْ
|
|
بفخارٍ فسما كلّ
البشرْ
|
وجهُه في فلَكِ
العليا قمرْ
|
|
فبهِ لا
بالنجومِ يُهتدى
|
نحو مغناه لنَيْلِ المغنَمِ
هو بدرٌ وذراريه
بدورْ
|
|
عقمتْ عن مثلِهم
أُمُّ الدهور
|
كعبةُ الوفّاد
في كلِّ الشهورْ
|
|
فاز من نحو
فناها وفدا
|
بمطافٍ منه أو مُستلَمِ
ورثوا العلياءَ
قدماً من قُصيّ
|
|
ونزارٍ ثمَّ
فهرٍ ولؤيّ
|
لا يبارى حيُّهم
قطُّ بحيّ
|
|
وهمُ أزكى
البرايا محتدا
|
وإليهم كلُّ فخرٍ ينتمي
أيّها المرجى
لقاهُ في المماتْ
|
|
كلُّ موتٍ فيه
لقياك حياةْ
|
ليتما عجّل بي
ما هو آتْ
|
|
علّني ألقى
حياتي في الردى
|
فائزاً منه بأوفى النعمِ
٢١ ـ ميرزا أبو
القاسم الحسيني الشيرازي.
٢٢ ـ سراج الدين
محمد بن الحسن القرشي التميمي العدويّ الأمويّ المعروف
بفدا حسين الهندي
، نظم مكرمة الولادة الشريفة في قصيدته العلويّة الكبيرة المطبوعة البالغة (١٤١١)
بيتاً المسمّاة بالنفحة القدسيّة (ص ٦٨ ، ١٧٨).
٢٣ ـ ميرزا محمد
تقي الشهير بحجّة الإسلام : المتوفّى (١٣١٢) ، في ديوانه المطبوع (ص ١٩٦ ، ٢٠٠).
٢٤ ـ الشاعر
المفلق محمد اليزدي المتخلّص في شعره بجيحون : المتوفّى حدود (١٣١٨) ، في ديوانه
المطبوع.
٢٥ ـ السيّد مصطفى
بن الحسين الكاشاني النجفي دفين الكاظميّة : المتوفّى (١٣٣٦) أحد شعراء الغدير ،
يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن الرابع عشر.
٢٦ ـ الحاج ميرزا
حبيب الخراساني المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ٢٨٢)
٢٧ ـ الشيخ علي
الملقّب بالشيخ الرئيس الخراساني : المتوفّى حدود (١٣٢٠) ، في منظومته المسمّاة
بتنبيه الخاطر في أحوال المسافر (ص ٤).
٢٨ ـ الشيخ محمود
عبّاس العاملي : المتوفّى (١٣٥٣) أحد شعراء الغدير ، يأتي.
٢٩ ـ السيّد حسن
آل بحر العلوم : المتوفّى (١٣٥٥) من شعراء الغدير ، يأتي ذكره في شعراء القرن
الرابع عشر.
٣٠ ـ الحاج الشيخ
محمد الحسين الأصبهاني : المتوفّى (١٣٦١) أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في شعراء
القرن الرابع عشر.
٣١ ـ السيّد مير
علي أبو طبيخ النجفي : المتوفّى (١٣٦١) أحد شعراء الغدير ، يأتي شعره وترجمته.
٣٢ ـ السيّد رضا
الهندي النجفي : المتوفّى (١٣٦٢) من شعراء الغدير ، يأتي ذكره في شعراء القرن
الرابع عشر.
٣٣ ـ السيّد
المحسن الأمين العاملي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره.
٣٤ ـ الشيخ محمد
صالح المازندراني أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره.
٣٥ ـ الشيخ ميرزا
محمد علي الأُوردبادي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره ، نظمها في غير واحدة من
قصائده ، وممّا قال فيها قوله يمدح به أمير المؤمنين عليهالسلام :
سبق الكرامَ فها
همُ لم يلحقوا
|
|
في حلبةِ
العلياءِ شأو كُمَيتهِ
|
إذ خصّه المولى
بفضلٍ باهرٍ
|
|
فيه يميز حيّهُ
من مَيْتهِ
|
لم يتّخذ ولداً
وما إن يتّخذ
|
|
إلاّ وكان
ولادُهُ في بيتهِ
|
في البيتِ
مولدُه يحقِّق أنّه
|
|
دون الأنام
ذبالةٌ في زيتهِ
|
خمّسها النطاسيُّ
المحنّك ميرزا محمد الخليلي صاحب معجم أُدباء الأطبّاء.
٣٦ ـ الشيخ محمد
السماوي النجفي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره.
٣٧ ـ الشيخ محمد
علي يعقوب النجفي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره.
٣٨ ـ الشيخ جعفر
النقدي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره.
٣٩ ـ ميرزا محمد
الخليلي النجفي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره.
٤٠ ـ السيّد علي
النقي اللكهنوي الهندي أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره ، له موشّحة في الميلاد
الشريف يهنّئ بها سيّدنا الحجّة السيّد ميرزا علي آغا الشيرازي وهي :
من بدا فازدهرَ
البيتُ الحرامْ
|
|
وزهت منه ليالي
رجبِ
|
طربَ الكونُ
لبشرٍ وهنا
|
|
إذ بدا الفخرُ
بنورٍ وسنا
|
وأتى الوحيُ
ينادي معلنا
|
|
قد أتاكم حجّةُ
اللهِ الإمام
|
وأبو الغرِّ الهداةِ النجُبِ
__________________
خصّه الرحمنُ
بالفضلِ الصراحْ
|
|
ومزايا أشرقت
غرّا وضاحْ
|
وسما منزلُه
هامَ الضراحْ
|
|
فغدا مولدُه
خيرَ مقامْ
|
طأطأت فيه رءوسُ الشهبِ
إنَّه أوّلُ
بيتٍ وُضعا
|
|
للورى طرّا
فأضحوا خُضَّعا
|
وعلى الحاضرِ
والبادي معا
|
|
حجّةً أصبحَ
فرضاً ولزامْ
|
طاعة تتبع أقصى القربِ
وهو القبلةُ في
كلِّ صلاهْ
|
|
وملاذٌ يُرتجى
فيه النجاهْ
|
وقد استخلصه
اللهُ حماهْ
|
|
فلئن يأتِ إليه مستهامْ
|
في ملمٍّ داعياً يستجبِ
تلكمُ فاطمةٌ
بنتُ أسدْ
|
|
أمّتِ البيتَ
بكربٍ وكمدْ
|
ودعت خالقها
الباري الصمدْ
|
|
بحشاً فيه من
الوجد الضرامْ
|
قد علته قبساتُ اللهبِ
نادت اللهمّ
ربَّ العالمينْ
|
|
قاضيَ الحاجاتِ
للمستصرخينْ
|
كاشفَ الكربِ
مجيبَ السائلينْ
|
|
إنّني جئتك من
دون الأنامْ
|
أبتغي عندك كشف الكُرَبِ
بينما كانت
تناجي ربَّها
|
|
وإلى الرحمن
تشكو كربها
|
وإذا بالبشرِ
غشّى قلبَها
|
|
من جدار البيتِ
إذ لاح ابتسامْ
|
عن سنا ثغرٍ له ذي شنبِ
فتّقَ الزهرُ أم
انشقَّ القمرْ
|
|
أم عمودُ الصبح
بالليلِ انفجرْ
|
أم أضاءَ البرقُ
فالكونُ ازدهر
|
|
أم بدا في
الأُفق خرقٌ والتئامْ
|
فغدا برهان معراج النبي
أم أشارَ البيتُ
بالكفِّ ادخلي
|
|
واطمئنّي
بالإلهِ المفضلِ
|
فهنا يولدُ ذو
العليا «علي»
|
|
من به يحظى
حطيمي والمقامْ
|
وينال الركن أعلى الرتبِ
دخلت فاطمُ فارتدّ
الجدارْ
|
|
مثلما كان ولم
يكشف ستارْ
|
إذ تجلّى النورُ
وانجاب السرارْ
|
|
عن سنا بدرٍ به
يجلو الظلامْ
|
والورى ينجو به من عطبِ
وُلد الطاهرُ
ذاك ابنُ جَلا
|
|
من سما العرشِ
جلالاً وعُلا
|
فله الأملاكُ
تعنو ذلُلا
|
|
وبه قد بشَّر
الرسلُ العظامْ
|
قومَهم فيما خلا من حقبِ
عرف الله ولا
أرض ولا
|
|
رفعتْ سبعٌ طباق
ظللا
|
فلذا خرَّ
سجوداً وتلا
|
|
كلّما جاء إلى
الرسلِ الكرامْ
|
قبله من صحفٍ أو كتبِ
إن يكُ البيتُ
مطافاً للأنامْ
|
|
فعليٌّ قد رقى
أعلى سنامْ
|
إذ به يطَّوف
البيت الحرامْ
|
|
وسعى الركنُ
إليه لاستلامْ
|
فغدا يزهو به من طربِ
لم يكن في البيت
مولودٌ سواهْ
|
|
إذ تعالى عن
مثيل في علاهْ
|
أوتي العلمَ
بتعليمِ الإله
|
|
فغذاه درَّه
قبلَ الفطامْ
|
يرتوي منه بأهنى مشربِ
صَغُر الكونُ
على سؤددهِ
|
|
وانتمى الوحيُ
إلى محتدهِ
|
بشِّر الشيعةَ
في مولدهِ
|
|
واقصدوا العلاّمة
الحَبرَ الإمام
|
منبعَ العلمِ مناطَ الأدبِ
القصيدة
وله قصيدة أخرى
ميلاديّة بارى بها قصيدة إيليا أبي ماضي الإلحاديّة المقفّاة ب (لست أدري) وهي :
طرب الكونُ من
البشْرِ وقد عمّ السرورْ
|
|
وغدا القمريُّ
يشدو في ابتسامٍ للزهورْ
|
وتهانت ساجعاتٍ
في ذرى الأيكِ الطيورْ
|
|
لِمَ ذا البشرُ؟
وما هذا التهاني؟
|
لستُ
أدري تلعب الريحُ وفيها الدوحُ قامت راقصاتْ وبها الأوراقُ تزهو بالأكفِّ
الصافقاتْ
|
ضارباً سجعَ
هزارِ الغصنِ أوتارَ الحياةْ
|
|
مِمَ هذي الدوح
أضحت راقصات؟
|
لستُ
أدري قدكسى وجهَ الثرى من سندسٍ وشيُ الربيعْ فتهادى مائساً في حُلَلِ الخصبِ
المريعْ
|
وغدا يختالُ
بالأرياشِ والشأنِ البديعْ
|
|
قائلاً هل أحدٌ
يوجد مثلي؟
|
لستُ
أدري والنسيمُ الغضّ قد تهمسُ في سمعِ الأقاحْ فتُرى باسمةَ الثغرِ نشاطاً
وارتياحْ
|
وهزيز الغصن
يُبدي شان زهوٍ ومراحْ
|
|
ما الذي قالت
فردّت بابتسام؟
|
لستُ
أدري
|
طبّق الأرض
لهيباً نار محمرِّ الشقيقْ
|
|
فغدا البلبل
مرتاعَ الحشا خوفَ الحريقْ
|
صارخاً هل
لنجاتي عن لظاها من طريقْ؟
|
|
هذه النار أتتني
كيف أُطفي؟
|
لستُ
أدري أشرقتْ طلعةُ نورٍ عمّتِ الكونَ ضياء لا أرى بدراً على الأُفق ولم أُبصر
ذُكاءا
|
وتفحّصتُ فلم
أدرك هناك الكهرباءا
|
|
فبما ذا ضاء هذا
الكونُ نوراً؟
|
لستُ
أدري كان هذا الروض قبل اليوم رهناً للذبولْ ساحباتٍ فوقها الأرواح قدماً
للذيولْ
|
تعصف النكباءُ
فيها دون أنفاس البليلْ
|
|
كيف عاد اليوم
يزهو في شذاه؟
|
لستُ
أدري قمت أستكشف عنه سائلاً هذا وذاكْ فرأيت الكلّ مثلي في اضطرابٍ وارتباكْ
|
وإذا الآراءُ
طرّا في اصطدامٍ واصطكاكْ
|
|
وأخيراً عمّها
العجز فقالت
|
لستُ
أدري
|
وإذا نبّهني
عاطفةُ الحبِّ الدفينْ
|
|
وتظنّنتُ وظنُّ
الألمعي عينُ اليقينْ
|
أنّه ميلادُ
مولانا أميرِ المؤمنينْ
|
|
فدعِ الجاهلَ
والقولَ بأنِّي
|
لستُ
أدري لم يكن في كعبةِ الرحمنِ مولودٌ سواهْ إذ تعالى في البرايا عن مثيلٍ في
عُلاه
|
وتولّى ذكرَهُ
في محكمِ الذكرِ الإلهْ
|
|
أيقول الغِرُّ
فيه بعد هذا؟
|
لستُ
أدري أقبلتْ فاطمةٌ حاملةً خيرَ جنينْ جاءَ مخلوقاً بنورِ القدسِ لا الماءِ
المَهينْ
|
وتردّى منظر
اللاّهوت بين العالمينْ
|
|
كيف قد أُودعَ
في جنبٍ وصدرٍ؟
|
لستُ
أدري أقبلت تدعو وقد جاء بها داءُ المخاضْ نحو جذعِ النخلِ من ألطافِ ذي اللطفِ
المفاضْ
|
فدعت خالقَها
الباري بأحشاءٍ مراضْ
|
|
كيف ضجّت؟كيف
عجّت؟كيف ناحت؟
|
لستُ
أدري
|
لستُ أدري غير
أنّ البيت قد ردّ الجوابْ
|
|
بابتسامٍ في
جدارِ البيت أضحى منه بابْ
|
دخلت فانجابَ
فيه البِشْرُ عن محض اللبابْ
|
|
إنّما أدري بهذا
غير هذا
|
لستُ
أدري كيف أدري وهو سرٌّ فيه قد حار العقولْ حادثٌ في اليوم لكن لم يزل أصل الأُصولْ
|
مظهرٌ لله لكن
لا اتّحادٌ لا حلولْ
|
|
غاية الإدراك أن
أدري بأنِّي
|
لستُ
أدري وُلد الطّهرُ عليٌّ من تسامى في عُلاهْ فاهتدى فيه فريقٌ وفريقٌ فيه تاهْ
|
ضلّ أقوامٌ
فظنّوا أنّه حقّا إلهْ
|
|
أم جنون العشق
هذا لا يجازى؟
|
لستُ
أدري
|
ونظمها الشاعر المفلق
الأستاذ المسيحي بولس سلامة في أوّل ملحمته العربية عيد الغدير فقال في (ص ٥٦):
سمع الليل في
الظلام المديدِ
|
|
همسةً مثلَ
أنَّةِ المفؤودِ
|
من خفيِّ
الآلامِ والكبتِ فيها
|
|
ومن البشرِ
والرجاءِ السعيدِ
|
حرّةٌ لزّها
المخاض فلاذت
|
|
بستارِ البيتِ
العتيقِ الوطيدِ
|
__________________
كعبةُ الله في
الشدائدِ تُرجى
|
|
فهي جسرُ
العبيدِ للمعبودِ
|
لا نساءٌ ولا
قوابلُ حفَّتْ
|
|
بابنةِ المجدِ
والعُلى والجودِ
|
يذر الفقرُ
أشرفَ الناس فرداً
|
|
والغنيَّ
الخليعَ غيرَ فريدِ
|
أينما سار
واكبتهُ جباهٌ
|
|
وظهورٌ مخلوقةٌ
للسجودِ
|
صبرتْ فاطمٌ على
الضيمِ حتى
|
|
لهث الليلُ
لهثةَ المكدودِ
|
وإذا نجمةٌ من
الأُفق خفَّتْ
|
|
تطعنُ الليلَ
بالشعاع الحديدِ
|
وتدانتْ من
الحطيمِ وقرَّت
|
|
وتدلَّت تدلّيَ
العنقودِ
|
تسكبُ الضوءَ في
الأثيرِ دفيقاً
|
|
فعلى الأرضِ
وابلٌ من سعودِ
|
واستفاقَ
الحمامُ يسجعُ سجعاً
|
|
فتهشُّ الأركانُ
للتغريدِ
|
بسمَ المسجدُ
الحرامُ حبوراً
|
|
وتنادتْ حجارُه
للنشيدِ
|
كان فجرانِ ذلك
اليومُ فجرٌ
|
|
لنهارٍ وآخرٌ
للوليدِ
|
هالتِ الأُمَّ
صرخةٌ جال فيها
|
|
بعضُ شيءٍ من
همهمات الأُسودِ
|
دعتِ الشبلَ
حيدراً وتمنّت
|
|
وأكبّت على
الرجاءِ المديدِ
|
أسداً سمّت
ابنها كأبيها
|
|
لبدةُ الجدّ
أُهديت للحفيدِ
|
بل عليّا ندعوه
قال أبوه
|
|
فاستفزَّ السماء
للتأكيدِ
|
ذلك اسمٌ
تناقلته الفيافي
|
|
ورواه الجلمودُ
للجلمودِ
|
يهرم الدهرُ وهو
كالصبحِ باقٍ
|
|
كلَّ يومٍ يأتي
بفجرٍ جديدِ
|
الشاعر
السيّد عبد العزيز
بن محمد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الأوالي. ترجمه العلاّمة السماوي في
الطليعة من شعراء الشيعة قال : كان فاضلاً أديباً جامعاً ، وشاعراً ظريفاً بارعاً
، توفّي في البصرة سنة (٧٥٠) تقريباً.
ـ ٦٨ ـ
صفيّ الدين الحلّي
المولود (٦٧٧)
المتوفّى (٧٥٢)
خمدتْ لفضلِ
ولادِكَ النيرانُ
|
|
وانشقَّ من
فرَحٍ بك الإيوانُ
|
وتزلزلَ النادي
وأوجسَ خيفةً
|
|
من هولِ رؤياه
أنوشروانُ
|
فتأوّلَ الرؤيا
سطيحُ وبشّرتْ
|
|
بظهورِك
الرهبانُ والكهّانُ
|
وعليك أرميا
وشعيا أثنَيا
|
|
وهما وحزقيلٌ
لفضلِكَ دانوا
|
بفضائل شهدت
بهنَّ الصحفُ وال
|
|
ـتوراة والإنجيلُ والفرقانُ
|
فوُضِعتَ لله
المهيمنِ ساجداً
|
|
واستبشرتْ
بظهورِكَ الأكوانُ
|
متكمِّلاً لم
تنقطعْ لك سرّةٌ
|
|
شرفاً ولم يطلق
عليك ختانُ
|
فرأت قصورَ الشامِ
آمنةٌ وقد
|
|
وضعتكَ لا تخفى
لها أركانُ
|
__________________
وأتت حليمةُ وهي
تنظر في ابنِها
|
|
سرّا تحارُ
لوصفِهِ الأذهانُ
|
وغدا ابنُ ذي
يزنٍ ببعثِكَ مؤمناً
|
|
سرّا ليشهد جدّك
الديّانُ
|
شرح الإلهُ
الصدرَ منك لأربعٍ
|
|
فرأى الملائكَ
حولَكَ الأخوانُ
|
وحييتَ في خمسٍ
بظلّ غمامةٍ
|
|
لك في الهواجرِ
جرمُها صيوانُ
|
ومررتَ في سبعٍ
بديرٍ فانحنى
|
|
منه الجدارُ
وأسلمَ المطرانُ
|
وكذاك في خمسٍ
وعشرين انثنى
|
|
نسطورُ منك
وقلبُه ملآنُ
|
حتى كملتَ
الأربعينَ وأشرقتْ
|
|
شمسُ النبوّة
وانجلى التبيانُ
|
فرمت رجومُ
النيِّراتِ رجيمَها
|
|
وتساقطتْ من
خوفِكَ الأوثانُ
|
والأرض فاحت
بالسلام عليك وال
|
|
أشجارُ
والأحجارُ والكثبانُ
|
وأتت مفاتيحُ
الكنوزِ بأسرِها
|
|
فنهاكَ عنها
الزهدُ والعرفانُ
|
ونظرتَ خلفَك
كالأمام بِخاتمٍ
|
|
أضحى لديه
الشكُّ وهو عيانُ
|
وغدت لك الأرضُ
البسيطةُ مسجداً
|
|
فالكلُّ منها
للصلاةِ مكانُ
|
ونُصِرتَ
بالرعبِ الشديدِ على العدى
|
|
ولك الملائكُ في
الوغى أعوانُ
|
وسعى إليك فتى سلامٍ مسلماً
|
|
طوعاً وجاء
مسلِّماً سلمانُ
|
وغدت تكلِّمكَ
الأباعر والظبا
|
|
والضبُّ
والثعبانُ والسرحانُ
|
والجذع حنَّ إلى
علاك مسلِّماً
|
|
وببطن كفِّكَ
سبَّح الصوَّانُ
|
__________________
وهوى إليك
العذقُ ثمَّ رددتَهُ
|
|
في نخلةٍ تزهى
به وتزانُ
|
والدوحتانِ وقد
دعوتَ فأقبلا
|
|
حتى تلاقت منهما
الأغصانُ
|
وشكا إليك
الجيشُ من ظمأ به
|
|
فتفجّرت بالماءِ
منك بنانُ
|
ورددتَ عينَ
قتادةٍ من بعدِ ما
|
|
ذهبتْ فلم ينظرْ
بها إنسانُ
|
وحكى ذراعُ
الشاةِ مودعَ سمِّه
|
|
حتى كأنَّ
العضوَ منه لسانُ
|
وعرجتَ في ظهرِ
البُراقِ مجاوز ال
|
|
سبعِ الطباقِ
كما يشَا الرحمنُ
|
والبدرُ شُقَّ
وأشرقت شمسُ الضحى
|
|
بعدَ الغروب وما
بها نقصانُ
|
وفضيلةٌ شهدَ
الأنامُ بحقِّها
|
|
لا يستطيعُ
جحودَها الإنسانُ
|
في الأرض ظلُّ
الله كنتَ ولم يلُحْ
|
|
في الشمسِ
ظلُّكَ إن حواك مكانُ
|
نُسختْ بمظهرِك
المظاهرُ بعد ما
|
|
نُسختْ بملّةِ
دينِك الأديانُ
|
وعلى نبوّتِكَ
المعظَّمِ قدرُها
|
|
قامَ الدليلُ
وأوضح البرهانُ
|
وبك استغاثَ
الأنبياءُ جميعُهم
|
|
عند الشدائدِ
ربَّهم ليُعانوا
|
أخذ الإلهُ لك
العهودَ عليهمُ
|
|
من قبلِ ما
سمحتْ بك الأزمانُ
|
وبك استغاثَ
اللهَ آدمُ عندما
|
|
نُسب الخلافُ
إليه والعصيانُ
|
وبك التجا نوحٌ
وقد ماجت به
|
|
دُسُرُ السفينةِ
إذ طغى الطوفان
|
وبك اغتدى
أيّوبُ يسأل ربَّه
|
|
كشفَ البلاءِ
فزالتِ الأحزانُ
|
وبك الخليلُ دعا
الإلهَ فلم يخف
|
|
نمرودَ إذ شبّت
له النيرانُ
|
وبك اغتدى في
السجنِ يوسفُ سائلاً
|
|
ربَّ العباد
وقلبه حيرانُ
|
وبك الكليمُ
غداةَ خاطبَ ربَّهُ
|
|
سأل القبولَ
فعمّه الإحسانُ
|
وبك المسيحُ دعا
فأحيا ربُّهُ
|
|
ميتاً وقد بُليت
به الأكفانُ
|
وبك استبانَ
الحقُّ بعد خفائِهِ
|
|
حتى أطاعَكَ
إنسُها والجانُ
|
ولو انَّني
وفَّيتُ وصفَكَ حقَّه
|
|
فَنيَ الكلامُ
وضاقتِ الأوزانُ
|
فعليك من ربِّ
السلامِ سلامُهُ
|
|
والفضلُ
والبركاتُ والرضوانُ
|
وعلى صراطِ
الحقِّ آلُكَ كلّما
|
|
هبَّ النسيمُ
ومالتِ الأغصانُ
|
وعلى ابنِ عمِّك
وارثِ العلمِ الذي
|
|
ذلَّت لسطوةِ
بأسِه الشجعانُ
|
وأخيكَ في يومِ
الغديرِ وقد بدا
|
|
نورُ الهدى
وتآختِ الأقرانُ
|
وعلى صحابتِكَ
الذين تتبّعوا
|
|
طرقَ الهدى
فهداهم الرحمنُ
|
وشروا بسعيِهمُ
الجنانَ وقد دروا
|
|
أنَّ النفوسَ
لبيعِها أثمانُ
|
يا خاتمَ الرسلِ
الكرامِ وفاتح ال
|
|
نعم الجسامِ ومن
له الإحسانُ
|
أشكو إليك ذنوبَ
نفسٍ هفوها
|
|
طبعٌ عليهِ
رُكّبَ الإنسانُ
|
فاشفع لعبدٍ
شانَهُ عصيانُه
|
|
إنَّ العبيدَ
يشينها العصيانُ
|
فلك الشفاعةُ في
محبِّكمُ إذا
|
|
نُصبَ الصراطُ
وعُلّقَ الميزانُ
|
فلقد تعرّضَ
للإجازةِ طامعاً
|
|
في أن يكون
جزاءه الغفرانُ
|
وله قوله :
توالِ عليّا
وأبناءه
|
|
تفُز في المعادِ
وأهوالهِ
|
إمامٌ له عقد
يوم الغدير
|
|
بنصِّ النبيِّ
وأقوالهِ
|
له في التشهدِ
بعد الصلاة
|
|
مقامٌ يخبِّر عن
حالهِ
|
فهل بعد ذكرِ
إلهِ السما
|
|
وذكرِ النبيِّ
سوى آلهِ
|
الشاعر
صفيُّ الدين عبد
العزيز بن سرايا بن عليّ بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن عبد العزيز بن سرايا بن
باقي بن عبد الله بن العريض الحلّي الطائي السنبسي من بني سنبس بطن من طيِّ.
__________________
كان في الطراز
الأوّل من شعراء لغة الضاد ، فاق شعره بجزالة اللفظ ، ورقّة المعنى ، وأشفّ بحسن
الأُسلوب والانسجام ، وقد تفنّن بمحاولة المحسّنات اللفظيّة مع المحافظة على
المزايا المعنويّة ، فجاء مقدّماً في فنون الشعر ، إماماً من أئمّة الأدب كما أنّه
كان معدوداً من علماء الشيعة المشاركين في الفنون.
في مجالس المؤمنين
(ص ٤٧١) عن بعض
تآليف صاحب القاموس مجد الدين الفيروزآبادي الشافعي أنه قال : اجتمعت سنة (٧٤٧)
بالأديب الشاعر صفيِّ الدين بمدينة بغداد فرأيته شيخاً كبيراً وله قدرة تامّة على
النظم والنثر ، وخبرة بعلوم العربيّة والشعر ، فقرضه أرقُّ من سحر النسيم ، وأورق
من المحيّا الوسيم ، وكان شيعيّا قحّا ، ومن رأى صورته لا يظنُّ أنّه ينظم ذلك
الشعر الذي هو كالدرِّ في الأصداف.
وقال ابن حجر في
الدرر الكامنة (٢ / ٣٦٩) : تعانى الأدب فمهر في فنون الشعر كلّها ، وتعلّم المعاني
والبيان وصنّف فيهما ، وتعانى التجارة فكان يرحل إلى الشام ومصر وماردين وغيرها في
التجارة ثمّ يرجع إلى بلاده ، وفي غضون ذلك يمدح الملوك والأعيان ، وانقطع مدّة
إلى ملوك ماردين وله في مدائحهم الغرر ، وامتدح الناصر محمد بن قلاوون والمؤيّد
إسماعيل بحماة. وكان يُتّهم بالرفض وفي شعره ما يشعر به ، وكان مع ذلك يتنصّل
بلسان قاله وهو في أشعاره موجود وإن كان فيها ما يناقض ذلك ، وأوّل ما دخل القاهرة
سنة بضع وعشرين ، فمدح علاء الدين بن الأثير فأقبل عليه وأوصله إلى السلطان ،
واجتمع بابن سيّد الناس وأبي حيّان وفضلاء ذلك العصر ، فاعترفوا بفضائله ، وكان
الصدر شمس الدين عبد اللطيف ... يعتقد أنّه ما نظم الشعر أحد مثله مطلقاً ، وديوان
شعره مشهور يشتمل على فنونٍ كثيرةٍ ، وبديعيّته مشهورة وكذا شرحها ، وذكر فيه أنّه
استمدّ من مائة وأربعين كتاباً.
قال
الأميني : وممّن اجتمع
المترجم به الصفدي سنة (٧٣١) يروي عن المترجم
__________________
في الوافي بالوفيات
، وأخذ العلم عن شيخنا المحقّق نجم الدين الحلّي ، وأخذ عنه الشريف النسّابة
تاج الدين بن معيّة.
قولنا : وأخذ
العلم عن شيخنا المحقّق ... إلخ ، أخذناه من أمل الآمل ، وتبعه في ذلك جلّ من ترجم
شاعرنا صفيّ الدين نظراء صاحب الروضات ، وأعيان الشيعة ، وشيخا القمي ؛ وهذا لا يصحّ جدّا لأنّ شيخنا المحقّق نجم الدين توفّي
سنة (٦٧٦) ، وصفيّ الدين الحلّي ولد (٦٧٧) بعد وفاة الشيخ بسنة ، وصفيّ الدين الذي
تلمّذ لشيخنا المحقّق هو صفيّ الدين محمد ابن الشيخ نجيب الدين يحيى ، وهو الذي
كان من مشايخ السيّد تاج الدين بن معيّة كما في معاجم التراجم.
بالغ في الثناء
عليه الكتبي في فوات الوفيات (١ / ٢٧٩) وذكر كثيراً من شعره ، وترجمه القاضي
التستري في مجالس المؤمنين (ص ٤٧٠) ، وشيخنا الحرّ العاملي في أمل الآمل ، وابن
أبي شبانة في تتميم الأمل ، والسيّد اليماني في نسمة السحر ، والشوكاني في البدر
الطالع (١ / ٣٥٨) ، وفريد وجدي في دائرة المعارف (٥ / ٥٢٥) ، وصاحب رياض العلماء ،
والسيّد الزنوزي في رياض الجنّة ، والسيّد صاحب الروضات (ص ٤٤٢) ، والزركلي في
الأعلام (٢ / ٥٢٥) ، ومؤلّف تاريخ آداب اللغة العربية (٣ / ١٢٨)
وكلّ من هؤلاء وصفه
بما هو أهله من جمل المدح وعقود الإطراء ونسائج الحمد ، وأفرد العلاّمة الشيخ محمد
علي الشهير بالشيخ علي الحزين المتوفّى ببنارس الهند سنة (١١٨١) تأليفاً في أخباره
ونوادر شعره.
__________________
آثاره ومآثره :
١ ـ منظومة في علم
العروض ، ذكرها له صاحب رياض العلماء.
٢ ـ العاطل الحالي
، رسالة في الزجل والموالي.
٣ ـ الخدمة
الجليلة ، رسالة في وصف الصيد بالبندق.
٤ ـ درر النحور في
مدائح الملك المنصور ، وهي القصائد الأُرتقيّات تحوي (٢٩) قصيدة مرتّبة على حروف
المعجم ، وأوّل أبياتها كآخرها من الحروف ، وكلّ قصيدة منها (٢٩) بيتاً.
٥ ـ ديوان شعره :
قال الكتبي في الفوات : إنّه دوّن شعره في ثلاث مجلّدات وكلّه جيّد. والمطبوع
مجلّد واحد ولعلّه بعض شعره أو ديوانه الصغير الذي ذكره له بعض المتأخّرين من
المؤلّفين بعد ذكر ديوان كبير له.
٦ ـ رسالة الدار
عن محاورات الفار.
٧ ـ الرسالة
المهملة ، كتبها إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة (٧٣٢).
٨ ـ الرسالة
الثوميّة ، أنشأها بماردين سنة (٧٠٠).
٩ ـ الكافية ، هي
بديعيّته الشهيرة الحاوية لمائة وواحد وخمسين نوعاً من محاسن البديع في (١٤٥)
بيتاً في بحر البسيط ، يمدح بها النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم طبعت في ديوانه ، مستهلّها :
إن جئت سلعاً
فسل عن جيرة العلمِ
|
|
وأقر السلام على
عرب بذي سلمِ
|
__________________
شرحها ابن زاكور
أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زاكور الفاسي المالكي المتوفّى (١١٢٠).
١٠ ـ شرح الكافية
المذكورة ، طبع في مصر سنة (١٣١٦) ، وفي غير واحد من المعاجم : إنّ له فضل السبق
فى نظم البديعيّة على من نظمها ، غير أنّا نقول : إنّ المترجم وإن أبدع في نظم
بديعيّته إلاّ أنّ السابق إليها هو أمين الدين عليّ بن عثمان بن عليّ بن سليمان
الإربلي الشاعر الصوفي المتوفّى (٦٧٠) ، المترجم في الوافي بالوفيات ، وله فضل السبق كما ذكره السيّد علي خان في أنوار البديع وذكر قصيدته ، والبقيّة ممّن نظم محاسن البديع ببديعيّة
تبع في ذلك لهذين الشاعرين منهم :
١ ـ شمس الدين أبو
عبد الله محمد بن أحمد بن علي الهواري المالكي : المتوفّى (٧٨٠) ، أحد شعراء
الغدير يأتي ذكره في هذا الجزء. له البديعيّة الشهيرة ببديعيّة العميان ، يمدح بها
النبيّ الأعظم ، أوّلها :
بطيبة انزل ويمِّم سيّد الأُممِ
عاصر المترجم وشرح
بديعيّته زميله الشاعر أبو جعفر أحمد بن يوسف البصير الألبيري المعروف بالأعمى
الطليطلي المتوفّى (٧٧٩).
٢ ـ الشيخ عزّ
الدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي بكر محمد بن أبي الخير الموصلي : المتوفّى
(٧٨٩). له بديعيّة ، مطلعها :
براعة تستهلُّ
الدمع في العلمِ
|
|
عبارة عن نداء
المفرد العلمِ
|
وله شرحها الموسوم
: التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع.
__________________
٣ ـ الشيخ وجيه
الدين اليمني : المتوفّى سنة (٨٠٠). له بديعيّة كما في علم الأدب (١ / ٢٤٤).
٤ ـ شرف الدين
عيسى بن حجّاج السعدي المصري الحنبلي المعروف بعُويس العالية : المتوفّى (٨٠٧). له بديعيّة في مدح النبيّ الأعظم كما في
شذرات الذهب
(٧ / ٧١) ، مطلعها :
سل ما حوى
القلبُ في سلمى من العبرِ
|
|
فكلّما خطرتْ
أمسى على خطرِ
|
٥ ـ السيّد جمال الدين عبد الهادي بن
إبراهيم الحسيني الصنعانيّ اليمانيّ الزيديّ : المتوفّى (٨٨٢) كما في إيضاح
المكنون ذيل كشف الظنون (١ / ١٧٣) ، مطلعها :
سرى طيفُ ليلى فابتهجت به وجدا
٦ ـ الأديب شعبان
بن محمد القرشي المصري : المتوفّى (٨٢٨). له بديعيّة ذكرها له صاحب كشف الظنون (١ / ١٩١).
٧ ـ شرف الدين
إسماعيل بن أبي بكر المقري اليمني : المتوفّى (٨٣٧). له بديعيّة وشرحها كما في كشف
الظنون (١ / ١٩١) ، وبغية الوعاة (ص ١٩٣) ، وشذرات الذهب (٧ / ٢٢١).
٨ ـ تقيّ الدين
أبو بكر بن عليّ بن عبد الله الحموي المعروف بابن حجّة : المتوفّى (٨٣٧). له
بديعيّة يمدح بها النبيّ الأعظم سمّاها بالتقديم ، تشتمل على (١٣٦)
__________________
نوعاً في (١٤١)
بيتاً وشرحها شرحاً يُسمّى بخزانة الأدب ، طبع في (٥٧١) صفحة ، مطلعها :
لي في ابتدا
مدحِكم يا عربَ ذي سَلَمِ
|
|
براعةٌ تستهلُّ
الدمعَ في العلَمِ
|
٩ ـ ابن الخرّاط زين الدين أبو الفضل
عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الحموي الشافعي : المتوفّى (٨٤٠). له بديعيّة وشرحها
، إيضاح المكنون (١ / ١٧٣).
١٠ ـ الشيخ محمد
المقري ابن الشيخ خليل الحلبي : المتوفّى (٨٤٩). له بديعيّة ، أوّلها :
عجبي عراقيٌ
فعُجْ بي نحو ذي سلم
|
|
واجنح لسكّانِها
بالسِّلمِ والسَّلَمِ
|
١١ ـ الشيخ بدر الدين الحسن بن مخزون
الطحّان. له بديعيّة ذكرها له شيخنا الكفعمي في كتابه فرج الكرب ، وقال : إنّها
مخمّسة لبديعيّة الشيخ صفيِّ الدين المترجم.
١٢ ـ الشيخ
إبراهيم الكفعمي الحارثي ، أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في هذا الجزء. له بديعيّة
وشرحها المعرب عن تضلّعه في فنون الأدب ، مستهلّها :
إن جئت سلمى فسل من في خيامِهمُ
١٣ ـ جلال الدين
أبو بكر السيوطي : المولود (٨٤٩) والمتوفّى (٩١١). له بديعيّة موسومة بنظم البديع
في مدح خير الشفيع ، وله شرحها ، أوّلها :
من العقيقِ ومن
تذكارِ ذي سلَمِ
|
|
براعة العين في
استهلالها بدمِ
|
١٤ ـ الباعونيّة عائشة بنت يوسف بن
أحمد بن ناصر بن خليفة الدمشقيّة الشافعيّة : المتوفّاة (٩٢٢) . لها بديعيّة ، أوّلها :
__________________
في حسن مطلعِ
أقمارٍ بذي سلمِ
|
|
أصبحتُ في زمرةِ
العشّاقِ كالعلَمِ
|
وشرحتها وأسمتها
بالفتح المبين في مدح الأمين ، طبعت بهامش خزانة الأدب لابن حجّة.
١٥ ـ الشيخ عبد
الرحمن بن أحمد الحميدي : المتوفّى (١٠٠٥) ، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره في شعراء
القرن الحادي عشر. له بديعيّة تسمّى بتمليح البديع بمديح الشفيع ، أوّلها :
رِدْ ربعَ أسما
وأسمى ما يُرامُ رُمِ
|
|
وحيِّ حيّا
حواها معدن الكرمِ
|
عدد أنواعها (١٦٨)
، وعدد أبياتها (١٤٠) ، وتاريخ نظمها (٩٩٢) ، أشار إلى كلّ ذلك بقوله :
جا نوعه مصلحٌ
أبياته مننٌ
|
|
أرَّخته ناظماً
للحاسب الفهمِ
|
توجد في ديوانه
الدرّ المنظّم في مدح النبيِّ الأعظم ، المطبوع في مصر سنة (١٣٢٢) في (١٤٩) صفحة.
١٦ ـ شمس الدين
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الحموي المكي الحنفي نزيل مصر : المتوفّى (١٠١٧).
له بديعيّة كما في الإيضاح (١ / ١٧٣).
١٧ ـ السيّد علي خان
صاحب سلافة العصر : المتوفّى (١٠١٨ ـ ١٠٢٠) ، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره. له
بديعيّة في (١٤٨) بيتاً وله شرحها الدائر السائر الموسوم بأنوار الربيع ، مطلعها :
حسن ابتدائي
بذكرى جيرةِ الحرمِ
|
|
له براعةُ شوقٍ
يستهلُّ دمي
|
١٨ ـ الشيخ عبد القادر بن محمد الطبري
المكي الشافعي : المتوفّى (١٠٣٢). له بديعيّة ذكرها له الشوكاني في البدر الطالع (١
/ ٣٧١) ، مستهلّها :
حسن ابتداء
مديحي حيّ ذي سلمِ
|
|
أبدى براعة
الاستهلال في العلَمِ
|
أسماها : عليّ
الحجّة بتأخير أبي بكر بن حجّة ، وله شرحها.
١٩ ـ الشيخ أحمد
بن محمد المقري التلمساني : المتوفّى (١٠٤١). له بديعيّة ، مطلعها :
شارفت ذرعاً فذر
عن مائِها الشبمِ
|
|
وجزت نملَى فنم
لا خوف في الحرمِ
|
٢٠ ـ الشيخ محمد بن عبد الحميد بن عبد
القادر المعروف بحكيم زاده. له بديعيّة نظمها سنة (١٠٥٩) ، مستهلّها :
حسنُ ابتدائي
بذكرِ البانِ والعلمِ
|
|
حلا لمطلع
أقمارٍ بذي سلَم
|
وله بديعيّة أخرى
موسومة باللمعة المحمديّة في مدح خير البرية ، أوّلها :
إن رُمتَ صنعاً
فَصُن عن مدحِ غيرِهمُ
|
|
يا قلب سرّا
وجهراً جوهرَ الكَلِمِ
|
وله شرحها الكبير
المخطوط في (٣٣٨) صحيفة يوجد عند العلاّمة السيّد جعفر بحر العلوم في النجف
الأشرف.
٢١ ـ الشيخ أبو
الوفاء العرضي الحلبي. له بديعيّة يمدح بها النبيّ الأعظم ذكرها له الشيخ قاسم بن
البكره چي في شرح بديعيّته ، أوّلها :
براعتي في ابتدا
مدحي بذى سلَمِ
|
|
قد استهلّت
لدمعٍ فاض كالعلَمِ
|
٢٢ ـ الشيخ عبد الغني بن إسماعيل بن
عبد الغني الحنفي النابلسي الدمشقي : المولود سنة (١٠٥٠) والمتوفّى (١١٤٣). له
بديعيّة يمدح بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أوّلها :
يا منزلَ الركبِ
بين البانِ والعلَمِ
|
|
من سفحِ كاظمةٍ
حييتَ بالديَمِ
|
__________________
وأرّخها بقوله وهو
آخر القصيدة :
وقلت للربع لمّا
الفكر أرّخها
|
|
يا ربعُ قد تمَّ
مدحي سيّدَ الأُممِ
|
وله شرحها الموسوم
بنفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبيِّ المختار ، طبع في (٣٤٨) صحيفة ،
وله بديعيّة أخرى طبعت بهامش الشرح المذكور ، أوّلها :
يا حسنَ مطلعِ
من أهوى بذي سلَمِ
|
|
براعةُ الشوقِ
في استهلالِها ألمي
|
٢٣ ـ الشيخ قاسم بن محمد البكره چي
الحلبي الحنفي : المتوفّى (١١٦٩). له بديعيّة في مدح النبيِّ الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أوّلها :
من حسنِ مطلعِ
أهلِ البان والعلَمِ
|
|
براعتي مستهلٌّ
دمعها بدمِ
|
وله شرحها المطبوع
الموسوم بحلية البديع في مدح النبيِّ الشفيع ، فرغ منه سنة (١١٤٨).
٢٤ ـ السيّد حسين
بن مير رشيد الرضوي الهندي : المتوفّى (١١٥٦). له بديعيّة يمدح بها النبيّ وآله
عليه وعليهمالسلام ، توجد في ديوانه المخطوط في (١٤٣) بيتاً ، مطلعها :
حَيّا الحيا عهد
أحبابٍ بذي سلَمِ
|
|
وملعبَ الحيِّ
بين البان والعلَمِ
|
٢٥ ـ الشيخ عبد الله بن يوسف بن عبد
الله الحلبي : المتوفّى (١١٩٤). له بديعيّة وشرحها كما في الإيضاح (١ / ١٧٤).
٢٦ ـ الخوري يوسف
بن أرسانيوس بن إبراهيم المسيحي الفاخوري : المولود سنة (١٢١٨) والمتوفّى (١٣٠١).
له بديعيّة يمدح بها النبيَّ المسيح عليهالسلام تشتمل على مائة وثمانين نوعاً مع التزام تسمية النوع ،
أوّلها :
براعةُ المدح في
نجمٍ ضياه سمي
|
|
تهدي بمطلعها من
عن سناه عمي
|
وآخرها :
واختم ختامي بأن
أحظى بمطلعك ال
|
|
ـباهي بخدر السنا يا مرشد الأُممِ
|
طبعت بتمامها في
علم الأدب (١ / ٢٤٥).
٢٧ ـ الشيخ عبد
القادر الحسيني الأزهري الطرابلسي. له بديعيّة تسمّى بترجمان الضمير في مدح الهادي
البشير ، نظمها سنة (١٣٠٨) طبعت في جريدة بيروت.
٢٨ ـ الشيخ محمد
بن عبد الله الضرير الأزهري : المتوفّى (١٣١٣). له بديعيّة مسمّاة بالغرر في
أسانيد الأئمّة الأربعة عشر ، مطبوعة ذكرها له صاحب معجم المطبوعات .
٢٩ ـ الشيخ أحمد
بن صالح بن ناصر البحراني : المولود (١٢٥٤) والمتوفّى (١٣١٥). له بديعيّة يمدح بها
مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام توجد في ديوانه المطبوع الموسوم بالمراثي الأحمديّة وله
شرحها ، مطلعها :
بديعُ مدحِ
عليٍّ مذ علا قلمي
|
|
براعةٌ تستهلُّ
الفيضَ من كلمي
|
٣٠ ـ الشيخ محمد بن حمزة التستري
الحلّي الشهير بابن الملاّ : المتوفّى (١٣٢٢) من شعراء الغدير يأتي ذكره. له
بديعيّة يمدح بها النبيّ الأعظم صلوات الله عليه وآله ، تمتاز عن البديعيّات
بأنواع من البديع.
٣١ ـ المولى داود
ابن الحاج قاضي الخراساني المعروف بملاّ باشي : المتوفّى حدود (١٣٢٥) المترجم في
مطلع الشمس. له بديعيّة شرحها ولده ميرزا فضل الله
__________________
المتوفّى أواخر
سنة (١٣٤٣) أسماه بأزهار الربيع.
٣٢ ـ الشيخ طاهر
بن صالح بن أحمد الجزائري الدمشقي المولود سنة (١٢٦٨) والمتوفّى سنة (١٣٣٨) ، وله
شرحها المطبوع بسوريا ، أوّلها :
بديعُ حسنِ
بدورٍ نحو ذي سلمِ
|
|
قد راقني ذكرُه
في مطلع الكلمِ
|
٣٣ ـ الشيخ محمد صالح بن ميرزا فضل
الله المازندراني الحائري المولود سنة (١٢٩٧) ، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره في
شعراء القرن الرابع عشر. له بديعيّة وله شرحها ، مطلعها :
من حسنِ مطلعِ
سلمى مستهلُّ دمي
|
|
لله من دمِ ذي
سلْمٍ بذي سلَمِ
|
٣٤ ـ الشيخ عبد الله محمد بن أبي بكر أحد شعراء العامّة. له بديعيّة يمدح بها النبيّ
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم عدد أبياتها مائة وتسعة وثلاثون بيتاً ، أوّلها :
يا عامل
اليعملات الكوم في الأكمِ
|
|
بالعيس بالعيس
عرِّج نحو ذي سلمِ
|
وآخر أبياتها :
صلّى عليه إلهُ
العرشِ ما لمعت
|
|
بيضُ الكواعبِ
في سودٍ من الظلمِ
|
ذكرها برمّتها
سيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار في كتابه الرائق في الجزء الثاني.
٣٥ ـ الواردي
المقري. له بديعيّة في مدح سيّد البشر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكرها السيّد أحمد العطّار طاب ثراه في الجزء الثاني من
كتابه الرائق ، عدد أبياتها (١٤٥) أوّلها :
إن زرتَ سلمى
فسل ما حلّ بالعلَمِ
|
|
وحيّ سلعاً وسل
عن حيّ ذي سلَم
|
__________________
ويقول في آخرها :
وآلهُ وهمُ الآلُ
الهداةُ ومن
|
|
بهل أتى قد أتى
تنكيتُ مدحهم
|
آل الرسول
وأعلام الأصول
|
|
وآمال الوصول
وأهل الحلم والكرم
|
مُطهَّرون
زَكَوا فرعاً وأصلهم
|
|
السامي «عليٌّ»
سما من نور جدِّهم
|
جادوا وجالوا
وطالوا في الفخار فهم
|
|
سحبٌ وقضبٌ
وشهبٌ في علائهم
|
همُ صدور مقامات
العلى فلذا
|
|
تطأطأت وغدت
مأوى نعالهم
|
همُ الرجالُ
رجالُ الله فضلُهمُ
|
|
لم يُحصَ إن
يُحص يوماً فضل غيرهم
|
خيرُ الورى
سادةُ الدنيا وخيرُهم
|
|
طه النبيُّ
وكلٌّ في ذرى النعم
|
باعوا بنصرهمُ
الدينَ النفيسَ
|
|
نفوسَهم وكم
بذلوها بذل زادهم
|
خضرٌ مرابعهم
حمرٌ صوارمهم
|
|
بيضٌ وجوهُهمُ
غرٌّ ذوو شمم
|
كفّوا العتاةَ
كما كفّوا العناةَ عطا
|
|
بالنبل والنيل
في كرٍّ وفي كرم
|
صالوا وكم وخزوا
بالسمر يوم وغىً
|
|
صدراً ونهداً
وكم أكبوه في الصدم
|
منزّهون عن
الأرجاسِ أنفسهم
|
|
من مثلُها نقلتْ
في أنفسِ الرحم
|
والصحبُ صحبُ
رسولِ اللهِ ما القمرُ
|
|
السامي بأحسنَ
مرأىً من وقارهم
|
لا عيبَ فيهم
بوصفٍ غير أنَّهم
|
|
قد أرخصوا
بالتقى غالي نفوسهم
|
يا أبهجَ الخلقِ
في خلقٍ وفي خُلقٍ
|
|
وفي فخارِ وفي
حُكمٍ وفي حِكَم
|
ومَن إذا طال
ذنبي فامتدحت له
|
|
نجوت فالمدح ذخري
فالولا عصمي
|
كن شافعي مالكي
يا أحمد بغدٍ
|
|
وانقذ حنيف هوى
من زلّة القدم
|
هذا مديحيَ
بالتقصيرِ معترفاً
|
|
فاقبله منّي ودع
مَن لام بالندم
|
ففي الحديث
اندماجٌ من يقل بِكمُ
|
|
بيتاً فبيت
علاهُ جنّةُ النِّعم
|
فامنن عليَّ
بفضلٍ في قبولِكمُ
|
|
من غيرِ طردٍ
وأنتم معدنُ الكرم
|
وأنت تعلمُ ما
يبغي محبُّك في
|
|
غدٍ ومثلُك لم
يحتج إلى كلمي
|
فلا تردّ يدي
حاشاك خائبةً
|
|
وارحم فديتُكَ
عبداً في حماك حمي
|
بيانُ مدحِكَ في
فنِّ البديعِ له
|
|
دقيقُ معنىً به
نطقي زكى وفمي
|
وقد جعلت بحمد
الله ساعة دنيا
|
|
العمر طاعة مدحٍ
فيك منتظم
|
فاصفح وإن تصفحِ
الصفحَ الجميلَ فلن
|
|
يضيقَ جاهُك عند
اللهِ في جُرمي
|
وفيك إن فاز
كعبٌ يوم بُردتِهِ
|
|
ففي غدٍ منك
ألقى خيرَ مغتنمي
|
ومطلب الواردي
المقري ريُّ ظماً
|
|
وهل سواك مغيثٌ
في غدٍ لظمي
|
فخذ بديعَ مديحٍ
في علاكَ حلا
|
|
عن حُسن مبتدئٍ
في حُسن مختتم
|
ولادته ووفاته :
أطبقت المعاجم على
أنّ المترجم الصفيّ ولد في ٥ ربيع الآخر سنة (٦٧٧) وعلى أنّه توفّي ببغداد غير أنّ الخلاف في تاريخ وفاته بين
سنة (٧٥٠ و ٧٥٢) فأرّخها بكلٍّ فريق وتردّد جمع بينهما ، والمصدر الوحيد ـ على ما
أحسب ـ على القول الأوّل هو زين الدين طاهر بن حبيب ، وعلى الثاني هو الصفدي والله
العالم.
كتب إلينا الدكتور
مصطفى جواد البغدادي : إنّ الذي أرّخ صفيّ الدين الحلّي من بني حبيب الحلبيِّين هو
بدر الدين حسن بن زين الدين عمر بن حبيب المتوفّى سنة (٧٧٩) ذكره في درّة الأسلاك
في دولة الأتراك في وفيات سنة (٧٥٠) ، ولعلّه ذكره أيضاً في تاريخه الثاني تاريخ
الملوك ، الذي أنهاه بسنة وفاته (٧٧٩) ، وقد ذيّل عليه ابنه زين الدين طاهر
المتوفّى سنة (٨٠٨) ، ومن المعلوم أنّ وفاة صفيّ الدين الحلّي داخلة في تاريخ بدر
الدين بن حبيب لا في ذيل ابنه ، ثمّ إنّ الوارد في الدرر الكامنة على وجهين هما : زين الدين بن حبيب في المتن ، وابن رجب في
إحدى النسخ ، والثاني
__________________
ممكن أن يكون
صحيحاً ؛ لأنّ زين الدين بن رجب ترجم لعشرات أمثال صفيّ الدين الحلّي في مشيخته إن
كانوا شيوخاً له ، وفي طبقات الحنابلة إن كانوا حنابلة.
وقد ترجم ابن قاضي
شهبة صفيّ الدين الحلّي في ذيل تاريخ الذهبي ، ولم يقتصر الصفدي على ترجمته في
الوافي بالوفيات بل ترجمه أيضاً في أعيان العصر وأعوان النصر ، ومن كلتا الترجمتين
نقل ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات .
وكتب نجم الدين
سعيد بن عبد الله الدهلي الحافظ المورّخ جزءاً لطيفاً في ترجمة صفيِّ الدين الحلّي
، ونقل منه ابن قاضي شهبة في ذيل تاريخ الذهبي المذكور ، وتوفّي في سنة وفاته
(٧٤٩) وهي سنة الطاعون العامّة التي مات فيها كثير من الأعيان وغيرهم.
ومن شعر المترجم
قوله وقد أجاب به قصيدة ابن المعتز العبّاسي التي مستهلّها :
ألا من لعينٍ
وتسكابِها
|
|
تشكّى القذى
وبكاها بها
|
ترامت بنا
حادثاتُ الزمانِ
|
|
ترامي القسيِّ
بنشّابِها
|
ويا رُبّ ألسنةٍ
كالسيوفِ
|
|
تقطّعُ أرقابَ
أصحابِها
|
ويقول فيها :
ونحن ورثنا
ثيابَ النبيِ
|
|
فكم تجذبون
بأهدابِها
|
لكم رحمٌ يا بني
بنتِهِ
|
|
ولكن بنو العمّ
أولى بها
|
ومنها :
قتلنا أُميّةَ
في دارِها
|
|
ونحن أحقُّ
بأسلابِها
|
إذا ما دنوتم
تلقّيتمُ
|
|
زبوناً أقرّت
بجلاّبِها
|
__________________
فأجابه الصفيُّ
المترجم بقوله :
ألا قل لشرِّ
عبيدِ الإلهِ
|
|
وطاغي قريشٍ
وكذّابِها
|
وباغي العبادِ
وباغي العنادِ
|
|
وهاجي الكرامِ
ومغتابِها
|
أأنت تُفاخرُ
آلَ النبيِ
|
|
وتجحدُها فضلَ
أحسابِها
|
بكم باهلَ
المصطفى أم بهم
|
|
فردّ العداةَ
بأوصابِها
|
أعنكم نفى
الرجسَ أم عنهمُ
|
|
لطهر النفوسِ
وألبابِها
|
أما الرجسُ
والخمرُ من دابِكمْ
|
|
وفرطُ العبادةِ
من دابِها
|
وقلتَ ورثنا
ثيابَ النبيِ
|
|
فكم تجذبون
بأهدابِها
|
وعندكَ لا يورثُ
الأنبيا
|
|
فكيف حظيتم
بأثوابِها
|
فكذّبت نفسَكَ
في الحالتين
|
|
ولم تعلمِ
الشهدَ من صابِها
|
أجدُّكَ يرضى
بما قلتَهُ
|
|
وما كان يوماً
بمرتابِها
|
وكان بصفِّينَ
من حزبِهمْ
|
|
لحربِ الطغاةِ
وأحزابِها
|
وقد شمَّر
الموتُ عن ساقِه
|
|
وكشَّرتِ الحربُ
عن نابِها
|
فأقبلَ يدعو إلى
حيدرٍ
|
|
بإرغابها
وبإرهابِها
|
وآثرَ أن ترتضيه
الأنامُ
|
|
من الحكمينِ
لأسبابِها
|
ليعطي الخلافَة
أهلاً لها
|
|
فلم يرتضوه
لإيجابِها
|
وصلّى مع الناسِ
طولَ الحياةِ
|
|
وحيدر في صدر
محرابِها
|
فهلاّ تقمّصها
جدُّكم
|
|
إذا كان إذ ذاك
أحرى بِها
|
إذا جعل الأمر
شورى لهم
|
|
فهل كان من بعضِ
أربابِها
|
أخامسَهم كان أم
سادساً
|
|
وقد جليت بين
خطّابِها
|
وقولك أنتم بنو
بنتِهِ
|
|
ولكن بنو العمِّ
أولى بِها
|
بنو البنتِ
أيضاً بنو عمِّه
|
|
وذلك أدنى
لأنسابِها
|
فدع في الخلافةِ
فصلَ الخلافِ
|
|
فليست ذلولاً
لركّابِها
|
وما أنت والفحص
عن شأنِها
|
|
وما قمّصوك بأثوابِها
|
وما ساورتْكَ
سوى ساعةٍ
|
|
فما كنتَ أهلاً
لأسبابِها
|
وكيف يخصّوك
يوماً بها
|
|
ولم تتأدّبْ
بآدابِها
|
وقلت بأنَّكمُ
القاتلون
|
|
أُسود أُميّةَ
في غابِها
|
كذبتَ وأسرفتَ
فيما ادَّعيت
|
|
ولم تنهَ نفسَك
عن عابِها
|
فكم حاولتْها
سراةٌ لكمْ
|
|
فرُدّت على نكص
أعقابِها
|
ولولا سيوفُ أبي
مسلمٍ
|
|
لعزّتْ على جهد
طلاّبِها
|
وذلك عبدٌ لهم
لا لكم
|
|
رعى فيكمُ قربَ
أنسابِها
|
وكنتم أسارى
ببطنِ الحبوسِ
|
|
وقد شفّكم لثمُ
أعتابِها
|
فأخرجَكمْ
وحباكمْ بها
|
|
وقمّصكمْ فضلَ
جلبابِها
|
فجازيتموهُ
بشرِّ الجزاء
|
|
لطغوى النفوسِ
وإعجابِها
|
فدع ذكرَ قومٍ
رضوا بالكفافِ
|
|
وجاؤوا الخلافةَ
من بابِها
|
هم الزاهدون هم
العابدون
|
|
هم الساجدونَ
بمحرابِها
|
هم الصائمون هم
القائمون
|
|
هم العالمون
بآدابِها
|
همُ قطبُ ملّةِ
دينِ الإلهِ
|
|
ودورِ الرحى حول
أقطابِها
|
عليك بلهوِكَ
بالغانياتِ
|
|
وخلِّ المعالي
لأصحابِها
|
ووصفِ العذارى
وذاتِ الخمارِ
|
|
ونعتِ العقار
بألقابِها
|
وشعرِك في مدحِ
تركِ الصلاةِ
|
|
وسعي السقاة
بأكوابِها
|
فذلك شأنك لا
شأنُهمْ
|
|
وجري الجيادِ
بأحسابِها
|
__________________
ـ ٦٩ ـ
الإمام الشيباني الشافعي
المولود (٧٠٣)
المتوفّى (٧٧٧)
سأحمدُ ربِّي
طاعةً وتعبّدا
|
|
وأنظم عقداً في
العقيدةِ أوحدا
|
أفادتكمُ
النعماءَ منّي ثلاثةٌ
|
|
يدي ولساني
والضميرَ محجَّبا
|
وأشهد أنَّ الله
لا ربَّ غيرهُ
|
|
تعزّز قدماً
بالبقا وتفرّدا
|
هو الأوّلُ
المبدي بغيرِ بدايةٍ
|
|
وآخر من يبقى
مقيماً مؤبَّداً
|
سميعٌ بصيرٌ
عالمٌ متكلّمٌ
|
|
قديرٌ يعيدُ
العالمينَ كما بدا
|
مريدٌ أراد
الكائنات لوقتِها
|
|
قديمٌ فأنشا ما
أرادَ وأوجدا
|
حياةٌ وعلمٌ
قدرةٌ وإرادةٌ
|
|
كلامٌ وإبصارٌ
وسمعٌ مع البقا
|
إلهٌ على عرشِ
السماءِ قد استوى
|
|
وباينَ
مخلوقاتِه وتوحّدا
|
فلا جهةٌ تحوي
الإلهَ ولا لَه
|
|
مكانٌ تعالى
عنهما وتمجّدا
|
إذ الكونُ
مخلوقٌ وربِّيَ خالقٌ
|
|
لقد كان قبلَ
العرشِ مولىً وسيِّدا
|
إلى أن قال بعد
ذكر أُصول العقائد ومدح الخلفاء الثلاثة :
ولا تنس صهرَ
المصطفى وابنَ عمِّهِ
|
|
فقد كان بحراً
للعلوم مُسدَّدا
|
وأفدى رسولَ
اللهِ حقّا بنفسه
|
|
عشيّةَ لمّا
بالفراش توسَّدا
|
ومن كان مولاه
النبيُّ فقد غدا
|
|
عليٌّ له بالحق
مولىً ومنجدا
|
ولا تنس باقي
صحبِه واهل بيته
|
|
وأنصاره
والتابعين على الهدى
|
فكلُّهمُ أثنى
الإلهُ عليهمُ
|
|
وأثنى رسولُ
اللهِ أيضاً وأكّدا
|
فلا تكُ عبداً
رافضيّا فتعتدي
|
|
فويلٌ وويلٌ في
الورى لمن اعتدى
|
فحبُّ جميعِ
الآل والصحبِ مذهبي
|
|
غداً بهمُ أرجو
النعيم المؤبدا
|
وتسكت عن حرب
الصحابة فالذي
|
|
جرى بينهم كان
اجتهاداً مجرّدا
|
وقد صحَّ في
الأخبار أنَّ قتيلَهم
|
|
وقاتلَهم في
جنّة الخلد خُلّدا
|
فهذا اعتقادُ
الشافعيِّ إمامِنا
|
|
ومالك والنعمان
أيضاً وأحمدا
|
ما يتبع الشعر
هذه الأبيات
أخذناها من القصيدة الكبيرة الألفيّة المطبوعة للإمام أبي عبد الله محمد الشيباني
الشافعي ذكرها له صاحب كشف الظنون ، وشرحها جمع من أعلام الشافعيّة ، منهم :
١ ـ نجم الدين
محمد بن عبد الله الأذرعي العجلوني الشافعي : المتوفّى (٨٧٦) ، فرغ من شرحه (١١)
رجب سنة (٨٥٩) وسمّاه ببديع المعاني في شرح عقيدة الشيباني. وهو أوّل شرح أُلِّف
عليها كما ذكره في أوّل الشرح. قال في (ص ٧٥) : أشار الناظم بقوله :
ومن كان مولاه
النبيُّ فقد غدا
|
|
عليٌّ له
بالحقِّ مولىً ومنجدا
|
إلى ما ورد في
الحديث الصحيح : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه». قال الشيخ محيي الدين
النووي : معناه عند علماء هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقيق هذا ونظائره
، من كنت ناصره ومولاه ومحبّه ومصافيه فعليٌّ كذلك.
__________________
انتهى. ولعلّ
الناظم أشار إلى هذا المعنى بعطف قوله منجداً على مولاه فيكون عطفاً تفسيراً.
وقد ورد أنّ عمر
بن الخطاب رضى الله عنه حين سمع قول النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم «من كنت مولاه
فعليٌّ مولاه» قال لعليّ رضى الله عنه : هنيئاً لك أصبحت مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.
٢ ـ الشيخ علوان
عليّ بن عطيّة الحموي الشافعي : المتوفّى (٩٣٦) ، سمّاه ببديع المعاني في شرح
قصيدة الشيباني ، كذا ذكره صاحب كشف الظنون ، وفي شذرات الذهب (٨ / ٢١٨) ،
وقاموس الأعلام (٢ / ٦٨٢) أسماه
ببيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني.
٣ ـ أبو البقاء
الأحمدي الشافعي سمّاه المعتقد الإيماني على عقيدة الشيباني.
٤ ـ الشيخ محمد بن
علي بن محمد علاّن : المتوفّى (١٠٥٧) سمّاه : بديع المعاني أيضاً.
الشاعر
محمد بن أحمد بن
أبي بكر بن عرام بن إبراهيم بن ياسين بن أبي القاسم بن محمد الربعي الشيباني
الأسواني الإسكندراني الشافعي تقيّ الدين أبو عبد الله الإمام المحدِّت الفقيه
المفتي ، ولد في ثامن عشر شوّال سنة (٧٠٣) وسمع كما في الدرر الكامنة (٣ / ٣٧٣) من
العلاّمة رشيد الدين إسماعيل بن عثمان المعروف بابن المعلّم الحنفي المتوفّى (٧٢٤)
، والحسن بن عمر الكردي أبي عليّ نزيل الجيزة بمصر والمتوفّى بها سنة (٧٢٠) ،
والحجّار شهاب الدين أبي العبّاس أحمد بن أبي طالب المتوفّى (٧٣٠) ، والشريف موسى
بن أبي طالب عزّ الدين أبي القاسم الموسوي المتوفّى بمصر
__________________
سنة (٧١٥) ،
والعلم بن درادة ، وتاج الدين بن دقيق العيد أحمد بن عليّ المتوفّى بالقاهرة وقيل
بقوص سنة (٧٢٣) ، وأحمد بن محمد بن كمال الدين المتوفّى (٧١٨) ، والشريف عليّ
الزينبي ، وعمر العتبي ركن الدين بن محمد القرشي المتوفّى (٧٢٤) ، وزينب بنت أحمد
بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي المتوفّاة سنة (٧٢٢) ، وغيرهم.
وأجاز له المطعم ،
وابن عبد الدائم ، وابن النحّاس ، ويحيى بن سعد ، ومن مكة رضي الدين أبو إسحاق
إبراهيم الطبري المكّي الشافعي المتوفّى سنة (٧٢٢) وغيرهم.
قال ابن حجر في
الدرر : وحدّث وأفتى ودرّس وصنّف وخرّج ، وتفرّد بأشياء من مسموعاته ، وكانت وفاته
في سنة (٧٧٧).
وتوجد ترجمته في
شذرات الذهب (٦ / ٢٥٢) وعدّ
ممّن سمع من ابن مخلوف عليّ بن ناهض النويري المالكي القاضي المتوفّى (٧١٨).
والمترجم له وإن
لم يوصف بالشعر فيما وقفنا عليه من ترجمته ، غير أنّ الإمام أبا عبد الله محمد
الشيباني الشافعي الذي نسبت إليه القصيدة بهذه الأوصاف في المعاجم لم ينطبق إلاّ
عليه ، والله العالم.
__________________
ـ ٧٠ ـ
شمس الدين المالكي
المتوفّى (٧٨٠)
وإنّ عليّا كان
سيفَ رسوله
|
|
وصاحبه السامي
لمجدٍ مشيّدِ
|
وصهر النبيِّ
المجتبى وابن عمِّه
|
|
أبو الحسنين
المحتوي كلَّ سوددِ
|
وزوَّجه ربُّ
السما من سمائه
|
|
وناهيك تزويجاً
من العرش قد بُدي
|
بخيرِ نساءِ
الجنّة الغرِّ سؤدداً
|
|
وحسبُك هذا
سؤدداً لمسوّدِ
|
فباتا وجلُّ
الزهدِ خيرُ حلاهما
|
|
وقد آثرا بالزاد
من كان يجتدي
|
فآثرت الجنّات
من حللٍ ومن
|
|
حليٍّ لها رعياً
لذاك التزهّدِ
|
وما ضرّ من قد
بات والصوفُ لبسُهُ
|
|
وفي السندسِ
الغالي غداً سوف يغتدي
|
وقال رسول الله
إنّي مدينةٌ
|
|
من العلمِ وهو
البابُ والبابَ فاقصدِ
|
ومن كنتُ مولاه
عليٌّ وليُّهُ
|
|
ومولاكَ فاقصد
حبَّ مولاك ترشُدِ
|
وإنّك منّي
خالياً من نبوّةٍ
|
|
كهارون من موسى
وحسبُكَ فاحمدِ
|
وكان من الصبيان
أوّل سابقٍ
|
|
إلى الدين لم
يسبق بطائع مرشدِ
|
وجاء رسولُ اللهِ
مرتضياً له
|
|
وكان عن الزهراء
بالمتشرِّدِ
|
فمسّحَ عنه
التربَ إذ مسَّ جلدَهُ
|
|
وقد قام منها
آلفاً للتفرّدِ
|
وقال له قولَ
التلطّف قم أبا
|
|
ترابٍ كلام
المخلص المتودّدِ
|
__________________
وفي ابنيه قال
المصطفى ذانِ سيِّدا
|
|
شبابِكمُ في
دارِ عزٍّ وسوددِ
|
وأرسله عنه
الرسولُ مبلّغاً
|
|
وخصَّ بهذا
الأمرِ تخصيصَ مفردِ
|
وقال هل التبليغ
عنّيَ ينبغي
|
|
لمن ليسَ من
بيتي من القومِ فاقتدِ
|
وقد قال عبدُ
اللهِ للسائلِ الذي
|
|
أتى سائلاً عنهم
سؤالَ مشدّدِ
|
وأمّا عليٌّ
فالتفت أين بيتُه
|
|
وبيتُ رسولِ
الله فاعرفه تشهدِ
|
وما زال صوّاماً
منيباً لربِّهِ
|
|
على الحقِّ
قوّاماً كثيرَ التعبّدِ
|
قنوعاً من
الدنيا بما نالَ معرضاً
|
|
عن المالِ مهما
جاءه المالُ يزهدِ
|
لقد طلَّقَ
الدنيا ثلاثاً وكلّما
|
|
رآها وقد جاءت
يقول لها ابعدي
|
وأقربهم للحقِّ
فيها وكلّهم
|
|
أولو الحقِّ لكن
كان أقرب مهتدي
|
ومدح بها العشرة
المبشّرة ، فذكر ما يختصُّ بأبي بكر بن أبي قحافة من المناقب في (١٤) بيتاً ،
أوّلها :
فمنهم أبو بكرٍ
خليفتُهُ الذي
|
|
له الفضلُ
والتقديمُ في كلِّ مشهدِ
|
وصدِّيق هادي
الخلق والمؤثر الذي
|
|
لإنفاقه للمالِ
في الله قد هُدي
|
ثمّ ذكر ما يختصُّ
بعمر بن الخطاب في (٢٢) بيتاً ، أوّلها :
ويتبعُهُ في
فضلِهِ عمرُ الذي
|
|
رمى عن قسيِّ
الصدقِ سهمَ مسدّدِ
|
وما كلُّ من
رامَ السعادةَ نالها
|
|
ولكنّه من يسعدِ
اللهُ يسعدِ
|
ثمَّ نظم مناقب
عثمان في (١٥) بيتاً ، أوّلها :
وحبِّيَ عثمانَ
بنَ عفّانَ إنَّه
|
|
عليه اعتمادي
وهو سؤلي ومقصدي
|
إمامٌ صَبورٌ
للأذى وهو قادرٌ
|
|
حليمٌ عن الجاني
جميلُ التعوّدِ
|
وبعد ذكر مناقب
أمير المؤمنين عليهالسلام ذكر السبطين الإمامين صلوات الله عليهما بقوله
وبالحسنين
السيدينِ توسّلي
|
|
بجدِّهما في
الحشرِ عند تفرّدي
|
هما قُرَّتا عين
الرسول وسيِّدا
|
|
شبابِ الورى في
جنّةٍ وتخلّدِ
|
وقال هما
ريحانتاي أُحبُّ من
|
|
أَحبّهما
فاصدقهما الحبَّ تسعدِ
|
هما اقتسما شبهَ
الرسولِ تعادلاً
|
|
وما ذا عسى
يحصيه منهم تعدّدي
|
فمن صدرِهِ شبهُ
الحسينِ أجلّه
|
|
وللحسن الأعلى
وحسبُكَ فاعددِ
|
وللحسنِ السامي
مزايا كقولِهِ
|
|
هو ابنيَ هذا
سيّدٌ وابن سيِّدِ
|
سيصلحُ ربُّ
العالمين به الورى
|
|
على فرقةٍ منهم
وعظمِ تبدّدِ
|
إلى أن قال :
وكان الحسينُ
الصارمَ الحازمَ الذي
|
|
متى يقصرُ
الأبطالُ في الحرب يشددِ
|
شبيهُ رسولِ
اللهِ في البأسِ والندى
|
|
وخيرُ شهيدٍ
ذاقَ طعمَ المهنَّدِ
|
لمصرعِهِ تبكي
العيونُ وحقُّها
|
|
فلله من جرمٍ
وعظمِ تودّدِ
|
فبعداً وسحقاً
لليزيدِ وشمرِهِ
|
|
ومن سار مسرى
ذلك المقصدِ الردي
|
وذكر فيها سيّد
الشهداء حمزة ـ سلام الله عليه ـ وقال :
ومن مثلُ ليثِ
اللهِ حمزةَ ذي الندى
|
|
مبيدِ العدى
مأوى الغريبِ المطرّدِ
|
فكم حزّ أعناقَ
العداةِ بسيفِهِ
|
|
وذبَّ عن
المختارِ كلّ مشدَّدِ
|
فقال رسولُ الله
هذا أمرته
|
|
ولي أسدٌ ضارٍ
لدى كلِّ مشهدِ
|
وقال أبو جهل
أجبت «محمداً»
|
|
لما شاءه فاهتزّ
هزَّة سيّدِ
|
وأهوى له
بالقوسِ ما بين قومه
|
|
ونال وأُخرى
بالحسام المهنَّدِ
|
وقال له إنِّي
على دينه فإن
|
|
أطقت فعرِّجْ عن
طريقيَ فارددِ
|
__________________
فذلَّ أبو جهل
وأبدى تلطّفاً
|
|
مقرّا بقُبح
السبّ في حقّ «أحمدِ»
|
فعاد وقد نال
السعادةَ واهتدى
|
|
وأضحى لدينِ
اللهِ أكرمَ مُسعدِ
|
وفي يومِ بدرٍ
حثَّ عند سؤالِهمْ
|
|
لما شهدوا من
بأسه المتوقّدِ
|
لمن كان أعلامٌ
بريشِ نعامةٍ
|
|
يشرِّدنا مثلَ
النعامِ المشرَّدِ
|
فذاك الذي والله
قد فعلتْ بنا
|
|
أفاعيلُه في
الحربِ ما لم تعوّدِ
|
وفي أُحدٍ نالَ
الشهادةَ بعد ما
|
|
أذاقَ سباعاً
للردى شرَّ موردِ
|
ففاز وأضحى
سيّدَ الشهداء في
|
|
ملائكةِ الرحمنِ
يسعى ويغتدي
|
وصلّى رسولُ
اللهِ سبعين مرّةً
|
|
عليه إلى ثنتين
عند التعدّدِ
|
وقال مصابٌ لن
نُصابَ بمثلِهِ
|
|
وإن كان لي يومٌ
سأجزي بأزيدِ
|
وزاد إلى فضلِ
العمومةِ أنَّه
|
|
أخوه رضاعاً
هكذا المجدُ فاشهدِ
|
وما زال ذا عرضٍ
مصونٍ عن الأذى
|
|
ومالٍ مهانٍ في
العطايا مبدَّدِ
|
كريمٌ متى ما
أوقد النارَ للقِرى
|
|
تجد خيرَ نار
عندها خيرُ موقدِ
|
وذكر فيها سيّدنا
العبّاس عمّ النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال من أبيات ، أوّلها :
وقد بلغ
العبّاسُ في المجدِ رتبةً
|
|
تقول لبدرِ
التمِّ قصّرت فابعدِ
|
حسبنا هذه القصيدة
في إيقاف القارئ على مذهب الرجل ومقداره من الشعر ، أخذناها من نفح الطيب (٤ / ٦٠٣ ـ ٦٠٧).
ما يتبع الشعر
أشار شاعرنا شمس
الدين المالكي في شعره هذا إلى عدّة من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ممّا أخرجته أئمّة القوم وحفّاظ حديثهم في الصحاح والمسانيد
__________________
بطرقهم عن النبيِّ
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ألا وهي :
١ ـ حديث تزويج
المولى سبحانه فاطمة من عليّ عليهالسلام ونثر الجنّة الحليّ والحلل في ذلك الزواج الميمون ، مرّ
تفصيل ذلك في (٢ / ٣١٥).
٢ ـ حديث «أنا
مدينة العلم وعليّ بابها» ، قال :
وقال رسول الله
إنّي مدينةٌ
|
|
من العلمِ وهو
البابُ والبابَ فاقصدِ
|
قد أسلفنا الكلام
حول علم أمير المؤمنين عليهالسلام في الجزء الثالث (ص ٩٥ ـ ١٠١) ، وأوعزنا هناك إلى أنّ حديث
هذه الأثارة صحّحه الطبري وابن معين والحاكم والخطيب والسيوطي ، وهنا نفصّل القول
فيه وأنّه أخرجه جمع كثير من الحفّاظ وأئمّة الحديث ، فإليك جمّ غفير ممّن ذكره في
تلكم القرون الخالية محتجّين به ، مرسلين إيّاه إرسال المسلّم ، مدافعين عنه قالة
المزيِّفين وجلبة المبطلين :
١ ـ الحافظ أبو
بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني : المتوفّى (٢١١) ، حكاه عنه بإسناده الحاكم في
المستدرك (٣ / ١٢٧).
٢ ـ الحافظ يحيى
بن معين أبو زكريّا البغدادي : المتوفّى (٢٣٣) ، كما في مستدرك الحاكم وتاريخ
الخطيب البغدادي .
٣ ـ أبو عبد الله
ـ أبو جعفر ـ محمد بن جعفر الفيدي : المتوفّى (٢٣٦) ، رواه عنه ابن معين.
٤ ـ أبو محمد
سُويد بن سعيد الهروي : المتوفّى (٢٤٠) ، أحد مشايخ مسلم وابن ماجة ، نقله عنه ابن
كثير في تاريخه (٧ / ٣٥٨).
__________________
٥ ـ إمام الحنابلة
أحمد بن حنبل : المتوفّى (٢٤١) ، أخرجه في المناقب .
٦ ـ عبّاد بن
يعقوب الرواجني الأسدي ، أحد مشايخ البخاري والترمذي وابن ماجة ، يروي عنه الحافظ
الكنجي في الكفاية من طريق الخطيب.
٧ ـ الحافظ أبو
عيسى محمد الترمذي : المتوفّى (٢٧٩) ، في جامعه الصحيح .
٨ ـ الحافظ أبو
عليّ الحسين بن محمد بن فهم البغدادي : المتوفّى (٢٨٩) ، روى عنه الحاكم في
المستدرك (٣ / ١٢٧).
٩ ـ الحافظ أبو
بكر أحمد بن عمر البصري البزّار : المتوفّى (٢٩٢) ، صاحب المسند الكبير.
١٠ ـ الحافظ أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري : المتوفّى (٣١٠) ، في تهذيب الآثار وصحّحه ، حكاه عنه غير واحد من أعلام القوم.
١١ ـ أبو بكر محمد
بن محمد بن الباغندي الواسطي البغدادي : المتوفّى (٣١٢) ، رواه عنه الفقيه ابن
المغازلي في المناقب .
١٢ ـ أبو الطيّب
محمد بن عبد الصمد الدقّاق البغوي : المتوفّى (٣١٩) ، أخرجه عنه بإسناده الخطيب
البغدادي في تاريخه (٢ / ٣٧٧).
١٣ ـ أبو العبّاس
محمد بن يعقوب الأموي النيسابوري الأصمّ : المتوفّى (٣٤٦) ،
__________________
رواه عنه الحاكم
في المستدرك (٣ / ١٢٦).
١٤ ـ أبو بكر محمد
بن عمر بن محمد التميمي البغدادي ابن الجعابي : المتوفّى (٣٥٥) ، أخرجه بخمسة طرق
كما في مناقب ابن شهرآشوب (١ / ٢٦١).
١٥ ـ أبو القاسم
سليمان بن أحمد الطبراني : المتوفّى (٣٦٠) ، أخرجه في معجميه الكبير والأوسط.
١٦ ـ أبو بكر محمد
بن عليّ بن إسماعيل الشاشي المعروف بالقفّال : المتوفّى (٣٦٦) ، حكاه عنه الحاكم
في المستدرك (٣ / ١٢٧).
١٧ ـ الحافظ أبو
محمد عبد الله بن جعفر بن حيّان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ : المتوفّى (٣٦٩) ،
أخرجه في كتابه السنّة ، حكاه عنه السخاوي في المقاصد الحسنة .
١٨ ـ الحافظ أبو
محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المعروف بابن السقّا الواسطي المتوفّى (٣٧٣) ،
رواه عنه ابن المغازلي في المناقب .
١٩ ـ الحافظ أبو
الليث نصر بن محمد السمرقندي الحنفي : المتوفّى (٣٧٩) ، كما في كتابه المجالس.
٢٠ ـ الحافظ أبو
الحسين محمد بن المظفّر البزّاز البغدادي : المتوفّى (٣٧٩) ، كما في مناقب ابن
المغازلي .
__________________
٢١ ـ الحافظ أبو
حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي ابن شاهين : المتوفّى (٣٨٥) ، أخرجه بأربعة
طرق.
٢٢ ـ الحافظ أبو
عبد الله عبيد الله بن محمد الشهير بابن بطّة العكبري : المتوفّى (٣٨٧) ، أخرجه من
ستّة طرق.
٢٣ ـ الحافظ أبو
عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري : المتوفّى (٤٠٥) ، أخرجه في
المستدرك (٣ / ١٢٦ ـ ١٢٨).
٢٤ ـ الحافظ أبو
بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني : المتوفّى (٤١٦) ، حكاه عنه جمع كثير.
٢٥ ـ الحافظ أبو
نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني : المتوفّى (٤٣٠) ، في كتابه معرفة الصحابة .
٢٦ ـ الفقيه
الشافعي أبو الحسن أحمد بن المظفّر العطار : المتوفّى (٤٤١) ، رواه للفقيه ابن
المغازلي سنة (٤٣٤) كما في مناقبه .
٢٧ ـ أبو الحسن
عليّ بن محمد بن حبيب البصري الشافعي الشهير بالماوردي : المتوفّى (٤٥٠) ، حكاه
عنه ابن شهرآشوب في المناقب (١ / ٢٦١).
٢٨ ـ الحافظ أبو
بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي : المتوفّى (٤٥٨) ، كما في مقتل الخوارزمي (١
/ ٤٣).
٢٩ ـ أبو غالب
محمد بن أحمد الشهير بابن بشران : المتوفّى (٤٦٢) ، رواه عنه
__________________
ابن المغازلي في
المناقب .
٣٠ ـ الحافظ أبو
بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي : المتوفّى (٤٦٣) ، أخرجه في المتّفق والمفترق
وتاريخ بغداد (٤ / ٣٤٨ ، ٢ / ٣٧٧ ، ٧ / ١٧٣ ، ١١ / ٢٠٤).
٣١ ـ الحافظ أبو
عمرو يوسف بن عبد الله بن عبد البرّ القرطبي : المتوفّى (٤٦٣) ، في الاستيعاب (٢ / ٤٦١).
٣٢ ـ أبو محمد حسن
بن أحمد بن موسى الغندجاني : المتوفّى (٤٦٧) ، نقله عنه ابن المغازلي في المناقب .
٣٣ ـ الفقيه أبو
الحسن عليّ بن محمد بن الطيّب الجلاّبي ابن المغازلي : المتوفّى (٤٨٣) ، أخرجه في
مناقبه بسبعة طرق.
٣٤ ـ أبو المظفر
منصور بن محمد بن عبد الجبّار السمعاني الشافعي : المتوفّى (٤٨٩) ، كما في مناقب
ابن شهرآشوب .
٣٥ ـ الحافظ أبو
محمد الحسن بن أحمد السمرقندي : المتوفّى (٤٩١) ، أخرجه في بحر الأسانيد في صحاح
المسانيد ، فالحديث صحيح عنده كما في تذكرة الذهبي (٤ / ٢٨).
٣٦ ـ أبو علي
إسماعيل بن أحمد بن الحسين البيهقي : المتوفّى (٥٠٧) ، رواه عنه
__________________
الخوارزمي في
المناقب (ص ٤٩).
٣٧ ـ أبو شجاع
شيرويه بن شهردار الهمداني الديلمي : المتوفّى (٥٠٩) ، في فردوس الأخبار .
٣٨ ـ أبو محمد
أحمد بن محمد بن عليّ العاصمي ، أخرجه في زين الفتى شرح سورة هل أتى ، الموجود
عندنا.
٣٩ ـ أبو القاسم
الزمخشري : المتوفّى (٥٣٨) ، سمّى في الفائق (١ / ٢٨) باب
مدينة العلم.
٤٠ ـ الحافظ أبو
منصور شهردار بن شيرويه الهمداني الديلمي : المتوفّى (٥٥٨) ، أخرجه مسنداً في
كتابه مسند الفردوس.
٤١ ـ الحافظ أبو
سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني : المتوفّى (٥٦٢) ، قال في
الأنساب في الشهيد : اشتهر بهذا الاسم جماعة من العلماء المعروفين
قتلوا فعرفوا بالشهيد أوّلهم : ابن باب مدينة العلم. إلى آخره. ينمّ كلامه هذا عن
كون الحديث من المتسالم عليه عند حفّاظ الحديث.
٤٢ ـ الحافظ أخطب
خوارزم أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكّي الحنفي : المتوفّى (٥٦٨) ، أخرجه في
المناقب (ص ٤٩) ، وفي مقتل
الإمام السبط (١ / ٤٣).
٤٣ ـ الحافظ أبو
القاسم عليّ بن حسن الشهير بابن عساكر الدمشقي :
__________________
المتوفّى (٥٧١) ،
أخرجه بعدّة طرق .
٤٤ ـ أبو الحجّاج
يوسف بن محمد البلوي الأندلسي الشهير بابن الشيخ : المتوفّى حدود (٦٠٥) ، أرسله
إرسال المسلّم في كتابه ألف باء (١ / ٢٢٢).
٤٥ ـ أبو السعادات
مبارك بن محمد بن الأثير الجزري الشافعي : المتوفّى (٦٠٦) ، ذكره في جامع الأصول نقلاً عن الترمذي.
٤٦ ـ الحافظ أبو
الحسن عليّ بن محمد بن الأثير الجزري (٦٣٠) ، أخرجه في أُسد الغابة (٤ / ٢٢).
٤٧ ـ محيي الدين
محمد بن علي بن العربي الطائي الأندلسي : المتوفّى (٦٣٨) ، في الدرّ المكنون
والجوهر المصون كما في ينابيع المودّة (ص ٤١٩).
٤٨ ـ الحافظ محبّ
الدين محمد بن محمود ابن النجّار البغدادي : المتوفّى (٦٤٣) ، أخرجه في ذيل تاريخ
بغداد مسنداً.
٤٩ ـ أبو سالم
محمد بن طلحة الشافعي : المتوفّى (٦٥٢) ، في مطالب السؤول (ص ٢٢) والدرّ المنظّم
كما في ينابيع المودّة (ص ٦٥).
٥٠ ـ شمس الدين
أبو المظفر يوسف بن قزاوغلي سبط ابن الجوزي الحنفي : المتوفّى (٦٥٤) ، ذكره في
تذكرته (ص ٢٩).
__________________
٥١ ـ الحافظ أبو
عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي : المتوفّى (٦٥٨) ، أخرجه في الكفاية (ص ٩٨ ـ ١٠٢) ،
وقال بعد إخراجه بعدّة طرق : قلت : هذا حديث حسن عال. إلى أن قال :
ومع هذا فقد قال
العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل عليّ عليهالسلام وزيادة علمه وغزارته ، وحدّة فهمه ، ووفور حكمته ، وحسن
قضاياه ، وصحّة فتواه ، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة
يشاورونه في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والإبرام ، اعترافاً منهم بعلمه ،
ووفور فضله ، ورجاحة عقله ، وصحّة حكمه ، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير ؛ لأنّ
رتبته عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من عباده أجلّ وأعلى من ذلك.
٥٢ ـ أبو محمد
الشيخ عزُّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الشافعي : المتوفّى (٦٦٠) ،
ذكره في مقال حكاه عنه شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل.
٥٣ ـ الحافظ محبّ
الدين أحمد بن عبد الله الطبري الشافعي المكّي : المتوفّى (٦٩٤) ، رواه في الرياض
النضرة (١ / ١٩٢) وذخائر
العقبى (ص ٧٧).
٥٤ ـ سعيد الدين
محمد بن أحمد الفرغاني : المتوفّى (٦٩٩) ، ذكره في شرح تائيّة ابن الفارض في شرح
قوله :
كراماتهم من بعض
ما خصّهم به
|
|
بما خصّهم من
إرث كلّ فضيلةِ
|
وذكره في شرحه
الفارسي عند قوله :
وأوضح بالتأويل
ما كان مشكلاً
|
|
عليٌّ بعلم ناله
بالوصيّةِ
|
__________________
٥٥ ـ الحافظ أبو
محمد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي : المتوفّى (٦٩٩) ، في بهجة النفوس (٢ / ١٧٥ ، ٤
/ ٧٨).
٥٦ ـ صدر الدين
السيّد حسين بن محمد الهروي الفوزي : المتوفّى (٧١٨) ، ذكره في نزهة الأرواح .
٥٧ ـ شيخ الإسلام
إبراهيم بن محمد الحمّوئي الجويني : المتوفّى (٧٢٢) ، ذكره في فرائد السمطين في
فضائل المرتضى والبتول والسبطين .
٥٨ ـ نظام الدين
محمد بن أحمد بن عليّ البخاري : المتوفّى (٧٢٥) ، حكاه عنه الشيخ عبد الرحمن
الچشتي في مرآة الأسرار عن سير الأولياء.
٥٩ ـ الحافظ أبو
الحجّاج يوسف بن عبد الرحمن المزّي : المتوفّى (٧٤٢) ، ذكره في تهذيب الكمال في ترجمة أمير المؤمنين.
٦٠ ـ الحافظ شمس
الدين محمد بن أحمد الذهبي الشافعي : المتوفّى (٧٤٨) ، ذكره في تذكرة الحفّاظ (٤ / ٢٨) عن صحيح
الحافظ السمرقندي ثمّ قال : هذا الحديث صحيح.
٦١ ـ الحافظ جمال
الدين محمد بن يوسف الزرندي الأنصاري : المتوفّى سنة بضع و (٧٥٠) ، ذكره في نظم
درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين وقفت عليه في قرميسين ـ كرمانشاه ـ عند العلاّمة الحجّة
سردار الكابلي.
__________________
٦٢ ـ الحافظ صلاح
الدين أبو سعيد خليل العلائي الدمشقي الشافعي : المتوفّى (٧٦١) ، حكاه عنه غير
واحد من أعلام القوم ، وصحّحه من طريق ابن معين ثم قال : وأيّ استحالة في أن يقول
النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل هذا في حقِّ عليّ رضياللهعنه؟ ولم يأتِ كلُّ من تكلّم في هذا الحديث وجزم بوضعه بجواب
عن هذه الروايات الصحيحة عن ابن معين ، ومع ذلك فله شاهد رواه الترمذي في جامعه ...
إلخ .
٦٣ ـ السيّد عليّ
بن شهاب الدين الهمداني ، ذكره في المودّة في القربى من طريق جابر بن عبد الله ، ثمّ قال : وعن ابن مسعود وأنس
مثل ذلك.
٦٤ ـ بدر الدين
محمد أبو عبد الله الزركشي المصري الشافعي : المتوفّى (٧٩٤) ، وقال : الحديث ينتهي
إلى درجة الحسن المحتج به ، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً. فيض القدير (٣
/ ٤٧).
٦٥ ـ الحافظ أبو
الحسن عليّ بن أبي بكر الهيثمي : المتوفّى (٨٠٧) ، في مجمع الزوائد (٩ / ١١٤).
٦٦ ـ كمال الدين
محمد بن موسى الدميري : المتوفّى (٨٠٨) ، في حياة الحيوان (١ / ٥٥).
٦٧ ـ مجد الدين
محمد بن يعقوب الفيروزآبادي : المتوفّى (٨١٦ ـ ٨١٧) ، في كتابه النقد الصحيح. وقال
في كلام له طويل حول الحديث بعد روايته بطريق عن ابن معين : ولم يأت من تكلّم على حديث
«أنا مدينة العلم» بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين ، والحكم بالوضع
عليه باطل قطعاً ... إلى أن قال :
__________________
والحاصل أنّ
الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتجّ به ، ولا يكون
ضعيفاً فضلاً عن أن يكون موضوعاً.
٦٨ ـ إمام الدين
محمد الهجروي اللاّيجي ، يُحكى عن كتابه أسماء النبيّ وخلفائه الأربعة.
٦٩ ـ الشيخ يوسف
الواسطي الأعور ، ذكره في رسالة ردّ بها الشيعة ، عدّه من حجج الرافضة ، وأجاب عنه
متسالماً عليه من حيث السند بوجوه في مفاده ، وستأتي كلمته.
٧٠ ـ شمس الدين
محمد بن محمد الجزري : المتوفّى (٨٣٣) ، أخرجه في أسنى المطالب في مناقب عليّ بن
أبي طالب (ص ١٤) من طريق
الحاكم وذكر تصحيحه ، وقد اشترط في أوّل كتابه أن يذكر فيه ما تواتر وصحّ وحسن من
مناقب أمير المؤمنين.
٧١ ـ الشيخ زين
الدين أبو بكر محمد بن محمد بن عليّ الخوافي : المتوفّى (٨٣٨) ، ذكره مرسلاً
محتجّا به لاختصاص عليّ عليهالسلام بمزيد العلم والحكمة ، حكاه عنه الشيخ شهاب الدين أحمد في
توضيح الدلائل.
٧٢ ـ شهاب الدين
بن شمس الدين الزاولي الدولت آبادي : المتوفّى (٨٤٩) ، احتجّ به لفضل أمير
المؤمنين في كتابه هداية السعداء.
٧٣ ـ شهاب الدين
أبو الفضل أحمد بن عليّ الشهير بابن حجر العسقلاني : المتوفّى (٨٥٢) ، ذكره في
تهذيب التهذيب (٧ / ٣٣٧) ، وقال
في لسان الميزان : هذا
__________________
الحديث له طرق
كثيرة في مستدرك الحاكم أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل ، فلا ينبغي أن يطلق
القول عليه بالوضع.
٧٤ ـ شهاب الدين
أحمد ، ذكره في توضيح الدلائل وقال : هذه فضيلة اعترف بها الأصحاب وابتهجوا ،
وسلكوا طريق الوفاق وانتهجوا.
٧٥ ـ نور الدين
عليّ بن محمد بن الصبّاغ المالكي المكّي : المتوفّى (٨٥٥) ، ذكره في الفصول
المهمّة (ص ١٨).
٧٦ ـ بدر الدين
محمود بن أحمد بن موسى الحنفي العيني : المتوفّى بالقاهرة (٨٥٥) ، ذكره في عمدة
القاري (٧ / ٦٣١).
٧٧ ـ الشيخ عبد
الرحمن بن محمد بن علي البسطامي الحنفي : المتوفّى (٨٥٨) ، ذكره في كتابه درّة
المعارف الإلهيّة ، واحتجّ به لوراثة عليّ علم الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، راجع ينابيع المودّة (ص ٤٠٠).
٧٨ ـ شمس الدين
محمد بن يحيى الجيلاني اللاهجي النوربخش ، ذكره في مفاتيح الإعجاز شرح گلشن راز المؤلَّف سنة (٨٧٧).
٧٩ ـ شمس الدين
أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري : المتوفّى (٩٠٢) ، ذكره في المقاصد
الحسنة ، وحسّنه.
٨٠ ـ الحافظ جلال
الدين عبد الرحمن بن كمال الدين السيوطي : المتوفّى (٩١١)
__________________
ذكره في الجامع
الصغير (١ / ٣٧٤) ، وفي
غير واحد من تآليفه وحسّنه في كثير منها ثمّ حكم بصحّته في جمع الجوامع كما في
ترتيبه (٦ / ٤٠١) فقال :
كنت أُجيب بهذا الجواب ـ يعني بحسن الحديث ـ دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير
لحديث عليّ في تهذيب الآثار مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عبّاس ، فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث من
مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحّة والله أعلم.
وقد أفرد في طرقه
جزءاً وعدّه من تآليفه ، وذكر الحديث في الدرر المنتثرة وعدّه من الأحاديث المشهورة (ص ٤٣) هامش الفتاوى الحديثيّة
لابن حجر.
٨١ ـ السيد نور
الدين عليّ بن عبد الله السمهودي الشافعي : المتوفّى (٩١١) ، ذكره في جواهر
العقدين ، وأردفه بشواهد من الأحاديث الواردة في علم عليّ عليهالسلام.
٨٢ ـ فضل بن
روزبهان ، ذكره في الردّ على نهج الحقّ للعلاّمة الحلّي متسالماً عليه بلا أيّ غمز
في سنده. وقال في ردِّ حجاج العلاّمة بأعلميّة أمير المؤمنين بحديثي «أقضاكم عليٌّ»
و «أنا مدينة العلم» ، من طريق الترمذي. وأمّا ما ذكره المصنّف من علم أمير
المؤمنين فلا شكّ في أنّه من علماء الأُمّة والناس محتاجون إليه فيه ، وكيف لا وهو
وصيُّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف؟ فلا نزاع لأحد فيه ،
وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي فصحيح.
٨٣ ـ الحافظ عز
الدين عبد العزيز المعروف بابن فهد الهاشمي المكّي الشافعي :
__________________
المتوفّى (٩٢٢) ،
أشار إليه في أبيات له يمدح بها أمير المؤمنين عليهالسلام وهي :
ليثُ الحروبِ
المدرهُ الضرغامُ من
|
|
بحسامِهِ جابَ
الدياجي والظلم
|
صهرُ الرسولِ
أخوه بابُ علومِهِ
|
|
أقضى الصحابةِ
ذو الشمائل والشِّيَمْ
|
الزهدُ والورعُ
الشديدُ شعارُه
|
|
ودثارُه العدلُ
العميمُ مع الكرمْ
|
في جودِه ما
البحر ما التيّار ما
|
|
كلُّ السيول وما
الغوادي والدِّيَمْ
|
وله الشجاعةُ
والشهامةُ والحيا
|
|
وكذا الفصاحةُ
والبلاغةُ والحِكَمْ
|
ما عنترٌ ما
غيره في الباس ما
|
|
أُسد الشرى معه
إذا الحرب اصطلمْ
|
ما نجلُ ساعدةَ
البليغُ لديه ما
|
|
سَحبانُ إن نثرَ
الكلامَ وإن نظمْ
|
حاز الفضائلَ
كلَّها سبحان من
|
|
مِن فضلهِ أعطاه
ذاك من القِدمْ
|
نصر الرسولَ وكم
فداه فيا له
|
|
من نجلِ عمٍّ
فضلُه للخلقِ عمْ
|
كلٌّ أقرّ بفضله
حقّا وذا
|
|
أمرٌ جليٌّ في
عليّ ما انبهمْ
|
فعليه منّي ألفُ
ألفِ تحيّةٍ
|
|
وعلى الصحابةِ
كلّهم أهلِ الذممْ
|
٨٤ ـ الحافظ شهاب الدين أحمد بن محمد
القسطلاني المصري الشافعي : المتوفّى (٩٢٣) ، عدّ في المواهب اللدنيّة في أسماء النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم مدينة العلم ، أخذاً بالحديث كما قاله الزرقاني في شرحه (٣
/ ١٤٣).
٨٥ ـ المولى جلال
الدين محمد بن أسعد الدواني : المتوفّى (٩٢٨) ، أوعز إليه في شرح رسالة الزوراء.
٨٦ ـ القاضي كمال
الدين حسين بن معين الميبذي : المتوفّى في أوائل القرن
__________________
العاشر ، ذكره في
شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليهالسلام محتجّا به.
٨٧ ـ الحاج عبد
الوهّاب بن محمد البخاري : المتوفّى (٩٣٢) ، في تفسيره الأنوري عند قوله تعالى : (قُلْ
لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ذكره من طريق
جابر نقلاً عن ابن المغازلي وأردفه بعدّة من الفضائل ، ثمّ قال : اعلم يا هذا أنّ هذه
الأحاديث وردت عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ رضى الله عنه.
٨٨ ـ الحافظ الشيخ
محمد بن يوسف الشامي : المتوفّى (٩٤٢) ، ذكره في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير
العباد ، وقال : والصواب أنّه حديثٌ حسنٌ كما قال الحافظان
العلائي وابن حجر ... إلخ.
٨٩ ـ الشيخ أبو
الحسن عليّ بن محمد بن عراق الكناني : المتوفّى (٨٦٣) ، ذكره في تنزيه الشريعة عن
الأخبار الشنيعة ، وأردفه بتصحيح الحاكم وتضعيف ابن الجوزي وتحسين ابن حجر
والعلائي إيّاه ، ويظهر منه اختيار الأخير.
٩٠ ـ شهاب الدين
أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكّي : المتوفّى (٩٧٤) ، ذكره في الصواعق (ص ٧٣) ، وفي شرح
الهمزيّة للبوصيري عند شرح قوله :
كم أبانت آياتُه
من علومٍ
|
|
عن حروفٍ أبانَ
عنها الهجاءُ
|
__________________
وفي شرح قوله :
ووزيرُ ابنِ
عمّهِ في المعالي
|
|
ومن الأهلِ تسعد
الوزراءُ
|
وفي شرح قوله :
لم يزده كشفُ
الغطاءِ يقيناً
|
|
بل هو الشمسُ ما
عليه غطاءُ
|
وذكره وحسّنه.
وقال في تطهير الجنان ـ هامش الصواعق ـ (ص ٧٤) : ورواه في الفتاوى الحديثية (ص ١٢٦) وحسّنه.
وقال في (ص ١٩٧) : هو حديث حسن ، بل قال الحاكم : صحيح.
٩١ ـ عليّ بن حسام
الدين الشهير بالمتّقي الهندي : المتوفّى (٩٧٥) ، ذكره في إكمال جمع الجوامع
للسيوطي في قسم الأقوال من فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام كما في ترتيبه الكنز (٦ / ١٥٦).
٩٢ ـ الشيخ
إبراهيم بن عبد الله الوصّابي اليمني الشافعي ، ذكره في كتاب الاكتفاء نقلاً عن
أبي نعيم في المعرفة والحاكم والخطيب محتجّا به لفضل علم عليّ عليهالسلام ، من دون أيّ غمز في سنده ودلالته.
٩٣ ـ الشيخ جمال
الدين محمد طاهر الهندي : المتوفّى (٩٨٦) ، ذكره في تذكرة الموضوعات ، وحسّنه وقال : فمن حكم بكذبه فقد أخطأ.
٩٤ ـ ميرزا مخدوم
عباس بن معين الدين الجرجاني ثم الشيرازي :
__________________
المتوفّى (٩٨٨) ،
ذكره في الفصل الثاني من نواقض الروافض ، وعدّه من فضائل أمير المؤمنين نقلاً عن
الترمذي من دون أيّ غمز فيه.
٩٥ ـ شيخ بن عبد
الله العيدروس : المتوفّى (٩٩٠) ، ذكره في العقد النبويّ والسرّ المصطفويّ نقلاً
عن البزّار ، والطبراني ، والحاكم ، والعقيلي ، وابن عدي ، والترمذي من دون إيعاز
إلى ضعف سنده.
٩٦ ـ جمال الدين
المحدّث عطاء الله بن فضل الله الشيرازي : المتوفّى (١٠٠٠) ، ذكره في كتابه
الأربعين وهو الحديث السادس عشر منه ، وذكره في المطلب الأوّل من
كتابه تحفة الأحبّاء من مناقب آل العباء.
٩٧ ـ أبو العصمة
محمد معصوم بابا السمرقندي ، ذكره في الفصل الثاني من رسالة الفصول الأربعة ،
واحتجّ به على من طعن أبا بكر بغصب فدك ، وأنكر بذلك شهادة أمير المؤمنين لفاطمة
سلام الله عليهما بمكانته العلميّة الثابتة بالحديث.
٩٨ ـ الشيخ علي
القاري الهروي الحنفي : المتوفّى (١٠١٤) ، ذكره في المرقاة شرح المشكاة .
٩٩ ـ الحافظ الشيخ
عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي الشافعي : المتوفّى (١٠٣١) ، ذكره في فيض
القدير شرح الجامع الصغير (٣ / ٤٦) ، وفي التيسير شرح الجامع الصغير ، وقال في الأوّل :
فإنّ المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها ، ولا بدّ للمدينة
من باب ، فأخبر أنّ بابها هو عليّ كرّم الله وجهه ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة ،
ومن
__________________
أخطأه أخطأ طريق
الهدى ؛ وقد شهد بالأعلميّة الموافق والمخالف والمعادي والمحالف ، خرّج الكلاباذي
أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عليّا هو أعلم منِّي ، فقال : أُريد
جوابك. قال : ويحك كرهت رجلاً كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعزّه بالعلم عزّا. وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك ،
وكان عمر يسأله عمّا أشكل عليه ، جاءه رجل فسأله فقال : هاهنا عليّ فاسأله ، فقال
: أُريد أن أسمع منك يا أمير المؤمنين ، قال : قم لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه
من الديوان.
وصحّ عنه من طرق :
أنّه كان يتعوّذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم ير له شيئاً من البعوث
لمشاورته في المشكل.
وأخرج الحافظ عبد
الملك بن سليمان قال : ذكر لعطاء : أكان أحد من الصحب أفقه من عليّ؟ قال : لا
والله. قال الحرالي : قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم
عليّ ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه ، يرفع الله عن القلوب الحجاب
حتى يتحقّق اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء. انتهى.
١٠٠ ـ المولى
يعقوب اللاهوري ، ذكره في رسالة العقائد ، وتكلّم في دلالته على أعلميّة الإمام
وأفضليّته.
١٠١ ـ الشيخ أحمد
بن الفضل بن محمد با كثير المكّي الشافعي : المتوفّى (١٠٤٧) ذكره في كتابه وسيلة
المآل في عدّ مناقب الآل نقلاً عن أبي عمر صاحب الاستيعاب من دون أيِّ غمز في السند والمتن والدلالة.
١٠٢ ـ الشيخ محمود
بن محمد بن علي الشيخاني القادري ، ذكره في تأليفه
__________________
الصراط السويّ في
مناقب آل النبيّ ، نقلاً عن أحمد والترمذي بصورة إرسال المسلّم ثمّ قال : ولهذا كان ابن عبّاس يقول :
من أتى العلم فليأتِ الباب وهو عليّ رضى الله عنه.
١٠٣ ـ عبد الحقّ
الدهلوي : المتوفّى (١٠٥٢) ، ذكره في اللمعات في شرح المشكاة ، وحكى كلمات غير
واحد من الحفّاظ حول الحديث نفياً وإثباتاً واختار ما ذهب إليه جمع من متأخّري
الحفّاظ من القول بثبوته وحسنه ، وعدّ أيضاً في مدارج النبوّة من أسماء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مدينة العلم ، أخذاً بالحديث.
١٠٤ ـ السيّد محمد
ابن السيّد جلال بن حسن البخاري ، ذكره في كتابه تذكرة الأبرار عن ذكر أمير
المؤمنين ونصّ على صحّته.
١٠٥ ـ الله ديا بن
عبد الرحيم بن بينا حكيم الچشتي العثماني ، ذكره في سرّ الأقطاب محتجّا به مرسلاً
إيّاه إرسال المسلّم.
١٠٦ ـ عبد الرحمن
بن عبد الرسول بن القاسم الچشتي ، ذكره في مرآة الأسرار عند ذكر مولانا أمير
المؤمنين.
١٠٧ ـ شيخ بن عليّ
بن محمد الجفري : المتوفّى (١٠٦٣) ، في كتابه كنز البراهين الكسبيّة .
١٠٨ ـ الحافظ عليّ
بن أحمد العزيزي الشافعي : المتوفّى (١٠٧٠) ، ذكره في السراج المنير في شرح الجامع
الصغير (٢ / ٦٣) ، وحكى
حسنه عن شيخه ولم يوعز
__________________
إلى شيء ممّا
يزيّفه ، فقال : يؤخذ منه أنّه ينبغي للعالم أن يخبر الناس بفضل من عرف فضله
ليأخذوا عنه العلم.
١٠٩ ـ أبو الضياء
نور الدين عليّ بن عليّ الشبراملسي القاهري الشافعي : المتوفّى (١٠٨٢) ، ذكره في
حاشيته على المواهب اللدنيّة المسمّاة بتيسير المطالب السنيّة بكشف أسرار المواهب
اللدنيّة في شرح أسماء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في اسمه : مدينة العلم ، فقال : والصواب أنّه حديث حسن كما
قاله العلائي وابن حجر.
١١٠ ـ الشيخ تاج
الدين السنبهلي ، ذكره في رسالة أشغال النقشبنديّة.
١١١ ـ الشيخ
إبراهيم بن الحسن الكردي الكوراني الشافعي : المتوفّى (١١٠١) ، ذكره في النبراس
لكشف الالتباس الواقع في الأساس ، نقلاً عن البزّار والطبراني عن جابر ، ومن طريق
الترمذي والحاكم عن عليّ عليهالسلام من دون غمز في السند.
١١٢ ـ الشيخ
إسماعيل بن سليمان الكردي البصري ، ذكره في كتابه جلاء النظر في دفع شبهات ابن حجر
، احتجّ به على من نسب الخطأ في الفتيا إلى أمير المؤمنين عليهالسلام حكاه ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة عن بعض معاصريه.
١١٣ ـ الشيخ محمد
بن عبد الرسول البرزنجي المدني : المتوفّى (١١٠٣) ، في رسالته الإشاعة في أشراط
الساعة.
١١٤ ـ الشيخ محمد
بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المالكي : المتوفّى (١١٢٢) ، ذكره في شرح المواهب
اللدنيّة (٣ / ١٤٣) وحسّنه.
١١٥ ـ الشيخ سالم
بن عبد الله بن سالم البصري الشافعي ، ذكره في رسالته الإمداد بمعرفة الإسناد ،
المؤلّف سنة (١١٢١).
١١٦ ـ ميرزا محمد
بن معتمد خان البدخشاني الحارثي ، أخرجه في نُزُل
__________________
الأبرار بما صحّ
من مناقب أهل البيت الأطهار (ص ٢٧) نقلاً عن
البزّار والعقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم وأبي نعيم ، والحديث عنده صحيح على
شرط كتابه.
١١٧ ـ الشيخ محمد
صدر العالم ، في المعارج العلى في مناقب المرتضى ، ذكر ما أفاده السيوطي في جمع
الجوامع من صحّة الحديث حرفيّا ، فيظهر منه اختيار صحّته كالسيوطي.
١١٨ ـ شاه وليُّ
الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي : المتوفّى (١١٧٦) ، ذكره في قرّة العينين في عدّة مواضع مرسلاً إيّاه إرسال المسلّم ، وعدّه من
فضائل أمير المؤمنين في كتابه إزالة الخفاء .
١١٩ ـ الشيخ محمد
بن سالم المصري الحفني : المتوفّى (١١٨١) ، في حاشيته على شرح الجامع الصغير
للعزيزي (٢ / ٦٣).
١٢٠ ـ الشيخ محمد
بن محمد أمين السندي ، عدّ في كتابه دراسات اللبيب المطبوع سنة (١٢٨٤) في لاهور باب مدينة العلم من أسماء
أمير المؤمنين أخذاً بالحديث.
١٢١ ـ الأمير محمد
بن إسماعيل بن صلاح اليمني الصنعاني : المتوفّى (١١٨٢) ذكره في الروضة النديّة في
شرح التحفة العلويّة ، وحكم بصحّة الحديث تبعاً للحاكم وابن جرير والسيوطي ،
وقال بعد نقل تصحيح المصحِّحين وتحسين من حسّنه : فظهر لك بطلان دعوى الوضع وصحّة
القول بالصحّة كما اختاره السيوطي وهو قول الحاكم وابن جرير.
__________________
١٢٢ ـ الشيخ
سليمان جمل ، في الفتوحات الأحمديّة بالمنح المحمديّة ، ذكره مرسلاً إيّاه إرسال
المسلّم.
١٢٣ ـ المولى
السيّد قمر الدين الحسيني الأورنك آبادي : المتوفّى (١١٩٣) ، ذكره في نور
الكريمتين محتجّا به متسالماً عليه.
١٢٤ ـ شهاب الدين
أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي ـ أحد شعراء الغدير يأتي في شعراء القرن
الثاني عشر ـ ذكره في كتابه ذخيرة المآل في شرح عقد اللآل في عدّة مواضع كذكر
الحديث الثابت الصحيح المتسالم عليه.
١٢٥ ـ الشيخ محمد
بن عليّ الصبّان : المتوفّى (١٢٠٥) ، ذكره في إسعاف الراغبين (ص ١٥٦) ـ هامش نور
الأبصار ـ نقلاً عن البزّار والطبراني والحاكم والعقيلي وابن عدي والترمذي ، وصوّب
قول من حسّنه خلافاً لمن صحّحه أو زيّفه.
١٢٦ ـ الشيخ محمد
مبين بن محبّ الله السهالوي : المتوفّى (١٢٢٥) ، احتجّ به لعلم الإمام عليهالسلام في كتابه وسيلة النجاة ثمّ قال : وهذا الحديث صحيح على رأي الحاكم ، وقال ابن حجر
: حسن. ولم يذكر شيئاً من كلم الغمز فيه مومياً إلى فسادها.
١٢٧ ـ القاضي ثناء
الله پاني پتي : المتوفّى (١٢٢٥) ، ذكره في غير موضع من كتابه السيف المسلول ،
وذكر تصحيح الحاكم إيّاه وتضعيف من ضعّفه واختيار ابن حجر حسنه ، ثمّ قال ما معناه
: الصواب ما اختاره ابن حجر نظراً إلى السند ، وأمّا نظراً إلى كثرة الشواهد
فيمكننا الحكم بالصحّة.
__________________
١٢٨ ـ عبد العزيز
بن وليّ الله الدهلوي ، ذكره في جواب سؤال سئل عنه ، وفي رسالة كتبها في عقائد والده الشاه وليّ الله.
١٢٩ ـ الشيخ جواد
ساباط بن إبراهيم ساباط الساباطي الحنفي ، ذكره في البراهين الساباطيّة.
١٣٠ ـ عمر بن أحمد
الخرپوتي الحنفي ، في كتاب عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة قال في شرح قوله :
فاق النبيّين في
خَلقٍ وفي خُلُقٍ
|
|
ولم يدانوه في
علمٍ ولا كرمِ
|
ثمّ اعلم أنّ بيان
علمه ثابت بقوله تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ
تَكُنْ تَعْلَمُ) ، وبقوله عليهالسلام «أنا مدينة العلم».
الحديث وغير ذلك.
١٣١ ـ القاضي محمد
بن عليّ الشوكاني الصنعاني : المتوفّى (١٢٥٠) ، ذكره في الفوائد المجموعة في
الأحاديث الموضوعة ، وحسّنه.
١٣٢ ـ محمد رشيد
الدين خان الدهلوي ، في إيضاح لطافة المقال.
١٣٣ ـ جمال الدين
أبو عبد الله محمد بن عبد العلي القرشي المعروف بميرزا حسن علي اللكهنوي ، عدّه من
مناقب أمير المؤمنين في تفريح الأحباب بمناقب الآل والأصحاب ، واختار حسنه.
١٣٤ ـ نور الدين
إسماعيل بن السليماني ، ذكره في الدرّ اليتيم ، نقلاً عن أبي نعيم
__________________
والحاكم والخطيب
من دون غمز فيه.
١٣٥ ـ وليّ الله
بن حبيب الله بن محبّ الله ابن ملاّ أحمد عبد الحقّ السهاوي اللكهنوي : المتوفّى
(١٢٧٠) ، عدّه من مناقب أمير المؤمنين في كتابه مرآة المؤمنين ، ثمّ قال ما معناه : والذي زادوا عليه في بعض الروايات من
مناقب الصحابة موضوع مفترى على ما في الصواعق.
١٣٦ ـ شهاب الدين
السيّد محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي : المتوفّى (١٢٧٠) في تفسيره روح
المعاني يسمّي عليّا عليهالسلام بباب مدينة العلم عند البحث عن رؤية اللوح في (٢٧ / ٣) من
الطبعة المنيريّة.
١٣٧ ـ الشيخ
سليمان بن إبراهيم الحسيني البلخي القندوزيّ : المتوفّى (١٢٩٣) ذكره بطرق كثيرة في
ينابيع المودّة (ص ٦٥ ، ٧٢ ، ٧٣ ،
٤٠٠ ، ٤١٩) نقلاً عن جمع من الحفّاظ والأعلام تنتهي أسنادهم إلى أمير المؤمنين ،
وابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، وحذيفة بن اليمان ، والحسن بن عليّ ، وابن مسعود
، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر.
١٣٨ ـ الشيخ سلامة
الله البدايوني ، أسمى أمير المؤمنين عليهالسلام في كتابه معركة الآراء بباب مدينة العلم أخذاً بالحديث.
١٣٩ ـ السيّد أحمد
زيني دحلان المكّي الشافعي : المتوفّى (١٣٠٤) ، في الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٥١٠).
١٤٠ ـ المولوي حسن
الزمان ، ذكره في القول المستحسن في فخر الحسن ،
__________________
وعدّه من المشهور
الصحيح وقال : صحّحه جماعات من الأئمّة وعدّ منها ابن معين ، والخطيب ، وابن جرير
، والحاكم ، والفيروزآبادي في النقد الصحيح. ثمّ قال : واقتصر على تحسينه العلائي
والزركشي وابن حجر في أقوام أُخر ردّا على ابن الجوزي.
١٤١ ـ الشيخ عليّ
بن سليمان المغربي المالكي الشاذلي ، ذكره في كتابه نفع قوت المغتذي على صحيح
الترمذي .
١٤٢ ـ الشيخ عبد
الغني أفندي الغنيمي ، حكاه عنه سليم محمد أفندي في قرّة الأعيان المطبوع في
القسطنطينيّة سنة (١٢٩٧).
١٤٣ ـ الشيخ محمد
حبيب الله بن عبد الله اليوسفي المدني الشنقيطي المصري في كفاية الطالب لمناقب
عليّ بن أبي طالب (ص ٤٨).
توجد كلمات كثير
من هؤلاء الأعلام حول الحديث في الجزء الخامس من عبقات الأنوار لسيّدنا العلَم
الحجّة المجاهد الأكبر السيّد مير حامد حسين الموسوي اللكهنوي المتوفّى (١٣٠٦).
صحّة الحديث
نصّ غير واحد من
هؤلاء الأعلام بصحّة الحديث من حيث السند ، وهناك جمع يظهر منهم اختيارها ،
وكثيرون من أولئك يرون حسنه مصرّحين بفساد الغمز فيه ، وبطلان القول بضعفه ، وممّن
صحّحه :
١ ـ الحافظ أبو
زكريّا يحيى بن معين البغداديّ : المتوفّى (٢٣٣) ، نصّ على صحّته كما ذكره الخطيب
وأبو الحجّاج المزّي وابن حجر وغيرهم.
__________________
٢ ـ أبو جعفر محمد
بن جرير الطبريّ : المتوفّى (٣١٠) ، صحّحه في تهذيب الآثار .
٣ ـ أبو عبد الله
الحاكم النيسابوريّ : المتوفّى (٤٠٥) ، صحّحه في المستدرك .
٤ ـ الحافظ الخطيب
البغداديّ : المتوفّى (٤٦٣) ، عدّه ممّن صحّحه المولوي حسن الزمان في القول
المستحسن.
٥ ـ الحافظ أبو
محمد الحسن السمرقندي : المتوفّى (٤٩١) ، في بحر الأسانيد.
٦ ـ مجد الدين
الفيروزآبادي : المتوفّى (٨١٦) ، صحّحه في النقد الصحيح.
٧ ـ الحافظ جلال
الدين السيوطي : المتوفّى (٩١١) ، صحّحه في جمع الجوامع كما مرّ.
٨ ـ السيّد محمد
البخاري ، نصّ على صحّته في تذكرة الأبرار.
٩ ـ الامير محمد
اليماني الصنعاني : المتوفّى (١١٨٢) ، صرّح بصحّته في الروضة النديّة .
١٠ ـ المولوي حسن
الزمان ، عدّه من المشهور الصحيح في القول المستحسن .
وممّن يظهر منه اختيار
صحّته.
١١ ـ أبو سالم
محمد بن طلحة القرشي : المتوفّى (٦٥٢).
__________________
١٢ ـ أبو المظفر
يوسف بن قزاوغلي : المتوفّى (٦٥٤).
١٣ ـ الحافظ أبو
عبد الله الكنجي : المتوفّى (٦٥٨).
١٤ ـ الحافظ صلاح
الدين العلائي : المتوفّى (٧٦١).
١٥ ـ شمس الدين
محمد الجزري : المتوفّى (٨٣٣).
١٦ ـ شمس الدين
محمد السخاوي : المتوفّى (٩٠٢).
١٧ ـ فضل الله بن
روزبهان الشيرازي.
١٨ ـ المتّقي
الهندي عليّ بن حسام الدين : المتوفّى (٩٧٥).
١٩ ـ ميرزا محمد
البدخشاني.
٢٠ ـ ميرزا محمد
صدر العالم.
٢١ ـ ثناء الله
پاني پتي الهندي.
لفظ الحديث
١ ـ عن الحرث
وعاصم ، عن عليّ عليهالسلام مرفوعاً «إنّ الله خلقني وعليّا من شجرة أنا أصلها ، وعليّ
فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ، والشيعة ورقها ، فهل يخرج من الطيّب إلاّ الطيّب؟
وأنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتِها من بابها».
وفي لفظ حذيفة عن
عليّ عليهالسلام : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، ولا تؤتى البيوت إلاّ
من أبوابها».
وفي لفظ آخر له عليهالسلام : «أنا مدينة العلم وأنت بابها ، كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من
قِبَل الباب».
وفي لفظ له عليهالسلام «أنا مدينة العلم
وأنت بابها ، كذب من زعم أنه يدخل المدينة بغير الباب ، قال الله عزّ وجلّ : وأتوا
البيوت من أبوابها».
٢ ـ عن ابن عبّاس
: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ بابه ـ الباب».
وفي لفظ عن سعيد
بن جبير عن ابن عبّاس : «يا عليُّ أنا مدينة العلم وأنت بابها ، ولن تؤتى المدينة
إلاّ من قِبَل الباب».
٣ ـ عن جابر بن
عبد الله قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الحديبية وهو آخذ بيد عليّ يقول : «هذا أمير البررة ،
وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله» ، ثمّ مدّ بها صوته فقال : «أنا
مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أراد البيت فليأتِ الباب».
وفي لفظ له : «أنا
مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب».
وهناك أحاديث
أُخرى أخرجها الأعلام في تآليفهم القيّمة تعاضد صحّة هذا الحديث منها :
١ ـ «أنا دار
الحكمة وعليّ بابها» .
٢ ـ «أنا دار
العلم وعليّ بابها»
٣ ـ «أنا ميزان
العلم وعليّ كفّتاه» .
__________________
٤ ـ «أنا ميزان
الحكمة وعليّ لسانه» .
٥ ـ «أنا المدينة
وأنت الباب ، ولا يؤتى المدينة إلاّ من بابها» .
٦ ـ في حديث : «فهو
باب مدينة علمي» .
٧ ـ «عليّ أخي
ومنّي وأنا من عليّ فهو باب علمي ووصيّي».
٨ ـ «عليّ باب
علمي ومبيّن لأُمّتي ما أُرسلت به من بعدي» .
٩ ـ «أنت باب علمي».
قاله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام في حديث أخرجه : الخركوشي ، وأبو نعيم ، والديلمي ،
والخوارزمي ، وأبو العلاء الهمداني ، وأبو حامد الصالحات ، وأبو عبد الله الكنجي ،
والسيّد شهاب الدين صاحب توضيح الدلائل ، والقندوزي.
١٠ ـ «يا أُمّ
سلمة اشهدي واسمعي هذا عليّ أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وعيبة علمي ـ وعاء
علمي ـ وبابي الذي أوتى منه».
أخرجه أبو نعيم ،
والخوارزمي في المناقب ، والرافعي في التدوين ،
__________________
والكنجي في
المناقب ، والحمّوئي في فرائد السمطين ، وحسام الدين المحلّي ، وشهاب الدين في توضيح الدلائل ،
والشيخ محمد الحفني في شرح الجامع الصغير وقال في حاشية شرح العزيزي (٢ / ٤١٧) : حديث العيبة أي وعاء
علمي الحافظ له ، فإنّه مدينة العلم ولذا كانت الصحابة تحتاج إليه في تلك المشكلات
، ولذا كان يسأله سيّدنا معاوية في زمن الواقعة عن المشكلات فيجيبه فتقول له
جماعته : مالك تجيب عدوّنا؟ فيقول : أما يكفيكم أنّه يحتاج إلينا؟
ووقع له فكُّ
مشكلات مع سيّدنا عمر ، فقال : ما أبقاني الله إلى أن أدرك قوماً ليس فيهم أبو
الحسن ، أو كما قال ، فقد طلب أن لا يعيش بعده ، ثمّ ذكر قضايا منها حديث اللطم وحديث قد أمر سيّدنا عمر برجم زانية (يأتي بتمامه) فقال
سيّدنا عمر : لو لا عليّ لهلك عمر.
وقال المناوي في
فيض القدير (٤ / ٣٥٦) : «عليّ عيبة علمي» أي مظنّة استفصاحي وخاصتي ، وموضع سرّي ،
ومعدن نفائسي ، والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه. قال ابن دريد : وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في
إرادة اختصاصه بأُموره الباطنة التي لا يطّلع عليها أحد غيره ، وذلك غاية في مدح
عليّ ، وقد كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه.
وفي شرح الهمزيّة : إنّ معاوية كان يرسل يسأل عليّا عن المشكلات
__________________
فيجيبه ، فقال أحد
بنيه : تجيب عدوّك؟ قال : أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا؟
١١ ـ * «أنا مدينة
الفقه وعليّ بابها» ، ذكره أبو المظفّر سبط ابن الجوزي في التذكرة (ص ٢٩) ، وأخرجه
ابن بطّة العكبري بإسناده عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن عن عليّ ، وأبو الحسن
عليّ بن محمد الشهير بابن عراق في تنزيه الشريعة .
__________________
ما عشت أراك الدهر عجباً
ما عساني أن أقول
في مثقّف يحسب نفسه فقيهاً من فقهاء الإسلام وبين يديه هذه الأحاديث وأمثالها
الجمّة من الصحاح والحسان المذكورة في الجزء الثالث صحيفة (٩٥ ـ ١٠٠) وما أسلفناه
هنا وهناك من كلمات الصحابة ومن إجماع الأُمّة الإسلاميّة جمعاء على وراثة أمير
المؤمنين عليهالسلام علم النبيِّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم فيصفح عن تلكم النصوص كلّها ، ويرى في الأمّة من الصحابة
وحتى اليوم من هو أعلم من أمير المؤمنين.
ما عساني أن أقول
في رجل يؤلِّف كتاباً من المخاريق والمخازي ويسمّيه الوشيعة غير مكترث لمغبّة مساءته
، ولا متحاشٍ عن كشف سوأته؟ بل يتبهّج ويتبجّح عند قومه بالردِّ على الشيعة ، ولم
يدرِ المغفّل أنّه شوّه سمعتهم ، وسوّد صحيفة تاريخهم بتلك الوقيعة بالوشيعة ، غير
شاعر بأنّ بحّاثة التنقيب سيميط الستر عن أكاذيبه وتقوّلاته ، ويسمه بسمة العار ،
ووسمة الشنار.
قال : كان عمر
أفقه الصحابة وأعلم الصحابة في زمنه على الإطلاق ، وإنّما كان أعرف الفقهاء بمواقع
السنن والقرآن الكريم ، وكان مدّة عمره في جميع أُموره يعمل بالكتاب والسنّة ،
وكان يعرف مواقع السنن ويفهم معاني الكتاب (ن ط).
هذه الجمل الأربع
التقطناها من سفاسفه المعنْوَنة بالخلافة الراشدة من صحيفة
(ون ـ ه س) ،
ونحن لا ننكر لعمر بن الخطّاب فقهاً ولا علماً شأن كلّ مسلم عاصر النبي الأعظم
وعاشره إن لم يُلهه عنه الصفق بالأسواق ، وإنّا نودّ أن نعرّفه ـ إن وسعنا ـ بما
وصفه الرجل بعد ما عُرف في الملأ بالخلافة الراشدة ، ومن حمله ذلك العبء الثقيل ،
غير أنّ ما حفظته غضون الكتب والمعاجم لا يتّفق مع هذه المزعمة ، والتاريخ الصحيح
يوجّهنا إلى غير شطر ولّى الرجل إليه وجهه ، ويبعدنا عن محسبته بُعد المشرقين ،
ويُسمعنا قول الخليفة نفسه من وراء ستر رقيق : كلُّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات
الحجال ، فنحن نقدّم الى رُوّاد الحقيقة آثاراً تُعرّف مهيع
الطريق ، وتُعرب عن جليّة الحال.
__________________
نوادر الأثر في علم عمر
ـ ١ ـ
رأي الخليفة في فاقد الماء
أخرج الإمام مسلم
في صحيحه في باب التيمّم بأربعة طرق عن عبد الرحمن ابن أبزي : إنّ
رجلاً أتى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماءً فقال عمر : لا تصلِّ. فقال عمّار :
أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماءً ، فأمّا أنت
فلم تصلِّ ، وأمّا أنا فتمعّكت في التراب وصلّيت ، فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم «إنّما كان يكفيك
أن تضرب بيديك الأرض ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك» ، فقال عمر : اتّق الله
يا عمّار ، قال : إن شئت لم أُحدّث به.
وفي لفظ : قال
عمّار : يا أمير المؤمنين إن شئت لِما جعل الله عليّ من حقّك أن لا أُحدّث به
أحداً ، ولم يذكر.
سنن أبي داود (١ /
٥٣) ، سنن ابن ماجة (١ / ٢٠٠) ، مسند أحمد (٤ / ٢٦٥) ، سنن النسائي (١ / ٥٩ ، ٦١)
، سنن البيهقي (١ / ٢٠٩) .
__________________
صورة أخرى :
كنّا عند عمر
فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إنّما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء ،
فقال عمر : أمّا أنا فلم أكن لأصلّي حتى أجد الماء. فقال عمّار : يا أمير المؤمنين
تذكر حيث كنّا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنّا أجنبنا؟ قال : نعم ، قال :
فإنّي تمرّغت في التراب فأتيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فحدّثته فضحك وقال : «كان الطيّب كافيك» وضرب بكفّيه الأرض
ثمّ نفخ فيهما ثمّ مسح بهما وجهه وبعض ذراعه؟ قال : اتّق الله يا عمّار ، قال يا
أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره ما عشت أو ما حييت. قال : كلاّ والله ولكن نولّيك
من ذلك ما تولّيت.
مسند أحمد (٤ /
٣١٩) ، سنن أبي داود (١ / ٥٣) ، سنن النسائي (١ / ٦٠) .
تحريف وتدجيل :
هذا الحديث أخرجه
البخاري في صحيحه (١ / ٤٥) في باب :
المتيمّم هل ينفخ فيهما ، وفي أبواب بعده ، غير أنّه راقه أن يحرّفه صوناً لمقام
الخليفة فحذف منه جواب عمر (لا تصلّ) أو : (أمّا أنا فلم أكن لأُصلّي) ذاهلاً عن
أنّ كلام عمّار عندئذٍ لا يرتبط بشيء ، ولعلّ هذا عند البخاري أخفُّ وطأة من إخراج
الحديث على ما هو عليه.
وذكره البيهقي
محرّفاً في سننه الكبرى (١ / ٢٠٩) نقلاً عن الصحيحين ، وأخرجه النسائي في سننه (١ / ٦٠) وفيه
مكان جواب عمر : فلم يدرِ ما يقول. وأخرجه
__________________
البغوي في
المصابيح (١ / ٣٦) وعدّه من
الصحاح ، غير أنّه حذف صدر الحديث وذكر مجيء عمّار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فحسب.
وذكره الذهبي في
تذكرته (٣ / ١٥٢) محرّفاً
وأردفه بقوله : قال بعضهم : كيف ساغ لعمّار أن يقول مثل هذا فيحلّ له كتمان العلم؟
والجواب : إنّ هذا ليس من كتمان العلم فإنّه حدّث به واتّصل ـ ولله الحمد ـ بنا ،
وحدّث في مجلس أمير المؤمنين ، وإنّما لاطف عمر بهذا لعلمه بأنّه كان ينهى عن
الإكثار من الحديث خوف الخطأ ، ولئلاّ يتشاغل الناس به عن القرآن.
قال
الأميني : هناك شيء هام
أمثال هذه الكلمات المزخرفة والأبحاث الفارغة المعدّة لتعمية البسطاء من القرّاء
عمّا في التاريخ الصحيح ، ليت شعري ما أغفلهم عن قول عمر : لا تصلّ ـ أو : ـ أمّا
أنا فلم أكن لأُصلّي؟ يقوله وهو أمير المؤمنين والمسألة سهلة جدّا عامّة البلوى
شائعة. وما أغفلهم عن قوله لعمّار : اتّق الله يا عمّار وعن تركه الصلاة يوم أجنب
في السريّة بعد ما جاء الإسلام بالطهورين! وعن جهله بآية التيمّم وحكم القرآن
الكريم وعن غضّه البصر عن تعليم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عمّاراً بكيفيّة التيمّم! ما أذهلهم عن هذه الطامّات
الكبرى وأشغلهم بعمّار وكلمته! نعم ، الحبُّ يُعمي ويُصمّ ، ومن كان في هذه أعمى ،
فهو في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلاً.
ويظهر من العيني
في عمدة القاري (٢ / ١٧٢) ، وابن
حجر في فتح الباري (١ / ٣٥٢) ثبوت
تينك الفقرتين من لفظ عمر في الحديث ولذلك جعلاه مذهباً له ، قال العيني
:
__________________
فيه ـ يعني في
الحديث ـ أنّ عمر رضياللهعنه لم يكن يرى للجنب التيمّم لقول عمّار له أنت فلم تصلِّ ،
وقال جعل آية : فأمّا خ التيمّم مختصّة بالحدث الأصغر ، وأدّى اجتهاده إلى أنّ
الجنب لا يتيمّم.
وقال ابن حجر :
هذا مذهب مشهور عن عمر.
يعرب الحديث عن
أنّ هذا الاجتهاد من الخليفة كان في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو أعجب شيء طرق أُذن الدهر ، كيف أكمل الله دينه ومثل
مسألة التيمّم العامّة البلوى كانت غير معلومة في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبقي فيها مجالٌ لمثل الخليفة أن يجهل بها أو يجتهد فيها؟
وكيف فتح باب الاجتهاد بمصراعيه على الأُمّة مع وجوده صلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيها؟
فهلاّ سأل الرجل
رسول الله بعد ما خالفه عمّار ، ورآه يتمعّك بالتراب فيصلّي. وهلاّ أخبره عمّار يوم
أجنبا بما علّمه رسول الله من هديه وسنّته في التيمّم.
وهلاّ علم رسول
الله ترك عمر الصلاة ـ وهي أهمّ الفرائض وأكملها ـ مهما أجنب ولم يجد الماء وأخبره
بما جاء به الإسلام وقرّر في شرعه المقدّس.
وهلاّ سأل عمر
بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم رجالاً خالفوه في رأيه هذا مثل عليّ أمير المؤمنين وابن
عبّاس وأبي موسى الأشعري والصحابة كلّهم غير عبد الله بن مسعود.
وهل كان عمل
أُولئك القائلين بالتيمّم على الجنب الفاقد للماء اتِّباعاً للسنّة الثابتة
المسموعة من رسول الله؟ أو كان مجرّد رأي واجتهاد أيضاً لِدة اجتهاد الخليفة؟
وهلاّ كان الخليفة
يثق بعمّار يوم أخبره عن سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يعدل عن رأيه. ولم ير ابن مسعود أنّ عمر قنع بقول
عمّار .
__________________
وهل خفي على
الخليفة ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين ، قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصلِّ في القوم فقال : «يا فلان ما
منعك أن تصلّي في القوم؟» فقال : يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء ، فقال : «عليك
بالصعيد فإنّه يكفيك» .
وهل عزب عنه ما رواه
سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة؟ قال : جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إنّا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء
فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء. قال : «عليك بالتراب» يعني التيمّم.
وفي لفظ آخر : إنّ
أعراباً أتوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا رسول الله إنّا نكون في هذه الرمال لا نقدر
على الماء ولا نرى الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب.
قال : «عليكم بالأرض».
وفي لفظ الأعمش :
جاء الأعراب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : إنّا نكون بالرمل ونعزب عن الماء الشهرين
والثلاثة وفينا الجنب والحائض. فقال : «عليكم بالتراب» .
وهل ذهب عليه ما أخبر
به أبو ذر من السنّة؟ قال : كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأُصلّي
بغير طهور ، فأتيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظلِّ المسجد فقال
: «أبو ذر؟» فقلت : نعم ؛ هلكت يا رسول الله ؛ فقال : «وما أهلكك؟» قال : إنّي كنت
أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأُصلّي بغير طهور ، فأمر لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بماء فجاءت به جارية
__________________
سوداء بعسّ يتخضخض
ما هو بملآن فتستّرتُ إلى بعيري فاغتسلت ، ثمّ جئت فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا أبا ذر إنّ الصعيد الطيِّب طهور وإن لم تجد الماء
إلى عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأَمسِسه جلدك» .
وهلاّ قرع سمعه حديث
الأسقع ، قال : كنت أرحِّل للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأصابتني جنابة فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رحِّل لنا يا أسقع». فقلت : بأبي أنت وأُمّي أصابتني
جنابة وليس في المنزل ماء. فقال : «تعال يا أسقع أُعلّمك التيمّم مثل ما علّمني
جبرئيل» فأتيته فنحّاني عن الطريق قليلاً فعلّمني التيمّم .
وقبل كلِّ شيء
آيتا التيمّم ، إحداهما في سورة النساء آية (٤٣) ، وهي قوله :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا
ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ
لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).
وقال أمير
المؤمنين عليهالسلام : «أُنزلت هذه الآية [في المسافر] إذا أجنب فلم يجد الماء
تيمّم وصلّى حتى يدرك الماء ، فإذا أدرك الماء اغتسل» .
والآية الثانية في
سورة المائدة آية (٦) ، وهي قوله :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ
عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً
__________________
طَيِّباً
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).
فإنّ المراد من
الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة ، كما عن أمير المؤمنين وابن عبّاس
وأبي موسى الأشعري ، وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون ، وهذا مذهب كلِّ
من نفى الوضوء بمسِّ المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي
وغيرهم. وذلك أنّ المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله : (حَتَّى
تَغْتَسِلُوا) ، وقوله : (فَاطَّهَّرُوا) ، ثمّ شرع في صور
حكم عدم التمكّن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث
الأصغر بقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغائِطِ) ، فنوّه بذكر الجنابة بقوله : (أَوْ
لامَسْتُمُ النِّساءَ) ولو أريد به غير الجماع لكان مختزلاً عمّا قبله. وعبّر عن
الجماع باللمس المرادف للمسِ الذي أُريد به الجماع فحسب في قوله تعالى : (لا
جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) وقوله تعالى : (وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) وقوله تعالى : (ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) .
ولغير واحد من
فقهاء القوم وأئمّتهم كلمات ضافية في المقام تكشف عن جليّة الحال نقتصر منها بكلمة
الإمام أبي بكر الجصّاص الحنفي المتوفّى (٣٧٠) ، قال في أحكام القرآن (٢ / ٤٥٠ ـ ٤٥٦):
أمّا قوله تعالى :
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ
تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) ؛ فإنّ السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه
الآية ، فقال عليّ وابن عبّاس
__________________
وأبو موسى والحسن
وعبيدة والشعبي : هي كناية عن الجماع وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مسّ امرأته.
وقال عمر وعبد الله بن مسعود : المراد اللّمس باليد ، وكانا يوجبان الوضوء بمسِّ
المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمّم ، فمن تأوّله من الصحابة على الجماع لم يوجب
الوضوء من مسِّ المرأة ، ومن حمله على اللّمس باليد أوجب الوضوء من مسِّ المرأة
ولم يجز التيمّم للجنب.
ثمّ أثبت عدم نقض
الوضوء بمسِّ المرأة على كلِّ حال لشهوة أو لغير شهوة بالسنّة النبويّة ، فقال : اللّمس
يحتمل الجماع على ما تأوّله عليّ وابن عبّاس وأبو موسى ، ويحتمل اللّمس باليد على
ما روي عن عمر وعبد الله بن مسعود ، فلمّا روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قبّل بعض نسائه ثمّ صلّى ولم يتوضّأ ، أبان ذلك عن
مراد الله تعالى.
ووجه آخر يدلّ على
أنّ المراد منه الجماع وهو أنّ اللّمس وإن كان حقيقة للمسِّ باليد فإنّه لمّا كان
مضافاً إلى النساء وجب أن يكون المراد منه الوطء كما أنّ الوطء حقيقته المشي
بالأقدام فإذا أُضيف إلى النساء لم يعقل منه غير الجماع ، كذلك هذا ونظيره قوله
تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَ) ، يعني من قبل أن تجامعوهنّ.
وأيضاً فإنّ
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر الجنب بالتيمّم في أخبار مستفيضة ، ومتى ورد عن
النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حكم ينتظمه لفظ الآية وجب أن يكون فعله إنّما صدر عن
الكتاب ، كما أنّه قطع السارق وكان في الكتاب لفظ يقتضيه كان قطعه معقولاً بالآية
، وكسائر الشرائع التي فعلها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا ينطوي عليه ظاهر الكتاب.
ويدلُّ على أنّ
المراد الجماع دون لمس اليد أنّ الله تعالى قال : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ، إلى قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، أبان به عن حكم الحديث في حال وجود الماء ثمّ عطف عليه
قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ) ،
إلى قوله : (فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً) ، فأعاد ذكر حكم الحدث في حال عدم الماء فوجب أن يكون قوله
: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) على الجنابة
لتكون الآية منتظمة لها مبيّنة لحكمهما في حال وجود الماء وعدمه ، ولو كان المراد
اللّمس باليد لكان ذكر التيمّم مقصوراً على حال الحدث دون الجنابة غير مفيد لحكم
الجنابة في حال عدم الماء ، وحمل الآية على فائدتين أولى من الاقتصار بها على
فائدة واحدة ، وإذا ثبت أنّ المراد الجماع انتفى اللّمس باليد لما بيّنا من امتناع
إرادتهما بلفظ واحد.
فإن قيل : إذا حمل
على اللّمس باليد كان مفيداً لكون اللّمس حدثاً وإذا جعل مقصوراً على الجماع لم
يُفد ذلك ، فالواجب على قضيّتك في اعتبار الفائدتين حمله عليهما جميعاً فيفيد كون
اللّمس حدثاً ، ويفيد أيضاً جواز التيمّم للجنب ، فإن لم يجز حمله على الأمرين لما
ذكرت من اتّفاق السلف على أنّهما لم يرادا ولامتناع كون اللفظ مجازاً وحقيقةً أو
كنايةً وصريحاً ، فقد ساويناك في إثبات فائدة مجدّدة بحمله على اللّمس باليد مع
استعمالنا حقيقة اللفظ فيه ، فما جعلك إثبات فائدة من جهة إباحة التيمّم للجنب
أولى ممّن أثبت فائدته من جهة كون اللّمس باليد حدثاً؟
قيل له : لأنّ
قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) مفيد لحكم
الأحداث في حال وجود الماء ونصّ مع ذلك على حكم الجنابة ، فالأَولى أن يكون ما في
نسق الآية من قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، إلى قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ) ، بياناً لحكم الحدث والجنابة في حال عدم الماء ، كما كان
في أوّل الآية بياناً لحكمهما في حال وجوده ، وليس موضع الآية في بيان تفصيل
الأحداث وإنّما هي في بيان حكمها ، وأنت متى حملت اللّمس على بيان الحدث فقد
أزلتها عن مقتضاها وظاهرها فلذلك كان ما ذكرناه أولى.
ودليل آخر على ما
ذكرناه من معنى الآية وهو أنّها قد قرئت على وجهين : (أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ) ، ولمستم ، فمن قرأ : (أَوْ لامَسْتُمُ) فظاهره الجماع لا
غير ، لأنّ
المفاعلة لا تكون
إلاّ من اثنين إلاّ في أشياء نادرة كقولهم : قاتله الله وجازاه وعافاه الله ونحو
ذلك ، وهي أحرف معدودة لا يُقاس عليها أغيارها ، والأصل في المفاعلة أنّها بين
اثنين كقولهم : قاتله ، وضاربه ، وسالمه ، وصالحه ، ونحو ذلك ، وإذا كان ذلك حقيقة
اللفظ فالواجب حمله على الجماع الذي يكون منهما جميعاً ، ويدلّ على ذلك أنّك لا
تقول لامست الرجل ولامست الثوب إذا مسسته بيدك لانفرادك بالفعل ، فدلّ على أنّ
قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) بمعنى أو جامعتم
النساء فيكون حقيقته الجماع ؛ وإذا صحّ ذلك وكانت قراءة من قرأ : (أو لمستم) يحتمل
اللّمس باليد ويحتمل الجماع وجب أن يكون ذلك محمولاً على ما لا يحتمل إلاّ معنى
واحداً ؛ لأنّ ما لا يحتمل إلاّ معنى واحداً فهو المحكم ، وما يحتمل معنيين فهو
المتشابه ، وقد أمرنا الله تعالى بحمل المتشابه على المحكم وردّه إليه بقوله : (هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتابِ) الآية ، فلمّا جعل المحكم أُمّا للمتشابه فقد أمرنا بحمله
عليه ، وذمّ متّبع المتشابه باقتصاره على حكمه بنفسه دون ردِّه إلى غيره بقوله : (فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) فثبت بذلك أنّ
قوله : (أو لمستم) لمّا كان محتملاً للمعنيين كان متشابهاً وقوله : (أَوْ
لامَسْتُمُ) لمّا كان مقصوراً في مفهوم اللسان على معنى واحد كان محكماً
، فوجب أن يكون معنى المتشابه مبيّناً عليه.
ويدلّ على أنّ
اللّمس ليس بحدث : أنّ ما كان حدثاً لا يختلف فيه الرجال والنساء ، ولو مسّت امرأة
امرأة لم يكن حدثاً ، كذلك مسُّ الرجل إيّاها وكذلك مسُّ الرجل الرجل ليس بحدث. فكذلك مسُّ المرأة ،
ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين ؛ أحدهما : أنّا وجدنا الأحداث لا تختلف فيها
الرجال والنساء ، فكلّ ما كان حدثاً من الرجل فهو من المرأة حدث ، وكذلك ما كان
حدثاً من المرأة فهو حدث من
__________________
الرجل ، فمن فرّق
بين الرجل والمرأة فقوله خارج عن الأُصول. ومن جهة أخرى : أنّ العلّة في مسِّ
المرأة المرأة والرجل الرجل أنّه مباشرة من غير جماع فلم يكن حدثاً ، كذلك الرجل
والمرأة. انتهى.
فترى بعد هذه
كلّها أنّ رأي الخليفة شاذّ عن الكتاب والسنّة الثابتة وإجماع الأُمّة ، واجتهاد
محض تجاه النصوص المسلّمة ، ولذلك خالفته الأُمّة الإسلاميّة جمعاء من يومها
الأوّل حتى اليوم ، وأصفقت على وجوب التيمّم على الجنب الفاقد للماء ، ولم يتّبعه
فيما رآه أحد إلاّ عبد الله بن مسعود إن صحّت النسبة إليه.
ويظهر من صحيحة
الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ عن شقيق أنّ الاجتهاد المذكور في آيتي التيمّم والتأويل
في قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) كما ذكر من
مختلقات التابعين ومن بعدهم ، وكان مفاد الآيتين متّفقاً عليه عند الصحابة ولم يكن
قطُّ اختلاف بينهم فيه وإنّما كره عمر وتابِعه الوحيد التيمّم للجنب الفاقد للماء
لغاية أخرى.
قال شقيق : كنت
بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما ، فقال أبو موسى : أرأيت يا أبا
عبد الرحمن لو أنّ رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً كيف يصنع بالصلاة؟ فقال : لا
يتيمّم وإن لم يجد الماء شهراً. فقال أبو موسى : كيف بهذه الآية في سورة المائدة :
(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً)؟ قال عبد الله : لو رُخّص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد
عليهم الماء أن يتيمّموا بالصعيد. فقال له أبو موسى : وإنّما كرهتم هذا لذا؟ قال :
نعم. فقال أبو موسى لعبد الله : ألم تسمع قول عمّار لعمر رضي الله عنهما : بعثني
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأجنبت فلم أجد الماء فتمرّغت في الصعيد كما تتمرّغ
الدابّة ثمّ أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فذكرت له ذلك ، فقال : «إنّما كان يكفيك أن تصنع هكذا» ،
وضرب بكفّيه ضربةً على الأرض ثمّ نفضها ثمّ مسح بها ظهر كفِّه بشماله وظهر شماله
بكفه ثمّ مسح بهما وجهه؟ فقال عبد الله : أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمّار؟
صورة أخرى للبخاري
:
قال شقيق : كنت
عند عبد الله وأبي موسى ، فقال له أبو موسى : أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب
فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله : لا يصلّي حتى يجد الماء.
قال أبو موسى :
فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كان يكفيك»؟ قال : أوَلم ترَ أنّ عمر لم يقنع منه بذلك؟
فقال له أبو موسى : فدعنا من قول عمّار ، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله
ما يقول ، فقال : إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن
يدعه ويتيمّم ، فقلت لشقيق : فإنّما كره عبد الله لهذا؟ قال : نعم .
ما أرأف هذا
القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه عليه إذ رأى له ترك الصلاة ولو لم يجد الماء
شهراً! وما أقساه على من برد عليه الماء وأوشك أن يتيمّم! فنهى عن التيمّم شدّةً
على هذا ورأفةً بذاك ، فكأنّ ترك الجنب الفاقد للماء الصلاة وإعراضه عمّا في
الكتاب والسنّة أخفُّ وطأة عنده من تيمّم من اتّخذ البرد عذراً وترك الغسل ،
وكأنّه أعرف بصالح المجتمع الدينيِّ من مشرِّع الدين لهم ، وكأنّه يرى أنّ الشارع
الأقدس فاتته رعاية ما تنبّه له من المفسدة من التيمّم عند برد الماء فتداركه هذا
الفقيه الضليع في الفقاهة برأيه الفطير وحجّته الداحضة ، وكأنّه وكأنّه ....
__________________
ـ ٢ ـ
الخليفة لا يعرف حكم الشكوك
أخرج إمام
الحنابلة أحمد في مسنده (١ / ١٩٣) بإسناده
عن مكحول أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا صلّى أحدكم فشكّ في صلاته فإن شكّ في الواحدة
والثنتين فليجعلها واحدة ، وإن شكّ في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين ، وإن شكّ
في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثاً ، حتى يكون الوهم في الزيادة ثمّ يسجد سجدتين
قبل أن يسلّم ثمّ يسلّم» قال محمد بن إسحاق : وقال لي حسين بن عبد الله : هل أسنده
لك؟ فقلت : لا. فقال : لكنّه حدّثني أنّ كريباً مولى ابن عبّاس حدّثه عن ابن عبّاس
، قال : جلست إلى عمر بن الخطّاب فقال : يا ابن عبّاس إذا اشتبه على الرجل في
صلاته فلم يدرِ أزاد أم نقص؟ قلت : يا أمير المؤمنين ما أدري ما سمعت في ذلك شيئاً
، فقال عمر : والله ما أدري ـ وفي لفظ البيهقي ـ : لا والله ما سمعت منه صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه شيئاً ولا سألت عنه.
فبينا نحن على ذلك
إذ جاء عبد الرحمن بن عوف فقال : ما هذا الذي تذكران؟ فقال له عمر : ذكرنا الرجل
يشكُّ في صلاته كيف يصنع؟ فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول هذا. الحديث.
وفي لفظ آخر في
مسند أحمد :
عن كريب عن ابن
عبّاس أنّه قال له عمر : يا غلام هل سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو من أحد من أصحابه إذا شكّ الرجل في صلاته ما ذا يصنع؟
قال : فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما؟ فقال عمر : سألت
هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو أحد من أصحابه إذا شكّ الرجل في صلاته ما ذا يصنع؟ فقال
__________________
عبد الرحمن : سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إذا شكّ أحدكم» الحديث .
ألا تعجب من خليفة
لا يعرف حكم شكوك الصلاة ، وهو مبتلىً بها في اليوم والليلة خمساً؟ ولم يهتم
بأمرها حتى يسأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عنها إلى أن يؤول أمره إلى السؤال من غلام لا يعرفها أيضاً
فينبئه بها عبد الرحمن بن عوف! أنا لا أدري كيف كان يفعل وهو بتلك الحال لو شكّ في
صلاة يؤمّ فيها المؤمنين؟ وطبع الحال يقضي بوقوع ذلك لكلِّ أحد في عمره ولو دفعات
يسيرة ، وأنا في بهيتة من الحكم الباتّ بأعلميّة رجل هذا مبلغ علمه ، وهذه سعة
اطّلاعه على الأحكام ، زهٍ بأُمّةٍ هذا شأن أعلمها (كَبُرَتْ كَلِمَةً
تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) .
ـ ٣ ـ
جهل الخليفة بكتاب الله
أخرج الحافظان ابن
أبي حاتم والبيهقي عن الدؤلي : أنّ عمر بن الخطّاب رُفعت إليه امرأة ولدت لستّة
فهمّ برجمها ، فبلغ ذلك عليّا فقال : «ليس عليها رجمٌ» فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه
فأرسل إليه فسأله فقال : «قال الله تعالى : (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) وقال : (وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) فستّة أشهر حمله وحولان فذلك ثلاثون شهراً». فخلّى عنها.
وفي لفظا
لنيسابوري والحفّاظ الكنجي : فصدّقه عمر وقال : لو لا عليّ لهلك عمر. وفي لفظ سبط
ابن الجوزي : فخلّى عنها وقال : اللهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
__________________
صورة أخرى :
أخرج الحافظ عبد
الرزّاق وعبد بن حميد وابن المنذر بإسنادهم عن الدؤلي قال : رفع
إلى عمر امرأة ولدت لستّة أشهر فأراد عمر أن يرجمها ، فجاءت أُختها إلى عليِّ بن
أبي طالب فقالت : إنّ عمر يرجم أُختي ، فأنشدك الله إن كنت تعلم أنّ لها عذراً
لمّا أخبرتني به ، فقال عليّ : «إنّ لها عذراً». فكبّرت تكبيرةً سمعها عمر ومن
عنده ، فانطلقت إلى عمر فقالت : إنّ عليّا زعم أنّ لأُختي عذراً ، فأرسل عمر إلى
عليّ ما عذرها؟ قال : «إنّ الله يقول : (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) وقال : (وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (وَفِصالُهُ فِي
عامَيْنِ) وكان الحمل هنا ستّة أشهر». فتركها عمر ، قال : ثمّ بلغنا
أنّها ولدت آخر لستّة أشهر.
صورة ثالثة :
أخرج الحافظان
العقيلي وابن السمّان عن أبي حزم بن الأسود : أنّ عمر أراد رجم المرأة التي ولدت
لستّة أشهر ، فقال له عليّ : «إنّ الله تعالى يقول : (وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال تعالى : (وَفِصالُهُ فِي
عامَيْنِ) فالحمل ستّة أشهر والفصال في عامين». فترك عمر رجمها وقال
: لو لا عليّ لهلك عمر.
السنن الكبرى (٧ /
٤٤٢) ، مختصر جامع العلم (ص ١٥٠) ، الرياض النضرة (٢ / ١٩٤) ، ذخائر العقبى (ص ٨٢)
، تفسير الرازي (٧ / ٤٨٤) ، أربعين الرازي (ص ٤٦٦) ، تفسير النيسابوري (ج ٣) في
سورة الأحقاف ، كفاية الكنجي (ص ١٠٥) ، مناقب الخوارزمي (ص ٥٧) ، تذكرة السبط (ص
٨٧) ، الدر
__________________
المنثور (١ / ٢٨٨
، ٦ / ٤٠) نقلاً عن جمع من الحفّاظ ، كنز العمّال (٣ / ٩٦) نقلاً عن خمس من
الحفّاظ و (٣ / ٢٢٨) نقلاً عن غير واحد من أئمّة الحديث .
العجب العجاب
أخرج الحفّاظ عن
بعجة بن عبد الله الجهني قال : تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة فولدت له تماماً
لستّة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن تُرجم ، فبلغ ذلك عليّا رضى الله
عنه فأتاه فقال : «ما تصنع؟ ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى : (وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) فالرضاعة أربعة
وعشرون شهراً والحمل ستّة أشهر». فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، فأمر بها
عثمان أن تردّ فوجدت قد رُجمت ، وكان من قولها لأُختها : يا أُخيّة لا تحزني فو
الله ما كشف فرجي أحد قطّ غيره ، قال : فشبّ الغلام بعدُ فاعترف الرجل به وكان
أشبه الناس به قال : فرأيت الرجل بعدُ يتساقط عضواً عضواً على فراشه .
أليس عاراً أن
يُشغل فراغ النبيّ الأعظم أُناس هذا شأنهم في القضاء؟ أمنَ العدل أن يُسلّط على
الأنفس والأعراض والدماء رجال هذا مبلغهم من العلم؟ أمن الإنصاف أن تفوّض النواميس
الإسلاميّة وطقوس الأُمّة وربقة المسلمين إلى يد
__________________
خلائف هذه سيرتهم؟
لاها الله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ
وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا
يُشْرِكُونَ) ، (وَما
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ، (فَذاقُوا وَبالَ
أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) .
ـ ٤ ـ
امرأة أخرى وضعت لستّة أشهر
أخرج عبد الرزّاق وابن المنذر عن نافع بن جبير : أنّ ابن عباس أخبره قال :
إنّي لصاحب المرأة التي أُتي بها عمر ، وضعت لستّة أشهر ، فأنكر الناس ذلك فقلت
لعمر : لا تظلم ، قال : كيف؟ قلت : إقرأ (وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ، (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ، كم الحول؟ قال
: سنة ، قلت : كم السنة؟ قال : اثنا عشر شهراً ، قلت : فأربعة وعشرون شهراً حولان
كاملان ، ويؤخِّر الله من الحمل ما شاء ويقدِّم ، قال : فاستراح عمر إلى قولي.
الدرّ المنثور ـ سورة الأحقاف ـ (٦ / ٤٠) ، وأوعز إليه ابن عبد البرّ في
كتاب العلم (ص ١٥٠).
ـ ٥ ـ
كلُّ الناس أفقه من عمر
عن مسروق بن
الأجدع قال : ركب عمر بن الخطّاب منبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ
__________________
قال : أيّها الناس
ما إكثاركم في صداق النساء؟ وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ،
ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها ، فلأعرفنّ ما
زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال : ثمّ نزل فاعترضته امرأة من قريش
فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟
قال : نعم. فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال : وأيّ ذلك؟ فقالت : أما
سمعت الله يقول : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) ؟ قال : فقال : اللهمّ غفراً ، كلُّ الناس أفقه من عمر ،
ثمّ رجع فركب المنبر فقال : أيّها الناس إنّي كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في
صدقاتهنّ على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ـ أو : فمن طابت نفسه ـ فليفعل.
أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير ، وسعيد بن منصور في سننه ،
والمحاملي في أماليه ، وابن الجوزي في سيرة عمر (ص ١٢٩) ، وابن كثير في تفسيره (١
/ ٤٦٧) عن أبي يعلى وقال : إسناده جيّد قويّ ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٨٤)
، والسيوطي في الدرّ المنثور (٢ / ١٣٣) ، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه (٨ / ٢٩٨)
، وفي الدرر المنتثرة (ص ٢٤٣) نقلاً عن سبعة من الحفّاظ ومنهم أحمد وابن حبّان
والطبراني ، وذكره الشوكاني في فتح القدير (١ / ٤٠٧) ، والعجلوني في كشف الخفاء (١
/ ٢٦٩) نقلاً عن أبي يعلى وقال : سنده جيّد ، وابن درويش الحوت في أسنى المطالب (ص
١٦٦) وقال : حديث : كلُّ أحد أعلم أو أفقه من عمر ، قاله عمر لمّا نهى عن المغالاة
في الصداق وقالت امرأة : قال الله (وَآتَيْتُمْ
إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) ، رواه أبو يعلى وسنده جيّد ، وعند البيهقي منقطع.
__________________
صورة أخرى :
عن عبد الله بن
مصعب قال : قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين
أوقية وإن كانت بنت ذي الفضة ـ يعني يزيد بن الحصين الحارثي ـ فمن زاد ألقيت
الزيادة في بيت المال ، فقامت امرأة من صفِّ النساء طويلة في أنفها فطس. فقالت :
ما ذاك لك. قال : ولِمَ؟ قالت : إنّ الله تعالى يقول : (وَآتَيْتُمْ
إِحْداهُنَّ قِنْطاراً). الآية. فقال عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ.
أخرجه الزبير بن بكّار في الموفّقيات ، وابن عبد البرّ في جامع
العلم كما في مختصره (ص ٦٦) ، وابن الجوزي في سيرة عمر (ص ١٢٩) ، وفي كتابه
الأذكياء (ص ١٦٢) ، والقرطبي في تفسيره (٥ / ٩٩) ، وابن كثير في تفسيره (١ / ٤٦٧)
، والسيوطي في الدرّ المنثور (٢ / ١٣٣) ، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه الكنز (٨
/ ٢٩٨) ، عن ابن بكّار وابن عبد البرّ ، والسندي في حاشية سنن ابن ماجة (١ / ٥٨٤)
، والعجلوني في كشف الخفاء (١ / ٢٧٠ و ٢ / ١١٨).
صورة ثالثة :
أخرج البيهقي في
سننه الكبرى (٧ / ٢٣٣) ، عن الشعبي قال : خطب عمر بن الخطاب رضى الله عنه الناس
فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنّه لا يبلغني عن أحد
ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو سيق إليه إلاّ جعلت فضل ذلك في بيت المال ثمّ نزل ،
فعرضت له امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين
__________________
أكتاب الله تعالى
أحقُّ أن يتّبع أو قولك؟ قال : بل كتاب الله تعالى ، فما ذاك؟ قالت : نهيت الناس
آنفاً أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه : (وَآتَيْتُمْ
إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) فقال عمر رضى
الله عنه : كلُّ أحد أفقه من عمر ـ مرّتين أو ثلاثاً ـ الحديث.
وذكره السيوطي في
جمع الجوامع كما في الكنز (٨ / ٢٩٨) نقلاً
عن سنن سعيد ابن منصور والبيهقي ، ورواه السندي في حاشية السنن لابن ماجة (١ /
٥٨٣) ، والعجلوني في كشف الخفاء (١ / ٢٦٩ و ٢ / ١١٨).
صورة رابعة :
قام عمر خطيباً
فقال : أيّها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند
الله لكان أولاكم بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية ،
فقامت إليه امرأة فقالت له : يا أمير المؤمنين لِمَ تمنعنا حقّا جعله الله لنا؟
والله يقول : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً). فقال عمر : كلُّ
أحد أعلم من عمر ، ثمّ قال لأصحابه : تسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه
عليّ حتى تردّ عليّ امرأة ليست من أعلم النساء.
تفسير الكشّاف (١
/ ٣٥٧) ، شرح صحيح البخاري للقسطلاني (٨ / ٥٧)
صورة خامسة :
أخرج الحافظان عبد
الرزّاق وابن المنذر ، بالإسناد عن عبد الرحمن السلمي
__________________
قال : قال عمر بن
الخطاب : لا تغالوا في مهور النساء ، فقالت امرأة : ليس ذلك لك يا عمر ، إنّ الله
يقول : وآتيتم إحداهنّ قنطاراً من ذهب ـ قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله بن
مسعود ـ فلا يحلُّ لكم أن تأخذوا منه شيئاً ، فقال عمر : إنّ امرأة خاصمت عمر
فخصمته.
تفسير ابن كثير (١
/ ٤٦٧) ، إرشاد الساري للقسطلاني (٨ / ٥٧) ، حاشية
السندي على سنن ابن ماجة (١ / ٥٨٣) ، كنز العمّال (٨ / ٢٩٨) ، كشف
الخفاء (١ / ٢٦٩ و ٢ / ١١٨).
صورة سادسة :
قال عمر رضى الله
عنه على المنبر : لا تغالوا بصدقات النساء ، فقالت امرأة : أنتّبع قولك أم قول
الله : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) ، فقال عمر :
كلُّ أحد أعلم من عمر ، تزوّجوا على ما شئتم.
تفسير النسفي هامش تفسير الخازن (١ / ٣٥٣) ، كشف الخفاء (١ / ٣٨٨)
صورة سابعة :
إنّ عمر قال على
المنبر : ألا لا تغالوا في مهور نسائكم ، فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب الله
يعطينا وأنت تمنعنا؟ وتلت الآية فقال : كلُّ الناس أفقه منك يا عمر.
تفسير القرطبي (٥
/ ٩٩) ، تفسير النيسابوري (ج ١) سورة النساء ، تفسير
__________________
الخازن (١ / ٣٥٣)
، الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٧٧) وزاد فيه : حتى النساء .
صورة ثامنة :
قال عمر مرّة : لا
يبلغني أنّ امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبيِّ إلاّ ارتجعتُ ذلك منها ، فقالت له
امرأة : ما جعل الله لك ذلك ، إنّه تعالى قال : (وَآتَيْتُمْ
إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) الآية. فقال : كلُّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال ،
ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟ فاضلت إمامكم ففضلته ـ فنضلته .
وفي لفظ الخازن :
امرأة أصابت وأمير أخطأ وفي لفظ القرطبي : أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي لفظ الرازي في أربعينه (ص
٤٦٧) : كلُّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت.
وفي لفظ
الباقلانيّ في التمهيد (ص ١٩٩) : امرأة أصابت ورجل أخطأ ، وأمير ناضل فنضل ، كلُّ
الناس أفقه منك يا عمر.
صورة تاسعة :
صعد عمر رضى الله
عنه المنبر فقال : أيّها الناس لا تزيدوا في مهور النساء على أربعمائة درهم فمن
زاد ألقيت زيادته في بيت مال المسلمين ، فهاب الناس أن يكلّموه ، فقامت امرأة في
يدها طول فقالت له : كيف يحلُّ لك هذا؟ والله يقول : (وَآتَيْتُمْ
إِحْداهُنَ
__________________
قِنْطاراً
فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) ، فقال عمر رضى الله عنه : امرأة أصابت ورجل أخطأ.
المستطرف (١ / ٧٠) نقلاً عن
المنتظم لابن الجوزي.
جمع الحاكم النيسابوري
طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب في جزء كبير كما قاله في المستدرك (٢ / ١٧٧) وقال :
تواترت الأسانيد الصحيحة بصحّة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه
بذلك. وأقرّه الذهبي في تلخيص المستدرك ، وأخرجها الخطيب البغدادي في تاريخه (٣ / ٢٥٧) بعدّة طرق
وصحّحها ، غير أنّه لم يذكر تمام الحديث بل يذكر الخطبة فحسب ثمّ يقول الحديث
بطوله.
ولعلّ الخليفة أخذ
برأي امرأة أصابت وتزوّج بأُمّ كلثوم وجعل مهرها أربعين ألفاً كما في تاريخ ابن
كثير (٧ / ٨١ ، ١٣٩) ،
الإصابة (٤ / ٤٩٢) ، الفتوحات الإسلامية (٢ / ٤٧٢).
ـ ٦ ـ
جهل الخليفة بمعنى الأبّ
عن أنس بن مالك
قال : إنّ عمر قرأ على المنبر : (فَأَنْبَتْنا فِيها
حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً *
وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، قال : كلّ هذا عرفناه ، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصاً كانت في
يده فقال : هذا لعمر الله هو التكلّف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ؟ اتّبعوا ما
بُيِّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربِّه.
__________________
وفي لفظ :
قال أنس : بينا
عمر جالسٌ في أصحابه إذ تلا هذه الآية : (فَأَنْبَتْنا فِيها
حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً *
وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، ثمّ قال : هذا كلّه عرفناه ، فما الأبّ؟ قال : وفي يده
عصيّة يضرب بها الأرض فقال : هذا لعمر الله التكلّف ، فخذوا أيّها الناس بما
بُيِّن لكم فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربّه.
وفي لفظ :
قرأ عمر (وَفاكِهَةً
وَأَبًّا) ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأبُّ؟ ثمّ قال :
مه نُهينا عن التكلّف ، وفي النهاية : ما كلّفنا وما أُمرنا بهذا.
وفي لفظ :
إنّ عمر رضى الله
عنه قرأ هذه الآية فقال : كلّ هذا قد عرفناه ، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصاً كانت بيده
وقال : هذا لعمر الله التكلّف ، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ؟ ثمّ
قال : اتّبعوا ما تبيّن لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.
وفي لفظ المحبّ
الطبري : ثمّ قال : مه قد نُهينا عن التكلّف ، يا عمر إنّ هذا من التكلّف ، وما
عليك ألاّ تدري ما الأبّ؟
وعن ثابت : أنّ
رجلاً سأل عمر بن الخطّاب عن قوله (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، ما الأبّ؟ فقال
عمر : نُهينا عن التعمّق والتكلّف.
هذه الأحاديث
أخرجها سعيد بن منصور في سننه ، وأبو نعيم في المستخرج ،
__________________
وابن سعد ، وعبد
بن حميد ، وابن الأنباري ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ،
وابن جرير في تفسيره (٣٠ / ٣٨) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٥١٤) ، وصحّحه هو
وأقرّه الذهبي في تلخيصه ، والخطيب في تاريخه (١١ / ٤٦٨) ، والزمخشري في الكشّاف (٣
/ ٢٥٣) ، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (٢ / ٤٩) نقلاً عن البخاري والبغوي
والمخلص الذهبي ، والشاطبي في الموافقات (١ / ٢١ ، ٢٥) ، وابن الجوزي في سيرة عمر (ص
١٢٠) ، وابن الأثير في النهاية (١ / ١٠) ، وابن تيميّة في مقدّمة أُصول التفسير (ص
٣٠) ، وابن كثير في تفسيره (٤ / ٤٧٣) وصحّحه ، والخازن في تفسيره (٤ / ٣٧٤) ،
والسيوطي في الدرِّ المنثور (٦ / ٣١٧) عن جمع من الحفّاظ المذكورين ، وفي كنز
العمّال (١ / ٢٢٧) نقلاً عن سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وأبي عبيد في فضائله
، وابن سعد في طبقاته ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والأنباري في المصاحف ،
والحاكم ، والبيهقي في شُعب الإيمان ، وابن مردويه ، وأبو السعود في تفسيره ـ هامش
تفسير الرازي ـ (٨ / ٣٨٩) وقال : وروي مثل هذا لأبي بكر بن أبي قحافة أيضاً ،
والقسطلاني في إرشاد الساري (١٠ / ٢٩٨) نقلاً عن أبي نعيم ، وعبد بن حميد ،
والعيني في عمدة القاري (١١ / ٤٦٨) ، وابن حجر في فتح الباري (١٣ / ٢٣٠) وقال :
قيل : إنّ الأبّ ليس بعربيّ ويؤيّده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر.
قال
الأميني : كيف خفي هذا
القيل الذي جاء به ابن حجر على أئمّة اللغة العربيّة جمعاء فأدخلت الأبّ في
معاجمها من دون أيِّ إيعاز إلى كونه دخيلاً ، هب أنّ الأبّ غير عربيّ فهل قوله
تعالى في تفسيره وما قبله (مَتاعاً لَكُمْ
وَلِأَنْعامِكُمْ) ، ليس بعربيّ
أيضاً؟ فما عذر
الشيخين عندئذٍ في خفائه عليهما؟ وكيف يؤيّد به قول القائل؟ نعم ؛ يروق ابن حجر أن
يدافع عنهما ولو بالتهكّم على لغة العرب ونفي كلمتها عنها.
لفت نظر :
هذا الحديث أخرجه
البخاري في صحيحه ، غير أنّه ستراً على جهل الخليفة بالأبِّ حذف صدر الحديث
وأخرج ذيله ، وتكلّف بعد النهي عن التكلّف ، ولا يهمّه جهل الأُمّة عندئذٍ بمغزى
قول عمر ، قال : عن أنس قال : كُنّا عند عمر فقال : نُهينا عن التكلّف.
وكم وكم في صحيح
البخاري من أحاديث لعبت بها يدُ تحريفه؟ وسيوافيك غير واحد منها.
ـ ٧ ـ
قضاء الخليفة على مجنونة قد زنت
عن ابن عبّاس قال
: أُتي عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فيها أُناساً فأمر بها أن تُرجَم ، فمرّ بها
عليّ رضى الله عنه فقال : «ما شأن هذه؟» فقالوا : مجنونة بني فلان زنت فأمر بها
عمر أن تُرجَم. فقال : «ارجعوا بها».
ثمّ أتاه فقال : «يا
أمير المؤمنين أما علمت؟ أما تذكر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبيِّ حتى يبلغ ، وعن
النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يبرأ؟ وأنّ هذه معتوهة بني فلان لعلّ الذي
أتاها أتاها وهي في بلائها» فخلّى سبيلها ، وجعل عمر يكبِّر.
__________________
صورة أخرى :
عن أبي ظبيان قال : شهدت عمر بن الخطّاب أُتي بامرأة قد زنت فأمر برجمها
، فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم عليّ فقال لهم : «ما بال هذه؟» ، قالوا : زنت فأمر
برجمها ، فانتزعها عليّ من أيديهم فردّهم ، فرجعوا إلى عمر فقالوا : ردّنا عليّ ،
قال : ما فعل هذا إلاّ لشيء ، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما لك رددت هذه؟ قال : «أما
سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ،
وعن الصغير حتى يكبر ، وعن المبتلى حتى يعقل؟» قال : بلى ، قال : «فهذه مبتلاة بني
فلان فلعلّه أتاها وهو بها» قال له عمر : لا أدري ، قال : «وأنا لا أدري» ، فترك
رجمها.
صورة ثالثة :
أمر سيّدنا عمر
رضى الله عنه برجم زانية فمرّ عليها سيِّدنا عليّ رضى الله عنه في أثناء الرجم
فخلّصها ، فلمّا أُخبر سيِّدنا عمر بذلك قال : إنّه لا يفعل ذلك إلاّ عن شيء ،
فلمّا سأله قال : «إنّها مبتلاة بني فلان فلعلّه أتاها وهو بها». فقال عمر : لو لا
عليّ لهلك عمر.
صورة رابعة :
بلفظ الحاكم
والبيهقي : أُتي عمر رضى الله عنه بمبتلاة قد فجرت فأمر برجمها ، فمرّ بها عليُّ
ابن أبي طالب رضى الله عنه ومعها الصبيان يتبعونها فقال : «ما هذه؟» قالوا : أمر
بها عمر أن ترجم ، قال : فردّها وذهب معها إلى عمر رضى الله عنه وقال : «ألم تعلم
أنّ القلم رُفع عن المجنون حتى يعقل ، وعن المبتلى حتى يفيق ، وعن النائم حتى
يستيقظ ، وعن الصبيِّ حتى يحتلم؟».
__________________
قال الحاكم : حديث
صحيح ، ورواه شعبة عن الأعمش بزيادة ألفاظ.
صورة خامسة :
بلفظ البيهقي :
مرّ عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وهي تُرجم ، فقال عليّ لعمر رضى الله عنه : «يا
أمير المؤمنين أمرت برجم فلانة؟» قال : نعم ، قال : «أما تذكر قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن
الصبيِّ حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق؟» قال : نعم. فأمر بها فخُلّي عنها.
أخرجه أبو داود في سننه بعدّة طرق (٢ / ٢٢٧) ، وابن ماجة في سننه
(٢ / ٢٢٧) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٥٩ و ٤ / ٣٨٩) وصحّحه ، والبيهقي في السنن
الكبرى (٨ / ٢٦٤) بعدّة طرق ، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تيسير الوصول (٢
/ ٥) ، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (٢ / ١٩٦) باللفظ الثاني نقلاً عن
أحمد ، وفي ذخائر العقبى (ص ٨١) ، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري (١٠ / ٩) نقلاً
عن البغوي وأبي داود والنسائي وابن حبّان ، والمناوي في فيض القدير (٤ / ٣٥٧)
بالصورة الثانية فقال : واتّفق له ـ لعليّ عليهالسلام ـ مع أبي بكر نحوه ، والحفني في حاشية شرح العزيزي على
الجامع الصغير (٢ / ٤١٧) باللفظ الثالث ، والدمياطي في مصباح الظلام (٢ / ٥٦)
باللفظ الثالث ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته (ص ٥٧) بلفظ فيه قول عمر : لو لا عليّ
لهلك عمر ، وابن حجر في فتح الباري (١٢ / ١٠١) ، والعيني في عمدة القاري (١١ / ١٥١).
__________________
لفت نظر :
أخرج البخاري هذا
الحديث في صحيحه غير أنّه مهما وجد فيه مسّةً بكرامة الخليفة حذف صدره
تحفّظاً عليها ، ولم يرُقه إيقاف الأُمّة على قضية تعرب عن جهله بالسنّة الشائعة
أو ذهوله عنها عند القضاء فقال : قال عليّ لعمر : «أما علمت أنّ القلم رفع عن
المجنون حتى يفيق ، وعن الصبيِّ حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ؟».
ـ ٨ ـ
جهل الخليفة بتأويل كتاب الله
عن أبي سعيد
الخدري قال : حججنا مع عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فلمّا دخل الطواف استقبل الحجر
فقال : إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرُّ ولا تنفع ولولا أنّي رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقبّلك ما قبّلتك فقبّله ، فقال عليُّ بن أبي طالب رضى
الله عنه : «بل يا أمير المؤمنين يضرُّ وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله
لعلمت أنّه كما أقول ، قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى
أَنْفُسِهِمْ) ، فلمّا أقرّوا أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم العبيد ، كتب
ميثاقهم في رقّ وألقمه في هذا الحجر ، وأنّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان
وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة ، فهو أمين الله في هذا الكتاب» ، فقال له عمر :
لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن.
وفي لفظ : أعوذ
بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن.
__________________
أخرجه الحاكم في المستدرك (١ / ٤٥٧) ، وابن الجوزي في سيرة عمر (ص
١٠٦) ، والأزرقي في تاريخ مكّة كما في العمدة ، والقسطلاني في إرشاد الساري (٣ /
١٩٥) ، والعيني في عمدة القاري (٤ / ٦٠٦) بلفظيه ، والسيوطي في الجامع الكبير كما
في ترتيبه (٣ / ٣٥) نقلاً عن الجندي في فضائل مكة ، وأبي الحسن القطّان في
الطوالات ، والحاكم ، وابن حبّان ، وابن أبي الحديد في شرح النهج (٣ / ١٢٢) ،
وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٨٦).
ـ ٩ ـ
جهل الخليفة بكفّارة بيض نعام
عن محمد بن الزبير
قال : دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر فقلت : يا شيخ من
أدركت؟ قال : عمر ، قلت : فما غزوت؟ قال : اليرموك ، قلت : فحدّثني بشيء سمعته ،
قال : خرجنا مع قتيبة حجّاجاً فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا ، فلمّا قضينا نسكنا
ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر فأدبر وقال : اتبعوني ، حتى انتهى إلى حُجَر رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال : أثَمَّ أبو الحسن؟
قالت : لا ، فمرّ في المقتاة . فأدبر وقال : اتبعوني حتى انتهى إليه وهو يسوّي التراب
بيده ، فقال : مرحباً يا أمير المؤمنين ، فقال : إنّ هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم
محرمون ، قال : «ألا أرسلت إليّ؟» قال : أنا أحقُّ بإتيانك ، قال : «يضربون الفحل
قلائص أبكاراً بعدد البيض فما نتج منها أهدوه». قال عمر : فإنّ
__________________
الإبل تخدج ، قال
عليّ : «والبيض يمرض» ، فلمّا أدبر قال عمر : اللهمّ لا تنزل بي شديدة إلاّ وأبو
حسن إلى جنبي .
ـ ١٠ ـ
كلُّ الناس أفقه من عمر
مرّ عمر يوماً
بشابّ من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه وقال : إنّ الله تعالى يقول : (أَذْهَبْتُمْ
طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) فقال له الفتى : يا أمير المؤمنين إنّها ليست لك ولا لأحد
من أهل القبلة ، إقرأ ما قبلها : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ
الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) فقال عمر : كلُّ الناس أفقه من عمر .
ـ ١١ ـ
أمر الخليفة بضرب غلام خاصم أُمّه
عن محمد بن عبد
الله بن أبي رافع عن أبيه قال : خاصم غلام من الأنصار أُمّه إلى عمر بن الخطّاب
رضى الله عنه فجحدته ، فسأله البيّنة فلم تكن عنده ، وجاءت المرأة بنفر فشهدوا
أنّها لم تزوّج وأنّ الغلام كاذب عليها وقد قذفها ، فأمر عمر بضربه ، فلقيه عليّ
رضى الله عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم ثمّ قعد في مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسأل المرأة فجحدت ، فقال للغلام : «اجحدها كما جحدتك»
فقال : يا ابن عمّ رسول الله إنّها أُمّي ، قال : «اجحدها وأنا أبوك والحسن
والحسين أخواك». قال : قد جحدتها وأنكرتها ،
__________________
فقال عليّ لأولياء
المرأة : «أمري في هذه المرأة جائز؟» ، قالوا : نعم ، وفينا أيضاً ، فقال عليّ : «أُشهد
من حضر أنّي قد زوّجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه ، يا قنبر ائتني بطينة
فيها دراهم» فأتاه بها فعدّ أربعمائة وثمانين درهماً فقذفها مهراً لها ، وقال
للغلام : «خذ بيد امرأتك ولا تأتينا إلاّ وعليك أثر العرس». فلمّا ولّى قالت
المرأة : يا أبا الحسن الله الله هو النار ، هو والله ابني. قال : «كيف ذلك؟» قالت
: إنّ أباه كان زنجيّا وإنّ إخوتي زوّجوني منه فحملت بهذا الغلام ، وخرج الرجل
غازياً فقتل وبعثت بهذا إلى حيّ بني فلان فنشأ فيهم وأنفت أن يكون ابني ، فقال
عليّ : «أنا أبو الحسن» وألحقه وثبت نسبه.
ذكره ابن القيّم
الجوزيّة في الطرق الحكميّة (ص ٤٥).
ـ ١٢ ـ
جهل الخليفة بمعاريض الكلم
١ ـ إنّ عمر بن
الخطّاب سأل رجلاً : كيف أنت؟ فقال : ممّن يحبّ الفتنة ، ويكره الحقّ ، ويشهد على
ما لم يره. فأمر به إلى السجن ، فأمر عليّ بردّه فقال : «صدق» ، فقال : كيف صدّقته؟
قال : «يحبّ المال والولد وقد قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ
وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ويكره الموت وهو الحقّ ، ويشهد أنّ محمداً رسول الله ولم
يره». فأمر عمر رضى الله عنه بإطلاقه وقال : الله يعلم حيث يجعل رسالته.
الطرق الحكميّة
لابن القيّم الجوزيّة (ص ٤٦).
٢ ـ عن حذيفة بن
اليمان : أنّه لقي عمر بن الخطّاب فقال له عمر : كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال :
كيف تريدني أصبح؟ أصبحت والله أكره الحقّ وأُحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ،
وأحفظ غير المخلوق ، وأُصلّي على غير وضوء ، ولي في الأرض
__________________
ما ليس لله في
السماء ، فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر ، وعزم على أذى حذيفة لقوله
ذلك ، فبينا هو في الطريق إذ مرّ بعليّ بن أبي طالب فرأى الغضب في وجهه ، فقال : «ما
أغضبك يا عمر؟» فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته : كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت
أكره الحقّ ، فقال : «صدق يكره الموت وهو حقّ» فقال : وأحبّ الفتنة ، قال : «صدق ،
يحبّ المال والولد وقد قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ
وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)» ، فقال : يا عليّ يقول : وأشهد بما لم أره ، فقال : «صدق
، يشهد لِلّه بالوحدانيّة والموت والبعث والقيامة والجنّة والنار والصراط ، ولم ير
ذلك كلّه» ، فقال : يا عليّ وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق قال : «صدق ، يحفظ
كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق» قال : ويقول : أُصلّي على غير وضوء فقال : «صدق يصلّي على
ابن عمّي رسول الله على غير وضوء والصلاة عليه جائزة» ، فقال : يا أبا الحسن قد
قال أكبر من ذلك ، فقال : «وما هو؟» قال : قال : إنّ لي في الأرض ما ليس لله في
السماء. قال : «صدق له زوجة وولد وتعالى الله عن الزوجة والولد». فقال عمر : كاد
يهلك ابن الخطّاب لو لا عليّ بن أبي طالب.
أخرجه الحافظ
الكنجي في الكفاية (ص ٩٦) فقال : قلت
هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير ، وابن الصباغ المالكي في
الفصول المهمّة (ص ١٨).
٣ ـ رُوي أنّ
رجلاً أُتي به إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه وكان صدر منه أنه قال لجماعة من
الناس وقد سألوه : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت أُحبّ الفتنة ، وأكره الحقّ وأُصدّق
اليهود والنصارى ، وأُؤمن بما لم أره ، وأُقرّ بما لم يخلق. فأرسل عمر إلى
__________________
عليّ ، فلمّا جاءه
أخبره بمقالة الرجل قال : «صدق يحبّ الفتنة ، قال الله تعالى : (إِنَّما
أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ، ويكره الحقّ يعني الموت ، وقال الله تعالى : (وَجاءَتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) . ويصدّق اليهود والنصارى ، قال الله تعالى : (وَقالَتِ
الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ
الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) ويؤمن بما لم يره ؛ يؤمن بالله عزّ وجلّ ، ويقرّ بما لم
يُخلق يعني الساعة». فقال عمر رضياللهعنه : أعوذ بالله من معضلة لا عليّ بها .
٤ ـ أخرج الحفّاظ
؛ ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن إبراهيم التيمي قال : قال رجل
عند عمر : اللهمّ اجعلني من القليل ، فقال عمر : ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل : إنّي
سمعت الله يقول : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ؛ فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل ، فقال عمر : كلّ
الناس أفقه من عمر.
وفي لفظ القرطبي :
كلّ الناس أعلم منك يا عمر ، وفي لفظ الزمخشري : كلّ الناس أعلم من عمر.
تفسير القرطبي (١٤
/ ٢٧٧) ، تفسير الكشّاف (٢ / ٤٤٥) ، تفسير السيوطي (٥ / ٢٢٩) .
٥ ـ جاءت امرأة
إلى عمر رضى الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين إنّ زوجي يصوم النهار ويقوم الليل
، فقال لها : نعم الرجل زوجك ، وكان في مجلسه رجل يسمّى كعباً فقال : يا أمير
المؤمنين إنّ هذه المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إيّاها عن فراشه ، فقال له :
كما فهمت كلامها احكم بينهما. فقال كعب : عليّ بزوجها ، فأُحضر فقال له : إنّ
__________________
هذه المرأة تشكوك
، قال : أفي أمر طعام أم شراب؟ قال : بل في أمر مباعدتك إيّاها عن فراشك ، فأنشأت
المرأة تقول :
يا أيّها القاضي
الحكيم أنشدهْ
|
|
ألهى خليلي عن
فراشي مسجدهْ
|
نهاره وليله لا
يرقدهْ
|
|
فلست في أمر
النساء أحمدهْ
|
فأنشأ الزوج يقول
:
زهّدني في فرشها
وفي الحللْ
|
|
أنِّي امرؤ
أذهلني ما قد نزلْ
|
في سورة النملِ
وفي سبع الطولْ
|
|
وفي كتاب الله
تخويف يجلْ
|
فقال له القاضي :
إنِّ لها عليك
حقّا لم يزل
|
|
في أربع نصيبها
لمن عقلْ
|
فعاطها ذاك ودع عنك العللْ
ثمّ قال : إنّ
الله تعالى أحلّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيّام بلياليهنّ ولها
يوم وليلة. فقال عمر رضى الله عنه : لا أدري من أيّكم أعجب؟ أمِن كلامها أم من
حكمك بينهما؟ اذهب فقد ولّيتك البصرة.
صورة أخرى :
عن قتادة والشعبي
قالا : جاءت عمر امرأة فقالت : زوجي يقوم الليل ويصوم النهار. فقال عمر : لقد
أحسنت الثناء على زوجك. فقال كعب بن سُور : لقد شكت. فقال عمر : كيف؟ قال : تزعم
أنّه ليس لها من زوجها نصيب ، قال : فإذا قد فهمت ذلك فاقضِ بينهما ، فقال : يا
أمير المؤمنين أحلّ الله له من النساء أربعاً فلها من كلّ أربعة أيّام يوم ومن كلّ
أربع ليال ليلة.
وفي لفظ أبي عمر
في الاستيعاب : أنّ امرأة شكت زوجها إلى عمر فقالت : إنّ
زوجي يقوم الليل
ويصوم النهار ، وأنا أكره أن أشكوه إليك فهو يعمل بطاعة الله ، فكأنّ عمر لم يفهم
عنها. الحديث.
وفي لفظ آخر له :
قال عمر لكعب بن سُور : عزمت عليك لتقضينّ بينهما فإنّك فهمت من أمرها ما لم أفهم.
إلى آخره. قال أبو عمر : هو مشهور.
وعن الشعبي : أنّ
امرأة جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين أعدِني على زوجي يقوم الليل ويصوم
النهار ، قال : فما تأمريني ، أتأمريني أن أمنع رجلاً من عبادة ربّه ؟
ـ ١٣ ـ
اجتهاد الخليفة في قراءة الصلاة
١ ـ عن عبد الرحمن
بن حنظلة بن الراهب : أنّ عمر بن الخطّاب صلّى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأُولى
، فلمّا كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرّتين ، فلمّا فرغ وسلّم سجد سجدتي
السهو.
ذكره ابن حجر في
فتح الباري (٣ / ٦٩) وقال :
رجاله ثقات وكأنّه مذهب لعمر. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٣٨٢) ولفظه :
صلّى بنا عمر بن
الخطّاب فلم يقرأ في الركعة الأُولى شيئاً ، فلمّا قام في الركعة الثانية قرأ
بفاتحة الكتاب وسورة ، ثمّ عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، ثمّ مضى فلمّا
__________________
فرغ من صلاته سجد
سجدتين بعد ما سلّم. وفي لفظ : سجد سجدتين ثمّ سلّم.
وذكره السيوطي في
جمع الجوامع كما في كنز العمال (٤ / ٢١٣) نقلاً
عن جمع من الحفّاظ باللفظ الثاني.
٢ ـ عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن : أنّ عمر بن الخطّاب كان يصلّي بالناس المغرب فلم يقرأ فيها ،
فلمّا انصرف قيل له : ما قرأت. قال : فكيف كان الركوع والسجود؟ قالوا : حسناً. قال
: فلا بأس إذن.
أخرجه البيهقي في
السنن (٢ / ٣٤٧ ، ٣٨١) ، وحكاه السيوطي عن مالك وعبد الرزّاق والنسائي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٤ / ٢١٣) ، وقال
البيهقي : قال الشافعي : وكان أبو سلمة يحدّثه بالمدينة وعند آل عمر لا ينكره أحد.
والإسناد صحيح
رجاله كلّهم ثقات.
٣ ـ عن إبراهيم
النخعي : أنّ عمر بن الخطّاب صلّى بالناس صلاة المغرب فلم يقرأ شيئاً حتى سلّم ،
فلمّا فرغ قيل له : إنّك لم تقرأ شيئاً. فقال : إنّي جهّزت عيراً إلى الشام فجعلت
أنزلها منقلة منقلة ، حتى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها ، فأعاد عمر
وأعادوا.
وعن الشعبي : أنّ
أبا موسى الأشعري قال لعمر بن الخطّاب رضى الله عنه : يا أمير المؤمنين أقرأت في
نفسك؟ قال : لا ، فأمر المؤذّنين فأذّنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم. السنن الكبرى
للبيهقي (٢ / ٣٨٢) ، كنز العمّال (٤ / ٢١٣).
__________________
يظهر من هذه
الموارد وتكرّر القصّة فيها أنّ الخليفة لم يستند في صلواته هاتيك إلى أصل مسلّم ،
فمرّةً لم يقرأ في الركعة الأُولى فيقضيها في الثانية ويسجد سجدتي السهو قبل
السلام أو بعده ، وأخرى اكتفى بحسن الركوع والسجود عن الإعادة وسجدتي السهو ،
وطوراً نراه يحتاط بالإعادة أو أنّه يرى ما أتى به باطلاً فيعيد ويعيدون فهل هذه
اجتهادات وقتيّة؟ أو أنّه لم يعرف للمسألة ملاكاً يرجع إليه؟ والعجب من ابن حجر
أنّه يعدّ الشذوذ عن الطريق المثلى مذهباً ، ويسع كلّ شاذّ أن يتترّس بمثل هذا
المذهب فيستر عواره ، وفي هذه الأحاديث إعراب عن مبلغ خضوع الخليفة وخشوعه في
صلواته.
ـ ١٤ ـ
رأي الخليفة في الميراث
عن مسعود الثقفي
قال : شهدت عمر بن الخطاب رضى الله عنه أشرك الإخوة من الأب والأُمّ مع الإخوة من
الأُمّ في الثلث ، فقال له رجل : قضيت في هذا عام أوّل بغير هذا. قال : كيف قضيت؟
قال : جعلته
للإخوة من الأُمّ ولم تجعل للإخوة من الأب والأُمّ شيئاً.
قال : تلك على ما
قضينا وهذا على ما قضينا. وفي لفظ : تلك على ما قضينا يومئذٍ ، وهذه على ما قضينا
اليوم.
أخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (٦ / ٢٥٥) ، بعدّة طرق ، والدارمي في سننه (١ / ١٥٤) مختصراً ، وأبو
عمر في العلم (ص ١٣٩).
قال
الأميني : كأنّ أحكام
القضايا تدور مدار ما صدر عن رأي الخليفة سواء أصاب الشريعة أم أخطأ ، وكأنّ الخليفة
له أن يحكم بما شاء وأراد ، وليس هناك
__________________
حكم يتّبع وقانون
مطّرد في الإسلام ، ولعلّ هذا أفظع من التصويب المدحوض بالبرهنة القاطعة.
ـ ١٥ ـ
جهل الخليفة بطلاق
الأَمة
أخرج الحافظان
الدارقطني وابن عساكر : انّ رجلين أتيا عمر بن الخطّاب وسألاه عن طلاق الأَمة ،
فقام معهما فمشى حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع فقال : أيّها الأصلع ما ترى
في طلاق الأَمة؟ فرفع رأسه إليه ثمّ أومأ إليه بالسبّابة والوسطى ، فقال لهما عمر
: تطليقتان ، فقال أحدهما : سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى
وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومأ إليك. الحديث.
راجع الجزء الثاني
(ص ٢٩٩) من كتابنا هذا.
ـ ١٦ ـ
لو لا عليّ لهلك عمر
أُتي عمر بن
الخطّاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها ، فتلقّاها عليّ فقال : «ما
بال هذه؟» فقالوا : أمر عمر برجمها. فردّها عليّ وقال : «هذا سلطانك عليها فما
سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلّك انتهرتها أو أخفتها؟» قال : قد كان ذلك. قال : «أو
ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا حدّ على معترف بعد بلاء ، إنّه من قيّد أو حبس أو
تهدّد فلا إقرار له» فخلّى سبيلها ثمّ قال : عجزت النساء أن تلدن مثل عليّ بن أبي
طالب ، لو لا عليّ لهلك عمر.
__________________
الرياض النضرة (٢ / ١٩٦) ، ذخائر
العقبى (ص ٨٠) ، مطالب السؤول (ص ١٣) ، مناقب الخوارزمي (ص ٤٨) ، الأربعين
للفخر الرازي (ص ٤٦٦).
ـ ١٧ ـ
كلّ أحد أفقه من عمر
دخل عليّ على عمر
وإذا امرأة حُبلى تُقاد تُرجم ، فقال : «ما شأن هذه؟» قالت : يذهبون بي ليرجموني.
فقال : «يا أمير المؤمنين لأيّ شيء تُرجم؟ إن كان لك سلطان عليها فما لك سلطان على
ما في بطنها» ، فقال عمر : كلّ أحد أفقه منّي ـ ثلاث مرّات ـ فضمنها عليّ حتى وضعت
غلاماً ثمّ ذهب بها إليه فرجمها.
أخرجه الحافظ محب
الدين الطبري في الرياض النضرة (٢ / ١٩٦) ،
وذخائر العقبى (ص ٨١) فقال : هذه غير تلك ـ القضيّة السابقة ـ لأنّ اعتراف تلك كان
بعد تخويف فلم يصحّ فلم تُرجم وهذه رُجمت. وذكره الحفّاظ الكنجي في الكفاية (ص ١٠٥).
ـ ١٨ ـ
رأي الخليفة في الحائض بعد الإفاضة
قال ابن المنذر :
قال عامّة الفقهاء بالأمصار : ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع ، وروينا عن
عمر بن الخطّاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنّهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضاً لطواف
الوداع ، وكأنّهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم
يسقط عنها ، ثمّ أسند عن عمر بإسناد صحيح
__________________
إلى نافع عن ابن
عمر قال : طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثمّ حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر
الناس حتى تطهر وتطوف البيت.
قال : وقد ثبت رجوع
ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك ، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة
، يشير بذلك إلى ما تضمّنته أحاديث هذا الباب ، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد
أنّ الصحابة كانوا يقولون : إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت ، إلاّ عمر
فإنّه كان يقول : يكون آخر عهدها بالبيت .
وعن الحارث بن عبد
الله بن أوس قال : أتيت عمر بن الخطّاب فسألته عن المرأة تطوف بالبيت ثمّ تحيض؟
فقال : ليكن آخر عهدها الطواف بالبيت ، قال الحارث : فقلت : كذلك أفتاني رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال عمر : تبّت يداك أو ثكلتك أُمّك سألتني عمّا سألت
عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كيما أُخالفه .
__________________
وأخرج أبو النضر
هاشم بن القاسم الليثي المتوفّى (٢٠٧) المتسالم على ثقته بإسناد رجاله كلّهم ثقات
عن هاشم بن يحيى المخزومي : أنّ رجلاً من ثقيف أتى عمر ابن الخطّاب فسأله عن امرأة
حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر ، ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ قال عمر : لا.
فقال له الثقفي : فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفتاني في هذه المرأة بغير ما أفتيت به. فقام إليه عمر
يضربه بالدرّة ويقول : لِمَ تستفتيني في شيء قد أفتى فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. إيقاظ الهمم للعمري الفلاني (ص ٩).
قال
الأميني : أنا لا أدري كيف
ذهب على عمر ما عرفته الصحابة أجمع ـ ويزعم موسى جار الله أنّه أعلمهم ـ فخالفوه
في الفتيا وتبعتهم علماء الأمصار ، وأمّا زيد وابن عمر فوافقوه ردحاً من الزمن ولا
أدري أكان فَرَقاً من درّته؟ أو موافقة له في رأيه؟ ولا أدري متى عدلا عن ذلك أبعد
موته؟ أم إبّان حياته؟
وإن تعجب فعجب
أنّه لم يعدل عن رأيه بعد ما وقف على السنّة لكنّه خاشن الحارث بن عبد الله وضرب
الثقفيّ بدرّته لمّا أخبراه بها ، واستمرّ على مذهبه الخاصّ به خلاف السنّة
المتّبعة ، لما ذا؟ أنا لا أدري.
ورأى ابن عبّاس
أنّ لهذه السنّة أصلاً في الكتاب الكريم قد عزب عن الخليفة أيضاً ، أخرجه البيهقي
في سننه الكبرى (٥ / ١٦٣) عن عكرمة أنّ زيد بن ثابت قال : تقيم حتى تطهر ، ويكون
آخر عهدها بالبيت. فقال ابن عبّاس : إذا كانت قد طافت يوم النحر فلتنفر ، فأرسل
زيد بن ثابت إلى ابن عبّاس أنّي وجدت الذي قلت كما قلت ، قال : فقال ابن عبّاس :
إنّي لأعلم قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للنساء ولكنّي أحببت أن أقول بما في كتاب الله ثمّ تلا هذه
الآية (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ
وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فقد قضت التفث ووفت النذر وطافت بالبيت ، فما بقي؟
__________________
ـ ١٩ ـ
جهل الخليفة بالسنّة
أخرج ابن المبارك
قال : حدّثنا أشعث عن الشعبي عن مسروق ، قال : بلغ عمر أنّ امرأة من قريش تزوّجها
رجل من ثقيف في عدّتها ، فأرسل إليهما ففرّق بينهما وعاقبهما وقال : لا ينكحها
أبداً وجعل الصداق في بيت المال وفشا ذلك بين الناس ، فبلغ عليّا كرّم الله وجهه
فقال : «رحم الله أمير المؤمنين ما بال الصداق وبيت المال؟ إنّهما جهلا فينبغي
للإمام أن يردّهما إلى السنّة». قيل : فما تقول أنت فيها؟ قال : «لها الصداق بما
استحلّ من فرجها ، ويفرّق بينهما ، ولا جلد عليهما ، وتكمل عدّتها من الأوّل ثمّ
تكمل العدّة من الآخر ، ثمّ يكون خاطباً». فبلغ ذلك عمر فقال ، يا أيّها الناس
ردّوا الجهالات إلى السنّة. وروى ابن أبي زائدة عن أشعث مثله وقال فيه : فرجع عمر
إلى قول عليّ. أحكام القرآن للجصّاص (١ / ٥٠٤).
وفي لفظ عن مسروق
: أُتي عمر بامرأة قد نُكحت في عدّتها ففرّق بينهما وجعل مهرها في بيت المال وقال
: لا يجتمعان أبداً ، فبلغ عليّا فقال : «إن كان جهلاً فلها المهر بما استحلّ من
فرجها ، ويفرّق بينهما ، فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب». فخطب عمر وقال :
ردّوا الجهالات إلى السنّة. فرجع إلى قول عليّ.
وفي لفظ الخوارزمي
: ردّوا قول عمر إلى عليّ. وفي التذكرة : فقال عمر : لو لا عليّ لهلك عمر.
وأخرج البيهقي في
سننه عن مسروق قال : قال عمر رضى الله عنه في امرأة تزوّجت في عدّتها : النكاح
حرام ، والصداق حرام ، وجعل الصداق في بيت المال وقال : لا يجتمعان ما عاشا.
__________________
وأخرج عن عبيد بن
نضلة ـ نضيلة ـ قال : رُفع إلى عمر بن الخطّاب رضياللهعنه امرأة تزوّجت في عدّتها فقال لها : هل علمت أنّك تزوّجت في
العدّة؟ قالت : لا. فقال لزوجها : هل علمت ، قال : لا. قال : لو علمتما لرجمتكما
فجلدهما أسياطاً وأخذ المهر فجعله صدقة في سبيل الله ، قال : لا أُجيز مهراً لا
أُجيز نكاحه. وقال : لا تحلّ لك أبداً.
صورة أخرى للبيهقي
:
أُتي عمر بن الخطّاب
رضى الله عنه بامرأة تزوّجت في عدّتها فأخذ مهرها فجعله في بيت المال وفرّق بينهما
وقال : لا يجتمعان ، وعاقبهما ، فقال عليّ رضى الله عنه : «ليس هكذا ولكن هذه
الجهالة من الناس ، ولكن يفرّق بينهما ، ثمّ تستكمل بقيّة العدّة من الأوّل ، ثمّ
تستقبل عدّة أخرى» ، وجعل لها عليّ رضى الله عنه المهر بما استحلّ من فرجها ، قال
: فحمد الله عمر رضى الله عنه وأثنى عليه ثم قال : يا أيّها الناس ردّوا الجهالات
إلى السنّة .
قال
الأميني : لما ذا جلدهما
الخليفة؟ ولما ذا أخذ المهر؟ وبأيّ كتاب أم بأيّة سنّة جعل الصداق في بيت المال
وصيّره صدقة في سبيل الله ، ولِمَ وبِمَ حرّم المرأة على الرجل؟ أنا لا أدري (فَسْئَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .
وليت الخليفة لا
ينسى نفسه ويأخذ بقوله : ردّوا الجهالات إلى السنّة. قبل قضائه بالأقضية الشاذّة
عن الكتاب والسنّة.
وإن تعجب فعجب قول
الجصّاص في أحكام القرآن (١ / ٥٠٥) : وأمّا
__________________
ما رُوي عن عمر
أنّه جعل المهر في بيت المال فإنّه ذهب إلى أنّه مهر حصل لها من وجه محظور فسبيله
أن يتصدّق به ؛ فلذلك جعله في بيت المال ثمّ رجع فيه إلى قول عليّ رضى الله عنه ،
ومذهب عمر في جعل مهرها لبيت المال إذ قد حصل لها ذلك من وجه محظور يشبه ما روي عن
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الشاة المأخوذة بغير إذن مالكها ، قدّمت إليه مشويّة لم
يكد يسيغها حين أراد الأكل منها فقال : إنّ هذه الشاة تخبرني أنّها أُخذت بغير حقّ
، فأخبروه بذلك فقال : أطعموها الأسارى. ووجه ذلك عندنا أنّما صارت لهم بضمان
القيمة فأمرهم بالصدقة بها ، لأنّها حصلت لهم من وجه محظور ولم يكونوا قد أدّوا
القيمة إلى أصحابها. انتهى.
أعمى الجصّاص حبّ
الخليفة ، فرام أن يدافع عنه ولو بما يسمه بسمة الجهل ، ألا مسائل هذا المدافع
الوحيد عن المال المحصّل من وجوه الحظر متى كان سبيله أن يُتصدّق به حتى يتّخذه
الخليفة مذهباً وإن لم يكن الموضوع من مصاديقه؟ ولما ذا لا يُردّ إلى صاحبه ولا
يحلّ مال امرئٍ إلاّ بطيب نفسه؟ ثمّ ما وجه الشبه بين مال استحقّت به المرأة بما
استحلّ من فرجها ، وبين شاة حلّلته اليد لرسول الله ، وسوّغت له التصرّف فيها؟ غير
أنّ حسن الوقوف عند الشبهات وإن علمت من غير طريق عاديّ دعاه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الكفّ عنها ، من دون ترتّب أحكام الغصب عليها من ردّها
إلى صاحبها عُرف أو لم يُعرف ، فلا صلة بين الموضوعين ، على أنّ جهل الخليفة في
المسألة ليس من ناحية جعل الصداق في بيت المال فحسب حتى يُرقّع ، وإنّما خالف
السنّة من شتّى النواحي كما عرفت.
ـ ٢٠ ـ
اجتهاد الخليفة في الجدّ
أخرج الدارمي في
سننه (٢ / ٣٥٤) عن الشعبي أنّه قال : أوّل جدّ ورث في
الإسلام عمر فأخذ
ماله ، فأتاه عليّ وزيد فقالا : ليس لك ذلك إنّما كنت كأحد الأخوين.
وفي لفظ البيهقي :
إنّ أوّل جدٍّ ورث
في الإسلام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ، مات ابن فلان بن عمر فأراد عمر أن يأخذ
المال دون إخوته ، فقال له عليّ وزيد : ليس لك ذلك. فقال عمر : لو لا أنّ رأيكما
اجتمع لم أر أن يكون ابني ولا أكون أباه. السنن الكبرى (٦ / ٢٤٧)
وأخرج الدارمي أيضاً عن مروان بن الحكم : أنّ عمر بن الخطّاب لمّا طعن
استشارهم في الجدّ ، فقال : إنّي كنت رأيت في الجدّ رأياً فإن رأيتم أن تتّبعوه
فاتّبعوه. فقال له عثمان : إن نتّبع رأيك فإنّه رشد وإن نتّبع رأي الشيخ فلنعم ذو
الرأي كان. مستدرك الحاكم (٤ / ٣٤٠).
قال الشعبي : كان
من رأي أبي بكر وعمر أن يجعلا الجدّ أولى من الأخ ، وكان عمر يكره الكلام فيه ،
فلمّا صار عمر جدّا قال : هذا أمر قد وقع لا بدّ للناس من معرفته ، فأرسل إلى زيد
بن ثابت فسأله ، فقال : كان من رأي أبي بكر رضى الله عنه أن نجعل الجدّ أولى من
الأخ. فقال : يا أمير المؤمنين لا تجعل شجرة نبتت فانشعب منها غصن فانشعب في الغصن
غصن ، فما يجعل الغصن الأوّل أولى من الغصن الثاني وقد خرج الغصن من الغصن؟ قال :
فأرسل إلى عليّ رضى الله عنه فسأله فقال له كما قال زيد ، إلاّ أنّه جعل سيلاً سال
فانشعب منه شعبة ثمّ انشعبت منه شعبتان ، فقال : «أرأيت لو أنّ ماء هذه الشعبة
الوسطى يبس أكان يرجع إلى الشعبتين جميعاً؟» . السنن الكبرى (٦ / ٢٤٧).
__________________
وعن سعيد بن
المسيّب عن عمر قال : سألت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف قسم الجدّ؟ قال : «ما سؤالك عن ذلك يا عمر؟ إنّي أظنّك
تموت قبل أن تعلم ذلك». قال سعيد بن المسيّب : فمات عمر قبل أن يعلم ذلك.
أخرجه الطبراني في
الأوسط ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٢٧) وقال : رجاله رجال
الصحيح. وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٦ / ١٥) نقلاً عن
عبد الرزّاق والبيهقي وأبي الشيخ في الفرائض.
وأخرج البيهقي في
سننه (٦ / ٢٤٧) عن زيد بن ثابت : إنّ عمر بن الخطّاب رضياللهعنه استأذن عليه يوماً فأذن له فقال : يا أمير المؤمنين لو
أرسلت إليّ جئتك. فقال عمر رضى الله عنه : إنّما الحاجة لي إنّي جئتك لتنظر في أمر
الجدّ ، فقال زيد : لا والله ما نقول فيه. فقال عمر رضى الله عنه : ليس هو بوحي
حتى نزيد فيه وننقص منه إنّما هو شيء نراه ، فان رأيته ووافقني تبعتهُ وإلاّ لم
يكن عليك فيه شيء. فأبى زيد فخرج مغضباً ، قال : قد جئتك وأنا أظنّك ستفرغ من
حاجتي ، ثمّ أتاه مرّة أخرى في الساعة التي أتاه المرّة الأُولى فلم يزل به حتى
قال : فسأكتب لك فيه ، فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثلاً إنّما مثله مثل شجرة نبتت
على ساقٍ واحدٍ فخرج فيها غصن ثمّ خرج في الغصن غصن آخر ، فالساق يسقي الغصن ، فإن
قطع الغصن الأوّل رجع الماء إلى الغصن يعني الثاني ، وإن قطعت الثاني رجع الماء
إلى الأوّل فأتي به. فخطب الناس عمر ثمّ قرأ قطعة القتب عليهم ثمّ قال : إنّ زيد
بن ثابت قد قال في الجدّ قولاً وقد أمضيته ، قال : وكان أوّل جدّ كان ، فأراد أن
يأخذ المال كلّه مال ابن ابنه دون إخوته ، فقسّمه بعد ذلك عمر بن الخطّاب.
وأخرج البيهقي في
السنن الكبرى (٦ / ٢٤٥) عن عبيدة قال : إنّي لأحفظ عن
__________________
عمر في الجدّ مائة
قضيّة كلّها ينقض بعضها بعضاً.
وعن عبيدة قال :
حفظت عن عمر مائة قضيّة في الجدّ ، قال : وقال : إنّي قد قضيت في الجدّ قضايا
مختلفة كلّها لا آلو فيه عن الحقّ ، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضينّ فيها
بقضيّة تقضي به المرأة وهي على ذيلها.
وأخرج البيهقي في
السنن عن طارق بن شهاب قال : أخذ عمر بن الخطّاب رضياللهعنه كتفاً وجمع أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكتب في الجدّ وهم يرون أنّه يجعله أباً ، فخرجت عليه
حيّة فتفرّقوا ، فقال : لو أنّ الله أراد أن يمضيه لأمضاه.
وقال ابن أبي
الحديد في شرح نهج البلاغة (١ / ٦١) : كان
عمر يفتي كثيراً بالحكم ثمّ ينقضه ويفتي بضدّه وخلافه ، قضى في الجدّ مع الإخوة
قضايا كثيرة مختلفة ، ثمّ خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يقتحم
جراثيم جهنّم فليقل في الجدّ برأيه.
قال
الأميني : أنا لا أدري أنّ
هذه القضايا المتناقضة البالغة عددها إلى المائة في موضوع واحد هل كلّها موافقة
للواقع؟ وليس من المعقول ذلك. أو أنّ بعضها موافق؟ فلم لم يرجع إليه في جميع
الموارد؟ وهل هي كلّها عن اجتهاد الخليفة؟ أو أنّها متّخذة من الصحابة؟ وهل
الصحابة كانوا يفتون بذلك عن آرائهم؟ أو اتّخذوها عن النبيّ الأمين؟ فإن كان
سماعاً فلا تختلف الفتيا فيه ولا سيّما مع قرب العهد به صلىاللهعليهوآلهوسلم. وإن كان اجتهاداً منهم فمن ذا الذي يعترف لهم يعترف
لجميعهم بالتأهّل للاجتهاد؟ على أنّ لنا بعد التنازل لهم بالأهليّة حقّ النظر فيما
اجتهدوا وفيما استندوا إليه ، ومثل هذا الاجتهاد الفارغ لا حجّة فيه حتى من نفس
الخليفة.
ثمّ إنّ خليفة
المسلمين كيف يسوغ له الجهل بما شرّعه نبيّ الإسلام حتى يربكه
__________________
ذلك في التناقض؟
فيأخذ الحقّ في بعض الموارد من أفواه الرجال ، ويمضي على ضلّته حيث لم يصادف أحداً
منهم.
وما أعضل هذه
المسألة على الخليفة؟ ولم يمكن من تعلّمها طيلة حياته ، وما شأنه وقد ظنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه يموت قبل أن يعلمها ومات ولم يعلم؟ وما سوّغ له
القضاء في تلكم القضايا الجمّة وهو لا يعلم حكمها وقد أخبره النبيّ الأعظم بذلك؟
ولست أدري كيف
حفظتها الأُمّة وتلقّتها في قرونها الخالية من دون أن تصعب على أيّ فقيهٍ أو
متفقّهٍ ، وقد أشكلت على الخليفة ، وهو مع ذلك أعلم الصحابة في زمانه على الإطلاق
عند صاحب الوشيعة؟
ـ ٢١ ـ
رأي الخليفة في امرأة تسرّرت غلامها
عن قتادة : أنّ
امرأة اتّخذت مملوكها وقالت : تأوّلت آيةً من كتاب الله (أَوْ
ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) فأُتي بها عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ، وقال له ناس من
أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : تأوّلت آيةً من كتاب الله عز وجل على غير وجهها ، قال :
فضرب العبد وجزّ رأسه ، وقال : أنت بعده حرام على كلّ مسلم.
صورة اخرى للقرطبي
:
تسرّرت امرأة غلامها
، فذُكر ذلك لعمر فسألها : ما حملكِ على ذلك؟ قالت : كنت أراه يحلّ لي بملك يميني
كما يحلّ للرجل المرأة بملك اليمين. فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : تأوّلت كتاب الله على غير تأويله لا رجم عليها.
فقال عمر : لا جرم ؛ والله لا أُحلّك لحرّ بعده أبداً. عاقبها بذلك ودرأ الحدّ
__________________
عنها ، وأمر العبد
ألاّ يقربها .
قال
الأميني : ليتني أدري وقومي
ما هذه العقوبات الفادحة بعد سقوط الحدّ عن المرأة ومملوكها بالجهل والتأويل؟ وما
معنى عذابهما بعد عفو المولى سبحانه عنهما؟ وبأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ضرب العبد ،
وجزّ رأسه ، وحرّم المرأة على كلّ مسلم ، ونهى العبد عن قربها؟ فهل دين الله مفوّض
إلى الخليفة؟ أم أنّ الإسلام ليس إلاّ الرأي المجرّد؟ فإن كان هذا أو ذاك؟ فعلى
الإسلام السلام ، وإن لم يكن لا هذا ولا ذاك ، فمرحباً بالخلافة الراشدة ، وزه
بتلك الآراء الحرّة.
ثمّ أنّى هذه
العقوبات من صحيحة عمر نفسه وعائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن
وجدتم لمسلم مخرجاً فخلّوا سبيله ، فإنّ الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ
بالعقوبة»
ـ ٢٢ ـ
الخليفة وامرأة مغنّية
عن الحسن قال :
أرسل عمر بن الخطّاب إلى امرأة مغنّية كان يُدخَل عليها ، فأنكر ذلك فأرسل إليها
فقيل لها : أجيبي عمر. فقالت : يا ويلها ما لها ولعمر؟! فبينما هي في الطريق فزعت
فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبيّ
__________________
صيحتين ثمّ مات ،
فاستشار عمر أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأشار عليه بعضهم : أن ليس عليك شيء إنّما أنت دالٌّ
ومؤدّب ، وصمت عليّ ، فأقبل على عليٍّ فقال : ما تقول؟ قال : «إن كانوا قالوا
برأيهم فقد أخطأ رأيهم ، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك ، أرى أنّ ديته
عليك ؛ فإنّك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سبيلك» فأمر عليّا أن يقسّم عقله على
قريش يعني يأخذ عقله من قريش لأنّه أخطأ.
صورة أخرى :
استدعى عمر امرأة
ليسألها عن أمر وكانت حاملاً فلشدّة هيبته ألقت ما في بطنها فأجهضت به جنيناً
ميتاً ، فاستفتى عمر أكابر الصحابة في ذلك ، فقالوا : لا شيء عليك إنّما أنت
مؤدّب. فقال له عليّ عليهالسلام : «إن كانوا راقبوك فقد غشّوك ، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد
أخطأوا ، عليك غرّة ـ يعني عتق رقبة ـ» ، فرجع عمر والصحابة إلى قوله.
أخرجه ابن الجوزي في سيرة عمر (ص ١١٧) ، وأبو عمر في العلم (ص
١٤٦) ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٧ / ٣٠٠) نقلاً عن عبد الرزّاق ،
والبيهقي ، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج (١ / ٥٨).
قال
الأميني : ما شأن هذا
الخليفة لا يحمل في دين الله علماً ناجعاً يقيه عن هوايا الهلكة ، ويحميه عن سقطات القضاء؟ وما باله يعوّل في كلّ
سهل ومشكل في طقوس الإسلام حتى في مهامّ الفروج والدماء على آراء أُناس غشّوه إن
راقبوه ، وغاية جهد رأيهم الخطأ؟ وما يسعنا أن نقول وبين يدي الباحث هذه الأقضية؟
__________________
ـ ٢٣ ـ
حكم الخليفة برجم مضطرّة
عن عبد الرحمن
السلمي ، قال : أُتي عمر بامرأة أجهدها العطش فمرّت على راعٍ فاستسقته ، فأبى أن
يسقيها إلاّ أن تُمكّنه من نفسها ففعلت ، فشاور الناس في رجمها ، فقال عليّ : «هذه
مضطرّة أرى أن يُخلى سبيلها». ففعل.
سنن البيهقي (٨ /
٢٣٦) ، الرياض النضرة (٢ / ١٩٦) ، ذخائر
العقبى (ص ٨١) الطرق الحكميّة (ص ٥٣).
صورة مفصلة :
إنّ عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه أُتي بامرأة زنت فأقرّت فأمر برجمها ، فقال عليّ رضى الله
عنه : «لعلّ بها عذراً» ثمّ قال لها : «ما حملكِ على الزنا؟» قالت : كان لي خليط
وفي إبله ماء ولبن ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن ، فظمئت فاستسقيته فأبى أن يسقيني
حتى أعطيه نفسي فأبيت عليه ثلاثاً ، فلمّا ظمئت وظننت أنّ نفسي ستخرج أعطيته الذي
أراد فسقاني. فقال عليّ : «الله أكبر ، (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ».
الطرق الحكميّة
لابن القيّم الجوزيّة (ص ٥٣) ، كنز العمال (٣ / ٩٦) نقلاً عن
البغوي.
قال
الأميني : ليت الخليفة كان
يحمل شيئاً من علم الكتاب والسنّة حتى يحكم
__________________
بما أنزل الله على
نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليتني أدري ما كان صيّره ، وأيّ مبلغ كانت تبلغ بوائق
أقضيته إن لم يكن في الأُمّة عليّ أمير المؤمنين؟ أو لم يكن يُقيم أوده ويُزيل
أمْته ؟ نعم ؛ حقّا قال الرجل : لو لا عليّ لهلك عمر.
ـ ٢٤ ـ
الخليفة لا يدري ما يقول
أُتي عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه برجل أسود ومعه امرأة سوداء ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي
أغرس غرساً أسود وهذه سوداء على ما ترى فقد أتتني بولد أحمر. فقالت المرأة : والله
يا أمير المؤمنين ما خنته وإنّه لولده. فبقي عمر لا يدري ما يقول ، فسُئل عن ذلك
عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فقال للأسود : «إن سألتك عن شيء أتصدقني؟» قال :
أجل والله. قال : «هل واقعت امرأتك وهي حائض؟» قال : قد كان ذلك ، قال عليّ : «الله
أكبر إنّ النطفة إذا خلطت بالدم فخلق الله منها خلقاً كان أحمر ، فلا تنكر ولدك
فأنت جنيت على نفسك».
الطرق الحكميّة (ص
٤٧).
ـ ٢٥ ـ
قضاياه في عسّه وتجسّسه
١ ـ عن عمر بن
الخطّاب أنّه كان يعسّ ليلة فمرّ بدار سمع فيها صوتاً ، فارتاب وتسوّر ، فرأى
رجلاً عند امرأة وزقّ خمر ، فقال : يا عدوّ الله أظننت أنّ الله يسترك وأنت على
معصيته؟ فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث
: قال الله تعالى (وَلا تَجَسَّسُوا) وقد تجسّست ، وقال : (وَأْتُوا
__________________
الْبُيُوتَ
مِنْ أَبْوابِها) وقد تسوّرت ، وقال : (فَإِذا دَخَلْتُمْ
بُيُوتاً فَسَلِّمُوا) وما سلّمت. فقال : هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال : نعم
، والله لا أعود. فقال : اذهب فقد عفوت عنك.
الرياض النضرة (٢
/ ٤٦) ، شرح النهج لابن أبي الحديد (١ / ٦١ ، ٣ / ٩٦) ، الدرّ المنثور (٦ / ٩٣) ،
الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٧٧) .
٢ ـ خرج عمر بن
الخطّاب في ليلة مظلمة فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثاً ، فوقف على الباب
يتجسّس فرأى عبداً أسود قدّامه إناء فيه مزر وهو يشرب ، ومعه جماعة فهمّ بالدخول من الباب فلم يقدر من
تحصين البيت فتسوّر على السطح ونزل إليهم من الدرجة ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه
قاموا وفتحوا الباب وانهزموا ، فمسك الأسود فقال له : يا أمير المؤمنين قد أخطأت
وإنّي تائب فاقبل توبتي ، فقال : أريد أن أضربك على خطيئتك ، فقال : يا أمير
المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث : فإنّ الله تعالى قال :
(وَلا تَجَسَّسُوا) ، وأنت تجسّست ،
وقال تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) ، وأنت أتيت من
السطح ، وقال تعالى : (لا تَدْخُلُوا
بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) ، وأنت دخلت وما سلّمت. إلى آخره.
المستطرف لشهاب
الدين الأبشيهي (٢ / ١١٥) في
الباب الحادي والستّين.
__________________
ويظهر من القرائن
أنّ هذه القضيّة غير سابقتها والله أعلم.
وقد عدّ ابن
الجوزي هذه الفضيحة المخزية من مناقب عمر ، وتبعه شاعر النيل حافظ
إبراهيم ونظمها في قصيدته العمريّة ، فقال تحت عنوان : مثال رجوعه إلى الحقّ :
وفتية ولعوا
بالراح فانتبذوا
|
|
لهم مكاناً
وجدّوا في تعاطيها
|
ظهرتَ حائطَهمْ
لمّا علمتَ بهمْ
|
|
والليلُ معتكرُ
الأرجاء ساجيها
|
حتى تبيّنتهمْ
والخمرُ قد أخذتْ
|
|
تعلو ذؤابةَ
ساقيها وحاسيها
|
سفّهتَ آراءهم
فيها فما لبثوا
|
|
أن أوسعوك على
ما جئت تسفيها
|
ورمت تفقيهَهم
في دينِهمْ فإذا
|
|
بالشرب قد برعوا
الفاروقَ تفقيها
|
قالوا مكانك قد
جئنا بواحدةٍ
|
|
وجئتنا بثلاثٍ
لا تباليها
|
فائتِ البيوتَ
من الأبوابِ يا عمر
|
|
فقد يُزَنّ من الحيطانِ آتيها
|
واستأذنِ الناسَ
لا تغشى بيوتَهمُ
|
|
ولا تلمَّ بدارٍ
أو تمحّيها
|
ولا تجسّسْ فهذي
الآيُ قد نزلتْ
|
|
بالنهيِ عنه فلم
تذكر نواهيها
|
فعدتَ عنهمْ وقد
أكبرتَ حجّتهمْ
|
|
لمّا رأيتَ
كتابَ الله يمليها
|
وما أنفتَ وإن
كانوا على حرجٍ
|
|
من أن يحجّكَ
بالآياتِ عاصيها
|
قال
الأميني : هكذا يعمي الحبّ
ويصّم ، ويجعل الموبقات مكرمات ، ويبدّل السيّئات حسنات.
٣ ـ عن عبد الرحمن
بن عوف : أنّه حرس مع عمر بن الخطّاب ليلةً بالمدينة ، فبينما هم يمشون شبّ لهم
سراج في بيت فانطلقوا يؤمّونه ، حتى إذا دنوا منه
__________________
إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط ، فقال عمر رضى الله
عنه وأخذ بيد عبد الرحمن فقال : أتدري بيت من هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا بيت ربيعة
بن أُميّة بن خلف وهم الآن شرب فما ترى؟ قال عبد الرحمن : أرى قد أتينا ما نهى
الله عنه ـ ولا تجسّسوا ـ فقد تجسّسنا. فانصرف عنهم عمر رضى الله عنه وتركهم.
سنن البيهقي
الكبرى (٨ / ٣٣٤) ، الإصابة (١ / ٥٣١) ، الدرّ المنثور (٦ / ٩٣) ، السيرة الحلبيّة
(٣ / ٢٩٣) ، الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٧٦) .
٤ ـ دخل عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه على قوم يشربون ويوقدون في الأخصاص فقال : نهيتكم عن معاقرة
الشراب فعاقرتم ، وعن الإيقاد في الأخصاص فأوقدتم ، وهمّ بتأديبهم. فقالوا : يا
أمير المؤمنين نهاك الله عن التجسّس فتجسّست ، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت ،
فقال : هاتان بهاتين ، وانصرف وهو يقول : كلّ الناس أفقه منك يا عمر.
العقد الفريد (٣ / ٤١٦).
٥ ـ كان عمر يعسّ
ذات ليلة بالمدينة فرأى رجلاً وامرأةً على فاحشة ، فلمّا أصبح قال للناس : أرأيتم
لو أنّ إماماً رأى رجلاً وامرأةً على فاحشة فأقام عليهما الحدّ ما كنتم فاعلين؟
قالوا : إنّما أنت إمام. فقال عليّ بن أبي طالب : «ليس ذلك لك إذن يقام عليك الحدّ
، إنّ الله لم يأمن هذا الأمر أقلّ من أربعة شهود». ثمّ تركهم ما شاء الله أن
يتركهم ثمّ سألهم ، فقال القوم مثل مقالتهم الأُولى وقال عليّ مثل مقالته الأولى ،
فأخذ عمر بقوله .
__________________
٦ ـ أخرج البيهقي
في شعب الإيمان عن الشعبي ، قال : جاءت امرأة إلى عمر فقالت : يا أمير
المؤمنين إنّي وجدت صبيّا ووجدت معه قبطيّة فيها مائة دينار فأخذته واستأجرت له
ظئراً ، وإنّ أربع نسوة يأتينه فيقبّلنه لا أدري أيّتهنّ أُمّه ، فقال لها : إذا
هنّ أتينَكِ فأعلميني. ففعلت ، فقال لامرأة منهنّ : أيّتكنّ أُمّ هذا الصبيّ؟ فقلن
: والله ما أحسنت ولا أجملت يا عمر تعمد على امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهتك
سترها. قال : صدقت ، ثمّ قال للمرأة : إذا أتينك فلا تسأليهنّ عن شيء وأحسني إلى
صبيّهنّ ثمّ انصرف.
منتخب كنز العمّال
هامش مسند أحمد (١ / ١٩٩).
قال
الأميني : في كلّ من هذه
الآثار أبحاث هامّة لا تعزب عن القارئ النابه فلا نطيل بذكرها المقام.
ـ ٢٦ ـ
رأي الخليفة في حدّ الخمر
عن أنس بن مالك
قال : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أُتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين ، قال :
وفعله أبو بكر ، فلمّا كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : أخفّ الحدود
ثمانون ، فأمر به عمر.
صورة أُخرى :
جلد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين ، فلمّا
كان عمر وورد الناس من المدن والقرى قال : ما ترون في حدّ الخمر؟ فقال
__________________
عبد الرحمن بن عوف
: أرى أن تجعله كأخفّ الحدود ، فجلد عمر ثمانين .
وأخرج أبو داود في
سننه (٢ / ٢٤٢) في حديث
: جلد أبو بكر في الخمر أربعين ، ثمّ جلد عمر صدراً من إمارته أربعين ، ثمّ جلد
ثمانين في آخر خلافته ، وجلد عثمان الحدّين كليهما : ثمانين وأربعين ، ثمّ أثبت
معاوية الحدّ على الثمانين.
وأخرجه البيهقي في
سننه الكبرى (٨ / ٣٢٠) ، وابن الديبع في تيسير الوصول (٢ / ١٧).
وعن حضين أبي
ساسان الرقاشي قال : حضرت عثمان بن عفّان رضى الله عنه ، وأُتي بالوليد بن عقبة قد
شرب الخمر وشهد عليه حمران بن أبان ورجل آخر ، فقال عثمان لعليّ : أقم عليه الحدّ
، فأمر عليّ رضى الله عنه عبد الله بن جعفر ذي الجناحين أن يجلده ، فأخذ في جلده
وعليّ رضى الله عنه يعدّ حتى جلد أربعين ، ثمّ قال له : «أمسك جلد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعين وأبو بكر رضى الله عنه ، وجلد عمر رضى الله عنه
ثمانين ، وكلٌّ سنّة وهذا أحبّ إليّ» .
__________________
وفي لفظ آخر :
إنّ الوليد بن
عقبة صلّى بالناس الصبح أربعاً ثمّ التفت إليهم فقال : أزيدكم؟ فرفع ذلك إلى عثمان
رضى الله عنه ـ إلى آخره ـ وفيه : ضرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعين وأبو بكر وعمر صدراً من خلافته أربعين ثمّ أتمّها
عمر ثمانين ، وكلّ سنّة .
قال
الأميني : ما قيمة عبد
الرحمن وقيمة رأيه تجاه ما قام به المشرّع الأعظم؟ وما بال عمر جرى على ذلك المنهج
ردحاً من أيّامه ثمّ نقضه وضرب عنه صفحاً؟ وما باله وهو خليفة المسلمين يستشير
ويستفتي في حكم من أحكام الدين ثبت بسنّة ثابتة عن صاحب الشريعة؟ قال ابن رشد في
بداية المجتهد (٢ / ٤٣٥) : إنّ
أبا بكر رضى الله عنه شاور أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كم بلغ ضرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لشرّاب الخمر؟ فقدّروه بأربعين. ورُوي عن أبي سعيد الخدري
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين ، فجعل عمر مكان كل نعل سوطاً
، ورُوي من طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا ، وهو : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرب في الخمر أربعين ، ورُوي هذا عن عليّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من طريق أثبت ، وبه قال الشافعيّ. انتهى .
وإنّ من الدخيل في
الحديث ما عُزي إلى أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله : «وكلّ سنّة وهذا أحبّ إليّ». فلو كانت الثمانون
سنّة مشروعةً لعمل بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الأقلّ مرّة واحدة أو قالها لأحد ، ولو كان قالها لما
خفي على كلّ المسلمين ولاحتجّ به عبد الرحمن دون قوله : أخفّ الحدود ثمانون ، ولما
عُدّ عمر أوّل من أقام
__________________
الحدّ في الخمر
ثمانين كما فعله غير واحد . نعم ، قال الحلبي في السيرة الحلبيّة (٢ / ٣١٤) : قوله
: وكلّ سنّة أي طريقة ، فأربعون طريقته صلىاللهعليهوآلهوسلم وطريقة الصدّيق رضى الله عنه ، والثمانون طريقة عمر رضى
الله عنه رآها اجتهاداً مع استشارته لبعض الصحابة في ذلك لما رآه من كثرة شرب
الناس للخمر. وقال ابن القيّم في زاد المعاد (٢ / ١٩٥) : من
تأمّل الأحاديث رآها تدلّ على أنّ الأربعين حدّ ، والأربعون الزائدة عليها تعزير ،
اتّفق عليه الصحابة رضي الله عنهم.
وما عساني أن أقول
في أُناس اتّخذوا تجاه سنّة رسول الله طريقة باجتهاد واستشارة؟ وهل تعزير بعد
الحدّ حتى يتأتّى باتّفاق الصحابة عليه؟ وهل لهذه المزعمة معنىً معقول حتى يُتّخذ
مذهباً؟ أنا لست أدري أيّ قيمة لتلك الطريقة في سوق الاعتبار وِجاه الطريقة المثلى
(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ
تَحْوِيلاً) ، (وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) ؛ وما أتى به النبيّ الأعظم أحقّ أن يتّبع ، (فَمَنْ
بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) .
وهناك كلماتٌ
تافهة حول هذا الاجتهاد ؛ مثل قول القسطلاني : من أنّ الكلّ حدّ ، وعليه فحدّ الشارب مخصوص من بين سائر
الحدود بأن يتحتّم بعضه ويتعلّق
__________________
بعضه باجتهاد
الإمام. انتهى. كلّها خارجة عن نطاق الفهم ، تبعد عن ساحة المتعلّم فضلاً عن
العالم ، ولا يخفى على القارئ فسادها .
ـ ٢٧ ـ
الخليفة وامرأة احتالت على شابّ
أُتي عمر بن
الخطّاب رضياللهعنه بامرأة قد تعلّقت بشابّ من الأنصار وكانت تهواه ، فلمّا لم
يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبّت البياض على ثوبها وبين فخذيها
، ثمّ جاءت إلى عمر رضى الله عنه صارخة فقالت : هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني
في أهلي وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له : إنّ ببدنها وثوبها أثر المني ،
فهمّ بعقوبة الشابّ فجعل يستغيث ويقول : يا أمير المؤمنين تثبّت في أمري فو الله
ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فقال عمر : يا أبا
الحسن ما ترى في أمرهما؟ فنظر عليّ إلى ما على الثوب ثمّ دعا بماء حارّ شديد
الغليان فصبّ على الثوب ، فجمد ذلك البياض ثمّ أخذه واشتمّه وذاقه فعرف طعم البيض
، وزجر المرأة فاعترفت.
الطرق الحكميّة
لابن القيّم (ص ٤٧).
ـ ٢٨ ـ
لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب
عن حنش بن المعتمر
، قال : إنّ رجلين أتيا امرأةً من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا : لا تدفعيها
إلى أحد منّا دون صاحبه حتى نجتمع ، فلبثا حولاً ثمّ جاء أحدهما إليها وقال : إنّ
صاحبي قد مات فادفعي إليّ الدنانير ، فأبت فثقل عليها بأهلها فلم يزالوا بها حتى
دفعتها إليه. ثمّ لبثت حولاً آخر فجاء الآخر فقال : ادفعي إليّ الدنانير ،
__________________
فقالت : إنّ صاحبك
جاءني وزعم أنّك قد متّ فدفعتها إليه ، فاختصما إلى عمر فأراد أن يقضي عليها وقال
لها : ما أراك إلاّ ضامنة. فقالت : أنشدك الله أن تقضي بيننا وارفعنا إلى عليّ بن
أبي طالب. فرفعها إلى عليّ وعرف أنّهما قد مكرا بها ، فقال : «أليس قلتما لا
تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟» قال : بلى. قال : «فإنّ مالك عندنا اذهب فجئ
بصاحبك حتى ندفعها إليكما» ، فبلغ ذلك عمر فقال : لا أبقاني الله بعد ابن أبي
طالب. كتاب الأذكياء لابن الجوزي (ص ١٨) ، أخبار الظراف لابن الجوزي (ص ١٩) ،
الرياض النضرة (٢ / ١٩٧) ، ذخائر العقبى (ص ٨٠) ، تذكرة سبط ابن الجوزي (ص ٨٧) ،
مناقب الخوارزمي (ص ٦٠) .
ـ ٢٩ ـ
الخليفة والكلالة
١ ـ عن معدان بن
أبي طلحة اليعمري قال : إنّ عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة فذكر نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكر أبا بكر فقال : ثمّ إنّي لا أدع بعدي شيئاً أهمّ عندي
من الكلالة ما راجعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ
لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر
سورة النساء؟ وإنّي إن أعش أقضِ فيها ـ بقضاء ـ بقضيّة
__________________
يقضي بها من يقرأ
القرآن ومن لم يقرأ القرآن .
وفي لفظ الجصّاص : ما سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن شيء أكثر ممّا سألته عن الكلالة.
٢ ـ عن مسروق قال
: سألت عمر بن الخطّاب عن ذي قرابة لي ورث كلالة ، فقال : الكلالة الكلالة. وأخذ
بلحيته ثمّ قال : والله لأن أعلمها أحبّ إليّ من أن يكون لي ما على الأرض من شيء ،
سألت عنها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «ألم تسمع الآية التي أُنزلت في الصيف؟». فأعادها
ثلاث مرّات .
٣ ـ أخرج أحمد في
المسند (١ / ٣٨) عن عمر
قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكلالة ، فقال : «تكفيك آية الصيف» ، فقال : لأن أكون
سألت رسول الله عنها أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النعم.
٤ ـ أخرج البيهقي
في السنن الكبرى (٦ / ٢٢٥) عن عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أنّه قال : ثلاث لأن
يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيّنهنَّ أحبّ إليَّ من حمر النعم : الخلافة ، والكلالة ،
والربا. وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (١ / ١٢).
٥ ـ أخرج الطبري
في تفسيره (ج ٦) عن عمر أنّه
قال : لأن أكون أعلم الكلالة أحبّ إليَّ من أن يكون لي مثل قصور الشام. كنز
العمّال (٦ / ٢٠).
__________________
٦ ـ أخرج ابن
راهويه وابن مردويه عن عمر : إنّه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف تورث الكلالة؟ فأنزل الله : (يَسْتَفْتُونَكَ
قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) الآية. فكأنّ عمر لم يفهم فقال لحفصة : إذا رأيت من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طيب نفس فسليه عنها ، فلمّا رأت منه طيب نفس فسألته فقال :
«أبوكِ ذكر لك هذا ، ما أرى أباكِ يعلمها» ، فكان عمر يقول : ما أراني أعلمها وقد
قال رسول الله ما قال . قال السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه الكنز : هو
صحيح.
٧ ـ أخرج ابن
مردويه عن طاووس : إنّ عمر أمر حفصة أن تسأل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكلالة فأملاها عليها في كتف فقال : من أمركِ بهذا؟
أعمر؟ ما أراه يقيمها وما تكفيه آية الصيف. تفسير ابن كثير (١ / ٥٩٤).
٨ ـ عن طارق بن
شهاب قال : أخذ عمر كتفاً وجمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ قال : لأقضينّ في الكلالة قضاء تحدّث به النساء في
خدورهنّ ، فخرجت حينئذٍ حيّة من البيت فتفرّقوا فقال : لو أراد الله عزّ وجلّ أن
يتمّ هذا الأمر لأتمّه . قال ابن كثير : إسناد صحيح.
٩ ـ عن مرّة بن
شرحبيل ، قال : قال عمر بن الخطّاب : ثلاثٌ لأن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيّنهنَّ أحبّ إليَّ من الدنيا وما فيها : الكلالة ،
والربا ، والخلافة .
__________________
١٠ ـ أخرج الحاكم
وصحّحه ؛ عن محمد بن طلحة ، عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : لأن أكون سألت رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ثلاث أحبّ إليَّ من حمر النعم : من الخليفة بعده ، وعن
قوم قالوا : نقرّ بالزكاة في أموالنا ولا نؤدّيها إليك أيحلّ قتالهم ، وعن الكلالة
.
١١ ـ عن حذيفة في
حديث قال : نزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ
فِي الْكَلالَةِ) فلقّاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حذيفة ، فلقّاها حذيفة عمر ، فلمّا كان بعد ذلك سأل عمر
عنها حذيفة فقال : والله إنّك لأحمق ، إن كنت ظننت أنّه لقّانيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلقّيتكها كما لقّانيها رسول الله ، والله لا أزيدك عليها
شيئاً أبداً .
١٢ ـ أخرج ابن
جرير الطبري في تفسيره في رواية : لمّا كان في خلافة عمر نظر عمر في
الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة : لقد لقّانيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلقّيتكها كما لقّاني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والله إنّي لصادق ، وو الله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبداً
، وكان عمر يقول : اللهمّ إن كنت بيّنتها له فإنّها لم تبيّن لي. تفسير ابن كثير (١
/ ٥٩٤).
١٣ ـ عن الشعبي ،
قال : سُئل أبو بكر رضى الله عنه عن الكلالة ، فقال : إنّي سأقول فيها برأيي فإن
يك صواباً فمن الله وإن يك خطأً فمنّي ومن الشيطان ، أراه ما خلا الولد والوالد ،
فلمّا استخلف عمر رضى الله عنه قال : إنّي لأستحيي الله أن أردّ شيئاً قاله أبو
بكر .
١٤ ـ أخرج البيهقي
في السنن الكبرى (٦ / ٢٢٤) عن الشعبي قال : قال
__________________
عمر رضى الله عنه
: الكلالة ما عدا الولد ، قال أبو بكر : الكلالة ما عدا الولد والوالد ، فلمّا طعن
عمر قال : إنّي لأستحيي أن أُخالف أبا بكر ، الكلالة ما عدا الولد والوالد.
١٥ ـ في السنن
الكبرى (٦ / ٢٢٤) : أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه قال : أتى عليّ زمان ما أدري
ما الكلالة ، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد.
١٦ ـ عن ابن عبّاس
قال : كنت آخر الناس عهداً بعمر رضى الله عنه فسمعته يقول : القول ما قلت. قلت :
وما قلت؟ قال : الكلالة من لا ولد له. السنن الكبرى (٦ / ٢٢٥) ، مستدرك الحاكم (٢ / ٣٠٤).
قال
الأميني : ما أعضل الكلالة
على الخليفة! وما أبهمها وأبهم حكمها عنده! وهي شريعة مطّردة سمحة سهلة ، وهل هو
حين أكثر السؤال عنها أجاب عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لم يجب؟ فإن كان الأوّل فلم لم يحفظه أو قصر فهمه عن
عرفانه وهو أحبّ إليه من حمر النعم ، أو من الدنيا وما فيها ، أو من أن يكون له
مثل قصور الشام؟ وإن كان الثاني فحاشا رسول الله أن يؤخّر البيان عن وقت الحاجة
وهو يعلم أنّه سوف يتربّع على منصّة الخلافة فترفع إليه المسائل والخصومات وإنّ من
أكثرها اطّراداً مسألة الكلالة ، لكن الحقيقة هي ما نوّه به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله لحفصة : «ما أرى أباكِ يعلمها» أو بقوله : «ما أراه
يقيمها» ، وهو يعرب عن جليّة الحال ، ويوقف القارئ على الواقع إن لم يضلّه الهوى.
والخطب الفظيع
أنّه بعد هذه كلّها ومع قوله : إنّها لم تبيَّن لي لم يتزحزح عن الحكم فيها ، وكان
يقضي فيها برأيه ما شاء ذاهلاً عن قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ
كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ، وعن قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ
لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَما
__________________
مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) ، وتراه يتّبع أبا بكر وهو يعلم أنّه شاكلته وقد سمع منه
قوله : إني سأقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأً فمنّي ومن
الشيطان (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ
وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) .
وقد رأى ابن حجر
كثرة الخلاف في الكلالة بأنّها : من ليس له الوالد والولد ، إنّها من سوى الوالد ،
من سوى الوالد وولد الولد. من سوى الولد ، الكلالة الإخوة ، الكلالة هي المال.
وقيل : الفريضة. وقيل : بنو العمّ ونحوهم وقيل : العصبات وإن بعدوا.
ثمّ قال : ولكثرة
الاختلاف فيها صحّ عن عمر أنّه قال : لم أقل في الكلالة شيئاً . فكأنّه يراها عذراً للخليفة في ربيكته بالكلالة ، وأين هو
من آية الكلالة؟ وكيف تخفى على أحد وهي بين يديه وفيها قوله تعالى : (يُبَيِّنُ
اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) فكيف بيّنها الله ومثل الخليفة يقول : لم تبيّن لي؟ ومن
أين أتى الخلاف وكثر وهي مبيّنة؟ وكيف يرى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم آية الصيف كافيةً في البيان لمن جهل الكلالة؟
على أنّ الخليفة
هو إمام الأُمّة ومرجعها الوحيد في خلافها ، وبه القدوة والأُسوة في التخاصم
والتنازع في الآراء والمعتقدات ، فلا عذر له في جهله بشيء منها على كلّ حال خالفت
الأُمّة أم لم تخالف.
ـ ٣٠ ـ
رأي الخليفة في الأرنب
عن موسى بن طلحة :
أنّ رجلاً سأل عمر عن الأرنب ، فقال عمر : لو لا أنّي أزيد في الحديث أو أنقص منه
، وسأرسل لك إلى رجل. فأرسل إلى عمّار فجاء ، فقال :
__________________
كنّا مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فنزلنا في موضع كذا وكذا فأهدى إليه رجل من الأعراب أرنباً
فأكلناها ، فقال الأعرابي : يا رسول الله إنّي رأيتها تدمي أي تحيض ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا بأس بها».
أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن جرير الطبري كما في كنز العمّال (٨ /
٥٠) ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده ، والطبراني في الكبير من رواية ابن الحوتكيّة كما
في عمدة القاري (٦ / ٢٥٩) ، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ١٩٥) نقلاً عن
أحمد من طريق ابن الحوتكيّة.
أنا لا أقول : إنّ
الذي أخاف الخليفة من الزيادة أو النقيصة في الحديث هو عدم معرفته بالحكم ، ولا
أقول : إنّ عمّاراً كان أبصر منه في القضيّة وأوثق منه في الرواية والنقل. ولا
أقول : أين كانت تلك الحيطة منه في غير الأرنب ممّا استبدّ بحكمه من دون أيّ
اكتراث من مئات المسائل في الأموال والأنفس والعقود والإيقاعات وهو يعلم أنّه لم
يحط بها علماً ، لكنّي أكِلُ ذلك إلى وجدانك الحرّ.
وفي النفس ما فيها
في نفي البأس عن لحم الأرنب ، وهو قول الأئمّة الأربعة وكافّة العلماء إلاّ ما حكي
عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعكرمة مولى ابن عبّاس
أنَّهم كرهوا أكلها. عمدة القاري (٦ / ٢٥٩).
ـ ٣١ ـ
رأي الخليفة في القود
عن ابن أبي حسين :
أنّ رجلاً شجّ رجلاً من أهل الذمّة ، فهمّ عمر بن الخطّاب
__________________
أن يقيده منه ، فقال
معاذ بن جبل : قد علمت أنّ ليس ذلك لك. وأثر ذلك عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأعطاه عمر بن الخطّاب في شجّته ديناراً فرضي به.
أخرجه الحافظ
السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٧ / ٣٠٤).
ـ ٣٢ ـ
لو لا معاذ لهلك عمر
عن أبي سفيان ، عن
أشياخ لهم : أنّ امرأة غاب عنها زوجها سنتين ثمّ جاء وهي حامل ، فرفعها إلى عمر
فأمر برجمها ، فقال له معاذ : إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها ،
فقال عمر : احبسوها حتى تضع فوضعت غلاماً له ثنيّتان ، فلمّا رآه أبوه عرف الشبه
فقال : ابني ابني وربّ الكعبة ، فبلغ ذلك عمر فقال : عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ
، لو لا معاذ لهلك عمر.
لفظ البيهقي : جاء
رجل إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين إنّي غبت عن امرأتي
سنتين فجئت وهي حبلى ، فشاور عمر رضى الله عنه ناساً في رجمها ، فقال معاذ بن جبل
رضى الله عنه : يا أمير المؤمنين إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها
سبيل فاتركها حتى تضع. فتركها فولدت غلاماً قد خرجت ثناياه فعرف الرجل الشبه فيه ،
فقال : ابني وربّ الكعبة ، فقال عمر رضى الله عنه : عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ
، لو لا معاذ لهلك عمر.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧ / ٤٤٣) ، وأبو عمر في العلم (ص
١٥٠) ، والباقلاني إيعازاً إليه في التمهيد (ص ١٩٩) ، وابن أبي شيبة كما في كنز
العمّال (٧ / ٨٢) ،
__________________
وفتح الباري لابن
حجر (١٢ / ١٢٠) وقال : أخرجه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات ، والإصابة (٣ / ٤٢٧) نقلاً
عن فوائد محمد بن مخلد العطّار ، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج (٣ / ١٥٠)
متسالماً عليه.
ـ ٣٣ ـ
رأي الخليفة في القود
عن مكحول : أنّ
عبادة بن الصامت دعا نبطيّا يمسك له دابّته عند بيت المقدس فأبى فضربه فشجّه ،
فاستدعى عليه عمر بن الخطّاب فقال له : ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟ فقال : يا أمير
المؤمنين أمرته أن يمسك دابّتي فأبى وأنا رجل فيّ حدّة فضربته ، فقال : اجلس
للقصاص. فقال زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك؟ فترك عمر عنه القود وقضى عليه
بالدية.
أخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (٨ / ٣٢) ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز (٧ / ٣٠٣).
ـ ٣٤ ـ
رأي الخليفة في ذمّي مقتول
عن مجاهد : قال :
قدم عمر بن الخطّاب الشام فوجد رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمّة فهمّ أن
يقيده ، فقال له زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك؟ فجعله عمر دية.
أخرجه عبد الرزّاق
، وابن جرير الطبري كما في كنز العمّال (٧ / ٣٠٤).
__________________
ـ ٣٥ ـ
قصّة أخرى في ذمّي مقتول
عن عمر بن عبد
العزيز : أنّ رجلاً من أهل الذمّة قُتل بالشام عمداً وعمر بن الخطّاب إذ ذاك
بالشام ، فلمّا بلغه ذلك قال عمر : قد ولعتم بأهل الذمّة لأقتلنّه به. قال أبو عبيدة بن الجرّاح : ليس
ذلك لك ، فصلّى ثمّ دعا أبا عبيدة فقال : لم زعمت لا أقتله به؟ فقال أبو عبيدة : أرأيت
لو قتل عبداً له أكنت قاتله به؟ فصمت عمر ، ثمّ قضى عليه بالدية بألف دينار
تغليظاً عليه.
أخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (٨ / ٣٢) ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٧ / ٣٠٣).
ـ ٣٦ ـ
رأي الخليفة في قاتلٍ معفوٍّ عنه
عن إبراهيم النخعي
: أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أُتي برجل قد قتل عمداً فأمر بقتله فعفا بعض
الأولياء فأمر بقتله ، فقال ابن مسعود : كانت النفس لهم جميعاً ، فلمّا عفا هذا
أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقّه حتى يأخذ غيره قال : فما ترى؟ قال : أرى أن
تجعل الدية عليه في ماله وترفع حصّة الذي عفا ، فقال عمر رضى الله عنه : وأنا أرى
ذلك .
إن كان الحكم في
هذه القضايا هو ما ارتآه الخليفة أوّلاً فلما ذا عدل عنه؟ وإن
__________________
كان ما لفتوا نظره
إليه أخيراً فلما ذا همّ أن ينوء بالأوّل؟ وهل من المستطاع أن نقول : إنّ الحكم
كان عازباً عن فكرة خليفة المسلمين في كلّ هذه الموارد؟ أو أنّ تلكم الأقضية كانت
مجرّد رأي وتحكّم؟ أو هذه هي سيرة أعلم الأمّة؟
ـ ٣٧ ـ
رأي الخليفة في الأصابع
عن سعيد بن المسيّب
: أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه قضى في الأصابع : في الإبهام بثلاث عشرة ؛ وفي
التي تليها باثنتي عشرة ، وفي الوسطى بعشر ، وفي التي تليها بتسع ، وفي الخنصر
بستّ.
وفي لفظ آخر :
إنّ عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه قضى في الإبهام بخمس عشرة ، وفي التي تليها بعشر ، وفي
الوسطى بعشر ، وفي التي تلي الخنصر بتسع ، وفي الخنصر بستّ.
وعن أبي غطفان :
أنّ ابن عبّاس كان يقول في الأصابع عشر عشر ، فأرسل مروان إليه فقال : أتُفتي في
الأصابع عشر عشر وقد بلغك عن عمر رضى الله عنه في الأصابع؟ فقال ابن عبّاس : رحم
الله عمر ، قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحقّ أن يتّبع من قول عمر رضياللهعنه
قال
الأميني : ثبت في الصحاح
والمسانيد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : في الأصابع عشر عشر على ما أفتى به ابن عبّاس ، وهذه
سنّته صلىاللهعليهوآلهوسلم المسلّمة وهديه الثابت فيها ، وما قضى به عمر فمن آرائه
الخاصّة به ، والأمر كما قال ابن عبّاس : قول
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحقّ أن يُتّبع من قول عمر. وأنا لا أدري أنّ الخليفة كان
يعلم ذلك ويخالف أم لم يكن يعلم؟
فإن كان لا يدري
فتلك مصيبة
|
|
وإن كان يدري
فالمصيبة أعظم
|
ـ ٣٨ ـ
رأي الخليفة في دية الجنين
عن المسور بن
مخرمة ، قال : استشار عمر بن الخطّاب رضى الله عنه الناس في إملاص المرأة ، فقال
المغيرة بن شعبة : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى بغرّة عبد أو أَمة. فقال : ائتني بمن يشهد معك ، فشهد
معه محمد بن مسلمة .
وعن عروة : أنّ
عمر رضى الله عنه سأل ـ نشد ـ الناس من سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى في السقط؟ فقال المغيرة بن شعبة : أنا سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى فيه بغرّة عبد أو أمة ، فقال : ائت بمن يشهد معك على
هذا. فقال محمد بن مسلمة : أنا أشهد على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بمثل هذا .
وفي لفظ أبي داود
: فقال عمر : الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا .
وفي حديث : نشد
عمر الناس في دية الجنين ، فقال حمل بن النابغة : إنّ
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى فيه بغرّة عبد أو وليدة فقضى به عمر . وزاد الشافعي : فقال عمر رضى الله عنه لو لم نسمع هذا
لقضينا فيه بغير هذا. وفي لفظ : إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا.
قال ابن حجر في
الإصابة (٢ / ٢٥٩) : أخرجه أحمد وأصحاب السنن بإسنادٍ صحيح من طريق طاووس عن ابن
عبّاس.
قال
الأميني : ما أحوج الخليفة
إلى العقل المنفصل في كلّ قضيّة حتى إنّه يركن إلى مثل المغيرة أزنى ثقيف وأكذبها
في شريعة إلهيّة! وهو لم يُجز شهادة المغيرة للعبّاس عمّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعواه أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أقطع له البحرين ، أو يستند إلى مثل محمد بن مسلمة الذي ما جاء عنه غير
ستّة أحاديث ، أو إلى مثل حمل بن النابغة الذي ليس له عندهم غير هذا
الحديث .
قال ابن دقيق
العيد : استشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه ، أو
كان عنده شكّ ، أو أراد الاستثبات . لكنّا لا نرى في مستوى الإمامة مقيلاً لمن يجهل حكماً من
الأحكام ، أو يشكّ فيما علمه ، أو يحتاج إلى التثبّت فيما اتّصل به يقينه بقول هذا
وذاك ، فإنّه المقتدى في الأحكام كلّها ، فلو جاز له الجهل في شيء منها أو الشكّ
أو الحاجة إلى التثبّت لجاز أن يقع ذلك حيث لا يجد من يسأله فيرتبك في الجواب ، أو
يربك صاحبه في الضلال ، أو يتعطّل الحكم الإلهيّ من جرّاء
__________________
ذلك ، ألا تسمع
قول عمر : الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا. أو : إن كدنا أن نقضي في
مثل هذا برأينا.
ـ ٣٩ ـ
رأي الخليفة في سارق
عن عبد الرحمن بن
عائذ ، قال : أُتي عمر بن الخطّاب برجل أقطع اليد والرجل قد سرق ، فأمر به عمر أن
يقطع رجله ، فقال عليّ رضى الله عنه : «إنّما قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّما
جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، الآية ، فقد قطعت يد هذا ورجله فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس
له قائمة يمشي عليها ، إمّا أن تعزّره وإمّا أن تستودعه السجن». قال : فاستودعه
السجن.
السنن الكبرى
للبيهقي (٨ / ٢٧٤) ، كنز العمّال (٣ / ١١٨).
ـ ٤٠ ـ
اجتهاد الخليفة في هديّة ملكة الروم
[١ ـ] عن قتادة
قال : بعث عمر رسولاً إلى ملك الروم ، فاستقرضت أُمّ كلثوم بنت عليّ ـ وكانت امرأة
عمر ـ ديناراً فاشترت به عطراً وجعلته في قارورة وبعثت به مع الرسول إلى امرأة ملك
الروم ، فلمّا أتاها بعثت لها شيئاً من الجواهر وقالت للرسول : اذهب به إلى امرأة
عمر ، فلمّا أتاها أفرغته على البساط فدخل عمر فقال : ما هذا؟ فأخبرته فأخذ
الجواهر وخرج بها إلى المسجد ونادى الصلاة جامعة.
__________________
فلمّا اجتمع الناس
أخبرهم الخبر وأراهم الجواهر وقال : ما ترون في ذلك؟ فقالوا : إنّا نراها تستحقّ
ذلك لأنّه هديّة جاءتها من امرأة لا جزية ولا خراج عليها ولا يتعلّق بها حكم من
أحكام الرجال. فقال : لكن الزوجة زوجة أمير المؤمنين ، والرسول رسول أمير المؤمنين
، والراحلة التي ركبها للمؤمنين ، وما جاء ذلك كلّه لو لا المؤمنون ، فأرى أنّ ذلك
لبيت مال المسلمين ، ونعطيها رأس مالها ، فباع الجواهر ودفع لزوجته ديناراً وجعل
ما بقي في بيت مال المسلمين .
٢ ـ يُروى أنّ
امرأة أبي عبيدة أرسلت إلى امرأة ملك الروم هديّة فكافأتها بجوهر ، فبلغ ذلك عمر
فأخذه فباعه وأعطاها ثمن هديّتها وردّ باقيه إلى بيت مال المسلمين .
قال الأميني : كلّ
ما ذكره الخليفة ليس من المملك ولا من المخرجات من الملك ، أمّا كونها زوجة
الخليفة فمن الدواعي لإهداء زوجة ملك الروم ، وأمّا وجود المؤمنين فهو من بواعث
شوكة الخليفة التي من جهتها تكون زوجته معتنىً بها عند أزواج الملوك ، وكون الرسول
رسول الخليفة لا يبيح ما ائتُمن عليه الرسول في إيصاله إلى صاحبه. ودابّة المؤمنين
لا تستبيح ما حمله الراكب عليها.
نعم ؛ من الممكن
إن كان له ثقل يعتدّ به أن يأخذ المؤمنون الأُجرة على حمله.
ولا أدري كيف فعل
الخليفة ما فعل؟ وكيف استساغ المسلمون ذلك المال أخيراً بعد أن رأوا أنّها تستحقّه
أوّلاً؟ ثمّ ما وجه إعطاء ثمن الهديّة في القضيّتين؟ فإن كان لحقّ لصاحبتيهما في
الجوهر ، فهو لهما في كلّه ، وإلاّ فقد أقدمتاهما إلى إتلاف مالهما ، فلا وجه
لإعطاء بدله من مال المسلمين.
__________________
ـ ٤١ ـ
رأي الخليفة في جلد المغيرة
عن عبد الرحمن بن
أبي بكرة : أنّ أبا بكرة وزياداً ونافعاً وشبل بن معبد كانوا في غرفة والمغيرة في
أسفل الدار فهبّت ريح ففتحت الباب ورفعت الستر فإذا المغيرة بين رجليها ، فقال
بعضهم لبعض : قد ابتلينا. قال : فشهد أبو بكرة ونافع وشبل ، وقال زياد : لا أدري
نكحها أم لا ، فجلدهم عمر رضى الله عنه إلاّ زياداً ، فقال أبو بكرة رضى الله عنه
: أليس قد جلدتموني؟ قال : بلى. قال : فأنا أشهد بالله لقد فعل. فأراد عمر أن
يجلده أيضاً ، فقال عليّ : «إن كانت شهادة أبي بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك ،
وإلاّ فقد جلدتموه» ، يعني لا يجلد ثانياً بإعادة القذف.
وفي لفظ آخر :
فهمّ عمر أن يعيد عليه الحدّ فنهاه عليّ رضى الله عنه وقال : «إن جلدته فارجم
صاحبك» ، فتركه ولم يجلده.
وفي لفظ ثالث :
فهمّ عمر بضربه ، فقال عليّ : «لئن ضربت هذا فارجم ذاك» .
صورة مفصّلة :
عن أنس بن مالك :
أنّ المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار ، وكان أبو بكرة ـ نفيع
الثقفي ـ يلقاه فيقول له : أين يذهب الأمير؟ فيقول : إلى حاجة ، فيقول له : حاجة
ما؟ إنّ الأمير يُزار ولا يزور ، قال : وكانت المرأة ـ أُمّ جميل بنت الأفقم ـ التي
يأتيها جارة لأبي بكرة ، قال : فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع
وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن معبد ، وكانت غرفة تلك المرأة بحذاء
__________________
غرفة أبي بكرة ،
فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته. فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها ، فقال
أبو بكرة : هذه بليّة ابتليتم بها فانظروا. فنظروا حتى أثبتوا ، فنزل أبو بكرة حتى
خرج عليه المغيرة من بيت المرأة ، فقال له : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت
فاعتزلنا ، قال : وذهب ليصلّي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال له : والله لا
تصلّي بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس : دعوه فليصلّ فإنّه الأمير واكتبوا بذلك
إلى عمر. فكتبوا إليه ، فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعاً المغيرة والشهود.
قال مصعب بن سعد :
إنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه جلس ودعا بالمغيرة والشهود ، فتقدّم أبو بكرة
فقال له : أرأيته بين فخذيها؟ قال : نعم والله لكأنّي أنظر تشريم جدري بفخذيها ،
فقال له المغيرة : لقد ألطفت النظر ، فقال له : ألم أك قد أثبتّ ما يخزيك الله به؟
فقال له عمر : لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه كما يلج المرود في المكحلة.
فقال : نعم أشهد على ذلك ، فقال له : اذهب مغيرة ذهب ربعك ، ثمّ دعا نافعاً فقال
له : علام تشهد؟ قال : على مثل شهادة أبي بكرة. قال : لا حتى تشهد أنه يلج فيه
ولوج المرود في المكحلة ، فقال : نعم حتى بلغ قذذه . فقال : اذهب مغيرة ذهب نصفك ، ثمّ دعا الثالث فقال : علام
تشهد؟ فقال : على مثل شهادة صاحبيّ. فقال له : اذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك ، ثمّ
كتب ـ عمر ـ إلى زياد فقدم على عمر ، فلمّا رآه جلس له في المسجد واجتمع له رءوس
المهاجرين والأنصار ، فقال المغيرة : ومعي كلمة قد رفعتها لأحلم القوم ، قال :
فلمّا رآه عمر مقبلاً قال : إنّي لأرى رجلاً لن يخزي الله على لسانه رجلاً من
المهاجرين. فقال : يا أمير المؤمنين أما إن أحقّ ما حقّ القوم فليس ذلك عندي ، ولكنّي
رأيت مجلساً قبيحاً وسمعت أمراً حثيثاً وانبهاراً ، ورأيته متبطّنها ، فقال له : أرأيته
يدخله كالميل في المكحلة؟ فقال : لا.
وفي لفظ قال :
رأيته رافعاً برجليها ، ورأيت خصيتيه تتردّدان بين فخذيها ،
__________________
ورأيت حفزاً
شديداً ، وسمعت نفساً عالياً.
وفي لفظ الطبري
قال : رأيته جالساً بين رجلي امرأة ، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان ، واستين
مكشوفتين ، وسمعت حفزاناً شديداً.
فقال له : أرأيته
يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال : لا ، فقال عمر : الله أكبر قم إليهم
فاضربهم ، فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ عن
المغيرة الرجم ، فقال أبو بكرة بعد أن ضُرب : فإنّي أشهد أنّ المغيرة فعل كذا
وكذا. فهمّ عمر بضربه ، فقال له عليّ عليهالسلام : «إن ضربته رجمت صاحبك ونهاه عن ذلك» .
قال
الأميني : لو كان للخليفة
قسط من حكم هذه القضيّة لما همّ بجلد أبي بكرة ثانياً ، ولا عزب عنه حكم رجم
المغيرة إن جُلد.
وإن تعجب فعجب
إيعاز الخليفة إلى زياد لمّا جاء يشهد بكتمان الشهادة بقوله : إنّي لأرى رجلاً لن
يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين أو بقوله : أما إنّي أرى وجه رجل أرجو أن لا يُرجم رجل من
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على يده ولا يخزى بشهادته .
أو بقوله : إنّي
لأرى غلاماً كيّساً لا يقول إلاّ حقّا ولم يكن ليكتمني شيئاً .
__________________
أو بقوله : إنّي
أرى غلاماً كيّساً لن يشهد إن شاء الله إلاّ بحقّ وهو يوعز إلى أنّ الذين تقدّموه أغرار شهدوا بالباطل ،
وعلى أيٍّ فقد استشعر زياد ميل الخليفة إلى درء الحدّ عن المغيرة فأتى بجمل لا
تقصر عن الشهادة ، لكنّه تلجلج عن صراح الحقيقة لمّا انتهى إليه ، وكيف يصدّق في
ذلك ، وقد رأى أستاهاً مكشوفة ، وخصيتين متردّدتين بين فخذي أُمّ جميل ، وقدمين
مخضوبتين مرفوعتين ، وسمع حفزاناً شديداً ونفساً عالياً ، ورآه متبطّناً لها ، وهل
تجد في هذا الحدّ مساغاً لأن يكون الميل في خارج المكحلة؟ أو أن يكون قضيب المغيرة
جامحاً عن فرج أُمّ جميل؟
نعم ؛ كان في
القضيّة تأوّل واجتهاد أدّى إلى أهميّة درء الحدّ في المورد خاصّة ، وإن كان
الخليفة نفسه جازماً بصدق الخزاية كما يعرب عنه قوله للمغيرة : والله ما أظنّ أبا
بكرة كذب عليك ، وما رأيتك إلاّ خفت أن أُرمى بالحجارة من السماء. قاله لمّا وافقت
أُمّ جميل عمر بالموسم والمغيرة هناك فسأله عنها فقال : هذه أُمّ كلثوم بنت عليّ ،
فقال عمر : أتتجاهل عليّ؟ والله ما أظنّ ... إلخ .
وليت شعري لما ذا
كان عمر يخاف أن يُرمى بالحجارة من السماء؟ ألردّه الحدّ حقّا؟ وحاشا الله أن يرمي
مقيم الحقّ ، أو لتعطيله الحكم؟ أو لجلده مثل أبي بكرة الذي عدّوه من خيار الصحابة
وكان من العبادة كالنصل؟ أنا لا أدري.
وكان عليّ أمير
المؤمنين عليهالسلام يصافق عمر على ما ظنّ أو جزم به فخاف أن يرمى بالحجارة ،
وينمّ عن ذلك قوله عليهالسلام : «لئن لم ينته المغيرة لأتبعنّه أحجاره». أو قوله : «لئن
أخذت المغيرة لأتبعنّه أحجاره» .
وقد هجاه حسّان بن
ثابت في هذه القصّة بقوله :
__________________
لو انّ اللؤمَ
يُنسَبُ كان عبداً
|
|
قبيحَ الوجهِ
أعورَ من ثقيفِ
|
تركتَ الدينَ
والإسلامَ لمّا
|
|
بدتْ لك غدوةً
ذاتُ النصيفِ
|
وراجعت الصبا
وذكرت لهواً
|
|
من القيناتِ في
العمرِ اللطيفِ
|
ولا يشكّ ابن أبي
الحديد المعتزلي في أنّ المغيرة زنى بأُمّ جميل وقال : إنّ الخبر بزناه كان شائعاً
مشهوراً مستفيضاً بين الناس ، غير أنّه لم يخطئ عمر بن الخطّاب في درء الحدّ عنه ،
ويدافع عنه بقوله : لأنّ الإمام يستحبّ له درء الحدّ وإن غلب على ظنّه أنّه قد وجب
الحدّ عليه.
عزب عن ابن أبي
الحديد أنّ درء الحدّ بالشبهات لا يخصّ بالمغيرة فحسب بل للإمام رعاية حال الشهود
أيضاً ودرء الحدّ عنهم ، فأنّى لإمام درأ الحدّ عمّن يقال : إنّه كان أزنى الناس
في الجاهليّة ، فلمّا دخل في الإسلام قيّده الإسلام وبقيت عنده منه بقيّة ظهرت في
أيّام ولايته بالبصرة ؟ أنّى له رفع اليد عن مثل الرجل وقد غلب على ظنّه وجوب
الحدّ عليه ، وحكمه بالحدّ على أبرياء ثلاثة يشكّ في الحدّ عليهم وفيهم من يعدّ من
عبّاد الصحابة؟ وأنّى يتأتّى الاحتياط في درء الحد عن واحد مثل المغيرة برمي ثلاثة
بالكذب والقذف وتشويه سمعتهم في المجتمع الدينيّ وتخذيلهم بإجراء الحدّ عليهم؟
ثمّ هلاّ اجتمعت
كلمة الشهود الأربعة على ما شهد به زياد من معاصي المغيرة دون إيلاج المرود في
المكحلة؟ فلما ذا لم يعزّره على ما اقترفه من الفاحشة؟ أولم تكن
__________________
المعاصي تستوجب
تعزيراً؟ أولم يكن من رأي الخليفة جلد صائمٍ أُخِذ على شراب كما يأتي في نادرة
(٧٢)؟
أولم يكن من رأيه
ضرب خمسين على من وجد مع امرأة في لحافها على فراشها ؟
أولم يكن مقرّراً
حكم عبد الله بن مسعود في رجل وجد مع امرأة في لحاف ، فضرب عبد الله كلّ واحد
منهما أربعين سوطاً وأقامهما للناس ، فذهب أهل المرأة وأهل الرجل فشكوا ذلك إلى
عمر بن الخطّاب ، فقال عمر لابن مسعود : ما يقول هؤلاء؟ قال : قد فعلت ذلك. قال : أورأيت
ذلك؟ قال : نعم. فقال : نعمَ ما رأيت. فقالوا : أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله .
نعم ؛ للقارئ أن
يفرّق بين ما نحن فيه وبين تلكم المواقف التي حكم فيها بالتعزير بأنّ الحكم هناك
قد دار مدار اللحاف ولم يكن لحاف على المغيرة وأُمّ جميل في فحشائهما ، والقول
بمثل هذه الخزاية أهون من تلكم الكلم التي توجد في الدفاع عن الخليفة حول هذه
القضيّة ولدتها.
هذا مغيرة وهذه
إلى أمثالها بوائقه ، وكان يُعرف بها في إسلامه وقبله ، وقد أتى أمير المؤمنين عليهالسلام عندما تولّى الخلافة يظهر بزعمه النصح له بإقرار معاوية في ولايته على الشام
ردحاً ثمّ يفعل به ما أراد ، وبما أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لم يكن ممّن يداهن ويجامل أعداء الله في أمر الدين ولا
يؤثر الدهاء على حكم الشريعة ، وكان يرى أنّ مفاسد إبقاء معاوية على الأمر لا
تكافئ مصلحة إغفاله عن المقاومة ، فإنّه غير صالح لتولّي أمر المسلمين فيومه لدة
سنته ، وساعته كمثل عمره في الفساد ، رفض
__________________
ذلك الرأي
المغيريّ ، ولم يكن بالذي يتّخذ المضلّين عضداً ، فبهض ذلك المغيرة فولّى عنه
منشداً :
نصحت عليّا في
ابن هندٍ نصيحةً
|
|
فرُدّتْ فلم
أُسمع لها الدهرَ ثانيه
|
وقلت له : أوجز
عليه بعهدِهِ
|
|
وبالأمر حتى
يستقرَّ معاويه
|
وتعلمَ أهلُ
الشامِ أن قد ملكتَهُ
|
|
وأنّ اذنه صارت
لأمرِك واعيه
|
فتحكمُ فيه ما
تريدُ فإنّه
|
|
لداهيةٌ فارقْ
به أيّ داهيه
|
فلم يقبل النصح
الذي قد نصحته
|
|
وكانت له تلك
النصيحةُ كافيه
|
وأجاب عنها
العلاّمة الأوردبادي بقوله :
أتيتَ إمام
المسلمين بغدرةٍ
|
|
فلم تلفِ نفساً
منه للغدرِ صاغيه
|
وأسمعته إدّا من
القول لم يُصِخْ
|
|
له إذ رأى منه
الخيانةَ باديه
|
رغبتَ إليه في
ابن هندٍ ولايةً
|
|
أبى الدينُ إلاّ
أن ترى عنه نائيه
|
أيؤتمنُ الغاوي
على إمرةِ الهدى
|
|
تعاد على الدينِ
المعرّة ثانيه
|
ويرعى القطيعَ
الذئبُ والذئبُ كاسرٌ
|
|
ويأمن منه في
الأويقةِ عاديه
|
وهل سمعت أُذناك
قل لي هنيهةً
|
|
بزوبعةٍ هبّت
فلم تعدُ سافيه
|
وهل يأمنُ
الأفعى السليمُ سويعةً
|
|
ومن شدقِها
قتّالةُ السمِّ جاريه
|
فيومُ ابنِ هندٍ
ليس إلاّ كدهرِه
|
|
فصفقتُه كانت من
الخيرِ خاليه
|
ولَلشرُّ منه
والمزنّمُ جروُه
|
|
ووالده شيخ
الفجور زبانيه
|
متى كان للتقوى
علوجُ أُميّةٍ
|
|
وللغيّ منهم
كلُّ باغٍ وباغيه
|
__________________
وللزورِ والفحشاءِ
منهم زبائنٌ
|
|
وللجور منهم كلّ
دهياءَ داهيه
|
همُ أرهجوها
فتنةً جاهليّة
|
|
إذا انتهزوا
للشرّ أجواءَ صافيه
|
فما ذا على حلفِ
التقى وهو لا يُرى
|
|
يُراوغُ في أمرِ
الخلافة طاغيه
|
وشتّانَ في
الإسلامِ هذا وهذه
|
|
فدينُ عليٍّ
غيرُ دنيا معاويه
|
أتنقمُ منه أنّ
شرعةَ أحمدٍ
|
|
تجذّ يميناً
لابن سفيانَ عاديه
|
وتحسبُ أن قد
فاته الرأيُ عندَه
|
|
كأنّك قد أبصرتَ
ما عنه خافيه
|
ولولا التقى
ألفيتَ صنو محمدٍ
|
|
لتدبيرِ أمرِ
الملكِ أكبرَ داهيه
|
عرفناك يا أزنى
ثقيفٍ ووغدَها
|
|
عليك بيوميكَ
الشنارُ سواسيه
|
وإنّك في
الإسلامِ مثلُكَ قبلَهُ
|
|
وأُمُّ جميلٍ
للخزاية راويه
|
وكان المغيرة في
مقدّم أُناس كانوا ينالون من أمير المؤمنين عليهالسلام. قال ابن الجوزي : قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة
بالكوفة ، فقام صعصعة بن صوحان فتكلّم ، فقال المغيرة : أخرجوه فأقيموه على المصطبة
فليلعن عليّا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن عليّ بن أبي طالب ، فأخبره بذلك
فقال : أقسم بالله لتقيدنّه. فخرج فقال : إنّ هذا يأبى إلاّ عليّ بن أبي طالب ؛
فالعنوه لعنه الله. فقال المغيرة : أخرجوه أخرج الله نفسه.
رسائل الجاحظ (ص ٩٢) ، الأذكياء
(ص ٩٨) .
وأخرج أحمد في
مسنده (٤ / ٣٦٩) عن قطبة
بن مالك قال : نال المغيرة بن شعبة من عليّ ، فقال زيد بن أرقم : قد علمت أنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ينهى عن سبّ الموتى ، فلم تسبّ عليّا وقد مات؟
__________________
وأخرج في المسند أيضاً (١ / ١٨٨) أحاديث نيله من أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته واعتراض سعيد بن زيد عليه.
ـ ٤٢ ـ
كلٌّ أفقه من عمر حتى العجائز
لمّا رجع عمر بن
الخطّاب من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليعرف أخبارهم ، فمرّ بعجوز في
خبائها فقصدها ، فقالت : يا هذا ما فعل عمر؟ قال : هو ذا قد أقبل من الشام. قالت :
لا جزاه الله عنّي خيراً ، قال : ويحك ولِمَ؟ قالت : لأنّه والله ما نالني من
عطائه منذ ولي إلى يومنا هذا دينارو لا درهم ، فقال : ويحك وما يدري عمر حالك وأنت
في هذا الموضع؟ فقالت : سبحان الله ما ظننت أنّ أحداً يلي على الناس ولا يدري ما
بين مشرقها ومغربها ، قال : فأقبل عمر وهو يبكي ويقول : وا عمراه وا خصوماه ، كلّ
واحد أفقه منك يا عمر. الحديث.
وفي لفظ : كلّ
واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر.
الرياض النضرة (٢
/ ٥٧) ، الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٠٨) ، نور الأبصار (ص ٦٥) .
قال
الأميني : نحن ندرس من هذه
القصّة أنّ فكرة إحاطة علم الإمام بالأشياء كلّها أو جلّها فضلاً عن الشرائع
والأحكام فكرة بسيطة عامّة يشترك في لزومها الرجال والنساء ، فهي غريزة لا تعزب عن
أيّ ابن أُنثى ، وقد فقدها الخليفة واعترف بأنّ كلّ واحد أفقه منه.
__________________
ـ ٤٣ ـ
استشارة الخليفة في متسابّين
أخرج البيهقي في
السنن الكبرى (٨ / ٢٥٢) : أنّ رجلين استبّا في زمن عمر بن الخطّاب ، فقال أحدهما
للآخر : والله ما أرى أبي بزانٍ ولا أُمّي بزانية. فاستشار عمر الناس في ذلك ،
فقال قائل : مدح أباه وأُمّه. وقال آخرون. قد كان لأبيه وأُمّه مدح غير هذا ، نرى
أن تجلده الحدّ. فجلده عمر الحدّ ثمانين.
وذكره النيسابوري
في تفسيره في سورة النور عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) .
قال
الأميني : أنا لا أدري لأيّ
المصيبتين أنحب؟ أبقصور الخليفة عن حكم المسألة؟ أم بقصر المعلّمين له عن حقيقته؟
وكلّ يفوه برأي ضئيل ، والأفظع جري العمل على ما قالوه.
أمّا الحدّ فليس
إلاّ بالقذف البيّن وهو المستفاد من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) ، وعلى هذا كان عمل الصحابة والتابعين لهم بإحسان كما قال
القاسم ابن محمد : ما كنّا نرى الجلد إلاّ في القذف البيّن والنفي البيّن . وأمّا قول ـ ليس أبي بزانٍ ـ فنناقش أوّلاً في كونه
تعريضاً ؛ إذ لعلّه يريد طهارة منبته التي تزعه عن النزول إلى الدنايا من بذاءة في
القول ، أو خسّةٍ في الطبع ، أو حزازة في العمل ، فمن الممكن أنّه لا يريد إلاّ
هذا فحسب ، وهو الذي فهمه فريق من الصحابة فقالوا : إنّه مدح أباه. وإن لم يجدوا
لما أبدوه أُذناً واعية ، وعلى فرض كونه تعريضاً فإنّما يوجب الحدّ إذا كانت
__________________
دلالته مقطوعاً
بها ، أو أن يعترف المعرّض بأنّه لم يقصد إلاّ القذف ، وإلاّ فالحدود تدرأ
بالشبهات. ألا ترى سقوط الحكم عمّن عرّض بسبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يصرّح كما في الصحاح.
وإلى نفي الحدّ
بالتعريض ذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وزفر ومحمد ابن شبرمة والثوري والحسن
بن صالح وبين يديهم الحديث المذكور ، وما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن ابن
عمر قال : كان عمر يضرب الحدّ في التعريض .
قال أبو بكر
الجصّاص في أحكام القرآن (٣ / ٣٣٠) : ثمّ
لمّا ثبت أنّ المراد بقوله : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) ، هو الرمي بالزنا لم يجز له إيجاب الحدّ على غيره ، إذ لا
سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس ، وإنّما طريقها الاتّفاق أو التوقيف وذلك
معدوم في التعريض ، ومشاورة عمر الصحابة في حكم التعريض دلالة على أنّه لم يكن
عندهم فيه توقيف وأنّه قال اجتهاداً ورأياً ، وأيضاً فإنّ التعريض بمنزلة الكناية
المحتملة للمعاني وغير جائز إيجاب الحدّ بالاحتمال لوجهين : أحدهما : أنّ الأصل
أنّ القائل بريء الظهر من الجلد فلا نجلده بالشكّ والمحتمل مشكوك فيه ، ألا ترى
أنّ يزيد ابن ركانة لمّا طلّق امرأته البتّة استحلفه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما أردت إلاّ واحدة فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال ،
ولذلك قال الفقهاء في كنايات الطلاق : إنّها لا تجعل طلاقاً إلاّ بدلالة.
والوجه الآخر ما روي
عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «ادرءوا الحدود بالشبهات». وأقلّ أحوال التعريض
حين كان محتملاً للقذف وغيره أن يكون شبهة في سقوطه.
وأيضاً قد فرّق
الله تعالى بين التعريض بالنكاح في العدّة وبين التصريح فقال : (وَلا
جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ
أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ
__________________
سَتَذْكُرُونَهُنَّ
وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) . يعني نكاحاً فجعل التعريض بمنزلة الإضمار في النفس فوجب
أن يكون كذلك حكم التعريض بالقذف ، والمعنى الجامع بينهما أنّ التعريض لمّا كان
فيه احتمال كان في حكم الضمير لوجود الاحتمال فيه. انتهى.
هذه كلّها كانت
بمنتأى عن مبلغ الخليفة من العلم ، غير أنّه كان يستشير الناس كائناً من كان في كلّ
مشكلة ثمّ يرى فيه رأيه وافق دين الله أم خالفه.
ـ ٤٤ ـ
رأي الخليفة في شجرة الرضوان
عن نافع قال : كان
الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحتها بيعة الرضوان فيصلّون عندها ، فبلغ ذلك عمر فأوعدهم
فيها وأمر بها فقطعت .
الطبقات الكبرى
لابن سعد (ص ٦٠٧) ، سيرة عمر لابن الجوزي (ص ١٠٧) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ١٢٢)
، السيرة الحلبية (٣ / ٢٩) ، فتح الباري لابن حجر (٧ / ٣٦١) وقد صحّحه ، إرشاد
الساري (٦ / ٣٣٧) وحكى تصحيح ابن حجر ، شرح المواهب للزرقاني (٢ / ٢٠٧) ، الدرّ
المنثور (٦ / ٧٣) ، عمدة القاري (٨ / ٢٨٤) وقال : إسناد صحيح.
وذكره ابن أبي
الحديد في شرحه (١ / ٦٠) ولفظه :
كان الناس بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلّون عندها
، فقال
__________________
عمر : أراكم أيّها
الناس رجعتم إلى العزّى ، ألا لا أُوتى منذ اليوم بأحدٍ عاد لمثلها إلاّ قتلته
بالسيف كما يقتل المرتدّ. ثمّ أمر بها فقطعت.
ـ ٤٥ ـ
رأي الخليفة في آثار الأنبياء
عن معرور ، قال :
خرجنا مع عمر بن الخطّاب رضياللهعنه في حجّة حجّها قال : فقرأ بنا في الفجر : ألم تر كيف فعل
ربّك بأصحاب الفيل ولإيلاف قريش فلمّا انصرف فرأى الناس مسجداً فبادروه فقال : ما
هذا؟ قالوا : هذا مسجد صلّى فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم ، اتّخذوا آثار أنبيائهم
بِيَعاً ، من عرضت له صلاة فليصلّ ومن لم تعرض له صلاة فليمضِ .
قال
الأميني : ليت شعري ما
المانع من تعظيم آثار الأنبياء وفي مقدّمهم سيّد ولد آدم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لم يكن خارجاً عن حدود التوحيد كالسجود إلى تماثيلهم
واتّخاذها قبلة؟ (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها
مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ، ومتى هلكت الأُمم باتّخاذهم آثار أنبيائهم بِيَعاً؟ وأيّ
مسجد تكون الصلاة فيه أزلف إلى الله سبحانه من مسجد صلّى فيه رسوله الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وأيّ مكان أشرف من مكان حلّ به النبيّ الأعظم وبويع فيه
بيعة الرضوان وحظي المؤمنون فيه برضى الله عنهم؟ أولا يكسب ذلك كلّه المحلّ فضلاً
يزيد في زلفة المتعبدين بفنائه؟ وما ذنب الشجرة المسكينة حتى اجتثت أُصولها؟ ولا
من ثائرٍ لها أو مدافع عنها. أوليس ذلك توهيناً للمحلّ ولمشرّفه؟ أيسوّغ أدب الدين
للخليفة قوله : أراكم أيّها الناس رجعتم إلى العزّى؟ والذين كانوا
__________________
يرون حرمة تلكم
الآثار ويعظّمونها ويصلّون عندها إنّما هم حملة علم الدين من الصحابة العدول ،
مراجع الخليفة في الأحكام والشرائع ، كان يعوّل عليهم حيثما أعيته المسائل قائلاً
: كلّ الناس أفقه منك يا عمر.
هذه أسئلة جمّة
عزب عن الخليفة العلم بالجواب عنها ، أو أنّها لم تدر في خلده ، أو أنّه متأوّل
فيها جمعاء وأنت ترى ...
ومن الصحابة التي
كانت تتبرّك بتلك الأماكن وتصلّي فيها عبد الله بن عمر ، قال موسى بن عقبة : رأيت سالم بن عبد الله يتحرّى أماكن من الطريق فيصلّي
فيها ويحدّث أنّ أباه كان يصلّي فيها ، وأنّه رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي في تلك الأمكنة. وعن نافع عن ابن عمر أنّه كان يصلّي
في تلك الأمكنة.
فالراجع إلى
الصحاح والسنن يجد كثيراً من لدة هذه يعلم بها أنّ رأي الخليفة إنّما يخصّ به ولا
يُتّبع ولم يُتّبع ولن يُتّبع.
ـ ٤٦ ـ
الخليفة وقوم من أحبار اليهود
لمّا ولي أمير المؤمنين
عمر بن الخطّاب رضى الله عنه الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود فقالوا : يا عمر
أنت وليّ الأمر بعد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحبه ، وإنّا نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها
علمنا أنّ الإسلام حقّ وأنّ محمداً كان نبيّا ، وإن لم تخبرنا به علمنا أنّ
الإسلام باطل وأنّ محمداً لم يكن نبيّا ، فقال : سلوا عمّا بدا لكم ، قالوا :
أخبرنا عن أقفال السموات ما هي؟ وأخبرنا عن مفاتيح السموات ما هي؟ وأخبرنا عن قبر
سار بصاحبه ما هو؟ وأخبرنا عمّن أنذر قومه لا هو من الجنّ ولا هو من
__________________
الإنس؟ وأخبرنا عن
خمسة أشياء مشوا على وجه الأرض ولم يخلقوا في الأرحام؟ وأخبرنا ما يقول الدرّاج في
صياحه؟ وما يقول الديك في صراخه؟ وما يقول الفرس في صهيله؟ وما يقول الضفدع في
نقيقه؟ وما يقول الحمار في نهيقه؟ وما يقول القنبر في صفيره؟
قال : فنكّس عمر
رأسه في الأرض ثمّ قال : لا عيب بعمر إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول : لا أعلم ،
وأن يُسأل عمّا لا يعلم. فوثبت اليهود وقالوا : نشهد أنّ محمداً لم يكن نبيّا وأنّ
الإسلام باطل ، فوثب سلمان الفارسي وقال لليهود : قفوا قليلاً ، ثمّ توجّه نحو
عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه حتى دخل عليه فقال : يا أبا الحسن أغِثِ الإسلام.
فقال : «وما ذاك؟» فأخبره الخبر ، فأقبل يرفل في بردة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا نظر إليه عمر وثب قائماً فاعتنقه وقال : يا أبا
الحسن أنت لكلّ معضلة وشدّة تُدعى. فدعا عليّ كرّم الله وجهه اليهود فقال : «سلوا
عمّا بدا لكم فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم علّمني ألف باب من العلم فتشعّب لي من كلّ باب ألف باب» ،
فسألوه عنها. فقال عليّ كرّم الله وجهه : «إنّ لي عليكم شريطة إذا أخبرتكم كما في
توراتكم دخلتم في ديننا وآمنتم» فقالوا : نعم. فقال : «سلوا عن خصلة خصلة».
قالوا : أخبرنا عن
أقفال السموات ما هي؟
قال : «أقفال
السموات الشرك بالله ؛ لأنّ العبد والأَمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما عمل».
قالوا : فأخبرنا
عن مفاتيح السموات ما هي؟
قال : «شهادة أن
لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله». قال : فجعل بعضهم ينظر إلى بعض
ويقولون : صدق الفتى.
قالوا : فأخبرنا
عن قبرٍ سار بصاحبه؟
فقال : «ذلك الحوت
الذي التقم يونس بن متّى فسار به في البحار السبع».
فقالوا : أخبرنا
عمّن أنذر قومه لا هو من الجنّ ولا هو من الإنس؟
قال : «هي نملة
سليمان بن داود قالت : (يا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ».
قالوا : فأخبرنا
عن خمسة مشوا على الأرض ولم يُخلقوا في الأرحام؟
قال : «ذلكم : آدم
، وحواء ، وناقة صالح ، وكبش إبراهيم ، وعصا موسى».
قالوا : فأخبرنا
ما يقول الدرّاج في صياحه؟ قال : «يقول : الرحمن على العرش استوى».
قالوا : فأخبرنا
ما يقول الديك في صراخه؟
قال : «يقول :
اذكروا الله يا غافلين».
قالوا : أخبرنا ما
يقول الفرس في صهيله؟
قال : «يقول إذا
مشى المؤمنون إلى الكافرين للجهاد : اللهمّ انصر عبادك المؤمنين على الكافرين».
قالوا : فأخبرنا
ما يقول الحمار في نهيقه؟
قال : «يقول : لعن
الله العشّار ، وينهق في أعين الشياطين».
قالوا : فأخبرنا
ما يقول الضفدع في نقيقه؟
قال : «يقول :
سبحان ربّي المعبود المسبّح في لجج البحار».
قالوا : فأخبرنا
ما يقول القنبر في صفيره؟
__________________
قال : «يقول :
اللهمّ العن مبغضي محمد وآل محمد».
وكان اليهود ثلاثة
نفر ؛ قال اثنان منهم : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله. ووثب
الحبر الثالث فقال : يا عليّ لقد وقع في قلوب أصحابي ما وقع من الإيمان والتصديق
وقد بقي خصلة واحدة أسألك عنها.
فقال : «سل عمّا
بدا لك».
فقال : أخبرني عن
قوم في أوّل الزمان ماتوا ثلاثمائة وتسع سنين ثمّ أحياهم الله فما كان من قصّتهم؟
قال عليّ رضى الله
عنه : «يا يهوديّ هؤلاء أصحاب الكهف ، وقد أنزل الله على نبيّنا قرآناً فيه قصّتهم
وإن شئت قرأت عليك قصّتهم».
فقال اليهوديّ :
ما أكثر ما قد سمعنا قراءتكم إن كنت عالماً فأخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم ،
وأسماء مدينتهم ، واسم ملكهم ، واسم كلبهم ، واسم جبلهم ، واسم كهفهم ، وقصّتهم من
أوّلها إلى آخرها.
فاحتبى عليّ ببردة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ قال :
«يا أخا العرب
حدّثني حبيبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه كان بأرض روميّة مدينة يقال لها : أفسوس ، ويقال هي :
طرطوس ، وكان اسمها في الجاهليّة : أفسوس ، فلمّا جاء الإسلام سمّوها : طرطوس. قال
: وكان لهم ملك صالح فمات ملكهم وانتشر أمرهم فسمع به ملك من ملوك فارس يقال له :
دقيانوس ، وكان جبّاراً كافراً ، فأقبل في عساكر حتى دخل أفسوس فاتّخذها دار ملكه
وبنى فيها قصراً».
فوثب اليهوديّ
وقال : إن كنت عالماً فصف لي ذلك القصر ومجالسه.
فقال : «يا أخا
اليهود ابتنى فيها قصراً من الرخام طوله فرسخ وعرضه فرسخ واتّخذ فيه أربعة آلاف
أسطوانة من الذهب وألف قنديل من الذهب لها سلاسل من
اللجين تسرج في
كلّ ليلة بالأدهان الطيّبة ، واتّخذ لشرقي المجلس مائة وثمانين كوّة ولغربيّه كذلك
، وكانت الشمس من حين تطلع إلى حين تغيب تدور في المجلس كيفما دارت ، واتّخذ فيه
سريراً من الذهب طوله ثمانون ذراعاً في عرض أربعين ذراعاً مرصّعاً بالجواهر ، ونصب
على يمين السرير ثمانين كرسيّا من الذهب فأجلس عليها بطارقته ، واتّخذ أيضاً
ثمانين كرسيّا من الذهب عن يساره فأجلس عليها هراقلته ، ثمّ جلس هو على السرير
ووضع التاج على رأسه».
فوثب اليهوديّ
وقال : يا عليّ إن كنت عالماً فاخبرني ممّ كان تاجه؟
قال : «يا أخا
اليهود كان تاجه من الذهب السبيك له تسعة أركان على كلّ ركن لؤلؤة تضيء كما يضيء
المصباح في الليلة الظلماء ، واتّخذ خمسين غلاماً من أبناء البطارقة فمنطقهم
بمناطق من الديباج الأحمر ، وسرولهم بسراويل القزّ الأخضر ، وتوّجهم ودملجهم
وخلخلهم وأعطاهم عمد الذهب وأقامهم على رأسه ، واصطنع ستّة غلمان من أولاد العلماء
وجعلهم وزراءه ، فما يقطع أمراً دونهم وأقام منهم ثلاثةً عن يمينه ، وثلاثةً عن
شماله».
فوثب اليهودي وقال
: يا عليّ إن كنت صادقاً فأخبرني ما كانت أسماء الستّة؟ فقال عليّ كرّم الله وجهه
: «حدّثني حبيبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الذين كانوا عن يمينه أسماؤهم : تمليخا ، ومكسلمينا ،
ومحسلمينا. وأمّا الذين كانوا عن يساره فمرطليوس ، وكشطوس ، وسادنيوس ، وكان
يستشيرهم في جميع أُموره ، وكان إذا جلس كلّ يوم في صحن داره واجتمع الناس عنده
دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من الذهب مملوء من المسك ، وفي يد
الثاني جام من فضّة مملوء من ماء الورد ، وعلى يد الثالث طائر ، فيصيح به فيطير
الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرّغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه ، ثمّ
يصيح به الثاني فيطير فيقع في جام المسك فيتمرّغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه ،
فيصيح به الثالث فيطير فيقع على تاج الملك
فينفض ريشه
وجناحيه على رأس الملك بما فيه من المسك وماء الورد ، فمكث الملك في ملكه ثلاثين
سنة من غير أن يصيبه صداع ولا وجع ولا حمّى ولا لعاب ولا بصاق ولا مخاط ، فلمّا
رأى ذلك من نفسه عتا وطغى وتجبّر واستعصى وادّعى الربوبيّة من دون الله تعالى ودعا
إليه وجوه قومه ، فكلّ من أجابه أعطاه وحباه وكساه وخلع عليه ، ومن لم يجبه
ويتابعه قتله ، فأجابوه بأجمعهم فأقاموا في ملكه زماناً يعبدونه من دون الله تعالى
، فبينما هو ذات يوم جالس في عيدٍ له على سريره والتاج على رأسه إذ أتى بعض
بطارقته فأخبره أنّ عساكر الفرس قد غشيته يريدون قتله ، فاغتمّ لذلك غمّا شديداً
حتى سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سريره ، فنظر أحد فتيته الثلاثة الذين كانوا عن
يمينه إلى ذلك وكان عاقلاً يقال له تمليخا ، فتفكّر وتذكّر في نفسه وقال : لو كان
دقيانوس هذا إلهاً كما يزعم لما حزن ولما كان ينام ولما كان يبول ويتغوّط ، وليست
هذه الأفعال من صفات الإله ، وكانت الفتية الستّة يكونون كلّ يوم عند واحد منهم ،
وكان ذلك اليوم نوبة تمليخا فاجتمعوا عنده فأكلوا وشربوا ولم يأكل تمليخا ولم يشرب
، فقالوا : يا تمليخا ما لك لا تأكل ولا تشرب؟ فقال : يا إخواني قد وقع في قلبي
شيء منعني عن الطعام والشراب والمنام. فقالوا : وما هو يا تمليخا؟ فقال : أطلت
فكري في هذه السماء فقلت : من رفعها سقفاً محفوظاً بلا علاقة من فوقها ولا دعامة
من تحتها؟ ومن أجرى فيها شمسها وقمرها؟ ومن زيّنها بالنجوم؟ ثمّ أطلت فكري في هذه
الأرض ؛ من سطحها على ظهر اليمّ الزاخر؟ ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسي لئلاّ
تميد؟ ثمّ أطلت فكري في نفسي فقلت : من أخرجني جنيناً من بطن أُمّي؟ ومن غذّاني
وربّاني؟ إنّ لهذا صانعاً ومدبّراً سوى دقيانوس الملك ، فانكبّت الفتية على رجليه
يقبّلونهما وقالوا : يا تمليخا لقد وقع في قلوبنا ما وقع في قلبك ، فأشر علينا.
فقال : يا إخواني ما أجد لي ولكم حيلة إلاّ الهرب من هذا الجبّار إلى ملك السموات
والأرض. فقالوا : الرأي ما رأيت ، فوثب تمليخا فابتاع تمراً بثلاثة دراهم وصرّها
في ردائه وركبوا خيولهم وخرجوا ، فلمّا ساروا قدر ثلاثة أميال من المدينة
قال لهم تمليخا :
يا إخوتاه! قد ذهب عنّا ملك الدنيا وزال عنّا أمره ، فانزلوا عن خيولكم وامشوا على
أرجلكم لعلّ الله يجعل من أمركم فرجاً ومخرجاً. فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم
سبع فراسخ حتى صارت أرجلهم تقطر دماً لأنّهم لم يعتادوا المشي على أقدامهم ،
فاستقبلهم رجل راعٍ فقالوا : أيّها الراعي أعندك شربة ماء أو لبن؟ فقال : عندي ما
تحبّون ولكنّي أرى وجوهكم وجوه الملوك وما أظنّكم إلاّ هِراباً فأخبروني بقصّتكم.
فقالوا : يا هذا إنّا دخلنا في دين لا يحلّ لنا الكذب أفينجينا الصدق؟ قال : نعم.
فأخبروه بقصّتهم فانكبّ الراعي على أرجلهم يقبّلها ويقول : قد وقع في قلبي ما وقع
في قلوبكم فقفوا لي هاهنا حتى أردّ الأغنام إلى أربابها وأعود إليكم. فوقفوا له
حتى ردّها وأقبل يسعى فتبعه كلب له».
فوثب اليهوديّ
قائماً وقال : يا عليّ إن كنت عالماً فأخبرني ما كان لون الكلب واسمه؟
فقال : «يا أخا
اليهود حدّثني حبيبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الكلب كان أبلق بسواد وكان اسمه قطمير ، قال : فلمّا
نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض : إنّا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنبيحه
فألحّوا عليه طرداً بالحجارة ، فلمّا نظر إليهم الكلب وقد ألحّوا عليه بالحجارة
والطرد أقعى على رجليه وتمطّى وقال بلسان طلق ذلق : يا قوم لم تطردونني وأنا أشهد
أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، دعوني أحرسكم من عدوّكم وأتقرّب بذلك إلى
الله سبحانه وتعالى. فتركوه ومضوا ، فصعد بهم الراعي جبلاً وانحطّ بهم على كهف».
فوثب اليهودي وقال
: يا عليّ ما اسم ذلك الجبل؟ وما اسم الكهف؟
قال أمير المؤمنين
: «يا أخا اليهود اسم الجبل : ناجلوس ، واسم الكهف : الوصيد. وقيل : خيرم. قال :
وإذا بفناء الكهف أشجار مثمرة وعين غزيرة ، فأكلوا من الثمار وشربوا من الماء
وجنّهم الليل فآووا إلى الكهف وربض الكلب على باب الكهف
ومدّ يديه عليه ،
وأمر الله ملك الموت بقبض أرواحهم ، ووكّل الله تعالى بكلّ رجل منهم ملكين
يقلّبانه من ذات اليمين إلى ذات الشمال ، ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين ، قال :
وأوحى الله تعالى إلى الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين إذا طلعت ، وإذا غربت
تقرضهم ذات الشمال ، فلمّا رجع الملك ـ دقيانوس ـ من عيده سأل عن الفتية فقيل له :
إنّهم اتّخذوا إلهاً غيرك وخرجوا هاربين منك ، فركب في ثمانين ألف فارس وجعل يقفو
آثارهم حتى صعد الجبل وشارف الكهف ، فنظر إليهم مضطجعين فظنّ أنّهم نيام ، فقال
لأصحابه : لو أردت أن أُعاقبهم بشيء ما عاقبتهم بأكثر ممّا عاقبوا به أنفسهم
فآتوني بالبنّائين ، فأُتي بهم فردموا عليهم باب الكهف بالجبس والحجارة ثمّ قال
لأصحابه : قولوا لهم يقولوا لإلههم الذي في السماء إن كانوا صادقين يخرجهم من هذا
الموضع. فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فنفخ الله فيهم الروح وهمّوا من رقدتهم لمّا
بزغت الشمس ، فقال بعضهم لبعض : لقد غفلنا هذه الليلة عن عبادة الله تعالى ، قوموا
بنا إلى العين ، فإذا بالعين قد غارت والأشجار قد جفّت ، فقال بعضهم لبعض : إنّا
من أمرنا هذا لفي عجب ، مثل هذه العين قد غارت في ليلة واحدة ، ومثل هذه الأشجار
قد جفّت في ليلة واحدة ، فألقى الله عليهم الجوع ، فقالوا : أيّكم يذهب بورقكم هذه
إلى المدينة فليأتنا بطعام منها ، ولينظر أن لا يكون من الطعام الذي يعجن بشحم
الخنازير ، وذلك قوله تعالى : (فَابْعَثُوا
أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى
طَعاماً) أي أحلّ وأجود وأطيب ، فقال لهم تمليخا : يا إخوتي لا
يأتيكم أحد بالطعام غيري ولكن أيّها الراعي ادفع لي ثيابك وخذ ثيابي. فلبس ثياب
الراعي ومرّ ، وكان يمرّ بمواضع لا يعرفها وطريق ينكرها حتى أتى باب المدينة ،
فإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه : لا إله إلاّ الله عيسى روح الله صلّى الله على
نبيّنا وعليه وسلّم ، فطفق الفتى ينظر إليه ويمسح عينيه ويقول : أراني نائماً.
فلمّا طال عليه ذلك
__________________
دخل المدينة فمرّ
بأقوام يقرءون الإنجيل ، واستقبله أقوام لا يعرفهم حتى انتهى إلى السوق فإذا هو
بخبّاز ، فقال له : يا خبّاز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال : أفسوس. قال : وما اسم
ملككم؟ قال : عبد الرحمن. قال تمليخا : إن كنت صادقاً فإنّ أمري عجيب ادفع إليّ
بهذه الدراهم طعاماً ، وكانت دراهم ذلك الزمان الأوّل ثقالاً كباراً فعجب الخبّاز
من تلك الدراهم».
فوثب اليهودي وقال
: يا عليّ إن كنت عالماً فأخبرني كم كان وزن الدرهم منها؟
فقال : «يا أخا
اليهود : أخبرني حبيبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وزن كلّ درهم عشرة دراهم وثلثا درهم. فقال له الخبّاز : يا
هذا إنّك قد أصبت كنزاً فأعطني بعضه وإلاّ ذهبت بك إلى الملك. فقال تمليخا : ما
أصبت كنزاً وإنّما هذا من ثمن تمر بعته بثلاثة دراهم منذ ثلاثة أيّام وقد خرجت من
هذه المدينة وهم يعبدون دقيانوس الملك. فغضب الخبّاز وقال : ألا ترضى أن أصبت
كنزاً أن تعطيني بعضه حتى تذكر رجلاً جبّاراً كان يدّعي الربوبيّة قد مات منذ
ثلاثمائة سنة وتسخر بي ، ثمّ أمسكه واجتمع الناس ، ثمّ إنّهم أتوا به إلى الملك
وكان عاقلاً عادلاً ، فقال لهم : ما قصّة هذا الفتى؟ قالوا : أصاب كنزاً. فقال له
الملك : لا تخف فإنّ نبيّنا عيسى عليهالسلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلاّ خمسها فادفع إليّ خمس هذا
الكنز وامضِ سالماً. فقال : أيّها الملك تثبّت في أمري ، ما أصبت كنزاً وإنّما أنا
من أهل هذه المدينة. فقال له : أنت من أهلها؟ قال : نعم. قال : أفتعرف فيها أحداً؟
قال : نعم. قال : فسمّ لنا ، فسمّى له نحواً من ألف رجل فلم يعرفوا منهم رجلاً
واحداً. قالوا : يا هذا ما نعرف هذه الأسماء ، وليست هي من أهل زماننا ، ولكن هل
لك في هذه المدينة دار؟ فقال : نعم أيّها الملك ، فابعث معي أحداً ، فبعث معه
الملك جماعة حتى أتى بهم داراً أرفع دار في المدينة وقال : هذه داري ثمّ قرع الباب
فخرج لهم شيخ كبير قد استرخى حاجباه من الكبر على عينيه وهو
فزع مرعوب مذعور.
فقال : أيّها الناس ما بالكم؟ فقال له رسول الملك : إنّ هذا الغلام يزعم أنّ هذه
الدار داره ، فغضب الشيخ والتفت إلى تمليخا وتبيّنه وقال له : ما اسمك؟ قال :
تمليخا بن فلسين. فقال له الشيخ : أعد عليّ ، فأعاد عليه. فانكبّ الشيخ على يديه
ورجليه يقبّلهما وقال : هذا جدّي وربّ الكعبة وهو أحد الفتية الذين هربوا من
دقيانوس الملك الجبّار إلى جبّار السموات والأرض ، ولقد كان عيسى عليهالسلام أخبرنا بقصّتهم وأنّهم سيُحيون. فأنهي ذلك إلى الملك وأتى إليهم وحضرهم ،
فلمّا رأى الملك تمليخا نزل عن فرسه وحمل تمليخا على عاتقه ، فجعل الناس يقبّلون
يديه ورجليه ويقولون له : يا تمليخا ما فعل بأصحابك؟ فأخبرهم أنّهم في الكهف.
وكانت المدينة قد وليها رجلان ملك مسلم وملك نصراني ، فركبا في أصحابهما وأخذا
تمليخا ، فلمّا صاروا قريباً من الكهف قال لهم تمليخا : يا قوم إنّي أخاف أنّ
إخوتي يحسّون بوقع حوافر الخيل والدواب وصلصلة اللجم والسلاح فيظنّون أنّ دقيانوس
قد غشيهم فيموتون جميعاً ، فقفوا قليلاً حتى أدخل إليهم فأُخبرهم. فوقف الناس ودخل
عليهم تمليخا فوثب إليه الفتية واعتنقوه وقالوا : الحمد لله الذي نجّاك من
دقيانوس. فقال : دعوني منكم ومن دقيانوس كم لبثتم؟ قالوا : لبثنا يوماً أو بعض
يوم. قال : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين ، وقد مات دقيانوس وانقرض قرن بعد قرن
وآمن أهل المدينة بالله العظيم وقد جاءوكم. فقالوا له : يا تمليخا تريد أن تصيّرنا
فتنةً للعالمين؟ قال : فما ذا تريدون؟ قالوا : ارفع يدك ونرفع أيدينا ، فرفعوا
أيديهم وقالوا : اللهمّ بحقّ ما أريتنا من العجائب في أنفسنا إلاّ قبضت أرواحنا
ولم يطّلع علينا أحد. فأمر الله ملك الموت فقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف ،
وأقبل الملكان يطوفان حول الكهف سبعة أيام فلا يجدان له باباً ولا منفذاً ولا
مسلكاً ، فأيقنا حينئذٍ بلطيف صنع الله الكريم ، وأنّ أحوالهم كانت عبرة أراهم
الله إيّاها. فقال المسلم : على ديني ماتوا وأنا أبني على باب الكهف مسجداً. وقال
النصراني : بل ماتوا على ديني فأنا أبني على باب الكهف ديراً. فاقتتل الملكان فغلب
المسلم النصراني فبنى على باب الكهف مسجداً ،
فذلك قوله تعالى :
(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى
أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ، وذلك يا يهوديّ ما كان من قصّتهم».
ثمّ قال عليّ كرّم
الله وجهه لليهودي : «سألتك بالله يا يهودي أوافق هذا ما في توراتكم؟»
فقال اليهودي : ما
زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً يا أبا الحسن ، لا تسمّني يهودياً أشهد أن لا إله إلاّ
الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّك أعلم هذه الأُمّة.
قال
الأميني : هذه هي سيرة أعلم
الأُمّة ، وعند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان. والقصّة ذكرها أبو إسحاق الثعلبي
المتوفّى (٤٢٧ ، ٤٣٧) في كتابه العرائس (ص ٢٣٢ ـ ٢٣٩).
ـ ٤٧ ـ
رأي الخليفة في الزكاة
عن حارثة قال :
جاء ناس من أهل الشام إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقالوا : إنّا قد أصبنا
أموالاً وخيلاً ورقيقاً نحبّ أن يكون لنا فيها زكاة وطهور. قال : ما فعله صاحباي
قبلي فأفعله. واستشار أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وفيهم عليّ رضى الله عنه فقال عليّ : «هو حسن إن لم يكن
جزية راتبة دائبة يؤخذون بها من بعدك».
وعن سليمان بن
يسار : أنّ أهل الشام قالوا لأبي عبيدة الجرّاح رضى الله عنه : خذ من خيلنا
ورقيقنا صدقة ؛ فأبى ، ثمّ كتب إلى عمر بن الخطّاب ؛ فأبى ، فكلّموه أيضاً فكتب
إليه عمر بن الخطّاب : إن أحبّوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم. قال
__________________
مالك : أي ارددها
على فقرائهم .
وقال العسكري في
أولياته ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص ٩٣) : إنّ عمر
أوّل من أخذ زكاة الخيل.
قال
الأميني : ظاهر الرواية
الأُولى أنّ الخليفة لم يكن يعلم بعدم تعلّق الزكاة بالخيل والرقيق ولذا أناط
الحكم بما فعله صاحباه من قبله ، ولم يكن يعلم أيضاً ما فعلاه إلى أن استشار
الصحابة ، فأشار مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام إلى عدم الزكاة ، واستحسن أن يُؤخذ منهم برّا مطلقاً لو لا
أنّه يكون بدعة متّبعة من بعده يؤخذ كجزية ، لكن الخليفة لم يصخ إلى تلك الحكمة
البالغة ، ولا أتّبع من سبقه ، فأمر بأخذها وردّها عليهم أو على فقرائهم.
وما علم في
الرواية الثانية أنّ حبّ صاحب المال لا يثبت حكماً شرعياً ، وقد نبّهه الإمام عليهالسلام بأنّها تكون جزية ، هكذا سبق الخليفة في عمله حتى جاء قوم من بعده وجعلوه
أوّل من أخذ الزكاة على الخيل ، واعتمدوا على عمله فوقع الشجار بينهم وبين من
اتّبع السنّة النبويّة في عدم تعلّق الزكاة بالخيل.
ـ ٤٨ ـ
رأي الخليفة في ليلة القدر
عن عكرمة قال :
قال ابن عبّاس : دعا عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
فسألهم عن ليلة
القدر فأجمعوا على أنّها في العشر الأواخر ، فقلت لعمر : إنّي لأعلم وإنّي لأظنّ
أيّ ليلة هي ، قال : وأيّ ليلة هي؟ قلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر
الأواخر. قال : ومن أين تعلم؟ قال : قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ،
وسبعة أيّام ، وإنّ الدهر يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء
، والطواف سبع ، والجبال سبع ، فقال عمر رضى الله عنه : لقد فطنت لأمر ما فطنّا
له.
عن ابن عبّاس قال
: كنت عند عمر وعنده أصحابه فسألهم فقال : أرأيتم قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ليلة القدر : «التمسوها في العشر الأواخر وتراً» ،
أيّ ليلة ترونها؟
فقال بعضهم : ليلة إحدى. وقال بعضهم : ليلة ثلاث. وقال بعضهم : ليلة خمس. وقال
بعضهم : ليلة سبع. فقالوا وأنا ساكت ، فقال : ما لك لا تتكلّم؟ فقلت : إنّك أمرتني
أن لا أتكلّم حتى يتكلّموا. فقال : ما أرسلت إليك إلاّ لتتكلّم. فقلت : إنّي سمعت
الله يذكر السبع فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ ، وخلق الإنسان من سبع ، ونبت
الأرض سبع ، فقال عمر رضى الله عنه : هذا أخبرتني ما أعلم أرأيت ما لم أعلم قولك :
نبت الأرض سبع. قال : قال الله عزّ وجلّ : (ثُمَّ شَقَقْنَا
الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً *
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً) قال : فالحدائق الغلب الحيطان من النخل والشجر ، وفاكهة
وأبّا ، قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأكله الدوابّ والأنعام ولا يأكله الناس. قال : فقال عمر رضى الله عنه لأصحابه :
أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه؟ والله إنّي لأرى
القول كما قلت .
نعم ؛ لقد عجز
الخليفة أيضاً عن عرفان ما قاله الغلام الذي لم تجتمع شئون
__________________
رأسه ، والأبّ ذلك
الذي أعيا الخليفة ورأى علمه تكلّفاً كما مرّ في الحديث السادس (ص ٩٩) ، وأنا لا
أدري ما ذا قال الغلام؟ ولما ذا راق الخليفة قوله؟
ـ ٤٩ ـ
ضرب الخليفة بالدرّة لغير موجب
أخرج ابن عساكر عن
عكرمة بن خالد قال : دخل ابن لعمر بن الخطّاب عليه وقد ترجّل ولبس ثياباً حساناً ،
فضربه عمر بالدرّة حتى أبكاه ، فقالت له حفصة : لم ضربته؟ قال : رأيته قد أعجبته
نفسه فأحببت أن أُصغّرها إليه .
قال
الأميني : أنا لا أُناقش في
عرفان الخليفة إعجاب نفس ابنه إيّاه وهو خلّة قائمة بالنفس ، ولا أُباحث في
اجتهاده في تعزير الولد ، ولا أبحث عن إمكان ردع الولد عن عجبه ـ مهما سُلّم ـ بطرق
معقولة غير التعزير والضرب بالدرّة ، بل أُسائل الحافظين كيف وسعهما عدّ مثل هذه
القصّة من مناقب الخليفة ومن شواهد سيرته الحسنة؟
وألطف من هذه قصّة
الجارود سيّد ربيعة وقد أخرجه ابن الجوزي ، قال : إنّ عمر كان قاعداً والدرّة معه
والناس حوله ، إذ أقبل الجارود العامري ، فقال رجل : هذا سيّد ربيعة. فسمعها عمر
ومن حوله وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة فقال : ما لي ولك يا أمير
المؤمنين؟ قال : ما لي ولك لقد سمعتها. قال : وسمعتها ، فمه؟ قال : خشيت أن تخالط
القوم ويقال : هذا أمير ـ وفي لفظ : خشيت أن يخالط قلبك منها شيء ـ فأحببت أن
أطأطئ منك .
وأخرج ابن سعد ،
عن سعيد قال : دخل معاوية على عمر بن الخطّاب وعليه
__________________
حلّة خضراء ، فنظر
إليه الصحابة ، فلمّا رأى ذلك عمر قام ومعه الدرّة فجعل ضرباً بمعاوية ، ومعاوية
يقول : الله الله يا أمير المؤمنين فيم فيم؟ فلم يكلّمه حتى رجع فجلس في مجلسه ،
فقالوا له : لم ضربت الفتى؟ وما في قومك مثله. فقال : ما رأيت إلاّ خيراً وما
بلغني إلاّ خير ، ولكنّي رأيته ـ وأشار بيده يعني إلى فوق ـ فأردت أن أضع منه ما
شمخ .
ما عساني أن أقول؟
ما عساني ما عساني؟ ...
ـ ٥٠ ـ
جهل الخليفة بالسنّة المشهورة
أخرج مسلم في
صحيحه عن عبيد بن عمير : أنّ أبا موسى استأذن على عمر ثلاثاً فكأنّه وجده مشغولاً
فرجع ، فقال عمر : ألم تسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له. فدعي به فقال : ما
حملك على ما صنعت؟ قال : إنّا كنّا نُؤمر بهذا. قال : لتقيمنّ على هذا بيّنة أو
لأفعلنّ . فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا : لا يشهد لك على
هذا إلاّ أصغرنا. فقام أبو سعيد فقال : كنّا نُؤمر بهذا. فقال عمر : خفي عليّ هذا
من أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ألهاني عنه الصفق بالأسواق .
وأخرج في صحيح آخر
: قال أُبيّ بن كعب : يا ابن الخطّاب فلا تكوننّ عذاباً
__________________
على أصحاب رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : سبحان الله إنّما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبّت.
وفي لفظ : قال أبو سعيد قلت : أنا أصغر القوم ، قال النووي في شرحه
: فمعناه أنّ هذا حديث مشهور بيننا ، معروف لكبارنا وصغارنا ، حتى إنّ أصغرنا
يحفظه وسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال
الأميني : من لي بمخبر عن
أنّ الذي ألهاه الصفق بالأسواق حتى عن ناموس مشتهر هتف به صاحب الرسالة العظمى ،
وعرفته الصحابة أجمع كباراً وصغاراً ، وعضده الذكر الحكيم كيف يكون أعلم الصحابة
في زمانه على الإطلاق كما زعمه صاحب الوشيعة؟
ثمّ ما الموجب إلى
ذلك الإرهاب لمحض أنّ الرجل روى فيما ارتكبه سنّة؟ وهل التثبّت يستدعي ذلك الوعيد
بالأيمان المغلّظة؟ أو يستحقّ به الراوي أن يُزرى به في الملأ العام؟ أو في مجرّد
التحرّي والطلب مقنع وكفاية؟ وليس على الخليفة أن يكون عذاباً على الأُمّة كما رآه
أُبيّ.
ـ ٥١ ـ
اجتهاد الخليفة في البكاء على الميت
عن ابن عبّاس قال
: لمّا ماتت زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ألحقوها بسلفنا الخيّر عثمان بن مظعون». فبكت النساء ،
فجعل عمر يضربهنّ بسوطه فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يده وقال : «مهلاً يا عمر دعهنّ يبكين ، وإيّاكنّ ونعيق
الشيطان». إلى أن قال : وقعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على شفير القبر
__________________
وفاطمة إلى جنبه
تبكي فجعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها .
مسند أحمد (١ /
٢٣٧ ، ٣٣٥) ، مستدرك الحاكم (٣ / ١٩٠) وصحّحه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك :
سنده صالح ، مسند أبي داود الطيالسي (ص ٣٥١) ، الاستيعاب في ترجمة عثمان بن مظعون (٢
/ ٤٨٢) ، مجمع الزوائد (٣ / ١٧).
وأخرج البيهقي في
السنن الكبرى (٤ / ٧٠) عن ابن عبّاس قال : بكت النساء على رقيّة ـ بنت رسول الله ـ
فجعل عمر رضياللهعنه ينهاهنّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مه يا عمر». قال : ثمّ قال : «إيّاكنّ ونعيق الشيطان
فإنّه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة ، وما يكون من اللسان واليد فمن
الشيطان». قال : وجعلت فاطمة تبكي على شفير قبر رقيّة فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يمسح الدموع على وجهها باليد. أو قال : بالثوب.
وأخرج النسائي وابن ماجة عن أبي هريرة أنّه قال : مات ميت في آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ ،
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعهنّ يا عمر فإنّ العين دامعة ، والقلب مصاب ، والعهد
قريب» .
قال
الأميني : لا أدري ما الذي
حدا عمر إلى التسرّع إلى ضرب تلكم النسوة الباكيات وصاحب الشريعة ينظر إليهنّ من
كثب ، ولو كان بكاؤهن محظوراً كان هو الأولى بالمنع والردّ ، ومن أين علم الحظر في
بكائهنّ ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخالفه؟ وهلاّ
__________________
راجعه في أمرهنّ
لمّا همّ بهنّ تأدّباً ، وما هذه الفظاظة الدافعة له إلى ما فعل؟ وكيف مدّ يده الى
تلكم النسوة حتى أخذ بها النبيّ الأعظم ودافع عنهنّ؟ والمجتمِعات هناك بطبع الحال
حامة رسول الله وذوات رحمه ونسوته ، غير أنّي لا أعلم أنّ الصدّيقة فاطمة التي
كانت من الباكيات في ذلك اليوم هل كانت بين تلكم النسوة المضروبات أو لا؟ وعلى أيّ
فقد جلست إلى أبيها وهي باكية.
وكانت للخليفة في
حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمرأى منه ومشهد مواقف لدة هذه لم يصب فيها قطّ ، ومنها ما
حدّث به سلمة بن الأزرق أنّه كان جالساً عند ابن عمر بالسوق فمرّ بجنازة يُبكى
عليها. قال : فعاب ذلك ابن عمر وانتهرهنّ ، قال : فقال سلمة : لا تقل ذلك يا أبا
عبد الرحمن فأشهد على أبي هريرة سمعته يقول : مُرّ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بجنازة وأنا معه
ومعه عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ونساء يبكين عليها فزبرهنّ عمر وانتهرهنّ ، فقال
له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعهنّ يا عمر فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد
حديث». قالوا : أنت سمعته يقول هذا؟ قال : نعم ، قال ابن عمر : فالله ورسوله أعلم.
مرّتين .
وأخرج الحاكم بإسنادٍ صحّحه ، وأقرّه الذهبي ، عن أبي هريرة قال : خرج
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على جنازة ومعه عمر بن الخطّاب فسمع نساء يبكين فزبرهنّ
عمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا عمر دعهنّ فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد
قريب».
وعن أبي هريرة :
أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأةً فصاح بها ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعها يا عمر ، فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ،
والعهد قريب» .
__________________
وعن عمرو بن
الأزرق قال : توفّي بعض كنائن مروان ، فشهدها الناس وشهدها أبو هريرة ومعها نساء
يبكين ، فأمرهنّ مروان بالسكوت ، فقال أبو هريرة : دعهنّ فإنّه مرّ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جنازة معها بواكٍ فنهرهنّ عمر رحمهالله ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعهنّ فإنّ النفس مصابة ، والعين دامعة ، والعهد حديث».
مسند أحمد (٢ / ٣٣٣)
وقال أبو هريرة :
أبصر عمر امرأةً تبكي على قبر فزبرها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعها يا أبا حفص فإنّ العين باكية ، والنفس مصابة ،
والعهد قريب» .
وينبئنا التاريخ
عن أنّ الخليفة لم تُجدِه تلكم النصوص وبقي على اجتهاده والسوط بيده يردع به ويزجر
مستنداً إلى ما اختلقته يد الإفك على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا يخالف العقل والعدل والطبيعة من أنّه قال : «إنّ
الميّت يعذّب ببكاء الحيّ».
قال سعيد بن
المسيّب : لمّا مات أبو بكر بُكي عليه ، فقال عمر : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ». فأبوا إلاّ أن
يبكوا ، فقال عمر لهشام بن الوليد : قم فأخرج النساء. فقالت عائشة : أُخرجك. فقال
عمر : أدخل ، فقد أذنت لك. فدخل فقالت عائشة : أمخرجي أنت يا بنيّ؟ فقال : أمّا لك
فقد أذنت لك. فجعل يخرجهنّ امرأة امرأة ، وهو يضربهنّ بالدرّة حتى خرجت أُمّ فروة
وفرّق بينهنّ .
وقال ابن أبي
الحديد في شرح النهج (١ / ٦٠) : إنّ
أوّل من ضرب عمر
__________________
بالدرّة أُمّ فروة بنت أبي قحافة ـ حين مات أبو بكر.
كيف صفحت عائشة عن
قول النبيّ ـ إن صحّ به النبأ ـ ولم تقبله من الخليفة؟ ولما ذا سمح الخليفة لعائشة
بإذن البكاء على أبيها دون غيرها ورفع اليد عن تعميم ذلك الحكم الباتّ؟ ولما ذا
أبت الصحابة إلاّ أن يبكوا على أبي بكر بعد نهي الخليفة؟ ولما ذا رضوا بأن يعذّب
فقيدهم ببكائهم؟ ولما ذا حكمت الدرّة في النساء امرأة امرأة بالضرب وعفت عن الرجال؟
إن هي إلاّ مشكلات غير أنّها لا تخفى على الباحث النابه.
ومن مواقف تلك
الدرّة القاضية على الباكيات ما أخرجه الحافظ عبد الرزّاق عن عمرو بن دينار قال : لمّا مات خالد بن الوليد اجتمع في
بيت ميمونة نساء يبكين فجاء عمر ... فكان يضربهنّ بالدرّة فسقط خمار امرأة منهنّ
فقالوا : يا أمير المؤمنين خمارها. فقال : دعوها فلا حرمة لها. وكان يعجب من قوله
: لا حرمة لها .
ونحن أيضاً نتعجّب
من قوله : لا حرمة لها. وسيرة الخليفة حقّا جلّها معجبات قولاً وفعلاً لو لم يكن
كلّها.
وأماحديث عمر :
إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ ؛ فقد كذّبته عائشة فيما أخرجه الحاكم في المستدرك (١ / ٣٨١) وقال :
اتّفق الشيخان على إخراج حديث أيّوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة مناظرة
عبد الله بن عمر وعبد الله بن العبّاس في البكاء على الميّت ورجوعهما فيه إلى أُمّ
المؤمنين عائشة وقولها : والله ما قال
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الميّت يعذّب ببكاء أحد ، ولكنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ الكافر يزيده عند الله بكاء أهله عذاباً شديداً
، وإنّ الله هو أضحك وأبكى ، ولا تزر وازرة وزر أُخرى.
صورة مفصّلة :
قال عبد الله بن
أبي مليكة : توفّيت ابنة ـ هي أُمّ أبان ـ لعثمان رضى الله عنه بمكّة وجئنا
لنشهدها ، قال : وحضرها ابن عمر وابن عبّاس وإنّي لجالس بينهما ، فقال عبد الله بن
عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى النساء عن البكاء ؟ فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه. فقال ابن عباس :
قد كان عمر رضياللهعنه يقول بعض ذلك ، ثمّ حدّث قال : صدرت مع عمر من مكة حتى
كنّا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظلّ سمرة ، فقال : اذهب وانظر إلى هؤلاء الركب ،
قال : فنظرت فإذا هو صهيب فأخبرته قال : ادعه لي. فرجعت إلى صهيب فقلت : ارتحل
فالحق أمير المؤمنين ، فلمّا أُصيب عمر دخل صهيب يبكي ، يقول : وا أخاه! وا صاحباه!
فقال عمر رضياللهعنه : يا صهيب تبكي عَليّ وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الميّت ليعذّب ببعض بكاء أهله عليه؟
قال ابن عباس :
فلمّا مات عمر رضى الله عنه ذكرت ذلك لعائشة ، فقالت : رحم الله عمر ، والله ما
حدّث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّ الله يعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه. قال :
وقالت عائشة : حسبكم القرآن (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى) . قال : وقال ابن عبّاس عند ذلك :
__________________
والله أضحك وأبكى.
قال ابن أبي مليكة : فو الله ما قال ابن عمر شيئاً .
وعن عمرة : أنَّها
سمعت عائشة ، وذكر لها أنّ عبد الله بن عمر يقول : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء الحيّ.
فقالت عائشة : أما إنّه لم يكذب ولكنّه أخطأ أو نسي ، إنّما مرّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على يهوديّة وهي يبكي عليها أهلها فقال : «إنّهم ليبكون
عليها وإنّها لتعذّب في قبرها».
وفي لفظ مسلم :
رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئاً فلم يحفظه.
وفي لفظ أبي عمر :
وهم أبو عبد الرحمن أو أخطأ أو نسي .
وعن عروة ، عن عبد
الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه ، فذكر ذلك لعائشة ،
فقالت وهي تعني ابن عمر : إنّما مرّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على قبر يهوديّ فقال : «إنّ صاحب هذا ليعذّب وأهله يبكون
عليه» ثمّ قرأت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) .
وعن القاسم بن
محمد قال : لمّا بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت : إنّكم لتحدّثون عن غير كاذبين
ولا مكذوبين ولكنّ السمع يخطئ .
__________________
وقال الشافعي في
اختلاف الحديث : وما روت عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أشبه أن يكون محفوظاً عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بدلالة الكتاب ثمّ السنّة. فإن قيل : فأين دلالة الكتاب؟
قيل : في قوله عزّ وجلّ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى). (وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى) . وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ) . وقوله : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ
بِما تَسْعى) .
وعمرة أحفظ عن
عائشة من ابن أبي مليكة ، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظاً ، فإن كان الحديث
على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي : «إنّهم ليبكون عليها وإنّها لتعذّب
في قبرها». فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لأنّها تعذّب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا
يدرون ما هي فيه ، وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لأنّ على
الكافر عذاباً أعلى ، فإن عذّب بدونه فزيد في عذابه فبما استوجب ، وما ينل من كافر
من عذابٍ أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في
بكائه عليه.
فإن قيل : يزيده
عذاباً ببكاء أهله عليه. قيل : يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤهم سبباً لا أنّه
يعذّب ببكائهم.
فإن قيل : أين
دلالة السنّة؟ قيل : قال رسول الله لرجل : «ابنك هذا؟» قال : نعم. قال : «أما إنّه
لا يجني عليك ولا تجني عليه». فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أنّ جناية كلّ
امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه.
ويكذّب الخليفة
بكاؤه على النعمان بن مقرن لمّا جاءه نعيه ، فخرج ونعاه إلى
__________________
الناس على المنبر
ووضع يده على رأسه يبكي . ويكذّبه وقوفه على قبر شيخ واعتناقه إيّاه وبكائه عليه . وكم وكم له من مواقف لدة ما ذُكر.
وقبل هذه كلّها
بكاء النبيّ الأقدس والصحابة والتابعين لهم بإحسان على موتاهم ؛ فهذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي على ولده العزيز ـ إبراهيم ـ ويقول : «العين تدمع ،
والقلب يحزن ، ولا نقول إلاّ ما يُرضي ربّنا ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون» .
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي على ابنه طاهر ويقول : «إنّ العين تذرف ، وإنّ الدمع
يغلب ، وإنّ القلب يحزن ، ولا نعصي الله عزّ وجلّ» .
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا أُصيب حمزة رضى الله عنه وجاءت صفيّة بنت عبد المطّلب
رضى الله عنه تطلبه فحالت بينها وبينه الانصار ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعوها» ، فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإذا نشجتْ نشج ، وكانت فاطمة عليهاالسلام تبكي ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّما بكت يبكي وقال : «لن أصاب بمثلك أبداً» .
ولمّا رجع رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أحد بكت نساء الأنصار على شهدائهم ، فبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «لكن حمزة لا بواكي له» ، فرجعت الأنصار فقلن
لنسائهم : لا تبكين أحداً حتى تبدأن بحمزة. قال : فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين
ميّتاً إلاّ بدأن بحمزة .
__________________
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم ينعى جعفراً وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وعيناه
تذرفان .
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم زار قبر أُمّه وبكى عليها وأبكى من حوله .
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم يقبّل عثمان بن مظعون وهو ميّت ودموعه تسيل على خدّه .
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي على ابن لبعض بناته ، فقال له عبادة بن الصامت : ما
هذا يا رسول الله؟ قال : «الرحمة التي جعلها الله في بني آدم وإنّما يرحم الله من
عباده الرحماء» .
وهذه الصدّيقة
الطاهرة تبكي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقول : «يا أبتاه من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه أجاب ربّا
دعاه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه»
وهذه هي سلام الله
عليها وقفت على قبر أبيها الطاهر وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينها وبكت
وأنشأت تقول :
ما ذا على من
شمّ تربةَ أحمدٍ
|
|
أن لا يشمّ مدى
الزمانِ غواليا
|
__________________
صُبّت عليّ
مصائبٌ لو أنّها
|
|
صُبّت على
الأيّامِ صرنَ لياليا
|
وهذا أبو بكر بن أبي
قحافة يبكي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويرثيه بقوله :
يا عينُ فابكي
ولا تسأمي
|
|
وحقَّ البكاءُ
على السيّدِ
|
وهذا حسّان بن
ثابت يبكيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول :
ظللت بها أبكي
الرسول فأسعدت
|
|
عيون ومثلاها من
الجفن أسعدُ
|
ويقول :
يبكّون من تبكي
السمواتُ يومَه
|
|
ومن قد بكتهُ
الأرضُ فالناسُ أكمدُ
|
ويقول :
يا عينُ جودي
بدمعٍ منك إسبالِ
|
|
ولا تملِّنّ من
سحٍّ وإعوالِ
|
وهذه أروى بنت عبد
المطّلب تبكي عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم وترثيه بقولها :
ألا يا عينُ
ويحك أسعديني
|
|
بدمعِكِ ما
بقيتِ وطاوعيني
|
ألا يا عينُ
ويحك واستهلّي
|
|
على نورِ
البلادِ وأسعديني
|
وهذه عاتكة بنت
عبد المطّلب ترثيه وتقول :
عينيّ جودا
طوالَ الدهرِ وانهمرا
|
|
سكباً وسحّا
بدمعٍ غير تعذير
|
يا عينُ
فاسحنفري بالدمع واحتفلي
|
|
حتى الممات
بسجلٍ غير منزور
|
يا عينُ فانهملي
بالدمعِ واجتهدي
|
|
للمصطفى دون
خلقِ اللهِ بالنور
|
وهذه صفيّة بنت
عبد المطّلب تبكي عليه وترثيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقول :
أفاطمُ بَكّي
ولا تسأمي
|
|
بصُبحِك ما طلعَ
الكوكبُ
|
__________________
هو المرء يُبكى
وحقَّ البكاءُ
|
|
هو الماجدُ
السيّدُ الطيّبُ
|
وتقول :
أعينيّ جودا
بدمعٍ سجم
|
|
يبادر غرباً بما
منهدم
|
أعينيّ فاسحنفرا
واسكبا
|
|
بوجدٍ وحزنٍ
شديدِ الألم
|
وهذه هند بنت
الحارث بن عبد المطّلب تبكي عليه وترثيه وتقول :
يا عينُ جودي
بدمعٍ منك وابتدري
|
|
كما تنزّل ماءُ
الغيثِ فانثعبا
|
وهذه هند بنت
أثاثة ترثيه وتقول :
ألا يا عين بكّي
لا تملّي
|
|
فقد بكر النعيُّ
بمن هويتِ
|
وهذه عاتكة بنت
زيد ترثيه وتقول :
وأمست مراكبه
أوحشت
|
|
وقد كان يركبها
زينها
|
وأمست تُبكّي
على سيّدٍ
|
|
تردّد عبرتها عينها
|
وهذه أُمّ أيمن
ترثيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقول :
عينُ جودي فإنّ
بذلك للدم
|
|
عِ شفاءً فأكثري
من بكاء
|
بدموعٍ غزيرةٍ
منك حتى
|
|
يقضيَ اللهُ فيك
خيرَ القضاء
|
وهذه عمّة جابر بن
عبد الله جاءت يوم أُحد تبكي على أخيها عبد الله بن عمرو ، قال جابر : فجعلت أبكي
وجعل القوم ينهونني ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينهاني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إبكوه أو لا تبكوه فو الله ما زالت الملائكة تظلّله
بأجنحتها
__________________
حتى دفنتموه».
الاستيعاب في ترجمة عبد الله (١ / ٣٦٨).
هذه سنّة النبيّ
الأعظم المتّبعة بين الصحابة يعارضها حديث الخليفة : إنّ الميّت يعذّب ببكاء
الحيّ. فالقول به يخصّ به وبابنه عبد الله ، فالحقّ أحقّ أن يُتّبع.
ـ ٥٢ ـ
اجتهاد الخليفة في الأُضحية
عن حذيفة بن أُسيد
قال : رأيت أبا بكر وعمر وما يضحّيان عن أهلهما خشية ـ مخافة ـ أن يستنّ بهما ،
فحملني أهلي على الجفاء بعد أن علمت السنّة حتى إنّي لأُضحّي عن كلّ.
أخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (٩ / ٢٦٥) ، والطبراني في الكبير ، والهيثمي في المجمع (٤ / ١٨) من طريق الطبراني وقال :
رجاله رجال الصحيح ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٣ / ٤٥) نقلاً عن
ابن أبي الدنيا في الأضاحي ، والحاكم في الكنى ، وأبي بكر عبد الله بن محمد
النيسابوري في الزيادات ثمّ قال : قال ابن كثير : إسناده صحيح.
وقال الشافعي في
كتاب الأُمّ (٢ / ١٨٩) : قد
بلغنا أنّ أبا بكر وعمر رضى الله عنه كانا لا يضحّيان كراهية أن يقتدى بهما فيظنّ
من رآهما أنّها واجبة.
__________________
وفي مختصر المزني
ـ هامش كتاب الأُمّ ـ (٥ / ٢١٠) : قال الشافعي : بلغنا أنّ أبا بكر وعمر رضى
الله عنه كانا لا يضحّيان كراهية أن يُرى أنّها واجبة.
وعن الشعبي : أنّ
أبا بكر وعمر شهدا الموسم فلم يضحّياكنز العمّال (٣ / ٤٥).
قال
الأميني : هل وقف الرجلان
على شيء من الحكمة لم يقف عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فضحّى وأمر بها وحضّ عليها وأكّد وتركها سنّة متّبعة ،
وخفي عليه ما عرفاه من اتّخاذ الأمّة ذلك من الطقوس الواجبة؟ أو أنّ الرجلين كانا
أشفق على الأمّة منه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأحبّا أن لا يبهضاها بنفقة الأضاحي؟ أو أنّهما خشيا أن
يكون ذلك بدعة في الدين بظنّ الوجوب؟ لكنّه حجّة داحضة ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين فعل وأمر كان ذلك مشفوعاً ببيان عدم وجوبه ، وعرفت ذلك
منه الصحابة ، وعلى هذا كان عملهم وتلقّاه منهم التابعون وهلمّ جرّا إلى يومنا
الحاضر ، ولو كان ما حسباه مطّرداً لزم ترك المستحبّات كلّها ، ثمّ إنّ احتمال
مزعمة الوجوب كان أولى أن ينشأ من فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقوله ، فإنّ السنّة سنّته ، والدين ما صدع به ، لكنّه لم
ينشأ لما شفعه من البيان ، فهلاّ فعلا كما فعل وهما خليفتاه؟
والعجب العجاب أنّ
الخليفة الثاني هاهنا ينقض السنّة الثابتة للصادع الكريم خشية ظنّ الأمّة الوجوب ،
ويسنّ لها ما لا أصل له في الدين كزكاة الخيل وصلاة التراويح ، إلى أحداث أخرى
كثيرة ، وهو في ذلك كلّه لا يخشى ولا يكترث ولا يبالي.
ـ ٥٣ ـ
الخليفة في إرث الزوجة من الدية
عن سعيد بن
المسيّب : أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه كان يقول : الدية للعاقلة
__________________
ولا ترث المرأة من
دية زوجها شيئاً ، حتى أخبره الضحّاك بن سفيان أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كتب إليه أن يورّث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه
عمر رضى الله عنه.
وفي لفظ آخر :
إنّ عمر بن
الخطّاب قال : ما أرى الدية إلاّ للعصبة لأنّهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم من
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك شيئاً؟ فقال الضحّاك الكلابي ـ وكان استعمله رسول
الله على الأعراب ـ : كتب إليّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أُورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فأخذ بذلك
عمر بن الخطّاب رضى الله عنه .
قال الأميني :
كأنّ الخليفة كان غافلاً عن إحدى ثلاث أو عنها جمعاء :
١ ـ الآية الكريمة
من القرآن ، وهي قوله تعالى : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلى أَهْلِهِ) . والزّوجة من الأهل بنصّ قوله تعالى : (لَنُنَجِّيَنَّهُ
وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ) .
وقوله تعالى : (إِنَّا
مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) .
وقوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ
وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ) ، والاستثناء في المقامات يدلّ على دخولها فيما خرجت منه
به ، وعرف الجميع أنّ الاستثناء متّصلٌ لا محالة كما نصّ عليه ابن حجر في فتح
الباري.
__________________
وقوله تعالى عن
زليخا زوجة عزيز مصر : (ما جَزاءُ مَنْ
أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً)
وقوله تعالى : (إِذْ
قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً). سورة النمل : ٧.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا
قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ
لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً). القصص : ٢٩.
وقوله تعالى عن
النبيّ موسى عليهالسلام : (فَقالَ لِأَهْلِهِ
امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً). وما كانت معه عليهالسلام إلاّ زوجته وهي حامل أو أنّها ولدت قبيل ذلك.
٢ ـ السنّة
النبويّة : وهي ما كتبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عامله على الأعراب الضحّاك بن سفيان .
٣ ـ لغة العرب :
وأعظم ما يستفاد منه استقرارها على إطلاق الأهل على الزوجة الآيات الكريمة
المذكورة ثمّ ما مرّ من مكاتبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما جاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنّه أعطى الآهل حظّين والأعزب حظّا ، وقال صفوان بن
عمرو : أعطاني ـ رسول الله ـ حظّين وكان لي أهل ، ثمّ دعا عمّاراً فأعطى له حظّا
واحداً .
ويرى محمد بن
الحسن فيمن أوصى لأهل فلان : أنّ القياس يستدعي حصر الوصيّة إلى زوجاته ، لكنّه
ترك القياس وعمّمها إلى كلّ من كان في عياله .
وقال أبو بكر :
الأهل اسم يقع على الزوجة وعلى جميع من يشتمل عليه منزله ،
__________________
قال الله تعالى : (إِنَّا
مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) .
وفي معاجم اللغة :
الآهل الذي له زوجة وعيال ، وسار بأهله ؛ أي بزوجته وأولاده ، وأهِل الرجل وتأهّل
: تزوّج ، والتأهّل : التزوّج ، وفي الدعاء : آهلك الله في الجنّة إيهالاً ؛ أي
زوّجك فيها . ولئن راجعت معاجم اللغة تزدد وثوقاً بذلك.
إذا عرفت هذا فلا
يذهب عليك أنّ إطلاق الأهل على الزوجة بقرينة إضافته إلى الرجل لا ينافي وجود
معانٍ أخرى له يستعمل فيها بقرائن معيّنة أو صارفة ، فأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه
، ومنه قوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) ، وأهل الأمر ولاته ، وأهل البيت سكّانه ، وأهل المذهب من
يدين به ، ومنه قوله تعالى في قصّة نوح : (إِذْ نادى مِنْ
قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الأنبياء : ٧٦.
زبدة المخض : أنّ موضوع الأهل كلّ ما له صلة من إحدى النواحي بالمضاف
إليه ، فتعيّن المراد القرائن المحتفّة به كما في آية التطهير ، فالمراد بها محمد
وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ، وقد اجتمعوا تحت الكساء
فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ربّه بمنحة القداسة لهم وسمّاهم أهل بيته ، فنزل قوله
تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) . حتى إنّ أُمّ سلمة استأذنته في أن تدخل معهم فأذن لها بعد
نزول الآية ، واستحفته صلىاللهعليهوآلهوسلم عن دخولها في مفاد الآية الكريمة فقال : «إنّك على خير». إيعازاً
إلى قصر هذه المنحة عليهم ، وتفصيل هذه الجملة مذكور في الصحاح والمسانيد.
__________________
ـ ٥٤ ـ
رأي الخليفة في تحقّق البلوغ
عن ابن أبي مليكة
: أنّ عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق فكتب : أن اشبروه فإن وجدتموه ستّة أشبار
فاقطعوه. فشبر فوجد ستّة أشبار تنقص أنملة فترك.
وعن سليمان بن
يسار : أنّ عمر أُتي بغلام سرق ، فأمر به فشُبر ، فوجد ستّة أشبار إلاّ أنملة
فتركه.
أخرجه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، ومسدّد ، وابن المنذر في
الأوسط كما في كنز العمّال (٣ / ١١٦).
قال
الأميني : الذي ثبت من
الشريعة في تحقّق البلوغ هو الاحتلام الثابت بصحيح قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيمن رفع عنه القلم : «والغلام حتى يحتلم» ، أو نبات الشعر
في العانة الثابت بالصحاح ، أو السنّ المحدود كما في صحيحة عبد الله بن عمر ولا رابع لها يُعدّ حدّا مطّرداً ، وأمّا المساحة بالأشبار
فهو من فقه الخليفة ومحدثاته فحسب ، ولعلّه أبصر بمواقع فقاهته.
ـ ٥٥ ـ
تنقيص الخليفة من الحدّ
عن أبي رافع : أنّ
عمر بن الخطّاب أُتي بشارب فقال : لأبعثنّك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة ، فبعث به
إلى مطيع بن الأسود العدوي فقال : إذا أصبحت غداً
__________________
فاضربه الحدّ ،
فجاء عمر وهو يضربه ضرباً شديداً ، فقال : قتلت الرجل كم ضربته؟ قال : ستّين ، قال
: أقصّ عنه بعشرين. قال أبو عبيدة في معناه : يقول اجعل شدّة هذا الضرب قصاصاً
بالعشرين التي بقيت من الحد فلا تضربه إيّاها.
السنن الكبرى (٨ /
٣١٧) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ١٣٣).
قال
الأميني : أُنظر إلى الرجل كيف يتلوّن في الحكم فيضعّف يوماً حدّ
الشارب وهو الأربعون ـ عند القوم ـ فيجلد ثمانين ثمّ يرقّ للمحدود في يوم آخر فينقّص منه عشرين ، ويتلافى
شدّة الكيف بنقيصة الكم بعد تسليم الشارب إلى رجل يعرفه بالشدّة ، والكلّ زائد على
الناموس الإلهيّ الذي جاء به النبيّ الأقدس. وفي الحديث : يؤتى بالرجل الذي ضرب
فوق الحدّ فيقول الله : لم ضربت فوق ما أمرتك؟ فيقول : يا ربّ غضبت لك ، فيقول : أكان
لغضبك أن يكون أشدّ من غضبي؟ ويؤتى بالذي قصّر فيقول : عبدي لم قصّرت؟ فيقول :
رحمته. فيقول : أكان لرحمتك أن تكون أشدّ من رحمتي؟ .
وكم لهذا الحديث
من نظائر أخرجه الحفّاظ ، راجع كنز العمّال (٣ / ١٩٦).
ـ ٥٦ ـ
أبا حسن لا أبقاني الله لشدّة لست لها
عن ابن عبّاس ،
قال : وردت على عمر بن الخطّاب واردة قام منها وقعد وتغيّر وتربّد وجمع لها أصحاب
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فعرضها عليهم وقال : أشيروا عليّ. فقالوا جميعاً : يا أمير
المؤمنين أنت المفزع وأنت المنزع. فغضب عمر وقال : اتّقوا الله وقولوا قولاً
__________________
سديداً يصلح لكم
أعمالكم. فقالوا : يا أمير المؤمنين ما عندنا ممّا تسأل عنه شيء. فقال : أما والله
إنّي لأعرف أبا بجدتها وابن بجدتها ، وأين مفزعها وأين منزعها ، فقالوا : كأنّك
تعني ابن أبي طالب؟ فقال عمر : لله هو ، وهل طفحت حرّة بمثله وأبرعته؟ انهضوا بنا
إليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين أتصير إليه؟ يأتيك. فقال : هيهات هناك شجنة من
بني هاشم ، وشجنة من الرسول ، وأثرة من علم يُؤتى لها ولا يأتي. في بيته يُؤتى
الحكم ، فاعطفوا نحوه. فألفوه في حائط له وهو يقرأ : (أَيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) ويردّدها ويبكي ، فقال عمر لشريح : حدّث أبا حسن بالذي
حدّثتنا به. فقال شريح : كنت في مجلس الحكم ، فأتى هذا الرجل فذكر أنّ رجلاً أودعه
امرأتين حرّة مهيرة وأُم ولد ، فقال له : أنفق عليهما حتى أقدم. فلمّا كان في
هذه الليلة وضعتا جميعاً إحداهما ابناً والأخرى بنتاً ، وكلتاهما تدّعي الابن
وتنتفي من البنت من أجل الميراث ، فقال له : بم قضيت بينهما؟ فقال شريح : لو كان
عندي ما أقضي به بينهما لم آتكم بهما ، فأخذ عليّ تبنةً من الأرض فرفعها فقال :
إنّ القضاء في هذا أيسر من هذه. ثمّ دعا بقدح فقال لإحدى المرأتين : احلبي. فحلبت
، فوزنه. ثمّ قال للأخرى : احلبي. فحلبت ، فوزنه فوجده على النصف من لبن الأُولى ،
فقال لها : خذي أنتِ ابنتكِ ، وقال للأخرى : خذي أنتِ ابنكِ ، ثمّ قال لشريح : أما
علمت أنّ لبن الجارية على النصف من لبن الغلام؟ وأنّ ميراثها نصف ميراثه؟ وأنّ
عقلها نصف عقله؟ وأنّ شهادتها نصف شهادته؟ وأنّ ديتها نصف ديته؟ وهي على النصف في
كلّ شيء. فأعجب به عمر إعجاباً شديداً ثمّ قال : أبا حسن لا أبقاني الله لشدّة لست
لها ولا في بلد لست فيه.
كنز العمّال (٣ / ١٧٩) ، مصباح
الظلام للجرداني (٢ / ٥٦).
__________________
ـ ٥٧ ـ
الخليفة ومولود عجيب
عن سعيد بن جبير ،
قال : أُتي عمر بن الخطّاب بامرأة قد ولدت ولداً له خلقتان بدنان وبطنان وأربعة
أيدٍ ورأسان وفرجان هذا في النصف الأعلى ، وأمّا في الأسفل فله فخذان وساقان
ورجلان مثل سائر الناس ، فطلبت المرأة ميراثها من زوجها وهو أبو ذلك الخلق العجيب
، فدعا عمر بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشاورهم فلم يجيبوا بشيء ، فدعا عليّ بن أبي طالب ، فقال
عليّ : «إنّ هذا أمر يكون له نبأ فاحبسها واحبس ولدها واقبض مالهم وأقم لهم من
يخدمهم وانفق عليهم بالمعروف». ففعل عمر ذلك ثمّ ماتت المرأة وشبّ الخلق وطلب
الميراث فحكم له عليّ بأن يقام له خادم خصيّ يخدم فرجيه ويتولّى منه ما يتولّى
الأُمّهات ما لا يحلّ لأحد سوى الخادم ، ثمّ إنّ أحد البدنين طلب النكاح فبعث عمر
إلى عليّ فقال له : يا أبا الحسن ما تجد في أمر هذين إن اشتهى أحدهما شهوة خالفه
الآخر ، وإن طلب الآخر حاجة طلب الذي يليه ضدّها ، حتى إنّه في ساعتنا هذه طلب
أحدهما الجماع. فقال عليّ : «الله أكبر إنّ الله أحلم وأكرم من أن يُري عبداً أخاه
وهو يجامع أهله ، ولكن علّلوه ثلاثاً فإنّ الله سيقضي قضاءً فيه ما طلب هذا عند
الموت» ، فعاش بعدها ثلاثة أيّام ومات ، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشاورهم فيه ، قال بعضهم : اقطعه حتى يبين الحيّ من الميّت
وتكفنه وتدفنه ، فقال عمر : إنّ هذا الذي أشرتم لعجب أن نقتل حيّا لحال ميّت ،
وضجّ الجسد الحيّ فقال : الله حسبكم تقتلوني وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ
محمداً رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقرأ القرآن ، فبعث إلى عليّ فقال : يا أبا الحسن احكم
فيما بين هذين الخلقين. فقال عليّ : «الأمر فيه أوضح من ذلك وأسهل وأيسر ، الحكم
أن تغسلوه وتكفّنوه وتدعوه مع ابن أُمّه يحمله الخادم إذا مشى فيعاون عليه أخاه ،
فإذا كان بعد ثلاث جفّ فاقطعوه جافّا ويكون موضعه حيّا
لا يألم ، فإنّي
أعلم أنّ الله لا يبقي الحيّ بعده أكثر من ثلاث يتأذّى برائحة نتنه وجيفته».
ففعلوا ذلك فعاش الآخر ثلاثة أيّام ومات. فقال عمر رضى الله عنه : يا ابن أبي طالب
فما زلت كاشف كلّ شبهة وموضح كلّ حكم. كنز العمّال (٣ / ١٧٩)
ـ ٥٨ ـ
اجتهاد الخليفة في حدّ أَمة
عن يحيى بن حاطب ،
قال : توفّي حاطب فأعتق من صلّى من رقيقه وصام ، وكانت له أَمة نوبيّة قد صلّت
وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلاّ بحبلها وكانت ثيّباً فذهب إلى عمر رضى
الله عنه فحدّثه ، فقال : لأنت الرجل لا تأتي بخير. فأفزعه ذلك ، فأرسل إليها عمر
رضى الله عنه فقال : أحبلت؟ فقالت : نعم من مرغوش بدرهمين. فإذا هي تستهلّ بذلك لا
تكتمه. قال : وصادف عليّا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشيروا عليّ وكان
عثمان رضى الله عنه جالساً فاضطجع ، فقال عليّ وعبد الرحمن : قد وقع عليها الحدّ ،
فقال : أشر عليّ يا عثمان؟ فقال : قد أشار عليك أخواك. قال : أشر عليّ أنت. قال :
أراها تستهلّ به كأنّها لا تعلمه وليس الحدّ إلاّ على من علمه. فقال : صدقت صدقت
والذي نفسي بيده ما الحدّ إلاّ على من علمه. فجلدها عمر مائة وغرّبها عاماً .
وقال الشافعي في
الأُمّ (١ / ١٣٥) : فخالف
عليّا وعبد الرحمن فلم يحدّها حدّها عندهما وهو الرجم ، وخالف عثمان أن لا يحدّها
بحال ، وجلدها مائة وغرّبها عاماً.
__________________
وقال البيهقي في
السنن : قال الشيخ رحمهالله : كان حدّها الرجم ، فكأنّه رضى الله عنه درأ عنها حدّها
للشبهة بالجهالة وجلدها وغرّبها تعزيراً.
قال
الأميني : أنا لا أقول إنّ
الأمر في المسألة دائر بين أمرين ؛ إمّا ثبوت الحدّ وهو الرجم ، وإمّا درؤه
بالشبهة وتخلية الحامل سبيلها ، والقول بالفصل رأي خارج عن نطاق الشرع ، وإنّما
أقول : إنّ ما رآه البيهقي من كون الجلدة والتغريب تعزيراً لا يصحّح الرأي بل يوجب
مزيد الإشكال ؛ إذ ثبت في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلاّ في حدّ من حدود الله» .
وفي صحيح آخر قوله
: «لا يجلد فوق عشرة أسواط فيما دون حدّ من حدود الله» .
وقوله : «لا يحلّ
لأحد أن يضرب أحداً فوق عشرة أسواط إلاّ في حدٍّ من حدود الله» .
وقوله : «لا
تعزّروا فوق عشرة أسواط» .
وقوله : «من بلغ
حدّا في غير حدٍّ فهو من المعتدين» .
وقوله : «لا يضرب
فوق عشرة أسواط إلاّ في حدٍّ من حدود الله» .
__________________
وقوله : «لا عقوبة
فوق عشر ضربات إلاّ في حدٍّ من حدود الله» .
فهل الخليفة قد
خفيت عليه هذه كلّها؟ أو تعمّد في الصفح عنها وجعلها دبر أُذنيه؟
ـ ٥٩ ـ
نهي الخليفة عمّا أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن أبي هريرة ، قال
: كنّا قعوداً حول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعنا أبو بكر وعمر في نفر ، فقام من بين أظهرنا فأبطأ
علينا وخشينا أن يقطع دوننا ، فقمنا وكنت أوّل من فزع ، فخرجت أبتغيه حتى أتيت
حائطاً للأنصار لقوم من بني النجّار فلم أجد له باباً إلاّ ربيعاً ، فدخلت في جوف
الحائط ـ والربيع : الجدول ـ فدخلت منه بعد أن احتفزته ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «أبو هريرة؟» قلت : نعم. قال : «وما شأنك؟» قلت :
كنت بين أظهرنا فقمت وأبطأت فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا وكنت أوّل من فزع ،
فأتيت هذا الحائط فاحتفزته كما يحتفز الثعلب والناس من ورائي ، فقال : «يا أبا
هريرة اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله
مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنة».
فخرجت فكان أوّل
من لقيت عمر فقال : ما هذان النعلان؟ قلت : نعلا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعثني بهما وقال :
من لقيته يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بشّره بالجنّة ، فضرب عمر في
صدري فخررت لاستي وقال : ارجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأجهشت بالبكاء راجعاً ، فقال رسول الله : «ما بالك؟»
قلت : لقيت عمر فأخبرته بما بعثتني به فضرب صدري ضربة خررت لاستي وقال : ارجع إلى
رسول الله ، فخرج رسول الله فإذا عمر فقال : «ما حملك يا عمر على ما فعلت؟» فقال
عمر : أنت بعثت
__________________
أبا هريرة بكذا؟
قال : «نعم» ، قال : فلا تفعل فإنّي أخشى أن يتّكل الناس عليها فيتركوا العمل
خلّهم يعملون ، فقال رسول الله : «فخلّهم» .
قال
الأميني : إنّ التبشير
والإنذار من وظائف النبوّة كتاباً وسنّة واعتباراً وأرسل الله النبيّين مبشّرين
ومنذرين ، وإن كان في التبشير تثبيط عن العمل لكان من واجب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا يبشّر بشيء قطّ وقد بشّر في الكتاب الكريم بمثل قوله
تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ووردت بشارات جمّة في السنّة النبويّة في الترغيب في
الشهادة بالله وذكر لا إله إلاّ الله . وأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم عبد الله بن عمر أن ينادي في الناس : إنّ من شهد أن لا إله
إلاّ الله دخل الجنّة . وأيّ تثبيط هناك ولازم التوحيد الصحيح العمل بكلّ ما
شرّعه الإله الواحد؟ ولا سيّما هتاف الرسالة في كلّ حين يُسمع المستخفّين بالوعيد
المزعج والعذاب الشديد مشفوعاً بعِداته الكريمة لمن يعمل الصالحات ، والجنّة يشتاق
إليه الموحّدون. أخرج أحمد : عن ابن مطرف ، قال : حدّثني الثقة أنّ رجلاً أسود كان
يسأل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التسبيح والتهليل ، فقال عمر بن الخطّاب : مه أكثرت على
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال : مه يا عمر. وأُنزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ). حتى إذا أتى على ذكر الجنّة زفر الأسود زفرةً خرجت نفسه ،
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مات شوقاً إلى الجنّة» .
__________________
وهكذا يجب أن تسير
الأُمّة إلى الله بين خطّتي الخوف والرجاء ، فلا التهديد يدعها تتوانى عن العمل ،
ولا الوعد يأمنها من العقوبة إن تركته ، وهذه هي الطريقة المثلى في إصلاح المجتمع
، والسير بهم في السنن اللاحب ، (سُنَّةَ اللهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) ، غير أنّ الخليفة قد يحسب أنّ خطّته أمثل من هذه ، فانتهر
أبا هريرة حتى خرّ لاسته ، ونهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الدأب على ما قال وأمر به وهو لا ينطق عن الهوى إن هو
إلاّ وحي يوحى.
وليس من المستطاع
أن يُخبت إلى اعتناء النبيّ بهاتيك الهلجة بعد أن صدع بما صدع عن الوحي الإلهي ،
لكن الدوسي يقول : قال : فخلّهم. وأنا لا أدري هل كذب الدوسيّ ، أو أنّ هذا مبلغ
علم الخليفة وأُنموذج عمله؟
ـ ٦٠ ـ
اجتهاد الخليفة في حُلي الكعبة
١ ـ ذكر عند عمر
بن الخطّاب في أيّامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش
المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحليّ؟ فهمّ عمر بذلك وسأل عنه أمير
المؤمنين عليهالسلام ، فقال : «إنّ هذا القرآن أُنزل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في
الفرائض ، والفيء فقسّمه على
__________________
مستحقّيه ، والخمس
فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حُليّ الكعبة فيها
يومئذٍ فتركه الله على حاله ولم يتركه نسياناً ولم يخف عنه مكاناً ، فأقرّه حيث
أقرّه الله ورسوله». فقال له عمر : لولاك لافتضحنا. وترك الحُليّ بحاله.
٢ ـ عن شقيق ، عن
شيبة بن عثمان ، قال : قعد عمر بن الخطّاب رضى الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه
فقال : لا أخرج حتى أقسّم مال الكعبة ـ بين فقراء المسلمين ـ قال : قلت : ما أنت
بفاعل. قال : بلى لأفعلنّ. قال : قلت : ما أنت بفاعل. قال : لم؟ قلت : لأنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد رأى مكانه وأبو بكر رضى الله عنه وهما أحوج منك إلى
المال فلم يخرجاه. فقام فخرج.
لفظ آخر :
قال شقيق : جلست
إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام ؛ فقال لي : جلس إليّ عمر بن الخطّاب رضى الله
عنه مجلسك هذا فقال : لقد هممت أن لا أترك فيها ـ أي في الكعبة ـ صفراء ولا بيضاء
إلاّ قسّمتها. قال شيبة ، فقلت : إنّه كان لك صاحبان فلم يفعلاه : رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبو بكر رضى الله عنه. فقال عمر : هما المرآن أقتدي بهما.
٣ ـ وعن الحسن :
أنّ عمر بن الخطّاب قال : لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء ولا بيضاء إلاّ
قسّمتها ، فقال له أُبيّ بن كعب : والله ما ذاك لك. فقال عمر : لم؟ قال : إنّ الله
قد بيّن موضع كلّ مال وأقرّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال عمر : صدقت.
نحن لا نناقش
الحساب في تعيين الملقّن لحكم القضيّة ، غير أنّ هذه الروايات تُعطينا خُبراً بأنّ
كلّ أُولئك الرجال كانوا أفقه من الخليفة في هذه المسألة ، فأين قول صاحب الوشيعة
: إنّ عمر أفقه الصحابة وأعلمهم في زمنه على الإطلاق؟
ـ ٦١ ـ
اجتهاد الخليفة في طلاق الثلاث
١ ـ عن ابن عبّاس
، قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وسنتين ـ وسنين ـ من خلافة عمر رضى الله عنه طلاق
الثلاث واحدة ، فقال عمر رضى الله عنه : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم
فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم .
مسند أحمد (١ /
٣١٤) ، صحيح مسلم (١ / ٥٧٤) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٦) ، مستدرك الحاكم (٢ / ١٩٦) ،
تفسير القرطبي (٣ / ١٣٠) وصحّحه ، إرشاد الساري (٨ / ١٢٧) ، الدرّ المنثور (١ /
٢٧٩).
٢ ـ عن طاووس ،
قال : إنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : أتعلم أنّما كانت الثلاث تُجعل واحدةً على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر رضى الله عنه وثلاث في إمارة عمر رضى الله عنه؟
قال ابن عبّاس : نعم .
صحيح مسلم (١ /
٥٧٤) ، سنن أبي داود (١ / ٣٤٤) ، أحكام القرآن للجصّاص (١ / ٤٥٩) ، سنن النسائي (٦
/ ١٤٥) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٦) ، الدرّ المنثور (١ / ٢٧٩).
إنّ أبا الصهباء
قال لابن عبّاس : هات من هناتك ، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر رضى الله عنه واحدةً؟ قال : قد كان ذلك ، فلمّا
كان في عهد عمر رضى الله عنه تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم ـ فأجازه عليهم.
__________________
صحيح مسلم (١ / ٥٧٤) ، سنن
البيهقي (٧ / ٣٣٦).
صورة أُخرى :
كان أبو الصهباء
كثير السؤال لابن عبّاس ، قال : أما علمت أنّ الرجل كان إذا طلّق امرأته ثلاثاً
قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر؟ قال ابن عبّاس : بلى ، كان
الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر رضى الله عنه وصدراً من إمارة عمر رضى الله عنه ،
فلمّا رأى الناس قد تتابعوا فيها قال : أجيزوهنّ عليهم .
سنن أبي داود (١ /
٣٤٤) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٩) ، تيسير الوصول (٣ / ١٦٢) ، الدرّ المنثور (١ / ٢٧٩).
٣ ـ أخرج الطحاوي
، من طريق ابن عبّاس انّه قال : لمّا كان زمن عمر رضى الله عنه قال : يا أيّها
الناس قد كان لكم في الطلاق أناة ، وإنّه من تعجّل أناة الله في الطلاق ألزمناه
إيّاه. وذكره العيني في عمدة القاري (٩ / ٥٣٧) وقال :
إسناد صحيح.
٤ ـ عن طاووس ،
قال : قال عمر بن الخطّاب : قد كان لكم في الطلاق أناة فاستعجلتم أناتكم ، وقد
أجزنا عليكم ما استعجلتم من ذلك.
كنز العمّال (٥ / ١٦٢) نقلاً
عن أبي نعيم.
٥ ـ عن الحسن :
أنّ عمر بن الخطّاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل
امرأته ثلاثاً في مجلس أن أجعلها واحدة ، ولكنّ
__________________
أقواماً جعلوا على
أنفسهم فألزِم كلّ نفس ما لزم نفسه ، من قال لامرأته : أنت عليَّ حرام. فهي حرام ،
ومن قال لامرأته : أنت بائنة. فهي بائنة ، ومن طلّق ثلاثاً فهي ثلاث.
كنز العمّال (٥ / ١٦٣) نقلاً
عن أبي نعيم.
قال
الأميني : إنّ من العجب أن
يكون استعجال الناس مسوّغاً لأن يتّخذ الإنسان كتاب الله وراءه ظهريّا ويلزمه بما
رأوا ، هذا الذكر الحكيم يقول بكلّ صراحة : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إلى قوله تعالى :
(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) . فقد أوجب سبحانه تحقيق المرّتين والتحريم بعد الثالث ،
وذلك لا يجامع جمع التطليقات بكلمة ـ ثلاثاً ـ ولا بتكرار صيغة الطلاق ثلاثاً
متعاقبة بلا تخلّل عقدة النكاح بينها.
أمّا الأوّل
فلأنّه طلاق واحد وقول ـ ثلاثاً ـ لا يكرّره ، ألا ترى أنّ الوحدة المأخوذة في
الفاتحة في ركعات الصلاة لا تُكرّر لو شفعها المصلّي بقوله : خمساً أو عشراً ، ولا
يقال : إنّه كرّر السورة وقرأها غير مرّة.
وكذلك كلّ حكم
اعتبر فيه العدد كرمي الجمرات السبع ، فلا يجزي عنه رمي الحصيات مرّة واحدة ،
وكالشهادات الأربع في اللعان لا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله ـ أربعاً.
وكفصول الأذان
المأخوذة فيها التثنية لا يتأتّى التكرار فيها بقراءة واحدة وإردافها بقول ـ مرّتين.
وكتكبيرات صلاة
العيدين الخمس أو السبع المتوالية ـ عند القوم ـ قبل
__________________
القراءة لا تتأتّى بتكبيرة واحدة بعدها قول المصلّي خمساً أو
سبعاً.
وكصلاة التسبيح ؛ وقد أخذ في تسبيحاتها العدد عشراً وخمسة عشر فلا تُجزي
عنها تسبيحة واحدة مردوفة بقوله عشراً أو خمسة عشر. وهذه كلّها ممّا لا خلاف فيه.
وأمّا الثاني فإنّ
الطلاق يحصل باللفظ الأوّل ، وتقع به البينونة ، وتسرّح به المعقودة بالنكاح ، ولا
يبقى ما بعده إلاّ لغواً ، فإنّ المطلّقة لا تطلّق ، والمسرَّحة لا تُسرّح ، فلا
يحصل به العدد المأخوذ في موضوع الحكم ، بل تعدّد الطلاق يستلزم تخلّل عقدة الزواج
بين الطلاقين ولو بالرجوع ، ومهما لم تتخلّل يقع الطلاق الثاني لغواً ويبطله قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا طلاق إلاّ بعد نكاح» ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا طلاق قبل نكاح» ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا طلاق لمن لا يملك» .
قال سماك بن الفضل
: إنّما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلّها ، وكيف تُحلّ عقدة قبل أن تعقد؟ انتهى .
وروى أبو يوسف
القاضي عن أبي حنيفة ، عن حمّاد ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود رضى الله عنه أنّه
قال : طلاق السنّة أن يطلّق الرجل امرأته واحدة حين تطهر من حيضتها من غير أن يجامعها
، وهو يملك الرجعة حتى تنقضي العدّة ، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطّاب ، فإن أراد
أن يطلّقها ثلاثاً طلّقها حين تطهر من حيضتها الثانية ،
__________________
ثمّ يطلّقها حين
تطهر من حيضتها الثالثة. كتاب الآثار (ص ١٢٩). ومراده كما يأتي تخلّل الرجوع بعد
كلّ طلقة.
وقال الجصّاص في
أحكام القرآن . (١ / ٤٤٧) : والدليل على أنّ المقصد في قوله : الطلاق
مرّتان ، الأمر بتفريق الطلاق وبيان حكم ما يتعلّق بإيقاع ما دون الثلاث من الرجعة
، أنّه قال : الطلاق مرّتان. وذلك يقتضي التفريق لا محالة ، لأنّه لو
طلّق اثنتين معاً لما جاز أن يقال طلّقها مرّتين ، وكذلك لو دفع رجل إلى آخر
درهمين لم يجز أن يقال : أعطاه مرّتين حتى يفرّق الدفع فحينئذٍ يطلق عليه ، وإذا
كان هذا هكذا فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلّق بالتطليقتين من بقاء
الرجعة لأدّى ذلك إلى إسقاط فائدة ذكر المرّتين إذا كان هذا الحكم ثابتاً في
المرّة الواحدة إذا طلّق اثنتين ، فثبت بذلك أنّ ذكر المرّتين إنّما هو أمر
بإيقاعه مرّتين ، ونهي عن الجمع بينهما في مرّة واحدة ، ومن جهة أُخرى أنّه لو كان
اللفظ محتملاً للأمرين لكان الواجب حمله على إثبات الحكم في إيجاب الفائدتين وهو
الأمر بتفريق الطلاق متى أراد أن يطلّق اثنتين ، وبيان حكم الرجعة إذا طلّق كذلك ،
فيكون اللفظ مستوعباً للمعنيين. انتهى.
هذا ما نطق به
القرآن الكريم ، وليس الرأي تجاه كتاب الله إلاّ تلاعباً به كما نصّ عليه رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في صحيحة أخرجها النسائي في السنن ، عن محمود بن لبيد ، قال : أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثمّ
قال : «أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟» حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا
أقتله؟
__________________
وروى ابن إسحاق في
لفظ ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : طلّق ركانة زوجه ثلاثاً في مجلس واحد ،
فحزن عليها حزناً شديداً ، فسأله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كيف طلّقتها؟» قال : طلّقتها ثلاثاً في مجلس واحد. قال
: «إنّما تلك طلقة واحدة فارتجعها». بداية المجتهد (٢ / ٦١).
ولبعض أعلام القوم
في المسألة كلمات تشدّق بها ، وأعجب ما رأيت فيها كلمة العيني ؛ قال في عمدة
القاري (٩ / ٥٣٧):
إنّ الطلاق الوارد
في الكتاب منسوخ ، فإن قلت : ما وجه هذا النسخ وعمر رضى الله عنه لا ينسخ؟ وكيف يكون
النسخ بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قلت : لمّا خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار
إجماعاً ، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشايخنا بطريق أنّ الإجماع موجب علم اليقين
كالنصّ فيجوز أن يثبت النسخ به ، والإجماع في كونه حجّة أقوى من الخبر المشهور ،
فإذا كان النسخ جائزاً بالخبر المشهور في الزيادة على النص فجوازه بالإجماع أولى ،
فإن قلت : هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقّهم. قلت :
يحتمل أن يكون ظهر لهم نصّ أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك. انتهى.
لم تسمع الآذان
نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلى أن جاد الدهر بالعينيّ فجاء يدّعي ما لم يقل
به أحد ، ويخبط خبط عشواء ، ويلعب بكتاب الله ، ولا يرى له ولا لسنّة الله قيمة
ولا كرامة.
أنّى للرجل إثبات
حكمه الباتّ بإجماع الصحابة على ما أحدثه الخليفة لمّا خاطبهم بذلك؟ وكيف يسوغ عزو
رفض محكم الكتاب والسنّة إليهم برأي رآه النبيّ الأقدس لعباً بالكتاب العزيز كما
مرّ عن صحيح النسائي قبيل هذا ، وقد كانوا على حكمهما غير أنّه لا رأي لمن لا
يطاع. هذا ودرّة الخليفة تهتزّ على رءوسهم!
__________________
ثمّ إن كان نسخ
بالإجماع فكيف ذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث إلى أنّ الجمع بين الثلاث
طلاق بدعة؟ وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ليس بحرام لكن الأولى التفريق؟ وقال
السندي : ظاهر الحديث التحريم ؟
وكيف أجمعت
الأُمّة على النقيضين في يوميها وهي لن تجتمع على الخطأ؟ هذا إجماع العيني المزعوم
يوم بدو رأي الخليفة في الطلاق ، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال : وقد أجمع
الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على أنّ الثلاث بلفظ واحد واحدة ، ولم
ينقض هذا الإجماع بخلافه ، بل لا يزال في الأُمّة من يفتي به قرناً بعد قرن إلى
يومنا هذا. انتهى. تيسير الوصول (٣ / ١٦٢).
هب أنّ الأُمّة
جمعاء قديماً وحديثاً أجمعت على خلاف ما نطق به محكم القرآن ونقضت ما هتف به
المشرّع الأقدس ، فهل لنا مسوّغ لرفع اليد عنهما والأخذ بقول أُمّة غير معصومة؟
والنسخ بالخبر المشهور بعد الغضّ عمّا فيه من الخلاف الثائر إنّما هو لعصمة قائله
فلا يقاس به قول من لا عصمة له.
واحتمال استناد
إجماع الصحابة إلى نصّ لم ينقل إلينا خرافة تكذّبه نصوص الخليفة وغيره من الصحابة
، على أنّ ما ذهب إليه الخليفة لم يكن إلاّ مجرّد رأي وسياسة محضة.
وما أحسن كلمة
الشيخ صالح بن محمد العمري الفلاني المتوفّى (١٢٩٨) في كتابه إيقاظ همم أُولي
الأبصار في (ص ٩) حيث قال : إنّ المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين وعند سائر العلماء المسلمين أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ
كتاب الله تعالى أو سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجب نقضه ومنع نفوذه ، ولا يعارض نصّ الكتاب والسنّة
بالاحتمالات العقليّة والخيالات النفسانيّة والعصبية
__________________
الشيطانيّة بأن
يقال : لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع على هذا النصّ وتركه لعلّة ظهرت له ، أو أنّه
اطّلع على دليل آخر ، ونحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبين وأطبق عليه
جهلة المقلّدين.
ـ ٦٢ ـ
اجتهاد الخليفة في الصلاة بعد العصر
١ ـ عن تميم
الداري ، قال : إنّه ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطّاب عن الصلاة بعد العصر فأتاه
عمر فضربه بالدرّة ، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته ، فجلس عمر ثمّ فرغ
تميم من صلاته ، فقال تميم لعمر : لِمَ ضربتني؟ قال : لأنّك ركعت هاتين الركعتين
وقد نهيت عنهما ، قال : إنّي صلّيتهما مع من هو خير منك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال عمر : إنّه ليس بي أنتم أيّها الرهط ، ولكنّي أخاف
أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمرّوا بالساعة التي نهى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يصلّوا فيها كما وصلوا ما بين الظهر والعصر.
وعن وبرة ، قال :
رأى عمر تميماً الداري يصلّي بعد العصر فضربه بالدرّة ، فقال تميم : لِمَ يا عمر
تضربني على صلاة صلّيتها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال عمر : يا تميم ليس كلّ الناس يعلم ما تعلم.
وعن عروة بن
الزبير ، قال : خرج عمر على الناس فضربهم على السجدتين بعد العصر حتى مرّ بتميم
الداري فقال : لا أدعهما صلّيتهما مع من هو خير منك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال عمر : إنّ الناس لو كانوا كهيئتك لم أُبالِ. صحّحه
الهيثمي في المجمع وقال : رجال الطبراني رجال الصحيح.
٢ ـ عن السائب بن
يزيد : أنّه رأى عمر بن الخطّاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر.
وعن الأسود : أنّ
عمر كان يضرب على الركعتين بعد العصر.
٣ ـ عن زيد بن
خالد الجهني ، قال : إنّه رآه عمر بن الخطّاب وهو خليفة يركع بعد العصر ركعتين
فمشى إليه فضربه بالدرّة وهو يصلّي كما هو ، فلمّا انصرف قال زيد : اضرب يا أمير
المؤمنين فو الله لا أدعهما أبداً بعد أن رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّيهما ، فجلس إليه عمر وقال : يا زيد بن خالد لو لا
أنّي أخشى أن يتّخذها الناس سلّماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما. قال
الهيثمي في المجمع : إسناده حسن.
٤ ـ عن طاووس :
أنّ أبا أيّوب الأنصاري كان يصلّي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر ، فلمّا استخلف
عمر تركها ، فلمّا توفّي ركعهما فقيل له : ما هذا؟ فقال : إنّ عمر كان يضرب
عليهما.
٥ ـ أخرج مسلم ،
عن المختار بن فلفل ، قال : سألت أنس بن مالك عن التطوّع بعد العصر ، فقال : كان
عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر ، وكنّا نصلّي على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ، فقلت له : أكان
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلاّهما؟ قال : كان يرانا نصلّيهما فلم يأمرنا ولم ينهَنا.
٦ ـ أخرج أبو
العبّاس السرّاج في مسنده ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، قال : سألت عائشة عن
صلاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف كان يصلّي الظهر؟
قالت : كان يصلّي
بالهجير ثمّ يصلّي بعدها ركعتين ، ثمّ يصلّي العصر ثمّ يصلّي بعدها ركعتين. قلت :
قد كان عمر يضرب عليهما وينهى عنهما. فقالت : قد كان يصلّيهما وقد أعلم أنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلّيهما ، ولكنّ قومك أهل اليمن قوم طغام يصلّون
الظهر ثمّ يصلون ما بين الظهر والعصر ، ويصلّون العصر ثمّ يصلون ما بين
العصر والمغرب ،
وقد أحسن .
قال
الأميني : عجباً من فقه
الخليفة حيث يردع بالدرّة عن صلاة ثبت من السنّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلاّها وما تركها بعد العصر قطّ ، كما ورد في الصحاح
وأخبرت به عائشة وقالت : والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله ، وما لقي
الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة ، وكان يصلّي كثيراً من صلاته قاعداً ـ تعني ركعتين
بعد العصر ـ. وقالت : ما ترك النبيّ السجدتين بعد العصر عندي قطّ. وقالت : لم يكن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعهما سرّا ولا علانية ، وقالت : ما كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلاّ صلّى ركعتين.
وفي لفظ البيهقي ؛
قال أيمن : إنّ عمر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما. فقالت : صدقت ولكن كان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّيهما.
وفي تعليق الإجابة
للزركشي (ص ٩١) نقلاً عن أبي منصور البغدادي في استدراكه من طريق أبي سعيد الخدري
، قال : كان عمر يضرب عليهما رءوس الرجال ـ يعني الصلاة بعد الفجر حتى مطلع الشمس
وبعد العصر حتى مغرب
__________________
الشمس ـ فرأى أبو
سعيد ابن الزبير يصلّيها. قال : فنهيته فأخذ بيدي فذهبنا إلى عائشة ، فقال لها :
يا أُمّ المؤمنين إنّ هذا ينهاني ... فقالت : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّيها.
واقتفت أثره صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها الصحابة والتابعون طيلة حياته وبعدها ، وممّن رُوي
عنه الرخصة في التطوّع بعد العصر : الإمام أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، الزبير ، ابن الزبير ، تميم الداري ، النعمان بن بشير ، أبو أيّوب الأنصاري
، عائشة أُمّ المؤمنين ، الأسود بن يزيد ، عمرو بن ميمون ، عبد الله بن مسعود
وأصحابه ، بلال ، أبو الدرداء ، ابن عبّاس ، مسروق ، شريح ، عبد الله بن أبي
الهذيل ، أبو بردة ، عبد الرحمن بن الأسود ، عبد الرحمن ابن البيلماني ، الأحنف بن
قيس وكانوا على هذا ، حتى تقيّض صاحب الدرّة وليس عنده ما يتعلّل به على النهي
عنها والزجر عليها سوى خيفة أن يأتي قوم فيواصلوا بين العصر والمغرب بالصلاة.
ألا من مسائل
إيّاه عن علّة كراهته ذلك الوصال وليس له من الشريعة أيّ وازع عنه؟ وهب أنّه ارتأى
كراهة ذلك الوصال ، فما باله ينهى عن الركعتين وليستا مالئتين للفراغ بين الوقتين
العصر والمغرب؟ وعلى فرضه كان الواجب أن ينهى عن الصلاة في أوّل وقت المغرب غير
الفريضة التي رأى كراهتها هو ، ولكن أيّ قيمة لرأيه وقد صلّوها على العهد النبويّ
بمرأى من صاحب الرسالة ومشهد فلم ينههم عنها ؟
ثمّ الذي خافه عمر
من أن يأتي قوم يصلون بين الوقتين بالصلاة هل عزب علمه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشرّع لهم تينك الركعتين بعد العصر؟ أو أنّه علم ذلك ولم
يكترث له؟ أم كانت بصيرة الخليفة في الأُمور أقوى من بصيرة النبيِّ الأعظم؟
__________________
لاها الله لا ذلك
ولا هذا ، لكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علم ذلك كلّه ولم يرَ بأساً بما خافه عمر.
وبما ذا استحقّ
أُولئك الأخيار من الصحابة الضرب بالدرّة والفضيحة بملإ من الأشهاد نصب عيني
النبيّ الأقدس قرب مشهده الطاهر؟ والذين يأتون بما كرهه أقوام من رجال المستقبل لم
يرتكبوه بعد ، أو أنّه لم تنعقد نطفهم حتى تلك الساعة وهو يعترف بأنّهم ليسوا من أُولئك
، ولعلّ الخليفة كان يرى جواز القصاص قبل جناية غير المقتصّ منه. هلمَّ وأعجب!
وكأنّ الخليفة في
آرائه هذه الخاصّة به كان ذاهلاً عن قوله هو : احذروا هذا الرأي على الدين فإنّما
كان الرأي من رسول الله مصيباً لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو هنا تكلّف وظنّ ،
وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً .
ـ ٦٣ ـ
رأي الخليفة في العجم
روى مالك ـ إمام
المالكيّة ـ عن الثقة عنده أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول : أبى عمر بن الخطّاب أن
يورّث أحداً من الأعاجم إلاّ أحداً ولد في العرب.
قال مالك : وإن
جاءت امرأة حامل من أرض العدوّ فوضعته في أرض العرب فهو ولدها يرثها إن ماتت ،
وترثه إن مات ، ميراثها في كتاب الله. الموطّأ (٢ / ١٢).
قال
الأميني : هذا حكم حدت إليه
العصبيّة المحضة ، وإنّ التوارث بين المسلمين عامّة عرباً كانوا أو أعاجم أينما
ولدوا وحيثما قطنوا من ضروريات دين الإسلام ،
__________________
وعليه نصوص الكتاب
والسنّة ، فعمومات الكتاب لم تُخصَّص ، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب
ولا العروبة من شروط الإسلام ، وهذه العصبيّة إلى أمثالها في موارد لا تحصى هي
التي تفكّك عرى الاجتماع ، وتشتّت شمل المسلمين ، وإنّما المسلمون كأسنان المشط لا
تفاضل بينهم إلاّ بالتقوى ، والله سبحانه يقول : (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) . ويقول : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) . ويقول : (وَلَوْ جَعَلْناهُ
قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ
وَعَرَبِيٌ) .
وهذا هتاف النبيّ
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم من خطبة له يوم الحجّ الأكبر في ذلك المحتشَد الرحيب بقوله
:
«أيّها الناس
إنّما المؤمنون إخوة ، ولا يحلّ لامرئً مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه ، ألا هل
بلّغت؟ اللهمّ اشهد. فلا ترجعُنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإنّي قد
تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلّوا بعده : كتاب الله ، ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد.
أيّها الناس إنّ
ربّكم واحد ، وإنّ أباكم واحد ، كلّكم لآدم ، وآدم من تراب ، أكرمكم عند الله
أتقاكم ، وليس لعربيّ على عجميّ فضل إلاّ بالتقوى ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد ،
قالوا : نعم. قال : فليبلّغ الشاهد الغائب» .
وفي لفظ أحمد : «ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ ، ولا لعجميّ على عربيّ ،
__________________
ولا أسود على أحمر
، ولا أحمر على أسود إلاّ بالتقوى» . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.
وفي لفظ الطبراني
في الكبير :
«يا أيّها الناس
إنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله
أتقاكم. فليس لعربيّ على عجميّ فضل ، ولا لعجمي على عربي فضل ، ولا لأسود على أحمر
فضل ، ولا لأحمر على أسود فضل إلاّ بالتقوى». الحديث مجمع الزوائد (٣ / ٢٧٢).
وفي لفظ ابن
القيّم : «لا فضل لعربي على عجميّ ، ولا لعجميّ على عربيّ ، ولا لأبيض على أسود ،
ولا لأسود على أبيض إلاّ بالتقوى ، الناس من آدم وآدم من تراب». زاد المعاد (٢ / ٢٢٦).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم في صحيحة أخرجها البيهقي : «ليس لأحد على أحد فضل إلاّ بالدين أو عمل صالح». الجامع
الصغير للسيوطي وصحّحه.
ولو فرضنا مفاضلة
بالعنصريات فتلك في غير الأحكام والنواميس المطّردة ، وما أحوج المسلمين من أوّل
يومهم إلى التآخي والتساند تجاه سيل الإلحاد الأتيّ ، لكن كثيراً منهم يتأثّرون
بتسويلات أجنبية من حيث لا يشعرون ، فأهواء مردية تحدوهم إلى التشعّب ، وآراء
فاسدة تفتّ في عضد الجامعة ، ونزعات طائفية ، ونعرات قومية ، وعوامل داخلية ،
وعواطف حزبية تلهينا عن سدّ الثغور.
__________________
أضف إلى ذلك كلّه
نزعات شعوبية ، وتبجّحات بالعروبة فحسب ، فهذه كلّها تفضي إلى شقّ العصا ، وتفريق
الكلمة ، ونصب عين الكلّ تعليمات النبيّ الأقدس ، وتقديره الشخصيات المحلاّة
بالفضائل من مختلف العناصر بمثل قوله : «سلمان منّا أهل البيت» وقوله : «لو كان
العلم بالثريّا لتناوله ناس من أبناء فارس» إلى الكثير الطيّب من أمثاله.
فعلى المسلم أن لا
يتّخذ تلكم الآراء الشاذة خطّة لنفسه ، ولا يصفح عن قول النبيّ الأمين : «ليس منّا
من دعا إلى عصبية ، وليس منّا من قاتل على عصبية ، وليس منّا من مات على عصبية» .
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قاتل تحت راية عميّة يغضب للعصبية أو يدعو إلى عصبية
أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية». سنن البيهقي (٨ / ١٥٦).
ـ ٦٤ ـ
تجسّس الخليفة بالسعاية
أخرج سعيد بن
منصور ، وابن المنذر عن الحسن رضى الله عنه ، قال : أتى عمر بن الخطّاب رجل فقال :
إنّ فلاناً لا يصحو. فدخل عليه عمر رضى الله عنه فقال : إنّي لأجد ريح شراب يا
فلان أنت بهذا؟ فقال الرجل : يا ابن الخطّاب وأنت بهذا؟ ألم ينهك الله أن تجسّس؟
فعرفها عمر فانطلق وتركه. الدرّ المنثور (٦ / ٩٣)
__________________
قال
الأميني : أترى الخليفة كيف رتّب الأثر على التهمة من غير بيّنة؟ من
دون أن ينهى المخبر المتّهم عمّا ارتكبه من الوقيعة في أخيه المسلم بالبهت وإشاعة
الفاحشة في الذين آمنوا أو اغتياب الرجل ، فوقع من جرّاء ذلك كلّه في محظور آخر من
التجسّس المنهيّ عنه بنصّ الذكر الحكيم ، لكنّه سرعان ما ارتدع بلفت الرجل نظره
إلى الحكم الشرعي.
ـ ٦٥ ـ
[استئذان الخليفة من عائشة]
عن عمرو بن ميمون
قال : قال عمر بن الخطّاب لابنه عبد الله : انطلق إلى عائشة أُمّ المؤمنين فقل :
يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل : أمير المؤمنين ، فإنّي لست اليوم للمؤمنين
أميراً وقل : يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضى فسلّم واستأذن ثمّ
دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع
صاحبيه. قالت : كنت أُريده لنفسي ولأوثرنَّ به اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قيل :
هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، فقال : ارفعوني. فأسنده رجل إليه فقال : ما لديك؟
قال : الذي يحبّ أمير المؤمنين أذنت ، قال : الحمد لله ما كان شيء أهمّ إليّ من
ذلك المضجع ، فإذا أنا قضيت فاحملوني وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين .
قال
الأميني : ليت الخليفة
عرّفنا ما وجه الاستئذان من عائشة؟ فهل ملكت هي حجرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإرث؟ فأين قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم المزعوم : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة؟
وبذلك زحزحوا عن الصديقة الطاهرة فدكاً ، وبذلك منع
__________________
أبو بكر عائشة
وبقيّة أزواجه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا جئن إليه يطلبن ثُمنهنّ ، وإن كان الخليفة عدل عن ذلك الرأي لما انكشف له من عدم
صحّة الرواية فإنّ ورثة ابنة رسول الله كانوا أولى بالإذن فإنّها هي المالكة إذن ،
وأمّا عائشة فلها التسع من الثمن فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم توفّي عن تسع ، فكان الذي يلحق عائشة من الحجرة الشريفة
التسع من الثمن ، وما عسى أن يكون من ذلك لها إلاّ شبراً أو دون شبرين وذلك لا يسع
دفن جثمان الخليفة ، وهب أنّه كان يضمّ إلى ذلك نصيب ابنته حفصة فإنّ الجميع يقصر
عن ذلك المضطجع ، فالتصرّف في تلك الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملكها من العترة
النبويّة الطاهرة وأُمّهات المؤمنين لا يلائم ميزان الشرع المقدّس.
ربّما يقرأ القارئ
في المقام ما جاء به ابن بطّال من قوله : إنّما استأذنها عمر لأنّ الموضع كان
بيتها وكان لها فيه حقّ . فيحسب هناك حقّا لأُمِّ المؤمنين يستدعي ذلك الاستئذان
ويصحّحه ، وإن هو إلاّ حقّ السكنى ومجرّد إضافة البيت إلى عائشة وهما لا يوجبان
الملك ، قال ابن حجر في فتح الباري (٧ / ٥٣) : استدلّ
به وباستئذان عمر لها على ذلك على أنّها كانت تملك البيت وفيه نظر ، بل الواقع
أنّها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا يورث عنها ، وحكم أزواج النبيّ
كالمعتدّات لأنّهنّ لا يتزوّجن بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم. انتهى.
وقال في (٦ / ١٦٠) : ويؤيّده ـ يعني عدم الملك ـ أنّ ورثتهنّ لم
يرثن عنهنّ منازلهنّ ، ولو كانت البيوت ملكاً لهنّ لانتقلت إلى ورثتهنّ وفي ترك
ورثتهنّ حقوقهم دلالة على ذلك ، ولهذا زيدت بيوتهنّ في المسجد النبويّ بعد موتهنّ
لعموم نفعه
__________________
للمسلمين كما فعل
فيما كان يصرف لهنّ من النفقات. والله أعلم. انتهى.
وقال العيني في
عمدة القاري (٧ / ١٣٢) في حديث
عائشة : لمّا ثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرّض في بيتي ، أسندت البيت إلى
نفسها ، ووجه ذلك أنّ سكنى أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيوت النبيّ من الخصائص ، فلمّا استحققن النفقة لحبسهنّ
استحققن السكنى ما بقين ، فنبّه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أنّ
بهذه النسبة تحقّق دوام استحقاق سكناهنّ للبيوت ما بقين. انتهى.
وقال القسطلاني في
إرشاد الساري (٥ / ١٩٠) : أسندت
عائشة البيت إلى نفسها ، ووجه ذلك أنّ سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من
الخصائص ، فكما استحققن النفقة لحبسهنّ استحققن السكنى ما بقين ، فنبّه على أنّ
بهذه النسبة تحقّق دوام استحقاقهنّ لسكنى البيوت ما بقين. انتهى.
فالقارئ جِدّ عليم
عندئذٍ بأنّ أُمّ المؤمنين لم يكن لها من حجرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ السكنى فيها كالمعتدّة ، وليس لها قطّ أن تتصرّف فيها
بما يترتّب على الملك.
والخطب الفظيع عدّ
الحفّاظ هذا الاستئذان وهذا الدفن من مناقب الخليفة ذاهلين عن قانون الإسلام
العامّ في التصرّف في أموال الناس.
ولست أدري بأيّ
حقّ أوصى الإمام الحسن السبط الزكي صلوات الله عليه أن يدفن في تلك الحجرة الشريفة؟
وهل منعته عائشة عن أن يدفن بها؟ أو أذنت له وما أُطيعت؟ ـ ولا رأي لمن لا يُطاع ـ
فتسلّح بنو أُميّة وقالوا : لا ندعه يدفن مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكاد أن تقع الفتنة لمَ هذه كلّها؟ أنا لا أدري.
__________________
ـ ٦٦ ـ
خطبة الخليفة في الجابية
عن عليّ بن رباح
اللخمي ، قال : إنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه خطب الناس فقال : من أراد أن يسأل
عن القرآن فليأتِ أُبيّ بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأتِ معاذ
بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأتِ زيد بن ثابت ، ومن أراد أن يسأل عن
المال فليأتني فإنِّي له خازن. وفي لفظ : فإنّ الله تعالى جعلني خازناً وقاسماً.
أخرجه أبو عبيد المتوفّى (٢٢٤) في كتابه الأموال (ص ٢٢٣) بإسناد
رجاله كلّهم ثقات ، والبيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٢١٠) ، والحاكم في المستدرك (٣
/ ٢٧١ ، ٢٧٢) ، مجمع الزوائد (١ / ١٣٥) ، ويُذكر في العقد الفريد (٢ / ١٣٢) ،
وسيرة عمر لابن الجوزي (ص ٨٧) ، وأُشير إليه في معجم البلدان (٣ / ٣٣) فقال : في
الجابية خطب عمر ابن الخطّاب رضى الله عنه خطبته المشهورة. وجاء في ترجمة كثيرين
أنَّهم سمعوا خطبة عمر في الجابية.
إسناده من طريق
أبي عبيد :
١ ـ الحافظ عبد
الله بن صالح بن مسلم العجلي ، أبو صالح الكوفي المتوفّى (٢٢١) ، وثّقه ابن معين ،
وابن خراش ، وابن بكر الأندلسي ، وابن حبّان ، وهو من مشايخ البخاري في صحيحه .
__________________
٢ ـ موسى بن عليّ
بن رباح اللخمي ، أبو عبد الرحمن المصري المتوفّى (١٦٣) ، وثّقه أحمد ، وابن سعد ، وابن معين ، والعجلي ، والنسائي ، وأبو
حاتم ، وابن شاهين ، واحتجّ به أربعة من أئمّة الصحاح الستّة .
٣ ـ عليّ بن رباح
اللخمي التابعي ، أبو عبد الله ـ أبو موسى ـ المولود سنة (١٠) والمتوفّى (١١٤ ،
١١٧) ، وثّقه ابن سعد ، والعجلي ، ويعقوب بن سفيان ، والنسائي ، وابن
حبّان ، واحتجّ به أربعة من أئمّة الصحاح .
في هذه الخطبة
الثابتة المرويّة عن الخليفة بطرق صحيحة كلّ رجالها ثقات ، وصحّحها الحاكم والذهبي
، اعتراف بأنّ المنتهى إليه في العلوم الثلاثة أُولئك النفر المذكورون فحسب ، وليس
للخليفة إلاّ أنّه خازن مال الله ، وهل ترى من المعقول أن يكون خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أُمّته في شرعه ودينه وكتابه وسنّته وفرائضه فاقداً
لهاتيك العلوم؟ ويكون مرجعه فيها لفيفاً من الناس كما تُنبئ عنه سيرته ، فعلامَ
هذه الخلافة؟ وهل تستقرُّ بمجرّد الأمانة ، وليست بعزيزة في أُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وما وجه الاختصاص به؟ نعم ، وقع النصُّ عليه ممّن سبقه في
الخلافة على غير طريقة القوم في الخليفة الأوّل.
وشتّان بين هذا
القائل وبين من لم يزل يعرض نفسه لعويصات المسائل ومشكلات العلوم فيحلّها عند
السؤال عنها من فوره ، ويرفع عقيرته على صهوات المنابر بقوله سلام الله عليه : «سلوني
قبل أن لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي».
__________________
أخرجه الحاكم في
المستدرك ، (٢ / ٤٦٦) وصحّحه هو والذهبي في تلخيصه.
وقوله عليهالسلام : «لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا سنّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ أنبأتكم بذلك». أخرجه ابن كثير في تفسيره (٤ / ٢٣١)
من طريقين وقال : ثبت أيضاً من غير وجه.
وقوله عليهالسلام : «سلوني ، والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ أخبرتكم ،
وسلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في
سهل أم في جبل».
أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم (١ / ١١٤) ، والمحبّ الطبري في
الرياض (٢ / ١٩٨) ، ويوجد في تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص ١٢٤) ، والإتقان (٢ / ٣١٩)
، تهذيب التهذيب (٧ / ٣٣٨) ، فتح الباري (٨ / ٤٨٥) ، عمدة القاري (٩ / ١٦٧) ،
مفتاح السعادة (١ / ٤٠٠).
وقوله عليهالسلام : «ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه».
أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم (١ / ١١٤) ، وفي مختصره (ص ٧٥).
وقوله عليهالسلام : «والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيم أُنزلت ، وأين أُنزلت ، إنّ ربِّي
وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً».
أخرجه أبو نعيم في
حلية الأولياء (١ / ٦٨) ، وذكره صاحب مفتاح السعادة (١ / ٤٠٠).
__________________
وقوله عليهالسلام : «سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، وما من آية إلاّ وأنا أعلم
حيث أُنزلت بحضيض جبل أو سهل أرض ، وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلاّ وقد علمت من
كسبها ومن يُقتل فيها».
أخرجه إمام
الحنابلة أحمد وقال : روي عنه نحو هذا كثيراً. ينابيع المودّة (ص ٢٧٤).
وقوله عليهالسلام ، وهو على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو متقلّد بسيفه ، ومتعمّم بعمامته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجلس على المنبر وكشف عن بطنه فقال : «سلوني قبل أن
تفقدوني فإنّما بين الجوانح منِّي علم جمّ ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هذا ما زقّني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم زقّا زقّا ، فو الله لو ثُنِيتْ لي وسادة فجلست عليها
لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم ، وأهل الإنجيل بإنجيلهم ، حتى يُنطق الله التوراة
والإنجيل فيقولان : صدق عليّ قد أفتاكم بما أُنزل فيَّ وأنتم تتلون الكتاب أفلا
تعقلون».
أخرجه شيخ الإسلام
الحمّوئي في فرائد السمطين ، عن أبي سعيد.
وقال سعيد بن
المسيّب : لم يكن أحد من الصحابة يقول : سلوني ، إلاّ عليّ بن أبي طالب وكان إذا سُئل عن مسألة يكون فيها كالسكّة المحماة ويقول :
إذا
المُشْكِلاتُ تصدَّين لي
|
|
كشفتُ حقائقَها
بالنظرْ
|
فإن بَرِقَتْ في
مخيل الصوا
|
|
ب عمياء لا
يجتليها البصرْ
|
__________________
مقنَّعة بغيوبِ
الأُمورِ
|
|
وضعتُ عليها
صحيحَ الفكرْ
|
لساناً كشقشقةِ
الأرحبيِ
|
|
أو كالحسامِ
اليمانيّ الذكرْ
|
وقلباً إذا
استنطقتْهُ الفنو
|
|
نُ أبرّ عليها
بواهٍ دررْ
|
ولستُ بإمّعة في
الرجا
|
|
لِ يُسائل هذا
وذا ما الخبرْ
|
ولكنّني مذربُ
الأصغرينِ
|
|
أُبيّنُ مع ما
مضى ما غبرْ
|
أخرجها أبو عمر في العلم (٢ / ١١٣) ، وفي مختصره (ص ١٧٠) ،
والحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى ، والقالي في أماليه ، والحصري
القيرواني في زهر الآداب (١ / ٣٨) ، والسيوطي في جمع الجوامع كما ترتيبه (٥ / ٢٤٢)
، والزبيدي الحنفي في تاج العروس (٥ / ٢٦٨) نقلاً عن الأمالي ، وذكر منها البيتين
الأخيرين الميداني في مجمع الأمثال (٢ / ٣٥٨).
لفت نظر :
لم أرَ في التاريخ
قبل مولانا أمير المؤمنين من عرض نفسه لمعضلات المسائل وكراديس الأسئلة ، ورفع
عقيرته بجأش رابط بين الملأ العلمي بقوله : سلوني ، إلاّ صنوه النبيّ الأعظم ، فإنّه
صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يكثر من قوله : «سلوني عمّا شئتم». وقوله : «سلوني ،
سلوني». وقوله : «سلوني ولا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به» . فكما ورث أمير المؤمنين علمه صلىاللهعليهوآلهوسلم ورث مكرمته هذه وغيرها ، وهما صنوان في المكارم كلّها.
__________________
وما تفوّه بهذا
المقال أحد بعد أمير المؤمنين عليهالسلام إلاّ وقد فضح ووقع في ربيكة ، وأماط بيده الستر عن جهله
المطبق نظراء :
١ ـ إبراهيم بن
هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي ، والي مكة
والمدينة والموسم لهشام بن عبد الملك ، حجَّ بالناس سنة (١٠٧) وخطب بمنى ثمّ قال :
سلوني فأنا ابن الوحيد ، ولا تسألوا أحداً أعلم منّي. فقام إليه رجل من أهل العراق
فسأله عن الأُضحية أواجبة هي؟ فما درى أيّ شيء يقول له ، فنزل عن المنبر. تاريخ
ابن عساكر (٢ / ٣٠٥)
٢ ـ مقاتل بن
سليمان ، قال إبراهيم الحربي : قعد مقاتل بن سليمان فقال : سلوني عمّا دون العرش
إلى لويانا. فقال له رجل : آدم حين حجَّ من حلق رأسه؟ قال : فقال له : ليس هذا من
عملكم ، ولكنّ الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي. تاريخ الخطيب البغدادي (١٣
/ ١٦٣).
٣ ـ قال سفيان بن
عيينة ، قال مقاتل بن سليمان يوماً : سلوني عمّا دون العرش. فقال له إنسان : يا
أبا الحسن أرأيت الذرّة أو النملة أمعاؤها في مقدّمها أو مؤخّرها؟ قال : فبقي
الشيخ لا يدري ما يقول له. قال سفيان : فظننت أنّها عقوبة عوقب بها. تاريخ الخطيب
البغدادي (١٣ / ١٦٦)
٤ ـ قال موسى بن
هارون الحمّال : بلغني أنّ قتادة قدم الكوفة فجلس في مجلس له وقال : سلوني عن سنن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أُجيبكم. فقال جماعة لأبي حنيفة : قم إليه فسله. فقام
إليه فقال : ما تقول يا أبا الخطّاب في رجل غاب عن أهله فتزوّجت امرأته ، ثمّ قدم
زوجها الأوّل فدخل عليها ، وقال : يا زانية تزوّجت وأنا حيّ؟ ثمّ دخل زوجها الثاني
فقال لها : تزوّجتِ يا زانية ولك زوج. كيف اللعان؟ فقال قتادة : قد وقع هذا؟
__________________
فقال له أبو حنيفة
: وإن لم يقع نستعدّ له. فقال له قتادة : لا أُجيبكم في شيء من هذا سلوني عن
القرآن. فقال له أبو حنيفة : ما تقول في قوله عزّ وجلّ : (قالَ
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ) من هو؟ قال قتادة : هذا رجل من ولد عمِّ سليمان ابن داود
كان يعرف اسم الله الأعظم. فقال أبو حنيفة : أكان سليمان يعلم ذلك الاسم؟ قال :
لا. قال : سبحان الله ويكون بحضرة نبيّ من الأنبياء من هو أعلم منه؟ قال قتادة :
لا أُجيبكم في شيء من التفسير ، سلوني عمّا اختلف الناس فيه. فقال له أبو حنيفة : أمؤمن
أنت؟ قال أرجو. قال له أبو حنيفة : فهلاّ قلت كما قال إبراهيم فيما حكى الله عنه
حين قال له : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) قال قتادة : خذوا بيدي والله لا دخلت هذا البلد أبداً.
الانتقاء لأبي عمر ـ صاحب الاستيعاب (ص ١٥٦)
٥ ـ حكي عن قتادة
أنّه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال : سلوا عمّا شئتم وكان أبو حنيفة حاضراً ـ
وهو يومئذٍ غلام حدث ـ فقال : سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أُنثى؟ فسألوه
فأُفحم ، فقال أبو حنيفة : كانت أُنثى. فقيل له : كيف عرفت ذلك؟ فقال : من قوله
تعالى : (قالَتْ). ولو كانت ذكراً
لقال : قال نملة ، مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأُنثى. حياة الحيوان
(٢ / ٣٦٨)
٦ ـ قال عبيد الله
بن محمد بن هارون : سمعت الشافعي بمكة يقول : سلوني عمّا شئتم أُحدّثكم من كتاب
الله وسنّة نبيّه ، فقيل : يا أبا عبد الله ما تقول في محرم قتل زنبوراً؟ قال : (وَما
آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) . طبقات الحفّاظ للذهبي (٢ / ٢٨٨)
__________________
ـ ٦٧ ـ
[الخليفة وتعلّم سورة البقرة]
أخرج الخطيب في
رواة مالك ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والقرطبي في تفسيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال
: تعلّم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلمّا ختمها نحر جزوراً .
وقال القرطبي في
تفسيره (١ / ١٣٢) :
تعلّمها عمر رضى الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة.
قال
الأميني : هذا ينمُّ إمّا
عن عدم انعطاف الخليفة على القرآن واهتمامه به مع أنّه أهمُّ أُصول الإسلام ، وقد
انطوى فيه مهمّات علومه حتى أنّه تبطّأ في تعلّم سورة منه إلى غاية ذلك الأمد
المتطاول ، ولعلّه كان قد ألهاه عن ذلك الصفق بالأسواق كما ورد في غير واحد من هذه
الآثار ، واعتذر به هو وغيره من الصحابة ، وإمّا عن قصور في فطنته وذكائه وجمود في
القريحة يأبى عن انعكاس ما يُلقى إليه فيها ، فيحتاج إلى تكرار ومثابرة كثيرة
وترديد حتى ينتقش ما همَّ بتعلّمه في الذاكرة.
وقد يؤكّد الثاني
ما مرّ في صحيفة (١١٦) من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم له : «إنّي أظنّك تموت قبل أن تعلم ذلك» وما ذكر في (ص ١٢٨)
من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحفصة : «ما أرى أباك يعلمها». وقوله : «ما أراه يقيمها».
__________________
ويساعد هذا ما في
الكتب من أنّ عمر كان أعلم وأفقه من عثمان ، ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن .
وأيّا ما كان فإنّ
مدّة التعلّم هذه لا يمكن أن تكون على العهد النبوي ، فإنّ سورة البقرة نزلت
بالمدينة عند جميع المفسّرين غير آيات نزلت في حجّة الوداع ، وقالت عائشة : ما
نزلت سورة البقرة والنساء إلاّ وأنا عنده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتوفِّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ربيع الأوّل ـ على ما ذهب إليه القوم ـ من السنة
الحادية عشرة من مهاجرته ، ومع ذلك لم يؤثر تعلّمه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا بدّ أن يكون تعلّمه عند أحد الصحابة أو عند لفيفٍ
منهم ، وهم الذين يقول القائل : فإنّ الخليفة كان أعلمهم على الإطلاق!
ويشهد هذا أيضاً
على خلوّ الرجل من أكثر علوم القرآن الموجودة في بقية السور ، فإنّ تعلّمها على
هذا القياس يستدعي أكثر من مائة وثلاثين عاماً حسب أجزاء القرآن الكريم ، فيفتقر
الخليفة على هذا الحساب في تعلّم جميع القرآن إلى ما يقرب من مائة وخمسين عاماً ،
ولا يفي بذلك عمر الخليفة ، على أنّ الأحكام في غير البقرة من السور أكثر ممّا
فيها ، فكان خليفةً ومتعلّماً ـ والخليفة هو معلّم الناس لا المتعلّم منهم ـ ولهذا
كان لا يهتدي إلى جملة من الأحكام الموجودة في القرآن ، وكان يحسب أبسط شيء من
معانيه تعمّقاً وتكلّفاً ويدّعي أنّه نُهي عنه ، وكان يقول : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أُبيّ بن
كعب. إلى آخر ما مرّ عنه (ص ١٩١).
هذا شأن الخليفة
قبل طروّ النسيان عليه ، وأمّا بعده فروى محمد بن سيرين : أنّ عمر في آخر أيّامه
اعتراه نسيان حتى كان ينسى عدد ركعات الصلاة ، فجعل أمامه
__________________
رجلاً يلقّنه ،
فإذا أومأ إليه أن يقوم أو يركع فعل .
وإن تعجب فعجب
أنّه مع ذلك كلّه ما كان يتنصّل عن الحكم ، ولا يرعوي عن الإفتاء ، وإن كان يظهر
خطؤه في كثير منها.
وبأبه اقتدى عديّ
في الكرم!
أخرج مالك في
الموطّأ (١ / ١٦٢) : إنّ
عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلّمها ، وذكره القرطبي في
تفسيره (١ / ٣٤) ، وقال
العيني في عمدة القاري (٢ / ٧٣٢) : حفظ
عبد الله بن عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، وفي طبقات ابن سعد كما في تنوير الحالك في شرح الموطّأ لمالك (١ / ١٦٢) : إنّ
ابن عمر تعلّم سورة البقرة في أربع سنين. قال الباجي : لأنّه كان يتعلّم فرائضها
وأحكامها وما يتعلّق بها.
رأي الخليفة في المتعتين
ـ ٦٨ ـ
متعة الحجّ
١ ـ عن أبي رجاء
قال : قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ثمّ لم تنزل آية
تنسخ آية متعة الحجّ ، ولم ينه عنها
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء .
صورة أخرى لمسلم :
تمتّعنا مع رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم ينزل فيه القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ آخر
له : تمتّع نبيُّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتمتّعنا معه. وفي لفظ رابع له : أعلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع بين حجٍّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنهما
، قال فيها رجل برأيه ما شاء.
لفظ البخاري :
تمتّعنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء .
وفي لفظ آخر له :
أُنزلت آية المتعة
في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم ينزل قرآن يحرِّمه ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل
برأيه ما شاء .
وفي بعض نسخ صحيح
البخاري ؛ قال محمد ـ أي البخاري ـ يقال : إنّه عمر. قال القسطلاني في الإرشاد : لأنّه كان ينهى عنها. وذكره ابن كثير في تفسيره (١ / ٢٣٣)
نقلاً عن البخاري فقال : هذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرّحاً به : إنّ عمر كان
ينهى الناس عن التمتّع.
__________________
وقال ابن حجر في
فتح الباري (٤ / ٣٣٩) : ونقله
الإسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك ، ولهذا جزم القرطبي والنووي
وغيرهما ، وكان البخاري أشار بذلك إلى رواية الحريري عن مطرف ، فقال في آخره :
ارتأى رجل برأيه ما شاء ـ يعني عمر ـ. كذا في الأصل ، أخرجه مسلم ، وقال ابن التين
: يحتمل أن يريد عمر أو عثمان ، وأغرب الكرماني فقال : إنّ المراد به عثمان ،
والأولى أن يفسّر بعمر ، فإنّه أوّل من نهى عنها وكان من بعده تابعاً له في ذلك.
ففي مسلم : أنّ ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عبّاس يأمر بها ، فسألوا جابراً
فأشار إلى أنّ أوّل من نهى عنها عمر.
وقال القسطلاني في
الإرشاد (٤ / ١٦٩) : قال
رجل برأيه ما شاء ، هو عمر بن الخطّاب لا عثمان بن عفّان ؛ لأنّ عمر أوّل من نهى
عنها ، فكان من بعده تابعاً له في ذلك. ففي مسلم ... إلى آخر كلمة ابن حجر
المذكورة.
وقال النووي في
شرح مسلم : هو عمر بن الخطّاب ؛ لأنّه أوّل من نهى عن المتعة ، فكان
من بعده من عثمان وغيره تابعاً له في ذلك.
لفظ الشيخين :
تمتّعنا مع رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل فيه القرآن ، فليقل رجل برأيه ما شاء. السنن الكبرى (٥
/ ٢٠).
لفظ النسائي :
إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تمتّع وتمتّعنا معه ، قال فيها قائل برأيه.
__________________
أخرجه في سننه (٥ / ١٥٥) ، وأحمد
في مسنده (٤ / ٤٣٦) قريباً
من لفظ مسلم مبتوراً.
وفي لفظ
الإسماعيلي : تمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
٢ ـ عن أبي موسى :
أنّه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك فإنّك لا تدري ما أحدث
أمير المؤمنين في النسك بعدك ، حتى لقيته فسألته ، فقال عمر : قد علمت أنّ النبيّ
قد فعله وأصحابه ولكنّي كرهت أن يظلّوا معرّسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في
الحجِّ تقطر رءوسهم.
أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٤٧٢) ، وابن ماجة في سننه (٢ / ٢٢٩) ،
وأحمد في مسنده (١ / ٥٠) ، والبيهقي في سننه (٥ / ٢٠) ، والنسائي في سننه (٥ / ١٥٣)
، ويوجد في تيسير الوصول (١ / ٢٨٨) ، وشرح الموطّأ للزرقاني (٢ / ١٧٩)
٣ ـ عن مطرف ، عن
عمران بن حصين : أنّي لأُحدِّثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم ، واعلم
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر ، فلم تنزل آية تنسخ ذلك
ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ، ارتأى كلّ امرئٍ بعد ما شاء أن يرتئي. وفي لفظ مسلم
الآخر : ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر. وفي لفظ ابن ماجة : ولم ينهَ عنه رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم ينزل نسخه ، قال في ذلك بعد رجل برأيه
__________________
ما شاء أن يقول .
صحيح مسلم (١ /
٤٧٤) ، سنن ابن ماجة (٢ / ٢٢٩) ، مسند أحمد (٤ / ٤٣٤) ، السنن الكبرى (٤ / ٣٤٤) ،
فتح الباري (٣ / ٣٣٨).
صورة أخرى :
عن مطرف ، قال :
قال لي عمران بن حصين : أُحدِّثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع بين حجّة وعمرة ثمّ لم ينهَ عنه حتى مات ، ولم ينزل
فيه قرآن يحرِّمه ، وقد كان يسلّم عليَّ حتى اكتويت فتركت ثمّ تركت الكيّ فعاد.
وفي لفظ الدارمي : إنّ المتعة حلال في كتاب الله لم ينهَ عنها نبيّ ولم ينزل فيها
كتاب ، قال رجل برأيه ما بدا له. صحيح مسلم (١ / ٤٧٤) ، سنن
الدارمي (٢ / ٣٥).
صورة ثالثة :
عن مطرف ، قال :
بعث إليَّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفِّي فيه فقال : إنّي كنت محدِّثك بأحاديث
لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشت فاكتم عليَّ ، وإن متُّ فحدِّث بها إن شئت
؛ إنّه قد سُلِّم عليَّ ، واعلم أنّ نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جمع بين حجٍّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب الله ولم
ينهَ عنها نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال رجل فيها برأيه ما شاء .
صحيح مسلم (١ /
٤٧٤) ، مسند أحمد (٤ / ٤٢٨) ، سنن النسائي (٥ / ١٤٩).
__________________
٤ ـ عن محمد بن
عبد الله بن نوفل قال : سمعت عام حجّ معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتّع
بالعمرة إلى الحجّ؟ قال : حسنة جميلة ، فقال : قد كان عمر ينهى عنها ، فأنت خير من
عمر؟ قال : عمر خير منّي ، وقد فعل ذلك النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو خير من عمر. سنن الدارمي (٢ / ٣٥).
٥ ـ عن محمد بن
عبد الله : أنّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحّاك بن قيس عام حجّ معاوية بن أبي سفيان
وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل
أمر الله تعالى. فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي. قال الضحّاك : فإنّ عمر بن
الخطّاب نهى عن ذلك. قال سعد : قد صنعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصنعناها معه .
الموطّأ لمالك (١
/ ١٤٨) ، كتاب الأُمّ للشافعي (٧ / ١٩٩) ، سنن النسائي (٥ / ١٥٢) ، صحيح الترمذي (١
/ ١٥٧) ، فقال : هذا حديث صحيح. أحكام القرآن للجصّاص (١ / ٣٣٥) ، سنن البيهقي (٥
/ ١٧) ، تفسير القرطبي (٢ / ٣٦٥) وقال : هذا حديث صحيح. زاد المعاد لابن القيّم (١
/ ٨٤) وذكر تصحيح الترمذي له ، المواهب اللدنيّة للقسطلاني ، شرح المواهب للزرقاني
(٨ / ١٥٣).
٦ ـ عن سالم قال :
إنّي لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع
بالعمرة إلى الحجّ : فقال ابن عمر : حسن جميل ، قال : فإنّ أباك كان ينهى عنها.
فقال : ويلك! فإن كان أبي نهى عنها وقد فعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمر به أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قم عنّي .
__________________
صورة أخرى :
سُئل عبد الله بن
عمر عن متعة الحجّ ، قال : هي حلال. فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها. فقال
: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أأمر أبي تتبّع أم
أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال : لقد صنعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
صورة ثالثة :
قال سالم : سُئل
ابن عمر عن متعة الحجّ فأمر بها ، فقيل له : إنّك تخالف أباك. قال : إنّ أبي لم
يقل الذي تقولون إنّما قال : أفردوا العمرة من الحجّ ، أي أنّ العمرة لا تتمّ في
شهور الحجّ إلاّ بهدي وأراد أن يُزار البيت في غير شهور الحجّ فجعلتموها أنتم
حراماً وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلّها الله عزّ وجلّ وعمل بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : فإذا أكثروا عليه قال : أفكتاب الله عزّ وجلّ
أحقُّ أن يُتّبع أم عمر؟ السنن الكبرى (٥ / ٢١)
صورة رابعة :
قال سالم : كان
عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عزّ وجلّ من الرخصة في التمتّع وسنّ فيه
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيقول ناس لعبد الله بن عمر : كيف تخالف أباك وقد نهى عن
ذلك؟ فيقول لهم عبد الله : ويلكم! ألا تتّقون الله؟ أرأيتم إن كان عمر رضى الله
عنه نهى عن ذلك يبتغي فيه الخير ويلتمس فيه تمام العمرة فلم تحرِّمون وقد أحلّه
الله وعمل به
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ أفرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحقُّ أن تتّبعوا سنّته أو عمر رضى الله عنه؟ إنّ عمر لم
يقل لك : إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام ولكنّه قال : إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها
من أشهر الحجِ .
٧ ـ عن سعيد بن
جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : تمتّع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال عروة : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس :
ما يقول عُرَيّة؟ قال : يقول : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس :
أراهم سيهلكون أقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقولون : قال أبو بكر وعمر .
مسند أحمد (١ /
٣٣٧) ، كتاب مختصر العلم لأبي عمر (ص ٢٢٦) ، تذكرة الحفّاظ للذهبي (٣ / ٥٣) ، زاد
المعاد لابن القيّم (١ / ٢١٩).
٨ ـ أخرج أحمد في
مسنده (١ / ٤٩) عن أبي
موسى ؛ أنّ عمر رضى الله عنه قال : هي سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ـ يعني المتعة ـ ولكنّي
أخشى أن يعرِّسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حجّاجاً.
٩ ـ عن ابن عبّاس
؛ أنّه قال لمن كان يعارضه في متعة الحجّ بأبي بكر وعمر : يوشك أن ينزل عليكم
حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر. زاد المعاد لابن القيّم (١ / ٢١٥) وهامش
شرح المواهب (٢ / ٣٢٨).
١٠ ـ عن الحسن :
أنّ عمر أراد أن ينهى عن متعة الحجِّ فقال له أُبيّ : ليس ذلك لك فقد تمتّعنا مع
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم ينهنا عن ذلك ، فأضرب عن ذلك عمر ، وأراد
__________________
أن ينهى عن حلل
الحبرة لأنّها تصبغ بالبول ، فقال له أُبيّ : ليس لك ذلك قد لبسهنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولبسناهنّ في عهده.
أخرجه إمام
الحنابلة أحمد في مسنده (٥ / ١٤٣) ، وذكره
الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٢٤٦) نقلاً عن أحمد وقال : رجاله رجال الصحيح ،
والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٣ / ٣٣) نقلاً عن
أحمد ، وفي الدرِّ المنثور (١ / ٢١٦) نقلاً
عن مسند ابن راهويه وأحمد ، ولفظه :
إنّ عمر بن
الخطّاب همَّ أن ينهى عن متعة الحجِّ ؛ فقام إليه أُبيّ بن كعب فقال : ليس ذلك لك
قد نزل بها كتاب الله واعتمرناها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنزل عمر.
وذكره ابن القيّم
الجوزيّة في زاد المعاد (١ / ٢٢٠) من طريق
عليِّ بن عبد العزيز البغوي ولفظه :
إنّ عمر أراد أن
يأخذ مال الكعبة وقال : الكعبة غنيّة عن ذلك المال ، وأراد أن ينهى أهل اليمن أن
يصبغوا بالبول ، وأراد أن ينهى عن متعة الحجّ ، فقال أُبيُّ بن كعب : قد رأى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه هذا المال وبه وبأصحابه الحاجة إليه فلم يأخذه
وأنت فلا تأخذه ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه يلبسون الثياب اليمانيّة فلم ينهَ عنها وقد علم
أنّها تُصبَغ بالبول ، وقد تمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم ينهَ عنها ولم ينزل الله تعالى فيها نهياً.
١١ ـ أخرج البخاري
في صحيحه ، عن أبي جمرة نصر بن عمران ، قال : سألت
__________________
ابن عبّاس رضى
الله عنه عن المتعة فأمرني بها ، وسألته عن الهدي فقال : فيها ـ في المتعة ـ جزور
أو بقرة أو شاة أو شرك في دم. قال : وكأنّ ناساً كرهوها ، فنمت فرأيت في المنام
كأنّ إنساناً ينادي حجّ مبرور ومتعة متقبّلة ، فأتيت ابن عبّاس فحدّثته فقال :
الله أكبر سنّة أبي القاسم صلىاللهعليهوآلهوسلم .
قال القسطلاني في
إرشاد الساري (٣ / ٢٠٤) : وكأنّ
ناساً كرهوها ، يعني كعمر ابن الخطّاب وعثمان بن عفّان وغيرهما ممّن نقل عنه
الخلاف في ذلك.
١٢ ـ عن ابن سيرين
؛ أنّه سُئل عن المتعة بالعمرة إلى الحجّ ، قال : كرهها عمر ابن الخطّاب وعثمان بن
عفّان ، فإن يكن علماً فهما أعلم منّي ، وإن يكن رأياً فرأيهما أفضل. أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم (٢ / ٣١) ، وفي مختصره (ص ١١١).
١٣ ـ عن الأسود بن
يزيد ، قال : بينما أنا واقف مع عمر بن الخطّاب بعرفة عشيّة عرفة فإذا هو برجل
مرجّل شعره يفوح منه ريح الطيب ، فقال له عمر : أمحرم أنت؟ قال : نعم. فقال عمر :
ما هيأتك بهيأة محرم إنّما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر. قال : إنّي قدمت
متمتِّعاً وكان معي أهلي ، وإنّما أحرمت اليوم. فقال عمر عند ذلك : لا تتمتّعوا في
هذه الأيام فإنِّي لو رخّصت في المتعة لهم لعرّسوا بهنّ في الأراك ثمّ راحوا بهنّ
حجّاجاً.
أخرجه أبو حنيفة
كما في زاد المعاد لابن القيّم (١ / ٢٢٠) فقال :
قال ابن حزم :
__________________
وكان ما ذا؟
وحبّذا ذلك وقد طاف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على نسائه ثمّ أصبح محرماً ، ولا خلاف أنّ الوطء مباح قبل
الإحرام بطرفة عين ، والله أعلم.
أخرجه أبو يوسف
القاضي في كتاب الآثار (ص ٩٧) رواية عن أبي حنيفة ، عن حمّاد ، عن إبراهيم ، عن
عمر بن الخطّاب ؛ أنّه بينا هو واقف بعرفات إذ أبصر رجلاً يقطر رأسه طيباً فقال له
عمر : ألست محرماً ويحك؟ فقال : بلى يا أمير المؤمنين. قال : ما لي أراك يقطر رأسك
طيباً؟ والمحرم أشعث أغبر. قال : أهللت بالعمرة مفردة وقدمت مكة ومعي أهلي ففرغت
من عمرتي ، حتى إذا كان عشيّة التروية أهللت بالحجّ ، قال : فرأى عمر أنّ الرجل قد
صدقه إنّما عهده بالنساء والطيب بالأمس ، فنهى عمر عند ذلك عن المتعة وقال : إذاً
والله لأوشكتم لو خلّيت بينكم وبين المتعة أن تضاجعوهنّ تحت أراك عرفة ثمّ تروحون
حجّاجاً.
١٤ ـ عن ابن عبّاس
، قال : سمعت عمر يقول : والله إنّي لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله ،
ولقد فعلها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعني العمرة في الحجّ. أخرجه النسائي في سننه (٥ / ١٥٣).
١٥ ـ عن عبد الله
بن عمر ؛ أنّ عمر بن الخطّاب قال : افصلوا بين حجّكم وعمرتكم ، فإنّ ذلك أتمّ لحجّ
أحدكم ، وأتمّ لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحجّ.
موطّأ مالك (١ / ٢٥٢) ، سنن
البيهقي (٥ / ٥) ، تيسير الوصول (١ / ٢٧٩) ،
وأخرجه ابن أبي شيبة كما في الدرّ المنثور (١ / ٢٨١) ولفظه :
قال عمر : افصلوا
بين حجّكم وعمرتكم ، اجعلوا الحجّ في أشهر الحجّ ،
__________________
واجعلوا العمرة في
غير أشهر الحجّ ، أتمّ لحجّكم ولعمرتكم.
١٦ ـ عن سعيد بن
المسيّب : أنّ عمر بن الخطّاب نهى عن المتعة في أشهر الحجّ وقال : فعلتها مع رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا أنهى عنها ، وذلك أنّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق
شعثاً نصباً معتمراً في أشهر الحجِّ ، وإنّما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثمّ
يقدم فيطوف بالبيت ويحلُّ ويلبس ويتطيّب ويقع على أهله إن كانوا معه ، حتى إذا كان
يوم التروية أهلَّ بالحجّ وخرج إلى منى يلبِّي بحجّة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية
إلاّ يوماً والحجّ أفضل من العمرة ، لو خلّينا بينهم وبين هذا لعانقوهنّ تحت
الأراك ، مع أنّ أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنّما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم.
ذكره السيوطي في
جمع الجوامع كما في ترتيبه الكنز (٣ / ٣٢) نقلاً عن
أبي نعيم في الحلية ، وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي.
١٧ ـ أخرج القاضي
أبو يوسف في كتاب الآثار (ص ٩٩) ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال :
إنّما نهى عمر عن الإفراد ـ يعني إفراد المتعة ـ فأمّا القران فلا.
ـ ٦٩ ـ
متعة النساء
١ ـ عن جابر بن
عبد الله قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر حتى ـ ثمّ ـ نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .
__________________
صحيح مسلم (١ /
٣٩٥) ، جامع الأُصول لابن الأثير ، تيسير الوصول لابن الديبع (٤ / ٢٦٢) ، زاد
المعاد لابن القيّم (١ / ٤٤٤) ، فتح الباري لابن حجر (٩ / ١٤١) ، كنز العمّال (٨ /
٢٩٤).
٢ ـ عن عروة بن
الزبير : أنّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقالت : إنّ
ربيعة بن أُميّة استمتع بامرأة مولّدة فحملت منه ، فخرج عمر رضى الله عنه يجرّ
رداءه فزعاً فقال : هذه المتعة ، ولو كنت تقدّمت فيه لرجمته.
إسناد صحيح رجاله
كلّهم ثقات أخرجه مالك في الموطّأ (٢ / ٣٠) ،
والشافعي في كتاب الأُمّ (٧ / ٢١٩) ،
والبيهقي في السنن الكبرى (٧ / ٢٠٦).
٣ ـ عن الحكم ،
قال : قال عليّ رضى الله عنه : «لو لا أنّ عمر رضى الله عنه نهى عن المتعة ما زنى
إلاّ شقي».
صورة أخرى :
عن الحكم ؛ أنّه
سُئل عن هذه الآية ـ آية متعة النساء ـ أمنسوخة؟ قال : لا.
وقال عليّ : «لو
لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي» .
تفسير الطبري (٥ /
٩) بإسناد صحيح ، تفسير الثعلبي ، تفسير الرازي (٣ / ٢٠٠) ، تفسير أبي حيّان (٣ /
٢١٨) ، تفسير النيسابوري ، الدرّ المنثور (٢ / ١٤٠) بعدّة طرق.
٤ ـ عن ابن جريج ،
عن عطاء ، قال : سمعت ابن عبّاس يقول : رحم الله عمر
__________________
ما كانت المتعة
إلاّ رحمة من الله تعالى رحم بها أُمّة محمد ، ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا
إلاّ شفى .
أحكام القرآن
للجصّاص (٢ / ١٧٩) ، بداية المجتهد لابن رشد (٢ / ٥٨) ، النهاية لابن الأثير (٢ /
٢٤٩) ، الغريبين للهروي ، الفائق للزمخشري (١ / ٣٣١) ، تفسير القرطبي (٥ / ١٣٠)
وفيه بدل إلاّ شفى : إلاّ شقيّ. وكذلك في تفسير السيوطي (٢ / ١٤٠) من طريق
الحافظين عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء ، لسان العرب لابن منظور (١٩ / ١٦٦) ،
تاج العروس (١٠ / ٢٠٠) وحذف من صدر الحديث : رحم الله عمر ، وزاد هو وابن منظور.
قال عطاء : والله لكأنّي أسمع قوله إلاّ شفىً .
٥ ـ أخرج الحافظ
عبد الرزاق في مصنّفه عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير عن جابر قال : قدم
عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة ، فأُتي بها عمر وهي حبلى ، فسأله فاعترف ،
قال : فذلك حين نهى عنها عمر. فتح الباري (٩ / ١٤١).
٦ ـ أخرج الحافظ
ابن أبي شيبة ، عن نافع : أنّ ابن عمر سُئل عن المتعة ، فقال : حرام.
فقيل له : ابن عبّاس يفتي بها ، قال : فهلاّ ترمرم بها ـ تزمزم ـ في زمان عمر.
الدرّ المنثور (٢ / ١٤٠) ، جمع
الجوامع نقلاً عن ابن جرير.
__________________
٧ ـ أخرج الطبري ،
عن جابر ، قال : كانوا يتمتّعون من النساء حتى نهاهم عمر بن الخطّاب. كنز العمّال (٨ / ٢٩٣).
٨ ـ عن سليمان بن
يسار ، عن أُمّ عبد الله ابنة أبي خيثمة : أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها فقال
: إنّ العزبة قد اشتدّت عليَّ فأبغيني امرأةً أتمتّع معها. قالت : فدللته على
امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولاً ، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ إنّه
خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليَّ فسألني أحقّ ما حدّثت؟
قلت : نعم. قال :
فإذا قدم فأذنيني ، فلمّا قدم أخبرته ، فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته؟
قال : فعلته مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثمّ مع أبي بكر فلم
ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً. فقال عمر : أما والذي
نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك ، بيّنوا حتى يعرف النكاح من السفاح. كنز
العمّال (٨ / ٢٩٤) من طريق
الطبري.
٩ ـ أخرج الحفّاظ
عبد الرزّاق ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير الطبري ، عن عليّ أمير المؤمنين ، قال : «لو لا ما سبق من رأي عمر
بن الخطّاب لأمرت بالمتعة ، ثمّ ما زنى إلاّ شقيّ». كنز العمّال (٨ / ٢٩٤).
١٠ ـ قال عطاء :
قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا
المتعة ، فقال : استمتعنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وعمر.
__________________
وفي لفظ أحمد :
حتى إذا كان في آخر خلافة عمر رضى الله عنه.
صحيح مسلم (١ / ٣٩٥) في باب
نكاح المتعة ، مسند أحمد (٣ / ٣٨٠) ، وذكره
فخر الدين أبو محمد الزيلعي في تبيان الحقائق شرح كنز الدقائق ولفظه : تمتّعنا على
عهد رسول الله وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى الناس عنه.
١١ ـ عن عمران بن
حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى لم تنزل آية بعدها تنسخها ، فأمرنا
بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومات ولم ينهنا عنها ، قال رجل بعد برأيه ما شاء .
ذكره المفسِّرون
عند قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) في بيان حجّة من جوّز متعة النكاح ، وبعضهم في مقام إثبات
نسبة الجواز إلى عمران بن حصين. راجع تفسير الثعلبي ، تفسير الرازي (٣ / ٢٠٠ و ٢٠٢) ، تفسير أبي
حيّان (٣ / ٢١٨) ، تفسير النيسابوري.
١٢ ـ عن نافع ، عن
عبد الله بن عمر ؛ أنّه سُئل عن متعة النساء ، فقال : حرام ؛ أما إنّ عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه لو أخذ فيها أحداً لرجمه بالحجارة.
السنن الكبرى
للبيهقي (٧ / ٢٠٦).
١٣ ـ كان عمر
رضوان الله عليه يقول : والله لا أُوتي برجل أباح المتعة إلاّ رجمته. ذكره سبط ابن
الجوزي في مرآة الزمان.
__________________
١٤ ـ عن أبي سعيد
الخدري وجابر بن عبد الله ، قالا : تمتّعنا إلى نصف من خلافة عمر رضى الله عنه حتى
نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث. عمدة القاري للعيني (٨ / ٣١٠).
وأخرجه ابن رشد في
بداية المجتهد (٢ / ٥٨) عن جابر بلفظ : تمتّعنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ، ثمّ نهى عنها عمر الناس.
١٥ ـ عن أيّوب ؛
قال عروة لابن عبّاس : ألا تتّقي الله ترخِّص في المتعة؟ فقال ابن عبّاس : سل
أُمّك يا عريّة! فقال عروة : أمّا أبو بكر وعمر فلم يفعلا. فقال ابن عبّاس : والله
ما أراكم منتهين حتى يعذِّبكم الله ، نحدِّثكم عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتحدِّثونا عن أبي بكر وعمر .
إحالة ابن عبّاس
فصل القضاء على أُمِّ عروة أسماء بنت أبي بكر إنّما هي لتمتّع الزبير بها ، وأنّها
ولدت له عبد الله ، قال الراغب في المحاضرات (٢ / ٩٤) : عيّر
عبد الله ابن الزبير عبد الله بن عبّاس بتحليله المتعة ، فقال له : سل أُمّك كيف
سطعت المجامر بينها وبين أبيك ، فسألها فقالت : ما ولدتك إلاّ في المتعة.
وقال ابن عبّاس :
أوّل مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير .
وأخرج مسلم في
صحيحه (١ / ٣٥٤) عن مسلم
القري ، قال : سألت ابن عبّاس عن متعة الحجّ فرخّص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها
، فقال : هذه أُمّ ابن
__________________
الزبير تحدِّث أنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رخّص فيها فادخلوا عليها فاسألوها. قال : فدخلنا عليها
فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت : قد رخّص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها.
أخرجه بهذا اللفظ
من طريقين ، ثمّ قال : فأمّا عبد الرحمن ففي حديثه (المتعة) ولم يقل (متعة الحجّ).
وأمّا ابن جعفر فقال : قال شعبة : قال مسلم ـ يعني القري ـ : لا أدري متعة الحجّ
أو متعة النساء.
والمتعة وإن
أُطلقت في لفظ عبد الرحمن ولا يدري مسلم أيّ المتعتين هي ، غير أنّ أبا داود
الطيالسي أخرج في مسنده (ص ٢٢٧) عن مسلم القري ، قال : دخلنا على أسماء بنت أبي
بكر فسألناها عن متعة النساء ، فقالت : فعلناها على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
نعم ، فيما أخرجه
أحمد في مسنده (٦ / ٣٤٨) متعة
الحجّ ، رواه من طريق شعبة ، وقد سمعت حكايته عن مسلم تردده ، فلعلّها قيّدت بعد
بذلك تحفّظاً على كرامة ابن الزبير ، وتخفّياً على القارئ كونه وليد المتعة.
١٦ ـ أخرج ابن
الكلبي ، أنّ سلمة بن أُميّة بن خلف الجمحي استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أُميّة
بن الأوقص الأسلمي ، فولدت له فجحد ولدها ، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة. وروى
أيضاً : أنّ سلمة استمتع بامرأة فبلغ عمر فتوعّده. الإصابة (٢ / ٦٣).
__________________
المتعتان
متعة الحجّ ومتعة النساء
١ ـ عن أبي نضرة ،
قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آتٍ فقال : ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في
المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. صحيح مسلم (١ / ٣٩٥) ، سنن
البيهقي (٧ / ٢٠٦).
صورة أخرى :
عن أبي نضرة ، عن
جابر رضى الله عنه ، قال : قلت : إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وإنّ ابن عبّاس
يأمر بها. قال : على يدي جرى الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومع أبي بكر رضى الله عنه ، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال
: إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الرسول ، وإنّ القرآن هذا القرآن ، وإنّهما كانتا
متعتان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما : إحداهما متعة النساء ،
ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحجّ.
سنن البيهقي (٧ /
٢٠٦) فقال : أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام.
__________________
صورة ثالثة :
عن جابر بن عبد
الله ، قال : تمتّعنا متعتين على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحجّ والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهينا.
أخرجه إمام
الحنابلة أحمد في مسنده (٣ / ٣٥٦ ، ٣٦٣)
بطريقين ؛ أحدهما طريق عاصم صحيح رجاله كلّهم ثقات بالاتّفاق. وذكره السيوطي كما
في كنز العمّال (٨ / ٢٩٣) عن
الطبري.
صورة رابعة :
عن أبي نضرة ، قال
: كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر
بن عبد الله ، فقال : على يدي دار الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحلُّ لرسوله ما شاء بما
شاء فأتمّوا الحجّ والعمرة كما أمر الله ، وانتهوا ـ وأبتوا ـ عن نكاح هذه النساء
، لا أُوتى برجل نكح ـ تزوّج ـ امرأة إلى أجل إلاّ رجمته .
صحيح مسلم (١ /
٤٦٧) ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ١٧٨) ، سنن البيهقي (٥ / ٢١) ، تفسير الرازي (٣
/ ٢٦) ، كنز العمّال (٨ / ٢٩٣) ، الدرّ المنثور (١ / ٢١٦).
صورة خامسة :
قال قتادة : سمعت
أبا نضرة يقول : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ ابن الزبير ينهى
__________________
عن المتعة وإنّ ابن
عبّاس يأمر بها ، قال جابر : على يدي دار الحديث ، تمتّعنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا كان عمر بن الخطّاب ، وقال : إنّ الله عزّ وجلّ
كان يحلُّ لنبيّه ما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ،
واتّبعوا نكاح هذه النساء ، فلا أُوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته. مسند
أبي داود الطيالسي (ص ٢٤٧).
قال
الأميني : لمّا لم يكن رجم
المتمتّع بالنساء مشروعاً ولم يحكم به فقهاء القوم لشبهة العقد هناك ، قال الجصّاص
بعد ذكر الحديث : فذكر عمر الرجم في المتعة جائز أن يكون على جهة الوعيد
والتهديد لينزجر الناس عنها.
٢ ـ عن عمر ، أنّه
قال في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما : متعة الحجّ ، ومتعة النساء ، وفي لفظ الجصّاص :
لو تقدّمت فيها لرجمت .
البيان والتبيين للجاحظ
(٢ / ٢٢٣) ، أحكام القرآن للجصّاص (١ / ٣٤٢ ، ٣٤٥ و ٢ / ١٨٤) ، تفسير القرطبي (٢ /
٣٧٠) ، المبسوط للسرخسي الحنفي ـ في باب القرآن من كتاب الحجّ ـ وصحّحه ، زاد
المعاد لابن القيّم (١ / ٤٤٤) فقال : ثبت عن عمر ، تفسير الفخر الرازي (٢ / ١٦٧ و
٣ / ٢٠١ ، ٢٠٢) ، كنز العمّال (٨ / ٢٩٣) نقله عن كتاب أبي صالح والطحاوي ، و (ص
٢٩٤) عن ابن جرير الطبري وابن عساكر ، ضوء الشمس (٢ / ٩٤).
استدلّ المأمون
على جواز المتعة بهذا الحديث وهمَّ بأن يحكم بها ، كما في تاريخ
__________________
ابن خلّكان (٢ / ٣٥٩) طبع
إيران واللفظ هناك : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى عهد أبي بكر رضى الله عنه وأنا أنهى عنهما.
خطبة عمر هذه في
المتعتين من المتسالم عليه بالألفاظ المذكورة ، غير أنّ أحمد إمام الحنابلة أخرج الحديث باللفظ الثاني لجابر وحذف منه ما حسبه خدمة
للمبدإ ولفظه : فلمّا ولي عمر رضى الله عنه خطب الناس فقال : إنّ القرآن هو القرآن
وإنّ رسول الله هو الرسول وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ إحداهما متعة الحجّ ، والأخرى متعة النساء.
٣ ـ أخرج الحافظ
ابن أبي شيبة ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : نهى عمر عن متعتين : متعة النساء ومتعة
الحجّ. الدرّ المنثور (٢ / ١٤٠) ، كنز
العمّال (٨ / ٢٩٣) نقلاً
عن مسدّد.
٤ ـ أخرج الطبري ،
عن عروة بن الزبير ، أنّه قال لابن عبّاس : أهلكت الناس ، قال : وما ذاك؟ قال :
تفتيهم في المتعتين وقد علمت أنّ أبا بكر وعمر نهيا عنهما؟ فقال : ألا للعجب إنِّي
أُحدِّثه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويحدّثني عن أبي بكر وعمر. فقال : هما كانا أعلم بسنّة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأتبع لها منك. كنز العمّال (٨ / ٢٩٣) ، مرآة
الزمان للسبط الحنفي (ص ٩٩).
٥ ـ قال الراغب في
المحاضرات (٢ / ٩٤): قال
يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة :
__________________
بمن اقتديت في
جواز المتعة؟ قال : بعمر بن الخطّاب رضى الله عنه. قال : كيف وعمر كان أشدّ الناس
فيها؟ قال : لأنّ الخبر الصحيح أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله قد أحلاّ
لكم متعتين وإنِّي محرِّمهما عليكم وأُعاقب عليهما. فقبلنا شهادته ولم نقبل
تحريمه.
٦ ـ أخرج الطبري
في تاريخه (٥ / ٣٢) عن عمران
بن سوادة ، قال : صلّيت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثمّ انصرف وقمت معه ،
فقال : أحاجة؟ قلت : حاجة. قال : فالحق. قال : فلحقت ، فلمّا دخل أذن لي ، فإذا هو
على سرير ليس فوقه شيء ، فقلت : نصيحة. فقال : مرحباً بالناصح غدوّا وعشيّا. قلت :
عابت أُمّتك [منك] أربعاً. قال : فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على
فخذه ثمّ قال : هات. قلت : ذكروا أنك حرّمت العمرة في أشهر الحجِ ولم يفعل ذلك
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا أبو بكر رضى الله عنه وهي حلال. قال : هي حلال ، لو
أنّهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزية من حجِّهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع
حجّهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت. قلت : وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد
كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث. قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى السعة ثمّ لم أعلم
أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث
بطلاق وقد أصبت. قال : قلت : وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيّدها.
قال : ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلاّ الخير وأستغفر الله. قلت : وتشكو منك نهر
الرعيّة وعنف السياق. قال : فشرع الدرّة ثمّ مسحها حتى أتى على آخرها ، ثمّ قال :
أنا زمّيل محمد ـ وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر ـ فو الله إنّي لأرتع فأُشبع ،
وأسقي فأروي ، وأنهز اللفوت وأزجر العروض
__________________
وأذب قدري ، وأسوق
خطوي ، وأضمّ العنود وألحق القطوف وأكثر الزجر ، وأقل الضرب ، وأشهر العصا ، وأدفع باليد ،
لو لا ذلك لأعذرت . قال : فبلغ ذلك معاوية فقال : كان والله عالماً برعيّتهم.
وذكره ابن أبي
الحديد في شرحه (٣ / ٢٨) نقلاً عن
ابن قتيبة والطبري.
٧ ـ أخرج الطبري
في المستبين ، عن عمر أنّه قال : ثلاث كنَّ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا محرّمهنَّ ومعاقب عليهنَّ : متعة الحجِّ ، ومتعة
النساء ، وحيَّ على خير العمل في الأذان.
وذكره القوشجي في
شرح التجريد وسيوافيك قوله فيه. وحكاه عن الطبري الشيخ علي البياضي في
كتابه الصراط المستقيم .
هذا شطر من أحاديث
المتعتين وهي تربو على أربعين حديثاً بين صحاح وحسان تعرب عن أنّ المتعتين كانتا
على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونزل فيهما القرآن وثبتت إباحتهما بالسنّة وأوّل من نهى
عنهما عمر.
وعدّه العسكري في
أوائله ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص ٩٣) ،
__________________
والقرماني في
تاريخه ـ هامش الكامل ـ (١ / ٢٠٣) ، أوّل من حرّم المتعة.
نظرة في المتعتين
هذه جملة ممّا ورد
فيهما من الأحاديث ، وهي كما ترى بنفسها وافية بإثبات تشريعهما على العهد النبوي
كتاباً وسنّة من دون نسخ يعقب حكمهما ، أضف إليها من الأحاديث الكثيرة الدالّة على
إباحتهما ولم نذكرها لخلوِّها عن نهي عمر ، ولم يكن النهي منه في المتعتين إلاّ
رأياً محضاً أو اجتهاداً مجرّداً تجاه النصِّ.
أمّا متعة الحجِّ
:
فقد نهى عنها لما
استهجنه من توجّه الناس إلى الحجِّ ورؤوسهم تقطر ماءً بعد مجامعة النساء بعد تمام
العمرة ، لكنّ الله سبحانه كان أبصر منه بالحال ، ونبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعلم ذلك حين شرّع إباحة متعة الحجِّ حكماً باتّا
أبديّا إلى يوم القيامة كما هو نصُّ الأحاديث الآنفة والآتية ، ولم يكن ما جاء به
إلاّ استحساناً يخصُّ به لا يعوّل عليه وجاه الكتاب والسنّة.
هذا ما رآه
الخليفة هو بنفسه في مستند حكمه ، وهناك أقاويل منحوتة جاءوا بها شوهاء ليعضدوا
تلك الفتوى المجرّدة ، ويبرِّروا بها ما قدم عليه الخليفة وتفرّد به ، وكلّها
يخالف ما نصَّ عليه هو بنفسه ، وهي أعذار مفتعلة لا تدعم قولاً ولا تغني من الحقِّ
شيئاً. فمنها :
١ ـ إنّ المتعة
التي نهى عنها عمر هي فسخ الحجِّ إلى العمرة التي يحجّ بعدها. وتدفعه نصوص الصحاح
المذكورة عن ابن عبّاس ، وعمران بن الحصين ، وسعد بن أبي وقّاص ، ومحمد بن عبد
الله بن نوفل ، وأبي موسى الأشعري ، والحسن ، وبعدها
__________________
نصوص العلماء على
أنّ المنهيّ عنه للخليفة هو متعة الحجِّ والجمع بين الحجِّ والعمرة.
وقبل هذه كلّها
تنصيص عمر نفسه على ذلك وتعليله للنهي عنها بقوله : إنّي أخشى أن يعرِّسوا بهنّ
تحت الأراك ثمّ يروحوا بهن حجّاجاً. وقوله : إنِّي لو رخّصت في المتعة لهم لعرّسوا
بهنّ في الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجّاجاً. وقوله : كرهت أن يظلّوا معرِّسين بهنّ في
الأراك ثمّ يروحوا في الحجِّ تقطر رءوسهم.
وقال الشيخ بدر
الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (٤ / ٥٦٨) : قال
عياض وغيره جازمين ؛ بأنّ المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان هي فسخ الحجِّ إلى
العمرة لا العمرة التي يحجّ بعدها. قلت : يرد عليهم ما جاء في رواية مسلم في بعض
طرقه التصريح بكونها متعة الحجِّ ، وفي رواية له : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعمر بعض أهله في العشر. وفي رواية له : جمع بين حجّ
وعمرة. ومراده التمتّع المذكور وهو الجمع بينهما في عام واحد. انتهى.
٢ ـ اختصاص إباحة
المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فحسب. عزوا ذلك إلى عثمان وإلى الصحابي العظيم أبي ذر
الغفاري ، ويرد عليه كما في زاد المعاد لابن القيّم (١ / ٢١٣) : إنّ
تلكم الآثار الدالّة على الاختصاص بالصحابة بين باطل لا يصحّ عمّن نُسب إليه
البتّة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص المشرِّع المعصوم. ففي
صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول الله لعامنا هذا
أم للأبد؟ قال : «لا بل للأبد ـ لأبد الأبد» .
__________________
وفي صحيحة أخرى ،
عن سراقة ، قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطيباً فقال : «ألا إنّ العمرة قد دخلت في الحجِّ إلى يوم
القيامة» .
وفي صحيحة عن ابن
عبّاس ، قال : «دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة» قال الترمذي بعده
في صحيحه (١ / ١٧٥) : وفي
الباب عن سراقة بن مالك وجابر بن عبد الله ، ومعنى هذا الحديث : أن لا بأس بالعمرة
في أشهر الحجّ ، وهكذا فسّره الشافعي وأحمد وإسحاق ، ومعنى هذا الحديث : أنّ أهل
الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحجِّ ، فلمّا جاء الإسلام رخّص النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك فقال : «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة». يعني
لا بأس بالعمرة في أشهر الحجِّ. انتهى.
وفي صحيحة عن عمر
نفسه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أتاني جبرئيل عليهالسلام وأنا بالعقيق فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك ركعتين
وقل : عمرة في حجّة فقد دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» . فما أجرأ الخليفة على سنّة أخبره بها رسول الله ، وأتى
بها جبرئيل!
وقال السندي في
حاشية سنن ابن ماجة (٢ / ٢٣١) : ظاهر حديث بلال موافقة نهي عمر عن المتعة ،
والجمهور على خلافه ، وأنّ المتعة غير مخصوصة بهم ، فلذلك حملوا المتعة بالفسخ
والله أعلم. انتهى.
وحديث بلال هذا من
الأحاديث الدالّة على اختصاص المتعة بالصحابة ، وفيه
__________________
قال أحمد : لا
يعرف هذا الرجل ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديث بلال عندي بثبت. وقال
ابن القيّم في زاد المعاد بعد نقله قول أحمد : قلت : وممّا يدلّ على صحّة قول الإمام
أحمد ، وأن هذا الحديث لا يصحّ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر عن المتعة أنّها للأبد ، فنحن نشهد بالله أنّ حديث
بلال هذا لا يصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو غلط عليه ، وكيف تقدّم رواية بلال على روايات الثقات
الأثبات إلى أن قال :
قال المجوّزون
للفسخ : هذا قول فاسد لا شكّ فيه بل هذا رأي لا شكّ فيه ، وقد صرّح بأنّه رأي من
هو أعظم من عثمان وأبي ذرّ وعمران بن حصين. ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : تمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل القرآن ، فقال رجل برأيه ما شاء ، ولفظ مسلم : نزلت آية المتعة في كتاب الله عزّ وجلّ ـ يعني متعة
الحجّ ـ وأمرنا بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ متعة الحجّ ولم ينهَ عنها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ : يريد عمر. وقال
عبد الله بن عمر لمن سأله عنها وقال : إنّ أباك نهى عنها : أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحقّ أن يتّبع أو أبي؟ وقال ابن عبّاس لمن كان يعارضه فيها
بأبي بكر وعمر : يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر.
فهذا جواب العلماء
لا جواب من يقول : عثمان وأبو ذرّ أعلم برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منكم ، وهلاّ قال ابن عبّاس وعبد الله بن عمر : أبو بكر
وعمر أعلم برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منّا؟ ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من التابعين يرضى
بهذا الجواب في دفع نصّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهم كانوا أعلم بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدّموا على
قول المعصوم رأي غير المعصوم.
__________________
ثمّ ثبت النصّ عن
المعصوم بأنّها باقية إلى يوم القيامة ، وقد قال ببقائها عليّ بن أبي طالب رضى
الله عنه ، وسعد بن أبي وقّاص ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وأبو موسى ، وسعيد ابن
المسيّب ، وجمهور التابعين.
ويدلّ على أنّ ذلك
رأي محض لا يُنسب إلى أنه مرفوع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه لمّا نهى عنها قال له
أبو موسى الأشعري : يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك؟ فقال : إن نأخذ بكتاب
ربِّنا فإنّ الله يقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) . وإن نأخذ بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يحلّ حتى
نحر. فهذا اتّفاق من أبي موسى وعمر على أنّ منع النسخ إلى المتعة والإحرام بها
ابتداءً إنّما هو رأي منه أحدثه في النسك ليس عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن استدلّ له بما استدلّ ، وأبو موسى كان يفتي الناس
الفسخ في خلافة أبي بكر رضى الله عنه كلّها وصدراً من خلافة عمر حتى فاوض عمر رضى
الله عنه في نهيه عن ذلك ، واتّفقا على أنّه رأي أحدثه عمر رضى الله عنه في النسك
، ثمّ صحّ عنه الرجوع عنه. انتهى .
وقال العيني في
عمدة القاري (٤ / ٥٦٢) : فإن
قلت : روي عن أبي ذرّ أنّه قال : كانت متعة الحجّ لأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة ، في صحيح مسلم . قلت : قالوا : هذا قول صحابيّ يخالف الكتاب والسنّة
والإجماع وقول من هو خير منه. أمّا الكتاب فقوله تعالى : (فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) . وهذا عامّ ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتّع في جميع
الأعصار وإنّما اختلفوا في فضله. وأمّا السنّة فحديث سراقة :
__________________
المتعة لنا خاصّة
أو هي للأبد؟ قال : «بل هي للأبد» ، وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحجّ
نحو هذا ، ومعناه أنّ أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتّع ولا يرون العمرة في
أشهر الحجّ إلاّ فجوراً ، فبيّن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الله قد شرّع العمرة في أشهر الحجّ وجوّز المتعة إلى
يوم القيامة. رواه سعيد بن منصور من قول طاوس ، وزاد فيه : فلمّا كان الإسلام
أُمِر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج فدخلت العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة ،
وقد خالف أبا ذرّ عليّ وسعد وابن عبّاس وابن عمر وعمران بن حصين وسائر الصحابة
وسائر المسلمين ، قال عمران : تمتّعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل فيه القرآن فلم ينهنا عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم ينسخها شيء ، فقال فيها رجل برأيه ما شاء. متّفق عليه.
وقال سعد بن أبي وقّاص : فعلناها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعني المتعة وهذا ـ يعني الذي نهى عنها ـ يومئذٍ كافر
بالعرش ـ يعني بيوت مكّة ـ. رواه مسلم .
انتهى. يعني به
معاوية بن أبي سفيان كما في صحيح مسلم. فرأي الخليفة وأمره بالعمرة في غير أشهر
الحجّ عود إلى الرأي الجاهلي قصده أو لم يقصد ، فإنّ أهل الجاهلية كما سمعت كانوا
لا يرون العمرة في أشهر الحجّ ، قال ابن عبّاس : والله ما أعمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر أهل الشرك. وقال :
كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض .
٣ ـ ما أخرجه أبو
داود في سننه (١ / ٢٨٣) ، عن
سعيد بن المسيّب ، أنّ رجلاً من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أتى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فشهد عنده أنّه سمع رسول
الله ٣ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
في مرضه الذي قبض
فيه ينهى عن العمرة قبل الحجّ.
وأجاب عنه بدر
الدين العيني في عمدة القاري (٤ / ٥٦٢) بقوله :
أُجيب عن هذا بأنّه حالة مخالفة للكتاب والسنّة والإجماع كحديث أبي ذرّ ، بل هو
أدنى حالاً منه فإنّ في إسناده مقالاً. انتهى.
وأجاب عنه
الزرقاني في شرح الموطّأ (٢ / ١٨٠) بأنّ
إسناده ضعيف ومنقطع كما بيّنه الحفّاظ.
اعطف إلى حديث ذلك
الرجل الذي لم يعرف ولعلّه لم يولد بعد ، ما أخرجه أبو داود في سننه (١ / ٢٨٣) عن
معاوية بن أبي سفيان أنّه قال لأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل تعلمون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن كذا وكذا وركوب جلود النمور؟ قالوا : نعم. قال :
فتعلمون أنّه نهى أن يقرن بين الحجّ والعمرة؟ فقالوا : أمّا هذا فلا. فقال : أما
إنّها معهنّ ولكنّكم نسيتم.
سبحانك اللهم ما
أجرأهم على نواميس الدين! فلو كان مثل متعة الحجّ التي يشمل حكمها في كلّ سنة مئات
من أُلوف الناس نزل فيها القرآن وفعلها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ ينهى عنها صلىاللهعليهوآلهوسلم وينساه كلّ الصحابة وفيهم كثيرون طالت أيّام صحبتهم ، ولم
يتفوّه به أيّ أحد ، ولم يذكره إلاّ معاوية بن أبي سفيان المتأخّر إسلامه عن
أكثرهم ، المستتبع لقصر صحبته وقلّة سماعه ولا يفوه به إلاّ بعد لأي من عمر الدهر
يوم تولّى الأمر وراقه أن يحذو حذو من تقدّمه ، فأيّ ثقة تبقى بالأحكام عندئذٍ؟
وأي اعتماد يحصل للمسلم عليها؟ ولعمر الحقِّ ليست هذه كلّها إلاّ لعباً بالشريعة
المطهّرة وتسريباً للأهواء فيها ، وما كانت هي عند أُولئك الرجال إلاّ قوانين
__________________
سياسية وقتيّة
تدور بنظر من ساسها ورأي من تولّى أزمّتها.
وشفع الحديثين بما
رواه أحمد في رواية من أنّ أوّل من نهى عنها معاوية وتمتّع أبو بكر
وعمر وعثمان. وفي أخرى أنّ أبا بكر نهى عنها. فهو مضادّ في معاوية لجميع ما تقدّم
من الصحاح ، وفي أبي بكر لأكثرها ، وأحسب أنّ من لفّق الرواية الأُولى أراد
تخفيفاً عن عمر بإلقاء النهي على عاتق معاوية ، ومن اختلق الثانية جعل ذلك الرأي
من سنّة الشيخين ليقوى جانبه ، ذاهلاً عن أنّ الكتاب والسنّة يأتيان على كلّ قول
وفتوى يتحيّزان عنهما لأيّ قائل كان القول ، ومن أي مُفتٍ صدرت الفتوى.
قال العيني في
عمدة القاري (٤ / ٥٦٢) : فإن
قلت : قد نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية ، قلت : قد أنكر عليهم علماء الصحابة
وخالفوهم في فعلها ، والحقّ مع المنكرين عليهم دونهم. انتهى.
ولم يكن عزو
التمتّع إلى عثمان في حديث أحمد والترمذي إلاّ من ذاهل مغفّل عن أحاديث كثيرة
دالّة على نهيه عنها أخرجها أئمّة الحديث وحفّاظه في الصحاح والمسانيد ، وفيها اعتراضه على مثل عليّ أمير المؤمنين وتمتّعه بقوله
: تراني أنهى الناس عن شيء وأنت تفعله؟ فقال عليهالسلام : «ما كنت لأدعَ سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقول
__________________
أحد من الناس» . وفي حديث آخر عند البخاري : فقال عليّ : «ما تريد إلاّ أن تنهى عن أمر فعله رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» .
وقد بلغت شدّة
نكير عثمان على من تمتّع إلى حدّ كاد أن يقتل من جرّائه مولانا أمير المؤمنين. أخرج
أبو عمر في كتاب جامع العلم (٢ / ٣٠) وفي
مختصره صحيفة (١١١) ، عن عبد الله بن الزبير ؛ أنّه قال : أنا
والله لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري ، إذ
قال عثمان وذكر له التمتّع بالعمرة إلى الحجّ : أن أتمّوا الحجّ وخلّصوه في أشهر
الحجّ ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فإنّ الله قد
وسّع في الخير. فقال له عليّ : «عمدت إلى سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورخصة رخّص للعباد بها في كتابه ، تضيّق عليهم فيها
وتنهى عنها ، وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار» ، ثمّ أهلَّ بعمرة وحجّة معاً ،
فأقبل عثمان على الناس فقال : وهل نهيت عنها؟ إنّي لم أنهَ عنها إنّما كان رأياً
أشرت به ، فمن شاء أخذ به ، ومن شاء تركه.
قال : فما أنسى
قول رجل من أهل الشام مع حبيب بن مسلمة : أُنظر إلى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟
والله لو أمرني لضربت عنقه. قال : فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره وقال : اسكت
فضَّ الله فاك ؛ فإنّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلم بما يختلفون فيه.
وبما ذكر يظهر
فساد بقيّة ما قيل من الوجوه المبرّرة لرأي الخليفة ، ومن ابتغى
__________________
وراء ذلك تفصيلاً
في الموضوع فعليه بزاد المعاد لابن قيّم الجوزيّة (١ / ١٧٧ ـ ٢٢٥)
أمّا متعة النساء
:
فالذي يظهر من
كلمات عمر أنّه كان يعدّها من السفاح ، ولذلك قال في حديث مرّ في صحيفة (٢٠٧) :
بيّنوا حتى يُعرف النكاح من السفاح. ولم يكن عند ذلك وفي عهد الصحابة كلّهم من
حديث النسخ عين ولا أثر ، وكان إذا شجر بينهم خلاف في ذلك استند المجوّزون إلى
الكتاب والسنّة ، والمانعون إلى قول عمر ونهيه عنها ، كما ينفي النسخ بكلّ صراحة
قول الخليفة : أنا أنهى عنهما ، وهو صريح ما مرّ عن أمير المؤمنين عليهالسلام وعبد الله بن العبّاس من إسناد النهي إلى عمر فحسب ، وسيأتي عن ابن عبّاس
قوله : إنّ آية المتعة محكمة. يعني لم تنسخ ، ومرّ في (ص ٢٠٦) عن الحَكم أنّها غير
منسوخة وإلى هذا استند كلّ من أباحها من الصحابة والتابعين ومنهم :
١ ـ عمران بن
الحصين ، مرّ حديثه (ص ٢٠٨).
٢ ـ جابر بن عبد
الله ، مرّ حديثه (ص ٢٠٨ و ٢٠٩ ـ ٢١١).
٣ ـ عبد الله بن
مسعود ، يأتي حديث قراءته : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل. وعدّه ابن حزم في
المحلّى والزرقاني في شرح الموطّأ ممّن ثبت على إباحتها.
وأخرج الحفّاظ عنه
أنّه قال : كنّا نغزو مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا
عن ذلك ورخّص لنا أن ننكح بالثوب إلى
__________________
أجل ، ثمّ قال : (لا
تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) .
قال الجصّاص بعد
ذكر الحديث : إنّ الآية من تلاوة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند إباحة المتعة وهو قوله تعالى : (لا
تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) . وذكره ابن كثير في تفسيره (٢ / ٨٧) نقلاً عن الشيخين
وأدخل فيه من عند نفسه : ثمّ قرأ عبد الله.
٤ ـ عبد الله بن
عمر ، أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده (٢ / ٩٥) بإسناده
عن عبد الرحمن بن نعم ـ نعيم ـ الأعرجي ، قال : سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا
عنده ـ متعة النساء ـ فقال : والله ما كنّا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم زانين ولا مسافحين.
٥ ـ معاوية بن أبي
سفيان ، عدّه ابن حزم في المحلّى ، والزرقاني في شرح الموطّأ ممّن ثبت على إباحتها. ومرّ خلافه ويوافيك قولنا الفصل
فيه.
٦ ـ أبو سعيد
الخدري ، المحلّى لابن حزم ، وشرح الموطّأ للزرقاني .
٧ ـ سلمة بن
أُميّة بن خلف ، المحلّى لابن حزم ، وشرح الموطّأ للزرقاني .
__________________
٨ ـ معبد بن
أُميّة بن خلف ، المحلّى لابن حزم ، وشرح الموطّأ للزرقاني.
٩ ـ الزبير بن
العوّام ، راجع صحيفة (٢٠٨ ، ٢٠٩).
١٠ ـ خالد بن
مهاجر بن خالد المخزومي ، قال : بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة
فأمره بها. فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري : مهلاً. فقال : ما هي؟ والله لقد فعلت
في عهد إمام المتّقين .
١١ ـ عمرو بن حريث
، مرّ حديثه (ص ٢٠٧) وفيما أخرجه الطبري عن سعيد ابن المسيّب ، قال : استمتع ابن
حريث وابن فلان كلاهما وولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر .
١٢ ـ أُبيّ بن كعب
، تأتي قراءته : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل.
١٣ ـ ربيعة بن
أُميّة ، مرّ حديثه (ص ٢٠٦).
١٤ ـ سمير ـ في
الإصابة : لعلّه سمرة بن جندب ـ ، قال : كنّا نتمتّع على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. الإصابة (٢ / ٨١).
١٥ ـ سعيد بن جبير
، عدّه ابن حزم ممّن ثبت على إباحتها وتأتي قراءته.
١٦ ـ طاووس
اليماني ، عدّه ابن حزم ممّن ثبت على إباحتها.
١٧ ـ عطاء أبو
محمد المدني ، عدّه ابن حزم ممّن ثبت على إباحتها.
__________________
١٨ ـ السدّي ، كما
في تفسيره ، وتأتي قراءته.
١٩ ـ مجاهد ،
سيأتي قوله في آية المتعة ولم يُعزَ إليه القول بالنسخ.
٢٠ ـ زفر بن أوس
المدني ، كما في البحر الرائق لابن نجيم (٣ / ١١٥).
قال ابن حزم في
المحلّى بعد عدّ جملة ممّن ثبت على إباحة المتعة من الصحابة :
ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. ثمّ قال : ومن
التابعين طاووس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة.
وقال أبو عمر ـ صاحب
الاستيعاب ـ : أصحاب ابن عبّاس من أهل مكة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على
مذهب ابن عبّاس وحرّمها سائر الناس .
وقال القرطبي في
تفسيره (٥ / ١٣٢) : أهل
مكة كانوا يستعملونها كثيراً.
وقال الرازي في
تفسيره (٣ / ٢٠٠) في آية
المتعة : اختلفوا في أنّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلى
أنّها صارت منسوخة. وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحة كما كانت.
وقال أبو حيّان في
تفسيره بعد نقل حديث إباحتها : وعلى هذا جماعة من أهل البيت
والتابعين.
وقد ذهب إلى إباحة
المتعة ؛ مثل ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز المكي
__________________
المتوفّى (١٥٠) ،
قال الشافعي : استمتع ابن جريج بسبعين امرأة. وقال الذهبي : تزوّج نحواً من تسعين
امرأة نكاح المتعة .
وقال السرخسي في
المبسوط : تفسير المتعة أن يقول لامرأة : أتمتّع بك كذا من المدّة
بكذا من المال. وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس ، وهو الظاهر من قول ابن
عبّاس.
وقال فخر الدين
أبو محمد عثمان بن عليّ الزيلعي في تبيان الحقائق شرح كنز الدقائق : قال مالك : هو
ـ نكاح المتعة ـ جائز لأنّه كان مشروعاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه ، واشتهر عن ابن
عبّاس تحليلها وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من أهل اليمن ومكة ، وكان يستدلّ على ذلك
بقوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ، وعن عطاء أنّه قال : سمعت جابراً يقول : تمتّعنا على عهد
رسول الله وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى الناس عنه. وهو يُحكى عن أبي سعيد
الخدري وإليه ذهب الشيعة.
ويُنسب جواز
المتعة إلى مالك في فتاوى الفرغاني تأليف القاضي فخر الدين حسن بن منصور الفرغاني
، وفي خزانة الروايات في الفروع الحنفيّة تأليف القاضي جكن الحنفي ، وفي كتاب الكافي
في الفروع الحنفيّة ، وفي العناية شرح الهداية تأليف أكمل الدين محمد بن محمود
الحنفي ، ويظهر من شرح الموطّأ للزرقاني أنّه أحد قولي مالك.
نعم ؛ جاء قوم
راقهم أن ينحتوا لنهي عمر حجّة قويّة ، فادّعوا نسخ الآية
__________________
بالكتاب تارة
وبالسنّة أخرى ، وتضاربت هناك آراؤهم وكلّ منها يكذّب الآخر ، كما أنّ كلاّ من
قائليها يزيِّف قول الآخر ، فمن قائل : نسخت بقوله تعالى : (يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) .
ومن قائل بنسخها
بقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حافِظُونَ * إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ) . نظراً إلى أنّ المنكوحة متعة ليست بزوجة ولا ملك يمين.
وثالث يقول :
إنّها نُسخت بآية الميراث إذ كانت المتعة لا ميراث فيها.
هذه كلّها دعاوٍ
فارغة ، أيحسب امرؤ أن تخفى هذه الآيات وكونها ناسخة لآية المتعة على أُولئك
الصحابة وفيهم من المجوّزين لها من عرفت ، وفيهم من فيهم ، وفي مقدّمهم سيّدنا
أمير المؤمنين العارف بالكتاب قذاذاته وجذاذاته ، وقد مرّ في صحيفة (٧٢) عن
الحرالي قوله : قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم عليّ.
فكيف ذهب عليه وعلى مثل ابن عبّاس ترجمان القرآن نسخ هذه الآيات آية المتعة ،
وذهبوا إلى إباحتها وما أصاخوا إلى قول أيِّ ناهٍ عنها؟ فالمتمسّكون بهذه الآيات
في النسخ ممّن أخذوا؟ ومن أين أتاهم هذا العلم المساوق للجهل؟
وإن صدقت الأحلام
وكان ابن عبّاس روى النسخ ببعضها كما عزوا إليه ورأى مع ذلك
إباحتها وقال بها إلى آخر نفس لفظه ، وتبعته فيها أُمّة كبيرة فالمصيبة أعظم وأعظم
، وحاشاه أن تكون هذه سيرته وهذا مبلغ ثقته وأمانته بودائع العلم والدين.
على أنّ الآية
الأُولى إنّما أراد سبحانه بها من تبين بالطلاق لا مطلق البينونة ،
__________________
وإلاّ لشملت ملك
اليمين أيضاً فنسخته ولم يقل به أحد ولا عدّه أحد من السفاح.
وأمّا الآية
الثانية ؛ فالقول فيها بنفي الزوجية في المتعة مصادرة محضة ؛ فإنّ القائل بإباحتها
يقول بالزوجيّة فيها وإنّها نكاح ، وعلى ذلك قال القرطبي كما يأتي : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة
نكاح إلى أجل لا ميراث فيه. وعن القاضي كما سيوافيك أنّه قال : اتّفق العلماء على
أنّ هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل لا ميراث فيها.
فالاستدلال بإطلاق
هذه الآية على إباحة نكاح المتعة أولى من التمسّك بها في نسخ آية المتعة.
ثمّ القول بالنسخ
بهذه الآية يُعزى إلى ابن عبّاس وهو كعزو الرجوع عن القول بإباحة المتعة إليه ساقط
عن الاعتبار. قال ابن بطّال : روى أهل مكة واليمن عن ابن عبّاس إباحة المتعة ،
وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصحّ .
وأمّا آية الميراث
فهي أجنبيّة عن المقام ؛ فإنّ نفي الوراثة جاءت بها السنّة في خصوص النكاح المؤجّل
، فهي بمعزل عن نفي عقدة النكاح وعنوان الزوجيّة كما جاء مثله في الولد القاتل أو
الكافر من غير نفي لأصل البنوّة.
وأمّا النسخ
بالسنّة فقد كثر القول فيه واختلفت الآراء اختلافاً هائلاً ، وكلّ منها لا يلائم
الآخر ، والقارئ لا مناص له من هذا الخلاف والتضارب في القول لاختلاف ما اختلقته
يد الوضع فيه من الروايات الجمّة تجاه ما حفظته السنّة الثابتة والتاريخ الصحيح ،
فوضع كلّ من رجال النسخ المفتعل بحسب رأيه وسليقته ذاهلاً عن نسيجة أخيه وفعيلته ،
وإليك جملة من تلكم الأقوال :
__________________
١ ـ كانت رخصة في
أوّل الإسلام نهى عنها رسول الله يوم خيبر.
٢ ـ لم تكن مباحة
إلاّ للضرورة في أوقات ثمّ حرّمت آخر سنة حجّة الوداع. قاله الحازمي.
٣ ـ لا تحتاج إلى
الناسخ إنّما أُبيحت ثلاثة أيّام ، فبانقضائها تنتهي الإباحة.
٤ ـ كانت مباحةً
ونُهي عنها في غزوة تبوك.
٥ ـ أبيحت عام
أوطاس ، ثم نُهي عنها.
٦ ـ أُبيحت في
حجّة الوداع ثمّ نُهي عنها.
٧ ـ أُبيحت ثمّ
نهي عنها عام الفتح.
٨ ـ أُبيحت يوم
الفتح ونُهي عنها يوم ذاك.
٩ ـ ما حلّت قطّ
إلاّ في عمرة القضاء.
١٠ ـ هي الزنا لم
تبح قطّ في الإسلام. قاله النحّاس.
١١ ـ أُبيحت ثمّ
نُهي عنها عام خيبر ، ثمّ أُذن فيها عام الفتح ، ثمّ حرّمت بعد ثلاث.
١٢ ـ أُبيحت في
صدر الإسلام ثمّ حرّمت يوم خيبر ، ثمّ أُبيحت في غزوة أوطاس ثمّ حُرّمت.
١٣ ـ أُبيحت في
صدر الإسلام وعام أوطاس ويوم الفتح وعمرة القضاء ، وحُرّمت يوم خيبر وغزوة تبوك
وحجّة الإسلام.
١٤ ـ أُبيحت ثمّ
نسخت ، ثمّ أُبيحت ثمّ نُسخت ، ثمّ أُبيحت ثمّ نُسخت.
١٥ ـ أُبيحت سبعاً
ونُسخت سبعاً. نُسخت بخيبر ، وحنين ، وعمرة القضاء ،
وعام الفتح ، وعام
أوطاس ، وغزوة تبوك ، وحجّة الوداع .
وإن رمت الوقوف
على الآراء المتضاربة حول أحاديث هذه الأقوال والكلمات الطويلة والعريضة فيها فخذ
القول الأوّل مقياساً ، وقد أخرج حديثه خمسة من أئمّة الصحاح الستّ في صحاحهم
وغيرهم من أئمّة الحديث في مسانيدهم ، وأنهوا إسناده إلى علم أمير المؤمنين فتكلّم القوم فيه :
فمن قائل بأنّ تحريم المتعة يوم خيبر صحيح لا شكّ فيه.
وآخر يقول : هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر أنّ
المتعة حُرّمت يوم خيبر.
وثالث يقول : إنّه غلط ولم يقع في غزوة خيبر تمتّع بالنساء.
ورابع يقول : إنّ التاريخ في الحديث إنّما هو في النهي عن لحوم
الحُمُر الأهليّة
__________________
لا في النهي عن
نكاح المتعة ، فتوهّم بعض الرواة فجعله ظرفاً لتحريمها. انتهى.
كيف خفي هذا الوهم
على طائفة كبيرة من العلماء ومنهم الشافعي وذهبوا إلى تحريمها يوم خيبر كما في زاد
المعاد (١ / ٤٤٢) ، وكيف
عزب عن مثل مسلم وأخرجه في صحيحه بلفظ : نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وفي لفظه الآخر : نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر. وفي ثالث
الألفاظ له : نهى عنها يوم خيبر. وفي لفظ رابع له : نهى رسول الله عن متعة النساء
يوم خيبر؟
وجاء خامس يزيّف ويضعف أحاديث بقيّة الأقوال فيقول : فلم يبق صحيح
صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام.
هذا شأن أصح رواية
أخرجتها أئمّة الحديث في النهي عن المتعة ، والخطب في بقيّة مستند تلكم الأقوال
أعظم وأعظم ، وأفظع من هذه كلّها نعرات القرن العشرين لصاحبها موسى الوشيعة ؛
فإنّه جاء بطامّات قصرت عنها يد اللاعبين بالكتاب والسنّة في القرون المتقادمة ،
وأتى برأيٍ جديد خداج ومذهب مخترع يخالف رأي سلف الأُمّة جمعاء ، ولا يساعده في
تقوّلاته أيّ مبدأ من المبادئ الإسلامية ولا شيء من الكتاب والسنّة.
قال : وللأُمّة في
المتعة كلام طويل عريض ، وأرى أنّ المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية ، ويمكن أنّها
قد وقعت من بعض الناس في صدر الإسلام ، ويمكن أنّ الشارع الكريم قد أقرّها لبعض
الناس في الأحوال من باب ما نزل فيها إلاّ ما قد سلف ... وقد نزل في أشدّ
المحرّمات ، كانت المتعة أمراً تاريخيّا ولم تكن حكماً شرعياً بإذن من
__________________
الشارع ، وإن
ادّعى مدّعٍ أنّ المتعة كانت حلالاً طلقاً بإذن من الشارع وإقرار منه فلتكن ولنقل
أن لا بأس بها ولا كلام لنا في هذه على ردّها.
وإنّما كلامي الآن
في أنّ المتعة هل ثبتت في القرآن أو لا؟
كتب الشيعة تدّعي
أنّ المتعة نزل فيها قول الله جلّ جلاله : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).
وأرى أنّ أدب
البيان يأبى وعربيّة هذه الجملة الكريمة تأبى أن تكون هذه الجملة الجليلة الكريمة
قد نزلت في المتعة ؛ لأنّ تركيب هذه الجملة يفسد ونظم هذه الآية الكريمة يختلّ لو
قلنا إنّها نزلت فيها (ص ٣٢).
أمّا متعة النكاح
ونكاح المتعة فلم ينزل قرآن فيها وفيه. ولبيان هذا المعنى الجليل عقدت هذا الباب
دفعاً لما شاع في كتب الشيعة أنّ قوله : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل في نكاح
المتعة (ص ١٢١).
المتعة لم تكن
مباحة في شرع الإسلام أصلاً ، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعيّ ، إنّما كان نسخ أمر
جاهليّ تحريم أبد (ص ١٣٢).
حديث المتعة من غرائب
الأحاديث كان يقول بها جماعة من الصحابة ، حتى قال بها جماعة من التابعين منهم
طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وجماعة من فقهاء مكة ، روى الحاكم في علوم الحديث عن الإمام الأوزاعي أنّه كان يقول : يُترك من قول أهل
الحجاز خمس منها المتعة (ص ١٣٢).
وقد أسرف القول
بإباحة المتعة فقيه مكة ابن جُريج كما كان يسرف في العمل بها حتى أوصى بسبعين
امرأة وقال : لا تتزوّجوا بهنّ فإنّهنّ أُمّهاتكم. وقد روى أبو عوانة في صحيحه عن
ابن جريج عن هذا المسرف المتمتّع أنّه قال لهم بالبصرة :
__________________
اشهدوا أنّي قد
رجعت عن المتعة. أشهدهم بعد أن حدّثهم فيها ثمانية عشر حديثاً أنّه لا بأس بها
وبعد أن شبع منها وعجز.
أستبعد غاية
الاستبعاد أن يكون مؤمن يعلم لغة القرآن الكريم ويؤمن بإعجازه ويفهم حقّ الفهم
إفادة النظم يقول : إنّ قول الله جلّ جلاله : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) نزل في متعة
النساء. قول لا يكون إلاّ من جاهل يدّعي ولا يعي (ص ١٤٩).
كتب الشيعة ترفع
إلى الباقر والصادق أنّ (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) منزل في المتعة. وأحسن الاحتمالين أنّ السند موضوع وإلاّ
فالباقر والصادق جاهل (ص ١٦٥).
لا يوجد في غير
كتب الشيعة قول لأحد أنّ (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل في متعة
النساء وقد أجمعت الأُمّة على تحريم المتعة ، ولم يقل أحد أنّ قول الله (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) قد نسخ (ص ١٦٦).
حكومات الأُمم
الإسلامية اليوم أرشد في شرف دينها وصلاح دنياها من فقهاء الأُمّة. فحكومة الدولة
الإيرانيّة التي كانت قد أخذت مرّات عديدة من قبل في إبطال متعة الفقهاء ، نراها
اليوم بفضل ملكها الأعظم قد نسخت المتعة نسخاً قطعيّا بتاتاً.
إنّ حكومة الدولة
الإيرانيّة التي تسعى في إصلاح حياة الأُمّة ودنياها وفي تعمير الوطن وإحيائه أخذت
في إصلاح دين الأُمّة فمنعت منعاً بتّا متعة فقهاء الشيعة (ص ١٨٥).
الجواب : هذه جمل
التقطناها من صحائف ـ الوشيعة ـ سوّدها الرجل في مسألة المتعة ، وتلك الصحائف السوداء
تبعد عن أدب الدين ، أدب العلم ، أدب العفّة ، أدب الكتاب ، أدب الاجتماع ، وبينها
وبين ما جاء به الإسلام بون شاسع ، فلا نقابله فيها إلاّ بالسلام.
أمّا بسط القول في
المتعة فلا حاجة لنا تمسّ بها بعد ما أغرق نزعاً فيها محقّقو أصحابنا ولا سيّما
الأواخر منهم فجاء الرجل بعده يتهجّم عليهم بفاحش القول ولا يبالي ،
ويقذفهم بلسان بذيّ ولا يكترث له ، وإنّما يهمّنا إيقاظ شعور الباحث إلى أكاذيب
الرجل وجناياته الكبيرة على العلم والقرآن وأهله بكتمان رأي السلف فيه ، وتدجيله
الحقائق الراهنة على الأُمّة بالسفاسف والمخاريق ، وإشاعة ما يضادّ الكتاب والسنّة
في الملأ العلمي ، وهو مع جهله بهما يرى نفسه فقيهاً من فقهاء الإسلام ، فعلى
الإسلام السلام.
المتعة في الكتاب
:
(فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ
عَلِيماً حَكِيماً). سورة النساء : ٢٤.
يرى موسى الوشيعة
أنّ القول بنزول الآية من دعاوى الشيعة فحسب ، ولا يوجد في غير كتبهم قول به لأحد
، والقول به لا يكون إلاّ من جاهل يدّعي ولا يعي. فنحن نذكر شطراً ممّا في كتب
قومه حتى يعلم القارئ إلى من توجّه قوارص هذا الرجل الجاهل الفاحش المتفحّش :
١ ـ أخرج أحمد
إمام الحنابلة في مسنده (٤ / ٤٣٦) بإسناد
رجاله كلّهم ثقات ، عن عمران بن حصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك
وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينهَ عنها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى مات.
__________________
وقد مرّ في صحيفة
(٢٠٨) أنّ غير واحد من المفسّرين ذكره في سورة النساء في آية المتعة ، وبهذا
الحديث عدّ من عدّ عمران بن حصين ممّن ثبت على إباحتها.
٢ ـ أخرج أبو جعفر
الطبري المتوفّى (٣١٠) في تفسيره (٥ / ٩) بإسناده
عن أبي نضرة ، قال : سألت ابن عبّاس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء؟
قال : قلت : بلى ، قال : فما تقرأ فيها؟ فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى؟ قلت
له : لو قرأتها هكذا ما سألتك. قال : فإنّها كذا. وفي حديث : قال ابن عبّاس :
والله لأنزلها الله كذلك. ثلاث مرّات.
وأخرج عن قتادة في
قراءة أُبيّ بن كعب : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى.
وأخرج بإسناد صحيح
، عن شعبة ، عن الحكم ، قال : سألته عن هذه الآية
أمنسوخة هي؟ قال : لا.
وروى عن عمر بن
مرّة : أنّه سمع سعيد بن جبير يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى.
وعن مجاهد : إنّ
في الآية يعني نكاح المتعة.
وعن أبي ثابت :
إنّ ابن عبّاس أعطاني مصحفاً فيه : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى.
٣ ـ أخرج أبو بكر
الجصّاص الحنفي المتوفّى (٣٧٠) في أحكام القرآن (٢ / ١٧٨) ما مرّ
من حديثي ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب في قراءة الآية ، وذكر من طريق
__________________
ابن جريج وعطاء
الخراساني عن ابن عبّاس أنّها نُسخت بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) . فلو لم تكن نزلت في المتعة كيف نُسخت؟ وقد عرفت بطلان
نسخها بها وبغيرها.
٤ ـ أخرج الحافظ
أبو بكر البيهقي المتوفّى (٤٥٨) بإسناده في السنن الكبرى (٧ / ٢٠٥) ، عن محمد بن
كعب ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه ، قال : كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا
يقرءون هذه الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى. الحديث.
٥ ـ قال الحافظ
أبو محمد البغوي الشافعي المتوفّى (٥١٠ ـ ٥١٦) في تفسيره ـ هامش تفسير الخازن ـ (١ / ٤٢٣) : قال الحسن ومجاهد : إنّ
الآية في النكاح الصحيح. وقال آخرون هو نكاح المتعة ... إلى أن قال ـ : ذهب عامّة أهل العلم أنّ نكاح المتعة حرام والآية منسوخة وكان ابن
عبّاس يذهب إلى أنّ الآية محكمة ، وترخّص في نكاح المتعة ، ثمّ روى حديث أبي نضرة
المذكور بلفظ الطبري.
٦ ـ قال أبو
القاسم جار الله الزمخشري المعتزلي المتوفّى (٥٣٨) في الكشّاف (١ / ٣٦٠) : قيل :
نزلت ـ الآية ـ في المتعة ، وعن ابن عبّاس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ :
فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.
٧ ـ قال القاضي
أبو بكر الأندلسي المتوفّى (٥٤٢) في أحكام القرآن (١ / ١٦٢) : في الآية قولان ؛
أحدهما : إنّه أراد استمتاع النكاح المطلق. قاله جماعة منهم الحسن ومجاهد وإحدى
روايتي ابن عبّاس. الثاني : إنّه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل. ثمّ رواه عن ابن
عبّاس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأُبيّ بن كعب.
__________________
٨ ـ قال أبو بكر
يحيى بن سعدون القرطبي المتوفّى (٥٦٧) في تفسيره (٥ / ١٣٠) عند
بيان الاختلاف في معنى الآية : قال الجمهور : إنّ المراد نكاح المتعة الذي كان في
صدر الإسلام ، وقرأ ابن عبّاس وأُبي وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهنّ إلى
أجلٍ مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ.
وقال في بيان
الخلاف في من تمتّع بها : وفي رواية أخرى عن مالك : لا يرجم لأنّ نكاح المتعة ليس
بحرام ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء ، وهو أنّ ما حرّم
بالسنّة هل هو مثل ما حرّم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيِّين عن مالك
أنّهما ليسا بسواء وهذا ضعيف. وقال أبو بكر الطرطوسي : ولم يرخّص في نكاح المتعة
إلاّ عمران بن حصين ، وابن عبّاس ، وبعض الصحابة ، وطائفة من أهل البيت ، وفي قول
ابن عبّاس يقول الشاعر :
أقول للركب إِذ
طالَ الثواءُ بنا
|
|
يا صاحِ هل لك
من فتيا ابن عبّاسِ
|
في بضّةٍ رخصةِ
الأطراف ناعمةٍ
|
|
تكونُ مثواك حتى
مرجعِ الناسِ
|
وسائر العلماء
والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أنّ هذه الآية منسوخة. (ص ١٣٣).
قال
الأميني : فترى أنّ القول
بنزول الآية في المتعة رأي العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين
، غير أنّهم يعزى إليهم عند القرطبي القول بالنسخ وقد عرفت حقّ القول فيه.
وقال القرطبي
أيضاً في تفسيره (٥ / ١٣٥) في قوله
تعالى : (وَلا جُناحَ
__________________
عَلَيْكُمْ
فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) : قال القائلون
بأنّ الآية في المتعة : هذا إشارة إلى ما تراضيا عليه من زيادة في مدّة المتعة في
أوّل الإسلام ، فإنّه كان يتزوّج الرجل المرأة شهراً على دينار مثلاً ، فإذا انقضى
الشهر فربّما كان يقول : زيديني في الأجل أزدك في المهر ، فبيّن أنّ ذلك كان جائزاً
عند التراضي.
قال أبو الوليد
محمد بن أحمد القرطبي الشهير بابن رشد المتوفّى (٥٩٥) في بداية المجتهد (٢ / ٥٨) :
اشتهر عن ابن عبّاس تحليلها ـ المتعة ـ وتبع ابن عبّاس على القول بها أصحابه من
أهل مكة وأهل اليمن ورووا : أنّ ابن عبّاس كان يحتجّ لذلك بقوله تعالى : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ) وفي حرف عنه : إلى أجل مسمّى.
٩ ـ ذكر أبو عبد
الله فخر الدين الرازي الشافعي المتوفّى (٦٠٦) في تفسيره الكبير (٣ / ٢٠٠) قولين
في الآية ، وقال : أحدهما قول أكثر العلماء.
والقول الثاني :
إنّ المراد بهذه الآية حكم المتعة وهي عبارة أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم
إلى أجل معيّن فيجامعها ، واتّفقوا على أنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام
واختلفوا في أنّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلى أنّها صارت
منسوخة. وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مرويّ عن ابن
عبّاس وعمران بن الحصين ، أمّا ابن عبّاس فعنه ثلاث روايات ـ ثمّ ذكر الروايات ـ فقال
: وأمّا عمران بن الحصين فإنّه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل
بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتمتّعنا بها ومات ولم ينهنا عنه ، ثمّ قال رجل برأيه ما
شاء.
وذكر في صحيفة
(٢٠١) قراءة أُبيّ وابن عبّاس كما مرّ عن الطبري. وقال
__________________
في (ص ٢٠٣) : إنّ
قراءة أُبيّ وابن عبّاس بتقدير ثبوتها لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة ،
ونحن لا ننازع فيه إنّما الذي نقوله : إنّ النسخ طرأ عليه.
١٠ ـ ذكر الحافظ
أبو زكريا النووي الشافعي المتوفّى (٦٧٦) في شرح صحيح مسلم (٩ / ١٨١) : أنّ
عبد الله بن مسعود قرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل.
١١ ـ قال القاضي
أبو الخير البيضاوي الشافعي المتوفّى (٦٨٥) في تفسيره (١ / ٢٥٩) : قيل
نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيّام حين فتحت مكة ثمّ نسخت كما روي أنّه
عليه الصلاة والسلام أباحها ثمّ أصبح يقول : أيّها الناس إنّي كنت أمرتكم
بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، وهي النكاح الموقّت بوقت معلوم سمّي بها.
١٢ ـ قال علاء
الدين البغدادي المتوفّى (٧٤١) في تفسيره المعروف بتفسير الخازن (١ / ٣٥٧) : قال
قوم : المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدّة معلومة بشيء
معلوم ، فإذا انقضت تلك المدّة بانت منه بغير طلاق ويستبرئ رحمها وليس بينهما
ميراث ، وكان هذا في ابتداء الإسلام ثمّ نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المتعة. ثمّ ذكر حديث سبرة المذكور في لفظ البيضاوي
فقال : وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، أي أنّ نكاح المتعة
حرام والآية منسوخة واختلفوا في ناسخها فقيل نُسخت بالسنّة وهو ما تقدّم من حديث
سبرة ... وهذا على مذهب من يقول : إنّ السنّة تنسخ القرآن ، ومذهب الشافعي أنّ
السنّة لا تنسخ القرآن ، فعلى هذا يقول : إنّ ناسخ هذه الآية قوله تعالى في سورة
__________________
المؤمنون : (وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) الآية. ثمّ ذكر روايات ابن عبّاس ومنها : إنّ الآية محكمة
لم تنسخ.
١٣ ـ قال ابن جزي
محمد بن أحمد الغرناطي المتوفّى (٧٤١) في تفسيره التسهيل (١ / ١٣٧) : قال ابن
عبّاس وغيره : معناها إذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر وهو
الصداق كاملاً ، وقيل : إنّها في نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل من غير ميراث ،
وكان جائزاً في أوّل الإسلام ، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه ثمّ حرّم عند
جمهور العلماء ، فالآية على هذا منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة ، وقيل
: نسختها آية الفرائض لأنّ نكاح المتعة لا ميراث فيه ، وقيل : نسختها (وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ، وروي عن ابن عبّاس : جواز نكاح المتعة. وروي : أنّه رجع
عنه
١٤ ـ ذكر أبو
حيّان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفّى عبّاس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير قال ابن
عبّاس ومجاهد والسدي وغيرهم : : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى. وقال : إنّ
الآية في نكاح المتعة. وقال ابن عبّاس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله.
١٥ ـ قال الحافظ
عماد الدين بن كثير الدمشقي الشافعي المتوفّى (٧٧٤) في تفسيره (١ / ٤٧٤) : وقد
استدلّ بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ولا شكّ أنّه كان مشروعاً في ابتداء
الإسلام ثمّ نسخ بعد ذلك. ثمّ قال بعد ذكر بعض أقوال النسخ :
__________________
وكان ابن عبّاس
وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ
مسمّى. وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة. ولكنّ الجمهور على خلاف ذلك والعمدة ما
ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب .
١٦ ـ قال الحافظ
جلال الدين السيوطي المتوفّى (٩١١) في الدرّ المنثور (٢ / ١٤٠) : أخرج
الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس قال : كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا
يقرؤون هذه الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.
وأخرج عبد بن حميد
، وابن جرير ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم وصحّحه من طرق ، عن أبي نضرة ،
قال : قرأت على ابن عبّاس. وقد مرّ (ص ٢٢٩).
وأخرج عبد بن حميد
وابن جرير ، عن قتادة وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن جبير قراءة أُبيّ
بن كعب : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل ، وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قراءة ابن عبّاس.
وأخرج عبد بن حميد
وابن جرير عن مجاهد : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) ، قال : يعني نكاح المتعة.
وأخرج ابن جرير ،
عن السدي في الآية قال : هذه المتعة.
وأخرج عبد الرزّاق
وأبو داود في ناسخه وابن جرير ، عن الحَكم ؛ أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة؟ قال :
لا.
__________________
١٧ ـ قال أبو
السعود العمادي الحنفي المتوفّى (٩٨٢) في تفسيره ـ هامش تفسير الرازي ـ (٣ / ٢٥١) قيل : نزلت في المتعة
التي هي النكاح إلى وقت معلوم من يوم أو أكثر ، سمّيت بذلك لأنّ الغرض منها مجرّد
الاستمتاع بالمرأة واستمتاعها بما يعطي ، وقد أُبيحت ثلاثة أيّام حين فُتحت مكّة
شرّفها الله تعالى ثمّ نُسخت لما روي أنّه عليهالسلام أباحها ثمّ أصبح يقول : يا أيّها الناس إنّي أمرتكم
بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة . وقيل : أُبيح مرّتين وحُرّم مرّتين.
١٨ ـ قال القاضي
الشوكاني المتوفّى (١٢٥٠) في تفسيره (١ / ٤١٤) : قد
اختلف أهل العلم في معنى الآية ؛ فقال الحسن ومجاهد وغيرهما : المعنى فما انتفعتم وتلذّذتم بالجماع من النساء
بالنكاح الشرعي فآتوهنّ أُجورهنّ : أي مهورهنّ ، وقال الجمهور : إنّ المراد بهذه
الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، ويؤيّد ذلك قراءة أُبيّ بن كعب وابن
عبّاس وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ. ثمّ
نهى عنها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما صحّ ذلك من حديث عليّ ، قال : نهى النبيّ عن نكاح
المتعة وعن لحوم الحمر الأهليّة يوم خيبر . ثمّ ذكر حديث النهي عنها يوم فتح مكة ويوم حجّة الوداع
فقال : فهذا هو الناسخ ، وحكى عن سعيد بن جبير نسخها بآية الميراث إذ المتعة لا
ميراث فيها . وعن عائشة
__________________
والقاسم بن محمد :
نسخها بآية (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حافِظُونَ).
ثمّ قال في قوله
تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) : أي من زيادة أو
نقصان في المهر ، فإنّ ذلك سائغ عند التراضي ، هذا عند من قال بأنّ الآية في
النكاح الشرعي ، وأمّا عند الجمهور القائلين بأنّها في المتعة فالمعنى التراضي في
زيادة مدّة المتعة أو نقصانها ، أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع
بها أو نقصانه.
١٩ ـ ذكر شهاب الدين
أبو الثناء السيّد محمود الآلوسي البغدادي المتوفّى (١٢٧٠) في تفسيره (٥ / ٥)
قراءة ابن عبّاس وعبد الله بن مسعود الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى
، ثمّ قال : ولا نزاع عندنا في أنّها أُحلّت ثمّ حرّمت ، والصواب المختار أنّ
التحريم والإباحة كانا مرّتين ، وكانت حلالاً قبل يوم خيبر ثمّ حرّمت يوم خيبر ، ثمّ أُبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتّصالهما ، ثمّ
حُرّمت يومئذٍ بعد ثلاث تحريماً مؤبّداً إلى يوم القيامة.
هلمّ معي :
هلمَّ معي أيّها
القارئ نسائل الرجل ـ موسى جار الله ـ عن هذه الكتب أليست هي مراجع أهل السنّة في
علم القرآن؟ أليس هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم في التفسير؟ أليس من واجب الباحث أن
يراجع تلكم الكتب ثمّ ينقض ويبرم ، ويزن ويرجّح؟ أيوجِّه قوارصه إلى مثل ابن عبّاس
ترجمان القرآن ، وأُبيّ بن كعب أقرأ الصحابة عندهم. وعبد الله بن مسعود عالم الكتاب
والسنّة وعمران بن حصين ، والحَكم ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ،
ومجاهد؟ أيرى كلاّ منهم جاهلاً يدّعي
__________________
ولا يعي؟ أليس هذا
سبّ الصحابة والسلف الصالح الذي تُتّهم به الشيعة عند قومه؟
أم يرى رجالات
قومه من الشيعة ويسلقهم بألسنة حداد؟ فإن لم تكن عنده قيمة لمثل البخاري ، ومسلم ،
وأحمد ، والطبري ، ومحمد بن كعب ، وعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن جريج ،
والجصّاص ، وابن الأنباري ، والبيهقي ، والحاكم ، والبغوي ، والزمخشري ، والأندلسي
، والقرطبي ، والفخر الرازي ، والنووي ، والبيضاوي ، والخازن ، وابن جزّي ، وأبي
حيّان ، وابن كثير ، وأبي السعود ، والسيوطي ، والشوكاني ، والآلوسي ، فمن قدوته
وأُسوته في العلم والدين؟
نعم ؛ لا يفوتنا
أنّ أكاذيب الرجل وأساطيره المسطّرة وعزو القول بنزول الآية إلى الشيعة فحسب كلّها
تقدمة لسبِّ الإمامين الطاهرين الباقر والصادق ، وهو يعلم وكلّ ذي نصفة يدري أنّ
أئمّة قومه الأربعة عائلة الإمامين في علمهما ، فإن يوجد عندهم شيء من العلم فمن
ذلك النمير العذب ، والباقران هما الباقران ، وموسى الوشيعة هو موسى الوشيعة ،
والله هو الحَكم العدل ، وإلى الله المشتكى.
وهلمَّ نسائل
الرجل عن أدب البيان الذي شعر به هو وخفي على هؤلاء الأعلام في القرون الخالية ،
وعن الاختلال الذي عرفه هو وجهله أئمّة القوم على تقدير القول بنزول الآية في
المتعة ما هو؟ وأين كان؟ وعمّن يؤثر؟ ومن الذي قال به؟ وما الحجّة عليه؟ وممّن
أخذه؟ ولِمَ كتمه الأولون والآخرون حتى انتهت النوبة إليه؟ لا أحسب أنّه يحير
جواباً يشفي الغليل ، ولعلّه يعيد سبابه المقذع إلى أُناس آخرين.
حدود المتعة في
الإسلام :
١ ـ الأُجرة.
٢ ـ الأجل.
٣ ـ العقد المشتمل
للإيجاب والقبول.
٤ ـ الافتراق
بانقضاء المدّة أو البذل.
٥ ـ العدّة أمة
وحرّة ، حائلاً وحاملاً.
٦ ـ عدم الميراث.
إنّ هذه الحدود
ذكرها الفقهاء في مدوّناتهم الفقهيّة ، والمحدِّثون في الصحاح والمسانيد ،
والمفسِّرون في ذيل الآية الكريمة الآنفة ، فوقع إصفاقهم على أنّها حدود شرعية
إسلامية لا محيص عنها ، سواء فيها من يقول بالإباحة الدائمة أو بالإباحة المؤقّتة
المنسوخة ، فأين يكون مقيل كلمة الرجل : إنّها من الأنكحة الجاهلية التاريخية ولم
تكن بإذن من الشارع؟ ومتى كان في الجاهلية نكاح بهذه الحدود ، وقد ضبطوا أنكحتها
وعاداتها وتقاليدها وليس فيها ما يشابه نكاح المتعة؟
نعم ؛ الرجل
يتقوّل ولا يكترث لما يقول ، وقد أسلفنا جمعاً ممّن ذكر حدود نكاح المتعة في الجزء
الثالث (ص ٣٣١).
ولما ذا يكون ابن
جريج مسرفاً في إتيان الفاحشة التي نزلت في أشدّ المحرّمات في مزعمة موسى ، ولو
كان ابن جريج متهاوناً بالدين ، فلما ذا أخرج عنه أئمّة الحديث وأرباب الصحاح
الستّ كلّهم ، وحشّوا لمسانيد مرويّاته وأسانيده؟ وقد سمعوا منه اثني عشر ألف حديث
يحتاج إليها الفقهاء ، ولو فسد مثله أو فسدت روايته لوجب أن تُمحى صحائف جمّة
من جوامع الحديث ، ولا تبقى قيمة لتلكم الصحاح عندئذٍ ، ولو كان كما يزعمه فلما ذا
أطرته أئمّة الرجال بكلِّ ثناءٍ جميل؟ وكيف رآه أحمد إمام الحنابلة أثبت الناس؟
وكيف كانوا يسمّون كتبه كتب الأمانة؟
__________________
ثمّ ما ذا على
الرجل إن عمل بما أدّى إليه اجتهاده وهو يروي في ذلك ثمانية عشر حديثاً؟ وأمّا
حديث عدوله عن رأيه فإن صدق نقل الرجل عن أبي عوانة وصدق إسناد أبي عوانة ، ولو
كان لبان وظهر وتناقلته الفقهاء ، ولم ينحصر نقله بواحد عن واحد ، ولا سيّما وابن
جريج هو ذلك المصرّ على رأيه عمليّا وعلميّا ، وإنّي أحسب أنّ عزو العدول إلى هذا
الرجل لِدة عزوه إلى حبر الأُمّة عبد الله بن العبّاس الذي كذّبه من كذّبه كما
عرفت.
وأمّا ما عزاه
موسى إلى الحكومة الإيرانيّة في إدخال المنع عن المتعة في جملة إصلاحاتها ونسخها
نسخاً قطعيّا بتاتاً ، ومنعها منعاً بتّا فكبقيّة مفتعلاته ، فما أعوزته الحجّة ،
وضاقت عليه المحجّة ، وغدا محجوجاً أعيت عليه البراهين ، إلى أن محج وأفك ، واحتجّ بما لم تسمعه أُذن الدنيا ، وقابل الكتاب
والسنّة بتاريخ مفتعل على حكومة إسلامية لم تأتِ بشيء جديد قطّ في المتعة ، وعلى
تقدير تحقّق فريته فأيّ قيمة لذلك تجاه ما هتف به النبيّ الأعظم وكتابه المقدّس؟
إقرأ واضحك أو ابك
:
ذكر القوشجي
المتوفّى (٨٧٩) في شرح التجريد في مبحث الإمامة أنّ عمر قال وهو على المنبر : أيّها الناس
ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا أنهى عنهنّ وأُحرِّمهنّ وأُعاقب عليهنّ : متعة النساء
، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل. ثمّ اعتذر عنه بقوله : إنّ ذلك ليس ممّا يوجب
قدحاً فيه ؛ فإنّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهاديّة ليس ببدع. انتهى.
ما كنّا نقدّر أنّ
ضليعاً في العلم يقابل النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بواحد من أُمّته ويجعل
__________________
كلاّ منهما
مجتهداً ، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ وإن هو إلاّ
وحي يوحى علّمه شديد القوى ، فأين هو عن الاجتهاد بردّ الفرع إلى الأصل ، واستعمال
الظنون في طريق الاستنباط؟ وإنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية هو ما إذا قابل
المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النصِّ المبين ، وارتأى أمام تصريحات
الشريعة من قول الشارع وعمله.
ثمّ أيّ مستوى
يقلّ سيّد أولي الألباب وهذا الرجل في عرض واحد فهماً وإدراكاً حتى يقابل بين
رأييهما؟ وأيّ قيمة لآراء العالمين جميعاً إذا خالفت ما جاء به المشرّع الأقدس؟
لكنّي أعذر القوشجي لالتزامه بدحض كلّ ما جاء به نصير الدين الطوسي لئلاّ يُعزى
إليه العجز والتواني في الحجاج ، فلا بدّ أن يأتي بكلِّ ما دبَّ ودرج سواء كان
حجّة له أو وبالاً عليه.
وقال ابن القيّم
في زاد المعاد (١ / ٤٤٤) : فإن
قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله؟ قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر
والدقيق الأيّام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيما ثبت
عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ ، قيل : الناس
في هذا طائفتان : طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها وقد أمر رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون ، ولم ترَ هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم
المتعة عام الفتح ؛ فإنّه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن
جدّه ، وقد تكلّم فيه ابن معين ولم ير
__________________
البخاري إخراج
حديثه في صحيحه مع شدّة الحاجة إليه ، وكونه أصلاً من أُصول الإسلام ، ولو صحّ
عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن
مسعود حتى يروي أنّهم فعلوها ويحتجّ بالآية. وأيضاً لو صحّ لم يقل عمر إنّها كانت
على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا أنهى عنها وأُعاقب عليها ، بل كان يقول : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حرّمها ونهى عنها. قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد
الصدّيق وهو عهد خلافة النبوّة حقّا. والطائفة الثانية رأت صحّة حديث سبرة ولو لم
يصحّ فقد صحّ حديث عليّ رضى الله عنه : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حرّم متعة النساء ، فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر
عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضى الله عنه ،
فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر ، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها
وبالله التوفيق.
قال
الأميني : أنّى يتأتّى
الجمع بين أحاديث الباب المتضاربة من شتّى النواحي بصحيحة مزعومة؟ ومتى تصحّ؟ وكيف
يتمّ عزوها المختلق إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وبين يدي الأُمّة قوله الصحيح الثابت : «لو لا أنّ عمر نهى
عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ» وقد صحّ عنه عليهالسلام مذهبه إلى تحليل المتعة ، كما أنّ أبناء بيته الرفيع ذهبوا
إلى إباحتها سلفاً وخلفاً ، ومن المتسالم عليه قول ابن عبّاس : لو لا نهي عمر لما
احتاج إلى الزنا إلاّ شفى .
ومن الذي أخبر
الأُمّة عن نهي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المتعة غير عليّ عليهالسلام حتى ظهر في زمن عمر واشتهر؟ ومهما كان الحظر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مشهوراً ، وأوّل من جاء به وباح بالنهي عنها يقول : متعتان
كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنا أنهى عنهما وأُعاقب.
__________________
وقال : متعتان
كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى عنهما.
وقال : إنّ الله
ورسوله قد أحلاّ لكم متعتين ، وإنّي محرِّمهما عليكم.
وقال : ثلاث كنّ
على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا محرّمهنّ : متعة الحجّ ومتعة النساء.
فهل جابهه صحابيّ
بالردِّ عليه في دعواه حلّية المتعة في العهدين؟ أو في نسبة تحريمها إلى نفسه؟ وهل
كان إجماع الصحابة على حلّية المتعة عهد أبي بكر خلاف دين الله وسنّة نبيّه؟ نعم
الغريق يتشبّث بكلّ حشيش.
(وَلا تَقُولُوا لِما
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى
اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا
يُفْلِحُونَ) .
__________________
ـ ٧٠ ـ
رأي الخليفة فيمن قال : إنّي مؤمن
عن مسند عمر رضى
الله عنه ، عن سعيد بن يسار ، قال : بلغ عمر بن الخطّاب أنّ رجلاً بالشام يزعم
أنّه مؤمن ، فكتب إلى أميره : أن ابعثه إليّ. فلمّا قدم قال : أنت الذي تزعم أنّك
مؤمن؟ قال : نعم ، يا أمير المؤمنين. قال : ويحك وممّ ذاك؟ قال : أوَلم تكونوا مع
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصنافاً : مشرك ، ومنافق ، ومؤمن؟ فمن أيّهم كنت؟ فمدّ عمر
يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده .
وعن قتادة ؛ قال :
قال عمر بن الخطّاب : من قال إنّي عالم ، فهو جاهل ، ومن قال إنّي مؤمن ، فهو
كافر. كنز العمّال (١ / ١٠٣).
قال
الأميني : أنا لا أدري ما
هذه المشكلة التي من جرّائها جلب الرجل من الشام وحوله آلاف من المؤمنين يقولون
بمقالته ، وهو يحسب أنّه أميرهم ولم يسألهم عمّا سأل الشامي عنه؟ ثمّ كيف انحلّت
تلك المشكلة بأبسط جواب؟ أوَلم يكن الخليفة يعلم ذلك من أنّ الإنسان إذا لم يكن
مشركاً أو منافقاً فهو مؤمن لا محالة؟ أم أنّه حسب أنّ المؤمن الواثق بإيمانه لا
يجوز له أن يقول : أنا مؤمن ؛ لأنّ ذلك القول كفر كما في حديث قتادة؟ وذلك تعبّداً
بقول عمر. لكنّ الله سبحانه مدح أقواماً في الذكر بأن قالوا آمنّا مثل قوله تعالى
: (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ
اللهِ آمَنَّا بِاللهِ) ، وقوله : (رَبَّنا آمَنَّا بِما
أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) ، وقوله : (رَبَّنا إِنَّنا
سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي
__________________
لِلْإِيمانِ
أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) ، وقوله : (قالُوا آمَنَّا
وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) ، وقوله : (يَقُولُونَ رَبَّنا
آمَنَّا) ، وقوله : (قالُوا آمَنَّا
بِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، (وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ومنهم من قال : بلى. إذا خوطب بقول العليِّ العظيم : (أَوَلَمْ
تُؤْمِنْ) ، ومنهم من قال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ
إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) .
ومن جليّة
الواضحات عدم الفرق بين قول القائل : آمنّا بكذا ، أو : نحن مؤمنون ، أو : أنا
مؤمن بكذا ، إذا وثق من نفسه بإيمان ، ومن فرّق بينهما فهو مجازف لا محالة.
ولعلّ الخليفة كان
ناظراً إلى حراجة الموقف في الإيمان ، وعزّة خلوصه من خفيّات صفات الشرك والنفاق
حتى كان يسأل حذيفة عن نفسه ، قال الغزالي في إحياء العلوم (١ / ١٢٩) :
الأخبار والآثار تعرّفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفيّ وأنّه لا يؤمن
منه ، حتى كان عمر بن الخطّاب رضى الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنّه هل ذكر في
المنافقين؟ وهل هو منهم؟ وهل عدّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم ؟
وكان حذيفة صاحب السرِّ
المكنون في تمييز المنافقين ، ولذلك كان عمر
__________________
لا يصلّي على ميّت
حتى يصلّي عليه حذيفة يخشى أن يكون من المنافقين. كذا قاله ابن العماد الحنبلي في
شذرات الذهب (١ / ٤٤).
ـ ٧١ ـ
قدوم أسقف نجران على الخليفة
قدم أسقف نجران
على أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب في صدر خلافته ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ
أرضنا باردة شديدة المئونة لا يحتمل الجيش ، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله إليك في
كلِّ عام كملاً. قال : فضمّنه إيّاه ، فكان يحمل المال ويقدم به في كلّ سنة ويكتب
له عمر البراءة بذلك ، فقدم الأسقف ذات مرّة ومعه جماعة وكان شيخاً جميلاً مهيباً
، فدعاه عمر إلى الله وإلى رسوله وكتابه وذكر له أشياء من فضل الإسلام وما يصير
إليه المسلمون من النعيم والكرامة. فقال له الأسقف : يا عمر أتقرؤون في كتابكم : (وَجَنَّةٍ
عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فأين يكون النار؟
فسكت عمر وقال
لعليٍّ : أجبه أنت.
فقال له عليّ : «أنا
أُجيبك يا أسقف ؛ أرأيت إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يكون
الليل؟».
فقال الأسقف : ما
كنت أرى أن أحداً ليجيبني عن هذه المسألة. من هذا الفتى يا عمر؟
فقال : عليّ بن
أبي طالب ، ختن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وابن عمّه ، وهو أبو الحسن والحسين.
__________________
فقال الأسقف :
فأخبرني يا عمر عن بقعة من الأرض طلع فيها الشمس مرّة واحدة ثمّ لم تطلع قبلها ولا
بعدها. قال عمر : سل الفتى. فسأله.
فقال : «أنا
أُجيبك ؛ هو البحر حيث انفلق لبني إسرائيل ووقعت فيه الشمس مرّةً واحدة لم تقع
قبلها ولا بعدها».
فقال الأسقف :
أخبرني عن شيء في أيدي الناس شبّه بثمار الجنّة. قال عمر : سل الفتى. فسأله.
فقال عليّ : «أنا
أُجيبك ؛ هو القرآن يجتمع عليه أهل الدنيا فيأخذون منه حاجتهم فلا ينقص منه شيء
فكذلك ثمار الجنّة».
فقال الأسقف :
صدقت. قال : أخبرني هل للسموات من قفل؟
فقال عليّ : «قفل
السموات الشرك بالله».
فقال الأسقف : وما
مفتاح ذلك القفل؟
قال : «شهادة أن
لا إله إلاّ الله ، لا يحجبها شيء دون العرش».
فقال : صدقت. فقال
: أخبرني عن أوّل دم وقع على وجه الأرض.
فقال عليّ : «أمّا
نحن فلا نقول كما يقولون دم الخشّاف ، ولكن أوّل دم وقع على وجه الأرض مشيمة حوّاء
حيث ولدت هابيل بن آدم».
قال : صدقت ،
وبقيت مسألة واحدة ؛ أخبرني أين الله؟ فغضب عمر.
فقال عليّ : «أنا
أُجيبك وسل عمّا شئت ؛ كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أتاه ملك فسلّم ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أين أُرسلت؟ فقال : من السماء السابعة من عند ربِّي ،
ثمّ أتاه آخر فسأله ، فقال : أُرسلت من الأرض السابعة من عند ربّي ، فجاء ثالث من
الشرق ورابع من المغرب ، فسألهما فأجابا كذلك فالله عزّ وجلّ هاهنا
وهاهنا ، في
السماء إله وفي الأرض إله».
أخرجه الحافظ
العاصمي في زين الفتى في شرح سورة هل أتى.
ـ ٧٢ ـ
جلد صائم قعد على شراب
أخرج أحمد ـ إمام
الحنابلة ـ في الأشربة ، عن عمرو بن عبد الله بن طلحة الخزاعي ؛ أنّ عمر بن
الخطّاب أُتي بقوم أُخِذوا على شراب فيهم رجل صائم فجلدهم وجلده معهم قالوا : إنّه
صائم ، قال : لِمَ جلس معهم ؟
هل علم الخليفة
الوجه في جلوس الرجل معهم في منتدى الشرب وهو صائم لا يشاركهم في العمل؟ فلعلّ
الضرورة ألجأته إلى ذلك فما كان يسعه مفارقتهم خشية بوادرهم ، أو ضرر آخر يستقبله
إن فارقهم ، أو أنّ قصد ردعهم عن المنكر حدا الصائم المسكين إلى مصاحبتهم ،
والملاينة معهم في بدء الأمر ، وإذا احتمل شيء من هذه فإنّ الحدود تُدرأ بالشبهات.
وهب أنّه لم يحتمل
شيئاً منها ، فإنّ غاية ما هنالك أن يعزّر الرجل تأديباً وقد عرفت في (ص ١٧٥) حدّ
التعزير ، وأنّه لا يتجاوز العشرة أسواط ، فكيف ساوى بينه وبينهم في الجلد؟
ـ ٧٣ ـ
رأي الخليفة في مِسك بيت المال
أُتي عمر مرّة
بمسك فأمر أن يُقسّم بين المسلمين ثمّ سدّ أنفه ، فقيل له في ذلك ، فقال : وهل
ينتفع منه إلاّ بريحه؟ ودخل يوماً على زوجته فوجد معها ريح مسك ،
__________________
فقال : ما هذا؟
قالت : إنّي بعت من مسك في بيت مال المسلمين ووزنت بيدي ، فلمّا وزنت مسحت إصبعي
في متاعي هذا. فقال : ناوليني متاعك ، فأخذه فصبّ عليه الماء فلم يذهب فجعل يدلكه
في التراب ويصبّ عليه الماء حتى ذهب ريحه .
هكذا فليكن الفقيه
البارع! وهل كان الخليفة يضرب ستاراً أمام مصابيح المسلمين حتى لا يستضيئوا بضوئها؟
أو يضرب سدّا على مهبّ الصبا متى حملت شذىً من حقول المسلمين؟ إلى أمثال هذه من
الانتفاعات القهريّة التي لا دخل لرضاء المالك فيها. أنا لا أدري!
ـ ٧٤ ـ
اجتهاد الخليفة في صلاة الميّت
عن أبي وائل ، قال
: كانوا يكبِّرون على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعاً وخمساً وستّا أو قال : أربعاً ، فجمع عمر بن الخطّاب
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبر كلّ رجل بما رأى ، فجمعهم عمر رضى الله عنه على أربع
تكبيرات كأطول الصلاة.
وعن سعيد بن
المسيّب ، يحدِّث عن عمر رضى الله عنه ، قال : كان التكبير أربعاً وخمساً ، فجمع
عمر الناس على أربع التكبير على الجنازة .
وقال ابن حزم في
المحلّى : احتجّ من منع أكثر من أربع بخبر رويناه من طريق وكيع عن
سفيان الثوري عن عامر بن شقيق عن أبي وائل ، قال : جمع عمر بن الخطّاب الناس
فاستشارهم في التكبير على الجنازة ، فقالوا : كبّر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعاً
__________________
وخمساً وأربعاً ،
فجمعهم عمر على أربع تكبيرات. انتهى.
وأخرج الطحاوي عن
إبراهيم ، قال : قُبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والناس مختلفون في التكبير على الجنازة لا تشاء أن تسمع
رجلاً يقول سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يكبّر سبعاً. وآخر يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يكبّر خمساً. وآخر يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يكبّر أربعاً إلاّ سمعته ، فاختلفوا في ذلك فكانوا على ذلك
حتى قُبض أبو بكر رضى الله عنه ، فلمّا ولي عمر رضى الله عنه ورأى اختلاف الناس في
ذلك شقّ عليه جدّا ، فأرسل إلى رجال من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إنّكم معاشر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متى تختلفون على الناس يختلفون من بعدكم ، ومتى تجتمعون
على أمر يجتمع الناس عليه ، فانظروا أمراً تجتمعون عليه ، فكأنّما أيقظهم. فقالوا
: نعم ما رأيت يا أمير المؤمنين فأشر علينا. فقال عمر رضى الله عنه : بل أشيروا
عليَّ فإنّما أنا بشر مثلكم ، فتراجعوا الأمر بينهم فأجمعوا أمرهم على أن يجعلوا
التكبير على الجنائز مثل التكبير في الأضحى والفطر أربع تكبيرات ، فأجمع أمرهم على
ذلك. عمدة القاري (٤ / ١٢٩).
وقال العسكري في
أوائله ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص ٩٣) ،
والقرماني في تاريخه ـ هامش الكامل ـ (١ / ٢٠٣) : إنّ عمر أوّل من جمع الناس في
صلاة الجنائز على أربع تكبيرات.
قال
الأميني : الذي ثبت من
السنّة وعمل الصحابة اختلاف العدد في التكبير على الجنازة المحمول على مراتب الفضل
في الميّت أو الصلاة نفسها ، وذلك يكشف عن إجزاء كلّ من تلك الأعداد ، فاختيار
الواحد منها والجمع عليه والمنع عن البقيّة كما
__________________
يمنع عن البدع رأي
غير مدعوم بشاهد ، واجتهاد تجاه السنّة والعمل.
ومن الواضح الجليّ
بعد تلاوة ما وقع من المفاوضة بين الخليفة والصحابة أنّه لم يكن هناك نسخ وإنّما
ذكر كلّ منهم ما شاهده على العهد النبوي ، فدعوى النسخ وتأخّر التكبير بالأربع عن
هاتيك الأعداد زور من القول ، ولذلك لم يحتجّ به أحد ممّن يُعبأ بحجاجه ، وإنّما
حصروا الدليل على تعيين عمر ومنعه بعد تزييف ما قيل من دليل المنع كما سمعت من ابن
حزم ، وهو كما ترى رأي يخصّ بقائله لا يقاوم السنة الثابتة ، وهي لا تُتْرك بقول
الرجال.
ويوهن ذلك الجمع
والمنع صفح الصحابة عنهما ، أخرج أحمد في مسنده (٤ / ٣٧٠) عن عبد
الأعلى ، قال : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر خمساً ، فقام إليه أبو عيسى
عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال : نسيت؟ قال : لا ولكن صلّيت خلف أبي
القاسم خليلي صلىاللهعليهوآلهوسلم فكبّر خمساً ، فلا أتركها أبداً.
وروى البغوي من
طريق أيوب بن النعمان ، أنّه قال : شهدت جنازة سعد بن حبتة فكبّر عليه زيد بن أرقم خمساً. الإصابة (٢ / ٢٢).
وأخرج الطحاوي ،
عن يحيى بن عبد الله التيمي ، قال : صلّيت مع عيسى مولى حذيفة بن اليمان على جنازة
فكبّر عليها خمساً ، ثمّ التفت إلينا فقال : ما وهمت ولا نسيت ولكنّي كبّرت كما
كبّر مولاي ووليّ نعمتي ـ يعني حذيفة بن اليمان ـ صلّى على جنازة فكبّر عليها
خمساً ثمّ التفت إلينا فقال : ما وهمت ولا نسيت ولكنّي كبّرت كما كبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. عمدة القاري (٤ / ١٢٩).
__________________
قال ابن قيّم
الجوزية في زاد المعاد : كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمر بإخلاص الدعاء للميّت وكان يكبّر أربع تكبيرات ، وصحّ
عنه أنّه كبّر خمساً . وكان الصحابة بعده يكبّرون أربعاً وخمساً وستّا فكبّر زيد
بن أرقم خمساً ، وذكر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كبّرها. ذكره مسلم . وكبّر الإمام عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه على سهل بن
حنيف ستّا . وكان يكبّر على أهل بدر ستّا وعلى غيرهم من الصحابة خمساً
وعلى سائر الناس أربعاً ، ذكره الدارقطني . وذكر سعيد بن منصور ، عن الحكم ، عن ابن عيينة أنّه قال :
كانوا يكبّرون على أهل بدر خمساً وستّا وسبعاً ، وهذه آثار صحيحة فلا موجب للمنع
منها ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يمنع ممّا زاد على الأربع بل فعله هو وأصحابه من بعده ،
والذين منعوا من الزيادة على الأربع منهم من احتجّ بحديث ابن عبّاس : إنّ آخر
جنازة صلّى عليها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كبّر أربعاً. قالوا : وهذا آخر الأمرين وإنما يؤخذ بالآخر
فالآخر من فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا ، وهذا الحديث قد قال فيه الخلاّل في العلل : أخبرني
حارث قال : سأل الإمام أحمد عن حديث أبي المليح عن ميمون عن ابن عبّاس ، فذكر
الحديث فقال أحمد : هذا كذب ليس له أصل إنّما رواه محمد بن زيادة الطحّان وكان يضع
الحديث ، واحتجّوا بأنّ ميمون بن مهران روى عن ابن عبّاس أنّ الملائكة لمّا صلّت
على آدم عليه الصلاة والسلام كبّرت عليه أربعاً وقالوا : تلك سنّتكم يا بني آدم.
وهذا
__________________
الحديث قد قال فيه
الأثرم : جرى ذكر محمد بن معاوية النيسابوري الذي كان بمكة فسمعت أبا عبد الله قال
: رأيت أحاديثه موضوعة ، فذكر منها عن أبي المليح ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن
عبّاس : أنّ الملائكة لمّا صلّت على آدم فكبّرت عليه أربعاً. واستعظمه أبو عبد
الله وقال : أبو المليح كان أصحّ حديثاً وأتقى لله من أن يروي مثل هذا. واحتجّوا
بما رواه البيهقي من حديث يحيى ، عن أُبيّ ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ الملائكة لمّا صلّت على آدم فكبّرت عليه أربعاً
وقالت : هذه سنّتكم يا بني آدم. وهذا لا يصحّ. وقد روي مرفوعاً وموقوفاً. وكان
أصحاب معاذ يكبّرون خمساً. قال علقمة : قلت لعبد الله : إنّ ناساً من أصحاب معاذ
قدموا من الشام فكبّروا على ميّت لهم خمساً. فقال عبد الله : ليس على الميّت في
التكبير وقت ، كبّر ما كبّر الإمام فإذا انصرف الإمام فانصرف.
هذا نصّ كلام ابن
القيّم وفيه فوائد.
ـ ٧٥ ـ
الخليفة ومسائل ملك الروم
أخرج أحمد ـ إمام
الحنابلة ـ في الفضائل قال : حدّثنا عبد الله القواريري حدّثنا مؤمّل ، عن يحيى
بن سعيد ، عن ابن المسيّب ، قال : كان عمر بن الخطّاب يقول : أعوذ بالله من معضلة
ليس لها أبو حسن.
قال ابن المسيّب :
ولهذا القول سبب ؛ وهو أنّ ملك الروم كتب إلى عمر يسأله عن مسائل فعرضها على
الصحابة فلم يجد عندهم جواباً ، فعرضها على أمير المؤمنين فأجاب عنها في أسرع وقت
بأحسن جواب.
__________________
ذكر المسائل :
قال ابن المسيّب :
كتب ملك الروم إلى عمر رضى الله عنه :
من قيصر ملك بني
الأصفر إلى عمر خليفة المؤمنين ـ المسلمين ـ أمّا بعد : فإنّي مسائلك عن مسائل
فأخبرني عنها : ما شيء لم يخلقه الله؟ وما شيء لم يعلمه الله؟ وما شيء ليس عند
الله؟ وما شيء كلّه فم؟ وما شيء كلّه رِجل؟ وما شيء كلّه عين؟ وما شيء كلّه جناح؟
وعن رجل لا عشيرة له ، وعن أربعة لم تحمل بهم رحم ، وعن شيء يتنفّس وليس فيه روح ،
وعن صوت الناقوس ما ذا يقول؟ وعن ظاعن ظعن مرّة واحدة ، وعن شجرة يسير الراكب في
ظلّها مائة عام لا يقطعها ما مثلها في الدنيا؟ وعن مكان لم تطلع فيه الشمس إلاّ
مرّة واحدة ، وعن شجرة نبتت من غير ماء؟ وعن أهل الجنّة فإنّهم يأكلون ويشربون ولا
يتغوّطون ولا يبولون ما مثلهم في الدنيا؟ وعن موائد الجنّة فإنّ عليها القصاع في
كلّ قصعة ألوان لا يخلط بعضها ببعض ما مثلها في الدنيا؟ وعن جارية تخرج من تفّاحة
في الجنّة ولا ينقص منها شيء؟ وعن جارية تكون في الدنيا لرجلين وهي في الآخرة
لواحد؟ وعن مفاتيح الجنّة ما هي؟
فقرأ عليّ عليهالسلام الكتاب وكتب في الحال خلفه :
بسم الله الرحمن الرحيم
«أمّا بعد : فقد
وقفت على كتابك أيّها الملك وأنا أُجيبك بعون الله وقوّته وبركته وبركة نبيّنا
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
أمّا الشيء الذي
لم يخلقه الله تعالى فالقرآن لأنّه كلامه وصفته ، وكذا كتب الله المنزلة والحقّ
سبحانه قديم وكذا صفاته. وأمّا الذي لا يعلمه الله فقولكم : له ولد
وصاحبة وشريك ، ما
اتّخذ الله من ولد وما كان معه من إله لم يلد ولم يولد. وأمّا الذي ليس عند الله
فالظلم (وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) . وأمّا الذي كلّه فم فالنار تأكل ما يُلقى فيها. وأمّا
الذي كلّه رِجل فالماء. وأمّا الذي كلّه عين فالشمس. وأمّا الذي كلّه جناح فالريح.
وأمّا الذي لا عشيرة له فآدم عليهالسلام. وأمّا الذين لم يحمل بهم رحم فعصا موسى ، وكبش إبراهيم ،
وآدم ، وحواء. وأمّا الذي يتنفّس من غير روح فالصبح لقوله تعالى : (وَالصُّبْحِ
إِذا تَنَفَّسَ) . وأمّا الناقوس فإنّه يقول طقّا طقّا ، حقّا حقّا ، مهلاً
مهلاً ، عدلاً عدلاً ، صدقاً صدقاً ، إنّ الدنيا قد غرّتنا واستهوتنا ، تمضي
الدنيا قرناً قرناً ، ما من يوم يمضي عنّا إلاّ أوهى منّا ركناً ، إنّ الموتى قد أخبرنا
أنّا نرحل فاستوطنّا. وأمّا الظاعن فطور سيناء لمّا عصت بنو إسرائيل وكان بينه
وبين الأرض المقدّسة أيّام ، فقلع الله منه قطعةً وجعل لها جناحين من نور فنتقه
عليهم ، فذلك قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) ، وقال لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا وإلاّ أوقعته عليكم ،
فلمّا تابوا ردّه إلى مكانه. وأمّا المكان الذي لم تطلع عليه الشمس إلاّ مرّة
واحدة ؛ فأرض البحر لمّا فلقه الله لموسى عليهالسلام ، وقام الماء أمثال الجبال ويبست الأرض بطلوع الشمس عليها
ثمّ عاد ماء البحر إلى مكانه. وأمّا الشجرة التي يسير الراكب في ظلّها مائة عام ؛
فشجرة طوبى وهي سدرة المنتهى في السماء السابعة إليها ينتهي أعمال بني آدم ، وهي
من أشجار الجنّة ليس في الجنّة قصر ولا بيت إلاّ وفيه غصن من أغصانها ، ومثلها في
الدنيا الشمس أصلها واحد وضوؤها في كلّ مكان. وأمّا الشجرة التي نبتت من غير ماء
فشجرة يونس وكان ذلك معجزة له لقوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا
عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) . وأمّا غذاء أهل الجنّة فمثلهم في الدنيا الجنين في
__________________
بطن أُمّه فإنّه
يغتذي من سرّتها ولا يبول ولا يتغوّط. وأمّا الألوان في القصعة الواحدة
فمثله في الدنيا البيضة فيها لونان أبيض وأصفر ولا يختلطان. وأمّا الجارية التي
تخرج من التفّاحة فمثلها في الدنيا الدودة تخرج من التفاحة ولا تتغيّر. وأمّا
الجارية التي تكون بين اثنين فالنخلة التي تكون في الدنيا لمؤمن مثلي ولكافر مثلك
، وهي لي في الآخرة دونك ، لأنّها في الجنّة وأنت لا تدخلها ، وأمّا مفاتيح الجنّة
فلا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله».
قال ابن المسيّب :
فلمّا قرأ قيصر الكتاب قال : ما خرج هذا الكلام إلاّ من بيت النبوّة. ثمّ سأل عن
المجيب ، فقيل له : هذا جواب ابن عمّ محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. فكتب إليه :
سلام عليك ، أمّا
بعد ؛ فقد وقفت على جوابك ، وعلمت أنك من أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وأنت
موصوف بالشجاعة والعلم ، وأُوثر أن تكشف لي عن مذهبكم والروح التي ذكرها الله في
كتابكم في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) .
فكتب إليه أمير
المؤمنين : «أمّا بعد ؛ فالروح نكتة لطيفة ، ولمعة شريفة ، من صنعة باريها وقدرة
منشئها ، أخرجها من خزائن ملكه ، وأسكنها في ملكه ، فهي عنده لك سبب ، وله عندك
وديعة ، فإذا أخذت مالك عنده أخذ ماله عندك ، والسلام».
زين الفتى في شرح
سورة هل أتى للحافظ العاصمي ، وتذكرة خواصّ الأُمّة لسبط ابن الجوزي الحنفي (ص ٨٧).
__________________
ـ ٧٦ ـ
موقف الخليفة في الأحكام
عن ابن أُذينة
العبدي ؛ قال : أتيت عمر فسألته من أين أعتمر؟ قال : ائت عليّا فسله. فأتيته
فسألته ، فقال لي عليّ : «من حيث أبدأت ـ يعني من ميقات أرضه ـ» قال : فأتيت عمر فذكرت له ذلك ، فقال : ما أجد لك إلاّ ما
قال ابن أبي طالب.
أخرجه ابن حزم في
المحلّى (٧ / ٧٦) مسنداً معنعناً. وذكره أبو عمر وابن السمّان في الموافقة كما في
الرياض النضرة (٢ / ١٩٥) ،
وذخائر العقبى (ص ٧٩) ، ذكره محبّ الدين الطبري في اختصاصه أمير المؤمنين بإحالة
جمع من الصحابة عند سؤالهم عليه ، وعدّ منهم معاوية وعائشة وعمر. فأخرج من طريق
أحمد في حديث : كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه منه ، ثمّ ذكر جملة من مراجعات عمر
إليه سلام الله عليه ، فأين أعلميّة عمر المزعومة لموسى الوشيعة أو لغيره من أعلام
القوم؟
ـ ٧٧ ـ
رأي الخليفة في المناسك
أخرج مالك ـ إمام
المالكية ـ عن عبد الله بن عمر : أنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس بعرفة وعلّمهم أمر
الحجّ وقال لهم فيما قال : إذا جئتم منى ، فمن رمى الجمرة فقد حلّ له ما حرّم على
الحاجّ إلاّ النساء والطيب ، لا يمسّ أحد نساءً ولا طيباً حتى يطوف في البيت.
وفي حديثه الآخر :
أنّ عمر بن الخطّاب قال : من رمى الجمرة ثمّ حلق أو قصّر
__________________
ونحر هدياً إن كان
معه فقد حلّ له ما حرّم إلاّ النساء والطيب حتى يطوف بالبيت.
وفي لفظ أبي عمر :
عن سالم بن عبد
الله بن عمر ، عن أبيه قال : قال عمر : إذا رميتم الجمرة سبع حصيات وذبحتم وحلقتم
فقد حلّ لكم كلّ شيء إلاّ الطيب والنساء. قال سالم : وقالت عائشة : أنا طيّبت رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحلّه قبل أن يطوف بالبيت. قال سالم : فسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحقّ أن تتّبع .
قال صاحب إزالة
الخفاء ـ بعد ذكر الحديثين الأوّلين ـ : قلت : ترك الفقهاء قوله :
والطيب ، لما صحّ عندهم من حديث عائشة وغيرها : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تطيّب قبل طواف الإفاضة.
قال
الأميني : واها لأُمّة
يعلّمهم المناسك من لا يعلم ما به يحلّ للمحرم ما حرم عليه ، ومرحباً بخليفة ترك
الفقهاء قوله مهما وجدوه خلاف السنّة النبويّة ، وقد ثبتت بحديث عائشة وغيرها ،
أخرجه أئمّة الصحاح والمسانيد كالبخاري في صحيحه (٤ / ٥٨) ، ومسلم في صحيحه (١ / ٣٣٠) ،
والترمذي في صحيحه (١ / ١٧٣) ، وأبو داود في سننه (١ / ٢٧٥) ، والدارمي في سننه (٢
/ ٣٢) ، وابن ماجة في سننه (٢ / ٢١٧) ، والنسائي في سننه (٥ / ١٣٧) ، والبيهقي في
سننه (٥ / ٢٠٥) أضف إليها جلّ جوامع الحديث والكتب الفقهيّة لو لا كلّها.
__________________
وأخرج البيهقي مثل حديث عائشة عن ابن عبّاس ، وذكره الزركشي في الإجابة (ص ٨٩).
ـ ٧٨ ـ
اجتهاد الخليفة في الخمر وآياتها
١ ـ قال الزمخشري
في ربيع الأبرار في باب اللهو واللذات والقصف واللعب وشهاب الدين الأبشيهي في المستطرف (٢ / ٢٩١) : قد
أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات : الأُولى قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) الآية فكان من المسلمين من شارب ومن تارك إلى أن شرب رجل
فدخل في الصلاة فهجر ، فنزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا
ما تَقُولُونَ) فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها حتى شربها
عمر رضى الله عنه فأخذ بلحى بعير وشجّ به رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثمّ قعد ينوح
على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول :
وكائنٍ بالقليبِ
قليبِ بدرٍ
|
|
من الفتيان
والعربِ الكرامِ
|
وكائنٍ بالقليبِ
قليبِ بدرٍ
|
|
من الشيزى
المكلّل بالسنامِ
|
__________________
أيوعدني ابنُ
كبشةَ أن سنحيى
|
|
وكيف حياة
أصداءٍ وهامِ؟
|
أيعجز أن يردّ
الموتَ عنّي
|
|
وينشرني إذا
بَلِيتْ عظامي؟
|
ألا من مبلغُ
الرحمن عنّي
|
|
بأنّي تاركٌ شهر
الصيامِ
|
فقل للهِ يمنعني
شرابي
|
|
وقل للهِ يمنعني
طعامي
|
فبلغ ذلك رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فخرج مغضباً يجرّ رداءه فرفع شيئاً كان في يده فضربه به
فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّما
يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقال عمر رضى الله عنه : انتهينا انتهينا.
ورواه الطبري في
تفسيره (٢ / ٢٠٣) بتغيير
في أبياته غير أنّ فيه مكان عمر في الموضع الأوّل : رجل.
٢ ـ عن عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه ، قال : لمّا نزل تحريم الخمر قال عمر : اللهم بيّن لنا في
الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) قال : فدُعي عمر فقرأت عليه فقال : اللهمّ بيِّن لنا في
الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في النساء : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فكان منادي رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أُقيمت الصلاة ينادي : ألا لا يقربنّ الصلاة سكران.
فدُعي عمر فقرأت عليه فقال : اللهم بيّن لنا بياناً شافياً. فنزلت : (إِنَّما
يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
قال عمر : انتهينا
، انتهينا.
__________________
أخرجه أبو داود في سننه (٢ / ١٢٨) ، وأحمد في المسند (١ / ٥٣) ،
والنسائي في السنن (٨ / ٢٨٧) ، والطبري في تفسيره (٧ / ٢٢) ، والبيهقي في سننه (٨
/ ٢٨٥) ، والجصّاص في أحكام القرآن (٢ / ٢٤٥) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٧٨) ،
وصحّحه وأقرّه الذهبي في تلخيصه ، والقرطبي في تفسيره (٥ / ٢٠٠) ، وابن كثير في
تفسيره (١ / ٢٥٥ ، ٥٠٠ و ٢ / ٩٢) نقلاً عن أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن
أبي حاتم وابن مردويه وعليّ بن المديني وقال : قال عليّ بن المديني : إسناد صالح
صحيح ، وذكر تصحيح الترمذي وقرّره.
ويوجد في تيسير
الوصول (١ / ١٢٤) ، وتفسير الخازن (١ / ٥١٣) ، وتفسير الرازي (٣ / ٤٥٨) ، وفتح
الباري (٨ / ٢٢٥) ، والدرّ المنثور (١ / ٢٥٢) نقلاً عن ابن أبي شيبة ، وأحمد ،
وعبد بن حميد ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وأبي يعلى ، وابن جرير ، وابن
المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحّاس في ناسخه ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم
، والبيهقي ، والضياء المقدسي في المختارة.
٣ ـ عن سعيد بن
جبير : كان الناس على أمر جاهليّتهم حتى يُؤمروا أو يُنهوا ، فكانوا يشربونها أوّل
الإسلام حتى نزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ). قالوا : نشربها
للمنفعة لا للإثم فشربها رجل ، فتقدّم يصلّي
__________________
بهم فقرأ : قل يا
أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون. فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى). فقالوا : نشربها
في غير حين الصلاة. فقال عمر : اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً فنزلت : (إِنَّما
يُرِيدُ الشَّيْطانُ) الآية. فقال عمر : انتهينا انتهينا. تفسير القرطبي (٥ / ٢٠٠).
٤ ـ عن حارثة بن
مضرب ، قال : قال عمر رضى الله عنه : اللهم بيّن لنا في الخمر. فنزلت : (يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى
تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ). الآية. فدعا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عمر فتلاها عليه فكأنّها لم توافق من عمر الذي أراد ، فقال
: اللهمّ بيّن لنا في الخمر ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) الآية. فدعا
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عمر فتلاها عليه ، فكأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال
: اللهم بيّن لنا في الخمر ، فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) حتى انتهى إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ) فدعا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عمر فتلاها عليه ، فقال عمر : انتهينا يا ربّ.
أخرجه الحاكم في
المستدرك (٤ / ١٤٣) وصحّحه
هو والذهبي في تلخيصه ، والترمذي في صحيحه (٢ / ١٧٦) من طريق
عمرو بن شرحبيل ، وذكره الآلوسي في روح المعاني (٧ / ١٥) طبع
المنيريّة.
٥ ـ وأخرج ابن
المنذر ، عن سعيد بن جبير ، لمّا نزلت (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ
__________________
وَالْمَيْسِرِ
قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) شربها قوم لقوله
: (مَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، وتركها قوم
لقوله : (إِثْمٌ كَبِيرٌ) منهم عثمان بن
مظعون حتى نزلت الآية التي في النساء (لا تَقْرَبُوا
الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فتركها قوم ، وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة
ويشربونها بالليل حتى نزلت الآية التي في المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ) الآية ، قال عمر : أَقُرِنتِ بالميسر والأنصاب والأزلام؟
بعداً لك وسحقاً فتركها الناس.
وأخرج الطبري ، عن سعيد بن جبير ما يقرب منه وفي آخره : حتى نزلت : (إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية ، فقال عمر : ضيعة لك اليوم قُرِنتِ بالميسر.
وأخرج ابن المنذر
عن محمد بن كعب القرظي حديثاً فيه : ثمّ نزلت الرابعة التي في المائدة ، فقال عمر
بن الخطّاب : انتهينا يا ربّنا .
قال
الأميني : لم نرُم بسرد هذه
الأحاديث إثبات شرب الخمر على الخليفة أيّام الجاهليّة إذ الإسلام يجبّ ما قبله ، (لَيْسَ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ
اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) . بل الغاية المتوخّاة إيقاف القارئ على مبلغ علم الخليفة
بالكتاب ، وحدِّ عرفانه مغازي آيات الله وأنّه لم يكن يعرف الحظر من قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ). وقد نزل بياناً
للنهي عنها ، وعرفته
__________________
الصحابة منه ،
وقالت عائشة : لمّا نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر ، فنهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك . ولا يكون بيان شافٍ في مقام الإعراب عن الحظر والحظر أولى
منها ، ولا سيّما بملاحظة أمثال قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ) من الآيات الواردة في الإثم فقد حرّمت بكلِّ صراحة الإثم
الذي هتفت الآية الأُولى بوجوده في الخمر ، والإثم : الذنب ، والآثم والأثيم :
الفاجر. وقد يطلق على نفس الخمرة كقول الشاعر :
نشرب الإثم
بالصواع جهاراً
|
|
وترى المسك
بيننا مستعارا
|
وقول الآخر :
شربت الإثم حتى
ضلَّ عقلي
|
|
كذاك الإثمُ
تذهب بالعقولِ
|
وليست منافع الخمر
إلاّ أثمانها قبيل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذّة ، وقد نصّ على هذا كما
في تفسير الطبري (٢ / ٢٠٢).
وقال الجصّاص في
أحكام القرآن (١ / ٣٨٠) : هذه
الآية قد اقتضت تحريم الخمر ، لو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية ،
وذلك لقوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) والإثم كلّه
محرّم بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) فأخبر أنّ الإثم
محرّم ولم يقتصر على إخباره بأنّ فيها إثماً حتى وصفه بأنّه كبير تأكيداً لحظرها.
وقوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لا دلالة فيه على
إباحتها ، لأنّ المراد منافع
__________________
الدنيا وأنّ في
سائر المحرّمات منافع لمرتكبيها في دنياهم إلاّ أنّ تلك المنافع لا تفي بضررها من
العقاب المستحق بارتكابها ، فذكره لمنافعها غير دالّ على إباحتها لا سيّما وقد
أكّد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية (وَإِثْمُهُما
أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) يعني أنّ ما يستحقّ بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل
الذي ينبغي منهما.
فإن قيل : ليس في
قوله تعالى : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) دلالة على تحريم
القليل منها ، لأنّ مراد الآية ما يلحق من المآثم بالسكر وترك الصلاة والمواثبة
والقتال ، فإذا حصل المأثم بهذه الأُمور فقد وفينا ظاهر الآية مقتضاها من التحريم
ولا دلالة فيه على تحريم القليل منها.
قيل له : معلوم
أنّ في مضمون قوله : (فِيهِما إِثْمٌ
كَبِيرٌ) ضمير شربها لأنّ جسم الخمر هو فعل الله تعالى ولا مأثم
فيها وإنّما المأثم مستحقّ بأفعالنا فيها ، فإذا كان الشرب مضمراً كان تقديره في
شربها وفعل الميسر إثم كبير فيتناول ذلك شرب القليل منها والكثير كما لو حرّمت
الخمر لكان معقولاً أنّ المراد به شربها والانتفاع بها فيقتضي ذلك تحريم قليلها
وكثيرها. انتهى.
فهذه كلّها عزبت
عن الخليفة وكان يتطلّب البيان الشافي بعد هذه الآية وآية النساء بقوله : اللهمّ
بيّن لنا بياناً شافياً. وما انتهى عنها إلاّ بعد لأي من عمر الدهر بعد نزول قوله
تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ). قال القرطبي في
تفسيره (٦ / ٢٩٢) : لمّا
علم عمر رضى الله عنه أنّ هذا وعيد شديد زائد على معنى انتهوا قال : انتهينا.
وقال ابن جزّي
الكلبي في تفسيره (١ / ١٨٧) : فيه توقيف يتضمّن الزجر والوعيد ولذلك قال عمر لمّا
نزلت : انتهينا انتهينا.
وقال الزمخشري في
الكشّاف (١ / ٤٣٣) : من
أبلغ ما يُنهى به كأنّه قيل : قد
__________________
تلي عليكم ما فيها
من أنواع الصوارف والموانع ، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم
عليه ، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟
وقال البيضاوي في
تفسيره (١ / ٣٥٧) : في
قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) إيذانٌ بأنّ
الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وأنّ الأعذار قد انقطعت.
وما كان ذلك
التأويل من الخليفة وطلب البيان بعد البيان ، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعيد
إلاّ لحبّه لها وكونه أشرب الناس في الجاهلية كما ينمّ عنه قوله فيما أخرجه ابن
هشام في سيرته (١ / ٣٦٨) : كنت
للإسلام مباعداً ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أُحبّها وأشربها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحَزْوَرة عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، فخرجت ليلة أُريد
جلسائي أُولئك في مجلسهم ذلك ، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً فقلت : لو أنّي جئت
فلاناً الخمّار ، وكان بمكة يبيع الخمر لعلّي أجد عنده خمراً فأشرب منها. الحديث.
وفيما أخرجه
البيهقي في السنن الكبرى (١٠ / ٢١٤) عن عبد الله بن عمر من قول والده في أيّام
خلافته : إنّي كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية ، وإنّها ليست كالزنا
ومن هنا خُصّ
الخليفة بالدعوة وقراءة النبيّ الأعظم عليه الآيات النازلة في الخمر ، وكان ممّن
يؤوّلها ولم ينتهِ عنها ، إلى أن نزل الزجر والوعيد بآية المائدة وهي آخر
__________________
سورة نزلت من
القرآن ومنها ما نزل في حجّة الوداع . وفي الدرّ المنثور (٢ / ٢٥٢) عن محمد
بن كعب القرظي أنّه قال : نزلت سورة المائدة على رسول الله في حجّة الوداع فيما
بين مكة والمدينة وهو على ناقته. ويروى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قرأ سورة المائدة في حجّة الوداع وقال : «يا أيّها الناس
إنّ سورة المائدة [من] آخر ما نزل فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها» تفسير القرطبي (٦ / ٣١).
وبعد هذه كلّها لم
يكن الخليفة يعلم أنّ شرب الخمر من أعظم الكبائر كما تعرب عنه صحيحة الحاكم ، عن
سالم بن عبد الله ، قال : إنّ أبا بكر وعمر وناساً جلسوا بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فذكروا أعظم الكبائر ، فلم يكن عندهم فيها علم ، فأرسلوني
إلى عبد الله بن عمر أسأله ، فأخبرني أنّ أعظم الكبائر شرب الخمر ، فأتيتهم
فأخبرتهم ، فأنكروا ذلك ووثبوا جميعاً حتى أتوه فى داره ، فأخبرهم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ ملكاً من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيّره
بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفساً أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه ، فاختار
الخمر وأنّه لمّا شربه لم يمتنع من شيء أراده منه» .
مستدرك الحاكم (٤
/ ١٤٧) ، الترغيب والترهيب (٣ / ١٠٥) ، الدرّ المنثور (٢ / ٣٢٣).
__________________
ولاعتياده عليها
منذ مدّة غير قصيرة إلى نزول آية المائدة في حجّة الوداع طفق يشرب النبيذ الشديد
بعد نزول ذلك الوعيد ، وبعد قوله : انتهينا انتهينا. وكان يقول : إنّا نشرب هذا
الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شيء
فليمزجه بالماء .
وقال : إنّي رجل
معجار البطن أو مسعار البطن ، وأشرب هذا النبيذ الشديد فيسهل بطني. أخرجه ابن أبي
شيبة كما في كنز العمّال (٣ / ١٠٩).
وقال : لا يقطع
لحوم هذه الإبل في بطوننا إلاّ النبيذ الشديد.
جامع مسانيد أبي
حنيفة (٢ / ١٩٠ ، ٢١٥).
وكان يشرب النبيذ
الشديد إلى آخر نفَس لفظه ، قال عمرو بن ميمون : شهدت عمر حين طُعن أُتي بنبيذ
شديد فشربه. تاريخ بغداد للخطيب (٦ / ١٥٦).
وكان حدّة شرابه
وشدّته بحيث لو شرب غيره منه لسكر وكان يقيم عليه الحدّ ، غير أنّ الخليفة كان لم
يتأثّر منه لاعتياده أو كان يكسره ويشربه. قال الشعبي : شرب أعرابيّ من إداوة عمر
فأُغشي فحدّه عمر. ثمّ قال : وإنّما حدّه للسكر لا للشرب.
العقد الفريد (٣ / ٤١٦).
وفي لفظ الجصّاص
في أحكام القرآن (٢ / ٥٦٥) : إنّ
أعرابيّا شرب من شراب
__________________
عمر فجلده عمر
الحدّ ، فقال الأعرابي : إنّما شربت من شرابك. فدعا عمر شرابه فكسره بالماء ثمّ
شرب منه وقال : من رابه من شرابه شيء فليكسره بالماء. ثمّ قال الجصّاص : ورواه
إبراهيم النخعي عن عمر نحوه وقال فيه : إنّه شرب منه بعد ما ضرب الأعرابي.
وفي جامع مسانيد
أبي حنيفة (٢ / ١٩٢) قال : هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه. وكان يحبّ
الشراب الشديد.
وعن ابن جريج :
أنّ رجلاً عبّ في شراب نُبِذ لعمر بن الخطّاب بطريق المدينة فسكر ، فتركه عمر حتى
أفاق فحدّه ثمّ أوجعه عمر بالماء فشرب منه .
وعن أبي رافع :
إنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه قال : إذا خشيتم من نبيذ شدّته فاكسروه بالماء.
أخرجه النسائي في سننه (٨ / ٣٢٦) وعدّه
ممّا احتجّ به من أباح شرب المسكر.
وأخرج القاضي أبو
يوسف في كتاب الآثار (ص ٢٢٦) من طريق أبي حنيفة عن إبراهيم أبي عمران الكوفي
التابعي ، قال : إنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أخذ رجلاً سكران
فأراد أن يجعل له مخرجاً فأبى إلاّ ذهاب عقل ، فقال : احبسوه فإذا صحا فاضربوه ، ثمّ أخذ فضل إداوته فذاقه فقال : أوه هذا عملَ
بالرجال العمل ، ثمّ صبّ فيه ماء فكسره فشرب وسقى أصحابه ، وقال : هكذا اصنعوا
بشرابكم إذا غلبكم شيطانه.
ومن العجيب حدّ من
شرب من إداوة عمر فسكر لأنّه إن كان لا يعلم أنّ ما في
__________________
الأداوة مسكر وشرب
فلا حدّ عليه ، كما أخرجه أبو عمر في العلم (٢ / ٨٦) ومرّ (ص
١٧٤) عن الخليفة نفسه من قوله : ما الحدّ إلاّ على من علمه. وإن كان يعلم ذلك فإنّ
له في شرابه أُسوةً بالخليفة ، والفرق بينهما بأنّه أسكره ولم يكن يسكر الخليفة
لاعتياده به تافهاً ، فكأنّ المدار عند الخليفة في حلّية الأشربة والحدّ عليها على
الإسكار وعدمه بالإضافة إلى شخص كلِّ شارب ، وينبئ عنه قوله : الخمر ما خامر العقل
، والحدّ والحرمة مطلقان لكلّ مسكر ، وإن قورنت صفة الإسكار بمانع من خصوصيات
الأمزجة أو لقلّة في الشرب ، فالصفة صلتها بالمشروب فحسب لا الشارب ، ويدلّ على
ذلك أحاديث جمّة صحيحة تدلّ على أنّ القليل الذي لا يسكر ممّا يسكر كثيره حرام ،
مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره».
أخرجه الدارمي في
سننه (٢ / ١١٣) ، والنسائي في سننه (٨ / ٣٠١) ، والبيهقي
في سننه (٨ / ٢٩٦).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من طريق جابر ، وابن عمر ، وابن عمرو : «ما أسكر كثيره
فقليله حرام».
أخرجه أبو داود في سننه (٢ / ١٢٩) ، وأحمد في مسنده (٢ / ١٦٧ و ٣
/ ٣٤٣) والترمذي في صحيحه (١ / ٣٤٢) ، وابن ماجة في سننه (٢ / ٣٣٢) ، والنسائي في
سننه (٨ / ٣٠٠) ، والبيهقي في سننه (٨ / ٢٩٦) ، والبغوي في مصابيح السنّة (٢ / ٦٧)
، والخطيب في تاريخ بغداد (٣ / ٣٢٧).
__________________
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كلّ مسكر حرام وما أسكر منه الفرَق فملء الكفِّ منه حرام».
وفي لفظ آخر : «ما
أسكر منه الفرَق فالحسوة منه حرام».
أخرجه أبو داود في سننه (٢ / ١٣٠) ، والترمذي في صحيحه (١ / ٣٤٢)
، والبيهقي في سننه (٨ / ٢٩٦) ، والبغوي في مصابيح السنّة (٢ / ٦٧) ، والخطيب
البغدادي في تاريخه (٦ / ٢٢٩) ، وابن الأثير في جامع الأُصول كما في التيسير (٢ /
١٧٣).
وعن سعد : أنّ
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره. أخرجه النسائي في سننه (٨ / ٣٠١).
وقال السندي في
شرح سنن النسائي : أي ما يحصل السكر بشرب كثيره فهو حرام قليله وكثيره وإن
كان قليله غير مسكر ، وبه أخذ الجمهور وعليه الاعتماد عند علمائنا الحنفيّة ،
والاعتماد على القول بأنّ المحرّم هو الشربة المسكرة وما كان قبلها فحلال قد ردّه
المحقّقون كما ردّه المصنّف رحمهالله تعالى.
وفي تفسير الطبري (٢ / ١٠٤) عن
قتادة : جاء تحريم الخمر في آية سورة المائدة ، قليلها وكثيرها ما أسكر منها وما
لم يسكر. وأخرجه عبد بن حميد كما في الدرّ المنثور (٢ / ٣١٦).
__________________
أخرج أبو حنيفة بإسناده عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «حرمت الخمر لعينها القليل منها والكثير ، والمسكر
من كلّ شراب».
ورواه الخطيب في تاريخه
(٣ / ١٩٠) عن ابن عبّاس ولفظه : «حرمت الخمرة بعينها ، قليلها وكثيرها والمسكر من
كلّ شراب».
وإنّما أحلّ عمر
الطلاء حين طبخ وذهب ثلثاه ، ولمّا قدم الشام شكوا له وباء الأرض إلى أن قالوا :
هل لك أن تجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ قال : نعم. فطبخوه حتى ذهب منه
الثلثان وبقي الثلث ، فأمرهم عمر أن يشربوه وكتب إلى عمّاله أن يرزقوا الناس
الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه .
وقال محمود بن
لبيد الأنصاري : إنّ عمر بن الخطّاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض
وثقلها. وقالوا : لا يصلحنا إلاّ هذا الشراب. فقال عمر : اشربوا هذا العسل. قالوا
: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض : هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً
لا يسكر؟ قال : نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر ، فأدخل
فيه عمر إصبعه ثمّ رفع يده فتبعها يتمطّط ، فقال : هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل
، فأمرهم عمر أن يشربوه ، فقال له عبادة بن الصامت : أحللتها والله ، فقال عمر :
كلاّ والله ، اللهمّ إنّي لا أحلّ لهم شيئاً حرّمته عليهم ، ولا أُحرّم عليهم
شيئاً أحللته لهم. أخرجه إمام المالكيّة مالك في الموطّأ (٢ / ١٨٠) في جامع
تحريم الخمر.
__________________
فحجّ أبو مسلم
الخولاني فدخل على عائشة زوج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها ، فجعل يخبرها ، فقالت :
كيف تصبرون على بردها؟ فقال : يا أُمّ المؤمنين إنّهم يشربون شراباً لهم يقال له :
الطلاء. فقالت : صدق الله وبلّغ حبّي ، سمعت حبّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنّ أُناساً من أُمّتي يشربون الخمر يسمّونها بغير
اسمها»
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ القوم سيُفتَنون بأموالهم ، ويمنّون بدينهم على
ربّهم ويتمنّون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة ،
والأهواء الساهية ، فيستحلّون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهديّة ، والربا بالبيع».
نهج البلاغة (٢ / ٦٥)
وسئل ابن عبّاس عن
الطلاء ، فقال : وما طلاؤكم هذا إذ سألتموني؟ فبيّنوا لي الذي تسألوني عنه. قالوا
: هو العنب يعصر ثمّ يطبخ ثمّ يجعل في الدنان. قال : وما الدنان؟ قالوا : أدنان
مقيّرة. قال : مزفّتة؟ قالوا : نعم. قال : أيُسكر؟ قالوا : إذا أُكثر منه أسكر قال
: فكلّ مسكر حرام.
وقبل هذه كلّها قول
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اجتنب كلّ مسكر ينشُ قليله وكثيره». أخرجه النسائي في سننه (٨ / ٣٢٤) ، وحكاه
عنه ابن الديبع في تيسير الوصول (٢ / ١٧٢).
هذه آراء من شتّى
النواحي في باب الأشربة تخصّ بالخليفة لا تساعده فيها البرهنة الشرعيّة من الكتاب
والسنّة بل هي فتنة ولكنّ أكثرهم لا يعلمون.
__________________
ـ ٧٩ ـ
جهل الخليفة بالغسل من الجنابة
عن رفاعة بن رافع
، قال : بينا أنا عند عمر بن الخطّاب رضى الله عنه إذ دخل عليه رجل فقال : يا أمير
المؤمنين هذا زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد برأيه في الغسل من الجنابة ـ في
الذي يجامع ولا ينزل ـ فقال عمر : عليّ به. فجاء زيد ، فلمّا رآه عمر قال : أي
عدوّ نفسه قد بلغت أنّك تفتي الناس برأيك. فقال : يا أمير المؤمنين بالله ما فعلت
، لكنّي سمعت من أعمامي حديثاً فحدّثت به من أبي أيّوب ، ومن أُبيّ بن كعب ، ومن
رفاعة بن رافع. فأقبل عمر على رفاعة بن رافع فقال : وقد كنتم تفعلون ذلك إذا أصاب
أحدكم من المرأة فأكسل لم يغتسل؟ فقال : قد كنّا نفعل ذلك على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يأتنا فيه تحريم ولم يكن من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه نهي. قال : رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلم ذلك؟ قال : لا أدري. فأمر عمر بجمع المهاجرين
والأنصار فجُمِعوا له فشاورهم ، فأشار الناس أن لا غسل في ذلك إلاّ ما كان من معاذ
وعليّ فإنّهما قالا : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال عمر رضى الله
عنه : هذا وأنتم أصحاب بدر وقد اختلفتم فمن بعدكم أشدّ اختلافاً. قال : فقال عليّ
رضى الله عنه : «يا أمير المؤمنين إنّه ليس أحد أعلم بهذا من شأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أزواجه». فأرسل إلى حفصة ، فقالت : لا علم لي بهذا ،
فأرسل إلى عائشة ، فقالت : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، فقال عمر رضى
الله عنه : لا أسمع برجل فعل ذلك إلاّ أوجعته ضرباً. وفي لفظ : لا يبلغني أنّ
أحداً فعله ولا يغتسل إلاّ أنهكته عقوبة.
أخرجه أحمد إمام الحنابلة في مسنده (٥ / ١١٥) ، وابن أبي شيبة في
مصنّفه ،
__________________
وأبو جعفر الطحاوي
في معاني الآثار ، وحكاه عن الأخيرين العيني في عمدة القاري (٢ / ٧٢) ، وذكره
القاضي أبو المجالس في المعتصر من المختصر من مشكل الآثار (١ / ٥١) ، وأخرجه
الهيثمي من طريق أحمد والطبراني في الكبير وقال : رجال أحمد كلّهم ثقات. راجع مجمع
الزوائد (١ / ٢٦٦) ، والإجابة للزركشي (ص ٨٤).
هذه الرواية تنمّ
عن عدم معرفة أُولئك الصحابة الذين شاورهم الخليفة بالحكم ـ وفي مقدّمهم هو نفسه ـ
ما خلا أمير المؤمنين ومعاذ وعائشة ، وشتّان بين عدم معرفة الخليفة بمثل هذا الحكم
الذي يلزم المكلّف عرفانه قبل كثير من الواجبات ، وبين عدم معرفة غيره لأنّ به
القدوة والأُسوة في الأحكام دون غيره.
ـ ٨٠ ـ
الخليفة وتوسيعه المسجدين
أخرج عبد الرزّاق
، عن زيد بن أسلم ، قال : كان للعبّاس بن عبد المطلب دار إلى جنب مسجد المدينة
فقال عمر : بعنيها ، وأراد أن يدخلها في المسجد ، فأبى العبّاس أن يبيعها إيّاه.
فقال عمر : فهبها لي. فأبى. فقال عمر : فوسّعها أنت في المسجد. [فأبى] فقال عمر : لا بدّ لك من إحداهنّ. فأبى ، قال : فخذ بيني
وبينك رجلاً ، فأخذ أُبيّ بن كعب فاختصما إليه. فقال أُبيّ لعمر : ما أرى أن تخرجه
من داره حتى ترضيه. فقال له :
أرأيت قضاءك هذا في كتاب الله وحديثه ، أم
سنّة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قال أُبيّ : بل سنّة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال عمر : وما ذاك؟ قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنّ سليمان بن داود لمّا بنى بيت المقدس جعل كلّما
بنى حائطاً أصبح منهدماً فأوصى ابنه إليه أن لا تبني في حقّ رجل حتى ترضيه». فتركه
عمر رضى الله عنه ، فوسّعها العبّاس بعد ذلك في المسجد.
__________________
صورة أخرى :
أخرج ابن سعد ، عن سالم أبي النضر رضى الله عنه قال : لمّا كثر المسلمون
في عهد عمر رضى الله عنه ضاق بهم المسجد ، فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلاّ
دار العبّاس ابن عبد المطّلب وحُجَر أُمّهات المؤمنين ، فقال عمر رضى الله عنه
للعبّاس : يا أبا الفضل ، إنّ مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من
المنازل نوسّع به على المسلمين في مسجدهم إلاّ دارك وحُجَر أمّهات المؤمنين ،
فأمّا حجرات أُمّهات المؤمنين فلا سبيل إليها ، وأمّا دارك فبعنيها بما شئت من بيت
مال المسلمين أوسّع بها في مسجدهم. فقال العبّاس رضى الله عنه : ما كنت لأفعل.
فقال عمر رضى الله عنه : اختر منّي إحدى ثلاث : إمّا أن تبيعنيها بما شئت من مال
المسلمين ، وإمّا أن أحطّك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين ،
وإمّا أن تصّدّق بها على المسلمين فيوسّع بها في مسجدهم. فقال : لا ، ولا واحدة
منها. فقال عمر رضى الله عنه : اجعل بيني وبينك من شئت. فقال : أُبيّ بن كعب رضى
الله عنه. فانطلقا إلى أُبيّ فقصّا عليه القصّة ، فقال أُبيّ رضى الله عنه : إن
شئتما حدّثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقالا : حدّثنا. فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنّ الله أوحى إلى داود : ابن لي بيتاً أُذكر فيه
، فخطّ له هذه الخطّة خطّة بيت المقدس فإذا بربعها زاوية بيت رجل من بني إسرائيل
فسأله داود أن يبيعه إيّاه فأبى ، فحدّث داود نفسه أن يأخذه منه فأوحى الله إليه
أن يا داود أمرتك أن تبني لي بيتاً أُذكر فيه فأردت أن تدخل في بيتي الغصب وليس من
شأني الغصب وإنّ عقوبتك أن لا تبنيه. قال : يا ربّ فمن ولدي؟ قال : من ولدك». قال
: فأخذ عمر رضى الله عنه بمجامع ثياب أُبيّ بن كعب وقال : جئتك بشيء فجئت بما هو
أشدّ منه لتخرجنّ ممّا قلت. فجاء يقوده حتى أدخله المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم أبو ذرّ رضى الله عنه ، فقال
__________________
أُبيّ رضى الله
عنه : إنّي نشدت الله رجلاً سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يذكر حديث بيت المقدس حيث أمر الله تعالى داود أن يبنيه
إلاّ ذكره. فقال أبو ذرّ : أنا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال آخر : أنا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأرسل أُبيّا ، فأقبل أُبيّ على عمر رضى الله عنه فقال :
يا عمر أتتّهمني على حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال عمر : يا أبا المنذر لا والله ما اتّهمتك عليه ،
ولكنّي كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ظاهراً. الحديث.
صورة ثالثة :
أخرج الحاكم
بإسناده عن عمر بن الخطّاب ، أنّه قال للعبّاس بن عبد المطّلب : إنّي سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : نزد في المسجد ، ودارك قريبة من المسجد فأعطِناها
نزدها في المسجد وأقطع لك أوسع منها. قال : لا أفعل. قال : إذاً أغلبك عليها. قال
: ليس ذاك لك فاجعل بيني وبينك من يقضي بالحقّ. قال : ومن هو؟ قال : حذيفة بن
اليمان. قال : فجاؤوا إلى حذيفة فقصّوا عليه ، فقال حذيفة : عندي في هذا خبر. قال
: وما ذاك؟ قال : إنّ داود النبيّ صلوات الله عليه أراد أن يزيد في بيت المقدس ،
وقد كان بيت قريب من المسجد ليتيم فطلب إليه فأبى ، فأراد داود أن يأخذها منه ،
فأوحى الله إليه : إنّ أنزه البيوت عن الظلم لَبيتي. قال : فتركه. فقال له العبّاس
: فبقي شيء؟ قال : لا. قال : فدخل المسجد فإذا ميزاب للعبّاس شارع في مسجد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليسيل ماء المطر منه في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال عمر بيده فقلع الميزاب فقال : هذا الميزاب لا يسيل
في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال له العبّاس : والذي بعث محمداً بالحقّ إنّه هو الذي
وضع الميزاب في هذا المكان ونزعته أنت يا عمر ، فقال عمر : ضع رجليك على عنقي
لتردّه إلى ما كان هذا. ففعل ذلك العبّاس. ثمّ قال العبّاس : قد أعطيتك الدار
تزيدها في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فزادها عمر في المسجد ثمّ قطع للعبّاس داراً أوسع منها
بالزوراء.
فقال الحاكم : وقد
وجدت له شاهداً من حديث أهل الشام ... عن سعيد بن المسيّب : أنّ عمر بن الخطّاب
رضى الله عنه لمّا أراد أن يزيد في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقعت منازعة على دار العبّاس بن عبد المطّلب. الحديث.
صورة رابعة :
عن عبد الله بن
أبي بكر ، قال : كان للعبّاس بيت في قبلة المسجد وكثر الناس وضاق المسجد ، فقال
عمر للعبّاس : إنّك في سعة فأعطني بيتك هذا أوسّع به في المسجد. فأبى العبّاس ذلك
عليه ، فقال عمر : إنّي أُثمنك وأُرضيك. قال : لا أفعل لقد ركب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عاتقي وأصلح ميزابه بيده فلا أفعل. قال عمر : لآخذنّه
منك. فقال أحدهما لصاحبه : فاجعل بيني وبينك حكماً.
فجعلا بينهما
أُبيّ بن كعب فأتياه فاستأذنا على الباب فحبسهما ساعة ثمّ أذن لهما وقال : إنّما
حبستكما أنّي كنت كما كانت الجارية تغسل رأسي ، فقصّ عليه عمر قصّته ثمّ قصّ
العبّاس قصّته ، فقال : إنّ عندي علماً ممّا اختلفتما فيه ولأقضينّ بينكما بما
سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ سمعته يقول : «إنّ داود لمّا أراد أن يبني بيت المقدس
وكان بيت ليتيمين من بني إسرائيل في قبلة المسجد ، فأراد منهما البيع فأبيا عليه
فقال : لآخذنّه ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى داود : إنّ أغنى البيوت عن المظلمة بيتي
وقد حرّمت عليك بنيان بيت المقدس. قال : فسليمان؟ فأعطاه سليمان» فقال عمر لأُبيّ
: ومن لي بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال هذا؟ فقال أُبيّ لعمر : أتظنّ أنَّي أكذب على رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لتخرجنّ من بيتي. فخرج إلى الأنصار فقال : أيّكم سمع رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : كذا وكذا؟ فقال هذا : أنا ، وقال هذا : أنا حتى قال
ذلك رجال ، فلمّا علم ذلك عمر قال : أما والله لو لم يكن غيرك لأجزت قولك ، ولكنّي
أردت أن أستثبت.
صورة خامسة :
أخرج البيهقي
بإسناده عن أبي هريرة ، قال : لمّا أراد عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أن يزيد في
مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقعت زيادته على دار العبّاس بن عبد المطّلب رضى الله عنه
، فأراد عمر رضى الله عنه أن يدخلها في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويعوّضه منها ، فأبى وقال : قطيعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واختلفا فجعلا بينهما أُبيّ بن كعب رضى الله عنه فأتياه
في منزله وكان يسمّى سيّد المسلمين ، فأمر لهما بوسادة فأُلقيت لهما فجلسا عليها
بين يديه ، فذكر عمر ما أراد وذكر العبّاس قطيعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال أُبيّ : إنّ الله عزّ وجلّ أمر عبده ونبيّه داود عليهالسلام أن يبني له بيتاً قال : أي ربّ وأين هذا البيت؟ قال : حيث ترى الملك شاهراً
سيفه ، فرآه على صخرة وإذا ما هناك يومئذٍ إلاّ دار لغلام من بني إسرائيل ، فأتاه
داود فقال : إنّي قد أُمرت أن أبني هذا المكان بيتاً لله عزّ وجلّ ، فقال له الفتى
: الله أمرك أن تأخذها منّي بغير رضاي؟ قال : لا. فأوحى الله إلى داود عليهالسلام أنّي قد جعلت في يدك خزائن الأرض فأرضه. فأتاه داود فقال : إنّي قد أُمرت
برضاك فلك بها قنطار من ذهب. قال : قد قبلت يا داود وهي خير أم القنطار؟ قال : بل
هي خير. قال : فأرضني ، قال : فلك بها ثلاثة قناطير. قال : فلم يزل يشدّد على داود
حتى رضي منه بتسعة قناطير. قال العبّاس : اللهمّ لا آخذ لها ثواباً وقد تصدّقت بها
على جماعة المسلمين. فقبلها عمر رضى الله عنه منه فأدخلها في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
صورة سادسة :
عن ابن عبّاس ،
قال : كانت للعبّاس دار إلى جنب المسجد في المدينة ، فقال عمر بن الخطّاب رضى الله
عنه : بِعنيها أو هبها لي حتى أُدخلها في المسجد. فأبى ، فقال : اجعل بيني وبينك
رجلاً من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجعلا بينهما أُبي بن كعب ، فقضى للعبّاس على عمر ، فقال
عمر : ما أجد من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أجرأ عليّ منك. فقال أُبيّ بن
كعب : أوَأنصح لك
منّي؟! ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، أما بلغك حديث داود أنّ الله عزّ وجلّ أمره
ببناء بيت المقدس فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها ، فلمّا بلغ حُجَز الرجال منعه
الله بناءه؟ قال داود : أي ربّ إن منعتني بناءه فاجعله في خلَفي ، فقال العبّاس :
أليس قد قضيت لي بها وصارت لي؟ قال : بلى. قال : فإنّي أُشهدك أنّي قد جعلتها لله.
وقال البلاذري :
لمّا استخلف عثمان بن عفّان ابتاع منازل وسّع المسجد بها ، وأخذ منازل أقوام ووضع
لهم الأثمان فضجّوا به عند البيت ، فقال : إنّما جرّأكم عليّ حلمي عنكم وليني لكم
، لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم ، ثمّ أمر بهم إلى الحبس حتى كلّمه فيهم
عبد الله بن خالد بن أُسيد فخلّى سبيلهم.
وقال الطبري وغيره
: في سنة (١٧) من الهجرة اعتمر عمر بن الخطّاب وبنى المسجد الحرام ووسّع فيه وأقام
بمكة عشرين ليلة ، وهدم على أقوام من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع أثمان
دورهم في بيت المال حتى أخذوها بعدُ.
تاريخ الطبري (٤ /
٢٠٦) ، فتوح البلدان للبلاذري (ص ٥٣) ، سنن البيهقي (٦ / ١٦٨) ، مستدرك الحاكم ،
الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٢٧) ، تذكرة الحفّاظ للذهبي (١ / ٧) ، تاريخ ابن شحنة
الحنفي ـ هامش الكامل ـ (٧ / ١٧٦) ، الدرّ المنثور (٤ / ١٥٩) ، وفاء الوفاء
للسمهودي (١ / ٣٤١ ـ ٣٤٩) .
قال
الأميني : الأخذ بمجاميع
هذه الروايات يُعطينا درساً بأنّ الخليفة لم يكن عالماً بالحكم عند توسيعه
المسجدين حتى أنبأه به أُبيّ بن كعب ، ووافق أُبيّا في روايته أبو ذر والرجل الآخر
، لكنّه عمل عند توسيعه المسجد الحرام بخلاف المأثور عن
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حيث لا يعلم ، وأعجب من هذا صنيعة عثمان وهي بعد ظهور
تلك السنّة النبويّة والعلم بها.
ـ ٨١ ـ
سكوت الخليفة عن حكم الطلاق
عن قتادة ، قال :
سُئل عمر بن الخطّاب عن رجل طلّق امرأته في الجاهليّة تطليقتين وفي الإسلام تطليقة
، فقال : لا آمرك ولا أنهاك. فقال عبد الرحمن : لكنّي آمرك ليس طلاقك في الشرك
بشيء .
لم يكن تحاشي
الخليفة عن الأمر والنهي عند حاجة السائل إلى عرفان الحكم إلاّ لعدم معرفته به ،
وليس جهله به بأقلّ من جهل ابنه عبد الله بحكم الطلاق في حال الحيض ، وقد نقم منه
ذلك أبوه ونفى عنه صلاحيّته للخلافة بذلك في محاورة جرت بينه وبين ابن عبّاس وقد
أسلفناها في الجزء الخامس (ص ٣٦٠).
ـ ٨٢ ـ
رأي الخليفة في أكل اللحم
١ ـ عن عبد الله
بن عمر ، قال : كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوّام رحمهالله بالبقيع ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها فيأتي معه بالدرّة ، فإذا رأى رجلاً
اشترى لحماً يومين متتابعين ضربه بالدرّة وقال : ألا طويت بطنك يومين؟
٢ ـ عن ميمون بن
مهران : أنّ رجلاً من الأنصار مرّ بعمر بن الخطّاب وقد تعلّق لحماً ، فقال له عمر
: ما هذا؟ قال : لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ، قال : حسن ، ثمّ مرّ
__________________
به من الغد ومعه
لحم ، فقال : ما هذا؟ قال : لحمة أهلي. قال : حسن ، ثمّ مرّ به اليوم الثالث ومعه
لحم ، فقال : ما هذا؟ قال : لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ، فعلا رأسه بالدرّة ثمّ
صعد المنبر فقال : إيّاكم والأحمرين : اللحم والنبيذ فإنّهما مفسدة للدين متلفة
للمال .
قال الأميني : هذا
فقه عجيب لا نعرف مغزاه (قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) ، ولا يجتمع مع ما جاء عن النبيّ الأعظم من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سيّد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم ، وسيّد الشراب في
الدنيا والآخرة الماء» .
وما جاء في صحيحة
عن ابن عبّاس من أنّ رجلاً أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله إنّي إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء
وأخذتني شهوتي فحرّمت عليّ اللحم. فأنزل الله (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا
تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللهُ حَلالاً طَيِّباً) .
وعلى تقدير
الكراهة في إدمان أكل اللحم فهل أكله يومين متواليين أو ثلاثة متوالية من الإدمان؟
وهل يستتبع ذلك التعزير بالدرّة؟ وهل يبلغ مفسدته مفسدة النبيذ المحرّم فكان لدته
مفسدة للدين ومتلفة للمال؟ ولو أخذ بهذا الرأي في أجيال المسلمين لوجب أن لا تهدأ
الدرّة في حال من الأحوال.
__________________
ـ ٨٣ ـ
الخليفة ويهودي مدني
عن أبي الطفيل قال
: شهدت الصلاة على أبي بكر الصدّيق ثمّ اجتمعنا إلى عمر ابن الخطّاب فبايعناه
وأقمنا أيّاماً نختلف إلى المسجد إليه حتى أسموه أمير المؤمنين ، فبينما نحن عنده
جلوس إذا أتاه يهوديّ من يهود المدينة ـ وهم يزعمون أنّه من ولد هارون أخي موسى بن
عمران عليهماالسلام ـ حتى وقف على عمر فقال له : يا أمير المؤمنين أيّكم أعلم
بنبيّكم وبكتاب نبيّكم حتى أسأله عمّا أُريد؟
فأشار له عمر إلى
عليّ بن أبي طالب فقال : هذا أعلم بنبيّنا وبكتاب نبيّنا.
قال اليهوديّ : أكذاك
أنت يا عليّ؟
قال : «سل عمّا
تريد».
قال : إنّي سائلك
عن ثلاث وثلاث وواحدة؟
قال له عليّ : «ولِمَ
لا تقول إنّي سائلك عن سبع؟»
قال له اليهودي :
أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهنّ أسألك عن الواحدة ، وإن أخطأت في الثلاث الأُوَل لم
أسألك عن شيء.
وقال له عليّ : «وما
يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت؟».
قال : فضرب بيده
على كمّه فاستخرج كتاباً عتيقاً فقال : هذا كتاب ورثته عن آبائي وأجدادي بإملاء
موسى وخطّ هارون ، وفيه هذه الخصال التي أُريد أن أسألك عنها.
فقال عليّ : «والله
عليك إن أجبتك فيهنّ بالصواب أن تسلم».
قال له : والله
لئن أجبتني فيهنّ بالصواب لأسلمنّ الساعة على يديك.
قال له عليّ : «سل».
قال : أخبرني عن
أوّل حجر وُضع على وجه الأرض ، وأخبرني عن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض ، وأخبرني
عن أوّل عين نبعت على وجه الأرض.
قال له عليّ : «يا
يهوديّ إنّ أوّل حجر وُضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّه صخرة بيت المقدس
، وكذبوا ، لكنّه الحجر الأسود نزل به آدم معه من الجنّة فوضعه في ركن البيت ،
فالناس يمسحون به ويقبّلونه ويجدّدون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله».
قال اليهودي :
أشهد بالله لقد صدقت.
قال له عليّ : «وأمّا
أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّها الزيتونة وكذبوا ، ولكنّها
نخلة العجوة نزل بها معه آدم من الجنة ، فأصل التمر كلّه من العجوة».
قال له اليهودي :
أشهد بالله لقد صدقت.
قال : «وأمّا أوّل
عين نبعت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّها العين التي تحت صخرة بيت المقدس
، وكذبوا ، ولكنّها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة ، فلمّا
أصابها ماء العين عاشت وسمرت فاتبعها موسى وصاحبه فأتيا الخضر».
فقال اليهودي :
أشهد بالله لقد صدقت.
قال له عليّ : «سل».
__________________
قال : أخبرني عن
منزل محمد أين هو في الجنة؟
قال عليّ : «ومنزل
محمد من الجنّة جنّة عدن في وسط الجنّة أقربه من عرش الرحمن عزّ وجلّ».
قال اليهودي :
أشهد بالله لقد صدقت.
قال له عليّ : «سل».
قال : أخبرني عن
وصيّ محمد في أهله كم يعيش بعده وهل يموت أو يقتل؟
قال عليّ : «يا
يهوديّ يعيش بعده ثلاثين سنة ويخضب هذه من هذه» وأشار إلى رأسه.
قال : فوثب
اليهوديّ وقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله.
أخرجه الحافظ
العاصمي في زين الفتى في شرح سورة هل أتى. وفي الحديث سقط كما ترى ، وفيه : نصّ
عمر على أنّ عليّا أعلم الأُمّة بنبيّها وبكتابه ، وموسى الوشيعة يقول : عمر أعلم
الأُمّة على الإطلاق بعد أبي بكر ، والإنسان على نفسه بصيرة.
ـ ٨٤ ـ
الخليفة أوّل من أعال الفرائض
عن ابن عبّاس ،
قال : أوّل من أعال الفرائض عمر بن الخطّاب لمّا التوت عليه الفرائض ودافع بعضها
بعضاً ، قال : والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر وكان امرأً ورعاً ،
فقال : ما أجد شيئاً هو أوسع لي من أن أُقسم المال عليكم بالحصص وأدخل على كلّ ذي
حقّ ما أدخل عليه من عول الفريضة.
وعن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود ، قال : دخلت أنا وزفر بن أوس
ابن الحدثان على
ابن عبّاس بعد ما ذهب بصره فتذاكرنا فرائض الميراث ، فقال : ترون الذي أحصى رمل
عالج عدداً لم يُحصِ في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً إذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث؟
فقال له زفر : يا ابن عبّاس من أوّل من أعالَ الفرائض؟ قال : عمر بن الخطّاب رضى
الله عنه. قال : ولِمَ؟ قال : لمّا تدافعت عليه وركب بعضها بعضاً ، قال : والله ما
أدري كيف أصنع بكم؟ والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر. قال : وما أجد
في هذا المال شيئاً أحسن من أن أُقسمه عليكم بالحصص. ثمّ قال ابن عبّاس : وايم
الله لو قدّم من قدّم الله ، وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة. فقال له زفر :
وأيّهم قدّم وأيّهم أخّر؟ فقال : كلّ فريضة لا تزول إلاّ إلى فريضة فتلك التي قدّم
الله ، وتلك فريضة الزوج له النصف ، فإن زال فإلى الربع لا ينقص منه ، والمرأة لها
الربع ، فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا تنقص منه ، والأخوات لهنّ الثلثان والواحدة
لها النصف ، فإن دخل عليهنّ البنات كان لهنّ ما بقي فهؤلاء الذين أخّر الله ، فلو
أعطى من قدّم الله فريضته كاملة ثمّ قسّم ما يبقى بين من أخّر الله بالحصص ما عالت
فريضة. فقال له زفر : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال : هبته والله .
وفي أوائل السيوطي
وتاريخه (ص ٩٣) ، ومحاضرة
السكتواري (ص ١٥٢) : إنّ عمر أوّل من قال بالعول في الفرائض.
قال الأميني : ما
عساني أن أقول بعد قول الخليفة : والله ما أدري كيف أصنع بكم ، والله ما أدري
أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر؟ أو بعد قول ابن عبّاس : وايم الله لو قدّم من
قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة.
كيف لم يتزحزح
الرجل عن القضاء في الفرائض والحال هذه ويحكم بالرأي؟
__________________
وهو القائل في
خطبة له : ألا إنّ أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا
برأيهم فضلّوا وأضلّوا ، ألا وإنّا نقتدي ولا نبتدي ، ونتّبع ولا نبتدع ، ما نضلّ
ما تمسّكنا بالأثر .
أهكذا الاقتداء
والاتّباع؟ أم هذه هي الابتداء والابتداع؟!
وكيف يسوغ لمثل
الخليفة أن يجهل الفرائض وهو القائل : ليس جهل أبغض إلى الله ولا أعمّ ضرّا من جهل
إمام وخرقه ؟!
وكيف يشغل منصّة
القضاء قبل أن يتفقّه في دين الله وهو القائل : تفقّهوا قبل أن تسودوا ؟!
ـ ٨٥ ـ
اجتهاد عمر في تشطير أموال عمّاله
وهو أوّل من قاسم
العمّال وشاطرهم أموالهم :
١ ـ عن أبي هريرة
، قال : استعملني عمر بن الخطّاب رضى الله عنه على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر
ألفاً ، فلمّا عزلني وقدمت على عمر قال لي : يا عدوّ الله وعدوّ المسلمين ـ أو قال
: وعدوّ كتابه ـ سرقت مال الله؟ قال : قلت : لست بعدوّ لله ولا للمسلمين ـ أو قال
: لكتابه ـ ولكنّي عدوّ من عاداهما ، ولكنّ خيلاً تناتجت وسهاماً اجتمعت. قال :
فأخذ منّي اثني عشر ألفاً ، فلمّا صلّيت الغداة قلت : اللهمّ اغفر لعمر. حتى إذا
كان بعد ذلك. قال : ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت : لا. قال : ولِمَ؟ قد عمل من هو
خير منك يوسف ، قال : اجعلني على خزائن الأرض. فقلت : يوسف نبيّ ابن نبي
__________________
وأنا أبو هريرة
ابن أُميمة وأخاف منكم ثلاثاً واثنتين. قال : فهلاّ قلت خمساً؟ قلت : أخشى أن
تضربوا ظهري ، وتشتموا عرضي ، وتأخذوا مالي ، وأكره أن أقول بغير حلم ، وأحكم بغير
علم.
دعا عمر أبا هريرة
فقال له : علمت أنّي استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ، ثمّ بلغني أنّك ابتعت
أفراساً بألف دينار وستمائة دينار. قال : كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت.
قال : قد حسبت لك رزقك ومئونتك وهذا فضل فأدّه. قال : ليس لك. قال : بلى والله
أوجع ظهرك. ثمّ قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثمّ قال : ائت بها. قال :
احتسبتها عند الله. قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأدّيتها طائعاً ، أجئت من أقصى
حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ ما رجعت بك أُميمة إلاّ لرعية
الحمر ـ وأُميمة أُمّ أبي هريرة.
٢ ـ كان سعد بن
أبي وقّاص يقال له : المستجاب ، لقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : اتّقوا دعوة سعد ، فلمّا شاطره عمر ، قال له سعد : لقد
هممت. قال له عمر : بأن تدعو عليّ؟ قال : نعم. قال : إذاً لا تجدني بدعاء ربّي
شقيّا.
وأخرج البلاذري في
فتوح البلدان (ص ٢٨٦) عن ابن
إسحاق ، قال : اتّخذ سعد بن أبي وقّاص باباً مبوّباً من خشب وخصّ على قصره خصّا من
قصب ، فبعث عمر بن الخطّاب محمد بن مسلمة الأنصاري حتى أحرق الباب والخصّ ، وأقام
سعداً في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلاّ خيراً.
وقال السيوطي : أمر عمر عمّاله فكتبوا أموالهم منهم سعد بن أبي وقّاص
فأخذ نصف مالهم.
٣ ـ لمّا عزل عمر
أبا موسى الأشعري عن البصرة شاطره ماله.
__________________
٤ ـ كتب عمر بن
الخطّاب إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر : من عبد الله عمر بن الخطّاب إلى
عمرو بن العاص : سلام عليك فإنّه بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر
وعبيد ، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك ، فاكتب إليَّ من أين أصل هذا المال؟ ولا
تكتمه.
فكتب إليه عمرو بن
العاص : إلى عبد الله أمير المؤمنين ، سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا
إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فإنّه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي
وأنّه يعرفني قبل ذلك لا مال لي ، وإنّي أُعلم أمير المؤمنين أنّي في أرضٍ السعر
فيه رخيص ، وأنّي أُعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله ، وفي رزق أمير
المؤمنين سعة ، والله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك ، فأقصر أيّها الرجل فإنّ لنا
أحساباً هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ، ولعمري إنّ عندك من تذمّ
معيشته ولا تذمّ له ، فأنّى كان ذلك ولم يفتح قفلك ولم نشركك في عملك.
فكتب إليه عمر :
أمّا بعد : فإنّي والله ما أنا من أساطيرك التي تسطّر ، ونسقك الكلام في غير مرجع
، لا يغني عنك أن تزكّي نفسك ، وقد بعثت إليك محمد بن سلمة فشاطره مالك ، فإنّكم أيّها الرهط الأُمراء جلستم على عيون
المال ، لم يزعكم عذر تجمعون لأبنائكم ، وتمهّدون لأنفسكم ، أما إنّكم تجمعون
العار ، وتورثون النار ، والسلام.
فلمّا قدم عليه
محمد بن سلمة صنع له عمرو طعاماً كثيراً فأبى محمد بن سلمة أن يأكل منه شيئاً ،
فقال له عمرو : أتحرّمون طعامنا؟ فقال : لو قدّمت إليّ طعام الضيف أكلته ولكنك
قدّمت إليَّ طعاماً هو تقدمة شرٍّ ، والله لا أشرب عندك ماء ، فاكتب لي كلّ شيء هو
لك ولا تكفه ، فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأُخرى ،
فغضب عمرو بن العاص فقال : يا محمد بن سلمة قبّح الله زماناً عمرو بن العاصي لعمر
بن الخطّاب فيه عامل ، والله إنّي لأعرف الخطّاب يحمل
__________________
فوق رأسه حزمة من
الحطب ، وعلى ابنه مثلها ، وما منهما إلاّ في نمرة لا تبلغ رسغيه ، والله ما كان
العاصي بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزرّراً بالذهب. قال له محمد : أُسكت والله
عمر خير منك ، وأمّا أبوك وأبوه ففي النار ، والله لو لا الزمان الذي سبقته فيه لا
ألفيت معقل شاة يسرّك غزرها ويسرّك بكرها . فقال عمرو : هي عندك بأمانة الله ، فلم يخبر بها عمر.
٥ ـ زار أبو سفيان
معاوية ، فلمّا رجع من عنده دخل على عمر ، فقال : أجزنا أبا سفيان قال : ما أصبنا
شيئاً فنجيزك به. فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول : قل لها يقول لك
أبو سفيان انظري الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما ، فما لبث عمر أن أُتي بخرجين
فيهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر في بيت المال ، فلمّا ولي عثمان ردّهما عليه ،
فقال أبو سفيان : ما كنت لآخذ مالاً عابه عليّ عمر.
٦ ـ لمّا ولّى عمر
بن الخطّاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثمّ عزله ، تلقّاه في بعض الطريق
فوجد معه ثلاثين ألفاً فقال : أنّى لك هذا؟ قال : والله ما هو لك ولا للمسلمين
ولكنّه مال خرجت به لضيعة أشتريها. فقال عمر : عاملنا وجدنا معه مالاً ما سبيله
إلاّ بيت المال ، ورفعه ، فلمّا ولي عثمان قال لأبي سفيان : هل لك في هذا المال؟
فإنّي لم أرَ لأخذ ابن الخطّاب فيه وجهاً ، قال : والله إنّ بنا إليه حاجة ، ولكن
لا تردّ فعل من قبلك فيردّ عليك من بعدك.
٧ ـ مرّ عمر يوماً
ببنّاء يبني بحجارة وجصّ ، فقال : لمن هذا؟ فقالوا : لعامل من عمّالك بالبحرين ،
فقاسمه ماله وكان يقول : لي على كلّ خائن أمينان : الماء والطين.
٨ ـ أرسل عمر إلى
أبي عبيدة : إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فهو
معزول ، فانتزع عمامته وقاسمه نصفين. فلم يكذب
__________________
نفسه فقاسمه أبو
عبيدة ماله حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الأخرى ، وخالد يقول : سمعاً وطاعة لأمير
المؤمنين.
بلغ عمر أنّ
خالداً أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه ، فأرسل لأبي عبيدة
أن يصعد المنبر ويوقف خالداً بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيّده بعمامته ،
لأنّ العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف ، وإن كان من مال المسلمين فهي
خيانة ، فلمّا قدم خالد رضى الله عنه على عمر رضى الله عنه قال له : من أين هذا
اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف؟ فقال : من الأنفال والسُّهمان. قال : ما زاد على
التسعين ألفاً فهو لك ، ثمّ قوّم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفاً ، ثمّ قال له
: والله إنّك عليّ لكريم ، وإنّك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيء. وكتب رضى
الله عنه إلى الأمصار : إنّي لم أعزل خالداً عن مبخلة ولا خيانة ، ولكنّ الناس فُتِنوا به فأحببت أن يعلموا أنّ
الله هو الصانع.
قال الحلبي في
السيرة (٣ / ٢٢٠) : وأصل
العداوة بين خالد وسيّدنا عمر رضى الله عنهما على ما حكاه الشعبي : أنّهما وهما
غلامان تصارعا ، وكان خالد ابن خال عمر فكسر ساق عمر فعولجت وجبرت ، ولمّا ولي
سيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أوّل شيء بدأ به عزل خالد ، وقال : لا يلي
لي عملاً أبداً ، ومن ثمّ أرسل إلى أبي عبيدة : إن أكذب خالد ... إلخ. وذكره ابن
كثير في تاريخه (٧ / ١١٥) .
وأخرج الطبري في
تاريخه عن سليمان بن يسار ، قال : كان عمر كلّما مرّ بخالد قال :
يا خالد أخرج مال الله من تحت استك. فيقول : والله ما عندي من مال ،
__________________
فلمّا أكثر عليه
عمر قال له خالد : يا أمير المؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانكم : أربعين ألف درهم؟
فقال عمر : قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم. قال : هو لك ، قال : قد أخذته ، ولم
يكن لخالد مال إلاّ عدّة ورقيق ، فحسب ذلك فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر
ذلك ، فأعطاه أربعين ألف وأخذ المال ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لو رددت على
خالد ماله؟ فقال : إنّما أنا تاجر للمسلمين والله لا أردّه عليه أبداً. فكان عمر
يرى أنّه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.
وفي تاريخ ابن
كثير (٧ / ١١٧) : إنّ
عمر قال لعليّ بعد موت خالد : ندمت على ما كان منّي. وقال عمر : رحم الله أبا
سليمان لقد كنّا نظنّ به أُموراً ما كانت.
وذكر ابن كثير في
تاريخه (٧ / ١١٥) ، عن
محمد بن سيرين ، قال : دخل خالد على عمر وعليه قميص حرير ، فقال عمر : ما هذا يا
خالد؟ فقال : وما بأس يا أمير المؤمنين؟ أليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف؟ فقال :
وأنت مثل ابن عوف؟ ولك مثل ما لابن عوف؟ عزمت على من بالبيت إلاّ أخذ كلّ واحد
منهم بطائفة ممّا يليه. قال : فمزّقوه حتى لم يبق منه شيء.
وذكر البلاذري
جمعاً من عمّال شاطرهم عمر بن الخطّاب أموالهم حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً ، وهم :
٩ ـ أبو بكرة نفيع
بن الحرث بن كلدة الثقفي.
١٠ ـ نافع بن
الحرث بن كلدة الثقفي ، أخو أبي بكرة.
١١ ـ الحجّاج بن
عتيك الثقفي ، وكان على الفرات.
__________________
١٢ ـ جزء بن
معاوية ، عمّ الأحنف ، كان على سُرَّق .
١٣ ـ بشر بن
المحتفز ، كان على جندي سابور.
١٤ ـ ابن غلاب
خالد بن الحرث ، من بني دهمان ، كان على بيت المال بأصبهان.
١٥ ـ عاصم بن قيس
بن الصلت السلمي ، كان على مناذر.
١٦ ـ سمرة بن جندب
، كان على سوق الأهواز.
١٧ ـ النعمان بن
عدي بن نضلة الكعبي ، كان على كور دجلة.
١٨ ـ مجاشع بن
مسعود السلمي صهر بني غزوان ، كان على أرض البصرة وصدقاتها.
١٩ ـ شبل بن معبد
البجلي ثمّ الأحمسي ، كان على قبض المغانم.
٢٠ ـ أبو مريم بن
محرش الحنفي ، كان على رام هرمز.
وهؤلاء ذكرهم أبو
المختار يزيد بن قيس بن يزيد في شعر قدّمه إلى عمر بن الخطّاب قال :
أبلغ أميرَ
المؤمنينَ رسالةً
|
|
فأنت أمينُ
اللهِ في النهيِ والأمرِ
|
وأنت أمينُ
اللهِ فينا ومن يكن
|
|
أميناً لربّ
العرشِ يسلمْ له صدري
|
فلا تَدَعَنْ
أهلَ الرساتيقِ والقرى
|
|
يسيغون مالَ
اللهِ في الأدم والوفرِ
|
فأرسل إلى
الحجّاج فاعرف حسابَه
|
|
وأرسل إلى جزءٍ
وأرسلْ إلى بشرِ
|
ولا تنسينّ
النافعينِ كليهما
|
|
ولا ابنَ غلابٍ
من سراةِ بني نصرِ
|
__________________
وما عاصمٌ منها
بصفرٍ عيابُه
|
|
وذاك الذي في
السوقِ مولى بني بدرِ
|
وأرسل إلى النعمانِ
واعرف حسابَهُ
|
|
وصهرِ بني
غزوانَ إنّي لذو خبرِ
|
وشبلاً فسله
المالَ وابنَ محرّشٍ
|
|
فقد كان في أهل
الرساتيق ذا ذكرِ
|
فقاسمهمُ أهلي
فداؤك إنّهم
|
|
سيرضون إن
قاسمتهم منك بالشطرِ
|
ولا تدعوني
للشهادة إنّني
|
|
أغيب ولكنّي أرى
عجب الدهرِ
|
نئوب إذا آبوا
ونغزو إذا غزوا
|
|
فأنّى لهم وفر
ولسنا أولي وفرِ
|
إذا التاجر
الداري جاء بفارةٍ
|
|
من المسك راحت
في مفارقِهم تجري
|
فقاسم عمر هؤلاء
القوم فأخذ شطر أموالهم نعلاً بنعل ، وكان فيهم أبو بكرة فقال : إنّي لم ألِ لك
شيئاً. فقال : أخوك على بيت المال وعشور الأُبلّة فهو يعطيك المال تتّجر به ، فأخذ
منه عشرة آلاف ويقال : قاسمه فأخذ شطر ماله.
٢١ ـ وصادر الحرث
بن وهب أحد بني ليث بكر بن كنانة وقال له : ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار؟ قال
: خرجت بنفقة لي فاتّجرت فيها. قال : وإنّا والله ما بعثناك للتجارة ، أدّها. قال
: أما والله لا أعمل لك بعدها. قال : أنا والله لا أستعملك بعدها.
راجع فتوح البلدان للبلاذري (ص ٩٠ ، ٢٢٦ ، ٣٩٢) ، تاريخ الطبري (٤
/ ٥٦ ، ٢٠٥) ، العقد الفريد (١ / ١٨ ـ ٢١) ، معجم البلدان (٢ / ٧٥) ، صبح الأعشى (٦
/ ٣٨٦ ،
__________________
٤٧٧) ، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد (١ / ٥٨ و ٣ / ١٠٤) ، سيرة عمر لابن الجوزي (ص ٤٤) ،
تاريخ ابن كثير (٧ / ١٨ ، ١١٥ و ٨ / ١١٣) ، السيرة الحلبية (٣ / ٢٢٠) ، الإصابة (٣
/ ٣٨٤ ، ٦٧٦) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص ٩٦) ، الفتوحات الإسلامية (٢ / ٤٨٠).
قال
الأميني : أنا لا أدري إن
قامت البيّنة عند الخليفة على أنّ تلك الأموال مختلسة من بيت مال المسلمين ،
فَلِمَ لم يُصادرها كلّها؟ وإن كان يحسب أنّ هناك أموالاً مملوكة لهم فهل من
المعقول أن يقدّر ذلك في الجميع بنصف ما بأيديهم حتى النعل والنعل؟ وقد عُدّ ذلك
سيرةً له ، قال سعيد بن عبد العزيز : كان عمر يقاسم عمّاله نصف ما أصابوا .
وإن لم تقم
البيّنة على ذلك فكيف رفع أيدي القوم عمّا كان في حيازتهم ورفض دعاويهم بأنّها من
ربح تجارة ، أو نتاج خيل ، أو منافع زرع ، أو ثمن ضيعة؟ ولِمَ لم يحاكمهم في الأمر
بإحضار الشهود والتدقيق في القضيّة ، وغرم قبل ذلك بمجرّد الظنّة والتهمة؟ ويد
المسلم من أمارات الملك ، ودعواه له بلا معارض مسموع منه ، وإلاّ لما قام للمسلمين
سوق.
على أنّ ظاهر حال
هؤلاء الصحابة المغرمين بمقتضى فقه الخليفة أنّهم لصوص بأقبح التلصّص ، لأنّ
السارق في الغالب لا يسرق إلاّ من واحد أو اثنين أو أكثر يُعدّون بالأنامل لكن
هؤلاء بحكم تلك المشاطرة سرّاق من مال المسلمين جميعاً ، وكان قد ائتمنهم قبل ذلك
وبعده على نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأحكامهم ، باستعمالهم على البلاد
والعباد ، غير أنّه كان فيهم من تنصّل عن العمل بعد التغريم ، أصحيح أنّهم كانوا
هكذا؟ أنا لا أدري. أصحيح أنّهم كلّهم عدول؟ أيضاً لا أدري.
__________________
ـ ٨٦ ـ
الخليفة في شراء الإبل
عن أنس بن مالك ،
قال : إنّ أعرابيّا جاء بإبل له يبيعها ، فأتاه عمر يساومه بها ، فجعل عمر ينخس
بعيراً بعيراً يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده ، فجعل الأعرابي يقول :
خلِّ إبلي لا أبا لك. فجعل عمر لا ينهاه قول الأعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير ،
فقال الأعرابي لعمر : إنّي لأظنّك رجل سوء. فلمّا فرغ منها اشتراها فقال : سقها
وخذ أثمانها. فقال الأعرابي : حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها. فقال عمر : اشتريتها
وهي عليها فهي لي كما اشتريتها ، فقال الأعرابي : أشهد أنّك رجل سوء ، فبينما هما
يتنازعان إذ أقبل عليّ ، فقال عمر : ترضى بهذا الرجل بيني وبينك؟ قال الأعرابي :
نعم.
فقصّا على عليّ
قصّتهما ، فقال عليّ : «يا أمير المؤمنين إن كنت اشترطت عليه أحلاسها وأقتابها فهي
لك كما اشترطت ، وإلاّ فإنّ الرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها». فوضع عنها أحلاسها
وأقتابها. فساقها الأعرابيّ فدفع إليه عمر الثمن.
كنز العمّال (٢ / ٢٢١) ، منتخب
الكنز ـ هامش مسند أحمد ـ (٢ / ٢٣١).
جزى الله أمير
المؤمنين عليّا عليهالسلام عن الأعرابي خيراً يوم حفظ له الأحلاس والأقتاب عن أن تؤخذ
منه بغير ثمن ، وأمّا حلّ مشكلة عمل الخليفة وفقهه في المقام فنكله إلى نظرة
التنقيب للباحث الحرّ.
__________________
ـ ٨٧ ـ
رأي الخليفة في بيت المقدس
عن سعيد بن
المسيّب ، قال : استأذن رجل عمر بن الخطّاب في إتيان بيت المقدس فقال له : اذهب
فتجهّز فإذا تجهّزت فأعلمني. فلمّا تجهّز جاءه فقال له عمر : اجعلها عمرة. قال :
ومرّ به رجلان وهو يعرض إبل الصدقة فقال لهما : من أين جئتما؟ قالا : من بيت المقدس
، فعلاهما بالدرّة وقال : أحجّ كحجّ البيت؟ قالا : إنّا كنّا مجتازين .
قال
الأميني : إنّ بيت المقدس
أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال وتُقصد بالزيارة والصلاة فيها ، لكن
الخليفة عزبت عنه تلكم المأثورات النبويّة فلم يسمعها منه صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لم يعِها أو نسيها ، فمنع الرجل المتأهِّب لزيارته عنها
، وعلا بالدرّة من حسب أنّه زاره فتترّسا عنها بإبداء أنّهما مرّا به مجتازين ،
وإليك نصوص أحاديث الباب فاقرأها وأعجب.
١ ـ عن أبي هريرة
، عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ،
ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى».
أخرجه أحمد في مسنده (٢ / ٢٣٨ ، ٢٧٨) ، والبخاري في صحيحه كما في
السنن الكبرى (٥ / ٢٤٤) ، ومسلم في صحيحه (١ / ٣٩٢) ، والدارمي في سننه (١ / ٣٣٠)
،
__________________
وأبو داود في سننه
(١ / ٣١٨) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٤٣٠) ، والنسائي في سننه (٢ / ٣٧) ، والبيهقي
في سننه (٥ / ٢٤٤) ، والبغوي في مصابيحه (١ / ٤٧) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤
/ ٣) : رواه أحمد والبزّار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات أثبات.
لفظ آخر لأبي
هريرة :
«إنّما يسافر إلى
ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيليا».
أخرجه مسلم في
صحيحه (١ / ٣٩٢) ،
والبيهقي في سننه (٥ / ٢٤٤).
قال
الأميني : إيلياء اسم مدينة
بيت المقدس ، قيل : معناه بيت الله. قال أبو علي : وسمّي بيت المقدس إيلياء بقول
الفرزدق :
وبيتان بيت الله
نحن ولاته
|
|
وقصر بأعلى
إيلياء مشرَّفُ
|
٢ ـ عن عليّ أمير المؤمنين ، بلفظ أبي
هريرة الأوّل.
أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٤ / ٣).
٣ ـ عن عبد الله
بن عمر ، بلفظ أبي هريرة الأوّل.
أخرجه البزّار ، وقال الهيثمي في المجمع (٤ / ٤) : رجاله رجال الصحيح. وفي
لفظ آخر له : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد
المدينة ، ومسجد بيت المقدس».
__________________
أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط. وقال الهيثمي في المجمع : رجاله ثقات.
٤ ـ عن عبد الله
بن عمرو بن العاص ، مرفوعاً : «إنّ سليمان بن داود صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا بنى بيت المقدس سأل الله عزّ وجلّ خلالاً ثلاثة : سأل
الله عزّ وجلّ حكماً يصادف حكمه ، فأُوتِيَه ، وسأل الله عزّ وجلّ ملكاً لا ينبغي
لأحد من بعده ، فأُوتِيَه ، وسأل الله عزّ وجلّ حين فرغ من بناء المسجد أن لا
يأتيه أحد لا ينهزه إلاّ الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أُمّه».
أخرجه ابن ماجة في سننه (١ / ٤٣٠) ، والنسائي في سننه (٢ / ٣٤).
٥ ـ عن أبي سعيد
الخدري ، مرفوعاً : «لا ينبغي للمطي أن تُشدَّ رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة
غير المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا».
أخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٦٤) ، وبلفظ أبي هريرة الأوّل في (٣ /
٧ ، ٣٤ ، ٥١ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٩٣) ، وفي صحيفة (٤٥) بدل المسجد الأقصى : مسجد بيت
المقدس ، وبلفظ أبي هريرة أخرجه عن أبي سعيد البخاري في صحيحه (٣ / ٢٢٤) في باب
الصوم يوم النحر ، والترمذي في صحيحه (١ / ٦٧) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٤٣٠) ،
والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح (ص ٦٠).
٦ ـ عن أبي الجعد
الضميري ، مرفوعاً : «لا تُشدّ الرحال ... إلخ» بلفظ أبي هريرة الأوّل.
__________________
رواه البزّار
والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع
الزوائد (٤ / ٤).
٧ ـ عن بصرة بن
أبي بصرة الغفاري ، مرفوعاً : «لا تعمل المطيّ إلاّ إلى ثلاثة مساجد : إلى المسجد
الحرام ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى مسجد إيلياء». أو : «بيت المقدس». يشكّ أيّهما
قال. بغية الوعاة (ص ٤٤٤).
٨ ـ عن ميمونة مولاة
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قالت : قلت : يا رسول الله أَفتِنا في بيت المقدس. قال :
«أرض المحشر والمنشر ، ائتوه فصّلوا فيه فإنّ صلاةً فيه كألف صلاة في غيره». قلت :
أرأيت إن لم أستطع أن أتحمّل إليه؟ قال : «فتهدي له زيتاً يسرج فيه فمن فعل ذلك
فهو كمن أتاه».
أخرجه ابن ماجة في
سننه (١ / ٤٢٩) ،
والبيهقي في سننه (٢ / ٤٤١).
هذه جملة ممّا ورد
في بيت المقدس وقصده للصلاة ، وقد أسرى المولى سبحانه بعبده المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وكانت الصحابة
تقصدها للصلاة في مسجدها كما في مجمع الزوائد (٤ / ٤) ، وأفرد الحافظ ابن عساكر
كتاباً فيه وأسماه المستقصى في فضائل المسجد الأقصى.
وإذا غضضنا الطرف
عن هذه الأحاديث فإنّ شدّ الرحال إلى أيّ من المساجد يكون من المباحات الأوّلية
التي لم يرد عنها نهي ، فما معنى الإرهاب بالدرّة في مثلها؟ مع أنّ من يمّم مسجداً
للصلاة فيه يُحاسَب في أجره ممشاه بالخطوات وقرب سيره وبعده كما في صحاح أخرجها
الترمذي في صحيحه (١ / ١٨٤). نعم ؛
كأنّ الخليفة
__________________
كان يرى إتيان
تلكم المساجد إحياءً لآثار الأنبياء وله فيها رأيه الشاذّ كما أسلفناه صفحة (١٤٨)
من هذا الجزء.
ـ ٨٨ ـ
رأي الخليفة في المجوس
أخرج يحيى بن سعيد
، بإسناده عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : ما أدري ما أصنع بالمجوس وليسوا أهل كتاب
ـ وفي لفظ : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ـ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب».
وعن بجالة قال :
كنت كاتباً لجزء بن معاوية على مناذر ، فجاءنا كتاب عمر : أنظر المجوس من قبلك فخذ منهم الجزية
فإنّ عبد الرحمن بن عوف أخبرني أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
وعنه قال : لم يكن
عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذها من مجوس هجر.
راجع الأموال لأبي عبيد (ص ٣٢) ، موطّأ مالك (١ / ٢٠٧) ، صحيح
البخاري كتاب فرض الخمس باب الجزية ، مسند أحمد (١ / ١٩٠) ، جامع الترمذي (١ / ١٩٢)
وفي طبعة (١ / ٣٠٠) بعدّة طرق صحّح بعضها وحسّن أُخرى ، سنن الدارمي (٢ / ٢٣٤) ،
سنن أبي داود (٢ / ٤٥) ، كتاب الرسالة للشافعي (ص ١١٤) ، أحكام القرآن
__________________
للجصّاص (٣ / ١١٤)
، فتوح البلدان للبلاذري (ص ٢٧٦) ، سنن البيهقي (٨ / ٢٤٨ و ٩ / ١٨٩) ، مصابيح
البغوي (٢ / ٩٧) وصحّحه ، سيرة عمر لابن الجوزي (ص ١١٤) ، مشكاة المصابيح (ص ٣٤٤)
، تيسير الوصول (١ / ٢٤٥).
قال
الأميني : أوَلا تعجب ممّن يتصدّى للخلافة الكبرى ولا يعرف أمسَّ
لوازمها بها؟ فإنّ حكم المجوس من أوليات ما يلزم معرفته لمتولِّي السلطة الإسلامية
من الناحية المالية والسياسية والدينية.
أوَلا تعجب من
تعطيل حكم هامّ كهذا سنين متطاولة إلى شهادة عبد الرحمن ابن عوف وإجراء الحكم
بعدها؟ وكان ذلك قبل موت الخليفة بسنة ومن الممكن أن يبتلى به وبمثله وعبد الرحمن أو مثله في
منتأىً عنه ، فبما ذا يعمل إذن؟ ولو لم تلد عبد الرحمن أُمّه فإلى ما كان يؤول
أمره؟ ومن ذا الذي كان يفيض علمه عليه؟ وكيف يتولّى الأمر من يجد في الرعية من هو
أعلم منه؟ وأين هو ومن ولاّه الأمر من قول النبيِّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تولّى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً
وهو يعلم أنّ فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنّة رسوله فقد خان الله
ورسوله وجميع المؤمنين» ؟ (فَما لِهؤُلاءِ
الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) ؟
ـ ٨٩ ـ
رأي الخليفة في صوم رجب
عن خرشة بن الحرّ
، قال : رأيت عمر بن الخطّاب يضرب أكفّ الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام
ويقول : رجب وما رجب ، إنّما رجب شهر كان
__________________
يعظّمه أهل
الجاهليّة فلمّا جاء الإسلام ترك .
قال
الأميني : لقد عزب عن
الخليفة ما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خصوص صوم رجب والترغيب فيه وذكر المثوبات الجزيلة له من
ناحية.
وما جاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في صوم ثلاثة أيّام من الأشهر كلّها وهو يعمّ رجباً وغيره
من ناحية أُخرى.
وما جاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في صوم خصوص الأشهر الحرم ومنها شهر رجب من ناحية ثالثة.
وما جاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم من تمام السنة وفيها شهر
رجب من ناحية رابعة.
وما جاء في
التطوّع بمطلق الصوم والترغيب فيه من أيّ شهر كان ، وهذه خامسة النواحي التي فاتت
المانع عن صوم رجب فهلمّ معي فاقرأها :
الطائفة الأُولى :
١ ـ عن عثمان بن
حكيم ، قال : سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ، فقال : سمعت ابن عبّاس رضى الله عنه
يقول : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم.
وفي لفظ البخاري :
كان يصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا والله
لا يصوم.
__________________
راجع صحيح البخاري (٣ / ٢١٥) ، صحيح مسلم (١ / ٣١٨) ، مسند أحمد
(١ / ٣٢٦) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨١) ، سنن البيهقي (٤ / ٢٩١) ، تيسير الوصول (٢ /
٣٢٨).
٢ ـ عن أمير
المؤمنين عليّ عليهالسلام ، مرفوعاً : «رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ، من
صام يوماً من رجب فكأنّما صام سنة ، ومن صام منه سبعة أيّام غلقت عنه سبعة أبواب جهنّم
، ومن صام منه ثمانية أيّام فتحت له ثمانية أبواب الجنّة ، ومن صام منه عشرة أيّام
لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ، ومن صام منه خمسة عشر يوماً نادى منادٍ في السماء
: قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ، ومن زاد زاده الله».
مجمع الزوائد (٣ /
١٩١) ، الغنية للجيلاني (١ / ١٩٨) وله
هناك أحاديث بألفاظ أُخر عن أمير المؤمنين ، ورواه الجرداني في مصباح الظلام (٢ / ٨٢) من طريق
البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك.
٣ ـ عن أبي هريرة
، مرفوعاً : «لم يتمّ صوم شهر بعد رمضان إلاّ رجب وشعبان». مجمع الزوائد (٣ / ١٩١)
، الغنية (١ / ٢٠٠).
٤ ـ عن أنس بن
مالك ، مرفوعاً : «إنّ في الجنّة قصراً لا يدخله إلاّ صوّام رجب»
أخرجه ابن شاهين في الترغيب كما في كنز العمّال (٤ / ٣٤١) ،
وذكره الجيلاني في الغنية (١ / ٢٠٠).
__________________
وأخرج البيهقي ، عن أنس مرفوعاً : «إنّ في الجنّة نهراً يقال له : رجب ،
أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك
النهر».
ورواه الشيرازي في
الألقاب ، وذكره الزرقاني في شرح المواهب (٨ / ١٢٨) ، والجيلاني في الغنية (١ /
٢٠٠) ، والسيوطي في الجامع الصغير ، وقال المناوي في شرحه (٢ / ٤٧٠) : هذا تنويه عظيم بفضل
رجب ومزيّة الصيام فيه.
٥ ـ أخرج ابن
عساكر عن أبي قلابة أنّه قال : «إنّ في الجنّة قصراً لصوّام رجب». وذكره القسطلاني
في المواهب اللدنيّة كما في شرحه (٨ / ١٢٨) ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في
ترتيبه (٤ / ٣٤١).
٦ ـ أخرج أبو داود
، عن عطاء بن أبي رباح : إنّ عروة بن الزبير قال لعبد الله ابن عمر : هل كان رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوم في رجب؟ قال : نعم ويشرّفه ، قالها ثلاثاً.
وذكره القسطلاني
في المواهب كما في شرحه (٨ / ١٢٨) ، والرفاعي في ضوء الشمس (٢ / ٦٧).
٧ ـ عن مكحول ،
قال : سأل رجل أبا الدرداء رضى الله عنه عن صيام رجب ، فقال له : سألت عن شهر كانت
الجاهلية تعظّمه في جاهليّتها وما زاده الإسلام إلاّ فضلاً وتعظيماً ، ومن صام منه
يوماً تطوّعاً يحتسب به ثواب الله تعالى ويبتغي به وجهه مخلصاً أطفأ صومه ذلك
اليوم غضب الله تعالى ، وأغلق عنه باباً من أبواب النار ، ولو أُعطي ملء الأرض
ذهباً ما كان جزاءً له ولا يستكمل له أجر شيء من الدنيا دون يوم
__________________
الحساب. الحديث.
ذكره الجيلاني في الغنية (١ / ١٩٨).
وهناك أحاديث جمّة
في فضل صوم رجب وأوّل خميس منه ويوم السابع والعشرين منه خاصّة من طريق أبي سعيد
الخدري ، والإمامين السبطين ، وأنس بن مالك ، وأبي هريرة ، وسلمان الفارسي ، وأبي
ذرّ الغفاري ، وسلامة بن قيس ، وابن عبّاس ، أسلفنا شطراً منها في الجزء الأوّل (ص
٤٠٧) ، وجمعها الجيلاني في الغنية (١ / ١٩٦ ـ ٢٠٥) ،
وذكر بعضها صاحب مفتاح السعادة (٣ / ٤٦) ، وأورد
عدّة منها الجرداني في مصباح الظلام (٢ / ٨١ ، ٨٢) ، والرفاعي
في ضوء الشمس (٢ / ٦٧) ثمّ قال :
ذُكر في طبقات
السبكي : أنّ البيهقي ضعّف حديث النهي عن صوم رجب ، ثمّ حكى عن
الشافعي في القديم أنّه قال : أكره أن يتّخذ الرجل صوم شهر كامل غير رمضان لئلاّ
يظنّ الجاهل وجوبه. وقال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام رضي الله تعالى عنه : من
نهى عن صوم رجب فهو جاهل. والمنقول استحباب صيام الأشهر الحرم وهي أربعة : رجب ،
وذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رجب شهر الله» ، قيل : ما معناه؟ قال : «لأنّه مخصوص
بالمغفرة وفيه تحقن الدماء». وفي الحديث : «أخبرني جبريل إذا كان أوّل ليلة من رجب
أمر الله ملكاً ينادي : ألا إنّ شهر التوبة قد استهلَّ فطوبى لمن استغفر الله فيه».
وروي أنّه قال آدم عليه الصلاة والسلام : «يا ربّ أخبرني بأحبِّ الأوقات إليك
وأحبِّ الأيّام إليك. قال : أحبّ الأيّام إليَّ النصف من رجب فمن تقرّب إليَّ يوم
النصف من رجب بصيام وصلاة وصدقة فلا يسألني شيئاً إلاّ أعطيته ، ولا استغفرني إلاّ
غفرت له ، يا آدم من أصبح يوم النصف من
__________________
رجب صائماً ذاكراً
حافظاً لفرجه متصدِّقاً من ماله لم يكن له جزاء إلاّ الجنّة» ... إلخ.
وقد ذهب فقهاء
المذاهب الأربعة إلى استحباب صوم رجب وعدّوها من الصوم المندوب ، غير أنّ الحنابلة
قالوا بكراهة إفراد رجب بالصوم إلاّ إذا أفطر في أثنائه فلا يكره ، ولعلّه أخذاً بما في إحياء العلوم (١ / ٢٤٤) من قوله
: وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كلّه حتى لا يضاهى بشهر رمضان.
الطائفة الثانية :
١ ـ عن معاذة
العدويّة ، قالت : سألت عائشة أكان النبيّ يصوم من كلِّ شهر ثلاثة أيّام؟ قالت :
نعم. قلت : من أيّ أيّام الشهر كان يصوم؟ قالت : لم يكن يبالي من أيّ الأيّام
يصوم.
وفي لفظ أبي داود
والبيهقي : ما كان يبالي من أيّ الشهر كان يصوم .
وفي لفظ ابن ماجة
: قلت : من أيّه؟ قالت : لم يكن يبالي من أيّه كان.
أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٣٢١) ، والترمذي في صحيحه (١ / ١٤٧) ،
وأبو داود في سننه (١ / ٣٨٤) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٢٣) ، والبيهقي في سننه (٤
/ ٢٩٥) ، والخطيب التبريزي في المشكاة (ص ١٧١).
٢ ـ عن أبي ذرّ
الغفاري مرفوعاً : «من صام من كلّ شهر ثلاثة أيّام فذلك صيام الدهر».
__________________
وفي لفظ آخر له : «أوصاني
حبيبي بثلاثة لا أدعهنَّ إن شاء الله تعالى أبداً ، أوصاني بصلاة الضحى ، وبالوتر
قبل النوم ، وبصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر».
أخرجه الترمذي في صحيحه (١ / ١٤٦) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٢٢)
، والنسائي في سننه (٤ / ٢١٨ ، ٢١٩) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ٣١) ،
وابن الأثير في جامع الأصول كما في تلخيصه (٢ / ٣٣٠).
٣ ـ عن عثمان بن
أبي العاص مرفوعاً : «صيام حسن ثلاثة أيّام من كلّ شهر».
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ، والنسائي في سننه (٤ / ٢١٩) ،
والمنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ١٣).
٤ ـ عن أبي هريرة
مرفوعاً : «صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيّام من كلّ شهر ، صوم الدهر».
وعنه ؛ قال :
أوصاني خليلى صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاث : صيام ثلاثة من كلّ شهر. الحديث. وفي لفظ الترمذي :
عهد إليّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثة : وصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.
راجع صحيح البخاري (٣ / ٢٢٠) ، صحيح مسلم (١ / ٢٠٠) ، سنن
الدارمي (٢ / ١٨) ، مسند أحمد (٢ / ٢٦٣) ، صحيح الترمذي (١ / ١٤٦) ، سنن النسائي (٤
/ ٢١٨) ،
__________________
سنن البيهقي (٤ /
٢٩٣) ، تاريخ بغداد (٧ / ٤٣٠) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٠).
٥ ـ عن أبي
الدرداء ، قال : أوصاني حبيبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاث لن أدعهنَّ ما عشت ، بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر.
أخرجه مسلم في صحيحه (١
/ ٢٠٠) ، والمنذري في الترغيب (٢ / ٣٠).
٦ ـ عن عبد الله
بن عمرو بن العاص مرفوعاً : «صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر صوم الدهر كلّه».
وفي لفظ آخر له : «أما
يكفيك من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟»
وفي لفظ ثالث له :
«حسبك من كلّ شهر ثلاثاً فذلك صيام الدهر كلّه».
وفي لفظ رابع له :
«أدلّك على صوم الدهر ثلاثة أيّام من الشهر».
وفي لفظ خامس له :
«صُم من كلّ شهر ثلاثة أيّام».
راجع صحيح البخاري (٣ / ٢١٩) ، صحيح مسلم (١ / ٣٢٠) ، سنن أبي
داود (١ / ٣٨٠) ، سنن النسائي (٤ / ٢١٠ ـ ٢١٥) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٠).
٧ ـ عن قرّة بن
إياس مرفوعاً : «صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدهر كلّه وإفطاره».
أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ٣٤) ، بإسناد صحيح ، والبزّار ،
والطبراني ، وابن
__________________
حبّان في صحيحه ،
كما في الترغيب والترهيب (٢ / ٣١) ، والجامع الصغير (٢ / ٧٨)
٨ ـ عن ابن عبّاس
مرفوعاً : «صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيّام من كلّ شهر يذهبن وحرَ الصدر».
قال الحافظ
المنذري في الترغيب (٢ / ٣١) : رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح. ورواه أحمد وابن
حبّان في صحيحه والبيهقي ، الثلاثة من حديث الأعرابي ولم يسمّوه. ورواه البزّار
أيضاً من حديث عليّ .
٩ ـ عن عمرو بن
شرحبيل مرفوعاً : «ألا أُخبركم بما يذهب وحرَ الصدر؟ صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر».
أخرجه النسائي في سننه (٤ / ٢٠٨) ، والمنذري في الترغيب (٢ / ٣١).
١٠ ـ عن أبي عقرب
مرفوعاً : «صم ثلاثة أيّام من كلّ شهر».
أخرجه النسائي في
سننه (٤ / ٢٢٥).
١١ ـ عن عبد الله
بن مسعود ، قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصوم ثلاثة أيّام من غرّة كلّ شهر.
أخرجه أبو داود في سننه (١ / ٣٨٤) ، والترمذي في صحيحه (١ / ١٤٣)
،
__________________
والنسائي في سننه (٤
/ ٢٠٤) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٩٤) ، والخطيب التبريزي في المشكاة (ص ١٧٢).
١٢ ـ عن عبد الله
بن عمر ، قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.
أخرجه النسائي في
سننه (٤ / ٢١٩) ، وفي
صحيح البخاري (٣ / ٢١٨) من
طريقه مرفوعاً : «صم من الشهر ثلاثة أيّام».
١٣ ـ عن أُمّ سلمة
، قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيام ، وبهذا اللفظ جاء عن حفصة
أيضا ، وفي لفظٍ لأم سلمة : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.
راجع سنن النسائي (٤ / ٢٠٣) ، سنن البيهقي (٤ / ٢٩٥) ، سنن أبي
داود (١ / ٣٨٤) ، مشكاة المصابيح (ص ١٧٢).
وقبل هذه كلّها ما
أخرجه أئمّة الحديث عن عمر نفسه مرفوعاً : «ثلاث من كلّ شهر ، ورمضان إلى رمضان
فهذا صيام الدهر كلّه».
أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٣٢١) ، وأبو داود في سننه (١ / ٣٨٠) ،
والنسائي في سننه (٤ / ٢٠٩) ، والمنذري في الترغيب (٢ / ٣١) ، والخطيب التبريزي في
المشكاة (ص ١٧١).
__________________
الطائفة الثالثة :
عن الباهلي
مرفوعاً : «صم شهر الصبر ، وثلاثة أيّام بعده ، وصم أشهر الحرم».
وفي لفظ آخر له : «صم
من الحرُم واترك ، صم من الحرُم واترك ، صُم من الحُرم واترك».
وفي لفظ ثالث له :
«صُم من الأشهر الحرُم واترك». قالها ثلاثاً.
أخرجه أبو داود في سننه (١ / ٣٨١) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٣٠)
، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٩٢) ، ويوجد في المواهب اللدنيّة ، وشرح المواهب
للزرقاني (٨ / ١٢٧).
٢ ـ عن أنس مرفوعاً
: «من صام ثلاثة أيّام من شهر حرام : الخميس ، والجمعة والسبت كتب له عبادة سنتين».
أخرجه الطيالسي
والأزدي والغزالي في إحياء العلوم (١ / ٢٤٤) ، وحكاه
عن الطيالسي السيوطي في الجامع الصغير وحسّنه.
٣ ـ ذكر أبو داود
في سننه : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرُم ، ورجب أحدها.
وحكاه عن أبي داود
القسطلاني في المواهب اللدنيّة ، والنووي في شرح
__________________
صحيح مسلم ـ هامش إرشاد الساري ـ (٥ / ١٥٠).
الطائفة الرابعة :
١ ـ عن عبد الله
بن عمرو بن العاص مرفوعاً : «أحبّ الصيام إلى الله صيام داود ، وأحبّ الصلاة صلاة
داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يفطر يوماً ويصوم يوماً».
وفي لفظ آخر له : «صم
صوم داود عليهالسلام صم يوماً وافطر يوماً».
وفي لفظ ثالث له :
«صم أفضل الصيام عند الله صوم داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً».
ولهذا الحديث
ألفاظ كثيرة توجد في الصحاح والمسانيد. راجع صحيح البخاري (٣ / ٢١٧) ، صحيح مسلم (١ / ٣١٩ ـ ٣٢١) ،
صحيح الترمذي (١ / ١٤٨) ، مسند أحمد (٢ / ٢٠٥ ، ٢٢٥) ، سنن الدارمي (٢ / ٢٠) ، سنن
أبي داود (١ / ٣٨٣) ، سنن النسائي (٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٥) ، سنن ابن ماجة (١ / ٥٢٣) ، سنن
البيهقي (٤ / ٢٩٦ ، ٢٩٩) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٢ ، ٣٦ ، ٣٧) ، مشكاة المصابيح (ص
١٧١).
٢ ـ أخرج مسلم
والنسائي بالإسناد عن عمر في حديث ، قال : كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ذلك صوم داود عليهالسلام».
__________________
صحيح مسلم (١ /
٣٢١) ، سنن النسائي (٤ / ٢٠٩) .
الطائفة الخامسة :
١ ـ عن أبي أُمامة
، قال : قلت : يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله تعالى به. فقال : «عليك بالصوم
فإنّه لا عِدل له» .
سنن النسائي (٤ /
١٦٥) ، الترغيب (٢ / ١٤) ، تيسير الوصول (٢ / ٣٢١)
٢ ـ عن أبي سعيد
مرفوعاً : «من صام يوماً في سبيل الله باعدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفاً».
أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٣١٨) ، وأحمد في مسنده (٣ / ٨٣) ،
والبيهقي في سننه (٩ / ١٧٣ و ٤ / ٢٩٦) ، والنسائي في سننه (٤ / ١٧٣) ، وابن ماجة
في سننه (١ / ٥٢٥) ، والبغوي في مصابيح السنّة (١ / ١٣٥).
٣ ـ عن أبي هريرة
مرفوعاً : «من صام يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ زحزح الله وجهه عن النار بذلك
اليوم سبعين خريفاً».
وفي لفظ آخر له : «من
صام يوماً في سبيل الله تعالى جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء
والأرض».
راجع صحيح الترمذي (١ / ١٤٥) ، سنن النسائي (٤ / ١٧٢) ، سنن ابن
__________________
ماجة (١ / ٥٢٥) ،
مشكاة المصابيح (ص ١٧٢) ، تاريخ الخطيب البغدادي (٤ / ٨).
٤ ـ عن عبد الله
بن سفيان الأزدي مرفوعاً : «ما من رجل يصوم يوماً في سبيل الله إلاّ باعده الله عن
النار مقدار مائة عام». أخرجه الطبراني كما في الإصابة (٢ / ٣١٩).
أضف إلى هذه طوائف
أخرى تعمّ بإطلاقها صوم رجب ، منها ما ورد في صوم الأربعاء والخميس والجمعة من دون
اختصاص بأيّام شهر دون آخر.
ومنها ما ورد في
صوم الأيّام البيض من كلّ شهر ، وأنّه صيام الشهر.
ومنها ما ورد في
صوم كلّ أربعاء والخميس من الأيام.
ومنها ما ورد في
صوم أربعة أيّام من كلّ شهر.
ومنها ما ورد في
صوم الإثنين والخميس في أيّام السنة بأسرها.
توجد أحاديث هذه
الطوائف في صحيح البخاري (٣ / ٢١٩) ، صحيح مسلم (١ / ٣٢١ ، ٣٢٢) ،
سنن الدارمي (٢ / ١٩) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨٠ ـ ٣٨٣) ، صحيح الترمذي (١ / ١٤٣ ،
١٤٤) ، سنن ابن ماجة (١ / ٥٢٢ ، ٥٢٩) ، سنن النسائي (٤ / ٢١٧ ـ ٢٢٣) ، سنن البيهقي
(٤ / ٢٩٤) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٠ ـ ٣٧).
ولا أحسبك بعد ذلك
كلّه تقيم وزناً لما انفرد به ابن ماجة عن ابن عبّاس من أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن صيام رجب. إن كانت الرواية صحيحة فإنّها معارضَة
بما عرفته من المتواتر معنىً أو بالتواتر الإجمالي من استحباب صوم رجب المرغّب فيه
__________________
بصدور قطعيّ كما
أفتى به علماء المذاهب الأربعة فكيف بها وهي ضعيفة بمكان داود ابن عطاء. قال أحمد : ليس بشيء. وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، ضعيف الحديث منكره. وقال البخاري وأبو زرعة : منكر الحديث. وقال النسائي : ضعيف. وقال
الدارقطني : متروك. وقال ابن حبّان : كثير الوهم في الأخبار لا يحتجّ به بحال لكثرة خطئه . وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة (١ / ٥٣١) في نفس الحديث
: في إسناده داود بن عطاء وهو ضعيف متّفق على تضعيفه ، وقال الزرقاني في شرح
المواهب (٨ / ١٢٧) : قال الذهبي وغيره : حديث لا يصحّ ، فيه راوٍ ضعيف متروك ، وقد
أخذ به الحنابلة فقالوا : يكره إفراده بالصوم.
على أنّه من متفرّدات
ابن ماجة ولا يؤبه بها عند نقّاد الفنّ ، قال أبو الحجّاج المزّي : كلّ ما انفرد
به ابن ماجة فهو ضعيف ، يعني بذلك ما انفرد به من الحديث عن الأئمّة الخمسة ـ أصحاب
الصحاح ـ ولذلك نصّ غير واحد من الأعلام ـ وحديث النهي نصب أعينهم
ـ على عدم النهي عن صوم رجب كما في المواهب اللدنيّة ، وإرشاد الساري (٥ / ١٤٨) ، وشرح
المواهب للزرقاني (٨ / ١٢٧).
فبعد هذه كلّها لا
أدري ما محلّ ضرب الأيدي حتى يضعوها في الطعام؟ وما معنى قول القائل : رجب وما رجب
إنّما رجب شهر كان يعظّمه أهل الجاهلية فلمّا جاء
__________________
الإسلام ترك؟ راجع
(ص ٢٨٢) وتأمّل فيما جاء به الخليفة فعلاً وقولاً.
ـ ٩٠ ـ
اجتهاد الخليفة في السؤال عن مشكلات القرآن
١ ـ عن سليمان بن
يسار : إنّ رجلاً يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل
إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النخل فقال : من أنت؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ
عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه ، وقال : أنا عبد الله عمر. فجعل له ضرباً حتى
دمي رأسه ، فقال : يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
وعن نافع مولى عبد
الله : إنّ صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم
مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب ، فلمّا أتاه الرسول بالكتاب فقرأه
فقال : أين الرجل؟ فقال : في الرحل. قال عمر : أبصر أن يكون ذهب فتصيبك منّي
العقوبة الموجعة. فأتاه به ، فقال عمر : تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلى رطائب من جريد
فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة ، ثمّ تركه حتى برأ ، ثمّ عاد له ثمّ تركه حتى برأ ، فدعا
به ليعود له. قال صُبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً ، وإن كنت تريد
أن تداويني فقد والله برئت. فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري : أن لا
يجالسه أحد من المسلمين. فاشتدّ ذلك على الرجل ، فكتب أبو موسى إلى عمر : أن قد
حسنت توبته ، فكتب عمر : أن يأذن للناس بمجالسته.
وعن السائب بن
يزيد ، قال : أُتي عمر بن الخطّاب فقيل : يا أمير المؤمنين إنّا
__________________
لقينا رجلاً يسأل
عن تأويل مشكل القرآن. فقال عمر : اللهمّ مكّني منه. فبينما عمر ذات يوم جالساً
يغدّي الناس إذ جاء الرجل وعليه ثياب وعمامة صفدي حتى إذا فرغ قال : يا أمير
المؤمنين والذاريات ذرواً فالحاملات وقراً؟ فقال عمر : أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن
ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته. فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك
محلوقاً لضربت رأسك ، ألبسوه ثياباً واحملوه على قتب وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده
ثمّ ليقم خطيب ثمّ يقول : إنّ صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه. فلم يزل وضيعاً في قومه
حتى هلك وكان سيّد قومه.
وعن أنس : إنّ عمر
بن الخطّاب جلد صبيغاً الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اضطربت الدماء في
ظهره.
وعن الزهري : إنّ
عمر جلد صبيغاً لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره .
قال الغزالي في
الإحياء (١ / ٣٠) : وعمر
هو الذي سدّ باب الكلام والجدل وضرب صبيغاً بالدرّة لما أورد عليه سؤالاً في تعارض
آيتين في كتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره. انتهى.
وصبيغ هذا هو صبيغ
بن عسل. ويقال : ابن عسيل. ويقال : صبيغ بن شريك من بني عسيل.
__________________
٢ ـ عن أبي
العديّس ، قال : كنّا عند عمر بن الخطّاب فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما
الجوار الكنّس؟ فطعن عمر بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن رأسه ، فقال عمر : أحروريّ؟
والذي نفس عمر بن الخطّاب بيده لو وجدتك محلوقاً لأنحيت القمل عن رأسك.
كنز العمّال (١ / ٢٢٩) نقلاً
عن الكنى للحاكم ، الدرّ المنثور (٦/ ٣٢).
٣ ـ عن عبد الرحمن
بن يزيد : أنّ رجلاً سأل عمر عن (فاكِهَةً وَأَبًّا) فلمّا رآهم
يقولون أقبل عليهم بالدرّة .
قال
الأميني : أحسب أنّ في مقول
العراجين ، ولسان المخصرة ، ومنطق الدرّة الجواب الفاصل عن كلّ ما لا يعلمه
الإنسان ، وإليه يوعز قول الخليفة : نهينا عن التكلّف ، في الجواب عن أبسط سؤال
يعلمه كلّ عربي صميم ألا وهو معنى الأبّ المفسّر في نفس الكتاب المبين بقوله تعالى
: (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) .
وأنا لا أعلم أنّ
السائلين بما ذا استحقّوا الإدماء والإيجاع بمحض السؤال عمّا لا يعلمونه من مشكل
القرآن أو ما غاب عنهم من لغته؟ وليس في ذلك شيء ممّا يوجب الإلحاد ، لكنّ القصص
جرت على ما ترى.
ثمّ ما ذنب
المجيبين بعلم عن السؤال عن الأبّ؟ ولما ذا أقبل عليهم الخليفة بالدرّة؟ وهل تبقى
قائمة لأُصول التعليم والتعلّم والحالة هذه؟ ولعلّ الأُمّة قد حرمت ببركة تلك
الدرّة عن التقدّم والرقيّ في العلم بعد أن آل أمرها إلى أن هاب مثل ابن
__________________
عبّاس أن يسأل
الخليفة عن قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا
عَلَيْهِ) وقال : مكثت سنتين أُريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن حديث
ما منعني منه إلاّ هيبته . وقال : مكثت سنة وأنا أُريد أن أسأل عمر بن الخطّاب رضوان
الله عليه عن آية فلا أستطيع أن أسأله هيبةً .
ـ ٩١ ـ
رأي الخليفة في السؤال عمّا لم يقع
أضف إلى اجتهاد
الخليفة في مشكلات القرآن رأيه الخاص به في السؤال عمّا لم يقع فإنّه كان ينهى عنه.
قال طاووس : قال عمر على المنبر : أُحرِّج بالله على رجل سأل عمّا لم يكن ، فإنّ
الله قد بيّن ما هو كائن .
وقال : لا يحلّ
لأحد أن يسأل عمّا لم يكن ، إنّ الله تبارك وتعالى قد قضى فيما هو كائن. وقال :
أُحرّج عليكم أن لا تسألوا عمّا لم يكن فإنّ لنا فيما كان شغلاً.
وجاء رجل يوماً
إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو ، فقال له ابن عمر : لا تسأل عمّا لم يكن
فإنّي سمعت عمر بن الخطّاب يلعن من سأل عمّا لم يكن .
فساق اللّعن أعلام
الصحابة إلى هذا الحادث ، وعمّت البليّة ، وطفقوا لم يجيبوا عن السؤال عمّا لم يكن
، فهذا ابن عبّاس سأله ميمون عن رجل أدركه رمضانان فقال :
__________________
أكان أو لم يكن؟
قال : لم يكن بعدُ. قال : اترك بليّة حتى تنزل. قال : فدلّسنا له رجلاً فقال : قد
كان. فقال : يطعم من الأوّل منهما ثلاثين مسكيناً لكلّ يوم مسكين .
وهذا أُبي بن كعب
سأله رجل فقال : يا أبا المنذر ما تقول في كذا وكذا؟ قال : يا بنيّ أكان الذي سألتني
عنه؟ قال : لا. قال : أمّا لا فأجّلني حتى يكون فنعالج أنفسنا حتى نخبرك .
وقال مسروق : كنت
أمشي مع أُبيّ بن كعب فقال فتىً : ما تقول يا عمّاه كذا وكذا؟ قال : يا ابن أخي أكان
هذا؟ قال : لا. قال : فاعفنا حتى يكون .
ـ ٩٢ ـ
نهي الخليفة عن الحديث
وأردف الحادثين في
مشكل القرآن والسؤال عمّا لم يقع ، بثالث أفظع وهو نهي الخليفة عن الحديث عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عن إكثاره ، وضربه وحبسه وجوه الصحابة بذلك.
قال قرظة بن كعب :
لمّا سيّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال : أتدرون لِمَ شيّعتكم؟ قالوا : نعم
مكرمةً لنا. قال : ومع ذلك إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا
تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا شريككم. فلمّا قدم قرظة بن كعب قالوا : حدّثنا. فقال
: نهانا عمر رضى الله عنه .
__________________
وفي لفظ أبي عمر :
قال قرظة : فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي لفظ الطبري : كان عمر يقول : جرّدوا القرآن ولا تفسّروه ، وأقلّوا
الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا شريككم .
ولمّا بعث أبا
موسى إلى العراق قال له : إنّك تأتي قوماً لهم في مساجدهم دويّ بالقرآن كدويّ
النحل فدعهم على ما هم عليه ولا تشغلهم بالأحاديث وأنا شريكك في ذلك. ذكره ابن
كثير في تاريخه (٨ / ١٠٧) فقال :
هذا معروف عن عمر رضى الله عنه.
وأخرج الطبراني عن
إبراهيم بن عبد الرحمن : إنّ عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود ، وأبا الدرداء ، وأبا
مسعود الأنصاري ، فقال : قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حبسهم بالمدينة حتى استشهد .
وفي لفظ الحاكم في
المستدرك (١ / ١١٠) :
إنّ عمر بن
الخطّاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر : ما هذا الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أُصيب.
وفي لفظ جمال
الدين الحنفي : إنّ عمر حبس أبا مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر حتى أُصيب ، وقال : ما
هذا الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ ثمّ قال : وممّا روي عنه أيضاً ؛ أنّ عمر قال لابن مسعود
وأبي ذر : ما هذا الحديث؟ قال : أحسبه حبسهم حتى أُصيب. فقال :
__________________
وكذلك فعل بأبي
موسى الأشعري مع عدله عنده. المعتصر (١ / ٤٥٩).
وقال عمر لأبي
هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بأرض دوس
وقال لكعب الأحبار
: لتتركنّ الحديث عن الأُول أو لألحقنّك بأرض القردة. تاريخ ابن كثير (٨ / ١٠٦).
وأخرج الذهبي في
التذكرة (١ / ٧) عن أبي سلمة ، قال : قلت لأبي هريرة : أكنت تحدّث في زمان عمر
هكذا؟ فقال : لو كنت أُحدّث في زمان عمر مثل ما أُحدّثكم لضربني بمخفقته.
وأخرج أبو عمر عن
أبي هريرة : لقد حدّثتكم بأحاديث لو حدّثت بها زمن عمر بن الخطّاب لضربني عمر
بالدرّة. جامع بيان العلم (٢ / ١٢١).
وفي لفظ الزهري : أفكنت
محدّثكم بهذه الأحاديث وعمر حيّ أما والله إذاً لأيقنت أنّ المخفقة ستباشر ظهري.
وفي لفظ ابن وهب : إنّي لأُحدّث أحاديث لو تكلّمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشجّ
رأسي. تاريخ ابن كثير (٨ / ١٠٧).
فمن جرّاء هذا
الحادث قال الشعبي : قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفاً فما سمعته يحدّث عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ حديثاً .
__________________
وقال السائب بن
يزيد : صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدّث بحديث واحد. سنن ابن
ماجة (١ / ١٦).
وقال أبو هريرة :
ما كنّا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى قبض عمر.
تاريخ ابن كثير (٨ / ١٠٧).
قال
الأميني : هل خفي على
الخليفة أنّ ظاهر الكتاب لا يغني الأُمّة عن السنّة ، وهي لا تفارقه حتى يردا على
النبيّ الحوض ، وحاجة الأُمّة إلى السنّة لا تقصر عن حاجتها إلى ظاهر الكتاب؟
والكتاب كما قال الأوزاعي ومكحول : أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب. جامع
بيان العلم (٢ / ١٩١).
أو رأى هناك
أُناساً لعبوا بها بوضع أحاديث على النبيّ الأقدس ـ وحقّا رأى ـ فهمّ قطع جراثيم
التقوّل عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتقصير تلكم الأيدي الأثيمة عن السنّة الشريفة؟ فإن كان
هذا أو ذاك فما ذنب مثل أبي ذر المنوّه بصدقه بقول النبيِّ الأعظم : «ما أظلّت
الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذر» ، أو مثل عبد الله
بن مسعود صاحب سرّ رسول الله ، وأفضل من قرأ القرآن ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ،
الفقيه في الدين ، العالم بالسنّة ، أو مثل أبي الدرداء عويمر كبير الصحابة صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلما ذا حبسهم حتى أُصيب؟ ولما ذا هتك أُولئك
__________________
العظماء في الملأ
الديني وصغّرهم في أعين الناس؟ وهل كان أبو هريرة وأبو موسى الأشعري من أُولئك
الوضّاعين حتى استحقّا بذلك التعزير والنهر والحبس والوعيد؟ أنا لا أدري.
نعم ؛ هذه الآراء
كلّها أحداث السياسة الوقتيّة سدّت على الأُمّة أبواب العلم ، وأوقعتها في هوّة
الجهل ومعترك الأهواء وإن لم يقصدها الخليفة ، لكنّه تترّس بها يوم ذاك ، وكافح عن
نفسه قحم المعضلات ، ونجا بها عن عويصات المسائل.
وبعد نهي الأُمّة
المسلمة عن علم القرآن ، وإبعادها عمّا في كتابها من المعاني الفخمة والدروس العالية
من ناحية العلم والأدب والدين والاجتماع والسياسة والأخلاق والتاريخ ، وسدّ باب
التعلّم والأخذ بالأحكام والطقوس ما لم يتحقّق ويقع موضوعها ، والتجافي عن التهيّؤ
للعمل بدين الله قبل وقوع الواقعة ، ومنعها عن معالم السنّة الشريفة والحجز عن
نشرها في الملأ ، فبأيّ علم ناجع ، وبأيّ حُكم وحِكَم تترفّع وتتقدّم الأُمّة
المسكينة على الأُمم؟ وبأيّ كتاب وبأيّة سنّة تتأتّى لها سيادة العالم التي أسّسها
لها صاحب الرسالة الخاتمة؟ فسيرة الخليفة هذه ضربة قاضية على الإسلام وعلى أُمّته
وتعاليمها وشرفها وتقدّمها وتعاليها علم بها هو أو لم يعلم ، ومن ولائد تلك السيرة
الممقوتة حديث كتابة السنن ، ألا وهو :
ـ ٩٣ ـ
حديث كتابة السنن
عن عروة : أنّ عمر
بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله
فيها شهراً ، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال : إنّي كنت أُريد أن أكتب السنن
، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ،
وإنّي والله لا أشوب
كتاب الله بشيء
أبداً .
وقد اقتفى أثر
الخليفة جمع وذهبوا إلى المنع عن كتابة السنن خلافاً للسنّة الثابتة عن الصادع
الكريم .
ـ ٩٤ ـ
رأي الخليفة في الكتب
أضف إلى الحوادث
الأربعة : حادث مشكلات القرآن ، وحادث السؤال عمّا لم يقع ، وحادث الحديث عن رسول
الله ، وحادث كتابة السنن ، رأي الخليفة واجتهاده حول الكتب والمؤلّفات :
أتى رجل من المسلمين
إلى عمر فقال : إنّا لمّا فتحنا المدائن أصبنا كتاباً فيه علم من علوم الفرس وكلام
معجب. فدعا بالدرّة فجعل يضربه بها ثمّ قرأ : (نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ويقول : ويلك أقصص أحسن من كتاب الله؟ إنّما هلك من كان
قبلكم ، لأنّهم أقبلوا على كتب علمائهم وأساقفتهم وتركوا التوراة والإنجيل حتى
درسا وذهب ما فيهما من العلم.
صورة أخرى :
عن عمرو بن ميمون
، عن أبيه قال : أتى عمر بن الخطّاب : رضى الله عنه رجل فقال : يا أمير المؤمنين
إنّا لمّا فتحنا المدائن أصبت كتاباً فيه كلام معجب ، قال : أمن كتاب الله؟
__________________
قال : لا. فدعا
بالدرّة وجعل يضربه بها فجعل يقرأ : (الر تِلْكَ آياتُ
الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) ، إلى قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ
قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) ثمّ قال : إنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم أقبلوا على كتب
علمائهم وأساقفتهم وتركوا التوراة والإنجيل حتى درسا وذهب ما فيهما من العلم.
وأخرج عبد الرزاق ، وابن الضريس في فضائل القرآن والعسكري في المواعظ ،
والخطيب عن إبراهيم النخعي ، قال : كان بالكوفة رجل يطلب كتب دانيال وذلك الضرب ،
فجاء فيه كتاب من عمر بن الخطّاب أن يرفع إليه ، فلمّا قدم على عمر علاه بالدرّة
ثمّ جعل يقرأ عليه : (الر تِلْكَ آياتُ
الْكِتابِ الْمُبِينِ ـ حتى بلغ ـ الْغافِلِينَ) قال : فعرفت ما
يريد ، فقلت : يا أمير المؤمنين دعني فو الله لا أدع عندي شيئاً من تلك الكتب إلاّ
أحرقته ، فتركه.
راجع سيرة عمر لابن الجوزي (ص ١٠٧) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ /
١٢٢) ، كنز العمّال (١ / ٥٩).
وجاء في تاريخ
مختصر الدول لأبي الفرج الملطي المتوفّى (٦٨٤) (ص ١٨٠) من طبعة بوك في
اوكسونيا سنة (١٦٦٣ م) ما نصّه :
وعاش ـ يحيى
الغراماطيقي ـ إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية ودخل على عمرو وقد عرف
موضعه من العلوم فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أُنسة
ما هاله ، ففُتِن به وكان عمرو عاقلاً ، حسن
__________________
الاستماع ، صحيح
الفكر ، فلازمه وكان لا يفارقه.
ثمّ قال له يحيى
يوماً : إنّك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وختمت على كلّ الأصناف الموجودة بها ، فما
لك به انتفاع فلا نعارضك فيه ، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به. فقال له عمرو :
ما الذي تحتاج إليه؟ قال : كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكيّة. فقال عمرو : هذا
ما لا يمكنني أن آمر فيه إلاّ بعد استئذان أمير المؤمنين عمر ابن الخطّاب. فكتب
إلى عمر وعرّفه قول يحيى ، فورد عليه كتاب عمر يقول فيه : وأمّا الكتب التي ذكرتها
؛ فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ، ففي كتاب الله عنه غنى ، وإن كان فيها ما
يخالف كتاب الله فلا حاجه إليه. فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها
على حمّامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدّة ستّة أشهر ، فاسمع
ما جرى وأعجب.
هذه الجملة من
كلام الملطي ذكرها جرجي زيدان في تاريخ التمدّن الإسلامي (٣ / ٤٠) برمّتها
، فقال في التعليق عليها : النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد
حذفت منها هذه الجملة كلّها لسبب لا نعلمه.
وقال عبد اللطيف
البغدادي المتوفّى (٦٢٩) هجري في الإفادة والاعتبار (ص ٢٨) : رأيت
أيضاً حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ،
ويظهر من حالها أنّها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبّة هو
حاملها. وأرى أنّه الرواق الذي كان يدرس فيه أرسطوطاليس وشيعته من بعده ، وأنّه
دار المعلّم التي بناها الإسكندر حين بنى مدينته ، وفيها كانت خزانة الكتب التي
أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضى الله عنه.
__________________
صورة مفصّلة :
وقال القاضي
الأكرم جمال الدين أبو الحسن عليّ بن يوسف القفطي المتوفّى (٦٤٦) في كتابه تراجم
الحكماء المخطوط في ترجمة يحيى النحوي :
وعاش ـ يحيى
النحوي ـ إلى أن فتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية ، ودخل على عمرو وقد عرف موضعه
من العلم واعتقاده وما جرى له مع النصارى فأكرمه عمرو ورأى له موضعاً ، وسمع كلامه
في إبطال التثليث ، فأعجبه وسمع كلامه أيضاً في انقضاء الدهر ، ففتن به وشاهد من
حججه المنطقيّة ، وسمع من ألفاظه الفلسفيّة التي لم يكن للعرب بها أنسة ما هاله ،
وكان عمرو عاقلاً ، حسن الاستماع ، صحيح الفكر ، فلازمه وكاد لا يفارقه ، ثمّ قال
له يحيى يوماً : إنّك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وختمت على كلّ الأجناس الموصوفة
الموجودة بها ، فأمّا ما لك به انتفاع فلا أُعارضك فيه ، وأمّا ما لا نفع لكم به
فنحن أولى به ، فأمر بالإفراج عنه. فقال له عمرو : وما الذي تحتاج إليه؟ قال : كتب
الحكمة في الخزائن الملوكيّة ، وقد أوقعت الحوطة عليها ونحن محتاجون إليها ولا نفع
لكم بها ، فقال له : ومن جمع هذه الكتب؟ وما قصّتها؟ فقال له يحيى : إن بطولوماوس
فيلادلفوس من ملوك الإسكندرية لمّا ملك حبّب إليه العلم والعلماء ، وفحص عن كتب
العلم وأمر بجمعها وأفرد لها خزائن فجمعت ، وولّى أمرها رجلاً يعرف بابن زمرة ـ زميرة
ـ ، وتقدّم إليه بالاجتهاد في جمعها وتحصيلها والمبالغة في أثمانها وترغيب تجّارها
ففعل ، واجتمع من ذلك في مدّة خمسون ألف كتاباً ومائة وعشرون كتاباً.
__________________
ولمّا علم الملك
باجتماعها وتحقّق عدّتها قال لزميرة : أترى بقي في الأرض من كتب العلم ما لم يكن
عندنا؟ فقال له زميرة : قد بقي في الدنيا شيء في السند والهند وفارس وجرجان
والأرمان وبابل والموصل وعند الروم. فعجب الملك من ذلك وقال له : دُم على التحصيل
، فلم يزل على ذلك إلى أن مات. وهذه الكتب لم تزل محروسة محفوظة يراعيها كلّ من
يلي الأمر من الملوك وأتباعهم إلى وقتنا هذا ، فاستكثر عمرو ما ذكره يحيى وعجب منه
وقال له : لا يمكنني أن آمر بأمرٍ إلاّ بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب.
وكتب إلى عمر وعرّفه بقول يحيى الذي ذكر ، واستأذنه ما الذي يصنعه فيها؟ فورد عليه
كتاب عمر يقول فيه : وأمّا الكتب التي ذكرتها ؛ فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ،
ففي كتاب الله عنه غنى ، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله تعالى ، فلا حاجة إليها
فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمّامات الإسكندرية وإحراقها
في مواقدها ، وذكرت عدّة الحمامات يومئذٍ وأنسيتها ، فذكروا أنّها استنفدت في مدّة
ستّة أشهر ، فاسمع ما جرى وأعجب. انتهى.
وفي فهرست ابن
النديم المتوفّى (٣٨٥) إيعاز إلى تلك المكتبة المحروقة ، قال في صحيفة : (٣٣٤) ، وحكى إسحاق الراهب في تاريخه أنّ بطولوماوس فيلادلفوس من
ملوك الإسكندرية لمّا ملك فحص عن كتب العلم ، وولّى أمرها رجلاً يعرف بزميرة ،
فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتاباً. وقال له :
أيّها الملك قد بقي في الدنيا شيء كثير في السند والهند وفارس وجرجان والأرمان
وبابل والموصل وعند الروم. انتهى.
ومؤسّس تلك
المكتبة هو بطليموس الأوّل ، وهو الذي بنى مدرسة الإسكندريّة المعروفة باسم الرواق
، وجمع فيها جميع علوم تلك الأزمان من فلسفة ورياضيّات وطبّ وحكمة وآداب وهيئة ،
وكانت المدرسة توصل للقصر الملكي ،
__________________
وبويع لولده
بطليموس الثاني الملقّب بفيلادلفوس ـ أي محبّ أخيه ـ بالملك حياة أبيه قبل موته
بسنتين سنة خمس وثمانين ومائتين قبل الميلاد أي سنّة سبع وتسعمائة قبل الهجرة وله
من العمر أربع وعشرون سنة ، ومات سنة ستّ وأربعين ومائتين قبل الميلاد أي سنة ثمان
وستّين وثمانمائة قبل الهجرة ، فكانت مدّة حكمه ثماني وثلاثين سنة ، وكان على سيرة
أبيه في حبِّ العلم وأهله والعناية بخزانة كتب الاسكندريّة وجمع الكتب فيها .
وكان رأي الخليفة
هذا عامّا على جميع الكتب في الأقطار التي فتحتها يد الإسلام. قال صاحب كشف الظنون
(١ / ٤٤٦) : إنّ
المسلمين لمّا فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم ، كتب سعد بن أبي وقّاص إلى عمر
بن الخطّاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين ، فكتب إليه عمر رضى الله عنه : أن
اطرحوها في الماء ، فإن يكن ما فيها هدىً فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه ، وإن
يكن ضلالاً فقد كفانا الله تعالى. فطرحوها في الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس
فيها.
وقال في (١ / ٢٥) في أثناء كلامه عن أهل الإسلام وعلومهم :
إنّهم أحرقوا ما وجدوا من الكتب في فتوحات البلاد.
وقال ابن خلدون في
تاريخه (١ / ٣٢) :
فالعلوم كثيرة والحكماء في أُمم النوع الإنساني متعدّدون ، وما لم يصل إلينا من
العلوم أكثر ممّا وصل ، فأين علوم الفرس التي أمر رضى الله عنه بمحوها عند الفتح؟
قال
الأميني : ليس النظر في كتب
الأوّلين على إطلاقه محظوراً ولا سيّما إذا كانت
__________________
كتباً علميّة أو
صناعيّة أو حكميّة أو أخلاقيّة أو طبّية أو فلكيّة أو رياضيّة إلى أمثالها ، وأخصّ
منها ما كان معزوّا إلى نبيٍّ من الأنبياء عليهمالسلام كدانيال إن صحّت النسبة ولم يطرقه التحريف ، نعم ؛ إذا كان
كتاب ضلال من دعاية إلى مبدأ باطلٍ ، أو دين منسوخ ، أو شبهةٍ موجّهة إلى مبادئ
الإسلام يحرم النظر فيه للبسطاء القاصرين عن الجواب والنقد ، وأمّا من له منّة الدفع
أو مقدرة الحجاج فإنّ نظره فيه لإبطال الباطل وتعريف الناس بالحقِّ الصراح من أفضل
الطاعات.
ولا منافاة بين
كون القرآن أحسن القصص وبين أن يكون في الكتب علم ناجع ، أو حكمة بالغة ، أو صناعة
تفيد المجتمع ، أو علوم يستفيد بها البشر ، وإن كان ما في القرآن أبعد من ذلك
مغزىً ، وأعمق منتهىً ، وأحكم صنعاً ، غير أنّ قصر الأفهام عن مغازي القرآن الكريم
ترك الناس لا يستنبطون تلك العلوم ، مع إخباتهم إلى أنّه لا يغادر صغيرةً ولا
كبيرة إلاّ أحصاها ، ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين ، فالمنع عن النظر في تلك
الكتب جناية على المجتمع وإبعاد عن العلوم ، وتعزير الناظر فيها لا يساعده قانون
الإسلام العامّ كتاباً وسنّة.
والله يعلم ما
خسره المسلمون بإبادة تلك الثروة العلميّة في الإسكندريّة وتشتيت ما في بلاد الفرس
من حضارة راقية ، وصنائع مستطرفة لا ترتبطان بهدى أو ضلال كما حسبه الخليفة في كتب
الفرس ، ولا تناطان بموافقة الكتاب أو مخالفته كما زعمه في أمر مكتبة الإسكندرية
العامرة ، وما كان يضرّ المسلمين لو حصلوا على ذلك الثراء العلمي؟ فأوقفهم على
ثروة ماليّة ، وبسطة في العلم ، وتقدّم في المدنيّة ، ورقيّ في العمران ، وكمال في
الصحّة ، وكلّ منها يستتبع قوّةً في الملك ، وهيبةً عند الدول ، وبذخاً في العالم
كلّه ، وسعةً فى أديم السلطة ، فهل يفتّ شيء من ذلك في عضد الهدى؟ أو يثلم جانباً
من الدين؟ نعم ؛ أعقب ذلك العمل الممقوت تقهقراً في العلوم ، وفقراً في الدنيا ،
وسمعةً سيّئةً لحقت العروبة والإسلام ، وفي النقّاد من يحسبه توحّشاً ، وفيهم من
يعدّه من عمل
الجاهلين ، ونحن نكل الحكم فيه إلى العقل السليم ، والمنطق الصحيح.
على أنّ الخليفة
كان يسعه أن ينتقي من هذه الكتب ما أوعزنا إليه ممّا ينجع المجتمع البشري ، ويتلف
ما فيه الإلحاد والضلال ، لكنّه لم يفعل ومضى التاريخ كما وقعت القصّة.
ـ ٩٥ ـ
الخليفة والقراءات
١ ـ عن محمد بن
كعب القرظي ؛ مرّ عمر بن الخطّاب برجل يقرأ هذه الآية : (وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) .
فأخذ عمر بيده
فقال : من أقرأك هذا؟ فقال : أُبيّ بن كعب. فقال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ،
فلمّا جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال : نعم. قال : أنت سمعتها
من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قال : نعم. قال : لقد كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها
أحد بعدنا.
وأخرج الحاكم وأبو
الشيخ ، عن أبي سلمة ومحمد التيمي قالا : مرّ عمر بن الخطّاب برجل يقرأ : والذين
اتّبعوهم بإحسان ـ بالواو ـ ، فقال : من أقرأك هذه؟ فقال : أُبيّ. فأخذ به إليه
فقال : يا أبا المنذر أخبرني هذا أنَّك أقرأته هكذا. فقال أُبيّ : صدق وقد
تلقّنتها كذلك من في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال عمر : أنت تلقّنتها كذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال : نعم ، فأعاد عليه فقال في الثالثة وهو غضبان : نعم
والله لقد أنزلها الله على جبريل عليهالسلام وأنزلها جبريل على قلب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يستأمر فيها الخطّاب ولا ابنه. فخرج عمر رافعاً يديه
وهو يقول : الله أكبر ، الله أكبر.
__________________
وفي لفظ من طريق
عمر بن عامر الأنصاري : فقال أُبيّ : والله أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنت تبيع الخيط. فقال عمر : نعم إذن فنعم ، إذن نتابع
أُبيّا.
وفي لفظ : قرأ عمر
: والأنصار ـ رفعاً ـ الذين بإسقاط الواو نعتاً للأنصار ، حتى قاله زيد بن ثابت :
إنّه بالواو فسأل عمر أُبيّ بن كعب فصدّق زيداً فرجع إليه عمر وقال : ما كنّا نرى
إلاّ أنّا رُفِعنا رفعة لا ينالها معنا أحد.
وفي لفظ : فقال
عمر : فنعم إذن نتابع أُبيّا. وفي لفظ الطبري : إذن نتابع أُبيّا.
وفي لفظ : إنّ عمر
سمع رجلاً يقرأه بالواو ، فقال : من أقرأك؟ قال : أُبيّ. فدعاه فقال : أقرأنيه
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّك لتبيع القرظ بالبقيع. قال : صدقت وإن شئت قلت :
شهدنا وغبتم ، ونصرنا وخذلتم ، وآوينا وطردتم ، ثمّ قال عمر : لقد كنت أرانا
رُفِعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا.
راجع تفسير الطبري (١ / ٧) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٣٠٥) ، تفسير
القرطبي (٨ / ٢٣٨) ، تفسير ابن كثير (٢ / ٣٨٣) ، تفسير الزمخشري (٢ / ٤٦) ، الدرّ
المنثور (٣ / ٢٦٩) ، كنز العمّال (١ / ٢٨٧) ، ذكر لفظ أبي الشيخ ثمّ حكاه عن جمع
من الحفّاظ ، وذكر تصحيح الحاكم إيّاه ، وفي (ص ٢٨٥) نقله عن أبي عبيد في فضائله
وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، تفسير الشوكاني (٢ / ٣٧٩) ، روح المعاني ـ طبع
المنيريّة ـ (١١ / ٨).
٢ ـ أخرج أحمد في
مسنده ، عن ابن عبّاس ، قال : جاء رجل إلى عمر فقال : أكلتنا الضبع. قال مسعر :
يعني السنة. قال : فسأله عمر : ممّن أنت؟ فما زال ينسبه حتى
__________________
عرفه فإذا هو موسى
، فقال عمر : لو أنّ لامرئً وادياً أو واديين لابتغى إليهما ثالثاً. فقال ابن
عبّاس : ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ثمّ يتوب الله على من تاب. فقال عمر
لابن عبّاس : ممّن سمعت هذا؟ قال : من أُبيّ. قال : فإذا كان بالغداة فاغدُ عليّ.
قال : فرجع إلى أُمّ الفضل فذكر ذلك لها ، فقالت : وما لك وللكلام عند عمر؟ وخشي
ابن عبّاس أن يكون أُبيّ نسي ، فقالت أُمّه : إنّ أُبيّا عسى أن لا يكون نسي. فغدا
إليَّ عمر ومعه الدرّة فانطلقنا إلى أُبيّ ، فخرج أُبيّ عليهما وقد توضّأ فقال :
إنّه أصابني مذيّ فغسلت ذكري أو فرجي ـ مسعر شكّ ـ فقال عمر : أوَيُجزئ ذلك؟ قال :
نعم. قال : سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قال : نعم. قال : وسأله عمّا قال ابن عبّاس فصدّقه.
وفي المسند : عن
ابن عبّاس قال : جاء رجل إلى عمر يسأله ، فجعل ينظر إلى رأسه مرّة وإلى رجليه أخرى
هل يرى عليه من البؤس شيئاً ، ثمّ قال له عمر : كم مالك؟ قال : أربعون من الإبل.
قال ابن عبّاس : فقلت : صدق الله ورسوله : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى
الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب». فقال عمر : ما
هذا؟ فقلت : هكذا أقرأنيها أُبيّ. قال : فمر بنا إليه. قال : فجاء إلى أُبيّ فقال
: ما يقول هذا؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : أفأثبتها؟ فأثبتها.
وفي المحكيّ عن
أحمد ؛ قال عمر : إذاً أثبتها في المصحف؟ قال : نعم.
وأخرج ابن الضريس
، عن ابن عبّاس قال : قلت : يا أمير المؤمنين إنّ أُبيّا يزعم أنّك تركت من آيات
الله آية لم تكتبها. قال : والله لأسألن أُبيّا فإن أنكر لتكذبنّ ، فلمّا صلّى
صلاة الغداة غدا على أُبيّ ، فأذن له وطرح له وسادة وقال : يزعم هذا أنّك تزعم
أنّي تركت آية من كتاب الله لم أكتبها. فقال : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لو أنّ لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما
وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على من تاب». فقال
عمر : أفأكتبها؟ قال : لا أنهاك. فكأنّ أُبيّا
شكّ أقول من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو قرآن منزل.
راجع مسند أحمد (٥ / ١١٧) ، كنز العمّال (١ / ٢٧٩) نقلاً عن
أحمد ، وسعيد بن منصور ، وأبي عوانة ، الدرّ المنثور (٦ / ٣٧٨).
٣ ـ عن أبي إدريس
الخولاني ، قال : كان أُبيّ يقرأ (إِذْ جَعَلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ، فأنزل الله
سكينته على رسوله. فبلغ ذلك عمر فاشتدّ ، فبعث إليه فدخل عليه فدعا ناساً من
أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال : من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا
اليوم ، فغلظ له عمر فقال أُبيّ : أأتكلّم؟ قال : تكلّم. فقال : لقد علمت أنّي كنت
أدخل على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقرئني وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما
أقرأني أقرأت وإلاّ لم أقرأ حرفاً ما حييت. قال : بل أقرئ الناس.
وفي لفظ : فقال
أُبيّ : والله يا عمر إنّك لتعلم أنّي كنت أحضر وتغيبون ، وأُدعى وتحجبون ، ويصنع
بي ، والله لئن أحببت لألزمنَّ بيتي فلا أحدّث أحداً بشيءٍ.
راجع تفسير ابن كثير (٤ / ١٩٤) ، الدرّ المنثور (٦ / ٧٩) حكاه
عن النسائي والحاكم وذكر تصحيح الحاكم له ، كنز العمّال (١ / ٢٨٥) نقلاً عن
النسائي وابن أبي داود في المصاحف والحاكم. ثمّ قال : وروى ابن خزيمة بعضه.
٤ ـ عن ابن مجلز ،
قال : إنّ أُبي بن كعب قرأ : (مِنَ الَّذِينَ
اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) فقال عمر : كذبت. قال : أنت أكذب. فقال رجل : تكذّب أمير
المؤمنين؟
__________________
قال : أنا أشدّ
تعظيماً لحقّ أمير المؤمنين منك ، ولكن كذّبته في تصديق كتاب الله ، ولم أُصدِّق
أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله. فقال عمر : صدق.
أخرجه ابن جرير
الطبري وعبد بن حميد وابن عدي ، كما في الدرّ المنثور (٢ / ٣٤٤) ، وكنز
العمّال (١ / ٢٨٥).
٥ ـ عن خرشة بن
الحرّ ، قال : رأى معي عمر بن الخطّاب لوحاً مكتوبة فيه : (إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ؛ فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : أُبيّ بن كعب. قال : إنّ
أُبيّا أقرأنا للمنسوخ ، قرأها : فامضوا إلى ذكر الله.
عن عبد الله بن
عمر ، قال : ما سمعت عمر يقرؤها قطّ إلاّ : فامضوا إلى ذكر الله.
عن إبراهيم ، قال
: قيل لعمر : إنّ أُبيّا يقرأ : (فَاسْعَوْا إِلى
ذِكْرِ اللهِ). قال عمر : أُبيّ أعلمنا بالمنسوخ كان يقرؤها : فامضوا إلى
ذكر الله.
أخرجه أبو عبيد في
فضائله ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في
المصاحف ، وعبد الرزّاق ، والشافعي ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في السنن كما في الدرّ المنثور (٦ / ٢١٩) ، وكنز
العمّال (١ / ٢٨٥).
__________________
٦ ـ عن بجالة ،
قال : مرّ عمر بن الخطّاب بغلام وهو يقرأ في المصحف : (النَّبِيُّ
أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وهو أب لهم. فقال : يا غلام حكّها. قال : هذا مصحف أُبيّ.
فذهب إليه فسأله ، فقال له أُبيّ : إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق.
وأغلظ لعمر.
أخرجه سعيد بن
منصور ، والحاكم ، والبيهقي في السنن (٧ / ٦٩) ، والقرطبي في تفسيره (١٤ / ١٢٦) ،
وحُكي عن الأوّلين في كنز العمّال (١ / ٢٧٩).
٧ ـ قرأ أبيّ بن
كعب : ولا تقربوا الزنا إنّه كان فاحشةً ومقتاً وساءَ سبيلاً إلاّ من تاب فإنّ
الله كان غفوراً رحيماً. فذكر لعمر فأتاه فسأله عنها. قال : أخذتها من في رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبيع.
أخرجه ابن مردويه
وعبد الرزّاق كما في كنز العمّال (١ / ٢٧٨).
٨ ـ عن المسور بن
مخرمة ، قال : قال عمر بن الخطّاب لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أُنزل علينا
: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة؟ فإنّا لم نجدها. قال : أُسقط فيما أُسقط من
القرآن.
أخرجه أبو عبيد
كما في الإتقان (٢ / ٤٢) ، وكنز
العمّال (١ / ٢٧٨).
٩ ـ عن ابن عبّاس
وعديّ بن عديّ ، عن عمر أنّه قال : إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ، أن لا
ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم. أو : إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن
__________________
آبائكم. ثمّ قال
لزيد بن ثابت : أكذلك؟ قال : نعم.
أخرجه البخاري في
صحيحه (١٠ / ٤٣) ، وأبو
عبيد كما في الإتقان (٢ / ٤٢).
١٠ ـ أخرج مالك
والشافعي ، عن سعيد بن المسيّب ، عن عمر في خطبة له قال : إيّاكم أن تهلكوا عن آية
الرجم يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورجمنا ، والذي نفسي بيده لو لا أن يقول الناس زاد عمر في
كتاب الله تعالى لكتبتها : الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة. فإنّا قد قرأناها.
وفي لفظ أحمد ، عن
عبد الرحمن بن عوف : لو لا أن يقول قائلون أو يتكلّم متكلّمون أنّ عمر زاد في كتاب
الله ما ليس منه لأثبتّها كما نزلت.
وفي لفظ البخاري ،
عن ابن عبّاس : إنّ الله بعث محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحقِّ وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل الله آية الرجم
فقرأناها وعقلناها وو عيناها ، رجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :
والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فضيلة أنزلها الله ، والرجم في
كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان
الحبَل أو كان الاعتراف.
وفي لفظ ابن ماجة
، عن ابن عبّاس : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما أجد الرجم في
كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة من فرائض الله. ألا وإنّ الرجم حقّ إذا أحصن الرجل
وقامت البيّنة أو كان حمل أو اعتراف وقد قرأتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتّة. رجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورجمنا بعده.
وفي لفظ أبي داود
: وايم الله لو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها.
__________________
وفي لفظ البيهقي :
ولولا أنّي أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف ، فإنّي أخاف أن يأتي
أقوام فلا يجدونه فلا يؤمنون به.
راجع مسند أحمد (١ / ٢٩ ، ٥٠) ، اختلاف الحديث للشافعي ـ المطبوع
هامش كتاب الأُمّ له ـ (٧ / ٢٥١) ، موطّأ مالك (٢ / ١٦٨) ، صحيح البخاري (١٠ / ٤٣)
، صحيح مسلم (٢ / ٣٣) ، صحيح الترمذي (١ / ٢٩٩) ، سنن الدارمي (٢ / ١٧٩) ، سنن ابن
ماجة (٢ / ١١٥) ، سنن أبي داود (٢ / ٢٣٠) ، مسند الطيالسي (ص ٦) ، سنن البيهقي (٨
/ ٢١١ ـ ٢١٣) ، أحكام القرآن للجصّاص (٣ / ٣١٧).
قال الأميني : كلّ
هذه تكشف عن انحسار علم الخليفة عن ترتيل القرآن الكريم وأنّ هؤلاء المذكورين أعلم
منه به ، وإنّما ألهاه عنه الصفق بالأسواق ، أو بيع الخيط أو القرظة ، ولم يكن له عمل إلاّ الصفق بالبيع.
وما بال الخليفة ـ
وهو القدوة والأُسوة في الكتاب والسنّة ـ يتّبع آراء الناس في كتاب الله؟ ويمحو
ويثبت في المصحف بقول أُناس آخرين؟ ولم يفرّق بين الكتاب والسنّة؟ ويعير سمعه إلى
هذا وذلك؟ ويقبل من هذا قوله : أثبتها ، ويصدِّق لآخر رأيه في إسقاط شيء من القرآن؟
ويرى آياً محرّفة من الكتاب تمنعه عن إدخالها فيه خشية قول القائلين وتكلّم
المتكلّمين؟ وهذا هو التحريف الذي يعزونه إلى الشيعة ، ويشنّون به عليهم الغارات ،
والشيعة عن بكرة أبيهم براء من تلكم الخزاية ، فقد أصفق المحقِّقون منهم على نفي
ذلك نفياً باتّا كما أسلفناه في الجزء الثالث (ص ١٠١).
__________________
وشتّان بين من هذا
شأنه وبين من قال فيه التابعيّ العظيم أبو عبد الرحمن السلمي القارئ المجمع على
ثقته وجلالته : ما رأيت ابن أُنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ. وقال أيضاً : ما
رأيت أقرأ من عليّ ، عرض القرآن على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو من الذين حفظوه أجمع بلا شكّ عندنا . وقد مرّ بعض أحاديث علمه عليهالسلام بالكتاب (ص ١٩٣).
ـ ٩٦ ـ
اجتهاد الخليفة في الأسماء والكنى
١ ـ عن زيد بن
أسلم ، عن أبيه : أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ضرب ابناً له تكنّى أبا عيسى ،
وأنّ المغيرة بن شعبة تكنّى بأبي عيسى ، فقال له عمر : أما يكفيك أن تكنّى بأبي
عبد الله؟ فقال : رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كنّاني أبا عيسى ، فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وإنّا في جلستنا فلم يزل يكنّى بأبي عبد الله حتى هلك.
صورة أخرى :
إنّ المغيرة
استأذن على عمر فقال : أبو عيسى. قال : من أبو عيسى؟ فقال : المغيرة بن شعبة. قال
: فهل لعيسى من أب؟ فشهد له بعض الصحابة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يكنّيه بها فقال : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غُفر له وإنّا لا ندري ما يُفعل بنا وكنّاه أبا عبد الله.
راجع : سنن أبي داود (٢ / ٣٠٩) ، سنن البيهقي (٩ / ٣١٠) ،
الاستيعاب (١ / ٢٥٠) ، تيسير الوصول (١ / ٣٩) ، الكنى والأسماء للدولابي (١ / ٨٥)
، زاد المعاد لابن
__________________
القيّم (١ / ٢٦٢)
، نهاية ابن الأثير (١ / ١٩٨) ، الإصابة (٢ / ٤١٣ و ٣ / ٤٥٣).
٢ ـ جاءت سريّة
لعبيد الله بن عمر إلى عمر تشكوه فقالت : يا أمير المؤمنين ألا تعذرني من أبي عيسى؟
قال : ومن أبو عيسى؟ قالت : ابنك عبيد الله. قال : ويحك! وقد تكنّى بأبي عيسى؟
ودعاه وقال : إيهاً اكتنيت بأبي عيسى؟ فحذر وفزع فأخذ يده فعضّها حتى صاح ، ثمّ
ضربه وقال : ويلك هل لعيسى أب؟ أما تدري ما كنى العرب؟ : أبو سلمة ، أبو حنظلة ،
أبو عرفطة ، أبو مرّة. راجع شرح ابن أبي الحديد (٣ / ١٠٤).
٣ ـ كان عمر رضى الله
عنه كتب إلى أهل الكوفة : لا تسمّوا أحداً باسم نبيّ ، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير
أسماء أبنائهم المسمّين بمحمد ، حتى ذكر له جماعة من الصحابة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أذن لهم في ذلك فتركهم. عمدة القاري (٧ / ١٤٣).
٤ ـ عن حمزة بن
صهيب : أنّ صهيباً كان يكنّى أبا يحيى ، ويقول : إنّه من العرب ، ويطعم الطعام
الكثير. فقال له عمر بن الخطّاب : يا صهيب ما لك تتكنّى أبا يحيى وليس لك ولد؟
وتقول إنّك من العرب ، وتطعم الطعام الكثير ، وذلك سرف في المال. فقال صهيب : إنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كنّاني أبا يحيى ، وأمّا قولك في النسب فأنا رجل من النمر
بن قاسط من أهل الموصل ، ولكنّي سبيت غلاماً صغيراً قد عقلت أهلي وقومي. وأمّا قولك في الطعام ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول : «[خياركم من] أطعم الطعام ، وردّ السلام». فذلك
الذي يحملني على أن أُطعم الطعام.
وفي لفظ لأبي عمر
: قال عمر : ما فيك شيء أعيبه يا صهيب إلاّ ثلاث خصال لولاهنّ ما قدّمت عليك أحداً
، هل أنت مُخبري عنهنّ؟ فقال صهيب : ما أنت بسائل عن شيء إلاّ صدقتك عنه. قال :
أراك تنسب عربيّا ولسانك أعجميّ ، وتتكنّى بأبي
__________________
يحيى اسم نبيّ ،
وتبذّر مالك. قال : أمّا تبذير مالي فما أنفقه إلاّ في حقِّه ، وأمّا اكتنائي بأبي
يحيى فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كنّاني بأبي يحيى أفأتركها لك؟ وأمّا انتسابي إلى العرب
فإنّ الروم سَبَتني صغيراً فأخذت لسانهم وأنا رجل من النمر بن قاسط ، لو انفلقت
عنّي روثة لانتسبت إليها.
أخرجه أحمد في مسنده (٦ / ١٦) ، والحاكم في المستدرك (٤ / ٢٨٨) ،
وابن ماجة شطراً منه في سننه (٢ / ٤٠٦) ، وأبو عمر في الاستيعاب في ترجمة صهيب (١
/ ٣١٥) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ١٦).
٥ ـ سمع عمر بن
الخطّاب رضى الله عنه رجلاً ينادي رجلاً : يا ذا القرنين. قال : أفرغتم من أسماء
الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة؟
راجع حياة الحيوان (٢ / ٢١) ، فتح الباري (٦ / ٢٩٥).
قال
الأميني : تكشف هذه
الروايات عن موارد من الجهل :
١ ـ نهي الخليفة
عن التسمية باسم النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمره المسمَّين به بتغيير أسمائهم ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسمّ أحدهم محمداً فقد جهل» .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا سمّيتم محمداً فلا تضربوه ولا تحرموه» .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا سمّيتم الولد محمداً فأكرموه ، وأوسعوا له في
المجلس ، ولا تقبّحوا له وجهاً» تاريخ بغداد (٣ / ٩١).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد
أو محمد فيقول الله تعالى له : عبدي أما استحييتني وأنت تعصيني واسمك اسم حبيبي
محمد؟ فينكّس العبد رأسه حياءً ويقول : اللهمّ إنّي قد فعلت ، فيقول الله عزّ وجلّ
: يا جبريل خذ بيد عبدي وأدخله الجنّة فإنّي أستحي أن أُعذِّب بالنار من اسمه اسم
حبيبي» .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من وُلد له مولود فسمّاه محمداً حبّا لي وتبرّكاً باسمي
كان هو ومولوده في الجنّة» .
وقالت عائشة :
جاءت امرأة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا رسول الله إنّي قد ولدت غلاماً فسمّيته محمداً
وكنّيته أبا القاسم فذُكِر لي أنّك تكره ذلك ، فقال : «ما الذي أحلَّ اسمي وحرّم
كنيتي؟» أو : «ما الذي حرّم كنيتي وأحلَّ اسمي؟» .
وقد سمّى صلىاللهعليهوآلهوسلم محمد بن طلحة بن عبيد الله محمداً وكنّاه بأبي القاسم ، ومحمد هذا كان ممّن همَّ عمر أن يغيِّر اسمه .
وقد سمّى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غير واحد من ولدان عصره محمداً منهم :
__________________
محمد بن ثابت بن
قيس الأنصاري .
ومحمد بن عمرو بن
حزم الأنصاري .
ومحمد بن عمارة بن
حزم الأنصاري .
ومحمد بن أنس بن فضالة
الأنصاري .
ومحمد بن يفديدويه
ـ بالمهملتين ـ الهروي .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لرجل أنصاري همَّ بأن يسمّي ابنه محمداً فكرهوه وسألوه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سمّوا باسمي» .
وفي رجل وُلد له
غلام فسمّاه القاسم فقالوا له : لا نكنّيك به ، فسأله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «تسمّوا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي» .
على أنّ تحسين
الأسماء ممّا رغّبت فيه الشريعة المطهّرة ومحمد أحسنها ، وخير الأسماء ما عُبد به
وحُمد ، فجاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «إنّكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم
فأحسنوا أسماءكم» .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من حقّ الولد على الوالد أن يحسن اسمه وأن يحسن أدبه» .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا أبردتم إليّ بريداً فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم» .
وفي جامع الترمذي (٢ / ١٠٧) ، عن
عائشة قالت : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يغيّر الاسم القبيح.
وممّن غيّر اسمه
عاصية بنت عمر ؛ فسمّاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جميلة كما في صحيح الترمذي (٢ / ١٣٧) ،
ومصابيح السنّة (٢ / ١٤٨).
٢ ـ نهيه عن التسمّي
بأسماء الأنبياء وهي أحسن الأسماء بعد تلكم الأسماء المشتقّة من أسماء الله الحسنى
من محمد وعليّ والحسن والحسين. وقد ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «ما من أهل بيت فيه اسم نبيّ إلاّ بعث الله تبارك
وتعالى إليهم ملكاً يقدِّسهم بالغداوة والعشيِّ» .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سمّوا بأسماء الأنبياء ، وأحبّ الأسماء إلى الله عبد
الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها حرب ومرّة» .
٣ ـ تذمّره من
التكنّي بأبي عيسى مستدلاّ بقوله : فهل لعيسى من أب؟ أكان
__________________
الخليفة يحسب أنّ
من يكنّى به يرى نفسه أباً لعيسى بن مريم ويكنّى به حتى يُقال عليه : فهل لعيسى من
أب؟ أو أنّه لم يرَ لعيسى الذي كنّاه به أبوه من أب؟ وكان يحسب أنّ الآباء يكنّون
بأسماء أولادهم ، ومن هنا قال لصهيب : مالك تكنّى أبا يحيى وليس لك ولد؟
٤ ـ وأعجب من هذه
كلّها أنّ الخليفة بعد سماعه من المغيرة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كنّاه بأبي عيسى لم يتزحزح عن رأيه ، وقد صدّقه في مقاله ،
لكنّه عدَّ ذلك ذنباً مغفوراً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأراد أن لا يذنب هو ولفيفه إذ لا يدري ما يُفعل بهم ،
وليت شعري هل أثبت كون ذلك إثماً مستتبعاً للعذاب أو المغفرة ببرهان قاطع؟ ثمّ علم
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ارتكبه فحكم بالمغفرة له بدلالة الآية الكريمة من سورة
الفتح؟ لا ، لم يثبت ذلك إلاّ بتلك السفسطة من قوله : هل لعيسى من أب؟ إن كان
الأوّل ـ ولا أقوله ـ فمرحباً بنبيّ غير معصوم! والعياذ بالله ، وإن كان الثاني
فزهٍ بقائل لا يعلم!
٥ ـ إنّه بعد ما
حسب كون هاتيك التكنية سيّئة جعل التعزير بها عَضّ اليد قبل الضرب ، ولم تسمع أذن
الدهر بمثل ذلك التعزير القاسي قطّ.
٦ ـ إنّ ممّا
اختاره الخليفة من كنى العرب : أبا مرّة. وقد مرّ نهي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التسمية بمرّة. على أنّ أبا مرّة كنية إبليس كما في
المعاجم . وقيل تكنّى بابنة له تسمّى مرّة. وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التسمية بحيات وقال : فإنّ الحيات الشيطان. وأخرج أبو
داود في سننه (٢ / ٣٠٨) ، عن
مسروق ، قال : لقيت عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقال : من أنت؟ قلت : مسروق بن
الأجدع ، فقال عمر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : الأجدع الشيطان. فكأنّه كان ناسياً ذلك حين أمر
بالتكنّي
__________________
بأبي مرّة ، أولم
يكن يعلم أنّها كنية إبليس؟ أو كان له رأي تجاه الرأي النبويّ. والله أعلم.
وكذلك التكنّي
بأبي حنظلة ، فقد عدّ ابن القيّم حنظلة من أقبح الأسماء كما في زاد المعاد (١ / ٢٦٠).
٧ ـ حسبانه أنّ ذا
القرنين من أسماء الملائكة وقد عزب عنه أنّه كان غلاماً روميّا أُعطي الملك ، كما
فيما أخرجه الطبري ، وفي صحيحة عن أمير المؤمنين عليهالسلام : أنّه كان رجلاً أحبّ الله فأحبّه ، وناصح الله فناصحه ، لم يكن نبيّا ولا
ملكاً .
وفي القرآن الكريم
آيات كريمة في ذكر ذي القرنين كأنّها عزبت عن الخليفة برمّتها ، وخفيت عليه تسمية
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا أمير المؤمنين بذي القرنين ، فقال على رءوس الأشهاد
: «يا أيّها الناس أُوصيكم بحبِّ ذي قرنيها أخي وابن عمّي عليِّ ابن أبي طالب
فإنّه لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق ، من أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه
فقد أبغضني»
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : «إنّ لك في الجنّة بيتاً ـ ويروى : كنزاً ـ وأنت لذو
قرنيها».
وقال شرّاح الحديث
: أي ذو طرفي الجنّة وملكها الأعظم تسلك ملك جميع الجنّة كما سلك ذو القرنين جميع
الأرض. أو ذو قرني الأُمّة فأضمرت وإن لم يتقدّم
__________________
ذكرها كقوله تعالى
: (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) . أراد الشمس ولا ذكر لها ، قال أبو عبيد : وأنا أختار هذا
التفسير الأخير على الأوّل.
قالوا : ويروى عن
عليّ رضى الله عنه ، وذلك أنّه ذكر ذا القرنين فقال : «دعا قومه إلى عبادة الله
تعالى فضربوه على قرنه ضربتين وفيكم مثله». فنرى أنّه أراد نفسه ، يعني : أدعو إلى
الحقّ حتى يُضرب رأسي ضربتين يكون فيهما قتلي. أو ذو جبليها الحسن والحسين ـ سبطي
الرسول ـ رضي الله عنهما روي ذلك عن ثعلب. أو ذو شجنتين في قرني رأسه إحداهما من
عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق ، والثانية من ابن ملجم لعنه الله. قال أبو عبيد :
وهذا أصحّ ما قيل انتهى.
وبعد خفاء ما في
الكتاب والسنّة على الخليفة لا يسعنا أن نؤاخذه بالجهل بشعر رجالات الجاهلية ، وقد
ذُكر ذو القرنين في شعر امرئ القيس ، وأوس بن حجر ، وطرفة بن العبد ، وقال الأعشى
بن ثعلبة :
والصعبُ ذو
القرنين أمسى ثاوياً
|
|
بالحنو في جدثٍ
هناك مقيم
|
وقال الربيع بن
ضُبيع :
والصعبُ ذو
القرنين عمّر ملكه
|
|
ألفين أمسى بعد
ذاك رميما
|
وقال قُس بن ساعدة
:
والصعبُ ذو
القرنين أصبح ثاوياً
|
|
باللحد بين
ملاعبِ الأرياح
|
__________________
وقال تبّع الحميري
:
قد كان ذو
القرنين قبلي مسلماً
|
|
ملكاً تدين له
الملوكُ وتحشد
|
بلغ المشارقَ
والمغاربَ يبتغي
|
|
أسبابَ أمرٍ من
حكيمٍ مرشد
|
فرأى مغيبَ
الشمسِ عند غروبها
|
|
في عينِ ذي خُلب
وثأطٍ حرمد
|
من بعده بلقيس
كانت عمّتي
|
|
مَلَكَتْهمُ حتى
أتاها الهدهد
|
وقال النعمان بن
بشير الصحابيّ الأنصاريّ :
ومن ذا يعادينا
من الناس معشر
|
|
كرام وذو
القرنين منّا وحاتم
|
ثمّ ما المانع عن
التسمّي بأسماء الملائكة؟ وما أكثر من سُمّي بأسماء أفضل الملائكة كجبرئيل ،
وميكائيل ، وإسرافيل؟ فإنّها بالعبرانيّة وترجمتها بالعربية عبد الله وعبيد الله
وعبد الرحمن كما فيما أخرجه ابن حجر ، وفي صحيح البخاري عن عكرمة أنّ جبر ، وميك ، وسراف :
عبد. وإيل : الله . وقد ورد في الصحيح : «إنّ أحبّ الأسماء إلى الله تعالى
عبد الله وعبد الرحمن» ولا وازع إذا وقعت التسمية بتلكم الألفاظ العبرانيّة أيضاً.
٨ ـ حسبانه أنّ في
إطعام الطعام سرفاً في المال ، فأفحمه صهيب بقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، وجاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا أيّها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام وصلوا
الأرحام».
وعن عبد الله بن
عمرو : أنّ رجلاً سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله أيّ
__________________
الإسلام خير؟ قال
: «تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» .
وأخرج الخطيب في
تاريخه (٤ / ٢١٢) من طريق ابن عمر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وكونوا عباداً كما
وصفكم الله عزّ وجلّ».
٩ ـ أخذه صهيباً
بالتكنية وليس له ولد ولم يكن هذا من شرطها ، هذا عبد الله ابن مسعود كنّاه رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له. كما في المستدرك (٣ / ٣١٣).
وهذا محمد بن طلحة
كنّاه صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا القاسم وهو رضيع. وهذا أخو أنس بن مالك بين عينيه
كنّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأبي عمير وكان صغيراً لم يبلغ الحلم ، وهذا أنس كنّاه صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا حمزة ولا حمزة له ، وهذه نساء النبيّ كلّها كانت تكنّى
غير عائشة فكنّاها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأُمّ عبد الله ، وغير واحد منهنّ لم يكن لها ولد.
راجع صحيحي البخاري ومسلم ، وسنن البيهقي (٩ / ٣١٠) ، ومصابيح
السنّة (٢ / ١٤٩) ، وزاد المعاد (١ / ٢٦١) ، والاستيعاب ، وأُسد الغابة ،
والإصابة.
ـ ٩٧ ـ
حدُّ الخليفة ابنه بعد الحدِّ
عن عبد الله بن
عمر ، قال : شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه
__________________
أبو سروعة عقبة بن
الحارث ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فسكرا ، فلمّا صَحَوا
انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا : طهّرنا فإنّا قد سكرنا من شراب
شربناه. قال عبد الله بن عمر : فلم أشعر أنّهما أتيا عمرو بن العاص ، قال : فذكر
لي أخي أنّه قد سكر. فقلت له : ادخل الدار أُطهّرك. قال : إنّه قد حدّث الأمير ،
قال عبد الله : فقلت : والله لا تُحلَق اليوم على رءوس الناس ، ادخل أحلقك. وكانوا
إذ ذاك يحلقون مع الحدّ ، فدخل معي الدار ، قال عبد الله : فحلقت أخي بيدي ثمّ
جلدهما عمرو بن العاص ، فسمع عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بذلك فكتب إلى عمرو : أن
ابعث إليَّ عبد الرحمن بن عمر على قتب ، ففعل ذلك عمرو. فلمّا قدم عبد الرحمن على
عمر رضى الله عنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه ، ثمّ أرسله فلبث أشهراً صحيحاً
ثمّ أصابه قدره ، فيحسب عامّة الناس أنّه مات من جلد عمر ولم يمت من جلده.
عن عمرو بن العاص
ـ في حديث ـ قال قائل : هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة على الباب يستأذنان ،
فقلت : يدخلان. فدخلا وهما منكسران فقالا : أقم علينا حدّ الله فإنّا قد أصبنا
البارحة شراباً فسكرنا ، قال : فزبرتهما وطردتهما ، فقال عبد الرحمن : إن لم تفعل
أخبرت أبي إذا قدمت. قال : فحضرني رأي وعلمت أنّي إن لم أُقم عليهما الحدّ غضب
عليَّ عمر في ذلك وعزلني وخالفه ما صنعت ، فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله
بن عمر ، فقمت إليه فرحّبت به وأردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى عليَّ ، وقال :
أبي نهاني أن أدخل عليك إلاّ أن لا أجد من ذلك بدّا ، إنّ أخي لا يحلق على رءوس
الناس شيئاً ، فأمّا الضرب فاصنع ما بدا لك. قال : وكانوا يحلقون مع الحدِّ. قال :
فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحدّ ، ودخل ابن عمر بأخيه إلى بيته من الدار
فحلق رأسه ورأس أبي سروعة ، فو الله ما كتبت إلى عمر بشيء ممّا كان حتى إذا تحيّنت
كتابه ، (وذكر فيه) : فإذا جاءك كتابي هذا فابعث بعبد الرحمن بن عمر في عباءة على
قتب حتى يعرف سوء ما صنع. فبعث به كما قال أبوه ، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه ،
وكتبت إلى عمر كتاباً أعتذر فيه وأخبره أنّي
ضربته في صحن داري
، وبالله الذي لا يُحلف بأعظم منه إنّي لأُقيم الحدود في صحن داري على الذمّي والمسلم
، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر. قال أسلم : فقدم بعبد الرحمن على أبيه ، فدخل
عليه وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من مركبه ، فقال : يا عبد الرحمن فعلت كذا
وفعلت ، السياط. فكلّمه عبد الرحمن بن عوف وقال : يا أمير المؤمنين قد أُقيم عليه
الحدُّ مرّة. فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره ، فجعل عبد الرحمن يصيح : أنا مريض وأنت
قاتلي. فضربه الحدّ ثانية وحبسه ثمّ مرض فمات رحمهالله.
ذكره البيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٣١٢) ، وابن عبد ربّه في
العقد الفريد (٣ / ٤٧٠) ، والخطيب البغدادي في تاريخه (٥ / ٤٥٥) ، وابن الجوزي في
سيرة عمر (ص ١٧٠) وفي طبعة (٢٠٧) ، والمحبّ الطبري في الرياض النضرة (٢ / ٣٢) ،
والقسطلاني في إرشاد الساري (٩ / ٤٣٩) وصحّحه.
وقال أبو عمر في
الاستيعاب (٢ / ٣٩٤) : عبد
الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شحمة ، وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ،
ثمّ حمله إلى المدينة ، فضربه أبوه أدب الوالد ، ثمّ مرض ومات بعد شهر ، هكذا
يرويه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وأمّا أهل العراق فيقولون : إنّه مات تحت
سياط عمر وذلك غلط ، وقال الزبير : أقام عليه حدّ الشارب فمرض ومات.
وذكر ابن حجر في
الإصابة (٣ / ٧٢) كلام أبي عمر فقال : أخرج عبد الرزّاق القصّة مطوّلة عن معمر
بالسند المذكور وهو صحيح.
وقال الطبري في
تاريخه (٤ / ١٥٠) ، وابن
الأثير في الكامل (٢ / ٢٠٧) ، وابن
__________________
كثير في تاريخه (٧ / ٤٨) : وفي
هذه السنة ـ أي سنة (١٤) ـ ضرب عمر بن الخطّاب ابنه في الشراب هو وجماعة فيه .
قال
الأميني : يقع الكلام على
هذه المسألة من شتّى النواحي ؛ فإنّ الحدّ كفّارة وطهور ، فلا يبقى معه على
المحدود بعد وزر يُحدّ عليه ثانياً ، وقد ثبت ذلك في السنّة الشريفة.
١ ـ عن خزيمة بن
ثابت مرفوعاً : «من أُقيم عليه حدّ غفر له ذلك الذنب».
وفي لفظ آخر له : «من
أصاب ذنباً فأُقيم عليه حدّ ذلك الذنب فهو كفّارته».
أخرجه أحمد في
مسنده (٥ / ٢١٤ ، ٢١٥) ،
والدارمي في سننه (٢ / ١٨٢) ، والبيهقي في سننه (٨ / ٣٢٨) ، والخطيب التبريزي في
المشكاة (ص ٣٠٨).
٢ ـ عن عبادة بن
الصامت مرفوعاً : «من أصاب منكم حدّا فعجّلت له عقوبته فهو كفّارته وإلاّ فأمره
إلى الله».
وفي لفظ آخر له : «من
أتى منكم حدّا ممّا نُهي عنه فأُقيم عليه الحدُّ فهو كفّارة له ، ومن أُخِّر عنه
الحدّ فأمره إلى الله إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له».
وفي لفظ ثالث له :
«من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفّارة له».
راجع صحيح البخاري (١٠ / ٢٥) ، صحيح مسلم (٢ / ٣٩) ، صحيح
الترمذي (١ / ٢٧١) ،
__________________
مسند أبي داود (ص
٧٩) ، سنن ابن ماجة (٢ / ١٢٩) ، سنن البيهقي (٨ / ٣٢٨)
٣ ـ وأخرج الشافعي
في حديث مرفوعاً : «ما يدريك لعلّ الحدود نزلت كفّارةً للذنوب» سنن البيهقي (٨ /
٣٢٨).
٤ ـ عن عليّ أمير
المؤمنين أنَّه قال : «من أتى شيئاً من حدٍّ فأُقيم عليه الحدّ فهو كفّارته» سنن
البيهقي (٨ / ٣٢٩).
٥ ـ عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى : إنّ عليّا رضى الله عنه أقام على رجل حدّا فجعل الناس يسبّونه
ويلعنونه ، فقال عليّ رضياللهعنه : «أمّا عن ذنبه هذا فلا يُسأل». سنن البيهقي (٨ / ٣٢٩).
٦ ـ عن عبد الله
بن معقل : إنّ عليّا رضى الله عنه ضرب رجلاً حدّا فزاده الجلاّد سوطين فأقاده منه
عليّ رضى الله عنه. سنن البيهقي (٨ / ٣٢٢).
وإن كان الخليفة
يحسب أن حدّ عمرو بن العاص كان ملغىً لوقوعه في صحن الدار ، فقد أخبره الرجل أنّ
ذلك عادته الجارية في الحدود كلّها ، وليس من شرط الحدّ أن يكون على رءوس الأشهاد
بل يُكتفى بضرب الحدّ سرّا كما عزاه القسطلاني في إرشاده (٩ / ٤٣٩) إلى
الجمهور ، ولو صدق هذا الحسبان لوجب أن يحدّ أبا سروعة أيضاً في القضية وغيره ممّن
حدّه عمرو بن العاص في صحن داره.
ولو أراد بذلك
تعزيراً أو تأديباً كما اعتذر عنه البيهقي في سننه (٨ / ٣١٣) ، وأبو عمر كما مرّ ،
والقسطلاني في الإرشاد (٩ / ٤٣٩) فإنّه بعد مخالفته للفظ الحديث من أنّه أقام عليه
الحدّ ثانياً زيادة لم تفوّض إليه ، لما ذكرناه من أنّ الحدّ كفّارة ولا يُسأل
بعده المحدود عن ذنبه فلا حدّ ولا تعزير ، ولا بأس ولا تأديب.
ثمّ إن صحّ
التعزير فإنّه لا يزيد في السنّة على عشرة أسواط ، كما مرّ في (ص ١٧٥) فلما ذا
ساوى بينه وبين الحدّ؟
__________________
وأعطف على هذا
أمره عمرو بن العاص بأن يبعث ولده على قتب في عباءة ، فدخل عليه ولم يستطع المشي
من مركبه ، فإنّ كلّ ذلك إيذاء درأه الحدُّ ولم يبحه الشرع.
ثمّ لما ذا لم يكن
له مرتدع عن تأجيل ما ارتآه من الحدِّ الجديد بمرضه ولم يرجئه حتى يبرأ؟ وهو حكم
المريض المحدود في السنّة الشريفة.
وإن تعجب بعد ذلك
كلّه فعجب قول ابن الجوزي في سيرة عمر ؛ من أنّه لا ينبغي أن يُظنّ بعبد الرحمن بن عمر أنّه شرب
الخمر ، وإنّما شرب النبيذ متأوّلاً وظنّ أنّ ما شرب منه لا يسكر ، وكذلك أبو
سروعة ، وأبو سروعة من أهل بدر ، فلمّا خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير
بالحدّ ، وقد كان يكفيهما مجرّد الندم على التفريط غير أنّهما غضبا لله سبحانه على
أنفسهما المفرّطة فأسلماها إلى إقامة الحدّ ، وأمّا كون عمر أعاد الضرب على ولده
فليس ذلك حدّا وإنّما ضربه غضباً وتأديباً وإلاّ فالحدّ لا يكرّر. انتهى بلفظه.
وإن صحّت هذه
المزعمة يُوجّه النقد إلى عمرو وعمر إن علما ذلك وإلى نفس المحدودين ، حيث عرضا
أنفسهما على الحدّ من دون أي موجب له ، وكان يكفيهما الندم كما حسبه ابن الجوزي ،
والحقّ أنّه لا حاجة إليه أيضاً لأنّهما لم يقترفا ذنباً بعد اعتقاد أنّه لا يسكر
فلا توبة عنه ، وإن كان كامل الإيمان يتضجّر عن مثله. وعلى هذا فإنّهما لا يملكان
لأنفسهما أن يعرضاها على هذا الإيلام الشديد والإضرار المؤلم إن لم يكن ذلك تشريعاً.
لكن من أين أتت ابن الجوزي هذه الرؤيا الصادقة؟ فأراد تبرئة الرجلين ممّا اجترحاه
من السيّئة مع اعترافهما بذلك بكلِّ صراحة ، فألقاهما في هوّة الإضرار بالنفس
المحظور شرعاً ، والتشرّع في الدين المحرّم ، والكذب الصراح الذي هو من الكبائر ،
وألحق بمن أقام الحدّ أوّلاً تبعة إقامته من دون موجب له ، والغضب
__________________
الذي عزاه إلى
الخليفة في حدّه الثاني سواء كانا شربا الخمر كما اعترفا به أو لم يشرباها على ما
تحمّله ابن الجوزي ، وشذّ به عن أئمّة الحديث ورجال التاريخ ، وذلك واضح من هذا
البيان الضافي.
ـ ٩٨ ـ
جهل الخليفة بما يقرأ يوم العيد
عن عبيد الله ،
قال : خرج عمر رضى الله عنه يوم عيد فأرسل إلى أبي واقد الليثي : بأيّ شيء كان
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقرأ في مثل هذا اليوم؟ فقال : بقاف واقتربت .
صحيح مسلم (١ /
٢٤٢) ، سنن أبي داود (٢ / ٢٨٠) ، موطّأ مالك (١ / ١٤٧) ، سنن ابن ماجة (١ / ١٨٨) ،
صحيح الترمذي (١ / ١٠٦) ، سنن النسائي (٣ / ١٨٤) ، سنن البيهقي (٣ / ٢٩٤) واللفظ
لابن ماجة.
قال
الأميني : هذه رواية صحيحة
أخرجها الأئمّة في الصحاح كما عرفت ، ورميها بالإرسال بأنّ عبيد الله بن عبد الله
لم يدرك عمر مدفوع بأنّ الرواية في صحيح مسلم عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي
واقد ، ولا شكّ أنّ عبيد الله أدرك أبا واقد ، وبهذا ردّ هذه الرمية البيهقي
والسندي والسيوطي وغيرهم.
فهلمّ معي نسائل
الخليفة عن أنّه لما ذا عزب عنه العلم بما كان يقرأه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلاة العيدين؟ أو كان ناسياً له فأراد أن يستثبت كما
اعتذر به السيوطي في تنوير الحالك (١ / ١٤٧)؟ أو
أنّه ألهاه عنه الصفق في الأسواق؟ كما
__________________
اعتذر به هو في
غير هذا المورد ، وقد تقدّم في (ص ١٥٨) ويأتي بُعيد هذا ووصفه به غير واحد ،
ويبعِّد النسيان أنّ حكماً مطّرداً كهذا يكرّر في كلِّ عام مرّتين على رءوس
الأشهاد ومزدحم الجماهير لا يُنسى عادةً.
وأمّا احتمال
السيوطي الآخر من أنّه أراد إعلام الناس بذلك ، فكان من الممكن إعلامهم بهتاف نفسه
هتافاً مسمعاً وعمله المستمر المتّبع فيه سنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالحاجة غير ماسّة إلى الإرسال والسؤال.
ـ ٩٩ ـ
الخليفة ومعاني الألفاظ
١ ـ عن عمر رضى
الله عنه أنّه قال على المنبر : ما تقولون في قوله تعالى : (أَوْ
يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) ؟ فسكتوا ، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا ، التخوّف :
التنقّص.
قال : فهل تعرف
العرب ذلك في أشعارها؟ قال : نعم. قال شاعرنا ـ زهير ـ أبو كبير الهذلي يصف ناقةً
تنقّص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه :
تخوّفَ الرحل
منها تامكاً قرداً
|
|
كما تخوّف عود
النبعة السفن
|
فقال عمر : أيّها
الناس عليكم بديوانكم لا يضلّ. قالوا : وما ديواننا؟ قال : شعر الجاهليّة فإنّ فيه
تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
راجع تفسير الكشّاف (٢ / ١٦٥) ، تفسير القرطبي (١٠ / ١١٠) ،
تفسير البيضاوي (١ / ٦٦٧).
__________________
٢ ـ عن أبي الصلت
الثقفي : أنّ عمر بن الخطّاب قرأ هذه الآية : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ
يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) ـ بنصب الراء ـ ، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله
حرِجاً بالخفض فقال : ائتوني رجلاً من كنانة واجعلوه راعياً وليكن مدلجيّا. فأتوا
به ، فقال له عمر : يا فتى ما الحرجة؟ فقال : الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار
لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء. فقال عمر رضى الله عنه : كذلك قلب المنافق
لا يصل إليه شيء من الخير.
راجع تفسير ابن كثير (٢ / ١٧٥) ، تفسير الخازن (٢ / ٥٣) ، الدرّ
المنثور (٣ / ٤٥) ، كنز العمّال (١ / ٢٨٥) نقلاً عن عبد بن حميد وابن جرير وابن
المنذر وأبي الشيخ.
٣ ـ عن عبد الله
بن عمر ، قال : قرأ عمر بن الخطّاب هذه الآية : (وَما جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، ثمّ قال : ادعو لي رجلاً من بني مدلج ، قال عمر : ما
الحرج فيكم؟ قال : الضيق. كنز العمّال (١ / ٢٥٧) .
٤ ـ أخرج الحاكم ،
عن سعيد بن المسيّب : أنّ عمر بن الخطّاب أتى على هذه الآية : (الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) ، فأتى أُبيّ بن كعب فسأله أيّنا لم يظلم؟ فقال له : يا
أمير المؤمنين إنّما ذاك الشرك ، أما سمعت قول لقمان لابنه : (يا
بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)؟ المستدرك (٣ / ٣٠٥).
إنّي أعذر الخليفة
إن عزب عنه علم الكتاب والسنّة أو تقاصر عن الحكم في
__________________
القضايا ، فإنّ
الامتهان بالبرطشة والصفق بالأسواق ، والاحتراف ببيع الخيط والقرظة في إملاق لا يحدوه إلاّ إلى تحرّي لماظة يقتات بها ألهته
عن العلوم ، لكن لا أعذره على عدم معرفته باللغة وهي لغته تلوكها أشداقه في آناء
الليل وأطراف النهار.
ـ ١٠٠ ـ
رأي الخليفة في صوم الدهر
عن أبي عمر
الشيباني ، قال : خُبّر عمر بن الخطّاب رضوان الله عليه برجل يصوم الدهر فجعل
يضربه بمخفقته ويقول : كل يا دهر [كل] يا دهر .
قال
الأميني : لقد أربكني
الموقف فلا أدري على أيّ النقلين ألقي ثقتي؟ أعلى رواية ابن الجوزي هذه من حديث
المخفقة؟ أم على نقله الآخر في سيرة عمر (ص ١٤٦) من أنّه
كان يصوم الدهر. وروى الطبري وجعفر الفريابي في السنن وحكى عنهما السيوطي في جمع
الجوامع كما في ترتيبه (٤ / ٣٣٢) من أنّه
كان يسرد الصيام ، وفي سنن البيهقي (٤ / ٣٠١) : أنّ عمر بن الخطّاب قد كان يسرد
الصيام قبل أن يموت ، وسرد عبد الله بن عمر في آخر زمانه ، وذكره ابن كثير في
تاريخه (٧ / ١٣٥) ، ورواه
__________________
المحبّ الطبري في
الرياض (٢ / ٣٨) واستدلّ
به على أنّ سرد الصوم أفضل من صوم يوم وفطر يوم.
وليس هناك نهي عن
ذلك في السنّة الشريفة ، وما يشعر بظاهره النهي عنه مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا صام من صام الأبد». وقوله : «من صام الأبد فلا صام
ولا أفطر». فهو منزّل على صوم الأبد المستلزم لصوم الأيّام المحرّم صومها أو على
صورتي إيجابه الضعف أو تفويت الحقّ ، وبدون هذه لا نهي عنه كما في صحيح مسلم (١ / ٣١٩) ، وسنن
البيهقي (٤ / ٢٩٩) ، وكثير من كتب الفقه وشروح مجامع الحديث. وأخرج ابن جرير عن
أُمّ كلثوم قالت : قيل لعائشة : تصومين الدهر وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صيام الدهر؟ قالت : نعم ؛ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينهى عن صيام الدهر ، ولكن من أفطر يوم الفطر ويوم النحر
فلم يصم الدهر .
وقال النووي في
شرح صحيح مسلم ـ هامش الإرشاد (٥ / ٥١) : وفي هذه الروايات المذكورة في
الباب النهي عن صيام الدهر ، واختلف العلماء فيه ، فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام
الدهر نظراً لظواهر هذه الأحاديث ، قال القاضي وغيره : وذهب جماهير العلماء إلى
جوازه إذا لم يصم الأيّام المنهيّ عنها وهي العيدان والتشريق ، ومذهب الشافعي
وأصحابه أنّ سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط
أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوّت حقّا ، فإن تضرّر أو فوّت حقّا فمكروه ، واستدلّوا
بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنّه قال : يا رسول الله إنّي أسرد
الصوم أفأصوم في السفر؟ فقال : «إن شئت فصم». وهذا لفظ
__________________
رواية مسلم فأقرّه
صلىاللهعليهوآلهوسلم على سرد الصيام ، ولو كان مكروهاً لم يقرّه لا سيّما في
السفر ، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطّاب أنّه كان يسرد الصيام ، وكذلك أبو طلحة
وعائشة وخلائق من السلف قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذّب في باب صوم التطوّع
وأجابوا عن حديث «لا صام من صام الأبد» بأجوبة أحدها : أنّه محمول على حقيقته بأن
يصوم معه العيدين والتشريق ، وبهذا أجابت عائشة.
والثاني : أنّه
محمول على من تضرّر به أو فوّت به حقّا ، ويؤيّده قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فإنّك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونَم وقم ، وصم من الشهر
ثلاثة أيّام فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر». والنهي كان خطاباً
لعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد ذكر مسلم عنه أنّه عجز في آخر عمره وندم على
كونه لم يقبل الرخصة ، قالوا : فنهى ابن عمرو وكان لعلمه بأنّه سيعجز ، وأقرّ حمزة
بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر.
والثالث : أنّ
معنى «لا صام» أنّه يجد من مشقّته ما يجدها غيره ، فيكون خبراً لا دعاءً. إلى
آخره.
وقال في شرح حديث
: «صم يوماً وأفطر يوماً» : اختلف العلماء فيه ؛ فقال المتولّي من أصحابنا وغيره
من العلماء : هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث. وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل
السرد ، وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه ، وتقديره لا أفضل من
هذا في حقّك ، ويؤيّد هذا أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينهَ حمزة بن عمرو عن السرد وأرشده إلى يوم ويوم ، ولو
كان أفضل في حقّ كلّ الناس لأرشده إليه وبيّنه له ، فإنّ تأخير البيان عن وقت
الحاجة لا يجوز. والله أعلم.
والباحث يجد
كثيراً من هذه الكلمات في غضون التآليف لأئمّة الفقه وشرّاح الحديث ، وممّن يؤثر
عنه صوم الدهر :
١ ـ عثمان بن
عفّان : المقتول (٣٥). الاستيعاب (٢ / ٤٧٧).
٢ ـ عبد الله بن
مالك الأزدي : المتوفّى (٥٦ ، ٥٩). البداية والنهاية (٨ / ٩٩) ،
الإصابة (٦ / ٣٦٤).
٣ ـ أسود بن يزيد
النخعي : المتوفّى (٧٥). البداية والنهاية (٩ / ١٢).
٤ ـ أبو بكر بن
عبد الرحمن القرشي : المتوفّى (٩٤). البداية والنهاية (٩ / ١١٦).
٥ ـ الفقيه أبو
خالد مسلم المخزومي : المتوفّى (١٠٨). طبقات الحفّاظ (١ / ٢٣٥).
٦ ـ سعد بن
إبراهيم المدني : المتوفّى (١٢٥). خلاصة التهذيب (١١٣) ، شذرات الذهب (١ / ١٧٣) .
٧ ـ وكيع بن
الجرّاح : المتوفّى (١٩٦). تاريخ بغداد (١٣ / ٥٠١) ، طبقات الحفّاظ (١ / ٢٨٢).
٨ ـ مصعب بن عبد
الله بن الزبير : المتوفّى (٢٣٣). ميزان الاعتدال (٣ / ١٧٢).
٩ ـ محمد بن علي
أبو العبّاس الكرخي : المتوفّى (٣٤٣). المنتظم (٦ / ٣٧٦).
__________________
١٠ ـ أبو بكر
النجاد ، شيخ الحنابلة بالعراق : المتوفّى (٣٤٨). المنتظم (٦ / ٣٩٠) ، البداية
والنهاية (١١ / ٢٣٤) .
١١ ـ أحمد بن
إبراهيم النيسابوري : المتوفّى (٣٨٦). البداية والنهاية (١١ / ٣١٩).
١٢ ـ أبو القاسم
عبد الله بن أحمد الحربي : المتوفّى (٤١٢). تاريخ بغداد (١٠ / ٣٨٢) ،
المنتظم (٨ / ٤).
١٣ ـ أبو الفرج
المعدّل أحمد بن محمد : المتوفّى (٤١٥). تاريخ بغداد (٥ / ٦٧) ، البداية والنهاية (١٢
/ ١٨) ، المنتظم (٨ / ١٧) .
١٤ ـ أبو العبّاس
أحمد الأبيوردي : المتوفّى (٤٢٥). تاريخ بغداد (٥ / ٥١).
١٥ ـ أبو عبد الله
الصوري محمد بن عليّ : المتوفّى (٤٤١). تاريخ بغداد (٣ / ١٠٣) ، المنتظم (٨ / ١٤٣).
١٦ ـ عبد الملك بن
الحسن : المتوفّى (٤٧٢). البداية والنهاية (١٢ / ١٢٠)
١٧ ـ أبو البركات
يحيى الأنباري : المتوفّى (٥٥٢). البداية والنهاية (١٢ / ٢٣٧).
١٨ ـ الحافظ عبد الغني
المقدسي : المتوفّى (٦٠٠). البداية والنهاية (١٣/ ٣٩).
__________________
١٩ ـ الفقيه محمود
البغدادي الحنبلي : المتوفّى (٦٠٩). شذرات الذهب (٥ / ٣٩).
٢٠ ـ الشيخ محيي
الدين النووي : المتوفّى (٦٧٧). البداية والنهاية (١٣ / ٢٧٩).
٢١ ـ عبد العزيز
بن دنف الحنبلي البغدادي ، شذرات الذهب (٥ / ١٨٤)
وليس هذا الإصفاق
منهم إلاّ لما عرفوه من جوازه في شرع الإسلام ، هذا كلّه ولكن للمخفقة شأنها ،
وللخليفة اجتهاده ، ولعلّه كان يرى اختصاص هذا الحكم به من دون الناس وإلاّ فما
وجه ضرب الرجل المتعبّد بالمخفقة؟
(إِنَّ هذا لَهُوَ
الْقَصَصُ الْحَقُ) ، (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ
بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ)
(وَما لَهُمْ بِذلِكَ
مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) ، (إِنَّ الظَّنَّ لا
يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)
__________________
نتاج البحث
هذا قليل من كثير
ممّا وقفنا عليه من نوادر الأثر في علم عمر ، وبوسعنا الآن أن نأتي بأضعاف ما
سردناه لكنّا نقتصر على هذا رعاية لمقتضى الحال ، وعندنا لمّة جمّة نقدّمها بين
يدي القارئ في مستقبل الأجزاء إن شاء الله تعالى ، والذي تلخّص من هذا البحث
الضافي أُمور :
١ ـ أنّ الخليفة
أخذ العلم عن أُناس من الصحابة حيث كان يفقد ما عندهم من الفقه ، وفيهم من لم
يُعرف بالعلم ، وهم :
١ ـ عبد الرحمن
بن عوف.
|
١٠ ـ أبو موسي
الاشعري
|
٢ ـ معاذ بن
جبل.
|
١١ ـ ابو سعيد
الخدري
|
٣ ـ عبد الله بن
العبّاس.
|
١٢ ابي بن كعب
|
٤ ـ زيد بن
ثابت.
|
١٣ ـ صهيب أبو يحيى.
|
٥ ـ عمّار بن
ياسر.
|
١٤ ـ الضحّاك بن سفيان.
|
٦ ـ أبو عبيدة [بن]
الجرّاح.
|
١٥ ـ حمل بن نابغة.
|
٧ ـ عبد الله بن
مسعود.
|
١٦ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص.
|
٨ ـ مغيرة بن
شعبة
|
١٧ ـ أبو واقد الليثي.
|
٩ ـ محمد بن
مسلمة
|
١٨ ـ امرأة من قريش.
|
١٩ ـ شابّ من فتيان الأنصار.
|
٢٢ ـ عجوز
مدنيّة.
|
٢٠ ـ رجل لا يُعرف.
|
٢٣ ـ شيخ من
هذيل.
|
٢١ ـ عبد أسود.
|
٢٤ ـ رجل من بني
مدلج.
|
٢٥ ـ رجل شامي.
وقبل هؤلاء كلّهم
مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه ، وأخذ الخليفة عنه أكثر من غيره كما
عرفت شطراً من ذلك ، وهناك أشطار كثيرة لم تذكر بعدُ ، ولهذا أكثر من قوله : لو لا
عليّ لهلك عمر.
وقوله : لو لا
عليّ لضلّ عمر. تمهيد الباقلانيّ (ص ١٩٩).
وقوله : اللهمّ لا
تُبقِني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
وقوله : لا أبقاني
الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن.
وقوله : اللهمّ لا
تنزل بي شديدة إلاّ وأبو حسن إلى جنبي.
وقوله : كاد يهلك
ابن الخطّاب لو لا عليّ بن أبي طالب.
وقوله : أعوذ
بالله من معضلة لا عليّ بها.
وقوله : عجزت
النساء أن تلدن مثل عليِّ بن أبي طالب ، لو لا عليّ لهلك عمر.
وقوله : ردّوا قول
عمر إلى عليّ ، لو لا عليّ لهلك عمر.
وقوله : لا أبقاني
الله بعد ابن أبي طالب.
وقوله : يا أبا
الحسن ، أنت لكلِّ معضلة وشدّة تُدعى.
وقوله : هل طفحت
حرّة بمثله وأبرعته؟!
وقوله : هيهات
هناك شجنة من بني هاشم ، وشجنة من الرسول ، وأثرة من علم يُؤتى لها ولا يأتي ، وفي
بيته يؤتى الحكم.
وقوله : أبا حسن ،
لا أبقاني الله لشدّة لست لها ، ولا في بلد لست فيه.
وقوله : يا ابن
أبي طالب فما زلت كاشف كلّ شبهة ، وموضح كلِّ حكم.
وقوله : لولاك
لافتضحنا.
وقوله : أعوذ
بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن.
وقوله مشيراً إلى
عليّ : هذا أعلم بنبيّنا وبكتاب نبيّنا. مرّ تفصيل هذه كلّها.
ولكثرة حاجته إلى
علم الصحابة ، وتقويمهم أودَهُ في مواقف لا تحصى في القضاء والفتيا ، كان يستفتي
كبار الصحابة ويراجعهم ويستشيرهم في الأحكام ، وكان يعرب عن جليّة الحال بحقّ
المقال من قوله : كلّ أحد أفقه من عمر.
وقوله : تسمعونني
أقول مثل القول فلا تنكرونه حتى تردَّ عليّ امرأة ليست من أعلم النساء.
وقوله : كلّ أحد
أعلم من عمر.
وقوله : كلّ الناس
أفقه منك يا عمر.
وقوله : كلّ الناس
أفقه من عمر حتى ربّات الحجال.
وقوله : كلّ الناس
أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت.
وقوله : كلّ الناس
أعلم منك يا عمر.
وقوله : كلّ واحد
أفقه منك حتى العجائز يا عمر.
وقوله : كلّ أحد
أفقه منّي. مرّ تفصيل هذه كلّها في نوادر الأثر.
إنّ الأخذ بمجامع
تلكم الأحاديث من النوادر المذكورة ومئات من أمثالها ، يعطينا خبراً بأنّ الخليفة
لم يك متحلّياً بما أوجبته أعلام الأُمّة في الإمامة من الاجتهاد. قال إمام
الحرمين الجويني في الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أُصول الاعتقاد (ص ٤٢٦) : من
شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء
__________________
غيره في الحوادث ،
وهذا متّفق عليه. انتهى.
فأين يقع من هذا
الشرط بعد إصفاق الأُمّة عليه رجل لم يُعطَ بسطة من العلم ولم يك ما كان يعلمه
يغنيه عن الناس ، وإنّما الأُمّة كانت في غنىً عن ثرى علمه ، وحديث استفتاء غيره
ملأ كتب الحديث والسنن ، وشحن معاجم التاريخ والسير ، (فَما
ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ) .
وبما ذكرناه كلّه
تعرف قيمة قول ابن حزم الأندلسي في كتابه الفصل : علم كلّ ذي حسّ علماً ضرورياً ، أنّ الذي كان عند عمر من
العلم أضعاف ما كان عند عليّ من العلم إلى آخر كلامه المذكور في الجزء الثالث من
كتابنا هذا (ص ٩٥).
وقول ابن تيميّة
في منهاج السنّة (٣ / ١٢٨) : وقد جمع الناس الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر
وعمر وعثمان وعليّ فوجدوا أصوبها وأدلّها على علم صاحبها أُمور أبي بكر ثمّ عمر ،
ولهذا كان ما يوجد من الأُمور التي وجد نصّ يخالفها عن عمر أقلّ ممّا وجد من عليّ
، وأمّا أبو بكر فلا يكاد يوجد نصّ يخالفه.
فقال : ولم يكن
أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصّان عليّا بسؤال ، والمعروف أنّ
عليّا أخذ العلم عن أبي بكر ، كما في السنن عن عليّ ، قال : كنت إذا سمعت عن
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حديثاً نفعني الله به ما شاء أن ينفعني ، وإذا حدّثني غيره
حديثاً استحلفته ، فإذا حلف لي صدّقته ، وحدّثني أبو بكر وصدق أبو بكر ، قال :
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ما من عبد مؤمن يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثمّ يقوم
فيصلّي ثمّ يستغفر الله إلاّ غفر الله له». انتهى.
وعجيب أنّ الرجل
يموّه على نفسه ويحسب أنّ ذلك ينطلي على غيره أيضاً ، أو
__________________
هل في الحديث
المذكور ـ بعد فرض صحّته وقد زيّفه غير واحد من الحفّاظ ـ غير أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان يثق برواية أبي بكر وأين هو عن أخذ العلم عنه؟ وهل
علمه صلوات الله عليه مقصور على هذا الحديث الوارد في أدب من آداب الشريعة فحسب؟
وهل يبتني عليه شيء من أقضيته وفتاواه ، وما حلّه من عويصات المسائل في الفرائض
والأحكام؟ وهل جهل عليهالسلام موقع هذا الحديث فعلمه أبو بكر؟ أو جهل شيئاً ممّا يبتني
عليه فسدّده هو كما وقع كلّ ذلك فيما سردناه من نوادر الأثر؟ والمحتمل أنّ تصديقه عليهالسلام أبا بكر في روايته هذه لأنّه عليهالسلام كان سمعها عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه فلم يُلغِ الواسطة إذن لضرب من المصلحة ، وكيف يأخذ
أمير المؤمنين العلم من أبي بكر وهو باب مدينة علم الرسول؟ كما أسلفناه (ص ٦١ ـ ٨١)
، وهو وارث علومه وحكمه كما مرّ في الجزء الثالث (ص ١٠٠) هذا لا يكون مهما هملج
ابن تيميّة في تركاضه ، وهو يدّعي شيخوخة الإسلام ، وعلى هذا فقس بقيّة ما افتعله
في كلامه هذا. وبعد ابني حزم وتيميّة قول صاحب الوشيعة المذكور (ص ٨٢).
٢ ـ وتعرف أيضاً
بما ذكرناه قيمة تأوّل القوم للصحيحة المرويّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين
فتمسّكوا بها ، وعضّوا عليها النواجذ ، وإيّاكم ومحدثات الأُمور فإنّ كلّ محدثة
بدعة وكلّ بدعة ضلالة» حيث نزّلوه على من تسنّم عرش الخلافة من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم بالاختيار وبنصّ أبي بكر بعده وبالشورى ، ولم يسعهم إلاّ
أن يذكروا عليّا أمير المؤمنين معهم ، إذ ليس من المعقول أن يأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع سيرة من لا سيرة له إلاّ الأخذ من أفواه الرجال في
الفقه والكتاب والسنّة أو الفتيا برأيه ، قائلاً : إنّي سأقول فيها برأيي فإن يك
صواباً فمن
__________________
الله ، وإن يك
خطأً فمنّي ومن الشيطان . إذن لأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع سير الناس والرأي المجرّد في دين الله. وليس هذا
كالأمر باتّباع المجتهدين الذين يستنبطون الفتيا ممّا عرفوه من كتاب وسنّة وإجماع
أو فقل من قياس ؛ فإنّ المجتهد يستنبط كما قلناه ممّا عرف ، والذي لا يعرف شيئاً ،
ولم يحر جواباً عن واضحات المسائل ، وقد يحلف بأنّه ما يدري ما يصنع ، وتعزب عنه المسائل المطّردة مع كثرة الابتلاء بها :
كالتيمّم ، والشكوك ، والغسل ، وفروع الصلاة ، والصوم ، والحجّ ، وأمثالها لا يمكن
أن يكون متبعاً للأُمّة وأن تعطيه الخلافة قيادها.
على أنّ العلماء
خالفوا سنّة عمر في موارد أسلفناها لمضادّة النصّ النبويّ لها ، ولو صحّ هذا
التأويل لكانت مناقضة بين الحديث وبين النصوص المضادّة لفتيا عمر التي أوجبت إعراض
العلماء عن قوله ، وكذلك بين شطري هذا الحديث نفسه وهما : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء بعدي». والمفروض أنّ سنّته صلىاللهعليهوآلهوسلم تخالف في الجملة سنّة الرجل.
والصحيح من معنى
الحديث أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرد من الخلفاء إلاّ الذين لم يزل ينصّ بهم بأسمائهم ،
وجعلهم أعدال القرآن الكريم في قوله : «إنّي تارك فيكم الخليفتين ، أو مخلِّف فيكم
الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» .
كما يقتضيه لام
العهد وقد وصفهم بالرشد والهدى ، وهم الذين طابقت سيرتهم سيرته حَذو القذّة
بالقذّة ، لا الذين لم يعرفهم بعد ولا نصبهم ولا أوصى إليهم ولا بهم ، ولا يذكر صلىاللهعليهوآلهوسلم هناك عدداً ينطبق عليهم ، وإنّما ذكر أوصافاً لا تنطبق
إلاّ على الذين
__________________
أرادهم من الخلفاء
من أهل بيته المعصومين ، وليس التمسّك بهذا الحديث فيما ارتأوه من أمر الخلافة
إلاّ كالتمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة.
٣ ـ إنّ هناك
أحاديث موضوعة تذكر في فضائل عمر لا تلتئم مع شيء ممّا ذكرناه بأسانيده الوثيقة ،
وكلّ من ذلك يفنّدها ، منها ما يُعزى إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : لو لم أُبعث فيكم لبعث عمر .
ورواية : لو لم أُبعث
لبعثت يا عمر .
ورواية : لو كان
نبيّ بعدي لكان عمر بن الخطّاب .
ورواية : قد كان
في الأُمم محدّثون فإن يكن في أُمّتي أحد فهو عمر .
ورواية : إنّ الله
جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه .
ورواية : إنّ الله
ضرب بالحقّ على لسان عمر وقلبه .
ومنها : ما رووه
عن عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله : كنّا نتحدّث أنّ ملكاً ينطق على لسان عمر .
وقوله : ما كنّا
نبعد أنّ السكينة تنطق على لسان عمر .
ومنها : ما يُروى
عن أعاظم الصحابة مثل ما يعزى إلى ابن مسعود من قوله : لو وضع علم عمر في كفّة
وعلم أهل الأرض في كفّة لرجح علم عمر.
__________________
وأمثال هذه من
الأكاذيب ، فإنّ من يكون بتلك المثابة حتى يكاد أن يبعث نبيّا لا يفقد علم واضحات
المسائل عند ابتلائه أو ابتلاء من يرجع أمره إليه من أُمّته بها ، ولا يتعلّم مثله
سورة من القرآن في اثنتي عشرة سنة . وأين كان الحقّ والملك والسكينة يوم كان لا يهتدي إلى
أُمّهات المسائل سبيلاً فلا تسدّده ولا تفرغ الجواب على لسانه ، ولا تضع الحقّ في
قلبه؟
وكيف يسع المسدّد
بذلك كلّه أن يحسب كلّ الناس أفقه منه حتى ربّات الحجال؟ وكيف كان يأخذ علم الكتاب
والسنّة من نساء الأُمّة وغوغاء الناس فضلاً عن رجالها وأعلامها؟
وكيف كان يرى
عرفان لفظة مفسّرة بالقرآن تكلّفاً ويقول : هذا لعمر الله هو التكلّف ، ما عليك يا
ابن أُمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ ؟
وكيف كان يأخذ عن
أُولئك الجمّ الغفير من الصحابة ويستفتيهم في الأحكام؟
وكيف كان يعتذر عن
جهله أوضح ما يكون من السنّة بقوله : ألهاني عنه الصفق بالأسواق ؟
وكيف كان لم يسعه
أن يعلم الكلالة ويقيمها ولم يتمكّن من تعلّم صور ميراث الجدّ
وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ما أراه يعلمها. وما أراه يقيمها».
ويقول : «إنّي
أظنّك تموت قبل أن تعلم ذلك» ؟
وكيف كان مثل
أُبيّ بن كعب يغلظ له في القول ويراه ملهىً عن علم الكتاب
__________________
بالصفق بالأسواق
وبيع الخيط والقرظة ؟
وكيف كان يراه
أمير المؤمنين جاهلاً بتأويل القرآن الكريم ؟ وكيف؟ وكيف؟ إلى مائة كيف؟!
نعم ؛ راق القوم
أن ينحتوا له فضائل ويغالوا فيها ولم يتروّوا في لوازمها وحسبوا أنّ المستقبل
الكشّاف يمضي كما مضت القرون خالياً عن باحث أو منقّب ، أو أنّ بواعث الإرهاب تلجم
لسانه عن أن ينطق ، وتضرب على يده عن أن تكتب ، ولا تفسح حريّة القلم والمذاهب
والأفكار للعلماء أن يبوحوا بما عندهم (فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) .
عود إلى ما يتبع شعر شمس الدين المالكي
٣ ـ وممّا ذكره
شاعرنا المالكي في شعره من مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام حديث الولاية وهو حديث الغدير موضوع كتابنا هذا.
٤ ـ حديث المنزلة
: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» ، أشار إليه بقوله :
وإنّك منّي
خالياً من نبوّةٍ
|
|
كهارون من موسى
وحسبك فاحمدِ
|
وقد أسلفنا الكلام
حول هذا الحديث وأنّه الصحيح الثبت بنصّ من أئمّة الحديث وحفّاظه في الجزء الثالث (ص
١٩٨) ، قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب : رواه
__________________
جماعة من الصحابة
، وهو من أثبت الآثار وأصحّها ؛ رواه سعد بن أبي وقّاص ، وطرق حديث سعد فيه كثيرة
جدّا قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره ، ورواه ابن عبّاس ، وأبو سعيد الخدري ، وأُمّ
سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة يطول ذكرهم. انتهى.
٥ ـ حديث سبق أمير
المؤمنين عليهالسلام إلى الإسلام أوعز إليه بقوله :
وكان من الصبيان
أوّل سابق
|
|
إلى الدين لم
يسبق بطائع مرشدِ
|
وقد فصّلنا القول
فيه في الجزء الثالث (ص ٢١٩ ـ ٢٤٣).
٦ ـ حديث تكنية
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين عليهالسلام بأبي تراب ، قال فيه :
وجاءَ رسولُ
اللهِ مرتضياً له
|
|
وكان عن
الزهراءِ بالمتشرّدِ
|
فمسّح عنه التربَ
إذ مسَّ جلدَهُ
|
|
وقد قام منها
آلفاً للتفرّدِ
|
وقال له قولَ
التلطّفِ قم أبا
|
|
ترابٍ كلام
المخلص المتودّدِ
|
هذا التكنّي إنّما
كان في غزوة العشيرة الواقعة في جمادى الأُولى أو الثانية أو فيهما من السنة
الثانية الهجرية ، حين وجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا أمير المؤمنين وعمّاراً نائمين في دقعاء من التراب فأيقظهما وحرّك عليّا ، فقال : «قم يا أبا تراب
ألا أُخبرك بأشقى الناس؟ رجلين : أُحيمر ثمود عاقر الناقة ، والذي يضربك على هذه ـ يعني قرنه ـ فيخضب
هذه منها ـ يعني لحيته».
وهذا الحديث صحيح
السند ممّا استدرك به الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وصحّحه الهيثمي.
__________________
أخرجه إمام الحنابلة في مسنده (٤ / ٢٦٣ ، ٢٦٤) ، والحاكم في
المستدرك (٣ / ١٤٠) ، والطبري في تاريخه (٢ / ٢٦١) ، وابن هشام في السيرة النبويّة
(٢ / ٢٣٦) ، وابن كثير في تاريخه (٣ / ٢٤٧) ، والهيثمي في المجمع (٩ / ١٣٦) وقال :
رواه أحمد والطبراني والبزّار ورجال الجميع موثّقون ، والسيوطي في الجامع الكبير
كما في ترتيبه (٦ / ٣٩٩) ، نقلاً عن ابن عساكر وابن النجّار ، والعيني في عمدة
القاري (٧ / ٦٣٠).
ويجده القارئ من
المتسالم عليه في : طبقات ابن سعد (ص ٥٠٩) ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس (١ / ٢٢٦)
، والإمتاع للمقريزي (ص ٥٥) ، والسيرة الحلبيّة (٢ / ١٤٢) ، وتاريخ الخميس (٢ /
٣٦٤) ، وغيرها .
وأخرج الطبراني في
الأوسط والكبير بإسناده عن أبي الطفيل قال : جاء النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ رضى الله عنه نائم في التراب فقال : «إنّ أحقّ
أسمائك أبو تراب ، أنت أبو تراب». وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٠٠) فقال :
رجاله ثقات.
وأخرج البزّار
وأحمد وغيرهما عن عمّار بن ياسر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كنّى عليّا رضى الله عنه بأبي تراب ، فكانت من أحبّ كناه
إليه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٠٠) فقال : رجال أحمد ثقات.
وأخرج الطبراني في
الكبير والأوسط ، بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : لمّا
__________________
آخى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فلم يؤاخِ بين عليّ بن
أبي طالب رضى الله عنه وبين أحد منهم ، خرج عليّ مغضباً حتى أتى جدولاً فوسّد
ذراعه فسفت عليه الريح فطلبه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى وجده فوكزه برجله فقال له : «قم فما صلحت أن تكون إلاّ
أبا تراب أغَضبتَ عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أُؤاخ بينك وبين أحد
منهم؟ أمَا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ ،
ألا من أحبّك حُفَّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية وحوسب
بعمله في الإسلام».
مجمع الزوائد (٩ /
١١١) ، مناقب الخوارزمي (ص ٢٢) ، الفصول
المهمّة لابن الصبّاغ (ص ٢٢).
وأخرج أبو يعلى في
مسنده ، بإسناده عن عليّ عليهالسلام ، قال : «طلبني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فوجدني في جدول نائماً فقال : [قم] ما ألوم الناس يسمّونك أبا تراب ، فرآني كأنّي وجدت في
نفسي من ذلك ، فقال : قم فو الله لأُرضينّك أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل عن سنّتي ، وتبرئ
ذمّتي ، من مات في عهدي فهو كنز الله. ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات
يحبّك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك
مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام».
ذكره السيوطي في
الجامع الكبير كما في ترتيبه (٦ / ٤٠٤) وقال :
قال البوصيري : رواته ثقات.
__________________
وأخرج ابن عساكر ، بإسناده عن سماك بن حرب ، قال : قلت لجابر بن عبد الله :
إنّ هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم عليّ بن أبي طالب. قال : وما عسيت أن تشتمه به؟
قال : أُكنّيه بأبي تراب. قال : فو الله ما كانت لعليّ كنية أحبُّ إليه من أبي
تراب ، إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم آخى بين الناس ولم يؤاخ بينه وبين أحد فخرج مغضباً حتى أتى
كثيباً من رمل فنام عليه فأتاه النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «قم يا أبا تراب ، أغضبت أن آخيت بين الناس ولم
أُؤاخ بينك وبين أحد؟ قال : نعم. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت أخي وأنا أخوك». كفاية الطالب (ص ٨٢).
وهناك صحيحة
أخرجها مسلم والبخاري في موضعين من صحيحه : ١ ـ في باب مناقب أمير المؤمنين. ٢ ـ
كتاب الصلاة في باب نوم الرجال في المسجد. وأخرجها الطبري في تاريخه (٢ / ٣٦٣) عن عبد
العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، قال : قلت لسهل بن سعد : إنّ بعض أُمراء المدينة
يريد أن يبعث إليك تسبّ عليّا فوق المنبر. قال : أقول ما ذا؟ قال : تقول : لعن
الله أبا تراب ، قال : والله ما سمّاه بذلك إلاّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : قلت : وكيف ذاك يا أبا العبّاس؟ قال : دخل عليّ
على فاطمة ثمّ خرج من عندها فاضطجع في فيء المسجد ، قال : ثمّ دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على فاطمة فقال لها : «أين ابن عمّك؟» فقالت : هو ذاك
مضطجع في المسجد. قال : فجاءه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فوجده قد سقط رداؤه على ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح
التراب عن ظهره ويقول : «اجلس أبا تراب». فو الله ما سمّاه به إلاّ
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وو الله ما كان له اسم أحبُّ إليه منه.
وفي لفظ البيهقي
في السنن الكبرى (٢ / ٤٤٦) : استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، فدعا سهل بن
سعد فأمره أن يشتم عليّا رضى الله عنه قال : فأبى سهل فقال له : أمّا إذا أبيت فقل
: لعن الله أبا تراب. فقال سهل : ما كان لعليّ رضياللهعنه اسم أحبُّ إليه من أبي تراب ، وإن كان ليفرح إذا دُعي بها.
فقال له : أخبرنا عن قصّته لِمَ سمّي أبا تراب؟ الحديث.
لا تعارض بين هذا
الصحيح وبين ما مرّ من الأحاديث الصحيحة الدالّة على تكنِّي أمير المؤمنين بأبي
تراب يوم العشيرة أو يوم التآخي ، وليس في كلٍّ منها ومن هذا إلاّ عدّ موقف من
المواقف التي سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأبي تراب ، ولعلّ سهل بن سعد ما كان يعلم من تلكم المواقف
إلاّ ما حدّث به ، فلا وازع هناك عن ثبوت الجميع ، ومن زعم التعارض بين هذا وتلك ، واختلق بزعمه ما يتأتّى به الجمع ، فقد كشف عن خداج
رأيه.
نعم ؛ عند الحفّاظ
في متن حديث سهل اضطراب ينبئ عن تصرّف الأهواء فيه ، وفي بعض ألفاظه إيهام
المباغضة بين أمير المؤمنين وابنة عمّه الطاهرة الصديقة فاطمة كما أوعز إليها
شاعرنا المالكي المترجم بقوله :
وكان عن الزهراء بالمتشرّد
وهما سلام الله
عليهما بعيدان عن ذلك بما منحهما الله تعالى من العصمة بنصّ الكتاب الكريم.
وروى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أنّه حدّثه : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما
__________________
سمّى عليّا أبا
تراب أنَّه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلّمها ، ولم يقل لها شيئاً تكرهه
إلاّ أنّه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه ، قال : فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنّه عاتب على فاطمة فيقول : ما
لك يا أبا تراب؟
قال
الأميني : إن هي إلاّ نفثات
قوم حنّاق لفظتها رمية القول على عواهنه تلويثاً لقداسة أمير المؤمنين ، وتشويهاً
لعشرته الحميدة مع حليلته المطهّرة ، وفيها حطّ للصدّيق الأكبر والصدّيقة الكبرى
عن مكانتهما الراقية في مكارم الأخلاق ، وقد أثمر اليوم ما بذرته أمس يد الإحن
والشحناء من تلكم المفتعلات حتى سوّد مؤلّف اليوم صحائف تاريخه بقوله : وكان عليّ يحرد بعد كلّ منافرة ويذهب لينام في
المسجد ، وكان حموه يربته على كتفه ويعظه ويوفّق بينه وبين فاطمة إلى حين ، وممّا
حدث أن رأى النبيُّ ابنته في بيته ذات مرّة وهي تبكي من لَكمِ عليّ لها. انتهى.
وقال الحاكم أبو
عبد الله النيسابوري : كان بنو أُميّة تنقِّص عليّا عليهالسلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويلعنونه على المنبر بعد الخطبة مدّة ولايتهم ، وكانوا يستهزئون
به وإنّما استهزؤوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ
أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) الآية.
وقال سبط ابن
الجوزي في التذكرة (ص ٤) : والذي
ذكره الحاكم صحيح فإنّهم ما كانوا يتحاشون من ذلك بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي
وقّاص : أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟
الحديث .
__________________
مكرمة حول الحديث
:
قال الشيخ علاء
الدين السكتواري في محاضرة الأوائل (ص ١١٣) : أوّل من
كنّي بأبي تراب عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه كنّاه به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين وجده راقداً وعلى جنبه التراب ، فقال له ملاطفاً : «قم
يا أبا تراب» فكان أحبَّ ألقابه ، وكان بعد ذلك له كرامة ببركة النفس المحمدي ،
كان التراب يحدّثه بما يجري عليه إلى يوم القيامة وبما جرى ، فافهم سرّا جليّا.
دلائل النبوّة . انتهى.
وقد أبدع الشاعر المفلق
عبد الباقي أفندي العمري في قوله :
يا أبا
الأوصياءِ أنت لطه
|
|
صهرُهُ وابنُ
عمّه وأخوهُ
|
إنّ للهِ في
معانيك سرّا
|
|
أكثرُ العالمين
ما علموهُ
|
أنت ثاني
الآباءِ في منتهى الدو
|
|
رِ وآباؤه تعدّ
بنوهُ
|
خلقَ اللهُ
آدماً من ترابٍ
|
|
فهو ابنٌ له
وأنتَ أبوهُ
|
٧ ـ وممّا أشار إليه شاعرنا المالكي
من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام حديث البراءة وتبليغها قال :
وأرسله عنه
الرسولُ مبلّغاً
|
|
وخصَّ بهذا
الأمر تخصيصَ مفردِ
|
وقال هل
التبليغُ عنِّيَ ينبغي
|
|
لمن ليس من بيتي
من القوم فاقتدي
|
وذلك ؛ أنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث أبا بكر إلى مكة بآيات من صدر سورة البراءة ليقرأها
على أهلها ، فجاء جبرئيل من عند الله العزيز فقال : لن يؤدِّي عنك إلاّ أنت أو
__________________
رجل منك. فبعث
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا على ناقته العضباء أو الجدعاء أثره ، فقال : «أدركه
فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه واذهب إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم». فلحقه عليّ عليهالسلام في العرج أو في ذي الحليفة أو في ضجنان أو الجحفة وأخذ الكتاب منه ، وحجَّ وبلّغ
وأذّن.
هذه الأثارة
أخرجها كثير من أئمّة الحديث وحفّاظه بعدّة طرق صحيحة يتأتّى التواتر بأقلّ منها
عند جمع من القوم ، وإليك أُمّة ممّن أخرجها :
١ ـ أبو محمد
إسماعيل السدّي الكوفي
|
المتوفّى (١٢٨)
|
٢ ـ أبو محمد
عبد الملك بن هشام البصري
|
المتوفّى (٢١٨)
|
٣ ـ أبو عبد
الله محمد بن سعد الزهري
|
المتوفّى (٢٣٠)
|
٤ ـ الحافظ أبو
بكر بن أبي شيبة العبسي الكوفي
|
المتوفّى (٢٣٥)
|
٥ ـ الحافظ أبو
الحسن بن أبي شيبة العبسي الكوفي
|
المتوفّى (٢٣٩)
|
٦ ـ إمام
الحنابلة أحمد بن حنبل الشيباني
|
المتوفّى (٢٤١)
|
٧ ـ الحافظ أبو
محمد عبد الله الدارمي ، صاحب السنن
|
المتوفّى (٢٥٥)
|
٨ ـ الحافظ أبو
عبد الله بن ماجة القزويني ، صاحب السنن
|
المتوفّى (٢٧٣)
|
٩ ـ الحافظ أبو
عيسى الترمذي ، صاحب الصحيح
|
المتوفّى (٢٧٩)
|
١٠ ـ الحافظ أبو
بكر أحمد بن أبي عاصم الشيباني
|
المتوفّى (٢٨٧)
|
١١ ـ الحافظ أبو
عبد الرحمن أحمد النسائي ، صاحب السنن
|
المتوفّى (٣٠٣)
|
١٢ ـ الحافظ أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري
|
المتوفّى (٣١٠)
|
١٣ ـ الحافظ أبو
بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري
|
المتوفّى (٣١١)
|
١٤ ـ الحافظ أبو
عوانة يعقوب النيسابوري ، صاحب المسند
|
المتوفّى (٣١٦)
|
١٥ ـ الحافظ أبو
القاسم عبد الله البغوي ، صاحب المصابيح
|
المتوفّى (٣١٧)
|
١٦ ـ الحافظ عبد
الرحمن بن أبي حاتم التميمي
|
المتوفّى (٣٢٧)
|
١٧ ـ الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان
التميمي
|
المتوفّى (٣٥٤)
|
١٨ ـ الحافظ أبو
القاسم سليمان بن أحمد الطبراني
|
المتوفّى (٣٦٠)
|
١٩ ـ الحافظ أبو
الشيخ
|
المتوفّى (٣٦٩)
|
٢٠ ـ الحافظ
عليّ بن عمر الدارقطني
|
المتوفّى (٣٨٥)
|
٢١ ـ الحافظ أبو
عبد الله الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك
|
المتوفّى (٤٠٥)
|
٢٢ ـ الحافظ أبو
بكر بن مردويه الأصبهاني
|
المتوفّى (٤١٦)
|
٢٣ ـ الحافظ أبو
نعيم أحمد الأصبهاني ، صاحب الحلية
|
المتوفّى (٤٣٠)
|
٢٤ ـ الحافظ أبو
بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، صاحب السنن
|
المتوفّى (٤٥٨)
|
٢٥ ـ الفقيه أبو
الحسن عليّ بن المغازلي الشافعي
|
المتوفّى (٤٨٣)
|
٢٦ ـ الحافظ أبو
محمد الحسين البغوي الشافعي
|
المتوفّى (٥١٦)
|
٢٧ ـ الحافظ نجم
الدين أبو حفص النسفي السمرقندي الحنفي
|
المتوفّى (٥٣٧)
|
٢٨ ـ الحافظ أبو
القاسم جار الله الزمخشري الشافعي
|
المتوفّى (٥٣٨)
|
٢٩ ـ أبو عبد
الله يحيى القرطبي ، صاحب التفسير الكبير
|
المتوفّى (٥٦٧)
|
٣٠ ـ الحافظ أبو
المؤيّد موفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي
|
المتوفّى (٥٦٨)
|
٣١ ـ الحافظ أبو
القاسم ابن عساكر الدمشقي الشافعي
|
المتوفّى (٥٧١)
|
٣٢ ـ أبو القاسم
عبد الرحمن الخثعمي السهيلي الأندلسي
|
المتوفّى (٥٨١)
|
٣٣ ـ أبو عبد
الله محمد بن عمر الفخر الرازي الشافعي
|
المتوفّى (٦٠٦)
|
٣٤ ـ أبو
السعادات بن الأثير الشيباني الشافعي
|
المتوفّى (٦٠٦)
|
٣٥ ـ الحافظ أبو
الحسن علي بن الأثير الشيباني
|
المتوفّى (٦٣٠)
|
٣٦ ـ أبو عبد الله ضياء الدين محمد المقدسي
الحنبلي
|
المتوفّى (٦٤٣)
|
٣٧ ـ أبو سالم
محمد بن طلحة القرشي النصيبي الشافعي
|
المتوفّى (٦٥٢)
|
__________________
٣٨ ـ أبو
المظفّر يوسف سبط الحافظ ابن الجوزي الحنفي
|
المتوفّى (٦٥٤)
|
٣٩ ـ عزّ الدين
بن أبي الحديد المعتزلي
|
المتوفّى (٦٥٥)
|
٤٠ ـ الحافظ أبو
عبد الله الكنجي الشافعي
|
المتوفّى (٦٥٨)
|
٤١ ـ القاضي
ناصر الدين أبو الخير البيضاوي الشافعي
|
المتوفّى (٦٨٥)
|
٤٢ ـ الحافظ أبو
العبّاس محبّ الدين الطبري الشافعي
|
المتوفّى (٦٩٤)
|
٤٣ ـ شيخ
الإسلام أبو إسحاق إبراهيم الحمّوئي
|
المتوفّى (٧٢٢)
|
٤٤ ـ وليّ الدين
محمد الخطيب العمري التبريزي ، صاحب مشكاة المصابيح
|
المتوفّى (٧٣٧)
|
٤٥ ـ علاء الدين
عليّ بن محمد الخازن ، صاحب التفسير
|
المتوفّى (٧٤١)
|
٤٦ ـ أثير الدين
أبو حيّان الأندلسي ، صاحب التفسير
|
المتوفّى (٧٤٥)
|
٤٧ ـ الحافظ شمس
الدين محمد الذهبي الشافعي
|
المتوفّى (٧٤٨)
|
٤٨ ـ نظام الدين
الحسن النيسابوري ، صاحب التفسير
|
المتوفّى (٠٠٠)
|
٤٩ ـ الحافظ
عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي الشافعي
|
المتوفّى (٧٧٤)
|
٥٠ ـ الحافظ أبو
الحسن عليّ بن أبي بكر الهيثمي الشافعي
|
المتوفّى (٨٠٧)
|
٥١ ـ تقيّ الدين
أحمد بن علي المقريزي الحنفي
|
المتوفّى (٨٤٥)
|
٥٢ ـ الحافظ أبو
الفضل بن حجر أحمد العسقلاني الشافعي
|
المتوفّى (٨٥٢)
|
٥٣ ـ نور الدين
عليّ بن محمد بن الصبّاغ المكي المالكي
|
المتوفّى (٨٥٥)
|
٥٤ ـ بدر الدين
محمود بن أحمد العيني الحنفي
|
المتوفّى (٨٥٥)
|
٥٥ ـ شمس الدين
محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، نزيل الحرمين
|
المتوفّى (٩٠٢)
|
٥٦ ـ الحافظ
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي
|
المتوفّى (٩١١)
|
٥٧ ـ الحافظ أبو
العبّاس أحمد القسطلاني الشافعي
|
المتوفّى (٩٢٣)
|
__________________
٥٨ ـ الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن
الدّيبع الشيباني الشافعي
|
المتوفّى (٩٤٤)
|
٥٩ ـ المؤرّخ
الديار بكري ، صاحب تاريخ الخميس
|
المتوفّى (٩٦٦ / ٩٨٢)
|
٦٠ ـ الحافظ
شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي
|
المتوفّى (٩٧٤)
|
٦١ ـ المتّقي عليّ بن حسام الدين القرشي
الهندي ، نزيل مكة
|
المتوفّى (٩٧٥)
|
٦٢ ـ الحافظ زين
الدين عبد الرؤوف المناوي الشافعي
|
المتوفّى (١٠٣١)
|
٦٣ ـ الفقيه شيخ
بن عبد الله العيدروس الحسيني اليمني
|
المتوفّى (١٠٤١)
|
٦٤ ـ الشيخ أحمد
بن با كثير المكي الشافعي ، صاحب الوسيلة
|
المتوفّى (١٠٤٧)
|
٦٥ ـ أبو عبد
الله محمد الزرقاني المصري المالكي
|
المتوفّى (١١٢٢)
|
٦٦ ـ ميرزا محمد
البدخشي ، صاحب مفتاح النجا
|
المتوفّى (٠٠٠٠)
|
٦٧ ـ السيّد
محمد بن إسماعيل الصنعاني الحسيني
|
المتوفّى (١١٨٢)
|
٦٨ ـ أبو
العرفان الشيخ محمد الصبّان الشافعي ، صاحب / الإسعاف المتوفّى
|
(١٢٠٦)
|
٦٩ ـ القاضي
محمد بن عليّ الشوكاني الصنعاني
|
المتوفّى (١٢٥٠)
|
٧٠ ـ أبو الثناء
شهاب الدين السيّد محمود الآلوسي الشافعي
|
المتوفّى (١٢٧٠)
|
٧١ ـ الشيخ
سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحسيني الحنفي
|
المتوفّى (١٢٩٣)
|
٧٢ ـ السيّد
أحمد زيني دحلان المكي الشافعي
|
المتوفّى (١٣٠٤)
|
٧٣ ـ السيّد
مؤمن الشبلنجي ، مؤلّف نور الأبصار
|
المتوفّى (٠٠٠٠)
|
أسلفنا ترجمة كثير
من هؤلاء الأعلام في الجزء الأوّل (ص ٧٣ ـ ١٥١) تنتهي أسانيدهم في مأثرة أذان
البراءة وتبليغها إلى جمع من الصحابة الأوّلين منهم :
١ ـ عليّ أمير
المؤمنين ، من طريق زيد بن يثيع ، قال رضى الله عنه : «لمّا نزلت عشر آيات من
براءة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا أبا بكر رضى الله عنه ليقرأها على أهل مكة ، ثمّ دعاني
فقال
__________________
لي : أدرك أبا بكر
فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم. فلحقته بالجحفة
فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر رضى الله عنه فقال : يا رسول الله نزل فيَّ شيء؟
قال : لا ، ولكنّ جبريل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك».
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والحافظ أبو الشيخ ،
وابن مردويه ، وحكاه عنهم السيوطي في الدرّ المنثور (٣ / ٢٠٩) ، وكنز العمّال (١ /
٢٤٧) ، والشوكاني في تفسيره (٢ / ٣١٩) ، ويوجد في الرياض النضرة (٢ / ١٤٧) ،
وذخائر العقبى (ص ٦٩) ، وتاريخ ابن كثير (٥ / ٣٨ و ٧ / ٣٥٧) ، وفي تفسيره (٢ / ٣٣٣)
، ومناقب الخوارزمي (ص ٩٩) ، وفرائد السمطين للحمّوئي ، ومجمع الزوائد (٧ / ٢٩) ،
وشرح صحيح البخاري للعيني (٨ / ٦٣٧) ، ووسيلة المآل لابن با كثير ، وشرح المواهب
اللدنيّة للزرقاني (٣ / ٩١) ، وتفسير المنار (١٠ / ١٥٧).
صورة أخرى :
عن زيد : قال :
نزلت براءة فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر ثمّ أرسل عليّا فأخذها منه ، فلمّا رجع أبو بكر
قال : هل نزل فيَّ شيء؟ قال : «لا ، ولكنّي أُمرت أن أُبلّغها أنا أو رجل من أهل
بيتي». فانطلق عليّ إلى مكة ، فقام فيهم بأربع.
تفسير الطبري (١٠ / ٤٦) ، تفسير
ابن كثير (٢ / ٣٣٣).
__________________
صورة ثالثة :
عن زيد : أنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر ثمّ أتبعه بعليّ فقال
له : «خذ الكتاب فامض إلى أهل مكة» قال : فلحقه فأخذ الكتاب منه ، فانصرف أبو بكر
وهو كئيب فقال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنزَلَ فيَّ شيء؟ قال : «لا ، إلاّ أنّي أُمرت أن
أُبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي» .
خصائص النسائي (ص
٢) ، الأموال لأبي عبيد (ص ١٦٥).
صورة رابعة :
عن عليّ أمير
المؤمنين ، من طريق حنش باللفظ الأوّل المذكور من ألفاظ زيد ابن يُثيع حرفيّا.
أخرجه أحمد في مسنده (١ / ١٥١) ،
والكنجي في الكفاية (ص ١٢٦) نقلاً عن
أحمد وابن عساكر ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٩).
صورة خامسة :
عن حنش ، عن أمير
المؤمنين : قال : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حين بعثه ببراءة فقال : يا نبي الله إنّي لست باللسن ولا
بالخطيب ، قال : «ما بدّ أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت» ، قال : فإن كان لا بدّ
فسأذهب أنا. قال : «فانطلق فإنّ الله يثبّت لسانك ويهدي قلبك». قال : ثمّ وضع يده
على فمه.
__________________
مسند أحمد (١ /
١٥٠) ، الرياض النضرة (٢ / ١٧٤) ، تفسير ابن كثير (٢ / ٣٣٣) ، الدرّ المنثور (٣ /
٢١٠) نقلاً عن أبي الشيخ ، كنز العمّال (١ / ٢٤٧) .
صورة سادسة :
عن أبي صالح ، عن
أمير المؤمنين : قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة وبعثه على الموسم ثمّ بعثني في
أثره فأدركته فأخذتها منه ، فقال أبو بكر : ما لي؟ قال : «خير أنت صاحبي في الغار
، وصاحبي على الحوض ، غير أنّه لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي».
أخرجه الطبري كما في فتح الباري لابن حجر العسقلاني (٨ / ٢٥٦).
٢ ـ أبو بكر بن
أبي قحافة ، قال : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحجُّ بعد العام مشرك ، ولا
يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم عهد فأجله إلى مدّته والله بريء من المشركين ورسوله ، فسار
ثلاثاً ثمّ قال لعليّ : «الحقه ، فردَّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت». قال : ففعل
فلمّا قدم على النبيّ أبو بكر بكى ، فقال : يا رسول الله حدث فيَّ شيء؟ قال : «ما
حدث فيك إلاّ خير ولكن أُمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل منّي».
أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣) ، وابن خزيمة ، وأبو عوانة ،
والدارقطني في
__________________
الأفراد كما في
كنز العمّال (١ / ٢٤٦) ، والكنجي في الكفاية (ص ١٢٥) نقلاً عن أحمد وأبي نعيم وابن
عساكر ، وابن كثير في تاريخه (٧ / ٣٥٧).
٣ ـ ابن عبّاس ،
قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات ثمّ أتبعه عليّا ،
فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله القصواء ، فخرج أبو بكر
فزعاً فظنّ أنّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإذا هو عليّ رضى الله عنه ، فدفع إليه كتاب رسول الله ،
وأمر عليّا أن ينادي بهؤلاء الكلمات ، (فإنّه لا ينبغي أن يبلّغ عنّي إلاّ رجل من
أهلي ثمّ اتّفقا) فانطلقا ، فقام عليّ أيام التشريق ينادي : «ذمّة الله
ورسوله بريئة عن كلّ مشرك». الحديث.
أخرجه الترمذي في جامعه (٢ / ١٣٥) ، والبيهقي في سننه (٩ / ٢٢٤)
، والخوارزمي في المناقب (ص ٩٩) ، وابن طلحة في مطالب السؤول (ص ١٧) ، والشوكاني
في تفسيره (٢ / ٣١٩) ، نقلاً عن الترمذي وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه
والبيهقي بلفظ أخصر ، وأشار إليه ابن حجر في فتح الباري (٨ / ٢٥٦).
صورة أُخرى :
من لفظ ابن عبّاس
: قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث أبا بكر ببراءة ثمّ أتبعه عليّا فأخذها منه فقال أبو
بكر رضى الله عنه : يا رسول الله حدث فيَّ شيء؟ قال : «لا ، أنت صاحبي في الغار
وعلى الحوض ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ». الحديث.
أخرجه الطبري في
تفسيره (١٠ / ٤٦).
__________________
حديث آخر :
عن ابن عبّاس :
قال في حديث طويل عدّ فيه جملة من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ممّا تسالمت الأُمّة عليه : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلاناً بسورة التوبة فبعث عليّا خلفه فأخذها منه وقال : «لا
يذهب بها إلاّ رجل هو منّي وأنا منه».
وحديث ابن عبّاس
هذا أخرجه كثيرون من أئمّة الحديث وحفّاظه في المسانيد بإسناد صحيح رجاله كلّهم
ثقات مصرِّحين بصحّته وثقة رجاله ، أسلفناه في الجزء الأوّل (ص ٤٩ ـ ٥١) ومرّ
الكلام حوله في الجزء الثالث (ص ١٩٥ ـ ٢١٧).
حديث آخر :
عن ابن عبّاس :
أخرج ابن عساكر ، بإسناده من طريق الحافظ عبد الرزّاق ، عن ابن عبّاس ،
قال : مشيت وعمر بن الخطّاب في بعض أزقّة المدينة فقال : يا ابن عبّاس أظنّ القوم
استصغروا صاحبكم إذ لم يولّوه أُموركم. فقلت : والله ما استصغره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ اختاره لسورة براءة يقرؤها على أهل مكة. فقال لي :
الصواب تقول ، والله لسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول لعليّ بن أبي طالب : «من أحبّك أحبّني ، ومن أحبّني
أحبّ الله ، ومن أحبّ الله أدخله الجنّة مدلاّ». كنز العمّال (٦ / ٣٩١) ، شرح
ابن أبي الحديد (٣ / ١٠٥) ذكره
إلى قوله : فقال لي.
٤ ـ جابر بن عبد
الله الأنصاري : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حين رجع من عمرة
__________________
الجِعْرانة بعث أبا بكر على الحجّ فأقبلنا معه ، حتى إذا كنّا بالعرج
ثوّب بالصبح ، فلمّا استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التكبير فقال :
هذه رغوة ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الجدعاء ، لقد بدا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحجّ ، فلعلّه أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فنصلّي معه ، فإذا عليّ رضى الله عنه عليها ، فقال له أبو
بكر : أمير أم رسول؟ قال : «لا ، بل رسول أرسلني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحجّ». فقدمنا مكة ،
فلمّا كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسكهم ، حتى إذا
فرغ قام عليّ فقرأ على الناس حتى ختمها ، ثمّ خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام
أبو بكر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسكهم ، حتى إذا فرغ قام عليّ رضى الله عنه فقرأ
على الناس براءة حتى ختمها. فلمّا كان النفر الأوّل قام أبو بكر فخطب الناس
فحدّثهم كيف ينفرون أو كيف يرمون فعلّمهم مناسكهم ، فلمّا فرغ قام علي رضى الله
عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها.
أخرجه الدارمي في سننه (٢ / ٦٧) ، والنسائي في الخصائص (ص ٢٠) ،
وابن خزيمة وصحّحه ، وابن حبّان من طريق ابن جريج ، والطبري ، ومحبّ الدين الطبري
في الرياض النضرة (٢ / ١٧٣) من طريق أبي حاتم والنسائي. ويوجد في تيسير الوصول (١
/ ١٣٣) ، تفسير القرطبي (٨ / ٦٧) ، المواهب اللدنيّة للقسطلاني ، شرح
__________________
المواهب للزرقاني (٣
/ ٩١) ، تاريخ الخميس (٢ / ١٤١) ، سيرة زيني دحلان (٢ / ٣٦٥) ، تفسير الآلوسي روح
المعاني (٣ / ٢٦٨) ، تفسير المنار (١٠ / ١٥٦) نقلاً عن الحفّاظ الخمسة المذكورين
من الدارمي إلى محبّ الدين الطبري.
٥ ـ أنس بن مالك ،
قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ثمّ دعاه فقال : «لا
ينبغي أن يبلّغ هذا إلاّ رجل من أهلي» ، فدعا عليّا فأعطاه إيّاها.
وفي لفظ آخر لأحمد
:
إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث ببراءة مع أبي بكر الصدِّيق رضى الله عنه ، فلمّا بلغ
ذا الحليفة قال : «لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي» ، فبعث بها مع عليّ.
طرق الحديث صحيحة
رجاله كلّهم ثقات ، أخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٢١٢ ، ٢٨٣) ، والترمذي في جامعه (٢ /
١٣٥) طبع الهند ، والنسائي في خصائصه (ص ٢٠) ، وابن كثير في تاريخه (٥ / ٣٨) عن
الترمذي وأحمد ، وفي تفسيره (٢ / ٣٣٣) ، والخوارزمي في المناقب (ص ٩٩) ،
والقسطلاني في شرح صحيح البخاري (٧ / ١٣٦) ، وابن حجر في شرح الصحيح (٨ / ٢٥٦) ،
والعيني في شرح الصحيح (٨ / ٦٣٧) ، وابن طلحة في مطالب السؤول (ص ١٧) ، والسيوطي
في الدرّ المنثور (٣ / ٢٠٩) نقلاً عن ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وأبي الشيخ وابن
مردويه ، وفي كنز العمّال (١ / ٢٤٩) عن ابن أبي شيبة ، والزرقاني في شرح المواهب (٣
/ ٩١) ، والشوكاني في تفسيره (٢ / ٣١٩) نقلاً عمّن نقل عنه السيوطي في الدرّ
المنثور ، والآلوسي في تفسيره (٣ / ٢٦٨) نقلاً عن أحمد
__________________
والترمذي وأبي
الشيخ ، وصاحب المنار في تفسيره (١٠ / ١٥٧).
٦ ـ أبو سعيد
الخدري ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر رضى الله عنه يؤدّي عنه براءة ، فلمّا أرسله بعث
إلى عليّ رضى الله عنه فقال : «يا عليّ إنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو أنت».
فحمله على ناقته العضباء فسار حتى لحق بأبي بكر رضى الله عنه فأخذ منه براءة ،
فأتى أبو بكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أُنزل فيه شيء ، فلمّا
أتاه قال : ما لي يا رسول الله؟ قال : «خير أنت أخي وصاحبي في الغار ، وأنت معي
على الحوض ، غير أنّه لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي».
أخرجه ابن حبّان وابن مردويه كما في الدرّ المنثور للسيوطي (٣ /
٢٠٩) ، وروح المعاني للآلوسي (٣ / ٢٦٨) وفي طبع المنيريّة (١٠ / ٤٠) ، وأوعز إليه
ابن حجر في فتح الباري (٨ / ٢٥٦) من طريق عمرو بن عطيّة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد.
٧ ـ أبو رافع ،
قال رضى الله عنه : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر رضى الله عنه ببراءة إلى الموسم ؛ فأتى جبريل عليهالسلام فقال : إنّه لن يؤدِّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فبعث عليّا رضى الله عنه
على أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة فأخذها ، فقرأها على الناس في الموسم.
أخرجه ابن مردويه
والطبراني بإسنادهما كما في الدرّ المنثور للسيوطي (٣ / ٢١٠) ، وفتح
الباري لابن حجر (٨ / ٢٥٦).
٨ ـ سعد بن أبي وقّاص
، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليّا رضى
الله عنه فأخذها منه ثمّ سار بها فوجد أبو بكر في نفسه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يؤدِّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي» .
__________________
خصائص النسائي (ص
٢٠) ، الدرّ المنثور (٣ / ٢٠٩) نقلاً عن ابن مردويه ، تفسير الشوكاني (٢ / ٣١٩) ،
وأوعز إليه ابن حجر في فتح الباري (٨ / ٢٥٥).
حديث آخر :
عن سعد : أخرج ابن
عساكر ، بإسناده عن الحرث بن مالك ، قال : أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت :
هل سمعت لعليّ منقبة؟ قال : لقد شهدت له أربعاً لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ
إليَّ من الدنيا أُعمَّر فيها مثل عمر نوح : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوماً وليلة ،
ثمّ قال لعليّ : «اتبع أبا بكر فخذها وبلّغها» فردّ عليّ أبا بكر فرجع يبكي ، فقال
: يا رسول الله أنزل فيَّ شيء؟ قال : «لا ، إلاّ خيراً إنّه ليس يبلّغ عنّي إلاّ
أنا أو رجل منّي ، أو قال : من أهل بيتي». الحديث ـ راجع الجزء الأوّل (ص ٤٠).
٩ ـ أبو هريرة ،
قال : كنت مع عليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه لمّا بعثه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنادى بأربع حتى صهل صوته. الحديث.
أخرجه الدارمي في
سننه (٢ / ٢٣٧) ، والنسائي في سننه (٥ / ٢٣٤) مع
اختصار غير مخلّ ، كما قاله السيوطي في شرحه ، وحديث أبي هريرة أخرجه كثير من
الحفّاظ غير أنّه لعبت به أيدي الهوى ، ومهّدت لرماة القول على عواهنه مجال التره والدجل حول هذه الأثارة الكريمة.
وأخرج الحافظ محبّ
الدين الطبري في الرياض النضرة (٢ / ١٧٣) ،
وذخائر
__________________
العقبى (ص ٦٩) من
طريق أبي حاتم ، عن أبي سعيد أو أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر ، فلمّا بلغ ضجنان سمع بغام ناقة عليّ فعرفه ، فأتاه فقال : ما شأني؟ قال : «خير إنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعثني ببراءة». فلمّا رجعنا انطلق أبو بكر إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ما لي؟ قال : «خير أنت صاحبي في الغار
غير أنّه لا يبلّغ غيري أو رجل منّي» يعني عليّا.
١٠ ـ عبد الله بن
عمر ، ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (٨ / ٢٥٦) ما مرّ
عن أمير المؤمنين عليهالسلام من طريق أبي صالح ، ثمّ قال : ومن طريق العمري ، عن نافع ،
عن ابن عمر كذلك.
١١ ـ حبشي بن
جنادة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليّ منِّي وأنا منه لا يؤدِّي عنِّي إلاّ أنا أو عليّ».
حديث صحيح رجاله
كلّهم ثقات أخرجه بطرق أربعة أحمد بن حنبل في مسنده (٤ / ١٦٤ ، ١٦٥) ،
والترمذي في صحيحه (٢ / ٢١٣) وصحّحه وحسّنه ، والنسائي في الخصائص (ص ٢٠) ، وابن
ماجة في السنن (١ / ٥٧) ، والبغوي في المصابيح (٢ / ٢٧٥) ،
__________________
والخطيب العمري في
المشكاة (ص ٥٥٦) ، والفقيه ابن المغازلي في المناقب ، والكنجي في الكفاية (ص ٥٥٧)
، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، والمحبّ الطبري في الرياض (٢ / ٧٤) ، عن
الحافظ السلفي ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة (ص ٢٣) ، والذهبي في تذكرة الحفّاظ في
ترجمة سويد بن سعيد ، وابن كثير في تاريخه (٧ / ٣٥٦) ، والسخاوي في المقاصد الحسنة
، والمناوي في كنوز الدقائق (ص ٩٢) والحمّوئي في الباب السابع من فرائد السمطين ،
وجلال الدين السيوطي في الجامع الصغير ، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه (٦ / ١٥٣).
وذكره ابن حجر في الصواعق (ص ٧٣) ، والمتّقي الهندي في كنز
العمّال عن أحد عشر حافظاً ، والبدخشاني في نزل الأبرار (ص ٩) نقلاً عن ابن أبي
شيبة ، وأحمد ، وابن ماجة ، والترمذي ، والبغوي ، وابن أبي عاصم ، والنسائي ، وابن
قانع ، والطبراني ، والضياء المقدسي ، والجارودي ، والفقيه شيخ بن العيدروس في
العقد النبوي ، والأمير محمد الصنعاني في الروضة الندية ، والقندوزي في ينابيع
المودّة ، والشبلنجي في نور الأبصار (ص ٧٨) ، والصبّان في الإسعاف ـ هامش نور
الأبصار ـ (ص ١٥٥).
قال
الأميني : هذه الجملة
المرويّة من حبشي بن جنادة ، وعمران ، وأبي ذرّ الغفاري مأخوذة من حديث التبليغ
وهي شطره كما نصَّ عليه صاحب اللمعات والمرقاة والسندي الحنفي في شرح سنن ابن ماجة (١ / ٥٧) وقالوا : قال
صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا تكريماً لعليّ واعتذاراً إلى أبي بكر.
١٢ ـ عمران بن
حصين ، في حديث مرفوعاً : «عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي
__________________
عنّي إلاّ عليّ».
أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب كذا في تذكرة السبط (ص ٢٢).
١٣ ـ أبو ذرّ
الغفاري ، مرفوعاً : «عليّ منِّي وأنا من عليّ ، ولا يؤدّي إلاّ أنا أو عليّ».
مطالب السؤول (ص ١٨).
المراسيل :
١ ـ عن أبي جعفر
محمد بن عليّ ـ الإمام الباقر عليهالسلام ـ ، قال : «لمّا نزلت براءة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد كان بعث أبا بكر الصدِّيق رضى الله عنه ليقيم للناس
الحجّ قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدِّي عنِّي
إلاّ رجل من أهل بيتي ، ثمّ دعا عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال له :
اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذِّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى : أنّه
لا يدخل الجنّة كافر ، ولا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان
له عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عهد فهو له إلى مدّته ، فخرج عليّ بن أبي طالب رضوان الله
عليه على ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلمّا رآه أبو بكر
بالطريق قال : أمير أو مأمور؟ فقال : بل مأمور. ثمّ مضيا فأقام أبو بكر للناس
الحجّ ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحجّ التي كانوا عليها في
الجاهلية ، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه فأذّن في
الناس بالذي أمره به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم». الحديث .
سيرة ابن هشام (٤
/ ٢٠٣) ، تفسير الطبري (١٠ / ٤٧) ، تفسير الكشّاف (٢ / ٢٣) ،
__________________
تفسير ابن كثير (٢
/ ٣٣٤) ، تاريخ ابن كثير (٥ / ٣٧) ، عمدة القاري (٤ / ٦٣٣).
٢ ـ رُوي أنّ أبا
بكر لمّا كان ببعض الطريق هبط جبريل عليهالسلام وقال : يا محمد لا يبلّغن رسالتك إلاّ رجل منك فأرسل عليّا
، فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله أشيء نزل من السماء؟ قال : «نعم ؛
فسِرْ وأنت على الموسم وعليّ ينادي بالآي». الحديث ذكره نظام الدين النيسابوري في
تفسيره المطبوع في هامش تفسير الطبري (١٠ / ٣٦).
٣ ـ عن السدّي ،
قال : لمّا نزلت هذه الآيات إلى رأس أربعين آية بعث بهنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أبي بكر وأمّره على الحجّ ، فلمّا سار فبلغ الشجرة من
ذي الحليفة أتبعه بعليّ فأخذها منه ، فرجع أبو بكر إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي أنزل في شأني شيء؟
قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي ، أما ترضى يا أبا بكر أنّك كنت
معي في الغار وأنّك صاحبي على الحوض؟ قال : بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر على
الحاج وعليّ يؤذّن ببراءة . الحديث.
تفسير الطبري (١٠
/ ٤٧) ، تاريخ الطبري (٣ / ١٥٤).
٤ ـ قال البغوي
المفسِّر في تفسيره ـ هامش تفسير الخازن ـ (٣ / ٤٩): لمّا كان سنة تسع أراد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحجّ ثمّ قال : إنّه يحضر المشركون فيطوفون عراة ، فبعث
أبا بكر تلك السنة أميراً على الموسم ليقيم للناس الحجّ وبعث معه أربعين آية من
صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، ثمّ بعث بعده عليّا كرّم الله وجهه على ناقته
العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة وأمره أن يؤذِّن بمكّة ومنى وعرفة : أن قد برئت
ذمّة الله وذمّة رسوله من كلِّ مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. فرجع أبو بكر
__________________
فقال : يا رسول
الله بأبي أنت وأُمّي أنزل في شأني شيء؟ قال : لا ، ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلِّغ
هذا إلاّ رجل من أهلي أما ترضى يا أبا بكر أنَّك كنت معي في الغار ، وأنّك صاحبي
على الحوض؟ قال : بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر رضى الله عنه أميراً على الحاجّ
وعليّ رضى الله عنه ليؤذّن ببراءة. الحديث.
وتجده مرسلاً
إرسال المسلّم بلفظ موجز أو مفصّل في طبقات ابن سعد (ص ٦٨٥) ، تفسير ابن حيّان (٥ / ٦) ،
تفسير الكشّاف (٣ / ٢٣) ، تفسير الخازن (٢ / ٢١٣) ، تفسير البيضاوي (١ / ٤٨٨) ،
تفسير النسفي هامش الخازن (٢ / ٢١٢) ، تفسير النيسابوري هامش الطبري (١٠ / ٣٦) ،
تذكرة السبط (ص ٢٢) ، إمتاع المقريزي (ص ٤٩٩) ، الروض الأُنُف (٢ / ٣٢٨) ، كامل
ابن الأثير (٢ / ١٢١) ، تفسير الرازي (٤ / ٤٠٨) ، شرح النهج لابن أبي الحديد (٢ /
٢٦٠) ، شرح المواهب للزرقاني (٣ / ٩١) ، الإصابة لابن حجر (٢ / ٥٠٩) ، تاريخ
الخميس (٢ / ٤١) ، الصواعق (ص ١٩) ، السيرة النبوية لزيني دحلان (٢ / ٣٦٤).
وينبئ عن إطباق
الصحابة الأوّلين على هذه المأثرة لأمير المؤمنين استنشاده عليهالسلام بها أصحاب الشورى يوم ذاك بقوله : «أفيكم من ائتُمن على سورة براءة وقال له
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي ، غيري؟» قالوا
: لا.
وقد أسلفنا حديث
المناشدة يوم الشورى في الجزء الأوّل (ص ١٥٩ ـ ١٦٣) وأنّ هذه الجملة المذكورة
عدّها ابن أبي الحديد من الصحيح وممّا استفاض في الروايات من المناشدة يوم الشورى.
__________________
المتخلّص من سرد
هذه الأحاديث هو تواتر معنوي أو إجمالي لوقوع أصل القصّة من استرداد الآي من أبي
بكر وتشريف أمير المؤمنين عليهالسلام بتبليغها ونزول الوحي المبين بأنّه لا يبلّغ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ هو أو رجل منه ، ولا يجب علينا البخوع لبعض الخصوصيات
التي تفرّد بها بعض الطرق والمتون فإنّها لا تعدو أن تكون آحاداً ، وفي القصّة
إيعاز إلى أنّ من لا يستصلحه الوحي المبين لتبليغ عدّة آيات من الكتاب كيف يأتمنه
على التعليم بالدين كلّه ، وتبليغ الأحكام والمصالح كلّها؟
الشاعر
أبو عبد الله شمس
الدين محمد بن أحمد بن عليّ الهواري المالكي الأندلسي النحوي المعروف بابن جابر
الأعمى ، من أهل المريّة . أحد رجالات الشعر والأدب ، متضلّع في النحو والتاريخ
والسير والحديث ، ولد سنة (٦٩٨) وقرأ القرآن والنحو على محمد بن يعيش ، والفقه على
محمد بن سعيد الرندي ، والحديث على أبي عبد الله الزواوي ، ثمّ رحل إلى الشرق وصحب
أبا جعفر أحمد بن يوسف الألبيري الطليطلي الشهير بالبصير المتوفّى سنة (٧٧٩) ، وشمّرا لطلب العلم
والأدب ذراعاً ، ومدّا إلى التاريخ باعاً ، فكان المترجم يؤلّف وينظم ويملي ،
وصاحبه يقرأ عليه ويكتب ، حتى نبغا في الأدب ، غير أنّ المترجم أكثر نظماً ، ولم
يزالا على ذلك طيلة عمرهما ، وسمعا بمصر من أبي حيّان ، ثمّ حجّا ورجعا إلى الشام
وسمعا الحديث من المزّي أبي الحجّاج الدمشقي المتوفّى (٧٤٢) والجزري وابن كاميار ،
ثمّ قطنا حلب وحدّثا بها ،
__________________
ثمّ غادراها إلى
ألبيرة فاستمرّا بها نحواً من خمسين سنة إلى أن تزوّج ابن جابر في الآخر فتهاجرا.
يروي عن المترجم جماعة منهم : محمد بن أحمد الحريري قاضي حلب وأجاز لمن أدرك حياته
ومات في جمادى الآخرة سنة (٧٨٠).
تآليفه :
١ ـ شرح الألفية
لابن مالك ، قال السيوطي في البغية : كتاب مفيد يعتني بالإعراب للأبيات ، وهو جليل
جدّا نافع للمبتدئين.
٢ ـ نظم الفصيح
لثعلب أبي العبّاس الشيباني المتوفّى (٢٩١).
٣ ـ نظم كفاية
المتحفّظ.
٤ ـ شرح ألفيّة
ابن معطٍ في ثمان مجلّدات ، قاله السيوطي في بغية الوعاة وفي شذرات الذهب : ثلاث
مجلّدات.
٥ ـ ديوان شعره
الكثير المتنوّع.
٦ ـ مقصورة في مدح
النبيّ الأعظم في (٢٩٦) بيتاً أوّلها :
بادر قلبي للهوى
وما ارتأى
|
|
لمّا رأى من
حسنها ما قد رأى
|
٧ ـ بديعيّته المشهورة ببديعيّة
العميان المسمّاة بالحلّة السيرا في مدح خير الورى.
مرّ مستهلّها
والإيعاز إلى شرحها في ترجمة صفيّ الدين الحلّي ، سمعها منه شرف الدين أبو بكر
محمد بن عمر العجلوني المتوفّى (٨٠١) ، وسمعها منه ابن حجر كما في شذرات الذهب (٧ / ١٠).
__________________
توجدترجمته في الدرر الكامنة (٣ / ٣٣٩) ، بغية الوعاة في طبقات النحاة
(ص ١٤) ، شذرات الذهب (٦ / ٢٦٨) ، نفح الطيب (٤ / ٣٧٣ ـ ٤٠٨) ذكر جملة ضافية من
شعره ، وذكر له قصيدة يمدح بها النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وفيها التورية بسور القرآن وهي :
في كلِّ فاتحةٍ
للقولِ معتبره
|
|
حقُّ الثناءِ
على المبعوث بالبقرَه
|
في آلِ عمرانَ
قدماً شاع مبعثُه
|
|
رجالُهم
والنساءُ استوضحوا خبرَه
|
من مدَّ للناسِ
من نعماه مائدةً
|
|
عمّت فليست على
الأنعامِ مقتصرَه
|
أعرافُ نعماه ما
حلَّ الرجاءُ بها
|
|
إلاّ وأنفالُ
ذاك الجودِ مبتدرَه
|
به توسّلَ إذ
نادى بتوبتِهِ
|
|
في البحر يونسُ
والظلماءُ معتكرَه
|
هودٌ ويوسفُ كم
خوفٍ به أَمِنا
|
|
ولن يروّع صوت
الرعد من ذكرَه
|
مضمونُ دعوةِ
إبراهيمَ كان وفي
|
|
بيتِ الإله وفي
الحجرِ التمسْ أثرَه
|
ذو أُمّة كدويّ
النحل ذكرهمُ
|
|
في كلِّ قطرٍ
فسبحانَ الذي فطرَه
|
بكهفِ رحماهُ قد
لاذ الورى وبه
|
|
بشرى ابنِ مريمَ
في الإنجيلِ مشتهرَه
|
سمّاه طه وحضَّ
الأنبياءَ على
|
|
حجّ المكانِ
الذي من أجلِه عمرَه
|
قد أفلحَ الناسُ
بالنورِ الذي عمروا
|
|
من نورِ فرقانِه
لمّا جلا غررَه
|
أكابرُ الشعراءِ
اللُّسنِ قد عجزوا
|
|
كالنملِ إذ سمعت
آذانُهم سورَه
|
وحسبُه قصصٌ
للعنكبوتِ أتى
|
|
إذ حاك نسجاً
ببابِ الغارِ قد ستَرَه
|
في الرومِ قد
شاع قدماً أمرُه وبه
|
|
لقمانُ وفّقَ
للدرِّ الذي نثَرَه
|
كم سجدةٍ في طلى
الأحزابِ قد سجدت
|
|
سيوفُه فأراهم
ربُّه عِبَره
|
سباهمُ فاطرُ
السبع العلى كرماً
|
|
لمن بياسينَ بين
الرسلِ قد شهرَه
|
__________________
في الحربِ قد
صُفّتِ الأملاكُ تنصرُه
|
|
فصار جمعُ
الأعادي هازماً زمرَه
|
لغافرِ الذنبِ
في تفضيلِهِ سورٌ
|
|
قد فصّلتْ لمعان
غيرِ منحصرَه
|
شوراه أَن تهجرَ
الدنيا فزخرفُها
|
|
مثلُ الدخانِ
فيعشي عينَ من نظرَه
|
عزّت شريعتُهُ
البيضاءُ حين أتى
|
|
أحقافَ بدرٍ
وجندُ الله قد نصرَه
|
فجاء بعد
القتالِ الفتحُ متّصلاً
|
|
وأصبحت حجراتُ
الدينِ منتصرَه
|
بقاف والذارياتِ
اللهُ أقسمَ في
|
|
أنّ الذي قاله
حقٌّ كما ذكرَه
|
في الطورِ أبصر
موسى نجمَ سؤددِهِ
|
|
والأُفقُ قد شقّ
إجلالاً له قمرَه
|
أسرى فنالَ من
الرحمنِ واقعةً
|
|
في القربِ ثبّتَ
فيه ربُّه بصرَه
|
أراه أشياءَ لا
يقوى الحديدُ لها
|
|
وفي مجادلةِ
الكفّار قد أزرَه
|
في الحشرِ يوم
امتحانِ الخلقِ يقبلُ في
|
|
صفٍّ من الرسل
كلٌّ تابعٌ أثرَه
|
كفٌّ يسبّحُ
للهِ الحصاةُ بها
|
|
فاقبلْ إذا
جاءَكَ الحقُّ الذي قدرَه
|
قد أبصرتْ عنده
الدنيا تغابنَها
|
|
نالت طلاقاً ولم
يصرفْ لها نظرَه
|
تحريمه الحبَّ
للدنيا ورغبته
|
|
عن زهرةِ الملكِ
حقّا عندما نظرَه
|
في نون قد حقّت
الأمداحُ فيه بما
|
|
أثنى به اللهُ
إذ أبدى لنا سيرَه
|
بجاهِه سال نوحٌ
في سفينتِهِ
|
|
سفن النجاةِ
وموجُ البحر قد غمرَه
|
وقالت الجنُّ
جاءَ الحقُّ فاتّبعوا
|
|
مزّمّلاً تابعاً
للحقّ لن يذرَه
|
مدَّثراً شافعاً
يومَ القيامةِ هل
|
|
أتى نبيٌّ له
هذا العلى ذخَره
|
في المرسلاتِ من
الكتبِ انجلى نبأٌ
|
|
عن بعثهِ سائرُ
الأخبارِ قد سطرَه
|
ألطافُه
النازعاتُ الضيم في زمنٍ
|
|
يومٌ به عبس
العاصي لما ذعرَه
|
إذ كُوِّرتْ
شمسُ ذاك اليوم وانفطرتْ
|
|
سماؤه ودعت ويلٌ
به الفجرَه
|
وللسماءِ
انشقاقٌ والبروجُ خلتْ
|
|
من طارقِ الشهبِ
والأفلاكُ مستترَه
|
فسبّحِ اسمَ
الذي في الخلقِ شفّعه
|
|
وهل أتاك حديثُ
الحوض إذ نهرَه
|
كالفجرِ في
البلدِ المحروسِ غرّتُه
|
|
والشمسُ من نوره
الوضّاح مستترَه
|
والليلُ مثلُ
الضحى إذ لاحَ فيه ألمْ
|
|
نشرحْ لك القولَ
في أخبارِه العطِرَه
|
ولو دعا التينَ
والزيتونَ لابتدرا
|
|
إليه في الحينِ
واقرأ تستبنْ خبرَه
|
في ليلةِ القدرِ
كم قد حازَ من شرفٍ
|
|
في الفخرِ لم يكنِ
الإنسانُ قد قدرَه
|
كم زُلزلتْ
بالجيادِ العادياتِ له
|
|
أرضٌ بقارعةِ
التخويفِ منتشرَه
|
له تكاثرُ آياتٍ
قد اشتهرتْ
|
|
في كلِّ عصرٍ
فويلٌ للذي كفرَه
|
ألم ترَ الشمس
تصديقاً له حُبِستْ
|
|
على قريشٍ وجاءَ
الروحُ إذ أمرَه
|
أرأيت أنّ إلهَ
العرشِ كرّمَه
|
|
بكوثرٍ مرسلٍ في
حوضِه نهرَه
|
والكافرون إذا
جاء الورى طُرِدوا
|
|
عن حوضِهِ فلقد
تبّت يدا الكفرَه
|
إخلاصُ أمداحِه
شغلي فكم فلقٍ
|
|
للصبح أسمعتُ
فيه الناسَ مفتخرَه
|
أزكى صلاتي على
الهادي وعترتِهِ
|
|
وصحبهِ وخصوصاً
منهمُ عشره
|
ثمّ سمّى العشرة المبشَّرة
وبعدها خصّ بالذكر حمزة والعبّاس وجعفراً وعقيلاً وخديجة وبنتها الزهراء سلام الله
عليها ، وقد جاراه في قصيدته هذه أئمّة الأدب في مدح النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، منهم الشيخ القلقشندي بقصيدة ذات (٥١) بيتاً أوّلها :
عوّذت حبِّي
بربِّ الناس والفلقِ
|
|
المصطفى المجتبى
الممدوح بالخلقِ
|
والشيخ أبو عمران
موسى الفاسي بقصيدة ذات (١٥٤) بيتاً أوّلها :
بدأتُ باسمِ
اللهِ في أوّلِ السطرِ
|
|
فأسماؤه حصنٌ
منيعٌ من الضرِّ
|
ولغيرهما قصيدة
ذات (٤٠) بيتاً مستهلّها :
بحمدِ إلهِ
العرشِ أستفتحُ القولا
|
|
وفي آية الكرسيّ
أستمنحُ الطولا
|
ولآخر قصيدة ذات
(٣٧) بيتاً مطلعها :
__________________
بسم الإلهِ
افتتاحُ الحمدِ والبقره
|
|
مصلّياً بصلاةٍ
لم تزلْ عطره
|
وللمترجم في نفح
الطيب قوله :
جعلوا لأبناءِ
الرسولِ علامةً
|
|
إنّ العلامةَ شأنُ
من لم يشهرِ
|
نورُ النبوّة في
كريمِ وجوههِمْ
|
|
يغني الشريفَ عن
الطراز الأخضرِ
|
قال الحافظ
القسطلاني في المواهب اللدنيّة كما في شرحه (٧ / ٢١) : فهذه الذريّة الطاهرة قد خصّوا
بمزايا التشريف ، وعمّوا بواسطة السيّدة فاطمة بفضل ضيف ، وألبسوا رداء الشرف ، ومنحوا بمزيد الإكرام والتحف ، وقد
وقع الاصطلاح على اختصاصهم من بين الشرف كالعبّاسيّين والجعافرة ـ ذرية جعفر بن
أبي طالب ـ بالشطفة الخضراء لمزيد شرفهم ، والسبب في ذلك كما قيل : أنّ
المأمون الخليفة العبّاسي أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة فاتّخذ لهم شعاراً
أخضر ، وألبسهم ثياباً خضراً ، لكون السواد شعار العبّاسيّين ، والبياض شعار سائر
المسلمين في جمعهم ونحوها ، والأحمر مختلف في كراهته ، والأصفر شعار اليهود بآخره
، ثمّ انثنى عزمه عن ذلك ، وردّ الخلافة لبني العبّاس فبقي ذلك شعاراً لأشراف
العلويّين من الزهراء ، لكنّهم اختصروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر توضع على
عمائمهم هي المسمّاة : بالشطفة ، شعاراً لهم ، ثمّ انقطع ذلك إلى أواخر القرن
الثامن ؛ قال في حوادث سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من إنباء الغمر بأبناء العمر : وفيها أمر السلطان الأشرف أن يمتازوا عن الناس بعصائب ـ جمع
عصابة ـ خضر على العمائم ففعل ذلك بمصر والشام
__________________
وغيرهما ، وفي ذلك
يقول الأديب أبو عبد الله بن جابر الأندلسي ـ وذكر البيتين المذكورين ـ والأديب
شمس الدين الدمشقي :
أطرافُ تيجانٍ
أتتْ من سندسٍ
|
|
خضرٍ بأعلامٍ
على الأشرافِ
|
والأشرفُ
السلطانُ خصّصهمْ بها
|
|
شرفاً ليفرقهم
من الأطرافِ
|
والأشرف هو شعبان
بن حسن بن الناصر ، خُنق سنة (٧٧٨).
ـ ٧١ ـ
علاء الدين الحلّي
أجآذرٌ منعتْ
عيونَكَ ترقدُ
|
|
بعراصِ بابلَ أم
حِسانٌ خُرّدُ
|
ومعاطفٌ عطفتْ
فؤادَكَ أم غصو
|
|
نُ نقىً على
هضباتِها تتأوّدُ
|
وبروقُ غاديةٍ
شجاكَ وميضُها
|
|
أم تلك درٌّ في
الثغورِ تنضّدُ
|
وعيونُ غزلانِ
الصريمِ بسحرِها
|
|
فتنتْكَ أم بيضٌ
عليك تُجرَّدُ
|
يا ساهرَ الليلِ
الطويلِ يمدُّهُ
|
|
عوناً على طولِ
السهادِ الفرقدُ
|
ومُهاجراً طيبَ
الرقادِ وقلبُه
|
|
أسفاً على جمرِ
الغضا يتوقّدُ
|
ألا كففتَ
الطرفَ إذ سفرت بدو
|
|
ر السعد بالسعدى
عليك وتسعدُ
|
أسلمتَ نفسَكَ
للهوى متعرِّضاً
|
|
وكذا الهوى فيه
الهوانُ السرمدُ
|
وبعثتَ طرفَكَ
رائداً ولربّما
|
|
صَرعَ الفتى دون
الورود الموردُ
|
فغدوتَ في شركِ
الظباءِ مقيّداً
|
|
وكذا الظباءُ
يصدن من يتصيّدُ
|
فلعبن أحياناً
بلبِّكَ لاهياً
|
|
بجمالهنّ فكادَ
منك الحسّدُ
|
حتى إذا علقت
بهنّ بعدتَ من
|
|
كثبٍ فهل لك بعد
نجد منجدُ
|
رحلوا فما
أبقَوا لجسمِكَ بعدَهمْ
|
|
رمقاً ولا
جَلَداً به تتجلّدُ
|
واها لنفسِكَ
حيث جسمُك بالحمى
|
|
يبلى وقلبُكَ
بالركائب منجدُ
|
ألِفَتْ
عيادتَكَ الصبابةُ والأسى
|
|
وجفاكَ من طول
السقامِ العُوَّدُ
|
وتظنُّ أنّ
البعدَ يُعقِبُ سلوةً
|
|
وكذا السلوُّ مع
التباعدِ يبعدُ
|
يا نائماً عن
ليلِ صبٍ جفنه
|
|
أَرِقٌ إذا غفت
العيون الهجّدُ
|
ليس المنامُ
لراقدٍ جهل الهوى
|
|
عجباً بلى عجبٌ
لمن لا يرقدُ
|
نام الخليُّ من
الغرامِ وطرفُ من
|
|
أَلِفَ الصبابةَ
والهيامَ مُسهَّدُ
|
أترى تقرُّ
عيونُ صبٍّ قلبُهُ
|
|
في أسرِ مائسةِ
القوامِ مقيّدُ
|
شمسٌ على غصنٍ
يكاد مهابةً
|
|
لجمالِها تعنو
البدورُ وتسجدُ
|
تفترّ عن شنبٍ
كأنّ جمانَه
|
|
بردٌ به عذبُ
الزلالِ مبرَّدُ
|
ويصدُّني عن
لثمِه نارٌ غدتْ
|
|
زفراتُ أنفاسي
بها تتصعّدُ
|
من لي بقربِ
غزالةٍ في وجهِها
|
|
صبحٌ تجلّى عنه
ليلٌ أسودُ
|
أعنو لها ذلاّ
فتعرض في الهوى
|
|
دَلاّ وأمنحها
الدنوّ وتبعدُ
|
تحمي بناظرها
مخافة ناظرٍ
|
|
خدّا لها حسن
الصقال مورَّدُ
|
يا خالَ وجنتِها
المخلّدَ في لظى
|
|
ما خلتُ قبلك في
الجحيمِ يخلّدُ
|
إلاّ الذي جحد
الوصيَّ وما حكى
|
|
في فضلِهِ يومَ
الغديرِ محمدُ
|
إذ قام يصدعُ
خاطباً ويمينُه
|
|
بيمينِه فوق
الحدائجِ تعقدُ
|
ويقول والأملاكُ
مُحدِقةٌ به
|
|
والله مطّلعٌ
بذلك يشهدُ
|
من كنتُ مولاه
فهذا حيدرٌ
|
|
مولاه من دون
الأنامِ وسيّدُ
|
يا ربّ والِ
وليَّه واكبت مُعا
|
|
ديه وعاند من
لحيدر يعندُ
|
والله ما يهواه
إلاّ مؤمنٌ
|
|
برٌّ ولا يقلوه
إلاّ ملحدُ
|
كونوا له عوناً
ولا تتخاذلوا
|
|
عن نصره
واسترشدوه ترشدوا
|
قالوا سمعنا ما
تقول وما أتى
|
|
الروحُ الأمين
به عليكَ يؤكّدُ
|
هذا عليُّ
إمامُنا ووليُّنا
|
|
وبه إلى نهجِ
الهدى نسترشدُ
|
حتى إذا قُبِضَ
النبيُّ ولم يكن
|
|
من بعده في وسط
لحدٍ يلحدُ
|
__________________
خانوا مواثيقَ
النبيِّ وخالفوا
|
|
ما قاله خيرُ
البريةِ أحمدُ
|
واستبدلوا
بالرشدِ غيّا بعد ما
|
|
عرفوا الصوابَ
وفي الضلالِ تردّدوا
|
وغدا سليلُ أبي
قحافةَ سيّداً
|
|
لهمُ ولم يكُ
قبلَ ذلك سيّدُ
|
يا للرجالِ
لأُمّةٍ مفتونةٍ
|
|
سادتْ على
السادات فيها الأعبدُ
|
أضحى بها الأقصى
البعيدُ مقرّباً
|
|
والأقربُ الأدنى
يذاد ويبعدُ
|
هلاّ تقدّمه
غداة براءة
|
|
إذ ردّ وهو بفرط
غيظ مكمدُ
|
ويقول معتذراً
أقيلوني وفي
|
|
إدراكها قد كان
قِدماً يجهدُ
|
أيكون منها
المستقيل وقد غدا
|
|
في آخرٍ يوصي
بها ويؤكّدُ
|
ثمّ اقتفى :
فقضى بها خشناءَ
يغلظُ كلمُها
|
|
ذلَّ الوليُّ
بها وعزَّ المفسدُ
|
وأشار بالشورى
فقرَّب نعثلاً
|
|
منها فبئس
الخائن ......
|
فغدا لمالِ
اللهِ في قربائِهِ
|
|
عمداً يفرِّق
جمعه ويبدِّدُ
|
ونفى أبا ذرّ
وقرّبَ فاسقاً
|
|
كان النبيُّ له
يصدُّ ويطردُ
|
لعبوا بها حيناً
وكلٌّ منهمُ
|
|
متحيّرٌ في
حكمِها متردِّدُ
|
ولو اقتدوا
بإمامِهم ووليّهمْ
|
|
سعدوا به وهو
الوليُّ الأوكدُ
|
لكن شقَوا
بخلافِهِ أبداً وما
|
|
سعدوا به وهو
الوصيُّ الأسعدُ
|
صنوُ النبيِّ
ونفسُه وأمينُه
|
|
ووليُّه
المتعطّفُ المتودّدُ
|
كُتِبا على
العرشِ المجيدِ ولم يكنْ
|
|
في سالفِ
الأيّامِ آدمُ يوجدُ
|
__________________
نورانِ قدسيّانِ
ضمَّ علاهما
|
|
من شيبةِ الحمدِ
ابن هاشم محتدُ
|
من لم يُقم
وجهاً إلى صنمٍ ولا
|
|
للاّت والعزّى
قديماً يسجدُ
|
والدينُ
والإشراكُ لو لا سيفُه
|
|
ما قام ذا شرفاً
وهذا يقعدُ
|
سَلْ عنه بدراً
حين وافى شيبةً
|
|
شلواً عليهِ
النائحاتُ تعدّدُ
|
وثوى الوليدُ
بسيفِه متعفّراً
|
|
وعليه ثوبٌ
بالدماءِ مجسّدُ
|
وبيوم أُحدٍ
والرماحُ شوارعٌ
|
|
والبيضُ تصدر في
النحورِ وتوردُ
|
من كان قاتلَ
طلحةَ لمّا أتى
|
|
كالليثِ يرعدُ
للقتالِ ويزبدُ
|
وأبادَ أصحابَ
اللواءِ وأصبحوا
|
|
مثلاً بهم يروى
الحديثُ ويُسندُ
|
هذا يُجرُّ وذاك
يُرفعُ رأسُه
|
|
في رأسِ منتصبٍ
وذاك مقيّدُ
|
وبيومِ خيبرَ إذ
برايةِ أحمدٍ
|
|
ولّى عتيقٌ
والبريّةُ تشهدُ
|
ومضى بها الثاني
فآب يجرُّها
|
|
ذلاّ يوبّخ
نفسَه ويفنّدُ
|
حتى إذا رجعا
تميّز أحمدٌ
|
|
حرداً وحقّ له
بذلك يحردُ
|
وغدا يحدِّثُ
مُسمعاً من حولَهُ
|
|
والقولُ منه
موفَّقٌ ومؤيَّدُ
|
إنّي لأعطي
رايتي رجلاً وفى
|
|
بطلٌ بمختلسِ
النفوسِ معوّدُ
|
رجلٌ يحبُّ الله
ثمّ رسولَهُ
|
|
ويحبّه اللهُ
العليُّ وأحمدُ
|
حتى إذا جنحَ
الظلامُ مضى على
|
|
عجلٍ وأسفرَ عن
صبيحته غدُ
|
قال ائت يا
سلمانُ لي بأخي فقال
|
|
لَ الطهرُ
سلمانٌ عليٌّ أرمدُ
|
ومضى وعاد به
يُقادُ ألا لقد
|
|
شرُفَ المقودُ
عُلاً وعزَّ القَيِّدُ
|
فجلا قذاهُ
بتفلةٍ وكساه سا
|
|
بغةً بها الزردُ
الحديد منضَّدُ
|
فيدٌ تناولُه
اللواءَ وكفُّهُ
|
|
الأُخرى تُزرِّد
درعَه وتُبنِّدُ
|
ومضى بها قدماً
وآبَ مظفَّراً
|
|
مستبشراً
بالنصرِ وهو مؤيَّدُ
|
__________________
وهوى بحدِّ
السيفِ هامةَ مرحبٍ
|
|
فبراه وهو الكافرُ
المتمرِّدُ
|
ودنا من الحصنِ
الحصينِ وبابُهُ
|
|
مستغلقٌ حذرَ
المنيّةِ موصدُ
|
فدحاه مقتلعاً
له فغدا له
|
|
حسّان ثابت في
المحافلِ ينشدُ
|
إنَّ امرأً حملَ
الرتاجَ بخيبرٍ
|
|
يومَ اليهودِ
لقدره لمؤيّدُ
|
حمل الرتاجَ
وماجَ باب قموصِها
|
|
والمسلمون وأهلُ
خيبرَ تشهدُ
|
واسأل حنيناً
حين بادرَ جرولٌ
|
|
شاكي السلاحِ
لفرصةٍ يترصَّدُ
|
حتى إذا ما
أمكنته غشاهمُ
|
|
في فيلقٍ يحكيه
بحرٌ مزبدُ
|
وثوى قتيلاً
أيمنٌ وتبادرت
|
|
عُصَبُ الضلال
لحتفِ أحمدَ تقصدُ
|
وتفرّقت أنصارُه
من حولِهِ
|
|
جزعاً كأنّهمُ
النعامُ الشرّدُ
|
ها ذاك منحدرٌ
إلى وَهدٍ وذا
|
|
حذرَ المنيّةِ
فوقَ تلعٍ يصعدُ
|
هلاّ سألتَ غداة
ولّى جمعُهمْ
|
|
خوفَ الردى إن
كنتَ من يسترشدُ
|
من كان قاتلَ
جرولٍ ومذلَّ جي
|
|
شِ هوازنَ إلاّ
الوليّ المرشدُ
|
كلٌّ له فقدَ
النبيُّ سوى أبي
|
|
حسنٍ عليٍّ
حاضرٌ لا يفقدُ
|
__________________
فهوى له عليّ أمير
المؤمنين من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ثمّ ضربه فقطره ثمّ قال :
ومبيتُهُ فوقَ
الفراشِ مجاهداً
|
|
بمهادِ خيرِ
المرسلين يُمهّدُ
|
وسواه محزونٌ
خلال الغارِ من
|
|
حذر المنيّةِ
نفسُهُ تتصعّدُ
|
وتعدُّ منقبةً
لديه وإنّها
|
|
إحدى الكبائرِ
عند من يتفقّدُ
|
ومسيرُهُ فوق
البساطِ مخاطباً
|
|
أهلَ الرقيمِ
فضيلةٌ لا تُجحدُ
|
وعليه قد رُدّت ذُكاءُ وأحمدٌ
|
|
من فوقِ ركبتهِ
اليمين موسَّدُ
|
وعليه ثانيةً
بساحةِ بابلٍ
|
|
رجعت كذا ورد
الحديث المسندُ
|
ووليُّ عهد
محمدٍ أفهل ترى
|
|
أحداً إليه سواه
أحمد يعهدُ
|
إذ قال إنّك
وارثي وخليفتي
|
|
ومغسِّلٌ لي
دونهم ومُلَحّدُ
|
أم هل ترى في العالمين بأسرِهمْ
|
|
بشراً سواه ببيت
مكّةَ يولدُ
|
في ليلةٍ جبريلُ
جاء بها مع ال
|
|
ـملأ المقدَّس حوله يتعبّدُ
|
فلقد سما مجداً
عليُّ كما علا
|
|
شرفاً به دون
البقاعِ المسجدُ
|
أم هل سواه فتىً
تصدَّق راكعاً
|
|
لمّا أتاه
السائل المسترفدُ
|
المؤثر
المتصدِّق المتفضّلُ ال
|
|
ـمتمسّكُ المتنسّكُ المتزهّدُ
|
الشاكرُ
المتطوّعُ المتضرّعُ ال
|
|
ـمتخضّعُ المتخشّعُ المتهجّدُ
|
الصابرُ
المتوكّلُ المتوسِّلُ ال
|
|
ـمتذلِّلُ المتململُ المتعبِّدُ
|
رجلٌ يتيهُ به
الفخارُ مفاخراً
|
|
ويسود إذ يُعزى
إليه السؤددُ
|
إن يحسدوه على
عُلاه فإنّما
|
|
أعلى البريّة
رتبةً من يُحسدُ
|
وتتبّعت أبناؤهم
أبناءه
|
|
كلٌّ لكلٍّ
بالأذى يتقصّدُ
|
حسدوه إذ لا
رتبةٌ وفضيلةٌ
|
|
إلاّ بما هو
دونهم متفرّدُ
|
__________________
بالله أُقسمُ
والنبيِّ وآلِهِ
|
|
قسماً يفوزُ به
الوليُّ ويسعدُ
|
لو لا الأُلى
نقضوا عهودَ محمدٍ
|
|
من بعدِهِ وعلى
الوصيِّ تمرّدوا
|
لم تستطعْ مَدّا
لآل أُميّةٍ
|
|
يومَ الطفوفِ
على ابنِ فاطمةٍ يدُ
|
بأبي القتيلَ
المستضامَ ومن له
|
|
نارٌ بقلبي
حرُّها لا يبردُ
|
بأبي غريبَ
الدارِ منتهكَ الخبا
|
|
عن عُقرِ منزله
بعيدٌ مفردُ
|
بأبي الذي كادت
لفرطِ مصابِه
|
|
شمُّ الرواسي
حسرةً تتبدّدُ
|
كتبت إليه على
غرورِ أُميّةٍ
|
|
سفهاً وليس لهم
كريمٌ يحمدُ
|
بصحائفٍ كوجوههم
مسودّةٍ
|
|
جاءت بها
ركبانُهمْ تتردّدُ
|
حتى توجّه
واثقاً بعهودِهمْ
|
|
وله عيونهمُ
انتظاراً ترصدُ
|
أضحى الذين
أعدَّهمْ لعدوّهمْ
|
|
إلباً جنودُهمُ عليهِ تُجنّدُ
|
وتبادروا
يتسارعون لحربِهِ
|
|
جيشاً يُقاد له
وآخرُ يُحشَدُ
|
حتى تراءى منهمُ
الجمعانِ في خرقٍ
|
|
وضمّهمُ هنالك
فدفدُ
|
ألفوه لا
وَكِلاً ولا مستشعراً ذلاّ
|
|
ولا في عزمِه
يتردّدُ
|
ماضٍ على عزمٍ
يفلُّ بحدِّهِ
|
|
الماضي حدودَ
البيضِ حين تُجَرَّدُ
|
مستبشراً بالحرب
علماً أنّه
|
|
يتبوّأ الفردوسَ
إذ يُستشهَدُ
|
في أُسرةٍ من
هاشمٍ علويّةٍ
|
|
عزّت أرومتُها
وطاب المولدُ
|
وسراة أنصارٍ
ضراغمةٍ لهمْ
|
|
أهوالُ أيّامِ
الوقائع تشهدُ
|
يتسارعون إلى
القتال يسابق ال
|
|
ـكهلَ المسنَّ على القتالِ الأمردُ
|
فكأنّما تلك القلوبُ
تقلّبتْ
|
|
زبراً عليهنَّ
الصفيح يضمّدُ
|
وتخال في
إقدامِهمْ أقدامَهمْ
|
|
عُمداً على صمِّ
الجلامِد توقدُ
|
__________________
جادوا بأنفسِهمْ
أمامَ إمامِهمْ
|
|
والجودُ بالنفسِ
النفيسةِ أجودُ
|
نصحوا غَنُوا
غرسوا جَنَوا شادوا بَنَوا
|
|
قَرُبوا دنَوا
سكنوا النعيم فخلّدوا
|
حتى إذا انتهبت
نفوسَهمُ الظبا
|
|
من دون سيّدِهم
وقلَّ المسعدُ
|
طافوا به فرداً
وطوعُ يمينِهِ
|
|
متذلّقٌ ماضي
الغرار مهنّدُ
|
عضبٌ بغيرِ جفونِ هاماتِ العدى
|
|
يومَ الكريهةِ
حدُّه لا يغمَدُ
|
يسطو به ثبتُ
الجَنانِ ممنّعٌ
|
|
ماضي العزيمةِ
دارعٌ ومُزرّدُ
|
ندبٌ متى ندبوه كرّ معاوداً
|
|
والأُسدُ في
طلبِ الفرائسِ عُوَّدُ
|
فيروعُهمْ من
حدِّ غربِ حسامِهِ
|
|
ضربٌ يقدُّ به
الجماجمَ أهودُ
|
يا قلبَهُ يومَ
الطفوفِ أزبرةٌ
|
|
مطبوعةٌ أم أنت
صخرٌ جلمدُ
|
فكأنّه وجوادَه
وسنانَه
|
|
وحسامَه والنقعُ
داجٍ أسودُ
|
فلكٌ به قمرٌ
وراه مذنَّبٌ
|
|
وأمامه في جنح
ليلٍ فرقدُ
|
في ضيقِ معتركٍ
تقاعصَ دونه
|
|
جرداءُ مائلةٌ
وشيظم أجردُ
|
فكأنّما فيه
مسيلُ دمائِهمْ
|
|
بحرٌ تهيّجُه
الرياحُ فيزبدُ
|
__________________
فكأنّ جُرْدَ
الصافناتِ سفائنٌ
|
|
طوراً تعوم به
وطوراً تركدُ
|
حتى شفى بالسيفِ
غلّةَ صدرِهِ
|
|
ومن الزلال
العذب ليس تبرّدُ
|
لهفي له يردُ
الحتوفَ ودونَهُ
|
|
ماءُ الفراتِ
محرّمٌ لا يوردُ
|
شزراً يلاحظه ودونَ ورودِهِ
|
|
نارٌ بأطرافِ
الأسنّةِ توقدُ
|
ولقد غَشَوهُ
فضاربٌ ومفوّقٌ
|
|
سهماً إليه
وطاعنٌ متقصِّدُ
|
حتى هوى كالطودِ
غيرَ مذمَّمٍ
|
|
بالنفسِ من أسفٍ
يجود ويجهدُ
|
لهفي عليه
مرمّلاً بدمائِهِ
|
|
تربَ الترائبِ
بالصعيد يوسّدُ
|
تطأ السنابكُ منه صدراً طال ما
|
|
للدرسِ فيه
وللعلومِ تردّدُ
|
ألقت عليه
السافياتُ ملابساً
|
|
فكسته وهو من
اللباس مجرّدُ
|
خضبت عوارضَهُ
دماه فخيّلت
|
|
شفقاً له فوق
الصباح تورّدُ
|
لهفي
لِفِتيَتِهِ خموداً في الثرى
|
|
ودماؤهم فوق الصعيدِ
تبدّدُ
|
فكأنّما سيلُ
الدماءِ على عوا
|
|
رضِهمْ عقيقٌ
ثمّ منه زبرجدُ
|
لهفي لنسوتِهِ
برزنَ حواسراً
|
|
وخدودُهنَّ من
الدموعِ تخدّدُ
|
هاتيك حاسرة
القناع وهذه
|
|
عنها يُماط
رِداً ويُنزعُ مِرودُ
|
ويقلن جهراً
للجوادِ لقد هوى
|
|
من فوقِ صهوتِكَ
الجوادُ الأجودُ
|
يا يومَ
عاشوراءَ حسبُك إنّك ال
|
|
يومُ المشومُ بل
العبوسُ الأنكدُ
|
فيك الحسينُ ثوى
قتيلاً بالعرا
|
|
إذ عزَّ ناصرُه
وقلَّ المُسعدُ
|
والتائبون
الحامدون العابدو
|
|
ن السائحون
الراكعون السجَّدُ
|
أضحت رءوسُهمُ
أمام نسائِهمْ
|
|
قُدُماً تميل
بها الرماح وتأودُ
|
__________________
والسيّدُالسجّادُالجبري
المصري يُحمَلُ صاغراً
|
|
ويُقادُ في
الأغلالِ وهو مقيّدُ
|
لا راحماً يشكو
إليه مصابَهُ
|
|
في دارِ غربتِهِ
ولا مُتودّدُ
|
يُهدى به وبرأسِ
والدِه إلى
|
|
لكعٍ زنيمٍ
كافرٍ يتمرّدُ
|
لا خيرَ في
سفهاءِ قومٍ عبدُهمْ
|
|
ملكٌ يطاعُ
وحرُّهم مستعبدُ
|
يا عينُ إن
نفدتْ دموعُكِ فاسمحي
|
|
بدمٍ ولستُ
إخالُ دمعَكِ ينفدُ
|
أسفاً على آلِ
الرسولِ ومن بهمْ
|
|
ركنُ الهدى
شرفاً يُشاد ويُعضدُ
|
منهم قتيلٌ لا
يُجارُ ومن سُقي
|
|
سمّا وآخرُ عن
حماه يشرَّدُ
|
ضاقت بلادُ
اللهِ وهي فسيحةٌ
|
|
بهمُ وليس لهم
بأرضٍ مقعدُ
|
متباعدون لهم
بكلِّ تنوفةٍ
|
|
مستشهدٌ وبكلِّ
أرضٍ مشهدُ
|
أَبَني المشاعرِ
والحطيمِ ومن هُمُ
|
|
حججٌ بهم تشقى
الأنامُ وتسعدُ
|
أقسمتُ لا
ينفكُّ حزني دائماً
|
|
بكمُ ونارُ
حشاشتي لا تخمدُ
|
بكم يميناً لا
جرى في ناظري
|
|
حزناً عليكم غير
دمعي مِرودُ
|
يفنى الزمانُ
وتنقضي أيّامه
|
|
وعليُّكم بكمُ
الحزينُ المكمدُ
|
فلجسمِهِ حللُ
السقامِ ملابسٌ
|
|
ولطرفِهِ حرُّ
المدامعِ أثمدُ
|
ولو انّني
استمددتُ من عيني دماً
|
|
ويقلّ من عيني
دماً يستمددُ
|
لم أقضِ حقَّكمُ
عليَّ وكيف أن
|
|
تقضي حقوقَ
المالكينَ الأعبُدُ
|
يا صفوةَ
الجبّارِ يا مستودعي ال
|
|
ـأسرارِ يا من ظلُّهم لي مقصدُ
|
عاهدتُكمْ في
الذرِّ معرفةً بكم
|
|
ووفيتُ أيماناً
بما أتعهّدُ
|
ووعدتموني في
المعادِ شفاعةً
|
|
وعلى الصراطِ
غداً يصحّ الموعدُ
|
فتفقّدوني في
الحسابِ فإنّني
|
|
ثقةً بكم
لوجوهِكمْ أتقصّدُ
|
كم مدحةٍ لي
فيكمُ في طيِّها
|
|
حِكمٌ تفوز بها
الركاب وتنجدُ
|
__________________
وبناتُ أفكارٍ
تفوق صفات أب
|
|
كارٍ يقوم لها القريضُ
ويقعدُ
|
ليس النضارُ لها نظيراً بل هي
|
|
الدرُّ
المفصَّلُ لا الخلاصُ العسجدُ
|
هذا ولو أنّ
العبادَ بأسرِهمْ
|
|
تحكي مناقبَ
مجدِكمْ وتعدّدُ
|
لم يدركوا إلاّ
اليسيرَ وأنتمُ
|
|
أعلى علاً ممّا
حكوه وأزيدُ
|
ولكان في أُمّ
الكتابِ كفايةٌ
|
|
عمّا تُنظّمُهُ
الورى وتُنضّدُ
|
صلّى الإلهُ
عليكمُ ما باكرتْ
|
|
وِرقٌ على وَرقِ
الغصونِ تُغرّدُ
|
وله من قصيدة يمدح
بها مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وفيها من البديع الجناس في القوافي في (٥٦) بيتاً قوله :
يا روحَ قدسٍ من
اللهِ البديء بدا
|
|
وروحَ أُنسٍ على
العرش العليِّ بدا
|
يا علّةَ الخلقِ
يا من لا يُقاربُ خي
|
|
ر المرسلين سواه
مشبهٌ أبدا
|
يا سرَّ موسى
كليمِ اللهِ حين رأى
|
|
ناراً فآنس منها
للظلامِ هدى
|
ويا وسيلةَ
إبراهيمَ حين خبتْ
|
|
نارُ ابنِ
كنعانَ برداً والضرامُ هدا
|
أنت الذي قسماً
لو لا علاك لما
|
|
كلّت لدى النحرِ
عن نحر الذبيح مُدى
|
ولا غدا شملُ
يعقوب النبيّ مع الص
|
|
ـدِّيق مشتملاً من بعد طول مَدى
|
أليَّةً بك لو
لا أنت ما كشفت
|
|
مسرّة الأمنِ عن
قلب النبيِّ صدى
|
ولا غدت عرصاتُ
الكفر موحشةً
|
|
يبكي عليهنَّ من
بعد الأنيسِ صدى
|
يا من به كَمُلَ
الدينُ الحنيفُ ولل
|
|
إسلامِ من بعدِ
وهنٍ ميلَهُ عضدا
|
وصاحبَ النصِّ
في خمٍّ وقد رفع الن
|
|
بيّ منه على رغم
العدا عَضُدا
|
أنت الذي اختارك
الهادي البشيرُ أخاً
|
|
وما سواك ارتضى
من بينهم أحدا
|
أنت الذي عجبتْ
منه الملائكُ في
|
|
بدرٍ ومن بعدِها
إذ شاهدوا أُحدا
|
__________________
وحقِّ نصرك
للإسلامِ تكلؤه
|
|
حياطةً بعد خطبٍ
فادحٍ ورَدى
|
ما فصّلَ المجدُ
جلباباً لذي شرفٍ
|
|
إلاّ وكان
لمعناك البهيجِ رِدا
|
يا كاشفَ الكربِ
عن وجه النبيِّ لدى
|
|
بدرٍ وقد كثرت
أعداؤه عَددا
|
استشعروا الذلَّ
خوفاً من لقاك وقد
|
|
تكاثروا عدداً
واستصحبوا عُددا
|
ويومَ عمروِ بن
ودِّ العامريّ وقد
|
|
سارتْ إليك
سرايا جيشه مَددا
|
أضحكتَ ثغرَ
الهدى بشراً به وبكتْ
|
|
عينُ الضلالِ له
بعد الدما مُددا
|
وفي هوازنَ لمّا
نارُها استعرتْ
|
|
من عزمِ عزمِكَ
يوماً حرُّها بردا
|
أجرى حسامُك
صوباً من دمائهمُ
|
|
هدراً وأمطرتهمْ
من أسهم بَردا
|
أقدمتَ وانهزمَ
الباقون حين رأوا
|
|
على النبيِّ
محيطاً جحفلاً لَبدا
|
لو لا حسامُكَ
ما ولّوا ولا اطّرحوا
|
|
من الغنائمِ
مالاً وافراً لُبدا
|
إلى آخره
الشاعر
أبو الحسن علاء
الدين الشيخ عليّ بن الحسين الحلّي الشهيفي ، المعروف بابن الشهفيّة ، عالم فاضل ، وأديب كامل ، وقد
جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ ، ونظر صائب ، ونبوغ ظاهر ، وفضل
باهر ، وجاء في الطليعة من شعراء أهل البيت عليهمالسلام ، وقصائده الرنّانة السائرة الطافحة بالحجاج ، الزاهية
بالرقائق ، المشحونة بالدقائق ، المتبلّجة بالمحسّنات البديعيّة على جزالةٍ في
اللفظ ، وحصافةٍ في
__________________
المعنى ، ومتانةٍ
في الأُسلوب ، وقوّةٍ في المبنى ، ورصانةٍ في النضد ، ورشاقةٍ في النظيم في مدائح
أمير المؤمنين ومراثي ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقريّته ، وتقدّمه في محاسن
الشعر ، وثباته على نواميس المذهب ، واقتفائه أثر أئمّة دينه عليهمالسلام. ولشيخنا الشهيد الأوّل معاصره المقتول سنة (٧٨٦) شرح إحدى قصائده وهي
الغديريّة الثانية المذكورة ، ولمّا وقف المترجم على ذلك الشرح فخر به ومدح الشارح
بمقطوعة.
ترجمه وأثنى عليه
بالعلم والفضل والأدب القاضي في المجالس ، وشيخنا الحرّ في أمل الآمل ، والميرزا صاحب رياض العلماء ، وسيّدنا مؤلّف رياض الجنّة ، وابن أبي شبانة في تتميم
الأمل وغيرهم.
وقصائده السبع
الطوال التي أوعز إلى عددها في بعضها ، وهي التي رآها صاحب رياض العلماء بخطِّ
العلاّمة الشيخ محمد بن عليّ بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلّي
المتوفّى (٨٤١) ، وقفنا منها على عدّة نسخ ، إحداها غديريّته الأُولى المذكورة ،
وإليك الستّ الباقية :
القصيدة الأولى
ذهبَ الصبا
وتصرّمَ العمرُ
|
|
ودنا الرحيلُ
وقوّضَ السفرُ
|
ووهتْ قواعدُ
قوّتي وذوى
|
|
غصنُ الشبيبة
وانحنى الظهرُ
|
وبكت حمائمُ
دوحتي أسفاً
|
|
لمّا ذوت
عذباتُها الخضرُ
|
وخلت من الينع
الجنيِّ فلا
|
|
قطفٌ بها يُجنى
ولا زهرُ
|
وتبدّلت لذهابِ
سندسِها
|
|
ذهبيّةٌ
أوراقُها الصفرُ
|
وتغيّبت شمسُ
الضحى فخلا
|
|
للبيض عن
أوطانيَ النفرُ
|
__________________
وجَفوننِي بعد
الوصالِ فلا
|
|
هَديٌ يقرِّبني
ولا نحرُ
|
وهجرن بيتي أن
يطفنَ به
|
|
ولهنَّ في
هجرانِه عذرُ
|
ذهبت نضارةُ منظري
وبدا
|
|
في جنحِ ليلِ
عذاريَ الفجرُ
|
وإذا الفتى
ذهبتْ شبيبتُه
|
|
فيما يضرُّ
فربحُه خسرُ
|
وعليه ما
اكتسبتْ يداه إذا
|
|
سكنَ الضريحَ
وضمّه القبرُ
|
وإذا انقضى عمرُ
الفتى فرطاً
|
|
في كسبِ معصيةٍ
فلا عمرُ
|
ما العمرُ إلاّ
ما به كثُرتْ
|
|
حسناتُه وتضاعفَ
الأجرُ
|
ولقد وقفتُ على
منازلِ من
|
|
أهوى وفيضُ
مدامعي غمرُ
|
وسألتُها لو
أنّها نطقتْ
|
|
أم كيف ينطقُ
منزلٌ قفرُ
|
يا دارُ هل لكِ
بالأُلى رحلوا
|
|
خَبرٌ وهل
لمعالمٍ خُبرُ
|
أين البدورُ
بدورُ سعدِك يا
|
|
مغنى وأين
الأنجمُ الزهرُ
|
أين الكفاةُ ومن
أكفُّهم
|
|
في النائبات
لمُعسرٍ يسرُ
|
أين الربوعُ
المخصباتُ إذا
|
|
عفتِ السنون
وأعوز البشرُ
|
أين الغيوث
الهاطلات إذا
|
|
بخل السحابُ
وأَنجمَ القطرُ
|
ذهبوا فما وأبيك
بعدهمُ
|
|
للناس نيسانٌ
ولا غمرُ
|
تلك المحاسنُ في
القبورِ على
|
|
مرِّ الدهور
هوامدٌ دثرُ
|
أبكي اشتياقاً
كلّما ذُكِروا
|
|
وأخو الغرام
يهيجُه الذكرُ
|
ورجوتهم في
منتهى أجلي
|
|
خلفاً فأخلف
ظنّيَ الدهرُ
|
فأنا الغريبُ
الدارِ في وطني
|
|
وعلى اغترابي
ينقضي العمرُ
|
يا واقفاً في
الدارِ مفتكراً
|
|
مهلاً فقد أودى
بك الفكرُ
|
إن تُمسِ مكتئباً
لبينهمُ
|
|
فعقيب كلِّ
كآبةٍ وَزرُ
|
__________________
هلاّ صبرتَ على
المصاب بهمْ
|
|
وعلى المصيبةِ
يُحمدُ الصبرُ
|
وجعلتَ رزءَكَ
في الحسينِ ففي
|
|
رزءِ ابن فاطمةٍ
لك الأجرُ
|
مكروا به أهلُ
النفاقِ وهل
|
|
لمنافقٍ يستبعد
المكرُ
|
بصحائفٍ كوجوههم
وردت
|
|
سوداً وفحوُ
كلامِهم هجرُ
|
حتى أناخَ بعقرِ
ساحتهمْ
|
|
ثقةً تأكّدَ
منهم الغدرُ
|
وتسارعوا
لقتالِهِ زمراً
|
|
ما لا يحيط
بعدِّه حصرُ
|
طافوا بأروعَ في عرينتهِ
|
|
يحمى النزيل
ويأمن الثغرُ
|
جيشٌ لُهامٌ يوم
معركةٍ
|
|
وليوم سلمٍ
واحدٌ وترُ
|
فكأنّهم سربٌ قد
اجتمعتْ
|
|
إلفاً فبدّد
شملَها صقرُ
|
أو حاذرٌ ذو
لبدة وجمتْ
|
|
لهجومِهِ في
مرتعٍ عفرُ
|
يا قلبه وعِداه
من فَرَقٍ
|
|
فِرَقٌ وملءُ
قلوبِهم ذعرُ
|
أمن الصلابِ الصلب
أم زبرٌ
|
|
طبعت وصبَّ
خلالها قطرُ
|
وكأنّه فوق
الجواد وفي
|
|
متن الحسام
دماؤهم هدرُ
|
أسدٌ على فلكٍ
وفي يدِه ال
|
|
مرِّيخ قاني
اللون محمرُّ
|
حتى إذا قرب
المدى وبه
|
|
طاف العدى
وتقاصرَ العمرُ
|
أردوه منعفراً
تمجُّ دماً
|
|
منه الظبا
والذّبل السمرُ
|
تطأُ الخيولُ
إهابَه وعلى ال
|
|
ـخدِّ التريبِ لوطيِها أثرُ
|
ظامٍ يبلّ أُوام
غلّته
|
|
ريّا يفيضُ
نجيعه النحرُ
|
__________________
|
تأباه إجلالاً
فتزجرُها
|
|
فئةٌ يقودُ
عصاتَها شمرُ
|
|
فتجول في صدرٍ
أحاط على
|
|
علم النبوّة ذلك
الصدرُ
|
بأبي القتيلَ
ومن بمصرعِه
|
|
ضعفَ الهدى
وتضاعفَ الكفرُ
|
بأبي الذي
أكفانه نُسجت
|
|
من عِثْيَرٍ
وحنوطه عفرُ
|
ومغسَّلاً بدمِ
الوريدِ فلا
|
|
ماءٌ أُعدَّ له
ولا سِدرُ
|
بدرٌ هوى من
سعدِهِ فبكى
|
|
لخمودِ نورِ
ضيائِه البدرُ
|
هوتِ النسورُ
عليه عاكفةً
|
|
وبكاه عند
طلوعِهِ النسرُ
|
سلبت يدُ
الطلقاءِ مِغفرَهُ
|
|
فبكى لسلبِ
المِغفرِ العفرُ
|
وبكت ملائكةُ
السماءِ له
|
|
حزناً ووجه
الأرض مغبرُّ
|
والدهرُ مشقوق
الرداء ولا
|
|
عجبٌ يشقُّ
رداءَه الدهرُ
|
والشمسُ ناشرة
ذوائبَها
|
|
وعليه لا
يُستقَبحُ النشرُ
|
برزت له في زيِّ
ثاكلةٍ
|
|
أثيابُها
دمويّةٌ حمرُ
|
وبكت عليه
المعصراتُ دماً
|
|
فأديمُ خدِّ
الأرضِ محمرُّ
|
لا عذرَ عندي
للسماءِ وقد
|
|
بخلتْ وليس
لباخلٍ عذرُ
|
تبكي دماً لمّا
قضى عطشاً
|
|
لِم لا بكى حبّا
له القطرُ
|
وكريمةُ
المقتولِ يوجدُ من
|
|
دمِهِ على
أثوابِها أثرُ
|
بأبي كريماتِ
الحسينِ وما
|
|
من دونهنّ
لناظرٍ سترُ
|
لا ظلُّ سجفٍ
يكتنفن به
|
|
عن كلِّ أفّاكٍ
ولا خِدرُ
|
ما بين حاسرةٍ
وناشرةٍ
|
|
برزت يواري
شعرها العشرُ
|
يندبنَ أكرمَ
سيّدٍ ظفرتْ
|
|
لأقلِّ أعبدِهِ
به ظفرُ
|
ويقلن جهراً
للجواد وقد
|
|
أمَّ الخيامَ
عُقِرتَ يا مهرُ
|
|
|
|
|
|
__________________
ما بالُ سرجِك
يا جواد من الن
|
|
ـدبِ الجواد أخي العلى صِفرُ
|
آهاً لها نارٌ
تأجّجُ في
|
|
صدري فلا يُطفى
لها حرُّ
|
أيموتُ ظمآناً
حسينٌ وفي
|
|
كلتا يديه من
الندى بحرُ
|
وبنوه في ضيقِ
القيودِ ومن
|
|
ثقلِ الحديد
عليهمُ وقرُ
|
حُملوا على
الأقتابِ عاريةً
|
|
شعثاً وليس
لكسرِهم جبرُ
|
تسري بهم خوضُ
الركابِ
|
|
وللطلقاءِ في
أعقابِها زجرُ
|
لا راحمٌ لهمُ
يرقُّ ولا
|
|
فيما أصابهمُ له
نكرُ
|
ويزيد في أعلى
القصورِ له
|
|
تشدو القيانُ
وتُسكَبُ الخمرُ
|
ويقول جهلاً
والقضيب به
|
|
تدمى شفاهُ
حسينِ والثغرُ
|
يا ليت أشياخي
الأُلى شهدوا
|
|
لسراة هاشم
فيهمُ بدرُ
|
شهدوا الحسينَ
وشطرُ أُسرتِهِ
|
|
أسرى ومنهم
هالكٌ شطرُ
|
إذ لاستهلّوا
فيهمُ فرحاً
|
|
كأبي غداة
غزاهمُ بسرُ
|
ويقول وزراً إذ
بطشت بهم
|
|
لا خفّ عنه ذلك
الوزرُ
|
زعموا بأن
سنعودُ ثانيةً
|
|
وأبيك لا بعثٌ
ولا نشرُ
|
يا ابن الهداةِ
الأكرمين ومن
|
|
شرفُ الفخارِ
بهم ولا فخرُ
|
قسماً بمثواك
الشريفِ وما
|
|
ضمّت منى والركن
والحجرُ
|
فهمُ سواء في
الجلالة إذ
|
|
بهمُ التمامُ
يحلُّ والقصرُ
|
تعنو به الألباب
تلبيةً
|
|
ويطوف ظاهر
حجرهِ الحجرُ
|
ما طائرٌ فقد
الفراخَ فلا
|
|
يُؤويه بعد
فراخِهِ وكرُ
|
__________________
بأشدَّ من حزني
عليك ولا
|
|
الخنساءُ جدّد
حزنَها صخرُ
|
ولقد وددتُ بأن
أراك وقد
|
|
قلّ النصيرُ
وفاتَكَ النصرُ
|
حتى أكونَ لك
الفداءَ كما
|
|
كرماً فداك
بنفسه الحرُّ
|
ولئن تفاوتَ
بيننا زمنٌ
|
|
عن نصرِكمْ
وتقادم العصرُ
|
فلأبكينّكَ ما
حييتُ أسىً
|
|
حتى يواري أعظمي
القبرُ
|
ولأمنحنّكَ كلَّ
نادبةٍ
|
|
يعنو لنظمِ
قريضِها الشعرُ
|
أبكارُ فكري في
محاسنِها
|
|
نظمٌ وفيضُ
مدامعي نثرُ
|
ومصابُ يومك يا
ابن فاطمةٍ
|
|
ميعادنا وسلوّنا
الحشرُ
|
أو فرحةٌ بظهورِ
قائِمكمْ
|
|
فيها لنا
الإقبال والبشرُ
|
يوماً تردّ
الشمس ضاحيةً
|
|
في الغرب ليس
لعرفها نكرُ
|
وتكبِّر
الأملاكُ مسمعةً
|
|
إلاّ لمن في
أُذنه وقرُ
|
ظهر الإمامُ
العالمُ العلَمُ ال
|
|
برّ التقيّ
الطاهر الطهرُ
|
من ركنِ بيتِ
الله حاجبُه
|
|
عيسى المسيحُ
وأحمدُ الخضرُ
|
في جحفلٍ لَجبٍ
يكاد بهمْ
|
|
من كثرةٍ يتضايق
القُطرُ
|
فهمُ النجومُ
الزاهراتُ بدا
|
|
في تمّه من
بينها البدرُ
|
عجّل قدومَكَ يا
ابن فاطمةٍ
|
|
قد مسّ شيعةَ
جدِّكَ الضرُّ
|
علماؤهم تحت
الخمولِ فلا
|
|
نفعٌ لأنفسهم
ولا ضرُّ
|
يتظاهرون بغير
ما اعتقدوا
|
|
لا قوّة لهم ولا
ظهرُ
|
استعذبوا مرَّ
الأذى فَحَلا
|
|
لهم ويحلو فيكمُ
المرُّ
|
فهم الأقلُّ
الأكثرون ومن
|
|
ربِّ العبادِ
نصيبهمْ وَفرُ
|
__________________
أعلامُ دينٍ
رُسَّخٍ لهمُ
|
|
في نشر كلِّ
فضيلةٍ صدرُ
|
فكفاهمُ فخراً
إذا افتخروا
|
|
ما دام حيّا
فيهمُ الفخرُ
|
وصلوا نهارَهمُ
بليلهمْ
|
|
نظراً وما
لوصالِهم هجرُ
|
وطووا على مَضضٍ
سرائرَهمْ
|
|
صبراً وليس
لطيّها نشرُ
|
حتى يفضَّ
ختامَها وبكمْ
|
|
يطفى بُعيد
شرارِها الشرُّ
|
يا غائبينَ متى
بقربكمُ
|
|
من بَعد وهن
يُجبرُ الكسرُ
|
الفيءُ مقتسَمٌ
لغيرِكمُ
|
|
وأكفُّكمْ من
فيئكمْ صفرُ
|
والمال حلٌّ
للعصاةِ ويُح
|
|
ـرَمُه الكرامُ السادةُ الغرُّ
|
فنصيبهمْ منه
الأعمُّ على
|
|
عصيانِهمْ
ونصيبُكمْ نزرُ
|
يُمسون في أمنٍ
وليس لهم
|
|
من طارقٍ يغتالهم حذرُ
|
ويكاد من خوفٍ
ومن جزعٍ
|
|
بكمُ يضيق
البرُّ والبحرُ
|
ويقول بعد سبعة
أبيات :
وإذا ذُكرتمْ في
محافلهمْ
|
|
فوجوههمْ
مُربِدةٌ صُفرُ
|
يتميّزون
لذكركمْ حنقاً
|
|
وعيونُهم
مُزورّةٌ خزرُ
|
وعلى المنابرِ
في بيوتكمُ
|
|
لأُولي الضلالةِ
والعمى ذِكرُ
|
حال يسوء ذوي
النهى وبه
|
|
يستبشر المتجاهل
الغمرُ
|
ويصفِّقون على
أكفّهمُ
|
|
فرحاً إذا ما
أقبل العشرُ
|
جعلوه من أهنى
مواسمهم
|
|
لا مرحباً بك
أيّها الشهرُ
|
تلك الأناملُ من
دمائِكمْ
|
|
يوم الطفوف
خضيبةٌ حمرُ
|
فتوارثَ الهمجُ
الخضابَ فمن
|
|
كفر تولّدَ ذلك
الكفرُ
|
نبكي فيضحكُهمْ
مصابكُمُ
|
|
وسرورُهمْ
بمصابِكمْ نكرُ
|
__________________
تالله ما سرّوا
النبيّ ولا
|
|
لوصيّه
بسرورِهمْ سرّوا
|
فإلى مَ هذا
الإنتظارُ وفي
|
|
لهواتِنا من
صبرِنا صَبرُ
|
لكنّه لا بدَّ
من فرجٍ
|
|
والأمرُ يحدثُ
بعده الأمرُ
|
أبني المفاخرِ
والذين علا
|
|
لهمُ على هامِ
السها قدرُ
|
أسماؤكم في
الذكرِ معلنةٌ
|
|
يجلو محاسنَها
لنا الذكرُ
|
شهدت بها
الأعرافُ معرفةً
|
|
والنحلُ والأنفالُ
والحجرُ
|
وبراءةٌ شهدتْ
بفضلِكمُ
|
|
والنورُ
والفرقانُ والحشرُ
|
وتعظّم التوراةُ
قدرَكمُ
|
|
فإذا انتهى
سِفرٌ حكى سفرُ
|
ولكم مناقبُ قد
أحاط بها ال
|
|
إنجيلُ حارَ
لوصفِها الفكرُ
|
ولكم علومُ
الغائباتِ فمن
|
|
ـها الجامعُ المخزونُ والجفرُ
|
هذا ولو شجرُ
البسيطةِ أقلا
|
|
مٌ وسبعةُ أبحرٍ
حبرُ
|
وفسيح هذي الأرض
مجملةً
|
|
طرسٌ فمنها
السهلُ والوعرُ
|
والإنسُ
والأملاكُ كاتبةٌ
|
|
والجنُّ حتى
ينقضي العمرُ
|
ليعدِّدوا ما
فيه خصّكمُ
|
|
ذو العرشِ حتى
ينفد الدهرُ
|
لم يذكروا عُشرَ
العشير وهل
|
|
يحصى الحصى أو يحصر
الذرُّ
|
فأنا المقصّرُ
في مديحِكمُ
|
|
حصراً فما
لمقصّرٍ عذرُ
|
ولقد بلوتُ من
الزمانِ ولي
|
|
في كلّ تجربةٍ
بهمُ خُبرُ
|
فوجدت ربَّ
الفقرِ محتقراً
|
|
وأخو الغنى يزهو
به الكِبرُ
|
فقطعتُ عمّا
خُوّلوا أملي
|
|
ولذي الجلالِ
الحمد والشكرُ
|
وثنيتُ نحوكمُ
الركابَ فلا
|
|
زيدٌ نؤمّلُه
ولا عمرو
|
__________________
حتى إذا أمّت
جنابَكمُ
|
|
ومن القريضِ
حمولُها دُرُّ
|
آبتْ من
الحسناتِ مثقلةً
|
|
فأنا الغنيُّ
بكم ولا فقرُ
|
سمعاً بني
الزهراءِ سائغةً
|
|
ألفاظُها من
رقّةٍ سحرُ
|
عبقتْ مناقبُكمْ
بها فذكا
|
|
في كلّ ناحيةٍ
لها عطرُ
|
يرجو عليُّ بها
النجاةَ إذا
|
|
مُدَّ الصراطُ
وأعوزَ العبرُ
|
أعددتُها يومَ
القيامةِ لي
|
|
ذخراً ونعمَ
لديكمُ الذخرُ
|
فتقبّلوها من
وليّكمُ
|
|
بكراً فنعم
الغادةُ البكرُ
|
فقبولُكمْ نعم
القرينُ لها
|
|
وهي العروسُ
فبورك الصهرُ
|
لكمُ عليَّ
كمالُ زينتِها
|
|
ولي الجنانُ
عليكمُ مهرُ
|
أنا عبدُكمْ
والمستجيرُ بكُم
|
|
وعليَّ من مرحِ
الصبا إصرُ
|
فتعطّفوا كرماً
عليَّ وقد
|
|
يتفضّلُ
المتعطّفُ البرُّ
|
وتفقّدوني في
الحسابِ كما
|
|
فقد العبيدَ
المالكُ الحرُّ
|
صلّى الإلهُ
عليكمُ أبداً
|
|
ما جنّ ليلٌ أو
بدا فجرُ
|
وعليكمُ منّي
التحيّةُ ما
|
|
سحَّ الحيا
وتبسّم الزهرُ
|
القصيدة الثانية
أبرقٌ تراءى عن
يمين ثغورِها
|
|
أم ابتسمت عن
لؤلؤٍ من ثغورِها
|
ومرّت بليلٍ في
بَليلِ عراصها
|
|
بنا نسمةٌ أم
نفحةٌ من عبيرِها
|
وطلعةُ بدرٍ أم
تراءت عن اللوى
|
|
لعينيك ليلى من
خلال ستورِها
|
__________________
نعم هذه ليلى
وهاتيك دارُها
|
|
بسقطِ اللوى
يغشاك لألاءُ نورِها
|
سلامٌ على الدارِ
التي طالما غدت
|
|
جلاءً لعيني
درّةٍ من درورِها
|
وما عطفتْ
بالصبِّ ميلاً إلى الصبا
|
|
بها شغفاً إلاّ
بدورٌ بدورِها
|
قضيت بها عصرَ
الشباب بريئةً
|
|
من الريبِ ذاتي
مع ذوات خدورِها
|
أتمّ جمالاً من
جميلٍ وسؤدداً
|
|
وأكثرُ كسباً
للعلى من كثيرِها
|
وبتُّ بريئاً من
دنوِّ دناءةٍ
|
|
أُعاتب من
محظورِها وخطيرِها
|
لعلمي بأنِّي في
المعادِ مناقشٌ
|
|
حساباً على
قطميرِها ونقيرِها
|
وما كنت من يسخو
بنفسٍ نفيسةٍ
|
|
فأرخص بذلاً
سعرها بسعيرها
|
وأجمل ما يعزى
إلى المجد عزوةً
|
|
غدا مسفراً
بالبشر وجه بشيرها
|
أعذرٌ لمبيضِّ
العذار إذا صبا
|
|
وأكبر مقتاً
صبوةٌ من كبيرها
|
كفى بنذيرِ
الشيبِ نهياً لذي النهى
|
|
وتبصرة فيها
هدىً لبصيرِها
|
وما شبتُ إلاّ
من وقوعِ شوائبٍ
|
|
لأصغرِها يبيضُّ
رأسُ صغيرِها
|
ولولا مصابُ
السبطِ بالطفِّ ما بدا
|
|
بليلِ عذاري
السبط وخْطُ قتيرِها
|
رمته بحربٍ آلُ
حربٍ وأقبلتْ
|
|
إليه نفوراً في
عدادِ نفورِها
|
تقود إليه
القودَ في كلِّ جحفلٍ
|
|
إلى غارةٍ
معتدّةٍ من مغيرِها
|
وما عدلتْ في
الحكمِ بل عدلتْ به
|
|
وقائعَ صفّينٍ
وليلَ هريرِها
|
وعاضدها في
غيِّها شرُّ أُمّة
|
|
على الكفرِ لم
تسعدْ برأيِ مشيرِها
|
خلاف سطورٍ في
طروسٍ تطلّعتْ
|
|
طلائع غدرٍ في
خلالِ سطورِها
|
__________________
فحين أتاها
واثقَ القلبِ أصبحتْ
|
|
نواظرُها
مزورّةً غبّ زورِها
|
فما أوسعتْ في
الدينِ خرقاً ولا سعتْ
|
|
إلى جورِها إلاّ
لتركِ أُجورِها
|
بنفسيَ إذ وافى
عصاة عصابة
|
|
غرارُ الظبا
مشحوذة من غرورِها
|
قؤولاً لأنصارٍ
لديه وأُسرةٍ
|
|
لذي العرش سرٌّ
مودعٌ في صدورِها
|
أُعيذكم أن
تطعموا الموتَ فاذهبوا
|
|
بمغفرةٍ مرضيّةٍ
من غفورِها
|
فأجمل في ردّ
الندا كلُّ ذي ندى
|
|
ينافسُ عن نفسٍ
بما في ضميرِها
|
أعن فَرَقٍ نبغي
الفراقَ وتصطلي
|
|
وحيداً بلا عونٍ
شرارَ شرورِها
|
وما العذرُ في
اليومِ العصيبِ لعصبةٍ
|
|
وقد خفرت يوماً
ذمامَ خفيرِها
|
وهل سكنتْ روحٌ
إلى روحِ جنّةٍ
|
|
وقد خالفت في
الدين أمر أميرِها
|
أبى اللهُ إلاّ
أن تُراقَ دماؤنا
|
|
ونُصبح نهباً في
أكفِّ نسورها
|
وثابوا إلى كسبِ
الثوابِ كأنَّهم
|
|
أُسود الشرى في
كرِّها وزئيرِها
|
تهشُّ إلى
الأقدامِ علماً بأنّها
|
|
تحلُّ محلَّ
القدسِ عند مصيرِها
|
قضت فقضت من
جنّةِ الخلدِ سؤلَها
|
|
وسادت على
أحبارِها بحبورِها
|
وهان عليها
الصعبُ حين تأمّلتْ
|
|
إلى قاصراتِ
الطرفِ بين قصورِها
|
وما أنس لا أنسى
الحسينَ مجاهداً
|
|
بنفسٍ خلت من
خلّها وعشيرِها
|
يصولُ إذا زرقُ
النصولِ تأوّهتْ
|
|
لنزعِ قنيٍّ
أعجمتْ من صريرِها
|
ترى الخيلَ في
أقدامِها منه ما ترى
|
|
محاذرةً إن
أمَّها من هصورِها
|
فتصرفُ عن بأسٍ
مخافةَ بأسِهِ
|
|
كما جفلتْ كدرُ
القطا من صقورِها
|
__________________
يُفلّق هاماتِ
الكماةِ حسامُهُ
|
|
له بدلاً من
جفنِها وجفيرِها
|
فلا فرقةٌ إلاّ
وأوسعَ سيفَهُ
|
|
بها فرقاً أو
فرقة من نفورِها
|
أجدّك هل سمر
العواسل تجتني
|
|
لكم عسلاً
مستعذباً من مريرِها
|
أم استنكرت أُنس
الحياةِ نفاسةً
|
|
نفوسكمُ
فاستبدلت أُنسَ حورِها
|
بنفسيَ مجروحَ
الجوارحِ آيساً
|
|
من النصر خلواً
ظهرُهُ من ظهيرِها
|
بنفسيَ محزوزَ
الوريدِ معفّراً
|
|
على ظماً من
فوقِ حرِّ صخورِها
|
يتوق إلى ماءِ
الفراتِ ودونه
|
|
حدودُ شفارٍ أحدقت
بشفيرِها
|
قضى ظامياً
والماءُ يلمعُ طامياً
|
|
وغودر مقتولاً
دُوَينَ غديرِها
|
هلال دجىً أمسى
بحدِّ غروبِها
|
|
غروباً على
قيعانِها ووعورِها
|
فيا لك مقتولاً
علتْ بهجةَ العلى
|
|
به ظلمةٌ من بعد
ضوء سفورِها
|
وقارن قَرنَ
الشمسِ كسفٌ ولم تعدْ
|
|
نظارتُها حزناً
لفقدِ نظيرِها
|
وأعلنتِ الأملاك
نَوْحاً وأعولت
|
|
له الجنّ في
غيطانها وحفيرِها
|
وكادت تمورُ
الأرضُ من فرط حسرةٍ
|
|
على السبطِ لو
لا رحمةٌ من مُميرِها
|
ومرّت عليهم
زعزعٌ لتذيقَهم
|
|
مريرَ عذابٍ
مهلكٍ بمريرِها
|
أسفتْ وقد آبوا
نجيّا ولم ترح
|
|
لهم دابرٌ
مقطوعة بدبورِها
|
وأعجبُ إذ شالتْ
كريم كريمها
|
|
لتكبيرها في
قتلِها لكبيرِها
|
فيا لكِ عيناً
لا تجفُّ دموعُها
|
|
وناراً يذيب
القلبَ حرُّ زفيرِها
|
على مثلِ هذا
الرزءِ يستحسنُ البكا
|
|
وتقلعُ منّا
أنفسٌ عن سرورِها
|
أيُقتَلُ خيرُ
الخلق أُمّا ووالداً
|
|
وأكرمُ خلقِ
اللهِ وابنُ نذيرِها
|
ويُمنعُ من ماءِ
الفراتِ وتغتدي
|
|
وحوش الفلا
ريّانةً من نميرِها
|
أُجلُّ حسيناً
أن يمثّل شخصُهُ
|
|
بمثلةِ قتلٍ كان
غيرَ جديرِها
|
__________________
يديرُ على رأسِ
السنانِ برأسِهِ
|
|
سنانٌ ألا شلّتْ
يمينُ مُديرِها
|
ويُؤتى بزينِ
العابدينِ مكبّلاً
|
|
أسيراً ألا روحي
الفدا لأسيرِها
|
يُقاد ذليلاً في
القيودِ ممثَّلاً
|
|
لأكفرِ خلقِ
اللهِ وابنِ كفورِها
|
ويمسي يزيدٌ
رافلاً في حريرِهِ
|
|
ويمسي حسينٌ
عارياً في حرورِها
|
ودار بني صخرِ
بنِ حربٍ أنيسةٌ
|
|
بنشدِ أغانيها
وسكبِ خمورِها
|
تظلُّ على صوتِ
البغايا بغاتُها
|
|
بها زمرٌ تلهو
بلحنِ زمورِها
|
ودارُ عليٍّ
والبتولِ وأحمدٍ
|
|
وشبّرها مولى
الورى وشبيرها
|
معالمُها تبكي
على علمائِها
|
|
وزائرُها يبكي
لفقد مَزورِها
|
منازلُ وحيٍ
أقفرتْ فصدورُها
|
|
بوحشتها تبكي
لفقد صدورِها
|
تظلُّ صياماً
أهلُها ففطورُها
|
|
التلاوةُ
والتسبيحُ فضلُ سحورِها
|
إذا جنّ ليلٌ
زان فيه صلاتَهم
|
|
صِلاتٌ فلا يحصى
عدادُ يسيرِها
|
وطول على طولِ
الصلاةِ ومن غدا
|
|
مُقيماً على
تقصيرِه في قصيرِها
|
قفا نسألِ
الدارَ التي درسَ البلى
|
|
معالمَها من
بعدِ درسِ زبورِها
|
متى أَفلَتْ
عنها شموسُ نهارِها
|
|
وأظلمَ ظلماً
أُفقُها من بدورِها
|
بدورٌ بأرضِ
الطفِّ طافَ بها الردى
|
|
فأهبطها من
جوِّها في قبورِها
|
كواسرُ عقبانٍ
عليها تعاقبتْ
|
|
بغاثٌ بغاةٌ إذ
نأتْ عن وكورِها
|
قضت عطشاً
والماءُ طامٍ فلم تجدْ
|
|
لها منهلاً إلاّ
دماءَ نحورِها
|
عراةٌ عراها
وحشة فأذاقَها
|
|
وقد رميت
بالهجرِ حرّ هجيرِها
|
ينوحُ عليها
الوحشُ من طولِ وحشةٍ
|
|
وتندبها الأصداء
عند بكورِها
|
__________________
سيُسأَلُ تيمٌ
عنهمُ وعديُّها
|
|
أوائلُها ما
أكّدتْ لأخيرِها
|
ويُسألُ عن ظلمِ
الوصيِّ وآلهِ
|
|
مشيرُ غواةِ
القومِ من مستشيرِها
|
وما جرَّ يومَ
الطفِّ جورَ أُميّة
|
|
على السبط إلاّ
جرأة ابن أجيرِها
|
تقمّصَها ظلماً
فأعقبَ ظلمهُ
|
|
تعقّبَ ظلمٍ في
قلوبِ حميرِها
|
فيا يومَ
عاشوراءَ حسبُكَ أنَّك ال
|
|
مشوم وإن طال
المدى من دهورِها
|
لأنت وإن
عُظّمتَ أعظمُ فجعةٍ
|
|
وأشهرُ عندي
بدعةً من شهورِها
|
فما محنُ الدنيا
وإن جلَّ خطبُها
|
|
تشاكلُ من بلواك
عُشرَ عشيرِها
|
بني الوحي هل من
بعدِ خبرةِ ذي العلى
|
|
بمدحكمُ من
مدحةٍ لخبيرِها
|
كفى ما أتى في
هل أتى من مديحِكمْ
|
|
وأعرافِها
للعارفين وطورِها
|
إذا رمتُ أن
أجلو جمالَ جميلِكمْ
|
|
وهل حَصِرٌ
يُنهي صفاتِ حصورِها
|
تضيق بكم ذرعاً
بحورُ عروضِها
|
|
ويحسدُكمْ شحّا
عريضُ بحورِها
|
منحتكمُ شكراً
وليس بضائعٍ
|
|
بضائعُ مدحٍ
منحةً من شكورِها
|
أقيلوا عثاري
يوم لا فيه عثرةٌ
|
|
تُقال إذا لم
تشفعوا لعثورِها
|
فلي سيئات بتُّ
من خوفِ نشرِها
|
|
على وجلٍ أخشى
عقاب نشورِها
|
فما مالكٌ يومَ
المعادِ بمالكي
|
|
إذا كنتمُ لي
جُنّةً من سعيرِها
|
وإنّي لمشتاقٌ
إلى نور بهجةٍ
|
|
سنا فجرِها يجلو
ظلامَ فجورِها
|
ظهور أخي عدلٍ
له الشمسُ آيةٌ
|
|
من الغربِ تبدو
معجزاً في ظهورِها
|
متى يجمعُ اللهُ
الشتات وتجبر ال
|
|
قلوبُ التي لا
جابرٌ لكسيرِها
|
متى يظهرُ
المهديُّ من آل هاشمٍ
|
|
على سيرةٍ لم
يبقَ غيرُ يسيرِها
|
متى تقدِمُ
الرايات من أرض مكةٍ
|
|
ويضحكني بشراً
قدومُ بشيرِها
|
وتنظرُ عيني
بهجةً علويّةً
|
|
ويسعد يوماً
ناظري من نضيرِها
|
وتهبطُ أملاكُ
السماءِ كتائباً
|
|
لنصرتِه عن
قدرةٍ من قديرِها
|
وفتيانُ صدقٍ من
لؤيِّ بن غالبٍ
|
|
تسير المنايا
رهبةً لمسيرِها
|
تخالهمُ فوقَ
الخيولِ أهلّةً
|
|
ظهرنَ من
الأفلاكِ أعلى ظهورِها
|
هنالك تعلو
همّةٌ طال همُّها
|
|
لإدراك ثارٍ
سالفٍ من مثيرِها
|
وإن حان حيني
قبل ذاك ولم يكن
|
|
لنفسِ عليٍّ نصرةٌ
من نصيرِها
|
قضى صابراً حتى
انقضاءِ مرادِه
|
|
وليس يُضيعُ
اللهُ أجرَ صبورِها
|
القصيدة الثالثة
يا عينُ ما
سفحتْ غروبُ دِماكِ
|
|
إلاّ بما
أُلهمتِ حبَّ دُماكِ
|
ولطولِ إلفِكِ
بالطلولِ أراكِ
|
|
أقماراً بزغن
على غصونِ أراكِ
|
ما ريقُ دمعِكِ
حين راقَ لكِ الهوى
|
|
إلاّ لأمرٍ في
عناكِ عناكِ
|
لك ناظرٌ في
كلِّ عضوٍ ناضرٍ
|
|
منّاك تسويفاً
بلوغ مُناكِ
|
كم نظرةٍ أسلفتِ
نحو سوالفٍ
|
|
سامت أساكِ بها
علاج أساكِ
|
فجنيتِ دون
الوردِ ورداً متلفاً
|
|
وانهار دون
شِفاك فيه شفاكِ
|
يا بانةَ السعدي
ما سُلّت ظُباك
|
|
عليَّ إلاّ من
عيون ظِباكِ
|
شعبتْ فؤادي في
شعابِكِ ظبيةٌ
|
|
تصمي القلوبَ
بناظرٍ فتّاكِ
|
تبدو هلالَ دجىً
وتلحظُ جؤذراً
|
|
وتميسُ دَلاّ في
منيع حِماكِ
|
شمسٌ تبوّأتِ
القلوبَ منازلاً
|
|
مأنوسةً عوضاً
عن الأفلاكِ
|
سكنت بها
فسكونُها متحرِّكٌ
|
|
وجسومُها ضعفت
بغيرِ حراكِ
|
أسديّة الآباء
إلاّ أنّ مُن
|
|
ـتَسِبَ الخؤولةِ من بني الأتراكِ
|
أشقيقةَ
الحسبينِ هل من زورةٍ
|
|
فيها يبلُّ من
الضنا مُضناكِ
|
ما ذا يضرُّكِ
يا ظُبيّة بابل
|
|
لو أنّ حسنَكِ
مثلُه حسناكِ
|
أنكرتِ قتل
متيّمٍ شهدت له
|
|
خدّاكِ ما صنعتْ
به عيناكِ
|
__________________
وخضبتِ من دمِهِ
بنانَكِ عَنوةً
|
|
وكفاكِ ما شهدت
به كفّاكِ
|
حجبتك عن أسدٍ
أُسودُ عرينِها
|
|
وحَماك لحظُكِ
عن أُسود حماكِ
|
حجبوك عن نظري
فيا للهِ ما
|
|
أدناكِ من قلبي
وما أقصاكِ
|
ضنّ الكرى
بالطيفِ منك فلم يكنْ
|
|
إسراك بل هجرَ
الكرى أَسراكِ
|
ليت الخيالَ
يجودُ منكِ بنظرةٍ
|
|
إن كان عزَّ على
المحبِّ لقاكِ
|
فأرقت أرضَ
الجامعينِ فلا الصبا
|
|
عذبٌ ولا طرفُ
السحائبِ باكي
|
كلاّ ولا برد
الكلا بيد الحبا
|
|
فيها يحاك ولا
الحمامُ يحاكي
|
ودّعت راحلةً
فكم من فاقدٍ
|
|
باكٍ وكم من
مُسعفٍ متباكي
|
أبكى فراقُكمُ
الفريقَ فأعينُ ال
|
|
ـمشكوِّ تبكي رحمةً للشاكي
|
كنّا وكنتِ عن
الفراقِ بمعزلٍ
|
|
حتى رمانا عامداً
ورماكِ
|
وكذا الأُلى من
قبلِنا بزمانِهمْ
|
|
وثقوا فصيّرهم
حكايَة حاكي
|
يا نفسُ لو
أدركتِ حظّا وافراً
|
|
لنهاكِ عن فعلِ
القبيح نُهاكِ
|
وعرفت من أنشاكِ
من عدمٍ إلى
|
|
هذا الوجود
وصانعاً سوّاكِ
|
وشكرت مِنّته
عليكِ وحسن ما
|
|
أولاكِ من
نعمائِه مولاكِ
|
أولاك حبَّ
محمدٍ ووصيِّه
|
|
خيرِ الأنامِ
فنعم ما أولاكِ
|
فهما لعمرُكِ
علّماكِ الدينَ في
|
|
الأُولى وفي
الأخرى هما عَلماكِ
|
وهما أمانكِ يوم
بعثِكِ في غدٍ
|
|
وهما إذا انقطع
الرجاءُ رجاكِ
|
وإذا الصحائفُ
في القيامةِ نُشّرتْ
|
|
سترا عيوبَكِ
عند كشف غطاكِ
|
وإذا وقفتِ على
الصراطِ تبادرا
|
|
فتقدّماكِ فلم
تزل قدماكِ
|
وإذا انتهيتِ
إلى الجنانِ تلقّيا
|
|
كِ وبشّراكِ بها
فيا بُشراكِ
|
__________________
هذا رسولُ اللهِ
حسبُكِ في غدٍ
|
|
يومَ الحسابِ
إذا الخليلُ جفاكِ
|
ووصيُّهُ الهادي
أبو حسنٍ إذا
|
|
أقبلتِ ظاميةً
إليه سقاكِ
|
فهو المشفّعُ في
المعادِ وخيرُ من
|
|
علقتْ به بعد
النبيِّ يداكِ
|
وهو الذي للدينِ
بعد خمولِهِ
|
|
حقّا أراكِ
فهذّبت آراكِ
|
لولاه ما عُرف
الهدى ونجوت من
|
|
متضايقِ
الأشراكِ والإشراكِ
|
هو فُلكُ نوحٍ
بين ممتسكٍ به
|
|
ناجٍ ومطّرحٍ مع
الهلاّكِ
|
كم مارقٍ من
مازقٍ قد غادرت
|
|
مزقاً حدود
حسامه البتّاكِ
|
سل عنه بدراً
حين بادرَ قاصمُ
|
|
الأملاكِ قائدَ
موكبِ الأملاكِ
|
من صبَّ صوبَ دم
الوليد ومن ترى
|
|
أخلا من الدهمِ
الحماةِ حِماكِ
|
واسأل فوارسَها
بأُحدٍ من ترى
|
|
ألقاك وجهَ
الحتف عند لقاكِ
|
وأطاح طلحةَ عند
مشتبكِ القنا
|
|
ولَواك قسراً
عند نكسِ لواكِ
|
واسأل بخيبرَ
خابريها من ترى
|
|
عفّى فناك ومن
أباح فناكِ
|
وأذاق مرحبَكِ
الردى وأحلّه
|
|
ضيقَ الشباكِ
وفلَّ حدَّ شباكِ
|
واستخبري
الأحزاب لمّا جرّدت
|
|
بيض المذاكي فوق جرد مذاكي
|
واستشعرت فرقاً
جموعكِ إذ غدتْ
|
|
فرقاً وأدبر إذ
قفاكِ قفاكِ
|
قد قلت حين تقدّمته
عصابةٌ
|
|
جهلوا حقوقَ
حقيقةِ الإدراكِ
|
لا تفرحي فبكثر
ما استعذبتِ في
|
|
أولاكِ قد
عُذِّبتِ في أُخراكِ
|
يا أُمّةً نقضت
عهودَ نبيِّها
|
|
أفمن إلى نقضِ
العهودِ دعاكِ
|
وصّاكِ خيراً
بالوصيِّ كأنّما
|
|
متعمّداً في
بغضِهِ وصّاكِ
|
أوَلم يقل فيه
النبيُّ مبلِّغاً
|
|
هذا عليُّكِ في
العلى أعلاكِ
|
__________________
وأمينُ وحي الله
بعدي وهو في
|
|
إدراك كلِّ
قضيّةٍ إدراك
|
والمؤثرُ
المتصدِّقُ الوهّابُ إذ
|
|
ألهاكِ في
دنياكِ جمع لُهاكِ
|
إيّاك أن
تتقدّميه فإنّه
|
|
في حكم كلِّ
قضيّةٍ أقضاكِ
|
فأطعتِ لكن
باللسانِ مخافةً
|
|
من بأسِه
والغدرُ حشوُ حشاكِ
|
حتى إذا قُبض
النبيُّ ولم يطُلْ
|
|
يوماً مَداكِ له
سننت مُداكِ
|
وعدلتِ عنه إلى
سواه ضلالةً
|
|
ومددتِ جهلاً في
خَطاكِ خُطاكِ
|
وزويتِ بضعةَ
أحمدٍ عن إرثها
|
|
ولبعلِها إذ ذاك
طال أذاكِ
|
يا بضعةَ الهادي
النبيِّ وحقِّ من
|
|
أسماكِ حين
تقدّست أسماكِ
|
لا فاز من نارِ
الجحيم معاندٌ
|
|
عن إرث والدكِ
النبيِّ زواكِ
|
أتراه يغفرُ
ذنبَ من أقصاكِ عن
|
|
سخطٍ وأسخط إذ
أباكِ أباكِ
|
كلاّ ولا نالَ
السعادةَ من غوى
|
|
وعداك ممتسكاً
بحبل عداكِ
|
يا تيمُ لا تمّت
عليكِ سعادةٌ
|
|
لكن دعاكِ إلى
الشقاء شقاكِ
|
لولاكِ ما ظفرتْ
علوجُ أُميّة
|
|
يوماً بعترةِ
أحمدٍ لولاكِ
|
تالله ما نلتِ
السعادةَ إنّما
|
|
أهواكِ في نارِ
الجحيمِ هواكِ
|
أنّى استقلتِ
وقد عقدت لآخرٍ
|
|
حكماً فكيف
صدقتِ في دعواكِ
|
ولأنت أكبر يا
عديُّ عداوةً
|
|
والله ما عضدَ
النفاقَ سواكِ
|
لا كان يومٌ كنت
فيه وساعةٌ
|
|
فضَّ النفيل بها
ختامَ صهاكِ
|
وعليكِ خزيٌ يا
أُميّة دائماً
|
|
يبقى كما في
النار دام بقاكِ
|
هلاّ صفحتِ عن
الحسينِ ورهطِهِ
|
|
صفحَ الوصيِّ
أبيه عن آباكِ
|
وعففتِ يومَ
الطفِّ عفّة جدِّه
|
|
المبعوثِ يوم
الفتحِ عن طُلقاكِ
|
أفهل يدٌ سلبت
إماءَكِ مثل ما
|
|
سلبت كريماتِ
الحسينِ يداكِ
|
أم هل برزن بفتح
مكة حُسّرا
|
|
كنسائه يوم
الطفوفِ نساكِ
|
يا أُمّةً باءت
بقتلِ هُداتها
|
|
أفمن إلى قتل
الهُداة هداكِ
|
أم أيّ شيطانٍ
رماكِ بغيِّه
|
|
حتى عراكِ وحلَّ
عقد عُراكِ
|
بئس الجزاءُ
لأحمدٍ في آلِهِ
|
|
وبنيه يوم الطفِّ
كان جزاكِ
|
فلئن سُررتِ
بخدعةٍ أسررتِ في
|
|
قتلِ الحسينِ
فقد دهاكِ دهاكِ
|
ما كان في سلبِ
ابنِ فاطمَ ملكَهُ
|
|
ما عنه يوماً لو
كفاكِ كفاكِ
|
لهفي على الجسدِ
المغادَرِ بالعرا
|
|
شلواً تقلّبه
حدودُ ظُباكِ
|
لهفي على الخدِّ
التريبِ تخدُّه
|
|
سفهاً بأطراف
القنا سُفهاكِ
|
لهفي لآلكَ يا
رسولَ اللهِ في
|
|
أيدي الطغاةِ
نوائحاً وبواكي
|
ما بين نادبةٍ
وبين مروعةٍ
|
|
في أسر كلِّ
مُعاندٍ أفّاكِ
|
تالله لا أنساكِ
زينبُ والعدا
|
|
قسراً تجاذبُ
عنك فضلَ رداكِ
|
لم أنس لا والله
وجهَكِ إذ هوت
|
|
بالردنِ ساترةً
له يمناكِ
|
حتى إذا همّوا
بسلبك صحتِ باسم
|
|
أبيكِ واستصرختِ
ثَمّ أخاكِ
|
لهفي لندبِكِ
باسم ندبِكِ وهو
|
|
مجروحُ الجوارحِ
بالسياق يراكِ
|
تستصرخيه أسىً
وعزَّ عليه أن
|
|
تستصرخيه ولا
يجيبُ نِداكِ
|
والله لو أنّ
النبيَّ وصنوَه
|
|
يوماً بعرصةِ
كربلا شهداكِ
|
لم يمسِ منهتكاً
حماكِ ولم تُمِطْ
|
|
يوماً أُميّة
عنك سجفَ خباكِ
|
يا عين إن سفحتْ
دموعُكِ فليكن
|
|
أسفاً على سبطِ
الرسول بكاكِ
|
وابكي القتيل
المستضام ومن بكت
|
|
لمصابه الأملاكُ
في الأفلاكِ
|
أقسمتُ يا نفسَ
الحسينِ أليّةً
|
|
بجميلِ حسنِ
بلاكِ عند بلاكِ
|
لو أنّ جدّكِ في
الطفوفِ مشاهدٌ
|
|
وعلى التراب
تريبةٌ خدّاكِ
|
ما كان يؤثر أن
يرى حرّ الصفا
|
|
يوماً وطاك ولا
الخيول تطاكِ
|
أو أنّ والدَكِ
الوصيَّ بكربلا
|
|
يوماً على تلك
الرمولِ يراكِ
|
لفداك مجتهداً
وودَّ بأنّه
|
|
بالنفسِ من ضيقِ
الشراك شَراكِ
|
عالوك لمّا أن
علوت فآهِ من
|
|
خطبٍ نراه على
عُلاك علاكِ
|
|
قد كنت شمساً
يستضاءُ بنورِها
|
|
يعلو على هام
السماك سماكِ
|
|
وحمىً يلوذ به
المخوفُ ومنهلاً
|
|
عذباً يصوب نداك
قبل نِداكِ
|
ما ضرَّ جسمَك
حرُّ جندلِها وقد
|
|
أضحى سحيقُ
المسكِ تربَ ثراكِ
|
فلئن حرمتِ من
الفراتِ ووردِهِ
|
|
فمن الرحيقِ
العذبِ ريّ صداكِ
|
ولئن حرمتِ
نعيمها الفاني فمن
|
|
دار البقاء
تضاعفت نعماكِ
|
ولئن بكتكِ
الطاهراتُ لوحشةٍ
|
|
فالحورُ تبسمُ
فرحةً بلقاكِ
|
ما بتِّ في حمر
الملابس غدوةً
|
|
إلاّ انثنتْ
خُضراً قُبيل مَساكِ
|
إنّي ليقلقني
التلهّفُ والأسى
|
|
إذ لم أكن
بالطفِّ من شهداكِ
|
لأقيكِ من حرِّ
السيوفِ بمهجتي
|
|
وأكونَ إذ عزَّ
الفداءُ فداكِ
|
ولئن تطاولَ بعد
حينِكِ بيننا
|
|
حينٌ ولم أكُ
مُسعداً سُعداكِ
|
فلأبكينّك ما
استطعتُ بخاطرٍ
|
|
تحكي غرائبه
غروب مَداكِ
|
وبمقولٍ ذربِ
اللسانِ أشدَّ من
|
|
جندٍ مجنّدةٍ
على أعداكِ
|
ولقد علمت
حقيقةً وتوكّلاً
|
|
أنّي سأسعدُ في
غدٍ بولاكِ
|
وولاء جدِّكِ
والبتولِ وحيدرٍ
|
|
والتسعةِ
النجباءِ من أبناكِ
|
قومٌ عليهم في
المعاد توكّلي
|
|
وبهم من الأسرِ
الوثيقِ فكاكي
|
فليهن عبدكمُ
عليّا فوزه
|
|
بجنانِ خلدٍ في
جناب علاكِ
|
صلّى عليكِ
اللهُ ما أملاكُه
|
|
طافت مقدّسةً
بقدسِ حِماكِ
|
|
|
|
|
|
القصيدة الرابعة
نمَّ العذارُ
بعارضيه وسلسلا
|
|
وتضمّنت تلك
المراشفُ سلسلا
|
قمرٌ أباح دمي
الحرامَ محلّلا
|
|
إذ مرَّ يخطر في
قباه محلّلا
|
رشأٌ تردّى
بالجمالِ فلم يدعْ
|
|
لأخي الصبابة في
هواه تجمّلا
|
كُتِبَ الجمالُ
على صحيفةِ خدِّه
|
|
بيراعِ معناه
البهيج ومثّلا
|
فبدا بنوني
حاجبيه معرّقاً
|
|
من فوق صادي
مقلتيه وأقفلا
|
ثمّ استمدّ فمدّ
أسفلَ صدغِه
|
|
ألفاً ألفتُ به
العذابَ الأطولا
|
فاعجب له إذ
همَّ ينقطُ نقطةً
|
|
من فوق حاجبِهِ
فجاءت أسفلا
|
فتحقّقت في حاءِ
حمرةِ خدِّه
|
|
خالاً فعمَّ
هواه قلبي المبتلى
|
ولقد أرى قمرَ
السماءِ إذا بدا
|
|
في عقربِ
المرِّيخ حلَّ مؤيِّلا
|
وإذا بدا قمري
وقارن عقربي
|
|
صدغيه حلَّ به
السعود فأكملا
|
أنا بين طرّتِه
وسحرِ جفونِهِ
|
|
رهنُ المنيّةِ
إذ عليه توكّلا
|
دبّت لتحرسَ
نورَ وجنةِ خدِّه
|
|
عيني فقابلتِ
العيونَ الغزّلا
|
جاءت لتلقفَ
سحرَها فتلقّفتْ
|
|
منّا القلوبَ
وسحرُها لن يبطلا
|
فاعجب
لمشترِكَينِ في دم عاشقٍ
|
|
حرم المنى
ومُحرّمٌ ما حُلّلا
|
جاءت وحين سعت
لقلبي أوسعتْ
|
|
لسعاً وتلك نضتْ
لقتلي مُنصلا
|
قابلته شاكي
السلاحِ قد امتطى
|
|
في غرّةِ الأضحى
أغرّ محجّلا
|
متردِّياً خضرَ
الملابسِ إذ لها
|
|
باللؤلؤِ الرطبِ
المنضّدِ مجتلى
|
فنظرتُ بدراً
فوق غصنٍ مائسٍ
|
|
خَضِرٍ تعاودَهُ
الحيا فتكلّلا
|
وكأنّ صلتَ
جبينِهِ في شعرِهِ
|
|
كلآلي صفّتْ على
بندِ الكلا
|
صبحٌ على
الجوزاء لاح لناظرٍ
|
|
متبلّجٍ فأزاحَ
ليلاً أليلا
|
حتى إذا قصد
الرميّةَ وانثنى
|
|
بسهامِهِ
خاطبتُه متمثّلا
|
لك ما ينوبُ عن
السلاح بمثلِها
|
|
يا من أصابَ من
المحبِّ المقتلا
|
يكفيك طرفُكَ
نابلاً والقدُّ
|
|
خطّاراً
وحاجبُكَ المعرّقُ عيطلا
|
عاتبتُه فشكوتُ
مجملَ صدِّه
|
|
لفظاً أتى لطفاً
فكان مفصّلا
|
وأبان تبيان
الوسيلة مدمعي
|
|
فاعجب لذي نطقٍ
تحمّل مُهملا
|
فتضرّجت وجناتُه
مستعذباً
|
|
عتبي ويعذبُ
للمعاتبِ ما حَلا
|
وافترَّ عن وردٍ
وأصبح عن ضحىً
|
|
من لي بلثم المجتنى
والمجتلى
|
من لي بغصنِ
نقاً تبدّى فوقه
|
|
قمرٌ تغشّى جنحَ
ليلٍ فانجلى
|
حلوُ الشمائل لا
يزيد على الرضا
|
|
إلاّ عليَّ
قساوةً وتدلّلا
|
نجلتْ به صيدُ
الملوكِ فأصبحتْ
|
|
شرفاً له هام
المجرّة منزلا
|
فالحكم منسوبٌ
إلى آبائه
|
|
عدلاً وبي في
حكمه لن يعدلا
|
أدنو فيصدفُ
مُعرضاً متدلّلاً
|
|
عنِّي فأخضعُ
طائعاً متذلّلا
|
أبكي فيبسمُ
ضاحكاً ويقول لي
|
|
لا غرو إن
شاهدتَ وجهي مقبلا
|
أنا روضةٌ
والروضُ يبسمُ نورُهُ
|
|
بشراً إذا دمعُ
السحاب تهلّلا
|
وكذاك لا عجبٌ
خضوعُكَ طالما
|
|
أُسدُ العرين
تُقاد في أسر الطلا
|
قسماً بفاء فتور
جيم جفونه
|
|
لأُخالفنَّ على
هواه العُذّلا
|
ولأوقفنَّ على
الهوى نفساً علت
|
|
فغلت وَيرخص في
المحبّةِ ما غلا
|
ولأحسننَّ وإن
أسا وألين طو
|
|
عاً إن قسا
وأزيد حبّا إن قلا
|
لا نلت ممّا
أرتجيه مآربي
|
|
إن كان قلبي من
محبّتِه سلا
|
إن كنت أهواهُ
لفاحشةٍ فلا
|
|
بُوّئت في دارِ
المقامةِ منزلا
|
يا حبّذا
متحاببينِ تواصلا
|
|
دهراً وما
اعتلقا بفحشٍ أذيلا
|
لا شيءَ أجملُ
من عفافٍ زانه
|
|
ورعٌ ومن لبسَ
العفافَ تجمّلا
|
طُبعت سرائرنا
على التقوى ومن
|
|
طُبعت سريرته
على التقوى علا
|
أهواه لا
لخيانةٍ حاشا لمن
|
|
أنهى الكتاب
تلاوةً أن يجهلا
|
لي فيه مزدجرٌ
بما أخلصته
|
|
في المصطفى
وأخيه من عقدِ الولا
|
فهما لعمرُكَ
علّةُ الأشياء في ال
|
|
ـعلل الحقيقة إن عرفت الأمثلا
|
الأوّلانِ
الآخرانِ الباطنا
|
|
نِ الظاهرانِ
الشاكرانِ لذي العلا
|
الزاهدانِ
العابدانِ الراكعا
|
|
نِ الساجدانِ
الشاهدانِ على الملا
|
خُلقا وما
خُلِقَ الوجودُ كلاهما
|
|
نوران من نورِ
العليِّ تفصّلا
|
__________________
في علمِه
المخزونِ مجتمعان لن
|
|
يتفرّقا أبداً
ولن يتحوّلا
|
فاسأل عن النورِ
الذي تجدنّه
|
|
في النورِ
مسطوراً وسائل من تلا
|
واسأل عن
الكلماتِ لمّا أنّها
|
|
حقّا تلقّى آدمٌ
فتقبّلا
|
ثمّ اجتباه
فأُودِعا في صلبِهِ
|
|
شرفاً له
وتكرُّماً وتبجّلا
|
وتقلّبا في
الساجدين وأودِعا
|
|
في أطهرِ
الأرحامِ ثمّ تنقّلا
|
حتى استقرَّ النورُ
نوراً واحداً
|
|
في شيبةِ الحمدِ
بن هاشم يجتلى
|
قُسما لحكمٍ
ارتضاه فكان ذا
|
|
نِعمَ الوصيُّ
وذاك أشرفَ مرسلا
|
فعليُّ نفسُ
محمدٍ ووصيُّه
|
|
وأمينُه وسواهُ
مأمونٌ فلا
|
وشقيقُ نبعتِهِ
وخيرُ من اقتفى
|
|
منهاجَه وبه
اقتدى وله تلا
|
مولى به قَبل
المهيمنُ آدماً
|
|
لمّا دعا وبه
توسّل أوّلا
|
وبه استقرَّ
الفلكُ في طوفانِهِ
|
|
لمّا دعا نوحٌ
به وتوسّلا
|
وبه خبتْ نارُ
الخليلِ وأصبحتْ
|
|
برداً وقد أذكت
حريقاً مشعلا
|
وبه دعا يعقوبُ
حين أصابَهُ
|
|
من فقد يوسفَ ما
شجاه وأثقلا
|
وبه دعا
الصدِّيق يوسفُ إذ هوى
|
|
في جبِّهِ وأقام
أسفلَ أسفلا
|
وبه أماطَ اللهُ
ضرَّ نبيِّه
|
|
أيّوبَ وهو
المستكينُ المبتلى
|
وبه دعا عيسى
فأحيا ميِّتاً
|
|
من قبرِهِ وأهال
عنه الجندلا
|
وبه دعا موسى
فأوضحت العصا
|
|
طرقاً ولجّة
بحرها طامٍ ملا
|
وبه دعا داودُ
حين غشاهمُ
|
|
جالوتُ مقتحماً
يقودُ الجحفلا
|
ألقاه دامغةً
فأردى شلوه
|
|
ملقىً وولّى
جمعُه متجفّلا
|
وبه دعا لمّا
عليه تسوّر ال
|
|
خصمان محرابَ
الصلاةِ وأُدخلا
|
فقضى على
احديهما بالظلمِ في
|
|
حكمِ النعاجِ
وكان حكماً فيصلا
|
__________________
فتجاوز الرحمنُ
عنه تكرّماً
|
|
وبه ألان له
الحديد وسهّلا
|
وبه سليمانٌ دعا
فتسخّرتْ
|
|
ريحُ الرخاءِ
لأجلِهِ ولها علا
|
وله استقرَّ
الملكُ حين دعا به
|
|
عمرَ الحياةِ
فعاش فيه مُخوّلا
|
وبه توسّل آصفٌ
لمّا دعا
|
|
بسريرِ بلقيسٍ فجاءَ
معجّلا
|
العالمُ العلمُ
الرضيُّ المرتضى
|
|
نوُر الهدى سيفُ
العلاءِ أخُ العلا
|
من عنده علمُ
الكتاب وحكمُه
|
|
وله تأوّل
مُتقناً ومحصّلا
|
وإذا علت شرفاً
ومجداً هاشمٌ
|
|
كان الوصيُّ بها
المعمَّ المخولا
|
لا جدُّه تيمُ
بن مرّةَ لا ولا
|
|
أبواه من نسل
النُّفَيلِ تنقّلا
|
ومكسِّرُ
الأصنامِ لم يسجدْ لها
|
|
متعفّراً فوق
الثرى متذلّلا
|
لكن له سجدتْ
مخافةَ بأسِهِ
|
|
لمّا على كتف
النبيِّ علاً علا
|
تلك الفضيلة لم
يفز شرفاً بها
|
|
إلاّ الخليلُ
أبوه في عصرٍ خلا
|
إذ كسّر
الأصنامَ حين خلا بها
|
|
سرّا وولّى
خائفاً مستعجلا
|
فتميّز الفعلينِ
بينهما وقِس
|
|
تجدِ الوصيَّ
بها الشجاعَ الأفضلا
|
وانظر ترى أزكى
البريّة مولداً
|
|
في الفعلِ
متّبعاً أباه الأوّلا
|
وهو القؤول
وقولهُ الصدقُ الذي
|
|
لا ريبَ فيه لمن
وعى وتأمّلا
|
واللهِ لو أنّ
الوسادةَ ثنّيتْ
|
|
لي في الذي حظر
العليُّ وحلّلا
|
لحكمتُ في قومِ
الكليمِ بمقتضى
|
|
توراتِهمْ حكماً
بليغاً فيصلا
|
وحكمتُ في قومِ
المسيحِ بمقتضى
|
|
إنجيلِهمْ
وأقمتُ منه الأميلا
|
وحكمتُ بين
المسلمين بمقتضى
|
|
فرقانِهمْ حكماً
بليغاً فيصلا
|
حتى تقرَّ
الكتْبُ ناطقةً لقد
|
|
صدق الأمينُ
عليُّ في ما علّلا
|
فاستخبروني عن
قرونٍ قد خلتْ
|
|
من قبلِ آدمَ في
زمانِ قد خلا
|
__________________
فلقد أحطتُ
بعلمِها الماضي وما
|
|
منها تأخّر
آتياً مستقبلا
|
وانظر إلى نهجِ
البلاغةِ هل ترى
|
|
لأولي البلاغة
منه أبلغ مقولا
|
حكمٌ تأخّرتِ
الأواخرُ دونها
|
|
خرساً وأفحمتِ
البليغَ المِقولا
|
خسأت ذوو
الآراءِ عنه فلن ترى
|
|
من فوقِهِ إلاّ
الكتاب المنزلا
|
وله القضايا
والحكوماتُ التي
|
|
وضحتْ لديه
فحلَّ منها المشكلا
|
وبيومِ بعثِ
الطائرِ المشويِّ إذ
|
|
وافى النبيّ
فكان أطيبَ مأكلا
|
إذ قال أحمدُ
آتني بأحبِّ من
|
|
تهوى ومن أهواه
يا ربَّ العلى
|
هذا روى أنسُ
بنُ مالك لم يكن
|
|
ما قد رواه
مُصحَّفاً ومُبدّلا
|
وشهادةُ الخصمِ
الألدّ فضيلةٌ
|
|
للخصمِ فاتّبعِ
الطريقَ الأسهلا
|
وكسدِّ أبوابِ
الصحابةِ غيرَهُ
|
|
لمميّزٍ عرف
الهدى متوصّلا
|
إذ قال قائلُهمْ
نبيُّكمُ غوى
|
|
في زوج إِبنتِه
ويعذر إن غلا
|
تالله ما أوحى
إليه وإنّما
|
|
شرفاً حباه على
الأنام وفضّلا
|
حتى هوى النجمُ
المبينُ مكذّباً
|
|
من كان في حقِّ
النبيِّ تقوّلا
|
أبِدارِهِ حتى
الصباح أقام أم
|
|
في دارِ حيدرةٍ
هوى وتنزّلا
|
هذي المناقبُ ما
أحاطَ بمثلِها
|
|
أحدٌ سواه
فترتضيه مُفضَّلا
|
يا ليتَ شعري ما
فضيلةُ مدّعٍ
|
|
حكمَ الخلافةِ
ما تقدّم أوّلا
|
أبعزله عند
الصلاة مؤخّراً
|
|
ولو ارتضاه
نبيّه لن يعزلا
|
أم ردِّه في
يومِ بعثِ براءةٍ
|
|
من بعد قطعِ
مسافةٍ مُتعجّلا
|
إن كان أوحى
الله جلَّ جلاله
|
|
لنبيِّه وحياً
أتاه منزّلا
|
أن لا يؤدِّيها
سواك فترتضي
|
|
رجلاً كريماً
منك خيراً مفضلا
|
أفهل مضى قصداً
بها متوجِّهاً
|
|
إلاّ عليٌّ يا
خليليَّ اسألا
|
أم يوم خيبرَ إذ
برايةِ أحمدٍ
|
|
ولّى لعمرُكَ
خائفاً مُتوجِّلا
|
ومضى بها الثاني
فآب يجرُّها
|
|
حذرَ المنيّة
هارباً ومهرولا
|
هلاّ سألتهما
وقد نكصا بها
|
|
متخاذلين إلى
النبيِّ وأقبلا
|
من كان أوردَها
الحتوف سوى أبي
|
|
حسنٍ وقام بها
المقام المهولا
|
وأباد مرحبَهمْ
ومدَّ يمينَهُ
|
|
قلعَ الرتاجَ
وحصنَ خيبر زلزلا
|
يا علّةَ
الأشياءِ والسببَ الذي
|
|
معنى دقيقِ
صفاتِهِ لن يُعقلا
|
إلاّ لمن كُشِفَ
الغطاءُ له ومن
|
|
شُقَّ الحِجابُ
مجرّداً وتوصّلا
|
يكفيك فخراً
أنَّ دينَ محمدٍ
|
|
لو لا كمالُكَ نقصُه
لن يكملا
|
وفرائضُ
الصلواتِ لو لا أنّها
|
|
قرنت بذكرك
فرضُها لن يقبلا
|
يا من إذا عدّتْ
مناقبُ غيرِهِ
|
|
رجحتْ مناقبُه
وكان الأفضلا
|
إنّي لأعذرُ
حاسديك على الذي
|
|
أولاك ربُّك ذو
الجلال وفضّلا
|
إن يحسدوك على
علاك فإنَّما
|
|
متسافلُ
الدرجاتِ يحسدُ من علا
|
إحياؤك الموتى
ونطقُكَ مخبراً
|
|
بالغائباتِ
عذرتُ فيك لمن غلا
|
وبردِّك الشمسَ
المنيرةَ بعد ما
|
|
أَفَلتْ وقد
شهدت برجعتِها الملا
|
ونفوذُ أمرِكَ
في الفراتِ وقد طما
|
|
مدّا فأصبحَ
ماؤه مستسفلا
|
وبليلةٍ نحو
المدائنِ قاصداً
|
|
فيها لسلمانٍ بعثتَ
مغسِّلا
|
وقضيّةُ
الثعبانِ حين أتاكَ في
|
|
إيضاحِ كشفِ
قضيّةٍ لن تعقلا
|
فحللتَ مشكلَها
فآبَ لعلمِهِ
|
|
فرحاً وقد
فصّلتَ فيها المجملا
|
والليثُ يوم
أتاك حين دعوتَ في
|
|
عُسرِ المخاضِ
لعرسِه فتسهّلا
|
وعلوت من فوق
البساط مخاطباً
|
|
أهلَ الرقيمِ
فخاطبوك معجّلا
|
أمخاطبَ
الأذيابِ في فلواتِها
|
|
ومكلِّمَ
الأمواتِ في رمس البلى
|
يا ليت في
الأحياءِ شخصَكَ حاضرٌ
|
|
وحسينُ مطروحٌ
بعرصةِ كربلا
|
عريانَ يكسوه
الصعيدُ ملابساً
|
|
أفديه مسلوبَ
اللباسِ مُسربلا
|
متوسّداً حرَّ
الصخورِ معفّراً
|
|
بدمائِهِ تربَ الجبينِ
مُرمّلا
|
ظمآنَ مجروحَ
الجوارحِ لم يجد
|
|
ممّا سوى دمِهِ
المبدَّدِ منهلا
|
ولصدره تطأ
الخيولُ وطالما
|
|
بسريره جبريلُ
كان موكّلا
|
عُقرتْ أما علمت
لأيِّ معظّمٍ
|
|
وطأتْ وصدرٍ
غادرته مفصّلا
|
ولثغرِهِ يعلو
القضيبُ وطالما
|
|
شرفاً له كان
النبيُّ مُقبّلا
|
وبنوه في أسرِ
الطغاةِ صوارخٌ
|
|
ولهاءُ معولةٌ
تجاوبُ معولا
|
ونساؤه من حولِه
يندبنَهُ
|
|
بأبي النساءَ
النادبات الثكّلا
|
يندبنَ أكرمَ
سيّدٍ من سادةٍ
|
|
هجروا القصورَ
وآنسوا وحش الفلا
|
بأبي بدوراً في
المدينة طُلّعاً
|
|
أمست بأرضِ
الغاضريّةِ أُفّلا
|
آسادُ حربٍ لا
يمسُّ عفاتَها
|
|
ضرُّ الطوى
ونزيلها لن يخذلا
|
من تلقَ منهم
تلقَ غيثاً مُسبلاً
|
|
كرماً وإن قابلت
ليثاً مُشبلا
|
نزحتْ بهم عن
عقرِهمْ أيدي العدا
|
|
بأبي الفريقَ
الظاعنَ المترحّلا
|
ساروا حثيثاً
والمنايا حولَهمْ
|
|
تسري فلن يجدون
عنها معزلا
|
ضاقت بهم
أوطانُهمْ فتبيّنوا
|
|
شاطي الفراتِ عن
المواطنِ موئلا
|
ظفرت بهم أيدي
البغاةِ فلم أَخَلْ
|
|
وأبيك تقتنص
البغاثُ الأَجدَلا
|
منعوهمُ ماءَ
الفراتِ ودونَه
|
|
بسيوفِهمْ
دمُهمْ يُراق مُحلّلا
|
هجرت رءوسُهمُ
الجسومَ فواصلتْ
|
|
زرقَ الأسنّةِ
والوشيجَ الذبّلا
|
يبكي أسيرُهمُ
لفقدِ قتيلهمْ
|
|
أسفاً وكلٌّ في
الحقيقةِ مبتلى
|
هذا يميلُ على
اليمينِ مُعفرّا
|
|
بدمِ الوريدِ
وذا يُساق مغلّلا
|
ومن العجائبِ أن
تقاد أُسودها
|
|
أسراً وتفترسُ
الكلابُ الأشبلا
|
لهفي لزينِ
العابدين يُقاد في
|
|
ثقلِ الحديدِ
مقيّداً ومكبّلا
|
متقلقلاً في
قيدِهِ متثقِّلاً
|
|
متوجّعاً
لمصابِهِ متوجّلا
|
أفدي الأسيرَ
وليت خدِّي موطئاً
|
|
كانت له بين
المحامل محملا
|
__________________
أقسمتُ بالرحمنِ
حلفةَ صادقٍ
|
|
لو لا الفراعنةُ الطواغيتُ الأُلى
|
ما بات قلبُ
محمدٍ في سبطِهِ
|
|
قلقاً ولا قلبُ
الوصيِّ مقلقلا
|
خانوا مواثيقَ
النبيِّ وأجّجوا
|
|
نيرانَ حربٍ
حرُّها لن يصطلى
|
يا صاحبَ الأعرافِ
يُعرَضُ كلُ
|
|
مخلوقٍ عليه
محقّقاً أو مبطلا
|
يا صاحبَ الحوضِ
المباحِ لحزبِهِ
|
|
حلٌّ ويمنعُه
العصاةَ الضلّلا
|
يا خيرَ من لبّى
وطاف ومن سعى
|
|
ودعا وصلّى
راكعاً وتنفّلا
|
ظفرت يدي منكمْ
بقسم وافرٍ
|
|
سبحانَ من وهبَ
العطاءَ وأجزلا
|
شُغِلتْ بنو
الدنيا بمدحِ ملوكهمْ
|
|
وأنا الذي
بسواكمُ لن أُشغلا
|
وتردّدوا
لوفادةٍ لكنَّهم
|
|
ردّوا وقد كسبوا
على القيل القلا
|
ومنحتُكمْ مدحي
فرحتُ خزانتي
|
|
بنفائسِ
الحسناتِ مفعمةٌ مَلا
|
وأنا الغنيُّ
بكم ولا فقرٌ ومن
|
|
ملك الغنى
لسواكمُ لن يسألا
|
مولاي دونك من
عليٍّ مدحةً
|
|
عربيّةَ
الألفاظِ صادقةَ الولا
|
ليس النضارُ
نظيرَها لكنّها
|
|
درٌّ تكاملَ
نظمُه فتفصّلا
|
فاستجلها منِّي
عروساً غادةً
|
|
بكراً لغيرِك
حسنها لن يجتلى
|
فصداقها منك
القبولُ فكن لها
|
|
يا ابن المكارمِ
سامعاً متقبِّلا
|
وعليكمُ منِّي
التحيّةُ ما دعا
|
|
داعي الفلاحِ
إلى الصلاةِ مهلّلا
|
صلّى عليك اللهُ
ما سحَّ الحيا
|
|
وتبسّمت
لبكائِهِ ثغُر الكلا
|
القصيدة الخامسة
حلّت عليك عقودُ
المُزنِ يا حللُ
|
|
وصافحتكَ أكفُّ
الطلِّ يا طللُ
|
وحاكتِ الوِرقُ
في أعلى غصونِك إذ
|
|
حاكت بك الودقَ
جلباباً له مثلُ
|
__________________
يزهو على الربعِ
من أنواره لمعٌ
|
|
ويشمل الربع من
نوّاره حللُ
|
وافترَّ في
ثغرِكَ المأنوسِ مبتسماً
|
|
ثغرُ الأقاح
وحيّاك الحيا الهطلُ
|
ولا انثنت فيك
بانات اللوى طرباً
|
|
إلاّ وللوِرقِ
في أوراقها زَجَلُ
|
وقارن السعد يا
سعدى وما حجبت
|
|
عن الجآذر فيك
الحجب والكللُ
|
يروق طرفي بروقٌ
منك لامعةٌ
|
|
تحت السحابِ
وجنحُ الليلِ منسدلُ
|
يذكي من الشوقِ
في قلبي لهيب جوىً
|
|
كأنَّما لمعُها
في ناظري شُعلُ
|
فإن تضوّعَ من
أعلى رباك لنا
|
|
ريّاك والروضُ
مطلولٌ به خضِلُ
|
فهو الدواءُ
لأدواءٍ مبرِّحةٍ
|
|
نعلُّ منها إذا
أودت بنا العللُ
|
أقسمتُ يا وطني
لم يهنني وطري
|
|
مذ بان عنِّي
منك البانُ والأثلُ
|
لي بالربوعِ
فؤادٌ منك مرتبعٌ
|
|
وفي الرواجلِ
جسمٌ عنك مرتحلُ
|
لا تحسبنَّ
الليالي حدّثت خلدي
|
|
بحادثٍ فهو عن
ذكراك مشتغلُ
|
لا كنت إن قادني
عن قاطنيك هوىً
|
|
أو مال بي مَلل
أو حال بي حوَلُ
|
أنّى ولي فيك
بين السربِ جاريةٌ
|
|
مقيدي في هواها
الشكل والشكلُ
|
غرّاءُ ساحرةُ
الألحاظِ مانعةُ ال
|
|
ألفاظ مائسةٌ في
مشيها ميلُ
|
في قدِّها هيفٌ
في خصرها نحفٌ
|
|
في خدِّها صَلفٌ
في ردفها ثقلُ
|
يرنّح الدلّ
عطفيها إذا خطرتْ
|
|
كما ترنّح سكراً
شاربٌ ثَملُ
|
تُريك حولَ
بياضٍ حمرةً ذهبتْ
|
|
بنضرتي في الهوى
خدٌّ لها صقلُ
|
ما خلتُ من قبلِ
فتكٍ من لواحظِها
|
|
أن تَقتُل
الأُسدَ في غاباتِها المقلُ
|
عهدي بها حينَ
ريعانِ الشبيبةِ لم
|
|
يرعه شيبٌ وعيشي
ناعمٌ خَضِلُ
|
وليلُ فوديَ ما
لاح الصباحُ به
|
|
والدار جامعةٌ
والشمل مشتملُ
|
__________________
وربع لهويَ
مأنوسٌ جوانبُه
|
|
تروق فيه ليَ
الغزلان والغَزَلُ
|
حتى إذا خالط
الليلُ الصباحَ وأض
|
|
ـحى الرأسُ وهو بشهبِ الشيبِ مشتعلُ
|
وخطَّ وخط مشيبي
في صحيفتِهِ
|
|
لي أحرفاً ليس
معنى شكلِها شكلُ
|
مالت إلى الهجرِ
من بعدِ الوصالِ و
|
|
عهدُ الغانياتِ
كفيء الظلِّ منتقلُ
|
من معشرٍ عدلوا
عن عهدِ حيدرةٍ
|
|
وقابلوه بعدوانٍ
وما قبلوا
|
وبدّلوا قولَهمْ
يومَ الغديرِ له
|
|
غدراً وما عدلوا
في الحبّ بل عدلوا
|
حتى إذا فيهمُ
الهادي البشيرُ قضى
|
|
وما تهيّا له
لحدٌ ولا غسلُ
|
مالوا إليه
سراعاً والوصيُّ برز
|
|
ء المصطفى عنهمُ
لاهٍ ومشتغلُ
|
وقلّدوها عتيقاً
لا أبا لهم
|
|
أنّى تسودُ
أُسودَ الغابةِ الهمَلُ
|
وخاطبوه أميرَ
المؤمنين وقد
|
|
تيقّنوا أنّه في
ذاك منتحلُ
|
وأجمعوا الأمرَ
فيما بينهمْ وغوتْ
|
|
لهم أمانيّهم
والجهلُ والأملُ
|
أن يحرقوا منزلَ
الزهراءِ فاطمةٍ
|
|
فيا له حادثٌ
مستصعبٌ جللُ
|
بيتٌ به خمسةٌ
جبريلُ سادسُهمْ
|
|
من غيرِ ما سببٍ
بالنارِ يشتعلُ
|
وأُخرِجَ
المرتضى عن عقرِ منزلِهِ
|
|
بين الأراذل
محتفٌّ بهم وَكلُ
|
يا للرجالِ
لدينٍ قلَّ ناصرُه
|
|
ودولةٍ ملكتْ
أملاكَها السفلُ
|
أضحى أجيرُ ابنِ
جدعانٍ له خلفاً
|
|
برتبةِ الوحيِ
مقرونٌ ومتّصلُ
|
فأين أخلافُ
تيمٍ والخلافة وال
|
|
ـحكمُ الربوبيُّ لو لا معشر جهلوا
|
ولا فخارٌ ولا
زهدٌ ولا ورعٌ
|
|
ولا وقارٌ ولا
علمٌ ولا عملُ
|
وقال : منها
أقيلوني فلست إذاً
|
|
بخيرِكمْ وهو
مسرورٌ بها جذلُ
|
وفضّها وهو منها
المستقيلُ على
|
|
الثاني ففي أيِّ
قولٍ يصدق الرجلُ
|
ثمّ اقتفتها
عديٌّ من عداوتِها
|
|
وافتضّ من فضّها
العدوانُ والجدلُ
|
أضحى يسير بها
عن قصدِ سيرتِها
|
|
فلم يسدَّ لها
من حادثٍ خللُ
|
وأجمع الشور في
الشورى فقلّدها
|
|
أُميّةً وكذا
الأحقادُ تنتقلُ
|
تداولوها على
ظلمٍ وأرّثها
|
|
بعضٌ لبعضٍ فبئس
الحكمُ والدولُ
|
وصاحبُ الأمرِ
والمنصوصُ فيه بإذ
|
|
ن اللهِ عن
حكمِهِ ناءٍ ومعتزلُ
|
أخو الرسولِ
وخيرُ الأوصياءِ ومن
|
|
بزهده في
البرايا يُضرَبُ المثلُ
|
وأقدمُ القومِ
في الإسلام سابقةً
|
|
والناس باللاّتِ
والعزى لهم شُغُلُ
|
ورافعُ الحقِّ
بعد الخفضِ حين قنا
|
|
ةُ الدينِ
واهيةٌ في نصبها مَيلُ
|
الأروعُ الماجدُ
المقدامُ إذ نكصوا
|
|
والليثُ ليثُ
الشرى والفارسُ البطلُ
|
من لم يعشْ في
غواةِ الجاهلينَ ذوي
|
|
غيٍّ ولا مقتدى
آرائه هَبلُ
|
عافوه وهو أعفُّ
الناسِ دونهمُ
|
|
طفلاً وأعلى
محلاّ وهو مكتهلُ
|
وإنّه لم يزل
حلماً ومكرمةً
|
|
يقابلُ الذنبَ
بالحسنى ويحتملُ
|
حتى قضى وهو
مظلومٌ وقد ظُلم ال
|
|
حسينُ من بعدِهِ
والظلمُ متّصلُ
|
من بعد ما وعدوه
النصرَ واختلفت
|
|
إليه بالكتبِ
تسعى منهمُ الرسلُ
|
فليته كفَّ كفّا
عن رعايتِهمْ
|
|
يوماً ولا
قرّبته منهمُ الإبلُ
|
قومٌ بهم نافقٌ
سوقُ النفاقِ ومن
|
|
طباعِهمُ
يُستمَدُّ الغدرُ والدخلُ
|
تالله ما وصلوا
يوماً قرابتَه
|
|
لكن إليه بما قد
ساءه وصلوا
|
وحرّموا دونه
ماءَ الفراتِ ولل
|
|
كلابِ من سعةٍ
في وردها عللُ
|
وبيّتوه وقد
ضاقَ الفسيحُ به
|
|
منهم على موعدٍ
من دونِهِ العطلُ
|
حتى إذا الحربُ
فيهم من غدٍ كشفتْ
|
|
عن ساقِها وذكا
من وقدِها شعلُ
|
تبادرت فتيةٌ من
دونِه غررٌ
|
|
شمُّ العرانينِ
ما مالوا ولا نكلوا
|
كأنّما يُجتنى
حلواً لأنفسهم
|
|
دون المنون من
العسّالة العسلُ
|
تسربلوا في
متونِ السابقات دلا
|
|
ص السابغات
وللخطّيّة اعتقلوا
|
وطلّقوا دونه
الدنيا الدنيّة وار
|
|
تاحوا إلى جنّة
الفردوس وارتحلوا
|
__________________
تراءت الحورُ في
أعلى الجنانِ لهم
|
|
كشفاً فهان
عليهم فيه ما بذلوا
|
سالت على البيضِ
منهم أنفسٌ طهرت
|
|
نفيسةٌ فعلَوا
قدراً بما فعلوا
|
إن يُقتلوا
طالما في كلِّ معركةٍ
|
|
قد قاتلوا
ولَكَم من مارقِ قتلوا
|
لهفي لسبطِ
رسولِ اللهِ منفرداً
|
|
بين الطغاةِ وقد
ضاقت به السُّبلُ
|
يلقى العداةَ
بقلبٍ لا يُخامره
|
|
رهبٌ ولا راعه
جبنٌ ولا فشلُ
|
كأنّه كلّما مرّ
الجوادُ به
|
|
سيلٌ تمكّن في
أمواجِه جبلُ
|
ألقى الحسام
عليهم راكعاً فهوت
|
|
بالترب ساجدةً
من وقعه القللُ
|
قدّت نعالاتُهُ
هاماتِهمْ فبها
|
|
أخدى الجواد
فأمسى وهو منتعلُ
|
وقد رواه حميدٌ
نجلُ مسلم ذو ال
|
|
قولِ الصدوقِ
وصدقُ القولِ ممتثلُ
|
إذ قال لم أرَ
مكثوراً عشيرتُه
|
|
صرعى فمنعفرٌ
منهم ومُنجدلُ
|
يوماً بأربطَ
جاشاً من حسينِ وقد
|
|
حفّت به البيضُ
واحتاطت به الأسَلُ
|
كأنّما قَسْورٌ
ألقى على حُمرٍ
|
|
عطفاً فخامرها
من بأسه ذَهلُ
|
أو أجدلٌ مرَّ
في سربٍ فغادره
|
|
شطراً خموداً
وشطرٌ خيفةً وجلُ
|
حتى إذا آن ما
إن لا مردَّ له
|
|
وحان عند
انقضاءِ المدّةِ الأجلُ
|
أَرْدَوه
كالطودِ عن ظهرِ الجوادِ حمي
|
|
ـدَ الذكرِ ما راعه ذلٌّ ولا فشلُ
|
لهفي وقد راح
ينعاه الجوادُ إلى
|
|
خبائِهِ وبه من
أسهمٍ قَزلُ
|
لهفي لزينبَ
تسعى نحوه ولها
|
|
قلبٌ تزايد فيه
الوجدُ والوجلُ
|
فمذ رأته سليباً
للشمال على
|
|
معنى شمائله من
نسجها سملُ
|
هوت مُقبِّلةً
منه المحاسن وال
|
|
ـحسينُ عنها بكربِ الموتِ مشتغلُ
|
تُدافعُ الشمرَ
عنه باليمين وبا
|
|
لشمال تسترُ
وجهاً شأنهُ الخجلُ
|
تقولُ يا شمرُ
لا تعجلْ عليه ففي
|
|
قتلِ ابنِ
فاطمةٍ لا يُحمد العَجَلُ
|
__________________
أليس ذا ابنَ
عليٍّ والبتولِ ومن
|
|
بجدِّه خُتِمتْ
في الأُمّة الرسلُ
|
هذا الإمامُ
الذي يُنمى إلى شرفٍ
|
|
ذريّةٌ لا
يُداني مجدَها زحلُ
|
إيّاك من زلّة
تصلى بها أبداً
|
|
نارَ الجحيمِ
وقد يردي الفتى الزللُ
|
أبى الشقيُّ لها
إلاّ الخلافَ وهل
|
|
يجدي عتابٌ لأهل
الكفرِ إن عُذلوا
|
ومرَّ يحتزُّ
رأساً طالما لرسو
|
|
لِ الله مرتشفاً
في ثغره قُبَلُ
|
حتى إذا عاينت
منه الكريم على
|
|
لدنٍ يميل به
طوراً ويعتدلُ
|
ألقت لفرطِ
الأسى منها البنانَ على
|
|
قلبٍ تقلّب فيه
الحزنُ والثكلُ
|
تقول يا واحداً
كنّا نؤمِّله
|
|
دهراً فخاب
رجانا فيه والأملُ
|
ويا هلالاً علا
في سعدِهِ شرفاً
|
|
وغاب في التربِ
عنّا وهو مكتملُ
|
أخي لقد كنت
شمساً يُستضاء بها
|
|
فحلّ في وجهها
من دوننا الطفلُ
|
وركن مجدٍ تداعى
من قواعده
|
|
والمجد منهدمُ
البنيان منتقلُ
|
وطرف سبق يفوت
الطرفَ سرعتُه
|
|
مذ أدرك المجدَ
أمسى وهو معتقلُ
|
ما خلت من قبل
ما أمسيت مرتهناً
|
|
بين اللئامِ
وسدّت دونك السبلُ
|
أن يوغل البوم
في البازيِّ إن ظفرت
|
|
ظفراً ولا أسداً
يغتاله حملُ
|
كلاّ ولا خلت
بحراً مات من ظمأ
|
|
ومنه رَيٌّ إلى
العافين متّصلُ
|
فليت عينَكَ بعد
الحجبِ تنظرنا
|
|
أسرى تجاذبَنا
الأشرارُ والسفلُ
|
يسيّرونا على
الأقتابِ عاريةً
|
|
وزاجرُ العيسِ
لا رفقٌ ولا مَهلُ
|
فليت لم ترَ
كوفاناً ولا وخدت
|
|
بنا إلى ابن
زياد الأينق الذللُ
|
إيهاً على حسرةٍ
في كلِّ جانحةٍ
|
|
ما عشت جائحة
تعلو لها شعلُ
|
أيُقتلُ السبطُ
ظمآناً ومن دمِهِ
|
|
تروى الصوارمُ
والخطيّةُ الذبلُ
|
__________________
ويسكن التربَ لا
غسلٌ ولا كفنٌ
|
|
لكن له من نجيعِ
النحرِ مغتسلُ
|
وتستباحُ بأرضِ
الطفِّ نسوتُه
|
|
ودون نسوةِ حربٍ
تُضرَبُ الكِللُ
|
بالله أُقسم
والهادي البشيرِ وبيت
|
|
الله طاف به
حافٍ ومنتعلُ
|
لو لا الأُلى
نقضوا عهد الوصيِّ وما
|
|
جاءت به قدماً
في ظلمِها الأُولُ
|
لم يُغلِ قوماً
على أبناء حيدرة
|
|
من الموارد ما
تروى به الغللُ
|
يا صاح طف بي
إذا جئت الطفوفَ على
|
|
تلك المعالمِ
والآثارِ يا رجلُ
|
وابك البدورَ
التي في الترب آفلةً
|
|
بعد الكمالِ
تغشّى نورَها الظللُ
|
وابك الشفاه
التي لم تروَ من عطشٍ
|
|
لكن عليهنّ من
سيل الدما بللُ
|
يا آلَ أحمدَ يا
سفنَ النجاةِ ومن
|
|
عليهمُ بعد ربِّ
العرش أتّكلُ
|
وحقِّكم ما بدا
شهر المحرّم لي
|
|
إلاّ ولي ناظرٌ
بالسهد مكتحلُ
|
ولا استهلَّ بنا
إلاّ استهلّ من ال
|
|
أجفان لي مدمعٌ
في الخدِّ منهملُ
|
حُزناً لكم
ومواساةً وليس لمم
|
|
ـلوكٍ بدمعٍ على ملاّكه بُخلُ
|
فإن يكن فاتكم
نصري فلي مِدَحٌ
|
|
بمجدكم أبداً ما
عشت تتّصلُ
|
عرائسٌ حدت
الحادون من طربٍ
|
|
بها تُعرّس
أحياناً وترتحلُ
|
فدونكم من عليٍّ
عبدِ عبدِكمُ
|
|
فريدةً طاب منها
المدحُ والغزلُ
|
رقّت فراقتْ
معانيها الحسانُ فلا
|
|
يُماثلُ الطولَ
منها السبعة الطولُ
|
أعددتها جُنّةً
من حرِّ نار لظىً
|
|
أرجو بها جنّةً
أنهارُها عسلُ
|
صلّى الإله
عليكم ما شدتْ طرباً
|
|
وِرْقٌ على
وَرَقٍ والليلُ منسدلُ
|
القصيدة السادسة
عسى موعدٌ إن
صحَّ منك قبولُ
|
|
تؤدِّيه إن عزَّ
الرسول قبولُ
|
فربّ صباً تهدي
إليَّ رسالةً
|
|
لها منك إن عزَّ
الوصولُ وصولُ
|
__________________
تطاول عمرُ
العتبِ يا عتبُ بيننا
|
|
وليس إلى ما
نرتجيه سبيلُ
|
أفي كلِّ يومٍ
للعتاب رسائلٌ
|
|
مجدّدةٌ ما
بيننا ورسولُ
|
رسائلُ عتبٍ لا
يُردّ جوابُها
|
|
ونفثُ صدورٍ في
السطور يطولُ
|
يدلُّ عليها من
وسائلِ سائلٍ
|
|
خضوعٌ ومن شكوى
الفصال فصولُ
|
عسى مُسمَعٌ
يصغي إلى قول مُسمِعٍ
|
|
فيعطف قاسٍ أو
يرقّ ملولُ
|
وأعجبُ شيءٍ أن
أراكِ غريّةً
|
|
بهجري وللواشي
عليَّ قبولُ
|
سجيّة نفسي
بالوعود مع القلى
|
|
وكلُّ سخيٍّ
بالوعودِ بخيلُ
|
عذرتُكِ إن
ميّلتِ أو مِلتِ أنّني
|
|
أخالك غصناً
والغصونُ تميلُ
|
وما لظباءِ
السربِ خلقُكِ إنّما
|
|
لخلقِكِ منها في
العدولِ عدولُ
|
وقد كنت أبكي
والديارُ أنيسةٌ
|
|
وما ظعنتْ
للظاعنين قفولُ
|
فكيف وقد شطَّ
المزار وروّعت
|
|
فريقَ التداني
فُرقةٌ ورحيلُ
|
إذا غبتمُ عن
ربعِ حلّةِ بابلٍ
|
|
فلا سحبت للسحب
فيه ذيولُ
|
ولا ابتسمت للثغر
فيه مباسمٌ
|
|
ولا ابتهجت
للطلِّ فيه طُلولُ
|
ولا هبَّ معتلُّ
النسيمِ ولا سرت
|
|
بليلٍ على تلك
الربوع بَليلُ
|
ولا صدرت عنها
السوام ولا غدا
|
|
بها راتعاً بين
الفصولِ فصيلُ
|
ولا برزت في
حُلّةٍ سُندسيّةٍ
|
|
لذات هديرٍ في
الغصونِ هديلُ
|
وما النفعُ فيها
وهي غيرُ أواهلٍ
|
|
ومعهدُها ممّن
عهدتِ مَحيلُ
|
تنكّر منها
عرفُها فأُهيلُها
|
|
غريبٌ وفيها
الأجنبيُّ أهيلُ
|
رعى الله أياماً
بظلّ جنابها
|
|
ونحن بشرقيِّ
الأثيلِ نزولُ
|
لياليَ لا عودُ
الربيعِ يُجِفُّه
|
|
ذُبولٌ ولا عودُ
الربوعِ هزيلُ
|
بها كنت أصبو
والصبا ليَ مسعدٌ
|
|
وصعبُ الهوى
سهلٌ لديَّ ذلولُ
|
__________________
وإذ نحن لا طرفُ
الوعودِ عن اللقا
|
|
بطيّ ولا طرفُ
السعودِ كليلُ
|
نبيتُ ولا غيرُ
العفاف شعارُنا
|
|
وللأمنِ من واشٍ
عليَّ شمولُ
|
كروحينِ في جسمٍ
أقاما على الوفا
|
|
عفافاً وأبناءُ
العفافِ قليلُ
|
إلى أن تداعى
بالفراقِ فريقُكمْ
|
|
ولمَّ بكم حادٍ
وأمَّ دليلُ
|
تقاضى الهوى
منِّي فما لضلاله
|
|
مَقيلٌ ولا ممّا
جناهُ مُقيلُ
|
فحسبيَ إذ شطّت
بكم غربةُ النوى
|
|
علاجُ نحولٍ لا
يكاد يحولُ
|
أروم بمعتلِّ
الصبا برء علّتي
|
|
وأعجبُ ما يشفي
العليلَ عليلُ
|
لعلَّ الصبا إن
شطّتِ الدارُ أودنا
|
|
مثالُكمُ أو
عزَّ منك مثيلُ
|
أُحيّي الحيا إن
شطَّ من صوبِ أرضِكمْ
|
|
بناديه من لمعِ
البروقِ زميلُ
|
تمرُّ بنا في
الليل وهناً بريّها
|
|
يُبَلُ غليلٌ أو يَبَلُ عليلُ
|
سرى وبريقُ
الثغرِ وهناً كأنّما
|
|
لديَّ بريقُ
الثغرِ منك بديلُ
|
وأنشا شمال
الغور لي منك نشوةً
|
|
عساه لمعتلِّ
الشمالِ شَمولُ
|
أمتّهمٌ قلبي من
البينِ سلوةً
|
|
ومُتهِمةٌ في الركب ليس تؤولُ
|
أغرّك أنِّي
ساترٌ عنكِ لوعةً
|
|
لها ألمٌ بين
الضلوعِ دخيلُ
|
فلا تحسبي أنّي
تناسيتُ عهدَكمْ
|
|
ولكنّ صبري يا
أُمَيمُ جميلُ
|
ثقي بخليلٍ لا
يغادرُ خلَّهُ
|
|
بغدرٍ ولا يثنيه
عنك عذولُ
|
جميلُ خلالٍ لا
يُراع خليلُه
|
|
إذا ريعَ في
جنبِ الخليلِ خليلُ
|
خليقٌ بأفعالِ
الجميلِ خلاقُه
|
|
وكلُّ خليقٍ
بالجميلِ جميلُ
|
يزين مقالَ
الصدق منه فعالُهُ
|
|
وما كلُّ قوّالٍ
لديكِ فعولُ
|
__________________
غضيضٌ إذا
البيضُ الحسانُ تأوّدتْ
|
|
لهنّ قدودٌ في
الغلائلِ ميلُ
|
ففي الطرف دون
القاصراتِ تقاصرٌ
|
|
وفي الكفِّ من
طَولِ المكارم طُولُ
|
أما وعفافٍ لا
يدنِّسه الخنا
|
|
وسرِّ عتابٍ لم
يُزله مزيلُ
|
لأنتِ لقلبي حيث
كنتِ مسرّةٌ
|
|
وأكرمُ مسؤولٍ
لديَّ سؤولُ
|
يقصّر آمالي
صدودُك والقِلى
|
|
وينشرُها منك
الرجا فتطولُ
|
وتعلق آمالي
غروراً بقربِكمْ
|
|
كما غُرَّ يوماً
بالطفوفِ قتيلُ
|
قتيلٌ بكت حزناً
عليه سماؤها
|
|
وصبَّ لها دمعٌ
عليه همولُ
|
وزلزلت الأرضُ
البسيطُ لفقدِهِ
|
|
وريعَ له حزنٌ
بها وسهولُ
|
أأنسى حسيناً
للسهامِ رميّةً
|
|
وخيلُ العدى
بغياً عليه تجولُ
|
أأنساه إذ ضاقت
به الأرضُ مذهباً
|
|
يشير إلى
أنصارِه ويقولُ
|
أُعيذكمُ باللهِ
أن ترِدوا الردى
|
|
ويطمعَ في نفسِ
العزيزِ ذليلُ
|
ألا فاذهبوا
فالليلُ قد مدَّ سجفَهُ
|
|
وقد وضحتْ
للسالكين سبيلُ
|
فثابَ إليه
قائلاً كلُّ أقيلٍ
|
|
نمته إلى أزكى
الفروعِ أصولُ
|
يقولون والسمرُ
اللدانُ شوارعٌ
|
|
وللبيضِ من وقعِ
الصفاحِ صليلُ
|
أنُسلم مولانا
وحيداً إلى العدى
|
|
وتسلمُ فتيانٌ
لنا وكهولُ
|
ونعدل خوفَ
الموت عن منهج الهدى
|
|
وأين عن العدل
الكريم عدولُ
|
نودُّ بأن نبلى
ونُنشَرَ للبلى
|
|
مراراً ولسنا عن
علاكَ نحولُ
|
وثاروا لأخذِ
الثارِ قدماً كأنّهم
|
|
أُسودٌ لها بين
العرين شبولُ
|
مغاويرُ عرسٍ
عرسُها يومَ غارةٍ
|
|
لها الخطُّ في
يومِ الكريهةِ غيلُ
|
حماةٌ إذا ما
خيف للثغرِ جانبٌ
|
|
كماةٌ على قبِّ
الفحول فحولُ
|
ليوثٌ لها في
الدارعين وقائعٌ
|
|
غيوثٌ لها
للسائلين سيولُ
|
__________________
أدلّتُها في
الليلِ أضواءُ نورِها
|
|
وفي النقعِ
أضواءُ السيوف دليلُ
|
يؤمُّ بها قصدَ
المغالب أغلبٌ
|
|
فروسٌ لأشلاءِ
الكماةِ أكولُ
|
له الخطُّ كوبٌ
والجماجمُ أكؤسٌ
|
|
لديه وآذيُّ
الدماءِ شمولُ
|
يرى الموتَ لا
يخشاهُ والنبلُ واقعٌ
|
|
ولا يختشي وقعَ
النبالِ نبيلُ
|
صئولٌ إذا كرَّ
الكميُّ مناجزٌ
|
|
بليغُ إذا فاه
البليغُ قؤولُ
|
له من عليٍّ في
الخطوبِ شجاعةٌ
|
|
ومن أحمدٍ عند
الخطابة قيلُ
|
إذا شمختْ في
ذروةِ المجدِ هاشمٌ
|
|
فعمّاه منها
جعفرٌ وعقيلُ
|
كفاه علوّا في
البريّةِ أنّه
|
|
لأحمدَ والطهرِ
البتولِ سليلُ
|
فما كلُّ جدٍّ
في الرجالِ محمدٌ
|
|
ولا كلُّ أُمٍّ
في النساءِ بتولُ
|
حسينٌ أخو
المجدِ المنيفِ ومن له
|
|
فخارٌ إذا عُدَّ
الفخارُ أثيلُ
|
أرى الموتَ
عذباً في لهاك وصابُهُ
|
|
لغيرك مكروه
المذاق وبيلُ
|
فما مرَّ ذو باس
إلى مرِّ باسِهِ
|
|
على مهلٍ إلاّ
وأنت عجولُ
|
كأنّ الأعاديَ
حين صُلْتَ مبارزاً
|
|
كثيبٌ ذرته
الريحُ وهو مهيلُ
|
وما نهل الخطيُّ
منك ولا الظبا
|
|
ولا علَّ إلاّ
وهو منك عليلُ
|
بنفسي وأهلي
عافرَ الخطِّ حولَهُ
|
|
لدى الطفِّ من
آل الرسولِ قبيلُ
|
كأنّ حسيناً
فيهمُ بدرُ هالةٍ
|
|
كواكبُها حول
السماكِ حلولُ
|
قضى ظامياً
والماءُ طامٍ تصدّه
|
|
شرارُ الورى عن
وردِهِ ونغولُ
|
وحُزَّ وريدُ
السبطِ دون ورودِهِ
|
|
وغالته من أيدي
الحوادثِ غولُ
|
وآب جواد السبط
يهتف ناعياً
|
|
وقد ملأ البيداء
منه صهيلُ
|
فلمّا سمعنَ
الطاهراتُ نعيّه
|
|
لراكبه والسرجُ
منه يميلُ
|
برزن سليباتِ
الحليِّ نوادباً
|
|
لهنَّ على الندبِ
الكريمِ عويلُ
|
__________________
بنفسيَ أُختَ
السبطِ تعلنُ ندبَها
|
|
على ندبِها
محزونةً وتقولُ
|
أخي يا هلالاً
غابَ بعد طلوعِهِ
|
|
وحاق به عند
الكمالِ أُفولُ
|
أخي كنت شمساً
يكسفُ الشمسَ نورُها
|
|
ويخسأ عنها
الطرفُ وهو كليلُ
|
وغصناً يروق
الناظرين نضارةً
|
|
تغشّاه بعد
الإخضرار ذبولُ
|
وربعاً يميرُ
الوافدين ربيعُه
|
|
تعاهده غبَّ
العهادِ مُحولُ
|
وعضباً رماه
الدهر في دار غربةٍ
|
|
وفي غربه
للمرهفات فلولُ
|
وضرغام غيل غيلَ
من دونِ عرسِهِ
|
|
ومخلبُه ماضي
الغرارِ صقيلُ
|
فلم أر دون
الخدر قبلك خادراً
|
|
له بين أشراكِ
الضباعِ حصولُ
|
أصبت فلا ثوب
المآثر صَيّبٌ
|
|
ولا في ظلال
المكرمات مقيلُ
|
ولا الجودُ
موجودٌ ولا ذو حميّةٍ
|
|
سواك فيحمى في
حماه نزيلُ
|
ولا صافحت منك
الصفاحُ محاسناً
|
|
ولا كاد حسن
الحال منك يحولُ
|
ولا تربت منك
الترائبُ في البلا
|
|
ولا غالها في
القبرِ منك مغيلُ
|
لتنظرنا من بعد
عزٍّ ومنعةٍ
|
|
تلوح علينا
ذلّةٌ وخمولُ
|
تعالج سلبَ
الحلي عنّا علوجُها
|
|
وتحكم فينا
أعبدٌ ونغولُ
|
وتبتزُّ أهلُ
اللبسِ عنّا لباسَنا
|
|
وتُنزعُ أقراطٌ
لنا وحجولُ
|
ترى أوجهاً قد
غاب عنها وجيهُها
|
|
وأعوزَها بعد
الكفاةِ كفيلُ
|
سوافرُ بين
السفرِ في مهمهِ الفلا
|
|
لنا كلَّ يومٍ
رحلةٌ ونزولُ
|
تزيد خفوقاً يا
ابن أُمّ قلوبُنا
|
|
إذا خفقتْ
للظالمين طبولُ
|
فيا لكِ عيناً
لا تجفُّ دموعُها
|
|
وناراً لها بين
الضلوعِ دخيلُ
|
__________________
أيُقتلُ ظمآناً
حسينٌ وجدُّه
|
|
إلى الناسِ من
ربِّ العباد رسولُ
|
ويُمنَعُ شربَ
الماءِ والسربُ آمنٌ
|
|
على الشربِ منها
صادرٌ ونهولُ
|
وآلُ رسولِ
اللهِ في دار غربةٍ
|
|
وآلُ زيادٍ في
القصورِ نزولُ
|
وآلُ عليٍّ في
القيودِ شواحبٌ
|
|
إذا أنّ مأسورٌ
بكته ثكولُ
|
وآلُ أبي سفيان
في عزِّ دولةٍ
|
|
تسير بهم تحت
البنود خيولُ
|
مصابٌ أُصيب
الدينُ منه بفادحٍ
|
|
تكادُ له شمُّ
الجبالِ تزولُ
|
عليك ابنَ خيرِ
المرسلينَ تأسّفي
|
|
وحزني وإن طال
الزمانُ طويلُ
|
جللتَ فجلّ
الرزءُ فيك على الورى
|
|
كذا كلُّ رزءٍ
للجليلِ جليلُ
|
فليس بمُجدٍ فيك
وجدي ولا البكا
|
|
مفيدٌ ولا
الصبرُ الجميلُ جميلُ
|
إذا خفّ حزنُ
الثاكلاتِ لسلوةٍ
|
|
فحزني على مرِّ
الدهورِ ثقيلُ
|
وإن سَئِمَ
الباكون فيك بكاءَهم
|
|
ملالاً فإنِّي
للبكاء مُطيلُ
|
فما خفَّ من
حزني عليك تأسّفي
|
|
ولا جفَّ من
دمعي عليك مسيلُ
|
وينكر دمعي فيك
من باتَ قلبُهُ
|
|
خليّا وما دمعُ
الخليِّ هطولُ
|
وما هيَ إلاّ
فيك نفسٌ نفيسةٌ
|
|
يحلّلها حَرُّ
الأسى فتسيلُ
|
تباينَ فيك
القائلون فمعجبٌ
|
|
كثيرٌ وذو حزنٍ
عليكَ قليلُ
|
فأجرُ بني
الدنيا عليك لشأنِهمْ
|
|
دنيٌّ وأجرُ
المخلَصين جزيلُ
|
فإن فاتني
إدراكُ يومِك سيّدي
|
|
وأخّرني عن نصرِ
جيلِكَ جيلُ
|
فلي فيك أبكارٌ
لوفقِ جناسِها
|
|
أصولُ بها
للشامتين نُصولُ
|
لها رقّةُ
المحزونِ فيك وخطبُها
|
|
جسيمٌ على أهلِ
النفاق مَهولُ
|
يهيمُ بها سرُّ
الوليِّ مسرّةً
|
|
وينصب منها
ناصبٌ وجهولُ
|
لها في قلوبِ
الملحدين عواسلٌ
|
|
ووقعُ نصولٍ ما
لهنَّ نصولُ
|
بها من عليٍّ في
علاكَ مناقبٌ
|
|
يقوم عليها في
الكتابِ دليلُ
|
ينمُّ عن
الأعرافِ طيِّبُ عَرفِها
|
|
فتعلقُها
للعاقلين عقولُ
|
إذا نطقتْ آيُ
الكتابِ بفضلِكمْ
|
|
فما ذا عسى فيما
أقول أقولُ
|
لساني على
التقصيرِ في شرحِ وصفِكمْ
|
|
قصيرٌ وشرحُ
الاعتذارِ طويلُ
|
عليكم سلامُ
اللهِ ما اتّضح الضحى
|
|
وما عاقبت شمسَ
الأصيلِ أُفولُ
|
وذكر له العلاّمة
السيّد أحمد العطّار في الجزء الثاني من موسوعته الموسومة بالرائق ، وقال : قد
قالها في مرض موته ، قوله :
آن الرحيلُ
وحقَّ فينا ما ترى
|
|
وسرتْ لقطعِ
مفازةِ البين البرى
|
وظعنتُ عمّن
ودَّ يوم ترحّلي
|
|
لو أنّها
بالروحِ لي عوضٌ تُرى
|
ونقلتُ من سعةِ
القصورِ وروحِها
|
|
فرداً إلى
ظلماتِ أطباقِ الثرى
|
وتصرّمتْ
أيّامُنا فكأنّها
|
|
كانت وكنّا طيفَ
أحلامِ الكرى
|
ومروعةٌ بالبينِ
كاد فؤادُها
|
|
من هولِ يوم
البين أن يتفطّرا
|
وتقول إذ آن
الرحيلُ ودمعُها
|
|
قد خطَّ في
الخدِ المخدّد أسطرا
|
يا نازلاً
بحشاشتي ومخلّفي
|
|
عرَضَ المخافةِ
والمجاعةِ والعرا
|
فإلى من الملجا
سواك لنا إذا
|
|
شطّت صروفُ
الدهرِ أو خطبٌ عرا
|
فأجبتُها
والعينُ كوبُ فراقِها
|
|
تهمي على خدِّي
نجيعاً أحمرا
|
أنتم وديعةُ ذي
الجلالِ كما غدا
|
|
شخصي وديعةَ
حيدرٍ خيرِ الورى
|
يا مونسي في
وحدتي إذ عاينتْ
|
|
عيني نكيراً في
اللحودِ ومنكرا
|
أنا واثقٌ بك لا
أرى شخصيهما
|
|
إلاّ بشيراً
سائلي ومبشّرا
|
فبحقِّ قوم
ائتمنتَهمُ على
|
|
مكنونِ سرِّك
عارفاً ومخبّرا
|
إلاّ غفرتَ
ذنوبَ عبدٍ نازلٍ
|
|
بفناءِ من
ألزمتَ طاعتَه الورى
|
لا زاهدٍ ورعٍ
ولا متجنّبٍ
|
|
إثماً ولا يوماً
بعسرٍ أيسرا
|
__________________
لكن يدي علقت
بحبلِ ولاكمُ
|
|
ثقةً بكم ولنا
بذلك مفخرا
|
يا ناصرَ
الإسلامِ حين تأوّدتْ
|
|
منه الدعائمُ
فاستقامَ بلا مرا
|
ومذلَّ عزِّ
الكفرِ بعد حميّةٍ
|
|
خشناءَ عاليةِ
الجوانبِ والذرى
|
الله في عبدٍ
أتاك مجاوراً
|
|
متحصّناً
بولائِكمْ متستّرا
|
إنّي أتيتُكَ
وافداً ومجاوراً
|
|
ولكلِّ جارٍ
وافدٍ حقُّ القِرى
|
انتهى الجزء السادس من كتاب الغدير
ويليه السابع إن شاء الله
وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه انيب
__________________
محتويات الكتاب
شعراء الغدير في القرن الثامن
٩
ـ ٥٥٦
أبو محمد بن داود الحلي............................................. ١١
ـ ١٧
الشاعر.................................................................. ١٤
تأليفه القيّمة.............................................................. ١٦
جمال الدين الخلعي.................................................. ١٩
ـ ٣١
الشاعر.................................................................. ٢٢
لفت نظر................................................................ ٣١
السريجي الاوالي...................................................... ٣٣
ـ ٥٨
مايتبع الشعر............................................................. ٣٥
الشاعر.................................................................. ٥٨
صفيّ الدين الحلّي.................................................... ٥٩
ـ ٧٨
الشاعر.................................................................. ٦٢
آثاره ومآثره............................................................... ٦٥
ولادته ووفاته............................................................. ٧٥
الامام الشيباني الشافعي............................................... ٧٩
ـ ٨٢
ما يتبع الشعر............................................................. ٨٠
الشاعر.................................................................. ٨١
شمس الدين المالكي............................................... ٨٣
ـ ٥٠١
مايتبع الشعر............................................................. ٨٦
١ ـ حديث تزويج المولى
سبحانه فاطمة من علي............................ ٨٧
٢ ـ حديث (أنا مدينة
العلم وعلي بابها) ومن أخرجه من الحفاظ.............. ٨٧
صحّة الحديث........................................................ ١١١
لفظ الحديث......................................................... ١١٣
ما عشت أراك الدهر عجباً................................................ ١١٨
نوادر الأثر في علم عمر................................................... ١٢٠
١ ـ رأي الخليفة في
فاقد الماء............................................... ١٢٠
تحريف وتدجيل....................................................... ١٢١
الخليفة لايعرف حكم
الشكوك......................................... ١٣٢
جهل الخليفة بكتاب
الله............................................... ١٣٣
العجب العجاب...................................................... ١٣٥
امرأة اخرى وضعت لستة
أشهر......................................... ١٣٦
٥ ـ كل الناس أفقه من
عمر............................................... ١٣٦
جهل الخليفة بمعنى
الاب............................................... ١٤٢
قضاء الخليفة على
مجنونة قد زنت....................................... ١٤٥
لفت نظر............................................................ ١٤٨
جهل الخليفة بتأويل كتاب
الله.......................................... ١٤٨
جهل الخليفة بكفّارة
بيض نعام.......................................... ١٤٩
١٠ ـ كل الناس افقه من
عمر............................................. ١٥٠
امر الخليفة بضرب غلام
خاصم امة...................................... ١٥٠
جهل الخليفة بمعاريض
الكلم............................................ ١٥١
اجتهاد الخليفة في
قراءة الصلاة.......................................... ١٥٥
راي الخليفة في
الميراث.................................................. ١٥٧
١٥ ـ جهل الخليفة
بطلاق الامة........................................... ١٥٨
لولا علي لهلك عمر................................................... ١٥٨
كل احد افقه من عمر................................................ ١٥٩
رأي الخليفة في الحائض
بعد الافاضة..................................... ١٥٩
جهل الخليفة بالسنة................................................... ١٦٢
٢٠ ـ اجتهاد الخليفة
في امراة تسرّرت غلامها................................ ١٦٤
الخليفة وامراة مغنية.................................................... ١٦٩
حكم الخليفة برجم
مضطرّة............................................. ١٧١
الخليفة لايدري ما
يقول................................................ ١٧٢
٢٥ ـ قضايا في عسّه وتجسّمه............................................. ١٧٢
راي الخليفة في حد
الخمر............................................... ١٧٦
الخليفة وامراة احتالت
على شابّ........................................ ١٨٠
الا أبقاني الله بعد
أين ابي طالب........................................ ١٨٠
الخليفة والكلالة....................................................... ١٨١
٣٠ ـ رأي الخليفة في
الأرنب.............................................. ١٨٦
رأي الخليفة في القود................................................... ١٨٩
لولا معاد لهلك عمر................................................... ١٨٨
رأي الخليفة في القود................................................... ١٨٨
رأي الخليفة في ذمّي
مقتول............................................. ١٨٩
٣٥ ـ قصّة اخرى في
ذمّي مقتول........................................... ١٩٠
رأي الخليفة في قاتل
معفو عنه.......................................... ١٩٠
راي الخليفة في
الاصابع................................................ ١٩١
رأي الخليفة في دية
الجنين.............................................. ١٩٢
رأي الخليفة في سارق.................................................. ١٩٤
٤٠ ـ اجتهاد الخليفة
في هدية ملكة الروم.................................... ١٩٤
رأي الخليفة في جلد
المغيرة.............................................. ١٩٦
كل افقه من عمر حتى
العجائز......................................... ٢٠٤
استشارة الخليفة في
متسابين............................................ ٢٠٥
رأي الخليفة في شجرة
الرضوان.......................................... ٢٠٧
٤٥ ـ رأي الخليفة في
آثار الأنبياء.......................................... ٢٠٨
الخليفة وقوم من أحبار
اليهود........................................... ٢٠٩
رأي الخليفة في الزكاة................................................... ٢١٩
رأي الخليفة في ليلة
القدر.............................................. ٢٢٠
ضرب الخليفة بالدّرة
لغير موجب........................................ ٢٢٢
٥٠ ـ جهل الخليفة
بالسنّة المشهورة......................................... ٢٢٣
اجتهاد الخليفة في
البكاء على الميت..................................... ٢٢٤
اجتهاد الخليفة في
الاضحية............................................. ٢٣٦
الخليفة في إرث الزوجة
من الدية......................................... ٢٣٧
زبدة الخض........................................................... ٢٤٠
رأي الخليفة في تحقّق
البلوغ............................................. ٢٤١
٥٥ ـ تنقيص الخليفة من
الحدّ.............................................. ٢٤١
أبا حسن لا أبقاني
الله لشدّة لست لها................................... ٢٤٢
الخليفة ومولود عجيب................................................. ٢٤٤
اجتهاد الخليفة في حدّ
امة.............................................. ٢٤٥
نهي الخليفة عما أمر
به رسول الله صلى الله عليه واله....................... ٢٤٧
٦٠ ـ اجتهاد الخليفة
في حلي الكعبة........................................ ٢٤٩
اجتهاد الخليفة في
طلاق الثلاث........................................ ٢٥١
اجتهاد الخليفة في
الصلاة بعد العصر.................................... ٢٥٨
رأي الخليفة في العجم.................................................. ٢٦٢
تجسّس الخليفة
بالسعاية................................................ ٢٦٥
٦٥ ـ استئذان الخليفة
من عائشة........................................... ٢٦٦
خطبة الخليفة في
الجايية................................................ ٢٦٩
لفت نظر............................................................ ٢٧٣
الخليفة وتعلّم سورة
البقرة............................................... ٢٧٦
متعة الحجّ............................................................ ٢٧٨
متعة النساء.......................................................... ٢٨٩
أحاديث النهي عن المتعتين................................................ ٢٩٦
نظرة في المتعتين....................................................... ٢٠٢
متعة الحج............................................................ ٣٠٢
متعة النساء.......................................................... ٣١١
المتعة في الكتاب...................................................... ٣٢٣
هلّم معي............................................................ ٣٣٢
حدود المتعة في
الإسلام................................................ ٣٣٣
إقرأ واضحك أو ابك.................................................. ٣٣٥
٧٠ ـ رأي الخليفة فيمن
قال : إنيّ مؤمن.................................... ٣٣٩
قدوم أسقف نجران على
الخليفة......................................... ٣٤١
جلد صائم فعد على شراب............................................ ٣٤٣
رأي الخليفة في مسك
بيت المال......................................... ٣٤٣
اجتهاد الخليفة في
صلاة الميت.......................................... ٣٤٤
٧٥ ـ الخليفة ومسائل ملك الروم........................................... ٣٤٨
ذكر السائل.......................................................... ٣٤٩
موقف الخليفة في
الاحكام.............................................. ٣٥٢
رأي الخليفة في
المناسك................................................ ٣٥٢
رأي الخليفة في الخمر وآياتها............................................ ٣٥٤
جهل الخليفة بالغسل من
الجنابة......................................... ٣٦٩
٨٠ ـ الخليفة وتوسعة
المسجدين............................................ ٣٧٠
سكوت الخليفة عن حكم
الطلاق....................................... ٣٧٦
رأي الخليفة في اكل
اللحم.............................................. ٣٧٦
الخليفة ويهودي مدتي.................................................. ٣٧٨
الخليفة أوّل من أعال
الفرائض.......................................... ٣٨٠
٨٥ ـ اجتهاد عمر في
تنطير أموال عمّاله.................................... ٣٨٢
الخليفة في شراء الإبل.................................................. ٣٩١
رأي الخليفة في بيت
المقدس............................................ ٣٩٢
رأي الخليفة في المجوس.................................................. ٣٩٦
رأي الخليفة في صوم
رجب............................................. ٣٩٧
٩٠ ـ اجتهاد الخليفة
في السؤال عن مشكلات القرآن......................... ٤١٢
رأي الخليفة في السؤال
عمّا لم يقع....................................... ٤١٥
نهي الخليفة عن الحديث................................................ ٤١٦
حديث كتابة السنن................................................... ٤٢٠
رأي الخليفة في الكتب................................................. ٤٢١
٩٥ ـ الخليفة والقراءات................................................... ٤٢٨
اجتهاد الخليفة في
الأسماء والكني........................................ ٤٣٦
حد الخليفة ابنه بعد
الحد............................................... ٤٤٦
حدّ الخليفة بما يقرأ
يوم العيد............................................ ٤٥٢
الخليفة ومعاني
الالفاظ................................................. ٤٥٣
١٠٠ ـ رأي الخليفة في
صوم الدهر......................................... ٤٥٥
نتاج البحث.............................................................. ٤٦١
عود الى ما يتبع شعر
شمس الدين المالكي................................... ٤٦٩
٣ ـ حديث الولاية.................................................... ٤٦٩
٤ ـ حديث المنزلة..................................................... ٤٦٩
٥ ـ حديث سبق على عليه
السلام الى الاسلام........................... ٤٧٠
٦ ـ حديث تكنية علي
عليه السلام بأبي تراب............................ ٤٧٠
مكرمة حول الحديث.................................................. ٤٧٦
٧ ـ حديث سورة براءة وتبليغها.......................................... ٤٧٦
المراسيل من حديث سورة
براءة.......................................... ٤٩٢
الشاعر................................................................. ٤٩٥
تأليفه.................................................................. ٤٩٦
علاء الدين الحلّي................................................. ٥٠٣
ـ ٥٥٦
القصيدة الغديرية
الأولى................................................ ٥٠٣
الشاعر................................................................. ٥١٤
القصيدة الثانية....................................................... ٥١٥
القصيدة الثالثة....................................................... ٥٢٣
القصيدة الرابعة....................................................... ٥٢٩
القصيدة الخامسة..................................................... ٥٣٤
القصيدة السادسة..................................................... ٥٤٢
القصيدة السابعة...................................................... ٥٤٨
|