بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما عرّفنا من نفسه ، وألهمنا من شكره ، وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيّته ، ودلّنا عليه من الإخلاص في توحيده ، وجنّبنا من الإلحاد والنفاق والشقاق والشكِّ في أمره ، ومنّ علينا بسيِّد رُسله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأكرمنا بالثَّقلين خليفتي نبيِّه : كتاب الله العزيز والعترة الطاهرة ـ سلام الله عليهم ـ وأسعد حظّنا بتواصل أشواطنا في السعي وراء صالح المجتمع ، ووفّقنا للسير في سبيل الخدمة للملإ وفي مقدّمهم روّاد العلم والفضيلة ، وأثبت أقدامنا في جَدَد الحقِّ والحقيقة ، وتعالى في تلك الجدة جَدّنا ، وتوالت بسعد الجدّ صحائف أعمالنا وآثار يراعنا ، ونحن نستثبت في الأمر ولا نتفوّه إلاّ بثبت ، والله وليُّ التوفيق ، وهو نعم المولى ونعم النصير.

عبد الحسين أحمد الأميني



بقيّة

شعراء الغدير

في

القرن الرابع

١ ـ أبو الفتح كشاجم

 ٧ ـ أبو العباس الضبي

٢ ـ الناشئ الصغير

 ٨ ـ أبو الرقعمق الانطاكي

٣ ـ البشنوي الكردي

 ٩ ـ أبو العلاء السروي

٤ ـ الصاحب بن عباد

 ١٠ ـ أبو محمد العوني

٥ ـ الجوهري الجرجاني

 ١١ ـ ابن حماد العبدي

٦ ـ ابن الحجاج البغدادي

 ١٢ ـ أبو الفرج الرازي

١ ـ أبو الفتح كشاجم

 ٧ ـ أبو العباس الضبي

٢ ـ الناشئ الصغير

 ٨ ـ أبو الرقعمق الانطاكي

٣ ـ البشنوي الكردي

 ٩ ـ أبو العلاء السروي

٤ ـ الصاحب بن عباد

 ١٠ ـ أبو محمد العوني

١٣ ـ جعفر بن حسين



ـ ٢٢ ـ

أبو الفتح كشاجم

المتوفّى (٣٦٠)

له شغُلٌ عن سؤالِ الطللْ

أقام الخليطُ به أم رحلْ

فما ضَمِنته لحاظُ الظّبا

تطالعُه من سجوفِ الكِلَلْ

ولا تستفزُّ حجاهُ الخدودُ

بمصفرّة واحمرار الخجلْ

كفاهُ كفاهُ فلا تعذلاهُ

كرُّ الجديدين كرُّ العذلْ

طوى الغيّ مشتعلاً في ذراه

فتطفى الصبابةُ لمّا اشتعلْ

له في البكاءِ على الطاهرين

مندوحةٌ عن بكاءِ الغزلْ

فكم فيهمُ من هلالٍ هوى

قُبيلَ التمامِ وبدرٍ أفلْ

همُ حُجَجُ اللهِ في خلقِهِ

ويومَ المعادِ على من خَذَلْ

ومن أنزلَ اللهُ تفضيلَهمْ

فردّ على الله ما قد نَزَلْ

فجدُّهمُ خاتمُ الأنبياءِ

ويعرِفُ ذاكَ جميعُ المِلَلْ

ووالدُهمْ سيّدُ الأوصياءِ

ومُعطي الفقيرِ ومُردي البطلْ

ومن علّم السمرَ طعن الحليّ

لدى الروعِ والبيضَ ضربَ القللْ

ولو زالتِ الأرضُ يوم الهياج

من تحت أخمُصه لم يزُلْ (١)

ومن صدّ عن وجهِ دنياهمُ

وقد لبست حُلْيَها والحُلَلْ

__________________

(١) أخمص القدم : ما لا يصيب الأرض من باطنها ، ويراد به القدم كلّها. (المؤلف)


وكان إذا ما أُضيفوا إليه

فأرفعُهم رتبةً في المَثَلْ

سماءٌ أُضيف إليها الحضيضُ

وبحرٌ قَرَنْتَ إليه الوَشَلْ (١)

بجودٍ تعلّمَ منه السحابُ

وحِلمٍ تولّد منه الجبلْ

وكم شبهةٍ بهُداه جلا

وكم خطّةٍ بحِجاه فَصَلْ

وكم أطفأ اللهُ نار الضلالِ

به وهي ترمي الهدى بالشُّعَلْ

ومن ردَّ خالقُنا شمسَهُ

عليه وقد جَنَحَتْ للطَفَلْ (٢)

ولو لم تعُدْ كان في رأيِهِ

وفي وجهِه من سناها بَدَلْ

ومن ضربَ الناسَ بالمُرهفاتِ

على الدينِ ضربَ عِرابِ الإبلْ

وقد علموا أنّ يومَ الغديرِ

بغدرهمُ جرَّ يومَ الجَمَلْ

فيا معشرَ الظالمين الذينَ

أذاقوا النبيّ مضيضَ الثكلْ

إلى أن قال :

يُخالفكمْ فيه نصُّ الكتابِ

وما نصّ في ذاك خير الرسُلْ

نبذتمْ وصيّتَهُ بالعراءِ

وقلتمْ عليه الذي لم يَقُل

إلى آخر قصيدته الموجودة في نسخ ديوانه المخطوط (٤٧) بيتاً ، وقد أسقط ناشر ديوانه من القصيدة ما يخالف مذهبه ، وليست هذه بأوّل يد حرّفت الكلم عن مواضعها.

الشاعر

أبو الفتح محمود بن محمد بن الحسين بن سندي بن شاهك الرملي (٣) ، المعروف

__________________

(١) الوشل ـ كما مرّ ـ : الماء القليل ، يتحلّب من صخر أو جبل. (المؤلف)

(٢) طفلت الشمس : دنت للغروب. مرّ حديث ردّ الشمس في الجزء الثالث : ص ١٢٦ ـ ١٤١ (المؤلف)

(٣) نسبة إلى الرملة ، من أرباض فلسطين [معجم البلدان : ٣ / ٦٩]. (المؤلف)


بكشاجم. هو نابغةٌ من رجالات الأمّة ، وفذٌّ من أفذاذها ، وأوحديٌّ من نياقدها ، كان لا يُجارى ولا يُبارى ، ولا يُساجَل ولا يُناضَل ، فكان شاعراً كاتباً متكلّماً منجِّماً منطقيّا محدِّثاً ، ومن نُطس الأواسيِّ محقِّقاً مدقِّقاً مجادلاً جواداً.

فهو جُماع الفضائل ، وإنّما لقّب نفسه بكشاجم إشارةً بكلِّ حرف منها إلى علم : فبالكاف إلى أنَّه كاتب ، وبالشين إلى أنَّه شاعر ، وبالألف إلى أدبه ، أو إنشاده ، وبالجيم إلى نبوغه في الجدل أو جوده ، وبالميم إلى أنَّه متكلّم أو منطقي أو منجِّمٌ ، ولمّا ولع في الطبِّ وبرع فيه زاد على ذلك حرف الطاء فقيل : طكشاجم ، إلاَّ أنّه لم يشتهر به.

هذا ما طفحت به المعاجم (١) في تحليل هذا اللقب على الخلاف الذي أوعزنا إليه في الإشارة ، لكنَّ الرجل بارع في جميع ما ذكر من العلوم ، ولعلّه هو المنشأ للاختلاف في التحليل.

أدبه وشعره :

إنّ المترجَم قدوةٌ في الأدب وأسوةٌ في الشعر ، حتى إنّ الرفّاء السريّ الشاعر المفلق ، على تقدّمه في فنون الشعر والأدب كان مغرىً بنسخ ديوانه ، وكان في طريقه يذهب ، وعلى قالبه يضرب (٢) ، ولشهرته بهذا الجانب قال بعضهم :

يا بؤسَ منْ يُمنى بدمعٍ ساجمِ

يهمي على حُجُبِ الفؤادِ الواجمِ (٣)

لو لا تعلّلُهُ (٤) بكأسِ مُدامةٍ

ورسائلِ الصابيّ وشعرِ كشاجمِ (٥)

__________________

(١) راجع شذرات الذهب : ٣ / ٣٧ [٤ / ٣٢١ حوادث سنة ٦٠ ه‍] ، والشيعة وفنون الإسلام : ص ١٠٨ [ص ١٤٠]. (المؤلف)

(٢) تاريخ ابن خلكان : ١ / ٢١٨ [٢ / ٣٦٠ رقم ٢٥٧]. (المؤلف)

(٣) يمنى : يبتلى ويصاب. يهمي : يسيل. الواجم : العبوس من شدّة الحزن. (المؤلف)

(٤) علّل فلاناً بكذا : شغله أو ألهاه به. (المؤلف)

(٥) معجم الأدباء : ١ / ٣٢٦ [٢ / ٢٧]. (المؤلف)


دوّن شعره أبو بكر محمد بن عبد الله الحمدوني ، ثمّ ألحق به زيادات أخذها من أبي الفرج بن كشاجم.

وشعره كما تطفح عنه شواهد تضلّعه في اللغة والحديث ، وبراعته في فنون الأدب والكتاب والقريض ، كذلك يقيم له وزناً في الغرائز الكريمة النفسيّة ، ويمثِّله بملكاته الفاضلة كقوله :

شهرت نداي مناصبٌ

لي في ذرى كِسرى صريحهْ

وسجيّةٌ لي في المكا

رمِ إنّني فيها شحيحهْ

متحيِّزاً فيها مُعلّى المج

دِ مجتنباً منيحهْ

ولقد سننتُ من الكتا

بة للورى طُرُقاً فسيحهْ

وفضضتُ من عُذَرِ المعا

ني الغُرِّ في اللغة الفصيحهْ

وشفعتُ مأثورَ الروا

يةِ بالبديعِ من القريحهْ

ووصلتُ ذاك بهمّةٍ

في المجدِ سائبةٍ طموحهْ

وعزيمةٍ لا بالكليل

ةِ في الخطوب ولا الطليحهْ (١)

كلتاهما لي صاحبٌ

في كلِّ داميةٍ جموحهْ

ويحكي القارئ عن نبوغه وسرده المعاني الفخمة في أسلاك نظمه ، ورقّة لطائفه ، وقوّة أنظاره ، ودقّة فكرته ، ومتانة رويّته ، قوله :

لو بحقٍّ تناولَ النجمَ خلقٌ

نلتُ أعلى النجومِ باستحقاقِ

أوَليس اللسانُ منّيَ أمضى

من ظُباتِ المهنّداتِ الرقاقِ

ويدي تحمل الأناملُ منها

قلماً ليس دمعُهُ بالراقي (٢)

__________________

(١) الطليحة : المتعبة المعياة.

(٢) يقال : رقأ الدمع أي جفّ وانقطع.


أفعواناً تهابُ منه الأعادي

حيّةً يستعيذُ منها الراقي (١)

وتراهُ يجودُ من حيث تجري

منه تلك السمومُ بالدرياقِ

مطرقاً يهلك العدوّ عقاباً

ويريش الوليّ ذا الإخفاقِ

وسطورٌ خططتُها في كتابٍ

مثلُ غيمِ السحابةِ الرقراقِ

صُغتُ فيه من البيان حُليّا

باختراعِ البعيد لا الإشفاقِ

وقوافٍ كأنّهن عقودُ الدّ

رّ منظومةً على الأعناقِ

غررٌ تَظهرُ المسامعُ تِيهاً

حين يسمعْنها على الأحداقِ

ويَحارُ الفهمُ الرقيق إذا ما

جال منهنّ في المعاني الرقاقِ

ثاوياتٌ معي وفكري قد س

يّرها في نوازحِ الآفاقِ

وإذا ما ألمّ خطبٌ فرأسي

فيه مثلُ الشهابِ في الأعناقِ

وإذا شئت كان شعريَ أحلى

من حديثِ الفتيان والعشّاقِ

حلف مشمولة وزير عوان

أسدٌ في الحروب غير مطاقِ

اصطباحي تنفيذ أمرٍ ونهيٍ

ومن الراح بالعشيِّ اغتباقي

ووقور الندى ولا أُخجل الشا

رب منهُ ولا أذمُّ الساقي

أنزع الكأسَ إن شربتُ وأسقي

ـهِ دهاقاً صحبي وغير دهاقِ

ومعدٌّ للصيدِ منتخباتٍ

من أصولٍ كريمةِ الأعراقِ

مضمراتٌ كأنّها الخيلُ تطوى

كلَّ يومٍ بطونها للسباقِ

رائقاتُ الشبابِ مكتسياتٌ

حُلَلاً من صنيعةِ الخلاّقِ

تصفُ البيضَ والجفونَ إذا ما

أخرجتْ أَلْسُناً من الأشداقِ

وكأنّ المها إذا ما رأتها

حذرتْ واستطامنتْ في وثاقِ

مَعْ ندامى كأنّهم والتصافي

خُلقوا من تآلفٍ واتِّفاقِ

__________________

(١) من الرُّقية ، وهي العوذة.


والباحث يجد شاعرنا عند شعره معلِّماً أخلاقيّا فذّا بعد ما يرى أمثلة خلائقه الكريمة ، ونفائس سجاياه ، وصدقه في ولائه ، وقيامه بشؤون الإنسانية نصب عينيه ، مهما وقف على مثل قوله :

ولدينا لذي المودّةِ حِفظٌ

ووفاءٌ بالعهدِ والميثاقِ

أتوخّى رضاهُ جَهدي فلمّا

مسّهُ الضُرُّ مسّهُ إرفاقي

تلك أخلاقُنا ونحنُ أُناسٌ

همّنا في مكارمِ الأخلاقِ

وقوله :

أُناسٌ أعرضوا عنّا

بلا جُرمٍ ولا معنى

أساؤوا ظنّهم فينا

فهلاّ أحسَنوا الظنّا

وخَلَّوْنا ولو شاءوا

لَعادُوا كالذي كنّا

فإن عادوا لنا عُدْنا

وإن خانوا لمَا خُنّا

وإن كانوا قد اشتغلوا

فإنّا عنهمُ أغنى

وقوله من قصيدة يمدح بها ابن مقلة :

كم فيَّ من خلّةٍ لو أنَّها امتحنتْ

أدّت إلى غبطةٍ أو سدّت الخلّه

وهمّةٍ في محلِّ النجم موقعُها

وعزمةٍ لم تكن في الخطب منجلّه

وذلّةٍ أكسبتني عزّ مكرمةٍ

وربّما يُستفاد العزُّ بالذلّه

صاحبتُ ساداتِ أقوامٍ فما عثروا

يوماً على هفوةٍ منّي ولا زلّه

واستمتعوا بكفاياتي وكنت لهمْ

أوفى من الذرع أو أمضى من الأَلّة (١)

خطٌّ يروقُ وألفاظٌ مهذّبةٌ

لا وعرةُ النظمِ بل مختارةٌ سهله

لو أنَّني مُنْهِلٌ منها أخا ظمأٍ

روّت صَداه فلم يَحْتَجْ إلى غلّه

__________________

(١) الألّة : الحربة.


وكم سننتُ رسوماً غيرَ مشكلةٍ

كانت لمن أَمّها مُسترشداً قِبله

عمّتْ فلا منشئُ الديوان مكتفياً

منها ولم يغن عنها كاتب السلّه

وصاحبَتْني رجالاتٌ بذلتُ لها

مالي فكان سماحي يقتضي بذلَه

فأعملَ الدهرُ في خَتلي مكائدَهُ

والدهرُ يعمل في أهل الهوى ختلَه

لكن قنعتُ فلم أرغب إلى أحدٍ

والحرُّ يحملُ عن إخوانه كَلَّه

وتراه متى ما أبعده الزمان عن أخلاّئه وحجبهم عنه ، عزّ عليه البين ، وعظمت عليه شقّته ، وثقل عليه عبئه ، فجاء في شكواه يفزع ويجزع ، ويئنُّ ويحنُّ ، فيصوِّر على قارئ شعره حنانه وحنينه ، ويمثِّل سجاح عينه لوعة وجده ، ولهب هواه بمثل قوله :

يا من لعينٍ ذَرَفَتْ

ومن لروحٍ تَلِفَتْ

مُنهلّةٌ عبرتُها

كأنّها قد طرفتْ (١)

إن أمِنَتْ فاضتْ وإن

خافتْ رقيباً وقَفَتْ

وإنّما بكاؤها

على ليالٍ سَلَفَتْ

وقوله :

يا مُعرضاً لا يلتفتْ

بمثل ليلي لا تَبِتْ

بَرَّحَ هجرانُكَ بي

حتى رثى لي من شَمَتْ

علّقتَ قلبي بالمُنى

فأَحْيِهِ أو فَأَمِتْ

وبما كان ـ كشاجم ـ مجبولاً بالحنان ولين الجانب ، وسجاحة الخلائق ، وحسن الأدب ، مطبوعاً بالعطف والرأفة ، مفطوراً على عوامل الإنسانية والغرائز الكريمة ، ولم يكن شرّيراً ، ولا رديء النفس ، ولا بذيء اللسان ، ولا مسارعاً في الوقيعة في أحد ،

__________________

(١) طرفت عينه : أصابها شيء فدمعت. (المؤلف)


كان يرى الشعر إحدى مآثره الجمّة ، ويعدُّه من فضائله ، وما كان يتّخذه عدّة للمدح ، ولا جُنّةً في الهجاء ، وما يهمّه التوجّه إلى الجانبين ، لم ير لأيٍّ منهما وزناً ، لعدم تحرِّيه التحامل على أحد ، وعدم اتِّخاذه مكسباً ليدرّ له أخلاف الرزق ، ولا آلةً لدنياه وجمع حطامها ، وكان يقول :

ولئن شعرتُ لَما قصد

تُ هجاءَ شخصٍ أو مديحهْ

لكن وجدتُ الشعر لل

آدابِ ترجمةً فصيحهْ

هجاؤه :

أخرج القرن الرابع شعراء هجّائين ، قد اتّخذ كلُّ واحدٍ منهم طريقة خاصّة من فنون الهجاء ، وكلُّ فنّ مع هذه نوعٌ فذٌّ في الهجاء ، يظهر ميزه متى قُرِن بالآخر ، ومنهم مكثرٌ ومنهم من استقلّ ، وشاعرنا من الفرقة الثانية ، وله فنٌّ خاصٌّ من الهجاء كان يختاره ويلتزم به في شعره.

ولعلّك تجده في فنِّه المختار مجبول خلائقه الحسنة ، ونفسيّاته الكريمة ، وملكاته الفاضلة ، فكأنّه قد خُمِرت بها فطرته ، ومُزِجت بها طينته ، أو جرت منه مجرى الدم ، واستولت على روحه ، وحكمت في كلِّ جارحةٍ منه ، حتى ظهرت آياتها في هجائه النادر الشاذّ ، فيُخيَّل إليك ـ مهما يهجو ـ أنَّه واعظ بارّ يخطب ، أو نصوحٌ يُودِّد ويعاتب ، أو مجادلٌ دون حقِّه يجامل ، لا أنَّه يغمز ويعيب ، ويغيظ في الوقيعة ويناضل ، ويثور ويثأر لنفسه ، وتجده قد اتّخذ الهجاء شكّة دفاع له لا شكّة هجوم ، وترى كلّه جائه خليّا عن لهجةٍ حادّة ، وسِبابٍ مُقذع ، عارياً عن قبيح المقال وخبث الكلام ، بعيداً عن هتك مهجوِّه ، ونسبته إلى كلِّ فاحشة ، وقذفه بكلِّ سيِّئة ، غير مستبيح إيذاء مهجوِّه ، ولا مستحلٍّ حرمته ، ولا مجوِّز عليه الكذب والتهمة ، خلاف ما جرت العادة بينك ثير من أدباء العصور المتقادمة ، فعليك النظر إلى قوله في


بعض أبناء رؤساء عصره ، وقد أنفذ إليه كتاباً فلم يجبه عنه :

ها قد كتبتُ فما رددتَ جوابي

ورجّعتَ مختوماً عليَّ كتابي

وأتى رسولاً مستكيناً يشتكي

ذُلَّ الحجابِ ونخوةَ البوّابِ

وكأنّني بكَ قد كتبتَ معذِّراً

وظلمتني بملامةٍ وعتابِ

فارجع إلى الإنصاف واعلم أنَّه

أولى بذي الآدابِ والأحسابِ

يا رحمةَ اللهِ التي قد أصبحتْ

دون الأنامِ عليَّ سوطَ عذابِ

بأبي وأمّي أنت من مستجمعٍ

تِيهَ القيانِ ورقّةَ الكتّابِ

وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء :

عدمتُ رئاسةَ قومٍ شَقُوا

شباباً ونالوا الغنى حين شابوا

حديثٌ بنعمتهم عهدُهمْ

فليس لهم في المعالي نصابُ

يَرَوْن التكبّرَ مُستصوَباً

من الرأي والكبرُ لا يُستصابُ

وإن كاتبوا صارفوا في الدعاء

كأنّ دعاءَهم مستجابُ

ومن لطيف شعره في الهجاء قوله :

إنّ مظلومةَ التي

زُوّجتْ من أبي عمرْ

وَلَدَتْ ليلةَ الزفا

ف إلى بعلِها ذَكَرْ

قلت من أين ذا الغلا

مُ وما مسّها بشرْ

قال لي بعلُها ألمْ

يأتِ في مسندِ الخبرْ

ولد المرءِ للفرا

شِ وللعاهر الحجَرْ

قلت هُنِّيتَهُ على

رغم من أنكر الخبرْ

كشاجم والرئاسة :

وبما كان المترجَم ـ كما سمعت ـ مطبوعاً بسلامة النفس ، وقداسة النَفَس ،


وطيب السريرة ، متحلّياً بمكارم الأخلاق ، خالياً من المكيدة والمراوغة والدسيسة ، مزايلاً للبذاء والإيذاء والاعتساف ، كان رافعاً نفسه عن الرتبة وإشغال المنصّة في أبواب الملوك والولاة ، وما كان له مطمعٌ في شأن من الوزراء والولاية والكتابة والعمالة عند الأمراء والخلفاء ، وما اتّخذ فضائله الجمّة لها شرَكاً ، ولنيل الآمال وسيلةً ، وكان يرى التقمّص بالرئاسة من مرديات النفس ويقول :

رأيت الرئاسةَ مقرونةً

بلبسِ التكبّرِ والنخوهْ

إذا ما تقمّصها لابسٌ

ترفّع في الجهر والخلوهْ

ويقعدُ عن حقّ إخوانِهِ

ويطمع أن يُهْرَعوا نَحْوهْ

ويُنقِصهمْ من جميلِ الدعاءِ

ويأملُ عندهم حظوهْ

فذلكَ إنْ أنا كاتبتُه

فلا يسمعُ اللهُ لي دعوهْ

ولستُ بآتٍ له منزلاً

ولو أنَّه يسكن المَروهْ

وكان بالطبع ـ والحال هذه ـ ينهى أولياءه عن قبول الوظائف السلطانية ، والتولّي لشيءٍ من المناصب عند الحكّام ، ويحذِّرهم عن التصدّي لوظيفةٍمن شئون الملك والمملكة ، ويمثِّل بين يديهم شنعة الائتمار ، وينبِّههم بما يقتضيه الترؤس من الظلم والوقيعة في النفوس ، ونصب العداء لمخالفيه ، وما يوجب من دحض الحقِّ ، وإضاعة الحقوق ، ورفض مكارم الأخلاق. وحسبك ما كتبه إلى صديق له وكان قد تقلّد البريد من قوله :

صرتَ لي عاملَ البريدِ مقيتا

وقديماً إليَّ كنتَ حبيبا

كنت تستثقل الرقيبَ فقد صر

تَ علينا بما وَلِيتَ رقيبا

كرهَتْكَ النفوسُ وانحرفتْ عن

ـك‍قلوبٌ وكنت تسبي القلوبا

أفلا يُعجَبُ الأنامُ بشخصٍ

صار ذئباً وكان ظبياً ربيبا

حِكَمه ودرر كَلِمِه :

فيا له في شعره من شواهد صادقة تمثِّله بهذا الجانب العظيم ، وتعرب عن قَدم


صدقه في حثِّ أمّته إلى المولى سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبثِّ الدعوة إليه بدُرَر الكلم وغُرَر الحِكَم ، وإصلاح أمّته ببيان الحقيقة ، وتشريح دعوة النفس الأمّارة بالسوء ، ومن حكميّاته قوله :

ليس خلقٌ إلاَّ وفيه إذا ما

وقع الفحصُ عنه خيرٌ وشرُّ

لازمٌ ذاك في الجبلّة لا يد

فعُهُ من له بذلك خُبْرُ

حكمةُ الصانعِ المدبِّرِ أن لا

شيءَ إلاَّ وفيه نفعٌ وضُرُّ

فاجتهد أن يكون أكبرُ قسمي

ـكَ من النفعِ والأقلَّ الأضرُّ

وتحمّل مرارةَ الرأيِ واعلمْ

أنّ عُقبى هواكَ منه أَمَرُّ

رُض بفعلِ التدبيرِ نفسَك واقصر

ها عليه ففيهِ فضلٌ وفخرُ

لا تُطعها على الذي تبتغيهِ

ولْيَرُعْها منك اعتسافٌ وقهرُ

إنّ من شأنها مجانبةَ الخي

ـرِ وإتيانَ كلِّ ما قد يغرُّ

وقوله :

عجبي ممّن تعالتْ حالُهُ

وكفاه اللهُ زلاّتِ الطلبْ

كيف لا يقسمُ شَطْرَيْ عمرهِ

بين حالينِ نعيمٍ وأدبْ

فإذا ما نال دهراً حظَّهُ

فحديثٌ ونشيدٌ وكتُبْ

مرّة جِدّا وأخرى راحةً

فإذا ما غسقَ الليلُ انتصبْ

يقتضي الدنيا نهاراً حقَّها

وقضى لله ليلاً ما يجبْ

تلك أقسامٌ متى يَعملْ بها

عاملٌ يَسْعَدْ ويرشُدْ ويُصِبْ

ومن كلمه الذهبيّة في تحليل معنى الرضا عن النفس ، وما يوجب ذلك من سخطها وجموحها ورفض الآداب قوله :

لم أرضَ عن نفسي مخافةَ سَخْطِها

ورضا الفتى عن نفسِهِ إغضابُها


لو أنَّني عنها رَضِيتُ لَقَصّرَتْ

عمّا تُريدُ بمثلِها آدابُها

وببيننا آثارُ ذاك وأكثرتْ

عَذلي عليه وطالَ فيه عتابُها

ومن حِكَمه قوله :

بالحرص في الرزقِ يَذِلُّ الفتى

والصبرُ فيه الشرفُ الشامخُ

ومستزيدٌ في طِلابِ الغنى

يجمعُ لحماً ما لهُ طابخُ

يُضيع ما نال بما يرتجي

والنارُ قد يُطفِئها النافخُ

وقوله :

حُلَلُ الشبيبةِ مستعارهْ

فدع الصبا واهجرْ ديارهْ

لا يُشْغِلَنْكَ عن العُلى

خَوْدٌ (١) تُمنِّيك الزيارهْ

خَوْدٌ تطيّبُ طيبَها

ويزينُ ساعدَها سوارهْ

يحلو أوائلُ حبِّها

ويشوبُ آخرَه مرارهْ

ما عذرُ مثلِكَ خالعاً

في سُكْرِ لذّتِهِ عِذارهْ

من بعد ما شدّ الأشدّ على تلابيبهِ إزاره

من سادَ في عصر الشبا

ب غدت لسؤددِهِ غفارهْ

ما الفخر أن يغدو الفتى

متشبِّعاً ضخمَ الحرارهْ

كَلِفاً بشُربِ الراح مش

ـغوفاً بغزلانِ الستارهْ

مهجورةً عرصاتُه

لا تقربُ الأضيافُ دارهْ

الفخر أن يُشجي الفتى

أعداءه ويُعزُّ جارهْ

ويَذبُّ عن أعراضه

ويشبُّ للطرّاق نارهْ

ويروح إمّا للإما

رة سعيُهُ أو للوزارهْ

__________________

(١) الخَوْد : الشابّة الجميلة.


فردُ الكتابةِ والخطا

بةِ والبلاغةِ والعبارهْ

متيقّظ العَزَماتِ يج

ـتنبُ الكرى إلاّ غرارهْ

فكأنّه من حدّةٍ

ونفاذِ تدبيرٍ شرارهْ

حتى يُخافَ ويُرتجى

ويُرى له نَشَبٌ وشارَهْ

في موكبٍ لَجِبٍ كأنّ

الليلَ ألبسَه خِمارهْ

تزهي به عصبٌ تنفّ

ـضُ عن مناكبِهِ غُبارهْ

ويُطيل أبناء الرغا

ئبِ في مشاكله انتظارهْ

فادأبْ لمجدٍ حادثٍ

أو سالفٍ يُعلي منارهْ

واعمر لنفسك في العلى

حالاً وكن حَسَنَ العمارهْ

واقمر لها سوقاً يُنفِّ

ـقها وتاجرُها تجارهْ

لا تَغدُ كَلّ واجتنب

أمراً يخاف الحرُّ عارهْ

وإذا عدمتَ عن المآ

كلِ خيرَها فَكُلِ الحِجارهْ

رحلة كشاجم :

غادر المترجم بيئة نشأته ـ الرملة ـ إلى الأقطار الشرقية ، وساح في البلاد ، ورحل رحلة بعد أخرى إلى مصر وحلب والشام والعراق ، وكان كما قال في قصيدته التي يمدح بها ابن مقلة بالعراق :

هذا على أنَّني لا أستفيقُ ولا

أُفيقُ من رِحلةٍ في إثرِها رِحلَه

وما على البدرِ نقصٌ في إضاءتِهِ

أن ليس ينفكُّ من سيرٍ ومن نَقْلَه

وقال وهو في مصر :

قد كان شوقي إلى مصرٍ يُؤرِّقني

فاليومَ عُدْتُ وعادتْ مصرُ لي دارا


أغدو إلى الجيزةِ الفيحاءِ مُصطحباً

طوراً وطوراً أرجِّي السيَر أطوارا (١)

بينا أُسامي رئيساً في رئاسته

إذْ رحتُ أُحسَبُ في الحاناتِ خمّارا

فللدواوين إصباحي ومُنصرفي

إلى بيوتِ دُمىً يَعْلَمْن أوتارا

أمّا الشبابُ فقد صاحبتُ شِرّتَهُ

وقد قضيت لُباناتٍ وأوطارا

من شادنٍ من بني الأقباطِ يعقِدُ ما

بين الكَثِيبِ وبين الخِصْرِ زُنّارا

وكأنّه في بعض آناته يرى نفسه بين مصر والعراق ، ويتذكّر أدواره فيهما ، وما ناله في سفره إليهما من سرّاء أو ضرّاء ، أو شدّة أو رخاء ، وما حظي من الأهلين من النعمة والنقمة ، والإكبار والاستحقار ، فيمدح هذا ويذمُّ ذلك فيقول :

يا هذه قلتِ فاسمعي لفتىً

في حالِهِ عبرةٌ لمعتبره

أمرتِ بالصبرِ والسلوِّ ولوْ

عَشِقْتِ أُلْفِيتِ غيرَ مصطبره

مَنْ مبلغٌ إخوتي وإن بَعُدوا

أنَّ حياتي لبعدهم كَدِره

قد هِمْتُ شوقاً إلى وجوهِهمُ

تلك الوجوه البهيّة النضره

أبناءُ مَلْكٍ عُلاهمُ بهمُ

على العلى والفخار مفتخره

ترمي بهمْ نعمةٌ تُزيِّنها

مروءةٌ لم تكن تُرى نَزِره

ما انفكّ ذا الخلقُ بين منتصرٍ

على الأعادي بهم ومنتصره

جبالُ حِلمٍ بُدورُ أنديةٍ

أُسدُ وغىً في الهياج مُبتدره

بيضٌ كرامُ الفعالِ لا بُخُلُ ال

أيدي وليست من الندى صَفِرَه

للناسِ منهم منافعٌ ولهمْ

منافعٌ في الأنامِ مُشتهره

متى أراني بمصر جارَهم

نَسبي بها كلُّ غادةٍ خَضِره

والنيلُ مستكملٌ زيادتَه

مثلَ دروعِ الكماةِ منتثره

تغدو الزواريقُ فيه مُصعِدَةً

بنا وطوراً تروحُ منحدره

__________________

(١) الجيزة : بليدة في غربي فسطاط مصر [معجم البلدان : ٢ / ٢٠٠]. (المؤلف)


والراحُ تسعى بها مذكّرةً

أردانُها بالعبير مُختمره

بكرانِ لكن لهذه مائة

وتلك ثنتان واثنتا عشره

يا ليتني لم أرَ العراقَ ولم

أسمعْ بذكرِ الأهواز والبصره

ترفعني تارةً وتخفضني

أخرى فمن سهلة ومن وَعِره

فوق ظهرِ سلهبةٍ

قطانها والبدار مغتفره (١)

وتارةً في الفراتِ طاميةً

أمواجُه كالخيالِ معتكره

حتى كأنّ العراقَ تعشقني

أو طالبتْني يدُ النوى بِتِرَه (٢)

وكان يجتمع في رحلاته مع الملوك والأمراء والوزراء ويحظى بجوائزهم ، ويستفيد من صِلاتهم ، ويتّصل بمشيخة العلم والحديث والأدب ، ويقرأ عليهم ، ويسمع عنهم ، ويأخذ منهم ، وجرت بينه وبينهم محاضرات ومناظرات ومكاتبات ، إلى أن تضلّع في العلوم ، وحاز قصب السبق في فنون متنوِّعة ، وتقدّم في الكتابة والخطابة ، وحصل له من كلِّ فنّ حظّه الأوفى ، ونصيبه الأعلى حتى عرّفه المسعودي في مروج الذهب (٣) (٢ / ٥٢٣) بأنّه كان من أهل العلم والرواية والأدب.

عقيدته :

إنّ عصر المترجَم من العصور التي زاغت فيه النِّحل والمذاهب ، وشاعت فيه الأهواء والآراء ، وقلَّ فيه من لا يرى في العقائد رأياً يفسِّر به إسلامه وهو ينصُّ به على خبيئة قلبه تارةً ويضمرها أخرى ، وأمّا شاعرنا فكان في جانبٍ من ذلك إما ميّا صادق التشيّع ، موالياً لأهل بيت الوحي متفانياً في ولائهم ، ويجد الباحث في خلال شعره بيِّنات تظاهره بالتهالك في ولاء آل الله ، وبثِّه الدعوة إليهم بحججه القويّة ،

__________________

(١) السلهبة : الجسيمة. (المؤلف)

(٢) الترة : الثأر.

(٣) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٨.


والتفجّع في مصابهم والذبِّ عنهم ، والنيل من مناوئيهم ، واعتقاده فيهم أنَّهم وسائله إلى المولى في الحاضرة ، وواسطة نجاحه في الآخرة.

وكان من مصاديق الآية الكريمة (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) (١) فإنّ نَصْب جدِّه السندي بن شاهك وعدائه لأهل البيت الطاهر ، وضغطه واضطهاده الإمام موسى بن جعفر ـ صلو ات الله عليه ـ في سجن هارون ممّا سار به الركبان ، وسوّدت به صحيفة تاريخه ، إلاّ أنّ حفيده هذا باينه في جميع نزعاته الشيطانية ، فهو من شعراء أهل البيت المجاهرين بولائهم ، والمتعصِّبين لهم ، الذابِّين عنهم ، ولا بدع فإنّ الله هو الذي يخرج الدرَّ من بين الحصى ، وينبت الورد محتفّا بالأشواك ، فمن نماذج شعره في المذهب قوله :

بكاءٌ وقلَّ غَناءُ البكاءِ

على رُزءِ ذرّيةِ الأنبياءِ

لِئن ذلَّ فيه عزيزُ الدموعِ

لقد عزّ فيه ذليلُ العَزاءِ

أَعاذلتي إنّ بُردَ التقى

كسانيه حبّي لأهلِ الكِساءِ

سفينةُ نوحٍ فمن يعتلقْ

بحبِّهمُ يعتلقْ بالنجاءِ

لَعمري لقد ضلَّ رأي الهوى

بأفئدةٍ من هواها هوائي

وأوصى النبيُّ ولكن غدتْ

وصاياهُ مُنبذةً بالعراءِ

ومن قبلِها أُمِر الميِّتونَ

بردِّ الأمور إلى الأوصياءِ

ولم ينشرِ القومُ غِلّ الصدو

ر حتى طواهُ الردى في رداءِ

ولو سلَّموا لإمامِ الهدى

لقوبل معوجُّهم باستواءِ

هلالٌ إلى الرشد عالي الضيا

وسيفٌ على الكفرِ ماضي المَضاءِ

وبحرٌ تدفّقَ بالمعجزاتِ

كما يتدفّق ينبوعُ ماءِ

علومٌ سماويةٌ لا تُنالُ

ومَن ذا ينالُ نجومَ السماءِ

لَعمري الأُلى جحدوا حقّه

وما كان أولاهمُ بالولاءِ

__________________

(١) الروم : ١٩.


وكم موقفٍ كان شخصُ الحِمامِ

من الخوف فيه قليلَ الخفاءِ

جلاه فإن أنكروا فضلَه

فقد عرفتْ ذاك شمسُ الضُّحاءِ

أراها العجاجَ قُبيل الصباحِ

ورُدَّتْ عليه بُعيدَ المساءِ

وإن وَتَر القومَ في بدرِهمْ

لقد نقضَ القومُ في كربلاءِ

مطايا الخطايا خذي في الظلامِ

فما همَّ إبليسَ غيرُ الحداءِ

لقد هُتِكتْ حُرَمُ المصطفى

وحلَّ بهنَّ عظيمُ البلاءِ

وساقوا رجالَهمُ كالعبيدِ

وحادوا نساءَهمُ كالإماءِ

فلو كان جدُّهمُ شاهداً

لَيَتبَعُ أظعانَهم بالبكاءِ

حُقودٌ تضرّمُ بدريّةٌ

وداءُ الحَقودِ عزيزُ الدواءِ

تراهُ مع الموتِ تحت اللوا

ء والله والنصر فوقَ اللواءِ

غداةَ خميس إمام الهدى

وقد غاث فيهم هِزَبر اللقاءِ

وكم أنفسٍ في سعيرٍ هوتْ

وهامٍ مُطَيَّرةٍ في الهواءِ

بضربٍ كما انقدَّ جيبُ القميصِ

وطعنٍ كما انحلّ عقْدُ السقاءِ

وخيرةُ ربّي من الخيرتينِ

وصفوةُ ربّي من الأصفياءِ

طَهُرْتُمْ فكنتمْ مديحَ المديحِ

وكانَ سِواكمْ هجاءَ الهجاءِ

قَضَيْتُ بحبِّكمُ ما عَليَ

إذا مادُعيتُ لفصلِ القضاءِ

وأيقنتُ أنّ ذنوبي بهِ

تَساقطُ عنّي سقوط الهَباءِ

فصلّى عليكم إلهُ الورى

صلاةً توازي نجومَ السماءِ

وقوله في مدحهم ـ صلوات الله عليهم ـ :

آلَ النبيِّ فَضُلْتُمُ

فَضْلَ النجومِ الزاهره

وبهرتمُ أعداءَكمْ

بالمأثُراتِ السائره

ولكم مع الشرفِ البلا

غةُ والحُلومُ الوافره


وإذا تُفوخرَ بالعُلى

فبكمْ عُلاكم فاخره

هذا وكم أطفأتمُ

عن أحمدٍ من نائره

بالسمرِ تُخْضَبُ بالنج

ـيعِ وبالسيوفِ الباتره (١)

تُشفى بها أكبادُكمْ

من كلِّ نفسٍ كافره

ورفضتمُ الدنيا لذا

فُزْتُم بحظِّ الآخره

وقوله في ولاء أمير المؤمنين عليه‌السلام مشيراً إلى ما رويناه (ص ٢٦) في الجزء الثالث ممّا ورد في حبِّ أمير المؤمنين :

حبُّ الوصيِّ مَبَرّةٌ وَصِلَه

وطهارةٌ بالأصلِ مكتفلَه

والناسُ عالمُهمْ يَدينُ به

حُبّا ويجهلُ حقَّه الجَهَلَه

ويرى التشيّعَ في سراتِهمُ

والنصْبَ في الأرذالِ والسفَلَه

وقوله في المعنى :

حبُّ عليٍّ عُلوُّ هِمّه

لأنّه سيِّدُ الأئمّه

مَيِّزْ مُحبِّيهِ هلْ تراهم

إلاّ ذوي ثروةٍ ونِعمه

بينَ رئيسٍ إلى أديبٍ

قد أكملَ الطرفَ واستتمّه

وطيِّبُ الأصلِ ليس فيهِ

عند امتحانِ الأصولِ تُهمه

فهم إذا خَلُصوا ضياءٌ

والنُّصَّبُ الظالمون ظُلْمه

هذه الأبيات ذكرها له الثعالبي في ثمار القلوب (٢)) (ص ١٣٦) في وجه إضافة السواد إلى وجه الناصبي ، ويأتي مثله في ترجمة الناشئ الصغير.

ولكشاجم يرثي آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

__________________

(١) النجيع : من الدم ما كان مائلاً إلى السواد. (المؤلف)

(٢) ثمار القلوب : ص ١٧٣ رقم ٢٤٩.


أجلْ هو الرزءُ فادِحُه

باكرُهُ فاجعٌ ورائحُه

لا ربعُ دارٍ عفا ولا طللٌ

أوحشَ لمّا نأتْ ملاقحُه

فجَائعٌ لو درى الجنينُ بها

لَعَاد مُبيضَّةً مسالحُه

يا بُؤسَ دهرٍ على آلِ رسو

لِ اللهِ تجتاحهمْ جوائحُه (١)

إذا تفكّرتُ في مُصابِهمُ

أثقبَ زندَ الهمومِ قادحُه

فبعضهم قُرِّبتْ مصارعُه

وبعضُهمْ بُوعِدَتْ مطارحُه

أظْلَمَ في كربلاءَ يومهُمُ

ثمّ تجلّى وهمْ ذبائحُه

لا يبرحُ الغيثُ كلَّ شارقةٍ

تهمي غواديهِ أو روائحُه

على ثرى حلّة غريبُ رسو

ل اللهِ مجروحةٌ جوارحُه

ذلَّ حماهُ وقلَّ ناصرُهُ

ونال أقصى مناهُ كاشحُه

وسيق نسوانُه طلائحاً

أَحسنَ أن تهادى بهم طلائحُه (٢)

وهنّ يُمْنَعن بالوعيدِ من الن

ـوحِ والملأ الأعلى نوائحُه

عادى الأسى جدَّه ووالدَهُ

حين استغاثتْهما صوائحُه

لو لم يُرد ذو الجلالِ حربَهم

به لضاقَتْ بهمْ فسائحُه

وهو الذي اجتاح حينما عُقِر

تْ ناقتُه إذ دعاهُ صالحُه

يا شِيَعَ الغيِّ والضلال ومن

كلُّهمُ جمّةٌ فضائحُه

غششتمُ اللهَ في أذيّة من

إليكمُ أُدِّيتْ نصائحُه

عفّرتمُ بالثرى جبينَ فتىً

جبريلُ قبل النبيِّ ما سحُه

سيّان عند الإلهِ كلُّكمُ

خاذلُه منكمُ وذابحُه

على الذي فاتَهمْ بحقِّهمْ

لعنٌ يغادِيه أو يُراوحُه

__________________

(١) جاحه وأجاحه واجتاحه : استأصله وأهلكه. جوائح جمع جائحة : البليّة والداهية العظيمة. (المؤلف)

(٢) طلائح : معياة من السفر. (المؤلف)


جهلتمُ فيهمُ الذي عرف ال

ـبيت وما قابلَتْ أباطحُه

إن تصمتوا عن دعائهم فلكمْ

يومُ وغىً لا يُجابُ صائحُه

في حيث كبشُ الردى يُناطحُ من

أبصرَ كبشَ الورى يُناطحُه

وفي غدٍ يعرفُ المخالفُ مَن

خاسرُ دينٍ منكمُ ورابحُه

وبين أيديكمُ حريقُ لظىً

يلفحُ تلك الوجوهَ لافحُه

إن عبتموهمْ بجهلكمْ سفَهاً

ما ضرَّ بدرَ السماءِ نائحُه

أو تكتموا الحقَّ فالقرآنُ مشكلُهُ

بفضلهمْ ناطقٌ وواضحُه

ما أشرقَ المجدُ من قبورِهم

إلا وسكّانُها مصابحُه

قومٌ أبى حدُّ سيفِ والدِهمْ

للدين أو يستقيمَ جامحُه

وهو الذي استأنسَ الزمانُ به

والدينُ مذعورةٌ مسارحُه

حاربَهُ القومُ وهو ناصرُهُ

قِدماً وغَشّوهُ وهو ناصحُه

وكم كسى منهمُ السيوفَ دماً

يومَ جِلادٍ يطيحُ طائحُه

ما صفحَ القومُ عندما قَدَروا

لمّا جنتْ فيهمُ صفائحُه

بل منحوهُ العنادَ واجتهدوا

أن يمنعوهُ واللهُ مانحُه

كانوا خِفافاً إلى أذيّتهِ

وهو ثقيلُ الوَقارِ راجحُه

وله قوله :

زعموا أنّ من أحبَّ عليّا

ظلَّ للفقرِ لابساً جِلبابا

كذبوا من أحبّهُ من فقيرٍ

يتحلّى من الغنى أثوابا

حرّفوامنطقَ الوصيِّ بمعنىً

خالفوا إذ تأوّلوهُ الصوابا

إنّما قال ارفضوا عنكم الد

نيا إذا كنتمُ لنا أحبابا (١)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٣٨.


مشايخه وتآليفه :

لم نقف في المصادر التي بين أيدينا على ما يفيدنا في التنقيب عن أيّام صباه ، وكيفيّة تعلّمه ، وأساتذته في فنونه ، ومشايخه في علومه ؛ والمصادر برمّتها خاليةٌ من البحث عن هذا الجانب ، إلاّ أنّ شعره يفيدنا تَلَمُّذه على الأخفش الأصغر ع ليِّ بن سليمان المتوفّى سنة (٣١٥) فهو إمّا قرأ عليه في مصر أيّام الأخفش بها ، وقد ورد الأخفش مصر سنة (٢٨٧) وخرج منها إلى حلب سنة (٣٠٦) ، وإمّا في بغداد قبل أن غادرها الأخفش إلى مصر ؛ إذ يذكر قراءته عليه في قصيدة يمدحه بها في الشام ، حينما نزل بها الأخفش إمّا في رواحه إلى مصر ، وإمّا في أوبته عنها ، فقال :

فلمّا خُيِّل الصبحُ

ولمّا يُبْدِ تبليجَه

وأتبعتُ العرا وجهاً

كسى البشرُ تباهيجَه

إلى كعبةِ آدابٍ

بأرضِ الشامِ محجوجَه

إلى معدنٍ بالحك

ـمةِ والآدابِ ممزوجَه

سماعيٌّ قرائيٌ

له في العلم مرجوجَه

ومن يعدلُ بالعلمِ

من المنآدِ تعويجَه (١)

إذ الأخبارُ حاجتُهُ

ثناها وهي محجوجَه

به تغدو من الشكِ

قلوبُ القومِ مثلوجَه

ويلقى طُرُقَ الحكمةِ

للأفهام منهوجَه

لكي يفرجَ عنّي الخطْ

ـبَ لا أسطيع تفريجَه

وكي يمنحَني تأدي

ـبه المحضَ وتخريجَه

ومن أولى بتقريبٍ

خلا من كنتُ ضرِّيجَه

ومن توّجني من عل

ـمِهِ أحسنَ تتويجَه

__________________

(١) إنآد : انحنى وناء.


له :

١ ـ أدب النديم ، كما في فهرست ابن النديم (١).

٢ ـ كتاب الرسائل.

٣ ـ ديوان شعره.

٤ ـ كتاب المصائد والمطارد (٢).

٥ ـ خصائص الطرف.

٦ ـ الصبيح.

٧ ـ البَيْزَرة في علم الصيد.

ولادته ووفاته :

ما عثرنا في الكتب والمعاجم على ما يفيدنا تاريخ ولادته ، لكن يلوح من شعره الذي يذكر فيه شيبه وهرمه في أوائل القرن الرابع أنّه ولد في أواسط القرن الثالث ، قال من قصيدة :

وإنّ شيبيَ قد لاحتْ كواكبُهُ

في ظلمةٍ من سوادِ اللمَّة الجَثْله

فهذه جملةٌ في العذرِ كافيةٌ

تغنيك فاغنَ عن التفصيلِ بالجمله

وبان منّي شبابٌ كان يشفعُ لي

سقياً له من شبابٍ بانَ سقياً له

قد كان بابيَ للعافينَ مُنتجَعاً

ينتابه ثُلّةٌ من بعدها ثُلّه

وكنتُ طودَ المنى يُؤوى إلى كَنَفي

كحائطٍ مُشرفٍ من فوقِه ظُلّه

أفنى الكثيرَ فما إن زال ينقصني

متى دفعت إلى الأفنان والقلّه

وقد غَنِيتُ وأشغالي تُبيِّن من

فضلي فقد ستَرَتْهُ هذه العَطْله

والسيفُ في الغمد مجهولٌ جواهرُهُ

وإنّما يجتنيهِ عينُ من سلّه

__________________

(١) الفهرست : ص ١٥٤.

(٢) ينقل عنه ابن خلّكان في تاريخه : ٢ / ٣٧٩ [٣ / ٩١ رقم ٣٤٥ و ٦ / ١٩٩ رقم ٨٠٢].(المؤلف)


وهذه القصيدة يمدح بها أبا عليّ بن مقلة الوزير ببغداد في أيّام وزارته قبل حبسه ، وقد قبض عليه وحبس سنة (٣٢٤) وتوفّي (٣٢٨).

وأمّا وفاته ففي شذرات الذهب (١)) : أنّه توفِّي سنة (٣٦٠) وتبعه تاريخ آداب اللغة العربية (٢). وفي كشف الظنون (٣) ، وكتاب الشيعة وفنون الإسلام (٤) ، والأعلام للزركلي (٥) ، أنّها في سنة (٣٥٠) وردّدها غير واحد من المعاجم بين التاريخين ، وكلٌّ منهما يمكن أن يكون صحيحاً ، كما يقرب إليهما ما في مقدّمة ديوانه من أنّه توفّي سنة (٣٣٠) وهو كما سمعت في مدحه ابن مقلة كان يشكو هرمه قبل سنة (٣٢٤).

لفت نظر :

ذكر المسعودي في مروج الذهب (٦) (٢ / ٥٢٣) لكشاجم أبياتاً كتبها إلى صديق له ، ويذمّ [فيها] النرد ، وذكر اسمه أبا الفتح محمد بن الحسن ، وأحسبه منشأ تردد سيِّدنا صدر الدين الكاظمي في تأسيس الشيعة (٧) في اسمه واسم أبيه بين محمود ومحمد ، والحسين والحسن ، وذكر المسعودي صوابه في مروجه (٨) (٢ / ٥٤٥).

ولده :

أعقب المترجم ولديه أبا الفرج وأبا نصر أحمد ، ويُكنّي كشاجم نفسه بالثاني

__________________

(١) شذرات الذهب : ٤ / ٣٢١ حوادث سنة ٣٦٠ ه‍.

(٢) مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٨١ ، وفيه أرّخ وفاته بسنة ٣٥٠ ه‍.

(٣) كشف الظنون : ١ / ٨٠٧.

(٤) الشيعة وفنون الإسلام : ص ١٤٠.

(٥) الأعلام : ٧ / ١٦٧ ، وفيه : أنّه توفّي سنة ٣٦٠ ه‍.

(٦) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٨ وفيه ذكر المترجم باسم محمود بن الحسين.

(٧) تأسيس الشيعة : ص ٢٠٤.

(٨) مروج الذهب : ٤ / ٣٨٣ ، ٣٨٦ ، ٣٨٩.


في قوله :

قالوا أبو أحمدٍ يبني فقلتُ لهم

كما بنت دودةٌ بُنيانَ السَّرَق

بنتهُ حتى إذا تمَّ البناءُ لها

كان التمامُ وَوشْكُ الخيرِ في نَسق

ويثني عليه ويصفه بقوله :

نفسي الفداءُ لمن إذا جَرَحَ الأسى

قلبي أَسَوْتُ به جروحَ أسائي

كبدي وتاموري وحَبّةُ ناظري

ومؤمَّلي في شدّتي ورخائي (١)

ربّيتُهُ متوسِّماً في وجهِهِ

ما قبلُ فيَّ توسّمَتْ آبائي

ورُزِقْتُهُ حَسَن القَبولِ مبيِّناً

فيهِ عطاءَ اللهِ ذي الآلاءِ

وغدوتُ مقتنياً له عن أُمِّهِ

وهي النجيبةُ وابنةُ النجباءِ

وعمرتُ منه مجالسي ومسالكِي

وجمعتُ منه مآربي وهوائي

فأظلُّ أَبْهَجُ في النهار بقربِهِ

وأريهِ كيف تناولُ العلياءِ

وأُزيرهُ العلماءَ يأخذ عنهمُ

ولشذَّ من يغدو إلى العلماءِ

وإذا يجنُّ الليلُ بات مسامِري

ومجاوري وممثِّلاً بإزائي

فأَبِيتُ أُدني مهجتي من مهجتي

وأضمُّ أحشائي إلى أحشائي

وكان أبو نصر أحمد بن كشاجم شاعراً أديباً ، ومن شعره يذمُّ به بخيلاً قوله (٢) :

صديقٌ لنا من أبرعِ الناسِ في البخلِ

وأفضلِهم فيه وليس بذي فضلِ

دعاني كما يدعو الصديقُ صديقَهُ

فجئتُ كما يأتي إلى مثلِهِ مثلي

فلمّا جلسْنا للطعامِ رأيتُهُ

يرى أنّه من بعض أعضائهِ أكلي

ويغتاظُ أحياناً ويشتُمُ عبدَهُ

وأعلم أنّ الغيظَ والشتمَ من أجلي

__________________

(١) التامور : القلب.

(٢) يتيمة الدهر : ١ / ٢٤٨ [١ / ٣٥١] ، نهاية الأرب : ٣ / ٣١٨ [٣ / ٣١٣]. (المؤلف)


فأقبلت أستلُّ الغِذاءَ مَخافةً

وألحاظُ عينيه رقيبٌ على فِعلي

أمدُّ يدي سرّا لأسرقَ لقمةً

فيلحظُني شَزراً فأعبثُ بالبقلِ

إلى أن جَنَت كفّي لحتفي جنايةً

وذلك أنّ الجوعَ أعدمني عقلي

فجرّت يدي للحين رجلَ دجاجةٍ

فجرّتْ كما جرّت يدي رجلَها رجلي

وقدّم من بعد الطعامِ حلاوَةً

فلم أستطعْ فيها أمرّ ولا أحلي

وقمتُ لو انّي كنت بيّتُّ نيّةً

ربحتُ ثوابَ الصوم مع عدمِ الأكلِ

وذكر الثعالبي في يتيمة الدهر (١) (١ / ٢٤٧ ـ ٢٥١) من شعره ما يناهز الستّين بيتاً. وقال صاحب تعاليق اليتيمة (١ / ٢٤٠) : لم نعثر في ديوان كشاجم على شيء من هذه المختارات ، ذاهلاً عن أنّ الديوان المعروف هو لكشاجم لا لابنه أبي نصر أحمد الذي انتخب الثعالبي من شعره ، ويستشهد بشعره الوطواط في غرر الخصائص (٢).

خرج أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات الوزير ، المتوفّى سنة (٣٩١) إلى بستانه بالمقس ، فكتب إليه أبو نصر بن كشاجم على تفّاحة بماء الذهب وأنفذها إليه (٣).

إذا الوزيرُ تخلّى

للنيل في الأوقاتِ

فقد أتاه سَمِيّا

ه جعفرُ بنُ الفراتِ

ويوجد في بدائع البدائه شيء من شعره راجع (١ / ١٥٧) ، وذكر من شعره ابن عساكر في تاريخه (٤) (٤ / ١٤٩) ما نظمه سنة (٣٥٦) بالرملة لمّا ورد إليها أبو عليّ القرمطي القصير.

__________________

(١) يتيمة الدهر : ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٥.

(٢) غرر الخصائص الواضحة : ص ١٦٢.

(٣) في معجم الأدباء : ٢ / ٤٤١ [٧ / ١٧٤]. (المؤلف)

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ٦ رقم ١٢٧٨ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ٣١٢. بدءاً من هذا الجزء اعتمدنا تاريخ مدينة دمشق في طبعته البيروتية الجديدة بتحقيق علي شيري.


ويذكر محمد بن هارون بن الأكتمي ابني كشاجم ، ويهجوهما بقوله (١) :

يا ابْني كشاجمَ أنتما

مُستعملانِ مُجَرّبانِ

مات المشومُ أبوكما

فخلفتُماه على المكانِ

وقُرِنتما في عصرنا

ففعلتما فعل القرانِ

لغلاء أسعار الطعا

مِ وميتةِ الملك الهجانِ

__________________

(١) يتيمة الدهر : ١ / ٣٥٢ [١ / ٤٧٥].


ـ ٢٣ ـ

الناشئ الصغير

المولود (٢٧١)

المتوفّى (٣٦٥)

يا آلَ ياسينَ من يحبّكمُ

بغير شكٍّ لنفسِهِ نَصَحا

أنتمْ رشادٌ من الضلالِ كما

كلُّ فسادٍ بحبِّكمْ صَلحا

وكلُّ مستحسَنٍ لغيرِكمُ

إن قِيسَ يوماً بفضلكم قبُحا

ما مُحيتْ آيةُ النهارِ لنا

وآيةَ الليل ذو الجلال محا

وكيف تُمحى أنوارُ رشدِكمُ

وأنتمُ في دُجى الظلام ضحى

أبوكمُ أحمدٌ وصاحبُهُ

الممنوحُ من علم ربِّه منحا

ذاك عليُّ الذي تفرُّدُهُ

في يوم خُمٍّ بفضله اتّضحا

إذ قال بين الورى وقامَ به

مُعتضداً في القيام مُكتشحا

من كنتُ مولاه فالوصيُّ لهُ

مولىً بوحيٍ من الإله وحى

فبخبخوا ثمّ بايعوهُ ومَنْ

يُبايعِ اللهَ مخلصاً ربِحا

ذاك عليُّ الذي يقولُ له

جبريلُ يوم النزالِ مُمتدحا

لا سيفَ إلاَّ سيفُ الوصيِ ولا

فتىً سواهُ إنْ حادثٌ فَدَحا

لو وزنوا ضربَهُ لعمروٍ وأعما

لَ البرايا لَضَربُه رَجَحا

ذاك عليُّ الذي تراجع عن

فتحٍ سواه وسارَ فافتتحا


في يوم حضَّ اليهودَ حين أقلّ الباب من حصنهم وحين دحا

لم يشهدِ المسلمون قطُّ رحى

حربٍ وألفوا سواه قطبَ رحى

صلّى عليه الإله تزكيةً

ووفّقَ العبدَ يُنشئ المِدَحا

وقال في قصيدة يوجد منها (٣٦) بيتاً :

ألا يا خليفةَ خيرِ الورى

لقد كفرَ القومُ إذ خالفوكا

أدلُّ دليلٍ على أنّهم

أبَوْك وقد سمعوا النصّ فيكا

خلافُهمُ بعد دعواهمُ

ونكثهمُ بعدما بايعوكا

إلى أن قال :

فيا ناصرَ المصطفى أحمدٍ

تعلّمتَ نصرتَهُ من أبيكا

وناصبتَ نُصّابَهُ عنوةً

فلعنةُ ربّي على ناصبيكا

فأنت الخليفةُ دون الأنامِ

فما بالُهمْ في الورى خلّفوكا

ولا سيّما حين وافيتَهُ

وقد سار بالجيشِ يبغي تبوكا

فقال أُناسٌ قلاهُ النبيُ

فصرتَ إلى الطهْر إذ خفّضوكا

فقال النبيُّ جواباً لما

يؤدّي إلى مسمعِ الطهرِ فوكا

ألمْ ترضَ أنّا على رغمهمْ

كموسى وهارونَ إذ وافقوكا

ولو كان بعدي نبيٌّ كما

جُعِلْتَ الخليفةَ كنتَ الشريكا

ولكنّني خاتمُ المرسلينَ

وأنتَ الخليفةُ إن طاوعوكا

وأنت الخليفةُ يوم انتجاك

على الكور حيناً وقد عاينوكا

يراك نجيّا له المسلمون

وكان الإله الذي ينتجيكا

على فمِ أحمدٍ يوحي إليك

وأهلُ الضغائن مُستشرفوكا

وأنت الخليفةُ في دعوةِ

العشيرةِ إذ كان فيهم أبوكا

ويومَ الغديرِ وما يومُهُ

ليترُكَ عُذراً إلى غادريكا


لهم خَلفٌ نصروا قولَهمْ

ليبغوا عليكَ ولم ينصروكا

إذا شاهدوا النصّ قالوا لنا

توانى عن الحقِّ واستضعفوكا

فقلنا لهم نصُّ خيرِ الورى

يُزيلُ الظنونَ وينفي الشكوكا

وله يمدح آل الله قوله :

بآلِ محمدٍ عُرِف الصوابُ

وفي أبياتِهمْ نَزَل الكتابُ

همُ الكلماتُ والأسماءُ لاحتْ

لآدمَ حين عزَّ لهُ المتابُ

وهم حُجج الإلهِ على البرايا

بهمْ وبحكمهمْ لا يُسترابُ

بقيّةُ ذي العُلى وفروعُ أصلٍ

بحُسْنِ بيانِهمْ وضَحَ الخِطابُ

وأنوارٌ تُرى في كلِّ عصرٍ

لإرشادِ الورى فَهُمُ شِهابُ

ذراري أحمدٍ وبنو عليٍ

خليفتِه فهمْ لبٌّ لبابُ

تناهَوا في نهايةِ كلّ مجدٍ

فطهَّرَ خَلْقَهمْ وزكوا وطابوا

إذا ما أعوز الطلاّبَ علمٌ

ولم يوجدْ فعندهمُ يُصابُ

محبّتهمْ صراطٌ مستقيمٌ

ولكنْ في مسالِكِهِ عِقابُ (١)

ولا سيّما أبو حسنٍ عليّ

له في الحربِ مرتبةٌ تُهابُ

كأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضميرٌ

فليسَ عن القلوبِ له ذِهابُ

وصارمهُ كبيعتِهِ بخمٍ

معاقدُها من القومِ الرقابُ

عليُّ الدرُّ والذهبُ المصفّى

وباقي الناس كلِّهمُ تُرابُ

إذا لم تَبرَ من أعدا عليٍ

فما لكَ في محبّتِهِ ثوابُ (٢)

__________________

(١) عِقاب جمع عَقَبة ، وهي ما يعرض للطريق من الصعوبة والشدة.

(٢) كذا في تخميس العلاّمة الشيخ محمد علي الأعسم. وفي كتاب الإكليل ، والتحفة :

(ومن لم يبرَ من أعدا عليٍ

فليس له النجاة ولا ثواب

(المؤلف)


إذا نادتْ صوارمُهُ نفوساً

فليس لها سوى نَعَمٍ جوابُ

فبينَ سِنانِهِ والدرعِ سِلْمٌ

وبين البيض والبيض اصطحابُ

هو البكّاءُ في المحرابِ ليلاً

هو الضحّاكُ إن جدَّ الضرابُ

ومن في خُفِّه طرحَ الأعادي

حُباباً كي يلسِّبَهُ الحُبابُ (١)

فحين أرادَ لُبسَ الخُفِّ وافى

يُمانعُهُ عن الخُفِّ الغُرابُ

وطار به فأكفأهُ وفيهِ

حُبابٌ في الصعيد له انسيابُ (٢)

ومن ناجاهُ ثعبانٌ عظيمٌ

ببابِ الطهر ألقتهُ السحابُ

رآه الناس فانجفلوا برعبٍ

وأُغلِقتِ المسالكُ والرحابُ (٣)

فلمّا أن دنا منهُ عليٌ

تدانى الناسُ واستولى العُجابُ

فكلّمه عليٌّ مُستطيلاً

وأقبلَ لا يخافُ ولا يَهابُ

ودنَّ لحاجر وانساب فيه

وقال وقد تغيّبه الترابُ (٤)

أنا مَلَكٌ مُسِختُ وأنت مولىً

دُعاؤك إن مَننتَ به يُجابُ

أتيتُكَ تائباً فاشفعْ إلى مَن

إليه في مهاجرتي الإيابُ

فأقبلَ داعياً وأتى أخوهُ

يؤمِّنُ والعيونُ لها انسكابُ

فلمّا أن أُجيبا ظلَّ يعلو

كما يعلو لدى الجدّ العقابُ

وأنبتَ ريشَ طاووسٍ عليهِ

جواهر زانها التِّبرُ المُذابُ

يقولُ لقد نجوتُ بأهلِ بيتٍ

بهم يُصلى لظىً وَبِهمْ يُثابُ

همُ النبأُ العظيمُ وفُلْكُ نوحٍ

وبابُ الله وانقطع الخطابُ

__________________

(١) لسبته الحيّة : لدغته. (المؤلف)

(٢) انسابت الحيّة : جرت وتدافعت. (المؤلف)

(٣) انجفل وتجفل القوم : هربوا مسرعين. (المؤلف)

(٤)] دنّ : طأطأ وانحنى]. الحاجر : الأرض المرتفعة ووسطها منخفض. (المؤلف)


ما يتبع الشعر

الأصحّ أن هذه القصيدة للناشئ كما صرّح به ابن شهرآشوب في المناقب (١) ، وروى ابن خلّكان (٢) عن أبي بكر الخوارزمي : أنّ الناشئ مضى إلى الكوفة سنة (٣٢٥) وأملى شعره بجامعها ، وكان المتنبّي وهو صبيٌّ يحضر مجلسه بها ، وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة :

كأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضميرٌ

فليسَ من القلوبِ له ذِهابُ

وصارمه كبيعتِهِ بخمٍ

مقاصدُها من الخلق الرقابُ

وذكرها له الحموي في معجم الأدباء (٣) (٥ / ٢٣٥) ، واليافعي في مرآة الجنان (٢ / ٣٣٥) ، وجزم بذلك في نسمة السحر (٤)) ، وعزى من نسبها إلى عمرو بن العاص إلى أفحش الغلط ، وهؤلاء مهرة الفنِّ وإليهم المرجع في أمثال المقام.

فما تجده في غير واحد من المعاجم وكتب الأدب ككتاب الإكليل (٥) ، وتحفة الأحبّاء من مناقب آل العباء (٦) من نسبتها إلى عمرو بن العاص على وجوه متضاربة ممّا لا مُعوَّل عليه. قال صاحبا الإكليل والتحفة : إنّ معاوية بن أبي سفيان قال يوماً لجلسائه : من قال في عليٍّ فله هذه البَدرة ، فقال عمرو بن العاص هذه الأبيات طمعاً بالبَدرة.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٣٠١.

(٢) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦٩ رقم ٢٦٦.

(٣) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٠.

(٤) نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٧٥.

(٥) تأليف أبي محمد الحسن بن أحمد الهمدانيّ اليمنيّ. (المؤلف)

(٦) تأليف جمال الدين الشيرازي. (المؤلف)


وكذلك لا يصحُّ عزوها إلى ابن الفارض كما في بعض المعاجم ، وكان ابن خلّكان والحموي معاصرَين لابن الفارض ، فما كان يخفى عليهما لو كان الشعر له ، على أنّه كانت تتناقله الرواة قبل وجود ابن الفارض.

والذي أحسبه أنّ لجملة من الشعراء قصائد علويّة على هذا البحر والقافية مبثوثة بين الناس ، وربّما حُرّفت أبيات منها عن مواضعها فأُدرِجت في قصيدة الآخر ، كما أنّك تجد أبياتاً من شعر الناشئ في خلال أبيات السوسي المذكورة في مناقب ابن شهرآشوب ، وكذلك أبياتاً من شعر ابن حمّاد في خلال أبيات العوني ، وأبياتاً من شعر الزاهي في خلال شعر الناشئ ، وأبياتاً من شعر العبدي في خلال شعر ابن حمّاد ، وبذلك اشتبه الحال على الرواة فُعزِي الشعر إلى هذا تارةً وإلى ذلك أخرى.

خمّس جملةً من هذه القصيدة العلاّمة الحجّة الشيخ محمد علي الأعسم النجفي أوّله

بنو المختارِ هم للعلمِ بابُ

لهمْ في كلِّ مُعضلةٍ جوابُ

إذا وقعَ اختلافٌ واضطرابُ

بآلِ محمدٍ عُرف الصوابُ

الشاعر

أبو الحسن (١) عليُّ بن عبد الله بن الوصيف الناشئ الصغير ـ الأصغر ـ البغدادي من باب الطاق ، نزيل مصر ، المعروف بالحلاّء ، كان أبوه يعمل حلية السيوف فسمّي حلاّءً ، ويقال له : الناشئ ؛ لأنّ الناشئ يقال لمن نشأ في فنّ من فنون الشعر ، كما قال السمعاني في الأنساب (٢).

__________________

(١) في فهرست الشيخ [ص ٨٩ رقم ٣٧٣] ورجال ابن داود [ص ١٤٢ رقم ١٠٩٧] : أبو الحسين. (المؤلف)

(٢) الأنساب : ٥ / ٤٤٥.


كان أحد من تضلّع في النظر في علم الكلام ، وبرع في الفقه ، ونبغ في الحديث ، وتقدّم في الأدب ، وظهر أمره في نظم القريض ، فهو جماع الفضائل ، وسمط جمان العلوم ، وفي الطليعة من علماء الشيعة ومتكلّميها ، ومحدِّثيها ، وفقهائها ، وشعرائها.

روى عنه الشيخ الإمام محمد بن النعمان المفيد ، وبواسطته يروي عنه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي كما في فهرسته (ص ٨٩) ، واحتمل في رياض العلماء (١)) رواية الشيخ الصدوق عنه أيضاً ، وقال : لعلّه الذي كان من مشايخ الصدوق.

وفي الوافي بالوفيات (٢) ولسان الميزان (٣) (٤ / ٢٣٨) : أنّ أبا عبد الله الخالع ، وأبا بكر بن زرعة الهمداني ، وعبد الواحد العكبري ، وعبد السلام بن الحسن البصري اللغوي ، وابن فارس اللغوي ، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن روزبه الهمداني وغيرهم يروون عنه ، وأنّه يروي عن المبرّد ، وابن المعتزّ وغيرهما.

وذكر ابن خلّكان (٤) : أنّه أخذ العلم عن أبي سهل إسماعيل بن عليِّ بن نوبخت ، وهو من أعاظم متكلّمي الشيعة.

وقال شيخ الطائفة في فهرسته (ص ٨٩) : وكان يتكلّم على مذهب أهل الظاهر في الفقه. وأهل الظاهر هم أصحاب أبي سليمان داود بن عليّ بن خلف الأصبهاني المعروف بالظاهري المتوفّى (٢٧٠) ، قال ابن النديم في الفهرست (٥) (ص ٣٠٣) : هو أوّل من استعمل قول الظاهر وأخذ بالكتاب والسنّة ، وألغى ما سوى ذلك من الرأي والقياس. وقال ابن خلّكان في تاريخه (٦) (١ / ١٩٣) : كان أبو سليمان صاحب مذهب

__________________

(١) رياض العلماء : ٤ / ١٣٧.

(٢) الوافي بالوفيات : ٢١ / ٢٠٣.

(٣) لسان الميزان : ٤ / ٢٧٤ رقم ٥٨٥٠.

(٤) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦٩ رقم ٤٦٦.

(٥) الفهرست : ص ٢٧١.

(٦) وفيات الأعيان : ٢ / ٢٥٥ رقم ٢٢٣.


مستقلّ ، وتبعه جمع كثير يُعرَفون بالظاهرية.

وفي رجال النجاشي (١) : أنّ للمترجم كتاباً في الإمامة ، لكن الشيخ الطوسي يذكر له كتباً في الفهرست. وفي تاريخ ابن خلّكان : أنّ له تصانيف كثيرة ، وفي الوافي بالوفيات : أنّ شعره مدوّنٌ ، وأنّ مدائحه في أهل البيت عليهم‌السلام لا يحصى كثرة ، ولذلك عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء (٢) من مجاهري شعراء أهل البيت عليهم‌السلام.

وفي معجم الأدباء (٣) : قال الخالع : كان الناشئ يعتقد الإمامة ، ويناظر عليها بأجود عبارة ، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عُرف بهم ، وأشعاره فيهم لا تُحصى كثرةً ، ومدح مع ذلك الراضي بالله وله معه أخبارٌ ، وقصد كافوراً الإخشيدي بمصر وامتدحه ، وامتدح ابن حنزابة وكان ينادمه ، وطرِيَ (٤) إلى البريديِّ بالبصرة ، وإلى أبي الفضل بن العميد بأرّجان.

وقال : قال ابن عبد الرحيم : حدّثني الخالع قال : حدّثني الناشئ ، قال : أدخلني ابن رائق على الراضي بالله ـ وكنتُ مدّاحاً لابن رائق ونافقاً عليه ـ فلمّا وصلتُ إلى الراضي قال لي : أنت الناشئ الرافضيّ؟ فقلت : خادم أمير المؤمنين الشيعيّ. فقال : من أيِّ الشيعة؟ فقلت : شيعة بني هاشم. فقال هذا خبث حيلة. فقلت : مع طهارة مولد. فقال : هات ما معك.

فأنشدته فأمر أن يُخلَع عليَّ عشر قطع ثياباً ، وأُعطى أربعة آلاف درهم ، فأُخرِج إليّ ذلك وتسلّمته وعُدت إلى حضرته فقبّلت الأرض وشكرته ، وقلت : أنا ممّن يلبس الطيلسان. فقال : ها هنا طيالس عدنية أعطوه منها طيلساناً وأضيفوا إليها عمامة خزٍّ ، ففعلوا.

__________________

(١) رجال النجاشي : ص ٢٧١ رقم ٧٠٩.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٨.

(٣) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٤.

(٤) طرِيَ إليه : أقبل.


فقال : أنشدني من شعرك في بني هاشم ، فأنشدته :

بني العبّاس إنّ لكم دماءً

أراقتها أُمية بالذحولِ (١)

فليس بهاشميٍّ من يوالي

أُميةَ واللعينَ أبا زبيلِ

فقال : ما بينك وبين أبي زبيل؟ فقلت : أمير المؤمنين أعلم. فابتسم وقال : انصرف.

ويستفاد من غير واحد من الأخبار أنّ الناشئ على كثرة شعره في أهل البيت عليهم‌السلام حظي منهم بالقبول والتقدير ، وحسبُه ذلك مأثرةً لا يقابلها أيُّ فضيلة ، ومكرمةً خالدةً تكسبه فوز النشأتين.

روى الحموي في معجم الأدباء (٢) قال : حدّثني الخالع ، قال :

كنتُ مع والدي في سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة وأنا صبيٌّ في مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الورّاقين والصاغة ، وهو غاصٌّ بالناس ، وإذا رجلٌ قد وافى وعليه مرقعة وفي يده سطيحة وركوة ومعه عكّاز ، وهو شعث ، فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثمّ قال :

أنا رسول فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقالوا : مرحباً بك وأهلاً ورفعوه. فقال : أتعرِّفون لي أحمد المزوِّق النائح؟ فقالوا : ها هو جالسٌ.

فقال : رأيت مولاتنا عليها‌السلام في النوم فقالت لي : امض إلى بغداد واطلبه وقل له : نُح على ابني بشعر الناشئ الذي يقول فيه :

بني أحمدٍ قلبي بكمْ يتقطّعُ

بمثلِ مصابي فيكمُ ليس يُسمعُ

__________________

(١) الذحل : الثأر ، العداوة ، الحقد جمعها ذحول. (المؤلف)

(٢) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.


وكان الناشئ حاضراً ، فلطم لطماً عظيماً على وجهه وتبعه المزوِّق والناس كلّهم ، وكان أشدّ الناس في ذلك الناشئ ثمّ المزوِّق ، ثمّ ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى الناس الظهر ، وتقوّض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئاً منهم ، فقال : والله لو أُعطيت الدنيا ما أخذتها ، فإنّني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليها‌السلام ثم آخذ عن ذلك عوضاً. وانصرف ولم يقبل شيئاً.

قال : ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتاً :

عجبتُ لكم تفنون قتلاً بسيفِكم

ويسطو عليكم من لكم كان يخضعُ

كأنّ رسولَ الله أوصى بقتلِكمْ

وأجسامُكم في كلِّ أرض تُوزَّعُ

قال الأميني : أوّل هذه القصيدة :

بني أحمدٍ قلبي لكم يتقطّعُ

بمثل مصابي فيكمُ ليس يُسمعُ

فما بقعةٌ في الأرض شرقاً ومغرباً

وليس لكم فيها قتيلٌ ومصرعُ

ظُلمتم وقُتِّلتمْ وقُسِّم فيئكم

وضاقت بكم أرضٌ فلم يَحمِ موضعُ

جسومٌ على البوغاء تُرمى وأرؤسٌ

على أرؤس اللُّدْن الذوابل تُرفعُ (١)

تُوارَوْن لم تَأْوِ فراشاً جنوبُكمْ

ويُسلمني طيبُ الهجوعِ فأهجعُ

وقال الحموي (٢) : حدّثني الخالع قال : اجتزت بالناشئ يوماً ، وهو جالسٌ في السرّاجين ، فقال لي : قد عملت قصيدةً وقد طُلبت وأُريد أن تكتبها بخطِّك حتى أُخرجها ، فقلت : أمضي في حاجة وأعود ، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه ، فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح ، فقال لي : أُحبُّ أن تقوم فتكتب قصيدة الناشئ البائية فإنّا قد نُحنا بها البارحة بالمشهد ،

__________________

(١) البوغاء : التراب الناعم ، واللُّدْن الذوابل : هي الرماح.

(٢) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.


وكان هذا الرجل قد توفّي وهو عائدٌ من الزيارة ، فقمت ورجعت إليه وقلت : هات البائيّة حتى أكتبها ، فقال : من أين علمت أنّها بائية؟ وما ذكرت بها أحداً ، فحدّثته بالمنام فبكى ، وقال : لا شكّ أن الوقت قد دنا ، فكتبتها فكان أوّلها :

رجائي بعيدٌ والممات قريبُ

ويُخطئ ظنّي والمنونُ تُصيبُ

قال الأميني : ومن البائيّة في المديح قوله :

أُناسٌ علوا أعلى المعالي من العلى

فليس لهم في الفاضلين ضريبُ

إذا انتسبوا جازوا التناهي لمجدِهمْ

فما لهمُ في العالمين نسيبُ

همُ البحرُ أضحى درّه وعُبابه

فليس له من منتفيه رسوبُ

تسير به فُلكُ النجاةِ وماؤها

لشُرّابه عذبُ المذاق شروبُ

هوالبحر يُغني من غدا في جواره

وساحلُه سهلُ المجالِ رحيبُ

همُ سببٌ بين العباد وربِّهمْ

محبُّهمُ في الحشر ليس يخيبُ

حَوَوا علم ما قد كان أو هو كائنٌ

وكلُّ رشادٍ يحتويه طلوبُ

وقد حفظوا كلَّ العلومِ بأسرِها

وكلُّ بديعٍ يحتويه غيوبُ

همُ حسناتُ العالمينَ بفضلِهمْ

وهم للأعادي في المعادِ ذنوبُ

وجمع العلاّمة السماوي شعر الناشئ في أهل البيت عليهم‌السلام [وهو] يربو على ثلاثمائة بيت.

ولادته ووفاته :

حكى الحموي في معجم الأدباء (١) نقلاً عن الخالع أنّه قال : مولده على ما أخبرني به سنة (٢٧١) ، ومات يوم الإثنين لخمس خلون من صفر سنة (٣٦٥)

__________________

(١) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٨٢.


وكنت حينئذٍ بالرّي ، فورد كتاب ابن بقية (١) إلى ابن العميد يخبره. وقيل : إنّه تبع جنازته ماشياً وأهل الدولة كلّهم ، ودُفن في مقابر قريش ، وقبره هناك معروفٌ.

وهو ممّن نُبش قبره في واقعة سنة (٤٤٣) وأحرقت تربته (٢). وقال ابن شهرآشوب في المعالم (٣) (ص ١٣٦) : حرّقوه بالنار. وظاهره أنّه استشهد حرقاً والله أعلم.

وهناك أقوال أُخَر لا تقارف الصحّة ؛ فقد أرّخ وفاته اليافعي في مرآة الجنان (٢ / ٢٣٥) بسنة (٣٤٢) ، وابن خلّكان (٤) بسنة (٣٦٠) ، وابن الأثير في الكامل (٥) بسنة (٣٦٦) ، وهو محكيُّ ابن حجر في لسان الميزان (٦) ، عن ابن النجار ، وبها أرّخ علاء الدين البهائي في مطالع البدور (١ / ٢٥) وذكر له :

ليس الحجابُ بآلة الأشرافِ

إنّ الحجابَ مجانبُ الإنصافِ

ولقلَّ ما يأتي فيُحْجَبُ مرّةً

فيعود ثانيةً بقلبٍ صافِ

وذكر له الثعالبي في ثمار القلوب (٧) (ص ١٣٦) في نسبة السواد إلى وجه الناصبي قوله :

__________________

(١) أبو طاهر محمد بن بقية ، كان وزير عزّ الدولة ، ولما ملك عضد الدولة بغداد ودخلها طلب ابن بقية وألقاه تحت أرجل الفِيَلة ، فلما قُتل صلبه بحضرة بيمارستان العضدي ببغداد سنة (٣٦٧). ابن خلّكان : ٢ / ١٧٥ [٥ / ١١٨ رقم ٦٩٩]. (المؤلف)

(٢) سيوافيك في هذا الجزء في ترجمة المؤيد [ص ٢ / ٤] ما وقع في تلك الواقعة الهائلة من الطامّات والفظائع. (المؤلف)

(٣) معالم العلماء : ص ١٤٨.

(٤) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٧١ رقم ٤٦٦.

(٥) الكامل في التاريخ : ٥ / ٤٢٦ حوادث سنة ٣٦٦ ه‍.

(٦) لسان الميزان : ٤ / ٢٧٥ رقم ٥٨٥٠.

(٧) ثمار القلوب : ص ١٧٣ رقم ٢٤٩.


يا خليلي وصاحبي

من لُؤيِّ بن غالبِ

حاكمُ الحبِّ جائرٌ

موجبٌ غيرُ واجبِ

لك صدغٌ كأنّما

لونه وجهُ ناصبي

يلدغُ الناسَ إذ تعق

ـرب لدغ العقاربِ

لفت نظر :

توجد في تنقيح المقال (٢ / ٣١٣) ترجمة الناشئ ، وفيها : والظاهر أنّه هو عليُّ ابن عبد الله بن وصيف بن عبد الله الهاشمي الذي رُوي في العيون عنه ، عن الكاظم عليه‌السلام النصّ على الرضا. انتهى.

وهذا أعجب ما رأيت في طيِّ هذا الكتاب القيِّم من العثرات.

مصادر ترجمة الناشئ

فهرست الشيخ

 معالم العلماء

 رجال ابن داود

رجال النجاشي

 يتيمة الدهر

 أنساب السمعاني

وفيات الأعيان

 معجم الأدباء

 ميزان الاعتدال

الوافي بالوفيات

 خلاصة الأقوال

 نقد الرجال

الكامل لابن الأثير

 مجالس المؤمنين

لسان الميزان

شذرات الذهب

 مطالع البدور

 جامع الرواة

تلخيص الأقوال

 منتهى المقال

 نسمة السحر

أمل الآمل

 خاتمة الوسائل

 رياض العلماء

ملخَّص المقال

 الحصون المنيعة

 الشيعة وفنون الإسلام

تلخيص المقال

 تأسيس الشيعة

 روضات الجنّات

تنقيح المقال

 هدية الأحباب

 وفيات الأعلام

الطليعة

 بغية الطالب

 شهداء الفضيلة



ـ ٢٤ ـ

البشنوي الكردي

توفّي بعد (٣٨٠)

وقد شهدوا عيدَ الغديرِ وأسمعوا

مقالَ رسولِ اللهِ من غير كتمانِ

ألستُ بكم أولى من الناسِ كلّهم

فقالوا : بلى يا أفضل الإنس والجانِ

فقام خطيباً بين أعوادِ منبرٍ

ونادى بأعلى الصوتِ جهراً بإعلانِ

بحيدرةٍ والقومُ خرسٌ أذلّةٌ

قلوبُهمُ ما بين خلفٍ وعينانِ (١)

فلبّى مُجيباً ثمّ أسرع مقبلاً

بوجهٍ كمثل البدرِ في غُصُنِ البانِ

فلاقاه بالترحيب ثمّ ارتقى به

إليه وصار الطهر للمصطفى ثاني

وشال بِعَضْديه وقال وقد صغى

إلى القولِ أقصى القوم تالله والداني

عليٌّ أخي لا فرقَ بيني وبينه

كهارونَ من موسى الكليمِ ابنِ عمرانِ

ووارثُ علمي والخليفةُ في غدٍ

على أمّتي بعدي إذا زُرت (٢) جثماني

فيا ربِّ من والى عليّا فوالِهِ

وعادِ الذي عاداه واغضب على الشاني(٣)

__________________

(١) كذا ورد في المصدر.

(٢) كذا في المصدر ، وفي أعيان الشيعة ٦ / ١١ : رَثَّ.

(٣) في الطبعة المعتمدة لدينا من مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٤ ورد هذا الشطر هكذا : وعاد معاوية ولا تنصر الشاني


وله قوله من قصيدة :

أأترك مشهورَ الحديثِ وصدقَهُ

غداةَ بخمٍّ قامَ أحمدُ خاطبا

ألستُ لكم مولىً ومثلي وليُّكمْ

عليٌّ فوالوه وقد قلتُ واجبا

وله قوله :

يومُ الغدير لذي الولايةِ عيدُ

ولدى النواصبِ فضلُه مجحودُ

يومٌ يُوسَّمُ في السماءِ بأنّهُ

ألعهدُ فيه وذلك المعهودُ

والأرضُ بالميراثِ أضحتْ وسمه

لو طاع موطودٌ (١) وكفَّ حسودُ

الشاعر

أبو عبد الله الحسين بن داود الكردي البشنوي ، من الشعراء المجاهرين في مدائح العترة الطاهرة عليهم‌السلام ، كما عدّه ابن شهرآشوب منهم في معالم العلماء (٢) ، ويشهد لذلك شعره الكثير فيهم المبثوث في كتاب المناقب للسروي ، فهو في الرعيل الأوّل من حاملي ألوية البلاغة ، وأحد شعراء الإماميّة الناهضين بنشر الأدب ، وينمُّ عن مذهبه قوله

أليّةَ ربّي بالهدى متمسِّكاً

بإثني عشر بعد النبيِّ مَراقِبا

أبقي على البيت المطهَّر أهله

بيوت قريش للديانة طالبا (٣)

وقوله :

يا مُصرف النصِّ جهلاً عن أبي حسنٍ

بابُ المدينةِ عن ذي الجهلِ مقفولُ

__________________

(١) كذا في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥٤ ، والصحيح ظاهراً : موتور ، كما في أعيان الشيعة : ٦ / ١١.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٨٠ ، وفي أعيان الشيعة : ٦ / ١١ ورد هكذا : (

أأبغي عن البيت المطهر أهله

بيوت قريش للدنانير طالبا


مدينةُ العلمِ ما عن بابها عوضٌ

لطالبِ العلمِ إذ ذو العلمِ مسؤولُ

مولى الأنامِ عليٌّ والوليُ (١) معاً

كما تفوّه عن ذي العرش جبريلُ

وقوله :

قد خان من قدّمَ المفضولَ خالقَهُ

وللإلهِ فبالمفضولِ لم أَخُنِ

وسيوافيك من شعره ما يظهر منه تضلّعه في التشيّع ، وتمحّضه في الولاء ، وانقطاعه إلى سادات الأئمّة صلوات الله عليهم ، فهو من شعرائهم ، وما كان يقال من أنّه شاعر بني مروان كما في كامل ابن الأثير (٢) (٩ / ٢٤) ، فالمراد بهم ملوك ديار بكر من أولاد أخت باذ الكردي ، أوّلهم أبو عليّ بن مروان ، استولى على ما كان يحكم عليه خاله من ديار بكر ، وبعد قتله ملك أخوه ممهِّد الدولة ، وبعد قتله قام أخوه أبو نصر وبقي ملكه من سنة (٤٢٠) إلى سنة (٤٥٣) ، وخلفه ولدان : نصر وسعيد ؛ أمّا نصر فملك ميافارقين وتوفّي سنة (٤٥٣) ، وملك بعده ابنه منصور ، أمّا سعيد فاستولى على آمد (٣)

وكان البشنوي المترجَم له يستحثُّ الأكراد البشنويّة (٤) ـ أصحاب قلعة فَنَك ـ لمؤازرة باذ الكردي ـ خال بني مروان ـ المذكورين في وقعة سنة (٣٨٠) التي وقعت بينه وبين أبي طاهر والحسين ـ ابني حمدان ـ لمّا ملكا بلاد الموصل سنة (٣٧٩) ، وله في ذلك قوله من قصيدة :

البشنويّةُ أنصارٌ لدولتِكمْ

وليس في ذا خفاً في العُجْمِ والعَرَبِ

__________________

(١) كذا في المناقب ، وفي أعيان الشيعة : ٦ / ١١ وردت : والوصي.

(٢) كذا في الكامل في التاريخ : ٥ / ٤٨٣ حوادث سنة ٣٨٠ ه‍.

(٣) راجع تاريخ أبي الفداء : ٢ / ١٣٣ ، ١٨٩ ، ٢٠٤ [٢ / ١٢٦ ، ١٨٠ ، ١٩٦]. (المؤلف)

(٤) كامل ابن الأثير : ٩ / ٢٤ [٥ / ٤٨٣ حوادث سنة ٣٨٠ ه‍]. (المؤلف)


فانتماء المترجَم إلى بني مروان هؤلاء بعلاقة خالهم باذ المتّحد معه في العنصر الكردي ؛ فعلى ما ذكرنا لا يكون لقول من قال (١) : إنّ البشنوي توفّي سنة (٣٧٠) مقيلٌ من الحقيقة ؛ فإنّ التاريخ يشهد بحياته بعدها بعشر سنين.

ذكر صاحب معالم العلماء (٢) : للمترجَم كتاب الدلائل والرسائل البشنويّة ، وقال ابن الأثير في اللباب (١ / ١٢٧) : وله ديوان مشهور.

كانت في العراق في شرقي دجلة طوائف كثيرة من الأكراد ينتمون إلى حصون وقلاع وبلاد كانت لهم في نواحي الموصل والإربل ، ومنهم :

البشنويّة :

ومنها شاعرنا المترجَم ، كانت تسكن هذه الطائفة فوق الموصل قرب جزيرة ابن عمر (٣) ، وبينهما نحو من فرسخين ، وما كان يقدر صاحب الجزيرة ولا غيره ـ مع مخالطتهم للبلاد ـ عليها. قال ياقوت الحموي في معجم البلدان (٤) : وهي بيد هؤلاء الأكراد منذ سنين كثيرة نحو الثلاثمائة سنة ، وفيهم مروّة وعصبيّة ، ويحمون من يلتجئ إليهم ويحسنون إليه. انتهى.

ولهذه الطائفة هناك قلاع منها قلعة برقة ، وقلعة بشير ، وقلعة فنك ، ومن أمرائها صاحب قلعة فنك الأمير أبو طاهر ، والأمير إبراهيم ، والأمير حسام الدين من أمراء القرن السادس. ومنهم :

__________________

(١) ذكره صاحب أعيان الشيعة : ١ / ٣٨٧ [٦ / ١١]. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ٤٢ رقم ٢٦٨.

(٣) جزيرة ابن عمر : بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام ، ولها رستاق مخصب واسع الخيرات ، وأحسب أنّ أوّل من عمرها الحسن بن عمر بن الخطّاب التغلبي ، وهذه الجزيرة تحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال ، ثمّ عُمل هناك خندق أُجري فيه الماء فأحاط بها الماء من جميع جوانبها ، ويقال في النسبة إليها : جزري. معجم البلدان [٢ / ١٣٨]. (المؤلف)

(٤) معجم البلدان ٤ / ٢٧٨.


الزوزانيّة :

تُنسَب هذه الطائفة إلى الزوزان (١) ـ بفتح أوّله وثانيه ـ ناحية واسعة من شرقي دجلة من جزيرة ابن عمر ، وأوّل حدودها من نحو يومين من الموصل إلى أول حدود خلاط ، وينتهي حدُّها إلى آذربايجان إلى عمل سلماس ، وفيها قلاع كثيرة حصينة للأكراد البشنويّة ، والزوزانيّة ، والبختيّة. ومنهم :

البختيّة :

لهم عدّة قلاع في الزوزان منها قلعة جُرذقيل ، وهي أجلُّ قلعةٍ لهم وكرسيُّ ملكهم ، وقلعة آتيل ، وعلّوس ، وألقي ، وأروخ ، وباخوخة ، وبرخو ، وكنكور ، ونيروه ، وخوشب ، ومن زعمائهم الأمير موسك بن المجلي.

الهَكّاريّة :

بالفتح وتشديد الكاف ، ينتمون إلى الهَكّاريّة (٢)) ، قرى فوق الموصل من جزيرة ابن عمر ، ومن أمرائهم بحلب عزّ الدين عمر بن عليّ ، وعماد الدين أحمد بن عليّ المعروف بابن المشطوب ، وكان أكبر أمير في مصر ، ومن علمائهم شيخ الإسلام أبو الحسن عليّ بن أحمد الهَكّاري المتوفّى سنة (٤٨٦) ، والمترجَم في تاريخ ابن خلكان (٣) (١ / ٣٧٧).

الجلاّنيّة :

بالفتح وتشديد اللام وكسر النون والياء المشدّدة ، تنسب هذه الطائفة إلى

__________________

(١) معجم البلدان : ٣ / ١٥٨.

(٢) معجم البلدان : ٥ / ٤٠٨.

(٣) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٤٥ رقم ٤٥٨.


الجلاّنيّة (١) ، وهي قلعةٌ من قلاع الهَكّارية المذكورة.

الزواديّة (٢) :

وهم أشراف الأكراد ، ومنهم أسد الدين شيركوه المتوفّى سنة (٥٦٤) وأخوه نجم الدين أيّوب.

الشوانكاريّة :

وهم الذين التجأ إليهم في سنة (٥٦٤) شملة ملك فارس صاحب خوزستان المتوفّى سنة (٥٧٠).

الحميديّة :

كانت لهم قلاع حصينة تجاور الموصل.

الهذبانيّة :

لهم قلعة إربل وأعمالها.

الحكميّة :

ومن أمرائهم الأمير أبو الهيجاء الإربلي.

ومنهم : الأكراد المارانيّة ، واليعقوبيّة ، والجوزقانيّة ، والسورانيّة ، والكورانيّة ، والعماديّة ، والمحموديّة ، والجوبيّة ، والمهرانيّة ، والجاوانيّة ، والرضائيّة ، والسروجيّة ، والهارونيّة ، واللّريّة ، إلى غير ذلك من القبائل التي لا تُحصى كثرةً.

__________________

(١) معجم البلدان : ٢ / ١٤٩.

(٢) كذا في الكامل [٧ / ٢٠٠ حوادث سنة ٥٦٤ ه‍] وفي غيره : الروادية. (المؤلف)


نبذة من شعره :

ومن شعر شاعرنا البشنوي في المذهب ، قوله :

خير الوصيِّين من خير البيوت ومن

خيرِ القبائلِ معصومٌ من الزللِ

إذا نظرتَ إلى وجه الوصيِّ فقد

عبدتَ ربّك في قولٍ وفي عملِ

أشار بالبيت الأخير إلى ما رواه محبّ الدين الطبري في رياضه (١) (٢ / ٢١٩) عن أبي بكر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وعمران بن الحصين ، وعن غيرهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «النظر إلى وجه عليٍّ عبادة».

ورواه الكنجي في كفاية الطالب (٢) (ص ٦٤ و ٦٥) عن ابن مسعود بطريقين ،

وقال : الحديث الأوّل أحسن إسناداً من الثاني ، والحديث الثاني روته الحفّاظ كأبي نعيم في حليته (٣) ، والطبراني في معجمه (٤) ، وهو حسن عالٍ جليل غريب من هذا الوجه ، والحديث الأوّل عالٍ حسن السياق.

ورواه بطريق آخر عن معاذ بن جبل (٥)) (ص ٦٦) فقال : وأخرجه الحافظ الدمشقي في تاريخه (٦) عن غير واحد من الصحابة ، منهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وجابر ، وثوبان ، وعائشة ، وعمران بن الحصين ، وأبو ذرّ ، وفي حديث أبي ذرّ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الرياض النضرة : ٣ / ١٧٢.

(٢) كفاية الطالب : ص ١٥٦ ـ ١٥٨ باب ٣٤.

(٣) حلية الأولياء : ٥ / ٥٨ رقم ٢٩٥.

(٤) المعجم الكبير : ١٠ / ٧٦ ح ١٠٠٠٦.

(٥) كفاية الطالب : ص ١٦١ باب ٣٤.

(٦) ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ـ الطبعة المحقّقة ـ : رقم ٨٩٤ ـ ٩١١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٧ ـ ٨.


«مثل عليٍّ فيكم ـ أو قال : في هذه الأمّة ـ كمثل الكعبة المستورة ، النظر إليها عبادةٌ ، والحجُّ إليها فريضةٌ». ورواه (١) في (ص ١٢٤) بطريق آخر عن علىٍّ عليه‌السلام.

وله قوله :

ولستُ أُبالي بأيِّ البلاد

قضى الله نحبي إذا ما قضاهُ

ولا أين خُطَّ إذاً مضجعي

ولا مَن جفاه ولا مَن قلاهُ

إذا كنتُ أشهدُ أن لا إلهَ

سوى اللهِ والحقُّ فيما قضاهُ

وأنّ محمداً المصطفى

نبيٌ وأنّ عليّا أخاهُ

وفاطمة الطهر بنت الرسولِ

رسولٌ هدانا إلى ما هداهُ

وإبناهما فهما سادتي

فطوبى لعبدٍ هما سيّداهُ

وله قوله :

يا ناصبي بكلِّ جهدِك فاجهدِ

إنّي علِقتُ بحبِّ آلِ محمدِ

الطيِّبين الطاهرين ذوي الهدى

طابوا وطابَ وليُّهمْ في المولدِ

واليتُهمْ وبرِئتُ من أعدائِهمْ

فاقللْ ملامَك لا أبا لك أو زِدِ

فهمُ أمانٌ كالنجومِ وإنّهمْ

سُفنُ النجاةِ من الحديثِ المسندِ

وله قوله :

فقالَ كبيرُهم ما الرأيُ فيما

ترون يردّ ذا الأمرَ الجليِ

سمعتمْ قولَهُ قولاً بليغاً

وأوصى بالخلافة في عليِ

فقالوا حيلةٌ نُصبت علينا

ورأيٌ ليس بالعقدِ الوفيِ

ندبّر غير هذا في أمورٍ

ننال بها من العيش السنيِ

سنجعلها إذا ما مات شورى

لتيميٍّ هنالك أو عديِ

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ٢٥٢ باب ٦٢.


وله قوله :

يا قارئَ القرآنِ مع تأويلِهِ

مع كلِّ محكمةٍ أتتْ في حالِ

أعمارةُ البيتِ المحرّمِ مثلُهُ

وسقايةُ الحجّاجِ في الأمثالِ

أم مثله التيميُّ أو عدويُّهمْ

هل كان في حالٍ من الأحوالِ

لا والذي فرضٌ عليَّ ودادُهُ

ما عنديَ العلماءُ كالجهّالِ

وله قوله :

فمدينةُ العلمِ التي هو بابُها

أضحى قسيمَ النارِ يوم مآبهِ

فعدوُّه أشقى البريّةِ في لظىً

ووليُّهُ المحبوبُ يومَ حسابهِ

وله قوله :

خيرُ البريّة خاصفُ النعلِ الذي

شهدَ النبيُّ بحقِّه في المشهدِ

وبعلمِهِ وقضائِهِ وبسيفِهِ

شهدَ الرسولُ مع الملائكِ فاشهدِ

وله في الصدّيقة الزهراء عليها‌السلام قوله :

وقفَ الندا في موضعٍ عبرتْ

فيه البتولُ : عيونَكمْ غضّوا

فتغضُ (١) والأبصارُ خاشعةٌ

وعلى بنانِ الظالمِ العضُ

تسوَدُّ حينئذٍ وجوهُهمُ

ووجوهُ أهلِ الحقِّ تبيَضُ

وله يمدح الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قوله :

سليلُ أئمّةٍ سلكوا كراماً

على منهاجِ جدِّهمُ الرسولِ

إذا ما مشكلٌ أعيا علينا

أتَوْنا بالبيانِ وبالدليلِ

__________________

(١) كذا في المناقب ، وفي أعيان الشيعة ٦ / ١١ : فتمرُّ.



ـ ٢٥ ـ

الصاحب بن عبّاد

المولود (٣٢٦)

المتوفّى (٣٨٥)

قالت فمن صاحبُ الدينِ الحنيفِ أجبْ

فقلتُ أحمدُ خيرُ السادةِ الرسُلِ

قالت فمن بعده تُصفي الولاءَ له

قلتُ الوصيُّ الذي أربى على زُحَلِ

قالت فمن بات من فوقِ الفراشِ فدىً

فقلتُ أثبتُ خلقِ اللهِ في الوَهَلِ (١)

قالت فمن ذا الذي آخاه عن مقةٍ

فقلتُ من حاز ردَّ الشمس في الطَّفَلِ (٢)

قالت فمن زوَّجَ الزهراءَ فاطمةً

فقلتُ أفضلُ من حافٍ ومُنتعلِ

قالت فمن والدُ السبطينِ إذ فرعا

فقلتُ سابقُ أهلِ السبقِ في مَهلِ

قالت فمن فاز في بَدرٍ بمعجزها

فقلتُ أضربُ خلقِ اللهِ في القُلَلِ

قالت فمن أسدُ الأحزابِ يفرسُها

فقلتُ قاتلُ عمروِ الضيغمِ البطلِ

قالت فيوم حُنين من فرا وبَرا

فقلتُ حاصدُ أهلِ الشركِ في عجَلِ

قالت فمن ذا دُعي للطير يأكلُهُ

فقلتُ أقربُ مَرضيٍّ ومُنتحلِ

قالت فمن تِلْوُهُ يومَ الكساءِ أجبْ

فقلتُ أفضلُ مَكسوٍّ ومُشتمِلِ

قالت فمن سادَ في يومِ الغديرِ أَبِنْ

فقلتُ من كان للإسلامِ خيرَ ولي

__________________

(١) الوَهَل : الفزع.

(٢) المقة : المحبّة. طفلت الشمس : مالت للغروب.


قالت ففي من أتى في هل أتى شرفٌ

فقلتُ أبذلُ أهلِ الأرضِ للنفَلِ

قالت فمن راكعٌ زكّى بخاتمهِ

فقلتُ أطعنُهم مذ كان بالأَسَلِ

قالت فمن ذا قسيمُ النارِ يسهمُها

فقلتُ من رأيُه أذكى من الشُّعَلِ

قالت فمن باهَل الطهرُ النبيُّ به

فقلتُ تاليهِ في حِلٍّ ومُرتحَلِ

قالت فمن شبهُ هارونَ لنعرفَه

فقلتُ من لم يَحُلْ يوماً ولم يَزُلِ

قالت فمن ذا غدا بابَ المدينةِ قل

فقلتُ من سألوهُ وهو لم يَسلِ

قالت فمَن قاتل الأقوامَ إذ نكثوا

فقلتُ تفسيرُهُ في وقعةِ الجملِ

قالت فمَن حاربَ الأرجاسَ إذ قسطوا

فقلت صفِّين تُبدي صفحةَ العملِ

قالت فمَن قارعَ الأنجاسَ إذ مرَقوا

فقلت معناه يوم النهروانِ جَلي

قالت فمَن صاحبُ الحوضِ الشريفِ غداً

فقلت مَن بيتُهُ في أشرفِ الحللِ

قالت فمَن ذا لواء الحمدِ يحملُه

فقلت مَن لم يكن في الروعِ بالوجلِ

قالت أكلُّ الذي قد قلتَ في رجلٍ

فقلت كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ

قالت فمَن هو هذا الفردُ سِمهُ لنا

فقلت ذاك أميرُ المؤمنين علي

وله من قصيدة :

يا كفوَ بنتِ محمدٍ لولاكَ ما

زُفّتْ إلى بشرٍ مدى الأحقابِ

يا أصلَ عترةِ أحمدٍ لولاكَ لم

يكُ أحمدُ المبعوثُ ذا أعقابِ

كان النبيُّ مدينةَ العلمِ التي

حَوَتِ الكمالَ وكنتَ أفضلَ بابِ

رُدّتْ عليكَ الشمسُ وهي فضيلةٌ

بهرتْ فلم تُستَر بلفِّ نقابِ

لم أحكِ إلاّ ما روتْهُ نواصبٌ

عادتكَ فهي مُباحةُ الأسلابِ

عوملتَ يا تِلْوَ النبيِّ وصنوَهُ

بأوابدٍ جاءَتْ بكلِّ عُجابِ

قد لقّبوك أبا ترابٍ بعدما

باعوا شريعتَهمْ بكفِّ ترابِ

لم تعلموا أنّ الوصيَّ هو الذي

آتى الزكاةَ وكان في المحرابِ

لم تعلموا أنّ الوصيَّ هو الذي

حَكَمَ الغديرُ له على الأصحابِ


وله قوله :

وقالوا عليٌّ علا قلت لا

فإنّ العُلى بعليٍّ عَلا

ولكن أقولُ كقولِ النبيِ

وقد جمعَ الخلقَ كلَّ الملا

ألا إنّ من كنتُ مولىً له

يُوالي علياً وإلاّ فلا

وله من قصيدة قوله :

وكم دعوةٍ للمصطفى فيه حُقِّقَتْ

وآمالُ من عادى الوصيَّ خوائبُ

فمن رَمَدٍ آذاه جَلاّه داعياً

لساعته والريحُ في الحربِ عاصبُ

ومن سطوةٍ للحرِّ والبردِ دوفعت

بدعوتِهِ عنه وفيها عجائبُ

وفي أيِّ يومٍ لم يكن شمسُ يومِهِ

إذا قيل هذا يومُ تُقضى المآربُ

أفي خطبةِ الزهراءِ لمّا استخصَّهُ

كِفاءً لها والكلُّ من قبلُ طالبُ

أفي الطيرِ لمّا قد دعا فأجابَهُ

وقد ردّه عنه غبيٌّ مواربُ

أفي رفعِهِ يومَ التباهلِ قدرَهُ

وذلك مجدٌ ما علمت مواظبُ

أفي يومِ خمٍّ إذ أشاد بذكرِهِ

وقد سمع الإيصاءَ جاءٍ وذاهبُ

أيعسوبَ دينِ اللهِ صنوَ نبيِّه

ومن حبُّهُ فرضٌ من اللهِ واجبُ

مكانُكَ من فوقِ الفراقدِ لائحٌ

ومجدُك من أعلى السماك مَراقبُ

وسيفُكَ في جيدِ الأعادي قلائدٌ

قلائدُ لم يعكفْ عليهنّ ثاقبُ

الشاعر

الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس بن عبّاد بن أحمد بن إدريس الطالقاني.

قد يرتج القول على صاحبه بالرغم من بلوغ الغاية القصوى من القدرة في تحليل شخصيّات كبيرة أتتهم الفضائل من شتّى النواحي ، واكتنفتهم المزايا الفاضلة


من جهات متفرِّقة. ومن هاتيك النفسيّات الكبيرة التي أعيت البليغ حدودها نفسيّة الصاحب ، فهي تستدعي الإفاضة في تحليلها من ناحية العلم طوراً ، ومن ناحية الأدب تارةً ، كما تسترسل القول من وجهة السياسة مرّة ، ومن وجهة العظمة أخرى ، إلى جود هامر ، وفضل وافر ، وشرف صميم ، ومذهب قويم ، وفضائل لا تحصى ، ومهما هتفت المعاجم بشيءٍ من ذلك فإنّه بعض الحقيقة ، ولعلّ في شهرته بهاتيك المآثر جمعاء غنىً عن الإطناب في وصفه ، وإنّك لا تجد شيئاً من كتب التراجم إلاّ وفيه لمعٌ من محامده ، ومن أشهرها يتيمة الدهر (١)) للثعالبي وهو أبسط من كتب فيه من القدماء وقد استوعب فيه (٩١) صحيفة ، وإنّما ألّفها له ولشعرائه ، وأفرد غير واحد من رجال التأليف كتاباً في ترجمته ، منهم :

١ ـ مهذّب الدين محمد بن عليّ الحلّي المزيدي المعروف بأبي طالب الخيمي ، له كتاب الديوان المعمور في مدح الصاحب المذكور.

٢ ـ الشيخ محمد علي ابن الشيخ أبي طالب الزاهدي الجيلاني ، المولود (١١٠٣) والمتوفّى (١١٨١).

٣ ـ السيِّد أبو القاسم أحمد بن محمد الحسني الحسيني الأصبهاني ، له كتاب الإرشاد في أحوال الصاحب بن عبّاد ، ألّفها سنة (١٢٥٩).

٤ ـ الأستاذ خليل مردم بك ، له كتاب في المترجَم طبع في مطبعة الترقّي (٢٥٢) صحيفة بدمشق ، وهو الجزء الرابع من أئّمة الأدب الأربعة في أربعة أجزاء.

وبعد هذه الشهرة الطائلة فليس علينا إلاّ سرد ترجمة بسيطة هي جُماع ما في هذه الكتب.

وُلد الصاحب في إحدى كور فارس بإصطخر أو بطالقان ، في (١٦) ذي القعدة

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٢٥ ـ ٣٣٧.


سنة (٣٢٦) ، وأخذ العلم والأدب عن والده وأبي الفضل بن العميد ، وأبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي ، وأبي الفضل العبّاس بن محمد النحوي الملقّب بعرام ، وأبي سعيد السيرافي ، وأبي بكر بن مقسم ، والقاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن شجرة ، وعبد الله بن جعفر بن فارس ، ويروي عن الأخيرين.

قال السمعاني (١) : إنّه سمع الأحاديث من الأصبهانيِّين والبغداديِّين والرازيِّين ، وحدّث ، وكان يحثُّ على طلب الحديث وكتابته. وروى عن ابن مردويه أنّه سمع الصاحب يقول : من لم يكتب الحديث لم يجد حلاوة الإسلام.

وكان يُملي الحديث على خلقٍ كثير ، فكان المستملي الواحد ينضاف إليه الستّة كلٌّ يبلّغ صاحبه ، فكتب عنه الناس الكثير الطيّب ، منهم : القاضي عبد الجبّار ، والشيخ عبد القاهر الجرجاني ، وأبو بكر ابن المقري ، والقاضي أبو الطيِّب الطبري ، وأبو بكر بن عليِّ الذكواني ، وأبو الفضل محمد بن محمد بن إبراهيم النسوي الشافعي.

ثمّ شاع نبوغه في العلوم وتضلّعه في فنون الأدب ، واعترف به الشاهد والغائب ، حتى عدّه شيخنا بهاء الملّة والدين في رسالة غسل الرجلين ومسحهما من علماء الشيعة ، في عداد ثقة الإسلام الكليني ، والصدوق ، والشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي والشيخ الشهيد ونظرائهم. ووصفه العلاّمة المجلسي الأوّل في حواشي نقد الرجال بكونه من أفقه فقهاء أصحابنا المتقدِّمين والمتأخِّرين ، وعدّه في مقام آخر : من رؤساء المحدِّثين والمتكلّمين. وأطراه شيخنا الحرُّ العاملي في أمل الآمل (٢) ، بأنّه محقِّقٌ متكلّمٌ عظيم الشأن ، جليل القدر في العلم.

كما أنّ الثعالبي في فقه اللغة جعله أحد أئمّتها الذين اعتمد عليهم في كتابه ، أمثال : الليث ، والخليل ، وسيبويه ، وخلف الأحمر ، وثعلب الأحمثي ، وابن الكلبي ،

__________________

(١) الأنساب : ٤ / ٣٠.

(٢) أمل الآمل : ٢ / ٣٤ رقم ٩٦.


وابن دريد. وعدّه الأنباري أيضاً من علماء اللغة ، فأفرد له ترجمة في كتابه : طبقات الأدباء النحاة (١)) ، وكذلك السيوطي في بغية الوعاة في طبقات اللغويِّين والنحاة (٢) ، ورآه العلاّمة المجلسي في مقدّمة البحار (٣) علَماً في اللغة والعروض والعربيّة من الإماميّة.

وقال ابن الجوزي في المنتظم (٤) (٧ / ١٨٠) : كان يخالط العلماء والأدباء ويقول لهم : نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان ، وسمع الحديث وأملى ، وروى أبو الحسن عليّ بن محمد الطبري المعروف ب (كيا) قال : سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول : لمّا عزم الصاحب إسماعيل بن عبّاد على الإملاء ـ وكان حينئذٍ في الوزارة ـ خرج يوماً متطلّساً متحنّكاً بزيِّ أهل العلم ، فقال : قد علمتم قدمي في العلم ، فأقرّوا له بذلك. فقال : وأنا متلبِّسٌ بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدّي ، ومع هذا فلا أخلو من تبعات ، أشهد الله وأشهدكم أنِّي تائبٌ إلى الله من كلِّ ذنب أذنبته. واتّخذ لنفسه بيتاً وسمّاه بيت التوبة ، ولبث أسبوعاً على ذلك ، ثمّ أخذ خطوط الفقهاء بصحّة توبته ، ثمّ خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير ، وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستّة كلٌّ يبلِّغ صاحبه ، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبّار ، وكان الصاحب يُنفِذ كلَّ سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تُفرَّق في الفقهاء وأهل الأدب ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم.

وإخباتاً إلى علمه وأدبه ألّف له غير واحد من الأعلام الأفذاذ تآليف قيِّمة ، منهم

١ ـ شيخنا الصدوق أبو جعفر القمّي ، ألّف له كتابه : عيون أخبار الرضا.

__________________

(١) نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء والنحاة : ص ٣٢٥ رقم ١٢٨.

(٢) بغية الوعاة : ١ / ٤٤٩ رقم ٩١٨.

(٣) بحار الأنوار : ١ / ٤٢.

(٤) المنتظم : ١٤ / ٣٧٦ رقم ٢٩١١.


٢ ـ الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، كتابه : نفي التشبيه ، كذا في لسان الميزان (١) (٢ / ٣٠٦) نقلاً عن فهرست النجاشي (٢) ، ويظهر من النجاشي (ص ٥٠) أنّه غيره ولم يسمّه.

٣ ـ الشيخ الحسن بن محمد القمّي ، ألّف له كتابه : تاريخ قم.

٤ ـ أبو الحسن أحمد بن فارس الرازي اللغوي ، كتابه : الصاحبيّ.

٥ ـ القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجاني ، كتابه : التهذيب.

٦ ـ أبو جعفر أحمد بن أبي سليمان داود الصوّاف المالكي ، ألّف للصاحب كتابه : الحجر ووجّهه إليه ، فقال الصاحب : رُدّوا الحجر من حيث جاء. ثمّ قبله ووصله عليه ، ذكره ابن فرحون في الديباج المذهّب (٣) (ص ٣٦).

وللصاحب آثارٌ خالدةٌ في العلم والأدب منها :

١ ـ كتاب : أسماء الله وصفاته.

٢ ـ كتاب : نهج السبيل في الأصول.

٣ ـ كتاب : الإمامة في تفضيل أمير المؤمنين.

٤ ـ كتاب : الوقف والابتداء.

٥ ـ كتاب : المحيط في اللغة ، في عشر مجلّدات (٤).

٦ ـ كتاب : الزيديّة.

٧ ـ كتاب : المعارف في التاريخ.

٨ ـ كتاب : الوزراء.

__________________

(١) لسان الميزان : ٢ / ٣٧٤ رقم ٢٧٨٢.

(٢) رجال النجاشي : ص ٦٨ رقم ١٦٣.

(٣) الديباج المذهّب : ١ / ١٦٧ رقم ٣٤.

(٤) كذا في معجم الأدباء [٦ / ٢٦٠]. وفي كشف الظنون [٢ / ١٦٢١] : في سبع مجلدات. [طبع أخيراً في عشر مجلدات وفهارس بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين]. (المؤلف)


٩ ـ كتاب : القضاء والقدر.

١٠ ـ كتاب : الروزنامچه ، ينقل عنه الثعالبي في يتيمة الدهر.

١١ ـ كتاب : أخبار أبي العيناء.

١٢ ـ كتاب : تاريخ الملك واختلاف الدول.

١٣ ـ كتاب : الزيديِّين.

١٤ ـ كتاب : جوهرة الجمهرة لابن دُريد.

١٥ ـ كتاب : الإقناع في العروض.

١٦ ـ كتاب : نقض العروض.

١٧ ـ كتاب : ديوان رسائله ، في عشر مجلّدات.

١٨ ـ كتاب : الكافي ، في الرسائل وفنون الكتابة.

١٩ ـ كتاب : الأعياد وفضائل النيروز.

٢٠ ـ كتاب : ديوان شعره.

٢١ ـ كتاب : الشواهد.

٢٢ ـ كتاب : التذكرة.

٢٣ ـ كتاب : التعليل.

٢٤ ـ كتاب : الأنوار.

٢٥ ـ كتاب : الفصول المهذِّبة للعقول.

٢٦ ـ كتاب : رسالة الإبانة عن مذهب أهل العدل.

٢٧ ـ كتاب في الطبّ.

٢٨ ـ كتاب في الطبّ أيضاً.

٢٩ ـ كتاب : الكشف عن مساوئ شعر المتنبّي ، طبع بمصر في (٢٦) صحيفة. قال الثعالبي في اليتيمة (١) : ولمّا عمل الصاحب هذه الرسالة عمل القاضي أبو الحسن

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٤ ـ ٥.


عليّ بن عبد العزيز الجرجاني كتابه الوساطة بين المتنبّي وخصومه في شعره ، وقال فيه بعض أدباء نيسابور :

أيا قاضياً قد دَنَتْ كُتْبُه

وإن أصبحتْ دارُهُ شاحطه (١)

كتابُ الوساطةِ في حسنِهِ

لعِقدِ معاليك كالواسطه

٣٠ ـ رسالةٌ في فضل سيِّدنا عبد العظيم الحسني ، المدفون بالريّ.

٣١ ـ كتاب : السفينة ، نسبها إليه الثعالبي في تتمّة اليتيمة (٢).

٣٢ ـ كتابٌ مفرد في ترجمة الشافعي محمد بن إدريس ـ إمام الشافعيّة ـ كما في الكواكب الدريّة (ص ٢٦٣).

وشافهني الأستاذ حسين محفوظ الكاظمي بأنّه رأى من تآليف الصاحب ما يلي :

١ ـ الفصول الأدبيّة والمراسلات العباديّة ، مرتّبة على خمسة عشر باباً ، في كلِّ باب خمسة عشر فصلاً ، والنسخة مؤرّخةٌ بسنة (٦٢٨).

٢ ـ رسالة في الهداية والضلالة ، مخطوطةٌ بالخطّ الكوفي ، نسخت من نسخة المؤلِّف وعليها خطّه.

٣ ـ الأمثال السائرة من شعر أبي الطيِّب المتنبّي ، وهي (٣٧٢) بيتاً ، والنسخة بخطّ الباخرزي مؤرّخة بسنة (٤٣٤).

والقارئ جِدُّ عليم بأنّ مؤلِّف هذه الكتب المتنوِّعة ، أحد أفذاذ العلم الذين لم يعدُهم أيُّ مقام منيع من الفنون ، فهو : فيلسوف ، متكلّم ، فقيه ، محدِّث ، مؤرِّخ ، لغويّ نحويّ ، أديب ، كاتب ، شاعر ، فما ظنّك بمثله من نابغة جمع الشوارد ، وألّف بين

__________________

(١) شاحطة : بعيدة.

(٢) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٣٧.


متفرِّقات العلوم ، وهل تجده إلاّ في الذروة والسنام من الفضل الظاهر ، فحقَّ له هذا الصيت الطائر ، والذكر السائر مع الفلك الدائر.

كانت للصاحب مكتبة عامرة ، وقد نوّه بها لمّا أرسل إليه صاحب خراسان الملك نوح بن منصور الساماني في السير يستدعيه إلى حضرته ويرغِّبه في خدمته ، وبذل البذول السنيّة ، فكان من جملة أعذاره قوله : ثمّ كيف لي بحمل أموالي مع كثرة أثقالي ، وعندي من كتب العلم خاصّة ما يُحمل على أربعمائة حمل أو أكثر؟

[و] في معجم الأدباء (١)) قال أبو الحسن البيهقي : وأنا أقول : بيت الكتب الذي بالريّ دليلٌ على ذلك بعدما أحرقه السلطان محمود بن سبكتكين ، فإنّي طالعت هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشر مجلّدات ، فإنَّ السلطان محموداً لمّا ورد إلى الريّ قيل له : إنّ هذه الكتب كتب الروافض وأهل البدع ، فاستخرج منها كلّ ما كان في علم الكلام وأمر بحرقه.

يظهر من كلام البيهقي هذا ، أنّ عمدة الكتب التي أُحرقت هي خزانة كتب الصاحب ، وهكذا كانت تعبث يد الجور بآثار الشيعة وكتبهم ومآثرهم.

وكان خازن تلك المكتبة ومتولّيها : أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عليّ المقري (٢) المتوفّى (٣٨١) ، وأبو محمد عبد الله الخازن ابن الحسن الأصبهاني.

وزارته ، صِلاته ، مادحوه :

قال أبو بكر الخوارزمي : الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها ، ودبَّ ودرج من وكرِها ، ورضع أفاويق درّها ، وورثها عن آبائه. كما قال أبو سعيد الرستمي في حقِّه :

__________________

(١) معجم الأدباء : ٦ / ٢٥٩.

(٢) توجد ترجمته في الوافي بالوفيات للصفدي : ١ / ٣٤٢ [رقم ٢٢٤]. (المؤلف)


ورث الوزارة كابراً عن كابرٍ

موصولة الأسناد بالأسنادِ

يروي عن العبّاسِ عبّادٌ وزا

رتَهُ وإسماعيلُ عن عبّادِ

وهو أوّل من لُقِّب بالصاحب من الوزراء ، لأنّه كان يصحب أبا الفضل بن العميد فقيل له : صاحب ابن العميد ، ثمّ أُطلق عليه هذا اللقب لمّا تولّى الوزارة وبقي عَلَماً عليه ، وذكر الصابي في كتاب التاجي : أنّه إنّما قيل له الصاحب لأنّه صحب مؤيّد الدولة ابن بويه منذ الصبا ، وسمّاه الصاحب فاستمرَّ عليه هذا اللقب واشتهر به ، ثمّ سُمّي به كلُّ من ولي الوزارة بعده.

استكتبه مؤيِّد الدولة من (٣٤٧) تقريباً إلى سنة (٣٦٦) ، وسافر معه إلى بغداد سنة (٣٤٧) حتى استوزره من سنة (٣٦٦) إلى وفاة مؤيّد الدولة سنة (٣٧٣) ثمّ استوزره أخوه فخر الدولة ، وسافر معه إلى الريّ عاصمة مملكته ، ولم يألُ الصاحب جهداً في خدمة أميره وتوسيع مملكته ، قال الحموي (١) : فتح الصاحب خمسين قلعة سلّمها إلى فخر الدولة ، لم يجتمع عشرٌ منها لأبيه ولا لأخيه.

وله أيّام وزارته عطاؤه الجزل ، وسَيْب يده المتدفِّق ، وبرُّه المتواصل إلى العلماء والشعراء. قال الثعالبي : حدّثني عون بن الحسين ، قال : كنت يوماً في خزانة الخلع للصاحب فرأيت في ثبت حسابات كاتبها ـ وكان صديقي ـ مبلغ عمائم الخزّ التي صارت تلك الشتوة للعلويِّين والفقهاء والشعراء خاصّة ـ غير الخدم والحاشية ـ ثمانمائة وعشرين ، وكان يُنفذ إلى بغداد في السنة خمسة آلاف دينار تفرّق على الفقهاء والأدباء ، وكانت صِلاته وصدقاته وقرباته في شهر رمضان تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة ، فكان لا يدخل عليه في شهر رمضان أحدٌ كائناً من كان فيخرج من داره إلاَّ بعد الإفطار عنده ، وكانت داره لا تخلو في كلِّ ليلةٍ من لياليه من

__________________

(١) معجم الأدباء : ٦ / ٢٥١.


ألف نفس مفطرة فيها. يتيمة الدهر (١) (٣ / ١٧٤).

كان عهده أخصب عهد للعلم والأدب بتقريبه رجالات الفضيلة ، وتشويقه إيّاهم ، وتنشيطهم لنشر بضائعهم الثمينة حتى نفق سوقها ، وراج أمرها ، وكثرت طلاّبها ، ونبغت روّادها ، فكانت قلائد الدرر منها تُقابَل بالبِدَر والصرر ، فمدحه على فضله المتوفِّر ، وجوده المديد الوافر خمسمائة شاعر ، تجد مدائحهم مبثوثةً في الدواوين والمعاجم ، قال الحموي (٢) : حدّث ابن بابك قال : سمعت الصاحب يقول : مُدحت ـ والعلم عند الله ـ بمائة ألف قصيدة شعراً عربيّة وفارسيّة. وقد خلّدت تلك القصائد له على صفحة الدهر ذكراً لا يبلى ، وعظمةً لا يخلقها مرُّ الجديدين. ومن أولئك الشعراء :

١ ـ أبو القاسم الزعفراني عمر بن إبراهيم العراقي ، له قصائد في الصاحب ، منها نونيّة مطلعها :

سواك يعدُّ الغنى واقتنى

ويأمره الحرصُ أن يخزنا

وأنت ابنُ عبّادٍ المرتجى

تعدُّ نوالَكَ نيلَ المنى

٢ ـ أبو القاسم عبد الصمد بن بابك ، يمدح الصاحب بقصيدة أوّلها :

خلعتْ قلائدَها عن الجوزاءِ

عذراءُ رقّصَها لعابُ الماءِ

٣ ـ أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف الوزير من آل بويه ، له قصيدة منها :

أقول وقلبي في ذراك مخيِّمٌ

وجسمي جنيبٌ للصبا والجنائبِ

يُجاذب نحو الصاحبِ الشوقُ مِقْودي

وقد جاذبتني عنه أيدي الشواذبِ

٤ ـ الوزير أبو العبّاس الضبّي : المتوفّى (٣٩٨) أحد شعراء الغدير الآتي شعره

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٢٧ ، ٢٣٠.

(٢) معجم الأدباء : ٦ / ٢٦٣.


وترجمته ، له قصائد في مدح المترجَم.

٥ ـ الكاتب أبو القاسم عليّ بن القاسم القاشاني ، كتب إلى الصاحب بقصيدةٍ أوّلها :

إذا الغيومُ أرجفنَ باسقُها

وحفَّ أرجاءَها بوارقُها

٦ ـ أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي العراقي : المتوفّى سنة (٣٩٤) ، له في الصاحب قصيدة أوّلها :

رُقى العذّالِ أم خُدَعُ الرقيبِ

سقتْ وردَ الخدودِ من القلوبِ

وله فيه أُرجوزةٌ منها :

فما تحلُّ الوزراءُ ما عقدْ

بجهدِهم ما قاله وما اجتهدْ

شتّان ما بين الأُسود والنَّقدْ

هل يستوي البحرُ الخضمُّ والثمدْ (١)

أمنيّتي من كلِّ خيرٍ مُستعدْ

أن يسلم الصاحبُ لي طول الأبدْ

٧ ـ القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجاني : المتوفّى سنة (٣٩٢) ، له من قصيدة في الصاحب قوله :

أوَ ما انثنيتَ عن الوداعِ بلوعةٍ

ملأتْ حشاكَ صبابةً وغليلا

ومدامع تجري فيحسبُ أنّ في

آماقِهنَّ بنانَ إسماعيلا

يا أيّها القرمُ الذي بعلوِّه

نال العلاءَ من الزمانِ السولا

قسمتْ يداك على الورى أرزاقَها

فَكَنَوْكَ قاسمَ رزقها المسؤولا

وله فيه قصائد كثيرة أخرى.

٨ ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد الجوهري الجرجاني ، أحد شعراء الغدير يأتي

__________________

(١) الَثمَد : الماء القليل الذي لا مادَّ له.


شعره وترجمته ، له قصائد كثيرة في الصاحب همزيّة ، رائيّة ، فائيّة ، بائيّة ، وغيرها.

٩ ـ أبو الفيّاض سعد بن أحمد الطبري ، له في الصاحب قصائد منها ميميّة أوّلها :

الدمع يُعرِبُ ما لا يُعرِبُ الكلِمُ

والدمعُ عدلٌ وبعضُ القولِ متّهمُ

١٠ ـ أبو هاشم محمد بن داود بن أحمد بن داود بن أبي تراب عليّ بن عيسى ابن محمد البطحائي ابن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام المعروف بالعلوي الطبريّ ، له شعرٌ كثير في الصاحب ، وللصاحب فيه كذلك.

١١ ـ أبو بكر محمد بن العبّاس الخوارزمي ، له قصائد في الصاحب ، ومن قصيدة يمدحه :

ومن نصرَ التوحيدَ والعدلَ فعلُهُ

وأيقظ نوّامَ المعالي شمائلُه

ومن تركَ الأخيار ينشد أهلهُ

أحل أيّها الربع الذي خفَّ آهلُه

١٢ ـ أبو سعد نصر بن يعقوب ، له قصيدة في الصاحب مطلعها :

أبى لي أن أباليَ بالليالي

وأخشى صِرفَها فيمن يُبالي

١٣ ـ السيِّد أبو الحسين عليّ (١) بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن [الحسن البصري بن] القاسم بن محمد بن القاسم [بن الحسن بن زيد] بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام صهر الصاحب. له قصيدة تربو على الستّين بيتاً ، يمدح بها الصاحب خالية من حرف الواو ، ذكر الثعالبي في يتيمة الدهر (٢) منها (٢٠) بيتاً ، ومؤلِّف

__________________

(١) المعروف بالأطروش الرئيس بهمدان. عمدة الطالب : ص ٨٠.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٤٧٥.


الدرجات الرفيعة (١) (١٤) بيتاً أوّلها :

برقٌ ذكرتُ به الحبائبْ

لمّا بدا فالدمع ساكبْ

١٤ ـ أبو عبد الله الحسين بن أحمد الشهير بابن الحجّاج البغدادي : المتوفّى (٣٩١) ، أحد شعراء الغدير ، يأتي شعره وترجمته ، له فائيّة يمدح بها الصاحب أوّلها :

أيّها السائل عنّي

أنا في حالٍ طريفه

وأخرى مطلعها :

ساق على حسنِ وجهِها تَلَفي

وسرّها ما رأته من دَنفي

وله نونيّةٌ في مدحه أوّلها :

يا عذولي أمّا أنا

فسبيلي إلى العنا

وحديثي من حقِّه

في الزمان أن يُدوَّنا

١٥ ـ أبو الحسن عليّ بن هارون ابن المنجِّم ، له قصيدةٌ في الصاحب يصف بها داره بقوله :

وأبوابها أثوابُها من نقوشِها

فلا ظلمَ إلاّ حين تُرخى ستورها

١٦ ـ الشيخ أبو الحسن بن أبي الحسن صاحب البريد ابن عمة الصاحب ، له قصيدةٌ يصف بها داراً بناها المترجَم بأصبهان وانتقل إليها :

دارٌ على العزِّ والتأييد مبناها

وللمكارم والعلياء مغناها

١٧ ـ أبو الطيِّب الكاتب ، له في وصف دار الصاحب بأصبهان قصيدةٌ مطلعها :

__________________

(١) الدرجات الرفيعة : ص ٤٨٣.


ودارٍ ترى الدنيا عليها مدارها

تحوز السماء أرضها وديارها

١٨ ـ أبو محمد ابن المنجِّم ، له رائيّةٌ يصف بها دار الصاحب مستهلّها :

هجرتُ ولم أنوِ الصدودَ ولا الهجرا

ولا أضمرتْ نفسي الصروفَ ولا الغدرا

١٩ ـ أبو عيسى ابن المنجِّم ، يمدح الصاحب بقصيدة يصف داره ويقول :

هي الدارُ قد عمَّ الأقاليمَ نورُها

ولو قَدَرَتْ بغدادُ كانت تزورُها

٢٠ ـ أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن المعلّى ، يصف دار الصاحب بقصيدة أوّلها

بي من هواها وإن أظهرت لي جلَدا

وجدٌ يذيب وشوقٌ يصدعُ الكبدا

٢١ ـ أبو العلاء الأسدي ، يمدحه بقصيدة ويصف داره ، مطلعها :

واسعد بدارِكَ إنّها الخلدُ

والعيشُ فيها ناعمٌ رغدُ

٢٢ ـ أبو الحسين الغويري ، له قصائد في الصاحب منها قصيدة يصف بها داره بأصبهان أوّلها :

دارٌ غدتْ للفضلِ داره

أفلاكُ أسعدِهِ مداره

٢٣ ـ أبو سعيد الرستمي محمد بن محمد بن الحسن الأصبهاني ، مدح الصاحب بقصائد منها بائيّة مستهلّها :

عقّني بالعقيق ذاك الحبيبُ

فالحشى حشوه الجَوى والنحيبُ

وله من قصيدة لاميّة يمدح بها الصاحب قوله :

أفي الحقِّ أن يُعطى ثلاثون شاعراً

ويحرَمُ ما دون الرضا شاعرٌ مثلي

كما أُلحِقتْ واوٌ بعمروٍ زيادةً

وضُويِقَ باسم الله في ألف الوصلِ


٢٤ ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد الخازن الأصبهاني ، له قصائد يمدح بها الصاحب ، أجودها قصيدةٌ مطلعها :

هذا فؤادُكَ نهبى بين أهواءِ

وذاك رأيُك شورى بين آراءِ

٢٥ ـ أبو الحسن عليّ بن محمد البديهي ، وهو الذي قال فيه صاحبنا المترجَم :

تقولُ البيتَ في خمسين عاماً

فلمْ لقّبتَ نفسَكَ بالبديهي

له قصائد يمدح بها الصاحب ، منها لاميّة أوّلها :

قد أطعتَ الغرامَ فاعصِ العُذولا

ما عسى عائبُ الهوى أن يقولا

٢٦ ـ أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد الشاشي العامريُّ ، له قصائد صاحبيّة ، منها بائيّةٌ أوّلها :

سرَيْنا إلى العليا فقيل كواكبُ

وثرنا إلى الجلّى فقيل قواضبُ

٢٧ ـ أبو طاهر بن أبي الربيع عمرو بن ثابت ، له صاحبيّات منها جيميّة أوّلها :

أما لصحابي بالعذيب معرّجُ

على دِمَنٍ أكنافُها تتأرّجُ

٢٨ ـ أبو الفرج الحسين بن محمد بن هندو ، له صاحبيّات ، منها قصيدةٌ أوّلها :

لها من ضلوعي أن يشبَّ وقودُها

ومن عبراتي أن تفضَّ عقودُها

٢٩ ـ العميري قاضي قزوين ، أهدى إلى الصاحب كتباً وكتب معها :

العميريُّ عبدُ كافي الكفاةِ

وإن اعتدَّ في وجوهِ القضاةِ

خدم المجلسَ الرفيعَ بكتبٍ

مفعماتٍ من حسنِها مترعاتِ

فوقّع الصاحب بقوله :

قد بلنا من الجميعِ كتاباً

ورددنا لوقتِها الباقياتِ


لستُ أستغنمُ الكثيرَ فطبعي

قولُ خذْ ليس مذهبي قولَ هاتِ

٣٠ ـ أبو الرجاء الأهوازي ، مدح الصاحب لمّا ورد الصاحب الأهواز ، ومن قصيدته :

إلى ابن عبّادٍ أبي القاسمِ الصاحبِ إسماعيلَ كافي الكفاة

وتشرب الجندُ هنيئاً بها

من بعد ماءِ الريّ ماءَ الفرات (١)

٣١ ـ أبو منصور أحمد بن محمد اللجيمي الدينَوَري ، له شعر يمدح به الصاحب.

٣٢ ـ أبو النجم أحمد الدامغاني المعروف ب ـ شصت كلّه ـ : المتوفّى سنة (٤٣٢) ، له قصيدةٌ بالفارسيّة مدح بها الصاحب.

٣٣ ـ الشريف الرضي أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ، مدح الصاحب بداليّة سنة (٣٧٥) ولم ينفذها إليه ، وأخرى سنة (٣٨٥) قبل وفاة الصاحب بشهر ، وأنفذها إليه.

٣٤ ـ القاضي أبو بكر عبد الله بن محمد بن جعفر الأسكي ، له شعرٌ في الصاحب ومنه قوله :

كلُّ برٍّ ونوالٍ وصِلَه

واصلٌ منك إلى معتزله

يا ابن عبّاد ستلقى ندماً

لفراقِ الجيرةِ المرتحله

٣٥ ـ أبو القاسم غانم بن محمد بن أبي العلاء الأصبهاني ، له صاحبيّات مدحاً ورثاءً. قال الثعالبي في تتميم يتيمته (٢) : كان يساير الصاحب يوماً فرسم له وصف

__________________

(١) أعجب ما رأيت من تعاليق معجم الأدباء الطبعة الثانية ، تعليق [على] هذا البيت في : ٦ / ٢٥٤ جعل الأستاذ الرفاعي الشطر الثاني في المتن : من بعد ماء الريّ ماء الصراة. وقال في التعليق : الصراة : نهر بالعراق. (المؤلف)

(٢) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ١٣٩.


فرس كان تحته ، فقال مرتجلاً :

طرفٌ تحاولُ شأوَهُ ريحُ الصبا

سفهاً فتعجز أن تشقَّ غباره

بارى بشمسِ قميصِهِ شمسَ الضحى

صبغاً ورضَّ حجارَه بحجاره

٣٦ ـ أبو بكر محمد بن أحمد اليوسفي الزوزني ، له صاحبيّة أوّلها :

أطلع الله للمعاني سعوداً

وأعاد الزمان غضّا جديدا

ومنها :

بعث الدهرُ جندَهُ وبعثنا

نحوه دعوةَ الإله جنودا

يا عميدَ الزمانِ إنّ الليالي

كدنَ يتركن كلَّ قلبٍ عميدا

حادثاتٌ أَردنَ إحداثَ هدمٍ

لعلاهُ فأحدثتْ تشييدا

وله من أخرى قوله :

سلامٌ عليها إنّ عيني عندما

أشارت بلحظِ الطرفِ تخضبُ عَندما (١)

٣٧ ـ أبو بكر يوسف بن محمد بن أحمد الجلودي الرازي ، له قصيدةٌ صاحبيّةٌ منها قوله :

رياضٌ كأنّ الصاحبَ القرمَ جادَها

بأنوائِه أو صاغَها من طباعِه

يجلّي غياباتِ الخطوبِ برأيهِ

كما صدع الصبحُ الدجى بشعاعِه

ومنها :

سحابٌ كيمناهُ وليلٌ كبأسِه

وبرقٌ كماضيه وخرقٌ كباعِه

٣٨ ـ أبو طالب عبد السلام بن الحسين المأموني. قال فريد وجدي في دائرة

__________________

(١) العندم : شجر أحمر ، وقيل : صبغ أحمر.


المعارف (٦ / ٢٠) : مدح الصاحب بقصائد فأعجبه نظمه ، توفّي سنة (٣٨٣)

٣٩ ـ أبو منصور الجرجاني ، كتب إلى الصاحب قوله :

قل للوزير المرتجى

كافي الكفاة الملتجى

إنّي رُزقتُ ولداً

كالصبح إذ تبلّجا

لا زال في ظلّك ظ

ـلِّ المكرمات والحجا

فسمِّه وكنِّه

مشرَّفاً متوَّجا

فوقّع الصاحب تحتها بقوله :

هُنِّئتَهُ هنِّئتَهُ

شمسَ الضحى بدرَ الدجى

فسمِّهِ محسِّناً

وكنِّه أبا الرجا

٤٠ ـ الأوسي ، مدح الصاحب ببائيّة أنشدها بين يديه فلمّا بلغ إلى قوله :

لمّا ركبتُ إليك مُهري أُنعِلَتْ

بدرَ السماءِ وسُمِّرتْ بكواكب

قال له الصاحب : لِمَ أنّثتَ المهر؟ ولِم شبّهتَ النعل بالبدر ولا يشبهه؟ ولو شبّهته بالهلال لكان أحسن فإنّه على هيئته ، فقال الأوسي : أمّا تأنيث المهر فلأ نّي عنيت المهرة ، وأمّا تشبيهي النعل ببدر السماء فلأنّي أردت النعل المطبقة.

٤١ ـ إبراهيم بن عبد الرحمن المعرّي ، مدح الصاحب بقصيدة منها :

قد ظهر الحقُّ وبانَ الهدى

لمن له عينانِ أو قلبُ

مثلَ ظهورِ الشمس في حُجْبِها

إذ رُفِعتْ عن نورِها الحُجبُ

بالمَلك الأعظم مستبشرٌ

شرقُ بلادِ اللهِ والغربُ

٤٢ ـ محمد بن يعقوب أحد أئمّة النحو ، كتب إلى الصاحب كما في دمية القصر (١ / ٣٠١):


قل للوزيرِ أدامَ اللهُ نعمتَهُ

مستخدماً لمجاري الدهر والقدرِ

أردت عبداً وقد أُعطِيتَهُ ولداً

فسمِّهِ باسم من بالعربِ مفتخرِ (١)

وإن وصلتَ له تشريفَ كنيتِهِ

جمعتَ بالطولِ بين الروضِ والمطرِ

لا زال ظلُّك ممدوداً ومنتشراً

فإنّه خيرُ ممدودٍ ومنتشرِ

هنّيتَهُ ابناً يشيع الأُنس في البشَرِ

هُنِّيتَ مَقدِمَ هذا الصارمِ الذكَرِ

٤٣ ـ محمد بن عليّ بن عمر أحد أعيان الريّ ، قرأ على الصاحب ومدحه برائيّة.

والأدباء يعبِّرون عن المترجَم وأبي إسحاق الصابي بالصادين ، كما وقع في قول الشيخ أحمد البربير المتوفّى سنة (١٢٢٦) في كتابه الشرح الجلي (ص ٢٨٣) يمدح كاتباً مليحاً :

لله كاتباً الذي أنا رقُّهُ

وهو الذي لا زالَ قرّةَ عيني

في ميمِ مبسمهِ ولامِ عذارِهِ

ما بات ينسخُ بهجةَ الصادينِ

شعره في المذهب :

وللصاحب مراجعات ومراسلات مع مادحيه تجدها في الكتب والمعاجم ، وشعره كما سمعت كثيرٌ مدوّنٌ ، ونحن نقتصر من نظمه الذهبيِّ بما عقد سمط جمانه في المذهب ، ذكر له الثعالبي في يتيمة الدهر (٢)) (٣ / ٢٤٧):

حبُّ عليّ بن أبي طالبٍ

هو الذي يهدي إلى الجنّه

إن كان تفضيلي له بدعةً

فلعنةُ اللهِ على السنّه

__________________

(١) كذا.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٢١.


وذكر له في الكتاب :

ناصبٌ قال لي معاويةٌ خا

لكَ خيرُ الأعمامِ والأخوال

فهو خالٌ للمؤمنين جميعاً

قلت خالٌ لكن من الخيرِ خالي

وذكر له فقيه الحرمين الكنجي الشافعي المتوفّى سنة (٦٥٨) في كفاية الطالب (١)) (ص ٨١) ، والخوارزمي في المناقب (٢) (ص ٦٩):

يا أميرَ المؤمنين المرتضى

إنّ قلبي عندكم قد وقفا

كلّما جدّدتُ مدحي فيكمُ

قال ذو النصب نسيتَ السلَفا (٣)

من كمولاي عليٍّ زاهدٌ

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى

من دُعي للطيرِ أن يأكلَهُ

ولنا في بعض هذا مكتفى

من وصيُّ المصطفى عندكمُ

ووصيّ المصطفى من يُصطفى

وذكر الفقيه الكنجي في الكتاب (٤) (ص ١٩٢) ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواصّ الأمّة (٥) (ص ٨٨) ، والخوارزمي في المناقب (٦) (ص ٦١):

حبُّ النبيِّ وأهل البيت معتمدي (٧)

إنّ الخطوب أساءت رأيها فينا

أيا ابن عمِّ رسولِ اللهِ أفضلَ من

ساسَ الأنامَ وسادَ الهاشميّينا

يا نُدرةَ الدينِ يا فردَ الزمانِ أصخْ

لمدحِ مولىً يرى تفضيلَكمْ دينا

هل مثلُ سيفِك في الإسلامِ لو عرفوا

وهذه الخصلةُ الغرّاءُ تكفينا

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ١٩٢ باب ٤٦.

(٢) المناقب : ص ١١٥ ح ١٢٥.

(٣) تسبّ السلفا. الخوارزمي. (المؤلف)

(٤) كفاية الطالب : ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥ باب ٩٤.

(٥) تذكرة الخواص : ص ١٤٨.

(٦) المناقب : ص ١٠٣.

(٧) هذه الأبيات المحكيّة عن الكتب الثلاثة لا يوجد في أعيان الشيعة سوى ثلاثة منها. (المؤلف)


هل مثلُ علمِك إذ زالوا وإذ وهنوا

وقد هديتَ كما أصبحتَ تهدينا

هل مثلُ جمعِك للقرآنِ نعرفُهُ

لفظاً ومعنىً وتأويلاً وتبيينا

هل مثلُ حالِك عند الطيرِ تحضرُهُ

بدعوةٍ نلتَها دون المصلّينا

هل مثلُ بَذْلِكَ للعاني الأسيرِ ولل

طفلِ الصغير وقد أعطيتَ مسكينا

هل مثلُ صبرِك إذ خانوا وإذ ختروا

حتى جرى ما جرى في يوم صفِّينا

هل مثلُ فتواك إذ قالوا مجاهرةً

لولا عليٌّ هلكنا في فتاوينا

ياربِّ سهِّل زياراتي مشاهدَهمْ

فإنّ روحيَ تهوى ذلك الطينا

ياربِّ صيِّر حياتي في محبّتهمْ

ومحشري معهم آمين آمينا

وذكر ابن شهرآشوب (١) من هذه القصيدة بعد البيت الثاني من أوّلها :

أنتَ الإمامُ ومنظورُ الأنامِ فمن

يردُّ ما قلتُه يُقْمَعْ براهينا

هل مثلُ فعلِكَ في ليلِ الفراشِ وقد

فديتَ بالروحِ ختّامَ النبيّينا

هل مثلُ فاطمةَ الزهراءِ سيّدةٌ

زُوِّجتها يا جمالَ الفاطميّينا

هل مثلُ برِّك في حالِ الركوعِ وما

برٌّ كبرِّكَ برّا للمزكّينا

هل مثلُ فعلِكَ عند النعلِ تخصفُها

لو لم يكن جاحدو التفضيل لاهينا

هل مثلُ نجليَكَ في مجدٍ وفي كرمٍ

إذ كُوّنا من سلالِ المجدِ تكوينا

وله في مناقب الخطيب الخوارزمي (٢) (ص ١٠٥) ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي (٣) (ص ٢٤٣) ، وتذكرة خواصّ الأمّة (٤) (ص ٣١) ، ومناقب ابن شهرآشوب (٥) وغيرها قصيدةٌ ، ولوقوع الاختلاف فيها نجمع بين رواياتها ونشير إلى

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٧٣ ، ٢٠٧ و ٣ / ١٣ ، ١٩ ، ٥٧.

(٢) المناقب : ص ١٧٤.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٨٨.

(٤) تذكرة الخواص : ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٤٧ و ٣ / ١٤١.


ما روته رجال العامّة ب (ع):

بلغتْ نفسي مُناها

بالموالي آلِ طه

برسولِ الله من حا

زَ المعالي وحواها

وببنت المصطفى من

أشبهتْ فضلاً أباها

(ع) من كمولاي عليٍ

والوغى تحمي لظاها

(ع) من يصيدُ الصيدَ فيها

بالظبا حتى (١) انتضاها

يوم أمضاها عليهمْ

ثمّ أمضاها عليهم فارتضاها (٢)

(ع) من له في كلِّ يومٍ

وقعاتٌ لا تُضاهى

(ع) كم وكم حربٍ ضروسٍ

سدَّ بالمرهفِ فاها

(ع) أذكروا أفعال بدرٍ

لستُ أبغي ما سواها

(ع) أذكروا غزوةَ أُحدٍ

إنّه شمسُ ضُحاها

(ع) أذكروا حربَ حنينٍ

إنّه بدرُ دُجاها

(ع) أذكروا الأحزابَ قِدماً

إنّه ليثُ شراها

(ع) أذكروا مهجةَ عمروٍ

كيف أفناها شجاها

(ع) أذكروا أمر براءه

وأخبروني من تلاها

(ع) أذكروا من زُوِّج الزه

ـراءَ قد طاب ثراها (٣)

(ع) أذكروا بكرةَ طيرٍ

فلقد طارَ ثناها

(ع) أذكروا لي قُلَلَ العل

ـمِ ومن حلَّ ذُراها

__________________

(١) في جميع المصادر والديوان : حين.

(٢) ورد هذا البيت في الديوان ص ١١٥ هكذا :

انتضاها ثم أمضا

ها عليهم فارتضاها

(٣) في لفظ أهل السنّة :

أذكروا من زُوِّجَ الزه

راءَ كيما تتباهى

(المؤلف)


(ع) حالهُ حالةُ هارو

نَ لموسى فافهماها

(ع) أعلى حبِّ عليٍ

لامني القومُ سفاها

(ع) أهملوا قرباه جهلاً

وتخطَّوا مُقتضاها

(ع) أوّلُ الناس صلاةً

جعل التقوى حُلاها

(ع) رُدّتِ الشمسُ عليه

بعدما غابَ سناها

(ع) حجّةُ اللهِ على الخل

ـقِ شقى من قد قلاها

وبحبّي (١) الحسنَ البا

لغَ في العَليا مداها

والحسينَ المرتضى يو

مَ المساعي إذ حواها

ليس فيهم غيرُ نجمٍ

قد تعالى وتناهى

عترةٌ أصبحتِ الدن

ـيا جميعاً في حماها

ما تحدّت عُصَب البغ

ـي بأنواعِ عماها

أَردَتِ الأكبرَ بالس

ـمِّ وما كان كفاها

وانبرتْ تبغي حسيناً

وعرَته وعراها

منعتْهُ شربةً والط

ـيرُ قد أروتْ صداها

فأفاتتْ نفسه يا

ليت روحي قد فداها

بنتُهُ تدعو أباها

أُخته تبكي أخاها

لو رأى أحمدُ ما كا

ن دهاه ودهاها

لشكا الحالَ إلى اللهِ

وقد كان شكاها(٢)

وله في مناقبي ابن شهرآشوب (٣) والخطيب والخوارزمي (٤) (ص ٢٣٣) قصيدة

__________________

(١) في الديوان : وبحبِّ.

(٢) غير واحد من الأبيات لا يوجد في أعيان الشيعة [٣ / ٣٥٩]. (المؤلف)

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٥٨.

(٤) المناقب : ص ٣٣٤.


نجمع بينهما لاختلافهما في عدد الأبيات ، ألا وهي :

ما لعليِّ العُلى أشباهُ

لا والذي لا إله إلاّ هو

مبناه مبنى النبيِّ تعرفُهُ

وابناه عند التفاخر إبناهُ

إنّ عليّا علا إلى شرفٍ

لو رامَهُ الوهمُ ذلَ (١) مرقاهُ

أيا غداةَ الكساءِ لا تهِني

عن شرح علياه إذ تكسّاهُ (٢)

يا ضحوةَ الطيرِ تنبَّئي (٣) شرفاً

فاز به لا يُنال أقصاهُ

براءةُ استعملي بلاغَكِ مَن

أقعد عنه ومن تولاّهُ

يا مرحبَ الكفرِ قد أذاقَكَ مَن

من حدِّ ما قد كرهتَ ملقاهُ

يا عمرو من ذا الذي أنالَك من

حارة (٤) الحتف حين تلقاهُ

لو طلبَ النجمَ ذاتُ أخمُصِهِ

علاه والفرقدانِ نعلاهُ

أما عرفتمْ سموّ منزلهِ

أما عرفتم علوَّ مثواهُ

أما رأيتمْ محمداً حدِباً

عليه قد حاطه وربّاهُ

واختصّه يافعاً وآثرَهُ

واعتامه مخلصاً وآخاهُ (٥)

زوّجه بَضعْةَ النبوّة إذ

رآه خير امرئٍ وأتْقاهُ

يا بأبي السيّدَ الحسينَ وقد

جاهد في الدينِ يومَ بلواهُ

يا بأبي أهلَه وقد قُتِلوا

من حولِهِ والعيونُ ترعاهُ

يا قبّح اللهُ أمّةً خذلتْ

سيّدَها لا تريدُ مرضاهُ

يا لعنَ اللهُ جيفةً نجساً

يقرعُ من بغضِهِ ثناياهُ

__________________

(١) في الديوان ص ٦١ : زلَّ.

(٢) هذا البيت وما بعده إلى أربعة أبيات لا توجد في مناقب ابن شهرآشوب ، بل رواها الخوارزمي. (المؤلف)

(٣) في الديوان ص ٦٣ : بيِّني.

(٤) في المناقب والديوان ص ٦٣ : صارمِهِ.

(٥) اعتام : اختار.


وله داليّة ذكرها الخوارزمي في المناقب (١) (ص ٢٢٣) ، وابن شهرآشوب في مناقبه (٢) ، ونجمع بين الروايتين وهي :

هو البدرُ في هيجاءِ بدرٍ وغيرُهُ

فرائصُهُ من ذكرِه السيفَ ترعدُ

عليٌّ له في الطيرِ ما طارَ ذكرُهُ

وقامت به أعداؤه وهي تشهدُ

عليٌّ له في هل أتى ما تلوتمُ

على الرغمِ من آنافِكمْ فتفرّدوا

وكم خبرٍ في خيبرٍ قد رويتمُ

ولكنّكم مثلُ النعام تشرّدوا

وفي أُحُدٍ ولّى رجالٌ وسيفُهُ

يسوِّد وجهَ الكفرِ وهو مسوّدُ

ويومَ حنينٍ حنَّ للغلِّ بعضُكمْ

وصارمُهُ عضبُ الغرارِ مهنّدُ

تولّى أمورَ الناسِ لم يستغلّهمْ

ألا ربّما يرتابُ من يتقلّدُ

ولم يكُ محتاجاً إلى علمِ غيرهِ

إذا احتاجَ قومٌ في قضايا تبلّدوا

ولا سدَّ عن خيرِ المساجدِ بابَهُ

وأبوابُهمْ إذ ذاك عنه تُسدَّدُ

وزوجتُه الزهراءُ خيرُ كريمةٍ

لخيرِ كريمٍ فضلُها ليس يُجحدُ (٣)

وبالحسنينِ المجدُ مدَّ رواقَه

ولولاهما لم يبقَ للمجدِ مشهدُ

تفرّعتِ الأنوارُ للأرضِ منهما

فلله أنوارٌ بدت تتجدّدُ

هم الحُجَجُ الغُرُّ التي قد توضّحتْ

وهم سُرُجُ اللهِ التي ليس تخمدُ

أُواليكمُ يا آلَ بيتِ محمدٍ

فكلُّكمُ للعلمِ والدين فرقدُ

وأتركُ من ناواكمُ وهو هتكُهُ

يُنادى عليه مولدٌ ليس يُحمَدُ

وذكر له الحمّوئي صاحب فرائد السمطين (٤) ، في السمط الثاني في الباب الأوّل :

__________________

(١) المناقب : ص ٣٣٣ ح ٣٥٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٧٠ ، ٢٠٧ ، ٣٢٠ و ٣ / ١٤٠ ، ٤٢٨ و ٤ / ٩٠.

(٣) هذا البيت رواه الخوارزمي [في المناقب : ص ٣٣٤] ولا يوجد فيما جمع له السيّد في أعيان الشيعة. (المؤلف)

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ١٢ ح ٣٥٨.


منائحُ اللهِ عندي جاوزتْ أملي

فليس يدركُها شكري ولا عملي

لكنّ أفضلَها عندي وأكملَها

محبّتي لأمير المؤمنين علي

وذكر العلاّمة المجلسي في البحار (١) (١٠ / ٢٦٤) نقلاً عن بعض الكتب القديمة (٢) من قصيدةٍ طويلةٍ له :

أجرَوا دماءَ أخي النبيِّ محمدٍ

فلتَجْرِ غزرُ دموعِنا ولتهملِ

ولتصدرِ اللّعناتُ غيرَ مزالةٍ

لعداهُ من ماضٍ ومن مُستقبلِ

وتجرّدوا لبنيهِ ثمّ بناتِهِ

بعظائمٍ فاسمعْ حديثَ المقتلِ

منعوا الحسينَ الماءَ وهو مجاهدٌ

في كربلاءَ فنُحْ كنوحِ المُعوِلِ

منعوهُ أعذبَ منهلٍ وهمُ غداً

يَرِدون في النيرانِ أوخمَ منهلِ

أَيُحَزُّ رأسُ ابنِ النبيِّ وفي الورى

حيٌّ أمامَ ركابِهِ لم يُقتَلِ

وبنو السِّفاحِ تحكّموا في أهل حيّ على الفلاحِ بفرصةٍ وتعجّلِ

نكتَ الدعيُّ ابن البغيِّ ضواحكاً

هي للنبيّ الخيرِ خيرُ مُقبَّلِ (٣)

تُمضي بنو هندٍ سيوفَ الهندِ في

أوداجِ أولادِ النبيِّ وتعتلي

ناحتْ ملائكةُ السماءِ لقتلهمْ

وبكوا فقد أُسقوا (٤) كؤوس الذُبَّلِ

فأرى البكاءَ على (٥) الزمانِ محلّلاً

والضحكَ بعد الطفِّ غيرَ محلَّلِ

كم قلتُ للأحزانِ دومي هكذا

وتنزّلي في القلب لا تترحّلي

هذه نبذة من شعره في الأئمّة عليهم‌السلام ، وفي مناقب ابن شهرآشوب منه نبذ منثورة على أبواب الكتاب جمعها السيّد في أعيان الشيعة ، ولمثول الكتابين للطبع

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٨٤.

(٢) هو كتاب مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ، والقصيدة فيه : ١ / ١٤١. (الطباطبائي)

(٣) لم يذكر سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة [٣ / ٣٦٠] من القصيدة إلاّ هذا البيت. (المؤلف)

(٤) في البحار والديوان ص ٨٧ : سُقُّوا.

(٥) في الديوان : مدى.


وانتشارهما ، ضربنا عن ذكر جميعها صفحاً ، ولم نذكر هاهنا إلاّ الخارج عن الكتابين ولو في الجملة.

قال السيّد في الدرجات الرفيعة (١) : إنّ الصاحب قال قصيدةً معرّاة من الألف ـ التي هي أكثر الحروف دخولاً في المنثور والمنظوم ـ وأوّلها :

قد ظلَّ يجرح صدري

من ليس يعدوه فكري

وهي في مدح أهل البيت عليهم‌السلام في سبعين بيتاً ، فتعجّب الناس [منها] (٢) ، وتداولتها الرواة فسارت مسير الشمس في كلّ بلدة ، وهبّت هبوب الريح في البرّ والبحر ، فاستمرَّ الصاحب على تلك الطريقة ، وعمل قصائد كلُّ واحدة منها خاليةٌ من حرفٍ واحدٍ من حروف الهجاء ، وبقيت عليه واحدة تكون خالية من الواو ، فانبرى صهره أبو الحسين عليّ لعملها وقال قصيدة ليس فيها واوٌ ، ومدح الصاحب بها ، وأوّلها :

برقٌ ذكرتُ به الحبائب

لمّا بدا فالدمعُ ساكب

كان للصاحب خاتمان ، نقش أحدهما هذه الكلمات :

على الله توكّلتُ

وبالخَمسِ توسّلتُ

ونقش الآخر :

شفيعُ إسماعيلَ في الآخره

محمدٌ والعترةُ الطاهره

ذكره الشيخ في المجالس (٣) ، وأشار إليه شيخنا الصدوق في أوّل عيون

__________________

(١) الدرجات الرفيعة لابن معصوم : ص ٤٨٣.

(٢) الزيادة من المصدر.

(٣) مجالس المؤمنين : ٢ / ٤٤٩.


الأخبار (١).

الصاحب ومذهبه :

إنّ كون الصاحب من علّيّة الشيعة الإماميّة ممّا لا يمتري فيه أيُّ أحد من علماء مذهبه الحقّ ، كما يشهد بذلك شعره الكثير الوافر في أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ونثره المتدفِّق منه لوائح الولاية والتفضيل وهو يهتف بقوله :

فكم قد دعوني رافضيّا لحبّكمْ

فلم يَثْنِني عنكم طويلُ عوائِهم

وقد نصَّ على مذهبه هذا السيّد رضيُّ الدين بن طاووس في كتاب اليقين (٢) ، وقد مرَّ عن المجلسي الأوّل أنّه من أفقه فقهاء أصحابنا ، واقتفى أثره ولده في مقدِّمات البحار (٣) فصرّح بأنّه كان من الإماميّة ، وعدّه القاضي الشهيد في مجالسه (٤) من وزراء الشيعة ، ويقول شيخنا الحرّ في أمل الآمل (٥) : إنّه كان شيعيّا إماميّا ، وعدّه ابن شهرآشوب في المعالم (٦)) من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وشيخنا الشهيد الثاني (٧) من أصحابنا ، وفي معاهد التنصيص (٨) : إنّه كان شيعيّا جلداً كآل بويه معتزليّا.

وقبل هذه الشهادات كلّها شهادة الشيخين العَلمين : رئيس المحدِّثين الصدوق

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٦.

(٢) اليقين في إمرة أمير المؤمنين : ص ٤٥٧ باب ١٧٤.

(٣) بحار الأنوار : ١ / ٤٢.

(٤) مجالس المؤمنين : ٢ / ٤٤٧.

(٥) أمل الآمل : ٢ / ٣٤ رقم ٩٦.

(٦) معالم العلماء : ص ١٤٨.

(٧) الدراية : ص ٩٢.

(٨) معاهد التنصيص : ٤ / ١٢٣ رقم ٢٠٨.


في عيون أخبار الرضا (١) ، وشيخنا المفيد فيما حكاه عنه ابن حجر في لسان الميزان (٢) (١ / ٤١٣) ورسالته في أحوال عبد العظيم الحسني المندرجة في خاتمة المستدرك (٣) (٣ / ٦١٤) ، من جملة الشواهد أيضاً ، وفي لسان الميزان (١ / ٤١٣) : كان الصاحب إماميّ المذهب وأخطأ من زعم أنّه كان معتزليّا ، وقد قال عبد الجبّار القاضي لمّا تقدّم للصلاة عليه (٤) : ما أدري كيف أصلّي على هذا الرافضيِّ. وعن ابن أبي طيّ : أنّ الشيخ المفيد شهد بأنّ الكتاب الذي نُسب إلى الصاحب في الاعتزال وُضع على لسانه ونُسب إليه ، وليس هو له.

وهناك نُقولٌ متهافتةٌ يبطل بعضها بعضاً تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارةً وتمذهبه بالشافعيّة أخرى ، وبالحنفيّة طوراً ، وبالزيديّة مرّةً ، وفي القاذفين من يحمل عليه حقداً يريد تشويه سمعته بكلّ ما توحي إليه ضغائنه ، كأبي حيّان التوحيدي (٥) ومن حكي عنه طرفا نقيض كشيخنا المفيد الذي ذكرنا حكاية ابن حجر عنه بوضع ما نُسب إلى الصاحب من الكتاب الذي يدلُّ على الاعتزال ، ونقل عنه أيضاً نسبته إلى جانب الاعتزال.

وهذا التهافت في النقل يسقط الثقة بأيِّ النقلين وإن كان النصُّ على تشيّعه معتضداً بكلمات العلماء قبله وبعده ، والسيّد رضيُّ الدين الذي عرفت النصّ عنه بتشيّعه في كتاب اليقين (٦) ، فقد نُقل عنه حكايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدى نسبته إلى الاعتزال ، وأنت تعلم أنّ نصّه الأوّل هو معتقده وهذه حكاية محضة ، وقد عرفت

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٢.

(٢) لسان الميزان : ١ / ٤٦٤ رقم ١٣٠٠.

(٣) نقلاً عن نسخة بخطّ بعض بني بابويه مؤرّخة بسنة (٥١٦). (المؤلف) وقد حقّقه الشيخ محمد حسن آل ياسين حفظه الله ونشره في بغداد سنة ١٣٧٤ ه‍. (الطباطبائي)

(٤) سيأتيك أن الذي صلّى عليه هو أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبيّ الذي تولّى الوزارة بعده.

(٥) الإمتاع والمؤانسة : ١ / ٥٤ ، ٥٥.

(٦) اليقين : ص ٤٥٧ باب ١٧٤.


حال المحكيِّ عن الشيخ المفيد. وأمّا السيّد المرتضى ، فالظاهر أنّ مُنتزع هذه النسبة إليه هو ردُّه على الصاحب في تعصّبه للجاحظ الذي هو من أركان المعتزلة ، غير أنّا نحتمل أنّ هذا التعصّب كان لأدبه لا لمذهبه ، كتعصّب الشريف الرضيّ للصابي.

وما وقع إلينا في المحكيِّ عن رسالة الإبانة للصاحب من إنكار النصِّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فهو حكايةٌ محضةٌ عمّن يقول بذلك ، بل ما في الإبانة يكفي بمفرده في إثبات كونه إماميّا ، وإليك نصّ كلامه مشفوعاً بمقاله في التذكرة حول الإمامة.

قال في الإبانة : زعمت العثمانيّة وطوائف الناصبيّة أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مفضولٌ في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير فاضل ، واستدلّت بأنّ أبا بكر وعمر وُلّيا عليه.

وقالت الشيعة العدليّة : فقد ولّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهما عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل فليقولوا : إنّه خيرٌ منهما ، فقالت الشيعة : عليٌّ عليه‌السلام أفضل الناس بعد النبيّ فلذلك آخى بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر ، فلم يكن ليختار لنفسه إلاّ الأفضل ، وقد ذكر ذلك بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ثمَّ إنّه لم يستثنِ إلاّ النبوّة وفيه قال : «اللهمّ آتني بأحبِّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير». وقد قال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». إلى آخر الدعاء.

وبعدُ ، فالفضيلةُ تُستَحقُّ : بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاماً وقد قال الله تعالى : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

وبالجهاد وهو لم يغمد حساماً ، ولم يقصر إقداماً ، كشّاف الكروب ، وفرّاج الخطوب ، ومسعر الحروب ، قاتل مرحب ، وقالع باب خيبر ، وصارع عمرو بن عبد ودّ ، ومن قال فيه النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّاراً غير فرّار» ، وقد قال الله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ

__________________

(١) الواقعة : ١٠ ـ ١١.


عَلَى القَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيمَاً) (١).

وبالعلم والنبيُ قال : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» وأثر ذلك بيِّنٌ ؛ لأنّه عليه‌السلام لم يسأل من الصحابة أحداً وقد سألوه ، ولم يستفتهم وقد استفتوه حتى إنّ عمر يقول : لو لا عليٌّ لهلك عمر ، ويقول : لا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو الحسن ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢).

وبالزهد والتقوى والبرِّ والحسنى ، فإذا كان أعلمهم فهو أتقاهم ، وقال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٣).

وبعدُ : فهو الذي آثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه مخرجاً قوته كلّ ليلة إليهم عند فطره ، حتى أنزل الله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٤). فأخبر نبيّه وعده عليه الجنّة. والحديث طويل وفضله كثير ، وهو الذي تصدّق بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله فيه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (٥).

وزعمت طائفةٌ من الشيعة ، ذاهلةً عن تحقيق الاستدلال ، أنّ عليّا عليه‌السلام كان في تقيّة ، فلذلك ترك الدعوة إلى نفسه. وزعمت أنّ عليه نصّا جليّا لا يحتمل التأويل ، وقالت العدليّة : هذا فاسدٌ ، كيف تكون عليه التقيّة في إقامة الحقّ وهو سيّد بني هاشم؟ وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الأنصار لم يخش مانعاً ودافعاً ، وخرج إلى حوران ولم يبايع. ولو جاز خفاء النصِّ الجليِّ عن الأمّة في مثل الإمامة لجاز أن يُتكتّم صلاة سادسة وشهر يُصام فيه غير شهر رمضان فرضاً ، وكلّ ما أجمع عليه الأمّة من أمر الأئمّة الذين قاموا بالحقِّ وحكموا بالعدل صوابٌ ، وأمّا من نابذ

__________________

(١) النساء : ٩٥.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) فاطر : ٢٨.

(٤) الإنسان : ٨.

(٥) المائدة : ٥٥.


عليّا عليه‌السلام وحاربه وشهر سيفه في وجهه ، فخارج عن ولاية الله إلاّ من تاب بعد ذلك وأصلح (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (١). انتهى.

المراد على ما يفهم من جواب العدليّة ، أنّ دعوى تقيّة عليّ عليه‌السلام وتركه الدعوة إلى نفسه مع ادِّعاء النصِّ الجليِّ عليه زعم فاسد ، وأنّ الاعتقاد بترك الدعوة لا يوافق مع القول بالنصِّ الجليِّ إذ لو كان لأبان وما ترك الدعوة ، والمدّعي ذاهل عن تحقيق الاستدلال بما ذكر من الكتاب والسنّة ؛ فإنّه عليه‌السلام دعا إلى نفسه واحتجَّ بأدلة أوعزت إليها ، فنسبة إنكار النصِّ الجليِّ إلى المترجَم بهذه العبارة ـ كما فعله غير واحد ـ في غير محلّه جدّا.

وقال في ذيل كتابه التذكرة : ذكر الصاحب رحمه‌الله في آخر كتاب نهج السبيل أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام أفضل الصحابة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستدلَّ عليه بأنّ الأفضليّة تُستَحقُّ بالسابقة ، والعلم ، والجهاد ، والزهد فوق جميعهم ، فلا شكّ أنَّه متقدّمهم وغير متأخّر عنهم ، وقد سبقهم بمنازلة الأقران ، وقتل صناديد الكفّار وأعلام الضلالة ، وهو الذي آخى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر ، ورضيه كفواً لسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ودعا الله أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه ، وأخبرنا أنَّه منه بمنزلة هارون من موسى لفضل فيه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ ائتني بأحبِّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر» ولا يكون أحبّهم إلى الله إلاّ أفضلهم ، وقال : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» وقال : «أنا ما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لعليٍّ مثله حتى سألت له النبوّة فقيل : لا ينبغي لأحدٍ من بعدك» ولم يكن يسألها إلاّ لفضله ، ولهذا استثنى النبوّة في حديث : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى». فصبر على المحن ، وثبت على الشدائد ، ولم تزده أيّام توليته إلاّ خشونةً

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.


في الدين ، وأكله للجشب (١) ولبساً للخشن ، يستقون من علمه ، وما يُستقى إلاّ ممّن هو أعلم ، خير الأوّلين وخير الآخرين.

عهد إليه في الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقُتل بين يديه عمّار بن ياسر المشهود له بالجنّة لبصيرته في أمره ، وشبّهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعيسى بن مريم عليه‌السلام كما شبّهه بهارون ، لا تضرب الأمثال إلاّ بالأنبياء ، وتصدّق بخاتمه في ركوعه حتى أُنزل فيه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، وآثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه حتى أُنزل فيه : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).

وقال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٢). قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا المنذر وأنت ياعليّ الهادي» ، وقال تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هي أُذن عليّ عليه‌السلام». وجعله الله في الدنيا فصلاً بين الإيمان والنفاق ، حتى قيل : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ببغضهم عليّا عليه‌السلام. وأخبر أنّه في الآخرة قسيم الجنّة والنار.

وقال ابن عبّاس : ما أنزل الله في القرآن يا أيّها الذين آمنوا إلاّ وعليٌّ سيّدها وأميرها وشريفها ، وأعلى من ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ يعسوب المؤمنين».

وله ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صابراً على ما كان يتوقّع من الذبح ، صحبة إسحاق ذبيح الله حين صبر على ما ظنّ أنّه نازلٌ به من الذبح ، وقال فيه مثل عمر بن الخطّاب : لولا عليٌّ لهلك عمر ، ولا أعاشني الله لمشكلةٍ ليس لها أبو الحسن. ودهره كلّه إسلام وزمانه أجمع إيمان ، لم يكفر بالله طرفة عين ،

__________________

(١) جشُب الطعام : غلُظ. (المؤلف)

(٢) الرعد : ٧.

(٣) الحاقّة : ١٢.


عاش في نصرة الإسلام حميداً ، ومضى لسبيله شهيداً ، جعلنا الله ممّن آثر المحبّة في القربى ، وهدانا للتي هي أحسن وأولى ، وحسبنا الله منزل الغيث وفاطر النَّسَم (١).

وقد أبان عن مذهبه الحقّ ـ الإماميّة ـ في شعره بقوله :

بالنصِّ فاعقد إن عقدت يمينا

كلُّ اعتقاد الإختيار رضينا

مكّن لقول إلهنا تمكينا

واختار موسى قومَه سبعينا

وقال في قصيدته البائيّة التي مرّت :

لم تعلموا أنّ الوصيَّ هو الذي

آتى الزكاةَ وكان في المحرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

حكم الغديرُ له على الأصحابِ

وله قوله :

إنَّ المحبّة للوصيِّ فريضةٌ

أعني أميرَ المؤمنين عليّا

قد كلّفَ اللهُ البريّةَ كلَّها

واختاره للمؤمنين وليّا

وما في لسان الميزان (٢) من اشتهاره بذلك المذهب ـ الاعتزال ـ وأنّه كان داعية إليه فيدفعه تخطئته أوّلاً من زعم أنّه من معتنقيه ، وما نقله عن القاضي عبد الجبّار من أنّه لمّا تقدّم للصلاة عليه قال : ما أدري كيف أصلّي على هذا الرافضيِّ ، وما تكرّر في شعره من قذف أعدائه له بالرفض ، إلاّ أن يريد ابن حجر الاشتهار المحض دون الحقيقة ، فيلتئم مع قوله الآخر.

والذي أرتئيه ويساعدني فيه الدليل أنّ الصاحب ، كغيره من أعلام الإماميّة ،

__________________

(١) كلّ ما ذكره الصاحب من الأحاديث في فضل مولانا أمير المؤمنين ، ثابت وصحيح عند القوم ، مبثوث في أجزاء كتابنا بأسانيده ، أخرجه بها الحفّاظ في الصحاح والمسانيد. (المؤلف)

(٢) لسان الميزان : ١ / ٤٦١ رقم ١٣٠٠.


كان يوافق المعتزلة في بعض المسائل كمسألة العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة فيها على مجابهة الأشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحقِّ تعالى ، وإن افترقا من ناحيةٍ أخرى في باب التفويض وأمثال هذه ، فقد كان يصعب على الباحث التمييز بين الفريقين فيُرمى كلُّ فريق باسم قسيمه ، ومن هنا أُتي الصاحب بهذه القذيفة كغيره من أعلام الطائفة ، مثل علم الهدى السيّد المرتضى وأخيه الشريف الرضي.

وأمّا نسبته إلى الشافعيّة فيدفعها عزوه إلى الحنفيّة ، ومن أبدع التناقض قول أبي حيّان في كتاب الإمتاع (١ / ٥٥) : إنّه كان يتشيّع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيديّة. وأمّا انتسابه إلى الزيديّة فيدفعه تعداده الأئمة عليهم‌السلام في شعره كقوله :

بمحمدٍ ووصيِّه وابنيهما

الطاهرينَ وسيِّدِ العبّادِ

ومحمدٍ وبجعفرِ بنِ محمدٍ

وسميِّ مبعوثٍ بشاطي الوادي

وعليٍّ الطوسيِّ ثمّ محمدٍ

وعليٍّ المسمومِ ثمّ الهادي

حسنٍ وأتبعْ بعده بإمامةٍ

للقائم المبعوثِ بالمرصادِ

وقوله :

بمحمدٍ ووصيِّه وابنيهما

وبعابدٍ وبباقرين وكاظمِ

ثمّ الرضا ومحمدٍ ثمّ ابنِهِ

والعسكريِّ المتّقي والقائمِ

أرجو النجاة من المواقف كلِّها

حتى أصيرَ إلى نعيمٍ دائمِ

وقوله :

نبيٌّ والوصيُّ وسيِّدانِ

وزينُ العابدين وباقرانِ

وموسى والرضا والفاضلانِ

بهم أرجو خلودي في الجنانِ


وقوله أرجوزة :

يا زائراً قد قصد المشاهدا

وقطعَ الجبالَ والفدافدا

فأبلغِ النبيَّ من سلامي

ما لا يبيدُ مدّة الأيّامِ

حتى إذا عدتَ لأرضِ الكوفة

البلدةِ الطاهرِة المعروفة

وصرتَ في الغريّ في خيرِ وطن

سلّم على خيرِ الورى أبي الحسن

ثَمّةَ سرْ نحو بقيعِ الغرقدِ

مسلّماً على أبي محمدِ

وعُد إلى الطفّ بكربلاءِ

إهدِ سلامي أحسنَ الإهداءِ

لخير مَن قد ضمّه الصعيدُ

ذاك الحسينُ السيّدُ الشهيدُ

واجنب إلى الصحراء بالبقيعِ

فثَمَّ أرضُ الشرفِ الرفيعِ

هناك زينُ العابدين الأزهرِ

وباقرُ العلمِ وثمّ جعفرُ

أبلغهمُ عنّي السلامَ راهنا

قد ملأ البلادَ والمواطنا

واجنب إلى بغدادَ بعد العيسا

مسلّماً على الزكيِّ موسى

واعجل إلى طوسٍ على أهدى سكنِ

مبلّغاً تحيّتي أبا الحسنْ

وعُد لبغدادَ بطيرٍ أسعد

سلّم على كنز التقى محمدِ

وأرضِ سامراءَ أرضِ العسكرِ

سلّم على عليٍّ المطهّرِ

والحسن الرضيِّ في أحوالِهِ

مَن منبعُ العلومِ في أقواله

فإنّهم دون الأنامِ مفزعيِ

ومن إليهم كلَّ يوم مرجعي

وله أُرجوزةٌ أخرى يعدُّ فيها الأئمّة الهداة ويسمّيهم. وقصيدةٌ في الإمام أبي الحسن الرضا ثامن الحجج ـ صلوات الله عليهم ـ تُذكر في مقدِّمة عيون الأخبار (١) لشيخنا الصدوق ، وقصيدةٌ أخرى فيه عليه‌السلام أيضاً ، ألا وهي :

يا زائراً قد نهضا

مُبتدراً قد ركضا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٤.


وقد مضى كأ نّه

البرقُ إذا ما أومضا

أبلغ سلامي زاكياً

بطوسَ مولايَ الرضا

سبطَ النبيِّ المصطفى

وابنَ الوصيِّ المرتضى

من حاز عزّا أقعسا

وشاد مجداً أبيضا

وقل له عن مخلصٍ

يرى الولا مفترضا

في الصدر نفحُ حرقةٍ

تتركُ قلبي حَرَضا

من ناصبين غادروا

قلبَ الموالي مُمرَضا

صرّحتُ عنهم مُعرضاً

ولم أكن معرِّضا

نابذتهمْ ولم أُبَل

إن قيل قد ترفّضا

يا حبّذا رفضي لمن

نابَذَكم وأبغضا

ولو قدرتُ زرتُهُ

ولو على جمرِ الغضا

لكنّني معتقلٌ

بقيدِ خطبٍ عَرَضا

جعلتُ مدحي بدلا

من قصدِهِ وعوضا

أمانةً موردةً

على الرضا لترتضى

رام ابن عبّادٍ بها

شفاعةً لن تُدحَضا

نوادر فيها المكارم :

١ ـ يُحكى أنّ الصاحب استدعى في بعض الأيّام شراباً فأحضروا قدحاً ، فلمّا أراد أن يشربه ، قال له بعض خواصِّه : لا تشربه فإنّه مسمومٌ ـ وكان الغلام الذي ناوله واقفاً ـ فقال للمحذِّر : ما الشاهد على صحّة قولك؟ فقال : تجرِّبه في الذي ناولك إيّاه. قال : لا أستجيز ذلك ولا أستحلّه. قال : فجرِّبه في دجاجة. قال : التمثيل بالحيوان لا يجوز. وردّ القدح وأمر بقلبه. وقال للغلام : انصرف عنّي ولا تدخل


داري ، وأمر بإقرار جرايته عليه ، وقال : لا يُدفَع اليقين بالشكّ ، والعقوبة بقطع الرزق نذالة (١).

٢ ـ كتب إليه بعض العلويّين يخبره بأنّه قد رُزق مولوداً ويسأله أن يسمِّيه ويكنِّيه ، فوقّع في رقعته :

أسعدك الله بالفارس الجديد ، والطالع السعيد ، فقد والله ملأ العين قرّة ، والنفس مسرّة مستقرّة ، والاسم عليٌّ ليعلي الله ذكره ، والكنية أبو الحسن ليحسن الله أمره ، فإنّي أرجو له فضل جَدّه (٢)) ، وسعادة جَدّه (٣) ، وقد بعثتُ لتعويذه ديناراً من مائة مثقال ، قصدتُ به مقصد الفال ، رجاء أن يعيش مائة عام ، ويخلص خلاص الذهب الإبريز من نُوَب الأيّام ، والسلام (٤).

٣ ـ كتب بعض أصحاب الصاحب إليه رقعةً في حاجة فوقّع فيها ، ولمّا رُدّت إليه لم يَرَ فيها توقيعاً ، وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقيع فيها ، فعرضها على أبي العبّاس الضبّي فما زال يتصفّحها حتى عثر بالتوقيع وهو ألِفٌ واحدة ، وكان في الرقعة : فإن رأى مولانا أن ينعم بكذا ، فَعَلَ. فأثبت الصاحب أمام فَعَلَ ألفاً يعني : أفعَلُ (٥).

٤ ـ كتب الصاحب إلى أبي هاشم العلويِّ ، وقد أهدى إليه في طبق فضّة عطراً :

العبدُ زاركَ نازلاً برواقكا

يستنبطُ الإشراقَ من إشراقِكا

فاقبل من الطيبِ الذي أهديتهُ

ما يسرق العطّارُ من أخلاقِكا

__________________

(١) معجم الأدباء : ٦ / ١٨٥.

(٢) أي جدّه أمير المؤمنين علّي عليه‌السلام.

(٣) الجَدّ : الحظّ.

(٤) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٣١.

(٥) يتيمة الدهر : ص ٢٣٣.


والظرفُ يوجبُ أخذَهُ مع ظرفِهِ

فأضفْ به طبقاً إلى أطباقكا (١)

٥ ـ نظر أبو القاسم الزعفراني يوماً إلى جميع من فيها (٢) من الخدم والحاشية عليهم الخزوز الفاخرة الملوّنة ، فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئاً ، فسأل الصاحب عنه ، فقيل : إنّه في مجلس كذا يكتب. فقال : عليَّ به. فاستمهل الزعفرانيّ ريثما يكمل مكتوبه ، فأعجله الصاحب ، وأمر بأن يُؤخذ ما في يده من الدرج ، فقام الزعفراني إليه وقال : أيّد الله الصاحب :

اسمعه ممّن قاله تزدد به

عجباً فحسنُ الوردِ في أغصانه

قال : هات يا أبا القاسم ، فأنشده أبياتاً منها :

سواك يعدُّ الغنى ما اقتنى

ويأمرُهُ الحرصُ أن يخزنا

وأنت ابنُ عبّادٍ المرتجى

تعدُّ نوالَكَ نيلَ المنى

وخيرُكَ من باسطِ كفّه

وممّن ثناها قريبُ الجنى

غمرتَ الورى بصنوف الندى

فأصغرُ ما ملكوه الغنى

وغادرتَ أشعرَهمْ مفحماً

وأشكرَهمْ عاجزاً ألكنا

أيا من عطاياهُ تُهدي الغنى

إلى راحَتَيْ من نأى أو دنا

كسوتَ المقيمينَ والزائرينَ

كُسىً لم يُخَلْ مثلُها ممكنا

وحاشيةُ الدارِ يمشون في

ضروبٍ من الخزِّ إلاّ أنا

ولست أذكر لي جارياً

على العهد يحسنُ أن يحسنا

فقال الصاحب : قرأت في أخبار معن بن زائدة أنّ رجلاً قال له : احملني أيّها الأمير ؛ فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية ، ثمّ قال له : لو علمت أنّ الله تعالى خلق مركوباً غير هذه لحملتك عليه ، وقد أمرنا لك من الخزِّ بجبّةٍ ، وقميص ،

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٣٦.

(٢) أي : في دار الصاحب.


ودُرّاعة ، وسراويل ، وعمامة ، ومنديل ، ومطرف ، ورداء ، وجورب ، ولو علمنا لباساً آخر يُتّخذ من الخزِّ لأعطيناكه ، ثمّ أمر بإدخاله الخزانة ، وصبِّ تلك الخلع عليه ، وتسليم ما فضل عن لبسه في الوقت إلى غلامه (١).

٦ ـ كتب أبو حفص الورّاق الأصبهاني إلى الصاحب : لولا أنّ الذكرى ـ أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل ـ تنفع المؤمنين ، وهزّة الصمصام تعين المصلتين ، لما ذكرت ذاكراً ، ولا هززت ماضياً ، ولكنَّ ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح ، ويكدِّ الجواد السمح ، وحال عبد مولانا ـ أدام الله تأييده ـ في الحنطة مختلفة ، وجرذان داره عنها منصرفة ، فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله ، ولم يشدّ رحله ، فَعَل إن شاء الله تعالى ، فوقّع الصاحب فيه :

أحسنت أبا حفص قولاً ، وسنُحسن فعلاً ، فبشِّر جرذان دارك بالخِصب ، وأمّنها من الجدب ، فالحنطة تأتيك في الأسبوع ، ولستَ عن غيرها من النفقة بممنوع ، إن شاء الله تعالى (٢).

٧ ـ عن أبي الحسن العلويِّ الهمداني الشهير بالوصيِّ أنّه قال : لمّا توجّهتُ تلقاء الريّ في سفارتي إليها من جهة السلطان ، فكّرتُ في كلامٍ ألقى به الصاحب ، فلم يحضرني ما أرضاه ، وحين استقبلني في العسكر ، وأفضى عناني إلى عنانه جرى على لساني : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) (٣). فقال (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٤) ثمّ قال : مرحباً بالرسول ابن الرسول ، الوصيِّ ابن الوصيِ (٥).

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٢٧.

(٢) يتيمة الدهر : ص ٢٣٢.

(٣) يوسف : ٣١.

(٤) يوسف : ٩٤.

(٥) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٣٧.


٨ ـ مرض الصاحب في الأهواز بإسهال ، فكان إذا قام عن الطست ترك إلى جانبه عشرة دنانير ، حتى لا يتبرّم به الخدم ، فكانوا يودّون دوام علّته ، ولمّا عوفي تصدّق بنحو من خمسين ألف دينار (١).

٩ ـ في اليتيمة (٢) : عن أبي نصر ابن المرزبان أنّه قال : كان الصاحب إذا شرب ماءً بثلج أنشد على أثره :

قعقعةُ الثلجِ بماءٍ عذْبِ

تستخرجُ الحمدَ منَ اقصى القلبِ

ثمّ يقول : اللهمّ جدِّد اللّعن على يزيد.

١٠ ـ في معجم الأدباء (٣) : كان ابن الحضيري يحضر مجلس الصاحب بالليالي ، فغلبته عينه ليلة فنام وخرجت منه ريح لها صوت ، فخجل وانقطع عن المجلس ، فقال الصاحب : أبلغوه عنّي :

يا ابن الحضيريِّ لا تذهب على خجلٍ

لحادثٍ كان مثلَ النايِ والعودِ

فإنّها الريحُ لا تسطيعُ تحبسُها

إذ لستَ أنتَ سليمانَ بنَ داودِ

__________________

(١) البداية والنهاية : ١١ / ٣٦٠ حوادث سنة ٣٨٥ ه‍.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٣٣.

(٣) معجم الأدباء : ٦ / ٢٥٥.


غرر كلم للصاحب

تجري مجرى الأمثال

من استماح البحر العذب ، استخرج اللؤلو الرطب.

من طالت يده بالمواهب ، امتدّت إليه ألسِنة المطالب.

من كفر النعمة ، استوجب النقمة.

من نبت لحمه على الحرام ، لم يحصده غير الحسام.

من غرّته أيّام السلامة ، حدّثته ألسن الندامة.

من لم يهزّه يسير الإشارة ، لم ينفعه كثير العبارة.

رُبّ لطائف أقوال تنوب عن وظائف أموال.

الصدر يطفح بما جمعه ، وكلُّ إناء مؤدٍّ ما أودعه.

اللبيب تكفيه اللمحة ، وتغنيه اللحظة عن اللفظة.

الشمس قد تغيب ثمّ تشرق ، والروض قد يذبل ثمّ يورق.

البدر يأفل ثمّ يطلع ، والسيف ينبو ثمّ يقطع.

العلم بالتذاكر ، والجهل بالتناكر.

إذا تكرّر الكلام على السمع ، تقرّر في القلب.

الضمائر الصحاح أبلغ من الألسنة الفصاح.

الشيء يحسن في إبّانه ، كما أنّ الثمر يُستطاب في أوانه.

الآمال ممدودةٌ ، والعواري مردودةٌ.

الذكرى ناجعةٌ ، وكما قال الله تعالى : نافعةٌ.

متن السيف ليّن ، ولكنَّ حدّه خشن ، ومتن الحيّة ألين ، ونابها أخشن.

عقد المنن في الرقاب لا يُبلغ إلاّ بركوب الصعاب.

بعض الحلم مذلّة ، وبعض الاستقامة مزلّة.


كتاب المرء عنوان عقله بل عيار قدره ، ولسان فضله بل ميزان علمه.

إنجاز الوعد من دلائل المجد ، واعتراض المَطل من أمارات البخل ، وتأخير الإسعاف من قرائن الإخلاف.

خير البرِّ ما صفا وضفا ، وشرُّه ما تأخّر وتكدّر.

فراسة الكريم لا تبطئ ، وقيافة الشرّ لا تخطئ.

قد ينبح الكلب القمر ، فليُلقَمِ النابحُ الحجر.

كم متورّطٍ في عثار رجاء أن يُدرك بثار.

بعض الوعد كنقع الشراب ، وبعضه كلمع السراب.

قد يبلغ الكلام حيث تقصر السهام.

ربما كان الإقرار بالقصور أنطق من لسان الشكور.

ربما كان الإمساك عن الإطالة أوضح في الإبانة والدلالة.

لكلِّ أمرىءٍ أمل ، ولكلّ وقت عمل.

إن نفع القول الجميل ، وإلاّ نفع السيف الصقيل.

شجاعٌ ولا كعمرو ، مندوبٌ ولا كصخر.

لا يذهبنَّ عليك تفاوت ما بين الشيوخ والأحداث ، والنسور والبغاث.

كفران النعم عنوان النقم.

جحد الصنائع داعية القوارع.

تلقِّي الإحسان بالجحود تعريض النعم للشرود.

قد يقوى الضعيف ، ويصحو النزيف ، ويستقيم المائد ، ويستيقظ الهاجد.

للصدر نفثة إذا أحرج ، وللمرء بثّةٌ إذا أحوج.

ما كلّ امرئٍ يستجيب للمراد ، ويطيع يد الارتياد.

قد يُصلَى البريءُ بالسقيم ، ويُؤخذ البَرُّ بالأثيم.

ما كلُّ طالب حقٍّ يُعطاه ، ولا كلُّ شائمِ مُزْنٍ يسقاه.


وقد أكثر الثعالبي في ذكر أمثال هذه الكلم الحكميّة في يتيمة الدهر (١) ، وذكرها برمّتها سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٢).

هذا مثال الشيعة وهذه أمثلته ، هذا وزير الشيعة وهذه حِكمه ، هذا فقيه الشيعة وهذا أدبه ، هذا عالم الشيعة وهذه كلمه ، هذا متكلّم الشيعة وهذا مقاله ، هؤلاء رجال الشيعة وهذه مآثرهم وآثارهم ، هكذا فليكن شيعة آل الله وإلاّ فلا.

وفاته :

توفّي الصاحب ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة (٣٨٥) بالريّ ، ولمّا توفّي عُطّلت المدينة وأسواقها ، واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته ، وحضر فخر الدولة وسائر القوّاد ، وقد غيّروا بزّاتهم ، فلمّا خرج نعشه من الباب على أكتاف حامليه للصلاة عليه قام الناس بأجمعهم إعظاماً ، وصاحوا صيحةً واحدةً ، وقبّلوا الأرض ، وخرقوا ثيابهم ، ولطموا وجوههم ، وبلغوا في البكاء والنحيب عليه جهدهم ، وصلّى عليه أبو العبّاس الضبّي ، ومشى فخر الدولة أمام الجنازة وقعد في بيته للعزاء أيّاماً ، وبعد الصلاة عليه عُلِّقَ نعشه بالسلاسل في بيتٍ إلى أن نُقل إلى أصفهان ، فدفن في قبّة هناك تُعرف بباب دَرِيه (٣).

قال ابن خلّكان (٤)) : وهي عامرةٌ إلى الآن وو أولاد بنته يتعاهدونها بالتبييض. وقال السيّد في روضات الجنّات (٥) : قلت : بل وهي عامرةٌ إلى الآن ، وكان أصابها

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٨١.

(٢) أعيان الشيعة : ٣ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦.

(٣) بفتح الدال المهملة وكسر الراء ، كذا ضبطها السيّد في أعيان الشيعة [٣ / ٣٢٩] ، وتجدها في اليتيمة [٤ / ٤٧١] وغيرها بالذال المعجمة ، كما يأتي بعيد هذا في شعر أبي منصور اللجيمي. (المؤلف)

(٤) وفيات الأعيان : ١ / ٢٣١ رقم ٩٦.

(٥) روضات الجنّات : ٢ / ٤١ ـ ٤٢ رقم ١٣١.


تشعّثٌ وانهدام ، فأمر الإمام العلاّمة محمد إبراهيم الكرباسي في هذه الأيّام بتجديد عمارتها ، ولا يدع زيارتها مع ما به من العجز في الأسبوع والشهر والشهرين ، وتُدعى في زماننا بباب الطوقچي والميدان العتيق ، والناس يتبرّكون بزيارته ، ويطلبون عند قبره الحوائج من الله تعالى.

قال الثعالبي في اليتيمة (١) : لمّا كنّى المنجِّمون عمّا يعرض له في سنة موته ، قال الصاحب :

يا مالكَ الأرواحِ والأجسامِ

وخالقَ النجومِ والأحكامِ

مدبِّرَ الضياءِ والظلامِ

لا المشتري أرجوه للإنعامِ

ولا أخاف الضرَّ من بهرامِ

وإنّما النجومُ كالأعلامِ

والعلم عند الملِك العلاّمِ

يا ربِّ فاحفظني من الأسقامِ

ووقِّني حوادثَ الأيّامِ

وهجنةَ الأوزارِ والآثامِ

هبني لحبِّ المصطفى المعتامِ (٢)

وصنوه وآله الكرامِ

ورُثي الصاحب بقصائد كثيرة ، منها نونيّة أبي منصور أحمد بن محمد اللجيمي منها (٣) :

أكافينا العظيمَ إذا وردنا

ومولِينا الجسيمَ إذا فقدنا

أردنا منك ما أبتِ الليالي

فأبطلَ ما أرادتْ ما أردنا

شققتُ عليك جيبي غيرَ راضٍ

به لك فاتّخذتُ الوجد خِدنا

ولو أنّي قتلتُ عليك نفسي

لكان إلى قضاء الحقِّ أدنى

أفِدنا شرح أمرٍ فيه لبسٌ

فإنّا طالما كنّا استفدنا

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٢٧.

(٢) في الديوان : المغنام بدلاً من المعتام.

(٣) يتيمة الدهر : ٤ / ٣٧٥ [٤ / ٤٧١]. (المؤلف)


ألم تكُ منصفاً عدلاً فإنّي

عمرتُ حفيرةً وقلبتُ مُدْنا

وكيف تركت هذا الخلقَ حالت

خلائقُهم فليس كما عهدنا

تملّكنا اللئامُ وصيّرونا

عبيداً بعدما كنّا عُبِدنا

لئن بلغتْ رزيّتُهُ قلوباً

فَذُبنَ وأَعيُناً منّا فجُدنا

لَما بلغت حقائقها ولكنْ

على الأيّام نعرف من فقدنا

وله في رثائه من قصيدة (١) :

مضى من إذا ما أعوز العلمُ والندى

أُصيبا جميعاًمن يديه وفيهِ

مضى من إذا أفكرتُ في الخلقِ كلّهم

رجعتُ ولم أظفر له بشبيهِ

ثوى الجودُ والكافي معاً في حفيرةٍ

ليأنس كلٌّ منهما بأخيهِ

هما اصطحبا حيّينِ ثمَّ تعانقا

ضجيعين في قبرٍ بباب ذريهِ (٢)

قد يُعزى بعض هذه الأبيات إلى أبي القاسم بن أبي العلاء الأصفهاني مع حكاية طيفٍ عنه.

ومنها نونيّة أبي القاسم بن أبي العلاء الأصفهاني ، ذكر منها الثعالبي في يتيمة الدهر (٣) (٣ / ٢٦٣) قوله :

يا كافيَ المُلكِ ما وفّيتُ حظّكَ من

وصفٍ وإن طال تمجيدٌ وتأبينُ

فُقتَ الصفاتِ فما يرثيكَ من أحدٍ

إلاّ وتزيينُهُ إيّاك تهجينُ

ما متَّ وحدكَ لكن مات من ولدتْ

حوّاءُ طرّا بل الدنيا بل الدينُ

هذي نواعي العلى مذ متَّ نادبةٌ

من بعد ما ندبتْكَ الخُرّدُ العينُ

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٣٧٥ [٤ / ٤٧١]. (المؤلف)

(٢) محلة في أصفهان دفن فيها الصاحب بن عبّاد.

(٣) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٢٩.


تبكي عليك العطايا والصلاتُ كما

تبكي عليك الرعايا والسلاطينُ

قام السعاة وكان الخوف أقعدهم

فاستيقظوا بعد ما متَّ الملاعينُ

لا يعجب الناسُ منهم إن همُ انتشروا

مضى سليمانُ وانحلَّ الشياطينُ

ومنها داليّة أبي الفرج بن ميسرة ، ذكر منها الثعالبي في اليتيمة (١) (٣ / ٢٥٤) قوله :

ولو قُبِل الفداء لكان يُفدى

وإنْ جلَّ المصابُ على التفادي

ولكنّ المنونَ لها عيونٌ

تكدّ لحاظها في الإنتقادِ

فقل للدهر أنت أُصبتَ فالبس

برغمك دوننا ثوبَي حدادِ

إذا قدّمتَ خاتمةَ الرزايا

فقد عرّضتَ سوقَكَ للكسادِ

ومنها داليّة لأبي سعيد الرستمي ، ذكر الثعالبي (٢) منها قوله :

أبعد ابن عبّاس (٣) يهشُّ إلى السرى

أخو أمل أو يُستماحُ جوادُ

أبى الله إلاّ أن يموتا بموته

فما لهما حتى المعادِ معادُ

ومنها لاميّة أبي الفيّاض سعيد بن أحمد الطبري ، ذكرها الثعالبي في اليتيمة (٤) (٢ / ٢٥٤):

خليلي كيف يقبلُكَ المقيلُ

ودهرُك لا يُقيلُ ولا يَقيلُ (٥)

يُنادي كلَّ يومٍ في بنيه

ألا هبّوا فقد جدَّ الرحيلُ

وهم رجلان منتظرٌ غفولٌ

ومُبتدرٌ إذا يُدعى عجولُ

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٢٩.

(٢) يتيمة الدهر : ص ٣٣٠.

(٣) عباس هو جدّ المترجم.

(٤) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٣٠.

(٥) يَقيل : من القيلولة وهي الاستراحة نصف النهار. وأقال يُقيلُ : صفح وعفا.


كأنّ مثالَ من يفنى ويبقى

رعيلٌ سوف يتلوهُ رعيلُ

فهم ركبٌ وليس لهم ركابٌ

وهم سَفْرٌ وليس لهم قُفولُ (١)

تدور عليهمُ كأسُ المنايا

كما دارت على الشَّرب الشمولُ

ويحدوهم إلى الميعادِ حادٍ

ولكن ليس يقدمُهم دليلُ

ألم ترَ من مضى من أوّلينا

وغالتهم من الأيّام غولُ

قد احتالوا فما دفعَ الحويلُ

وأعولْنا فما نفعَ العويلُ

كذاك الدهرُ أعمارٌ تزولُ

وأَحوالٌ تحولُ ولا تؤولُ

لنا منه وإن عفنا وخِفنا

رسولٌ لا يُصاب لديه سولُ (٢)

وقد وضحَ السبيلُ فما لخلقٍ

إلى تبديله أبداً سبيلُ

لعمرك إنّه أمدٌ قصيرٌ

ولكن دونه أمدٌ طويلُ

أرى الإسلام أسلمهُ بنوه

وأسلمهم إلى وَلهٍ يهولُ

أرى شمسَ النهارِ تكادُ تخبو

كأنّ شعاعَها طرْفٌ كليلُ

أرى القمرَ المنيرَ بدا ضئيلاً

بلا نورٍ فأضناه النحولُ

أرى زُهْرَ النجومِ محدّقاتٍ

كأنّ سراتَها عُورٌ وحُولُ

أرى وجهَ الزمانِ وكلَّ وجهٍ

به ممّا يكابدُه فلولُ

أرى شُمَّ الجبالِ لها وجيبٌ

تكادُ تذوبُ منه أو تزولُ

وهذا الجوُّ أكلَفُ مقشعِرٌّ

كأنّ الجوَّ من كمدٍ عليلُ (٣)

وهذي الريح أطيبُها سمومٌ

إذا هبّت وأعذبُها بليلُ

وللسحبِ الغزارِ بكلِّ فجٍ

دموعٌ لا يذادُ بها الُمحولُ

نعى الناعي إلى الدنيا فتاها

أمينَ الله فالدنيا ثكولُ

__________________

(١) السَّفْر : المسافرون.

(٢) مخفّف (سؤل) وهو الطلب والحاجة.

(٣) أكلف : تغيّر لونه وتكدّر.


نعى كافي الكفاة فكلُّ حرٍّ

عزيزٍ بعد مصرعه ذليلُ

نعى كهفَ العُفاةِ فكلُّ عينٍ

بما تقذى العيون به كحيلُ

كأنّ نسيمَ تربتِهِ سحيراً

نسيمُ الروضِ تقبلُه القبولُ

إذا وافى أُنوفَ الركبِ قالوا

سحيقُ المسكِ أم تُربٌ مَهيلُ

أيا قمرَ المكارمِ والمعالي

أبِن لي كيف عاجلَكَ الأُفولُ

أبِن لي كيف هالَكَ ما يهول

وغالَكَ بعد عزِّك ما يغولُ

ويا من ساس أشتات البرايا

وألجم من يقول ومن يصولُ

أَدَلتَ على الليالي من شكاها

وقد جارت عليك فمن يُديلُ

بكاك الدينُ والدنيا جميعاً

وأهلهما كما يُبكى الحمولُ (١)

بكتكَ البيضُ والسمْرُ المواضي

وكنتَ تعولها فيمن تعولُ

بكتك الخيلُ مُعوِلةً ولكن

بُكاها حين تندبُكَ الصهيلُ

قلوبُ العالمينَ عليكَ قلبٌ

وحظُّكَ من بكائهمُ قليلُ

ولي قلبٌ لصاحبه وفيٌ

يسيلُ وتحتَهُ روحٌ تسيلُ

إذا نظمتْ يدي في الطرسِ بيتاً

محاهُ منه منتظمٌ هَطُولُ

فإن يكُ ركَّ شعري من ذهولي

فذلك بعضُ ما يجني الذهولُ

كتبتُ بما بكيتُ لأنّ دمعي

عليك الدهرَ فيّاضٌ هَمولُ

وكنتُ أَعُدُّ من روحي فداءً

لروحِكَ إن أُريدَ لها بديلُ

أأحيا بعدَهُ وأقرُّ عيناً

حياتي بعدَهُ هدرٌ غلولُ

حياتي بعدَهُ موتٌ وَحِيٌ

وعيشي بعده سمٌّ قَتولُ (٢)

عليك صلاةُ ربِّك كلَّ حينٍ

تهبُّ بها من الخلد القبولُ

__________________

(١) الحمول : الميت الذي يُحمَل.

(٢) الوَحيّ : السريع.


ومنها ميميّة أبي القاسم غانم بن محمد بن أبي العلاء الأصبهاني ، يقول فيها (١) :

مضى نجلُ عبّادٍ المُرتجى

فماتَ جميعُ بني آدمِ

أُوازي بقبرِكَ أهلَ الزمانِ

فيرجحُ قبرُك بالعالَمِ

وله من قصيدة أخرى في رثاء الصاحب (٢) ، يقول فيها :

هي نفسٌ فرّقتها زفراتي

ودماءٌ أرّقتها عبراتي

لشبابٍ عذبِ المشارعِ ماضٍ

ومشيبٍ جذبِ المراتعِ آتِ

زمنٌ أذرتِ الجفونُ عليهِ

من شؤوني ما كان ذوبَ حياتي

تتلاقى من ذكرِهِ في ضلوعي

ودموعي مصائفٌ ومشاتي

جادَ تلك العهودَ كلُّ أجشّ ال

ـودقِ ثرِّ الأخلافِ جوْنِ السراتِ

بل ندى الصاحبِ الجليلِ أبي القا

سم نجلِ الأميرِ كافي الكفاةِ

تتبارى كلتا يديه عطايا

ومنايا حتماً لعافٍ وعاتِ

ضامناً سيبه لغُنمٍ مفادٍ

مؤذناً سيفُه بروحٍ مفاتِ

وارتياحٌ يريك في كلِّ عطفٍ

ألفَ ألفٍ كطلحة الطلحاتِ

ويدٌ لا تزال تحت شكورٍ

لاثمٍ ظهرها وفوق دواةِ

ومنها تائيةٌ رثاه بها صهره السيّد أبوالحسين عليُّ بن الحسين الحسني ، أوّلها (٣) :

ألا إنّها أيدي المكارم شَلّتِ

ونفس المعالي إثرَ فقدِكَ سُلّتِ

حرامٌ على الظلماءِ إن هي قُوِّضتْ

وحَجْرٌ (٤) على شمس الضحى إن تجلّتِ

__________________

(١) تتمّة يتيمة الدهر : ٣ / ١٢٠ [٥ / ١٣٩ ـ ١٤٠]. (المؤلف)

(٢) تتمّة يتيمة الدهر : ١٤٠.

(٣) ذكرها له الحموي في معجم الأدباء [٦ / ٢٦٣] ، والسيّد في الدرجات الرفيعة [ص ٤٨٤]. (المؤلف)

(٤) الحَجْر : المنع. (المؤلف)


لتبكِ على كافي الكفاة مآثرٌ

تباهي النجومَ الزهرَ في حيثُ حلّتِ

لقد فدحتْ فيه الرزايا وأوجعتْ

كما عَظُمتْ منه العطايا وجلّتِ

ألا هل أتى الآفاقَ أيةُ غمّةٍ

أطلّت ونعمى أيِّ دهرٍ تولّتِ

وهل تعلمُ الغبراءُ ماذا تضمّنت

وأعواد ذاك النعشِ ماذا أقلّتِ

فلا أبصرتْ عيني تهلّلَ بارقٍ

يُحاكي ندى كفّيك إلاّ استهلّتِ

ولو قُبِلَتْ أرواحُنا عنك فديةً

لَجُدْنا بها عند الفداء وقلّتِ

وقال السيّد أبو الحسن محمد بن الحسين الحسني المعروف بالوصيّ الهمداني ، المترجَم في يتيمة الدهر في رثائه :

مات الموالي والمحبُ

لأهلِ بيتِ أبي ترابِ

قد كان كالجبل المنيعِ

لهم فصارَ مع الترابِ (١)

وله في رثائه (٢) :

نومُ العيونِ على الجفونِ حرامُ

ودموعُهنّ مع الدماءِ سجامُ

تبكي الوزيرَ سليلَ عبّادِ العلى

والدينُ والقرآنُ والإسلامُ

تبكيه مكّةُ والمشاعرُ كلُّها

وحجيجُها والنسكُ والإحرامُ

تبكيه طَيبةُ والرسولُ ومن بها

وعقيقُها والسهلُ والأعلامُ

كافي الكفاةِ قضى حميداً نحبَهُ

ذاك الإمامُ السيّدُ الضرغامُ

مات المعالي والعلومُ بموتِهِ

فعلى المعالي والعلومِ سلامُ

ورثاه سيّدنا الشريف الرضي ـ الآتي ذكره في شعراء القرن الخامس ـ بقصيدة شرحها أبو الفتح عثمان بن جنّي المتوفّى (٣٩٢) في مجلّد واحد ، كما ذكره الحموي في

__________________

(١) / ذكرهما له في ترجمته الثعالبي في اليتيمة : ٣ / ٢٦٠ [٣ / ٣٣٦]. (المؤلف)

(٢) ذكرها له في ترجمته الثعالبي في اليتيمة : ٣ / ٢٦٠ [٣ / ٣٣٦].


معجم الأدباء (١) (٥ / ٣١) ، ولنشر القصيدة في ديوان ناظمه الشريف (٢) وفي غير واحد من المعاجم نضرب عنها صفحاً ، أوّلها :

أكذا المنونُ تقنطرُ الأبطالا

أكذا الزمانُ يُضعضعُ الأجبالا

أكذا تُصابُ الأسدُ وهي مُذلّةٌ

تحمي الشبولَ وتمنعُ الأغيالا

أكذا تُقام عن الفرائسِ بعدما

ملأت هماهمُها الورى أوجالا

أكذا تحطّ الزاهرات عن العلى

مِن بعدها شأتِ العيونُ منالا

القصيدة (١١٢) بيتاً

ومرَّ أبو العبّاس الضبّي بباب الصاحب بعد وفاته ، فقال :

أيّها البابُ لِمْ علاكَ اكتئابُ

أين ذاك الحِجابُ والحُجّابُ

أين من كان يفزعُ الدهرُ منه

فهو اليومَ في التراب ترابُ (٣)

لا يذهب على القارئ أنّ استدلال مثل الصاحب أحد عمد مراجع اللغة والأدب على أفضليّة أمير المؤمنين نظماً ونثراً بحديث الغدير ، حجّةٌ قويّةٌ على صحّة إرادة معنىً للمولى لا يُبارح الإمامة والخلافة كما أراد هو.

__________________

(١) معجم الأدباء : ١٢ / ١١٢.

(٢) ديوان الشريف الرضي : ٢ / ٢٠١.

(٣) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٣٦.


مصادر ترجمة الصاحب (١)

يتيمة الدهر (٣ / ١٦٩ ـ ٢٦٧)

 فهرست ابن النديم (ص ١٩٤)

أنساب السمعاني

 معالم العلماء محاسن أصبهان للمافرّوخي الأصبهاني

نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء

 كامل ابن الأثير (٩ / ٣٧)

معجم الأدباء (٦ / ١٦٨ ـ ٣١٧)

 المنتظم لابن الجوزي (٧ / ١٧٩)

تجارب السلف لابن سنجر (ص ٢٤٣)

 تاريخ ابن خلّكان (١ / ٧٨)

مرآة الجنان لليافعي (٢ / ٤٢١)

 تاريخ ابن كثير (١١ / ٣١٤)

شرح دراية الحديث للشهيد

نهاية الأرب (٣ / ١٠٨)

شذرات الذهب (٣ / ١١٣)

 معاهد التنصيص (٢ / ١٦٢)

بغية الوعاة للسيوطي (ص ١٩٦)

 مجالس المؤمنين للقاضي (ص ٣٢٤)

بحار الأنوار (١٠ / ٢٦٤ ـ ٢٦٧)

 الدرجات الرفيعة للسيّد علي خان

أمل الآمل لشيخنا الحرّ العاملي

 لسان الميزان لابن حجر (١ / ٤١٥)

تكملة الرجال للشيخ عبد النبي الكاظمي

 منتهى المقال لأبي عليّ (ص ٥٦)

روضات الجنّات

 تنقيح المقال لشيخنا المامقاني (١ / ١٣٥)

أعيان الشيعة (ج ١٢) في (٢٤٠) صحيفة

 سفينة البحار للقمّي (٢ / ١٣)

الكنى والألقاب (٢ / ٣٦٥ ـ ٣٧١)

 الطليعة في شعراء الشيعة (ج ١)

يتيمة الدهر (٣ / ١٦٩ ـ ٢٦٧)

 فهرست ابن النديم (ص ١٩٤)

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٢٢٥ ـ ٣٣٧ ، فهرست النديم : ص ١٥٠ ، الأنساب : ٤ / ٣٠ ، معالم العلماء : ص ١٠ رقم ٥١ ، نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء والنحاة : ص ٣٢٥ رقم ١٢٨ ، الكامل في التاريخ : ٥ / ٥١٠ حوادث سنة ٣٨٥ ه‍ ، المنتظم : ١٤ / ٣٧٥ رقم ٢٩١١ ، وفيات الأعيان : ١ / ٢٢٨ رقم ٩٦ ، البداية والنهاية : ١١ / ٣٥٩ حوادث سنة ٣٨٥ ه‍ ، شرح الدراية : ص ٩٢ ، نهاية الأرب : ٣ / ١١٣ ، شذرات الذهب : ٤ / ٤٤٩ حوادث سنة ٣٨٥ ه‍ ، معاهد التنصيص : ٤ / ١١١ رقم ٢٠٨ ، بغية الوعاة : ١ / ٤٤٩ رقم ٩١٨ ، مجالس المؤمنين : ٢ / ٤٤٦ ، الدرجات الرفيعة : ص ٤٨٢ ، أمل الآمل : ٢ / ٣٤ رقم ٩٦ ، لسان الميزان : ١ / ٤٦١ رقم ١٣٠٠ ، تكملة الرجال : ١ / ١٩٤ ، منتهى المقال : ص ١١٩ ، روضات الجنّات : ٢ / ١٩ رقم ١٣١ ، أعيان الشيعة : ٣ / ٣٢٨ ـ ٣٧٦ ، سفينة البحار : ٥ / ٤٦ ، الكنى والألقاب : ٢ / ٤٠٣ ـ ٤٠٩.


قال الحموي في معجم البلدان (١) (٦ / ٨) : ذكرتُ أخباره مستقصاة في أخبار مردويه.

ولأبي حيّان التوحيدي المتوفّى (٣٨٠) رسالة : مثالب الوزيرين ، ألّفها في تعيير المترجَم الصاحب وأبي الفضل بن العميد ، نُشرت في الإمتاع والمؤانسة (١ / ٥٣ ـ ٦٧) وقد سلب عنهما ما لهما من المآثر والفضائل ، وبالغ في التعصّب عليهما ، وجاء بأمر خداج ، وأتى بمنكر من قول وزور ، وفاحشة مبيّنة ، وما أنصف وما أبرَّ بإجماع المؤرِّخين ، ولهتيكته هذه أسبابٌ تجد ذكرها في أعيان الشيعة (٢).

__________________

(١) معجم البلدان : ٤ / ٧.

(٢) أعيان الشيعة : ٣ / ٣٣٢.


ـ ٢٦ ـ

الجوهري الجرجاني

المتوفّى حدود (٣٨٠)

أما أَخذتُ عليكمْ إذْ نزلتُ بكمْ

غديرَ خمٍّ عقوداً بعد أيمانِ

وقد جذبتُ بضبعَيْ خيرِ من وَطِئَ ال

ـبطحاءَ من مضرِ العليا وعدنانِ

وقلتُ واللهُ يأبى أن أُقصِّر أو

أعفي الرسالةَ عن شرحٍ وتبيانِ

هذا عليٌّ لَمولى من بُعِثتُ له

مولى وطابقَ سرّي فيه إعلاني

هذا ابنُ عمّي ووالي منبري وأخي

ووارثي دون أصحابي وإخواني

محلُّ هذا إذا قايستُ من بدني

محلُّ هارونَ من موسى بنِ عمرانِ (١)

وله في المناقب لابن شهرآشوب (٢) (٢ / ٢٠٣) قوله :

وغديرُ خمٍّ ليس يُنكِرُ فضلَهُ

إلاّ زنيمٌ فاجرٌ كفّارُ

من ذا عليه الشمسُ بعد مغيبِها

رُدّت ببابل فاستبن يا حارُ

وعليه قد رُدّت ليومِ المصطفى

يوماً وفي هذا جرتْ أخبارُ

حاز الفضائلَ والمناقبَ كلَّها

أنّى تُحيطُ بمدحِهِ الأشعارُ

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٣٢ طبع إيران [٣ / ٤٠ طبع دار الأضواء ـ بيروت] ، والصراط المستقيم للبياضي العاملي [١ / ٣١١]. (المؤلف)

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٥٥.


الشاعر

أبو الحسن عليُّ بن أحمد الجرجاني ويُعرف بالجوهري ، كما ذكر ذلك في غير مورد من شعره ، مقياسٌ من مقاييس الأدب ، وأحد أعضاد العربيّة ، ومن المفلقين في صياغة القريض ، كان من صنائع الوزير الصاحب بن عبّاد وندمائه وشعرائه ، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره وأوليات أمره ، وكان يرمي إلى المغازي البعيدة بلفظ قريب ، وترتيب سهل ، وكان في إعطاء المحاسن إيّاه زمامها كما قيل : جَذعٌ يبنُّ على المذاكي القُرّح (١).

وكان الصاحب يعجَب به أشدّ الإعجاب ، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحسن روائه ، ومناسبة روحه وشمائله خفّةً وظرفاً ، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه وبين العمّال والأمراء ، فكان يمثِّله في رسالاته أحسن تمثيل ، فيملأ العيون جمالاً ، والقلوب كمالاً ، وقد أطراه أبلغ إطراء فيما كتبه إلى أبي العبّاس الضبّي ـ أحد شعراء الغدير ـ بأصبهان واستحثّه على إكرامه وجلب مراضيه ، والكتاب مذكورٌ في اليتيمة (٢) (٤ / ٢٦) وها نحن نأخذ منه لبابه ، قال :

فإن يقل مولاي : من ذا الذي هذا خَطبه وهذه خُطّته؟ أقل : من فضله برهان حقٍّ ، وشعره لسان صدقٍ ، ومن أطبق أهل جلدته على أنّه معجزة بلدته ، فلا يُعدُّ لجرجان بعيداً ولا قريباً ، أو لأختها طبرستان قديماً ولا حديثاً مثله ، ومن أخذ برقاب النظم أخذه ، وملك رقّ القوافي ملكه ، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره ،

__________________

(١) الجَذَع ـ بالحركتين ـ : صغير البهائم ، والشاب الحديث. يبنُّ من أبنَّ بالمكان : أقام به وثبت ولزم. المذاكي ، جمع المَذكى : من الخيل ما تمّ سنّه وكملت قوّته. القرّح ، جمع القارح : هو من ذي الحافر الذي شقَّ نابه وطلع. (المؤلف)

(٢) يتيمة الدهر : ٤ / ٣١.


وقبل أن تحدثه الآداب ، وقيل جري المذكيات غلاب ، أبو الحسن الجوهري أيّده الله ، وبناؤه منذ حين وخصوصه بي كالصبح المبين ، إلاّ أنَّ لمشاهدة الحاضر ومعاينة الناظر ، مزيّةً لا يستقصيها الخبر ، وإن امتدَّ نفسه وطال عنانه ومرسه ، وقد ألف إلى هذه الفضيلة التي فرع بنيها (١)) ، وأوفى على ذوي التجربة والتقدمة فيها ، نفاذاً في أدب الخدمة ، ومعرفةً بحقِّ الندام والعشرة ، وقبولاً يملأ به مجلس الحفلة ، إنصاتاً للمتبوع إلاّ إذا وجب القول ، وإعظاماً للمخدوم إلاّ إذا خرج الأمر ، وظرفاً يشحن مجلس الخلوة ، وحديثاً يسكت به العنادل ، ويطاول البلابل ، فإن اتّفق أن يفسح له في الفارسيّة نظماً ونشراً طفح آذيّه ، وسال آتيّه ، فألسِنة أهل مصره ـ إلاّ الأفراد ـ بروقٌ إذا وطئوا أعقاب العجم ، وقيودٌ إذا تعاطوا لغات العرب ، حتى إنّ الأديب منهم المقدّم والعليم المسوّم يتلعثم إذا حاضر بمنطقه ، كأنّه لم يدرِ من عدنان ، ولم يسمع من قحطان ، ومن فضول أخينا أو فضله أنّه يدّعي الكتابة ، ويدارس البلاغة ، ويمارس الإنشاء ، ويهذي فيه ما شاء ، وكنت أخرجته إلى ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم ، فوفّق التوفيق كلّه صيانةً لنفسه ، وأمانةً في ودائع لسانه ويده ، وإظهاراً لنسك لم أعهده في مسكه ، حتى خرج وسلم على نقده ، وإنّ نقده لشديدٌ لمثله ، ومولاي يجريه بحضرته مجراه بحضرتي ، فطعامه ومنامه وقعوده وقيامه إمّا بين يديّ ، أو بأقرب المجالس لديّ ، ولا يقولنَّ : هذا أديب وشاعر ، أو وافد وزائر ، بل يحسبه قد تخفّف بين يديه أعواماً وأحقاباً ، وقضى في التصرف لديه صِباً وشباباً ، وهذا إنّما يحتاج إلى وسيط وشفيع ما لم ينشر بزّه ، ولم يظهر طرزه ، وإلاّ فسيكون بعدُ شفيع من سواه ، ووسيط من عداه ، فهناك بحمد الله درقه وحدقه (٢) ، ووجنة مطرفه ، وما أكثر ما يفاخرنا بمناظر جرجان وصحاريها ورفارفها وحواشيها ، فليملأ مولاي عينه من منتزهات أصبهان ، فعسى طماحه أن يخفَّ وجماحه أن يقلَّ.

__________________

(١) فرع بنيها : علاهم شرفاً وجاهاً.

(٢) الدرق : الصلب من كلّ شيء ، ومنها الدرقة وهي الترس ، وحدقه : أي نظره وإحاطته.


والثعالبي لم يألُ جهداً في الثناء عليه (١) ، وقال : عهدي به وقد ورد نيسابور رسولاً إلى الأمير أبي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر نبذاً راقية من شعره في مجلّدات اليتيمة ، وترجمه صاحب رياض العلماء (٢) ، ووصف فضله وشعره ، ومن قوله في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام.

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفانِ

تهمي عليه ضلوعي قبل أجفاني

أرضٌ إذا نفختْ ريحُ العراق بها

أتت بشاشتُها أقصى خراسانِ

ومن قتيلٍ بأعلى كربلاء على

جهد الصدى فتراه غيرَ صديانِ

وذي صفائح يستسقي البقيعُ به

ريَّ الجوانح من رَوْحٍ ورضوانِ

هذا قسيمُ رسولِ اللهِ من آدمٍ

قُدّا معاً مثل ما قُدَّ الشراكانِ

وذاك سبطا رسولِ اللهِ جدّهما

وجهُ الهدى وهما في الوجه عينانِ

وا خجلتا من أبيهم يومَ يشهدُهمْ

مضرّجين نشاوى من دمٍ قانِ

يقول يا أمّةً حفَّ الضلالُ بها

واستبدلتْ للعمى كفراً بإيمانِ

ماذا جنيتُ عليكم إذ أتيتكمُ

بخيرِ ما جاء من آيٍ وفرقانِ

ألم أُجرْكمْ وأنتمْ في ضلالتِكمْ

على شفا حفرةٍ من حرِّ نيرانِ

ألم أؤلِّف قلوباً منكمُ فرقاً

مثارةً بين أحقادٍ وأضغانِ

أما تركتُ كتابَ اللهِ بينكمُ

وآيةُ العزِّ في جمعٍ وقرآنِ

ألم أكن فيكمُ غوثاً لمضطهَدٍ

ألم أكن فيكمُ ماءً لظمآن

قتلتمُ ولدي صبراً على ظمأٍ

هذا وترجون عند الحوض إحساني

سَبيتمُ ثكِلتكمْ أمّهاتكمُ

بني البتول وهم لحمي وجثماني

مزّقتمُ ونكثتمْ عهدَ والدِهم

وقد قطعتمْ بذاك النكتِ أقراني

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٢٩.

(٢) رياض العلماء : ٣ / ٣٣٩.


يا ربِّ خُذ ليَ منهم إذ همُ ظلموا

كرامَ رهطي وراموا هدمَ بنياني

ما ذا تجيبون والزهراءُ خصمكمُ

والحاكمُ اللهُ للمظلوم والجاني

أهلَ الكساءِ صلاةُ الله ما نزلتْ

عليكم الدهرَ من مثنىً ووُحدانِ

أنتم نجومُ بني حوّاءَ ما طلعتْ

شمسُ النهارِ وما لاح السماكانِ

مازلتُ منكم على شوقٍ يهيّجُني

والدهرُ يأمرني فيه وينهاني

حتى أتيتُكَ والتوحيدُ راحلتي

والعدلُ زادي وتقوى الله إمكاني

هذي حقائقُ لفظٍ كلّما برقتْ

ردّتْ بلألائها أبصارَ عميانِ

هي الحلى لبني طه وعترتهمْ

هي الردى لبني حربٍ ومروانِ

هي الجواهرُ جاء الجوهريُّ بها

محبّةً لكمُ من أرض جُرجانِ (١)

وله قصيدة يرثي بها الإمام الشهيد قتيل الطف عليه‌السلام في يوم عاشوراء ، ذكرها له الخوارزمي في مقتله (٢) ، وابن شهرآشوب في مناقبه (٣) ، والعلاّمة المجلسي في المجلّد العاشر من البحار (٤).

يا أهلَ عاشورَ يا لهفي على الدينِ

خذوا حدادَكمُ يا آلَ ياسينِ

اليوم شُقِّقَ جيبُ الدين وانتُهبتْ

بناتُ أحمدَ نهبَ الروم والصينِ

اليومَ قامَ بأعلى الطفِّ نادبُهم

يقولُ من لِيتيمٍ أو لمسكين

اليوم خُضِّبَ جيبُ المصطفى بدمٍ

أمسى عبيرَ نحورِ الحورِ والعينِ

اليوم خرَّ نجوم الفخر من مضرٍ

على مناخرِ تذليلٍ وتوهينِ

اليومَ أُطفئ نورُ الله متَّقداً

وجرِّرتْ لهمُ التقوى على الطينِ

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٨ / ١٥٥.

(٢) مقتل الحسين : ٢ / ١٣٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٣٦.

(٤) بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٥٣ ، ٢٧٩.


اليوم هُتِّكَ أسبابُ الهدى مزقاً

وبُرقِعتْ غرّةُ الإسلامِ بالهونِ

اليوم زُعزِعَ قدسٌ من جوانبِهِ

وطاحَ بالخيلِ ساحاتُ الميادينِ

اليومَ نالَ بنو حربٍ طوائلَها

ممّا صلَوهُ ببدرٍ ثمّ صفِّينِ

اليوم جُدِّلَ سبطُ المصطفى شًرقا

من نفسه بنجيعٍ غيرِ مسنونِ

زادوا عليه بحبسِ الماء غلّتَهُ

تبّا لرأي فريقٍ منه مغبونِ

نالوا أزمّةَ دنياهم ببغيهمُ

فليتهمْ سمحوا منها بماعونِ

حتى يصيح بقنّسريَن (١) راهبُها

يا فرقة الغيِّ يا حزبَ الشياطينِ

أتهزؤون برأسٍ باتَ منتصباً

رعلى القناةِ بدين الله يوصيني

آمنتُ ويحكمُ باللهِ مهتدياً

روبالنبيّ وحبُّ المرتضى ديني

فجدّلوه صريعاً فوق جبهتِهِ

روقسّموهُ بأطرافِ السكاكينِ

وأوقروا صهواتِ الخيلِ من إحنٍ

على أُساراهمُ فعلَ الفراعينِ

مصعّدين على أقتاب أرحلِهمْ

رمحمولةً بين مضروب ومطعونِ

أطفالُ فاطمةَ الزهراءِ قد فُطموا

من الثديّ بأنياب الثعابينِ

يا أمّةً ولي الشيطانُ رايتَها

ومكّنَ الغيُّ منها كلّ تمكينِ

ما المرتضى وبنوه من معاويةٍ

رولا الفواطمُ من هندٍ وميسونِ

آلُ الرسول عباديد (٢) السيوف فمن

هامٍ على وجهِهِ خوفاً ومسجونِ

يا عينُ لا تدّعي شيئاً لغاديةٍ

تهمي ولا تدّعي دمعاً لمحزونِ

قومي على جدثٍ بالطفِّ فانتفضي

ربكلِّ لؤلؤِ دمعٍ فيكِ مكنونِ

يا آل أحمد إنّ الجوهريَّ لكم

سيفٌ يقطِّع عنكم كلَّ موضونِ

وذكر له الثعالبي كثيراً من شعره في اليتيمة (٣) (٤ / ٢٩ ـ ٤١) وممّا ذكر له من

__________________

(١) قنّسرين ـ بكسر أوّله وفتح ثانيه وتشديده ـ : مدينة بينها وبين حلب مرحلة [معجم البلدان : ٤ / ٤٠٤]. (المؤلف) (٢) العباديد : المتفرّقون.

(٣) يتيمة الدهر : ٤ / ٣٣ ـ ٤٨.


قصيدة في شريفٍ حسنيٍّ قوله :

لا عتب إن بذلتْ عيني بما أجِدُ

فقد بكى ليَ عوّادي لما عهدوا

لو أنّ لي جسداً يقوى لَطفتُ به

على العزاء ولكن ليس لي جسدُ

تبعتهمْ بذماءٍ كان يمسكُهُ

تعلّلٌ بخيالٍ كلّما بعدوا

يا ليلةً غمضتْ عنّي كواكبُها

ترفّقي بجفونٍ غمضُها رمدُ

أهوى الصباحَ وما لي فيه منتصفٌ

من الظلام ولكن طالما أجدُ

لو أنّ لي أمداً في الشوق أبلغه

صبرت عنك ولكن ليس لي أمدُ

بكيتُ بعد دموعي في الهوى جلدي

وهل سمعتَ بباكٍ دمعُه جلدُ

تذوبُ نارُ فؤادي في الهوى برداً

وهل سمعتَ بنارٍ ذوبها بردُ

قالوا ألفت رُبا جَيٍ (١) فقلت لهم

الحبُّ أهلٌ وإدراك المنى ولدُ

أندى محاسن جَيٍّ أنّه بلدٌ

طلْقُ النهارِ ولكن ليلُه نكدُ

إذا استُحبَّ بلادٌ للمعاشِ بها

فحيثما نعمتْ حالي به بلدُ

وللمكارمِ قومٌ لا خفاءَ بهم

هم يُعرَفون بسيماهم إذا شهدوا

لله معشرُ صدقٍ كلّما تُليت

على الورى سورةٌ من مجدِهم سجدوا

ذرّيةٌ أبهرت طه بجدِّهمُ

وهل أتى بأبيهم حين تنتقدُ (٢)

وإن تُصُنِّعَ شعرٌ في ذوي كرمٍ

يا ابن النبيّ فشعري فيك مقتصدُ

أصبتُ فيك رشادي غيرَ مجتهدٍ

وليس كلّ مصيبٍ فيك مجتهدُ

بسطت عرضَ فناءِ الدهرِ مكرمةً

طرائقُ الحمد في حافاتها قِدَدُ (٣)

توفّي المترجَم بجرجان بعد سنة (٣٧٧) وقبل سنة (٣٨٥) ، فقد بعثه الصاحب

__________________

(١) جَيّ ـ بالفتح ثمّ التشديد ـ : مدينة بينها وبين أصبهان نحو ميلين ، قال ياقوت في المعجم [٢ / ٢٠٢] : وتسمّى الآن عند العجم : شهرستان ، وعند المحدثين : المدينة. (المؤلف)

(٢) أبهرت : أنارت. وطه : أي سورة طه.

(٣) قدد : متشعّبة.


ابن عبّاد رسولاً إلى الأمير أبي الحسن ناصر الدولة سنة (٣٧٧) ، ووجّهه بعدها إلى أبي العبّاس الضبّي إلى أصفهان ، ولمّا انقلب من أصبهان إلى جرجان لم تطل به الأيّام حتى أصبح مقبوراً ، كما ذكره الثعالبي (١) ، فوفاة المترجَم في حياة الصاحب المتوفّى (٣٨٥) تستدعي وقوعها بين التاريخين حدود (٣٨٠).

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٣٣.


ـ ٢٧ ـ

ابن الحجّاج البغدادي

المتوفّى (٣٩١)

يا صاحبَ القبّةِ البيضاءِ في النجفِ

من زارَ قبرَكَ واستشفى لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكمُ

تحظَوْنَ بالأجرِ والإقبالِ والزُّلَفِ

زوروا لمن تُسمَعُ النجوى لديه فمن

يزرْهُ بالقبر ملهوفاً لديه كُفي

إذا وصلتَ فأحرمْ قبل تدخلَهُ

ملبّياً واسْعَ سعياً حوله وطُفِ

حتى إذا طفتَ سبعاً حول قبّتِهِ

تأمّل البابَ تلقى وجهه فقفِ

وقل سلامٌ من اللهِ السلامِ على

أهلِ السلامِ وأهلِ العلمِ والشرفِ

إنّي أتيتك يا مولاي من بلدي

مُستمسكاً من حبال الحقِّ بالطرفِ

راجٍ بأنّك يا مولاي تشفعُ لي

وتسقِني من رحيقٍ شافيِ اللهفِ

لأنّك العروةُ الوثقى فمن علِقَتْ

بها يداه فلن يشقى ولم يخفِ

وإنّ أسماءَك الحسنى إذا تُليت

على مريضٍ شُفي من سقمه الدنفِ

لأنّ شأنك شأنٌ غيرُ مُنتقصٍ

وإنّ نورَك نورٌ غير منكسفِ

وإنّك الآيةُ الكبرى التي ظهرتْ

للعارفين بأنواعٍ من الطرفِ

هذي ملائكةُ الرحمنِ دائمةً

يهبطنَ نحوكَ بالألطافِ والتحفِ

كالسطلِ والجامِ والمنديلِ جاء به

جبريلُ لا أحدٌ فيه بمختلفِ

كان النبيُّ إذا استكفاك معضلةً

من الأمور وقد أعيت لديه كُفِي


وقصّةُ الطائر المشويِّ عن أنسٍ

تخبر بما نصّهُ المختارُ من شرفِ

والحَبُّ والقضبُ والزيتونُ حين أتوا

تكرُّماً من إله العرش ذي اللطفِ

والخيلُ راكعةٌ في النقعِ ساجدةٌ

والمشرفيّاتُ قد ضجّت على الحَجَفِ (١)

بعثتَ أغصانَ بانٍ في جموعِهمُ

فأصبحوا كرمادٍ غير منتسفِ

لو شئتَ مسخَهمُ في دورِهمْ مُسِخوا

أو شئتَ قلتَ لهم يا أرض إنخسفي

والموتُ طوعُكَ والأرواحُ تملكُها

وقد حكمتَ فلم تظلِمْ ولم تحِفِ

لا قدَّس اللهُ قوماً قال قائلُهمْ

بخٍ بخٍ لك من فضلٍ ومن شرفِ

وبايعوك بخمٍّ ثمّ أكّدَها

محمدٌ بمقالٍ منه غيرِ خفي

عاقوك واطّرحوا قولَ النبيِّ ولم

يمنعهمُ قولُه هذا أخي خلَفي

هذا وليُّكُمُ بعدي فمن علِقَتْ

به يداهُ فلن يخشى ولم يخفِ (٢)

القصيدة تناهز (٦٤) بيتاً ولها قصّة تأتي في الترجمة إن شاء الله.

وله من قصيدة أجاب بها عن قصيدة ابن سكّرة (٣) المتحامل بها على آل الله وشاعرهم ابن الحجّاج ـ المترجَم ـ أخذناها من ديوانه المخطوط سنة (٦٢٠) بقلم عمر بن إسماعيل بن أحمد الموصلي ، أوّلها :

لا أكذِبُ اللهَ إنّ الصدقَ يُنجيني

يدُ الأمير بحمد الله تُحييني

إلى أن قال :

فما وجدتَ شفاءً تستفيدُ به

إلاّ ابتغاءَك تهجو آلَ ياسينِ

كافاك ربُّكَ إذ أجرَتْكَ قدرتُهُ

بسبِّ أهلِ العُلى الغرِّ الميامينِ

__________________

(١) الحَجَف محرّكة : التروس من جلود بلا خشب ولا عقب. واحدتها : الحَجَفَة. (المؤلف)

(٢) رياض العلماء : ٢ / ١٤.

(٣) محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي ، من ولد عليّ بن المهدي العبّاسي ، له ديوان شعر يربو على خمسين ألف بيت ، توفّي سنة ٣٨٥. (المؤلف)


فقرٌ وكفرٌ هميعٌ (١) أنت بينهما

حتى المماتِ بلا دنياً ولا دينِ

فكان قولُكَ في الزهراءِ فاطمةٍ

قولَ امرئٍ لَهِجٍ بالنصبِ مفتونِ

عيّرتَها بالرحا والزادِ تطحنُه

لا زال زادُك حَبّا غيرَ مطحونِ

وقلت إنّ رسول الله زوّجَها

مسكينةً بنتَ مسكينٍ لمسكينِ

كذبتَ يا ابن التي بابُ اسْتها سَلِسُ ال

أغلاقِ بالليلِ مفكوكُ الزرافينِ (٢)

ستُّ النساء غداً في الحشر يخدمُها

أهلُ الجنانِ بحورِ الخرّدِ العينِ

فقلتَ إنَّ أميرَ المؤمنين بغى

على معاويةٍ في يومِ صفّينِ

وإنّ قتلَ الحسينِ السبطِ قامَ به

في اللهِ عزمُ إمامٍ غيرِ موهونِ

فلا ابنُ مرجانةٍ فيه بمحتقب (٣)

إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعونِ

وإنّ أجرَ ابنِ سعدٍ في استباحته

آلَ النبوّةِ أجرٌ غيرُ ممنونِ

هذا وعُدتَ إلى عثمانَ تندبُهُ

بكلّ شعرٍ ضعيفِ اللفظِ ملحونِ

فصرتَ بالطعنِ من هذا الطريقِ إلى

ما ليس يخفى على البله المجانينِ

وقلتَ أفضلُ من يومِ الغديرِ إذا

صحّتْ روايتُه يومُ الشعانينِ

ويومُ عيدِك عاشورا تُعِدُّ له

ما يستعدّ النصارى للقرابينِ

تأتي بيوتَكمُ فيه العجوزُ وهل

ذكرُ العجوزِ سوى وحيِ الشياطينِ

عاندتَ ربَّكَ مغترّا بنقمتِهِ

وبأسُ ربِّك بأسٌ غيرُ مأمونِ

فقال كن أنت قِرداً في استه ذَنَبٌ

وأمرُ ربِّكَ بين الكافِ والنونِ

وقال كن لي فتىً تعلو مراتبُه

عند الملوك وفي دورِ السلاطينِ

والله قد مسخ الأدوار قبلك في

زمان موسى وفي أيّامِ هارونِ

__________________

(١) أي لا تزال باكياً. (المؤلف)

(٢) سلست الخشبة : نخرت وبليت والسلس : الليّن السهل. الغلق ما يغلق به الباب والجمع أغلاق. الزرفين واحدة الزرافين : الحلق الصغيرة للباب. (المؤلف)

(٣) احتقب الإثم : جمعه. (المؤلف)


بدون ذنبِكَ فالحقْ عندهم بهمُ

ودع لحاقَكَ بي إن كنت تنوينيِ

القصيدة (٥٨) بيتاً.

وله من قصيدة قوله :

بالمصطفى وبصهرِهِ

ووصيِّه يومَ الغدير

الشاعر

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجّاج النيلي البغدادي ، أحد العمد والأعيان من علماء الطائفة ، وعبقريّ من عباقرة حملة العلم والأدب ، وقد عدّه صاحب رياض العلماء (١) من كبراء العلماء ، كما عدّه ابن خلّكان (٢) وأبو الفداء من كبار الشيعة ، والحموي في معجم أدبائه (٣) من كبار شعراء الشيعة ، وآخر من فحول الكتّاب ، فالشعر كان أحد فنونه ، كما أنّ الكتابة إحدى محاسنه الجمّة ، وله في العلم قننٌ راسية ، وقدمٌ راسخة ، غير أنّ انتشار أدبه الفائق ، ومقاماته البديعة فيه ، وتعريف الأدباء إيّاه بأدبه الباهر ، وقريضه الخسروانيّ والثناء عليه بأنّه ثاني معلّميه كما في نسمة السحر (٤) ، أخفى صيت علمه الغزير ، وغطّى ذكره العلميّ ، ونحن نقوم بواجب الحقّين جميعاً.

ينمُّ عن مقامه الرفيع في العلوم الدينيّة وتضلّعه فيها وشهرته في عصره بها تولّيه الحسبة (٥) مرّةً بعد أخرى في عاصمة العالم في ذلك اليوم ـ بغداد ، وهي من

__________________

(١) رياض العلماء : ٢ / ١١.

(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ١٧١ رقم ١٩٢.

(٣) معجم الأدباء : ٩ / ٢٢٩.

(٤) نسمة السحر : مج ٧ / ج ١ / ٢٠٥.

(٥) كما في تاريخ ابن خلّكان [٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢] ، تاريخ ابن كثير [١١ / ٣٧٨ حوادث سنة ٣٩١ ه‍] ،


المناصب الرفيعة العلميّة التي كانت يُخَصُّ تولّيها في العصور المتقادمة بأئمّة الدين ، وزعماء الإسلام ، وكبراء الأمّة ، وهي كما قال الماوردي في الأحكام السلطانيّة (١) (ص ٢٢٤) : من قواعد الأمور الدينيّة ، وقد كان أئمّة الصدر الأوّل يباشرونها. انتهى.

الحسبة : هي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ، وممّن وليها ببغداد قبل المترجَم : الفيلسوف الكبير أحمد بن الطيّب السرخسي صاحب التآليف القيّمة في فنون متنوّعة المقتول سنة (٢٨٣) وتولاّها بعد عزل المترجَم عنها فقيه الشافعيّة وإمامها أبو سعيد الحسن بن أحمد الإصطخري المتوفّى سنة (٣٢٨) ، على ما يُقال كما في تاريخ ابن خلّكان (٢) ، ومرآة الجنان لليافعي (٣) وغيرهما.

قال الماوردي في الأحكام السلطانيّة (٤) (ص ٢٠٩) : فمن شروط والي الحسبة أن يكون حُرّا ، عدلاً ، ذا رأي وصرامة ، وخشونة في الدين ، وعلم بالمنكرات الظاهرة.

واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعيِّ : هل يجوز له أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا؟

على وجهين : أحدهما ، وهو قول أبي سعيد الإصطخري ، أنّ له أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده ، فعلى هذا يجب على المحتسب أن يكون عالماً من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلف فيه. انتهى.

__________________

مرآة الجنان [٢ / ٤٤٤] ، رياض العلماء [٢ / ١١] ، دائرة المعارف الإسلامية [للشنتناوي : ١ / ١٣٠] ، دائرة المعارف لفريد وجدي [٦ / ١٢] ، الأعلام للزركلي [٢ / ٢٣١]. (المؤلف)

(١) الأحكام السلطانية : ٢ / ٢٥٨ باب ٢٠.

(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢.

(٣) مرآة الجنان : ٢ / ٤٤٤ وفيات سنة ٣٩١ ه‍.

(٤) الأحكام السلطانية : ٢ / ٢٤١ باب ٢٠.


وقال رشيد الدين الوطواط المتوفّى سنة (٥٧٣) : إنّ أولى الأمور بأن تصرف أعنّة العناية إلى ترتيب نظامه ، وتقصر الهمم على مهمّة إتمامه ، أمرٌ يتعلّق به ثبات الدين ، ويتوقّف عليه صلاح المسلمين ، وهو أمر الاحتساب ، فإنّ فيه تثبيت الزائغين عن الحقّ ، وتأديب المنهمكين في الفسق ، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها ، وإجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها ، وينبغي أن يكون متقلّد هذا الأمر موصوفاً بالديانة ، معروفاً بالصيانة ، معرضاً عن مراصد الريب ، بعيداً عن مواقف التهم والعيب ، لابساً مدارع السداد ، سالكاً مناهج الرشاد. معجم الأدباء (١٩ / ٣١).

ففي تولية شاعرنا المترجَم الحسبة مرّةً بعد أخرى ، غنىً وكفاية عن سرد جمل الثناء على علمه وفقهه وإطراء عدله ورأيه ، واجتهاده في جنب الله وصرامته ، وخشونته في الدين ، ورشاده وسداده ، وقد تولاّها مرّتين في بغداد : مرّة على عهد الخليفة العبّاسي المقتدر بالله كما سمعته من ابن خلّكان واليافعي ، وأخرى أقامه عليها عزّ الدولة في وزارة ابن بقية الذي استوزره عزّ الدولة سنة (٣٦٢) وتوفّي سنة (٣٦٧) ، وقد كتب المترجَم إليه في وزارته قصيدة ، أوّلها :

أيّها ذا الوزير إن أنت أنصف

ـت وإلاّ فقم مع الجيرانِ

ويقول فيها :

ليت شعري ألستُ محتسبَ النا

سِ فلِمْ ليس تعرفونَ مكاني

أمّا أدبه : فهو كما أوعزنا إليه أحد نوابغ شعراء الشيعة ، والمقدّم بين كتّابها ، حتى قيل : إنّه كامرئ القيس في الشعر (١) لم يكن بينهما من يضاهيهما ، ويقع ديوانه في عشر مجلّدات ، والغالب عليه العذوبة والانسجام ، وتأتي المعاني البديعة في طريقته

__________________

(١) كما في تاريخ ابن خلّكان [٢ / ١٦٩ رقم ١٩٢] ، ومعجم الأدباء [٩ / ٢٠٦] ، وشذرات الذهب [٤ / ٤٨٧ حوادث سنة ٣٩١ ه‍]. (المؤلف)


إلى ألفاظ سهلة ، وأُسلوب حسن ، وسبك مرغوب فيه.

وفي نسمة السحر (١) : إنّه يُعدّ المعلّم الثاني ، والمعلّم الأوّل إمّا المهلهل بن وائل أو امرؤ القيس ، اخترع منهجاً لم يُسبَق إليه وتبعه فيه الناس ، ومن أتباعه أبو الرقعمق وصريع الدلاء.

قال الثعالبي (٢)) : سمعت به من أهل البصيرة في الأدب وحسن المعرفة بالشعر ، على أنّه فرد زمانه في فنِّه الذي شُهِر به ، وأنّه لم يُسبَق إلى طريقته ، ولم يُلحَق شأوه في نمطه ، ولم يُرَ كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه ، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في الملاحة والبلاغة. انتهى.

رتّب ديوانه البديع الإسطرلابي هبة الله بن حسن المتوفّى سنة (٥٣٤) على واحد وأربعين ومائة باب ، وجعل كلّ باب في فنٍّ من فنون الشعر وسمّاه : درّة التاج من شعر ابن الحجّاج (٣) ، وهي محفوظة في باريس (رقم ٥٩١٣) وبها مقدِّمةٌ لابن الخشّاب النحوي.

وللشريف الرضي انتخاب ما استجوده من شعره سمّاه : الحسن من شعر الحسين (٤)) ، ورتّبه على الحروف ، وكان ذلك في حياة المترجَم ، وله في ذلك شعر يوجد في المجلّد الأخير من ديوانه ، وهو قوله :

أتعرف شعري إلى من ضوى

فأضحى على ملكه يحتوي

إلى البدر حُسناً إلى سيّدي

الشريف أبي الحسنِ الموسوي

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٧ / ج ١ / ٢٠٥.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٥.

(٣) راجع معجم الأدباء [١٩ / ٢٧٤] ، تاريخ ابن خلّكان [٦ / ٥٢ رقم ٧٧٥] ، مرآة الجنان [٣ / ٢٦١] ، كشف الظنون [١ / ٧٣٩]. (المؤلف)

(٤) في دائرة المعارف الإسلامية [للشنتناوي : ١ / ١٣٠] : أنّه أسماه النظيف من السخيف. (المؤلف)


إلى من أعوِّذه كلّما

تلقّيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مِسْخاً بشعري السخيفِ

وقد ردّني فيه خَلقاً سوي

تأمّلتُه وهو طوراً يصح

وطوراً بصحّتهِ يلتوي

فميّزَ معوجَّهُ والرديَ

فيه من الجيِّدِ المستوي

وصحّحَ أوزانَهُ بالعروضِ

وقرّرَ فيه حروفَ الروي

وأرشدَهُ لطريقِ السدادِ

فأصلحَ شيطانَ شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناعِ

في نسج ديباجِهِ الخسروي

فأُقسمُ بالله والشيخُ في

اليمينِ على الحِنثِ لا ينطوي

لو أنّ زرادشتَ أصغى له

لأزرى على المنطقِ الفهلوي

وصادف زرعَ كلامي البليغ

فيه شديدَ الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا

وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيا وقلبُ الحسودِ

بالغيظِ من سيّدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا

على النار مطروحةٌ تشتوي

قال الثعالبي (١) : إنّ ديوان شعره لا تنحطُّ قيمته عن ستين ديناراً لتنافسهم في ملحه ووفور رغبتهم فيه ، وقال : وديوان شعره أسْيَرُ في الآفاق من الأمثال ، وأسرى من الخيال ، وذكر في اليتيمة شطراً مهمّا من فنون شعره في (٦٢) صحيفة في الجزء الثالث.

والغالب على شعره الهزل والمجون ، كأنّهما لازِمَا غريزته ، ومطبوعا قريحته ، وخمرتا طينته ، وكان إذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير ، ويأتي بما عنده غير مكترث للسامعين ، فلا يستقبل منهم إلاّ عطفاً وقبولاً ، كما أنّ جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٤٠ ، ٣٦.


خلفاء عصره وملوكه

أدرك ابن الحجّاج جمعاً من خلفاء بني العبّاس وهم :

١ ـ المعتمد على الله ابن المتوكّل : المتوفّى (٢٧٩).

٢ ـ المعتضد بالله أبو العبّاس : المتوفّى (٢٨٩).

٣ ـ المكتفي بالله : المتوفّى (٢٩٥).

٤ ـ المقتدر بالله : المتوفّى (٣٢٠).

٥ ـ الراضي بالله : المتوفّى (٣٢٩).

٦ ـ المستكفي بالله : المتوفّى (٣٣٨).

٧ ـ القاهر بالله : المتوفّى (٣٣٩).

٨ ـ المتّقي لله : المتوفّى (٣٥٨).

٩ ـ المطيع لله : المتوفّى (٣٦٤).

١٠ ـ الطائع لله : المتوفّى (٣٩٣).

وعاصر من ملوك آل بويه من الذين ملكوا العراق :

١ ـ معزّ الدولة فاتح العراق : المتوفّى سنة (٣٥٦).

٢ ـ عزّ الدولة أبا منصور بختيار ابن معزّ الدولة : المقتول (٣٦٧).

٣ ـ عضد الدولة فنا خسرو ابن ركن الدولة : المتوفّى (٣٧٢).

٤ ـ شرف الدولة ابن عضد الدولة : المتوفّى (٣٧٩).

٥ ـ صمصام الدولة ابن عضد الدولة : المقتول (٣٨٨).

٦ ـ بهاء الدولة أبا نصر ابن عضد الدولة : المتوفّى (٤٠٣).

وكان ، كما قال الثعالبي (١) ، على طول عمره يتحكّم على وزراء الوقت ورؤساء

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٦.


العصر ، تحكّم الصبيّ على أهله ، ويعيش في أكنافهم عيشة راضية ، ويستثمر نعمة صافية ضافية.

ويوجد في ديوانه شعر كثير مدحاً ورثاءً وهجاءً في رجالات عصره من الخلفاء والوزراء والأمراء والكتّاب والمثقّفين تربو عدّتهم فيما قرأناه من مجلّدات ديوانه على ستّين ، منهم :

أبو عبد الله هارون ابن المنجِّم

 المتوفّى (٢٨٨)

أبو الفضل عبّاس بن الحسن

 المتوفّى (٢٩٦)

الوزير أبو محمد المهلّبي

 المتوفّى (٣٥٢)

أبو الطيّب المتنبّي الشاعر

 المتوفّى (٣٥٤)

الوزير أبو الفضل بن العميد

 المتوفّى (٣٦٠)

المطيع لله الخليفة العبّاسي

 المتوفّى (٣٦٤)

أبو الفتح بن العميد

 المتوفّى (٣٦٦)

الوزير أبو ريّان خليفة عضد الدولة ببغداد

الوزير أبو طاهر بن بقية

 المتوفّى (٣٦٧)

عزّ الدولة بختيار بن بويه

 المتوفّى (٣٦٧)

عمران بن شاهين

 المتوفّى (٣٦٩)

الأمير أبو تغلب غضنفر

 المتوفّى (٣٦٩)

عضد الدولة فناخسرو

 المتوفّى (٣٧٢)

أبو الفتح بن شاهين

 المتوفّى (٣٧٢)

أبو الفرج بن عمران بن شاهين

 المتوفّى (٣٧٣)

أبو المعالي بن محمد بن عمران

 المتوفّى (٣٧٣)

شرف الدولة بن بويه

 المتوفّى (٣٧٩)

أبو إسحاق إبراهيم الصابي

 المتوفّى (٣٨٤)


القاضي أبو علي التنوخي

 المتوفّى (٣٨٤)

الوزيرالصاحب بن عبّاد

 المتوفّى (٣٨٥)

ابن سكرة العبّاسي الشاعر

 المتوفّى (٣٨٥)

أبو علي محمد بن الحسن الحالتي

 المتوفّى (٣٨٨)

أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف

 المتوفّى (٣٨٨)

الوزير أبو نصر سابور بن أردشير

 المتوفّى (٤١٦)

الوزير أبو منصور محمد المرزبان

 المتوفّى (٤١٦)

أبو أحمد بن حفص ، عارض المترجَم في أمور الحسبة.

الوزير أبو الفرج محمد بن العبّاس بن فَسَانْجِس.

قال الثعالبي في اليتيمة (١) (٣ / ٧٠) : كان الوزير أبو الفرج والوزير أبو الفضل ـ ابن العميد ـ قد خلوا في الديوان لعقوبة أصحاب المهلّبي ـ الوزير أبي محمد الحسن ـ عقب موته ، وأمرا أن تُلوّث ثياب الناس بالنفط إن قربوا من الباب ، وقد كان المهلبي فعل مثل هذا ، فحضر ابن الحجّاج فعجب وخاف النفط فانصرف ، فقال :

الصفعُ بالنفطِ في الثيابِ

ما لم يكن قطُّ في حسابي

ليس يقومُ الوصولُ عندي

مقامَ خيطينِ من ثيابي

يا ربَّ من كان سنَّ هذا

فزده ضعفاً من العذابِ

في قعرِ حمراءَ ليس فيها

غيرُ بني البظر والقحابِ

تفعل في لحمِهِ المهْريّ (٢)

ما يفعلُ الجمرُ بالكبابِ

فالقردُ عندي يجلُّ عمّن

يسنُّ هذا على الكلابِ

أكثر المترجَم من مدائح أهل البيت عليهم‌السلام والنَّيْل من مناوئيهم نظراء مروان بن

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٩١.

(٢) هرى الثوب : صفره أي جعله أصفر [وهرأ اللحم هرءاً : أنضجه]. (المؤلف)


أبي حفصة ، حتى إنّه ربما كان يُنتقد على تشديده الوطء والنكير المحتدم على فظائع القوم ـ أعداء آل الله ـ بلهجةٍ حادّةٍ ، وسبابٍ مُقذعٍ ، غير أنّ ذلك كلّه كان نفثة مصدور ، وأنّة متوجّع من الظلم الواقع على ساداته أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، لا ولعاً منه في البذاء أو وقيعةً في الأعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوى ، ولذلك وقع شعره مقبولاً عند مواليه ـ صلوات الله عليهم ـ وكانوا إذا مرّوا باللغو منه مرّوا كراماً.

حدّث (١) سيّدنا الأجلّ زين الدين عليّ بن عبد الحميد النيلي النجفي (٢)) في كتابه الدرّ النضيد في تعازي الإمام الشهيد : أنّه كان في زمان ابن الحجّاج رجلان صالحان يزدريان بشعره كثيراً ، وهما : محمد بن قارون السيبي وعليّ بن زرزور السورائي ، فرأى الأوّل منهما ليلة في الواقعة كأ نّه أتى إلى روضة الحسين عليه‌السلام وكانت فاطمة الزهراء عليها‌السلام حاضرة هناك ، مسندةً ظهرها إلى ركن الباب الذي هو على يسار الداخل ، وسائر الأئمّة إلى مولانا الصادق عليه‌السلام أيضاً جلوسٌ فى مقابلها في الزاوية بين ضريحي الحسين عليه‌السلام وولده عليّ الأكبر الشهيد ، متحدِّثين بما لا يُفهَم ، ومحمد بن قارون المقدّم قائمٌ بين أيديهم ، قال السورائي : وكنت أنا أيضاً غير بعيد عنهم ، فرأيت ابن الحجّاج مارّا في الحضرة المقدّسة ، فقلت لمحمد بن قارون : ألا تنظر إلى الرجل كيف يمرّ في الحضرة؟ فقال : أنا لا أحبّه حتى أنظر إليه.

قال : فسمعت الزهراء بذلك ، فقالت له مثل المغضبة : أما تحبُّ أبا عبد الله؟ أحبّوه فإنّه من لا يحبّه ليس من شيعتنا. ثمّ خرج الكلام من بين الأئمّة عليهم‌السلام ، بأنّ من لا يحبُّ أبا عبد الله فليس بمؤمن. قال الشيخ محمد بن قارون : ولم أدرِ من قاله منهم ، ثمّ انتبهت فزعاً مرعوباً ممّا فرّطت في حقِّ أبي عبد الله من قبل ذلك.

__________________

(١) نقله عنه بحّاثة الطائفة ميرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء [٢ / ١١] ، وسيّدنا في روضات الجنّات : ص ٣٩ [٣ / ١٦٠ رقم ٢٦٦] ، وشيخنا العلاّمة الحجّة النوري في دار السلام : ١ / ١٤٨ [١ / ٣١٩] ، ونحن نلخّص ما في رياض العلماء. (المؤلف)

(٢) هو الفقيه الأوحد صاحب المقامات والكرامات ، أحد مشايخ العلم ، الحجّة ابن فهد الحلّي : المتوفّى (٨٤١). (المؤلف)


قال : ثمّ نسيت المنام ولم أذكره إلى أن أُتيح لي زيارة السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ فإذا بجماعة في الطريق من أصحابنا يروون شعر ابن الحجّاج فلحقتهم ، فإذا فيهم عليُّ بن زرزور وسلّمت عليه ، وقلت : كنت تنكر رواية شعر ابن الحجّاج وتكرهها ، فما بالك الآن تسمعه وتصغي إلى إنشاده؟ فقال : أُحدّثك بما رأيت فيما يراه النائم ، فقصّ عليَّ بمثل ما رأيته في الطيف حرفيّا وحكيته بما رأيت ، ثمّ اتّفقا على مدح الرجل وإيراد أشعاره ، وبثِّ مآثره ونشر مناقبه.

وأيضاً : إنّ السلطان مسعود بن بابويه (١)) لمّا بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل أعتابها وأحسن الأدب ، وقف أبو عبد الله المترجَم بين يديه وأنشد قصيدته الفائيّة التي ذكرناها ، فلمّا وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف سيّدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه‌السلام فقطع عليه فانقطع ، فلمّا جنّ عليه الليل رأى ابن الحجّاج الإمام عليّا عليه‌السلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك ، فلا تخرج إليه حتى يأتيك. ثمّ رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام حوله جلوسٌ ، فوقف بين أيديهم وسلّم عليهم ، فحسّ منهم عدم إقبالهم عليه ، فعظم ذلك عنده وكبر لديه ، فقال : يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فَبِمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا : بما كسرتَ خاطر شاعرنا أبي عبد الله بن الحجّاج ، فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرِّفه عنايتنا به وشفقتنا عليه ، فقام السيّد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب ، فقال ابن الحجّاج : سيّدي الذي بعثك إليَّ أمرني أن لا أخرج إليك ، وقال : إنّه سيأتيك ، فقال : نعم سمعاً وطاعةً لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ، ومضى به إلى السلطان وقصّا القصّة عليه كما رأياه ، فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة ، وأمر بإنشاد قصيدته.

__________________

(١) كذا في النسخة وأحسبه : عضد الدولة بن بويه. (المؤلف)


ولادته ووفاته :

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاة المترجَم له وأنّه توفّي في جمادى الآخرة سنة (٣٩١) بالنيل ، وهي بلدةٌ على الفرات بين بغداد والكوفة ، وحُمل إلى مشهد الإمام الطاهر ـ الكاظميّة ـ ودُفن فيه ، وكان أوصى أن يُدفَن هناك بحذاء رجلي الإمام عليه‌السلام ويُكتَب على قبره : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (١) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه (٢) (٢ / ٥٦٢) ، وذكر ابن الجوزي منها أبياتاً في المنتظم (٣) (٧ / ٢١٧).

ولم نقف في طيّات الكتب والمعاجم على تاريخ ولادته ، لكنّ الباحث عنها يقطع بأنّ الرجل وُلد في المائة الثالثة وعاش عمراً طويلاً ـ حدود المائة والثلاثين ـ وهناك شواهد قويّة على هذا منها :

١ ـ ما ذكر ابن شهرآشوب في المعالم (٤) من قراءته على ابن الروميّ المتوفّى (٢٨٢).

٢ ـ تولّيه الحسبة قبل الإمام الإصطخري المتوفّى (٣٢٨) كما في تاريخ ابن خلّكان (٥)) ، ومرآة الجنان لليافعي (٦) ، وغيرهما ، قالوا : إنّه تولّى حسبة بغداد وأقام مدّة ، ويُقال : إنّه عزل بأبي سعيد الإصطخري ، وله في عزله أبيات مشهورة. انتهى.

__________________

(١) الكهف : ١٨.

(٢) ديوان الشريف الرضي : ٢ / ٤٤١.

(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٩ رقم ٢٩٧١.

(٤) معالم العلماء : ص ١٤٩.

(٥) وفيات الأعيان : ٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢.

(٦) مرآة الجنان : ٢ / ٤٤٤.


والإصطخري قد تولّى الحسبة بأمر المقتدر بالله سنة (٣٢٠) كما في شذرات الذهب (١) (٢ / ٣١٢) وغيره.

٣ ـ شعره الموجود في ديوانه في هجاء أبي عبد الله هارون بن علي بن أبي منصور المنجِّم المتوفّى (٢٨٨) ، وقال في ديوانه : قاله وهو حدَث السنّ.

٤ ـ قصيدته الموجودة في ديوانه في أبي الفضل عبّاس بن الحسين وزير المكتفي بالله المقتول سنة (٢٩٦).

وقد ذكر كثيراً في شعره المنظوم في أواسط القرن الرابع شيخوخته ، منه أبيات يمدح بها أبا منصور بختيار ابن معزّ الدولة المقتول (٣٦٧) منها :

قلتُ اقبلي رأيي

ورأي الشيخِ محمود موافق

وله في الوزير أبي طاهر بن بقية المتوفّى (٣٦٦) يطلب منه تنجّز جرايته ورزقاً لابنه في ديوان ـ بادويا ـ أبياتٌ منها قوله :

طلبتُ ما يطلبُهُ

مثلي الشيوخُ الفَسَقَه

وأنت لا تجد قطُّ شاعراً يذكر شيخوخته وهرمه في شعره كابن الحجّاج ، كقوله في أبي محمد يحيى بن فهد :

أيّها الشاعرُ الجديدُ الذي

يعبثُ بالشاعر النفيسِ الخليعِ

أنت مثلُ الثوبِ الجديدِ

وشعري مثلُ قبّ الغلالةِ المرقوعِ (٢)

أنا شيخٌ طبيعتي تنثر البَعْر

على كلِّ شاعر مطبوعِ

وقوله فيما كتبه إلى أبي محمد بن فهد المذكور ، وقد ولد للمترجَم مولود :

__________________

(١) شذرات الذهب : ٤ / ١٤٧ حوادث سنة ٣٢٨ ه‍.

(٢) القبّ : ما يدخل في جيب القميص من الرقاع. الغلالة : شعار يلبس تحت الثوب. (المؤلف)


قولوا ليحيى بن فهد يا من

جُعِلتُ ممّا يخشى فداهُ

أليس قد جاءني غلامٌ

يجلبُ بالحسن من رآهُ

كالشمسِ والشمسُ في ضحاها

والبدرِ والبدرُ في دجاهُ

يفتنني ريُّه ويحنو

في المهدِ قلبي على خُصاهُ

كأنّني مع وفورِ نسلي

لم أرَ من قبلِهِ سواهُ

ومن قصيدة ذات (١٢٩) بيتاً في الوزير أبي نصر التي أوّلها :

يا عاذلي كيف أصنعْ

وليس في الصبر مطمعْ

قوله :

خذها إليك عروساً

لها من الحسن برقعْ

ألأذن لا العينُ منها

بحسنها تتمتّعْ

خطيبُها فيكَ شيخٌ

مهملَجُ الفكرِ مصقعْ

ويمدح عضد الدولة فنا خسرو المتوفّى (٣٧٢) بقصيدة ذات (٤١) بيتاً ، ويذكر فيها شيبه وهرمه ، والباحث جِدُّ عليم بأنّه من المعمّرين وليد القرن الثالث مهما وقف على قوله في إحدى مقطوعاته :

وقائلة تعيش

مظلوماً بسيفِ (١)

فقلتُ لها أباكي ذاك حزني

على مائة فُجِعتُ بها ونيفِ

فبعد ذلك كلّه لا يبقى وزنٌ في تضعيف ابن كثير في تاريخه (١١ / ٣٢٩) قول ابن خلّكان بأنّه عُزِل عن حسبة بغداد بأبي سعيد الإصطخري المتوفّى (٣٢٨) ، كما لا يبعد عندئذٍ ما في المعالم من تلمّذه على ابن الرومي المتوفّى (٢٨٣) ؛ إذ تلمّذه عليه إنّما كان

__________________

(١) كذا وجدناه في ديوانه وفيه سقط. (المؤلف)


في الأدب في الآليات ، ومن الممكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغ الحلم أيضاً ، كتلمّذ الشريف الرضيّ على أستاذه السيرافي وله دون العشر من عمره كما يأتي في ترجمته.

مصادر ترجمة ابن الحجّاج (١)

يتيمة الدهر (٣ / ٢٥)

 تاريخ الخطيب (٨ / ١٤)

معجم الأدباء (٤ / ٦)

تاريخ ابن خلّكان (١ / ١٧٠)

معالم العلماء (ص ١٣٦)

 الكامل لابن الأثير (٩ / ٦٣)

المنتظم لابن الجوزي (٧ / ٢١٦)

 تاريخ ابن كثير (١ / ٣٢٩)

تاريخ أبي الفداء (٣ / ٢٤٢)

 مرآة الجنان (٢ / ٤٤٤)

معاهد التنصيص (٢ / ٦٢)

 مجالس المؤمنين (ص ٤٥٩)

شذرات الذهب (٣ / ١٣٦)

إيضاح المقاصد للبهائي ، مخطوط

كشف الظنون (١ / ٤٩٨)

رياض العلماء للميرزا عبد الله ، مخطوط

أمل الآمل للشيخ الحُرّ

رياض الجنّة للسيّد الزنوزي ، مخطوط

روضات الجنّات (ص ٢٣٩)

 نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر ، مخطوط

سفينة البحار (١ / ٢٢٥)

 تتميم الأمل لابن أبي شبانة ، مخطوط

الشيعة وفنون الإسلام (ص ١٠٦)

تنقيح المقال (١ / ٣١٨)

دائرة المعارف الإسلاميّة (١ / ١٣٠)

 أعلام الزركلي (١ / ٢٤٥)

دائرة المعارف للبستاني (١ / ٤٣٩)

 دائرة المعارف لفريد وجدي (٦ / ١٢)

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٥ ، معجم الأدباء : ٩ / ٢٠٦ ، وفيات الأعيان : ٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢ ، معالم العلماء : ص ١٤٩ ، الكامل في التاريخ : ٥ / ٥٤٩ حوادث سنة ٣٩١ ه‍ ، المنتظم : ١٥ / ٢٨ رقم ٢٩٧١ ، البداية والنهاية : ١١ / ٣٧٨ حوادث سنة ٣٩١ ه‍ ، معاهد التنصيص : ٣ / ١٨٨ رقم ١٥٩ ، مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٤٤ ، شذرات الذهب : ٤ / ٤٨٧ حوادث سنة ٣٩١ ه‍ ، كشف الظنون : ١ / ٧٦٥ ، رياض العلماء : ٢ / ١١ ، أمل الآمل : ٢ / ٨٨ رقم ٢٣٦ ، روضات الجنّات : ٣ / ١٥٨ رقم ٢٦٦ ، نسمة السحر : مج ٧ / ج ١ / ٢٠٥ ، سفينة البحار : ٢ / ٩١ ـ ٩٢ ، الشيعة وفنون الإسلام : ص ١٣٩ ، الأعلام : ٢ / ٢٣١.



ـ ٢٨ ـ

أبو العبّاس الضبّي

المتوفّى (٣٩٨)

لعليٍّ الطهرِ الشهيرِ

مجدٌ أناف على ثَبيرِ

صنوُ النبيِّ محمدٍ

ووصيُّهِ يومَ الغديرِ

وحليلُ فاطمةٍ ووا

لدُ شبّرٍ وأبو شبيرِ (١)

ما يتبع الشعر

ثَبير : ـ بفتح المثلّثة ثمّ الموحّدة المكسورة ـ من أعظم جبال مكّة بينها وبين عرفة ، سُمّي باسم رجل من هُذيل مات في ذلك الجبل. أخرج أبو نعيم في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين (٢) ، والنطنزي في الخصائص العلويّة عن شعبة بن الحكم ، عن ابن عبّاس قال : أخذ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن بمكّة بيدي وبيد عليّ فصعد بنا إلى ثبير ، ثمّ صلّى بنا أربع ركعات ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فقال :

«اللهمّ إنّ موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيّك أسألك أن تشرح لي صدري ، وتيسِّر لي أمري ، وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيراً

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٥٠ طبع إيران [٣ / ٧١ طبع بيروت]. (المؤلف)

(٢) ما نزل من القرآن في عليّ : ص ١٣٨ ح ٣٧.


من أهلي عليّ بن أبي طالب أخي ، اشدد به أزري وأشركه في أمري».

قال ابن عبّاس : فسمعت منادياً ينادي : يا أحمد قد أُوتيتَ ما سألت.

الشاعر

الكافي الأوحد أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الضبّي ـ نسبة إلى ضبّة ـ الوزير الملقّب بالرئيس ، أحد من ملك أزمّة السياسة والأدب بعد الصاحب بن عبّاد ، وكان من ندمانه واختصَّ بالزلفة منه والتأدّب بآدابه ، والحظوة بقرباه ، حتى عاد منار الفضل والأدب ومفزع روّادهما ، وممّن يُشار إليه ويُنصُّ عليه ، لم يفتأ كذلك حتى قضى الصاحب نحبه سنة (٣٨٥) ، فخلفه على الوزارة لمّا استوزره فخر الدولة البويهي ، وضمَّ إليه أبا عليّ الملقّب بالجليل ، وفي ذلك قال بعض ولد المنجِّم.

والله والله لا أفلحتمُ أبداً

بعد الوزير ابن عبّاد بن عبّاس

إن جاء منكم جليلٌ فاقطعوا أجلي

أو جاء منكم رئيسٌ فاقطعوا راسي

فالمترجَم كانت تحطُّ بفنائه الرحال ، وتنال منه الآمال ، وتفد إليه القوافي من كلّ حدب ، ويسير شعره مع الركبان ، وكان نعم الخليفة لسلفه الصاحب ، والموئل الفذّ لما كانت له من مراتب ، وله في جامع أصبهان خانكات مرتفعة ، وخانات عامرة متّسعة ، قد وُقِفَت لأبناء السبيل ، وبحذائه دار الكتب وحجرها وخزانتها وقد بناهنَّ ونضد فيها من الكتب عيوناً ، وخلّدها من العلوم فنوناً ، يشتمل فهرستها على ثلاث مجلّدات كبيرة كما في محاسن أصبهان (ص ٨٥) ، وكتب التراجم (٣) تطفح بالثناء عليه ، ولشعراء عصره قصائد رنّانة في مدحه ، ومنهم :

__________________

(٣) راجع : يتيمة الدهر : ٣ / ٢٦٠ [٣ / ٣٣٩] ، معجم الأدباء : ١ / ٦٥ [٢ / ١٠٥] ، كامل ابن الأثير : ٩ / ٧٣ [٥ / ٥٧٧ حوادث سنة ٣٩٨ ه‍] ، معالم العلماء لابن شهرآشوب [ص ١٤٨] ، ديوان مهيار : ٤ / ٢٩ ، أعيان الشيعة : ٨ / ٧٧ [٢ / ٤٦٩] ، دائرة المعارف للبستاني : ١١ / ١٢٠. (المؤلف)


١ ـ أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمي ، له قصيدة في إطرائه ، منها :

زمانٌ جديدٌ وعيدٌ سعيدُ

ووقتٌ حميدٌ فما ذا تريدُ

وأحسنُ من ذاك وجهُ الرئي

ـسِ وقد طلعتْ من سناهُ السعودُ

وكم حلّةٍ خطّها قد غدتْ

على بُردِ آلِ يزيدٍ تزيدُ

٢ ـ أبو الحسن عليُّ بن أحمد الجوهريّ الجرجاني ـ السابق ذكره ، له قصائد في المترجَم له ، منها قصيدةٌ في ميلاده وتحويل سنِّه ، ذكرها الثعالبي في اليتيمة (١) (٤ / ٣٨) ، منها :

يومٌ تبرّجتِ العُلى

فيه ومزّقتِ الحُجُبْ

يومٌ أتاه المشتري

بشهابِ سعدٍ ملتهبْ

بسلالةِ المجدِ الفصيحِ

وصفوةِ المجدِ الزرِبْ

ملكٌ إذا ادّرع العلى

فالدهر مسلوبُ السلَبْ

وإذا تنمّر في الخطو

ب فيا لنارٍ في حطبْ

وإذا تبسّم للندى

مطرتْ سحائبُهُ الذهبْ

ياغُرّةَ الحسبِ الكري

ـمِ وأين مثلُكَ في الحسبْ

هذا صباحٌ حُلّيت

بسعودهِ عَطَلُ الحقبْ

ميلادُكَ الميمونُ في

ـه وهو ميلادُ الأدبْ

عرِّج عليه بمجلسٍ

ريّانَ من ماءِ العنبْ

واضرب عليه سُرادقاً

للأُنس ممتدُّ الطنبْ

٣ ـ مهيار الديلمي ـ أحد شعراء الغدير الآتي ذكره ـ مدح المترجَم بقصائد منها ميميّة (٦٥) بيتاً ، توجد في ديوانه (٣ / ٣٤٤) ، أوّلها :

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٤٤.


أجيرانَنا بالغورِ والركبُ متهمُ

أيعلمُ خالٍ كيف باتَ المتيّمُ

رحلتمْ وعمرُ الليلِ فينا وفيكمُ

سواءٌ ولكن ساهرون ونوّمُ

ومنها بائيّة (٤٥) بيتاً في ديوانه (١ / ١٥) ، مطلعها :

شفى الله نفساً لا تذلُّ لمطلبِ

وصبراً متى يسمعْ به الدهرُ يُعجَبِ

وداليّة (٦١) بيتاً في ديوانه (١ / ٢٣٠) ، أوّلها :

إذا صاح وفدُ السحبِ بالريحِ أو حدا

وراح بها ملأى ثقالاً أو اغتدى

وبائيّة (٣٧) بيتاً في ديوانه (١ / ١٢) ، مستهلّها :

دواعي الهوى لك أن لا تجيبا

هجرْنا تُقىً ما وصلْنا ذنوبا

وعينيّة (٤٠) بيتاً في ديوانه (٢ / ١٧٩) ، مطلعها :

على أيِّ لائمةٍ أربعُ

وفي أيِّما سلوةٍ أطمعُ

وقد أخذَ العهدَ يومَ الرحيلِ

أماميَ والعهدُ مستودعُ

ذولاميّة (٥٢) بيتاً في ديوانه (٣ / ١٨) مستهلّها :

اليوم أُنجِزَ ماطلُ الآمالِ

فأتتك طائعةً من الإقبالِ

وقصيدة (٦٩) بيتاً توجد في ديوانه (٤ / ٣٠) نظمها سنة (٣٩٢) ، أوّلها :

قالوا عساك مرجِّمٌ فتبيّنِ

هيهاتَ ليس بناظري إن غرّني

هي تلك دارُهمُ وذلك ماؤهمْ

فاحبسْ وردْ وشرقتَ إن لم تسقِني

ولقد أكادُ أضلُّ لولا عنبرٌ

في التربِ من أرَجِ الحبائبِ دلَّني

فَتَقوا به أنفاسَهنّ لطائماً (١)

وظعنَّ وهي مع الثرى لم تظعنِ

__________________

(١) لطائم جمع لطيمة : وهي نافجة المسك. (المؤلف)


يا منزلاً لعبتْ به أيدي الصَّبا

لعبَ الشكوك وقد بدتْ بتيقّني

إمّا تناشدني العهودَ فإنّها

حُفِظتْ فكانت بئسَ ذخرُ المقتني

سكنتْكَ بعدَهمُ الوحوشُ تشبّهاً

بهمُ وليتَكَ آنفاً لم تُسكَنِ

لعيونهنَّ علامةٌ سحريّةٌ

عندي فما بالُ الظباءِ تغشّني

ويقول فيها :

حاشا طلابي أن أَعُمَّ به وقد

خُصّ السماحُ بموضعٍ مُتعيّنِ

يا حظُّ قم فاهتف بناحية الغنى

في الريِّ وارحم كدّ من لم يفطنِ

وأعن على إدراكها فبمثلِها

فرّقتُ بين موفَّق ومحيَّنِ

لمن الخليطُ مشرِّقٌ وضمانُهُ

رزقٌ لنا في غيره لم يُؤذنِ

اشتقتُ يا سُفنَ الفلاةِ فأبلغي

وطربت يا حادي الركابِ فغنِّني

وانهض فرحِّل يا غلامُ مذلِّلاً (١)

تتوعّر البيداء منه بمُدمنِ

يرضى بشمّ العُشب إمّا فاته

والسيرُ يأكلُ منه أكلَ الممعنِ

مرح الزمام يكاد يصعبُ ظهرُه

فتصيحُ فاغرةُ الرحال به لِنِ

الرزق والإنصاف قد فُقدا فلُذْ

بالريّ واستخرجهما من معدنِ

وإلى أبي العبّاس حافظِ ملكِها

سَهُلَ الأشدُّ ولانَ خُبْثُ الأخشَنِ

٤ ـ أبو الفيّاض سعد بن أحمد الطبري ، له قصيدة في مدح أبي العبّاس منها :

وإنّي وأقوافُ القريضِ أحوكُها

لِأَشعرَ من حاكَ القريض وأقدرا

كما تُضربُ الأمثالُ وهي كثيرةٌ

بمستبضِعٍ تمراً إلى أهلِ خيبرا

ولكنّني أمّلتُ عندك مطلباً

أُنكّبه عمّن ورائي من الورى

ألم ترَ أنّ ابنَ الأميرِ أجارني

ولم يرضَ من إدرائِهِ لي سوى الذرى

__________________

(١) المذلِّل : الجمل يذلِّل الطريق ويعبّدها. (المؤلف)


٥ ـ صاعد بن محمد الجرجاني ، كتب إلى المترجَم له بقوله :

ولو أنّني حسبَ اشتياقي ومنيتي

منحتُكَ شيئاً لم يكن غيرَ مقلتي

ولكنّني أُهدي على قدرِ طاقتي

وأحملُ ديواناً بخطِّ ابن مقلةِ

٦ ـ أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عليّ بن الحريش الأصبهاني ، قال في المترجَم من قصيدةٍ كبيرةٍ :

بنفسي وأهلي شِعْب وادٍ تحلُّهُ

ودهر مضى لم يُجدِ إلاّ أقلُّهُ

وعطفة صدغٍ يهتدي فوق خدِّه

ويضربُهُ روحُ الصبا فيضلُّهُ

وطيب عناقي منه بدراً أضمُّه

إليَّ وأهوى لثمه فأُجلُّهُ

وقفنا معاً واللّوم يصفقُ رعدُهُ

ومنّا سحابُ الدمعِ يسجمُ وبلُهُ

ترقُّ على ديباجتيه دموعُهُ

كما غازلَ الوردَ المضرّجَ طلُّهُ

وينأى رقيبٌ عن مقامِ وداعنا

وتبلغُهُ أنفاسُنا فتذلُّهُ

يقلقلني عتبُ الحبيب وعذرُهُ

ويقلقُني جدُّ الرقيب وهزلُهُ

وكيف أقي قلبي مواقعَ رميِهِ

ولست أرى من أين ينثالُ نبلُهُ

يُولّي وبالأحداقِ تُفرَشُ أرضُهُ

ويفدى وبالأفواه ترشف رجلُهُ (١)

وبعد ردحٍ من تقلّده الوزارة كما وصفناه ، اتّهمته أمُّ مجد الدولة بأنّه سمَّ أخاه ، فطلبت منه مائتي ألف دينار لينفقها في مأتم أخيه فأبى عليها ذلك ، فهرب عنها سنة (٣٩٢) إلى بروجرد وهي من أعمال بدر بن حسنويه (٢) ، فبذل بعد ذلك مائتي ألف

__________________

(١) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ١٣٥.

(٢) من أمراء الجبل ، لقّبه القادر بناصر الدولة وعقد له لواءً ، وكان يبرّ العلماء والزهّاد والأيتام ، وكان يتصدّق كلَّ جمعة بعشرة آلاف درهم ، ويصرف إلى الأساكفة والحذّائين بين همَدان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاجّ الأحذية ثلاثة آلاف دينار ، ويصرف إلى أكفان الموتى كلّ شهر عشرين ألف درهم ، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء ، وكان ينقل للحرمين


دينار ليعود إلى عمله فلم يقبل منه ، ولم يبرح بها حتى مات سنة (٣٩٨).

وقيل : إنّ أبا بكر بن رافع ـ أحد قوّاد فخر الدولة ـ واطأ أحد غلمانه فسقاه سمّا ، وأرسل ابنه تابوته إلى بغداد مع أحد حجّابه ، وكتب إلى أبي بكر الخوارزمي يعرّفه أنّه وصّى بدفنه في مشهد الحسين عليه‌السلام بكربلاء المشرَّفة ، ويسأله القيام بأمره وابتياع تربة بخمسمائة دينار ، فقيل للشريف أبي أحمد ـ والد السيّدين علم الهدى والشريف الرضي ـ أن يبيعه موضع قبره بخمسمائة دينار ، فقال : هذا رجل التجأ إلى جوار جدّي فلا آخذ لتربته ثمناً. وكتب نفسه الموضع الذي طُلب منه ، وأخرج التابوت إلى براثا ، وخرج الطاهر أبو أحمد ومعه الأشراف والفقهاء وصلّى عليه ، وأصحبه خمسين رجلاً من رجاله حتى أوصلوه ودفنوه هناك (١).

ورثاه مهيار الديلمي ـ الآتي ذكره ـ بقصيدة (٥٩) بيتاً ، ويعزّي ابنه سعداً وأنفذها إلى الدينَوَر ، توجد في ديوانه (٣ / ٢٧) أوّلها :

ما للدسوتِ وللسروجِ تسائلُ

من قائمٌ عنهنّ أو من نازلُ

لِمَ سُدّ بابُ الملكِ وهو مواكبٌ

وخلتْ مجالسُهُ وهنّ محافلُ

ما للجياد صوافناً وصوامتاً

نُكساً وهنَّ سوابقٌ وصواهلُ (٢)

من قطّر الشجعانَ عن صهواتِها

وهمُ بها تحتَ الرماحِ أجادلُ (٣)

ما للسماء عليلةٌ أنوارُها

لمَن السماءُ من الكواكب ثاكلُ

من لجلج الناعي يحدِّث أنّه

أودى فقيل أقائلٌ أم قاتلُ

المجدُ في جدَثٍ ثوى أم كوكبُ ال

ـدنيا هوى أم ركنُ ضبَّةَ مائلُ

__________________

كلّ سنة مصالح الطريق مائة ألف دينار ، ثمّ يرتفع إلى خزائنه بعد المؤن والصدقات عشرون ألف ألف درهم. شذرات الذهب : ٣ / ١٧٣ [٥ / ٢٩ حوادث سنة ٤٠٥ ه‍]. (المؤلف)

(١) معجم الأدباء : ١ / ٦٥ [٢ / ١٠٩]. (المؤلف)

(٢) الصوافن من الخيل : الواقفة على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. (المؤلف)

(٣) قطّر : ألقى. أجادل : جمع أجدل ، وهو الصقر. (المؤلف)


ما كنتُ فيهِ خائفاً أنّ الردى

من عزَّ جانبُهُ إليه واصلُ

أَدَرَى الحِمام بمَن ـ وأُقسم ما درى ـ

تلتفُّ كُفّاتٌ له وحبائلُ (١)

خطبٌ أخلَّ الدهرُ فيه بعقله

والدهرُ في بعض المواطن جاهلُ

يا غيثُ أرضِ الأرض سَقياً واحتبي

بالروض يشكره المحلّ الماحلُ

ينهلُّ منحلّ المزادة موثقاً (٢)

أنّ الثرى الظمآنَ منه ناهلُ

يسمُ الصخورَ كأنّ كلّ مجودةٍ

لحظَ العليقَ بها حصانٌ ناعلُ (٣)

تمريه غبراءُ الإهاب كأنّما

قادت خزائمَها النعامُ الجافلُ (٤)

حلفت لأفواهِ الرُّبى أخلافُها

أَيمانَ صدقٍ إنّهنّ حَوافلُ (٥)

وَلِيت سيوفُ البرقِ قطعَ عروقِها

فبكلّ فجٍّ شاريانٌ سائلُ (٦)

أبلغ أبا العبّاسِ أنّك فاحصٌ

حتى تبلَّ جوى ثراهُ فواغلُ (٧)

مُني وأطباقُ الصعيدِ حجابُهُ

عنّي فكيف تخاطبٌ وتراسلُ

سعدتْ جنادلُ أَلحفتْكَ على البلى

لا مثل ما شقِيتْ عليك جنادلُ

أبكيك لي ولمرملينَ بنوهمُ ال

أيتامُ بعدك والنساءُ أراملُ (٨)

ولمستجيرٍ والخطوبُ تنوشُهُ

مُستطعمٌ والدهرُ فيهِ آكلُ

مُتلوِّمُ العزماتِ لا هو قاطنٌ

في دارِه قفراً ولا هو راحلُ (٩)

أودى به التطوافُ ينشُدُ ناصراً

فيضلُّ أن يلقاه إلاّ خاذلُ

__________________

(١) الكُفّات جمع كُفّة ـ بضم الكاف ـ : وهي الحبالة. (المؤلف) (٢) في الديوان : موقناً.

(٣) المجودة : الأرض جادها المطر. (المؤلف)

(٤) تمريه : تدرّ عليه. غبراء الإهاب : السحابة السوداء. (المؤلف)

(٥) أخلاف جمع خلف : وهو حلمة الضرع. حوافل : ممتلئة. (المؤلف)

(٦) شاريان : واحد الشرايين وهي العروق الرفيعة ، والمشهور في هذه الكلمة : شريان.

(٧) الواغل : الداخل المتغلغل في الشيء. (المؤلف)

(٨) المرمل : الذي نفد زاده ، وأصله من الرمل ، كأنّهم لصقوا بالرمل.

(٩) المتلوّم : المنتظر. (المؤلف)


حتى إذا الإقبال منك دنا به

أنساهُ عندك عامُ بؤسٍ قابلُ

ولمعشرٍ طَرْقُ العلومِ ذنوبُهمْ

في الناس وهي لهم إليك وسائلُ

كانوا عن الطلبِ الذليلِ بمعزلٍ

ثقةً وأنت بما كفاهمْ كافلُ

قطع الجدا بهمُ وقد قطع الردى

بك أن يُظنَّ تزاورٌ وتواصلُ

وعصائبٌ هي إن ركبتَ مواكبٌ

تَسَعُ العيونَ وإن غضبتَ جحافلُ

تفري بأذرعِها الكعوبُ كأنّما

تحت الرماحِ على الرماحِ عواملُ (١)

لو كان في ثُعَلٍ بموتك ثأرُها

ما عاش من ثُعَلٍ عليك مُناضلُ (٢)

نكروا حلومَك والمنونُ تسوقُها

حقّا وأنت مدافعٌ متثاقلُ

قعد البعيدُ وقام عنك متاركاً

ما جاء يقنُصكَ القريبُ الواصلُ

ولَجَ الحِمامُ إليك باباً ما شكا

غيرَ الزحام عليك فيه داخلُ

مستبشراً بالوفد لم يُجْبَهْ به

ردٌّ ولم يُنهر عليه سائلُ

لم يغنِكَ الكرمُ العتيدُ ولا حمى

عنك السماحُ ولا كفاك النائلُ

كنت الذي مُرُّ الزمان وحلوُهُ

فيمن يُصابر عيشه ويُعاسلُ

فغدوتَ مالكَ في عدوِّك حيلةٌ

تُغني ولا لكَ من صديقِكَ طائلُ

والموتُ أجورُ حاكمٍ وكأنّه

في الناس قسماً بالسويّة عادلُ

لا اغترَّ بعدكَ بالحياة مجرِّبٌ

عرَفَ الحقوقَ فلم يرُقْه الباطلُ

يا ثاوياً لم تقضِ حقّ مصابِهِ

كبدٌ محرَّقةٌ وجفنٌ هاملُ

أفديكَ لو أنّ الردى بك قابلٌ

من مهجتي وذويَّ ها أنا باذلُ

ما بالُ أوقاتي بفقدِك هَجَّرتْ

ولقد تكون لديك وهي أصائلُ (٣)

__________________

(١) تفري ـ من الفري ـ : الشقّ. كعوب جمع كعب : العقدة. عوامل جمع عامل : وهو صدر الرمح الذي يلي السنان. (المؤلف)

(٢) ثُعَل : قبيلة مشهورة بالرمي. (المؤلف)

(٣) هجَّرت : من الهجير ، وهو وقت اشتداد الحرّ.


قد كنتُ ملتحفاً بمدحِك حلّةً

فخراً تجرُّ لها عليَّ ذلاذلُ (١)

ويقول فيها :

لا تحسبنَّ ، وسعدٌ ابنُكَ طالعٌ

يحتلُّ برجَك ، إنّ سعدَك آفلُ

ما أنكر الزوّار بعدك وجهَهُ

في البدرِ من شمسِ النهارِ مخايلُ

أجمل له يا سعدُ واحمل وزرَهُ (٢)

ما طالَ باعٌ أو أطاعَكَ كاهلُ

وأنا الذي يرضيك فيه باكياً

ويسرُّه بك في الذي هو قائلُ

ولشاعرنا أبي العبّاس الضبّي شعرٌ رقيقٌ ونظمٌ جيّدٌ ، ومنه قوله :

ترفّق أيّها المولى بعبدٍ

فقد فتنتْ لواحظُك النفوسا

وأسكرتَ العقولَ فليس ندري

أسحراً ما تُسقّي أم كؤوسا

وله قوله وهو ممّا يُتغنّى به :

ألا ياليتَ شعري ما مرادُك

فقلبي قد أضرَّ به بِعادُك

وأيُّ محاسنٍ لك قد سباني

جمالُك أم كمالُك أم ودادُك

وأيُّ ثلاثةٍ أوفى سواداً

أخالُكَ أم عذارُك أم فؤادُك

وله قوله :

قلتُ لمن أحضرني زهرةً

ومجلسي بالأُنُسِ بسّامُ

وقرّة العينين نيلُ المُنى

عندي ولا سامٌ ولا حامُ

تجنّبِ النمّامَ لا تَجنِهِ

فإنّما النمّامُ نمّامُ

أخشى علينا العينَ من أعينٍ

يبعثُها بالسوء أقوامُ

__________________

(١) الذلاذل : أسافل القميص الطويل. (المؤلف)

(٢) الوزر : الحمل الثقيل. (المؤلف)


وله قوله :

لا تركننَّ إلى الفراقِ

فإنّه مرُّ المذاقِ

الشمسُ عند غروبها

تصفرُّ من فَرَقِ الفراقِ

وممّا كتب إلى الوزير الصاحب بن عبّاد قوله :

أكافي كفاةِ الأرضِ ملكُكَ خالدٌ

وعزُّك موصولٌ فأعظمْ بها نعمى

نثرتَ على القرطاس درّا مبدّداً

وآخرَ نظماً قد فرعت به النجما

جواهر لو كانت جواهرَ نُظِّمتْ

ولكنّها الأعراض لا تقبلُ النظما

وله في الثريّا :

خلتُ الثريّا إذ بدتْ

طالعةً في الحندسِ (١)

سنبلةً من لؤلؤٍ

أو باقةً من نرجسِ

وقوله فيها :

إذ الثريّا اعترضت

عند طلوعِ الفجرِ

حسِبتُها لامعةً

سنبلةً من دُرِّ

وقوله في قصر الليل :

وليلةٍ أقصرُ من

فكريَ في مقدارِها

بدت لعيني وانجلتْ

عذراءَ من قرارها

وقوله في طول الليل :

رُبَّ ليلٍ سهرتُهُ

مُفكراً في امتدادِه

__________________

(١) الحندس : الظلام. (المؤلف)


كلّما زدتُ رعيَه

زادني من سوادِه

فتبيّنتُ أنّه

تائهٌ في رقادِه

أو تفانت نجومُه

فبدا في حِدادِه

وخلف المترجَم له على مجده وفضله ولده أبوالقاسم سعد بن أحمد الضبّي ، تبع والده لمّا هرب إلى بروجرد ، وتوفّي بها بعد والده بشهور ، ولمهيار الديلمي في مدحه عدّة قصائد منها قصيدة (٤٥) بيتاً أنشدها إيّاه وهو مقيم ببروجرد ، أوّلها :

ذكرتُ وما وفاي بحيثُ أنسى

بدجلةَ كم صباحٍ لي وممسى

وأخرى (٤٥) بيتاً ، مستهلّها :

أشاقكَ من حسناءَ وهناً طروقُها

نعم كلُّ حاجات النفوس يشوقُها

ونونيّةٌ (٤٤) بيتاً في ديوانه (٤ / ٥١) ، مطلعها :

ما أنتِ بعد البين من أوطاني

دارَ الهوى والدارُ بالجيرانِ

ويقول فيها :

كثرَ الحديثُ عن الكرامِ وكلُّ من

جرّبتُ ألفاظٌ بغير معاني

إلاّ بسعدٍ من تنبّه للعلى

هيهاتَ نُوّمُهمْ من اليقظانِ

مهلاً بني الحسدِ الدخيلِ فإنّها

لا تُدرَكُ العلياءُ بالأضغانِ

سعدُ بن أحمد أبيضٌ من أبيضٍ

في المجدِ فانتسبوا بني الألوانِ

بين الجبالِ الصُّمِّ بحرٌ ثامنٌ

يحوي جلامدَها وبدرٌ ثاني

من معشرٍ سبقوا إلى حاجاتِهمْ

شوطَ الرياحِ وقد جرتْ لرهانِ

قومٌ إذا وزروا الملوكَ برأيِهمْ

أمرتْ عمائمُهمْ على التيجانِ

ضربوا بمدرجةِ السبيلِ قِبابَهم

يتقارعونَ بها على الضيفانِ


ويكاد موقدُهمْ يجود بنفسِهِ

حبَّ القِرى حطباً على النيرانِ

أبناءُ ضبّةَ واسعون وفي الوغى

يتضايقون تضايقَ الأسنانِ

يا راكباً زُهرُ الكواكبِ قصدُهُ

قرِّب لعلّكَ عندها تلقاني

قف نادِ يا سعدَ الملوكِ رسالةً

من عبدِكَ القاصي بحبٍّ داني

غالطتُ شوقي فيك قبلَ لقائنا

والقربُ ظنٌّ والمزارُ أماني

حتى إذا ما الوصل أطفأ غُلّتي

بك كان أعطشَ لي من الهجرانِ

ولرُبَّ وجدِ تواصُفٍ ناهضتُه

وضعفتُ لمّا صارَ وجدَ عيانِ

ولقد عكستَ عليَّ ذاك لأنّني

كنتُ الحبيبَ إليك قبلَ تراني

ومن العجائبِ والزمانُ ملوّنٌ

أنّ الدنوَّ هو الذي أقصاني



ـ ٢٩ ـ

أبو الرقعمق الأنطاكي (١)

المتوفّى (٣٩٩)

كتب الحصيرُ إلى السريرِ

أنّ الفصيلَ ابنُ البعيرِ

فلمثلها طرب الأم

ـير إلى طباهجة بقيرِ (٢)

فلأمنعنَّ حمارتي

سنتين من علفِ الشعيرِ

لاهُمَّ إلاّ أن تط

ـيرَ من الهزالِ مع الطيورِ

فلأخبرنّك قصّتي

فلقد وقعتَ على الخبيرِ

إنّ الذين تصافعوا

بالقرعِ في زمنِ القشورِ

أسفوا عليَّ لأنّهمْ

حضروا ولم أكُ في الحضورِ

لو كنتُ ثَمَّ لقيلَ هل

من آخذٍ بيدِ الضريرِ

ولقد دخلتُ على الصدي

ـقِ البيتَ في اليوم المطيرِ

متشمِّراً متبختراً

للصفع بالدلوِ الكبيرِ

فأدرتُ حين تبادروا

دلوي فكانَ على المديرِ

يا للرجالِ تصافعوا

فالصفعُ مفتاحُ السرورِ

لا تغفلوهُ فإنّه

يستلُّ أحقادَ الصدورِ

__________________

(١) نسبة إلى أنطاكيّة مدينة شهيرة بينها وبين حلب يوم وليلة [معجم البلدان : ١ / ٢٦٧]. (المؤلف)

(٢) الطباهجة : اللحم المشرّح [بقير : مقطّع ومشقّق]. (المؤلف)


هو في المجالسِ كالبخو

ر فلا تملّوا من بخورِ

ولأذكرنَّ إذا ذكرتُ

أحبّتي وقتَ السحورِ

ولأحزنَنَّ لأنّهم

لمّا دنا نضجُ القدورِ

رحلوا وقد خبزوا الفطي

ـرَ ففاتهم أكلُ الفطيرِ

ما للإمامِ أبي عليٍ

في البريّةِ من نظيرِ (١)

الشاعر

أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي نزيل مصر المعروف بأبي الرقعمق ، أحدالشعراء المشاهير المتصرِّفين في فنون الشعر ، وله شوطه البعيد في أساليب البيان غير أنّه ربما خلط الجدّ بالهزل. نشأ بالشام ثمّ رحل إلى مصر وأخذ فيها شهرة طائلة ومكانة من الأدب عظيمة ، ومدح ملوكها وزعماءها ورؤساءها ، وممّن مدح : المعزّ أبو تميم معدّ بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله ، وابنه زفر عزيز مصر ، والحاكم ابن العزيز ، وجوهر القائد ، والوزير أبو الفرج يعقوب بن كلس ونظراؤهم ، وصادف فيها جماعة من أهل ا لهزل والمجون فأوغل فيهما كلّ الإيغال حتى نبز بأبي الرقعمق ، وقد يقال : إنّه هو الذي سمّى نفسه بذلك ، وقد أعلن في شعره أنّه حليف الرقاعة ، بقوله :

أستغفر الله من عقلٍ نطقتُ به

ما لي وللعقل ليس العقل من شاني

لا والذي دون هذا الخلق صيّرني

أحدوثةً وبحبِّ الحمق أغراني

والبيتان من قصيدة له سجّل بها ليل تِنِّيس (٢) وهي مدينةٌ مصريّة كان بها في

__________________

(١) يتيمة الدهر : ١ / ٢٨٤ [١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٦]. (المؤلف)

(٢) تنّيس : بكسرتين وتشديد النون وياء ساكنة وسين مهملة. (المؤلف)


بعض العهود خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث ، ومطلع القصيدة :

ليلي بتنِّيسَ ليلُ الخائفِ العاني

تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني

وينمُّ عن توغّله في المجون قوله من قصيدة :

كفّي ملامَكِ ياذاتَ الملاماتِ

فما أريد بديلاً بالرقاعاتِ

كأ نّني وجنودُ الصقعِ تتبعني

وقد تلوتُ مزاميرَ الرطاناتِ

قِسّيسُ ديرٍ تلا مزمارَهُ سحراً

على القسوسِ بترجيعٍ ورنّاتِ

وقد مجنتُ وعلّمتُ المجونَ فما

أُدعى بشيء سوى ربِّ المجاناتِ

وذاك أنّي رأيت العقل مُطَّرَحاً

فجئتُ أهلَ زماني بالحماقاتِ

وقوله من قصيدة :

ففيَّ ما شئتَ من حمقٍ ومن هوسٍ

قليلُهُ لكثير الحمقِ إكسيرُ

كم رامَ إدراكَهُ قومٌ فأعجزَهمْ

وكيف يُدرَكُ ما فيهِ قناطيرُ

لأشكرنَّ حماقاتي لأنّ بها

لواءَ حمقيَ في الآفاقِ منشورُ

ولستُ أبغي بها خِلاّ ولا بدلاً

هيهاتَ غيري بتركِ الحمقِ معذورُ

لا عيبَ فيَّ سوى أنِّي إذا طربوا

وقد حضرتُ يُرى في الرأس تفجيرُ

وقوله من قصيدة :

فاسمعنْ منِّي ودعني

من كثيرٍ وقليلِ

وصغيرٍ وكبيرٍ

ودقيقٍ وجليلِ

قد ربحنا بالحما

قاتِ على أهل العقولِ

فرعى اللهُ ويُبقي

كلَّ ذي عقل قليلِ

ما له في الحمقِ والخف

فَةِ مثلي من عديلِ

فمتى أُذكَرُ قالوا

شيخُنا طبلُ الطبولِ


شيخُنا شيخٌ ولكن

ليس بالشيخ النبيلِ

وأكثر شعره جيّد على أسلوب صريع الدلاء والقصّار البصري كما قاله ابن خلّكان (١) ، ويُستشهد بشعره في الأدب كما في باب المشاكلة (٢) من التلخيص وسائر كتب البيان ، وقد استشهد عليها بقوله :

قالوا اقترح شيئاً نجدْ لك طبخَهُ

قلت اطبخوا لي جبّةً وقميصا

قال السيّد العبّاسي في معاهد التنصيص (٣) (١ / ٢٢٥) : هو قول أبي الرقعمق ، يروى أنّه قال : كان لي إخوان أربعة وكنت أنادمهم أيّام الأستاذ كافور الأخشيدي ، فجاءني رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوة تحصنني من البرد ، فقال : إخوانك يقرأون عليك السلام ويقولون لك : قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاةً سمينة فاشتهِ علينا ما نطبخ لك منها ، قال : فكتبت إليهم :

إخوانُنا قصدوا الصبوحَ بسحرةٍ

فأتى رسولُهمُ إليّ خصوصا

قالوا اقترح شيئاً نجدْ لك طبخَهُ

قلت اطبخوا لي جبّةً وقميصا

قال : فذهب الرسول بالرقعة ، فما شعرت حتى عاد ومعه أربع خلع وأربع صُرَر في كلّ صُرّة عشرة دنانير ، فلبست إحدى الخلع وسرت إليهم.

ترجمه الثعالبي في يتيمة الدهر (٤) (١ / ٢٦٩ ـ ٢٩٦) وذكر من شعره أربعمائة وأربعة وتسعين بيتاً ، وقال : نادرة الزمان ، وجملة الإحسان ، وممّن تصرّف بالشعر الجزل في أن واع الجدّ والهزل ، وأحرز قصد الفضل ، وهو أحد المُدّاح المجيدين

__________________

(١) وفيات الأعيان : ١ / ١٣٢ رقم ٥٤.

(٢) هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، كقول أبي الرقعمق : اطبخوا ، وإرادة خيطوا. (المؤلف)

(٣) معاهد التنصيص : ٢ / ٢٥٢ رقم ١١٩.

(٤) يتيمة الدهر : ١ / ٣٧٩ ـ ٤٠٨.


والفضلاء المحسنين ، وهو بالشام كابن الحجّاج بالعراق. ولعلّ كونه كابن الحجّاج ـ السابق ذكره ـ ينمُّ عن تشيّعه ؛ فإنّ ذلك أظهر أوصاف ابن الحجّاج وأجلّ ما يُؤثر عنه ، فقد عرفه من عرفه بولائه الصلب لأهل بيت الوحي عليهم‌السلام والتجهّم أمام أضدادهم والوقيعة فيهم ، فقاعدة التشبيه تستدعي أن يكون شاعرنا المترجَم مثله أو قريباً منه ، على أنّ صاحب نسمة السحر (١) عدّه ممّن تشيّع وشعر ، وعقد له ترجمةً ضافية الذيول.

نعم ؛ ويشبه ابن الحجّاج في تغلّب المجون على شعره ، ولا يبعد جدّا أن يكون هذا مرمى كلام الثعالبي. ومن شعره قصيدة في ممدوحٍ (٢) له علويٍّ ، منها قوله (٣):

وعجيبٌ والحسينُ له

راحةٌ بالجودِ تنسكبُ

إنّ شربي عنده رَنَقٌ

ولديهِ مربعي جدِبُ

وله الوِردُ المُعاذُ به

والجنابُ المُمرِعُ الخصبُ

وهو الغيثُ المُلِثُّ إذا

أعوزتنا دَرَّها السحبُ (٤)

وإلى الرسّيّ ملجؤنا

من صروف الدهر والهربُ

سيّدٌ شادتْ علاه له

في العلا آباؤه النجبُ

وله بيتٌ تُمَدُّ له

فوق مجرى الأنجمِ الطنبُ

حسبه بالمصطفى شرفاً

وعليٍّ حين ينتسبُ

رتبةٌ في العزِّ شامخةٌ

قصرتْ عن نَيلِها الرتبُ

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٣٠.

(٢) هو نقيب الأشراف بمصر ، أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن ترجمان الدين أبي محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنّى الرسّيّ المتوفّى سنة ٣٦٥. راجع تاج العروس : ٤ / ١٦١. (المؤلف)

(٣) يتيمة الدهر : ١ / ٣٨٩.

(٤) ألَثَّ المطر : أي دام أيّاماً لا ينقطع.


ذاك فخرٌ ليس تنكرُهُ

لكمُ عجمٌ ولا عربُ

ولأنتمْ من بفضلهمُ

جاءتِ الأخبارُ والكتبُ

وإليكم كلُّ منقبةٍ

في الورى تُعزى وتُنتسبُ

وبكم في كلِّ معركةٍ

تفخرُ الهنديّةُ القضُبُ

وبكم في كلِّ عارفةٍ

تُرفعُ الأستارُ والحجبُ

وإذا سمرُ القنا اشتجرتْ

فبكمْ تُستكشَفُ الكُرَبُ

وله من قصيدة أوّلها :

باح وجداً بهواهُ

حين لم يُعطَ مُناهُ

مغرمٌ أغرى به السق

ـمُ فما يُرجى شفاهُ

كاد يُخفيهِ نحولُ ال

ـجسمِ حتى لا تراهُ

لو ضناً يُخفي عن ال

ـعين لأخفاه ضناهُ

ومنها قوله :

حبّذا الرسّيُّ مولىً

رضيَ الناسُ ولاهُ

جعلَ اللهُ أعادي

ـهِ من السوءِ فداهُ

فلقد أيقنَ بالثر

وةِ من حلَّ ذراهُ

من رقى حتى تناهى

في المعالي مرتقاهُ

فاق أن يبلغَ في ال

ـسؤددِ والمجدِ مداهُ

ملكٌ مذ كان بال

ـسطوةِ ممنوعٌ حماهُ

بحرُ جودٍ ليس يُدرى

أينَ منهُ منتهاهُ

لم يَضِعْ من كان إبرا

هيمُ في الناس رجاهُ

لا ولا يفرقَ من

صرفِ زمانٍ إن عراهُ


من به استكفى أذى ال

أيّام والدهرَ كفاهُ

كيف لا أمدحُ من لم

يخلُ خلقٌ من نداهُ

ومن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة ، أوّلها :

قد سمعنا مقالَه واعتذاره

وأقلناه ذنبَهُ وعِثاره

والمعاني لمن عنيتُ ولكن

بك عرّضتُ فاسمعي يا جاره

من مراديه أنّه أبد الده

ـر تراه محلّلاً أزراره

عالمٌ أنّه عذابٌ من اللّ

ـه‍ مباحٌ لأعينِ النظّاره

هتكَ اللهُ سترَهُ فَلَكَم ههت

تّك من ذي تستّرٍ أستار

سحرتني ألحاظُه وكذا ك

ـلُّ مليحٍ ألحاظُه سحّاره

ما على مؤثر التباعدِ والإ

عراضِ لو آثرَ الرضا والزياره

وعلى أنّني وإن كان قد عذّ

بَ بالهجرِ مؤثرٌ إيثاره

لم أزل لا عَدمتُه من حبيبٍ

أشتهي قربه وآبي نفاره

يقول في مدحها :

لم يدَعْ للعزيزِ في سائرِ الأر

ض عدوّا إلاّ وأخمدَ ناره

فلهذا اجتباه دون سوا

هُ واصطفاه لنفسِهِ واختاره

لم تشيِّد له الوزارةُ مجداً

لا ولا قيل رفّعَتْ مقداره

بل كساها وقد تخرّمها الده

ـرُ جلالاً وبهجةً ونضاره

كلَّ يومٍ له على نُوَب الده

ـر وكرِّ الخطوبِ بالبذلِ غاره

ذو يدٍ شأنُها الفرارُ من البُخ

ـلِ وفي حومةِ الوغى كرّاره

هيَ فلّتْ عن العزيز عِداه

بالعطايا وكثّرتْ أنصاره

هكذا كلُّ فاضلٍ يدُه تُم

ـسي وتُضحي نفّاعةً ضرّاره

فاستجرْهُ فليس يأمنُ إلاّ

من تَفَيّا بظلّه واستجاره


فإذا ما رأيته مطرِقاً يُعْ

ـمِلُ فيما يريدُهُ أفكاره

لم يدَعْ بالذكاءِ والذهنِ شيئاً

في ضميرِ الغيوب إلاّ أناره

لا ولا موضعاً من الأرضِ إلاّ

كان بالرأي مدركاً أقطاره

زادهُ اللهُ بسطةً وكفاهُ

خوفَه من زمانِه وحذاره

وذكر النويري من شعره في نهاية الأرب (١) في الجزء الثالث (ص ١٩٠) قوله :

لو نيلَ بالمجدِ في العلياءِ منزلةٌ

لنال بالمجدِ أعناقَ السماواتِ

يرمي الخطوبَ برأيٍ يُستضاء به

إذا دجا الرأيُ من أهلِ البصيراتِ

فليس تلقاهُ إلاّ عند عارفِهِ

أو واقفاً في صدور السمهريّاتِ (٢)

ترجمه ابن خلّكان في تاريخه (٣) (١ / ٤٢) وقال بعد الثناء عليه ونقل كلام الثعالبي المذكور وذكر أبياتٍ من شعره : وذكره الأمير المختار المسبِّحي في تاريخ مصر ، وقال : توفّي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، وزاد غيره في يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان ، وقيل : في شهر ربيع الآخر ، وأظنّه توفّي بمصر.

وترجمه (٤) اليافعي وأرّخ وفاته كما ذُكر في مرآة الجنان (٢ / ٤٥٢) ، وابن العماد الحنبلي في الشذرات (٣ / ١٥٥) ، والسيّد العبّاسي في معاهد التنصيص (١ / ٢٢٦) ، والزركلي في الأعلام (١ / ٧٤) ، وصاحب تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٦٤)

__________________

(١) نهاية الأرب : ٣ / ١٩٤.

(٢) هذه أبيات من قصيدة ذكرها الثعالبي في اليتيمة : ١ / ٢٧٤ [١ / ٣٨٥]. (المؤلف)

(٣) وفيات الأعيان : ١ / ١٣١ رقم ٥٤.

(٤) شذرات الذهب : ٤ / ٥١٩ حوادث سنة ٣٥٩ ه‍ ، معاهد التنصيص : ٢ / ٢٥٣ رقم ١١٩ ، الأعلام : ١ / ٢١٠ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ١٠٢.


ـ ٣٠ ـ

أبو العلاء السرَوي

عليٌّ إماميَ بعدَ الرسولِ

سيشفعُ في عَرصةِ الحقِّ لي

ولا أدّعي لعليٍّ سوى

فضائلَ في العقلِ لم يشكلِ

ولا أدّعي أنّه مرسَلٌ

ولكن إمامٌ بنصٍّ جلي

وقول الرسول له إذ أتى

له شبهُ الفاضل المفضلِ

ألا إنّ من كنتُ مولىً له

فمولاه من غيرِ شكٍّ علي (١)

الشاعر

أبو العلاء محمد بن إبراهيم السروي ، هو شاعر طبرستان الأوحد ، وعلم الفضيلة المفرد ، وله مساجلات ومكاتبات مع أبي الفضل بن العميد المتوفّى سنة (٣٦٠) ، وله كتب وشعر رائع ومُلَح كثيرة ، ذكرت في اليتيمة (٢) منها جملةٌ صالحةٌ (٤ / ٤٨) ، وفي محاسن أصبهان (ص ٥٢ و ٥٦) ، وفي نهاية الأرب في فنون الأدب (٣) ،

__________________

(١) ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٥٣١ طبع إيران [٣ / ٣٩] ، ويعبّر عن المترجم في المناقب بأبي العلاء بلا قيد زائد كما يظهر عنه عند نقله بعض أبيات قصيدته الفائية في : ٢ / ١٣٩ [٣ / ٤٤٧]. (المؤلف)

(٢) يتيمة الدهر : ٤ / ٥٦.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٣٨.


ومن شعره في وصف طبرستان ما ذكره الحموي في معجم البلدان (١) (٦ / ١٨) وهو :

إذا الريحُ فيها جرّتِ الريحَ أعجلتْ

فواختَها في الغصنِ أن تترنّما

فكم طيّرتْ في الجوّ ورداً مُدنّراً

يقلِّبه فيه وورداً مُدرهَما (٢)

وأشجارُ تفّاحٍ كأن ثمارَها

عوارضُ أبكارٍ يُضاحكنَ مُغرَما

فإن عقدَتها الشمسُ فيها حسبتَها

خدوداً على القضبانِ فذّا وتوأما

ترى خطباءَ الطيرِ فوق غصونِها

تبثُّ على العشّاق وجداً مُعتّما

وله في مدح أهل البيت عليهم‌السلام قوله ـ ذكره ابن شهرآشوب في المناقب (٣) (٢ / ٧٣) طبع إيران :

ضدّانِ جالا على خدّيك فاتّفقا

من بعدما افترقا في الدهر واختلفا

هذا بأعلامِ بيضٍ اغتدى فبَدا

وذا بأعلامِ سودٍ انطوى فعفا

أعجِبْ بما حكيا في كتبِ أمرِهما

عن الشعارينِ في الدنيا وما وصفا

هذا ملوكُ بني العبّاس قد شرعوا

لبسَ السواد وأبقوه لهم شرفا

وذي كهولُ بني السبطين رايتُهم

بيضاءُ تخفق إمّا حادثٌ أزفا

كم ظلَّ بين شبابٍ لا بقاءَ له

وبين شَيْبٍ عليهِ بالنهى عطفا

هل المشيبُ إلى جنبِ الشبابِ سوى

صبحٍ هنالك عن وجهِ الدجى كشفا

وهل يُؤدّي شبابٌ قد تعقّبه

شيبٌ سوى كدرٍ أعقبتَ منه صفا

لو لم يكنْ لبني الزهراءِ فاطمةٍ

من شاهدٍ غير هذا في الورى لكفى

فرايةٌ لبني العبّاس عابسةٌ

سوداءُ تشهد فيه التيهَ والسرفا

ورايةٌ لبني الزهراءِ زاهرةٌ

بيضاءُ يَعرفُ فيها الحقَّ من عرفا

__________________

(١) معجم البلدان : ٤ / ١٤.

(٢) المدنّر : أي الشبيه بالدينار ، كنّى بذلك عن حمرة الورد ، وورد مدرهم : أي يشبه الدرهم في بياضه.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٥٠ ، ٣٤٥ ، ٤٤٧ و ٢ / ١٠٠.


شهادةٌ كشفت عن وجهِ أمرِهما

فبُح بها وانتصف إن كنتَ مُنتصِفا

حاز النبيُّ وسبطاه وزوجتُه

مكان ما أفنتِ الأقلامَ والصحفا

والفخر لو كان فيهم صورةً جسداً

عادت فضائلُهم في أذنِهِ شنفا

وقد تناكرتِ الأحلامُ وانقلبتْ

فيهم فأصبحَ نورُ الله مُنكسفا

ألا أضاءَ لهم عنها أبو حسنٍ

بعلمِهِ وكفاهم حرَّها وشفا

وهل نظيرٌ له في الزهدِ بينهمُ

ولو أصاخَ لدنيا أو بها كلفا

وهل أطاع النبيَّ المصطفى بشرٌ

من قبله وحذا آثارَهُ وقفا

وهل عرَفنا وهل قالوا سواه فتىً

بذي الفقارِ إلى أقرانِه زلَفا

يدعو النزال وعجلُ القومِ محتبسٌ

والسامريُّ بكفِّ الرعبِ قد نزفا

مفرِّجٌ عن رسولِ اللهِ كربتَهُ

يوم الطعانِ إذا قلبُ الجبانِ هفا

تَخالُهُ أسداً يحمي العرينَ إذا

يوم الهياجِ بأبطالِ الوغى رجفا

يُظِلُّهُ النصرُ والرعبُ اللذان هما

كانا له عادةً إن سار أو وقفا

شواهدٌ فرضتْ في الخلقِ طاعتَهُ

برغمِ كلِّ حسودٍ مالَ وانحرفا

ثمّ الأئمّةُ من أولادِه زُهُرٌ

مُتَوّجون بتيجانِ الهدى حُنُفا

من جالسٍ بكمال العلمِ مشتهرٍ

وقائمٍ بغرارِ السيف قد زحفا

مطهّرون كرامٌ كلُّهم عَلَمٌ

كمثل ما قيل كشّافون لا كُشُفا

وله في يتيمة الدهر (١) (٤ / ٤٨).

مررنا على الروض الذي قد تبسّمتْ

ذراه وأوداجُ الأبارقِ تُسفَكُ

فلم نَرَ شيئاً كان أحسن منظراً

من الروض يجري دمعُهُ وهو يضحكُ

وله في النرجس :

حيِّ الربيعَ فقد حيّا بباكورِ

من نرجسٍ ببهاءِ الحسنِ مذكورِ

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٥٦ ، ٥٧.


كأنّما جفنُهُ بالغُنجِ منفتحاً

كأسٌ من التبرِ في منديلِ كافورِ

وله في النرجس ـ ذكرها صاحبا الظرائف واللطائف (١) (ص ١٥٩) وحلبة الكميت (ص ٢٠٣):

انظر إلى نرجسٍ تبدّتْ

صبحاً لعينيكَ منه طاقه

واكتب أسامي مُشَبِّهيهِ

بالعينِ في دفترِ الحماقه

وأيّ حُسنٍ يُرى لطرفٍ

مع يَرقانٍ يحلُّ ماقه (٢)

كرّاثةٌ رُكّبتْ عليها

صفرةُ بيضٍ على رُقاقه

وكتب إليه شاعرٌ غريبٌ يشكو إليه حجّابه أبياتاً منها :

جئتُ إلى الباب مراراً فما

إن زرتُ إلاّ قيلَ لي قد ركِبْ

وكان في الواجب يا سيّدي

أن لا تُرى عن مثلِنا تحتجِبْ

فأجابه على ظهر رقعته :

ليس احتجابي عنك من جفوةٍ

وغفلةٍ عن حرمةِ المغتربْ

لكنْ لدهرٍ نَكِدٍ خائنٍ

مقصِّرٍ بالحرِّ عمّا يجبْ

وكنت لا أحجبُ عن زائرٍ

فالآن من ظلِّيَ قد أحتجب

وذكر الثعالبي في ثمار القلوب (٣) (ص ٣٥٤) له قوله :

أما ترى قُضُبَ الأشجارِ قد لبِستْ

أنوارَها تنثني ما بين جُلاّسِ

منظومةً كسموطِ الدرِّ لابسةً

حسناً يُبيح دمَ العنقودِ للحاسي

وغرّدتْ خطباءُ الطيرِ ساجعةً

على منابرَ من وردٍ ومن آسِ

__________________

(١) الظرائف واللطائف : ص ١١٨ باب ١٠٨.

(٢) ماق العين وموقها : مؤخرها.

(٣) ثمار القلوب : ص ٤٤٧ رقم ٧٢١.


خطباء الطير في الشعر هي : الفواخت والقماري والرواشن والعنادل وما أشبهها.

قال الثعالبي : أظنُّ أوّل من اخترع هذه الاستعارة المليحة أبو العلاء السروي في قوله المذكور. وذكر له صاحب محاسن أصبهان (ص ٥٢) في الوصف قوله :

أَوَما ترى البستانَ كيف تجاوبتْ

أطيارُهُ وزها لنا ريحانُهُ

وتضاحكت أنوارُهُ وتسلسلتْ

أنهارُهُ وتعارضتْ أغصانُهُ

وكأنّما يفترُّ غبَّ القطرِ عن

حُلَلٍ نشرنَ رياضهُ وجنانهُ

وذكر له (ص ٥٦) قوله :

كأنّ حمامَ الروضِ نشوانُ كلّما

ترنّمَ في أغصانِه وترحّجا

فلاذ نسيمُ الجوِّ من طولِ سيرِهِ

حسيراً بأطرافِ الغصونِ مطلّجا

وللصاحب بن عبّاد أبيات كتبها إلى المترجَم له ، ذكرها المافرّوخي في محاسن أصبهان (ص ١٤) وهي :

أبا العلاءِ ألا أبشرْ بمقدمِنا

فقد وردنا على المهريّةِ القودِ

هذا وكان بعيداً أن أراجعَكمْ

على التعاقبِ بين البيضِ والسودِ

من بعد ما قرُبتْ بغدادُ تطلبُني

واستنجزْتنيَ بالأهوازِ موعودي

وراسلتني بأن بادِرْ لتملكَني

ويجريَ الماءُ ماءُ الجود في العودِ

فقلتُ لا بدّ من جَيٍّ (١) وساكِنِها

ولو رددت شبابي خير مردودِ

فإنّ فيها أودّائي ومعتمدي

وقربها خيرُ مطلوبٍ ومنشودِ

ألستُ أَشهدُ إخواني ورؤيتُهم

تفي بملكِ سليمانَ بنِ داودِ

كان المترجَم يتعصّب للعجم على العرب ، فكتب إليه ابن العميد رسالةً ينكر

__________________

(١) جَيّ : اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة.


فيها تعصّبه بقوله : اقبل وصيّة خليلك ، وامتثل شَوْرة نصيحك ، ولا تتمادَ في ميدان الجهل ينضّك ، ولا تتهافت في إلحاحٍ يغرّك ، واخش يا سيّدي أن يُقال : التحمت حرب البسوس من دم ضرع (١) ، واشتبكت حرب غطفان من أجل بعير قُرع ، وقُتل ألف فارسٍ برغيف الحولاء ، وصبَّ الله على العجم سوط عذاب بمزاح أبي العلاء (٢).

البيان :

حرب البسوس : البسوس بنت منقذ التميميّة ، زارت أختها أمّ جسّاس بن مرّة ، ومع البسوس جار لها من جرم يقال له سعد بن شمس ، ومعه ناقة له ، فرماها كليب وائل لمّا رآها في مرعىً قد حماه ، فأقبلت الناقة إلى صاحبها وهي ترغو وضرعها يش خب لبناً ودماً ، فلمّا رأى ما بها انطلق إلى البسوس فأخبرها بالقصّة ، فقالت :

وا ذلاّه وا غربتاه ، وأنشأت تقول أبياتاً تسمّيها العرب أبيات الفناء ، وهي :

لعمريَ لو أصبحتُ في دارِ مُنقذٍ

لما ضيم سعدٌ وهو جارٌ لأبياتي

ولكنّني أصبحتُ في دارِ غربةٍ

متى يعدُ فيها الذئبُ يعدُ على شاتي

فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحلْ

فإنّك في قومٍ عن الجارِ أمواتِ

ودونك أذوادي فخذها وآتني

بها حلّة لا يغدرون ببنياتي (٣)

فسمعها ابن اختها جسّاس فقال لها : أيّتها الحرّة اهدئي ، فوالله لأقتلنّ بلقحة (٤) جارك كليباً ، ثمّ ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها ، ووقعت الحرب بين بكر وتغلب ، فدامت أربعين سنة ، وجرت خطوب وصار شؤم البسوس مثلاً ، ونُسِبت الحرب إليها وهي من أشهر حروب العرب.

__________________

(١) في المصدر ضرعٍ دَمِيَ.

(٢) ذكرها الثعالبي في ثمار القلوب : ص ٢٤٨ [ص ٣١٠ رقم ٤٦٨].

(٣) البنيات : الطرق الصغار ، تريد : عجّل السفر قبل أن يقطعوا الطريق عليَّ. (المؤلف)

(٤) اللقحة : الناقة الحامل. (المؤلف)


رغيف الحولاء : من أمثال العرب المشهورة : أشأم من رغيف الحولاء (١) ، كانت الحولاء خبّازة في بني سعد بن زيد مناة ، فمرّت وعلى رأسها كارة خبز ، فتناول رجلٌ من ر أسها رغيفاً ، فقالت : والله مالك عليَّ حقّ ولا استطعمتني ، فلِمَ أخذت رغيفي؟ أما إنّك ما أردت بهذا إلاّ فلاناً ـ تعني رجلاً كانت في جواره ـ فمرّت إليه شاكيةً ، فثار وثار معه قومه إلى الرجل الذي أخذ الرغيف وقومه ، فقُتل بينهم ألف نفس ؛ وصار رغيف الحولاء مثلاً في الشيء اليسير يجلب الخطب الكبير.

سوط عذاب : من استعارات الكتاب الكريم ، قال الله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (٢).

وذكر له النويري في نهاية الأرب (٣) (٢ / ٢٣).

حيّ شَيْباً أتى لغيرِ رحيلِ

وشباباً مضى لغير إيابِ

أيُّ شيءٍ يكون أحسنَ من عا

جِ مشيبٍ في آبنوسِ شبابِ

__________________

(١) مجمع الأمثال : ٢ / ١٩٣ رقم ٢٠٣٩.

(٢) الفجر : ١٣.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٣٨.



ـ ٣١ ـ

أبو محمد العوني

إمامي له يومَ الغديرِ أقامَهُ

نبيُّ الهدى ما بين من أنكرَ الأمرا

وقامَ خطيباً فيهمُ إذ أقامَهُ

ومن بعد حمدِ اللهِ قالَ لهم جهرا

ألا إنّ هذا المرتضى بعلُ فاطمٍ

عليُّ الرضا صهري فأَكرمْ به صهرا

ووارثُ علمي والخليفةُ فيكمُ

إلى الله من أعدائِه كلّهم أبرا

سمعتم؟ أطعتم؟ هل وعيتم مقالتي؟

فقالوا جميعاً ليس نعدو له أمرا

سمعنا أطعنا أيّها المرتضى فكن

على ثقةٍ منّا وقد حاولوا غدرا (١)

ومنها قوله مشيراً إلى حديثٍ مرَّ في الجزء الثاني (ص ٣٢٠):

وفي خبرٍ صحّتْ روايتُهُ لهم

عن المصطفى لا شكَّ فيه فيستبرا

بأن قال لمّا أن عرجتُ إلى السما

رأيتُ بها الأملاكَ ناظرةً شزرا

إلى نحوِ شخصٍ حِيلَ بيني وبينه

لعُظمِ الذي عاينتُه منه لي خيرا

فقلت حبيبي جبرئيل من الذي

تلاحظه الأملاكُ قال لك البشرى

فقلت ومن ذا قال عليُّ الرضا

وما خصّه الرحمنُ من نِعَمٍ فخرا

تشوّقتِ الأملاكُ إذ ذاك شخصَهُ

فصوّره الباري على صورةٍ أُخرى

فمال إلى نحو ابن عمٍّ ووارثٍ

على جذلٍ منه بتحقيقِهِ خُبْرا (٢)

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٣٢ طبع إيران [٣ / ٤٠]. (المؤلف)

(٢) : ٢ / ٢٦٧ مناقب ابن شهرآشوب.


ومن شعره في الغدير كما في المناقب لابن شهرآشوب (١) (١ / ٥٣٧) ـ طبع إيران ـ قوله :

أليس قامَ رسولُ اللهِ يخطبُهمْ

يومَ الغديرِ وجمعُ الناسِ محتفلُ

وقال من كنتُ مولاه فذاك له

من بعدُ مولىً فواخاهُ وما فعلوا

لو سلّموها إلى الهادي أبي حسنٍ

كفى البرايا ولم تستوحشِ السبلُ

هذا يُطالبُه بالضعفِ محتقباً

وتلك يحدو بها في سعيِها جملُ

وله من قصيدة فى المناقب (٢) (١ / ٥٣٨) ـ طبع إيران ـ قوله :

فقالَ رسولُ الله هذا لأمّتي

هو اليوم مولىً ربّ ما قلتُ فاسمعِ

فقام جَحودٌ ذو شقاقٍ منافقٌ

ينادي رسولَ اللهِ من قلب موجعِ

أعَن ربِّنا هذا أم انت اخترعتَهُ

فقالَ معاذَ الله لستُ بمُبدعِ

فقال عدوُّ الله لا همّ إن يكن

كما قال حقّا بي عذاباً فأوقعِ

فعوجل من أفقِ السماءِ بكفرِهِ

بجندلةٍ فانكبَّ ثاوٍ بمصرعِ

وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام ويسمّي الأئمّة المعصومين :

إنّ رسولَ اللهِ مصباحُ الهدى

وحجّةُ اللهِ على كلِّ البشرْ

جاء بفرقانٍ مبينٍ ناطقٍ

بالحقِّ من عند مليكٍ مقتدرْ

فكان من أوّلِ من صدّقَهُ

وصيُّهُ وهو بسنّ ما ثغرْ (٣)

ولم يكنْ أشركَ باللهِ ولا

دنّسَ يوماً بسجودٍ لحجَرْ

فذاكمُ أوّلُ من آمنَ بال

ـله ومن جاهدَ فيهِ ونصرْ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥٠.

(٢) : ص ٥١ مناقب آل أبي طالب.

(٣) ثغر الصبي : نبت ثغره ، والثغر ، مقدّم الأسنان. (المؤلف)


أوّلُ من صلّى من القومِ ومن

طاف ومَن حجَّ بنسكٍ واعتمرْ

من شاركَ الطاهرَ في يومِ العبا

في نفسه من شكَّ في ذاك كفرْ

من جادَ بالنفسِ ومن ضنَّ بها

في ليلةٍ عند الفراشِ المشتهرْ

من صاحبُ الدار الذي انقضَّ بها

نجمٌ من الجوّ نهاراً فانكدرْ

من صاحبُ الرايةِ لمّا ردّها

بالأمس بالذلِّ قبيعٌ وزُفَرْ

من خُصّ بالتبليغِ في براءةٍ

فتلك للعاقل من إحدى العِبَرْ

من كان في المسجد طَلْقاً بابُهُ

حلاّ وأبوابُ أُناسٍ لم تُذرْ

من حاز في خمٍّ بأمرِ اللهِ ذا

كَ الفضلَ واستولى عليهم واقتدرْ

من فازَ بالدعوةِ يومَ الطائرِال

ـمشويِّ من خُصّ بذاك المفتخرْ

من ذا الذي أُسري به حتى رأى ال

ـقدرةَ في حندسِ ليلٍ معتكرْ

من خاصفُ النعلِ ومن خبّركمْ

عنه رسولُ اللهِ أنواعَ الخبرْ

سائل به يوم حُنينٍ عارفاً

من صدقَ الحربَ ومن ولّى الدبُرْ

كليمُ شمسِ اللهِ والراجعُها

من بعد ما انجابَ ضياها واستترْ

كليمُ أهلِ الكهفِ إذ كلّمهمْ

في ليلةِ المسحِ فسلْ عنها الخبرْ

وقصّة الثعبان إذ كلّمه

وهو على المنبرِ والقومُ زُمَرْ

والأسدُ العابسُ إذ كلّمَهُ

معترفاً بالفضلِ منه وأقرْ

بأنّه مستخلَفُ اللهِ على الأ

مّةِ والرحمنُ ما شاء قَدَرْ

عيبةُ علمِ اللهِ والبابُ الذي

يُؤتى رسولُ اللهِ منه المشتهرْ (١)

له من قصيدة :

أيا أُمّةَ السوءِ التي ما تيقّظتْ

لما قد خلتْ فيها من المثُلاتِ

وقد وترتْ آلَ النبيِّ ورهطَهُ

على قَدَر الأيّامِ أيَّ تراتِ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٥ ، ٣ / ٣٣٥.


وقد غدرتْ بالمرتضى علمِ الهدى

إمامِ البرايا كاشفِ الكرباتِ

ببدرٍ وأُحدٍ والنضير وخيبرٍ

ويوم حُنينٍ ساعة الهبواتِ (١)

وصاحب خُمٍّ والفراش وفضله

ومن خُصَّ بالتبليغ عند براةِ (٢)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

والله ألبسه المهابة والحجا

وربا به أن يعبُدَ الأصناما

مازال يغذوه بدينِ محمدٍ

كهلاً وطفلاً ناشئاً وغلاما

أم من سواه إذا أُتي بقضيّةٍ

طردَ الشكوكَ وأخرسَ الحكّاما

فإذا رأى رأياً يخالفُ رأيَهُ

قومٌ وإن كدّوا له الأفهاما

نزل الكتابُ برأيِهِ فكأنّما

عقد الإله برأيه الأحكاما

من ذا سواهُ إذا تشاجرتِ القنا

وأبى الكماةُ الكرَّ والإقداما

وتصلصلتْ حلَقُ الحديدِ وأظهرتْ

فرسانُها التصجاجَ والإحجاما (٣)

ورأيتَ من تحتِ العجاجِ لنقعِها

فوقَ المغافِرِ والوجوهِ قتاما

كشف الإلهُ بسيفهِ وبرأيِه

يُظمي الجوادَ ويرتوي الصمصاما

ووزيرُه جبريلُ يقحمُه الوغى

طوعاً وميكالُ الوغى إقحاما

أم من سواه يقولُ فيهِ أحمدٌ

يومَ الغدير وغيرَه أيّاما

هذا أخي مولاكمُ وإمامكمْ

وهو الخليفةُ إن لقيتَ حِماما

منّي كما هارونَ من موسى فلا

تألوا (٤) لحقِّ إمامكم إعظاما

إن كان هارونُ النبيُّ لقومِهِ

ما غابَ موسى سيّداً وإماما

__________________

(١) الهبوات : جمع هبوة ، وهي الغَبرة.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٣٧.

(٣) صلصل اللجام : صوّت. التصجاج ـ من الصجّ : صوت وقع الحديد على الحديد. أحجم عن الحرب : نكص هيبة. (المؤلف)

(٤) ألا ألواً وألى تألية وائتلاءً في الأمر : قصّر وأبطأ. (المؤلف)


فهو الخليفةُ والإمامُ وخيرُ من

أمضى القضاءَ وخفّفَ الأقلاما

حتى لقد قال ابن خطّابٍ له

لمّا تقوّضَ من هناك وقاما

أصبحتَ مولائي ومولى كلّ من

صلّى لربِّ العالمينَ وصاما

غصنٌ رسولُ اللهِ أثبتَ غرسَهُ

فعلا الغصونَ نضارةً ونظاما

حتى استوى عَلَماً كما قد شاءه

ربُّ السماء وسيّداً قمقاما

ما سامهُ في أن يكون مؤمَّراً

لفتىً ولا ولّى عليه أُساما

فهو الأميرُ حياتَهُ ومماتَهُ

أمراً من الله العليّ لزاما

صلّى عليه ذو الجلال كرامةً

وملائكٌ كانوا لديه كراما

وله من قصيدة :

يا آلَ أحمدَ لولاكمْ لما طلعتْ

شمسٌ ولا ضحكتْ أرضٌ من العشبِ

يا آلَ أحمدَ لازال الفؤادُ بكم

صبّا بوادرُهُ تبكي من الندبِ

يا آلَ أحمدَ أنتمْ خيرُ منْ وخَدتْ

به المطايا فأنتمْ منتهى الإربِ

أبوكمُ خيرُ من يُدعى لحادثةٍ

فيستجيبُ بكشفِ الخطبِ والكربِ

عِدلُ القُران وصيُّ المصطفى وأبو ال

ـسبطينِ أكرمْ به من والدٍ وأبِ

بعلُ المطهّرةِ الزهراءِ ذو الحسبِ ال

ـطهرِ الذي ضمّه شفعاً إلى النسبِ

من قال أحمدُ في يومِ الغديرِ له

من كنتُ مولىً له في العجمِ والعربِ

فإنّ هذا له مولىً ومنذرُهُ

يا حبّذا هو من مولىً ويا بأبي

من مثلُهُ وهو مولى الخلقِ أجمعِها

بأمر ربِّ الورى في نصِّ خيرِ نبي

يأتي غداً ولواءُ الحمدِ في يدِهِ

والناسُ قد سفروا عن أوجهٍ قطبِ

حتى إذا اصطكّتِ الأقدامُ زائلةً

عن الصراطِ فُويقَ النارِ مضطربِ


الشاعر

أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغسّاني (١) العوني. لعلّ في شهرة العوني وشعره السائر وطُرَفه ال مدوّنة في الكتب ، غنىً عن تعريفه وذكر عبقريّته ، وتفوّقه في سرد القريض ، ونبوغه في نضد جواهر الكلام ، كما أنّ فيما دُوِّن من تاريخ حياته وما يُؤثر عنه من جمل الشعر ومفصّلاته ، كفاية للباحث عن إدلاء الحجّة على تشيّعه وتفانيه في ولاء سادته وأئمّة دينه ـ صلوات الله عليهم.

لقد سرى الركبان بشعر العوني فطارت نبذه إلى مختلف الديار ، ولهج بها الناس في أماكن قصيّة ، وكان ينشدها المنشدون في الأندية والمجتمعات التي يُتحرّى فيها تشنيف الأسماع بذكر أهل البيت عليهم‌السلام وفضائلهم ، ومنهم الشاعر منير والد الشاعر أحمد بن منير المترجم في شعراء القرن السادس ، كان ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس فيقرِّط آذان الناس بتلكم الفضائل ، لكن ابن عساكر (٢) ـ أساء سمعاً وأساء جابه (٣) ـ غاظه ذلك الهتاف بذكر أهل البيت عليهم‌السلام ، فأراد أن يسمَ الرجل بما يشوِّه سمعته ، فقال : إنّه كا ن يغنّي في أسواق طرابلس بشعر العوني.

وجاء ابن خلّكان (٤) بعد لأيٍ من عمر الدهر حتى وقف على تلك الأنشودة ، فساءته أكثر ممّا ساءت ابن عساكر ، فزاد ضغثاً على إبّاله (٥) ، فطرح لفظة شعر العوني

__________________

(١) غسّان : ماء باليمن تنسب إليه قبائل ، وماء بالمُشَلَّل [اسم جبل] قريب من الجحفة. (المؤلف)

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٢ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق ٣ / ٣٠٦.

(٣) مثل يُضرَب لمن لم يحسن سمع مقالك فما أصاب في جوابه. المستقصى في أمثال العرب : ١ / ١٥٣ رقم ٠٣٦.

(٤) وفيات الأعيان : ١ / ١٥٦ رقم ٦٤.

(٥) أي بليّة على أخرى. مجمع الأمثال : ٢ / ٢٦٠ رقم ٢٢٠٢.


واكتفى بأنّ منيراً كان يغنّي في الأسواق ، وللمحاسبة مع الرجلين موقف نؤجِّله إلى يوم الحساب ، فهنالك يستوفي منير حقّه ، و (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١).

وهذه كلّها والنبذ المدوّنة من شعره في هذا الكتاب وفيها عدُّ الأئمّة الاثني عشر ، آيات باهرة لبلوغ العوني الغاية القصوى من الموالاة والتشيّع ، حتى إنّ القاصرين أو الحانقين عليه رموه بالغلوِّ لِما ذكره ابن شهرآشوب في المعالم (٢) من أنّه نظم أكثر المناقب ، والواقف على شعره جِدُّ عليم بأنّه كان يمشي على الوسط بين الإفراط والتفريط ، فلا يُثبِت لأهل البيت عليهم‌السلام إلاّ ما حقَّ لهم من المراتب والمناقب أو ما هو دون مقامهم ، ولا ينظم إلاّ ما ورد في أحاديث أئمّة الدين من مناقبهم ، وأمّا التهمة بالغلوّ فكلمة جاهل أو معاند.

وعلى أيٍّ فتشيّع العوني كان مشهوراً في العصور المتقدِّمة ، على عهده وبعد وفاته ، حتى إنّه لمّا وقعت الفتنة بين الشيعة والسنّة في بغداد سنة (٤٤٣) واحتدم بينهما القتال ، فكانت ممّا جاءت به يد الجور من الفظائع أنّهم نبشوا قبور جماعة من الشيعة وطرحوا النيران في ترابهم ومنهم العوني المترجَم ، والناشئ عليّ بن وصيف الآنف ذكره (٣) ، والشاعر المعروف الجذوعي (٤).

كان العوني يتفنّن في الشعر ، ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره ، مقدرةً منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيف ما شاء وأحبَّ.

قال ابن رشيق في العمدة (٥) (١ / ١٥٤) : ومن الشعر نوع غريب يسمّونه

__________________

(١) الفجر : ١٤.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٧.

(٣) أُنظر ترجمة الناشئ الصغير : ص ٣٩ من هذا الجزء.

(٤) ذكرها ابن الأثير في الكامل : ٩ / ١٩٩ [٦ / ١٥٨ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍] ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ٣ / ٢٧٠ [٥ / ١٩١ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍]. (المؤلف)

(٥) العمدة : ١ / ١٧٨ باب ٢٣.


القواديسي تشبيهاً بالقواديس السانية ؛ لارتفاع بعض قوافيه في جهةٍ وانخفاضها في الجهة الأخرى ، فأوّل من رأيته جاء به طلحة بن عبيد الله العوني في قوله ـ وهي من قصيدة له مشهورة طويلة :

كم للدمى الأبكار بال

ـجنتينِ من منازلِ

بمهجتي للوجدِ من

تذكارِها منازلُ

معاهدٌ رعيلُها

مثعنجرُ الهواطلِ (١)

لمّا نأى ساكنها

فأدمعي هواطلُ

وللعوني معاني فخمة في شعره استحسنها معاصروه ومن بعده ، فحذوا حذوه في صياغة تلك المعاني ، لكنّ الحقيقة تشهد بأنّ الفضل لمن سبق. قال أبو سعيد محمد ابن أحمد العبيدي في الإبانة عن سرقات المتنبّي (ص ٢٢) : قال العوني :

مضى الربيعُ وجاءَ الصيفُ يقدمُه

جيشٌ من الحرِّ يرمي الأرضَ بالشررِ

كأنّ بالجو ما بي من جوىً وهوىً

ومن شحوبٍ فلا يخلو من الكدرِ

قال المتنبّي المقتول (٣٥٤):

كأنّ الجوّ قاسى ما أقاسي

فصار سوادُهُ فيهِ شحوبا (٢)

وقال في (ص ٦٤) : قال العوني :

يا صاحبيَّ بعُدْتما فتركتُما

قلبي رهينَ صبابةٍ ونصابِ

أبكي وفاءَكما وعهدَكما كما

يبكي المحبُّ معاهدَ الأحبابِ

__________________

(١) إثعنجر الماء : سال.

(٢) من قصيدة (٤٢) بيتاً توجد في ديوانه : ١ / ٩٨ [١ / ٢٦٧] يمدح بها عليّ بن محمد التميمي. (المؤلف)


قال المتنبّي :

وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه (١)

بأن تُسعدا والدمع أشفاه ساجمه (٢)

وقال في (ص ٦٦) : للعوني في قصيدة له في أهل البيت عليهم‌السلام :

ألا سيّدٌ يبكي بشجوي فإنّني

لمستعذبٌ ماءَ البكاءِ ومُستحلي

أحبّ ابنَ بنتِ المصطفى وأزورُه

زيارةَ مهجورٍ يحنُّ إلى الوصلِ

وما قدمي في سعيِهِ نحو قبرِهِ

بأفضلَ منه رتبةً مركبُ العقلِ

قال المتنبّي (٣):

خيرُ أعضائِنا الرؤوسُ ولكن

فضلتها بقصدِها الأقدامُ

قال الأميني : وحذا حذو العوني في المعنى سيّدنا الشهيد السيّد نصرالله الحائري في كافيّةٍ له في تربة كربلاء المشرّفة ، وقال :

أقدام من زارَ مغناكِ الشريفَ غدتْ

تفاخرُ الرأسَ منه طابَ مثواكِ (٤)

وشعره في أهل البيت عليهم‌السلام مدحاً ورثاءً مبثوث في المناقب لابن شهرآشوب ، وروضة الواعظين لشيخنا الفتّال ، والصراط المستقيم لشيخنا البياضي ، وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتاً ، وجمعه ورتّبه العلاّمة السماوي في ديوان ، وممّا رتّبه قصيدته المعروفة بالمذهّبة توجد في مناقب ابن شهرآشوب ناقصة الأطراف :

__________________

(١) الطاسم : الدارس الذي امّحى أثره.

(٢) توجد القصيدة (٤٢) بيتاً في ديوانه : ٢ / ٢٣٢ [٤ / ٤٣] وهي أوّل ما أنشدت سنة (٣٣٧) يمدح بها سيف الدولة. (المؤلف)

(٣) شرح ديوان المتنبّي : ٤ / ٢٢٣.

(٤) ولهذا البيت قصّة أدبيّة لطيفة تأتي في ترجمة سيّدنا بحر العلوم ، في شعراء القرن الثاني عشر (المؤلف)


وسائلٍ عن العليّ الشانِ

هل نصّ فيه اللهُ بالقرآنِ

بأنّه الوصيُّ دون ثانِ

لأحمدَ المطهّرِ العدناني

فاذكر لنا نصّا به جليّا

أجبتُ يكفي خمُّ في النصوصِ

من آيةِ التبليغِ بالمخصوص

وجملةُ الأخبارِ والنصوصِ

غير الذي انتاشت يدُ اللصوص

وكتّمته ترتضي أميّا

أما سمعتَ يا بعيد الذهنِ

ما قاله أحمدُ كالمهنّي

أنت كهارونَ لموسى منّي

إذ قال موسى لأخيه اخلفني

فاسألهمُ لِمْ خالفوا الوصيّا

أما سمعتَ خبرَ المباهله

أما علمتَ أنّها مفاضله

بين الورى فهل رأى من عادله

في الفضلِ عند ربّه وقابله

ولم يكن قرّبه نجيّا (١)

أما سمعتَ أنّه أوصاهُ

وكان ذا فقرٍ كما تراهُ

فخصّ بالدين الذي يرعاهُ

فإن عداهُ وهو ما عداهُ

غادر ديناً لم يكن مرعيّا

فقال هل من آيةٍ تدلُ

على عليّ الطهرِ لا تُعلُ

بحيثُ فيها الطهرُ يستقلُ

تدنيه للفضلِ فيُقصى كلُ

ويغتدي من دونه مقصيّا

فقلتُ إنّ الله جلّ قالا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

وآلُ إبراهيم فازوا آلا

إنّا وهبنا لهمُ إفضالا

لسانَ صدقٍ منهمُ عليّا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.


فكان إبراهيم ربّانيّا

ثمّ رسولاً منذراً رضيّا

ثمّ خليلاً صفوةً صفيّا

ثمّ إماماً هادياً مهديّا

وكان عند ربّه مرضيّا

فعندها قال ومن ذريّتي

قال له لا لن ينالَ رحمتي

وعهديَ الظالمَ من بريّتي

أبتْ لملكي ذاك وحدانيّتي

سبحانهُ لا زال وحدانيّا (١)

فالمصطفى الآمرُ فينا الناهي

وعادمُ الأمثالِ والأشباهِ

فالفعلُ منه والمقامُ الزاهي

لم يصدرا إلاّ بأمر اللهِ

لم يتقوّل أبداً فريّا

إن كان غير ناطق عن الهوى

إلاّ بأمرٍ مبرمٍ من ذي القوى

فكيف أقصاهمْ وأدنى المجتوى (٢)

إذن لقد ضلّ ضلالاً وغوى

ولم يكن حاشا له غَويّا (٣)

لكنّما الأقوامُ في السقيفه

قد نصبوا برأيِهم خليفه

وكان في شغلٍ وفي وظيفه

من غُسلِ تلك الدرّةِ النظيفه

وحزنه الذي له تهيّا

حتى إذا قضى الخليفةُ انتخبْ

من عقدَ الأمرَ له بين العربْ

ثمّ قضى واختار منهم من أحبْ

وإن ت كن شورى فللشورى سببْ

إن كان ذا ترتيبهُ مقضيّا

ثمّ قضى ثالثُهم فانثالوا

له الرجال تتبعُ الرجالُ

فلم تسعْ غيرَ القبولِ الحالُ

فقام والرضا به محالُ

إذ كان كلٌّ يتمنّى شيّا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٠٧. (٢) جَوِيَ الشيء : كرهه ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.

(٣) جَوِيَ الشيء : كرهه ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.


فغاضبتْ أوّلهم ذاتُ الجمَلْ

وقام معْها الرجلان في العملْ

فردّهم سيفُ القضاءِ وفصلْ

ولم يكن قد سبقَ السيفُ العذلْ

فقد تأتّى حربهم مليّا

وغاضب الشاني لأمرٍ سالفِ

فاجتاحه ب ذي الفقارِ القاصفِ

وأصبح الناصرُ كالمخالفِ

إذ شُكّتِ الرماحُ بالمصاحفِ

وأخذ الإنحدار والرقيّا (١)

وكان أن يردَّ للتسليمِ

إذ ردّ للأحبشِ في الهزيمِ

فأعمل الحيلةَ في التحكيمِ

بأمر شيطانِهمُ الرجيمِ

ففي الرعاة حكّم الرعيّا

فلم يجد للكفّ من مناصِ

وأخذَ التحكيمَ بالنواصي

فجاء أهلُ الشامِ بابنِ العاصي

فاحتالَ فيها حيلةَ القنّاصِ

غرّ أبا موسى الاشعريّا

قام أبو موسى فويق المنبرِ

وقال إنّي خالعٌ لحيدرِ

كما خلعتُ خاتمي من خنصري

ثمّ جعلتها لنجلِ عمرِ

يا عمرو قم أنت اخلع الشاميّا

فقال عمرو أيّها الناس اشهدوا

أن خلعَ الذي له يعتمدُ

ثمّ اسمعوا قولي ولا تردّدوا

به فإنّي لابن هندٍ أعقِدُ

فاتّخذوه مذهباً عمريّا (٢)

فما ترى أنت بهذي الحالِ

من المقالِ ومن الأفعالِ

لا تُدخلِ المفتاحَ في الأقفالِ

تفتحْ عن الأضغانِ والأذحالِ

وما يكون في الحشا مطويّا

__________________

(١) كذا في المصدر.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢١٥ ـ ٢١٦.


إنّ عليّا عند أهل العلمِ

أوّل من سُمّي بهذا الإسمِ

قد ناله من ربّه في الحكمِ

على يدَي أخيه وابن العمِ

وحياً قديمَ الفضلِ عُدْمُليّا (١)

وهو الذي سُمّي في التوراةِ

عند الأُلى هادوا من الهداةِ

بالنصّ والتصريحِ في البراةِ

برغمِ من سيءَ من العداةِ

من كلّ عيبٍ في الورى بريّا

وهو الذي يُعرَفُ عند الكهنه

إذ جمعوا التوراةَ في الممتحنه

فأخذوا من كلّ شيء حسنه

وهم لتوراة الكليمِ الخزنه

ليوردوا الحقّ لهم بوريّا

وهو الذي يُعرَفُ في الإنجيلِ

برتبة الإعظامِ والتبجيلِ

وميزة الغرّةِ والتحجيلِ

وفوزةِ الرقيبِ للمجيلِ

وكان يُدعى عندهم أليّا (٢)

وهو الذي يُعرَفُ بالزبورِ

زبورِ داودَ حليفِ النورِ

وذي العلى والعلَمِ المنشورِ

في اسمِ الهزبرِ الأسد الهصورِ

ليث الوغى أعني به آريّا

وهو الذي تدعوه ما بين الورى

أكابرُ الهندِ وأشياخُ القرى

ذوو العلومِ منهمُ بكنكرا

لأنّه كان عظيماً خطرا

وكنكرٌ كان له سميّا

وهو الذي يُعرَفُ عند الرومِ

ببطرسِ القوّةِ والعلومِ

وصاحبِ السترِ لها المكتومِ

ومالكِ المنطوقِ والمفهومِ

ومن يكن ذا يُدعَ بطرسيّا

__________________

(١) العُدمُل : القديم. مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٣٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢٠.


وهو الذي يُعرَفُ عند الفرسِ

لدى التعاليم وعند الدرسِ

بغَرسنا وذاك إسمٌ قُدسي

معناه قابضٌ بكلّ نفسِ

كما دعوه عندهم باريّا

وهو الذي يُعرَف عند التركِ

تيرا وذاك مشبهُ الَمحَكّ

وأنّه يرفع كلَّ شكّ

عن كلّ حاكٍ قولُه ومحكي

إذا عرفت المنطقَ التركيّا

وهو الذي يدعونه في الحبشِ

بتريكَ أي مدبّرٌ لا يختشي

لقدرةٍ به وبطشٍ مدهشِ

وينعتونه بأقوى قرشي

فاسأل به من يعرِفُ الحبشيّا

وهو الذي يُعرَفُ عند الزنجِ

بحنبني أي مُهلكٌ ومُنجِ

وقاطع الطريق في المحجِ

إلاّ بإذنٍ في سلوك النهجِ

فإن أردتَ فاسأل الزنجيّا

وهو فريقٌ بلسانِ الأرمنِ

فاروقَة الحقِّ لكلّ مؤمنِ

تعرفُهُ أعلامهمْ في الزمنِ

فاسأل به إن كنت ممّن يعتني

تحقيقَهُ من كان أرمنيّا (١)

وهو الذي سمّته تلك الجوهره

إذ ولدت في الكعبة المطهّره

وخرجتْ به فقال الجمهره

من ذا فقالتْ هو شبلي حيدره

ولدتُه مُطهّراً قدسيّا

هذا وقد لقّبه ظهيرا

أبوه إذ شاهدَهُ صغيرا

يصرع من إخوانه الكبيرا

مُشمّراً عن ساعدٍ تشميرا

وكان عَبلاً فَتِلاً (٢) قويّا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.

(٢) عبل : الضخم الغليظ. فتل : من فتله ، وهي شدّة عصب الذراع. (المؤلف)


ولقّبته ظِئره (١) ميمونا

إذ رأتِ السعدَ به مقرونا

فكان درّا عندها مكنونا

يحمي أخا رضاعه المنونا

ثمّ يدرّ ثديها الأبيّا

واسم أخيه في بني هلالِ

معلّقُ الميمونِ بالحبالِ

يذكرُهُ في سمرِ الليالي

رجالُهم فاسمع من الرجالِ

موهبةً خصّ بها صبيّا

والاسمُ عند اللهِ في العُلى علي

وهو الصحيحُ والصريحُ والجلي

إشتقّه من إسمه في الأزلِ

كمثل ما اشتقّ لخيرِ الرسلِ

ومَنَحَ النبيّ والوصيّا

واتّفقت آراءُ أهلِ العلمِ

على اسمه من دون معنى الإسمِ

فاختلفت في قصدِهِ والفهمِ

له وكلٌّ لم يطشْ بسهمِ

إذ قد أصاب الغرضَ المرقيّا

فقال قومٌ قد عَلا برازا

أقرانَهُ وابتزّها ابتزازا

فما رآه القِرنُ إلاّ انحازا

وكان دوناً سافلاً فامتازا

فهو عليٌّ إذ علا العديّا

وقال قومٌ قد عَلا مكانا

متنَ النبيِّ ورمى الأوثانا

إذ لم يَطِق حملَ نبيٍّ كانا

من ثقلِ الوحيِ حكى ثهلانا (٢)

فنال منه المنزلَ العليّا

وقال فرقةٌ عليُّ الدارِ

في جنّة الخلد مع المختارِ

عَلاّه ذو العرش على الأبرارِ

في روضةٍ تزهو وفي أنهارِ

فنال منه المرتضى العلويّا (٣)

__________________

(١) الظئر : المرضعة. (المؤلف) (٢) ثهلان : جبل لبني نمير بن عامر ، طوله في الأرض مسيرة ليلتين. معجم البلدان ٢ / ٨٨. (٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٣٢.


وقال فرقةٌ عَلاهمْ علما

فكان أقضاهم لذاكَ حكما

ومن إلى القضاءِ قد تسمّى

يكون أعلى رفعةً وأسمى

فوالِ ذاك العالمَ السميّا

ودَع تآويلَ الكتابِ والخبرْ

وخُذ بما بانَ لديكَ وظهرْ

قد خاطبَ اللهُ به خيرَ البشرْ

ليفهموا الأحكامَ في بادي النظرْ

ويعرفوا النبيَّ والوصيّا

فاستمسكنْ بالعروة الوثقى التي

لم تنفصمْ عنه ولم تنفلتِ

تمشِ على الصراطِ لم تلتفتِ

في قدمٍ راسٍ وقلبٍ مثبتِ

حتى تجوزَ سالماً سويّا

إلى جنان الخلدِ في أعلى الرتبْ

إذ ينثني كلُّ امرئٍ مع من أحبْ

موهبةً ممّن له الشكرُ وجبْ

فهو أبرُّ خالقٍ وخيرُ ربْ

عزّ وجلَّ مَلِكاً قويّا

يا ربّ عبدك الذي غمرتَهُ

بالفضلِ والإنعامِ مذ صيّرتهُ

وقد عصى جهلاً وقد أمرتهُ

إن تابَ فالذنبُ له غفرتهُ

قد تبتُ فاغفر ذنبيَ العديّا

يا ربّ مالي عملٌ سوى الولا

لأحمدٍ وآلِهِ أهلِ العُلى

صنوِ الرسولِ والوصيِّ المبتلى

وفاطمٍ والحسنينِ في المَلا

غُرّا تزينُ العرشَ والكرسيّا

ثمّ عليٍّ وابنه محمدِ

وجعفرِ الصدقِ وموسى المهتدي

ثمّ عليٍّ والجوادِ الأجودِ

محمدٍ ثمّ عليِّ الأمجدِ

والحسن الذي جلا المهديّا

فأعطني بهم جمالَ الدنيا

وراحةَ القبرِ زمانَ البُقيا

والأمنَ والسترَ بحشر المحيا

والريَّ من كوثرِ أهلِ السقيا

والحشرَ معْهم في العلى سويّا


يا طلحُ إن تختم بهذا في العملْ

لم يدنُ منك فزعٌ ولا وجلْ

وأنت طلحُ الخيرِ إنْ جاء الأجلْ

بالأجر من ربّ الورى عزّ وجلْ

كفى بربّي راحماً كفيّا

وله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أنا مولىً لمن يقول رسول ال

ـله فيه ما بين جمٍّ غفيرِ

سوف تأتي يومَ القيامةِ ركبٌ

خمسةٌ ما لغيرِنا من ظهورِ

أنا منهم على البراقِ وبعدي

بَضعتي فاطمٌ تسيرُ مسيري

تحتها يوم ذاك ناقتيَ العض

ـباءُ تطوي الفجاجَ طيَّ المُغير

وأبي إبراهيمُ فوق ذلولٍ

عزَّ قدراً بنا على الجمهورِ

وأخي صالحٌ على ناقةِ الله

أمامي في العالمِ المحشورِ

وعليُّ على أغرَّ من الجن

نَة ما خطبُ نعتِه باليسيرِ (١)

في يديه من فوقِ رأسي لواءُ ال

ـحمد للواحد الحميد الشكورِ

وعليهِ تاجٌ بديعٌ من النو

رِ يُزاهي بإكليله المستديرِ

قد أضاءت من نوره عرصة الحش

ـر فيا حُسنَ ذاك من منظورِ

ولتاجِ الوصيِّ سبعون ركناً

كلُّ ركنٍ كالكوكب المستنيرِ (٢)

فلربّي الحمدُ الكثيرُ على ما

قد حباني من حبِّهِ بالكثيرِ

وله يرثي الإمام السبط المفدّى ـ صلوات الله عليه ـ :

يا قمراً غاب حين لاحا

أورثني فقدُكَ المناحا

يا نُوَبَ الدهرِ لم يدعْ لي

صرفُكِ من حادثٍ صلاحا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦٧.

(٢) : ٣ / ٢٦٥ مناقب آل أبي طالب.


أبَعدَ يومِ الحسينِ ويحي

أستعذبُ اللهوَ والمزاحا

كربت كي تهتدي البرايا

به وتلقى به النجاحا

فالدينُ قد لفَّ بردتيهِ

والشركُ ألقى لها جناحا

فصار ذاك الصباحُ ليلاً

وصار ذاك الدجى صباحا

فجاء إذ كاتبوه يسعى

لكي يُريها الهدى الصراحا

حتى إذا جاءهم تنحّوا

لا بل نَحوا قتلَه اجتياحا

وأنبتوا البيدَ بالعوالي

والقُضْبِ واستعجلوا الكفاحا

فدافعتْ عنهُ أولياهُ

وعانقوا البيضَ والرماحا

سبعون في مثلِهم أُلوفاً

فأثخنوا بينهم جِراحا

ثمّ قَضَوا جملةً فلاقوا

هناك سهمَ القضا المتاحا

فشدَّ فيهم أبو عليٍ

وصافحت نفسُهُ الصفاحا

يا غيرةَ اللهِ لا تُغيثي

منهم صياحاً ولا ضباحا (١)

ثمّ انثنى ظامئاً وحيداً

كما غدا فيهمُ وراحا

ولم يزل يرتقي إلى أن

دعاه داعي اللقا فصاحا

دونكمُ مهجتي فإنّي

دُعيت أن أرتقي الضراحا

فكلكلوا فوقَه فهذا

يقطعُ رأساً وذا جناحا

يا بأبي أنفساً ظِماءً

ماتت ولم تشربِ المُباحا

يا بأبي أوجهاً صِباحاً

باكرها حتفُها صَباحا

يا بأبي أجسماً تعرّتْ

ثمّ اكتست بالدماء وشاحا (٢)

يا سادتي يا بني عليٍ

بكى الهدى فقدكم وناحا

أوحشتمُ الحِجرَ والمساعي

آنستمُ القَفْرَ والبِطاحا

__________________

(١) الضباح : الصياح ، وهو في الأصل صوت الثعلب.

(٢) الوشاح : شبه قلادة من نسيج عريض يرصَّع بالجوهر. (المؤلف)


أوحشتمُ الذكرَ والمثاني

والسُّوَر الطوَّلَ الفصاحا (١)

لا سامحَ اللهُ من قَلاكم

وزادَ أشياعَكم سماحا

وله في الإمام الصادق ـ صلوات الله عليه :

عُجْ بالمَطيِّ على بقيع الغرقدِ

واقرَا التحيّة جعفرَ بنَ محمدِ

وقل : ابنَ بنت محمدٍ ووصيَّه

يا نورَ كلِّ هدايةٍ لم تجحدِ

يا صادقاً شهد الإلهُ بصدقِهِ

فكفى شهادةَ ذي الجلالِ الأمجدِ

يا ابن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى

يا نورَ حاضرِ سرِّ كلِّ موحِّدِ

يا ابن النبيِّ محمدٍ أنت الذي

أوضحتَ قصد ولاءِ آلِ محمدِ

يا سادسَ الأنوار يا علمَ الهدى

ضلّ امرؤٌ بولائِكمْ لم يهتدِ (٢)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ :

تخيّرهُ اللهُ من خلقِهِ

فحمّلَهُ الذكرَ وهو الخبيرُ

وأُنزِلَ بالسُّوَرِ المحكماتِ

عليه كتابٌ مبينٌ منيرُ

وأغشاه نوراً وناداه قمْ

وأنذرْ فأنتَ البشيرُ النذيرُ

فلاحَ الهدى واضمحلّ العمى

وولّى الضلالُ وعِيفَ الغرورُ

فوصّى عليّا فنعمَ الوصيُ

ونعمَ الوليُّ ونعمَ النصيرُ (٣)

وله من قصيدة في الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام قوله :

نصَّ على ستٍّ وستٍّ بعدَهُ

كلٌّ إمامٌ راشدٌ برهانُهُ

صلّى عليه ذو العلى ولم يزل

يغشاه منه أبداً رضوانُهُ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٢٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ / ٣٠٠.

(٣) مناقب آل أبي طالب] : ٢ / ٣٥] أشار بهذه الأبيات إلى حديث العشيرة المذكور في الجزء الثاني : ص ٢٧٨ ـ ٢٨٧. (المؤلف)


وله من قصيدة أخرى :

وقلت براثا كان بيتاً لمريمِ

وذاك ضعيفٌ في الأسانيدِ أعوجُ

ولكنّه بيتٌ لعيسى بن مريمِ

وللأنبياءِ الزهرِ مثوىً ومدرجُ

وللأوصياءِ الطاهرين مقامُهم

على غابرِ الأيّام والحقُّ أبلجُ

بسبعينَ موصىً بعد سبعينَ مرسلٍ

جباهُهمُ فيها سجودٌ تَشجّجُ

وآخرُهم فيها صلاةً إمامُنا

عليٌّ بذا جاءَ الحديثُ المنهّجُ

وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أهل البيت عليهم‌السلام :

ألستَ ترى جبريلَ وهو مقرَّبٌ

له في العلى من راحةِ القصدِ موقفُ

يقول لهم : أهلَ العبا أنا منكمُ

فمن مثلُ أهلِ البيتِ إن كنتَ تنصفُ

نعم آلُ طه خيرُ من وطأ الحصى

وأكرمُ أبصارٍ على الأرض تطرفُ

هم الكلماتُ الطيّباتُ التي بها

يُتاب على الخاطي فيُحبا ويُزلفُ

هم البركاتُ النازلاتُ على الورى

تعمُّ جميعَ المؤمنين وتكنفُ

هم الباقياتُ الصالحاتُ بذكرِها

لذا كرِها خيرُ الثوابِ المضعّفُ

هم الصلواتُ الزاكياتُ عليهمُ

يدلُّ المنادي بالصلاةِ ويعكفُ

هم الحرمُ المأمونُ آمن أهلُهُ

وأعداؤه من حولِه تتخطّفُ

هم الوجهُ وجهُ اللهِ والجنبُ جنبُهُ

وهم فُلك نوحٍ خابَ عنه المخلّفُ

هم البابُ بابُ اللهِ والحبلُ حبلُه

وعروتُه الوثقى تواري وتكنفُ

وأسماؤه الحسنى التي من دعا بها

أُجيبَ فما للناسِ عنها تحرّفُ (١)

ذكر السمعاني في الأنساب (٢) : أنّ العوني كان شاعر الشيعة ، وذكر الصحابة وثلبهم في قصيدة أوّلها :

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٤٤ ، ٢ / ٣٠٠ ، ٣ / ٣٤٢ ، ٤٥٣.

(٢) الأنساب : ٤ / ٢٦٠.


ليس الوقوف على الأطلال من شاني

سمعت أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا بلغه عنه سبُّ الصحابة ، أمر به فضرب بالعمود بالمدينة فمات فيه.

قال الأميني : خفي على السمعاني اسم العوني وعصره ومدفنه ، وأنّ القصيدة النونية المذكورة إنّما هي لأبي محمد عبد الله بن عمّار البرقي أحد شعراء أهل البيت ، وُشي به إلى المتوكِّل وقُرئت له نونيّته ، فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوا نه ، ففُعل به ذلك ومات بعد أيام ، وذلك سنة (٢٤٥). ومن النونيّة قوله :

فهو الذي امتحنَ اللهُ القلوبَ به

عمّا يجمجمنَ من كفرٍ وإيمانِ

وهو الذي قد قضى اللهُ العليُّ له

أن لا يكونَ له في فضلِهِ ثانِ

وإنّ قوماً رجوا إبطال حقِّكمُ

أمسوا من الله في سخطٍ وعصيانِ

لن يدفعوا حقَّكم إلاّ بدفعهمُ

ما أنزلَ اللهُ من آيٍ وقرآنِ

فقلِّدوها لأهل البيتِ إنّهمُ

صنوُ النبيّ وأنتمْ غيرُ صنوانِ



ـ ٣٢ ـ

ابن حمّاد العبدي

ـ ١ ـ

ألا قُل لسلطانِ الهوى كيف أعملُ

لقد جار من أهوى وأنتَ المؤمّلُ

أَأُبدي إليك اليوم ما أنا مضمرٌ

من الوجدِ في الأحشاءِ أم أتحمّلُ

وما أنا إلاّ هالكٌ إن كتمتُهُ

ولا شكّ كتمانُ الهوى سوف يقتلُ

فخذ بعضَ ما عندي وبعضٌ أصونُهُ

فإن رمتُ صونَ الكلّ فالحالُ مشكلُ

لقد كنتُ خلواً من غرامٍ وصبوةٍ

أبِيتُ وما لي في الهوى قطُّ مدخلُ

إلى أن دعاني للصبابةِ شادنٌ

تحيّرُ فيه الواصفون وتذهلُ

بديعُ جمالٍ لو يَرى الحسنُ حسنَه

لقرَّ اختياراً أنّه منه أجملُ

فسبحانَ من أنشاه فرداً بحسنِهِ

فلا تعجبوا فاللهُ ما شاء يفعلُ

دعاني فلم ألبث ولبّيتُ عاجلاً

وما كنت لولا ذلك الحسنُ أعجلُ

بذلتُ له روحي وما أنا مالكٌ

وفي مثله الأرواحُ والمالُ تُبذَلُ

وصرتُ له خِدناً ثلاثينَ حجّةً

أُعانق منه الشمسَ والليلُ أليلُ

بسمعيَ وَقرٌ إن لحا فيهِ كاشحٌ

كذاك به عن عذلِ من راح يعذلُ

إلى أن بدا شيبي ولاحَ بياضُهُ

كما لاح قرنٌ من سنا الشمس مسدلُ

وبدّل وصلي بالجفا متعمِّداً

وما خلتُه للهجرِ والصدّ يفعلُ

فحاولته وصلاً فقال ليَ ابتدئ

وإلاّ يميناً إنّه ليس يقبلُ

وفرَّ كما من حيدرٍ فرَّ قرنُهُ

وقد ثار من نقعِ السنابكِ قسطَلُ


غداةَ رأتهُ المشركون وسيفُهُ

بكفّيه منه الموتُ يجري ويهطلُ

حسامٌ كصلّ الريمِ في جنباتِهِ

دبيبٌ كما دبّت على الصخرِ أنملُ

إذا ما انتضاه واعتزى وسطَ مأزقٍ

تزلزل خوفاً منه رضوى ويذبلُ

به مرحبٌ عضّ الترابَ معفّراً

وعمرو بن ودٍّ راح وهو مجدّلُ

وقام به الإسلامُ بعد اعوجاجه

وجاء به الدين الحنيف يُكمّلُ

إلى أن يقول فيها :

هو الضاربُ الهاماتِ والبطلُ الذي

بضربتِهِ قد ماتَ في الحالِ نوفلُ

وعرّجَ جبريلُ الأمينُ مصرِّحاً

يكبِّرُ في أُفق السما ويهلّلُ

أخو المصطفى يومَ الغديرِ وصنوُهُ

ومُضجِعُهُ في لحدِه والمغسِّلُ

له الشمس رُدّت حين فاتتْ صلاتُهُ

وقد فاته الوقتُ الذي هو أفضلُ

فصلّى فعادتْ وهي تهوي كأنّها

إلى الغربِ نجمٌ للشياطين مُرسَلُ

أما قال فيهِ أحمدٌ وهو قائمٌ

على منبرِ الأكوار والناسُ نُزّلُ (١)

عليٌّ أخي دون الصحابةِ كلِّهم

به جاءني جبريلُ إن كنتَ تسألُ

عليٌّ بأمرِ الله بعدي خليفةٌ

وصيّي عليكم كيف ما شاء يفعلُ

ألا إنّ عاصيهِ كعاصي محمدٍ

وعاصيه عاصي الله والحقُّ أجملُ

ألا إنّه نفسي ونفسيَ نفسُه

به النصُّ أنبا وهو وحيٌ منزّلُ

ألا إنّني للعلمِ فيكمْ مدينةٌ

عليٌّ لها بابٌ لمن رام يدخلُ

ألا إنّه مولاكمُ ووليّكمْ

وأقضاكمُ بالحقِّ يقضي ويعدلُ

فقالوا جميعاً قد رضيناه حاكماً

ويقطعُ فينا ما يشاءُ ويوصلُ

ويكفيكمُ فضلاً غداةَ مسيرِهِ

إلى يثربٍ والقومُ تعلو وتسفلُ

وقد عطشوا إذ لاحَ في الديرِ قائمٌ

لهم راهبٌ جمُّ العلوم مكمّلُ

__________________

(١) في بعض المصادر : والجمع حُفَّلُ. (المؤلف)


فناداه من بُعدٍ وأعلا بصوتِهِ

فكاد على خوفٍ من الرعبِ ينزلُ

فأشرف مذعوراً فقال : فهل ترى

بقربِكَ ماءً أيّها المتبتِّلُ

فقال وأنّي بالمياهِ وأرضُنا

جبالٌ وصخرٌ لا ترامُ وجندلُ

ولكنّ في الإنجيلِ أنّ بِقُربِنا

على فرسخينِ لا محالة منهلُ (١)

ولم يَره إلاّ نبيٌّ مطهّرٌ

وإلاّ وصيٌّ للنبيِّ مفضّلُ

فسار على اسمِ اللهِ للماءِ طالباً

وراهبُ ذاك الدير بالعين يأملُ

فأوقفَ والفرسانُ حول ركابِه

ونارُ الظما في أنفسِ القومِ تشعلُ

فقال لهم يا قومِ هذا مكانكُمْ

فمن رامَ شربَ الماءِ للحفرِ ينزلُ

فما كان إلاّ ساعةً ثمّ أشرفوا

على صخرةٍ صمّاء لا تتقلقلُ

لُجينيّةً مَلْساً كأنّ أديمَها

أُذيب عليها التبر أو ريفَ منخلُ

فقال اقلبوها فاعتزوا عند أمرِهِ

على ذاك كُلاّ وهي لا تتجلجلُ

فقالوا جميعاً يا عليُّ فهذه

صفاتٌ بها تعيا الرجال وتذهلُ

فمدّ إليها ما انحنى فوق سرجِهِ

يميناً لها إلاّ غدت وهي أسفلُ

وزجَّ بها كالعود في كفِّ لاهبٍ

فبان لهم عذبٌ من الماء سلسلُ

فأوردهم حتى اكتفوا ثمّ عادها

على الجبِّ لا يعيا ولا يتململُ

فلمّا رآها الراهبُ انحطَّ مسرعاً

لكفّيهِ ما بين الأنام يُقبِّلُ

وأسلم لمّا أن رأوا هو قائلٌ

أظنّك آليّا وما كنت أجهلُ

القصيدة (١٠٤) أبيات

ـ ٢ ـ

من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ :

لَعمرُكَ يا فتى يومِ الغديرِ

لأنت المرءُ أولى بالأمورِ

وأنت أخٌ لخيرِ الخلقِ طرّا

ونفسٌ في مباهلةِ البشيرِ

__________________

(١) كذا بالرفع ، والصواب نصبها : لأنّها اسم أنّ مؤخّراً.


وأنت الصنوُ والصهرُ المزكّى

ووالدُ شبّرٍ وأبو شبيرِ

وأنت المرءُ لم تحفلْ بدنياً

وليس له بذلك من نظيرِ

لقد نبعتْ له عينٌ فظلّتْ

تفورُ كأنّها عنقُ البعيرِ

فوافاه البشيرُ بها مغذّا

فقال عليُّ أبشر يا بشيري

لقد صيّرتُها وقفاً مُباحاً

لوجهِ اللهِ ذي العزِّ القديرِ

وكان يقولُ يا دنياي غرّي

سواي فلستُ من أهلِ الغرورِ

وصابرَ مع حليلتِهِ الأذايا

فنالا خيرَ عاقبةِ الصبورِ

وقالت أمُ أيمنَ جئتُ يوماً

إلى الزهراءِ في وقتِ الهجيرِ

فلمّا أن دنوتُ سمعتُ صوتاً

وطحناً في الرحاءِ بلا مُديرِ

فجئتُ البابَ أقرعُهُ نغوراً

فما من سامعٍ ليَ في نغوري

فجئت المصطفى وقصصتُ شأني

وما أبصرتُ من أمرٍ زعورِ

فقال المصطفى شكراً لربٍ

بإتمام الحَباء لها جديرِ

رآها اللهُ مُتعَبةً فألقى

عليها النوم ذو المنِّ الكثيرِ

ووكّل بالرحا مَلَكاً مُديراً

فعدتُ وقد ملئتُ من السرورِ

تزوّجَ في السماءِ بأمر ربّي

بفاطمةَ المهذّبةِ الطهورِ

وصيّر مهرها خمسَ الأراضي

بما تحويه من كَرَمٍ وخيرِ

فذا خيرُ الرجال وتلك خيرُ

النساءِ ومهرُها خير المهورِ

وإبناها الأُلى فضلوا البرايا

بتنصيصِ اللطيفِ بها الخبيرِ

وصيّر ودّهم أجراً لطه

بتبليغِ الرسالةِ في الأجورِ

بيان : في هذه القصيدة إيعاز إلى جملة من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، منها :

حديث المؤاخاة الذي أسلفناه في (٣ / ١١٢ ـ ١٢٥) ، وقصّة المباهلة وأنّه فيها


نفس النبيّ الأقدس بنصّ من الكتاب (١).

ومنها : حديث نبعة العين ، أخرجه الحافظ ابن السمّان في الموافقة ، وعنه محبّ الدين الطبري في رياضه (٢) (٢ / ٢٢٨): أنّ عمر أقطع عليّا ينبع ، ثمّ اشترى أرضاً إلى جنب قطعته فحفر فيها عيناً ، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء ، فأُتي عليٌّ فبُشِّر بذلك ، فقال : بشِّروا الوارث ثمّ تصدّق بها (٣).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه (٤) (٢ / ٢٦٠):

جاء في الأثر : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جاءه مخبرٌ فأخبره أنّ مالاً له قد انفجرت فيه عينٌ خرّارةٌ يبشِّره بذلك. فقال : بشِّر الوارث ، بشِّر الوارث ـ يكرّرها ـ ثمّ وقف ذلك المال على الفقراء ، وكتب به كتاباً في تلك السا عة.

وإلى صدقات أمير المؤمنين في ينبع أشار الحموي في معجم البلدان (٥) (٨ / ٢٥٦) ، والسمهودي في وفاء الوفاء (٦) (٢ / ٣٩٣) وغيرهما.

ومنها : قوله عليه‌السلام : «يا دنيا غرّي غيري» أخرجه جمعٌ من الحفّاظ كما مرّفي (٢ / ٣١٩).

ومنها : حديث طحن الرحا بلا مدير. أخرجه الحفّاظ بلفظ أبي ذرّ الغفاري ، قال : أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينادي عليّا ، فرأى رحىً تطحن في بيته وليس معها

__________________

(١) في قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). آل عمران : ٦١. (المؤلف)

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ١٨٣.

(٣) وبهذا اللفظ يوجد في : الإمام عليّ ، تأليف الشيخ محمد رضا المصري : ص ١٧. (المؤلف)

(٤) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٩٠ خطبة ١١٩.

(٥) معجم البلدان : ٥ / ٤٥٠.

(٦) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٣٤.


أحد ، فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال : «يا أبا ذر ، أما علمت أنّ لله ملائكةً سيّاحين في الأرض قد وُكّلوا بمعاونة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

ومنها : حديث زواج الزهراء الصدّيقة ، ذكرناه في (٢ / ٣١٥ ـ ٣١٩ و ٣ / ٢٠).

ومنها : أنّ ودّ آل محمدأجر رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد مرَّ تفصيله في (٢ / ٣٠٦ ـ ٣١١).

ـ ٣ ـ

من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أرضِ الإلهَ وأسخطِ الشيطانا

تُعطَ الرضا في الحشرِ والرضوانا

وامحض ولاءَك للذين ولاؤهمْ

فرضٌ على من يقرأ القرآنا

آلُ النبيّ محمدٍ خيرُ الورى

وأجلّهم عند الإله مكانا

قومٌ قوامُ الدينِ والدنيا بهمْ

إذ أصبحوا لهما معاً أركانا

قومٌ إذا أصفى هواهم مؤمنٌ

يُعطى غداً ممّا يخافُ أمانا

قومٌ يطيعُ اللهَ طائعُ أمرِهمْ

وإذا عصاهُ فقد عصى الرحمانا

وهمُ الصراطُ المستقيمُ وحبُّهمْ

يومَ المعادِ يثقِّلُ الميزانا

واللهُ صيّرَهمْ لمحنةِ خلقِهِ

بين الضلالةِ والهدى فرقانا

حفظوا الشريعةَ قائمين بحفظِها

ينفون عنها الزورَ والبهتانا

وأتى القرانُ بفرضِ طاعتهمْ على

كلِّ البريّةِ فاسمعِ القرآنا

وتوالتِ الأخبارُ أنّ محمداً

بولائهم وبحفظهم أوصانا

من سبّحت في كفّه بيضُ الحصى

ليكونَ ذاك لصدقِهِ تبيانا

__________________

(١) سيرة الملاّ ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٢٣ [٣ / ١٧٧] ، الصواعق المحرقة : ص ١٠٥ [ص ١٧٦] ، إسعاف الراغبين : ص ١٥٨ ، أعجب ما رأيت : ١ / ٨ ، الإمام عليّ للشيخ محمد رضا : ص ١٨. (المؤلف)


من أنزلَ اللهُ الكتابَ عليه في

كلِّ العلومِ ليغتدي برهانا

من بلّغ الدنيا بنصبِ وصيِّهِ

يومَ الغديرِ ليكملَ الإيمانا

من ذا له يومَ الغديرِ فضيلةٌ

إذ لا تطيقُ لفضلِهِ جحدانا

من آكلُ الطيرِ الذي لم يستطعْ

خلقٌ له جَحْداً ولا كتمانا

من آكلُ القطفِ الجنيّ على حرىً (١)

وإليه أهدى ربّه رمّانا

من فيه أنزل هل أتى ربُّ العُلى

وجزاه حورَ العين والولدانا

من نصَّ أحمدُ في مزاياه التي

لم يُعطِها ربُّ العلى إنسانا

من لا يواليه سوى ابنُ نجيبةٍ

حفظت أباه وراعت الرحمانا

القصيدة (٢٧) بيتاً

ـ ٤ ـ

يمدح أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ يوم الغدير :

يا عيدَ يومِ الغديرِ

عُد بالهنا والسرورِ

ففيك أضحى عليٌ

أميرَ كلِّ أميرِ

غداةَ جبريلُ وافى

من السميعِ البصيرِ

وقال يا أحمدُ انزل

بجنبِ هذا الغديرِ

بلّغ وإلاّ فما كن

ـت قائماً بالأمورِ

فأنزلَ الجمعَ كُلاّ

ثمّ اعتلى فوق كورِ

وقال قد جاءَ أمرٌ

من اللطيفِ الخبيرِ

بأن أقيمَ عليّا

خليفةً في مسيري

فبايعوه فما في ال

ـورى له من نظيرِ

إمامُ كلِّ إمامٍ

مولىً لكلِّ كبيرِ

__________________

(١) الحَرَى : الجدارة والاستحقاق.


بابٌ إلى كلّ رشدٍ

نورٌ علا كلّ نورِ

وحجّةُ اللهِ بعدي

على الجَحودِ الكفورِ

وبعده الغرّ منه

فَهُمْ كعدّ الشهورِ

أسماؤهم في المثاني

كثيرةٌ للذكورِ

في صُحفِ موسى وعيسى

مكتوبةٌ والزبورِ

ما زال في اللوح سطراً

يلوح بين السطورِ

تزور أملاك ربّي

منهُ لخيرِ مزورِ

وأشهد الله فيما

أبدى وكلّ الحضورِ

فقام من حلَّ خُمّا

من بين جمّ غفيرِ

وبايعوه بأيدٍ

مخالفاتِ الضميرِ

واللهُ يعلم ماذا

أخفوا بذاتِ الصدورِ

 ـ ٥ ـ

وله يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

ما لعليّ سوى أخيهِ

محمدٍ في الورى نظيرُ (١)

فَداهُ إذ أقبلت قريشٌ

إليه في الفرش تستطيرُ

وكان في الطائفِ انتجاه

فقال أصحابُه الحضورُ

أطلتَ نجواك من عليٍ

فقال ما ليس فيه زورُ

ما أنا ناجيتُهُ ولكن

ناجاه ذو العزّةِ الخبيرُ

وقال في خمّ إنّ عليّا

خليفةٌ بعده أميرُ

وكان قد سدّ بابَ كلٍ

سواه فاستغرت الصدورُ

__________________

(١) أشار به إلى ما أخرجه الحافظ محبّ الدين الطبري في رياضه : ٢ / ١٦٤ [٣ / ١٠٨] عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : «ما من نبيّ إلاّ وله نظير من أمّته ، وعليّ نظيري». ورواه غيره من الحفّاظ. (المؤلف)


وأكثروا القول في عليٍ

بذا ودبّت له الشرورُ

فقال ما تبتغون منه

وهو سميعٌ لهم بصيرُ

ما أنا أوصدتُها ولكن

أوصدها الآمرُ القديرُ

يا قوم إنّي امتثلتُ أمراً

أوحاه لي الراحمُ الغفورُ

فكان هذا له دليلاً

بأنّه وحده الظهيرُ

 ـ ٦ ـ

وله من قصيدة كبيرة في مدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

وقال لأحمد بلّغ قريشاً

أكن لك عاصماً ان تستكينا

فإن لم تُبلغِ الأنباءَ عنّي

فما أنت المبلّغَ والأمينا

فأنزل بالحجيجِ غديرَ خمّ

وجاء به ونادى المسلمينا

فأبرزَ كفَّه للناس حتى

تبيَّنها جميعُ الحاضرينا

فأكرمْ بالذي رُفِعتْ يداه

وأكرم بالذي رفعَ اليمينا

فقال لهم وكلُّ القومِ مُصغٍ

لمنطقِهِ وكلٌّ يسمعونا

ألا هذا أخي ووصيُّ حقّ

وموفي العهد والقاضي الديونا

ألا من كنت مولاه فهذا

له مولىً فكونوا شاهدينا

تولّى اللهُ من والى عليّا

وعادى مبغضيه الشانئينا

وجاء عن ابن عبد الله (١) أنّا

به كنّا نميزُ المؤمنينا

فنعرفهم بحبّهمُ عليّا

وأنّ ذوي النفاقِ لَيُعرَفونا

ببغضهمُ الوصيَّ ألا فبُعداً

لهم ماذا عليهم ينقمونا

__________________

(١) ابن عبد الله : هو جابر الأنصاري. أخرج الحفّاظ حديثه هذا كما مرّ في الجزء الثالث : ص ١٨٢. (المؤلف)


وممّا قالت الأنصارُ كانت

مقالةَ عارفين مجرّبينا

ببغضهمُ عليّ الهادي عرَفنا

وحقّقنا نفاقَ منافقينا

 ـ ٧ ـ

من قصيدة له يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

يومُ الغدير لأشرفُ الأيّامِ

وأجلُّها قدراً على الإسلامِ

يومٌ أقامَ اللهُ فيه إمامَنا

أعني الوصيَّ إمامَ كلِّ إمامِ

قال النبيُّ بدوحِ خمّ رافعاً

كفَّ الوصيِّ يقولُ للأقوامِ

من كنتُ مولاه فذا مولىً له

بالوحي من ذي العزّة العلاّمِ

هذا وزيري في الحياة عليكمُ

فإذا قضيتُ فذا يقوم مقامي

ياربّ والِ من أقرَّ له الولا

وانزل بمن عاداه سوءَ حِمام

فتهافتت أيدي الرجالِ لبيعةٍ

فيها كمال الدين والإنعامِ

 ـ ٨ ـ

من قصيدة له يمدحه عليه‌السلام :

ترومُ فسادَ دليلِ النصوصِ

ونصراً لإجماعِ ما قد جمعْ

ألم تستمعْ قولَه صادقاً

غداةَ الغديرِ بماذا صدعْ

ألا إنّ هذا وليٌّ لكمْ

أطيعوا فويلٌ لمن لم يُطِعْ

وقال له أنت منّي أخي

كهارونَ من صنوِهِ فاقتنعْ

وقال له أنت بابٌ إلى

مدينة علمي لمن ينتجِعْ

وقال لكم هو أقضاكمُ

وكلٌّ لمن قد مضى متّبعْ

ويومَ براءةَ نصَّ الإلهُ

جلَّ عليه فلا تختدعْ

وسمّاه في الذكرِ نفسَ الرسولِ

يومَ التباهلِ لمّا خشعْ

ويومَ المواخاةِ نادى به

أخوك أنا اليوم بي فارتفعْ


ويومَ أتى الطير لمّا دعا

النبيُّ الإلهَ وأبدى الضرعْ

أيا ربِّ إبعثْ أحبَّ الأنامِ

إليك لنأكلَ في مجتمعْ

فلم يستتمَّ النبيُّ الدعاءَ

إلاّ وقد جاء ثمّ ارتجعْ

ثلاثَ مرارٍ فلمّا انتهى

إلى الباب دافعهَ واقتلعْ

فقال النبيُّ له ادخل فقد

أطلتَ احتباسَك يا ذا الصلعْ

فخبّرهُ أنّه قد أتى

ثلاثاً ودافعه من دفعْ

فقطّبَ في وجه من ردّه

وأنكر ما بأخيه صنعْ

ووارثَهُ بَرَصاً فاحشاً

فظلّ وفي الوجهِ منه بقعْ

ففيمَ تخيّرتمُ غيرَ من

تخيّره ربُّكم واصطنعْ

وكيف تعارضُ هذي النصوص

بإجماع ذي الحقد أو ذي الطمعْ

ـ ٩ ـ

وله من قصيدة في المديح :

يا سائلي عن حيدرٍ أعييتني

أنا لستُ في هذا الجوابِ خليقا

اللهُ سمّاه عليّا باسمهِ

فسما علوّا في العلى وسموقا

واختاره دون الورى وأقامَهُ

عَلماً إلى سُبلِ الهدى وطريقا

أخذ الإلهُ على البريّةِ كلِّها

عهداً له يومَ الغديرِ وثيقا

وغداة واخى المصطفى أصحابَهُ

جعلَ الوصيَّ له أخاً وشقيقا

فرقَ الضلالَ عن الهدى فرقى إلى

أن جاوزَ الجوزاءَ والعيّوقا

ودعاه أملاكُ السماءِ بأمرِ من

أوحى إليهم حيدرَ الفاروقا

وأجاب أحمدَ سابقاً ومصدِّقاً

ما جاء فيه فُسمّي الصدّيقا

فإذا ادّعى هذي الأسامي غيرُه

فليأتِنا في شاهدٍ توثيقا

أشار إلى ما مرّ في (٢ / ٣١٢ ـ ٣١٤ و ٣ / ١٨٧) من أنّ عليّا هو صدّيق هذه


الأمّة وفاروقها بنصّ صحيح ثابت من النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ ١٠ ـ

من قصيدة له يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

ياراكباً أُجُداً (١) تخبُّ وتوضع (٢)

فى سرعةٍ والشوقُ منها أسرعُ

للهِ ما أخطاك من رجلٍ له

عند الغريّ لبانةٌ لا تمنعُ

يُجلى عليك من الهدايةِ مشرقٌ

ومن الإمامةِ والولايةِ مطلعُ

جدثٌ به نورُ الهدى مستودعٌ

في ضمنه العلَمُ البطينُ الأنزعُ

جدثٌ يدلّ عليهِ طيبُ نسيمِهِ

قبلَ الورودِ وضوءُ نورٍ يلمعُ

جدثٌ ربيعُ المؤمنين بربعِهِ

فقلوبُهمْ أبداً لهُ تتطلّعُ

جدثٌ به الرضوانُ والغفرانُ وال

إيمانُ والفضلُ الذي تتوقّعُ

جدثٌ تحجُّ إليه أملاكُ السما

إذ في جوانبِهِ المناسكُ أجمعُ

بعضٌ قيامٌ خاضعون لفضله

أبداً وبعضٌ ساجدون وركّعُ

فإذا وصلتَ إليهِ فالثمْ تربَهُ

في مدمعٍ يجري وقلبٍ يخشعُ

وقلِ السلامُ عليك يا مولىً يرى

عملي ويشهدُ ما أقولُ ويسمعُ

إنّي قصدتُكَ زائراً ومسلّماً

وموالياً يا من يضرُّ وينفعُ

لتكون لي يوم القيامة شافعاً

وهواك يقدمُني إليك ويشفعُ

عجباً لعُميٍ عن ولاك ونورُه

كالشمسِ طالعةً تضيءُ وتسطعُ

فكأنّهم لم يسمعوا ما قاله

فيك المهيمنُ في الكتابِ ولم يَعوا

أوليس من يهدي إلى الحقّ الذي

يُنجي أحقّ بالاتّباعِ فيتبعُ

أولم يك السورَ الذي أضحى له

بابٌ وفيه للمحاول مقمعُ

__________________

(١) ناقة أُجُد : قويّة. (المؤلف)

(٢) الخبب : ضرب من العدْو. والوضع : ضرب من العدْو فوق الخبب.


والبابُ باطنُه المغيّبُ رحمةٌ

لكنّ ظاهرَهُ العذابُ الأفظعُ

تركوا سبيلَ الرشدِ بعد نبيَّهم

سفهاً وتاهوا في العمى وتسكّعوا

أنّى ينال مفاخرٌ فخر امرئٍ

ساد البريّةَ وهو طفلٌ يرضعُ

واللهِ ما قعدَ الوصيُّ لذلّةٍ

عنهم فإنّهمُ أذلُّ وأوضعُ

لكنْ أرادَ بأن يُقيمَ عليهمُ ال

ـحُجَجَ التي أسبابُها لا تُدفعُ

غدروا به يومَ الغديرِ ولم يفوا

ولعهدِهِ المسؤولِ منهم ضيّعوا

يا قاسمَ النيرانِ أقُسِمُ صادقاً

بهواكَ حلفةَ مؤمنٍ يتشيّعُ

أنت الصراطُ المستقيمُ على لظىً

وإليك منها يا عليُّ المفزعُ

والحوضُ حوضُك فيه ماءٌ باردٌ

في البعثِ تسقي من تشاءُ وتمنعُ

ولك المفاتحُ أنت تُسكِنُ ذا لظىً

يصلى وهذا في الجِنانِ يُمتّعُ

إنّي زرعتُ هواك في أرضِ الحشا

والمرءُ يحصدُ في غدٍ ما يزرعُ

 ـ ١١ ـ

من قصيدة له يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

عليٌّ عليُّ القدرِ عند مَليكِهِ

وإن أكثرتْ فيه الغواةُ ملامَها

وعروتُه الوثقى التي من تمسّكتْ

يداهُ بها لم يخشَ قطُّ انفصامَها

فكم ليلةٍ ليلاءَ للهِ قامها

وكم ضحوةٍ مسجورةِ الحرِّ صامَها

وكم غمرةٍ للموتِ في اللهِ خاضَها

وأركانِ دينٍ للنبيّ أقامَها

فواخاه من دونِ الأنامِ فيالَها

غنيمةَ فوزٍ ما أجلَّ اغتنامَها

وولاّه في يومِ الغديرِ على الورى

فأصبح مولاها وكان إمامَها

هو المختلي في بدر أرؤسَ صِيدِها

كما تختلي شهبُ البُزاةِ حَمامَها (١)

__________________

(١) إختلى الرؤوس : جمعها.


وصاحبُ يومِ الفتحِ والرايةِ التي

برجعتها أخزى الإله دَلامَها (١)

فقال سأعطيها غداً رجلاً بها

مُلبّا يُوفّي حقّها وذمامَها

وقال له خُذ رايتي وامضِ راشداً

فما أنا أخشى من يديك انهزامَها

فمرَّ أميرُ المؤمنينَ مشمِّراً

برايتِهِ والنصرُ يسري أمامَها

وزجّ ببابِ الحصنِ عن أهلِ خيبرٍ

وسقى الأعادي حتفَها وحمامَها

وجدّل فيها مرحباً وهو كبشُها

وأوسعَ آنافَ اليهودِ ارتغامَها

وسل عنه في سلعٍ وعن عظمِ فعلِهِ

بعمروٍ ونارُ الحربِ تذكي اضطرامَها

وأفئدةُ الأبطالِ ترجفُ هيبةً

وقد أخفتَ الرعبُ الشديدُ كلامَها

فقام إليه من أقامَ بسيفِهِ

حلائلَهُ ثكلى تطيلُ التدامَها (٢)

وقال على تأويلِ ما اللهُ منزلٌ

تُقاتلُ بعدي يا عليُّ طِغامَها

فقاتلَ جيشَ الناكثين لعهدِهمْ

وأثكلَ يومَ القاسطين شآمَها

وأجرى بيوم المارقين دماءَهم

وأخلى من الأجسامِ بالسيفِ هامَها

 ـ ١٢ ـ

من قصيدة له يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

ولاءُ المرتضى عُدَدي

ليومي في الورى وغَدي

أميرُ النحل مولى الخل

ـقِ في خُمٍّ على الأبدِ

غداةَ يبايعون المر

تضى أمراً بمدِّ يدِ

شبيهُ المصطفى بالفض

ـل لم ينقص ولم يزدِ

وجنبُ الله في الكتبِ

وعينُ الواحدِ الصمدِ

فلن تلدَ النسا شبهاً

له كَلاّ ولم تلدِ

__________________

(١) الدلام : السواد.

(٢) التدام النساء : ضربهن وجوههن وصدورهن في النياحة.


مجلّي الكربِ يومَ الحر

بِ في بدرٍ وفي أُحدِ

وخيبرَ والنضير كذا

وسل عن خندقِ البلدِ

إذ الهيجاءُ هاجَ لها

بقلبٍ غيرِ مرتعدِ

ترى الأبطالَ باطلةً

لخوفِ الفارسِ الأسدِ

فأنفسُهمْ مودّعةٌ

لهمْ بتنفّس الصعدِ

وقد خفتوا لهيبتِهِ

فلستَ تحسُّ من أحدِ

فلم تسمعْ لغيرِ البي

ـضِ فوق البيضِ والزردِ (١)

ولشاعرنا العبدي غديريّات أخرى ، يأتي بعضها ونصفح عن بعضها.

الشاعر

أبو الحسن عليّ بن حمّاد بن عبيد الله بن حمّاد العدويّ العبديّ (٢) البصريّ.

كان حمّاد والد المترجَم أحد شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ، كما ذكره ولده شاعرنا في شعره بقوله من قصيدة :

وإنّ العبدَ عبدُكمُ عليّا

كذا حمّاد عبدُكمُ الأديبُ

رثاكمْ والدي بالشعرِ قبلي

وأوصاني به أن لا أغيبُ

والمترجَم له عَلَمٌ من أعلام الشيعة ، وفذٌّ من علمائها ، ومن صدور شعرائها ، ومن حفظةِ الحديثِ المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه ، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله (٣) : قد رأيته. غير أنّه يروي عنه كتب أبي أحمد الجلودي البصري المتوفّى

__________________

(١) الزرْد والزرَد : حلق المغفر والدرع. (المؤلف)

(٢) نسبة إلى عبد القيس ، كما يأتي في شعر المترجم [ص ٢١٨]. (المؤلف)

(٣) رجال النجاشي : ص ٢٤٤ رقم ٦٤٠.


سنة (٣٣٢) بواسطة الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري المتوفّى سنة (٤١١) ، فهو من مشايخ هذا الشيخ المعظّم الواقعين في سلسلة الإجازات ، والمعدودين من مشايخ الرواة ، وأساتذة حملة الحديث ، وحسبه ذلك دلالةً على ثق ته وجلالته ، وتضلّعه في العلم والحديث.

وأمّا الشعر فلا يشكّ أحدٌ أنّه من ناشري ألويته ، وعاقدي بنوده ، ومنظّمي صفوفه ، وقائدي كتائبه ، وسائقي مقانبه (١) ، وجامعي شوارده ، وقد اطّرد ذكره في المعاجم (٢) ، كما تداول شعره في الكتب والمجاميع ، وهو من المكثرين في أهل البيتعليهم‌السلام مدحاً ورثاءً ، ولقد أكثر وأطاب ، وجاهر بمديحهم وأذاع ، حتى عدّه ابن شهرآشوب في المجاهرين من شعرائهم ، وجمع شعره فيهم ـ صلوات الله عليهم ـ مدحاً ورثاءً العلاّمة السماوي في ديوان يربو على (٢٢٠٠) بيت ، وجُلّ شعره يشفّ عن تقدّمه الظاهر في الأدب ، وأشواطه البعيدة في فنون الشعر ، وخطواته الواسعة في صياغة القريض ، كما أنّه ينمُّ عن علمه المتدفِّق ، وتضلّعه في الحديث ، وبذل كلّه في بثّ فضائل آل الله ، وجمعِ شوارد الحقائق الراهنة في المذهب الحقّ ، ونشر ما ورد منها في الكتاب والسنّة ، وإقام ة الدعوة إلى سنن الهدى. فشعره بعيد عن الصور الخياليّة بل هو لسان حِجاج وبرهنة ، ونظم بيّنات ودلائل ، وبيانٌ قيّم لمذهبه العلوي.

قال نجم الدين العمري في المجدي (٣) ـ في ذكر ولد زيد بن عليّ ـ : أنشدني أبو عليّ بن دانيال ـ وكان من ذي رحمي رحمه‌الله ـ من قصيدة أنشدها إيّاه الشيخ أبو

__________________

(١) المقانب : جمع مقنب ، وهي جماعة الخيل والفرسان.

(٢) كرجال النجاشي : ص ١٧١ (ص ٢٤٤ رقم ٦٤٠] ، المجدي في أنساب الطالبيين [ص ١٥٨] ، معالم العلماء [ص ١٤٧) ، إيضاح الاشتباه للعلاّمة الحلّي [ص ٢١٨] ، مجالس المؤمنين : ص ٤٦٤ (٢ / ٥٥٨) ، رياض العلماء [٤ / ٧٠] ، رياض الجنّة في الروضة الخامسة ، تنقيح المقا ل : ٢ / ٢٨٦ «المؤلف»

(٣) المجدي : ص ١٥٨ ، وفيه ورد البيت الأوّل هكذا : قال : ابن حمّاد؟ فقلت له أجل فَدَنا وقال جهلتُ قدرَك فاعذرِ


الحسن عليّ بن حمّاد بن عبيد العبدي الشاعر البصري ؛ لنفسه :

قال ابن حمّاد وقال له فتىً

قد جاءَ يسألُه جهلتُكَ فاعذرِ

قد كنت أصبو أن أراك فأقتدي

بصحيحِ رأيِك في الطريقِ الأنورِ

وأريد أسأل مستفيداً قلتُ سلْ

واسمع جواباً قاهراً لم يقهرِ

قال الإمامةُ كيف صحّت عندكمْ

من دون زيدٍ والأنامِ لجعفرِ

قلتُ النصوصُ على الأئمّةِ جاءَنا

حتماً من اللهِ العليِّ الأكبرِ

إنّ الأئمّة تسعةٌ وثلاثةٌ

نقلاً عن الهادي البشير المنذرِ

لا زائدٌ فيهم وليس بناقصٍ

منهم كما قد قيل عدّ الأشهرِ

مثل النبوّة صُيّرت في معشرٍ

فكذا الإمامةُ صُيِّرت في معشرِ

قال نجم الدين : هذا كلام حسن ، وحجّة قويّة ، لأنّ حاجة الناس إلى الإمام ـ أعني الخليفة ـ كحاجتهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لإنّه القائم بإعلاء سنّته السنيّة في كلّ زمان.

رجع إلى كلام أبي الحسن بن حمّاد رحمه‌الله :

قال الإمامة لا تتمّ لقائمٍ

ما لم يجرّ بسيفه ويُشهّرِ

فلذاك زيدٌ حازها بقيامِهِ

من دون جعفرَ فادّكر وتدبَّرِ

قال نجم الدين : هكذا أنشدني بفتح الراء من جعفر ، وهو رأي الكوفيّين ، أعني منعه من الصرف :

قلت الوصيُّ على قياسِكَ لم ينلْ

حظَّ الخلافةِ بل غدت في حبترِ

إذ كان لم يدعُ الأنامَ بسيفِهِ

قطعاً فيا لك فريةً من مفتري

وكذلك الحسنُ الشهيدُ بتركِهِ

بطلتْ إمامتُه بقولِكَ فانظرِ

والعابدُ السجّادُ لم يُرَ داعياً

ومشهّراً للسيف إذ لم يُنصَرِ

أفكانَ جعفرُ يستثير عداتَهُ

ويُذيع دعوته ولمّا يُؤمرِ


قال نجم الدين : يريد أنّ المأمور كان زيداً لا جعفراً :

ودليلُ ذلك قولُ جعفر عندما

عُزّي بزيدٍ قال كالمستعبرِ

لو كان عمّي ظافراً لَوَفى بما

قد كان عاهدَ غيرَ أن لم يظفرِ

أشار ابن حمّاد بهذين البيتين إلى ما مرّ عن الحافظ المرزباني والكشّي في (٢ / ٢٢١) و (٣ / ٧٠).

ولادته ووفاته :

لم نقف على تاريخ ولادة ابن حمّاد ووفاته ، غير أنّ النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يروِ عنه وُلد في صفر سنة (٣٧٢) ، وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفّي (١٧) ذي الحجّة سنة (٣٣٢) فيستدعي التاريخان أنّ المترجَم وُلد في أوا ئل القرن الرابع وتوفّي في أواخره.

وقفنا لابن حمّاد على قصيدةٍ في مجموعة عتيقة مخطوطة في العصور المتقادمة ، وقد ذكر ابن شهرآشوب بعض أبياتها ونسبه إلى العبدي ـ سفيان بن مصعب ـ المترجَم له في (٢ / ٢٩٤) ، وتبعه البياضي في الصراط المستقيم وغيره ، والقصيدة للمترجَم له وهي :

أسائلتي عمّا ألاقي من الأسى

سلي الليلَ عنّي هل أُجَنُّ إذا جَنّا

ليخبركِ أنّي في فنونٍ من الجوى

إذا ما انقضى فنّ يوكّل بي فنّا

وإن قلتِ إنّ الليلَ ليس بناطقٍ

قفي وانظري واستخبري الجسدَ المضنى

وإن كنتِ في شكٍّ فديتُكِ فاسألي

دموعي التي سالتْ وأقرحتِ الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا

لَما كانتِ اللّذاتُ تشغلُكمْ عنّا

تشاغلتمُ عنّا بصحبةِ غيرِنا

وأظهرتمُ الهجرانَ ما هكذا كنّا

وآليتمُ أن لا تخونوا عهودَنا

فقد وحياةِ الحبِّ خُنتمْ وما خُنّا


غدرتمْ ولم نغدُر وخُنتم ولم نخُنْ

وحُلتمْ عن العهدِ القديمِ وما حُلنا

وقلتم ولم توفوا بصدقِ حديثِكمْ

ونحن على صدقِ الحديثِ الذي قلنا

أيَهْنا لكمْ طيبُ الكرى وجفونُنا

على الجمرِ لا تهنا ولا بعدكمْ نُمنا

أنخنا بمغناكم لتحيا نفوسُنا

فما زادنا إلاّ جوىً ذلك المغنى

سنرحلُ عنكم إن كرهتمْ مقامَنا

ونصبرُ عنكم مثل ما صبرُكم عنّا

ونأخذُ من نهوى بديلاً سواكمُ

ونجعلُ قطعَ الوصلِ منكم ولا منّا

تعالوا إلى الإنصاف فيما ادّعيتمُ

ولا تفرطوا بل صحّحوا اللفظ والمعنى

أليتكمُ ناصفتمونا فريضةً

بأنّ لكم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

إذا طلعت شمسُ النهارِ ذكرتكمْ

وإن غربتْ جدّدتُ ذكركمُ حُزنا

وإنّي لأرثي للغريب وإنّني

غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبّةِ صافياً

وما كنتُ أدري أنّ صحبتَنا تفنى

زمانٌ نعِمنا فيه حتى إذا مضى

بكينا على أيّامه بدمٍ أقنى

فوالله ما زال اشتياقي إليكمُ

ولا برح التسهيدُ لي بعدكم جفنا

ولا ذقتُ طعمَ الماءِ عذباً ولا صفتْ

مواردُه حتى نعودَ كما كنّا

ولا بارحتْني لوعةُ الفكرِ والجوى

ولا زلتُ طولَ الدهرِ مقترعاً سنّا

وما رحلوا حتى استحلّوا نفوسَنا

كأنّهمُ كانوا أحقَّ بها منّا

ترى منجدي في أرضِ بغدادَ واهناً

لزهدِكمُ فينا وبُعدكمُ عنّا

أيزعم أن أسلو ويُشغَلَ خاطري

بغيركمُ مُستبدلاً بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكمُ

ظننّا بكم ظنّا فاخلفتمُ الظنّا

أُمثِّلُ مولاي الحسينَ وصحبَهُ

كأنجمِ ليلٍ بينها البدرُ أو أسنى

فلمّا رأته أختُهُ وبناتُهُ

وشمرٌ عليه بالمهنّد قد أحنى

تعلّقنَ بالشمرِ اللعينِ وقلنَ دَعْ

حسيناً فلا تقتلْهُ يا شمرُ واذبحنا

فحزّ وريديه وركّبَ رأسَهُ

على الرمحِ مثلَ الشمسِ فارقت الدجنا


فنادت بطولِ الويلِ زينبُ أختُهُ

وقد صبغتْ من نحرِهِ الجيبَ والردنا

ألا يا رسولَ الله يا جدَّنا اقتضتْ

أميّةُ منّا بعدكَ الحقدَ والضغنا

سُبينا كما تُسبى الإماءُ بذلّةٍ

وطيفَ بنا عرضَ البلادِ وشُتِّتنا

ستفنى حياتي بالبكاءِ عليهمُ

وحزني لهم باقٍ مدى الدهر لا يفنى

ألا لعنَ اللهُ الذي سنَّ ظلمَهمْ

وأخزى الذي أملى له وبه استنّا

سأمدحُكمْ يا آلَ أحمدَ جاهداً

وأمنحُ من عاداكم السبَّ واللعنا

ومن منكمُ بالمدح أولى لأنّكمْ

لَأكرمُ من لبّى ومن نحرَ البُدنا

بجدّكمُ أسرى البُراقُ فكان من

إله البرايا قابَ قوسينِ أو أدنى

وشخصُ أبيكم في السماءِ تزورُهُ

ملائكُ لا تنفكّ صبحاً ولا وهنا

أبوكمْ هو الصدّيقُ آمن واتّقى

وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبَهُ

وعروتَهُ والعينَ والوجهَ والأذنا

وشدّ به أزرَ النبيِّ محمدٍ

وكان له في كلّ نائبةٍ ركنا (١)

وأفرده بالعلمِ والبأسِ والندى

فمن قدرِهِ يسمو ومن فعِله يُكنى

هو البحرُ يعلو العنبرُ المحضُ فوقَه

كما الدرُّ والمرجانُ من قعرِهِ يُجنى

إذا عُدّ أقرانُ الكريهةِ لم نجدْ

لحيدرةٍ في القومِ كفواً ولا قِرنا

يخوض المنايا في الحروبِ شجاعةً

وقد مُلئت منه ليوثُ الشرى جبنا

يرى الموتَ من يلقاه في حومة الوغى

يناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت (٢)

فوارسَها واستخلفوا الضربَ والطعنا

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً

وألقت على الأشداقِ أرديةً دُكْنا

وخلتَ بها زرْقَ الأسنّةِ أنجماً

ومن فوقها ليلاً من النقعِ قد جَنّا

فحين رأت وجهَ الوصيّ تمزّقتْ

كثلّةِ ظأنٍ أبصرت أسداً شنّا

__________________

(١) في بعض النسخ : حصنا. (المؤلف)

(٢) تغشمره : أخذه بالعنف والشدة.


فتىً كفُّهُ اليسرى حِمامٌ بحربِهِ

كذاك حياةُ السلم في كفّه اليمنى

فكم بطلٍ أردى وكم مرهبٍ أودى

وكم مُعدمٍ أغنى وكم سائلٍ أقنى (١)

يجود على العافين عفواً بماله

ولا يُتبعُ المعروفَ من مَنّه مَنّا

ولو فُضّ بين الناسِ معشارُ جودِهِ

لما عرفوا في الناسِ بخلاً ولا ضَنّا

وكلُّ جوادٍ جادَ بالمال إنّما

قصاراه أن يستنّ في الجود ما سنّا

وكلُّ مديحٍ قلتُ أو قال قائلٌ

فإنّ أميرَ المؤمنين به يُعنى

سيخسرُ من لم يعتصمْ بولائِهِ

ويَقرعُ يومَ البعثِ من ندمٍ سنّا

لذلك قد واليتُه مخلصَ الولا

وكنتُ على الأحوالِ عبداً له قِنّا

عليكم سلامُ اللهِ يا آلَ أحمدٍ

متى سجعتْ قُمْريّةٌ وعلَتْ غصنا

مودتّكمْ أجرُ النبيّ محمدٍ

علينا فآمنّا بذاك وصدّقنا

وعهدُكمُ المأخوذُ في الذرِّ لم نقل

لآخذِهِ كلاّ ولا كيف أو أنّى

قبلنا وأوفينا به ثمّ خانكمْ

أُناسٌ وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهِّرنا بفاضل طهرِكمْ

وطبتمْ فمن آثارِ طيبِكم طبنا

فما شئتمُ شئنا ومهما كرهتمُ

كرِهنا وما قلتمْ رضِينا وصدّقنا

فنحن مواليكم تحنُّ قلوبُنا

إليكم إذا إلفٌ إلى إلفه حنّا

نزوركمُ سعياً وقلَّ لحقّكمْ

لوَ انّا على أحداقنا لكمُ زُرنا

ولو بُضِّعت أجسادُنا في هواكمُ

إذن لم نحلْ عنه بحالٍ ولا زلنا

وآباؤنا منهم ورثنا ولاءكمْ

ونحن إذا متنا نورِّثه الأبنا

وأنتم لنا نِعم التجارةُ لم نكن

لنحذرَ خسراناً عليها ولا غَبنا

وما ليَ لا أثني عليكم وربُّكمْ

عليكم بحسنِ الذكرِ في كتْبه أثنى

وإنّ أباكم يقسم الخلقَ في غدٍ

فيُسكِنُ ذا ناراً ويُسكِن ذا عَدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمةٌ

فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكمُ مغنى

__________________

(١) أقنى : اكتسب.


ونعلمُ أن لو لم ندِنْ بولائِكمْ

لما قُبلت أعمالُنا أبداً منّا

وأنّ إليكم في المعادِ إيابَنا

إذا نحن من أجداثِنا سُرّعاً قمنا

وأنّ عليكم بعد ذاك حسابَنا

إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأنّ موازينَ الخلائقِ حبُّكم (١)

فأسعدُهم من كان أثقلَهم وزنا

وموردُنا يومَ القيامةِ حوضُكمْ

فيظما الذي يُقصى ويروى الذي يُدنى

وأمرُ صراطِ اللهِ ثَمَّ إليكمُ

فطوبى لنا إذ نحنُ عن أمرِكم جُزنا

وما ذنبُنا عند النواصبِ ويلهمْ

سوى أنّنا قومٌ بما دِنتمُ دِنّا

فإن كان هذا ذنبَنا فتيقّنوا

بأنّا عليه لا انثنينا ولا نثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطَكم

رُفضنا وعودينا وبالرفض نُبّزنا

وإنّا اعتقدنا العدلَ في الله مذهباً

ولله نزّهنا وإيّاه وحّدنا

وهم شبّهوا الله العليَّ بخلقه

فقالوا خُلقنا للمعاصي وأُجبرنا

فلو شاء لم نكفرْ ولو شاء أكفرنا

ولو شاء لم نُؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا رسولُ اللهِ ما اختار بعدَه

إماماً لنا لكن لأنفسِنا اخترنا

فقلنا إذن أنتم إمامُ إمامِكم

بفضلٍ من الرحمن تِهتمْ وما تِهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربُّنا

لنا يومَ خُمّ لا ابتدعنا ولا جُرنا

سيجمعُنا يومَ القيامةِ ربُّنا

فتُجزَوْن ما قلتم ونُجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعدَ دينِكمْ

ودينٌ على غيرِ القواعد لا يُبنى

ونحن على نورٍ من اللهِ واضحٍ

فيا ربِّ زدنا منك نوراً وثبِّتنا

وظنُّ ابنِ حمّادٍ جميلٌ بربِّه

وأحرى به أن لا يخيبَ له ظنّا

بنى المجدَ لي شَنُّ بن أقصى فحزْتُه

تُراثاً جزى الرحمنُ خيراً أبي شَنّا

وحسبي بعبد القيسِ في المجد والدي

ولي حسب عبد القيس مرتبةٌ تبنى

وخالي تميمٌ تمّ مجدي بفخره

فنلت بذا مجداً ونلتُ بذا أمنا

__________________

(١) وأنّ موازين القصاص ولاؤكم. كذا في بعض النسخ. (المؤلف)


ودونك لا ما للقلائدِ هذّبتْ

مديحاً فلم تترك لذي مطعنٍ طعنا

ولا ظلّ أو أضحى ولا راح واغتدى

تأمّل لا عينٌ تراه ولا لحنا

فصاحةُ شعري مذ بدتْ لذوي الحجى

تمثّلتِ الأشعارُ عندهمُ لكنا

وخيرُ فنونِ الشعرِ ما رقّ لفظُهُ

وجلّتْ معانيهِ فزادتْ بها حسنا

وللشعرِ علمٌ إن خلا منه حرفُهُ

فذاك هذاءٌ في الرؤوسِ بلا معنى

إذا ما أديبٌ أنشدَ الغثَّ خلتَهُ

من الكربِ والتنغيصِ قد أدخلَ السجنا

إذا ما رأوها أحسنَ الناسِ منطقاً

وأثبتَهم حدثاً وأطيبَهم لحنا

تلذُّ بها الأسماعُ حتى كأنّها

ألذُّ من ايّام الشبيبة أو أهنا

وفي كلِّ بيتٍ لذّةٌ مستجدّةٌ

إذا ما انتشاه قيل يا ليته ثنّى

تقبّلها ربّي ووفّى ثوابَها

وثقّلَ ميزاني بخيراتِها وزنا

وصلّى على الأطهارِ من آلِ أحمدٍ

إلهُ السما ما عسعسَ الليلُ أو جَنّا

وله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

حدّثنا الشيخ الثقه

محمدٌ عن صدقه

روايةً متّسقه

عن أنسٍ عن النبي

رأيته على حِرا

مع عليٍّ ذي النهى

يقطف قطفاً في الهوى

شيئاً كمثلِ العنَبِ

فأكلا منه معا

حتى إذا ما شبعا

رأيته مرتفعا

فطال منه عجبي

كان طعامَ الجنّةِ

أنزله ذو العزّةِ

هديّةً للصفوةِ

من الهدايا النُّخَبِ


أشار بهذه الأبيات إلى ما أخرجه محمد بن جرير الطبري بإسناده عن أنس ، قال :

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركب يوماً إلى جبل كداء ، فقال : «يا أنس خذ البغلة وانطلق إلى موضوع كذا تجد عليّا جالساً يسبِّح بالحصى فاقرأه منّي السلام واحمله على البغلة وائت به إليّ».

فقال : فلمّا ذهبت وجدت عليّا كذلك ، فقلت : إنّ رسول الله يدعوك. فلمّا أتى رسول الله قال له : «اجلس فإنّ هذا موضعٌ جلس فيه سبعون نبيّا مرسلاً ، ما جلس فيه من الأنبياء أحدٌ إلاّ وأنا خيرٌ منه وقد جلس مع كلّ نبيّ أخٌ له ما جلس من الأخوة أحدٌ إلاّ وأنت خيرٌ منه». قال : فرأيت غمامة بيضاء وقد أظلّتهما فجعلا يأكلان منه عنقود عنب ، وقال : «كل يا أخي فهذه هديّةٌ من الله إليّ ثمّ إليك» ، ثمّ شربا ثمّ ارتفعت الغمامة ، ثمّ قال : «يا أنس والذي خلق ما يشاء ، لقد أكل من الغمامة ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيّا وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّاً ، ما فيهم نبيٌّ أكرم على الله منّي ولا وصيٌّ أكرم على الله من عليٍّ».

ولابن حمّاد العبدي يمدح أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قوله على رويِ نونيّة العوني المذكور :

ما لابن حمّادٍ سوى من حمدت

آثاره وأبهجت غرّانُه (١)

ذاك عليُّ المرتضى الطهرُ الذي

بفخرِهِ قد فخرتْ عدنانُه

صنوُ النبيِّ هديُه كهديِهِ

إذ كلُّ شيءٍ شكلُه عنوانُه

وصيُّهُ حقّا وقاضي دَينِهِ

إذ اقتضى ديونَه ديّانُه

__________________

(١) غرّان جمع الغرير : الخلق الحسن ومنه المثل : أدبر غريره وأقبل هريره ، أي أدبر حسنه وجاء سيّئه [مجمع الأمثال : ١ / ٤٧٥ رقم ١٤٢٢]. (المؤلف)


ناصحُه الناصرُ حقّا إذ غدا

سواه ضدَّ سرِّه إعلانُه

وارثُهُ علَمُ الهدى أمينه

في أهِله وزيره خلصانُه

ذاك الفتى النجدُ الذي إذا بدا

بمعركٍ ألقت له فتيانُه

ليثٌ لو الليثُ الجريءُ خالَهُ

لطار من هيبتِهِ جَنانُه

صقرٌ ولكن صيدُه صِيدُ الوغى

ليثٌ ولكن فَرْسُهُ فرسانُه

ذاك الشجاعُ إن بدا بمعركٍ

تفرّقت من خوفِه شجعانُه

تبكي الطلى إن ضحكت أسيافُه

وترتوي إن عطشتْ سنانُه (١)

ترى سباعَ البيدِ تقفو أثره

لأنّها يومَ الوغى ضِيفانُه

يقرنُ أرواحَ الكماةِ بالردى

لذاك حاصتْ دونه أقرانُه

وكم كميّ قد قراه في الوغى

فليس تخبو أبداً نيرانُه

يشهدُ في ذا بدرُهُ وأحدُهُ

وطيبةٌ ومكّةٌ أوطانُه

وخيبرٌ والبصرةُ التي بها ال

ـنكثُ وصفِّينٌ ونهروانُه

كذا الذي قد ضمن المدحَ له

من ربِّه ربِّ العلى قرآنُه

فقوله وليُّكمْ فإنّما

يخصُّ فيها هو لا فلانُه

ثلاثةٌ اللهُ والرسولُ وال

ـذي تزكّى راكعاً برهانُه

وقوله الأُذن فذاك حيدرٌ

واعيةٌ لقوله آذانُه

وقد دعا له النبيُّ أنّه

يحفظ ما يُملي له لسانُه

وقوله الميزانُ بالقسطِ وما

غيرُ عليّ في غدٍ ميزانُه

فويلُ من خفَّ لديه وزنُه

وفوزُ من أسعدَهُ رجحانُه

ذاك أميرُ المؤمنينَ رتبةً

من الإله الفردِ جلَّ شانُه

ذادوه عن سلطانِهِ وحقِّهِ

من بعد ما بان لهم سلطانُه

فكفُّ مولاي الإمامُ كفُّهُ

إذ قلّ في حقوقِهِ أعوانُه

__________________

(١) الطلى ـ جمع طُلاة ـ : الأعناق.


ولم يَقُمْ معْهُ سوى أربعةٍ

وهم لَعَمرُ ربِّهم أركانُه

يتبعُهُ المقدادُ وابنُ ياسرٍ

عمّارُه وسِلمُه سلمانُه

والصادقُ اللهجةِ أعني جُندباً

فلم يُخالف أمرَه إيمانُه

ولو يشا أهلكهمْ لكنّه

أبقى ليبقى ناسلاً إنسانُه

وله يرثي بها الإمام السبط الشهيد ـ صلوات الله عليه ـ :

لله ما صنعتْ فينا يدُ البينِ

كم من حشا أُقْرِحَتْ منّا ومن عينِ

مالي وللبين لا أهلاً بطلعتِهِ

كم فرّقَ البينُ قِدماً بين إلفينِ

كانا كغصنينِ في أصلٍ غذاؤهما

ماءُ النعيم وفي التشبيه شكلينِ

كأنّ روحيهما من حسنِ إلفِهما

روحٌ وقد قُسِّمت ما بين جسمينِ

لا عذلَ بينهما في حفظِ عهدِهما

ولا يُزيلُهما لومُ العذولينِ

لا يطمعُ الدهرُ في تغييرِ ودِّهما

ولا يميلان من عهدٍ إلى مَينِ

حتى إذا أبصرت عينُ النوى بهما

خِلّين في العيشِ من همّ خليّينِ

رماهما حسداً منهُ بداهيةٍ

فأصبحا بعد جمعِ الشملِ ضدّينِ

في الشرقِ هذا وذا في الغربِ منتئياً

مشرَّدَينِ على بُعدٍ شجيّينِ

والدهرُ أحسدُ شيءٍ للقريبينِ

يرمي وصالهما بالبُعدِ والبَينِ

لا تأمنِ الدهرَ إنّ الدهر ذو غِيَرٍ

وذو لسانينِ في الدنيا ووجهينِ

أخنى على عترةِ الهادي فشتّتهمْ

فما ترى جامعاً منهم بشخصينِ

كأنّما الدهرُ آلى أن يبدِّدَهم

كعاتبٍ ذي عنادٍ أو كذي دَيْنِ

بعضٌ بطيْبَةَ مدفونٌ وبعضُهمُ

بكربلاءَ وبعضٌ بالغريّينِ

وأرض طوسٍ وسامرّا وقد ضُمنتْ

بغدادُ بدرينِ حَلاّ وسط قبرينِ

يا سادتي ألمن أبكي أسىً ولمن

أبكي بجفنين من عيني قريحينِ

أبكي على الحسنِ المسمومِ مضطلماً

أم الحسين لقىً بين الخميسينِ


أبكي عليه خضيبَ الشيبِ من دمِهِ

معفّرَ الخدِّ محزوزَ الوريدينِ

وزينبٌ في بناتِ الطهرِ لاطمةٌ

والدمعُ في خدِّها قد خدَّ خدّينِ

تدعوه يا واحداً قد كنتُ آملُه

حتى استبدّت به دوني يد البينِ

لا عشتُ بعدَكَ ما إن عشتُ لا نعمتْ

روحي ولا طعمتْ طعمَ الكرى عيني

أُنظر إليَّ أخي قبلَ الفراقِ لقد

أذكى فراقُكَ في قلبي حريقينِ

أُنظر إلى فاطم الصغرى أخي ترَها

لِليُتم والسبيِ قد خصّت بذلّينِ

إذا دنتْ منك ظلَّ الرجسُ يضربُها

فتتّقي الضربَ منها بالذراعينِ

وتستغيثُ وتدعو : عمّتا تلفت

روحي لرزءينِ في قلبي عظيمينِ

ضربٌ على الجسد البالي وفي كبدي

للثكلِ ضربٌ فما أقوى لضربينِ

أُنظر عليّا أسيراً لا نصيرَ له

قد قيّدوه على رغمٍ بقيدينِ

وا رحمتا يا أخي من بعد فقدِكَ بل

وا رحمتا للأسيرينِ اليتيمينِ

والسبطُ في غمراتِ الموتِ مُشتغلٌ

ببسطِ كفّينِ أو تقبيضِ رجلينِ

لا يستطيعُ جواباً للنداء سوى

يومي بلحظينِ من تكسير جفنينِ

لازلتُ أبكي دماً ينهلُّ منسجماً

للسيّدين القتيلين الشهيدينِ

السيّدينِ الشريفينِ اللذين هما

خير الورى من أبٍ مجدٍ وجدّينِ

الضارعَينِ إلى اللهِ المنيبينِ

المسرعَينِ إلى الحقّ الشفيعينِ

العالمَينِ بذي العرش الحكيمَينِ

العادلَينِ الحليمَينِ الرشيدَينِ

الصابرَينِ على البلوى الشكورَينِ

المُعرضَينِ عن الدنيا المنيبَينِ

الشاهدَين على الخلقِ الإمامينِ

الصادقَينِ عن الله الوفيّينِ

العابدَينِ التقيَّين الزكيَّينِ

المؤمنَينِ الشجاعَينِ الجريَّينِ

الحجّتَينِ على الخلقِ الأميرينِ

الطيِّبَينِ الطهورَينِ الزكيَّينِ

نورَينِ كانا قديماً في الظلالِ كما

قال النبيُّ لعرش اللهِ قرطينِ

تفّاحتي أحمدَ الهادي وقد جُعلا

لفاطمٍ وعليِّ الطهرِ نسلَينِ


صلّى الإلهُ على روحيهما وسقا

قبرَيهما أبداً نَوْءَ السماكينِ

إلى أن يقول فيها :

ما لابن حمّادٍ العبديِّ من عملٍ

إلاّ تمسّكُهُ بالميمِ والعينِ

فالميمُ غايةُ آمالي محمدُها

والعينُ أعني عليّا قرّةَ العينِ

صلّى الإلهُ عليهمْ كلما طلعتْ

شمسٌ وما غربت عند العشاءينِ

القصيدة وهي (٥٧) بيتاً

وله في رثاء الإمام السبط الشهيد ـ صلوات الله عليه ـ قوله يذكر فيه حديث الغدير :

حيِّ قبراً بكربلا مستنيرا

ضمَّ كنز التقى وعلماً خطيرا

وأَقم مأتمَ الشهيدِ وأذرف

منك دمعاً في الوجنتين غزيرا

والتثمْ تربةَ الحسين بشجوٍ

وأَطِل بعدَ لثمِكَ التعفيرا

ثمّ قل يا ضريحَ مولاي سُقِّي

ـت من الغيث هامياً جمهريرا

تِهْ على سائرِ القبورِ فقد أص

ـبحتَ بالتيهِ والفخارِ جديرا

فيك ريحانةُ النبيِّ ومن حلَ

من المصطفى محلاّ أثيرا

فيك يا قبرُ كلُّ حلمٍ وعلمٍ

وحقيقٌ بأن تكون فخورا

فيك من هدَّ قتلُه عمدَ الدي

ـن وقد كان بالهدى معمورا

فيك من كان جبرئيلُ يُناغي

ـه‍ وميكالُ بالحباء صغيرا

فيك من لاذ فطرسٌ فترقّى

بجناحي رضاً وكان حسيرا

يوم سارتْ إليه جيشُ ابنِ هندٍ

لذحولٍ أمست تحلُّ الصدورا

آهِ وا حسرتى له وهو بالسي

ـفِ نحيرٌ أفديتُ ذاك النحيرا

آهِ إذ ظلَّ طرفُه يرمقُ الفس

ـطاطَ خوفاً على النساءِ غيورا

آهِ إذ أقبلَ الجوادُ على النس

ـوانِ ينعاه بالصهيلِ عفيرا


فتبادرنَ بالعويلِ وهتَّك

ـنَ الأقراطَ بارزاتِ الشعورا

وتبادرن مسرعاتٍ من الخد

ر ومن قبلُ مُسبلات الستورا

ولطَّمن الخدودَ من أَلَمِ الثكلِ

وغادرن بالنياحِ الخدورا

وبدا صوتُهنّ بين عداهنّ

وعفنَ الحجابَ والتخفيرا

بارزاتُ الوجوهِ من بعد ما غو

درنَ صُونَ الوجوه والتخفيرا

ثمّ لمّا رأينَ رأسَ حسينٍ

فوق رمحٍ حكى الهلالَ المنيرا

صحن بالذلّ أيّها الناس لِمْ نُس

ـبى ولم نأتِ في الأنامِ نكيرا

ما لنا لا نرى لآلِ رسو

لِ اللهِ فيكم يا لاءِ نصيرا

فعلى ظالميهمُ سخطُ اللّ

ـهِ ولعنٌ يبقى ويفني الدهورا

قل لمن لامَ في ودادي بني أح

ـمد لازلتَ في لظىً مدحورا

أعلى حبِّ معشرٍ أنت قد كن

ـتَ عذولاً ولا تكون عذيرا

وأبوهم أقامه اللهُ في خُ

ـمّ إماماً وهادياً وأميرا

حين قد بايعوه أمراً عن

اللهِ فسائل دوحاتِهِ والغديرا

وأبوهمْ أفضى النبيُّ إليه

علمَ ما كان أوّلاً وأخيرا

وأبوهمْ علا على العرشِ لمّا

قد رقى كاهلَ النبيِّ ظهيرا

وأماطَ الأصنامَ كلاّ عن الكع

ـبةِ لمّا هوى بها تكسيرا

قال لو شئت ألمس النجمَ بالكفِ

إذن كنتُ عند ذاك قديرا

وأبوهمْ قد ردّ للشمسِ بيضاً

وهي كادت لوقتها أن تغورا

وقضى فرضَهُ أداءً وعادت

لغروب وكوّرت تكويرا

وأبوهم يروي على الحوض من وا

لاهمُ ويردُّ عنه الكفورا

وأبوهم يقاسمُ النارَ والجنّةَ

في الحشرِ عادلاً لن يجورا

وأبوهم برى الإله له شبْ

ـهاً لأملاكِهِ سميعاً بصيرا

فإذا اشتاقت الملائكُ زارت

ـهُ فناهيك زائراً ومزورا


وأبوهم أحيا لميت بصرصر

بعدما كان في الثرى مقبورا

وأبوهم قال النبيُّ له قو

لاً بليغاً مكرّراً تكريرا

أنت خدني وصاحبي ووزيري

بعد موتي أكرمْ بذاك وزيرا

أنت منّي كمثلِ هارونَ من مو

سى ولم أبتغي سواه ظهيرا

وأبوهم أودى بعمروِ بن ودٍّ

حين لاقاه في العجاجِ أسيرا

وأبوهم لبابِ خيبرَ أضحى

قالعاً ليس عاجزاً بل جسورا

حاملُ الراية التي ردّها بال

أمسِ من لم يزلْ جباناً فرورا

خصّه ذو العلى بفاطمةٍ عر

ساً ثمّ أعطاه شبّراً وشبيرا

وهمُ باب ذي الجلال على آ

دمَ فارتدَّ ذنبُهُ مغفورا

وبهم قامتِ السماءُ ولو لا

همْ لكادت بأهلِها أن تمورا

وبهم باهَلَ النبيُّ فقل لي

أَلَهُمْ في الورى عرفتَ نظيرا

فيهمُ أنزلَ المهيمن قرآ

ناً عظيماً وذاك جمّا خطيرا

في الطواسين والحواميم والرح

ـمن آياً ما كان في الذكرِ زورا

وخلقناه نطفةً نبتليه

فجعلناه سامعاً وبصيرا

لبيانٍ إذا تأمّله العا

رف يُبدي له المقامَ الكبيرا

ثمّ تفسير هل أتى فيه يا صا

حِ قل إن كنت تفهم التفسيرا

إنّ الابرارَ يشربون بكأسٍ

كان عندي مزاجها كافورا

فلهم أنشأ المهيمنُ عيناً

فجّروها لديهمُ تفجيرا

وهداهم وقال يوفون بالنذ

رِ فمن مثلُهم يوفّي النذورا

ويخافون بعد ذلك يوماً

شرُّه كان في الورى مستطيرا

فوقاهم إلهُهم ذلك اليو

مَ ويلقونَ نضرةً وسرورا

وجزاهم بأنّهم صبروا في الس

ـرِّ والجَهر جنّةً وحريرا

فاتّكوا من على الأرائك لا يل

ـقونَ فيها شمساً ولا زمهريرا


وأوانٍ وقد أُطيفت عليهمْ

سلسبيلٌ مقدّرٌ تقديرا

وبأكوابِ فضّةٍ وقواري

ـرَ قدّروها عليهمُ تقديرا

وبكأسٍ قد مازجت زنجبيلا

لذّة الشاربين تشفي الصدورا

وإذا ما رأيت ثَمّ نعيماً

دائماً عندهم وملكاً كبيرا

وعليهم فيها ثيابٌ من السند

سِ خضرٌ في الحشر تلمع نورا

ويُحلَّونَ بالأساورِ فيها

وسقاهمْ ربّي شراباً طهورا

وروى لي عبدُ العزيزِ الجلوديُّ (١)

وقد كان صادقاً مبرورا

عن ثقاتِ الحديث أعني الغلابي

هو أكرِمْ بذا وذا مذكورا

أسندوه عن ابن عبّاسِ يوماً

قال كنّا عند النبيِّ حضورا

إذ أتته البتولُ فاطمُ تبكي (٢)

وتوالي شهيقَها والزفيرا

قال مالي أراكِ تبكين يا فا

طم قالت وأخفت التعبيرا

اجتمعنَ النساءُ نحوي واقبل

ـنَ يُطِلْنَ التقريعَ والتعييرا

قلن إنّ النبيَّ زوَّجكِ اليو

م عليّا بعلاً عديماً فقيرا

قال يا فاطمُ اسمعي واشكري

الله فقد نلتِ منه فضلاً كبيرا

لم أزوِّجكِ دون إذنٍ من

الله وما زال يحسنُ التدبيرا

أمرَ اللهُ جبرئيل فنادى

رافعاً في السماءِ صوتاً جهيرا

وأتاه الأملاكُ حتى إذا ما

وردوا بيتَ ربِّنا المعمورا

قام جبريلُ قائماً يكثر التح

ـميدَ للهِ جلّ والتكبيرا

ثمّ نادى زوّجتُ فاطمَ ياربّ

عليَّ الطهرَ الفتى المذكورا

قال ربُّ العلى جعلت لها المه

ـرَ لها خالصاً يفوق المهورا

__________________

(١) أبو أحمد بن يحيى البصري أحد مؤلّفي الإمامية الثقات الأثبات ، له في الفقه والحديث والتاريخ تآليف قيّمة ، توفّي (١٧) ذي الحجة سنة (٣٣٢). (المؤلف)

(٢) هذه الأبيات ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب [٣ / ٣٩٣] للعبدي ، فحسبناه سفيان بن مصعب العبدي فذكرناها في ترجمته : ٢ / ٣١٨ ، ثمّ وقفنا على تمام القصيدة فعرفنا أنّها للمترجَم. (المؤلف)


خُمس أرضي لها ونهري وأوجب

ـت على الخلق ودَّها المحصورا

نثرتْ عند ذاك طوبى على الحو

ر من المسكِ والعبير نثيرا (١)

وروينا عن نبيِّ حديثاً

في البرايا مصحَّحاً مأثورا

أنّه قال بينما الناس في ال

جنّة إذ عاينوا ضياءً ونورا

كاد أن يخطفَ العيونَ فنادَوا

أيُّ شيءٍ هذا وأبدَوا نكورا

أوَ ليس الإله قال لنا لا

شمس فيها تُرى ولا زمهريرا

وإذا بالنداء يا ساكني ال

جنّة مهلاً أمنتم التغييرا

ذا عليُّ الوليُّ قد داعب الزه

راءَ مولاتَكم فأبدتْ سرورا

فبدا إذ تبسّمتْ ذلك النو

ر فزيدوا إكرامَه وحبورا

يا بني أحمدٍ عليكمْ عمادي

واتِّكالي إذا أردتُ النشورا

وبكم يسعد الموالي ويشقى

من يعاديكمُ ويصلى سعيرا

أنتمُ لي غداً وللشيعة الأب

رار ذخرٌ أكرمْ به مذخورا

فاستمعها كالدرِّ ليس ترى في

ها ملاهي كلاّ ولا تعييرا

صاغ أبياتها عليُّ بن حمّا

دٍ فزانتْ وحُبّرت تحبيرا

وقفنا للمترجَم في طيّات المجاميع العتيقة في النجف الأشرف والكاظميّة على قصائد جمّة وإليك فهرستها :

عدد القصائد

مطلع القصيدة

عدد الأبيات

يا يوم عاشورا أطلت بكائي

وتركتني وقفاً على البرحاءِ ٤٦

٢ ـ هَنِّ بالعيد إن أردت سوائي

أيُّ عيدٍ لمُستباحِ العزاءِ٣٧

 إنّ في مأتمي عن العيدِ شغلاً

فَالْهُ عنيّ وخلِّني بشجائي

__________________

(١) راجع في الأحاديث المذكورة في هذه الأبيات ، الجزء الثاني من كتابنا : ص ٣١٨. (المؤلف) [صححنا هذا البيت وفق ما أورده المصنّف في : ٢ / ٤٤٩].


عدد القصائد

مطلع القصيدة

عدد الأبيات

فإذا عيّدَ الورى بسرورٍ

كان عيدي بزفرةٍ وبكاءِ

وإذا جدّدوا ثيابهمُ جدّ

دتُ ثوبي من لوعتي وضنائي

وإذا أدمنوا الشرابَ فشُربي

من دموعٍ ممزوجةٍ بدماءِ

وإذا استشعروا الغناءَ فنَوْحي

وعويلي على الحسينِ غنائي

وقليلٌ لو متُّ همّا ووجداً

لمصابِ الغريبِ في كربلاءِ

أَفَيَهْنا بعيدِهِ مَن موالي

ـه‍ أبادتهمُ يد الأعداءِ

آهِ يا كربلاءُ كم فيكِ من كر

بٍ لنفسٍ شجيّةٍ وبلاءِ

أألذُّ الحياةَ بعد قتي

لِ الطفّ ظلماً إذن لقلَّ حيائي

كيف ألتذُّ شربَ ماءٍ وقد جُرِّ

عَ كأسَ الردى بكربِ الظماءِ

كيف لا أُسلَبُ العزاءَ إذا

مثّلتُه عارياً سليبَ الرداءِر

كيف لا تسكب الدموعَ عيوني

بعد تضريجِ شيبهِ بالدماءِ

تطأ الخيلُ جسمَهُ في ثرى الط

ـفِّ وجسمي يلتذُّ لين الوطاءِ

بأبي زينباً وقد سُبِيت ب

الذلِّ من خدرها كَسَبْيِ الإماءِر

فإذا عايَنَتْهُ مُلقىً على التر

بِ مُعرّىً مجدّلاً بالعراءِ

أقبلتْ نحوه فيسمعُها الشم

ـرُ فتدعو في خِيفةٍ وخَفاءِ

أيّها الشمر خلّني أتزوّدْ

نظرةً منه فهي أقصى مُنائي

أفما للرسول حقٌّ فلِم تن

ـظرني جاهراً بسوء المراءِ

ثم تدعو الحسين لِمْ ياشقيقي

وابنَ أمّي خلّفتني بشقائي

يا أخي يومُكَ العظيم برى عظمي

وأضنى جسمي وأوهى قوائي

يا أخي كنتُ أرتجيك لموتي

وحياتي فخاب منّي رجائي

يا أخي لو فُدي من الموت شخصٌ

كنتُ أفديك بي وقلَّ فدائي


عدد القصائد

مطلع القصيدة

عدد الأبيات

يا أخي لا حبيبَ بعدك بل لا

عشتُ إلاّ بمقلةٍ عمياءِ

آهِ وا حسرتى لفاطمةَ الصغ

رى وقد أُبرِزتْ بذلِّ السباءِ

كفُّها فوق رأسِها من جوى الثك

لِ وكفٌّ أخرى على الأحشاءِ

فإذا أبصرتْ أباها صريعاً

فاحصاً باليدين في الرمضاءِ

لم تطقْ نهضةً إليه من الضع

ف فنادته في خفيِّ النداءِ

يا أبي من ترى لِيُتمي وضعفي

أو تراه لمحنتي وابتلائي

فإذا لم تجد جواباً لها إلاّ

بكسر الجفونِ والإيماءِ

أقبلت نحو عمّتيها وقالتْ

ما أرى والدي من الأحياءِ

فإذا كان لِمْ جفاني وما كا

نَ له قطُّ عادةٌ بالجفاءِ

يا بني أحمدَ السلامُ عليكمْ

ما أنارت كواكبُ الجوزاءِ

أنتمُ صفوةُ الإلهِ من الخل

ق ومن بعد خاتمِ الأنبياءِ

ونجومُ الهدى بنوركمُ تُه

دى البرايا في حندس الظلماءِ

أنا مولاكمُ ابن حمّاد أعدد

تكمُ في غدٍ ليوم جزائي

ورجائي أن لا أخيبَ لديكمْ

واعتقادي بكم بلوغُ الرجاءِ

٣ ـ شجاك نوى الأحبّةِ كيف شاءا

بداءٍ لا تصيبُ له دواءا ٧٥

٤ ـ أيفرحُ من له كبدٌ يذوبُ

وقلبٌ من صبابتِهِ كئيبُ ٢٨

٥ ـ ويكِ يا عينُ سحّي دمعاً سكوبا

ويكَ يا قلبُ كن حزيناً كئيبا ٦٨

٦ ـ أتلعاباً وقد لاحَ المشيبُ

وشيبُ الرأسِ منقصةٌ وعيبُ ٧٤

٧ ـ دعوت الدمعَ فانسكب انسكابا

ر وناديت السلوَّ فما أجابا ٦٧

ويقول فيها :

وإنْ يكُ حبُّ أهلِ البيتِ ذنبي

فلستُ بمبتغٍ عنه منابا


عدد القصائد

مطلع القصيدة

عدد الأبيات

أحبُّهمُ وأمنحهمْ مديحاً

وأمنحُ من يسبُّهمُ سبابا

ولم أمدحهُمُ قطُّ اكتساباً

ولكنّي مدحتهمُ ارتغابا

ولن يرجو ابنُ حمّادٍ عليٌ

بحسنِ مديحِهم إلاّ الثوابا

٨ ـ هل لجسمي من السقامِ طبيبُ

أم لعيني من الرقادِ نصيبُ ٢٦

٩ ـ يا أهلَ بيتِ رسول الله إنكُمُ

لأشرفُ الخلقِ جَدّا غاب أو أبى ٣٠

١٠ ـ الدهرُ فيه طرائفٌ وعجائبُ

تترى وفيه فوائدٌ ومصائبُ ٦٠

١١ ـ أيا من لقلبٍ دائمِ الحسراتِ

ومن لجفونٍ تسكبُ العبراتِ ٣٤

وهي على رويِّ تائية دعبل ، يقول في آخرها :

إليك أمينَ اللهِ نظمَ قصيدةٍ

إماميّةٍ تزهو بحسنِ صفاتِ

عليُّ بنُ حمّادٍ دعاها فأقبلتْ

وهمّتُهُ من أعظمِ الهمماتِ

شبيهٌ لما قال الخزاعيُّ دعبلٌ

تضمّنه الرحمنُ بالغرفاتِ

مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ

ومهبطُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ

١٢ ـ بقاعٌ في البقيعِ مقدّساتُ

ر وأكنافٌ بطيبةَ طيّباتُ ٩٥

١٣ ـ دعني أنوح وأُسعد النوّاحا

مثلي بكى يومَ الحسينِ وناحا ٢٨

١٤ ـ أرى الصبرَ يفنى والهمومَ تزيد

وجسميَ يبلى والسقامُ جديدُ ٢٣

١٥ ـ ما ضرّ عهدَ الصبا لو أنَّه عادا

يوماً يزوِّدني من طيبةٍ زادا ٨٦

جارى بها السيّد إسماعيل الحميري في قصيدة له أوّلها :

طافَ الخيالُ علينا منك عبّادا

فقال العبديُّ في آخر قصيدته :

وازنتُ ما قال إسماعيلُ مبتدئاً

طافَ الخيالُ علينا منك عبّادا


عدد القصائد

مطلع القصيدة

عدد الأبيات

١٦ ـ ابكِ ما عشت بالدموعِ الغزارِ

لذراري محمد المختارِ ٣٧

١٧ ـ أآمرتي بالصبرِ أسرفتِ في أمري

أيُؤمرُ مثلي لا أبا لك بالصبرِ ٢٩

١٨ ـ سلامي على قبرٍ تضمّن حيدرا

سلام مشوقٍ ما يطيقُ التصبّرا ٦٠

ويقول في آخرها :

ولا أغلُ في ديني كمن كان قد غلا

وما كنتُ في حبِّ الوصيّ مقصِّرا

بذلك يلقى الله في يومِ بعثِه

عليُّ بن حمّادٍ إذا هو أُنشرا

١٩ ـ يالائمي دع ملامي في الهوى وذرِ

فإنّ حبَّ عليٍّ قام في عذري ٢٨

٢٠ ـ دعا قلبَهُ داعي الوعيدِ فأسمعا

وداعٍ لبادي شيبِهِ فتورّعا ٦٢

٢١ ـ فرّقتَ يا بينُ شملاً كان مجتمعا

أبعدتَ عنّي حبيبي والسرورَ معا ٧٧

٢٢ ـ خليلي عُجْ بنا نُطِلِ الوقوفا

على مَن نورُهُ شملَ الطفوفا ٢٥

٢٣ ـ خواطرُ فكري فيِ الحشاءِ تجولُ

وحزني على آلِ النبيِّ يطولُ ٥٢

٢٤ ـ أهجرتِ يا ذاتَ الجمالِ دلالا

وجعلتِ جسمي للصدودِ خيالا ٥٨

٢٥ ـ ألا إنّ زينَ المرءِ في عمرِهِ العقلُ

ونهجُ هدىً ما فيه زُحلوقة زلُّ ٢٧

٢٦ ـ يا عليَّ بن أبي طالب يا ابنَ المفضلِ

يا حجابَ اللهِ والبابَ القديمِ الأزلي ٢١

٢٧ ـ ناجتْكَ أعلامُ الهدايةِ فاعلمِ

وأقمتَ فيها بالطريقِ الأقومِ ٥١

فانظر بعين العقل في عقبى الهوى

واسأل عن الدارينِ إن لم تعلمِ

٢٨ ـ النومُ بعدَكمُ عليّ حرامُ

من فارقَ الأحبابَ كيف ينامُ ٥٥

٢٩ ـ أرضِ الإلهَ وأسخطِ الشيطانا

تُعْطَ الرضا في الحشر والرضوانا ٢٧

يقول فيها وهي ناقصة الآخر :

من أنزلَ اللهُ الكتابَ عليه في

كلِّ العلوم ليفتدي برهانا

من بلّغ الدنيا بنصبِ وصيِّه

يومَ الغدير ليكملَ الإيمانا


وهناك قصائد تُعزى إلى شاعرنا ابن حمّاد العبدي في بعض المجاميع وهي لابن حمّاد محمد المتأخّر عن المترجَم له بقرون (١) ، منها قصيدةٌ مطلعها :

لغيرِ مصابِ السبطِ دمعُك ضائعُ

ولا أنت ذا سلوٍ عن الحزن جازعُ

وقفنا على تمام هذه القصيدة وفي آخرها :

لعلّ ابنَ حمّادٍ محمدَ عبدَكم

له في غدٍ خيرُ البريّة شافعُ

__________________

(١) هو محمد بن سلمان أبو غالب العلوي الموسوي من أهل مرو توفّي ٥٥٨ ه‍. أنظر مستدركات أعيان الشيعة : ٣ / ٢٣٠.



ـ ٣٣ ـ

أبو الفرج الرازي

تجلّى الهدى يومَ الغديرِ عن الشُّبَه

وبرّز إبريز البيانِ عن الشبه

وأكملَ ربُّ العرشِ للناسِ دينَهم

كما نزّلَ القرآنَ فيهِ فأعربه

وقامَ رسولُ اللهِ في الجمعِ رافعاً

بضبعِ عليٍّ ذي التعالي على الشَّبَه

وقال ألا من كنتُ مولىً لنفسِهِ

فهذا له مولىً فيا لكِ منقبه (١)

الشاعر

أبو الفرج محمد بن هندو الرازي.

آل هندو : من أسر الإماميّة الناهضين بنشر العلم والأدب ، وفيهم جمعٌ ممّن تحلّوا بفنون الفضائل ، ولهم في الكتابة والقريض قِدمٌ وقَدمٌ ، طفحت بذكرهم المعاجم ، منهم : أبو الفرج محمد بن هندو مؤسّس شرف بيتهم ، عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء (٢) من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المتّقين.

ومنهم : أبو الفرج الحسين بن محمد بن هندو ، ترجمه الثعالبي في

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٣١ طبع إيران [٣ / ٣٧] ، والصراط المستقيم للبياضي [١ / ٣١١]. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ١٥٢.


اليتيمة (١) (٣ / ٣٦٢) وعدّه من أصحاب الوزير الصاحب بن عبّاد وذكر شطراً من شعره ، وقال : مُلَحُه كثيرة ، ولا يسع هذا الباب إلاّ هذا الأنموذج منها ، وممّا ذكر له قوله

لا يوحشنّك من مجدٍ تَباعدُه

فإنّ للمجدِ تدريجاً وتدريبا

إنّ القناةَ التي شاهدتَ رفعتَها

تنمي فتصعدُ أنبوباً فأنبوبا

وقوله :

يقولون لي ما بالُ عينِك مذ رأتْ

محاسنَ هذا الظبي أدمعُها هُطلُ

فقلت زنتْ عيني بطلعةِ وجهِهِ

فكان لها من صوبِ أدمعِها غُسلُ

ومنهم : أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمد بن هندو ، توجد ترجمته في جملة من كتب التراجم (٢) ، وفي كلّها ثناءٌ عليه بتضلّعه في الحكمة والفلسفة والطبّ والكتابة والشعر والأدب ، وتبرُّزه في ذلك كلّه. له كتاب مفتاح الطبّ ، المقالة المشوِّقة في المد خل إلى علم الفلك ، الكلم الروحانيّة من الحكم اليونانيّة ، الوساطة بين الزناة واللاطة ـ هزليّة ، ديوان شعره ، توفّي بجرجان سنة (٤٢٠).

ومن شعر أبي الفرج عليّ في معانٍ بديعة ، قوله :

حللتُ وقاريَ في شادنٍ

عيونُ الأنام به تعقدُ

غدا وجهُهُ كعبةً للجمالِ

وفي قلبِهِ الحَجَرُ الأسودُ

وله قوله :

قولوا لهذا القمرِ البادي

مالكَ إصلاحي وإفسادي

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٤٥٩.

(٢) طبقات الأطبّاء : ١ / ٣٢٣ [ص ٤٢٩] ، دمية القصر : ص ١١٣ [١ / ٦٠٨] ، فوات الوفيات : ٢ / ٤٥ [٣ / ١٣ رقم ٣٣٧] ، معجم الأدباء : ١٣ / ١٣٦ ، محبوب القلوب للأشكوري [١ / ١٣٩] ، نسمة السحر [مج ٨ / ج ٢ / ٣٦٢]. (المؤلف)


زوِّد فؤاداً راحلاً قبلَهُ

لا بدّ للراحلِ من زادِ

وله قوله :

قالوا اشتغل عنهمُ يوماً بغيرهمُ

وخادعِ النفسَ إنّ النفسَ تنخدعُ

قد صيغَ قلبي على مقدارِ حبِّهمُ

فما لحبِّ سواه فيه مُتّسعُ

وله قوله :

وحقِّكَ ما أخّرتُ كُتْبيَ عنكمُ

لقالةِ واشٍ أو كلامِ محرِّشِ

ولكنّ دمعي إن كتبتُ مشوِّشٌ

كتابي وما نفعُ الكتابِ المشوَّشِ

وله قوله :

ما للمعيلِ وللمعالي إنّما

يسمو إليهنّ الوحيدُ الفاردُ

فالشمس تجتابُ السماءَ فريدةً

وأبو بناتِ النعش فيها راكدُ

وله قوله :

قوِّض خيامَكَ من أرضٍ تضامُ بها

وجانبِ الذلّ إنّ الذلَّ يُجتنَبُ

وارحلْ إذا كانتْ الأوطانُ منقصةً

فصندلُ الهندِ في أوطانِهِ حطبُ

لا يذهب على القارئ أنّ ترجمة أبي الفرج عليّ بن هندو تُعزى في عيون الأنباء ، وفوات الوفيات ، ومحبوب القلوب إلى يتيمة الدهر ، وكتاب اليتيمة خلوٌ منها ، والمترجم فيه هو والده المذكور الحسين.

نعم ؛ ترجمه الثعالبي في تتمّة اليتيمة (١) (ص ١٣٤ ـ ١٤٣) وأثنى عليه بقوله : هو من ضربه في الآداب والعلوم بالسهام الفائزة ، وملكه رقّ البراعة في البلاغة ، فرد الدهر في ا لشعر ، وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد ، ونظم القلائد

__________________

(١) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ١٥٥.


والفرائد ، مع تهذيب الألفاظ البليغة ، وتقريب الأغراض البعيدة ، وتذكير الذين يسمعون ويروون ، (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (١) ، وكنت ضمّنتُ كتاب اليتيمة نبذاً من شعره (٢) لم أظفر بغيره ، وهذا مكان ما وقع إليّ بعد ذلك من وسائط عقوده ، وفوارد أبياته بل معجزاته.

ثم ذكر صحائف من شعره وفصلاً من رسالته الهزليّة ـ الوساطة.

ومنهم : أبو الشرف بن أبي الفرج عليّ بن حسين بن محمد بن هندو ، ذكره صاحب دمية القصر (٣) (ص ١١٣) في ذيل ترجمة أبيه.

قد تُعزى الأبيات الغديريّة المذكورة إلى أبي الفرج سلامة بن يحيى الموصلي (٤) وهو لا يتمُّ ؛ لأنّ الواقف على مناقب ابن شهرآشوب ومعالمه جدُّ عليمٍ بأنّه يذكر أبا الفرج الموصلي في كتابيه باسمه والمترجم بكنيته ، والله أعلم.

__________________

(١) الطور : ١٥.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٢١٢ [٣ / ٤٦٠]. (المؤلف)

(٣) دمية القصر : ١ / ٦١٨.

(٤) راجع يتيمة الدهر : ١ / ٨٢ [١ / ١٢٩]. (المؤلف) [وكذا عزاها إليه السيد الأمين في أعيان الشيعة : ٧ / ٢٧٥].


ـ ٣٤ ـ

جعفر بن حسين

قل للذي بفجورِه

في شعرِه ظهرتْ علامه

ويبيعُ جهلاً دينَهُ

لمضلّلٍ يرجو حطامه

من أين أنت لُعِنتَ أو

من أينَ أسرارُ الإمامه

أظننتَها إرثَ النب

يِّ فما أصبتَ ولا كرامه

إنّ الإمامةَ بالنصو

صِ لمن يقومُ بها مقامه

كمقالِهِ في يومِ خمّ

لحيدرٍ لمّا أقامه

من كنتُ مولاه فذا

مولاه يُسمِعُهمْ كلامه

سل عنه ذا خبرٍ به

فلتذهبنّ إذاً ندامه

فهو الذي بحسامه

للنقع قد جلّى قتامه

في يوم بدرٍ إذ شكا

سادات مالكِكم صدامه

وأنين والدِهم وقد

منَع النبيّ به منامه

إنّ الإمام لديننا

من شاده وبنى دعامه

في كلّ معتركٍ إذا

شبَّ الوغى أطفا ضرامه

فتّاحُ خيبرَ بعد ما

فرَّ الذي طلبَ السلامه

تالله لو وُزِنَ الجمي

عُ لما وفوا منه القلامه

حكى القاضي أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي


جرادة الحلبي المتوفّى سنة (٥٦٥) في شرح قصيدة أبي فراس الميميّة المعروفة بالشافية عن مروان بن أبي حفصة ، أنَّه قال : أنشدت المتوكّل شعراً ذكرتُ فيه الرافضة ، فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع عليَّ أربع خلع في دار العامّة ، والشعر هو هذا :

لكمُ تراثُ محمدٍ

وبعدلِكمْ تُنفى الظلامه

يرجو التراثَ بنو البنا

ت وما لهم فيه قلامه

والصهرُ ليس بوارثٍ

والبنتُ لا ترثُ الإمامه

ما للذين تنحّلوا

ميراثَكمْ إلاّ الندامه

أخذَ الوراثةَ أهلُها

فعلام لومُكمُ علامه

لو كان حقّكمُ لها

قامت على الناس القيامه

ليس التراثُ لغيرِكم

لا والإلهِ ولا كرامه

أصبحتُ بين محبّكم

والمبغضين لكم علامه

فردّ عليه رجلٌ يقال له جعفر بن حسين بقوله : قل للذي بفجوره. إلخ (١).

قال الأميني : زعماً بأنّ الشاعر من أولاد أبي عبد الله حسين بن الحجّاج البغدادي أو ممّن عاصروه ، ذكرناه في هذا القرن ولم نقف على شيءٍ من ترجمته.

وقد وقفنا على عدّة قصائد غديريّة لغير واحد من شعراء القرن الرابع ، غير أنّا لم نعرف شيئاً من أحوالهم وتاريخ حياتهم فضربنا عنها صفحاً.

__________________

(١) راجع أعيان الشيعة : ١٨ / ٤٤٦ [٤ / ٩٣]. (المؤلف)


شعراء الغدير

في

القرن الخامس

١ ـ أبو النجيب الطاهر

٢ ـ الشريف الرضي

٣ ـ أبو محمد الصوري

٤ ـ مهيار الديلمي

٥ ـ الشريف المرتضى

٦ ـ أبو علي البصير

٧ ـ أبو العلاء المعري

٨ ـ المؤيد في الدين



ـ ٣٥ ـ

أبو النجيب الطاهر

المتوفّى (٤٠١)

عَيّدَ في يومِ الغديرِ المسلمُ

وأنكرَ العيدَ عليه المجرمُ

يا جاحدي الموضعِ واليومِ وما

فاهَ به المختارُ تبّا لكمُ

فأنزل الله تعالى جَدُّه

أليومَ أكملتُ لكم دينكمُ

واليوم أتممتُ عليكمْ نعمتي

وإنّ من نصبِ الإمامِ النِعمُ (١)

الشاعر

أبو النجيب شدّاد بن إبراهيم بن حسن الملقّب بالطاهر الجزري ، من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام نظم في فنون الشعر ، وغرّد على أفانينه ، بنظم رقيق الحاشية ، متّسق الألفاظ ، جزل المعاني ، له ديوان شعر عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء (٢) عداد المجاهرين من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ، وفي معجم الأدباء (٣) (٤ / ٢٦١) : شاعرٌ من شعراء عضد الدولة بن بويه ، ومدح المهلّبي ، كان رقيق الشعر ، لطيف الأسلوب مات سنة (٤٠١) ، ومن شعره :

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٢٨ [٣ / ٣٢]. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٩.

(٣) معجم الأدباء : ١١ / ٢٧٠.


إذا المرُء لم يرضَ ما أمكنه

ولم يأتِ من أمرِهِ أحسنَه

فدعه فقد ساءَ تدبيرُهُ

سيضحكُ يوماً ويبكي سنَه

ومنه :

أيا جيل التصوّفِ شرَّ جيلِ

لقد جئتم بأمرٍ مستحيلِ

أفي القرآنِ قالَ لكم إلهي

كلوا مثلَ البهائمِ وارقصوا لي

وقال :

قلتُ للقلب ما دهاك أَبِنْ لي

قال لي بائع الفراني فراني

ناظراه فيما جنت ناظراه

أو دعاني أمُتْ بما أودعاني

وقال :

بلادُ اللهِ واسعةٌ فضاها

ورزقُ الله في الدنيا فسيحُ

فقلْ للقاعدين على هوانٍ

إذا ضاقتْ بكم أرضٌ فسيحوا

وقال :

أفسدتمُ نظري عليّ فما أرى

مذ غبتمُ حَسناً إلى أن تقدموا

فدعوا غرامي ليس يمكن أن ترى

عينُ الرضا والسخطُ أحسنَ منكمُ

وقال في (٣ / ١٩٤) : حدّث أبو النجيب ، قال : كنت كثير الملازمة للوزير أبي محمد المهلّبي المتوفّى (٣٥٢) ، فاتّفق أن غسلت ثيابي وأنفذ إليّ من يدعوني ، فاعتذرت بعذر فلم يقبله وألحّ في استدعائه ، فكتبت إليه :

عبدُك تحت الحبلِ عريانُ

كأنّه لا كان شيطانُ

يغسل أثواباً كأنّ البلا

فيها خليطٌ وهي أوطانُ

أرقَّ من دينيَ إن كان لي

دينٌ كما للناس أديانُ


كأنّها حاليَ من قبل أن

يصبحَ عندي لكَ إحسانُ

يقولُ من يبصرُني معرضاً

فيها وللأقوالِ برهانُ

هذا الذي قد نُسِجتْ فوقَهُ

عناكب الحيطان إنسانُ

فأنفذ لي جبّة وعمامة وسراويل وكيساً فيه خمسمائة درهم (١).

وترجمه الكتبي في فوات الوفيات (٢) (ص ١٦٧) وقال : شاعر مدح المهلّبي وزير معزّ الدولة ومدح عضد الدولة وكانت وفاته في حدود الأربعمائة. وذكر أبياتاً من شعره. ونقل (٣) في (ص ١٣٢) في ترجمة الوزير المهلّبي ما حكيناه عن معجم الأدباء من حديث غسل الثياب. وتوجد ترجمته في دائرة المعارف للبستاني (٢ / ٣٦٠).

وقد أصفقت المصادر الثلاثة الأخيرة على أنّ أبا النجيب كنية شدّاد بن إبراهيم المترجَم الملقّب بالطاهر ، فهو رجل واحد لا كما حسبه سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٤) من التعدّد ، فذكر في (١ / ٣٨٩) ـ المترجَم باسمه شدّاد ، وقال : إنّه توفّي في حدود (٤٠٠) وذكر في (١ / ٤١١) أبا النجيب الطاهر الجزري ، وعدّه ممّن لم يحدَّد عصره من الشعراء.

وذكر صاحب دمية القصر (٥) للمترجَم في (ص ٥٠) قوله :

أُنظر إلى حظّ ابن شبلٍ في الهوى

إذ لا يزالُ لكلّ قلبٍ شائقا

__________________

(١) معجم الأدباء : ٩ / ١٤٠.

(٢) فوات الوفيات : ٢ / ٤٥ رقم ١٦٣.

(٣) فوات الوفيات : ١ / ٣٥٦ رقم ١٢٧.

(٤) أعيان الشيعة : ٧ / ٣٣٣ ، وقد صحّحه في هذه الطبعة ، حيث جمع بين الكنية والاسم واعتبرهما واحداً.

(٥) دمية القصر : ١ / ١٥٤.


شغل النساءَ عن الرجال وطالما

شغل الرجالَ عن النساءِ مراهقا

عشقوه أمرد والتحى فعشقتُه

اللهُ أكبُر ليس يعدمُ عاشقا

وذكره الثعالبي في تتميم يتيمته (١) (١ / ٤٦) ، وذكر له من قصيدة في سيف الدولة عليّ بن عبد الله المتوفّى (٣٥٦):

وحاجةٌ قيل لي نبّه لها عمرا

ونَم فقلت عليٌّ قد تنبّه لي

حسبي عليّانِ إن نابَ الزمانُ وإن

جاءَ المعادُ بما في القولِ والعملِ

فلي عليُّ بنُ عبدِ الله منتجعٌ

ولي عليٌّ أمير المؤمنين ولي

وله :

أليسَ ترى الجوّ مستعبراً

يُضاحكه برقه الخلّبُ

وقد لاح من قُزَحٍ قوسُه

بعيداً وتحسبُه يقربُ

كطاقَي عقيقٍ وفيروزجٍ

وبينهما آخرٌ مذهبُ

وذكر ابن خلكان شطراً من شعره في تاريخه (٢) (٢ / ٢٣٦) نقلاً عن دمية القصر ، وأثنى عليه.

__________________

(١) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) وفيات الأعيان : ٥ / ٢٦٦ رقم ٧٣٥.


ـ ٣٦ ـ

الشريف الرضي

المولود (٣٥٩)

المتوفّى (٤٠٦)

نطقَ اللسانُ عن الضميرِ

والبشرُ عنوانُ البشيرِ

ألآن أعْفَيْتَ القلو

بَ من التقلقلِ والنفورِ

وانجابتِ الظلماءُ عن

وضَحِ الصباح المستنيرِ

إلى أن قال :

غدرَ السرورُ بنا وكا

ن وفاؤه يومَ الغديرِ

يومٌ أطافَ به الوص

ـيُّ وقد تلقّبَ بالأميرِ

فتسلَّ فيه ورُدَّ عا

ريةَ الغرامِ إلى المعيرِ

وابتزّ أعمارَ الهمومِ

بطولِ أعمارِ السرورِ

فلِغَيرِ قلبِكَ من يعلّلُ

همَّهُ نُطَفُ الخمورِ

لا تقنعَنْ عندَ المطا

لب بالقليلِ من الكثيرِ

فتبرّضُ الأطماعِ مثل

تبرّض (١) الثَمَدِ الجرورِ (٢)

__________________

(١) التبرّض ـ من تَبرّضَ ـ : إذا تبلّغ بالقليل من العيش. (المؤلف)

(٢) الثمَد : الماء القليل. الجرور : البعيد القعر.


هذا أوان تطاول الحا

جاتِ والأملِ القصيرِ

فانفحْ لنا من راحتي

ـكَ بلا القليلِ ولا النزورِ

لا تحوجنَّ إلى العصا

ب وأنت في الضرْعِ الدرورِ

آثارُ شكرِكَ في فمي

وسماتُ ودِّك في ضميري

وقصيدةٌ عذراءُ مث

ـلُ تألّقِ الروضِ النضيرِ

فرحتْ بمالِكِ رِقِّها

فرحَ الخَميلةِ (١) بالغدير (٢)

الشاعر

الشريف الرضي ـ ذو الحسبين ـ أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام أبي إبراهيم موسى الكاظمعليه‌السلام.

أمّه السيّدة فاطمة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الأطروش بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

والده أبو أحمد كان عظيم المنزلة في الدولتين العبّاسيّة والبويهيّة ، لقّبه أبو نصر بهاء الدين بالطاهر الأوحد ، وولي نقابة الطالبيّين خمس مرّات ، ومات وهو النقيب وذهب بصره ، ولولا استعظام عضد الدولة أمره ما حمله على القبض عليه وحمله إلى قلعة بفارس ، فلم يزل بها حتى مات عضد الدولة فأطلقه شرف الدولة ابن العضد ، واستصحبه حين قدم بغداد ، وله في خدمة الملّة والمذهب خطوات بعيدة ، ومساعٍ مشكورة ، وقَدم وقِدم ، ولد سنة (٣٠٤) وتوفّي ليلة السبت (٢٥) جمادى الأولى

__________________

(١) الخميلة : الشجر الكثير الملتفّ ، الموضع الكثير الشجر المنهبط من الأرض. (المؤلف)

(٢) توجد في ديوانه : ١ / ٣٢٧ [١ / ٤٢٧] يمدح بها أباه في يوم الغدير ، ويذكر ردّ أملاكه عليه في سنة (٣٩٦). (المؤلف)


سنة (٤٠٠) (١) ، ورثته الشعراء بمراثٍ كثيرة ، وممّن رثاه ولداه المرتضى والرضيّ ومهيار الديلمي ، ورثاه أبو العلاء المعرّي بقصيدة توجد في كتابه سقط الزند (٢).

وسيّدنا الشريف الرضي هو مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة ، وإمام من أئمّة العلم والحديث والأدب ، وبطل من أبطال الدين والعلم والمذهب ، هو أوّل في كلّ ما ورثه سلفه الطاهر من علم متدفّق ، ونفسيّات زاكية ، وأنظار ثاقبة. وإباء وشمم ، وأدب بارع ، وحسب نقيٍّ ، ونسب نبويٍّ ، وشرف علويٍّ ، ومجد فاطميٍّ ، وسؤدد كاظميٍّ ، إلى فضائل قد تدفّق سيلها الأتيّ ، ومآثر قد التطمت أواذيّها الجارفة ، ومهما تشدّق الكاتب فإنَّ في البيان قصوراً عن بلوغ مداه ، وللتنقيب تقاعساً عن تحديد غايته ، وللوصف انحساراً عن استكناه حقيقته ، وإنَّ دون ما تحلّى به من مناقبه الجمّة ، وضرائبه الكريمة ، كلّ ما سردوه في المعاجم من ثناء وإطراء مثل : فهرست النجاشي (ص ٢٨٣) ، يتيمة الدهر (٣ / ١١٦) ، الأنساب للعمري ، تاريخ بغداد (٣ / ٢٤٦) ، كامل ابن الأثير (٩ / ٨٩) ، معالم العلماء (ص ١٣٨) ، دمية القصر (ص ٧٣) ، تاريخ ابن خلّكان (٢ / ١٠٦) ، المنتظم لابن الجوزي (٧ / ٢٧٩) ، خلاصة العلاّمة (ص ٨١) ، صحاح الأخبار (ص ٦١) ، الأنساب لأبي نصر البخاري ، عمدة الطالب (ص ١٨٣) ، تحفة الأزهار لابن شدقم ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٣) ، مرآة الجنان (٣ / ١٨) ، الشذرات (٣ / ١٨٢) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٠) ، غاية الاختصار ، الدرجات الرفيعة للسيّد [علي خان الحسيني الشيرازي] ، مجالس المؤمنين (ص ٢١٠) ، جامع الأقوال ، نسمة السحر لليمني ، لسان الميزان (٤ / ٢٢٣) ، رياض الجنّة للزنوزي ، الروضة البهيّة للسيّد [محمد شفيع ابن علي أكبر الجابلقي] ، ملخّص المقال ، رجال ابن أبي جامع ، الإجازة للسماهيجي ،

__________________

(١) صحاح الأخبار : ص ٦٠ ، والدرجات الرفيعة [ص ٤٥٨] ، وعدّة أخرى من الكتب والمعاجم. (المؤلف)

(٢) سقط الزند : ص ٢٥٠ القصيدة الستون.


الإتقان (ص ١٢١) ، منهج المقال (ص ٢٩٣) ، تأسيس الشيعة (ص ١٠٧) ، سمير الحاضر للشيخ عليّ ، تنقيح المقال (٣ / ١٠٧) ، اليتيمة للعاملي (ص ١٨) ، تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٥٧) (١) ، أعلام الزركلي (٣ / ٨٨٩) ، دائرة المعارف للبستاني (١٠ / ٤٥٨) ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٤ / ٢٥١) ، مجلّة الهدى العراقيّة في الجزء الثالث من السنة الأولى (ص ١٠٦) ، معجم المطبوعات (٢).

وتجد تحليل نفسيّة الشريف الرضيّ الكريمة في :

١ ـ ما ألَّفه العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي النجفي كمقدِّمة للجزء الخامس المطبوع من تفسيره ، فطبع معه في (١١٢) صحيفة.

٢ ـ وما نضد عقد جمانه الكاتب الشهير زكي مبارك في مجلّدين ضخمين مطبوعين ، أسماه : عبقريّة الشريف الرضيّ.

٣ ـ وقبلهما ما كتبه العلاّمة الشيخ محمد رضا ابن شيخنا الحجّة الشيخ هادي كاشف الغطاء.

٤ ـ وأفرد زميلنا السيّد علي أكبر البرقعي القمي كتاباً في ترجمته ، أسماه : كاخ دلاويز.

__________________

(١) اشتبه في تأليف المترجَم وبيئة نشأته وتاريخ وفاته. (المؤلف)

(٢) رجال النجاشي : ص ٣٩٨ رقم ١٠٦٥ ، يتيمة الدهر : ٣ / ١٥٥ ، المجدي في الأنساب : ص ١٢٦ ، الكامل في التاريخ : ٥ / ٦١٣ حوادث سنة ٤٠٦ ه‍ ، معالم العلماء : ص ٥١ رقم ٣٣٦ ، دمية القصر : ١ / ٢٩٢ ، وفيات الأعيان : ٤ / ٤١٤ رقم ٦٦٧ ، المنتظم : ١٥ / ١١٥ رقم ٣٠٦٥ ، رجال العلاّمة الحلّي : ص ١٦٤ رقم ١٧٦ ، عمدة الطالب : ص ٢٠٧ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٤ حوادث سنة ٤٠٦ ه‍ ، شذرات الذهب : ٥ / ٤٣ حوادث سنة ٤٠٦ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ٣١ ، غاية الاختصار : ص ٧٧ ـ ٨٠ ، الدرجات الرفيعة : ص ٤٦٦ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٥٠٣ ، نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٤٥٩ ، لسان الميزان : ٥ / ١٥٩ رقم ٧٢٥٢ ، تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام : ص ٢١٣ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة ـ : مج ١٤ / ٩٢ ، الأعلام : ٦ / ٣٢٩.


قال الأميني : كان البرقعي محمود السيرة ، ميمون النقيبة ، من روّاد الفضيلة والأدب ، غير أنّه تحزّب في الآونة الأخيرة بفئة ضالّة ساقطة ، وأُصيب ـ العياذ بالله ـ بمتعسة أزالته عن مكانته ، وأسفّته إلى هوّة البوار ، عصمنا الله من الزلل ، وآمننا من الخطل ، وحفظنا من خاتمة سوء.

٥ ـ وكتب الدكتور محفوظ ترجمته في (٢٥٠) صحيفة سمّاها ب (الشريف الرضي) طبعت في بيروت بمطبعة الريحاني.

٦ ـ ولولدنا محمد هادي الأميني كتاب في ترجمته.

وهناك من كتب (١) في عبقريّته من المتطفّلين على موائد الكتابة من الشباب الزائف في مصر ، غير أنَّه كشف عن سوأة نفسه وخلّد لها شية العار على مرّ الدهور ، فطفق ينحو فيما حسبه خدمةً للرضي ونشراً لعبقريّته النَّيل من سلفه الطاهر ، وأخذ ينشر ما في علبة عدائه على أهل البيت النبويّ المقدّس بالوقيعة في سيّدهم سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، هنالك أبدى ضئولة رأيه ، وسخف أنظاره ، وخبث عنصره ، فجاء كالباحث عن حتفه بظلفه.

وهب أنّه من قوم حناق على آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ لكنّه لم يسلم من نعراته حتى أئمّة مذهبه ، فقد جاثاهم وسلقهم بلسان حديد ، أنا لا أحاول نقد كلماته حرفيّا فإنّها أسقط من ذلك ، وإنّ صاحبها أقلّ من أن ينوَّه به في الكتب ، ولكن أسفي على مصر أن يشوِّه سمعتها الذنابى ، أسفي على جامعتها أن لا تنفي عنها ما يدنِّس مطارف فضلها القشيبة ، أسفي على مطابعها أن تنشر السفاسف المخزية ، أسفي أسفي أسفي ..

__________________

(١) هو محمد سيّد الكيلاني ، أفرد في المترجَم كتاباً في (١٥٩) صفحة وسمّاه ب «الشريف الرضيّ». (المؤلف)


أساتذته ومشايخه :

١ ـ أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان النحوي المعروف بالسيرافي المتوفّى (٣٦٨) : تلمّذ عليه في النحو وهو طفلٌ لم يبلغ عمره عشر سنين ، ذكره ابن خلّكان (١) ، واليافعي (٢) ، وصاحب الدرجات الرفيعة (٣) ، نقلاً عن أبي الفتح بن جنّي شيخ المترجَم.

٢ ـ أبو عليّ الحسن بن أحمد الفارسي النحوي المتوفّى (٣٧٧) : وله منه إجازة ، يروي عنه في كتابه المجازات النبويّة.

٣ ـ أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني المتوفّى (٣٨٤ وقيل : ٣٧٨).

٤ ـ أبو محمد الشيخ الأقدم هارون بن موسى التلعكبري المتوفّى (٣٨٥).

٥ ـ أبو الفتح عثمان بن جنّي الموصلي المتوفّى (٣٩٢) : وقد أكثر النقل عنه في المجازات النبويّة.

٦ ـ أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد المعروف بابن نباته صاحب الخطب المتوفّى (٣٩٤).

٧ ـ الشيخ الأكبر شيخنا المفيد ، أبو عبد الله ابن المعلّم محمد بن نعمان المتوفّى (٤١٣) : قرأ عليه هو وأخوه علم الهدى المرتضى.

قال صاحب الدرجات الرفيعة (٤) : كان المفيد رأى في منامه فاطمة الزهراء

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٤ / ٤١٦ رقم ٦٦٧.

(٢) مرآة الجنان : ٣ / ١٩ وفيات سنة ١٤٦ ه‍.

(٣) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦٨.

(٤) الدرجات الرفيعة : ص ٤٥٩.


بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما‌السلام صغيرين ، فسلّمتهما إليه وقالت له : علّمهما الفقه.

فانتبه متعجِّباً من ذلك ، فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها وبين يديها ابناها عليّ المرتضى ومحمد الرضي صغيرين ، فقام إليها وسلّم عليها ، فقالت له : أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما الفقه. فبكى الشيخ وقصّ عليها المنام وتولّى تعليمهما ، وأنعم الله تعالى عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باقٍ ما بقي الدهر. وذكرها ابن أبي الحديد في شرحه (١) (١ / ١٣).

٨ ـ أبو الحسن عليّ بن عيسى الربعي النحوي البغدادي المتوفّى (٤٢٠) : كما في المجازات النبويّة (ص ٢٥٠) ، وقال المترجَم في تفسير قوله تعالى (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (٢) قال لي شيخنا أبو الحسن عليُّ بن عيسى النحوي صاحب أبي علي الفارسي : وهذا الشيخ كنتُ بدأتُ بقراءة النحو عليه قبل شيخنا أبي الفتح عثمان بن جنّي ؛ فقرأتُ عليه مختصر الجرمي ، وقطعة من كتاب الإيضاح لأبي عليّ الفارسي ، ومقدّمة أملاها عليّ كالمدخل إلى النحو ، وقرأت عليه العروض لأبي إسحاق الزجّاج ، والقوافي لأبي الحسن الأخفش (٣).

٩ ـ القاضي عبد الجبّار أبو الحسن بن أحمد الشافعيّ المعتزلي : قرأ عليه كما في المجازات النبويّة (٤).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٤١.

(٢) آل عمران : ٣٦.

(٣) حقائق التأويل : ص ٢٠٧.

(٤) المجازات النبويّة : ص ١٨٠ رقم ١٤٠.


١٠ ـ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي : قرأ عليه في الفقه كما في المجازات (١) (ص ٩٢).

١١ ـ أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد الكناني : يروي عنه الحديث كما في المجازات (٢) (ص ١٥٥).

١٢ ـ أبو القاسم عيسى بن عليّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح : شيخه في الحديث كما في المجازات (٣) (ص ١٥٣).

١٣ ـ أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي الأكفاني.

١٤ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي : تلمذ عليه في عنفوان شبابه ، كما في المنتظم لابن الجوزي (٤) وغيره.

تلامذته والرواة عنه :

ويروي عنه جمعٌ من أعيان الطائفة وأعلام العامّة منهم :

١ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٥) : المتوفّى (٤٦٠).

٢ ـ الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي.

٣ ـ الشيخ أبو عبد الله محمد بن عليّ الحلواني : كما في الإجازات.

__________________

(١) المجازات النبويّة : ص ١٤٥ رقم ١٠٨.

(٢) المجازات النبويّة : ص ٢٤٣ رقم ١٩٧.

(٣) المجازات النبويّة : ص ٢٤١ رقم ١٩٥.

(٤) المنتظم : ١٥ / ٣٨ رقم ٢٩٧٨.

(٥) ولا زال الريب يخالجني في أمر الشيخ الطوسي الذي قدم بغداد سنة ٤٠٨ كيف يروي عن الرضي الذي توفي سنة ٤٠٦! على أنّه ورد في أسانيدنا متعدداً. (الطباطبائي)


٤ ـ القاضي أبو المعالي أحمد بن عليّ بن قدامة المتوفّى (٤٨٦) : كما في كثير من إجازات أعلام الدين.

٥ ـ أبو زيد السيّد عبد الله بن عليّ كيابكي ابن عبد الله الحسيني الجرجاني : كما في إجازة الشهيد الثاني لوالد شيخنا البهائي العاملي ، وإجازة مولانا المجلسي الأوّل لولده العلاّمة المجلسي.

٦ ـ أبو بكر أحمد بن الحسين بن أحمد النيسابوريّ الخزاعيّ : وهو من أجلاّء تلامذة المترجَم وأخيه الشريف المرتضى كما في المقابيس للعلاّمة الحجّة التستري.

٧ ـ أبو منصور محمد بن أبي نصر محمد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز العكبري المعدّل : كما في قصص الأنبياء للراوندي (١).

٨ ـ القاضي السيّد أبو الحسن عليّ بن بندار بن محمد الهاشمي : يروي عن المترجَم وأخيه علم الهدى المرتضى ، كما في إجازة الشيخ عبد الله السماهيجي الكبيرة للشيخ ياسين ، وإجازته للشيخ ناصر الجارودي سنة (١١٢٨).

٩ ـ الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوري (٢) ، يروي عن المترجَم وأخيه علم الهدى جميع مصنّفاتهما بلا واسطة ، كما في إجازة الشيخ عبد الله السماهيجي الكبيرة المذكورة.

__________________

(١) قصص الأنبياء : ص ٩٦ ح ٨٩.

(٢) ترجم له الشيخ منتجب الدين في الفهرست برقم ٢١٩ وقال : (شيخ الاصحاب بالريّ ، حافظ ، واعظ ، ثقة سافر في البلاد شرقاً وغرباً وسمع الأحاديث من المؤالف والمخالف ، وله تصانيف ، منها ... وقد قرأ على السيدين علم الهدى المرتضى وأخيه الرضي ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ...). أقول : وممّن روى عن الشريف الرضي : ١٠ ـ أبو نصر عبد الكريم بن محمد الديباجي المعرف بسبط بشر الحافي. ١١ ـ السيّدة تقية بنت أخيه الشريف المرتضى علم الهدى. (الطباطبائي)


تآليفه وكتبه :

١ ـ نهج البلاغة : كان يهتمّ بحفظه حملة العلم والحديث في العصور المتقادمة حتى اليوم ويتبرّكون بذلك كحفظ القرآن الشريف ، وعُدّ من حفظته في قرب عهد المؤلّف القاضي جمال الدين محمد بن الحسين بن محمد القاساني ، فإنّه كان يكتب نهج البلاغة من حفظه كما ذكره الشيخ منتجب الدين في فهرسته (١).

ومن حفّاظه في القرون المتقادمة : الخطيب أبو عبد الله محمد الفارقي المتوفّى (٥٦٤) ، كما ذكره ابن كثير في تاريخه (٢) (١٢ / ٢٦٠) ، وابن الجوزي في المنتظم (٣) (١٠ / ٢٢٩).

ومن حفظة المتأخّرين له : العلاّمة الورع السيّد محمد اليماني المكّي الحائري المتوفّى في الحائر المقدّس سنة (١٢٨٠) في (٢٨) ربيع الأوّل.

ومنهم : العالم المؤرِّخ الشاعر الشيخ محمد حسين مروّة الحافظ العاملي ، حكى سيّدنا صدر الدين الكاظمي (٤) ، عن العلاّمة الشيخ موسى شرارة : أنّه كان يحفظ تمام قاموس اللغة ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، وأربعين ألف قصيدة. انتهى.

ونقل بعض الأعلام أنّه كان حافظاً لكامل ابن الأثير من أوّله إلى آخره. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (٥).

وقد توالت عليه الشروح منذ عهد قريب من عصر المترجَم له بما يربو على

__________________

(١) فهرست منتجب الدين : ص ١٧٦ رقم ٤٣٧.

(٢) البداية والنهاية : ١٢ / ٣٢٣ حوادث سنة ٥٦٤ ه‍.

(٣) المنتظم : ١٨ / ١٨٦ رقم ٤٢٨٠.

(٤) في تكملة أمل الآمل : ص ٣٧٦ رقم ٣٦٤.

(٥) الجمعة : ٤.


السبعين شرحاً ، وممّن شرحه :

١ ـ السيّد عليّ بن الناصر المعاصر لسيّدنا الشريف الرضي ، شرحه وأسمى شرحه ب ـ (أعلام نهج البلاغة) ، وهو أوّل الشروح وأقدمها.

٢ ـ أحمد بن محمد الوبري ، من أعلام القرن الخامس.

٣ ـ ضياء الدين أبو الرضا فضل الله الراوندي ، علّق عليه سنة (٥١١).

٤ ـ أبو الحسن عليُّ بن أبي القاسم زيد بن أميرك محمد بن أبي عليّ الحسين ابن أبي سليمان فندق بن أيّوب بن الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عمر ابن الحسن بن عثمان بن أيّوب بن خُزيمة بن عمر بن خُزيمة بن ثابت ذي الشهادتين صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيهقي النيسابوري ، من مشايخ ابن شهرآشوب ، قرأ نهج البلاغة على الشيخ الحسن بن يعقوب القارئ سنة (٥١٦) وشرحه وأسماه ب (معارج نهج البلاغة). ولد يوم السبت سابع وعشرين شعبان في سبزوار ومات سنة (٥٦٥) (١).

٥ ـ أبو الحسين سعيد بن هبة الله قطب الدين الراوندي المتوفّى (٥٧٣) ، أسمى شرحه ب (منهاج البراعة).

٦ ـ الشيخ أبو الحسين محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري ، الشهير بقطب الدين الكيدري ، له شرحه الموسوم ب ـ حدائق الحقائق ـ فرغ من تأليفه سنة (٥٧٦).

٧ ـ أفضل الدين الحسن بن عليّ بن أحمد الماهابادي ، أحد مشايخ صاحب

__________________

(١) ترجمه الحموي في معجم الأدباء : ٥ / ٢٠٨ [١٣ / ٢١٩] نقلاً عن كتابه مشارب التجارب ، وعدّ شرح النهج من تآليفه ، فما في كاخ دلاويز : ص ١١٦ من نفي صحّة نسبة الشرح إليه ردّا على ابن يوسف الشيرازي في غير محلّه ، كما اشتبه عليه في قوله : إنّ البيهقي أوّل شارح للكتاب. (المؤلف)


الفهرست الشيخ منتجب الدين المتوفّى بعد سنة (٥٨٥) (١).

٨ ـ القاضي عبد الجبّار ، المردّد بين جمعٍ (٢) مقارنين بعصر شيخ الطائفة ، ذكره العلاّمة النوري في المستدرك (٣).

٩ ـ الفخر الرازي محمد بن عمر الطبري الشافعيّ المتوفّى (٦٠٦) ، كما صرّح به القفطي في تاريخ الحكماء (٤).

١٠ ـ أبو حامد عزُّ الدين عبد الحميد الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي المدائني المتوفّى سنة (٦٥٥) ، له شرحه الدائر الذي اختصره المولى سلطان محمود الطبسي الآتي ذكره.

١١ ـ السيّد رضي الدين أبو القاسم عليُّ بن موسى بن طاووس الحسيني المتوفّى سنة (٦٦٤).

١٢ ـ أبو طالب تاج الدين المعروف بابن الساعي عليّ بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي المتوفّى (٦٧٤) ، صاحب التآليف الكثيرة منها شرح نهج البلاغة ، كما في منتخب المختار (ص ١٣٨).

١٣ ـ كمال الدين الشيخ ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني المتوفّى (٦٧٩) ، له شرحه الكبير والمتوسط والصغير.

١٤ ـ الشيخ أحمد بن الحسن النهاوندي ، من أعلام القرن السابع تلميذ الشيخ

__________________

(١) اسم الشارح : أفضل الدين الحسن لا أبو الحسن ، كما في بعض المعاجم. (المؤلف)

(٢) ألا وهم الفقهاء الأفذاذ : القاضي ركن الدين عبد الجبّار بن عليّ الطوسي ، والقاضي عبد الجبّار بن فضل الله ، وعبد الجبّار بن منصور ، والشيخ عبد الجبّار بن أحمد ، والشيخ عبد الجبّار بن عبد الله المقري الرازي ، وعبد الجبّار بن محمد الطوسي ، وأبو عليّ عبد الجبّار بن الحسين. (المؤلف)

(٣) مستدرك الوسائل : ٣ / ٤٩٦.

(٤) تاريخ الحكماء : ص ٣٩٦ رقم ٢٨٣.


جمال الدين الوراميني ، له حواشٍ كثيرة على نهج البلاغة من تقريرات أستاذه المذكور.

١٥ ـ العلاّمة الحلّي ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المتوفّى (٧٢٦).

١٦ ـ الشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العتائقي الحلّي ، أحد أعلام القرن الثامن ، له شرحه الكبير في أربع مجلّدات.

١٧ ـ يحيى بن حمزة العلوي اليمني من أئمّة الزيديّة المتوفّى (٧٤٩) ، اقتصر في شرحه على حلّ عويصاته اللغويّة.

١٨ ـ سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الشافعيّ المتوفّى (٧٩١ ، ٧٩٢ ، ٧٩٣).

١٩ ـ السيّد أفصح الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسيني ، فرغ من شرحه في شهر صفر سنة (٨٨١) (١).

٢٠ ـ المولى قوام الدين يوسف بن حسن الشهير بقاضي بغداد المتوفّى حدود سنة (٩٢٧).

٢١ ـ أبو الحسن عليّ بن الحسن الزواري ، من تلمذة المحقِّق الكركي ، شرحه بالفارسية وأسماه ب (روضة الأبرار) فرغ منه سنة (٩٤٧).

٢٢ ـ المولى جلال الدين الحسين ابن خواجة شرف الدين عبد الحقّ الأردبيلي المعروف بالإلهي المتوفّى (٩٥٠) ، شرحه بالفارسية ويسمّى ب (منهج الفصاحة).

__________________

(١) ذكر البحّاثة ابن يوسف الشيرازي في ترجمة ما هو نهج البلاغة شرحين ، أحدهما في ص ١٧ للسيّد أفصح الدين المذكور ، والآخر في ص ٢٦ للسيّد أفصح الدين الآخر ، ولم يُعرّف مؤلّفه ، وهو اشتباه واضح وليس هناك إلاّ شرح واحد لرجل واحد. (المؤلف)


٢٣ ـ المولى فتح الله ابن المولى شكر الله القاشاني المتوفّى (٩٨٨) ، له شرحه الفارسي المطبوع الموسوم ب (تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين).

٢٤ ـ عزُّ الدين عليُّ بن جعفر شمس الدين الآملي ، من تلمذة الشيخ عليّ بن هلال الجزائري ، له شرحه بالفارسية.

٢٥ ـ المولى عماد الدين عليّ القاري الأسترآباديّ أحد أعلام القرن العاشر ، له تعليق على الكتاب.

٢٦ ـ المولى شمس بن محمد بن مراد ، ترجم شرح ابن أبي الحديد المعتزلي سنة (١٠١٣).

٢٧ ـ شيخنا البهائيّ العاملي المتوفّى (١٠٣١) ، له شرح نهج البلاغة ولم يتمّ ، ذكره البرقعي فيما كتبه إلينا.

٢٨ ـ الشيخ الرئيس أبو الحسن ميرزا القاجاري ، له شرحه لم يتمّ ، كتبه إلينا السيّد البرقعي.

٢٩ ـ الشيخ نور محمد ابن القاضي عبد العزيز ابن القاضي طاهر محمد المحلّي ، شرحه فارسيّا سنة (١٠٢٨).

٣٠ ـ المولى عبد الباقي الخطّاط الصوفي التبريزي المتوفّى (١٠٣٩) ، شرحه بالفارسية وسمّاه ب (منهاج الولاية) (١).

٣١ ـ المولى نظام الدين عليّ بن الحسن الجيلاني ، يسمّى شرحه ب (أنوار الفصاحة) ، فرغ من أوّل مجلّداته الثلاث ٤ ربيع الأوّل سنة (١٠٥٣).

__________________

(١) ذكر البحّاثة ابن يوسف الشيرازي في ترجمة ما هو نهج البلاغة ص ١٩ شرحاً للمولى عبد الباقي ولم يسمّه ، وذكر في ص ٢٥ الشرح ـ منهاج الولاية ـ ولم يعرّف مؤلّفه. (المؤلف)


٣٢ ـ الشيخ حسين بن شهاب الدين بن الحسين العاملي الكركي المتوفّى (١٠٧٦) عن (٦٨) سنة.

٣٣ ـ فخر الدين عبد الله ابن المؤيّد بالله ، لخّص شرح ابن أبي الحديد وأسماه (العقد النضيد المستخرج من شرح ابن أبي الحديد) ، توجد منه نسخة مؤرّخة بسنة (١٠٨٠).

٣٤ ـ السيّد ماجد بن محمد البحراني المتوفّى (١٠٩٧) لم يتمّ شرحه.

٣٥ ـ الشيخ محمد مهدي بن أبي تراب السهندي ، شرحه باللغة الفارسية وفرغ منه في شهر رمضان سنة (١٠٩٧).

٣٦ ـ ميرزا علاء الدين محمد گلستانه المتوفّى (١١٠٠) ، يُسمّى شرحه ب (حدائق الحقائق) ، وشرحه الآخر الصغير ب (بهجة الحدائق).

٣٧ ـ السيّد حسن بن مطهّر بن محمد اليمني الجرموزي الحسني المولود (١٠٤٤) والمتوفّى (١١١٠) ، له شرحه ذكره له الشوكاني في البدر الطالع (١ / ٢١١).

٣٨ ـ المولى تاج الدين حسن المعروف بملاّ تاجا والد شيخنا الفاضل الهندي المتوفّى (١١٣٧) له شرح فارسيّ يوجد في أصبهان.

٣٩ ـ المولى محمد صالح بن محمد باقر الروغني القزويني ، من أعلام القرن الحادي عشر ، شرحه فارسيّا طبع بإيران (١).

٤٠ ـ السيّد نعمة الله بن عبد الله الجزائري التستري المتوفّى (١١١٢) ، له شرحه في ثلاث مجلّدات.

__________________

(١) خفي مؤلّف هذا الشرح على صاحب وقائع الأيّام ، وذكره للحاج المولى صالح البرغاني القزويني ، وتبعه البرقعي في كاخ دلاويز ، والبحّاثة ابن يوسف الشيرازي في ترجمة ما هو نهج البلاغة. (المؤلف)


٤١ ـ المولى سلطان محمود بن غلام عليّ الطبسي القاضي ، من تلمذة العلاّمة المجلسي.

٤٢ ـ المولى محمد رفيع بن فرج الجيلاني المتوفّى بالمشهد الرضوي حدود (١١٦٠)

٤٣ ـ الشيخ محمد عليّ ابن الشيخ أبي طالب الزاهدي الجيلاني الأصبهاني المتوفّى في الهند (١١٨١) ، له شرح بعض خطبه.

٤٤ ـ السيّد عبد الله بن محمد رضا الشبّر الحسيني الكاظمي المتوفّى (١٢٤٢) ، له شرحان.

٤٥ ـ الأمير محمد مهدي الخاتون آبادي الأصبهاني المتوفّى (١٢٦٣) ، له شرحه بالفارسية.

٤٦ ـ الحاج السيّد محمد تقي ابن الأمير محمد مؤمن الحسيني القزويني المتوفّى (١٢٧٠) ، له شرحه بالفارسية.

٤٧ ـ ميرزا باقر النوّاب بن محمد بن محمد اللاهجي الأصبهاني ، كتب له شرحاً بالفارسية بأمر السلطان فتح عليّ شاه القاجار ، وطبع بإيران.

٤٨ ـ الحاج نصر الله بن فتح الله الدزفولي ، ترجم شرح ابن أبي الحديد للفارسية ، وزاد عليه تحقيقاته بأمر السلطان ناصر الدين شاه القاجار ، وفرغ منه سنة (١٢٩٢).

٤٩ ـ السيّد صدر الدين بن محمد باقر الموسوي الدزفولي ، من تلمذة آقا محمد البيدآبادي.

٥٠ ـ السيّد مفتي عبّاس المتوفّى (١٣٠٦) ، أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر ، عدّه البرقعي فيما كتبه إلينا من شرّاحه.


٥١ ـ المولى أحمد بن عليّ أكبر المراغي ، نزيل تبريز المتوفّى ٥ محرّم سنة (١٣١٠) ، علّق على مشكلاته.

٥٢ ـ الشيخ بهاء الدين محمد ، أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر ، له شرحه ، ذكره البرقعي فيما كتبه إلينا.

٥٣ ـ الأستاذ محمد حسن نائل المرصفي ، شرح مشكلات لغاته ، طُبع بمصر تعليقاً عليه سنة (١٣٢٨).

٥٤ ـ الشيخ محمد عبده المتوفّى سنة (١٣٢٣).

٥٥ ـ الحاج ميرزا حبيب الله الموسوي الخوئي المتوفّى حدود (١٣٢٦) ، له شرحه الكبير الموسوم ب (منهاج البراعة).

٥٦ ـ الشيخ جواد الطارمي ابن الحاج المولى محرم علي الزنجاني المتوفّى سنة (١٣٢٥) ، له شرحه الموسوم ب (شرح الاحتشام على نهج بلاغة الإمام).

٥٧ ـ الحاج ميرزا إبراهيم الخوئي الشهيد سنة (١٣٢٥) ، له شرحه المسمّى ب (الدرّة النجفية) طُبع في تبريز سنة (١٢٩٣).

٥٨ ـ جهانگير خان القشقائي المتوفّى بأصبهان سنة (١٣٢٨).

٥٩ ـ السيّد أولاد حسن بن محمد حسن الهندي المتوفّى سنة (١٣٣٨) ، يُسمّى شرحه ب (الإشاعة).

٦٠ ـ الشيخ محمد حسين بن محمد خليل الشيرازي ، المتوفّى (١٣٤٠).

٦١ ـ السيّد علي أطهر الكهجوي الهندي ، المتوفّى في شعبان سنة (١٣٥٢).

٦٢ ـ الأستاذ محيي الدين الخيّاط ، نزيل بيروت ، طُبع شرحه في ثلاث مجلّدات.


٦٣ ـ السيّد ذاكر حسين أختر الدهلوي المعاصر ، شرحه بلغة أردو.

٦٤ ـ الأستاذ محمد بن عبد الحميد المصري ، زاد على شرح الشيخ محمد عبده بعض إفاداته وطُبع.

٦٥ ـ السيّد ظفر مهدي اللكهنوي ، له شرحه بلغة أردو.

٦٦ ـ السيّد هبة الدين محمد عليّ الشهرستاني ، له شرحه الموسوم ب (بلاغ النهج).

٦٧ ـ الشيخ محمد عليّ بن بشارة الخيقاني ، له شرحه ذكره له الشيخ أحمد النحوي في قصيدة يمدحه بها ، فقال :

ولقد كسى نهج البلاغة فكره

شرحاً فأظهر كلّ خافٍ مضمرِ

وكتب إلينا البرقعي من شرّاحه :

٦٨ ـ ميرزا محمد تقي الألماسي حفيد العلاّمة المجلسي ، قال : له شرحه بالفارسية لم يتمّ.

٦٩ ـ الشيخ عبد الله البحراني ، صاحب العوالم.

٧٠ ـ الشيخ عبد الله بن سليمان البحراني السماهيجي.

٧١ ـ الحاج المولى عليّ العلياري التبريزي.

٧٢ ـ الشيخ ملاّ حبيب الله الكاشاني ، صاحب التآليف القيّمة.

٧٣ ـ السيّد عبد الحسين الحسيني آل كمّونة البروجردي.

٧٤ ـ ميرزا محمد علي بن محمد نصير چهاردهي الگيلاني ، له شرحه في ثلاث مجلّدات.


٧٥ ـ ميرزا محمد علي قراجه داغي التبريزي.

٧٦ ـ الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد المدرس في كلّية اللغة العربية بالأزهر ، زاد على شرح الشيخ محمد عبده زيادات هامّة ، طُبعت مع الأصل والشرح بمصر في مطبعة الاستقامة (١).

ووقفنا على آثار قيّمة أو مآثر خالدة حول نهج البلاغة لجمع ممّن عاصرناهم ، ألا وهم :

٧٧ ـ الحاج ميرزا خليل الصيمري الكمرئي الطهراني ، شرح النهج وأطنب في أربعة وعشرين مجلّداً ، طُبع بعض تلكم الأجزاء الضخمة الفخمة القيّمة بطهران.

٧٨ ـ السيّد محمود الطالقاني ، شرحه في عدّة مجلّدات طُبع غير واحد منها.

٧٩ ـ الحاج السيّد عليّ النقيّ فيض الإسلام الأصبهاني ، ترجمه في ست مجلّدات ، طُبعت في طهران بأجود خطّ وأحسن ورق.

٨٠ ـ الحاج ميرزا محمد علي الأنصاري القمّي ، ترجمه نظماً ونثراً للفارسية في عدّة مجلّدات وقفت على ثلاث منها مطبوعة بأجمل هيئة وأبهى صورة.

٨١ ـ جواد فاضل ، ترجم جملة من خطبه للفارسية بأسلوب بديع وبيان مليح.

مؤلِّف نهج البلاغة

كلّ هؤلاء الأعلام لا يشكّون في أنّ الكتاب من تآليف الشريف الرضي ، وتصافِقُهم على ذلك معاجم الشيعة جمعاء ، فلن تجد من ترجمه من أربابها إلاّ ناصّا على صحّة النسبة وجازماً باستقامة النسب منذ عصر المؤلّف وإلى اليوم الحاضر ،

__________________

(١) هذا هو الذي تقدّم برقم ٦٤. (الطباطبائي)


أنظر فهرست أبي العبّاس النجاشي (١) المتوفّى (٤٥٠) ، وفهرست الشيخ منتجب الدين (٢) المتوفّى (٥ ٨٥) و .. و .. و (٣).

وتُنبئ القارئ عن صحّة النسبة إجازات حملة العلم والحديث لأصحابهم منها :

١ ـ إجازة الشيخ محمد بن عليّ بن أحمد بن بندار للشيخ الفقيه أبي عبد الله الحسين ، برواية الكتاب ـ نهج البلاغة ـ في جمادى الأخرى سنة (٤٩٩).

٢ ـ إجازة الشيخ عليّ بن فضل الله الحسيني لعليّ بن محمد بن الحسين المتطبّب ، برواية الكتاب في رجب سنة (٥٨٩).

٣ ـ إجازة الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى الحلّي للسيّد عزّ الدين الحسن بن عليّ المعروف بابن الأبرز ، برواية الكتاب في شعبان سنة (٦٥٥).

٤ ـ إجازة العلاّمة الحلّي لبني زهرة في سنة (٧٢٣).

٥ ـ إجازة السيّد محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي لجمال الدين بن أبي المعالي سنة (٧٣٠).

٦ ـ إجازة فخر الدين محمد ابن العلاّمة الحلّي لابن مظاهر في سنة (٧٤١).

٧ ـ إجازة شيخنا الشهيد الأوّل للشيخ ابن نجدة سنة (٧٧٠).

٨ ـ إجازة الشيخ عليّ بن محمد بن يونس البياضي صاحب الصراط المستقيم للشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي الحساوي سنة (٨٥٢).

٩ ـ إجازة الشيخ عليّ المحقّق الكركي للمولى حسين الأسترآباديّ في سنة (٩٠٧).

__________________

(١) رجال النجاشي : ص ٣٩٨ رقم ١٠٦٥.

(٢) فهرست منتجب الدين : ص ١٧٦ رقم ٤٣٧.

(٣) أنظر : تنقيح المقال : ٣ / ١٠٧ ، روضات الجنّات : ٦ / ١٩٤ رقم ٥٧٨.


١٠ ـ إجازة الشيخ المحقّق الكركي للشيخ إبراهيم سنة (٩٣٤).

١١ ـ إجازة المحقّق الكركي للقاضي صفيّ الدين عيسى سنة (٩٣٧).

١٢ ـ إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في سنة (٩٤١).

١٣ ـ إجازة الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني الكبيرة.

١٤ ـ إجازة الشيخ أحمد بن نعمة الله بن خاتون للمولى عبد الله التستري في سنة (٩٨٨).

١٥ ـ إجازة الشيخ محمد بن أحمد بن نعمة الله بن خاتون للسيّد ظهير الدين الهمداني في سنة (١٠٠٨).

١٦ ـ إجازة العلاّمة المجلسي الأوّل لتلميذه آقا حسين الخونساري سنة (١٠٦٢).

١٧ ـ إجازة العلاّمة المجلسي الأوّل الكبيرة لولده العلاّمة المجلسي المؤرّخة بسنة (١٠٦٨).

١٨ ـ إجازة الشيخ صالح بن عبد الكريم للمولى محمد هادي بن محمد تقي الشولستاني سنة (١٠٨٠).

١٩ ـ إجازة المجلسي الثاني للسيّد ميرزا إبراهيم النيسابوري سنة (١٠٨٨).

٢٠ ـ إجازة العلاّمة المجلسي للسيّد نعمة الله الجزائري سنة (١٠٩٦).

وغيرها من الإجازات.

وقبل هذه كلّها نصوص الشريف الرضي نفسه في كتبه بذلك ، فقال في الجزء الخامس من تفسيره (١) (ص ١٦٧) : ومن أراد أن يعلم زمان ما أشرنا إليه من ذلك

__________________

(١) حقائق التأويل : ص ٢٨٧.


فليمعن النظر في كتابنا الذي ألَّفناه وو سمناه بنهج البلاغة ، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في جميع الأنحاء والأغراض والأجناس والأنواع ، من خطب وكتب ومواعظ وحكم ، وبوّبناه أبواباً ثلاثة. إلخ.

وقال في كتابه المجازات النبويّة (١) (ص ٢٢٣) : وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بنهج البلاغة الذي أور دنا فيه مختار جميع كلامه.

وقال في (ص ٤١) من المجازات : وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بنهج البلاغة.

وقال في (ص ١٦١) : قد ذكرنا الكلام في كتابنا الموسوم بنهج البلاغة.

وقال في (ص ٢٥٢) : قد ذكرناه في جملة كلامه عليه‌السلام لكميل بن زياد النخعي في كتاب نهج البلاغة (٢).

وقال في أواخر نهج البلاغة (٣) ، في شرح قوله عليه‌السلام : «العين وكاء السَّهِ» قال الرضيّ : وقد تكلّمنا في هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبويّة.

وقال في ديباجة نهج البلاغة (٤) : فإنّي كنت في عنفوان السنّ وغضاضة الغصن ، ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمّة عليهم‌السلام ، يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم. إلخ. وكتاب الخصائص المذكور موجود بين أيدينا ، ولم يختلف فيه اثنان أنَّه للشريف الرضي.

فما تورّط به بعض الكتبة من نسبة الكتاب إلى أخيه علم الهدى واتّهامه

__________________

(١) كون المجازات النبوية للشريف الرضي من المتسالم عليه لم يختلف فيه اثنان. (المؤلف)

(٢) المجازات النبويّة : ص ٣٩ رقم ٢٠ ، ص ٦٧ رقم ٣٩ ، ص ١٩٩ رقم ١٥٥ ، ص ٢٥١ رقم ٢٠٠.

(٣) نهج البلاغة : ص ٥٥٧ من غريب كلامه رقم ٤٦٦.

(٤) نهج البلاغة : ص ٣٣ مقدمة الشريف الرضي.


بوضعه (١) أو وضع بعض ما فيه على لسان أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والدعوى المجرّدة ببطلان أكثر ما فيه وعزو ذلك إلى سيّدنا الشريف الرضي (٢) الذي عرفت موقفه العظيم من الثقة والعلم والجلالة ، أو الترديد فيمن وضعه وجمعه بينهما (٣) ممّا لا يُقام له في سوق الحقائق وزن ، وليس له مناخٌ إلاّ حيث تربض فيه العصبيّة العمياء ، ويكشف عن جهل أولئك المؤلّفين برجال الشيعة وتآليفهم ، وأعجب ما رأيت كلمة الذهبي في طبقاته (٤) (٣ / ٢٨٩) : وفيها ـ يعني سنة (٤٣٦) ـ توفّي شيخ الحنفيّة العلاّمة الم حدِّث أبو عبد الله الحسين بن موسى الحسيني الشريف الرضي (٥) ، واضع كتاب نهج البلاغة.

قال ابن أبي الحديد (٦) (٢ / ٥٤٦) بعد ذكر خطبة ابن أبي الشحماء العسقلاني الكاتب : هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب ، وهي كما تراها ظاهرة التكلّف بيِّنة التوليد ، تخطب على نفسها ، وإنّما ذكرت هذا لأنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون : إنّ كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة ، وربما عزوا بعضه إلى الرضيّ أبي الحسن وغيره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبيّة أعينهم ، فضلّوا عن النهج الواض ح ، وركبوا بيِّنات الطريق ضلالاً ، وقلّة معرفة بأساليب الكلام ، وأنا أوضّح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط فأقول : لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً أو بعضه.

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٢٢٣ [٣ / ١٢٤ رقم ٥٨٢٧] ، ودائرة المعارف للبستاني : ١٠ / ٤٥٩ ، وتاريخ آداب اللغة : ٢ / ٢٨٨ [مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة : مج ١٤ / ١٣٨]. (المؤلف)

(٢) كما في ميزان الاعتدال [٣ / ١٢٤ رقم ٥٨٢٧] ، ولسان الميزان : ٤ / ٢٢٣ [٤ / ٢٥٦ رقم ٥٧٩٧]. (المؤلف)

(٣) تاريخ ابن خلّكان : ١ / ٣٦٥ [٣ / ٣١٣ رقم ٤٤٣] ، مرآة الجنان لليافعي : ٣ / ٥٥. (المؤلف)

(٤) تذكرة الحفّاظ : ٣ / ١١٠٩ رقم ٩٩٨.

(٥) في المصدر : المرتضى.

(٦) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١٢٧ خطبة ١٨٤.


والأوّل باطل بالضرورة ؛ لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد نقل المحدِّثون كلّهم أو جلّهم والمؤرِّخون كثيراً منه ، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرضٍ في ذلك.

والثاني يدلّ على ما قلناه ؛ لأنّ من قد أنس بالكلام والخطابة ، وشدا طرفاً من علم البيان ، وصار له ذوق في هذا الباب ، لا بدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح ، وبين الفصيح والأفصح ، وبين الأصيل والمولّد ، وإذا وقف على كرّاسٍ واحدٍ يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط فلا بدّ أن يفرِّق بين الكلامين ، ويميِّز بين الطريقتين ، ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفّحنا ديوان أبي تمام ، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره ، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام ونَفَسه وطريقته ومذهبه في القريض ، ألا ترى أنّ العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر ، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئاً كثيراً لما ظهر لهم أنّه ليس من ألفاظه ولا من شعره ، وكذلك غيرهما من الشعراء ، ولم يعتمدوا في ذلك إلاّ على الذوق خاصّة.

وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً ، ونَفَساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهيّة ، وكالقرآن العزيز أوّله كأوسطه وأوسطه كآخره ، وكلُّ سورة منه وكلّ آية مماثلةٌ في المأخذ والمذهب والفنّ والطريق والنظم لباقي الآيات والسور ، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

واعلم أنّ قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قِبَل له به ، لأنّا متى فتحنا


هذا الباب وسلّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو لم نثق بصحّة كلام منقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبداً ، وساغ لطاعن أن يطعن ويقول : هذا الخبر منحول ، وهذا الكلام مصنوع ، وكذلك ما نُقل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغير ذلك ، وكلّ أمر جعله هذا الطاعن مستنداً له فيما يرويه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الراشدين والصحابة والتابعين والشعراء والمترسّلين والخطباء ، فلناصري أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يستندوا إلى مثله فيما يروونه عنه من نهج البلاغة وغيره ، وهذا واضحٌ. انتهى.

وقال (١) في (١ / ٦٩) في آخر الخطبة الشقشقيّة : حدّثني شيخي أبو الخير مصدّق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة ، قال : قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب المتوفّى (٥٦٨) هذه الخطبة ـ يعني الشقشقيّة ، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع ـ يعني قول ابن عبّاس : فو الله ما أسفت. إلخ ـ قال لي : لو سمعت ابن عبّاس يقول هذا لقلت له : وهل بقي في نفس ابن عمّك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسّف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد؟! والله ما رجع عن الأوّلين ولا عن الآخرين ولا بقي في نفسه أحدٌ لم يذكره إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال مصدّق : وكان ابن الخشّاب صاحب دعابة وهزل ، قال : فقلت له : أتقول إنّها منحولةٌ؟! فقال : لا والله وإنّي لأعلم أنّها كلامه كما أعلم أنّك مصدّق. قال : فقلت له : إنّ كثيراً من الناس يقولون : إنّها من كلام الرضيّ ـ رحمه‌الله تعالى. فقال : أنّى للرضيّ ولغير الرضيّ هذا النَفَس وهذا الأسلوب؟! قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور ، وما يقع من هذا الكلام في خلّ ولا خمر.

ثم قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنّفت قبل أن يُخلَق الرضيّ بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٠٥ خطبه ٣.


العلماء وأهل الأدب قبل أن يُخلَق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ.

قلت : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخيّ إمام البغداديّين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يُخلَق الرضيّ بمدّة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلّمي الإماميّة وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف ، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخيّ رحمه‌الله ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه‌الله موجوداً. انتهى.

وقد أفرد العلاّمة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء كتاباً في (٦٦) صحيفة حول الكتاب ودفع الشبهات عنه بعد نقلها ، وقد جمع فأوعى ، وتبسّط فأجاد (١).

وألقى الشيخ محمد عبده حول الكتاب كلمات ضافية في شرحه ، وأطال البحث عنه وعن اعتباره الأستاذ حسين بستانه أستاذ الأدب العربي في الثانويّة المركزيّة سابقاً ، تحت عنوان : أدب الإمام عليّ ونهج البلاغة وتعرّض الأوهام الحائمة حول النهج ، نُشر في العدد الرابع من أعداد السنة الخامسة من مجلّة الاعتدال النجفيّة الغرّاء ، وللعلاّمة السيّد هبة الدين الشهرستاني تأليف حول اعتبار ما في النهج ومحلّه من الرفعة والبذخ عند العالمين تحت عنوان : ما هو نهج البلاغة ، طُبع في صيدا وترجمه إلى الفارسيّة أحد فضلاء إيران في عاصمتها طهران ، وزاد عليه بعض الفوائد.

ومن تآليف سيّدنا الرضي :

٢ ـ خصائص الأئمّة : ذكره مؤلِّفه في صدر نهج البلاغة وأطراه ، وعندنا منه نسخة ، وقد شرح فيه بعض كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذكر اسمه في غير موضع

__________________

(١) طبع مع كتابه مستدرك نهج البلاغة في النجف الأشرف. (المؤلف)


واحد ، والعجب من العلاّمة الحلّي وكلامه حوله ، قال : توجد في العراق نسخ باسمه تشبهه في المنهج لكن لم تصحّ نسبتها.

٣ ـ مجازات الآثار النبويّة : طبع ببغداد سنة (١٣٢٨).

٤ ـ تلخيص البيان عن مجاز القرآن : ذكره في مواضع من كتابه المجازات النبويّة (١) (ص ٢ ، ٣ ، ٩ ، ١٤٥).

٥ ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل : وهو تفسيره ذكره في كتابه المجازات النبويّة ، يعبِّر عنه تارةً بحقاق التأويل ، وأخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن ، وعبّر عنه النجاشي (٢) بحقائق التنزيل ، وصاحب عمدة الطالب (٣) بكتاب المتشابه في القرآن.

٦ ـ معاني القرآن : وهو كتابه الثالث في القرآن ، ذكره له ابن شهرآشوب في المعالم (٤) (ص ٤٤) وقال : يتعذّر وجود مثله ، وقال النسّابة العمري في المجدي (٥) : شاهدت له جزءاً مجلّداً من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن ، يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر ، وقال ابن خلّكان (٦) : يتعذّر وجود مثله ، دلّ على توسّعه في علم النحو واللغة. ولعلّ الممدوح هو تفسيره السابق.

٧ ـ تعليق خلاف الفقهاء.

٨ ـ تعليقه على إيضاح أبي عليّ الفارسي.

__________________

(١) المجازات النبويّة : ص ٩ ـ ١١ ، ٤٢٩ رقم ٣٤٦.

(٢) رجال النجاشي : ص ٣٩٨ رقم ١٠٦٥.

(٣) عمدة الطالب : ص ٢٠٧.

(٤) معالم العلماء : ص ٥١ رقم ٣٣٦.

(٥) المجدي في الأنساب : ص ١٢٦.

(٦) وفيات الأعيان : ٤ / ٤١٦ رقم ٦٦٧.


٩ ـ الحسن من شعر الحسين : انتخب فيه شعر ابن الحجّاج المترجَم له في شعراء القرن الرابع (١).

١٠ ـ الزيادات في شعر ابن الحجّاج المذكور.

١١ ـ الزيادات في شعر أبي تمام : المترجَم له في شعراء القرن الثالث (٢).

١٢ ـ مختار شعر أبي إسحاق الصابي.

١٣ ـ ما دار بينه وبين أبي إسحاق من الرسائل شعراً (٣).

وذكر له في عمدة الطالب (٤):

١٤ ـ كتاب رسائله : في ثلاث مجلّدات ، ولأبي إسحاق الصابي المتوفّى قبل سنة (٣٨٠) كتاب مراسلات الشريف الرضي ، كما ذكره ابن النديم في الفهرست (٥) (ص ١٩٤).

١٥ ـ أخبار قضاة بغداد.

١٦ ـ سيرة والده الطاهر : ألَّفه سنة (٣٧٩) وذلك قبل وفاة والده بإحدى وعشرين سنة.

وذكر له في تاريخ آداب اللغة (٦):

١٧ ـ كتاب انشراح الصدر في مختارات من الشعر.

__________________

(١) راجع ص ١٢٧ ـ ١٤٤ من هذا الجزء.

(٢) راجع الجزء الثاني ص ٤٦٩.

(٣) ذكرت هذه الكتب له في فهرست النجاشي [ص ٣٩٨ رقم ١٠٦٥]. (المؤلف)

(٤) عمدة الطالب : ص ٢٠٨.

(٥) فهرست النديم : ص ١٤٩.

(٦) مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة ـ : مج ١٤ / ٩٣.


أقول : هو لبعض الأدباء ، اختاره من ديوان المترجَم له ، كما في كشف الظنون (١) (١ / ٥١٣).

١٨ ـ طيف الخيال : مجموعة تنسب إليه.

أقول : هو من تآليف أخيه الشريف المرتضى ، لا له.

١٩ ـ وله ديوان شعره السائر المطبوع ، قال ابن خلّكان (٢) : وقد عُني بجمع ديوان الرضي جماعةٌ ، وآخر (٣) ما جُمع الذي جمعه أبو حكيم الخَبْري (٤). انتهى.

وأنفذ الصاحب بن عبّاد ـ المترجَم له في شعراء القرن الرابع من كتابنا (٥) ـ إلى بغداد من ينسخ له ديوانه وكتب إليه بذلك سنة (٣٨٥) ـ وهي سنة وفاته ـ وعند ما

__________________

(١) كشف الظنون : ١ / ١٨٢.

(٢) وفيات الأعيان : ٤ / ٤١٦ رقم ٦٦٧.

(٣) في المصدر : وأجود.

(٤) قال الأميني : قال العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي في ترجمة الشريف الرضي في مقدّمة الجزء الخامس من حقائق التأويل المطبوع : لا نعرف من هو أبو حكيم ومتى كان وما اسمه؟ انتهى. وهذا ممّا يقضى منه العجب ، فإنّ أبا حكيم أعرف من أن يخفى على أيّ مترجم ، فهو أبو حكيم المعلّم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن حكيم الخبري ـ بفتح الخاء وسكون الموحدة ـ أحد أساتذة العلوم العربية ، كان معلّماً ببغداد حسن الخطّ تفقّه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وبرع في الفرائض والحساب ، وصنّف فيهما ، وشرح الحماسة وديوان البحتري وعدّة دواوين ، وسمع الحديث من أبي محمد الجوهري وجماعة ، توفّي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين [من] ذي الحجّة سنة (٤٧٦) وكانت له بنتان محدّثتان : الكبرى ـ رابعة ـ سمعت أبا محمد الجوهري شيخ والدها ، والصغرى ـ أمّ الخير فاطمة ـ سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد المعدّل وجمعاً آخر ، وقرأ عليها السمعاني صاحب الأنساب ببغداد أكثر كتاب الموفّقيّات للزبير بن بكّار ، ماتت في رجب سنة (٥٣٤). وسبط أبي حكيم من كريمته الكبرى أبو الفضل محمد بن ناصر بن عليّ السلامي الحافظ ، يروي عن أبي محمد الجوهري. راجع أنساب السمعاني [٢ / ٣١٩] ومعجم الأدباء [١٢ / ٤٦] وبغية الوعاة [٢ / ٢٩ رقم ١٣٥٢]. (المؤلف)

(٥) راجع ص ٦٣ ـ ١١٨ من هذا الجزء.


سمع المترجَم له به وأنفذه ، مدحه بقصيدة منها قوله :

بيني وبينك حرمتانِ تلاقتا

نثري الذي بك يقتدي وقصيدي

ووصائلُ الأدبِ التي تصلُ الفتى

لا باتّصالِ قبائلٍ وجدودِ

إن أهدِ أشعاري إليك فإنّها

كالسردِ أعرضُهُ على داودِ

وأنفذت تقيّة بنت سيف الدولة التي توفّيت سنة (٣٩٩) من مصر من ينسخ ديوان الشريف الرضي لها ، وهي لا ترى هديّةً أنفس منه يوم حُمل إليها ، ويعرب ذلك عن عناية الشريف بشعره وجمعه في حياته ، ولعلّ جمعه كجمع أخيه الشريف المرتضى لديوانه ، كان على ترتيب سنيّ نظمه المتمادية.

شعره وشاعريته :

من الواضح أنّ الواقف على نفسيّات سيّدنا الشريف ـ المترجَم ـ ومواقفه العظيمة من العلم والسؤدد والمكانة الرفيعة ، يرى الشعر دون قدر الشريف ، ويجد نفسه أعلى من أنفس الشعراء وأرفع ، ويرى الشعر لا يمهِّد للشريف كياناً على كيانه ، ولا يؤثّر في ترفّعه وشممه ، ولا يولِّد له العظمة ، ولا يأخذ بضبعه إلى التطوّل ، وقد نظم وشعر في صباه وهو لم يبلغ عمره عشر سنين ، ومن شعره في صباه وله عشر سنين قوله من قصيدة :

المجد يعلم أنّ المجد من أربي

ولو تماديتُ في غيٍّ وفي لعبِ

إنّي لمن معشر إن جُمّعوا لِعُلىً

تفرّقوا عن نبيٍّ أو وصيِّ نبي

إذا هممتُ ففتِّش عن شبا هممي

تجده في مهجات الأنجمِ الشهبِ

وإن عزمتُ فعزمي يستحيل قذىً

تدمى مسالكه في أعينِ النوَبِ

ومعركٍ صافحتْ أيدي الحِمامِ به طُلى

الرجالِ على الخُرصانِ من كثبِ (١)

__________________

(١) الخرصان : قنا الرماح.


حلّت حُباها المنايا في كتائبِه

بالضربِ فاجتثّت الأجسادَ بالقضبِ

تلاقت البيضُ في الأحشاء فاعتنقتْ

والسمهريّ من الماذيِّ واليلبِ (١)

بكتْ على الأرض دمعاً من دمائهمُ

فاستعربتْ من ثغور النَّوْرِ والعشبِ

ويحدّثنا شعره أنّه ما كان يَعدُّ الشعر لنفسه فضيلةً ومأثرةً ، بل كان يتّخذه وسيلة إلى غرضه فيقول :

وما الشعر فخري ولكنّما

أطولُ به همّة الفاخرِ

أنزِّههُ عن لقاءِ الرجالِ

وأجعلُه تحفةَ الزائرِ

فما يتهدّى إليه الملو

ك إلاّ من المثَلِ السائرِ

وإنّي وإن كنتُ من أهلِهِ

لتنكرُ في حرفةَ الشاعرِ

ويقول :

وما قوليَ الأشعارَ إلاّ ذريعةً

إلى أملٍ قد آن قَوْدُ جنيبهِ

وإنّي إذا ما بلّغ اللهُ غايةً

ضمنتُ له هجرَ القريضِ وحوبهِ

ويقول :

مالك ترضى أن يقال شاعرٌ

بُعداً لها من عددِ الفضائلِ

كفاك ما أورقَ من أغصانِه

وطالَ من أعلامِهِ الأطاولِ

فكم تكونُ ناظماً وقائلاً

وأنت غبَّ القولِ غيرُ فاعلِ

وهو في شعره يرى نفسه أشعر الأمم تارة ، ويرى شعره فوق شعر البحتري ومسلم بن الوليد أخرى ، ويتواضع طوراً ويجعل نفسه زميل الفرزدق أو جرير ، ويرى نفسه ضريباً لزهير ، ومرّة يتفوّه بالحقّ وينظر إلى شعره بعين الرضا ويرى كلامه فوق كلام الرجال ، وقد أجمع الأكثرون أنَّه أشعر قريش.

__________________

(١) الماذي : الدرع الليّنة السهلة ، والسلاح كلّه. واليلب : الدروع من الجلود. (المؤلف)


قال الخطيب البغدادي في تاريخه (٢ / ٢٤٦) : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ ـ وكان أحد الرؤساء ـ يقول : سمعت جماعةً من أهل العلم بالأدب يقولون : الرضي أشعر قريش. فقال ابن محفوظ : هذا صحيح ، وقد كان في قريش من يجيد القول إلاّ أنّ شعره قليل ، فأمّا مجيد مكثر فليس إلاّ الرضي.

وجمل الثناء على أدبه وشعره كبقيّة مآثره وفضائله وملكاته الفاضلة ، متواترة في المعاجم يضيق عن جمعها المجال ، فنضرب عنها صفحاً روماً للاختصار ، ونقتصر بذكر نبذةٍ يسيرةٍ ، منها :

١ ـ قال النسّابة العمري في المجدي (١) : إنّه نقيب نقباء الطالبيّين ببغداد ، وكانت له هيبة وجلالة ، وفيه ورع وعفّة وتقشّف ، ومراعاة للأهل وغيرة عليهم وعسف بالجاني منهم ، وكان أحد علماء الزمان ، قد قرأ على أجلاّء الرجال ، وشاهدت له جزءاً مجلّداً من تفسير منسوب إليه في القرآن ، مليح حسن يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر ، وشعره أشهر من أن يُدَلَّ عليه ، وهو أشعر قريش إلى وقتنا ، وحسبك أن يكون قريش في أوّلها الحرث بن هشام ، والعبلي ، وعمر بن أبي ربيعة ، وفي آخرها بالنسبة إلى زمانه محمد بن صالح الموسوي الحسني ، وعليّ بن محمد الحِمّاني (٢) ، وابن طبا طبا الأصبهاني (٣).

٢ ـ قال الثعالبي في اليتيمة (٤) : هو اليوم أبدع أبناء الزمان ، وأنجب سادة العراق ، يتحلّى مع محتده الشريف ومفخره المنيف ، بأدب ظاهر ، وفضل باهر ، وحظٍّ

__________________

(١) المجدي في الأنساب : ص ١٢٦.

(٢) أحد شعراء الغدير في القرن الثالث ، مرّت ترجمته : ٣ / ٥٧ ـ ٦٩. (المؤلف)

(٣) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع ، مرّت ترجمته : ٣ / ٣٤٠ ـ ٣٤٧. (المؤلف)

(٤) يتيمة الدهر : ٣ / ١٥٥.


من جميع المحاسن وافر ، ثمّ هو أشعر الطالبيّين من مضى منهم ومن غبَر ، على كثرة شعرائهم المفلقين : كالحِمّاني وابن طباطبا وابن الناصر وغيرهم ، ولو قلت : إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق ، وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القِدح ، الممتنع عن القَدح ، الذي يجمع إلى السلاسة متانةً ، وإلى السهولة رصانةً ، ويشتمل على معانٍ يقرب جناها ، ويبعد مداها ، وكان أبوه يتولّى نقابة نقباء الطالبيّين ويحكم فيهم أجمعين ، والنظر في المظالم والحجِّ بالناس ، ثمّ ردّت هذه الأعمال كلّها إلى ولده الرضي سنة (٣٨٨) وأبوه حيٌّ.

٣ ـ قال ابن الجوزي في المنتظم (١) (٧ / ٢٧٩) : كان الرضي نقيب الطالبيّين ببغداد ، حفظ القرآن في مدّة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قويّا ، وكان عالماً فاضلاً وشاعراً مترسِّلاً ، عفيفاً عالي الهمّة متديّناً ، اشترى في بعض الأيّام جزازاً من امرأة بخمسة دراهم ، فوجد جزءاً بخطّ أبي عليّ بن مقلة ، فقال للدلاّل : احضر المرأة ، فأحضرها ، فقال : قد وجدت في الجُزاز جزءاً بخطِّ ابن مقلة ، فإن أردتِ الجزء فخذيه وإن اخترتِ ثمنه فهذه خمسة دراهم. فأخذتها ودعت له وانصرفت ، وكان سخيّا جواداً.

٤ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (٢) : حفظ الرضي القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدّة يسيرةٍ ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قويّا ، وكان عالماً أديباً ، وشاعراً مفلقاً ، فصيح النظم ضخم الألفاظ ، قادراً على القريض ، متصرِّفاً في فنونه ، إن قصد الرقّة في النسيب أتى بالعجب العجاب ، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشقّ فيه غباره ، وإن قصد في المراثي جاء سابقاً والشعراء منقطع أنفاسها على أثره ، وكان مع هذا مترسِّلاً ذا كتابةٍ ، وكان عفيفاً

__________________

(١) المنتظم : ١٥ / ١١٥ رقم ٣٠٦٥.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٣.


شريف النفس عالي الهمّة ، ملتزماً بالدين وقوانينه ، ولم يقبل من أحد صلةً ولا جائزةً حتى إنّه ردَّ صلات أبيه.

٥ ـ قال الباخرزي في دمية القصر (١) (ص ٦٩) : له صدر الوسادة بين الأئمّة والسادة ، وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاءٍ : ما أنورك! ولخضارةٍ (٢) : ما أغزرك! وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه ، وعقد بالنجم نواصيه ، وإذا نسب انتسب رقّة الهواء إلى نسيبه ، وفاز بالقدح المعلّى في نصيبه ، حتى إذا أنشد الراوي غزليّاته بين يدي العزهاة (٣) ، لقال له من العزّ : هات ، وإذا وصف فكأنّه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف ، وإن مدح تحيّرت فيه الأوهام بين مادحٍ وممدوحٍ ، له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابق مروح ، وإن نثر حمدت منه الأثر ، ورأيت هناك خرزات من العقد تنفضّ ، وقطرات من المزن ترفضّ ، ولعمري إنّ بغداد قد أنجبت به فبوّأته ظلالها ، وأرضعته زلالها ، وأنشقته شمالها ، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتى شرق ، وانغمس فيها حتى كاد يقال : غرق ، فكلّما أُنشِدت محاسنه تنزّهت بغداد في نضرة نعيمها ، واستنشقت من أنفاس الهجير بمراوح نسيمها.

٦ ـ قال الرفاعي في صحاح الأخبار (ص ٦١) : كان أشعر قريش ، وذلك لأنّ الشاعر المجيد من قريش ليس بمكثر ، والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين فضلي الإكثار والإجادة ، وكان صاحب ورع وعفّة وعدل في الأقضية وهيبة في النفوس.

ألقابه ومناصبه :

لقّبه بهاء الدولة سنة (٣٨٨) بالشريف الأجلّ ، وفي سنة (٣٩٢) بذي

__________________

(١) دمية القصر : ١ / ٢٩٢.

(٢) خضارة : البحر.

(٣) العزهاة والعزهاء : العازف عن اللهو والنساء.


المنقبتين ، وفي سنة (٣٩٨) (١) بالرضي ذي الحسبين ، وفي سنة (٤٠١) أمر أن تكون مخاطباته ومكاتباته بعنوان الشريف الأجلّ ، وهو أوّل من خوطب بذلك من الحضرة الملوكيّة.

إنّ المناصب والولايات كانت متكثِّرة على عهد سيّدنا الشريف من الوزارة التنفيذيّة والتفويضيّة ، والإمارة على البلاد بقسميها العامّة والخاصّة. والعامّة بضربيها : استكفاء بعقد عن اختيار ، واستيلاء بعقد عن اضطرار. والإمارة على جهاد المشركين بقسميها : المقصورة على سياسة الجيش وتدبير الحرب ، والمفوّض معها إلى الأمير جميع أحكامها من قسم الغنائم وعقد الصلح. والإمارة على قتال أهل الردّة ، وقتال أهل البغي ، وقتال المحاربين ، وولاية القضاء وولاية المظالم ، وولاية النقابة بقسميها : العامّة والخاصّة ، وولاية إمامة الصلوات ، وإمارة الحجّ ، وولاية الدواوين بأقسامها ، وولاية الحسبة ، وغيرها من الولايات.

فمنها ما كان يخصُّ بالكتّاب والأدباء ، وآخر بالثقات ورجال العدل والنصفة ، وثالث بالأماجد والأشراف والمترفين ، ورابع بأُباة الضيم وأصحاب البسالة والفروسيّة ، وخامس بذوي الآراء والفكرة القويّة والدهاة ، وسادس بأعاظم العلويّين وأعيان العترة النبويّة ، وسابع بالفقهاء وأئمّة العلم والدين.

وهناك ما يخصُّ بجامع تلكم الفضائل ، ومجتمع هاتيك المآثر كسيّدنا الشريف ، ذلك المثل الأعلى في الفضائل كلّها ، فعلى الباحث عن مواقفه ومقاماته ونفسيّاته الكريمة ، أن يقرأ ولو بصورة مصغّرة دروس المناصب التي كان يتولاّها الشريف ، فعندئذٍ يجد صورة مكبّرة تجاه عينيه ممثّلة من العلم ، والفقه ، والحكمة ، والثقة ، والسداد ، والأنفة ، والفتوّة ، والهيبة ، والعظمة ، والجلال ، والروعة ، والوفاء ، وعزّة النفس ، والرأي ، والحزم ، والعزم ، والبسالة ، والعفّة ، والسؤدد ، والكرم ، والإباء ،

__________________

(١) في البداية والنهاية : ١١ / ٣٣٥ : سنة ٣٩٦ [١١ / ٣٨٥]. (المؤلف)


والغنى عن أيّ أحد ، قد حلّيت بالأدب والشعر ، ولا يراها إلاّ مثال الشريف الرضي.

تولّى الشريف نقابة الطالبيّين ، وإمارة الحاجّ والنظر في المظالم سنة (٣٨٠) وهو ابن (٢١) عاماً على عهد الطائع ، وصدرت الأوامر بذلك من بهاء الدولة وهو بالبصرة سنة (٣٩٧) ، ثمّ عهد إليه في (١٦) محرّم سنة (٤٠٣) بولاية أمور الطالبيّين في جميع البلاد ، فدُعي ـ نقيب النقباء ـ ويقال : إنّ تلك المرتبة لم يبلغها أحد من أهل البيت إلاّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، الذي كانت له ولاية عهد المأمون ، وأُتيحت للشريف الخلافة على الحرمين على عهد القادر كما في المجلّد الأوّل من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (١) ، وكان هو والولايات كما قيل :

لم تُشيِّدله الولاياتُ مجداً

لا ولا قيلَ رفّعتْ مقداره

بل كساها وقد تحزّمها الده

ـرُ جلالاً وبهجةً ونضاره

وذكر تحليل المناصب التي تولاّها سيّدنا الشريف وشروطها في تآليف علماء السلف وأفردوا فيها كتباً ، ونحن نأخذ مختصر ما في الأحكام السلطانيّة للماوردي ، المتوفّى سنة (٤٥٠).

النقابة :

النقابة موضوعة على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب ، ولا يساويهم في الشرف ؛ ليكون عليهم أحنى وأمره فيهم أمضى ، وهي على ضربين : خاصّة وعامّة ، وأمّا الخاصّه فهو أن يقتصر بنظره على مجرّد النقابة من غير تجاوز لها إلى حكم وإقامة حدّ ، فلا يكون العلم معتبراً في شروطها ، ويلزمه في النقابة على أهله من حقوق النظر اثنا عشر حقّا :

١ ـ حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس هو منها ، أو خارج عنها وهو منها ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٨.


فيلزمه حفظ الخارج منها كما يلزمه حفظ الداخل فيها ؛ ليكون النسب محفوظاً على صحّته ، معزوّا إلى جهته.

٢ ـ تمييز بطونهم ومعرفة أنسابهم ؛ حتى لا يخفى عليه منهم بنو أب ، ولا يتداخل نسب في نسب ، ويثبتهم في ديوانه على تمييز أنسابهم.

٣ ـ معرفة من وُلد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته ، ومعرفة من مات منهم فيذكره ؛ حتى لا يضيع نسب المولود إن لم يثبته ، ولا يدّعي نسب الميّت غيره إن لم يذكره.

٤ ـ أن يأخذهم من الآداب بما يضاهي شرف أنسابهم وكرم محتدهم ؛ لتكون حشمتهم في النفوس موقورة ، وحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم محفوظة.

٥ ـ أن ينزّههم عن المكاسب الدنيئة ، ويمنعهم من المطالب الخبيثة ؛ حتى لا يستقلَّ منهم مبتذل ، ولا يستضام منهم متذلّل.

٦ ـ أن يكفّهم عن ارتكاب المآثم ، ويمنعهم من انتهاك المحارم ؛ ليكونوا على الدين الذي نصره أغير ، وللمنكر الذي أزالوه أنكَر ؛ حتى لا ينطق بذمِّهم لسان ، ولا يشنأهم إنسان.

٧ ـ أن يمنعهم من التسلّط على العامّة لشرفهم والتشطّط عليهم لنسبهم ، فيدعوهم ذلك إلى المقت والبغض ، ويبعثهم على المناكرة والبعد ، ويندبهم إلى استعطاف القلوب وتألّف النفوس ؛ ليكون الميل إليهم أوفى ، والقلوب لهم أصفى.

٨ ـ أن يكون عوناً لهم في استيفاء الحقوق حتى لا يضعفوا عنها ، وعوناً عليهم في أخذ الحقوق منهم حتى لا يمنعوا منها ؛ ليصيروا بالمعونة لهم منتصفين ، وبالمعونة عليهم منصفين.

٩ ـ أن ينوب عنهم في المطالبة بحقوقهم العامّة في سهم ذوي القربى في الفيء


والغنيمة الذي لا يخصُّ به أحدهم ، حتى يقسم بينهم بحسب ما أوجبه الله لهم.

١٠ ـ أن يمنع أياماهم أن يتزوّجن إلاّ من الأكفاء لشرفهنّ على سائر النساء ، صيانة لأنسابهنّ ، وتعظيماً لحرمتهنّ ، أن يزوّجهنّ غير الولاة ، أو ينكحهنّ غير الكفاة.

١١ ـ أن يقوّمَ ذوي الهفوات منهم فيما سوى الحدود بما لا يبلغ به حدّا ، ولا ينهر (١) به دماً ، ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته ، ويغفر بعد الوعظ زلّته.

١٢ ـ مراعاة وقوفهم بحفظ أصولها وتنمية فروعها ، وإذا لم يرد إليه جبايتها راعى الجباة لها فيما أخذوه ، وراعى قسمتها إذا قسموه ، وميّز المستحقّين لها إذا خصّت ، وراعى أوصافهم فيها إذا شرطت ؛ حتى لا يخرج منهم مستحقّ ، ولا يدخل فيها غير محقّ.

النقابة العامة :

فعمومها أن يُرَدّ إلى النقيب في النقابة عليهم ـ مع ما قدّمناه من حقوق النظر ـ خمسة أشياء :

١ ـ الحكم بينهم فيما تنازعوا فيه.

٢ ـ الولاية على أيتامهم فيما ملكوه.

٣ ـ إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه.

٤ ـ تزويج الأيامى اللاّتي لا يتعيّن أولياؤهن ، أو قد تعيّنوا فعضلوهنّ.

٥ ـ إيقاع الحجر على من عته منهم أو سفه ، وفكّه إذا أفاق ورشد.

فيصير بهذه الخمسة عامّ النقابة ، فيعتبر حينئذٍ في صحّة نقابته وعقد ولايته أن

__________________

(١) أنهَرَ الدم : أساله.


يكون عالماً من أهل الاجتهاد ، ليصحَّ حكمه ، وينفذ قضاؤه .. إلى آخر ما في الأحكام السلطانيّة (١) (ص ٨٢ ـ ٨٦) وهذه النقابة هي التي كانت ولايتها لسيّدنا المترجَم.

ولاية المظالم :

نظر المظالم : هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة ، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة ، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر ، نافذ الأمر ، عظيم الهيبة ، ظاهر العفّة ، قليل الطمع ، كثير الورع ؛ لأنّه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة ، وثبت القضاة ، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين ، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين ، فإن كان ممّن يملك الأمور العامّة كالوزراء والأمراء ، لم يحتج النظر فيها إلى تقليد وكان له بعموم ولايته النظر فيها ، وإن كان ممّن لم يفوّض إليه عموم النظر احتاج إلى تقليد وتولية إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدّمة ، وهذا إنّما يصحّ فيمن يجوز أن يُختار لولاية العهد ، أو لوزارة التفويض ، أو لإمارة الأقاليم ، إذا كان نظره في المظالم عامّا ، فإن اقتصر به على تنفيذ ما عجز القضاة عن تنفيذه ، وإمضاء ما قصرت يدهم عن إمضائه ، جاز أن يكون دون هذه الرتبة في القدر والخطر بعد أن لا تأخذه في الحقِّ لومة لائم ، ولا يستشفّه الطمع إلى رشوة .. إلى آخر ما في الأحكام السلطانية (٢) (ص ٦٤ ـ ٨٢).

الولاية على الحج :

الولاية على الحجِّ ضربان :

أحدهما : أن تكون على تسيير الحجيج.

__________________

(١) الأحكام السلطانية : ٢ / ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) الأحكام السلطانية : ٢ / ٧٧ ـ ٩٥.


والثاني : على إقامة الحجّ.

فأمّا تسيير الحجيج ، فهو ولاية سياسة وزعامة وتدبير.

والشروط المعتبرة في المولّى : أن يكون مطاعاً ، ذا رأي وشجاعة ، وهيبة وهداية ، والذي عليه في حقوق هذه الولاية عشرة أشياء :

١ ـ جمع الناس في مسيرهم ونزولهم ؛ حتى لا يتفرّقوا فيخاف عليهم التَّوى (١) والتغرير.

٢ ـ ترتيبهم في المسير والنزول بإعطاء كلّ طائفة منهم مقاداً ؛ حتى يعرف كلُ فريق منهم مقاده إذا سار ، ويألف مكانه إذا نزل ، فلا يتنازعون فيه ولا يضلّون عنه.

٣ ـ يرفق بهم في السير ، حتى لا يعجز عنه ضعيفهم ، ولا يضلَّ عنه منقطعهم ،

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الضعيف أمير الرفقة».

يريد أنّ من ضعفت دوابّه كان على القوم أن يسيروا بسيره.

٤ ـ أن يسلك بهم أوضح الطرق وأخصبها ، ويتجنّب أجدبها وأوعرها.

٥ ـ أن يرتاد لهم المياه إذا انقطعت والمراعي إذا قلّت.

٦ ـ أن يحرسهم إذا نزلوا ويحوطهم إذا رحلوا ؛ حتى لا يتخطّفهم داعر ، ولا يطمع فيهم متلصِّص.

٧ ـ أن يمنع عنهم من يصدّهم عن المسير ، ويدفع عنهم من يحصرهم عن الحجِ بقتال إن قدر عليه ، أو ببذل مال إن أجاب الحجيج إليه ، ولا يسعه أن يجبر أحداً على بذل الخفارة إن امتنع منها ، حتى يكون باذلاً لها عفواً ومجيباً إليها طوعاً ، فإنّ بذل المال على التمكين من الحجّ لا يجب.

__________________

(١) التَّوى ـ بفتح التاء ـ : الهلاك. من (توي) بوزن (رضي) : أي هلك.


٨ ـ أن يصلح بين المتشاجرين ويتوسّط بين المتنازعين ، ولا يتعرّض للحكم بينهم إجباراً إلاّ أن يفوّض الحكم إليه ، فيُعتبر فيه أن يكون من أهله فيجوز له حينئذٍ الحكم بينهم ، فإن دخلوا بلداً فيه حاكم جاز له ولحاكم البلد أن يحكم بينهم ، فأيّهما حكم نفذ حكمه.

٩ ـ أن يقوِّم زائغهم ، ويؤدِّب خائنهم ، ولا يتجاوز التعزير إلى الحدّ ، إلاّ أن يُؤذن له ، فيستوفيه إن كان من أهل الاجتهاد فيه.

١٠ ـ أن يراعي اتّساع الوقت حتى يؤمن الفوات ولا يلجئهم ضيقه إلى الحثّ في السير ، فإذا وصل إلى الميقات أمهلهم للإحرام وإقامة سننه.

وأمّا الولاية على إقامة الحجّ ، فالوالي فيه بمنزلة الإمام في إقامة الصلوات ، فمن شروط الولاية عليه مع الشروط المعتبرة في أئمّة الصلوات : أن يكون عالماً بمناسك الحجّ وأحكامه ، عارفاً بمواقيته وأيّامه ، وتكون مدّة ولايته مقدّرة بسب عة أيّام ، أوّلها من صلاة الظهر في اليوم السابع من ذي الحجّة ، وآخرها يوم الثالث عشر من ذي الحجّة ، وعلى الذي يختصُّ بولايته خمسة أحكام متّفق عليها وسادس مختلف فيه ، ألا وهي :

١ ـ إشعار الناس بوقت إحرامهم والخروج إلى مشاعرهم ؛ ليكونوا له متّبعين وبأفعاله مقتدين.

٢ ـ ترتيبهم للمناسك على ما استقرَّ الشرع عليه لأنّه متبوعٌ فيها ، فلا يقدِّم مؤخَّراً ولا يؤخِّر مقدَّماً ، سواء كان الترتيب مستحقّا أو مستحبّا.

٣ ـ تقدير المواقف بمقامه فيها ومسيره عنها ، كما تقدّر صلاة المأمومين بصلاة الإمام.

٤ ـ اتِّباعه في الأركان المشروعة فيها ، والتأمين على أدعيته بها ليتّبعوه في القول كما اتّبعوه في العمل.


٥ ـ إمامتهم في الصلوات.

وأمّا السادس المختلف فيه : حكمه بين الحجيج فيما لا يتعلّق بالحجّ ، وإقامة التعزير والحدّ في مثله (١). انتهى.

تولّى الشريف الرضي هذه الإمارة منذ صباه في أكثر أيّام حياته ، ووزيراً لأبيه ونائباً عنه ومستقلاّ بها من سنة (٣٨٠) ، وله فيها مواقف عظيمة سجّلها التاريخ وأبقى له ذكرى خالدة.

قال أبو القاسم بن فهد الهاشمي في إتحاف الورى بأخبار أُمّ القرى (٢) في حوادث سنة (٣٨٩) : حجَّ فيها الشريفان المرتضى والرضي فاعتقلهما في الطريق ابن الجرّاح الطائي ، فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما.

ولادته ووفاته :

وُلد الشريف الرضي ببغداد سنة (٣٥٩) بإطباق من المؤرِّخين ، ونشأ بها (٣) وتوفّي بها يوم الأحد (٦) محرّم (٤) سنة (٤٠٦) كما في فهرس النجاشي (٥) ، وتاريخ بغداد للخطيب (٦) ، وعمدة الطالب (٧) ، والخلاصة (٨) ، وغيرها.

__________________

(١) الأحكام السلطانية : ٢ / ١٠٨ ـ ١١٢.

(٢) إتحاف الورى في أخبار أُمّ القرى : ٢ / ٤٢٦.

(٣) قال جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة : ٢ / ٢٥٧ [مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة : مج ١٤ / ٩٢] : وكان يقيم في سرَّ من رأى (سامرّاء). وكم له لدة هذا في تاريخه مما يميط الستر عن جهله بتاريخ الشيعة ورجالهم! (المؤلف)

(٤) في تاريخ ابن خلّكان [٤ / ٤١٩ رقم ٦٦٧] : وقيل : في صفر. وفي تاريخ ابن كثير [١٢ / ٥] : خامس المحرّم. (المؤلف)

(٥) رجال النجاشي : ص ٣٩٨ رقم ١٠٦٥.

(٦) تاريخ بغداد : ٢ / ٢٤٧ رقم ٧١٥.

(٧) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص ٢١٠.

(٨) رجال العلاّمة الحلّي : ص ١٦٤ رقم ١٧٦.


فما في شذرات الذهب (١) : أنَّه توفّي بكرة الخميس ، فهو من خطأ النسّاخ ، فإنّه نقله عن تاريخ ابن خلّكان ، وفي التاريخ بكرة يوم الأحد لا الخميس. وأمّا ما في دائرة المعارف لفريد وجدي (٤ / ٢٥٣) من أنّه توفّي (٤٠٤) فأحسبه مأخوذاً من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، أو أنّه خطأ من الناسخ ، وقد أرّخه فريد وجدي صحيحاً في دائرة المعارف (٩ / ٤٨٧) ب (٦) محرم سنة (٤٠٦) ، وقد رثى الشريف الرضي معاصره أبا الحسن أحمد بن عليّ البتّي المتوفّى سنة (٤٠٥) في شعبان بقصيدة توجد في ديوانه (٢) (١ / ١٣٨) ، وقال جامع الديوان : وبعده بشهور توفّي الرضي رضى الله عنه.

وعند وفاته حضر إلى داره الوزير أبو غالب فخر الملك وسائر الوزراء والأعيان والأشراف والقضاة حفاة ومشاة ، وصلّى عليه فخر الملك ودُفن في داره الكائنة في محلّة الكرخ بخطِّ مسجد الأنباريّين (٣) ، ولم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى ولم يصلِّ عليه ، ومضى من جزعه عليه إلى [مشهد] الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، لأنّه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ، ومضى فخر الملك بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره.

ذكر كثير من المؤلِّفين نقل جثمانه إلى كربلاء المشرّفة بعد دفنه في داره بالكرخ فدُفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى ، ويظهر من التاريخ أنّ قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدّس.

قال صاحب عمدة الطالب (٤) : وقبره في كربلاء ظاهر معروف.

وقال (٥) في ترجمة أخيه المرتضى : دُفن عند أبيه وأخيه ، وقبورهم ظاهرة مشهورة.

__________________

(١) شذرات الذهب : ٥ / ٤٦ حوادث سنة ٤٠٦ ه‍.

(٢) ديوان الشريف الرضي : ١ / ١٧٠.

(٣) يُنسب إليهم لكثرة من سكنه منهم. (المؤلف)

(٤) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص ٢١٠.

(٥) عمدة الطالب : ص ٢٠٥.


وقال الرفاعي المتوفّى (٨٨٥) في صحاح الأخبار (ص ٦٢) : نُقل المرتضى إلى مشهد الحسين بكربلا كأبيه وأخيه ودُفن هناك ، وقبره ظاهر معروف.

وهذا قريبٌ إلى الاعتبار ؛ لأنّ بني إبراهيم المجاب قطنوا الحائر المقدّس وجاوروا الإمام السبط ـ سلام الله عليه ـ فدفن فيه إبراهيم المذكور بمقربة ممّا يلي رأس قبر الإمام عليه‌السلام فاتّخذ بنوه تربته مدفناً لهم ، وكان من قطن منهم بغداد أو البصرة كبني موسى الأبرش يُنقل بعد موته إلى تربة جدِّه ، وقد ثبت أنّ والد الشريف المترجَم نُقل إلى الحائر المقدّس قبل دفنه ودُفن بها ، أو دُفن في داره أوّلاً ثمّ نُقل إلى مشهد الحسين كما في المنتظم لابن الجوزي (١) (٧ / ٢٤٧) ، وصحَّ أيضاً نقل جثمان الشريف علم الهدى المرتضى إلى الحائر بعد دفنه في داره ، وكانت تولية تلك التربة المقدّسة بيدهم ، وما كان يُدفن هناك أيّ أحد إلاّ بإجازةٍ منهم ، كما مرَّ في ترجمة الوزير أبي العبّاس الضبّي في هذا الجزء (ص ١٠٦).

وقد رثى الشريف الرضي غير واحد ممّن عاصروه ، وفي مقدّمهم أخوه علم الهدى بقوله :

يا للرجالِ لفجعةٍ جذمتْ يدي

ووددتُ لو ذهبتْ عليَّ براسي

ما زلت أحذرُ وقعَها حتى أتت

فحسوتُها في بعضِ ما أنا حاسي

ومطلتُها زمناً فلمّا صمّمتْ

لم يُجدِني مَطْلي وطولُ مكاسي

لا تنكروا من فيض دمعي عبرةً

فالدمعُ غيرُ مساعدٍ ومُواسي

لله عمرك من قصيرٍ طاهرِ

ولَرُبَّ عمرٍ طال بالأدناسِ (٢)

وممّن رثاه تلميذه في الأدب مهيار الديلمي ـ المترجَم في شعراء القرن الخامس ـ رثاه بقصيدتين إحداهما ذات (٧٠) بيتاً توجد في ديوانه (٣ / ٣٦٦) ، مستهلّها :

__________________

(١) المنتظم : ١٥ / ٧٢ رقم ٣٠١٧.

(٢) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٥٧٧.


من جبَّ غاربَ هاشمٍ وسنامَها

ولوى لويّا فاستزلَّ مقامَها

وغزا قريشاً بالبطاحِ فلفّها

بيدٍ وقوّض عزَّها وخيامَها

وأناخ في مُضَرٍ بكلكلِ خسفِهِ

يستامُ واحتملتْ له ما سامها

من حلَّ مكّةَ فاستباح حريمَها

والبيتُ يشهد واستحلَّ حرامَها

ومضى بيثربَ مزعجاً ما شاء من

تلك القبورِ الطاهراتِ عظامَها

يبكي النبيُّ ويستنيحُ لفاطمٍ

بالطفِّ في أبنائِها أيّامَها

الدينُ ممنوعُ الحمى من راعه

والدارُ عاليةُ البِنا ، من رامها

أتناكرتْ أيدي الرجالِ سيوفَها

فاستسلمت أم أنكرتْ إسلامَها

أم غالَ ذا الحسَبينِ حاميَ ذودِها

قدرٌ أراحَ على الغدوّ سوامَها

وقصيدته الأخرى (٤٠) بيتاً توجد في ديوانه (١ / ٢٤٩) مطلعها :

أقريشُ لا لفمٍ أراكِ ولا يدِ

فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

ولشهرة القصيدتين ووجودهما في غير واحد من الكتب والمعاجم فضلاً عن ديوان مهيار ، ضربنا عنهما صفحاً.

ومن نماذج شعر الشريف الرضي في المذهب قوله يفتخر بأهل البيت ويذكر قبورهم ويتشوّق إليها :

ألا لله بادرةُ الطلابِ

وعزمٌ لا يُرَوَّعُ بالعتابِ

وكلّ مشمّرِ البُردينِ يهوي

هويَّ المصلَتات إلى الرقابِ

أعاتبُه على بُعد التنائي

ويعذلني على قربِ الإيابِ

رأيت العجزَ يخضع للّيالي

ويرضى عن نوائبِها الغضابِ

ولولا صولةُ الأيّام دوني

هجمتُ على العلى من كلِّ بابِ

ومن شيمِ الفتى العربيِّ فينا

وصالُ البيضِ والخيلِ العرابِ


له كِذْبُ الوعيدِ من الأعادي

ومن عاداتِهِ صدقُ الضرابِ

سأدّرع الصوارمَ والعوالي

وما عُرِّيتُ من خِلَعِ الشبابِ

وأشتملُ الدجى والركبُ يمضي

مضاءَ السيف شذَّ عن القرابِ

وكم ليلٍ عبأتُ له المطايا

ونارُ الحيِّ حائرةُ الشهابِ

لقيتُ الأرضَ شاحبةَ المحيّا

تَلاعبُ بالضراغمِ والذئابِ

فَزِعتُ إلى الشحوبِ وكنتُ طَلْقاً

كما فَزِعَ المشيبُ إلى الخضابِ

ولم نرَ مثلَ مُبيضِّ النواحي

تعذّبُهُ بِمُسودِّ الإهابِ

أبيتُ مضاجعاً أملي وإنّي

أرى الآمالَ أشقى للركابِ

إذا ما اليأس خيّبنا رجونا

فشجَّعَنا الرجاءُ على الطلابِ

أقول إذا استطار من السواري

زَفونُ القطرِ رقّاصُ الحَبابِ (١)

كأنّ الجوَّ غصَّ به فأوما

ليقذفَهُ على قممِ الشعابِ

جديرٌ أن تصافحه الفيافي

ويسحبَ فوقها عَذَبَ الربابِ (٢)

إذا هتم التلاع رأيتَ منه

رضاباً في ثنيّاتِ الهضابِ (٣)

سقى اللهُ المدينةَ من محلٍ

لُبابَ الماءِ والنطَفِ العذابِ

وجادَ على البقيعِ وساكنيه

رخيُّ الذيلِ ملآنُ الوطابِ

وأعلامَ الغريّ وما استباحتْ

معالمُها من الحسب اللبابِ

وقبراً بالطفوف يضمُّ شلواً

قضى ظمأً إلى بَرد الشرابِ

وبغدادٍ وسامرّا وطوسٍ

هطولُ الودْقِ منخرقُ العبابِ

__________________

(١) زفون القطر : دفاع المطر. الحَباب : فقاقيع الماء. (المؤلف)

(٢) الرباب : السحاب الأبيض. (المؤلف) [العَذَب : جمع عَذَبة ، وهي طرف الشيء].

(٣) التلاع ـ جمع التلعة ـ : ما علا الأرض ، ما سفل منها. الهضاب : أعالي الجبال. (المؤلف) [وفي لسان العرب : الهضبة : الجبل المنبسط].


قبورٌ تنطُفُ العبراتُ فيها

كما نطفَ الصبيرُ على الروابي (١)

فلو بَخِلَ السحابُ على ثراها

لذابتْ فوقَها قِطَعُ السرابِ

سقاكَ فكم ظمئتُ إليك شوقاً

على عُدواء داري واقترابي

تجافي يا جَنُوبَ الريح عنِّي

وصوني فضلَ بُردكِ عن جنابي

ولا تسري إليَّ مع الليالي

وما استحقبت من ذاكَ الترابِ (٢)

قليلٌ أن تُقادَ له الغوادي

وتُنحَرَ فيه أعناقُ السحابِ (٣)

أما شَرِقَ الترابُ بساكنيه

فيلفظهمْ إلى النعم الرغابِ

فكم غدتِ الضغائنُ وهي سكرى

تديرُ عليهمُ كأسَ المصابِ

صلاةُ اللهِ تخفقُ كلَّ يوم

على تلكَ المعالمِ والقبابِ

وإنّي لا أزالُ أكرُّ عزمي

وإن قلّتْ مساعدةُ الصحابِ

وأخترقُ الرياحَ إلى نسيمٍ

تَطلّعَ من تراب أبي ترابِ

بودّي أن تطاوعَني الليالي

وينشَبَ في المنى ظفري ونابي

فأرمي العيسَ نحوكمُ سهاماً

تغلغلُ بين أحشاءِ الروابي

ترامى باللُّغامِ على طلاها

كما انحدر الغثاء عن العقابِ (٤)

وأجنُبُ بينها خُرْقَ المذاكي

فأملي باللُّغامِ على اللغابِ (٥)

لعلّي أن أبلَّ بكم غليلاً

تغلغلَ بين قلبي والحجابِ

فما لُقياكُمُ إلاّ دليلٌ

على كنزِ الغنيمةِ والثوابِ

ولي قبرانِ بالزوراءِ أشفي

بقربِهما نزاعي واكتئابي

__________________

(١) نطف : سال. الصبير : السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض. (المؤلف)

(٢) استحقبت : ادّخرت. (المؤلف)

(٣) الغوادي ـ جمع الغادية ـ : وهي السحابة. (المؤلف)

(٤) اللغام : لعاب الإبل. الطلى : العنق. الغثاء : البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل. العقاب ـ جمع عقبة ـ : مرقى صعب من الجبال. (المؤلف)

(٥) أجنُب : أقود. اللغاب : السهم لم يُحسن بريه. (المؤلف)


أقودُ إليهما نفسي وأهدي

سلاماً لا يحيدُ عن الجوابِ

لقاؤهما يطهِّر من جناني

ويدرأُ عن ردائي كلَّ عابِ

قسيمُ النارِ جدّي يوم يلقى (١)

به باب النجاة من العذابِ

وساقي الخلقِ والمهجاتُ حرّى

وفاتحةُ الصراطِ إلى الحسابِ

ومن سمحتْ بخاتمِهِ يمينٌ (٢)

تضِنُّ بكلّ عاليةِ الكعابِ

أما في بابِ خيبرَ معجزاتٌ

تُصَدَّقُ أو مناجاةُ الحُبابِ (٣)

أرادت كيدَهُ والله يأبى

فجاءَ النصرُ من قِبَلِ الغرابِ (٤)

أهذا البدرُ يُكسَفُ بالدياجي

وهذي الشمسُ تُطمَسُ بالضبابِ

وكان إذا استطال عليه جانٍ

يرى تركَ العقابِ من العقابِ

أرى شعبانَ يُذْكِرُني اشتياقي

فمن لي أن يذكّركم ثوابي

بكم في الشعرِ فخري لا بشعري

وعنكم طالَ باعي في الخطابِ

أُجَلّ عن القبائحِ غير أنّي

لكم أرمي وأُرمى بالسبابِ

فأجهرُ بالولاءِ ولا أُوَرّي

وأنطقُ بالبراءِ ولا أحابي

ومن أولى بكم منّي وليّا

وفي أيديكمُ طَرَفُ انتسابي

محبّكمُ ولو بغضتْ حياتي

وزائرُكمْ ولو عقرتْ ركابي

تُباعِدُ بيننا غِيَرُ الليالي

ومرجِعُنا إلى النسب القرابِ (٥)

وقال يرثي الإمام السبط المفدّى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام في يوم عاشوراء سنة (٣٩١):

__________________

(١) أشار إلى حديث مرّ بيانه في : ٣ / ٢٩٩. (المؤلف)

(٢) أشار إلى تصدّقه بخاتمه ، وقد مرّ حديثه : ٢ / ٤٧ و ٣ / ١٥٥ ـ ١٦٢. (المؤلف)

(٣) الحُباب : الحيّة.

(٤) أشار إلى حديث الحُباب الذي أسلفناه : ٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٢. (المؤلف)

(٥) ديوان الشريف الرضي : ١ / ١١٣.


هذي المنازلُ بالغميمِ فنادِها

واسكبْ سخيَّ العينِ بعد جمادِها

إن كان دَيْنٌ للمعالمِ فاقضِه

أو مهجةٌ عند الطلولِ ففادِها

ياهل تَبُلُّ من الغليلِ إليهمُ

إشرافةٌ للركبِ فوق نجادِها

نُؤيٌ كمنعطف الحنيّةِ دونَهُ

سُحُم الخدودِ لهنّ إرثُ رمادِها

ومناطُ أطنابٍ ومقعدُ فِتْيةٍ

تخبو زنادُ الحَيّ غيرَ زنادِها

ومَجَرُّ أرسانِ الجيادِ لِغلمةٍ

سجفوا البيوتَ بشقرِها وورادِها

ولقد حبستُ على الديارِ عصابةً

مضمومةَ الأيدي إلى أكبادِها

حسرى تجاوبُ بالبكاءِ عيونُها

وتعطُّ بالزفراتِ في أبرادِها

وقفوا بها حتى كأنّ مطيَّهمْ

كانت قوائمُهنّ من أوتادِها

ثمّ انثنتْ والدمعُ ماءُ مزادِها

ولواعجُ الأشجانِ من أزوادِها

من كلِّ مشتملٍ حمائِلَ رنّةٍ

قطْرُ المدامعِ من حُليِّ نجادِها

حيّتكَ بل حيّتْ طلوعَكَ ديمةٌ

يشفي سقيمَ الربعِ نفثُ عِهادِها

وغدتْ عليك من الخمائل يَمنةٌ

تستامُ نافقةً على روّادِها (١)

هل تطلبونَ من النواظرِ بعدَكم

شيئاً سوى عبراتِها وسُهادِها

لم يبقَ ذُخرٌ للمدامعِ عنكمُ

كلاّ ولا عينٌ جرى لرقادِها

شغلَ الدموعَ عن الديارِ بكاؤنا

لبكاءِ فاطمةٍ على أولادِها

لم يخلُفوها في الشهيدِ وقد رأى

دُفَعَ الفراتِ يُذادُ عن أورادِها (٢)

أَتُرى دَرَتْ أنّ الحسينَ طريدةٌ

لِقَنا بني الطرداءِ عند ولادِها

كانت مآتمُ بالعراقِ تعدُّها

أمويَّةٌ بالشام من أعيادِها

ما راقبتْ غضبَ النبيِّ وقد غدا

زرعُ النبيِّ مظنّةً لحصادِها

باعتْ بصائرَ دينِها بضلالِها

وشَرَتْ معاطبَ غيِّها برشادِها

__________________

(١) الخمائل ـ جمع خميلة ـ : القطيفة. اليمنة : بُرد يمني. تستام : تسأل السوم. (المؤلف).

(٢) دُفَع ـ جمع دفعة ـ : دفقة المطر ، استعارها للفرات.


جعلتْ رسولَ اللهِ من خُصَمائِها

فلبئس ما ذخرتْ ليومِ معادِها

نسلُ النبيِّ على صعابِ مطيِّها

ودمُ النبيِّ على رءوس صِعادِها

وا لهفتاهُ لعصبةٍ علويّةٍ

تبعتْ أُميّةَ بعد عزِّ قيادِها

جعلتْ عِرانَ الذلِّ في آنافِها

وعِلاطَ وسْمِ الضيمِ في أجيادِها (١)

زعمتْ بأنّ الدينَ سوّغَ قتلَها

أوَليس هذا الدينُ عن أجدادِها

طلبتْ تراثَ الجاهليّةِ عندَها

وشفتْ قديمَ الغِلِّ من أحقادِها

واستأثرتْ بالأمر عن غُيّابِها

وقضتْ بما شاءت على شُهّادِها

اللهُ سابقُكمْ إلى أرواحِها

وكسبتمُ الآثامَ في أجسادِها

إن قُوِّضتْ تلك القبابُ فإنّما

خرّتْ عمادُ الدين قبل عمادِها

إنّ الخلافةَ أصبحتْ مزويّةً

عن شعبِها ببياضِها وسوادِها

طمسَتْ منابرَها علوجُ أميّةٍ

تنزو ذئابُهمُ على أعوادِها

هي صفوةُ اللهِ التي أوحى لها

وقضى أوامِرهُ إلى أمجادِها

أخذتْ بأطرافِ الفخارِ فعاذرٌ

أن يصبحَ الثقَلانِ من حسّادِها

الزهدُ والأحلامُ في فتّاكِها

والفتكُ لو لا اللهُ في زهّادِها

عُصَبٌ يُقمَّطُ بالنجادِ وليدُها

ومُهُودُ صبيتِها ظهورُ جيادِها

تروي مناقبَ فضلِها أعداؤها

أبداً وتسندُه إلى أضدادِها

يا غيرةَ اللهِ اغضبي لنبيِّه

وتزحزحي بالبيضِ عن أغمادِها

من عصبةٍ ضاعتْ دماءُ محمدٍ

وبنيه بين يزيدِها وزيادِها

صفداتُ مالِ اللهِ ملءُ أكُفِّها

وأكفُّ آلِ اللهِ في أصفادِها (٢)

ضربوا بسيف محمدٍ أبناءَهُ

ضربَ الغرائبِ عُدنَ بعد ذِيادِها

__________________

(١) العِران : عود يُجعل في أنف البعير. العلاط : حبل يُجعل في عنق البعير. (المؤلف)

(٢) الصفدات ـ من الصفد ـ : العطاء ، والأصفاد : الأغلال. (المؤلف)


قد قلتُ للركبِ الطلاحِ كأنّهمْ

رُبْدُ النسور على ذرى أطوادِها (١)

يحدو بعُوجٍ كالحنيِّ أطاعَهُ

مُعتاصُها فطغى على مُنقادِها (٢)

حتى تخيّلَ من هِباب رقابها

أعناقَها في السيرِ من أعدادِها (٣)

قف بي ولو لوثَ الإزارِ فإنّما

هي مهجةٌ علِقَ الجوى بفؤادِها (٤)

بالطفِّ حيث غدا مُراقُ دمائِها

ومُناخُ أينُقِها ليومِ جِلادِها

القفرُ من أرواقِها والطير من طرّا

قها والوحشُ من عُوّادِها

تجري لها حَبَبُ الدموعِ وإنّما

حبُّ القلوبِ يكنُّ من أمدادها

يا يومَ عاشوراءَ كم لك لوعةٍ

تترقّصُ الأحشاءُ من إيقادِها

ما عدتَ إلاّ عاد قلبي غلّةٌ

حرّى ولو بالغتُ في إبرادِها

مثلُ السليمِ مضيضةٌ آناؤه

خُزْرُ العيونِ تعودُهُ بعدادِها

يا جدُّ لا زالتْ كتائبُ حسرةٍ

تغشى الضميرَ بكرِّها وطرادِها

أبداً عليك وأدمعٌ مسفوحةٌ

إن لم يراوحْها البكاءُ يغادِها

هذا الثناءُ وما بلغتُ وإنّما

هي حلبةٌ خلعوا عِذارَ جوادِها

أأقول جادَكمُ الربيعُ وأنتمُ

في كلِّ منزلةٍ ربيعُ بلادِها

أم أستزيدُ لكم عُلىً بمدائحي

أينَ الجبالُ من الربى ووهادِها

كيف الثناءُ على النجوم إِذا سمتْ

فوقَ العيون إلى مدى أبعادها

أغنى طلوعُ الشمسِ عن أوصافِها

بجلالِها وضيائِها وبعادِها (٥)

__________________

(١) الطَّلِح : المهزول والمعيا ، والجمع أطلاح. الربدة : الغبرة ، يقال : أربد لونه : تغيّر. وتربّد الرجل : تعبّس. (المؤلف)

(٢) العوج ـ جمع عوجاء ـ : الناقة السيّئة الخلق.

(٣) الهباب : النشاط والسرعة. الأعداد ـ جمع عدّ ـ : الماء الجاري لا ينقطع.

(٤) لاث الإزار : أداره مرّتين على بدنه ، والتعبير كناية عن قصر فترة الوقوف ؛ والمراد : قف بي ولو قليلاً.

(٥) ديوان الشريف الرضي : ١ / ٣٦٠.


وقال يرثي جدّه الإمام السبط الشهيد في عاشوراء سنة (٣٧٧):

صاحت بِذَوديَ بغدادٌ فآنسني

تقلّبي في ظهورِ الخيلِ والعيرِ

وكلّما هَجْهَجَتْ بي عن منازِلها

عارضتُها بجَنانٍ غيرِ مذعورِ

أطغى على قاطنيها غيرَ مكترثٍ

وأفعلُ الفعلَ فيها غيرَ مأمورِ

خطبٌ يهدِّدني بالبعدِ عن وطني

وما خُلقتُ لغير السرجِ والكورِ

إنّي وإن سامني ما لا أقاومه

فقد نجوتُ وقِدحي غيرُ مقمورِ

عجلانَ ألبسُ وجهي كلَّ داجيةٍ

والبَرُّ عريانُ من ظبيٍ ويعفورِ

ورُبَّ قائلةٍ والهمُّ يُتحِفُني

بناظرٍ من نطافِ الدمعِ ممطورِ

خفِّضْ عليك فللأحزانِ آونةٌ

وما المقيمُ على حُزنٍ بمعذورِ

فقلت هيهات فات السمع لائمه

لا يُفهَمُ الحزنُ إلاّ يومَ عاشورِ

يومٌ حدا الظُّعْنَ فيه بابن فاطمةٍ

سنانُ مطّردِ الكعبينِ مطرُورِ (١)

وخرَّ للموتِ لا كفٌّ تقلِّبُهُ

إلاّ بوطءٍ من الجُردِ المحاضيرِ

ظمآنَ سلّى نجيعُ الطعنِ غُلّتَهُ

عن باردٍ من عُبَابِ الماءِ مقرورِ (٢)

كأنّ بيضَ المواضي وهي تنهبُهُ

نارٌ تحكّم في جسمٍ من النورِ

لله مُلقىً على الرمضاء عضَّ به

فمُ الردى بين إقدامٍ وتشميرِ

تحنو عليه الربى ظلاّ وتسترُهُ

عن النواظرِ أذيالُ الأعاصيرِ (٣)

تهابُه الوحشُ أن تدنو لمصرعِهِ

وقد أقامَ ثلاثاً غيرَ مقبورِ

وموردٌ غمراتِ الضربِ غُرّتَهُ

جرّتْ إليه المنايا بالمصاديرِ

ومُستطيلٌ على الأزمان يقدرُها

جنى الزمانُ عليها بالمقاديرِ

أغرى به ابنَ زيادٍ لؤمُ عنصرِهِ

وسعيُهُ ليزيدٍ غيرُ مشكورِ

__________________

(١) المطرور : المحدّد.

(٢) مقرور ـ من القرّ ـ : البرد. (المؤلف)

(٣) الأعاصير ـ جمع الإعصار ـ : ريح ترتفع بالتراب. (المؤلف)


وودّ أن يتلافى ما جنتْ يدُهُ

وكان ذلك كسراً غير مجبورِ

تُسبى بناتُ رسولِ اللهِ بينهمُ

والدينُ غضُّ المبادي غيرُ مستورِ

إن يظفرِ الموتُ منّا بابن مُنجِبَةٍ

فطالما عادَ ريّانَ الأظافيرِ

يلقى القنا بجبينٍ شانَ صفحتَهُ

وقعُ القنا بين تضميخٍ وتعفيرِ

من بعد ما ردَّ أطرافَ الرماحِ به

قلبٌ فسيحٌ ورأيٌ غيرُ محصورِ

والنقعُ يسحبُ من أذيالِهِ وله

على الغزالةِ جيبٌ غيرُ مزرورِ

في فيلقٍ شرقٍ بالبيضِ تحسبُه

برْقاً تدلّى على الآكام والقورِ (١)

بني أميّةَ ما الأسيافُ نائمةٌ

عن شاهرٍ في أقاصي الأرض موتورِ

والبارقاتُ تلوّى في مغامدها

والسابقاتُ تمطّى في المضاميرِ

إنّي لأرقبُ يوماً لا خفاءَ له

عريانَ يقلقُ منهُ كلُّ مغرورِ

وللصوارمِ ما شاءتْ مضاربُها

من الرقابِ شرابٌ غيرُ منزورِ

أكلَّ يومٍ لآلِ المصطفى قمرٌ

يهوي بوقعِ العوالي والمباتيرِ

وكلَّ يومٍ لهم بيضاءُ صافيةٌ

يشوبُها الدهرُ من رنقٍ وتكديرِ

مغوارُ قومٍ يروعُ الموتُ من يدِهِ

أمسى وأصبح نهباً للمغاويرِ

وأبيضُ الوجهِ مشهورٌ تغطرفُهُ

مضى بيومٍ من الأيّام مشهورِ

مالي تعجّبتُ من همّي ونَفرتِهِ

والحزن جرحٌ بقلبي غيرُ مسبورِ

بأيّ طرفٍ أرى العلياء إن نَضَبت

عيني ولجلجْتُ عنها بالمعاذيرِ

ألقى الزمانَ بِكَلْمٍ غيرِ مندملٍ

عمرَ الزمانِ وقلبٍ غيرِ مسرورِ

يا جدِّ لا زالَ لي همٌّ يحرّضُني

على الدموعِ ووجدٌ غيرُ مقهورِ

والدمعُ تحفزُهُ عينٌ مؤرَّقةٌ

حفزَ الحنيّة عن نزعٍ وتوتيرِ

إنّ السلوَّ لمحظورٌ على كبدي

وما السلوُّ على قلبٍ بمحظورِ (٢)

__________________

(١) القور ـ جمع القارة ـ : الجبل الصغير المنقطع عن الجبال. (المؤلف)

(٢) ديوان الشريف الرضي : ١ / ٤٨٧.


وقال يرثي سيّدنا الإمام الشهيد في يوم عاشوراء سنة (٣٨٧):

راحلٌ أنت والليالي نُزولُ

ومضرٌّ بك البقاءُ الطويلُ

لا شجاعٌ يبقى فيعتنقُ ال

ـبيضَ ولا آملٌ ولا مأمولُ

غايةُ الناسِ في الزمانِ فناءٌ

وكذا غايةُ الغصونِ الذبولُ

إنّما المرءُ للمنيّةِ مخبو

ءٌ وللطعنِ تُستجَمُّ الخيولُ

من مَقِيلٍ بين الضلوعِ إلى طو

ل عناءٍ وفي الترابِ مقيلُ (١)

فهو كالغيمِ ألَّفته جَنوبٌ

يومَ دُجْنٍ ومزّقتْهُ قَبولُ (٢)

عادةٌ للزمان في كلِّ يومٍ

يتناءى خِلٌّ وتبكي طلولُ

فاللّيالي عونٌ عليكَ مع البي

ـنِ كما ساعدَ الذوابلَ طولُ

ربّما وافقَ الفتى من زمانٍ

فرحٌ غيرُهُ بهِ متبولُ (٣)

هي دنيا إن واصلتْ ذا جفته

ـذا ملالاً كأنّها عطبولُ (٤)

كلُّ باكٍ يُبكى عليه وإن طا

ل بقاءٌ والثاكلُ المثكولُ

والأمانيُّ حسرةٌ وعناءٌ

للذي ظنَّ أنّها تعليلُ

ما يُبالي الحِمام أين ترقّى

بعد ما غالتِ ابنَ فاطمَ غولُ

أيُّ يومٍ أدمى المدامعَ فيه

حادثٌ رائعٌ وخطبٌ جليلُ

يومُ عاشوراءَ الذي لا أعان ال

ـصحبُ فيهِ ولا أجار القبيلُ

يا ابن بنتِ الرسولِ ضيّعَتِ العه

ـدَ رجالٌ والحافظون قليلُ

ما أطاعوا النبيَّ فيك وقد ما

لت بأرماحِهم إليك الذحولُ (٥)

__________________

(١) من قال قيلاً وقيلولة ومقيلاً : نام نصف النهار. (المؤلف)

(٢) القَبول : ريح الصَّبا.

(٣) يقال : تبلهم الدهر ، أي أفناهم. (المؤلف)

(٤) العطبول : المرأة الفتيّة الجميلة. (المؤلف)

(٥) الذحول : الثارات.


وأحالوا على المقاديرِ في حر

بِك لو أنّ عذرَهمْ مقبولُ

واستقالوا من بعدِ ما أجلبوا في

ـها أالآن أيّها المستقيلُ

إنّ أمراً قنّعتَ من دونِه السي

ـفَ لمن حازَه لمرعىً وبيلُ

يا حساماً فلّتْ مضاربُه الها

مَ وقد فلّه الحسامُ الصقيلُ

يا جواداً أدمى الجوادَ من الطع

ـن وولّى ونحرُهُ مبلولُ

حجلُ الخيلِ من دماءِ الأعادي

يوم يبدو طعنٌ وتخفى حجولُ

يوم طاحتْ أيدي السوابق في الن

ـقعِ وفاض الونى وغاضَ الصهيلُ

أتُراني أُعيرُ وجهيَ صوناً

وعلى وجهِهِ تجولُ الخيولُ

أتُراني ألذُّ ماءً ولمّا

يروَ من مهجةِ الإمامِ الغليلُ

قبّلتهُ الرماحُ وانتضلتْ في

ـه‍ المنايا وعانقتْهُ النصولُ

والسبايا على النجائب تُستا

قُ وقد نالت الجيوبَ الذيولُ

من قلوبٍ يدمى بها ناظرُ الوج

ـد ومن أدمعٍ مراها الهُمولُ (١)

قد سلبنَ القناعَ عن كلِّ وجهٍ

فيه للصون من قناعٍ بديلُ

وتنقّبن بالأناملِ والدم

ـع على كلِّ ذي نقابٍ دليلُ

وتَشاكَيْنَ والشكاةُ بكاءٌ

وتنادينَ والنداءُ عويلُ

لا يغبّ الحادي العنيفُ ولا يف

ـتُرُ عن رنّةِ العديلِ العديلُ

يا غريبَ الديارِ صبري غريبٌ

وقتيلَ الأعداءِ نومي قتيلُ

بي نزاعٌ يطغى إليك وشوقٌ

وغرامٌ وزفرةٌ وعويلُ

ليت أنّي ضجيعُ قبرِكَ أو أ

نّ ثراه بمدمعي مطلولُ

لا أغَبَّ الطفوفَ في كلِّ يومٍ

من طِراقِ الأنواءِ غيثٌ هطولُ

مطرٌ ناعمٌ وريحُ شمالٍ

ونسيمٌ غضٌّ وظلٌّ ظليلُ

__________________

(١) مراها : استخرجها.


يا بني أحمدٍ إلى كم سناني

غائبٌ عن طعانه ممطولُ

وجيادي مربوطةٌ والمطايا

ومقامي يروعُ عنه الدخيلُ

كم إلى كم تعلو الطغاة وكم يح

ـكمُ في كلِّ فاضل مفضولُ

قد أذاعَ الغليلُ قلبي ولكن

غير بدعٍ إنِ استطبَّ العليلُ

ليت أنّي أبقى فأمترقَ النا

سَ وفي الكفِّ صارمٌ مسلولُ

وأجرَّ القنا لثارات يوم الط

ـفِ يستلحقُ الرعيلَ الرعيلُ

صبغَ القلبَ حبُّكمُ صبغةَ الشي

ـب وشيبي لو لا الردى لا يحولُ

أنا مولاكُمُ وإن كنت منكم

والدي حيدرٌ وأُمّي البتولُ

وإذا الناس أدركوا غايةَ الفخ

ـر شآهم من قالَ جدّي الرسولُ (١)

يفرح الناس بي لأنّيَ فضلٌ

والأنامُ الذي أراهُ فضولُ

فهمُ بين منشدٍ ما أقفّي

هِ سروراً وسامعٍ ما أقولُ

ليت شعري من لائمي في مقالٍ

ترتضيهِ خواطرٌ وعقولُ

أتركُ الشيءَ عاذري فيه كلُّ النا

سِ من أجلِ أن لحاني عَذُولُ

هو سؤلي إن أسعد اللهُ جَدّي

ومعالي الأمور للذِّمرِ (٢) سولُ (٣)

__________________

(١) شآهم : سبقهم.

(٢) الذِّمر : الشجاع الجمع أذمار ، والذمارة : الشجاعة. (المؤلف)

(٣) ديوان الشريف الرضي : ٢ / ١٨٧.


ـ ٣٧ ـ

أبو محمد الصوري

المولود حدود (٣٣٩)

المتوفّى (٤١٩)

ولاؤك خيرُ ما تحتَ الضميرِ

وأنفسُ ما تمكّنَ في الصدورِ

وها أنا بتُّ أحسسُ منه ناراً

أَمَتُّ بحرِّها نارَ السعيرِ

أبا حسنٍ تبيّنَ غدرُ قومٍ

لعهدِ اللهِ من عهدِ الغديرِ

وقد قام النبيُّ بهم خطيباً

فدلَّ المؤمنين على الأميرِ

أشار إليهِ فيهِ بكلِّ معنىً

بَنَوْه على مخالفةِ المشيرِ

فكم من حاضرٍ فيهم بقلبٍ

يخالفُه على ذاك الحضورِ

طوى يومُ الغديرِ لهم حُقوداً

أنالَ بنشرِها يومَ الغديرِ

فيا لك منه يوماً جرَّ قوماً

إلى يومٍ عبوسٍ قمطريرِ

لأمرٍ سوّلتْهُ لهم نفوسٌ

وغرّتهمْ به دارُ الغرورِ

ولست من الكثيرِ فيطمئنّوا

بأنَّ اللهَ يعفو عن كثيرِ (١)

وله في أهل البيت عليهم‌السلام :

عيونٌ منعنَ الرقادَ العيونا

جعلنَ لكلِّ فؤادٍ فُتونا

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ١٨٦ رقم ١٠٧.


فكُنّ المُنى لجميعِ الورى

وكنّ لمن رامَهنّ المَنونا

وقلبٌ تُقلّبُهُ الحادثاتُ

على ما تشاء شمالاً يمينا

يصونُ هواهُ عن العالمينَ

ومدمعُهُ يستذلُّ المصونا

فما لي وكتمانِ داءِ الهوى

وقد كان ما خفتُهُ أن يكونا

وكان ابتداءُ الهوى بي مُجُوناً

فلمّا تمكّن أمسى جنونا

وكنت أظنُّ الهوى هيّناً

فلاقيتُ منه عذاباً مُهيناً

فلو كنتَ شاهدَ يومِ الوداعِ

رأيتَ جفوناً تناجي جفونا

فهل تركَ البينُ من أرتجيه

من الأوّلينَ أو الآخرينا

سوى حبِّ آلِ نبيِّ الهدى

فحبُّهمُ أملُ الآملينا

همُ عُدّتي لوفاتي همُ

نجاتي همُ الفوزُ للفائزينا

همُ موردُ الحوضِ للواردينَ

وهم عروةُ اللهِ للواثقينا

همُ عونُ من طلبَ الصالحاتِ

فكنْ بمحبّتهمْ مُستعينا

همُ حجّةُ اللهِ في أرضهِ

وإن جحدَ الحجّةَ الجاحدونا

همُ الناطقونَ هم الصادقونَ

وأنتم بتكذيبهم كاذبونا

همُ الوارثونَ علومَ النبيِ

فما بالُكمْ لهمُ وارثونا

حقدتم عليهم حُقوداً مضتْ

وأنتمْ بأسيافِهم مسلمونا

جحدْتُمْ موالاةَ مولاكمُ

ويومَ الغديرِ بها مؤمنونا

وأنتم بما قاله المصطفى

وما نصَّ من فضلِهِ عارفونا

وقلتم رضِينا بما قلتَهُ

وقالتْ نفوسُكمُ ما رضينا

فأيّكمُ كان أولى بها

وأثبتَ أمراً من الطيّبينا

وأيّكمُ كان بعد النبيِ

وصيّاً ومن كان فيكم أمينا

وأيّكمُ نامَ في فرشِهِ

وأنتمْ لمهجتِهِ طالبونا

ومن شارك الطهرَ في طائرٍ

وأنتمْ بذاك له شاهدونا


لحا اللهُ قوماً رأوا رشدَكمْ

مبيناً فضلّوا ضلالاً مبينا (١)

وله في أهل البيت عليهم‌السلام :

ما طوّلَ الليلَ القَصِيرا

ونهى الكواكبَ أن تغورا

إلاّ وفي يده عزي

ـماتٌ يحلُّ بها الأُمورا

ذو مقلةٍ لا تستقلّ

ضنىً وإن أضنت كثيرا

ليستْ تفتِّر عن دمي

وترى بها أبداً فُتُورا

وترى بها ضعفاً يُري

ـك‍ المستجارَ المستجيرا

فيما يُنازعني عَذو

لاً أو يُسامحني عَذيرا

أترى بوادرَ فتنتي

فيما ترى إلاّ بُدورا

لو شاء لاختصر الغرا

مَ بها من اختصرَ الخصورا

ولقد لبست ثيابَ نف

ـسكَ مالكاً أو مستعيرا

وتمثّلَ الشيطانُ لي

ليغرّني رشأً غريرا

فخلعتُها ولبستُ ثو

بَ الفتكِ سحّاباً جَرورا

ما شئت فاقلعْ عنه واس

ـتغفر تجد ربّا غفورا

ما لم يكنْ من معشرٍ

غدروا وقد شهدوا الغديرا

وتآمروا ما بينهم

أن ينصبوا فيها أميرا

من كلِّ صدرٍ موغَرٍ

ملأت ضغائِنُهُ الصدورا

مترشّحٍ للملكِ قد

نصبتْ سريرتُه السريرا

وتوارثوها ليس تخ

ـرج عنهمُ شبراً قصيرا

هذا إلى أن قام قا

ئمُ آلِ أحمدَ مُستثيرا

__________________

(١) ديوان الصوري : ٢ / ٦٧ رقم ٤٨٣.


وتسلّمَ الإسلامَ أق

ـتمَ مظلماً فكساهُ نورا (١)

وله في أهل البيت عليهم‌السلام :

نكرتْ معرفتي لمّا حكَمْ

حاكمُ الحبِّ عليها لي بدمْ

فبدتْ من ناظريها نظرةٌ

أدخلَتْها في دمي تحتَ التهمْ

وتمكّنتُ فأضنيتُ ضنىً

كان بي منها وأسقمتُ سقمْ

وصبتْ بعد اجتنابٍ صبوةً

بدّلتْ من قولِها لا بنعمْ

وفقدتُ الوجدَ فيها والأسى

فتألّمتُ لفقدانِ الألمْ

ما لعيني وفؤادي كلّما

كتمتْ باحَ وإن باحتْ كتمْ

طالَ بي خُلْفُهما فاتّفقتْ

لي همومٌ في الرزايا وهممْ

ورزايا المصطفى في أهلِهِ

فاتحاتٌ للرزايا وخُتُمْ

يا بني الزهراءِ ما ذا اكتَسَبتْ

فيكمُ الأيّامُ من عتْبٍ وذمْ

يا طوافاً طافَ طوفانٌ به

وحطيماً بقنا الخطِّ حُطِمْ

أيُّ عهدٍ يُرتجى الحفظُ له

بعد عهد الله فيكم والذممْ

لا تسلّيتُ وأنوارٌ لكمْ

غَشِيَتْها من بني حربٍ ظُلَمْ

ركبوا بحرَ ضلالٍ سلموا

فيه والإسلامُ فيهم ما سلمْ

ثمّ صارتْ سنّةً جاريةً

كلُّ من أمكنهُ الظلمُ ظلمْ

وعجيبٌ إنّ حقّا بكمُ

قامَ في الناسِ وفيكمْ لم يَقُمْ

والولا فهو لمن كان على

قولِ عبدِ المُحسنِ الصوري قسمْ

وأبيكمْ والذي وصّى به

لأبيكمْ جدُّكمْ في يومِ خُمْ

لقد احتجَّ على أُمّتِهِ

بالذي نالكمُ باقي الأُممْ (٢)

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٢١٩ رقم ١٤٦.

(٢) ديوان الصوري : ١ / ٤١٥ رقم ٣٧٤.


الشاعر

أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب (١) بن غلبون الصوري ، من حسنات القرن الرابع ونوابغ رجالاته ، وقد مُدَّ له البقاء إلى أوليات القرن الخامس ، جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى ، كما أنّه لا تعدوه رقّة الغزل وشدّة الجدل ، فهو عند الحِجاج يُدلي بحجّته القويمة ، وعند الوصف لا يأتي إلاّ بصورة كريمة ، وديوان شعره المحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً ، الحافل بالرقائق والحقائق يتكفّل البرهنة على هذه الدعاوى ، وهو نصٌّ في تشيّعه كما عدّه ابن شهرآشوب (٢) من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وما ذكرناه من شعره يمثّل روحه المذهبيّة ، ونزعته الطائفيّة الحميدة ، وتعصّبه لآل البيت النبويّ ، واعترافه بحقّهم الثابت ، ونبذه ما وراء ذلك نبذاً لا مرتجع إليه ، وفي ديوانه ـ غير ما ذكرناه ـ شواهد وتلويحات لطيفة ، نحو قوله في صبيٍّ اسمه عمر :

نادمني من وجهُهُ روضةٌ

مشرقةٌ يمرحُ فيهِ النظرْ

فانظر معي تنظرْ إلى معجزٍ

سيفُ عليٍّ بين جفني عمرْ

وقد ترجمه ابن أبي شبانة في تكملة أمل الآمل ، وهو لا يترجم إلاّ المتمسِّك بحُجزةِ (٣) أهلِ البيتِ الطاهر ، وتر جمه الثعالبي في يتيمة الدهر (٤) (١ / ٢٥٧) وذكر من شعره (٢٢٥) بيتاً ، وأثنى عليه وانتخب من ديوانه أبياتاً في تتميم يتيمته (٥) (١ / ٣٥) ،

__________________

(١) في تتميم يتيمة الدهر : ١ / ٣٥ [٥ / ٤٦] : طالب ، وهو تصحيف. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ١٥١ ، وعدّه في المقتصدين.

(٣) الحُجزة : معقد الإزار ، استعاره قدس‌سره للدلالة على الالتجاء والاعتصام والتمسك بأهل البيت عليهم‌السلام :.

(٤) يتيمة الدهر : ١ / ٣٦٣.

(٥) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٤٦.


وعقد ابن خلّكان (١) له ترجمةً ضافيةً ، أطراه ووصف شعره في (١ / ٣٣٤) ، وقال : توفّي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة وعمره ثمانون أو أكثر ، وذكره ابن كثير في تاريخه (٢) (١٢ / ٢٥). ومن شعره في أهل البيت عليهم‌السلام :

تَوَقَّ إذا ما حرمةُ العدلِ جلّتِ

ملامي لتقضي صبوتي ما تمنّتِ

أغرّكَ أن لم تستفزَّكَ لوعةٌ

بقلبي ولا استبكاك بَيْنٌ بمقلتي

لك الخيرُ هذا حين شئتَ تلومُني

لجاجاً فأَلاّ لُمْتَ أيّامَ شِرّتي

غداةَ أجيبُ العيسَ إذ هي حنّتِ

وأحدو إذا وِرْقُ الحمائمِ غنّتِ

وأنتهبُ الأيّامَ حتى كأنّني

أدافع من بعد الحُلولِ منيّتي

وأستصغر البلوى لمن عرَفَ الهوى

وأستكثرُ الشكوى وإن هي قَلّتِ

أطيل وقوفي في الطلولِ كأنّني

أحاولُ منها أن تَرُدَّ تحيّتي

لياليَ ألقى كلَّ مهضومةِ الحشا

إذا عدلتْ في ما جناهُ تجنّتِ

أصدُّ فيدعوني إلى الوصلِ طرفُها

وإن أنا سارعتُ الإجابةَ صدّتِ

وإن قلتُ سُقمي وكّلَتْ سقمَ طرفِها

بإبطالِ قولي أو بإدحاضِ حجّتي

وإن سمعتْ وأنار قلبي شناعةً

عليها أجابتني بوانارِ وجنتي

وأصرفُ همّي عن هواها بهمّتي

عزوفاً فتثنيني إذا ما تثنّتِ

وأَنشدُ بين البينِ والهجرِ مهجتي

ولم أدرِ في أيِّ السبيلين ضلّتِ

وما أحسبُ الأيّامَ أيّامَ هجرِها

تطاولُني إلاّ لتقصرَ مدّتي

دعوا الأمَةَ اللاّتي استحلّت دمي تكنْ

مع الأمّةِ اللاّتي بغتْ فاستحلّتِ

فما يُقتدى إلاّ بها في اغتصابِها

ولا أقتدي إلاّ بصبرِ أئمّتي

أليس بنو الزهراءِ أدهى رزيّةً

عليكمْ إذا فكّرتمُ في رزيّتي

حُماتي إذا لانت قناتي وعدّتي

إذا لم تكنْ لي عدّةٌ عند شدّتي

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٣ / ٢٣٢ رقم ٤٠٦.

(٢) البداية والنهاية : ١٢ / ٣٢ حوادث سنة ٤١٩ ه‍.


أقامتْ لحربِ اللهِ حزب أُميّةٍ

إذا هي ضلّتْ عن سبيلٍ أضلّتِ

قلوبٌ على الدينِ العتيقِ تألّفتْ

لهمْ ومن الحقدِ القديمِ استملّتِ

بما ذا تُرى تحتجُّ يا آلَ أحمدٍ

على أحمدٍ فيكمْ إذا ما استعدّتِ

وأشهر ما يروونه عنه قولُهُ

تركتُ كتابَ اللهِ فيكم وعترتي

ولكنّ دنياهم سعتْ فسعوا لها

فتلك التي فلّت ضميراً عن التي (١)

وله في أهل البيت سلام الله عليهم :

أصبحوا يفرقونَ من إفراقي

فاستغاثوا في نكستي بالفراقِ

ما صبرتم لقد بَخِلتمْ على المد

نفِ حقّا حتى بطول السياقِ

راحةٌ ما اعتمدتموها بقتلي

رُبَّ خيرٍ أتى بغير اتّفاقِ

سوفَ أمضي وتلحقون ولا عل

ـمَ لكم ما يكونُ بعد اللحاقِ

حيث لا يجمعُ القضيّةَ من يج

ـمعُ بين الخصمينِ ماضٍ وباقِ

ما لهمْ لا خلقتُ فيهم فما أغ

ـفلَ قومي عن الدمِ المُهراقِ

رُبّ ظهرٍ قلبته مثل ما يُق

ـلَبُ ظهرُ المجنِّ للإرشاقِ

بعد ما قادني فلم أدرِ حتى

صرتُ ما بين ملتقى الأحداقِ

وأراني أسيرَ عينيكَ منهنّ

فما ذا تراهُ في إطلاقي

مسّةٌ من هواكَ بي لا من الجنِ

فهل من مُعَزِّمٍ أو راقِ

غير أن يُبرِدَ احتراقي بوصلٍ

أو بوعدٍ أو أن يبلَّ اشتياقي

أو يعيدَ الكرى كما كان لا يو

حشُني من خيالِكَ الطرّاقِ

ما لنومي كأنّه كان في

أوّل دمعي جرى من الآماقِ

غير مُسترجَعٍ فيُرجى وهل تر

جعُ للعينِ أدمعٌ في سباقِ

بأبي شادنٌ توثّقتُ بالأَيْ

ـمانِ منه من قبلِ شدِّ وثاقي

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٧٣ رقم ٢٢.


فهو إلاّ يكنْ لحربٍ فحربٌ

علّمتهُ خيانةَ الميثاقِ

نفرٌ من أُميّةٍ نَفَر الإس

ـلامُ من بينهم نفورَ إباقِ

أنفقوا في النفاقِ ما غصبوه

فاستقام النفاقُ بالإنفاقِ

وهي دارُ الغرورِ قصّر باللو

م فيها تطاولُ العشّاقِ

وأراها لا تستقيمُ لذي الزه

ـد إذا المالُ مالَ بالأعناقِ

فلهذا أبناءُ أحمدَ أبنا

ءُ عليٍّ طرائدُ الآفاقِ

فقراءُ الحجازِ بعد الغنى الأك

ـبر أسرى الشآم قتلى العراقِ

جانبتهمْ جوانبُ الأرض حتى

خلتَ أنّ السماءَ ذاتُ انطباقِ

إن أقصّر يا آل أحمد أو أُغ

ـرق كان التقصيرُ كالإغراقِ

لستُ في وصفِكم بهذا وهذا

لاحقاً غيرَ أن تروا إلحاقي

إنّ أهلَ السماءِ فيكم وأهل ال

أرضِ ما دامتا لأَهلُ افتراقِ

عرفَتْ فضلَكم ملائكةُ اللّ

ـه‍ فدانتْ وقومُكمْ في شقاقِ

يستحقّون حقَّكمْ زعموا ذ

لك سحقاً لهم من استحقاقِ

وأرى بعضَهم يبايعُ بعضاً

بانتظام من ظلمكم واتّساقِ

واستثاروا السيوفَ فيكم فقُمْنا

نستثيرُ الأقلامَ في الأوراقِ

أيُّ غبنٍ لو لا القيامةُ والمرْ

جوُّ فيها من قدرةِ الخلاّقِ

فكأنّي بهم يودّون لو أنّ ال

ـخوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أك

ـرمِ حوضٍ عليهِ أكرمُ ساقِ

وإذا ما التقوا تقاسمت النا

ر عليّا بالعدلِ يومَ التلاقِ

قيل هذا بما كفرتمْ فذوقوا

ما كسبتمْ يا بؤس ذاك المذاقِ (١)

وقال في يوم عاشوراء يمدح الإمام الحاكم بأمر الله :

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٣٠٧ رقم ٢٥٥.


خلا طرفُهُ بالسقم دوني يلازمُه

إلى أن رمى سهماً فصرتُ أساهمُهْ

فأصبحَ بي ما لستُ أدري أمثلُهُ

بجفنيه أم لا يعدلُ السقمَ قاسمُهْ

لئن كان أخفى الصدرُ صدّا من الجوى

ففي العينِ عنواناتُهُ وتراجمُهْ

ولم يخفِهِ أنّ الهوى خفَّ حملُهُ

ولكن لأنّ اللومَ ليس يلائمُهْ

ويا رُبَّ ليلٍ قصّرَ الذكرُ طولَهُ

فما طَلَعتْ حتى تجلّت غمائمُهْ

وما نمتُ فيه غيرَ أنْ لو سألتني

من الشغلِ عنه قلتُ ما قالَ نائمُهْ

ولكنّه ألقى على الصبحِ لونَهُ

فوالاهُ يومٌ شاحبُ الوجهِ ساحِمُهْ

كما جاءَ يومٌ في المحرّمِ واحدٌ

خبا نورُه لمّا استُحِلّتْ محارمُهْ

طغتْ عبدُ شمسٍ فاستقلَّ محلّقاً

إلى الشمسِ من طغيانِها مُتراكمُهْ

فمن مبلغٌ عنّي أُميّةَ أنّني

هتفتُ بما قد كنتُ عنها أكاتمُهْ

مضت أعصرٌ معوجّةٌ باعوجاجِكم

فلا تنكروا أن قوّمَ الدهرَ قائمُهْ

وجدّد عهدَ المصطفى بعضُ أهلِهِ

وحكّم في الدينِ الحنيفيِّ حاكمُهْ

فيا أيّها الباكون مصرعَ جدِّهِ

دعوا جدَّهُ تبكي عليه صوارمُهْ

ألا أيّها الثكلى التي من دموعِها

إذا هي حَنّت من قتيلٍ جماجمُهْ

لقد خسرَ الدارينِ من صدَّ وجهَهُ

فلا أنت مُبقيه ولا اللهُ راحمُهْ

حريصاً على نارِ الجحيمِ كأنّه

يخافُ على أبوابِها من يُزاحمُهْ

إلى من تراه فوّضَ الأمرَ غيرَكمْ

إذا أنتمُ أركانُه ودعائمُهْ

فيا لكَ منها دولةً علويّةً

تبدّتْ بسعدٍ حاكمُ الدهر خاتمُهْ (١)

وله قوله :

بالذي ألهمَ تعذي

ـبي ثناياك العِذابا

والذي ألبس خدّي

ـكَ من الوردِ نقابا

__________________

(١) ديوان الصوري : ٢ / ٣٧ رقم ٤٣٨.


والذي أودعَ في في

ـك‍ من الشَّهدِ شرابا

والذي صيّر حظّي

منك هجراً واجتنابا

ما الذي قالته عينا

كَ لقلبي فأجابا

والذي قالته للدم

ـعِ فواراها انصبابا

يا غزالاً صاد باللح

ـظِ فؤاداً فأصابا

عَمْرَكَ اللهُ بصبٍ

لا يُرى إلاّ مصابا

هذه الأبيات توجد في ديوان المترجَم (١) ، فنسبتها إلى الصنوبري كما في كشكول البهائي (٢) (١ / ٢٣) في غير محلّه ، وأخذ البهائي (٣) منها قوله :

يا بدرَ دجىً فراقُه القلبَ أذابْ

مذ ودّعني فغابَ صبري إذ غابْ

بالله عليكَ أيَّ شيء قالت

عيناك لقلبي المعنّى فأجابْ

وللمترجم الصوري :

(سفرنَ بدوراً وانتقبنَ أهلّةً

ومِسْن غصوناً والتفتن جآذرا) (٤)

وأَبدينَ أطرافَ الشعورِ تستّراً

فأغدرتِ الدنيا علينا غدائرا

وربّتَما أطلعنَ والليلُ مقبلٌ

وجوهَ شموسٍ تُوقِفُ الليلَ حائِرا

فهنّ إذا ما شئنَ أمسينَ أو إذا

تعرّضَ أن يصبحنَ كنَّ قوادرا (٥)

وقال يرثي شيخ الأمّة ابن المعلّم أباعبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفّى (٤١٣):

__________________

(١) ديوان الصوري : ٢ / ١٢٣ رقم ٥٨٨.

(٢) كشكول البهائي : ١ / ١٣٣ ، وفيه نسبة هذه الأبيات إلى الصوري لا الصنوبري.

(٣) كشكول البهائي : ١ / ١٥٢.

(٤) البيت لعليّ بن إسحاق الزاهي المتوفّى (٣٢٥ ه‍) ، وما بعده من الأبيات قاله المترجم إجازةً له.

(٥) ديوان الصوري : ١ / ١٥٤ رقم ٨١.


تبارك من عمَّ الأنامَ بفضلِهِ

وبالموتِ بين الخلقِ ساوى بعدلِه

مضى مستقلاّ بالعلومِ محمدٌ

وهيهاتَ يأتِينا الزمانُ بمثلِه (١)

جاء في بدائع البدائِه (٢) بإسناده عن بكّار بن عليّ الرياحي أنّه قال :

لمّا وصل عبد المحسن الصوري إلى دمشق جاءني المجدي الشاعر فعرّفني به ، وقال : هل لك أن نمضي إليه ونسلّم عليه؟ فأجبت ، وقمت معه حتى أتينا إلى منزله ، وكان ينزل دائماً إذا قدم في سوق القمح ، وكان بين يديه دكّان قطّان وفيها رجلٌ أعمى ، فوقفت به عجوز كبيرة فكلّمها بشيءٍ وهي منصتة له ، فقال المجدي في الحال :

مُنصتةٌ تسمع ما يقولُ

فقال عبد المحسن في الحال :

كالخلد (٣) لمّا قابلته الغولُ

فقال له المجدي : أحسنت والله يا أبا محمد أتيت بتشبيهين في نصف بيت أعيذك بالله. انتهى.

ومن لطيف قول الصوري ما قاله وقد استعير منه كتاب وحبس عليه ، كما يوجد في ديوانه (٤):

ما ذا جناه كتابي فاستحقَّ به

سجناً طويلاً وتغييباً عن الناسِ

فاطلقه نسألْهُ عمّا كان حلَّ به

في طول سجنِكَ من ضرٍّ ومن باسِ

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٤١٤ رقم ٣٧٣.

(٢) وذكره ابن عساكر في تاريخه : ٣ / ٢٨١ [١٠ / ٣٦٧ رقم ٩٤٢]. (المؤلف)

(٣) في تاريخ ابن عساكر : كالحلد. وهو كما ترى [وفي الطبعة الجديدة : كالخلد]. (المؤلف)

(٤) ديوان الصوري : ١ / ٢٤٩ رقم ١٧٨.


كتب الشاعر المفلق أحمد بن سلمان الفجري إلى عبد المحسن الصوري :

أعبدَ المحسنِ الصوريَّ لِم قدْ

جثمتَ جثومَ منهاضٍ كسيرِ

فإن قلتَ العبالةُ أقعدتني

على مضضٍ وعاقت عن مسيري (١)

فهذا البحر يحملُ هُضْبَ رضوى

ويستثني بركنٍ من ثبيرِ

وإن حاولتَ سيرَ البرِّ يوماً

فلستَ بمثقلٍ ظهرَ البعيرِ

إذا استحلى أخوكَ قلاك يوماً

فمثلُ أخيكَ موجودُ النظيرِ

تحرّكْ علَّ أن تلقى كريماً

تزولُ بقُربِهِ إِحَنُ الصدورِ

فما كلُّ البريّةِ من تراهُ

ولا كلُّ البلادِ بلادُ صورِ

فأجابه عبد المحسن :

جزاك اللهُ عن ذا النصحِ خيراً

ولكن جاءَ في الزمنِ الأخيرِ

وقد حدّتْ ليَ السبعون حدّا

نهى عمّا أمرتَ من المسيرِ

ومذ صارتْ نفوسُ الناسِ حولي

قصاراً عُذتُ بالأمل القصيرِ (٢)

وقال في صبيِّ اسمه مقاتل ـ وله فيه شعرٌ كثيرٌ ـ :

تعلّمتْ وجنتُه رُقيةً

لعقربِ الصدغ فما تلسعُ

صُمَّتْ عن العاذل في حبِّه

أُذني فما لي مِسمَعٌ يسمعُ

ودَّعْتُهُ والدّمعُ في مقلتي

في عَبرتي مستعجلٌ مُسرعُ

فظنَّ إذ أبصرتَها أنّها

سائرُ أعضائي بها تدمعُ

وقال هذا قبلَ يوم النّوى

فما ترى بعد النّوى تصنعُ

في غيرِ وقتِ الدمعِ ضيّعتَهُ

قلتُ فقَلبي عندَكم أضيعُ (٣)

__________________

(١) العبالة : الضخامة. (المؤلف)

(٢) راجع ديوانه [١ / ٢٠٢ رقم ١٢٤] ، وذكرها الثعالبي في يتيمة الدهر : ١ / ٢٦٩ [١ / ٣٧٩]. (المؤلف)

(٣) ديوان الصوري : ١ / ٢٧٨ رقم ٢١٦ ، ٢١٧.


وقال في مقاتل أيضاً :

احفظ فؤادي فأنت تملكُهُ

واستر ضميري فأنت تهتكُهُ

هجرُكَ سهلٌ عليك أصعبُهُ

وهو شديدٌ عليَّ مسلكُهُ

بسيف عينيكَ يا مقاتِلُ كم

قتلتَ قبلي من كنتَ تملكُهُ

أمّا عزائي فلستُ آملُه

فيك وصبري ما لستُ أدركُهُ (١)

وقال فيه وهو مُعْذِر :

وقفَ الليلُ والنهارُ وقد كا

ن إذا ما أتى النهار يفرُّ

لا يرى رجعة فيكسبُ عاراً

لا ولا ثمَّ قوّةٌ فيفِرُّ

أينَ سلطانُ مقلتيك علينا

قل له ما يجوزُ في الحبِّ سحرُ

أنت فرّقتَ نارَ خدّيك حتى

كلُّ قلبٍ صبٍّ لها فيه جمرُ

فبما ذا تلقى عذارَيْكَ قل لي

سيّما إنْ تداركَ الشَّعرَ شَعرُ

وعزيزٌ عليَّ أنّك بالحر

بِ وبالسلم طولَ عمرِكَ غرُّ (٢)

وخلف المترجم على أدبه الجمّ وقريضه البديع ولده عبد المنعم ، ذكره الثعالبي (٣).

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٣٤٠ رقم ٢٩٤.

(٢) ديوان الصوري : ١ / ٢٠٣ رقم ١٢٥.

(٣) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٨٢.



ـ ٣٨ ـ

مهيار الديلمي

المتوفّى (٤٢٨)

ـ ١ ـ

هل بعدَ مُفترَقِ الأظعانِ مجتمعُ

أم هل زمانٌ بهم قد فاتَ يُرتجَعُ

تحمّلوا تَسَعُ البيداءُ ركبَهمُ

ويحملُ القلبُ فيهم فوقَ ما يَسعُ

مغرِّبين همُ والشمسَ قد ألفوا

ألَا تغيبَ مغيباً حيثما طلعوا

شاكين للبَيْنِ أجفاناً وأفئدةً

مفجّعين به أمثالَ ما فجعوا

تخطو بهم فاتراتٌ في أزمّتِها

أعناقُها تحت إكراهِ النوى خُضُعُ

تشتاق نعمانَ لا ترضى بروضتِهِ

داراً ولو طابَ مصطافٌ ومرتبَعُ

فداء وافين تمشي الوافياتُ بهمْ

دمعٌ دمٌ وحَشاً في إِثرِهم قِطَعُ

الليلُ بعدهُمُ كالفجرِ متّصلٌ

ما شاء والنومُ مثلُ الوصلِ منقطِعُ

ليت الذين أصاخوا يومَ صاحَ بهمْ

داعي النوى ثوِّروا صمّوا كما سمِعوا

أوليتَ ما أخذَ التوديعُ من جسدي

قضى عليَّ فللتعذيبِ ما يدعُ

وعاذلٍ لجَّ أعصيه ويأمرُني

فيه وأهربُ منه وهو يتّبعُ

يقول : نفسَك فاحفظها فإنّ لها

حقّا وإنّ علاقاتِ الهوى خدَعُ

روِّح حشاك بِبَردِ اليأس تسلُ به

ما قيل في الحبِّ إلاّ أنّه طمعُ

والدهرُ لونانِ والدنيا مقلّبةٌ

الآنَ يعلمُ قلبٌ كيف يرتدعُ


هذي قضايا رسولِ اللهِ مهملةٌ

غدراً وشملُ رسولِ اللهِ مُنصدعُ

والناسُ للعهدِ ما لاقوا وما قربوا

وللخيانِة ما غابوا وما شَسَعوا (١)

وآلُهُ وهمُ آلُ الإلهِ وهمْ

رُعاةُ ذا الدينِ ضِيموا بعده ورُعُوا

ميثاقُهُ فيهمُ ملقىً وأمّتُهُ

مع من بغاهم وعاداهم له شِيَعُ

تُضاعُ بيعتُهُ يومَ الغديرِ لهمْ

بعد الرضا وتُحاطُ الرومُ والبِيَعُ

مقسّمين بأيمانٍ همُ جذبوا

ببوعها وبأسيافٍ همُ طبعوا

ما بين ناشرِ حبلٍ أمسِ أبرمه

تُعَدُّ مسنونةً من بعدِهِ البِدَعُ

وبين مُقتنصٍ بالمكرِ يخدعُهُ

عن آجلٍ عاجلٌ حلوٌ فينخدعُ

وقائل لي عليٌّ كان وارثَهُ

بالنصِّ منه فهل أَعَطَوه أم منعوا

فقلت كانت هَناتٌ لستُ أذكرُها

يجزي بها اللهُ أقواماً بما صنعوا

أبلغْ رجالاً إذا سمّيتُهمْ عُرِفوا

لهم وجوهٌ من الشحناءِ تُمتقعُ

توافقوا وقناةُ الدين مائلةٌ

فحين قامتْ تلاحَوا فيه واقترعوا

أطاع أوّلُهم في الغدرِ ثانيَهمْ

وجاءَ ثالثُهم يقفو ويتّبعُ

قفوا على نظرٍ في الحقِّ نفرضُهُ

والعقلُ يفصلُ والمحجوجُ ينقطعُ

بأيّ حكمٍ بنوه يتبعونكمُ

وفخرُكمْ أنّكمْ صحبٌ له تَبَعُ

وكيف ضاقتْ على الأهلينَ تربتُهُ

وللأجانبِ من جنبيهِ مضطجَعُ

وفيم صيّرتمُ الإجماعَ حجّتَكمْ

والناسُ ما اتّفقوا طوعاً ولا اجتمعوا

أَمْرٌ عليٌّ بعيدٌ من مشورتِهِ

مستكرَهٌ فيه والعبّاس يَمتنعُ

وتدّعيه قريشٌ بالقرابة وال

أنصار لا رُفُعٌ فيه ولا وُضُعُ

فأيّ خُلفٍ كخُلْفٍ كان بينكمُ

لو لا تُلفَّقُ أخبارٌ وتصطَنَعُ

واسألهمُ يوم خُمٍّ بعد ما عقدوا

له الولايةَ لِمْ خانوا ولِمْ خلَعوا

__________________

(١) شسعوا : بعدوا.


قولٌ صحيحٌ ونيّاتٌ بها نَغَلٌ

لا ينفع السيفَ صَقلٌ تحته طَبَعُ (١)

إنكارُهمْ يا أميرَ المؤمنينَ لها

بعد اعترافِهمُ عارٌ به ادّرعوا

ونكثُهمْ بكَ مَيْلاً عن وصيّتهمْ

شرعٌ لَعمرُكَ ثانٍ بعده شرعوا

تركتَ أمراً ولو طالبتَهُ لدرتْ

معاطسٌ راغمته كيف تُجتدَعُ

صبرت تحفظُ أمرَ اللهِ ما اطّرحوا

ذبّا عن الدينِ فاستيقظتَ إذ هجعوا

ليشرقنَّ بحلوِ اليومِ مُرُّ غدٍ

إذا حصدتَ لهم في الحشرِ ما زرعوا

جاهدتُ فيك بقولي يومَ تختصمُ ال

أبطالُ إذ فات سيفي يومَ تمتصِعُ (٢)

إنّ اللسانَ لوصّالٌ إلى طُرُقٍ

في القلبِ لا تهتديها الذُبّلُ الشُّرُعُ

آباي في فارسٍ والدينُ دينكمُ

حقّا لقد طاب لي أُسٌّ ومرتبعُ

ما زلتُ مذ يفعتْ سنّي ألوذُ بكمْ

حتى محا حقُّكمْ شكّي وأنتجعُ

وقد مضتْ فُرُطاتٌ إن كفلتُ بها

فرّقتُ عن صُحفي البأسَ الذي جمعوا

سلمان فيها شفيعي وهو منك إذا ال

آباءُ عندَكَ في أبنائِهم شفعوا

فكن بها منقذاً من هول مُطّلعي

غداً وأنت من الأعرافِ مطّلِعُ

سوّلتُ نفسي غروراً إن ضمنتُ لها

أنّى بذخرٍ سوى حبِّيك أنتفعُ

ما يتبع الشعر

قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في التعليق على قول مهيار :

تضاعُ بيعتُهُ يومَ الغديرِ لهمْ

بعد الرضا وتحاطُ الرومُ والبِيَعُ

الغدير : هو غدير خمّ بين مكّة والمدينة ، قيل : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب الناس عنده فقال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» (٣).

__________________

(١) النغَل : الضغن وسوء النيّة ، الطبع : الصدأ. (المؤلف)

(٢) تمتصع : تقاتل بالسيف. (المؤلف)

(٣) ديوان مهيار : ٢ / ١٨٢. (المؤلف)


قال الأميني : ليت شعري هل خفي على الأستاذ تواتر ذلك الحديث المرويّ عن مائة صحابيّ أو أكثر؟ أم حبّذته نزعاته الطائفيّة أن يسدل عليه أغشية الزور والدجل؟ ويموِّهه على القارئ ، ويستر الحقيقة الراهنة بذيل أمانته؟ ويوعز إلى ضعفه بكلمته : قيل.

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (١) و (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٢).

ـ ٢ ـ

وله في ديوانه في (٣ / ١٥) يرثي بها أهل البيت عليهم‌السلام ، ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه :

في الظباءِ الغادينَ أمسِ غزالُ

قال عنهُ ما لا يقولُ الخيالُ

طارقٌ يزعمُ الفراقَ عِتاباً

ويرينا أنّ المَلالَ دلالُ

لم يزلْ يخدعُ البصيرةَ حتى

سَرّنا ما يقولُ وهو مُحالُ

لا عدمتُ الأحلامَ كم نوّلتني

من منيعٍ صعبٍ عليه النوالُ

لم تنغِّصْ وعداً بمطلٍ ولم يو

جبْ له منّةً عليَّ الوصالُ

فلليلي الطويلِ شكري ودِينُ ال

ـعشقِ أن تُكرَه الليالي الطوالُ

لمن الظعنُ غاصبتنا جَمالاً

حبّذا ما مشت به الأجمالُ

كانفاتٍ بيضاءَ دلَّ عليها

أنّها الشمس أنّها لا تُنالُ

جمحَ الشوقُ بالخليعِ فأهلاً

بحليمٍ له السلوُّ عِقالُ

كنتُ منه أيّامَ مرتعُ لذّا

تي خصيبٌ وماءُ عيشي زُلالُ

__________________

(١) سورة ص : ٦٧ ـ ٦٨.

(٢) البقرة : ١٤٦.


حيث ضلعي مع الشبابِ وسمعي

غرضٌ لا تصيبه العُذّالُ

يا نديميَّ كنتما فافترقنا

فاسلواني ؛ لكلِّ شيءٍ زوالُ

ليَ في الشيبِ صارفٌ ومن الحز

نِ على آلِ أحمدٍ إشغالُ

معشر الرشد والهدى حَكم البغ

ـيُ عليهم سفاهةً والضلالُ

ودعاةُ الله استجابت رجالٌ

لهمُ ثمّ بُدِّلوا فاستحالوا

حملوها يوم السقيفة أوزا

راً تخفُّ الجبالَ وهي ثِقالُ

ثمّ جاءوا من بعدها يستقيلو

نَ وهيهاتَ عثرةٌ لا تُقالُ

يا لها سوءةً إذا أحمدٌ قا

م غداً بينهمْ فقال وقالوا

ربعُ همّي عليهمُ طللٌ با

قٍ وتَبلى الهمومُ والأطلالُ

يا لَقومٍ إذ يقتلون عليّا

وهو للمحلِ فيهمُ قتّالُ (١)

ويُسِرّون بغضَهُ وهو لا تُق

ـبلُ إلاّ بحبِّهِ الأعمالُ

وتحالُ الأخبارُ والله يدري

كيف كانتْ يومَ الغديرِ الحالُ (٢)

ولسبطينِ تابعَيهِ فمسمو

مٌ عليه ثرى البقيع يُهالُ

درسوا قبرَهُ ليخفى عن الزوّ

ارِ هيهاتَ كيف يخفى الهلالُ

وشهيدٍ بالطفِّ أبكى السماوا

تِ وكادتْ لهُ تزولُ الجبالُ

يا غليلي له وقد حُرِّم الما

ءُ عليهِ وهو الشرابُ الحلالُ

قُطعتْ وصلةُ النبيِّ بأن تُق

ـطَعَ من آلِ بيتِهِ الأوصالُ

لم تنجِّ الكهولَ سنٌّ ولا الشبّ

ـانَ زهدٌ ولا نجا الأطفالُ

لهفَ نفسي يا آلَ طه عليكمْ

لهفةً كسبُها جوىً وخبالُ

وقليلٌ لكمْ ضلوعِيَ تهت

ـزُّ مع الوجدِ أو دموعي تُذالُ

كان هذا كذا وودّي لكم حس

ـبُ وما لي في الدين بعدُ اتِّصالُ

__________________

(١) المحل : الجدب. (المؤلف)

(٢) كذا في ديوانه المخطوط ، وفي المطبوع : تحال. (المؤلف)


وطروسي سودٌ فكيف بيَ الآ

نَ ومنكمْ بياضُها والصقالُ

حبّكم كان فكَّ أسري من الشر

كِ وفي منكبي له أغلالُ

كم تزمّلتُ بالمذلّة حتى

قمتُ في ثوبِ عزِّكمْ أختالُ

بركاتٌ لكم محت من فؤادي

ما أملَّ الضلالَ عَمٌّ وخالُ

ولقد كنتُ عالماً أنّ إقبا

لي بمدحي عليكمُ إقبالُ

 ـ ٣ ـ

وله من قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم‌السلام وهي (٦٣) بيتاً ، توجد في ديوانه (٤ / ١٩٨) مطلعها :

لو كنتُ دانيتُ المودّة قاصيا

ردَّ الحبائبُ يوم بِنَّ فؤاديا

إلى أن قال :

وبحيِّ آلِ محمدٍ إطراؤه

مدحاً وميِّتهمْ رضاه مراثيا

هذا لهمْ والقومُ لا قومي هُمُ

جنساً وعُقرُ ديارِهمْ لا داريا

إلاّ المحبّةَ فالكريمُ بطبعِهِ

يجدُ الكرامَ الأبعدينَ أدانيا

يا طالبيّين اشتفى من دائِهِ ال

ـمجدُ الذي عدِمَ الدواءَ الشافيا

بالضاربين قبابَهمْ عَرض الفلا

عقل الركائبِ ذاهباً أو جائيا

شرعوا المحجّةَ للرشادِ وأرخصوا

ما كان من ثمنِ البصائرِ غاليا

وأما وسيِّدِهمْ عليٍّ قولةٌ

تُشجي العدوَّ وتُبهجُ المتواليا

لقد ابتنى شرفاً لهم لو رامه

زُحلٌ بباعٍ كان عنهُ عالياً

وأفادهم رقَّ الأنامِ بوقفةٍ

في الروعِ بات بها عليهمْ واليا

ما استدرك الإنكارَ منهم ساخطٌ

إلاّ وكان بها هنالك راضياً

أضحوا أصادقَهُ فلمّا سادهمْ

حسدوا فأمسَوا نادمين أعاديا

فارحمْ عدوَّكَ ما أفادك ظاهراً

نصحاً وعالجَ فيكَ خِلاّ خافياً


وهبِ الغديرَ أَبوا عليهِ قَبوله

بغياً (١) فقل عدّوا سواه مساعياً

بدراً وأُحداً أُختها من بعدِها

وحنين وقّاراً بهنّ فصاليا (٢)

والصخرةُ الصمّاءُ أخفى تحتَها

ماءً وغيرُ يديهِ لم يكُ ساقيا

وتدبّروا خبرَ اليهودِ بخيبرٍ

وارضوا بمرحبَ وهو خصمٌ قاضيا

هل كان ذاكَ الحصنُ يرهبُ هادماً

أو كان ذاك البابُ يفرَقُ داحيا

وتفكّروا في أمرِ عمروٍ (٣) أوّلاً

وتفكّروا في أمرِ عمروٍ (٤) ثانيا

أَسدانِ كانا من فرائسِ سيفِهِ

ولقلّما هابا سواهُ مدانيا

ورجال ضبّة (٥) عاقدي حُجُزاتهم

يوم البُصيرة من مَعين (٦) تفانيا

ضُغِموا (٧) بنابٍ واحدٍ ولطالما از

دَردوا أراقمَ قبلها وأفاعيا

ولَخطبُ صفّينٍ أجلُّ وعندك ال

ـخبرُ اليقينُ إذا سألتَ مُعاويا

ما يتبع الشعر

قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في شرح قوله :

وهَبِ الغديرَ أبوا عليهِ قبولَهُ

نهياً فقل عُدّوا سواه مساعيا

النهي : الغدير أو شبهه. وللإمام عليٍّ وقعة تُسمّى بوقعة غدير خمّ ، والشاعر يشير إليها.

__________________

(١) كذا في ديوانه المخطوط ، وفي المطبوع منه : نهياً. (المؤلف)

(٢) وقّاراً : شادّا بلجام الدابّة لتسكن. يشير إلى أنّ أمير المؤمنين كان آخذاً بلجام بغلة رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلم خوفاً من إجفالها. (المؤلف)

(٣) يعني عمرو بن عبد ودّ الذي قتله أمير المؤمنين يوم الخندق. (المؤلف)

(٤) يعني عمرو بن العاص ، المترجم في كتابنا : ٢ / ١٢٠ ـ ١٧٦. (المؤلف)

(٥) هم بنو ضبّة أنصار عائشة في حرب الجمل.

(٦) معين : اسم مدينة باليمن ، أو هو حصن بها [معجم البلدان : ٥ / ١٦٠]. (المؤلف)

(٧) ضغم الشيء : عضّه بملء فمه ، يقال : ضغمه ضغمة الأسد. (المؤلف)


قال الأميني : ليت الأستاذ بعد شرحه (النهي) وجعله بدلاً عن (البغي) الموجود في مخطوط ديوانه يعرب عن معناه الحالي أو المفعولي ، ويعرف أنّ مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلّع الفحل ، وكأنّه يرى رأي شاكلته ملحم إبراهيم أسود في قوله : يوم الغدير واقعة حرب معروفة (١)!

فليته دلّنا على تلكَ الوقعة المسمّاة بوقعة الغدير ، وذكر شطراً من تاريخها ، (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (٢) ، (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٣).

الشاعر

أبو الحسن (٤) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي ، نزيل درب رباح بالكرخ ، هو أرفع راية للأدب العربيّ منشورة بين المشرق والمغرب ، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة ، وفي الرعيل الأوّل من ناشري لغة الضاد ، وموطِّدي أُسسها ، ورافعي عُلاليّها ، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ، ومن يمتّ بها وينتمي إليها لا تزال مذكورة مشكورة ، يشكرها الشعر والأدب ، تشكرها الفضيلة والحسب ، تشكرها العروبة والعرب ، وأكبر برهنة على هذه كلّها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة ، الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه ، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة ممّا ينضده ، ويذر المعنى المنظور كأنّه تجاه حاسّتك الباصرة ، ولا يأتي إلاّ بكلّ أسلوبٍ رصين ، أو رأيٍ حصيف ، أو وصفٍ بديع ، أو قصد مبتكر ، فكان مقدّماً على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه ، وكان يحضر جامع المنصور في أيّام الجمعات

__________________

(١) قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني : ص ٣٣١. (المؤلف)

(٢) الفتح : ١٥.

(٣) التوبة : ٤٥.

(٤) وفي بعض المصادر القديمة : أبو الحسين [كما في وفيات الأعيان : ٥ / ٣٥٩ رقم ٧٥٥ ، ومعالم العلماء : ص ١٤٨]. (المؤلف)


ويقرأ على الناس ديوان شعره (١). ولم أرَ الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في دمية القصر (٢) (ص ٧٦) : هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر ، وكاتب تحت كلِّ كلمة من كلماته كاعب ، وما في قصائده بيت يتحكّم عليه بلوّ وليت ، وهي مصبوبة في قوالب القلوب ، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.

أمّا شعره في المذهب فبرهنة وحِجاج ، فلا تجد فيه إلاّ حجّة دامغة ، أو ثناءً صادقاً ، أو تظلّماً مفجعاً ، ولعلّ هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحقّ له ، فبخست حقّه المعاجم ، فلم تأتِ عند ذكره إلاّ بطفائف هي دون بعض ما يجب له ، غير أنّ حقيقة فضله أبرزت نفسها ، ونشرت ذكره مع مهبِّ الصبا ، فأين ما حللت لا تجد لمهيار إلاّ ذكراً وشكراً وتعظيماً وتبجيلاً ، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.

ولعمر الحقِّ إنّ من المعاجز أنّ فارسيّا في العنصر يحاول قرض الشعر العربيِّ ، فيفوق أقرانه ولا يتأتّى لهم قرانه ، ويقتدى به عند الورد والصدر ، ولا بدع أن يكون من تخرّج على أئمّة العربيّة من بيت النبوّة وعاصرهم وآثر ولاءهم واقتصّ أثرهم كالعَلَمين الشريفين : المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمّة جمعاء المفيد ونظرائهم أن يكون هكذا ، ألا تاهت الظنون ، وأكدت المخائل في الحطِّ من كرامة الرجل بتقصير ترجمته ، أو التقصير في الإبانة عنه ، أو التحامل عليه بمخرقة ، والوقيعة فيه برميه بما يدنِّس ذيل أمانته ، كما فعل ابن الجوزي في المنتظم (٣) ، فجدع أرنبته باختلاق قضيّة مكذوبة عليه ، ورماه بالغلوّ ، وحاشاه عن كلِّ ذلك «إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً» (٤).

فهذا مهيار بأدبه الباذخ ، وفضله الشامخ ، وعَرفه الفائح ، ونوره الواضح ،

__________________

(١) تاريخ الخطيب البغدادي : ١٣ / ٢٧٦ [رقم ٧٢٣٩]. (المؤلف)

(٢) دمية القصر : ١ / ٣٠٣.

(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨.

(٤) الكهف : ٥.


ومذهبه العلويِّ ، وقريضه الخسروانيِّ ، قد طبق العالم ثناءً وإطراءً ومكرمةً وجلالةً ، وما يضرّه أمسه إن كان مجوسيّا فارسيّا فيه ، وها هو في يومه مسلم في دينه ، علويّ في مذهبه ، عربيّ في أدبه ، وها هو يحدِّث شعره عن ملكاته الفاضلة ، ويتضمّن ديوانه آثار نفسيّاته الكريمة ، وخلّد له ذكرى مع الأبد ، فهل أبقى أبو الحسن مهيار ذروة من الشرف لم يتسنّمها؟ أو صهوةً من النبوغ لم يمتطها؟ ولو كان يؤاخَذ بشيءٍ من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأوّلين كلّهم على ماضيهم التعيس ، غير أنّ الإسلام يجبُّ ما قبله ، فتراه يتبهّج بسؤدد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس ، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله (١):

أُعجِبَتْ بي بين نادي قومِها

أمُّ سعدٍ فمضتْ تسألُ بي

سرّها ما علمتْ من خُلُقي

فأرادتْ علمَها ما حَسَبي

لا تخالي نسباً يخفضُني

أنا من يُرضيكِ عند النسبِ

قوميَ استولوا على الدهرِ فتىً

ومشوا فوق رءوس الحِقَبِ

عمّموا بالشمسِ هاماتِهُم

وبَنَوا أبياتَهمْ بالشهبِ

وأبي كسرى (٢) على إيوانِهِ

أين في الناس أبٌ مثلُ أبي

سَوْرةُ الملكِ القدامى وعلى

شرفِ الإسلامِ لي والأدبِ

قد قبستُ المجدَ من خيرِ أبٍ

وقبستُ الدينَ من خيرِ نبي

وضممتُ الفخرَ من أطرافِهِ

سؤددَ الفرسِ ودينَ العربِ

أسلم المترجم على يد سيّدنا الشريف الرضي سنة (٣٩٤) (٣) ، وتخرّج عليه في الأدب والشعر ، وتوفّي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الثانية سنة (٤٢٨) ، ولم

__________________

(١) ديوان مهيار الديلمي : ١ / ٦٤.

(٢) ولد في أيّام ملكه نبيّ العظمة صلّي الله عليه واله وسلم ويعزى إليه عليه‌السلام : «ولدت في زمن الملك العادل». (المؤلف) و «ولدت في زمن الملك العادل». (المؤلف)

(٣) كامل ابن الأثير : ٩ / ١٧٠ [٦ / ٨٥ حوادث سنة ٤٢٨ ه‍] ، المنتظم لابن الجوزي : ٨ / ٩٤ [١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨]. (المؤلف)


أقف على خلاف في تاريخ وفاته في الكتب والمعاجم التي توجد فيها ترجمته ، منها (١) : تاريخ بغداد (١٣ / ٢٧٦) ، المنتظم (٨ / ٩٤) ، تاريخ ابن خلّكان (٢ / ٢٧٧) ، مرآة اليافعي (٣ / ٤٧) ، دمية القصر (ص ٧٦) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٤١) ، كامل ابن الأثير (٩ / ١٥٩) ، تاريخ أبي الفدا (٢ / ١٦٨) ، أمل الآمل لشيخنا الحرّ ، روض المناظر لابن شحنة ، أعلام الزركلي (٣ / ١٠٧٩) ، شذرات الذهب (٣ / ٢٤٧) ، تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٥٩) ، نسمة السحر فيمن تشيّع وشَعر ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٩ / ٤٨٤) ، سفينة البحار (٢ / ٥٦٣) ، مجلّة المرشد (٢ / ٨٥).

ومن نماذج شعر مهيار في المذهب قوله يمدح أهل البيت عليهم‌السلام :

بكى النارَ ستراً على الموقدِ

وغارَ يغالطُ في المُنجِدِ

أحبَّ وصانَ فوَرّى هوىً

أضلَّ وخاف فلم ينشدِ

بعيدُ الإصاخةِ عن عاذلٍ

غنيُّ التفرّدِ عن مُسعدِ

حمولٌ على القلبِ وهو الضعيفُ

صبورٌ على الماءِ وهو الصدي

وقورٌ وما الخُرقُ من حازمٍ

متى ما يَرُح شيبُهُ يغتدي

ويا قلبُ إن قادك الغانياتُ

فكم رسَنٍ فيك لم يَنْقَدِ

أفِقْ فكأنّي بها قد أُمِرَّ

بأفواهها العذبُ من موردي

وسُوِّدَ ما ابيضَّ من ودِّها

بما بيّضَ الدهرُ من أسوَدي

وما الشيبُ أوّلُ غدرِ الزمانِ

بلى من عوائدِهِ العوّدِ

لحَا اللهُ حظّي كما لا يجودُ

بما أستحقُّ وكم أجتدي

__________________

(١) المنتظم : ١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨ ، وفيات الأعيان : ٥ / ٣٥٩ رقم ٧٥٥ ، دمية القصر : ١ / ٣٠٣ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٥٢ حوادث سنة ٤٢٨ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٦ / ٨٥ حوادث سنة ٤٢٨ ه‍ ، أمل الآمل : ٢ / ٣٢٩ رقم ١٠٢١ ، روض المناظر : ٢ / ٤٩ ، الأعلام : ٧ / ٣١٧ ، شذرات الذهب : ٥ / ١٤٤ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكامله ـ تاريخ آداب اللغة ـ : مج ١٤ / ٩٤ ، نسمة السحر : مج ٩ / ج ٢ / ٥٤٨ ، سفينة البحار : ٨ / ١٥٤.


وكم أتعلّلُ عيشَ السقيمِ

أُذمِّمُ يومي وأرجو غدي

لئن نامَ دهريَ دون المنى

وأصبحَ عن نَيلها مُقعدي

ولم أكُ أحمدُ أفعالَهُ

فلي أسوةٌ ببني أحمدِ

بخير الورى وبني خيرِهمْ

إذا ولَدُ الخيرِ لم يُولَدِ

وأكرمِ حيٍّ على الأرض قامَ

وميتٍ توسّدَ في مَلحدِ

وبيتٍ تقاصرُ عنه البيوتُ

وطالَ عليّا (١) على الفرقدِ

تحوم الملائكُ من حولِهِ

ويُصبحُ للوحي دارَ الندي

ألا سَلْ قريشاً ولُمْ منهمُ

من استوجبَ اللومَ أو فنِّدِ

وقل : ما لكم بعد طولِ الضلا

لِ لم تشكروا نعمةَ المرشدِ

أتاكم على فترةٍ فاستقامَ

بكم جائرين عن المقصدِ

وولّى حميداً إلى ربِّه

ومن سنَّ ما سنّه يُحمَدِ

وقد جعل الأمرَ من بعدِهِ

لحيدرٍ بالخبرِ المُسنَدِ

وسمّاه مولىً بإقرار من

لو اتّبعَ الحقَّ لم يَجْحَدِ

فملتم بها حسدَ الفضلِ عنه

ومن يكُ خيرَ الورى يُحْسَدِ

وقلتم بذاك قضى الاجتماع

ألا إنّما الحقُّ للمفردِ

يعزُّ على هاشمٍ والنبيِ

تلاعُبُ تَيمٍ بها أو عدي

وإرثُ عليٍّ لأولادِهِ

إذا آيةُ الإرثِ لم تُفسَدِ

فمن قاعدٍ منهمُ خائفٍ

ومِن ثائرٍ قام لم يُسعَدِ

تَسَلَّطُ بغياً أكفُ النفا

قِ منهم على سيّدٍ سيّدِ

وما صُرفوا عن مقامِ الصلاةِ

ولا عُنِّفوا في بُنى (٢) المسجدِ

أبوهم وأمّهمُ مَن علم

ـتَ فأنقص مفاخرَهمْ أو زدِ

__________________

(١) كذا في الديوان بالنصب.

(٢) بُنى : جمع بُنية. (المؤلف)


أرى الدينَ من بعد يومِ الحسين

عليلاً له الموتُ بالمرصَدِ

وما الشركُ للهِ من قبلِهِ

إذا أنتَ قستَ بمستبعَدِ

وما آلُ حربٍ جنوا إنّما

أعادوا الضلالَ على من بُدي

سيعلمُ من فاطمٌ خصمُهُ

بأيِّ نكالٍ غداً يرتدي

ومن ساء أحمدَ يا سِبطَهُ

فباءَ بقتلِكَ ما ذا يدي

فداؤك نفسي ومن لي بذا

كَ لو أنّ مولىً بعبدٍ فُدي

وليت دمي ما سقى الأرضَ منك

يقوتُ الردى وأكون الردي

وليت سبقتُ فكنتُ الشهيدَ

أمامَكَ يا صاحبَ المشهدِ

عسى الدهرُ يشفي غداً من عدا

ك قلبَ مَغيظٍ بهم مُكمَدِ

عسى سطوةُ الحقِّ تعلو الُمحال

عسى يُغلَبُ النقصُ بالسؤددِ

وقد فعلَ اللهُ لكنّني

أرى كبدي بعدُ لم تبرُدِ

بسمعي لقائمِكم دعوةٌ

يُلبّي لها كلُّ مستنجَدِ

أنا العبدُ والاكمُ عقدُهُ

إذا القولُ بالقلبِ لم يُعقَدِ

وفيكم ودادي وديني معاً

وإن كان في فارسٍ مولدي

خصمتُ ضلالي بكم فاهتديتُ

ولولاكمُ لم أكنْ أهتدي

وجرّدتموني وقد كنتُ في

يدِ الشركِ كالصارمِ المُغمَدِ

ولا زال شعريَ من نائحٍ

يُنَقَّلُ فيكمْ إلى مُنشدِ

وما فاتني نصرُكمْ باللسانِ

إذا فاتني نصرُكمْ باليدِ (١)

وقال يرثي أمير المؤمنين عليّا وولده الحسين ويذكر مناقبهما ، وكان ذلك من نذائرِ ما منَّ الله تعالى به من نعمة الإسلام في المحرّم سنة (٣٩٢) (٢):

يزوِّرُ عن حسناءَ زورةَ خائفِ

تعرُّضُ طيفٍ آخرَ الليلِ طائفِ

__________________

(١) ديوان مهيار : ١ / ٢٩٨.

(٢) كذا في ديوانه [٢ / ٢٥٩] ، وقد مرّ عن المعاجم أنّه أسلم سنة (٣٩٤). (المؤلف)


فأشبهها لم تغدُ مِسكاً لناشقٍ

كما عوّدَتْ ولا رحيقاً لراشفِ

قصيّةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصَها

وما نعةٌ أهدت سلامَ مساعفِ

ألينُ وتُغري بالإباءِ كأنّما

تبرُّ بهجراني أليّةَ حالفِ

وبالغور للناسينَ عهديَ منزلٌ

حنانَيْكَ من شاتٍ لديه وصائفِ

أغالطُ فيهِ سائلاً لا جهالةً

فأسألُ عنه وهو بادي المعارفِ

ويعذلُني في الدارِ صحبي كأنّني

على عرصاتِ الحبِّ أوّلُ واقفِ

خليليَّ إن حالت ـ ولم أرضَ ـ بيننا

طِوالُ الفيافي أو عِراضُ التنائفِ (١)

فلا زُرَّ ذاك السجفُ إلاّ لكاشفٍ

ولا تمَّ ذاك البدرُ إلاّ لكاسفِ

فإن خِفتما شوقي فقد تأمنانِهِ

بخاتلةٍ بين القنا والمخاوفِ

بصفراءَ لو حلّتْ قديماً لشاربٍ

لضنّت فما حلّتْ فتاة لقاطفِ

يطوفُ بها من آلِ كسرى مقرطَقٌ

يحدِّث عنها من ملوكِ الطوائفِ (٢)

سقى الحُسْنُ حمراءَ السلافةِ خدَّهُ

فأنبعَ نبتاً أخضراً في السوائفِ (٣)

وأحلفُ أنّى شُعشِعَتْ لي بكفِّه

سلوتُ سوى همٍّ لقلبي مُحالفِ

عصيتُ على الأيّامِ أن ينتزعنَهُ

بنهي عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ

جوىً كلّما استخفى ليخمدَ هاجَهُ

سنا بارقٍ من أرضِ كوفانَ خاطفِ

يذكِّرُني مثوى عليٍّ كأنّني

سمعتُ بذاك الرزءِ صيحةَ هاتفِ

ركبتُ القوافي ردفَ شوقي مطيّةً

تَخبُّ بجاري دمعيَ المترادفِ

إلى غايةٍ من مدحِهِ إن بلغتُها

هزأتُ بأذيالِ الرياحِ العواصفِ

وما أنا من تلكَ المفازةِ مدركٌ

بنفسي ولو عرّضتُها للمتالفِ

ولكن تؤدّي الشهدَ إصبعُ ذائقٍ

وتعلَقُ ريحَ المسكِ راحةُ دائفِ (٤)

__________________

(١) التنائف : جمع تنوفة ، وهي القفر من الأرض.

(٢) مقرطق : لابس القرطق ، وهو قباء ذو طاق واحد. (المؤلف)

(٣) يريد بالنبت ، العذار. السوائف ـ جمع سائفة ـ : هي القطعة من اللحم. (المؤلف)

(٤) الدائف : الخالط الذي يخلط المسك بغيره من الطيب. (المؤلف)


بنفسيَ من كانتْ مع اللهِ نفسُهُ

إذا قلَّ يومَ الحقِّ من لم يجازفِ

إذا ما عزوا ديناً فآخرُ عابدٍ

وإن قسموا دنياً فأوّلُ عائفِ

كفى يومُ بدرٍ شاهداً وهوازنٌ

لمستأخرينَ عنهما ومزاحفِ

وخيبرُ ذاتُ البابِ وهي ثقيلةُ ال

ـمرامِ على أيدي الخطوبِ الخفائفِ

أبا حسنٍ إن أنكروا الحقَّ واضحاً

على أنَّه واللهِ إنكارُ عارفِ

فإلاّ سعى للبينِ أخمصُ بازلٍ

وإلاّ سمتْ للنعل إصبعُ خاصفِ

وإلاّ كما كنتَ ابنَ عمٍّ ووالياً

وصهراً وصنواً كان من لم يقارفِ

أخصّكَ بالتفضيلِ إلاّ لعلمِهِ

بعجزِهمُ عن بعضِ تلك المواقفِ

نوى الغدرَ أقوامٌ فخانوك بعدَهُ

وما آنِفٌ في الغدرِ إلاّ كسالِفِ

وهبْهُمْ سَفاهاً صحّحوا فيك قولَهُ

فهل دفعوا ما عندَهُ في المصاحفِ

سلامٌ على الإسلامِ بعدَكَ إنّهم

يسومونه بالجورِ خطّةَ خاسفِ

وجدّدها بالطفِّ بابنِكَ عصبةٌ

أباحوا لذاك القرفِ حكّةَ قارفِ (١)

يعزُّ على محمدٍ بابن بنتِهِ

صبيبُ دمٍ من بين جنبيه واكفِ

أجازوكَ حقّا في الخلافةِ غادروا

جوامعَ (٢) منه في رقابِ الخلائفِ

أيا عاطشاً في مصرعٍ لو شهدتُهُ

سقيتُكَ فيه من دموعي الذوارفِ

سقى غُلّتي بحرٌ بقبرِكَ إنّني

على غير إلمامٍ به غيرُ آسفِ

وأهدى إليه الزائرون تحيّتي

لِأَشْرُفَ إنْ عيني له لم تشارفِ

وعادوا فذرّوا بين جنبيَّ تربةً

شفائيَ ممّا استحقبوا في المخاوفِ (٣)

أسرُّ لمن والاك حبَّ موافقٍ

وأبدي لمن عاداكَ سبَّ مخالفِ

دعيٌّ سعى سعي الأُسودِ وقد مشى

سواه إليها أمسِ مشيَ الخوالفِ (٤)

__________________

(١) القرف : البغي. (المؤلف)

(٢) الجوامع : الأغلال. (المؤلف)

(٣) استحقبوا : ادّخروا. (المؤلف)

(٤) الخوالف : النساء. (المؤلف)


وأغرى بك الحسّادَ أنّك لم تكنْ

على صنمٍ فيما رووهُ بعاكفِ

وكنت حصانَ الجيبِ من يدِ غامرٍ

كذاك حصانَ العرضِ من فمِ قاذفِ

وما نسبٌ ما بين جنبيَّ تالدٌ

بغالبِ ودٍّ بين جنبيَّ طارفِ

وكم حاسدٍ لي ودَّ لو لم يعشْ ولم

أُنابلْهُ في تأبينِكم وأسايفِ (١)

تصرّفتُ في مدحيكمُ فتركتُهُ

يعضُّ عليَّ الكفَّ عضَّ الصوارفِ (٢)

هواكمْ هو الدنيا وأعلمُ أنّهُ

يُبيِّضُ يومَ الحشرِ سُودَ الصحائفِ

وأُنشِدَ قصيدةً في مراثي أهل البيت عليهم‌السلام من مرذول الشعر على هذا الرويِ الذي يجيء ، وسُئل أن يعمل أبياتاً في وزنها على قافيتها ، فقال هذه في الوقت (٣):

مشينَ لنا بين مِيلٍ وهِيفِ

فقل في قناةٍ وقل في نزيفِ (٤)

على كلّ غصنٍ ثمارُ الشبا

بِ من مُجتنيه دواني القُطوفِ

ومن عَجَبِ الحسنِ أنّ الثقي

ـلَ منه يُدِلُّ بحملِ الخفيفِ

خليليّ ما خُبرُ ما تُبصرا

نِ بين خلاخيلِها والشنوفِ (٥)

سلاني به فالجمالُ اسمُهُ

ومعناهُ مَفسدةٌ للعفيفِ

أمن عربيّة تحتَ الظلامِ

تولجُ ذاك الخيالِ المُطيفِ

سرى عينها أو شبيهاً (٦) فَكا

د يفضحُ نوميَ بين الضيوفِ

نعم ودعا ذكرَ عهدِ الصبا

سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيفِ

بآلِ عليٍّ صروفُ الزمانِ

بسطنَ لساني لذمِّ الصروفِ

__________________

(١) أنابله : أرميه بالنبل. أسايف : أجالده بالسيف. (المؤلف)

(٢) الصوارف ـ جمع صارف ـ : وهو الناب. (المؤلف)

(٣) ديوان مهيار : ٢ / ٢٦٢.

(٤) النزيف : السكران. (المؤلف)

(٥) الشنوف ـ جمع شَنَف ـ : وهو القرط يُعلَّقُ بأعلى الأذن. (المؤلف)

(٦) كذا في الديوان بالنصب.


مصابي على بُعدِ داري بهمْ

مصابُ الأليفِ بفقدِ الأليفِ

وليس صديقيَ غيرَ الحزينِ

ليومِ الحسينِ وغيرَ الأَسوفِ (١)

هو الغصن (٢) كان كميناً فهبَ

لدى كربلاءَ بريحٍ عصوفِ

قتيلٌ به ثارَ غِلُّ النفوسِ

كما نَغَر الجرحَ حكُّ القُروفِ (٣)

بكلِّ يدٍ أمسِ قد بايعتْهُ

وساقت له اليومَ أيدي الحتوفِ

نسوا جدَّهُ عند عهدٍ قريبٍ

وتالدَهُ معَ حقٍّ طريفِ

فطاروا له حاملين النفاقَ

بأجنحةٍ غِشُّها في الحفيفِ (٤)

يعزُّ عليَّ ارتقاءُ المنونِ

إلى جبلٍ منك عالٍ منيفِ

ووجهُكَ ذاكَ الأغرُّ التريبُ

يُشَهَّرُ وهو على الشمس موفي

على ألعنِ أمرِه قد سعى

بذاك الذميلِ وذاك الوجيفِ (٥)

وويلُ امّ مأمورِهم لو أطاعَ

لقد باعَ جنّتَه بالطفيفِ

وأنت وإن دافعوك الإمامُ

وكان أبوك برغمِ الأنوفِ

لِمَن آيةُ البابِ يومَ اليهودِ

ومن صاحبُ الجنِّ يومَ الخسيفِ

ومن جمعَ الدينَ في يومِ بدرٍ

وأُحدٍ بتفريقِ تلك الصفوفِ

وهدّمَ في اللهِ أصنامَهمْ

بمرأى عيونٍ عليها عُكوفِ

أغيرُ أبيكَ إمامِ الهدى

ضياءِ النديِّ هزبرِ العزيفِ (٦)

تفلّلَ سيفٌ به ضرّجوك

لَسوّدَ خِزياً وجوهَ السيوفِ

__________________

(١) الأسوف : السريع الحزن ، الرقيق القلب. (المؤلف)

(٢) كذا في مطبوع ديوانه والصحيح : هو الضغن. (المؤلف)

(٣) نغر : أسال. القروف ـ جمع قرف ـ : هي القشرة تعلو الجرح. (المؤلف)

(٤) الحفيف : صوت أجنحة الطائر. (المؤلف)

(٥) الذميل : السير الليّن. الوجيف : ضرب من السير سريع.

(٦) العزيف : صوت الرمال إذا هبّت عليها الرياح. ولعلّ الصحيح : الغريف ـ معجمة العين مهملة الراء ـ : وهو الأجمة. (المؤلف)


أمرَّ بفيَّ عليك الزلالُ

وآلمَ جِلديَ وقعُ الشفوفِ (١)

أتحملُ فقدَك ذاك العظيمَ

جوارحُ جسميَ هذا الضعيفِ

ولهفي عليك مقالُ الخبي

ـر : إنّك تُبرِدُ حَرَّ اللهيفِ

أنشرُك ما حملَ الزائرو

ن أم المسكُ خالطَ تربَ الطفوفِ

كأنّ ضريحَك زهرُ الربي

ـعِ هبّتْ عليه نسيمُ الخريفِ

أحبّكمُ ما سعى طائفٌ

وحنّتْ مطوَّقةٌ في الهُتوفِ

وإن كنتُ من فارسَ فالشري

ـفُ معتلِقٌ ودُّهُ بالشريفِ

ركبتُ على من يعاديكُمُ

ويفسدُ تفضيلَكمْ بالوقوفِ

سوابقَ (٢) من مدحِكمْ لم أهبْ

صعوبةَ ريِّضِها والقَطوفِ (٣)

تُقطِّرُ غيريَ أصلابُها

وتزلقُ أكفالُها بالرديفِ (٤)

وقال يمدح أهل البيت عليهم‌السلام (٥) وهي من أوّل قوله :

سلا من سلا من بنا استبدلا

وكيف محا الآخرُ الأوّلا

وأيُّ هوىً حادثِ العهد أم

ـسِ أنساه ذاك الهوى المُحوِلا (٦)

وأينَ المواثيقُ والعاذلاتُ

يضيقُ عليهنَّ أن تعذلا

أكانتْ أضاليلَ وعدِ الزما

ن أم حُلُمَ الليلِ ثمّ انجلى

وممّا جرى الدمعُ فيه سؤا

لُ من تاه بالحسنِ أن يُسألا

__________________

(١) الشفوف ـ جمع شف ـ : وهو الثوب الرقيق. (المؤلف)

(٢) مفعول به لقوله السابق : ركبت.

(٣) الريِّض : الدابّة أوّل ما تراض وهي صعبة. القَطوف : الدابّة التي تسيء المسير وتبطئ. (المؤلف)

(٤) تقطِّر : تلقي الإنسان على قطره ، أي على أعلى ظهره. الرديف : الراكب خلف الراكب. (المؤلف)

(٥) ديوان مهيار : ٣ / ٤٨.

(٦) المُحْول : الذي أتى عليه حول بعد حول أي سنون. (المؤلف)


أقول برامةَ (١) يا صاحبيّ

مَعاجاً (٢) وإن فعلا أجملا

قفا لعليلٍ فإنّ الوقوفَ

وإن هو لم يشفِه عَلّلا

بغربيِّ وجرةَ (٣) ينشدنه

وإن زادنا صلةً منزلا (٤)

وحسناءَ لو أنصفتْ حسنَها

لكان من القبحِ أن تبخلا

رأت هجرَها مُرخِصاً من دمي

على النأي عِلقاً قديماً غلا (٥)

ورُبّتَ واشٍ بها منبضٍ (٦)

أسابقه الردّ أن يُنبلا

رأى ودَّها طللاً مُمحِلا

فلفّق ما شاء أن يَمحلا

وألسنة كأعالي الرماحِ

رددتُ وقد شرعتْ ذُبَّلا (٧)

ويأبى لحسناءَ إن أقبلتْ

تعرُّضَها قمراً مُقبلا

سقى الله ليلاتِنا بالغُوَي

ـرِ فيما أعلَّ وما أنهلا (٨)

حياً كلّما أسبلت مقلةٌ

حنيناً له عبرةً أسبلا (٩)

وخصَّ وإن لم تعد ليلةً

خلتْ فالكرى بعدها ماحَلا

وفَى الطيفُ فيها بميعادِهِ

وكان تعوّد أن يمطُلا

فما كان أقصرَ ليلي به

وما كان لو لم يَزُر أطولا

مساحبُ قصّر عنّي المشي

ـبُ ما كان منها الصبا ذَيّلا

__________________

(١) رامة : هي موضع في طريق البصرة إلى مكة. معجم البلدان : ٣ / ١٨.

(٢) معاجاً : مصدر ميمي من : عاج يعوج بمعنى عطف.

(٣) وجرة : موضع بين مكة والبصرة ، بينها وبين مكة نحو أربعين ميلاً. معجم البلدان : ٥ / ٣٦٢.

(٤) كذا في ديوانه ، والصحيح كما ينشده أدباء النجف الأشرف : بغربيِّ وجرةَ ينشد به وإن زادنا ظلةً منزلا (المؤلف)

(٥) العلق : الشيء النفيس. (المؤلف)

(٦) النبض : الذي يشدّ وتر القوس لتصوّت. (المؤلف)

(٧) الذُبَّل جمع ذابل : وهو الدقيق من الرماح. (المؤلف)

(٨) العلّ : الشرب الثاني. النهل : أوّل الشرب. (المؤلف)

(٩) الحيا : المطر.


ستصرفني نزواتُ الهمو

مِ بالأرَبِ الجِدِّ أن أهزِلا

وتنحتُ من طرَفي زفرةٌ

مباردها تأكل المُنصُلا (١)

وأُغرى بتأبين آل النبي

يِ وإن نسّبَ الشعرُ أو غَزّلا

بنفسي نجومَهمُ المخمَداتِ

ويأبى الهدى غير أن تُشعَلا

وأجسامَ نورٍ لهم في الصعي

ـد تملؤه فيُضيء الملا

ببطن الثرى حملُ ما لم تُطِقْ

على ظهرها الأرضُ أن تحملا

تفيض فكانت ندىً أبحراً

وتهوي فكانت عُلاً أجبُلا

سلِ المتحدّي بهم في الفخا

ر أين سَمَتْ شرفاتُ العلى

بمن باهلَ اللهُ أعداءَهُ

فكان الرسولُ بهم أبهلا

وهذا الكتابُ وإعجازُهُ

على من وفي بيتِ من نُزِّلا

وبدرٌ وبدرٌ به الدين تَم

مَ من كان فيه جميلَ البلا

ومن نام قومٌ سواه وقام

ومن كان أفقهَ أو أعدلا

بمن فُصِل الحكمُ يومَ الجنين

فطبّقَ في ذلك المَفصِلا (٢)

مساعٍ أطيلُ بتفصيلها

كفى معجزاً ذكرُها مجملا

يميناً لقد سُلِّط الملحدونَ

على الحقِّ أو كاد أن يبطُلا

فلو لا ضمانٌ لنا في الطهورِ

قضى جدَلُ القولِ أن نخجلا

أاللهَ يا قومُ يقضي النبيُ

مطاعاً فيُعصى وما غُسِّلا

ويوصي فنخرُصُ دعوى علي

ـهِ في تركِهِ دينَهُ مهملا

ويجتمعون على زعمِهمْ

ويُنبيك سعد (٣) بما أشكلا

__________________

(١) المُنصُل : السيف. (المؤلف)

(٢) يقال للرجل إذا أصاب مهجة الصواب : طبّق المفصل. وقصّة الجنين إحدى قضايا الإمام عليه‌السلام. (المؤلف)

(٣) يشير إلى سعد بن عبادة أمير الخزرج وقد أبى بيعة أبي بكر ، وبقي على ذلك حتى مات ، وقصّته مودوعة في التاريخ. (المؤلف)


فيُعقبُ إجماعُهم أن يبى

ـتَ مفضولُهمْ يقدُمُ الأفضلا

وأن يُنزعَ الأمرُ من أهلِهِ

لأنّ عليّا له أُهِّلا

وساروا يحطّون في آلِهِ

بظلمهمُ كلكلاً كلكلا (١)

تدبُّ عقاربُ من كيدِهمْ

فتفنيهمُ أوّلاً أوّلا

أضاليلُ ساقتْ مصابَ الحسينِ

وما قبلَ ذاك وما قد تلا

أُميّةُ لابسةٌ عارَهَا

وإن خفي الثارُ أو حُصِّلا

فيومُ السقيفةِ يا ابن النبي

يِ طرّق يومك في كربلا

وغصبُ أبيكَ على حقِّه

وأمِّك حَسّنَ أن تُقتَلا

أيا راكباً ظهرَ مجدولةٍ

تُخالُ إذا انبسطت أجدلا (٢)

شأت أربَعَ الريحِ في أربعٍ

إذا ما انتشرنَ طوينَ الفلا

إذا وكّلتْ طرفَها بالسماء

خِيل بإدراكها وُكِّلا

فعزّتْ غزالتَها غُرّةً

وطالت غزالَ الفلا أَيْطَلا (٣)

كطيِّك في منتهىً واحدٍ (٤)

لنُدرك يثربَ أو مرقلا (٥)

فَصِلْ ناجياً وعليَّ الأمانُ

لمن كان في حاجةٍ موصَلا

تحمَّلْ رسالةَ صبٍّ حملتَ

فنادِ بها أحمدَ المرسَلا

وحيِّ وقل يا نبيَّ الهدى

تأشّبَ نهجُك واستوغلا (٦)

__________________

(١) الكلكل : الصدر أو ما بين الترقوتين. (المؤلف)

(٢) المجدولة : من : جدلَ الولد إذا قوي وصلب عظمه. الأجدل : الصقر. (المؤلف)

(٣) عزّت : غلبت. الغزالة : الشمس عند ارتفاعها. الأَيْطَل : الخاصرة. (المؤلف)

(٤) كذا في مطبوع ديوانه ، والمحفوظ عند أدباء النجف الأشرف : أظنّك في متنها واخداً. والوخد ضرب من سير الإبل سريع. (المؤلف)

(٥) المُرقِل : المسرع في سيره. (المؤلف)

(٦) تأشّب : اختلط. (المؤلف)


قضيتَ فأرمَضَنا ما قضيتَ

وشرعُك قد تمَّ واستكملا (١)

فرامَ ابنُ عمِّك فيما سنن

ـتَ أن يتقبّل أو يَمثُلا

فخانك فيه من الغادري

ـن من غيّرَ الحقَّ أو بدّلا

إلى أن تحلّتْ بها تيمُها

وأضحتْ بنو هاشم عُطَّلا

ولمّا سرى أمرُ تيمٍ أطا

لَ بيتُ عديٍّ لها الأحبلا (٢)

ومدّت أُميّةُ أعناقَها

وقد هوّنَ الخطبَ واستسهلا

فنال ابنُ عفّانَ ما لم يكنْ

يُظنُّ وما نال بَلْ نُوِّلا

فقرَّ وأنعمُ عيش يكو

نُ من قبلِهِ خشناً قُلقلا (٣)

وقلَّبها أردشيريّةً

فحرّق فيها بما أشعلا

وساروا فساقوه أو أوردوه

حياضَ الردى منهلاً منهلا

ولمّا امتطاها عليٌّ أخو

ك ردَّ إلى الحقِّ فاستثقِلا

وجاؤوا يسومونه القاتلينَ

وهم قد ولُوا ذلك المقتَلا

وكانت هناةٌ وأنت الخصيمُ

غداً والمُعاجَلُ من أُمهِلا

لكمْ آلَ ياسينَ مدحي صفا

وودِّي حَلا وفؤادي خلا

وعندي لأعدائكم نافذا

تُ قوليَ ما صاحبَ المِقْوَلا (٤)

إذا ضاق بالسيرِ ذرعُ الرفيقِ

ملأتُ بهنّ فروجَ الملا

فواقرُ من كلِّ سهمٍ تكونُ

له كلُّ جارحةٍ مقتَلا

وهلاّ ونهجُ طريقِ النجاةِ

بكم لاحَ لي بعد ما أشكلا

__________________

(١) أرمضنا : أحرقنا غَيْظاً.

(٢) كذا في ديوانه المطبوع والمحفوظ عند خطبائنا : ولمّا سرى أمرُ تيمٍ وطالَ مدّت عديٌّ لها الأرجلا(المؤلف)

(٣) القلقل : غير القار. (المؤلف)

(٤) المِقْوَل : اللسان. (المؤلف)


ركبتُ لكم لَقَمي فاستننت (١)

وكنتُ أُخابطُه مَجهَلا

وفُكَّ من الشِّرك أسري وكا

ن غُلاّ على منكبي مُقفلا

أُواليكمُ ما جرت مُزْنةٌ

وما اصطخب الرعدُ أو جلجَلا

وأبرأ ممّن يُعاديكمُ

فإنّ البراءةَ أصلُ الولا

ومولاكمُ لا يخافُ العقابَ

فكونوا له في غدٍ موئلا

وقال يذكر مناقب أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وما مُني به من أعدائه (٢):

إن كنتَ ممّن يلجُ الوادي فسلْ

بين البيوتِ عن فؤادي ما فعلْ

وهل رأيتَ والغريبُ ما ترى

واجدَ جسمٍ قلبُه منه يضِلْ

وقل لغزلانِ النقا مات الهوى

وطُلِّقتْ بعدكمُ بنتُ الغزلْ

وعادَ عنكنّ يخيبُ قانصٌ

مدَّ الحبالات لكُنَّ فاحتُبلْ (٣)

يا من يرى قتلى السيوفِ حُظِرتْ

دماؤهمْ اللهَ في قتلى المُقَلْ

ما عند سكّانِ مِنىً في رجلٍ

سباه ظبيٌ وهو في ألف رَجُلْ

دافعَ عن صفحته شوكُ القنا

وجرّحتْهُ أعينُ السربِ النُّجُلْ

دمٌ حرامٌ للأخِ المسلمِ في

أرضٍ حرامٍ يا لَ نُعْمٍ كيف حلْ

قلتِ شكا فأين دعوى صبرِهِ

كُرِّي اللحاظَ واسألي عن الخبلْ

عنَّ هواكِ فأذلَّ جَلَدي

والحبُّ ما رقَّ له الجَلْدُ وذَلْ (٤)

من دلَّ مسراكِ عليَّ في الدجى

هيهاتَ في وجهِكِ بدرٌ لا يَدُلْ

رمتِ الجمالَ فملكتِ عنوةً

أعناقَ ما دقَّ من الحسنِ وجلْ

__________________

(١) اللَّقَم : معظم الطريق وواضحه. استننت : ذهبت في واضح الطريق. (المؤلف)

(٢) ديوان مهيار : ٣ / ١٠٩.

(٣) فاحتبل : فصيد بالحبالة. (المؤلف)

(٤) الجَلَد : الصبر. الجَلِد : القويّ الشديد. (المؤلف)


لواحظاً علَّمَتِ الضربَ الظبا

على قوامٍ علّمَ الطعنَ الأسلْ (١)

يا من رأى بحاجرٍ مَجاليا

من حيثُ ما استقبلها فهي قِبَلْ (٢)

إذا مررتَ بالقِبابِ من قُبا

مرفوعةً وقد هوتْ شمسُ الأصُلْ (٣)

فقل لأقمارِ السماءِ اختمري

فحلبةُ الحسنِ لأقمارِ الكِلَلْ (٤)

أينَ ليالينا على الخيفِ وهلْ

يردُّ عيشاً بالحمى قولُكَ هلْ

ما كنَّ إلاّ حُلُماً روّعه الصّ

بحُ وظلاّ كالشبابِ فانتقلْ

ما جمعتْ قطُّ الشبابَ والغنى

يدُ امرئٍ ولا المشيبَ والجذلْ

يا ليتَ ما سوّدَ أيّامَ الصبا

أعدى بياضاً في العذارين نزلْ

ما خلتُ سوداءَ بياضي نصَلتْ

حتى ذوى أسودُ رأسي فنصَلْ (٥)

طارقةٌ من الزمانِ أخذتْ

أواخرَ العيش بفَرْطات الأُوَلْ

قد أنذرتْ مُبيضّةٌ أن حذّرتْ

ونَطَقَ الشيبُ بنصحٍ لو قُبِلْ

ودلّ ما حطَّ عليك من سني

عمرِك أنّ الحظَّ فيما قد رحلْ

كم عِبرةٍ وأنت من عظاتِها

ملتفتٌ تتبعُ شيطانَ الأملْ

ما بين يُمناك وبين أختِها

إلاّ كما بين مُناك والأَجلْ

فاعمل من اليوم لِما تلقى غداً

أو لا فقل خيراً تُوَفَّقْ للعملْ

وَرِدْ خفيفَ الظهر حوضَ أُسرةٍ

إن ثقّلوا الميزانَ في الخيرِ ثَقَلْ

أُشددْ يداً بحبِّ آلِ أحمدٍ

فإنّه عقدةُ فوزٍ لا تُحَلْ

وابعث لهم مراثياً ومِدَحاً

صفوةَ ما راضَ الضميرُ ونخَلْ

__________________

(١) الظبا ـ جمع الظبة ـ : حدّ السيف. الأسل : الرمح. (المؤلف)

(٢) الحاجر : ما يمسك الماء من شقة الوادي.

(٣) قبا : اسم موضع بالمدينة فيه مسجد لرسول الله صلي الله عليه وآله. الأُصُل ـ جمع أصيل ـ : وهو وقت ما بعد العصر إلى المغرب. (المؤلف)

(٤) الكِلَل ـ جمع كِلّة ـ : ثياب يُغَطّى بها الهودج.

(٥) نصَلَ : خرجَ من خضابه. (المؤلف)


عقائلاً تصانُ بابتذالها

وشارداتٍ وهي للساري عُقُلْ

تحملُ من فضلِهمُ ما نهضتْ

بحملِهِ أقوى المصاعيبِ الذُّلُلْ (١)

موسومةً في جبهاتِ الخيلِ أو

معلّقاتٍ فوقَ أعجازِ الإبلْ

تنثو العلاءَ سيّداً فسيّداً

عنهم وتنعى بطلاً بعدَ بطلْ (٢)

الطيّبونَ أُزُراً تحت الدجى

الكائنونَ وَزَراً يومَ الوجلْ (٣)

والمنعمون والثرى مُقطِّبٌ

من جدبِهِ والعامُ غضبانُ أزِلْ (٤)

خيرُ مُصلٍّ مَلَكاً وبشراً

وحافياً داسَ الثرى ومنتعِلْ

همْ وأبوهمْ شَرَفاً وأمُّهمْ

أكرمُ من تحوي السماءُ وتُظِلْ

لا طُلقاءٌ مُنْعَمٌ عليهمُ

ولا يحارونَ إذا الناصرُ قَلْ

يستشعرون (٥) : اللهُ أعلى في الورى

وغيرُهمْ شعارُهُ أُعلُ هبلْ (٦)

لم يتزخرفْ وثَنٌ لعابدٍ

منهم يُزيغُ قلبَه ولا يُضِلْ

ولا سرى عرقُ الإماءِ فيهمُ

خبائثٌ ليست مريئاتِ الأُكُلْ

يا راكباً تحمله عيديّةٌ (٧)

مهويّةُ الظهرِ بعضّاتِ الرحَلْ

ليس لها من الوَجا منتصرٌ

إذا شكا غاربُها حَيْفَ الإطِلْ (٨)

تشرب خِمساً وتجرُّ رعيَها

والماءُ عِدٌّ والنبات مكتهلْ (٩)

__________________

(١) المصاعيبُ الذلُل : الفحول المذلَّلة. (المؤلف)

(٢) تنثو من نثّ الخبر نثّا : أفشاه. (المؤلف)

(٣) أُزُر : جمع إزار. الوزر : الملجأ والكنف. (المؤلف)

(٤) الأزِل : الشديد الضيق ، يقال : أزْلٌ ، أزِلٌ. للمبالغة. (المؤلف)

(٥) أي شعارهم.

(٦) أشار إلى قول أبي سفيان يوم أُحد : أُعلُ هُبَل ، هُبَل ـ بالضمّ ـ : اسم صنم لهم معروف. (المؤلف)

(٧) عيديّة : نسبة إلى فحل تنسب إليه كرام النجائب ، أو نسبة إلى حيٍّ يقال له بنو العيد ، تُنسب إليه النوق العيديّة. (المؤلف)

(٨) الوجا : الحفا. الغارب : الكامل. الإطِل : الخاصرة. (المؤلف)

(٩) الخِمس : وِرد الإبل على الماء فى اليوم الخامس. تجر : تعيد ما في جوفها لتأكله ثانية. الرعي : الكلأ. العِدّ : الغزير الذي لا ينقطع. المكتهل من النبات : ما تمَّ طوله ونوره. (المؤلف)


إذا اقتضتْ راكبها تعريسةً

سوّفها الفجرُ ومنّاها الطَّفلْ (١)

عرِّج بروضات الغريِّ سائفاً

أزكى ثرىً وواطئاً أعلى محلْ (٢)

وأدِّ عنّي مُبْلِغاً تحيّتي

خيرَ الوصيّين أخا خيرِ الرُسُلْ

سمعاً أميرَ المؤمنين إنّها

كنايةٌ لم تكُ فيها منتحِلْ

ما لقريشٍ ماذَقَتْكَ عهدَها

ودامجتكَ ودّها على دَخَلْ (٣)

وطالبتك عن قديم غِلِّها

بعد أخيك بالتراثِ والذحَلْ

وكيف ضمّوا أمرَهمْ واجتمعوا

فاستوزروا الرأيَ وأنت منعزِلْ

وليس فيهم قادحٌ بريبةٍ

فيك ولا قاضٍ عليكَ بوهَلْ (٤)

ولا تُعدُّ بينهمْ منقبةٌ

إلاّ لكَ التفصيلُ منها والجُمَلْ

وما لقومٍ نافقوا محمداً

عمرَ الحياةِ وبَغَوا فيه الغِيَلْ

وتابعوهُ بقلوبٍ نزلَ ال

ـفرقانُ فيها ناطقاً بما نزلْ

مات فلم تنعَقْ على صاحبِهِ

ناعقةٌ منهم ولم يُرغِ جمَلْ

ولا شكا القائمُ في مكانِهِ

منهمْ ولا عنّفهمْ ولا عذَلْ

فهل تُرى مات النفاقُ معهُ

أم خَلصَتْ أديانُهمْ لمّا نُقِلْ

لا والذي أيّدَهُ بوحيِهِ

وشدّهُ منك بركنٍ لم يَزُلْ

ما ذاك إلاّ أنّ نيّاتِهمُ

في الكفر كانت تلتوي وتعتدِلْ

وإنّ وُدّا بينهمْ دلَّ على

صفائِهِ رضاهمُ بما فعلْ

وهبهمُ تخرُّصاً قد ادّعوا

أنّ النفاقَ كان فيهمْ وبَطَلْ

فما لهم عادوا وقد ولِيتَهم

فذكروا تلك الحزازاتِ الأُوَلْ

وبايعوك عن خداعٍ كلُّهمْ

باسطُ كفٍّ تحتها قلبٌ نَغِلْ

__________________

(١) التعريسة : نزول المسافر آخر الليل للاستراحة. الطَّفَل : قبيل غروب الشمس. (المؤلف)

(٢) سائفاً : شامّا.

(٣) ماذقتك : شابت ودّها ولم تخلص. دامجتك : جمعت لك ودّها. الدخل : الخداع. (المؤلف)

(٤) الوَهَل : الخوف والضعف. (المؤلف).


ضرورة ذاك كما عاهد مَن

عاهد منهم أحمداً ثمّ نكلْ

وصاحبُ الشورى لما ذاك ترى

عنك وقد ضايقه الموت عدلْ

والأُمويُّ ما لهُ أخّرَكُمْ

وخصَّ قوماً بالعطاءِ والنفَلْ

وردّها عجماءَ كِسرويّةً

يضاعُ فيها الدينُ حِفظاً للدولْ

كذاك حتى أنكروا مكانَهُ

وهمْ عليك قدّموهُ فقَبِلْ

ثمّ قسمتَ بالسواءِ بينهمْ

فعظُمَ الخطبُ عليهم وثَقُلْ

فشُحذتْ تلك الظبا وحُفِرتْ

تلك الزبى وأُضرمت تلك الشُّعَلْ

مواقفٌ في الغدرِ يكفي سُبّةً

منها وعاراً لهمُ يومُ الجملْ

يا ليتَ شعري عن أكفٍّ أرهفتْ

لك المواضي وانتَحَتْكَ بالذُّبُلْ (١)

واحتطبتْ تبغيكَ بالشرِّ على

أيِّ اعتذارٍ في المعادِ تتّكلْ

أَنَسيت صفقتَها أمسِ على

يديك ألاّ غِيَرٌ ولا بدلْ

وعن حصانٍ أُبرزتْ يُكشَفُ باس

ـتخراجِها سترُ النبيِّ المنسدلْ

تطلبُ أمراً لم يكن ينصرُهُ

بمثلِها في الحربِ إلاّ من خذَلْ

يا لَلرجالِ ولِتَيمٍ تدّعي

ثارَ بني أُميّةٍ وتنتحلْ

وللقتيل يُلزمون دمَهُ

وفيهمُ القاتلُ غيرَ من قتَلْ

حتى إذا دارتْ رحى بغيهمُ

عليهمُ وسبقَ السيفُ العذَلْ

وأنجز النكثُ العذابَ فيهمُ

بعد اعتزالٍ منهمُ بما مُطِلْ

عاذوا بعفوِ ماجدٍ معوّدٍ

للصبرِ حمّالٍ لهمْ على العللْ

خ أطّتْ بهم أرحامهمُ فلم تطعْ

ثائرة الغيظِ ولم تشفِ الغلَلْ

فنجّت البُقيا عليهمْ من نجا

وأكلَ الحديدُ منهم من أكلْ

واحتجَّ قومٌ بعد ذاكَ لهمُ

بفاضحاتِ ربِّها يومَ الجدَلْ

فقلَّ منهم من لوى ندامةً

عنانَه عن المِصاع (٢) فاعتزلْ

__________________

(١) المواضي : السيوف الماضية. الذُّبُل : الرماح الدقيقة الطويلة. (المؤلف)

(٢) المِصاع : التجمّح [والمجالدة]. (المؤلف)


وانتزعَ العاملَ (١) من قناتِهِ

فرُدَّ بالكرهِ فشدَّ فحملْ

والحال تُنبي أنّ ذاك لم يكنْ

عن توبةٍ وإنّما كان فشلْ

ومنهمُ من تابَ بعد موتِهِ

وليس بعدَ الموتِ للمرءِ عملْ

خ وإن تكن ذاتُ الغبيطِ أقلعتْ

برغم مَن أسند ذاك ونقلْ

فما لها تمنعُ من دفنِ ابنِهِ

لو لا هناتُ جرحِها لم يندملْ (٢)

وما الخبيثانِ ابنُ هند وابنُهُ

وإن طغى خطبُهما بعدُ وجلْ

بمُبدِعَينِ في الذي جاءا به

وإنّما تقفّيا تلك السبلْ

إن يحسدوكَ فلفرطِ عجزهمْ

في المشكلاتِ ولما فيك كملْ

الصنوُ أنت والوصيُّ دونهمْ

ووارثُ العلمِ وصاحبُ الرسُلْ

وآكلُ الطائرِ والطاردُ للصِ

ـلّ ومن كلّمهُ قبلك صلْ (٣)

وخاصفُ النعلِ وذو الخاتمِ وال

ـمُنهلُ في يومِ القليبِ والمُعِلْ

وفاصلُ القضيّةِ العسراءِ في

يومِ الجنينِ وهو حُكمٌ ما فصلْ

ورجعةُ الشمسِ عليكَ نبأٌ

تشعّبُ الألباب فيه وتضِلْ

فما ألومُ حاسداً عنك انزوى

غيظاً ولا ذا قدَمٍ فيك تزلْ

يا صاحبَ الحوضِ غداً لا حُلِّئتْ

نفسٌ تواليك عن العذب النَّهِلْ (٤)

ولا تُسلَّطْ قبضةُ النارِ على

عُنقٍ إليك بالوداد ينفتلْ

عاديتُ فيك الناسَ لم أحفلْ بهمْ

حتى رموني عن يدٍ إلاّ الأقلْ

تفرّغوا يعترقون غيبةً

لحمي وفي مدحِكَ عنهم لي شُغُلْ (٥)

عدلتُ أن ترضى بأن يسخطَ من

تُقِلُّهُ الأرضُ عليَّ فاعتدلْ

__________________

(١) العامل : صدر الرمح وهو ما يلي السنان. (المؤلف)

(٢) هذا البيت غير موجود في الديوان.

(٣) الصلُّ : الثعبان. (المؤلف)

(٤) حلِّئت : مُنِعتْ من الورد. (المؤلف)

(٥) يعترقون : ينزعون ما على العظم من لحم ، وهي هنا بمعنى يأكلون.


ولو يُشَقُّ البحرُ ثمّ يلتقي

فِلْقاه فوقي في هواكَ لم أُبَلْ (١)

علاقةٌ بي لكم سابقةٌ

لمجدِ سلمانَ إليكمْ تتّصلْ

ضاربةٌ في حبِّكم عروقُها

ضرب فحولِ الشَّوْلِ في النوقِ البُزُلْ (٢)

تضمّني من طَرَفي في حبلِكمْ

مودّةٌ شاخت ودينٌ مقتبلْ

فضَلتُ آبائي الملوكَ بكمُ

فضيلةَ الإسلامِ أسلافَ المِللْ

لذاكُمُ أُرسلُها نوافذاً

لأُمّ من لا يتّقيهنَّ الهَبَل (٣)

يمرقن زُرقاً من يدي حدائداً

تُنحى أعاديكم بها وتُنْتَبَلْ (٤)

صوائباً إمّا رميتُ عنكمُ

وربّما أخطأ رامٍ من ثُعَلْ (٥)

وله يرثي شيخ الأمّة ابن المعلّم محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفّى (٤١٣) (٦):

ما بعدَ يومِكَ سلوةٌ لمعلَّلِ

منّي ولا ظفرتْ بسمعِ معذَّلِ

سوّى المصابُ بكَ القلوبَ على الجوى

فيدُ الجليدِ على حشا المتململِ (٧)

وتشابهَ الباكون فيك فلم يَبِنْ

دمعُ المحقِّ لنا من المتعمِّلِ

كنّا نُعيَّرُ بالحلومِ إذا هفتْ

جزعاً ونهزأ بالعيونِ الهُمَّلِ

فاليومَ صارَ العذرُ للفاني أسىً

واللومُ للمتماسكِ المتجمِّلِ

رحل الحِمامُ بها غنيمةَ فائزٍ

ما ثار قطُّ بمثلِها عن منزلِ

__________________

(١) الفِلْق : نصف الشيء إذا شُقَّ. (المؤلف)

(٢) الشَّوْل جمع شائلة : وهي الناقة ترفع ذنبها. البُزُل جمع بازل : المسنّ من الإبل. (المؤلف)

(٣) الهَبَل : الثكل. (المؤلف)

(٤) تنتبَل : تُرمى بالنبل. (المؤلف)

(٥) ثُعَل : اسم قبيلة مشهورة بالرمي. في هذه القصيدة أبيات حرّفتها يد الطبع المصريّة عن ديوانه رمزنا إليها ب (خ). (المؤلف)

(٦) ديوان مهيار : ٣ / ١٠٣.

(٧) الجليد : القويّ الشديد. المتململ : المتقلّب على فراشه مرضاً أو جزعاً. (المؤلف)


كانتْ يدَ الدينِ الحنيفِ وسيفَهُ

فلأبكِيَنَّ على الأشلِّ الأعزلِ (١)

مالي رقدتُ وطالبي مستيقظٌ

وغفلتُ والأقدارُ لمّا تغفُلِ

ولويتُ وجهي عن مصارعِ أُسرتي

حذرَ المنيّةِ والشفارُ تُحَدُّ لي

قد نمّتِ الدنيا إليَّ بسرِّها

ودُلِلتُ بالماضي على المستقبلِ

ورأيتُ كيف يطيرُ في لهواتها (٢)

لحمي وإن أنا بعدُ لمّا أُوكل

وعلمتُ مع طيبِ المحلِّ وخصبِهِ

بتحوّل الجيرانِ كيف تحوّلي

لم أركبِ الأملَ الغَرورَ مطيّةً

بَلهاءَ لم تبلغْ مدىً بمؤمِّلِ

ألوى ليمهلني إليَّ زمامُها

ووراءها أُلهوب سَوْقٍ مُعجِلِ (٣)

حُلمٌ تزخرفُهُ الحنادسُ في الكرى

ويقينُهُ عند الصباحِ المنجلي

أحصي السنين يسرُّ نفسي طولُها

وقصيرُ ما يُغنيك مثلُ الأطوَلِ

وإذا مضى يومٌ طرِبتُ إلى غدٍ

وببضعةٍ منّي مضى أو مَفصِلِ

أُخْشُنْ إذا لاقيتَ يومَكَ أو فَلِنْ

واشدد فإنّكَ ميِّتٌ أو فاحلُلِ

سيّان عند يدٍ لقبضِ نفوسِنا

ممدودةٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ

سوّى الردى بين الخَصاصةِ والغنى

فإذا الحريصُ هو الذي لم يَعقِلِ (٤)

والثائرُ العادي على أعدائِهِ

ينقادُ قَوْدَ العاجزِ المتزمِّلِ

لو فُلَّ غَرْبُ الموتِ عن متدرِّعٍ

بعَفافِهِ أو ناسكٍ مُتعزِّلِ (٥)

أو واحدِ الحسناتِ غيرَ مشبّةٍ

بأخٍ وفردِ الفضِل غيرَ ممثَّلِ

أو قائلٍ في الدينِ فَعّالٍ إذا

قال المفقّه فيه ما لم يفعَلِ

__________________

(١) الأشلّ : الذي شلّت يده. الأعزل : من لم يكن معه سلاح. (المؤلف)

(٢) لهوات : جمع لهاة اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. (المؤلف)

(٣) الأُلهوب : السوط. الأصل فيه : الجري الشديد الذي يثير اللهب ، واللهب : الغبار الساطع. (المؤلف)

(٤) الخصاصة : الفقر.

(٥) الغرب : الحدّ.


وَقتِ ابن نعمانَ النزاهةُ أو نجا

سَلماً فكان من الخطوبِ بمعزلِ

ولجاءَهُ حبُّ السلامةِ مؤذناً

بسلامِهِ من كلِّ داءٍ معضلِ

أو دافعتْ صدرَ الردى عُصَبُ الهدى

عن بحرِها أو بدرِها المتهلّلِ

لحمتْهُ أيدٍ لا تني في نصرِهِ

صدقَ الجهادِ وأنفسٌ لا تأتلي (١)

وغدتْ تطاردُ عن قناةِ لسانِهِ

أبناءُ فهرٍ بالقُنيِّ الذُّبَّلِ (٢)

وتبادرتْ سبقاً إلى عليائِها

في نصرِ مولاها الكرامُ بنو علي

من كلِّ مفتولِ القناةِ بساعدٍ

شطْبٍ كصدرِ السمهريّةِ أفتلِ

غيرانَ يسبقُ عزمُهُ أخبارَهُ

حتى يغامرَ في الرعيلِ الأوّلِ

وافي الحِجا ويُخالُ أنّ برأسِهِ

في الحربِ عارضَ جِنّةٍ أو أخبلِ

ما قنّعتْ أُفقاً عجاجةُ غارةٍ

إلاّ تخرّقَ عنه ثوبُ القَسطلِ

تعدو به خَيفانةٌ لو أُشعِرَتْ

أنّ الصهيلَ يُجمُّها لم تصهَلِ (٣)

صبّارةٌ إن مسّها جَهدُ الطَّوَى

قنعتْ مكانَ عَليقها بالمِسحلِ (٤)

فسَرَوا فناداهم سَراةُ رجالِهمْ

لمُجَسَّدٍ من هامِهمْ ومُرجَّلِ (٥)

بُعَداءُ عن وهنِ التواكلِ في فتىً

لهمُ على أعدائهمْ مُتوكِّلِ

سمْحٍ ببذلِ النفسِ فيهم قائمٍ

للهِ في نصرِ الهدى متبتِّلِ

نزّاعِ أرشيةِ التنازعِ فيهمُ

حتى يسوقَ إليهمُ النصَّ الجلي (٦)

ويُبينُ عندَهمُ الإمامةَ نازعاً

فيها الحجاجَ من الكتابِ المنزَلِ

بطريقةٍ وضحتْ كأنْ لم تشتبهْ

وأمانةٍ عُرِفتْ كأنْ لم تُجهَلِ

__________________

(١) لا تني من ونى يني : لا تكلّ ولا تضعُف. (المؤلف)

(٢) القُنيّ : جمع قناة وهو الرمح. (المؤلف)

(٣) الخَيفانة : الفرسُ الخفيفة. يجمّها : يريحها. (المؤلف)

(٤) المِسحل : اللجام. (المؤلف)

(٥) المجسَّد : المدهون بالجِساد وهو الزعفران. المرجَّل : الشعر المُسَرَّح. (المؤلف)

(٦) أرشية ـ جمع رشاء ـ : الحبل.


يصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعُهُ

حتى يُنيبَ فكيف حالُك بالولي

يا مرسَلاً إن كنت مبلغَ ميّتٍ

تحت الصفائحِ قولَ حيٍّ مرسِلِ (١)

فَلِجِ الثرى الراوي فقل لمحمدٍ

عن ذي فؤادٍ بالفجيعةِ مشعَلِ

من للخصومِ اللدِّ بعدَكَ غصّةٌ

في الصدرِ لا تهوي ولا هي تعتلي

من للجدالِ إذا الشفاهُ تقلّصتْ

وإذا اللسانُ بريقِهِ لم يُبلَلِ

مَن بعدَ فقِدكَ ربُّ كلِّ غريبةٍ

بكرٍ بكَ افتُرعتْ وقولةِ فيصلِ

ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قِوامَهُ

وفتحتَ منهُ في الجوابِ المقفَلِ

مَن للطروس يصوغُ في صفحاتِها

حَلْياً يقعقعُ كلّما خَرِسَ الحلي

يَبقينَ للذكرِ المخلّدِ رحمةً

لك من فمِ الراوي وعينِ المجتلي

أين الفؤادُ الندب غيرَ مُضعَّفٍ

أين اللسانُ الصعبُ غيرَ مفلَّلِ (٢)

تفري بهِ وتحزُّ كلَّ ضريبةٍ

ما كلُّ حزّةِ مفصِلٍ للمُنْصُلِ (٣)

كم قد ضممتَ لدينِ آلِ محمدٍ

مِن شاردٍ وهديتَ قلبَ مضلَّلِ

وعقلتَ من ودٍّ عليهمْ ناشطٍ

لو لم تَرُضْهُ ملاطفاً لم يُعقَلِ

لا تطّبيك ملالةٌ عن قولةٍ

تروي عن المفضولِ حقَّ الأفضلِ (٤)

فليجزينَّكَ عنهمُ ما لم يزل

يبلو القلوبَ ليجتبي وليبتلي

ولتنظُرَنَّ إلى عليٍّ رافعاً

ضَبْعَيْكَ يومَ البعثِ ينظرُ من علِ (٥)

يا ثاوياً وسّدتُ منهُ في الثرى

عَلَماً يطولُ به البقاءُ وإن بَلي

جَدثاً لدى الزوراءِ بين قصورِها

أجللتُه عن بطنِ قاعٍ مُمحلِ (٦)

__________________

(١) الصفائح ـ جمع الصفيحة ـ : الحجر العريض. (المؤلف)

(٢) الندْب : الخفيف في الحاجة إذا ندب إليها خفّ لقضائها. المفلّل : المثلّم. (المؤلف)

(٣) المُنْصُل : السيف والسنان. (المؤلف)

(٤) لا تطّبيك : لا تزدهيك [ازدهى : افتعل من زها يزهو]. (المؤلف)

(٥) من علِ : من فوق. (المؤلف)

(٦) المُمْحل : المقفر. (المؤلف)


ما كنتُ ـ قبلُ أراكَ تُقبرُ ـ خائفاً

من أن تُوارى هضبةٌ بالجندلِ (١)

من ثلَّ عرشَكَ واستقادَك خاطماً

فانقدتَ يا قطّاعَ تلك الأحبُلِ (٢)

من فلَّ غرْبَ حسامِ فيكَ فردّهُ

زُبُراً تساقطُ من يمينِ الصيقلِ (٣)

قد كنتَ من قُمُص الدجى في جُنّةٍ

لا تُنتحى ومن الحِجا في معقِلِ

متمنِّعاً بالفضل لا ترنو إلى

مَغناكَ مقلةُ راصدٍ مُتأمِّلِ

فمنَ ايِّ خرْمٍ أو ثنيّةِ غِرّةٍ

طلعتْ عليكَ يدُ الردى المتوغِّلِ

ما خلتُ قبلَكَ أنّ خدعةَ قانصٍ

تلِجُ العرينَ وراءَ ليثٍ مُشبلِ

أو أنّ كفَّ الدهرِ يقوى بطشُها

حتى تُظَفِّر في ذؤابة يذبُلِ (٤)

كانوا يَروْنَ الفضلَ للمتقد

دم السبّاقِ والنقصانَ في المتقبِّلِ

قولُ الهوى وشريعةٌ منسوخةٌ

وقضيّةٌ من عادةٍ لم تعدلِ

حتى نجمتَ فأجمعوا وتبيّنوا

أنّ الأخيرَ مقصِّرٌ بالأوّلِ

بكرَ النعيُّ فسكَّ فيكَ مسامعي

وأعادَ صبحي جنحَ ليلٍ أليَلِ

ونزت بنيّاتُ الفؤادِ لصوتِهِ

نزوَ الفصائلِ في زفيرِ المِرجلِ (٥)

ما كنت أحسبُ والزمانُ مقاتلي

يرمي ويخطئ أنّ يومَك مقتلي

يومٌ أطلَّ بغُلّةٍ لا يشتفي

منها الهدى وبغُمّةٍ لا تنجلي

فكأنّه يومُ الوصيِّ مدافعاً

عن حتفِهِ بعد النبيِّ المرسَلِ

ما إن رأتْ عيناي أكثرَ باكياً

منهُ وأوجعَ رنّةً من مُعولِ

حُشِدوا على جنباتِ نعشك وُقَّعاً

حشْدَ العطاشِ على شفيرِ المنهلِ

وتنازفوا الدمعَ الغريبَ كأنّما ال

إسلامُ قبلَك أُمُّه لم تثكلِ

__________________

(١) الهضبة : الجبل المنبسط أو الطويل الممتنع المنفرد. الجندل : الصخرة. (المؤلف)

(٢) الخاطم : واضع الخطام بالأنف. (المؤلف)

(٣) [غرْب الحسام : حدّه] زبر ـ جمع زبرة ـ : القطعة من الحديد. (المؤلف)

(٤) الذؤابة : الناصية. يَذْبل ـ بالفتح ثمّ السكون ـ : جبل بنجد ، في طريقها. (المؤلف)

(٥) الفصائل ـ جمع فصيلة ـ : القطعة من لحم الأفخاذ. المرجل : القدر. (المؤلف)


يمشون خلفَكَ والثرى بك روضةٌ

كحَلَ العيونَ بها ترابُ الأرجلِ

إن كان حظّي من وصالِكَ قبلَها

حظَّ المغبِّ ونهزةَ المتقلّلِ (١)

فلأُعطِينّكَ من ودادي ميّتاً

جهدَ المنيبِ ورجعةَ المتنصّلِ

لو أنفدتْ عيني عليكَ دموعَها

فَلَيَبْكِينَّكَ بالقوافي مِقولي

ومتى تلفّتَ للنصيحةِ موجعٌ

يبغي السلوّ ومالَ ميلَ العُذّلِ

فسلوّك الماءُ الذي لا أستقي

عطشانَ والنارُ التي لا أصطلي

رقّاصةُ القطراتِ تختمُ في الحصى

وسماً وتفحصُ في الثرى المتهيِّلِ

نسجتْ لها كفُّ الجَنوب مُلاءةً

رتقاءَ لا تُفصى بكفِّ الشمألِ (٢)

صبّابة الجنبات تَسمعُ حولَها

للرعد شقشقةَ القُروم البزّلِ (٣)

تُرضي ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ

يروي صداك وقاطرٍ مُتسلسِلِ (٤)

حتى يرى زوّارُ قبرِك أنّهمْ

حطّوا رحالَهمُ بوادٍ مبقِلِ

ومتى وَنَتْ أو قصّرتْ أهدابُها

أمددتُها منّي بدمعٍ مُسبَلِ

__________________

(١) المُغِبّ : الذي يزور يوماً وينقطع يوماً.

(٢) رتقاء لا تفصى : مُحكمة لا تُشقّ.

(٣) القروم ـ جمع قرم ـ : الفحل من الإبل. البزّل ـ جمع بازل ـ : الفحل المسنّ. (المؤلف)

(٤) الواكف : المنهمر.


ـ ٣٩ ـ

سيّدنا الشريف المرتضى

المولود (٣٥٥)

المتوفّى (٤٣٦)

لو لم يُعاجله النوى لتحيّرا

وقَصارُه وقد انتأوا أن يُقصِرا

أفكلّما راع الخليطُ تصوّبتْ

عبراتُ عينٍ لم تقلّ فتكثرا

قد أوقدتْ حرّى (١) الفراقِ صبابةً

لم تستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى (٢)

شَغَفٌ يكتِّمُهُ الحياءُ ولوعةٌ

خَفِيَتْ وحُقَّ لمثلِها أن يظهرا

أين الركائب لم يكن ما عُلنه

صبراً ولكن كان ذاك تصبّرا

لبّيْنَ داعيةَ النوى فأَرينَنا

بين القبابِ البيضِ موتاً أحمرا

وبعُدْنَ بالبَيْنِ المشتِّتِ ساعةً

فكأنّهنّ بعُدنَ عنّا أشهرا

عاجوا على ثَمَدِ البطاحِ وحبُّهمْ

أجرى العيونَ غداةَ بانوا أبحُرا (٣)

وتنكّبوا وَعْرَ الطريقِ وخلّفوا

ما في الجوانحِ من هواهمْ أوعرا

أمّا السلوُّ فإنّه لا يهتدي

قصدَ القلوبِ وقد حُشِينَ تذكّرا

قد رمتُ ذاكَ فلم أجدْهُ وحقُّ مَن

فقدَ السبيلَ إلى الهدى أن يُعذَرا

__________________

(١) في الديوان ١ / ٤٧٩ : حُرَقُ.

(٢) مَرَيْن : اعتصرن ، من مرى الناقة إذا مسح ضرعها لتدرَّ اللبن.

(٣) الثمَد : الماء القليل الذي لا مادّ له.


أهلاً بطَيْفِ خيالِ مانعةٍ لنا

يقظى ومُفضلةٍ علينا في الكرى

ما كان أنعَمَنا بها من زورةٍ

لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدرا

جزعت لِوَخْطاتِ المشيبِ وإنّما

بلغَ الشبابُ مدى الكمالِ فنوّرا

والشيب إن أنكرتَ فيهِ مورِدٌ

لا بدّ يوردُه الفتى إن عُمِّرا

يَبْيَضُّ بعد سواده الشّعرُ الذي

إن لمْ يزرْهُ الشيبُ واراه الثرى

زمنَ الشبيبةِ لاعدَتْكَ تحيّةٌ

وسقاك منهمرُ الحيا ما استغزرا

فلطالما أضحى ردائي ساحباً

في ظلِّك الوافي وعوديَ أخضرا

أيّامَ يرمقُني الغزالُ إذا رنا

شَغَفاً ويطرقُني الخيالُ إذا سرى

ومرنّحٍ في الكورِ تحسبُ أنّه اص

ـطبحَ العُقار وإنّما اغتبق السُّرى (١)

بطلٌ صَفاهُ للخداعِ مزلّةٌ

فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا (٢)

إمّا سألتَ به فلا تسألْ به

ناياً يناغي في البطالة مِزمَرا

واسأل به الجُردَ العِتاقَ مُغِيرةً

يخبطن هاماً أو يطأنَ سَنَوَّرا (٣)

يحملن كلَّ مدجّجٍ يقري الظبا

عَلَقاً وأنفاسَ السوافي عِثيرا (٤)

قَومي الذين وقد دجتْ سبلُ الهدى

تركوا طريقَ الدينِ فينا مُقمرا

غلبوا على الشرفِ التليدِ وجاوزوا

ذاك التليدَ تطرّفاً وتخيّرا

كم فيهمُ من قسوَرٍ متخمّطٍ

يُردي إذا شاء الهزبرَ القسوَرا

متنمِّرٍ والحربُ إن هتفتْ به

أدّتهُ بسّامَ المحيّا مُسفرا

وملوَّمٍ في بذلِهِ ولطالما

أضحى جديراً في العلى أن يُشكرا

ومرفَّعٍ فوقَ الرجالِ تخالُهُ

يومَ الخطابةِ قد تسنّم مِنبرا

__________________

(١) المرنّح : المتمايل. الكور : الهودج. اصطبح : شرب الخمر صباحاً. العقار : الخمر. اغتبق : شربها مساءً.

(٢) صفاه : صخره. الزماع : المضاء في الأمر. تغشمر : تنمّر.

(٣) السنَوَّر : السلاح من الحديد ، أو هو الدرع.

(٤) العَلَق : الدم. السوافي : الرياح. العِثيَر : التراب والعجاج.


جمعوا الجميلَ إلى الجمالِ وإنّما

ضمّوا إلى المرأى المُمدَّحِ مَخْبرا

سائلْ بهم بدراً وأُحداً والتي

ردّتْ جبينَ بني الضلالِ مُعفّرا

للهِ درُّ فوارسٍ في خيبرٍ

حملوا عن الإسلامِ يوماً مُنكرا

عصفوا بسلطانِ اليهودِ وأولجوا

تلك الجوانحَ لوعةً وتحسّرا

واستلحموا أبطالَهم واستخرجوا ال

أزلامَ من أيديهمُ والميسِرا

وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرةٍ

لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُقترى (١)

إن حزَّ حزَّ مطبّقاً أو قالَ قا

ل مصدَّقاً أو رام رام مطهّرا

فثناه مصفرَّ البَنانِ كأنّما

لطخَ الحِمامُ عليه صِبغاً أصفرا

شهقَ العُقابُ بشلوِهِ ولقد هَفَتْ

زمناً به شُمُّ الذوائبِ والذرى

أمّا الرسولُ فقد أبانَ ولاءَهُ

لو كانَ ينفعُ جائراً أن يُنذَرا

أمضى مقالاً لم يَقُلْهُ معرِّضاً

وأشادَ ذكراً لم يُشِدْهُ معذّرا (٢)

وثنى إليه رقابَهمْ وأقامه

عَلَماً على بابِ النجاةِ مُشَهَّرا

ولقد شفى يومُ الغديرِ معاشراً

ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأودى معشرا

قلقت (٣) به أحقادُهمْ فمرجِّعٌ

نفساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيّةٌ

أَشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا (٤)

عُجْ بالغريِّ فإنّ فيهِ ثاوياً

جبلاً تطأطأ فاطمأنَّ به الثرى

وأقرئ السلامَ عليهِ من كَلِفٍ بهِ

كُشفتْ له حُجبُ الصباحِ فأبصرا

ولو استطعتُ جعلتُ دارَ إقامتي

تلك القبورَ الزُّهرَ حتى أُقبرا

__________________

(١) لا تقترى : لا تقدّر ولا تخمّن. (المؤلف)

(٢) في الديوان : مغرّرا.

(٣) في الأصل ، طبقاً للطبعة التي اعتمدها المؤلف قّدّس سره : قلعت ، ونحن نرجّح ما اختاره محقّق الديوان من أنّ الصحيح : قلقت.

(٤) المهريّة : من النوق الموصوفة بسرعة الجري. أشِبَت الهموم بساحته : أي اكتنفته وألمّت به. أصحر : خرج إلى الصحراء.


أخذنا القصيدة من الجزء الأوّل من ديوان ناظمها (١) وهي مفتتح ديوانه ، والديوان مرتّبٌ على السنين في ستّة أجزاء توجد منه نسخة مقروءة على نفس السيّد الشريف علم الهدى. وذكر ابن شهرآشوب (٢) لسيّدنا الشريف المرتضى أبياتاً قالها في عيد الغدير. راجع الجزء الثالث من مناقبه (ص ٣٢).

الشاعر

السيّد المرتضى علم الهدى ذو المجدين ، أبو القاسم عليّ بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام.

لا عتب على اليراع إذا وقف عن تحديد عظمة الشريف المبجّل ، كما أنّه لا لوم على المِدْرهِ (٣) اللَّسِن إذا تلجلج في الإفاضة عن رفعة مقامه ؛ فإنّ نواحي فضله لا تنحصر بواحدة ، ولا إنّ مآثره معدودة يحاولها البليغ المفوّه ، ويتحرّى الإبانة عنها الكاتب المتشدِّق ، أو يلقي عنها الخطيب المفصح ، فإلى أيّ منصّةٍ من الفضيلة نحوت فله فيها الموقف الأسمى ، وإلى أيِّ صهوةٍ وقع خيالك فله هنالك مرتبع ممنّع ، فهو إمام الفقه ، ومؤسِّس أصوله ، وأستاذ الكلام ، ونابغة الشعر ، وراوية الحديث ، وبطل المناظرة ، والقدوة في اللغة ، وبه الأُسوة في علوم العربيّة كلّها ، وهو المرجع في تفسير كتاب الله العزيز ، وجماع القول أنّك لا تجد فضيلة إلاّ وهو ابن بجدتها.

أضف إلى ذلك كلّه نسبه الوضّاح ، وحسبه المتألّق ، وأواصره النبويّة الشذيّة ، ومآثره العلويّة الوضيئة إلى أياديه الواجبة في تشييد المذهب ، ومساعيه المشكورة عند الإماميّة جمعاء ، وهي التي خلّدت له الذكر الحميد والعظمة الخالدة ، ومن هذه

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٧٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥١.

(٣) المِدْره : الخطيب المفوّه.


الفضائل ما خطّه مِزبرُه القويم من كتب ورسائل استفاد بها أعلام الدين في أجيالهم وأدوارهم ، وإليك أسماءها :

١ ـ الشافي في الإمامة

 ٢ ـ الملخّص في الأصول

 ٣ ـ الذخيرة في الأصول

٤ ـ جمل العلم والعمل

 ٥ ـ الغُرر والدرر

 ٦ ـ تكملة الغُرر

٧ ـ المقنع في الغَيْبة

 ٨ ـ الخلاف في الفقه

 ٩ ـ الناصريّة في الفقه

١٠ ـ الحلبيّة الأولى

 ١١ ـ الحلبيّة الأخيرة

 ١٢ ـ المسائل الجرجانيّة

١٣ ـ المسائل الطوسيّة

 ١٤ ـ المسائل الصباويّة

 ١٥ ـ المسائل التبّانيات (١)

١٦ ـ المسائل السلاّريّة

 ١٧ ـ مسائل في عدّة آيات

 ١٨ ـ المسائل الرازيّة

١٩ ـ المسائل الكلاميّة

 ٢٠ ـ المسائل الصيداويّة

 ٢١ ـ الديلميّة في الفقه

٢٢ ـ كتاب البرق

 ٢٣ ـ طيف الخيال

 ٢٤ ـ الشيب والشباب

٢٥ ـ المقمصة

 ٢٦ ـ المصباح في الفقه

 ٢٧ ـ نصر الرواية

٢٨ ـ الذريعة في أصول الفقه

 ٢٩ ـ شرح بائيّة الحميري

 ٣٠ ـ تنزيه الأنبياء

٣١ ـ إبطال القول بالعدد

 ٣٢ ـ المحكم والمتشابه

 ٣٣ ـ النجوم والمنجِّمون

٣٤ ـ متولِّي غسل الإمام

 ٣٥ ـ الأصول الاعتقاديّة

 ٣٦ ـ أحكام أهل الآخرة

٣٧ ـ معنى العصمة

 ٣٨ ـ الوجيزة في الغَيْبة

 ٣٩ ـ تقريب الأصول

٤٠ ـ طبيعة المسلمين

 ٤١ ـ رسالة في علم الله

 ٤٢ ـ رسالة في الإرادة

٤٣ ـ أيضاً رسالة في الإرادة

 ٤٥ ـ رسالة في التأكيد

 ٤٤ ـ رسالة في التوبة

٤٦ ـ رسالة في المتعة

 ٤٧ ـ دليل الخطاب

 ٤٨ ـ طرق الاستدلال

٤٩ ـ كتاب الوعيد

 ٥٠ ـ شرح قصيدة له

 ٥١ ـ الحدود والحقائق

٥٢ ـ مفردات في أصول الفقه

 ٥٣ ـ الموصليّة ، ثلاث مسائل

٥٤ ـ الموصليّة الثانية ، تسع مسائل

 ٥٥ ـ الموصليّة الثالثة (١٠٩) مسائل

__________________

(١) سألها الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك التبّان المتوفّى (٤١٩) ، وهي (٦٦) مسألة في عشرة فصول. (المؤلف)


٥٦ ـ المسائل الطرابلسيّة الأولى

 ٥٧ ـ الطرابلسيّة الأخيرة (١٣) مسألة (١)

٥٨ ـ مسائل ميافارقين (٦٥) مسألة

 ٥٩ ـ المسائل الرازيّة (١٤) مسألة

٦٠ ـ المسائل المحمديّات (٥) مسائل

 ٦١ ـ المسائل البادرات (٢٤) مسألة

٦٢ ـ المسائل المصريّة الأولى (٥) مسائل

 ٦٣ ـ المصريّات الثانية

٦٤ ـ المسائل الرمليّات (٧) مسائل

 ٦٥ ـ مسائل في فنون شتّى ، نحو مائة مسألة

٦٦ ـ المسائل الرسيّة الأولى (٢)

 ٦٧ ـ المسائل الرسيّة الثانية

٦٨ ـ الانتصار فيما انفردت به الإماميّة

 ٦٩ ـ تفضيل الأنبياء على الملائكة

٧٠ ـ النقض على ابن جنّي في الحكاية والمحكي

 ٧١ ـ ديوان شعره يزيد على عشرين ألف بيت

٧٢ ـ الصِّرفة في بيان إعجاز القرآن

 ٧٣ ـ الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة

٧٤ ـ نقض مقالة ابن عديّ فيما لا يتناهى

 ٧٥ ـ جواب الملاحدة في قِدَم العالم

٧٦ ـ تتمّة الأعراض من جمع أبي رشيد

 ٧٧ ـ نكاح أمير المؤمنين ابنته من عمر

٧٨ ـ إنقاذ البشر من القضاء والقدر

 ٧٩ ـ الردّ على أصحاب العدد في شهر رمضان

٨٠ ـ تفسير الحمد وقطعة من سورة البقرة

 ٨١ ـ الردّ على ابن عديّ في حدوث الأجسام

٨٢ ـ تفسير قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) (٣)

٨٣ ـ كتاب الثمانين (٤)

٨٤ ـ الكلام على من تعلّق بقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٥)

٨٥ ـ تفسير قوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (٦)

__________________

(١) سألها الشيخ أبو الفضل إبراهيم بن الحسن الأباني. (المؤلف)

(٢)] هي] ٢٨ مسألة سألها العلاّمة أبو الحسين الحسين بن محمد بن الناصر الحسيني الرسّي. (المؤلف)

(٣) الأنعام : ١٥١.

(٤) قاله القاضي التنوخي كما في المستدرك [على وسائل الشيعة للعلاّمة النوري] : ٣ / ٥١٦. (المؤلف)

(٥) الإسراء : ٧٠.

(٦) المائدة : ٩٣.


٨٦ ـ تتبّع أبيات للمتنبّي التي تكلّم عليها ابن جنّي.

كلمات الثناء عليه :

أبو القاسم المرتضى حاز من العلوم ما لم يُدانِه فيه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلّماً شاعراً أديباً ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا (١).

أبو القاسم نقيب النقباء ، الفقيه النظّار المصنِّف ، بقيّة العلماء وأوحد الفضلاء ، رأيته فصيح اللسان يتوقّد ذكاءً (٢).

المرتضى متوحِّد في علوم كثيرة ، مجمَع على فضله ، مقدَّم في العلوم ، مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك ، له من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير ، مشتمل على ذلك فهرسته المعروف (٣).

وقال الشيخ في رجاله : إنّه أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً ، متكلّم فقيه جامع العلوم كلّها ، مدَّ الله في عمره.

وقال الثعالبي في تتميم يتيمته (٤) (١ / ٥٣) : قد انتهت الرئاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم ، وله شعر في نهاية الحسن.

وفي تاريخ ابن خلّكان (٥) : كان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر ، وله تصانيف على مذهب الشيعة ، ومقالة في أصول الدين ، وذكره ابن بسّام في الذخيرة وقال : كان هذا الشريف إمام أئمّة العراق بين الاختلاف والاتِّفاق ، إليه فزع علماؤها ،

__________________

(١) النجاشي في فهرسته : ص ١٩٢ [ص ٢٧٠ رقم ٧٠٨]. (المؤلف)

(٢) المجدي في الأنساب للعمري [ص ١٢٥]. (المؤلف)

(٣) فهرست الشيخ : ص ٩٩ [رقم ٤٢١] ، وخلاصة العلاّمة : ص ٤٦ [ص ٩٥ رقم ٢٢].(المؤلف)

(٤) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٦٩ رقم ٤٩.

(٥) وفيات الأعيان : ٣ / ٣١٣ رقم ٤٤٣.


وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها ، وجمّاع شاردها وآنسها ، ممّن سارت أخباره ، وعرفت به أشعاره ، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره ، إلى تآليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين ، ممّا يشهد أنّه فرع تلك الأصول ، ومن أهل ذلك البيت الجليل ، ومُلَح الشريف وفضائله كثيرة.

وحكى الخطيب التبريزي : أنّ أبا الحسن عليّ بن أحمد بن عليِّ بن سلك الفالي (١) الأديب كان له نسخة لكتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة ، فدعته الحاجة إلى بيعها ، فباعها فاشتراها الشريف المرتضى بستِّين ديناراً فتصفّحها فوجد فيها أبياتاً بخطِّ بائعها أبي الحسن المذكور ، والأبيات قوله :

أَنِستُ بها عشرينَ حولاً وبعتُها

فقد طالَ وجدي بعدَها وحنيني

وما كان ظنّي أنّني سأبيعُها

ولو خلَّدَتني في السجون ديوني

ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ

صغارٍ عليهمْ تستهلُّ شئوني

فقلت ولم أملك سوابِق عبرتي

مقالة مكويِّ الفؤادِ حزينِ

وقد تخرجُ الحاجاتُ يا أُمَّ مالكٍ

كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ

فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمه‌الله تعالى.

وقال السيّد ابن زهرة في غاية الاختصار (٢) : علم الهدى الفقيه النظّار ، سيّد الشيعة وإمامهم ، فقيه أهل البيت ، العالم المتكلّم البعيد ، الشاعر المجيد ، كان له برّ وصدقة وتفقّد في السرّ ، عرف ذلك بعد موته رحمه‌الله ؛ كان أسنَّ من أخيه ولم يُرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالةً ورئاسةً وتحابباً وتوادداً. لمّا مات الرضي لم يصلِّ المرتضى عليه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالكاً في الحزن. ترك المرتضى خمسين ألف دينار ، ومن الآنية والفرش والضياع ما يزيد على ذلك.

__________________

(١) نسبة إلى فالة ، وهي بلدة بخوزستان قريبة من إيذج [معجم البلدان : ٤ / ٢٣٢]. (المؤلف)

(٢) غاية الاختصار : ص ٧٦.


وعن الشيخ عزِّ الدين أحمد بن مقبل أنّه قال : لو حلف إنسان أنّ السيّد المرتضى كان أعلم بالعربيّة من العرب لم يكن عندي آثماً ، وقد بلغني عن شيخٍ من شيوخ الأدب بمصر أنّه قال : والله إنّي استفدت من كتاب الغُرر والدُّرر مسائل لم أجدها في كتاب سيبويه وغيره من كتب النحو ، وكان نصير الدين الطوسي إذا جرى ذكره في درسه يقول : صلوات الله عليه ، ويلتفت إلى القضاة والمدرِّسين الحاضرين ويقول : كيف لا يُصلّى على السيّد المرتضى؟!

في عمدة الطالب (١) (ص ١٨١) : كان مرتبته في العلم عالية فقهاً وكلاماً وحديثاً ولغةً وأدباً وغير ذلك ، وكان متقدّماً في فقه الإماميّة وكلامهم ناصراً لأقوالهم.

وفي دمية القصر (٢) (ص ٧٥) : هو وأخوه من دوح السيادة ثمران ، وفي فلك الرئاسة قمران ، وأدب الرضيّ إذا قرن بعلم المرتضى كان كالفرند في متن الصارم المنتضى.

وفي لسان الميزان (٣) (٤ / ٢٢٣) : قال ابن أبي طيّ : هو أوّل من جعل داره دار العلم وقدّرها للمناظرة ، ويُقال : إنّه أُمّر ولم يبلغ العشرين ، وكان قد حصل على رئاسة الدنيا ، العلم مع العمل الكثير ، والمواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم ، وكان لا يؤثر على العلم شيئاً مع البلاغة وفصاحة اللهجة.

وحكى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أنّه قال : كان الشريف المرتضى ثابت الجأش ، ينطق بلسان المعرفة ، ويردِّد الكلمة المسدّدة فتمرق مروق السهم من الرمية ما أصاب ، وما أخطأ أشوى.

إذا شرعَ الناسُ الكلامَ رأيته

له جانبٌ منه وللناسِ جانبُ

__________________

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص ٢٠٥.

(٢) دمية القصر : ١ / ٢٩٩.

(٣) لسان الميزان : ٤ / ٢٥٧ رقم ٥٧٩٧.


وقال السيّد الشيرازي في الدرجات الرفيعة (١) : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وفقهاً وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابةً وجاهاً وكرماً إلى غير ذلك.

وفي شذرات الذهب (٢) (٣ / ٢٥٦) : نقيب الطالبيّين ، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق ، كان إماماً في التشيّع والكلام والشعر والبلاغة ، كثير التصانيف ، ومتبحِّراً في فنون العلم.

ويجد القارئ لدة هذه الكلمات كثيرة في طيِّ الكتب والمعاجم منها (٣):

تاريخ بغداد (١١ / ٤٠٢)

 المنتظم (٨ / ١٢٠)

 معجم الأدباء (٥ / ١٧٣)

خلاصة العلاّمة (ص ٤٦)

 رجال ابن داود

 أنساب أبي نصر البخاري

ميزان الاعتدال (٢ / ٢٢٣)

 غاية الاختصار لابن زهرة

 كامل ابن الأثير (٩ / ١٨١)

تاريخ ابن كثير (١٢ / ٥٣)

 مرآة الجنان (٣ / ٥٥)

 لسان الميزان (٥ / ١٤١)

بغية الوعاة (ص ٣٣٥)

 إتحاف الورى بأخبار أُمّ القرى

 صحاح الأخبار (ص ٦١)

جامع الأقوال في الرجال

 مجالس المؤمنين (ص ٢٠٩)

 رجال ابن أبي جامع

__________________

(١) الدرجات الرفيعة : ص ٤٥٩.

(٢) شذرات الذهب : ٥ / ١٦٨ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍.

(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٩٤ رقم ٣٢٥٧ ، معجم الأدباء : ١٣ / ١٤٦ ، رجال العلاّمة : ص ٩٤ رقم ٢٢ ، رجال ابن داود : ص ١٣٦ رقم ١٠٣٦ ، ميزان الاعتدال : ٣ / ١٢٤ رقم ٥٨٢٧ ، غاية الاختصار : ص ٧٦ ، الكامل في التاريخ : ٦ / ١٢٦ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٦٧ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍ ، لسان الميزان : ٤ / ٢٥٦ رقم ٥٧٩٧ ، بغية الوعاة : ٢ / ١٦٢ رقم ١٦٩٩ ، إتحاف الورى : ٢ / ٤٢٦ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٥٠٠ ، رياض العلماء : ٤ / ١٤ ، كشكول البهائي : ٢ / ٦٥ ، مجمع البحرين : ١ / ١٨٨ ، الدرجات الرفيعة : ص ٤٥٨ ، أمل الآمل : ٢ / ١٨٢ رقم ٥٤٩ ، منتهى المقال : ص ٢٨١ ، كشكول البحراني : ١ / ٣٢٤ ، مقابس الأنوار : ص ٦ ، نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٥٦ ، الشيعة وفنون الإسلام : ص ٧٥ ، الأعلام : ٤ / ٢٧٨ ، تاريخ آداب اللغة : مج ١٤ / ١٣٨ ، الكنى والألقاب : ٢ / ٤٨٠.


تحفة الأزهار لابن شدقم

 الإجازة الكبيرة للسماهيجي

 إتقان المقال (ص ٩٣)

رياض العلماء للميرزا

 كشكول البهائي ج ٢

 مجمع البحرين ، مادة : رضا

ملخّص المقال (ص ٨٠)

 رياض الجنّة للزنوزي

 الدرجات الرفيعة للسيّد

الوسائل (٣ / ٥٥١)

 أمل الآمل للشيخ العاملي

 منهج المقال للميرزا(ص ٢٣١)

منتهى المقال (ص ٢١٤)

 عقد اللآلئ لأبي عليّ الرجالي

 تكملة الرجال للشيخ الكاظمي

كشكول البحراني (ص ٢١٦)

 المقابس لشيخنا التستري

 مستدرك النوري(٣ / ٥١٥)

نسمة السحر لليماني

 تنقيح المقال (٢ / ٢٨٤)

 الشيعةوفنون الإسلام (ص٥٣)

الأعلام (٢ / ٦٦٧)

 تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٨٨)

 سفينة البحار (١ / ٥٢٥)

الكنى والألقاب (٢ / ٤٣٩)

 هديّة الأحباب (ص ٢٠٣)

 وفيات الأعلام للرازي (خ)

دائرة المعارف للبستاني (١٠ / ٤٥٩)

١دائرة المعارف لمحمد فريد(٤ ٢٦٠)

معجم المطبوعات (ص ١١٢٤)

مجلّة العرفان أجزاء المجلّد الثاني بقلم العلاّمة سيّدنا المحسن الأمين العاملي.

مشايخه ومن يروي هو عنه :

١ ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان : المتوفّى (٤١٣).

٢ ـ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري : المتوفّى (٣٨٥).

٣ ـ الحسين بن عليّ بن بابويه ، أخو الصدوق.

٤ ـ أبو الحسن أحمد بن عليّ بن سعيد الكوفي ، يروي عنه السيّد كما في إجازة السيّد ابن أبي الرضا تلميذ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي.

٥ ـ أبو عبد الله محمد بن عمران الكاتب المرزباني الخراساني البغدادي.

٦ ـ الشيخ الصدوق محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي : المتوفّى (٣٨١) كما في الإجازات.


٧ ـ أبو يحيى بن نباتة عبد الرحيم الفارقي : المتوفّى (٣٧٤) ، قرأ عليه كما في الدرجات الرفيعة.

٨ ـ أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب ، يروي عنه في أماليه.

٩ ـ أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى ، يروي عنه في الأمالي.

١٠ ـ أحمد بن سهل الديباجي ، يروي عنه كما في الرياض عن جامع الأصول لابن الأثير ، وفي تاريخ الخطيب البغدادي وميزان الاعتدال ولسانه لابن حجر : حدّث عن سهل الديباجي (١).

تلامذة سيّدنا المرتضى :

١ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي : المتوفى (٤٦٠).

٢ ـ أبو يعلى سلاّر بن عبد العزيز الديلمي.

٣ ـ أبو الصلاح تقيّ بن نجم الحلبي ، خليفته في بلاد حلب.

٤ ـ القاضي عبد العزيز ابن البرّاج الطرابلسي : المتوفّى (٤٨١).

٥ ـ الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري : المتوفّى (٤٦٣).

٦ ـ أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني المروزي.

٧ ـ السيّد نجيب الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الموسوي.

٨ ـ السيّد التقيّ بن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي.

٩ ـ الشيخ أبو الفتح محمد بن عليّ الكراجكي : المتوفّى (٤٤٩) ، قرأ عليه كما في فهرست الشيخ منتجب الدين.

__________________

(١) هو سهل بن عبد الله أبو محمد الديباجي. (المؤلف)


١٠ ـ الشيخ أبو الحسن سليمان الصهرشتي صاحب كتاب قبس المصباح.

١١ ـ الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي.

١٢ ـ أبو الفضل ثابت بن عبد الله البناني.

١٣ ـ الشيخ أحمد بن الحسن بن أحمد النيسابوري الخزاعي ، يُعدُّ من أجلّة تلامذته.

١٤ ـ الشيخ المفيد الثاني ، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الرازي.

١٥ ـ الشيخ أبو المعالي أحمد بن قدامة ، كما في إجازة الشيخ فخر الدين الحلّي للسيّد مهنّا ، وإفادات الشيخ المذكور ابن العلاّمة الحلّي. بحار الأنوار (١) (٢٥ / ٥٣).

١٦ ـ الشيخ أبو عبد الله محمد بن عليّ الحلواني ، كما في إجازة السيّد ابن أبي الرضا العلوي ، تلميذ الشيخ نجيب الدين الحلّي. بحار الأنوار (٢) (٢٥ / ٨٨).

١٧ ـ أبو زيد بن كَيابَكي الحسيني الجرجاني ، كما في إجازة السيّد المذكور. بحار الأنوار (٣) (٢٥ / ١٠٨).

١٨ ـ الشيخ أبو غانم العصمي الهروي الشيعي. بحار الأنوار (٤) (٢٥ / ١٠٨).

١٩ ـ الفقيه الداعي الحسيني ، كما في إجازة صاحب المعالم الكبيرة. بحار الأنوار (٥) (٢٥ / ١٠٨).

٢٠ ـ السيّد الحسين بن الحسن بن زيد الجرجاني ، يروي عن السيّد المترجَم كما في تاريخ ابن عساكر (٦) (٤ / ٢٩٠).

__________________

(١) بحار الأنوار : ١٠٧ / ١٥٣.

(٢) بحار الأنوار : ص ١٧٢.

(٣) بحار الانوار : ٤٧ / ١٠٩.

(٤) بحار الانوار : ٤٧ / ١٠٩.

(٥) بحار الانوار : ٤٧ / ١٠٩.

(٦) تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ٥٢ رقم ١٥٢٥.


٢١ ـ أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي ، قرأ على السيّد قطعة كبيرة من ديوان شعره ، وأجاز له رواية جميعه في ذي القعدة سنة (٤٠٣).

٢٢ ـ أبو الحسن محمد بن محمد البصري ، أجاز له رواية كتبه وتآليفه في شعبان سنة (٤١٧).

علم الهدى والمعرّي :

قال أبو الحسن العمري في المجدي (١) : اجتمعت بالشريف المرتضى سنة (٤٢٥) ببغداد ، فرأيته فصيح اللسان يتوقّد ذكاءً.

وحضر مجلسه أبو العلاء المعرّي ذات يوم ، فجرى ذكر أبي الطيّب المتنبّي فنقّصه الشريف وعاب بعض أشعاره ، فقال أبو العلاء : لو لم يكن لأبي الطيّب المتنبّي إلاّ قوله : لكِ يا منازل في القلوب منازل لكفاه. فغضب الشريف وأمر بأبي العلاء فسحب وأُخرج ، فتعجّب الحاضرون من ذلك ، فقال لهم الشريف : أعلمتم ما أراد الأعمى؟ إنّما أراد قوله

وإذا أتَتْكَ مذمّتي من ناقصٍ

فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ (٢)

قال الطبرسي في الاحتجاج (٣) : دخل أبو العلاء المعرّي الدهري على السيّد المرتضى قدس‌سره فقال له : أيّها السيّد ما قولك في الكلّ؟ فقال السيّد : ما قولك في الجزء؟ فقال : ما قولك في الشعرى؟ فقال : ما قولك في التدوير؟ فقال : ما قولك في عدم الانتهاء؟ فقال : ما قولك في التحيّز والناعورة؟ فقال : ما قولك في السبع؟ فقال ما قولك : في الزائد البري من السبع؟ فقال : ما قولك في الأربع؟ فقال : ما قولك في

__________________

(١) المجدي في أنساب الطالبيين : ص ١٢٥.

(٢) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦٠.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ٦١٢ رقم ٣٦٢.


الواحد والاثنين؟ فقال : ما قولك في المؤثّر؟ فقال : ما قولك في المؤثّرات؟ فقال : ما قولك في النحسين؟ فقال : ما قولك في السعدين؟ فبُهت أبو العلاء.

فقال السيّد المرتضى رضى الله عنه عند ذلك : ألا كلّ ملحد مُلْهِد (١) ، وقال أبو العلاء : أخذته من كتاب الله (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢). وقام وخرج.

فقال السيّد رضى الله عنه عنه : قد غاب عنّا الرجل وبعد هذا لا يرانا. فسُئل السيّد عن شرح هذه الرموز والإشارات ، فقال : سألني عن الكلِّ وعنده الكلُّ قديمٌ ، ويُشير بذلك إلى عالم سمّاه العالم الكبير ، فقال لي : ما قولك فيه؟ أراد أنّه قديم.

فأجبته عن ذلك وقلت له : ما قولك في الجزء؟ لأنّ عندهم الجزء محدَث وهو المتولّد عن العالم الكبير ، وهذا الجزء هو العالم الصغير عندهم ، وكان مرادي بذلك أنّه إذا صحَّ أنّ هذا العالم محدَث ، فذلك الذي أشار إليه ـ إن صحَّ ـ فهو محدَث أي ضاً ، لأنّ هذا من جنسه على زعمه والشيء الواحد والجنس الواحد لا يكون بعضه قديماً وبعضه محدَثاً ، فسكت لمّا سمع ما قلته.

وأمّا الشعرى : أراد أنّها ليست من الكواكب السيّارة ؛ لأنّه قديمٌ ، فقلت له : ما قولك في التدوير؟ أردت أنّ الفلك في التدوير والدوران ، فالشعرى لا يقدح في ذلك.

وأمّا عدم الانتهاء : أراد بذلك أنّ العالم لا ينتهي ؛ لأنّه قديم ، فقلت له : قد صحَّ عندي التحيّز والتدوير ، وكلاهما يدلاّن على الانتهاء.

وأمّا السبع : أراد بذلك النجوم السيّارة التي عندهم ذوات الأحكام ، فقلت له : هذا باطلٌ بالزائد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطاً بهذه

__________________

(١) ألهد الرجل : ظلم وجار.

(٢) لقمان : ١٣.


النجوم السيّارة التي هي : الزهرة ، والمشتري ، والمرّيخ ، وعطارد ، والشمس ، والقمر ، وزحل.

وأمّا الأربع : أراد بها الطبائع ، فقلت له : ما قولك في الطبيعة الواحدة الناريّة يتولّد منها دابّة بجلدها تمسُّ الأيدي ثمّ تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات ويبقى الجلد صحيحاً ؛ لأنّ الدابّة خلقها الله على طبيعة النار ، والنار لا تحرق النار ، والثلج أيضاً يتولّد فيه الديدان وهو على طبيعةٍ واحدةٍ ، والماء في البحر على طبيعتين ، يتولّد عنه السموك والضفادع والحيّات والسلاحف وغيرها ، وعنده لا يحصل الحيوان إلاّ بالأربع ، فهذا مناقض لهذا.

وأمّا المؤثّر : أراد به الزحل ، فقلت له : ما قولك في المؤثّرات ، أردتُ بذلك أنّ المؤثّرات كلّهنّ عنده مؤثّرات ، فالمؤثّر القديم كيف يكون مؤثّراً؟

وأمّا النحسين : أراد بهما أنّهما من النجوم السيّارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد ، فقلت له : ما قولك في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس؟ هذا حكم أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أنّ الأحكام لا تتعلّق بالمسخّرات ؛ لأنّ الشاهد يشهد على أنّ العسل والسكّر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل والعلقم ، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكّر ، هذا دليل على بطلان قولهم.

وأمّا قولي : ألا كلّ ملحد ملهد ، أردت أنّ كلّ مشرك ظالم ؛ لأنّ في اللغة : ألحد الرجل عن الدين إذا عدل عن الدين وألهد إذا ظلم ، فعلم أبو العلاء ذلك وأخبرني عن علمه بذلك فقرأ : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) الآية.

وقيل : إنّ المعرّي لمّا خرج من العراق سُئل عن السيّد المرتضى رضى الله عنه فقال :

يا سائلي عنه لمّا جئتُ أسألُهُ

ألا هو الرجلُ العاري من العارِ


لو جئتَه لرأيتَ الناسَ في رجلٍ

والدهرَ في ساعةٍ والأرضَ في دارِ (١)

علم الهدى وابن المطرّز (٢):

في الدرجات الرفيعة (٣) : إنّ الشريف المرتضى كان جالساً في علّيّة له تشرف على الطريق ، فرأى ابن المطرّز الشاعر وفي رجليه نعلان مقطّعان وهما يثيران الغبار فقال له : أمِن مثل هذه كانت ركائبك؟ يشير إلى بيت في قصيدته التي أوّلها :

سرى مغرباً بالعيشِ ينتجعُ الركبا

يُسائلُ عن بدرِ الدجى الشرقَ والغربا

على عذباتِ الجزعِ من ماءِ تغلبٍ

غزالٌ يرى ماءَ القلوبِ له شربا

إذا لم تبلِّغْني إليك ركائبي

فلا وردتْ ماءً ولا رعتِ العشبا

والبيت الأخير هو المشار إليه ، فقال ابن المطرّز : لمّا عادت هبات سيّدنا الشريف إلى مثل قوله :

يا خليليَّ من ذوٌابةِ قيسٍ

في التصابي مكارمُ الأخلاقِ

غنِّياني بذكرهمْ تُطرباني

واسقياني دمعي بكأسٍ دهاقِ

وخذا النومَ من جفوني فإنّي

قد خلعتُ الكرى على العشّاقِ

عادت ركائبي إلى ما ترى فإنّه وهب ما لا يملك على من لا يقبل ، فأمر له الشريف بجائزة.

المرتضى والزعامة :

كان سيّدنا الشريف قد انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا من شتّى النواحي منها :

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤ / ٥٨٧ [١٠ / ٤٠٦ باب ٢٦]. (المؤلف)

(٢) هو أبو القاسم عبد الواحد البغدادي الشاعر المجيد المتوفّى سنة (٤٣٩). (المؤلف)

(٣) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦١.


١ ـ غزارة علمه التي حدت العلماء إلى البخوع له والرضوخ لتعاليمه ، فكان يختلف إلى منتدى تدريسه الجماهير من فطاحل العلم والنظر فيميرهم بسائغ علمه ، ويرويهم بنمير أنظاره العالية ، فتخرّج من تحت منبره نوابغ الوقت من فقيه بارع ، ومتكلّم مناظر ، وأصوليٍّ مدقِّق ، وأديب شاعر ، وخطيب مُبدع ، وكان يدرُّ من ماله الطائل (١) على تلمذته الجرايات والمسانهات (٢) ، ليتفرّغوا بكلِّهم إلى الدراسة من غير تفكير في أزمة المعيشة ، فكان شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي يقتضي منه في الشهر اثني عشر ديناراً ، والشيخ القاضي ابن البرّاج الحلبي يستوفي ثمانية دنانير ، وكمثلهما بقيّة تلامذته ، وكان قد وقف قرية على كاغد الفقهاء ، ويقال : إنّ الناس أصابهم في بعض السنين قحط شديد فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوته ، فحضر يوماً مجلس الشريف المرتضى وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم فأذن له ، وأمر له بجراية تجري عليه كلّ يوم ، فقرأ عليه برهة ثمّ أسلم على يديه (٣). وكان لم يرَ لثروته الطائلة قيمة تجاه مكارمه وكراماته ، وكان يقول :

وما حزّني الإملاقُ والثروةُ التي

يذلُّ بها أهلُ اليَسارِ ضلالُ

أليس يُبقّي المالَ إلاّ ضنانةٌ

وأفقرَ أقواماً ندى ونوالُ

إذا لم أنَلْ بالمال حاجةَ مُعسرٍ

حصورٍ عن الشكوى فما ليَ مالُ

٢ ـ وشرفه الوضّاح النبويّ الذي ألزم خلفاء الوقت تفويض نقابة النقباء الطالبيّين إليه بعد وفاة أخيه الشريف الرضيّ ، وأنت تعلم أهمّية هذا المنصب يومئذٍ ، حيث أخذ فيه السلطة العامّة على العلويّين في أقطار العالم يرجع إلى نقيبهم حلّها

__________________

(١) كان يدخل عليه من أملاكه كلّ سنة أربعة وعشرون ألف دينار ، كما في معجم الأدباء : ١٣ / ١٥٤. (المؤلف)

(٢) المسانهات : ما يُجرى من العطاء كلَّ سنة.

(٣) الدرجات الرفيعة : [ص ٤٦٠] للعلاّمة السيّد علي خان. (المؤلف)


وربطها ، وتعليمها وتأديبها ، والأخذ بظلاماتهم وأخذها منهم ، والنظر في أمورهم في كلِّ ورد وصدر.

٣ ـ ورفعة بيته وجلالة منبته ، فقد كانت سلسلة آبائه من طرفيه متواصلة من أمير إلى نقيب إلى زعيم إلى شريف ، وهذه مشفوعة بما كان فيه من لباقة وحنكة وحذق في الأمور هي التي أهّلته لأن تُفوَّض إليه إمارة الحاجّ ، فكان يسير بهم سيراً سُجحاً ولا يرجع بهم إلاّ من دعة إلى دعة ، والحجيج بين شاكر لكلاءته ، وذاكر لمقدرته ، ومُطرٍ أخلاقه ، ومتبرِّكٍ بفضائله ، ومثنٍ على أياديه.

٤ ـ ولشموخ محلّه وعظمة قدره بين أظهر الناس ومكانته العالية عند الأهلين ، وجمعه بين سطوة الحماة وثبت القضاة انقادت إليه ولاية المظالم ، فتولّى النقابة شرقاً وغرباً ، وإمارة الحاجّ والحرمين ، والنظر في المظالم ، وقضاء القضاة ثلاثين سنة وأشهراً (١).

قال ابن الجوزي في المنتظم (٢) (٧ / ٢٧٦) : في يوم السبت الثالث من صفر سنة (٤٠٦) قُلّد الشريف المرتضى أبو القاسم الموسوي : الحجّ ، والمظالم ، ونقابة النقباء الطالبيّين ، وجميع ما كان إلى أخيه الرضيّ ، وجمع الناس لقراءة عهد في الدار الملكيّة ، وحضر فخر المُلك والأشراف والقضاة والفقهاء وكان في العهد :

هذا ما عهد عبد الله أبو العبّاس أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى عليّ بن موسى العلوي حين قرّبته إليه الأنساب الزكيّة ، وقدّمته لديه الأسباب القويّة ، واستظلَّ معه بأغصان الدوحة الكريمة ، واختصّ عنده بوسائل الحرمة الوكيدة ، فقُلِّد الحجّ والنقابة وأمره بتقوى الله. إلخ.

__________________

(١) صحاح الأخبار لسراج الدين الرفاعي : ص ٦١ ، والمستدرك [على وسائل الشيعة] : ٣ / ٥١٦ نقلاً عن القاضي التنوخي. (المؤلف)

(٢) المنتظم : ١٥ / ١١١.


يُلقّب بالمرتضى ، والأجلّ الطاهر ، وذي المجدين ، ولُقِّب بعلم الهدى سنة (٤٢٠) وذلك أنّ الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول له : قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى؟ فقال : عليّ بن الحسين الموسوي.

فكتب إليه ، فقال رضى الله عنه : الله الله في أمري فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليَّ ، فقال الوزير : والله ما كتبت إليك إلاّ ما أمرني به أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وكان يُلقّب بالثمانين لِما كان له من الكتب ثمانون ألف مجلّد ، ومن القرى ثمانون قرية تجبى إليه (٢) وكذلك من غيرهما ، حتى إنّ مدّة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنّف كتاباً يُقال له الثمانون.

ولادته ووفاته :

وُلد سيّدنا المرتضى في رجب سنة (٣٥٥) وتوفّي يوم الأحد (٢٥) ربيع الأوّل سنة (٤٣٦) وعلى هذا جلُّ المؤرِّخين لو لا كلّهم. نعم ؛ هناك خلاف يسير (٣) لا يُعبأ به ، وصلّى عليه ابنه ، وتولّى غسله أبو الحسين النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمد ابن الحسن الجعفري وسلاّر بن عبد العزيز الديلمي كما في رجال النجاشي (٤) (ص ١٩٣) ، ودفن في داره عشيّة ذلك النهار ، ثمّ نُقل إلى الحائر المقدّس ودُفن في مقبرتهم ، وكان قبره هناك كقبر أبيه وأخيه الشريف الرضي ظاهراً معروفاً مشهوراً ،

__________________

(١) ذكره شيخنا الشهيد [الأوّل] في أربعينه [ص ٥١]. (المؤلف)

(٢) الرسالة الخراجية للمحقّق الثاني [ص ٨٥]. (المؤلف)

(٣) في عمدة الطالب [ص ٢٠٥] ، وصحاح الأخبار : في (١٥) ربيع الأوّل. وفي كامل ابن الأثير [٦ / ١٢٦ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍] : آخر ربيع الأوّل. وفي المجدي [ص ١٢٦] : آخر سنة (٤٣٦) أو (٤٣٧). وعن خطّ الشهيد الأوّل : يوم الأحد السادس والعشرين من ربيع الأوّل. كلّ هذه مما لا يُعبَأ به. (المؤلف)

(٤) رجال النجاشي : ص ٢٧١ رقم ٧٠٨.


كما في عمدة الطالب (١) ، وصحاح الأخبار ، والدرجات الرفيعة (٢).

وهناك فتاوى مجرّدة من قذف سيّدنا المترجم بالاعتزال تارةً وبالميل إليه أخرى ، وبنسبة وضع كتاب نهج البلاغة إليه طوراً من أبناء حزم وجوزيٍّ وخلّكان وكثير والذهبيّ ومن لفّ لفّهم من المتأخِّرين (٣) ، وبما أنّها دعاوى فارغة غير مدعومة بشاهد ، وكتب سيّدنا الشريف تهتف بخلافها ، ومن عرفه من المنقِّبين لا يشكُّ في ذلك ، وقد أثبتنا نسبة نهج البلاغة إلى الشريف الرضي بترجمته ، نضرب عن تفنيد تلكم الهَلْجات (٤) صفحاً.

ولابن كثير في البداية والنهاية (٥) (١٢ / ٥٣) عند ذكر السيّد سباب مقذع ، وتحامل على ابن خلّكان في ثنائه عليه جرياً على عادته المطّردة مع عظماء الشيعة ـ وكلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ ، ونحن لا نقابله إلاّ بما جاء به الذكر الحكيم : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦).

نبذة من ديوان المرتضى

ومن شعر سيّدنا علم الهدى المرتضى نقلاً عن ديوانه (٧) قوله يفتخر ويعرِّض ببعض أعدائه ، يوجد في الجزء الأوّل منه :

أمّا الشبابُ فقد مضتْ أيّامُهُ

واستُلَّ من كفّي الغداةَ زمامُه

__________________

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص ٢٠٥.

(٢) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦٣.

(٣) نظراء جرجي زيدان في آداب اللغة : ١ / ٢٨٨ [مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة : مج ١٤ / ١٣٨] ، والزركلي في الأعلام : ص ٦٦٧ [٤ / ٢٧٨]. (المؤلف)

(٤) الهَلْج : ما لم يوقن من الأخبار.

(٥) البداية والنهاية : ١٢ / ٦٧ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍.

(٦) الفرقان : ٦٣.

(٧) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣٩٣.


وتنكّرت آياتُه وتغيّرتْ

جاراتُهُ وتقوّضتْ آطامُه

ولقد درى مَن في الشباب حياتُه

أنّ المشيبَ إذا علاه حِمامُه

عوجا نُحَيِّ الربعَ يدللْنا الهوى

فلربّما نفع المحبَّ سلامُه

واستعبرا عنّي به إن خانني

جَفني فلم يمطر عليه غمامُه

فمن الجفونِ جوامدٌ وذوارفٌ

ومن السحابِ رُكامُه وجَهامُه (١)

دِمَنٌ رضعتُ بهنَّ أخلافَ الصبا

لو لم يكن بعد الرضاعِ فطامُه

ولقد مررتُ على العقيقِ فشفّني

أن لم تغنِّ على الغصونِ حمامُه

وكأنّه دَنِفٌ تجلّدَ مؤنساً

عوّادَهُ حتى استبانَ سقامُه

من بعد ما فارقتُه فكأنّه

نشوانُ تمسحُ تربَه آكامُه

مَرِحٌ يهزُّ قناتَهُ لا يأتلي

أَشَرُ الصبا وغرامُه وعرامُه (٢)

تندى على حرِّ الهجيرِ ظلالُهُ

ويضيء في وقت العشيِّ ظلامُه

وكأنّما أطيارُه ومياهُهُ

للنازليه قِيانُه ومُدامُه

وكأنّ آرامَ النساءِ بأرضِهِ

للقانصي طَرْدِ الهوى آرامُه

وكأنّما بردُ الصبا حوذانُه

وكأنّما ورقُ الشبابِ بَشامُه (٣)

وعَضيهةٌ جاءتك من عبقٍ بها

أزرى عليك فلم يجرْه كلامُه (٤)

ورماك مجترياً عليك وإنّما

وافاك من قعرِ الطويّ سلامُه

وكأنّما تسفي الرياح بعالجٍ

ما قال أو ما سطّرت أقلامُه

وكأنّ زُوراً لُفِّقتْ ألفاظُهُ

سلكٌ وهى فانحلَّ عنه نظامُه

وإذا الفتى قعدتْ به أخوالُه

في المجدِ لم تنهضْ به أعمامُه

__________________

(١) الركام من السحاب : المتراكم. الجهام : الذي لا مطر فيه.

(٢) لا يأتلي : لم يقصِّر. الأشَر : البطَر. العرام : الشراسة.

(٣) الحوذان والبشام : نبتان طيّبا الرائحة.

(٤) العَضِيهة : الإفْك والبُهْتان والنَّمِيمة.


وإذا خصالُ السوء باعَدْنَ امرءاً

عن قومه لم تُدْنِهِ أرحامُه

ولَكَمْ رماني قبلَ رميكَ حاسدٌ

طاشتْ ولم تخدشْ سواه سهامُه

ألقى كلاماً لم يضرني وانثنى

ونُدوبُهُ في جلدِهِ وكِلامُه (١)

هيهاتَ أن أُلفَى وسيل (٢) مُسافِهٍ

ينجو به يوم السبابِ لطامُه

أو أن أُرى في معركٍ وسلاحُه

بدلَ السيوفِ قذافُه وعِذامُه (٣)

ومن البلاءِ عداوةٌ من خاملٍ

لا خلفُهُ لعُلىً ولا قُدّامُه

كثرتْ مساويه فصارَ كمدحِهِ

بين الخلائقِ عيبُهُ أو ذامُه

والخرقُ كلُّ الخرقِ من متفاوتِ ال

أفعالِ يتلو نقضَه إبرامُه

جدِبَ الجنابُ فَجارُهُ في أزمةٍ

والضيفُ موكولٌ إليه طعامُه

وإذا علقتَ بحبلِهِ مستعصماً

فكفقعِ قرقرةٍ يكون ذمامُه

وإذا عهودُ القومِ كنَّ كنبعِهمْ

فالعهدُ منه يراعُه وثُمامُه (٤)

وأنا الذي أعييتُ قبلَكَ من رستْ

أطوادُهُ واستشرفتْ أعلامُه

وتتبّعَ المعروفَ حتى طُنِّبتْ

جوداً على سَنَنِ الطريقِ خيامُه (٥)

وتناذرتْ أعداؤهُ سطواتِهِ

كالليث يُرهبُ نائياً إرزامُه (٦)

وترى إذا قابلتَهُ عن وجهِهِ

كالبدرِ أشرقَ حينَ تمَّ تمامُه

حتى تذلّلَ بعد لأيٍ صعبُهُ

وانقادَ منبوذاً إليَّ خطامُه

يُهدى إليّ على المغيبِ ثناؤهُ

وإذا حضرتُ أظلّني إكرامُه

فمضى سليماً من أذاة قوارصي

واستام ذمّي بعده مستامُه

__________________

(١) الكِلام : الجراح.

(٢) في الديوان (رسيل).

(٣) العِذام : العضّ.

(٤) اليراع ـ جمع يراعة ـ : القصب. الثمام ـ جمع ثمامة ـ : نبت ضعيف يشبه الخوص.

(٥) السنن : وسط الطريق.

(٦) الإرزام : صوت الأسد.


والآن يوقظني لِنَحتِ صَفاتِهِ

من طال عن أخذِ الحقوقِ نيامُه (١)

ويسومني ولئن خلوت فإنّني

مَقِرٌ وفي حنك العدوِّ سِمامُه (٢)

فلبئسما منّته منّي خالياً

خطراتُه أو سوّلتْ أحلامُه

أمّا الطريفُ من الفخارِ فعندنا

ولنا من المجدِ التليدِ سنامُه

ولنا من البيتِ المحرّمِ كلّما

طافت بهِ في موسمٍ أقدامُه

ولنا الحطيمُ وزمزمٌ وتراثُنا

نعم التراثُ عن الخليلِ مَقامُه

ولنا المشاعرُ والمواقفُ والذي

تُهدى إليه من مِنىً أنعامُه

وبجدِّنا وبصنوِه دُحيتْ عن ال

ـبيتِ الحرامِ وزُعزعتْ أصنامُه

وهما علينا أطلعا شمسَ الهدى

حتى استنار حلالُه وحرامُه

وأبي الذي تبدو على رغمِ العدى

غرّا محجّلةً لنا أيّامُه

كالبدرِ يكسو الليلَ أثوابَ الضحى

والفجر شبّ على الظلامِ ضرامُه

وهو الذي لا يقتفي في موقفٍ

أقدامَهُ نكْصٌ به إقدامُه

حتى كأنّ نجاتَه هي حتفُهُ

ووراءَه ممّا يخافُ أمامُه

ووقى الرسولَ على الفراشِ بنفسِهِ

لمّا أراد حمامَهُ أقوامُه

ثانيه في كلِّ الأمورِ وحصنُهُ

في النائباتِ وركنُه ودعامُه

لله درُّ بلائهِ ودفاعِه

واليوم يغشى الدارعين قتامُه

وكأنّما أُجمُ العوالي غِيلُهُ

وكأنّما هو بينها ضرغامُه (٣)

وترى الصريعَ دماؤه أكفانُه

وحنوطُه أحجارُه ورغامُه

والموت من ماء الترائب وِردُه

ومن النفوسِ مزادُه ومسامُه

طلبوا مداه ففاتهمْ سبقاً إلى

أمدٍ يشقُّ على الرجالِ رام مُه

__________________

(١) الصفاة ـ بفتح الصاد ـ : الصخرة ، ونحت صَفاته : عابه.

(٢) المَقِر : المُرّ.

(٣) الأجَم ـ جمع الأجمة ـ : الشجر الكثير الملتفّ. المغيل : مكمن الأسد.


فمتى أجالوا للفخار قِداحَهمْ

فالفائزاتُ قِداحُه وسهامُه

وإذا الأمورُ تشابهتْ واستبهمتْ

فجلاؤها وشفاؤها أحكامُه

وترى النديَّ إذا احتبى لقضيّةٍ

عوجاً إليها مصغياتٍ هامُه

يفضي إلى لبِّ البليدِ بيانُه

فيعي وينشئُ فهمَه إفهامُه

بغريب لفظٍ لم تُدِرْهُ سقاته

ولطيفِ معنىً لم يُفضّ ختامُه

وإذا التفتَّ إلى التقى صادفتَه

من كلِّ برٍّ وافراً إقسامُه

فالليلُ فيه قيامُه مُتهجِّداً

يتلو الكتابَ وفي النهارِ صيامُه

يطوي الثلاثَ تعفّفاً وتكرّماً

حتى يُصادفَ زادَهُ معتامُه

وتراه عريانَ اللسانِ من الخنا

لا يهتدي للأمرِ فيه ملامُه

وعلى الذي يرضي الإلهَ هجومُه

وعن الذي لا يرتضي إحجامُه

فمضى بريئاً لم تَشِنْهُ ذنوبُهُ

يوماً ولا ظفرتْ به آثامُه

ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتَها

فالسيلُ أطبقَ لا يعدُّ ركامُه

تعلو على مَن رام يوماً نَيْلَها

من يَذبُلٍ هضباتُه وإكامُه (١)

وقال في الجزء الرابع من ديوانه (٢) يرثي الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة (٤٢٧):

أما ترى الربعَ الذي أقفرا

عراهُ من ريب البلى ماعرا

لو لم أكنْ صبّا لسكّانِه

لم يجرِ من دمعي لهُ ما جرى

رأيتُه بعد تمامٍ له

مقلِّباً أبطُنَه أظهرا

كأنّني شكّا وعلماً به

أقرأ من أطلالِه أسطرا

وقفت فيه أينُقاً ضُمّراً

شذّب من أوصالهنّ السرى (٣)

__________________

(١) يذبُل : اسم جبل.

(٢) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٨٧.

(٣) الأينُق والنوق : جمع الناقة.


لي بأناسٍ شغلٌ عن هوىً

ومعشري أبكي لهم معشرا

أجِلْ بأرضِ الطفِّ عينيك ما

بين أُناسٍ سُربلوا العِثْيرا

حَكّمَ فيهم بغيُ أعدائِهم

عليهمُ الذؤبانَ والأنسُرا

تخال من لألاء أنوارِهم

ليلَ الفيافي بهمُ مُقمرا

لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا

بالطعن إلاّ العَلَقَ الأحمرا

من كلِّ طيّانِ الحشا ضامرٍ

يركبُ في يومِ الوغى ضمّرا

قل لبني حربٍ وكم قولةٍ

سطّرها في القوم من سطّرا

تِهتُمْ عن الحقِّ كأنّ الذي

أنذركمْ في اللهِ ما أنذرا

كأنّه لم يقرِكمْ ضُلَّلاً

عن الهدى القصدَ بأُمِّ القرى

ولا تدرّعتمْ بأثوابِهِ

من بعد أن أصبحتمُ حُسّرا

ولا فريتمْ أدَماً إمرة (١)

ولم تكونوا قطُّ ممّن فرى

وقلتمُ عنصرُنا واحدٌ

هيهات لا قُربى ولا عنصرا

ما قدّم الأصلُ امرءاً في الورى

أخّره في الفرعِ ما أخّرا

طرحتمُ الأمرَ الذي يُجتنى

وبعتمُ الشيءَ الذي يُشترى

وغرّكمْ بالجهل إمهالُكمْ

وإنّما اغترَّ الذي غُرِّرا

حلّأتمُ بالطفِّ قوماً عن ال

ـماء فحُلِّئتمْ به الكوثرا

فإن لقَوا ثَمّ بكم منكراً

فسوف تلقونَ بهم منكرا

في ساعةٍ يحكمُ في أمرِها

جدُّهم العدل كما أُمّرا

وكيف بعتمْ دينَكم بالذي اس

ـتنزره الحازمُ واستحقرا

لو لا الذي قُدِّر من أمركمْ

وجدتمُ شأنَكمُ أحقرا

كانت من الدهر بكم عثرةٌ

لا بدّ للسابقِ أن يَعثرا

__________________

(١) في الديوان : مرّةً.


لا تفخروا قطُّ بشيءٍ فما

تركتمُ فينا لكم مفخرا

ونلتموها بيعةً فلتةً (١)

حتى ترى العينُ الذي قُدِّرا

كأنّني بالخيلِ مثلُ الدَّبا

هبّت به نكباؤه صرصرا (٢)

وفوقها كلُّ شديدِ القوى

تخالُه من حنقٍ قسورا

لا يمطر السمر غداة الوغى

إلاّ برشِّ الدمِ إن أمطرا

فيرجع الحقُّ إلى أهلِهِ

ويُقبِلُ الأمرُ الذي أدبرا

يا حججَ اللهِ على خلقِهِ

ومَن بهم أبصرَ من أبصرا

أنتم على اللهِ نزولٌ وإن

خال أُناسٌ أنّكمْ في الثرى

قد جعلَ اللهُ إليكم كما

علمتمُ المبعثَ والمحشرا

فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن

شفّعكمْ في العفوِ أن يغفرا

إذا تولّيتكمُ صادقاً

فليس منّي منكرٌ منكرا

نصرتكمْ قولاً على أنّني

لَآمِلٌ بالسيفِ أن أنصرا

وبين أضلاعيَ سرٌّ لكم

حوشيَ أن يبدو وأن يظهرا

أنظرُ وقتاً قيل لي : بُح به

وحقَّ للموعود أن ينظرا

وقد تصبّرتُ ولكنّني

قد ضقتُ أن أكظمَ أو أصبِرا

وأيّ قلبٍ حملت حزنَكمْ

جوانحٌ منه وما فُطّرا

لا عاش من بعدكمُ عائشٌ

فينا ولا عُمِّر من عُمِّرا

ولا استقرّت قدمٌ بعدَكمْ

قرارَها مبدي ولا محضرا

ولا سقى اللهُ لنا ظامئاً

من بعد أن جُنّبتمُ الأبحرا

ولا علتْ رجلٌ وقد زحزحتْ

أرجلُكم عن متنه مِنبرا

__________________

(١) أشار إلى ما أخرجه الحفّاظ عن عمر أنّه قال : بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرَّها. (المؤلف)

(٢) النكباء : الريح. الدَّبا : صغار الجراد قبل أن يطير.


وقال في الجزء الرابع من ديوانه (١) وهو يفتخر :

ما لَكِ فيَّ ربّةَ الغلائلِ

والشيبُ ضيفُ لِمّتي من طائلِ

أما ترين في شواتي (٢) نازلاً

لا متعةٌ لي بعده بنازلِ

محا غرامي بالغواني صبغُهُ

واجتثَّ من أضالعي بلابلي

ولاح في رأسيَ منهُ قبسٌ

يدلُّ أيّامي على مقاتلي

كان شبابي في الدمى وسيلةً

ثمّ أنقضتْ لمّا انقضتْ وسائلي

يا عائبي بباطلٍ ألِفتُهُ

خذ بيديك مِن تَمَنٍّ باطلِ

لا تعذلنِّي بعدها على الهوى

فقد كفاني شيبُ رأسي عاذلي

وقلْ لقومٍ فاخرونا ضلّةً

أين الحُصيّاتُ من الجراولِ (٣)

وأين قاماتٌ لكم دميمةٌ

من الرجالِ الشمّخِ الأطاولِ

نحن الأعالي في الورى وأنتمُ

ما بينهم أسافلُ الأسافلِ

ما تستوي فلا تروموا معوزاً

فضائلُ الساداتِ بالرذائلِ (٤)

ما فيكمُ إلاّ دنيٌّ خاملٌ

وليس فينا كلِّنا من خاملِ

دعوا النباهاتِ على أهلٍ لها

وعرِّسوا في أخفضِ المنازلِ

ولا تعوجوا بمهبٍّ عاصفٍ

ولا تقيموا في مصبِّ الوابلِ

أما ترى خيرَ الورى معاشري

ثمّ قبيلي أفضلَ القبائلِ

ما فيهمُ إن وُزِنوا من ناقصٍ

وليس فيهم خبرةٌ من جاهلِ

أقسمت بالبيتِ تطوفُ حولَه

أقدامُ حافٍ للتقى وناعلِ

وما أراقوه على وادِي مِنىً

عند الجمارِ من نجيعٍ سائلِ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣٤٣.

(٢) الشواة : جلدة الرأس. (المؤلف)

(٣) الجراول ـ جمع جرولة وجرول ـ : الحجارة. (المؤلف)

(٤) المُعوِز : المتعذّر.


وأذرعٍ حاسرةٍ ترمي وقد

حانَ طلوعُ الشمسِ بالجنادلِ (١)

والموقفينِ حطَّ ما بينهما

عن ظهرِهِ الذنوبَ كلُّ حاملِ

فإن يَخِبْ قومٌ على غيرهِما

فلم يخِبْ عندهما من آملِ

لقد نمتني من قريش فتيةٌ

ليسوا كمن تعهدُ في الفضائلِ

الواردين من عُلىً ومن تقىً

دون المنايا صفوةَ المناهلِ

قومٌ إذا ما جُهِلوا في معركٍ

دَلّوا على الأعراقِ بالشمائلِ

كأنّهم أُسْد الشرى يومَ الوغى

لكنّهمْ أهلّةُ المحافلِ

إن ناضلوا فليسَ من مناضلٍ

أو ساجلوا فليس من مساجلِ

سل عنهمُ إن كنتَ لا تعرفهمْ

سَلَّ الظبا وشُرّعَ العواملِ (٢)

وكلَّ منبوذٍ على وجه الثرى

تسمعُ فيه رنّةَ الثواكلِ

كأنّما أيديهمُ مناصلٌ

يلعبنَ يومَ الروعِ بالمناصلِ

من كلِّ ممتدِّ القناة سامقٍ

يقصُرُ عنه أطولُ الحمائلِ

ما ضرّني والعارُ لا يطوُر بي

إن لم أكن بالملك الحُلاحلِ (٣)

ولم أكن ذا صامتٍ وناطقٍ

ولم أرُح بباقرٍ وجاملِ (٤)

خيرٌ من المالِ العتيدِ بذلُهُ

في طُرُقِ الإفضال والفواضلِ

والشكرُ ممّن أنتَ مُغنٍ فقرَهُ

خيرٌ إذا أحرزتَه من نائلِ

فلا تعرّضْ منك عِرْضاً أملساً

لخدشةِ اللُّوام والقوائلِ

فليس فينا مُقدمٌ كمحجِمٍ

وليس منّا باذلٌ كباخلِ

وما الغنى إلاّ حبالات العنا (٥)

فانجُ إذا شئتَ من الحبائلِ

__________________

(١) الجنادل : الصخور.

(٢) العوامل : الرماح.

(٣) يطور : يقرب منه أو يحوم حواليه. الحُلاحل : السيّد الشجاع.

(٤) الباقر : جماعة البقر مع راعيها ، والجامل : جماعة الجمال.

(٥) في الديوان : حِبالات الثنا.


إلى متى أحملُ من ثِقْلِ الورى

ما لم يُطِقْه ظهرُ عَوْدٍ بازلِ

إن لم يزرني الهمُّ إصباحاً أتى

ولم أعِرْهُ الشوقَ في الأصائلِ

وكم مقامٍ في عراصِ ذلّةٍ

وعَطَنٍ عن العلاءِ سافلِ

وكم أظلُّ مُفْهَقاً من الأذى

معلّلاً دهريَ بالأباطلِ (١)

كأنّني وقد كملتُ دونهمْ

رضاً بدون النَّصفِ غيرُ كاملِ

محسودةٌ مغبوطةٌ ظواهري

لكنّها مرحومةٌ دواخلي

كأنّني شِعبٌ جفاه قطرُهُ

أو منزلٌ أقفرُ غيرُ آهلِ

فقل لحسّادي أفيقوا فالذي

أغضبكم منِّيَ غيرُ آفلِ

أنا الذي فضحت قولاً مصقعاً

مقاولي وفي العلى مطاولي

إن تبتنوا من العدى معاقلاً

فإنّ في ظلِّ القنا معاقلي

لا تستروا فضلي الذي أُوتيته

فالشمسُ لا تُحجَبُ بالحوائلِ

فقد فررتمْ أبداً من سطوتي

فرَّ القطا الكدرِ من الأجادلِ

ولا تذق أعينُكُمْ طعمَ الكرى

وعندكمْ وفيكمُ طوائلي

تقوا الردى وحاذروا الشرَّ الذي

شبَّ أُواري فغلتْ مَراجلي

وجُنَّ تيّارُ عُبابي واشتكتْ

خروقُ أسماعِكمُ صلاصلي

إن لم أطِرْكمْ مِزَقاً تحملكمْ

نُكْبُ الأعاصيرِ مع القساطلِ

فلا أجبتُ من صريخٍ دعوةً

ولا أطعتُ يومَ جودٍ سائلي

ولا أناخ كلُّ قومي كَلَّهمْ

في مغنمٍ أو مغرمٍ بكاهلِ (٢)

وفي غدٍ تُبصرها مُغيرةً

على الموامي كالنعام الجافلِ (٣)

يخرجن من كلِّ عجاج كالدجى

مثل الضحى بالغرر السوائلِ

__________________

(١) مُفهَقاً : ممتلئاً.

(٢) الكَلّ : الضعيف ، اليتيم. الكاهل من القوم : سندهم ومعتمدهم. (المؤلف)

(٣) الموامي : جمع الموماة ، وهي الفلاة الواسعة.


من يرهنَّ قال مَن هذا الذي

سدَّ الملا بالنعم المطافلِ

وفوقهنّ كلُّ مرهوبِ الشذا

يروي السنانَ من دمِ الشواكلِ (١)

أبيضُ كالسيفِ ولكن لم يعُجْ

صقالُهُ على يمينِ صاقلِ

حيث ترى الموتَ الزؤامَ بالقنا

مستحِبَ الأذيالِ والذلاذلِ (٢)

والنقعُ يغشى العينَ عن لحاظها

والركضُ يرمي الأرضَ بالزلازلِ

وبزّت الأسلاب أو تمخّضتْ

بلا تمامٍ بطنُ كلِّ حاملِ

ولم يَجُزْ هَمُّ الفتى عن نفسِهِ

وذُهِلَ الحيُّ عن العقائلِ

إن لم أنلْ في بابلٍ مآربي

فلي إذا ما شئتُ غيرُ بابلِ

وإن أَبِتْ في وطنٍ مقلقلاً

أبدلتُه بأظهرِ الرواحلِ

وإن تضق بي بلدةٌ واحدةٌ

فلم تضِقْ في غيرِها مجاولي

وإن نبا عنّي خليلٌ وجفا

نفضتُ من ودّي له أناملي

خيرٌ من الخصب مع الذلّ به

معرّسٌ على المكانِ الماحلِ

وقال في الافتخار في الجزء الرابع من ديوانه (٣):

ما ذا جنتْهُ ليلةُ التعريفِ

شغفتْ فؤاداً ليس بالمشغوفِ

ولو انّني أدري بما حُمِّلتُهُ

عند الوقوفِ حذرتُ يومَ وقوفي

ما زال حتى حلَّ حَبَّ قلوبِنا

بجمالِه سِربُ الظباء الهيفِ

وأرتْكَ مُكْتَتَمَ المحاسنِ بعد ما

ألقى تقى الإحرامِ كلّ نصيفِ

وقنعتُ منها بالسلامِ لو انّه

أروى صدى أو بلَّ لهفَ لهيفِ

والحبُّ يُرضِي بالطفيفِ معاشراً

لم يرتضوا من قبلِهِ بطفيفِ

ويخفّ مَن كان البطيء عن الهوى

فكأنّه ما كان غيرَ خفيفِ

__________________

(١) شواكل ـ جمع شاكلة ـ : الخاصرة. (المؤلف)

(٢) الزؤام : العاجل ، وقيل : سريع مجهّز. الذلاذل جمع ذُلذل ، وذُلذل : أسفل الثوب. (المؤلف)

(٣) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ١٣٧.


يا حبَّها رفقاً بقلبٍ طالما

عرّفتَه ما ليس بالمعروفِ

قد كان يرضى أن يكون محكّماً

في لُبِّه لو كنتَ غيرَ عنيفِ

أطرحتِ يا ظمياءُ ثقلَكِ كلَّه

يومَ الوداعِ على فقارِ ضعيفِ

يقتاده للحبِّ كلُّ مُحبّبٍ

ويروعه بالبينِ كلُّ أليفِ

وكأنّني لمّا رجعتُ عن النوى

أبكي رجعتُ بناظرٍ مطروفِ

وبزفرةٍ شهدَ العذولُ بأنّها

من حاملٍ ثقلَ الهوى ملهوفِ

ومتى جحدتُهمُ الغرامَ تصنّعاً

ظهروا عليهِ بدمعيَ المذروفِ

وعلى مِنىً غُرَرٌ رمين نفوسَنا

قبل الجِمار من الهوى بحتوفِ

يسحبن أذيالَ الشفوفِ غوانياً

بالحُسن عن حَسَنٍ بكلِّ شُفوفِ

وعدلن عن لبسِ الشنوفِ وإنّما

هنّ الشنوفُ محاسناً لشنوفِ (١)

وتعجّبتْ للشيب وهي جنايةٌ

لدلال غانيةٍ وصدّ صدوفِ

وأناطتِ الحسناءُ بي تبعاتِهِ

فكأنّما تفويفه تفويفي (٢)

هو منزلٌ بُدِّلتُهُ من غيرِهِ

وهو الغنى في المنزل المألوفِ

لا تُنكرِيه فهو أبعدُ لُبْسةً

عن قذف قاذفةٍ وقَرفِ قَروفِ (٣)

وبعيدة الأقطارِ طامسة الصوى

من طولِ تطوافِ الرياحِ الهوفِ

لا صوتَ فيها للأنيسِ وإنّما

لعصائبِ الجِنّان جرسُ عزيفِ

وكأنّما حُزُقُ النعام بدوّها

ذودٌ شردن لزاجرٍ هنّيفِ (٤)

قَطَعَتْ ركابي وهي غيرُ طلائحٍ

مع طولِ إيضاعي وفرطِ وجيفي

أبغي الذي كلُّ الورى عن بغيِهِ

من بين مصدودٍ ومن مصدوفِ

__________________

(١) الشنوف : كالأقراط إلاّ أنّها تعلّق في أعلى الأذن.

(٢) التفويف في الثوب : الخطوط البيضاء فيه.

(٣) اللبسة : الشبهة. القرْف : ذكر الشخص بسوء.

(٤) الحُزُق ـ جمع الحزيقة ـ : الجماعة. الدوّ : المفازة. الهنّيف : المعنف في السير ، مأخوذة من التهنيف وهو الإسراع.


والعزّ في كَلفِ الرجالِ ولم يُنَلْ

عزٌّ بلا نَصبٍ ولا تكليفِ

والجدبُ مغنىً للأعزّةِ دارِهٌ

والذلُّ بيتٌ في مكانِ الريفِ

ولقد تعرّقتِ النوائبُ صَعدتي

وأجاد صَرفُ الدهر من تثقيفي

وحللت من ذلِّ الأنامِ بنجوةٍ

لا لومتي فيها ولا تعنيفي

فبدارِ أنديةِ الفخارِ إقامتي

وعلى الفضائلِ مربعي ومصيفي

وسرى سُرى النجمِ المحلِّقِ في العلى

نظمي وما ألّفتُ من تصنيفي

ورأيتُ من غدرِ الزمانِ بأهلِهِ

من بعد أن أمنوه كلَّ طريفِ

وعجبت من حَيْدِ القويِّ عن الغنى

طولَ الزمانِ وخطوةِ المضعوفِ

وعَمَى الرجالِ عن الصوابِ كأنّهمْ

يعمون عمّا ليس بالمكشوفِ

وفديتُ عِرضي من لئامِ عشيرتي

بنزاهتي عن سيِّيءٍ وعُزوفي (١)

فبقدر ما أحميهمُ ما ساءهمْ

أُعطيهمُ من تالدي وطريفي

كم رُوِّعَ الأعداءُ قبل لقائهم

ببروقِ إيعادي ورعدِ صريفي

وكأنّهم شَرَدٌ سوامُهمُ وقد

سمعوا على جوِّ السماء حفيفي

قومي الذين تملّكوا رِبَقَ الورى

بطعانِ أرماحٍ وضربِ سيوفِ

ومواقفٍ في كلِّ يومِ عظيمةٍ

ما كان فيها غيرُهم بوَقوفِ

ومشاهدٍ ملأتْ شعوبَ عداهمُ

بقذىً لأجفانٍ ورغم أُنوفِ

هم خوّلوا النِّعمَ الجسامَ وأمطروا

في المملقينَ غمائمَ المعروفِ

وكأنّهم يوم الوغى خللَ القَنا

حيّاتُ رمل أو أُسودُ غريفِ (٢)

كم راكبٍ منهم لغاربِ سَدفَةٍ

طرباً لجود أو مهينِ سديفِ (٣)

ومُتيَّمٍ بالمكرماتِ وطالما

ألِفَ الندى من كان غيرَ ألوفِ

__________________

(١) العزوف : ترك الشيء والانصراف عنه. (المؤلف)

(٢) الغريف : الجماعة من الشجر الملتفّ.

(٣) السدفة : ظلمة أوّل الليل وآخره. السديف : شحم السنام.


وحللتُ أنديةَ الملوكِ مجيبةً

صوتي ومصغيةً إلى توقيفي

وحميتُهمْ بالحزمِ كلَّ عَضيهةٍ

وكفيتُهمْ بالعزم كلَّ مخوفِ

وتراهمُ يتدارسون فضائلي

ويصنِّفون من الفخارِ صُنوفي

ويردِّدون على الرواةِ مآثري

ويعدِّدون من العلاء ألوفي

ويسيّرون إلى ديارِ عدوِّهم

من جند رأيي العالِمين زحوفي

وإذا همُ نَكِروا غريباً فاجئاً

فَزِعوا بنُكرِهمُ إلى تعريفي

دفعوا بيَ الخطبَ العظيمَ عليهمُ

واستعصموا حذرَ العدى بكنوفي

وصحبتُ منهم كلَّ ذي جبريّةٍ

سامٍ على قُلَل البريّةِ موفِ

ترنو إليك وقد وقفتَ إزاءَهُ

بين الوفودِ بناظِرَي غطريفِ

فالآنَ قل للحاسدين تنازحوا

عن شمسِ أُفقٍ غير ذات كسوفِ

ودعوا لسيل الواديين طريقَه

فالسيلُ جرّافٌ لكلِّ جروفِ

وتزوّدوا يأسَ القلوبِ عن الندى

فمنيفةٌ دارٌ لكلِّ مُنيفِ

وارضَوا بأن تمشوا ولا كرمٌ لكمْ

في دارِ مجدِ الأكرمين ضيوفي

وقال في الجزء الخامس من ديوانه (١) يرثي جدّه الطاهر الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام ومن قُتل معه :

يا دارُ دارَ الصوَّمِ القوّمِ

كيف خلا أُفقُكِ من أنجُمِ

عهدي بها يرتعُ سكّانُها

في ظلِّ عيشٍ بينها أنعمِ

لم يصبحوا فيها ولم يغبُقوا

إلاّ بكأسَيْ خمرةِ الأنعَمِ (٢)

بكيتُها من أدمعٍ لو أبت

بكيتُها واقعةً من دمِ

وعُجْتُ فيها راثياً أهلَها

سَواهِمَ الأوصالِ والملطمِ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٤٨٢.

(٢) الاصطباح : هو الشرب صبحاً. الاغتباق : الشرب ليلاً. الأنعم : موضع.


نحلنَ حتى حالهنَّ السرى

بعضَ بقايا شَطَنٍ مُبرَمِ (١)

لم يدع الإسآد هاماتِها

إلاّ سقيطاتٍ على المَنسمِ (٢)

يا صاحبي يوم أزالَ الجوى

لحمي بخدّيَّ عن الأعظُمِ

واريتُ ما أنت به عالمٌ

ودائيَ المعضلَ لم تعلمِ

ولستُ فيما أنا صبٌّ به

مَن قَرَنَ الساليَ بالمغرمِ

وجدي بغيرِ الظعنِ سيّارةً

من مَخرِمٍ ناءٍ إلى مَخرِمِ (٣)

ولا بلفّاءَ هضيمِ الحشا

ولا بذاتِ الجيدِ والمِعصَمِ

فاسمع زفيري عند ذكري الأُلى

بالطفِّ بين الذئبِ والقشعَمِ (٤)

طرحى فإمّا مقعَصٌ بالقنا

أو سائلُ النفس على مِخذمِ (٥)

نثراً كدرٍّ بددٍ مهملٍ

أغفله السلكُ فلم ينظمِ

كأنّما الغبراءُ مرميّةٌ

من قِبَلِ الخضراءِ بالأنجمِ

دُعوا فجاؤوا كرماً منهمُ

كم غرَّ قوماً قسَمُ المقسِمِ

حتى رأوها أُخريات الدجى

طوالعاً من رَهَجٍ أقتمِ

كأنّهم بالصمّ مطرورةٌ

لمنجد الأرضِ على مُتهمِ

وفوقها كلُّ مغيظِ الحشا

مكتحلِ الطرفِ بلون الدمِ

كأنّه من حنقٍ أجدلٌ

أرشده الحرصُ إلى مَطْعَمِ

فاستقلبوا الطعنَ إلى فتيةٍ

خُوّاضِ بحرِ الحذَرِ المفعَمِ

من كلِّ نهّاضٍ بثقلِ الأذى

موكّلِ الكاهلِ بالمعظَمِ

__________________

(١) الشطن : الحبل.

(٢) الإسآد : السير ليلاً بلا استراحة. المنْسِم : خفّ البعير.

(٣) المخرِم : منقطع أنف الجبل.

(٤) القشعم : النسر.

(٥) مقعص من أقعص الرجل : قتله مكانه ، أجهز عليه. مخذم : آلة الخذم. والخذم : القطع بسرعة.(المؤلف)


ماضٍ لما أمَّ فلو جادَ في ال

ـهيجاءِ بالحوباءِ لم يندَمِ

وكالفٍ بالحربِ لو أنّه

أُطعِمَ يَوم السلم لم يطعمِ

مثلَّمِ السيفِ ومن دونه

عرْضٌ صحيحُ الحدِّ لم يُثْلَمِ

فلم يزالوا يُكرعون الظُّبا

بين تراقي الفارسِ المُعْلَمِ

فمُثخَنٌ يحمل شهّاقةً

تحكي لراءٍ فغرة الأعلمِ (١)

كأنّما الوَرسُ بها سائلٌ

أو أُنبِتَتْ من قُضُبِ العَنَدمِ

ومستزلٌّ بالقنا عن قَرا

عبلِ الشوى أو عن مطا أدهمِ (٢)

لو لم يكيدوهم بها كيدَةً

لانقلبوا بالخِزي والمرغمِ

فاقتُضِبتْ بالبيضِ أرواحُهمْ

في ظلِّ ذاك العارضِ الأسحمِ

مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ

ورهطِهِ في الملأ الأعظمِ

رزءٌ ولا كالرزءِ من قبلِهِ

ومؤلمٌ ناهيك من مؤلِمِ

ورميةٌ أصمتْ ولكنّها

مصميةٌ من ساعدٍ أجذَمِ

قل لبني حربٍ ومن جمّعوا

من حائرٍ عن رشده أو عَمِي

وكلِّ عانٍ في إسارِ الهوى

يُحسَب يقظانَ من النوَّمِ

لا تحسبوها حلوةً إنّها

أمرُّ في الحلق من العلقمِ

صرّعهمْ أنّهمُ أقدموا

كم فُدي الُمحجِمُ بالمُقدِمِ

هل فيكمُ إلاَّ أخو سوءَةٍ

مجرّحُ الجلدِ من اللوّمِ

إن خاف فقراً لم يجُد بالندى

أو هاب وشكَ الموتِ لم يُقدمِ

يا آل ياسينَ ومَن حبُّهمْ

منهجُ ذاك السَّنَنِ الأقومِ

مهابطُ الأملاكِ أبياتُهمْ

ومستقرُّ المُنزَلِ المحكَمِ

__________________

(١) المثخن : الذي أثخنته الجراحات. الشهّاقة : الرمح. الفغرة : الفتحة. الأعلم : الذي شُقّت شفته العليا.

(٢) القرا : الظهر. العبل : الضخم. الشوى : الأعضاء. المطا : الظهر.


فأنتمُ حجّةُ ربِّ الورى

على فصيحِ النطقِ أو أعجمِ

وأين إلاّ فيكمُ قربةٌ

إلى الإله الخالقِ المنعِمِ

واللهِ لا أخليتُ من ذكرِكُمْ

نظمي ونثري ومرامي فمي

كلاّ ولا أغببتُ أعداءَكمْ

من كلمي طوراً ومن أسهمي (١)

ولا رُؤي يومَ مصابٍ لكم

منكشفاً في مشهدٍ مبسمي

فإن أغِبْ عن نصركمْ برهةً

بمرهفاتٍ لم أغبْ بالفمِ

صلّى عليكم ربّكم وارتوتْ

قبورُكم من مسبلٍ مُثْجِمِ (٢)

مقعقعٍ تُخجِلُ أصواتُه

أصواتَ ليثِ الغابةِ المُرزمِ

وكيف أستسقي لكم رحمةً

وأنتمُ الرحمةُ للمجرمِ

وقال يرثي الإمام السبط المفدّى وأصحابه ، توجد في الجزء الخامس من ديوانه (٣):

هل أنت راثٍ لصبِّ القلبِ معمودِ

دَوِي الفؤادِ بغيرِ الخرّدِ الخودِ

ما شفّه هجرُ أحبابٍ وإن هجَروا

من غير جرمٍ ولا خُلفِ المواعيدِ

وفي الجفونِ قذاةٌ غيرُ زائلةٍ

وفي الضلوع غرامٌ غيرُ مفقودِ

يا عاذلي ليس وجدٌ بتُّ أكتُمه

بين الحشا وجدَ تعنيفٍ وتفنيدِ

شربي دموعي على الخدّين سائلةً

إن كان شربُكَ من ماءِ العناقيدِ

ونمْ فإنّ جفوناً لي مُسهّدةً

عُمْرَ الليالي ولكن أيَّ تسهيدِ

وقد قضيت بذاك العذلِ مأربةً

لو كان سمعيَ عنه غيرَ مسدودِ

تلومني لم تُصِبْك اليومَ قاذفتي

ولم يَعُدْكَ كما يعتادني عيدي

__________________

(١) أغببت : من الإغباب وهو ترك الشيء فترة.

(٢) المطر المثجم : الكثير.

(٣) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٣٦.


فالظلمُ عذلُ خليِّ القلبِ ذا شجنٍ

وهجنةٌ لومُ موفورٍ لمجهودِ

كم ليلةٍ بتُّ فيها غيرَ مرتفقٍ

والهمُّ ما بين محلولٍ ومعقودِ

ما إن أحِنُّ إليها وهي ماضيةٌ

ولا أقولُ لها مستدعياً عودي

جاءت فكانت كعُوّارٍ على بصرٍ

وزايلت كزيالِ المائد المودي (١)

فإن يودّ أُناسٌ صبحَ ليلِهمُ

فإنّ صبحيَ صبحٌ غيرُ مودودِ

عشيّةٌ هجمت منها مصائبُها

على قلوبٍ عن البلوى محاييدِ

يا يومَ عاشورَ كم طأطأتَ من بصرٍ

بعد السموِّ وكم أذللتَ من جيدِ

يا يومَ عاشورَ كم أطردتَ لي أملاً

قد كان قبلَك عندي غيَر مطرودِ

أنت المرنِّقُ عيشي بعد صفوتِهِ

ومولج البيضِ من شيبي على السودِ (٢)

جُزْ بالطفوف فكم فيهنّ من جبلٍ

خرَّ القضاء به بين الجلاميدِ

وكم جريحٍ بلا آسٍ تمزّقُهُ

إمّا النسورُ وإمّا أضبُعُ البيدِ

وكم سليبِ رماحٍ غيرِ مستترٍ

وكم صريعِ حِمامٍ غيرِ ملحودِ

كأنّ أوجهَهمْ بيضاً ملألأةً

كواكبٌ في عِراصِ القَفرةِ السودِ

لم يطعموا الموتَ إلاّ بعد أن حطَموا

بالضربِ والطعنِ أعناقَ الصناديدِ

ولم يدع فيهمُ خوفُ الجزاء غداً

دماً لتربٍ ولا لحماً إلى سِيدِ (٣)

من كلِّ أبلجَ كالدينارِ تشهدُهُ

وسطَ النديِّ بفضلٍ غيرِ مجحودِ

يغشى الهياجَ بكفٍّ غيرِ منقبضٍ

عن الضرابِ وقلبٍ غيرِ مزؤودِ (٤)

لم يعرفوا غيرَ بثِّ العرفِ بينهمُ

عفواً ولا طبعوا إلاّ على الجودِ

يا آل أحمدَ كم تُلوى حقوقُكمُ

ليَّ الغرائبِ عن نبتِ القراديدِ (٥)

__________________

(١) المائد : المتحرك. المودي : المهلك.

(٢) المرنِّق : المكدِّر.

(٣) السيِّد : الذئب والأسد.

(٤) المزؤود : المذعور.

(٥) القراديد ـ جمع قردد ـ : ما ارتفع وغلظ من الأرض.


وكم أراكم بأجوازِ الفلا جُزُراً

مبدّدين ولكن أيَّ تبديدِ

لو كان ينصفُكمْ من ليس ينصفُكمْ

ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليدِ

حُسدتمُ الفضلَ لم يُحرِزْهُ غيرُكمُ

والناسُ ما بين محرومٍ ومحسودِ

جاءوا إليكم وقد أَعطَوا عهودَهمُ

في فيلقٍ كزُهاء الليلِ ممدودِ

مُستمرحينَ بأيديهمْ وأرجلِهمْ

كما يشاءون ركضَ الضمّرِ القودِ

تهوي بهم كلُّ جرداءٍ مطهّمةٍ

هويّ سَجْلٍ من الأوذام مجدودِ (١)

مستشعرين لأطرافِ الرماحِ ومن

حدِّ الظبا أدرُعاً من نسجِ داودِ

كأنّ أصواتَ ضربِ الهامِ بينهمُ

أصواتُ دوحٍ بأيدي الريحِ مبدودِ

حمائمُ الأيكِ تبكيهمْ على فننٍ

مرنّحٍ بنسيمِ الريحِ أُملودِ (٢)

نوحِي فذاك هديرٌ منكِ محتسبٌ

على حسينٍ فتعديدٌ كتغريدِ

أُحبّكمْ والذي طافَ الحجيجُ به

بمبتنى بإزاءِ العرشِ مقصودِ

وزمزمٍ كلّما قسنا مواردَها

أوفى وأربى على كلِّ المواريدِ

والموقِفَيْنِ وما ضحّوا على عجلٍ

عند الجمارِ من الكوم المقاحيدِ (٣)

وكلّ نسكٍ تلقّاه القبولُ فما

أمسى وأصبحَ إلاّ غيرَ مردودِ

وأرتضي أنّني قد متُّ قبلَكمُ

في موقفٍ بالردينيّاتِ مشهودِ

جمّ القتيل فهاماتُ الرجالِ به

في القاعِ ما بين متروكٍ ومحصودِ

فقلْ لآلِ زيادٍ أيُّ معضلةٍ

ركبتموها بتخبيبٍ وتخويدِ (٤)

كيف استلبتمْ من الشجعانِ أمرَهمُ

والحربُ تغلي بأوغادٍ عراديدِ (٥)

__________________

(١) السجْل : الدلو العظيمة. الأوذام : جمع الوذمة ، وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها. المجدود : المقطوع.

(٢) الأُملود : الناعم الليّن.

(٣) الكوم ـ جمع الكوماء والأكوم ـ : الإبل الضخمة السنام. المقاحيد ـ جمع المقحاد ـ : النياق العظيمة السنام.

(٤) التخبيب والتخويد : الإسراع في السير.

(٥) العراديد ـ جمع العرديد ـ : المنحرف عن القتال أو الطريق.


فرّقتمُ الشملَ ممّن لفَّ شملَكمُ

وأنتمُ بين تطريدٍ وتشريدِ

ومن أعزّكمُ بعد الخمولِ ومن

أدناكمُ من أمانٍ بعد تبعيدِ

لولاهمُ كنتمُ لحماً لمُزدرِدٍ

أو خلسةً لقصير الباع معضودِ (١)

أو كالسقاءِ يبيساً غيرَ ذي بللٍ

أو كالخباء سقيطاً غير معمودِ

أعطاكمُ الدهرُ ما لا بدَّ يرفعُهُ

فسالبُ العودِ فيها مورقُ العودِ

فلا شربتم بصفوٍ لا ولا علِقَتْ

لكم بنانٌ بأزمانٍ أراغيدِ

ولا ظفِرتمْ وقد جُنّتْ بكم نُوَبٌ

مقلقلاتٌ بتمهيدٍ وتوطيدِ

وحوّلَ الدهرُ ريّاناً إلى ظماً

منكم وبدّل محدوداً بمجدودِ (٢)

قد قلتُ للقومِ حطّوا من عمائمِهمْ

تحقّقاً بمصاب السادة الصيدِ

نوحوا عليهِ فهذا يومُ مصرعِهِ

وعدِّدوا إنّها أيّامُ تعديدِ

فلي دموعٌ تُباري القطرَ واكفةٌ

جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي

وقال يذكر مصرع جدِّه الإمام السبط عليه‌السلام ، يوجد في الجزء الأوّل من ديوانه (٣):

أأُسقي نميرَ الماءِ ثمّ يلذُّ لي

ودورُكمُ آلَ الرسول خلاءُ

وأنتم كما شاء الشتاتُ ولستمُ

كما شئتمُ في عيشةٍ وأشاءُ

تُذادون عن ماءِ الفراتِ وكارعٌ

به إبلٌ للغادرين وشاءُ

تنشّر منكمْ في القواء معاشرٌ

كأنّهمُ للمبصرين مُلاءُ (٤)

ألا إنّ يوم الطفِّ أدمى محاجراً

وأودى قلوباً ما لهنّ دواءُ

وإنّ مصيباتِ الزمانِ كثيرةٌ

ورُبّ مصابٍ ليس منه عزاءُ

__________________

(١) المعضود : قصير العضد ؛ كنايةً عن الضعف.

(٢) المحدود : المحروم. المجدود : الغنيّ.

(٣) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ١٥٩.

(٤) القواء : القفر الخالي من الأرض.


أرى طخيةً فينا فأين صباحُها

وداءً على داءٍ فأين شفاءُ

وبين تراقينا قلوبٌ صديّةٌ

يُراد لها لو أُعطِيَتْه جلاءُ

فيا لائماً في دمعتي ومفنِّداً

على لوعتي واللومُ منه عناءُ

فما لك منّي اليوم إلاّ تلهّفي

وما لك إلاّ زفرةٌ وبكاءُ

وهل ليَ سلوانٌ وآلُ محمدٍ

شريدهمُ ما حان منه ثواءُ

تُصَدُّ عن الروحات أيدي مطيِّهم

ويزوى عطاءٌ دونهم وحباءُ

كأنّهمُ نسلٌ لغير محمدٍ

ومن شعبِهِ أو حزبِهِ بُعداءُ

فيا أنجماً يهدي إلى اللهِ نورُها

وإن حالَ عنها للغبيّ غباءُ

فإن يكُ قومٌ وصلةً لجهنمٍ

فأنتم إلى خلدِ الجِنانِ رشاءُ

دعوا قلبيَ المحزونَ فيكمْ يهيجُهُ

صباحٌ على أُخراكمُ ومساءُ

فليس دموعي من جفوني وإنّما

تقاطرنَ عن قلبي فهنّ دماءُ

إذا لم تكونوا فالحياة منيّةٌ

ولا خير فيها والبقاءُ فناءُ

وأمّا شقيتمْ بالزمانِ فإنّما

نعيمي إذا لم تلبسوه شقاءُ

لحى اللهُ قوماً لم يجازوا جميلَكمْ

لأنّكمُ أحسنتمُ وأساءوا

ولا انتاشهم عند المكاره منهضٌ

ولا مسّهمْ يومَ البلاءِ جزاءُ

سقى اللهُ أجداثاً طُوِينَ عليكمُ

ولا زالَ منهلاّ بهنّ رواءُ

يسير إليهنّ الغمامُ وخلفَهُ

زماجرُ من قعقاعِهِ وحداءُ

كأنّ بواديه العشارُ تروّحتْ

لهنّ حنينٌ دائمٌ ورُغاءُ

ومن كان يسقى في الجنان كرامةً

فلا مسّه من ذي السحائب ماءُ

وقال يرثيه ـ صلوات الله عليه ـ يوم عاشوراء ، توجد في الجزء السادس من ديوانه (١):

يا يومُ أيُّ شجىً بمثلِكَ ذاقَهُ

عُصَبُ الرسولِ وصفوةُ الرحمنِ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٥٦٠.


جرّعتَهمْ غُصَصَ الردى حتى ارتوَوا

ولذعتَهمْ بلواذعِ النيرانِ

وطرحتهمْ بدداً بأجوازِ الفلا

للذئبِ آونةً وللعقبانِ

عافوا القرارَ وليس غيرُ قرارِهمْ

أو بردِهمْ موتاً بحدِّ طعانِ

مُنعوا الفراتَ وصُرِّعوا من حوله

من تائقٍ للورد أو ظمآنِ

أوَما رأيتَ قِراعَهم ودفاعَهم

قِدْماً وقد أُعْرُوا من الأعوانِ

متزاحمين على الردى في موقفٍ

حُشِيَ الظبا وأسنّةَ المرّانِ

ما إن به إلاّ الشجاعُ وطائرٌ

عنه حذارَ الموتِ كلُّ جبانِ

يومٌ أذلَّ جماجماً من هاشمٍ

وسرى إلى عدنانَ بل قحطانِ

أرعى جميمَ الحقِّ في أوطانهمْ

رعيَ الهشيمِ سوائمُ العدوانِ

وأنار ناراً لا تبوخ وربّما

قد كان للنيرانِ لونُ دخانِ

وهو الذي لم يُبقِ في دينٍ لنا

بالغدرِ قائمةً من البنيانِ

يا صاحبيّ على المصيبة فيهمُ

ومشاركيّ اليوم في أحزاني

قوما خُذا نارَ الصلا من أضلعي

إن شئتما والنار من أجفاني

وتعلّما أنّ الذي كتّمتُهُ

حذرَ العدى يأبى عن الكتمانِ

فلو انّني شاهدتهم بين العدى

والكفرُ مُعْلَوْلٍ على الإيمان

لخضبتُ سيفي من نجيعِ عدوِّهم

ومحوتُ من دمهمْ حُجول حصاني

وشفيت بالطعنِ المبرِّح بالقنا

داءَ الحقود ووعكةَ الأضغانِ

ولَبعتُهم نفسي على ضننٍ بها

يومَ الطفوفِ بأرخص الأثمانِ

وقال يرثي جدّه الإمام السبط المفدّى يوم عاشوراء سنة (٤١٣) ، توجد في الجزء الثالث من ديوانه (١):

لك الليلُ بعد الذاهبين طويلا

ووفدُ همومٍ لم يردن رحيلا

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣١١.


ودمعٌ إذا حبّستَهُ عن سبيلِهِ

يعود هتوناً في الجفون هطولا

فيا ليتَ أسرابَ الدموعِ التي جرت

أَسَوْنَ كليماً أو شَفَيْنَ غليلا

أُخالُ صحيحاً كلَّ يومٍ وليلةٍ

ويأبى الجوى ألاّ أكونَ عليلا

كأنّي وما أحببت أهوى ممنّعاً

وأرجو ضنيناً بالوصال بخيلا

فقل للذي يبكي نُؤيّا ودمنةً

ويندب رسماً بالعراء محيلا

عداني دمٌ لي طُلَّ بالطفِّ أن أُرى

شجيّا أُبكّي أربُعاً وطلولا

مصابٌ إذا قابلت بالصبرِ غربَهُ

وجدت كثيري في العزاءِ قليلا

ورزءٌ حملتُ الثقلَ منه كأنّني

مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا

وجدتم عداةَ الدينِ بعد محمدٍ

إلى كلمِهِ في الأقربين سبيلا

كأنّكمُ لم تنزعوا بمكانِهِ

خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا

وأيّكمُ ما عزّ فينا بدينِهِ

وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا

فقل لبني حربٍ وآلِ أُميّةٍ

إذا كنتَ ترضى أن تكون قؤولا

سللتمْ على آل النبيّ سيوفَهُ

مُلئِنَ ثلوماً في الطلى وفلو لا

وقدتم إلى من قادكم من ضلالِكمْ

فأخرجَكمْ من وادييه خيولا

ولم تغدروا إلاّ بمن كان جدُّهُ

إليكم لتحظَوا بالنجاةِ رسولا

وترضون ضدَ الحزمِ إن كان ملككُمْ

ضئيلاً وديناً دنتمُ لهزيلا

نساءُ رسولِ اللهِ عُقْرَ ديارِكمْ

يرجِّعنَ منكم لوعةً وعويلا

لهنّ ببوغاءِ الطفوفِ أعزّةٌ

سُقوا الموتَ صِرفاً صبيةً وكهولا

كأنّهمُ نوّار روضٍ هوتْ به

رياحٌ جَنوباً تارةً وقَبولا

وأنجمُ ليلٍ ما علونَ طوالعاً

لأعينِنا حتى هبطنَ أُفولا

فأيّ بدورٍ ما مُحين بكاسفٍ

وأيّ غصونٍ ما لقينَ ذبولا

أمن بعد أن أعطيتموه عهودَكمْ

خِفافاً إلى تلك العهودِ عُجولا

رجعتمْ عن القصدِ المبينِ تناكصا

وحُلتمْ عن الحقِّ المنيرِ حؤولا


وقعقعتمُ أبوابَهُ تختلونَه

ومن لم يُرِدْ ختلاً أصابَ خُتولا

فما زلتمُ حتى أجابَ نداءَكمْ

وأيُّ كريمٍ لا يُجيبُ سَؤولا

فلمّا دنا ألفاكمُ في كتائبٍ

تطاولنَ أقطارَ السباسبِ طولا

متى تكُ منها حجزةٌ أو كحجزةٍ

سمعت رغاءً مُصعقاً وصهيلاً

فلم يَرَ إلاّ ناكثاً أو منكّباً

وإلاّ قطوعاً للذمام حلولا

وإلاّ قعوداً عن لمامٍ بنصره

وإلاّ جبوهاً بالردى وخذولا

وضغنَ شفافٍ هبَّ بعد رقادِهِ

وأفئدةً ملأى يفضن ذحولا

وبيضاً رقيقاتِ الشفارِ صقيلةً

وسمراً طويلاتِ المتونِ عسولا

فلا أنتمُ أفرجتمُ عن طريقِهِ

إليكمْ ولا لمّا أراد قفولا

عزيزٌ على الثاوي بطيبةَ أعظمٌ

نُبِذْنَ على أرضِ الطفوفِ شكولا

وكلُّ كريمٍ لا يلمُّ بريبةٍ

فإن سيمَ قولَ الفحشِ قال جميلا

يُذادون عن ماءِ الفراتِ وقد سُقوا ال

شهادةَ من ماءِ الفراتِ بديلا

رموا بالردى من حيث لا يحذرونه

وغروا وكم غر الغفول غفولا

أيا يومَ عاشوراء كمْ بفجيعةٍ

على الغرِّ آل الله كنتَ نَزولا

دخلتَ على أبياتِهمْ بمصابِهمْ

ألا بئسما ذاك الدخولُ دخولا

نزعتَ شهيدَ اللهِ منّا وإنّما

نزعتَ يميناً أو قطعتَ تليلا

قتيلاً وجدنا بعده دينَ أحمدٍ

فقيداً وعزَّ المسلمين قتيلا

فلا تبخسوا بالجورِ من كان ربُّهُ

برجع الذي ناؤعتموه كفيلا

أُحبّكمُ آلَ النبيِّ ولا أرى

وكم عذلوني عن هواي عديلا

وقلتُ لمن يلحى على شغفي بكمْ

وكم غيرِ ذي نصحٍ يكون عذولا

رويدكمُ لا تنحلوني ضلالكم

فلن تُرحلوا منّي الغداةَ ذَلولا

عليكم سلامُ اللهِ عيشاً وميتةً

وسفراً تطيعون النوى وحلولا

فما زاغ قلبي عن هواكم وأخمصي

فلا زلَّ عمّا ترتضون زليلا


وقال في الموعظة والاعتبار ، توجد في الجزء السادس من ديوانه (١):

لا تقربنَّ عَضيهةً

إنّ العضائهَ مخزياتُ

واجعل صلاحَكَ سرمداً

فالصالحاتُ الباقياتُ

في هذه الدنيا ومن

فيها لنا أبداً عِظاتُ

إمّا صروفٌ مقبلا

تٌ أو صروفٌ مدبراتُ

وحوادث الأيّام في

ـنا آخذاتٌ معطياتُ

والذلُّ موتٌ للفتى

والعزُّ في الدنيا الحياةُ

والذخرُ في الدارين إمّا

طاعةٌ أو مأثراتُ

يا ضيعةً للمرء تدعوه

إلى الهلك الدعاةُ

تغترُّه حتى يزور

شعابَهنّ الطيِّباتُ

عِبَرٌ تمرُّ وما لها

منّا عيونٌ مبصراتُ

أين الأُلى كانوا بأي

ـدينا حصولاً ثمّ ماتوا

من كلِّ من كانت له

ثمراتُ دجلةَ والفراتُ

ما قيل نالوا فوق ما

يهوون حتى قيل فاتوا

لم يغنِ عنهمْ حين همّ

بهم حِمامُهُمُ الحماةُ

كلاّ ولا بيضٌ وسم

ـرٌ عارياتٌ مشرعاتُ

نطقوا زماناً ثمّ لي

ـس لنطقهم إلاّ الصماتُ

وكأنَّهم بقبورِهم

سبتوا وما بهمُ سُباتُ

من بعد أن ركبوا قَرا

سُرُرٍ وجُردٍ هُمْ رفاتُ

سلموا على صلح الأسنّة

والظبا لما استماتوا

ونجوا من الغمّاء لمّا

قيل ليس لهم نجاةُ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٢٧١.


في موقفٍ فيه الصوا

رم والذوابل والكماةُ

وأتاهمُ من حيث لم

يخشوا لِحَيْنِهُمُ المماتُ

وطوتهمُ طيَّ البرو

د لهم قبورٌ مظلماتُ

فهمُ بها مثل الهشي

 ـم تعيثُ فيها العاصفاتُ

شُعثٌ وسائدُهم بها

من غير تكرمةٍ علاةُ

قل للذين لهم إلى

الدنيا دواع مسمعاتُ

وكأنّهم لم يسمعوا

ما ذا تقول الناعياتُ

أو ما تقول لهم إذا اج

 ـتازوا الديارُ الخالياتُ

فالضاحكاتُ وقد نعِم

 ـنَ بهنّ هنّ الباكياتُ

حتى متى وإلى متى

تأوي عيونكم السناتُ

كم ذا تفرِّجُ عنكمُ

أبدَ الزمانِ الموعظاتُ

كم ذا وُعظتم لو تكو

نُ لكم قلوبٌ مصغياتُ

لكمُ عقولٌ معرضا

تٌ أو عيونٌ عاشياتُ

عُجْ بالديارِ فنادِها

أينَ الجبالُ الراسياتُ

أين العصاةُ على المكا

رمِ للعواذلِ والأُباةُ

تجري المنايا من روا

جبهمْ جميعاً والصلاتُ (١)

وإذا لَقَوا يوم الوغى

أقرانَهمْ كانت هناةُ

والدهرُ طوعَ يمينِهمْ

وهمُ على الدنيا الولاةُ

أعطاهمُ متبرِّعاً

ثمّ استردَّ فقال هاتوا

كانت جميعاً ثمّ مزّق

شملَ بينِهمُ الشتاتُ

فأكفُّهمْ من بعد أن

سُلِبوا المواهبَ مقفراتُ

وسيوفُهمْ ورماحُهمْ

منبوذةٌ والضامراتُ

أمِنوا الصباحَ وما لهم

علمٌ بما يجني البياتُ

__________________

(١) الرواجب : مفاصل أصول الأصابع.


ورماهمُ فأصابهمْ

داءٌ تعزُّ له الرُّقاةُ

وسهامُ أقواسِ المنو

ن الصائباتُ المصمِياتُ

مات الندى من بيننا

بمماتِهمْ والمكرماتُ

وقال يرثي الشيخ الأكبر ـ شيخنا المفيد ـ محمد بن محمد بن نعمان المتوفّى في رمضان (٤١٣) ، توجد في الجزء الثالث من ديوانه (١):

من على هذه الديار أقاما

أو ضفا ملبسٌ عليه وداما

عُج بنا نندبِ الذين تولّوا

باقتيادِ المنونِ عاماً فعاما

فارقونا كهلاً وشيخاً وهِمّا

ووليداً وناشئاً وغلاما

وشحيحاً جَعْدَ اليدينِ بخيلاً

وجواداً مخوّلاً مِطعاما

سكنوا كلَّ ذروةٍ من أشمٍ

يحسر الطرفَ ثمّ حَلّوا الرغاما

يا لحى اللهُ مهملاً حسِبَ الده

ـرَ نئومَ الجفون عنه فناما

وكأنّي لمّا رأيتُ بني الده

ـرِ غفولاً رأيتُ منهم نياما

أيّها الموتُ كم حططتَ عليّا

ساميَ الطرف أو جببتَ سناما

وإذا ما حدرت خَلفاً وظنّوا

نجوةً من يديك كنت أماما

أنت ألحقتَ بالذكيِّ غبيّا

في اصطلامٍ وبالدنيِّ هُماما

أنتَ أفنيتَ قبل أن تأخذ الأب

ـناء منّا الآباء والأعماما

ولقد زارني فأرّق عيني

حادثٌ أقعد الحجا وأقاما

حدتُ عنه فزادني حيدي عن

ـه‍ لصوقاً بدائِهِ والتزاما

وكأنّي لما حملت به الثق

ـل تحمّلت يذبلاً وشماما

فخذ اليوم من دموعي وقد كنَ

جموداً على المصاب سجاما

إنّ شيخَ الإسلامِ والدينِ والعل

ـم تولّى فأزعجَ الإسلاما

والذي كان غرّةً في دُجى الأيّا

م أودى فأوحشَ الأيّاما

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٤٣٨.


كم جلوتَ الشكوكَ تعرضُ في نصِ

وصيٍّ وكم نصرتَ إماما

وخصومٍ لدٍّ ملأتَهمُ بال

ـحقِّ في حومةِ الخصامِ خصاما

عاينوا منكَ مصمياً ثغرة النح

ـر وما أرسلتْ يداك سهاما

وشجاعاً يفري المراءَ وما كلُ

شجاعٍ يفري الطلى والهاما

من إذا مالَ جانبٌ من بناءِ

الدين كانت له يداه دعاما

وإذا ازورَّ جائرٌ عن هداهُ

قادَهُ نحوه فكانَ زِماما

من لفضلٍ أخرجتَ منه خبيئاً

ومعانٍ فضضتَ عنها خِتاما

من لسوءٍ ميّزت عنه جميلاً

وحلالٍ خلّصتَ منه حراما

من يُنير العقولَ من بعد ما كنَ

هموداً وينتج الأفهاما

من يُعيرُ الصديقَ رأياً إذا ما

سلّه في الخطوبِ كان حساما

فامضِ صفراً من العيوب وكم با

ن رجالٌ أَثْرَوا عيوباً وذاما

إنّ خلداً أوضحتَ عاد بهيماً

وصباحاً أطلعتَ صارَ ظلاما

وزلالاً أوردتَ حالَ أُجاجاً

وشفاءً أورثت آلَ سِقاما

لن تراني وأنتَ من عدد الأموا

ت إلا تجمّلاً بسّاما

وإذا ما اختُرِمتَ منّي فما أر

هبُ في سائرِ الأنامِ اختراما

إن تكن مجرماً ولستَ فقدْ وا

ليتَ قوماً تحمّلوا الأجراما

لهمُ في المعاد جاهٌ إذا ما

بسطوه كفى وأغنى الأناما

لا تخفْ ساعة الجزاء وإن خا

فَ أُناسٌ فقد أخذتَ ذِماما

أودعَ اللهُ ما حللْتَ من البَيْ

ـداءِ فيه الإنعامَ والإكراما

ولوى عنهُ كلَّ ما عاقه التر

بُ ولا ذاق في الزمانِ أُواما

وقضى أن يكون قبرُكَ للرح

ـمة والأمنِ منزلاً ومقاما

وإذا ما سقى القبورَ فروّا

ها رهاماً سقاكَ منه سلاما

رَحِمَ اللهُ مَعشَرَ الماضين

والسلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى


ـ ٤٠ ـ

أبو علي البصير

المتوفّى (٤٤٢)

سبحان من ليس في السماء ولا

في الأرض ندٌّ له وأشباهُ

أحاطَ بالعالمينَ مقتدراً

أشهدُ أن لا إله إلاّ هُو

وخاتمُ المرسلين سيّدنا

أحمدُ ربُّ السماء سمّاهُ

أشرقتِ الأرضُ يومَ بعثتهِ

وحصحصَ الحقُّ من محيّاهُ

إختار يومَ الغديرِ حيدرةً

أخاً له في الورى وآخاهُ

وباهلَ المشركينَ فيه وفي

زوجتِهِ يقتفيهما ابناهُ

هم خمسةٌ يُرحم الأنامُ بهمْ

ويستجابُ الدُّعا ويُرجاهُ (١)

الشاعر

أبو علي البصير ـ الضرير ـ الحسن بن المظفّر النيسابوريّ المحتد ، الخوارزميّ المولد ، ذكره ابن شهرآشوب (٢) من المتّقين من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام وذكره أبو أحمد

__________________

(١) هذه الأبيات ذكرها العلاّمة السماويّ في الجزء الأوّل من كتابه الطليعة في شعراء الشيعة لأبي عليّ الضرير. وذكر الحموي منها [في معجم الأدباء : ٩ / ١٩٢] أربعة أبيات ونسبها إلى ولده عمر أبي حفص ، والله العالم. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ١٥٢.


محمود بن أرسلان في تاريخ خوارزم وبالغ في الثناء عليه وقال :

كان مؤدِّب أهل خوارزم في عصره ومخرِّجهم وشاعرهم ومقدّمهم والمشار إليه منهم ، له كتاب تهذيب ديوان الأدب ، وكتاب إصلاح المنطق ، وكتاب ذيل تتمّة اليتيمة ، وديوان شعره في مجلّدين ، وديوان رسائله ، وكتاب محاسن من اسمه الحسن ، وكتاب زيادات أخبار خوارزم. ومن شعره قوله :

أهلاً بعيشٍ كان جِدّ مواتِ (١)

أحيا من اللّذات كلَّ مَواتِ

أيّام سربُ الإنسِ غيرُ منفّرٍ

والشملُ غيرُ مروّعٍ بشتاتِ

عيشٌ تحسّر (٢) ظلّه عنّا فما

أبقى لنا شيئاً سوى الحسراتِ

ولقد سقاني الدهرُ ماءَ حياتِهِ

والآن يسقيني دمَ الحيّاتِ

لهفي لأحرارٍ مُنيت ببُعدهمْ

كانوا على غِيَر الزمانِ ثقاتي

قد زالتِ البركاتُ عنّي كلُّها

بزيالِ سيّدِنا أبي البركاتِ

ركنُ العلى والمجدِ والكرم الذي

قد فاتَ في الحلباتِ أيَّ فواتِ

فارقتُ طلعتَهُ المنيرةَ مكرَهاً

فبقيتْ كالمحصورِ في الظلماتِ

أُضحي وأُمسي صاعداً زفراتي

لفراقِهِ متحدِّراً عبراتي

وله قوله في المديح :

جبينُك الشمسُ في الأَضواءِ والقمرُ

يمينُكَ البحرُ في الإرواءِ والمطرُ

وظلّكَ الحرمُ المحفوظُ ساكنُهُ

وبابُكَ الركنُ للقصّادِ والحجَرُ

وسَيْبُك الرزقُ مضمونٌ لكلِّ فمٍ

وسيفُكَ الأجل الجاري به القدَرُ

أنت الهمامُ بل البدرُ التمامُ بل الس

ـيفُ الحسامُ بل الصارمُ الذكرُ

وأنت غيثُ الأنامِ المستغاثُ به

إذا أغارتْ على أبنائِها الغِيَرُ

__________________

(١) أي مطاوع وموافق ، من واتى مواتاة ووتاء [معجم الأدباء : ٩ / ١٩٢]. (المؤلف)

(٢) الحسر : الكشف. تحسّر : تكشّف. (المؤلف)


وله في الغزل :

أريّا شمالٍ أم نسيمٌ من الصَّبا

أتانا طُروقاً أم خيالٌ لزينبا

أم الطالعُ المسعود طالعَ أرضَنا

فأطلعَ فيها للسعادةِ كوكبا

قال أبو علي ـ المترجَم ـ : رأيت ابن هودار في المنام بعد موته فقلت له :

لقد تحوّلتَ من دارٍ إلى دارِ

فهل رأيت قراراً يا ابن هودارِ

قال : فأجابني :

لا بل وجدتُ عذاباً لا انقطاعَ له

مدى الليالي وربّا غير غفّارِ

ومنزلاً مظلماً في قعرٍ هاويةٍ

قُرِنتُ فيها بكفّارٍ وفُجّارِ

فقل لأهليَ موتوا مسلمين فما

للكافرين لدى الباري سوى النارِ

وولده أبو حفص عمر كان فقيهاً فاضلاً أديباً ، توفّي في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة (١).

__________________

(١) معجم الأدباء : ٩ / ١٩١ ـ ١٩٨ من الطبعة الأخيرة. (المؤلف)



ـ ٤١ ـ

أبو العلاء المعرّي

المولود (٣٦٣)

المتوفّى (٤٤٩)

أدنياي اذهبي وسواي أُمِّي

فقد ألممت ليتكِ لم تلمّي

وكان الدهر ظرفاً لا لحمدٍ

تُؤهِّلُهُ العقولُ ولا لذَمِ

وأحسبُ سانحَ الأزميمِ نادى

ببينِ الحيِّ في صحراءِ ذمِّ (١)

إذا بكرٌ جنى فتوقَّ عمراً

فإنّ كليهما لأبٍ وأُمِ

وخف حيوانَ هذي الأرضِ واحذرْ

مجيءَ النطحِ من رُوقٍ وجُمِّ (٢)

وفي كلِّ الطباعِ طباع نُكرٍ

وليس جميعُهن ذواتِ سُمِ

وما ذنبُ الضراغمِ حين صِيغتْ

وصُيِّر قوتُها ممّا تدمّي

فقد جُبِلَت على فرْسٍ وضرسٍ

كما جُبِلَ الوفود على التنمِّي

ضياءٌ لم يَبِنْ لعيونِ كُمْهٍ (٣)

وقولٌ ضاعَ في آذانِ صمِ

لعمرك ما أُسَرُّ بيوم فطرٍ

ولا أضحى ولا بغديرِ خُمِ

وكم أبدى تشيّعَهُ غَويٌ

لأجل تنسّبٍ ببلاد قمِ

__________________

(١) أزميم : ليلة من ليالي المحاق ، والهلال إذا دق في آخر الشهر واستقوس. ذمّ : الهلاك [في المصدر : صحراءِ زمِّ ، وهي موضع ببلاد بني ربيعة]. (المؤلف)

(٢) الروق : القرن من كلّ ذي قرن. جم ـ جمع الأجم ـ : الكبش لا قرن له. (المؤلف)

(٣) الكُمْه ـ جمع أكمه ـ : الذين يولدون عُمياً.


ما يتبع الشعر والشاعر

هذه الأبيات من قصيدة لأبي العلاء توجد في لزوم ما لا يلزم (١) (٢ / ٣١٨) قال شارحه المصري : غدير خم ، بين المدينة ومكّة على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق ، ويشير أبو العلاء بقوله : ولا أضحى ، إلى التشيّع لعليّ ، ففيه قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّ رضى الله عنه منصرفه من حجّة الوداع : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ، والشيعة يقصدون هذا المكان ، ولذلك قال شاعرهم :

ويوماً بالغدير غدير خمّ (٢)

أبان له الولاية لو أُطيعا

كان حقّا علينا أن ننوّه بذكر هذه الأبيات في الجزء الأوّل عند ذكر عيد الغدير.

كما كان لنا أن نذكر كلام من علّق عليها في طبقات رواة حديث الغدير ، فإذ فاتنا العثور عليها هناك استدركناه هاهنا.

وقد كثر المترجمون لأبي العلاء المعرّي حتى عاد أمره ورفعة مقامه في الأدب من أجلى الواضحات ، وإنّ ديوانه بمفرده أجلُّ شاهد على نبوغه.

وأوسع تراجمه وأحسنها ما ألّفه الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلّي المتوفّى (٦٦٠) وسمّاه كتاب الإنصاف والتحرّي في دفع الظلم والتجرّي

__________________

(١) لزوم ما لا يلزم : ٢ / ٤٦١.

(٢) هذا البيت من هاشميّات الكميت وفيه تصحيف ، والصحيح كما مرّ في الجزء الثاني : ص ١٨٠. ويوم الدوح دوحِ غديرِ خمّ أبان له الولاية لو أُطيعا (المؤلف)


عن أبي العلاء المعرّي وقد طبع ملخّصه في الجزء الرابع من تاريخ حلب (١) (٤ / ٧٧ ـ ١٨٠). وإليك فهرسته :

ذكر نسبه وترجمة رجال أسرته

 ٨٠ ـ ١٠١

مولده ومنشأه وعماه

 ١٠١ ـ ١٠٤

اشتغاله بالعلم ومشايخه

 ١٠٤ ـ ١٠٦

الرواة عنه والقرّاء عليه وكتّابه

 ١٠٦ ـ ١١٣

تآليفه ورسائله وهي تربو على (٦٥) رسالة

١١٣ ـ ١٢٥

رحلته إلى بغداد وعوده إلى معرّة

 ١٢٥ ـ ١٣٢

ذكاؤه وفطنته

 ١٣٢ ـ ١٤٤

حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء

 ١٤٤ ـ ١٥١

كرمه وجوده على قلّة ماله

١٥١ ـ ١٥٣

إباء نفسه وعفّتها

 ١٥٣ ـ ١٥٤

فصلٌ من كتابه الفصول والغايات

 ١٥٤ ـ ١٥٨

أبو العلاء عند الملوك

 ١٥٨ ـ ١٦٣

ذكر من قال بفساد عقيدته ودلائله عليه

 ١٦٣ ـ ١٦٦

ذكر من قال بصحّة عقيدته

 ١٦٦

ذكر وفاته ومراثيه

 ١٦٦ ـ ١٦٩

القول الفصل في حسن اعتقاده والشواهد عليه

 ١٦٩ ـ ١٨٠

__________________

(١) إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء : ٤ / ٧٨ ـ ١٧٢ رقم ٦٣.



ـ ٤٢ ـ

المؤيّد في الدين

المتوفّى (٤٧٠)

ـ ١ ـ

قال والرحل للسرى محمولُ

حُقَّ منك النوى وجدَّ الرحيلُ

وعدا الهزلُ في القطيعة جِدّا

ما كذا كان منك لي المأمولُ

قلتُ والقلبُ حسرةً يتقلّى

وعلى الخدِّ دمعُ عيني يسيلُ

بأبي أنت ما اقتضى البينُ إلاّ

قدرٌ ثمّ عهدُك المستحيلُ

كمْ وكمْ قلت خلِّني يا خليلي

من جفاءٍ منه الجبال تزولُ

إنّما أمرُه لديك خفيفٌ

وهو ثقلٌ على فؤادي ثقيلُ

إنّك السالمُ الصحيحُ وإنّي

من غرامٍ بك الوقيذُ العليلُ (١)

قال قد مرَّ ذا فهل من مُقامٍ

عندنا قلتُ ما إليه سبيلُ

قال إنّي لدى مُرادِكَ باقٍ

قلت ما إن تفي بما قد تقولُ

قال أضرمتَ فى الحشا نارَ شوقٍ

حرُّ أنفاسِها عليها دليلُ

قلتُ حسبي الذي لقيتُ هواناً

فلقاءُ الهوانِ عندي يهولُ

فقبيحٌ بيَ التصابي وهذا

عسكرُ الشيب فوقَ رأسي نزولُ

__________________

(١) الوقيذ : الشديد المرض ، المشرف على الموت. (المؤلف)


إنّ أمرَ المعاد أكبرُ همّي

فاهتمامي بما عداهُ فضولُ

كثر الخائضون بحرَ ظلامٍ

فيه والمؤنسو الضياءِ قليلُ

قال قومٌ قُصرى الجميعِ التلاشي

فئةٌ منتهاهمُ التعطيلُ

وادّعى الآخرون نسخاً وفسخاً

ولهم غيرُ ذاك حشوٌ طويلُ

وأبوا بعد هذه الدارِ داراً

نحوها كلُّ من يؤولُ يَئولُ

لم يروا بعدها مَقامَ ثوابٍ

وعقابٍ لهم إليه وُصولُ

فالمثابون عندهم مُترفوهمْ

ولذي الفاقة العذابُ الوبيلُ

قال قومٌ وهم ذوو العدد الج

ـمِّ لنا الزنجبيل والسلسبيلُ

ولنا بعد هذه الدارِ دارٌ

طابَ فيها المشروب والمأكولُ

ولكلٍّ من المقالاتِ سوقٌ

وإمامٌ ورايةٌ ورَعيلُ

ما لهم في قَبيل عقلٍ كلامٌ

لا ولا في حِمَى الرشاد قَبولُ

أمّةٌ ضيّع الأمانةَ فيها

شيخُها الخاملُ الظلومُ الجهولُ

بئس ذاك الإنسانُ في زُمرِ الأنسِ

وشيطانُه الخَدوعُ الخذولُ

فهم التائهون في الأرضِ هُلْكاً

عقدُ دينِ الهُدى بهم محلولُ

نكسوا ويلَهمْ ببابلَ جهراً

جُملٌ ذا وراءها تفصيلُ

مُنعوا صفوَ شربةٍ من زُلالٍ

ليس إلاّ بذاك يشفى الغليلُ

ملّكوا الدين كلّ أنثى وخُنثى

وضعيفٍ بغير بأسٍ يصولُ

إلى أن قال :

لو أرادوا حقيقةَ الدينِ كانوا

تبعاً للذي أقامَ الرسولُ

وأتت فيه آيةٌ النصِّ بلِّغ

يوم خمٍّ لمّا أتى جبريلُ

ذاكمُ المرتضى عليٌّ بحقٍ

فبعلياهُ ينطقُ التنزيلُ

ذاك برهان ربِّه في البرايا

ذاكَ في الأرضِ سيفُهُ المسلولُ

فأطيعوا جحداً أُولي الأمر منهم

فلهم في الخلائق التفضيلُ


أهل بيتٍ عليهمُ نزل الذك

ـرُ وفيه التحريمُ والتحليلُ

هم أمانٌ من العمى وصراطٌ

مستقيمٌ لنا وظِلٌّ ظليلُ

القصيدة (٦٧) بيتاً (١)

ـ ٢ ـ

وله من قصيدة ذات (٥١) بيتاً ، توجد في ديوانه (ص ٢٤٥) ، أوّلها :

نسيمَ الصَّبا ألمِمْ بفارس غاديا

وأبلغ سلامي أهلَ وُدّي الأزاكيا

يقول فيها :

فلهفي على أهلي الضعافِ فقد غدوا

لِحدِّ شفارِ النائبات أضاحيا

فيا ليت شِعري مَن يُغيثُ صريخَهمْ

إذا ما شكوا للحادثاتِ العواديا

ويا ليت شعري كيف قد أدرك العدى

بتفريق ذاتِ البينِ فينا المباغيا

أإخوانَنا صبراً جميلاً فإنّني

غدوتُ بهذا في رضا اللهِ راضيا

وفي آلِ طه إن نُفيتُ فإنّني

لأعدائِهم ما زلتُ والله نافيا

فما كنتُ بدعاً في الأُلى فيهم نُفوا

ألا فخر أن أغدو لجندبَ ثانيا

لئن مسّني بالنفي قَرحٌ فإنّني

بلغتُ به في بعضِ همّي الأمانيا

فقد زُرتُ في كوفانَ للمجدِ قبّةً

هي الدينُ والدنيا بحقٍّ كما هيا

هي القبّةُ البيضاءُ قبّةُ حيدرٍ

وصيِّ الذي قد أرسلَ اللهُ هاديا

وصيّ النبيّ المصطفى وابنِ عمِّه

ومن قام مولى في الغديرِ وواليا

ومَن قال قومٌ فيه قولاً مُناسباً

لقول النصارى في المسيح مُضاهيا

فيا حبّذا التطوافُ حولَ ضريحِهِ

أُصلّي عليه في خشوعٍ تواليا

ووا حبّذا تعفيرُ خدّيَّ فوقَه

ويا طيبَ إكبابي عليهِ مناجيا

__________________

(١) ديوان المؤيّد : ص ٢١٥ ـ ٢١٨. (المؤلف)


أُناجي وأشكو ظالمي بتحرّقٍ

يثيرُ دموعاً فوق خدّي جواريا

وقد زرت مثوى الطهرِ في أرضِ كربلا

فدَتْ نفسيَ المقتولَ عطشانَ صاديا

القصيدة

ـ ٣ ـ

وله من قصيدة ذات (٦٠) بيتاً توجد في ديوانه (ص ٢٥٦) ، مستهلّها :

ألا ما لهذي السما لا تمورُ

وما للجبالِ تُرى لا تسيرُ

وللشمسِ ما كوّرت والنجومِ

تضيءُ وتحت الثرى لا تغورُ

وللأرضِ ليست بها رجفةٌ

وما بالُها لا تفورُ البحورُ

وما للدِّما لا تُحاكي الدموعَ

فتجري لتبتلَّ منها النحورُ

أتبقى القلوبُ لنا لا تُشَقُ

جوىً ولو أنّ القلوبَ الصخورُ

ليومٍ ببغدادَ ما مثلُهُ

عبوسٌ يراه امرؤٌ قمطريرُ

وقد قام دجّالُها أعورٌ

يحفُّ به من بني الزورِ عورُ

فلا حَدبٌ منه لا ينسلون

ولا بقعةٌ ليس فيها نفيرُ

يرومون آلَ نبيِّ الهدى

لِيردى الصغير ويفنى الكبيرُ

لِتُنهبَ أنفسُ أحيائِهمْ

وتُنبشَ للميّتين القبورُ

ومن نجلِ صادقِ آلِ العبا

ينالُ الذي لم ينلهُ الكفورُ

فموسى يُشقُّ له قبرُهُ

ولمّا أتى حشرُهُ والنشورُ

ويُسعر بالنارِ منه حريمٌ

حرامٌ على زائريه السعيرُ

وتُقتل شيعةُ آلِ الرسولِ

عتوّا وتُهتَكُ منهم ستورُ

فوا حسرتا لنفوسٍ تسيلُ

ويا غمّتا لرؤوسٍ تطيرُ

وما نقموا منهمُ غيرَ أنّ

وصيّ النبيّ عليهم أميرُ

كما العذرُ في غدرِهم بغضهم

لمن فرضَ الحبَّ فيه الغديرُ


فيا أُمّةً عاث فيها الشقاءُ

فوجهُ نهارِ هُداها قتيرُ

وشافعُها خصمُها في المعادِ

لها الويلُ من ربّها والثبورُ

قتلتمْ حسيناً لملكِ العراقِ

وقلتمْ أتاكمْ له يستثيرُ

فما ذنبُ موسى الذي قد محتْ

معالمَهُ في ثراه الدهورُ

وما وجهُ فعلِكمُ ذا به

لقد غرّكمْ بالإله الغَرورُ

أيا شيعةَ الحقِّ طاب المماتُ

فيا قومِ قوموا سراعاً نثورُ

فإمّا حياةٌ لنا في القصاصِ

وإمّا إلى حيث صاروا نصيرُ

أآلَ المسيّبِ ما زلتمُ

عشيرَ الولاءِ فنعمَ العشيرُ

ويا آل عوفٍ غيوثَ المُحولِ

ليوثاً إذا كاع ليثٌ هصورُ

أآلَ النهى والندى والطعانِ

وحزبَ الطلى حين حرَّ الهجيرُ

أصبراً على الخسفِ لا همُّكمْ

دنيٌّ ولا الباعُ منكم قصيرُ

أتُهتكُ حرمةُ آلِ النبيِ

وفي الأرضِ منكم صبيٌّ صغيرُ

وقبرُ ابنِ صادق آلِ الرسولِ

يُمسُّ بسوءٍ وأنتمْ حضورُ

ولمّا تخوضوا بحارَ الردى

وفي شعبِهِ تنجدوا أو تغوروا

لقد كانَ يومُ الحسينِ المُنى

فتُفدى نفوسٌ وتشفى صدورُ

فهذا لكم عاد يومُ الحسينِ

فما ذا القصورُ وما ذا الفتورُ

فمدّوا الذراعَ وحدّوا القراعَ

فيومُ النواصبِ منكم عسيرُ

وولّوا ابنَ دمنةَ أعمالَهُ

تبور كما المكرُ منه يبورُ

فقتلاً بقتلٍ وثكلاً بثكلٍ

ذروه تُجَزُّ عليه الشعورُ

القصيدة

ما يتبع الشعر

هذه القصيدة نظمها شاعرنا المؤيّد في فتنة بغداد الهائلة الواقعة سنة (٤٤٣) يلفظ نفثات لوعته من تلكم الفظائع التي أحدثتها يد العداء المحتدم على أهل بيت


الوحي وشيعتهم ، يوم شنّت الغارة على مشهد الإمام الطاهر موسى بن جعفر ومشاهد أوليائه المدفونين في جوار أمنه وحرم قدسه.

قال ابن الأثير في الكامل (١) (٩ / ٢١٥) : وكان سبب هذه الفتنة أنّ أهل الكرخ شرعوا في عمل باب السمّاكين ، وأهل القلاّئين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل الكرخ وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب : محمد وعليّ خير البشر ، وأنكر السنّة ذلك وادّعوا أنّ المكتوب : محمّد وعليّ خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر. وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العبّاسيّين ونقيب العلويّين وهو عدنان (٢) بن الرضيّ لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيّين ، فأمر حينئذٍ الخليفة ونوّاب الرحيم بكفّ القتال فلم يقبلوا ، وانتدب ابن المذهب القاضي والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد بحمل العامّة على الاغراق في الفتنة ، فأمسك نوّابُ الملك الرحيم عن كفِّهم غيظاً من رئيس الرؤساء (٣) لميله إلى الحنابلة ، ومنع هؤلاء السنّة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ،

__________________

(١) الكامل في التاريخ : ٦ / ١٥٨ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍.

(٢) الشريف عدنان هو ابن الشريف الرضي المترجَم في هذا الجزء : ص ١٨١ ، ولي النقابة بعد وفاة عمّه الشريف المرتضى المترجم في هذا الجزء : ص ٢٦٤ ، واستمرَّ إلى أن توفّي ببغداد سنه (٤٤٩). (المؤلف)

(٣) أبو القاسم بن المسلمة عليّ بن الحسن بن أحمد وزير القائم بأمر الله ، مكث في الوزارة اثنتي عشرة سنة وشهراً ، قتله البساسيري سنة (٤٥٠) [البداية والنهاية : ١٢ / ٩٧ حوادث سنة ٤٥٠ ه‍]. قال ابن كثير في تاريخه : ١٢ / ٦٨ [١٢ / ٨٦ حوادث سنة ٤٤٨ ه‍] : كان كثير الأذيّة للرافضة ، ألزم الروافض بترك الأذان بحيَّ على خير العمل ، وأُمروا أن ينادي مؤذِّنهم في أذان الصبح بعد حيَّ على الفلاح : الصلاة خير من النوم ، مرّتين. وأُزيل ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة : محمد وعليّ خير البشر. وأمر رئيس الرؤساء بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ الروافض لما كان تظاهر به من الرفض والغلوّ فيه ، فقتل على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره. (المؤلف)


وكان نهر عيسى قد انفتح بثقه (١) فعظم الأمر عليهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبّوا عليه ماء الورد ونادوا : الماء للسبيل ؛ فأغروا بهم السنّة.

وتشدّد رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا : خير البشر. وكتبوا : عليهما‌السلام. فقالت السنّة : لا نرضى إلاّ أن يقلع الآجر الذي عليه محمّد وعليّ ، وأن لا يؤذّن : حيّ على خير العمل. وامتنع الشيعة من ذلك ودام القتال إلى ثالث ربيع الأوّل ، وقُتل فيه رجل هاشميّ من السنّة ، فحمله أهله على نعش وطافوا به في الحربيّة وباب البصرة وسائر محالّ السنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثاره ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدّم.

فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد باب التبن (٢) ، فأُغلق بابه فنقبوا في سوره وتهدّدوا البوّاب فخافهم وفتح الباب ، فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضّة وستور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور ، وأدركهم الليل فعادوا.

فلمّا كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والآزاج واحترق ضريح موسى (٣) وضريح ابن ابنه محمّد بن عليّ والجوار والقبّتان الساج اللتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بويه معزّ الدولة وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقبر

__________________

(١) انفتح بثقه : أي كسر سدّه ، بثق السيل : أي خرق وشقّ. (المؤلف)

(٢) باب التبن : اسم محلّة كبيرة ببغداد على الخندق ، وبها قبر عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ويلصق هذا الموضع في مقابر قريش التي فيها قبر موسى الكاظم ، ويعرف قبره بمشهد باب التبن [معجم البلدان : ١ / ٣٠٦]. (المؤلف)

(٣) الإمام الطاهر موسى بن جعفر الكاظم ، وحفيده الإمام الجواد محمد بن عليّ بن موسى ـ سلام الله عليهم. (المؤلف)


الأمين محمد بن الرشيد ، وقبر أُمِّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجرِ في الدنيا مثله.

فلمّا كان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمد بن علي لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر ، فجاء الحفر إلى جانبه.

وسمع أبو تمام نقيب العبّاسيّين وغيره من الهاشميّين والسنّة الخبر فجاؤوا ومنعوا عن ذلك ، وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيّين فنهبوه وقتلوا مدرّس الحنفيّة أبا سعد السرخسي ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء ، وتعدّت الفتنة إلى الجانب الشرقي ، فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بج والأساكفة وغيرهم ، ولمّا انتهى خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دبيس بن مزيد ، عظم عليه واشتدّ وبلغ منه كلّ مبلغ لأنّه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل ، وتلك الولاية كلّهم شيعة ، فقطعت في أعماله خطبة الإمام القائم بأمر الله ، فروسل في ذلك وعوتب ، فاعتذر بأنّ أهل ولايته شيعة واتّفقوا على ذلك فلم يمكنه أن يشقّ عليهم ، كما أنّ الخليفة لم يمكنه كفّ السفهاء الذين فعلوا بالمشهد ما فعلوا وأعاد الخطبة إلى حالها.

وزاد ابن الجوزي في المنتظم (١) (٨ / ١٥٠) : ظهر عيّار يعرف بالطقطقي من أهل درزيجان وحضر الديوان واستتيب ، وجرى منه في معاملة أهل الكرخ وتتبّعهم في المحالّ وقتلهم على الاتِّصال ما عظمت فيه البلوى ، واجتمع أهل الكرخ وقت الظهيرة فهدمت حائط باب القلاّئين ورموا العذرة على حائطه ، وقطع الطقطقي رجلين وصلبهما على هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رءوسهم ورمى بها إلى أهل الكرخ ، وقال : تغدّوا برءوس. ومضى إلى درب الزعفراني فطالب أهله بمائة ألف دينار ، وتوعّدهم إن لم يفعلوا بالإحراق فلاطفوه فانصرف ، ووافاهم من الغد فقاتلوه

__________________

(١) المنتظم : ١٥ / ٣٣٠ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍.


فقُتل منهم رجلٌ هاشميٌّ فحمل إلى مقابر قريش.

واستنفر البلد ونقب مشهد باب التبن ، ونهب ما فيه ، وأُخرج جماعة من القبور فأحرقوا مثل العوني (١) والناشي (٢) والجذوعي ، ونقل من المكان جماعة موتى فدفنوا في مقابر شتّى ، وطرح النار في الترب القديمة والحديثة ، واحترق الضريحان والقبّتان الساج ، وحفروا أحد الضريحين ليُخرجوا مَن فيه ويدفنوه بقبر أحمد ، فبادر النقيب والناس فمنعوهم .. إلخ.

وذكر القصّة على الاختصار ابن العماد في شذرات الذهب (٣) (٣ / ٢٧٠) ، وابن كثير في تاريخه (٤) (١٢ / ٦٢).

الشاعر

هبة الله بن موسى بن داود الشيرازي المؤيّد في الدين داعي الدعاة ، أوحديٌّ من حملة العلم ، وفذٌّ من أفذاذ الأمّة ، وعبقريٌّ من جِلّة أعلام العلوم العربيّة ، ونابغةٌ من نوابغ الأدب العربيّ ، وله نصيبه الوافر من الق ريض بلغة الضاد وإن وُلد في قاعة الفرس ونشأ في مهدها ، كان من الدعاة إلى الفاطميّة منذ بلغ أشدّه في كلِّ حاضرة حلَّ بها ، وله في تلك الدعوة خطوات واسعة ، وهو كما وصف نفسه للمستنصر بالله بقوله في سيرته (ص ٩٩) : وأنا شيخ هذه الدعوة ويدها ولسانها ومَن لا يماثلني أحد فيها. وقد كابد دون تلك الدعوة كوارث ، وقاسى نوازل ملمّة ، وعاني شدائد فادحة ، غير أنّه كان يستخفُّ وراءها كلّ هامّة ولامّة ، ولم يك يكترث لأيّ نازلة.

__________________

(١) في المنتظم : العوفي. والصحيح : العوني كما في الشذرات. وقد مرّت ترجمة العوني في هذا الجزء : ص ١٢٤ ـ ١٤١. (المؤلف)

(٢) هو عليّ بن الوصيف أحد شعراء الغدير ، مرّ ذكره في هذا الجزء : ص ٢٤ ـ ٣٣. (المؤلف)

(٣) شذرات الذهب : ٥ / ١٩١ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍.

(٤) البداية والنهاية : ١٢ / ٧٩ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍.


ولد بشيراز حوالي سنة (٣٩٠) كما يظهر من شعره ، وبها شبَّ ونما إلى أن غادرها سنة (٤٢٩) ويمّم الأهواز وفارق مسقط رأسه خائفاً يترقّب فَرَقاً من السلطان أبي كاليجار بعد ما جرى بينه وبين الملك ما يورث البغضاء ، وما تأتّى له اقتناء مرضاته بأُرجوزته ـ المسمّطة ـ في (١٥٣) بيتاً ذكرها في سيرته (ص ٤٨ ـ ٥٤) ، فنزل الأهواز غير أنَّ هواجسه ما حدّثته بالطمأنينة إلى الأمن من غيلة الملك ، فهبط حلّة منصور بن الحسين الأسدي الذي ملك الجزيرة الدبيسيّة بجوار خوزستان ، ومكث هنالك نحو سبعة أشهر ، ثمّ اتّجه إلى قرواش أبي المنيع بن المقلّد أمير بني عقيل صاحب الموصل والكوفة والأنبار ، فلمّا لم يجده آخذاً بناصره في دعوته سار إلى مصر بعد سنة (٤٣٦) وقبل سنة (٤٣٩) ومكث فيها ردحاً من الزمن إلى أن غدا وله بعض النفوذ في البلاد ، فسُيِّر إلى الشام باقتراح الوزير عبد الله بن يحيى بن المدبّر ، ثمّ عاد إلى مصر بعد مدّة ، فقطن فيها بقيّة حياته إلى أن توفّي بها سنة (٤٧٠).

وللمؤيّد آثار علميّة تنمّ عن طول باعه في الحجاج والمناظرة ، وعن سعة اطّلاعه على معالم الدين ومباحثه الراقية ، وتضلّعه في علمَي الكتاب والسنّة ووقوفه على ما فيهما من دقائق ورقائق ، له رسائل ناظر بها أبا العلاء المعرّي في موضوع أكل اللحم ، نشرت في مجلة الجمعيّة الملكيّة الآسيوية سنة (١٩٠٢ م). ومناظرته القيّمة مع علماء شيراز في حضرة السلطان أبي كاليجار تعرب عن مبلغه من العلم ، ذكرها على تفصيلها في سيرته (ص ١٦ ـ ٣٠).

ومناظرته مع الخراساني المذكورة في سيرته (ص ٣٠ ـ ٤٣) شاهد صدق على تضلّعه في العلوم ، وذُكر للمؤيّد من التآليف :

١ ـ المجالس المؤيّدية.

٢ ـ المجالس المستنصريّة.

٣ ـ ديوان المؤيّد.


٤ ـ سيرة المؤيّد.

٥ ـ شرح العماد.

٦ ـ الإيضاح والتبصير في فضل يوم الغدير.

٧ ـ الابتداء والانتهاء.

٨ ـ جامع الحقائق في تحريم اللحوم والألبان.

٩ ـ القصيدة الإسكندريّة وتسمّى أيضاً بذات الدوحة.

١٠ ـ تأويل الأرواح.

١١ ـ نهج العبارة.

١٢ ـ المساءلة والجواب.

١٣ ـ أساس التأويل.

وفي نسبة غير واحد من هذه الكتب إلى مترجمنا المؤيّد نظر ، وللبحث فيه مجال واسع.

توجد ترجمة شاعرنا المترجم له بقلمه في كتاب أفرده في سيرته بين سنة (٤٢٩) وسنة (٤٥٠) ، وهو المصدر الوحيد للباحثين عن ترجمته طبع بمصر في (١٨٤) صحيفة ، وللأستاذ محمد كامل حسين المصري بكلّية الآداب دراسة ضافية حول حياة المترجَم ، بحث عنها من شتّى النواحي في (١٨٦) صحيفة (١) ، وجعلها تقدمة لديوانه المطبوع بمصر ، ففي الكتابين مقنع وكفاية عن التبسّط في ترجمة المؤيّد.

__________________

(١) فيها مواقع للنظر عندما أنهى سيره إلى الآراء المذهبية. (المؤلف)



ـ ٤٣ ـ

الجبري المصري

يا دارُ غادرني جديدُ بِلاكِ

رثَّ الجديدُ فهل رثيت لذاكِ

أم أنت عمّا أشتكيه من الهوى

عجماءُ مذ عجم البلى مغناكِ

ضفناك نستقري الرسومَ فلم نجدْ

إلاّ تباريحَ الهموم قِراكِ

ورسيسَ شوقٍ تمتري زفراتُه

عبراتِنا حتى تبلّ ثراكِ

ما بالُ ربعكِ لا يبلُّ كأنّما

يشكو الذي أنا من نحوليَ شاكِ

طلّت طلولُكِ دمعَ عيني مثلَما

سفكت دمي يومَ الرحيل دُماكِ

وأرى قتيلَك لا يَديهِ قاتلٌ

وفتورَ ألحاظِ الظباء ظُباكِ

هيّجت لي إذ عجتُ ساكنَ لوعةٍ

بالساكنيك تشبّهاً ذكراكِ

لمّا وقفتُ مسلّماً وكأنّما

ريّا الأحبّةِ سفت من رياكِ (١)

وكفت عليكِ سماءُ عيني صيِّباً

لو كفَّ صوبُ المزنِ عنك كفاكِ

سقياً لعهدي والهوى مقضيّةٌ

أوطارُهُ قبل احتكامِ نواكِ

والعيش غضٌّ والشبابُ مطيّةٌ

للهوِ غيرُ بطيئةِ الإدراكِ

أيّام لا واشٍ يُطاعُ ولا هوىً

يُعصى فنقصى عنكِ إذْ زرناكِ

وشفيعنا شرخُ الشبيبةِ كلّما

رُمنا القصاصَ من اقتناصِ مهاكِ

__________________

(١) كذا.


ولئن أصارتكِ الخطوبُ إلى بلىً

ولحاك ريبُ صروفِها فمحاكِ

فلطالما قضّيتُ فيك مآربي

وأبحتُ ريعانَ الشبابِ حماكِ

ما بين حورٍ كالنجومِ تزيّنتْ

منها القلائدُ للبدورِ حواكي

هيفُ الخصورِ من القصورِ بدت لنا

منها الأهلّةُ لا من الأفلاكِ

يجمعنَ من مرحِ الشبيبةِ خفّة ال

ـمتغزِّلين وعفّةَ النسّاكِ

ويصِدنَ صاديةَ القلوبِ بأعينٍ

نُجْلٍ كصيدِ الطيرِ بالأشراكِ

من كلِّ مخطفةِ الحشا تحكي الرشا

جيداً وغصنَ البان لينَ حراكِ

هيفاءَ ناطقةِ النطاقِ تشكّياً

من ظلمِ صامتة البُرين ضناكِ (١)

وكأنّما من ثغرِها من نحرها

درٌّ تباكره بعود أراكِ

عذبُ الرضابِ كأنّ حشو لثاتِها

مسكٌ يعلُّ به ذرى المسواكِ

تلك التي ملكتْ عليَّ بدلِّها

قلبي فكانت أعنفَ المُلاّكِ

إنّ الصبا يا نفسُ عزَّ طلابُهُ

ونهتْكِ عنه واعظاتُ نهاكِ

والشيبُ ضيفٌ لا محالةَ مؤذنٌ

برداكِ فاتّبعي سبيلَ هداكِ

وتزوّدي من حبِّ آلِ محمدٍ

زاداً متى أخلصتِهِ نجّاكِ

فلنعم زادٌ للمعادِ وعدّةٌ

للحشرِ إن علقتْ يداك بذاكِ (٢)

وإلى الوصيِّ مهمُّ أمرِكِ فوِّضي

تَصِلِي بذاكَ إلى قصيِّ مُناكِ

وبه ادرئي في نحرِ كلِّ ملمّةٍ

وإليه فيها فاجعلي شكواكِ

وبحبِّه فتمسّكي أن تسلكي

بالزيغِ عنه مسالكَ الهلاّكِ

لا تجهلي وهواه دأبُكِ فاجعلي

أبداً وهجرَ عداه هجرَ قلاكِ

فسواءٌ انحرف امرؤٌ عن حبِّهِ

أو باتَ منطوياً على الإشراكِ

وخذي البراءةَ من لظىً ببراءةٍ

من شانئيهِ وامحضيهِ هواكِ

__________________

(١) البرين ـ بالضم جمع بره ـ : الخلخال. (المؤلف)

(٢) للحشر إن ظفرت بذاك يداكِ. كذا في نسخة. (المؤلف)


وتجنّبي إن شئتِ أن لا تعطبي

رأيَ ابنِ سلمى فيه وابنِ صهاكِ

وإذا تشابهتِ الأمور فعوِّلي

في كشف مشكلِها على مولاكِ

خيرُ الرجالِ وخيرُ بعلِ نسائِها

والأصلُ والفرعُ التقيّ الزاكي

وتعوّذي بالزُّهرِ من أولادِهِ

من شرِّ كلِّ مُضلّل أفّاكِ

لا تعدلي عنهمْ ولا تستبدلي

بهمُ فتحظَي بالخسارِ هناكِ

فهمُ مصابيحُ الدجى لذوي الحجا

والعروةُ الوثقى لذي استمساكِ

وهم الأدلّةُ كالأهلّةِ نوُرها

يجلو عمى المتحيّرِ الشكّاكِ

وهم الصراطُ المستقيمُ فأرغمي

بهواهمُ أنفَ الذي يلحاكِ

وهم الأئمّةُ لا إمامَ سواهمُ

فدعي لِتيم وغيرِها دعواكِ

يا أُمّةً ضلّت سبيلَ رشادِها

إنّ الذي استرشدتِه أغواكِ

لئن ائتمنتِ على البريّةِ خائناً

للنفس ضيّعَها غداةَ رعاكِ

أعطاكِ إذ وطّاكِ عشوةَ رأيِه

خدعاً بحبلِ غرورِها دلاّكِ

فتبعتِهِ وسخيفَ دينِك بعتِهِ

مغترّةً بالنزرِ من دنياكِ

لقد اشتريتِ به الضلالة بالهدى

لمّا دعاكِ بمَكرهِ فدهاكِ

وأطعتِهِ وعصيتِ قولَ محمدٍ

فيما بأمرِ وصيِّه وصّاكِ

خلّفتِ واستخلفتِ من لم يرضَهُ

للدينِ تابعةً هوىً هوّاكِ

خلتِ اجتهادَكِ للصواب مؤدِّياً

هيهاتَ ما أدّاكِ بل أرداكِ

لقد اجتريتِ على اجتراح عظيمةٍ

جعلتْ جهنَّم في غدٍ مثواكِ

ولقد شققتِ عصا النبيِّ محمدٍ

وعققتِ من بعد النبيِّ أباكِ

وغدرتِ بالعهدِ المؤكَّدِ عقدُهُ

يومَ الغديرِ له فما عذراكِ

فلتعلمنَّ وقد رجعت به على ال

أعقاب ناكصةً على عقباكِ

أعَن الوصيِّ عدلت عادلةً به

مَن لا يساوي منه شسعَ شراكِ


ولَتُسأَلِنَّ عن الولاءِ لحيدرٍ

وهو النعيمُ شقاكِ عنه ثناكِ (١)

قست المحيطَ بكلِّ علمٍ مشكلٍ

وعرٍ مسالكُه على السُلاّكِ

بالمعتريهِ كما حكى شيطانُهُ

وكفاهُ عنه بنفسِهِ من حاكِ

والضاربَ الهاماتِ في يومِ الوغى

ضرباً يقدُّ به إلى الأوراكِ

إذ صاح جبريلٌ به متعجِّباً

من بأسِهِ وحسامِهِ البتّاكِ

لا سيفَ إلاّ ذو الفقارِ ولا فتى

إلاّ عليٌّ فاتكُ الفتّاكِ

بالهاربِ الفرّارِ من أقرانِهِ

والحربُ يذكيها قناً ومذاكِ

والقاطع الليلِ البهيمِ تهجّداً

بفؤادِ ذي روعٍ وطرفٍ باكِ

بالتاركِ الصلواتِ كفراناً بها

لو لا الرياءٌ لطالَ ما راباكِ

أبعدْ بهذا من قياسٍ فاسدٍ

لم تأت فيه أُمّةٌ مأتاكِ

أوَما شهدتِ له مواقفَ أذهبتْ

عنكِ اعتراكَ الشكِّ حين عراكِ

من معجزاتٍ لا يقومُ بمثلِها

إلاّ نبيٌّ أو وصيٌّ زاكي

كالشمسِ إذ رُدّت عليه ببابلٍ

لقضاء فرضٍ فائتِ الإدراكِ

والريحِ إذ مرّتْ فقال لها احملي

طوعاً وليَّ اللهِ فوق قواكِ

فجرتْ رجاءً بالبساط مطيعةً

أمرَ الإله حثيثةَ الإيشاكِ (٢)

حتى إذا وافى الرقيمَ بصحبِهِ

ليزيلَ عنه مِريةَ الشكّاكِ

قال السلام عليكمُ فتبادروا

بالردِّ بعد الصمت والإمساكِ

عن غيرِهِ فبدتْ ضغائنُ صدرِ ذي

حنقٍ لسترِ نفاقِهِ هتّاكِ

والميتُ حين دعا به من صرصرٍ

فأجابَهُ وأبيتِ حين دعاكِ

لا تدّعي ما ليس فيكِ فتندمي

عند امتحان الصدقِ من دعواكِ

__________________

(١) ثناكِ عنه شقاكِ. كذا في نسخة. (المؤلف)

(٢) وفي نسخة :

 فغدتْ رخاءً بالبساطِ مطيعةً

أمرَ الإله حثيثةَ الإدراكِ (المؤلف)


والخفُّ والثعبانُ فيه آيةٌ

فتيقّظي يا ويكِ من عمياكِ

والسطلُ والمنديلُ حين أتى به

جبريلُ حسبُكِ خدمةُ الأملاكِ

ودفاعُ أعظمِ ما عراكِ بسيفِهِ

في يوم كلِّ كريهة وعِراكِ

ومقامُهُ ثبتَ الجنانِ بخيبرٍ

والخوفُ إذ ولّيتِ حشوُ حشاكِ

والبابُ حين دحا به عن حصنهمْ

سبعين باعاً في فضاً دكداكِ

والطائرُ المشويُّ نصٌّ ظاهرٌ

لو لا جحودُك ما رأتْ عيناكِ

والصخرةُ الصمّا وقد شفَّ الظما

منها النفوسَ دحا بها فسقاكِ

والماءُ حين طغى الفراتُ فأقبلوا

ما بينَ باكيةٍ إليه وباكي

قالوا أَغِثنا يا ابن عمِّ محمدٍ

فالماء يُؤذنُنا بوشكِ هلاكِ

فأتى الفرات فقال يا أرضُ ابلعي

طوعاً بأمرِ اللهِ طاغيَ ماكِ

فأغاضَهُ حتى بدتْ حصباؤه

من فوقِ راسخةٍ من الأسماكِ

ثمّ استعادوه فعادَ بأمرِهِ

يجري على قدَرٍ ففيم مِراكِ

مولاكِ راضية وغضبى فاعلمي

سيّانَ سخطُكِ عنده ورضاكِ

يا تيمُ تيّمَكِ الهوى فأطعتِهِ

وعن البصيرة يا عديُّ عَداكِ

ومنعتِ إرثَ المصطفى وتراثَهُ

ووليتِهِ ظلماً ، فمن ولاّكِ

وبسطتِ أيدي عبد شمسٍ فاغتدتْ

بالظلمِ جاريةً على مغناكِ

لا تحسبيكِ بريئةً ممّا جرى

واللهِ ما قتلَ الحسينَ سواكِ

يا آلَ أحمد كم يكابدُ فيكمُ

كبدي خطوباً للقلوب نواكي

كبدي بكم مقروحةٌ ومدامعي

مسفوحةٌ وجوى فؤاديَ ذاكي

وإذا ذكرتُ مصابَكم قال الأسى

لجفونيَ اجتنبي لذيذَ كراكِ

وابكي قتيلاً بالطفوف لأجله

بكتِ السماءُ دماً فحقَّ بكاكِ

إن تبكِهمْ في اليومِ تلقاهمْ غداً

عيني بوجهٍ مسفرٍ ضحّاكِ

يا ربِّ فاجعل حبَّهمْ لي جُنّةً

من موبقاتِ الظلمِ والإشراكِ


واجبر بها الجبريَّ ربِّ وبَرِّهِ

من ظالمٍ لدمائهمْ سفّاكِ

وبهم إذا أعداءُ آلِ محمدٍ

غلقتْ رهونهمُ فجدْ بفكاكِ (١)

الشاعر

ابن جبر المصري أحد شعراء مصر على عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ، المولود سنة (٤٢٠) والمتوفّى (٤٨٧) ، ذكر المقريزي في الخطط (٢) (٢ / ٣٦٥) موسماً من مواسم فتح الخليج في أيّام المستنصر وقال : وتقدّم شاعر يقال له ابن جبر ، وأنشد قصيدةً منها :

فُتِحَ الخليجُ فسالَ منه الماءُ

وعلت عليه الرايةُ البيضاءُ

فصفت مواردُه لنا فكأنّه

كفُّ الإمامِ فعرفُها الإعطاءُ

فانتقد الناس عليه في قوله : فسال منه الماء وقالوا : أيّ شيء يخرج من البحر غير الماء؟ فضيع ما قاله بعد هذا المطلع.

وهناك قصائد غديريّة لابن طوطي الواسطي ، والخطيب المنبجي ، وعليّ بن أحمد المغربي ، من شعراء القرن الخامس توجد مبثوثة في مناقب ابن شهرآشوب وتفسير أبي الفتوح الرازي ، والصراط المستقيم للبياضي ، والدرّ النظيم في الأئمّة اللهاميم لابن حاتم الدمشقي ، وغيرها لم نذكرها لعدم عرفاننا بترجمة أولئك الشعراء وتاريخ حياتهم ؛ غير أنّهم من شعراء هذه الأثارة ـ مأثرة الغدير ـ ومنضّدي عقودها ، وناظمي حديثها ، من الذين استفادوا من لفظه معنى الإمامة والمرجعيّة الكبرى في الدين ، والأولويّة بالناس من أنفسهم.

__________________

(١) أخذتها من نسخة عتيقة جداً مكتوبة في القرون الوسطى وتوجد ناقصة منها تسعة أبيات في أعيان الشيعة في الجزء الخامس عشر : ص ٢٦٣ [٤ / ٦٣]. (المؤلف)

(٢) الخطط والآثار : ١ / ٤٧٨.


شعراء الغدير

في

القرن السادس

١ ـ أبو الحسن الفنجكردي

٢ ـ ابن منير الطرابلسي

٣ ـ القاضي ابن قادوس

٤ ـ الملك الصالح

٥ ـ ابن العودي النيلي

٦ ـ القاضي الجليس

٧ ـ ابن مكي النيلي

٨ ـ الخطيب الخوارزمي

٩ ـ الفقيه عمارة



ـ ٤٤ ـ

أبو الحسن الفنجكردي

المولود (٤٣٣)

المتوفّى (٥١٣)

لا تُنكرَنَّ غديرَ خمٍّ إنّه

كالشمسِ في إشراقِها بل أظهرُ

ما كان معروفاً بإسنادٍ إلى

خيرِ البرايا أحمدٍ لا يُنكَرُ

فيهِ إمامةُ حيدرٍ وكمالهُ

وجلالُهُ حتى القيامةِ يُذكَرُ

أولى الأنامِ بأن يوالي المرتضى

من يأخذُ الأحكامَ منه ويأثرُ

ما يتبع الشعر

هذه الأبيات نسبها إلى الفنجكردي شيخنا الفتّال في روضة الواعظين (ص ٩٠) وهو أحد معاصريه ، وذكرها ابن شهرآشوب في المناقب (١ / ٥٤٠) طبع إيران ، والقاضي الشهيد في مجالس المؤمنين (ص ٢٣٤) ، وصاحب رياض العلماء ، وقطب الدين الأشكوري في محبوب القلوب (١).

وذكر له في مناقب ابن شهرآشوب (١ / ٥٤٠) ، ومجالس المؤمنين (ص ٢٣٤) ، ورياض العلماء قوله :

يومُ الغديرِ سوى العيدينِ لي عيدُ

يوم يُسَرُّ به السادات والصيدُ

__________________

(١) روضة الواعظين : ص ١٠٣ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥٥ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٥٦٣ ، رياض العلماء : ٣ / ٣٥٣ ، محبوب القلوب : ٢ / ٣٢٣.


نالَ الإمامةَ فيه المرتضى وله

فيه من الله تشريفٌ وتمجيدُ

يقول أحمدُ خيرُ المرسلين ضحىً

في مجمعٍ حَضَرتْهُ البيضُ والسودُ

والحمدُ للهِ حمداً لا انقضاءَ له

له الصنائعُ والألطافُ والجودُ

إنّ الشاعر ـ كما سيوافيك في الترجمة ـ من أئمّة اللغة الواقفين على حقائق معاني الألفاظ وتصاريفها ، ومن المطّلعين على معاريض الكلام ولحن القول وفحوى التعابير ، وقد استفاد من لفظ المولى معنى الإمامة والمرجعيّة في أحكام الدين ، فنظم ذلك في شعره الدرِّي ، فهو من الحجج لما نتحرّاه في معنى الحديث الشريف.

الشاعر

الشيخ أبو الحسن عليّ بن أحمد الفَنجكردي (١) النيسابوري ، من أساتذة الأدب المحنّكين المتقدّمين فيه بالإمامة والتضلّع ، وهو مع ذلك معدود من أعاظم حملة العلم ، ومشيخة الحديث البارعين ، ففي الأنساب للسمعاني : أبو الحسن الفنجكردي عليّ بن أحمد الأديب البارع ، صاحب النظم والنثر الجاريين في سلك السلاسة ، الباقيين معه على هرمه وطعنه في السنِّ ، قرأ أصول اللغة على يعقوب بن أحمد الأديب وغيره ، وكان عفيفاً خفيفاً ظريف المجاورة قاضياً للحقوق ، محمود الأحوال ، أصابته علّة أزمنته ومنعته من الخروج ، وطعن في السنّ فتأخّر عن الزيارة بالقدم فاستناب عنها التعهّد بالعلم ، سمع الحديث من القاضي الناصحي (٢) ، وكتب لي الإجازة لجميع مسموعاته وحدّثني عنه جماعة من مشايخنا ، وتوفّي ليلة الجمعة

__________________

(١) بفتح الفاء وسكون النون وضم الجيم أو سكونها وبكسر الكاف وسكون الراء وبعدها الدال المهملة ، نسبة إلى فنجكرد قرية من نواحي نيسابور. الأنساب [٤ / ٤٠٢]. (المؤلف)

(٢) أبو الحسن محمد بن محمد بن جعفر : المتوفّى (٤٧٩). (المؤلف)


الثالث عشر من شهر رمضان سنة (٥١٣) وصلّوا عليه في الجامع القديم ، ودفن بالحيرة (١) في مقبرة نوح.

وفي معجم الأدباء (٢) (٥ / ١٠٣) : كان أديباً فاضلاً ، ذكره الميداني في خطبة كتاب السامي وأثنى عليه ومات سنة (٥١٢) عن ثمانين سنة. وذكره البيهقي في الوشاح فقال : الإم ام عليّ بن أحمد الفنجكردي الملقّب بشيخ الأفاضل ، أُعجوبة زمانه ، وآية أقرانه ، وشيخ الصناعة ، والممتطي غوارب البراعة.

وذكره عبد الغفار الفارسي فقال : عليّ بن أحمد الفنجكردي الأديب البارع ، صاحب النظم والنثر الجاريين في سلك السلاسة ، قرأ اللغة على يعقوب بن أحمد الأديب وغيره وأحكمها وتخرّج فيها ، وأصابته علّة لزمته في آخر عمره ، ومات بنيسابور في ثالث عشر رمضان سنة (٥١٣). انتهى.

ومدحه معاصره الكاتب أبو إبراهيم أسعد بن مسعود العتبي (٣) ، كما في معجم الأدباء (٤) (٢ / ٢٤٢) بقوله :

يا أوحدَ البلغاءِ والأدباءِ

يا سيّدَ الفضلاءِ والعلماءِ

يا من كأنّ عطارداً في قلبِهِ

يملي عليه حقائقَ الأشياءِ

وذكره السيوطي في بغية الوعاة (٥) (ص ٣٢٩) بما يقرب من كلام الحموي صاحب المعجم ، وحكى عن الوشاح أنه مات سنة (٥١٣) عن ثمانين سنة ، وروى له قوله :

__________________

(١) محلة كبيرة بنيسابور فيها كانت جبّانة نوح ، ولعلّها سُمّيت بالحيرة لنزول جمع من أهل حيرة الكوفة بها. (المؤلف)

(٢) معجم الأدباء : ١٢ / ٢٧٠.

(٣) ولد سنة (٤٠٤) وتوفّي في جمادى الأولى (٤٩٤). (المؤلف)

(٤) معجم الأدباء : ٦ / ٩٧.

(٥) بغية الوعاة : ٢ / ١٤٨ رقم ١٦٧٠.


زمانُنا ذا زمانُ سوءٍ

لا خيرَ فيه ولا صلاحا

هل يبصرُ المُبلِسون فيه

لليلِ أحزانِهمْ صباحا

فكلُّهمْ منه في عناءٍ

طوبى لمن ماتَ فاستراحا

وعبّر عنه معاصره شيخنا الفتّال في روضة الواعظين (١) : بالشيخ الإمام تارة وبالشيخ الأديب أخرى ، وترجمه وأطراه القاضي في المجالس (٢) (ص ٢٣٤) ، وصاحب رياض العلماء (٣) ، وروضات الجنات (٤) (ص ٤٨٥) ، والشيعة وفنون الإسلام (٥) (ص ١٣٦) ، وذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء (٦) له كتاب تاج الأشعار وسلوة الشيعة ، قال : وهي أشعار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وينقل عنه في كتابه مناقب آل أبي طالب (٧). كما أنّ شيخنا قطب الدين الكيدري (٨) جعله من مصادر كتابه أنوار العقول من أشعار وصيِّ الرسول ، ونصَّ فيه بأنّ الفنجكردي قد جمع في كتابه تاج الأشعار مائتي بيت من شعر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وترجمه سيّدنا صاحب رياض الجنّة في الروضة الرابعة ، وذكر له قوله :

إذا ذكرتَ الغرَّ من هاشمٍ

تنافرتْ عنك الكلابُ الشارده

فقل لمن لامَك في حبِّهِ

خانتكَ في مولودِكَ الوالده

قال الأميني : أشار المترجم بهذين البيتين إلى ما ورد في جملة من الأحاديث

__________________

(١) روضة الواعظين : ص ١٠٣ ، ٢٣٦.

(٢) مجالس المؤمنين : ١ / ٥٦٢.

(٣) رياض العلماء : ٣ / ٣٥٢.

(٤) روضات الجنّات : ٥ / ٢٤٩ رقم ٥٠٣.

(٥) الشيعة وفنون الإسلام : ص ١٧٤.

(٦) معالم العلماء : ص ٧١ رقم ٤٨١.

(٧) راجع : ٢ / ٩٩ و ١٣٩ و ١٧٦ [٢ / ٧٢ ، ١٢٣ ، ٢١٣]. (المؤلف)

(٨) هو الشيخ أبو الحسن محمد بن الحسين البيهقي النيسابوري شارح نهج البلاغة ، توفّي حدود سنة (٥٧٤). (المؤلف)


من أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يُبغضه إلاّ دعيّ ، وإليك منها :

١ ـ عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا معشر الأنصار نبور (١) أولادنا بحبِّهم عليّا رضى الله عنه ، فإذا وُلد فينا مولودٌ فلم يحبّه عرفنا أنّه ليس منّا (٢).

٢ ـ عبادة بن الصامت : كنّا نبور أولادنا بحبِّ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فإذا رأينا أحدهم لا يحبّ عليّ بن أبي طالب علمنا أنّه ليس منّا وأنّه لغير رشدة (٣).

قال الحافظ الجزري في أسنى المطالب (ص ٨) بعد ذكر هذا الحديث : وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم أنّه ما يبغض عليّا رضى الله عنه إلاّ ولد الزنا.

٣ ـ أخرج الحافظ الحسن بن عليّ العدوي ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدة الضبّي ، عن أبي عيينة ، عن ابن الزبير ، عن جابر قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نعرض أولادنا على حبِّ عليِّ بن أبي طالب. ورجاله رجال الصحيحين كلّهم ثقات.

٤ ـ أخرج الحافظ ابن مردويه ، عن أحمد بن محمد النيسابوري ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أحمد ، قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : قال أنس بن مالك : ما كنّا نعرف الرجل لغير أبيه إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه.

٥ ـ أخرج ابن مردويه ، عن أنس في حديث : كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثمّ يقف على طريق عليّ رضى الله عنه ، فإذا نظر إليه أومأ بإصبعه : يا بُنيّ تحبُّ هذا الرجل؟! فإن قال : نعم. قبّله ، وإن قال : لا. خرق به الأرض وقال له : الحق بأمِّك.

__________________

(١) باره يبوره بوراً : جرّبه واختبره. (المؤلف)

(٢) أسنى المطالب للحافظ الجزري : ص ٨ [ص ٥٨] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٣٧٣ [٤ / ١١٠ خطبة ٥٦] ، وهناك تصحيف. (المؤلف)

(٣) أسنى المطالب : ص ٨ [ص ٥٨] ، نهاية ابن الأثير : ١ / ١١٨ [١ / ١٦١] ، الغريبين للهروي وفي لفظه : نسبر مكان نبور ، لسان العرب : ٥ / ١٥٤ [١ / ٥٣٦] ، تاج العروس : ٣ / ٦١. (المؤلف)


٦ ـ أخرج الحافظ الطبري في كتاب الولاية ، بإسناده عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «لا يحبّني ثلاثة : ولد الزنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أُمّه في بعض حيضها».

٧ ـ أخرج الحافظ الدارقطني ، وشيخ الإسلام الحمّوئي في فرائده (١) بإسنادهما عن أنس مرفوعاً قال : «إذا كان يوم القيامة نُصب لي منبر ، ثمّ ينادي منادٍ من بطنان العرش : أين محمد؟ فأجيب. فيقال لي : ارق. فأكون أعلاه ، ثمّ ينادي الثانية : أين عليّ؟ فيكون دوني بمرقاة ، فيعلم جميع الخلائق أنّ محمداً سيّد المرسلين وأنّ عليّا سيّد المؤمنين» (٢). قال أنس : فقام إليه رجلٌ فقال : يا رسول الله من يبغض عليّا بعدُ؟!

فقال : «يا أخا الأنصار ، لا يبغضه من قريش إلاّ سفحيّ ، ولا من الأنصار إلاّ يهوديّ ، ولا من العرب إلاّ دعيّ ، ولا من سائر الناس إلاّ شقيّ».

هذا الحديث ضعّفه السيوطي (٣) لمكان إسماعيل بن موسى الفزاري في سنده. وقد ذكره ابن حبّان في الثقات (٤) ، وقال مطين : كان صدوقاً ، وقال النسائي : لا بأس به. وعن أبي داود : إنّه صدوق في الحديث ، روى عنه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد ، وأبو داود والترمذي ، وابن ماجة ، وابن خزيمة ، والساجي ، وأبو يعلى وغيرهم (٥) ، ولم يُذكر غمزٌ فيه عن أحد من هؤلاء الأعلام. نعم ؛ ذنبه الوحيد أنَّه شيعيٌّ علويُّ المذهب.

٨ ـ عن أبي بكر الصدّيق قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّم خيمة وهو

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ١٣٤ ح ٩٧ باب ٢٢.

(٢) في لفظ الحمّوئي : الوصيّين. (المؤلف)

(٣) اللآلئ المصنوعة : ١ / ٣٧٧.

(٤) الثقات : ٨ / ١٠٤.

(٥) تهذيب التهذيب : ١ / ٢٩٢ رقم ٦٠٦.


متّكئٌ على قوس عربيّة ، وفي الخيمة عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين فقال : «معشر المسلمين أنا سلمٌ لمن سالمَ أهل الخيمة ، حربٌ لمن حاربهم ، وليٌّ لمن والاهم ، لا يحبّهم إلاّ سعيد الجدِّ طيّب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقيُّ الجدِّ رديء المولد» (١).

٩ ـ عن ابن مريم الأنصاري ، عن عليٍّ عليه‌السلام قال : «لا يحبّني كافر ولا ولد زنا» (٢).

١٠ ـ أخرج ابن عديّ (٣) والبيهقيّ (٤) وأبو الشيخ والديلميّ (٥) ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من لم يعرف عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى الثلاث : إمّا منافق ، وإمّا ولد زانية ، وإمّا امرؤ حملت به أُمّه في غير طُهر (٦)».

١١ ـ روى المسعودي في مروج الذهب (٧) (٢ / ٥١) عن كتاب الأخبار لأبي الحسن عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي ، بإسناده عن العبّاس بن عبد المطّلب ، قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل عليّ بن أبي طالب ، فلمّا رآه أسفر في وجهه ، فقلت : يا رسول الله إنّك لتسفر في وجه هذا الغلام! فقال : «يا عمّ رسول الله ، والله للهُ أشدُّ حبّا له منّي ، ولم يكن نبيٌّ إلاّ وذريّته الباقية بعده من صلبه وإنّ ذريّتي بعدي من صلب هذا ، إنّه إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم وأسماء أُمّهاتهم إلاّ هذا وشيعته ، فإنّهم يُدعوَن بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم».

__________________

(١) الرياض النضرة للحافظ محبّ الدين الطبري : ٢ / ١٨٩ [٣ / ١٣٦]. (المؤلف)

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٣٧٣ [٤ / ١١٠ خطبة ٥٦]. (المؤلف)

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٢٠٣ رقم ٧٠٠.

(٤) شعب الإيمان : ٢ / ٢٣٢ ح ١٦١٤.

(٥) فردوس الأخبار : ٣ / ٦٢٦ ح ٥٩٥٥.

(٦) الصواعق لابن حجر : ص ١٠٣ ، ١٣٩ [ص ١٧٣ ، ٢٣٣] ، الفصول المهمّة : ص ١١ [ص ٢٦] ، الشرف المؤبّد : ص ١٠٣ [ص ٢١٧] وليس فيه كلمة : والعرب. (المؤلف)

(٧) مروج الذهب : ٣ / ٧.


١٢ ـ عن ابن عبّاس قال : قال عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه : «رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه ، فقلت : ومَن هذا الذي يلعنه رسول الله؟ قال : هذا الشيطان الرجيم. فقلت : والله يا عدوّ الله لأقتلنّك ولأُريحنَّ الأمّة منك. قال : والله ما هذا جزائي منك. قلت : وما جزاؤك منّي يا عدوّ الله؟ قال والله ما أَبغضك أحدٌ قطُّ إلاّ شركت أباه في رحم أمِّه».

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (٣ / ٢٩٠) ، والكنجي في الكفاية (١) (ص ٢١) عن أربع من مشايخه.

روى شيخ الإسلام الحمّوئي في فرائده (٢) في الباب الثاني والعشرين ، من طريق أبي الحسن الواحدي بإسناده ، والزرندي في نظم درر السمطين (٣) عن الربيع بن سلمان ، قال : قيل للشافعي : إنّ قوماً لا يصبرون على سماع فضيلة لأهل البيت ، فإذا أراد أحدٌ يذكرها يقولون : هذا رافضيٌّ ، قال : فأنشأ الشافعيُّ يقول :

إذا في مجلسٍ ذكروا عليّا

وسبطيهِ وفاطمةَ الزكيّه

فأجرى بعضُهم ذكرى سواهمْ

فأيقِنْ أنّه لِسلقلقيّه

إذا ذكروا عليّا أو بنيهِ

تشاغل بالروايات الدنيّه

وقال تجاوزوا يا قومِ هذا

فهذا من حديثِ الرافضيّه

برِئتُ إلى المهيمنِ من أُناسٍ

يرون الرفضَ حبَّ الفاطميّه

على آلِ الرسولِ صلاةُ ربّي

ولعنتُه لتلك الجاهليّه

وقد نظم هذه الأثارة كثير من الشعراء قديماً وحديثاً ، يضيق المجال بذكر

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ٧٠ باب ٣.

(٢) فرائد السمطين : ١ / ١٣٥ ح ٩٨.

(٣) نظم درر السمطين : ص ١١١.


شعرهم ، ومنه قول الصاحب بن عبّاد (١):

بحبِّ عليّ تزولُ الشكوكُ

وتصفو النفوسُ ويزكو النجار

فمهما رأيتَ محبّا له

فثَمّ العلاءُ وثَمّ الفخار

ومهما رأيتَ بغيضاً له

ففي أصلِهِ نسبٌ مستعار

فمهّد على نَصبه عذرَهُ

فحيطانُ دارِ أبيه قصارُ

وقال أيضاً :

حبُّ عليّ بن أبي طالب

فرضٌ على الشاهدِ والغائبِ

وأُمُّ من نابذَهُ عاهرٌ

تبذلُ للنازلِ والراكبِ

وقال ابن مدلّل :

ولقد روينا في حديثٍ مسندٍ

عمّا رواه حذيفةُ بنُ يمانِ

إنّي سألت المرتضى لِمَ لم يكن

عقدُ الولاءِ يصيبُ كلّ جنانِ

فأجابني بإجابةٍ طابت لها

نفسي وأطربني لها استحساني

اللهُ فضّلني وميّزَ شيعتي

من نسل أرجاسِ البعولِ زواني

وروايةٌ أخرى إذا حُشر الورى

يومَ المعادِ رويت عن سلمانِ

للناصبين يقالُ يا ابن فلانةٍ

ويقال للشيعيّ يا ابن فلانِ

كتموا أبا هذا لخبثِ ولادةٍ

ولطيبِ ذا يُدعى بلا كتمانِ (٢)

__________________

(١) ديوان الصاحب بن عبّاد : ص ٩٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٤٢.



ـ ٤٥ ـ

ابن منير الطرابلسي

وُلد (٤٧٣)

توفّي (٥٤٨)

عذّبتَ طرفي بالسهرْ

وأذبتَ قلبي بالفِكَرْ

ومزجتَ صفوَ مودّتي

من بَعد بُعدِك بالكدرْ

ومنحتَ جثماني الضّنى

وكحلتَ جفني بالسهرْ

وجفوتَ صبّا ما له

عن حسنِ وجهِكَ مصطبرْ

يا قلبُ ويحك كم تخا

دعُ بالغرورِ وكم تُغرْ

وإلى مَ تكلفُ بالأغنّ

من الظباءِ وبالأغرْ

لئنِ الشريف الموسويّ

ابنُ الشريفِ أبي مُضرْ

أبدى الجحوَد ولم يردّ

إليَّ مملوكي تَتَرْ

واليت آل أُميّة الطُّهرَ

الميامينَ الغررْ

وجحدتُ بيعةَ حيدرٍ

وعدلتُ عنه إلى عمرْ

وأُكذِّبُ الراوي وأط

ـعن في ظهورِ المنتظرْ

وإذا رووا خبرَ (الغدير)

أقول ما صحَّ الخبرْ

ولبستُ فيه من الملا

بسِ ما اضمحلَّ وما دثرْ

وإذا جرى ذكرُ الصحا

بة بين قومٍ واشتهرْ


قلتُ المقدّمُ شيخ تي

ـمٍ ثمّ صاحبُه عمرْ

ما سلَّ قطّ ظباً على

آلِ النبيِّ ولا شهرْ

كلاّ ولا صدَّ البتو

ل عن التراثِ ولا زجرْ

وأقولُ إنّ يزيدَ ما

شربَ الخمورَ ولا فجرْ

ولجيشِهِ بالكفِّ عن

أبناءِ فاطمةٍ أمرْ

والشمرُ ما قتل الحسي

ـن ولا ابنُ سعدٍ ما غدرْ

وحلقتُ في عشرِ المحرّ

م ما استطالَ من الشعرْ

ونويتُ صومَ نهارِهِ

وصيامَ أيّامٍ أُخرْ

ولبستُ فيه أجلّ ثو

بٍ للمواسمِ يُدّخرْ

وسهرتُ في طبخِ الحبو

ب من العشاءِ إلى السحرْ

وغدوتُ مكتحلاً أصا

فحُ من لقيتُ من البشرْ

ووقفتُ في وسط الطر

يق أقصُّ شاربَ من عبرْ

وأكلتُ جرجير البقو

ل بلحمِ جرّيّ الحفرْ

وجعلتها خيرَ المآ

كل والفواكهِ والخضرْ

وغسلتُ رجلي حاضراً

ومسحتُ خُفّي في السفرْ

آمينَ أجهرُ في الصلا

ة بها كمن قبلي جهرْ

وأسنّ تسنيمَ القبورِ

لكلِّ قبرٍ يُحتفرْ

وأقول في يوم تحا

رُ له البصيرةُ والبصرْ

والصحفُ يُنشر طيّها

والنارُ ترمي بالشررْ

هذا الشريفُ أضلّني

بعد الهدايةِ والنظرْ

فيقال خذ بيد الشري

ـف فمستقرُّكما سقرْ

لوّاحةٌ تسطو فما

تُبقي عليه وما تذرْ

واللهُ يغفرُ للمسيء

إذا تنصّلَ واعتذرْ

إلاّ لمن جحد الوصيَ

ولاءه ولمن كفرْ


فاخش الإلهَ بسوء فع

ـلك واحتذر كلّ الحذرْ (١)

ما يتبع الشعر

هذه القصيدة المعروفة ب ـ التَتَريّة ـ ذكرها بطولها (١٠٦) أبيات ابن حجّة الحموي في ثمرات الأوراق (٢) (٢ / ٤٤ ـ ٤٨) ، وذكر منها في كتابه خزانة الأدب (٣) (٦٨) بيتاً ، وتوجد برمّتها في تذكرة ابن العراق ، ومجالس المؤمنين (٤) (ص ٤٥٧) نقلاً عن التذكرة ، وأنوار الربيع للسيّد علي خان (٥) (ص ٣٥٩) ، وكشكول شيخنا البحراني (٦) صاحب الحدائق (ص ٨٠) ، ونامه دانشوران (٧) (١ / ٣٨٥) ، وتزيين الأسواق للأنطاكي (٨) (ص ١٧٤) ، ونسمة السحر فيمن تشيّع وشعر (٩) ، وذكر الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل (١٠) منها تسعة عشر بيتاً.

أرسل ابن منير إلى الشريف المرتضى الموسوي (١١) بهديّة مع عبدٍ أسود له ، فكتب إليه الشريف : أمّا بعد فلو علمت عدداً أقلّ من الواحد أو لوناً شرّا من السواد

__________________

(١) ديوان ابن منير الطرابلسي : ص ١٦٠.

(٢) ثمرات الأوراق : ص ٣٢٧.

(٣) خزانة الأدب وغاية الأرب : ١ / ٣٢٤.

(٤) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٣٧.

(٥) أَنوار الربيع : ٣ / ٢٢٤.

(٦) كشكول البحراني : ١ / ٤٢٠.

(٧) نامه دانشوران (فارسي) : ٢ / ٢٣٦.

(٨) تزيين الأسواق : ص ٣٦٤.

(٩) نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٤٠.

(١٠) أمل الآمل : ١ / ٣٥ رقم ٢٨.

(١١) كان نقيب الأشراف بالعراق والشام وغالب الممالك ورئيس أهل هذا المذهب ، وغيرهم ، وكان بينه وبين مهذّب الدين مودّة. تزيين الأسواق : ص ١٧٤ [ص ٣٦٣] ومهذّب الدين هو أبو الحسن عليّ بن أبي الوفاء الموصلي الشاعر المقدّم ، توفّي سنة (٥٤٣). (المؤلف)


بعثت به إلينا والسلام. فحلف ابن منير أن لا يرسل إلى الشريف هديّة إلاّ مع أعزِّ الناس عليه ، فجهّز هدايا نفيسة مع مملوك له يسمّى تَتَر ، وكان يهواه جدّا ويحبّه كثيراً ولا يرضى بفراقه ، حتى إنّه متى اشتدَّ غمّه أو عرضت عليه محنة نظر إليه فيزول ما به ، فلمّا وصل المملوك إلى الشريف توهّم أنّه من جملة هداياه تعويضاً من العبد الأسود فأمسكه ، وعزّت الحالة على ابن منير فلم ير حيلة في خلاص مملوكه من يد الشريف إلاّ إظهار النزوع عن التشيّع إن لم يرجعه إليه ، وإنكار ما هو المتسالم عليه من قصّة الغدير وغيرها ، فكتب إليه بهذه القصيدة. فلمّا وصلت إلى الشريف تبسّم ضاحكاً وقال : قد أبطأنا عليه فهو معذورٌ ، ثمّ جهّز المملوك مع هدايا نفيسة ، فمدحه ابن منير بقوله :

إلى المرتضى حُثَّ المطيَّ فإنّه

إمامٌ على كلِّ البريّة قد سما

ترى الناس أرضاً في الفضائلِ عندَهُ

ونجلَ الزكيِّ الهاشميِّ هو السما

وقد خمّس التتريّة العلاّمة الشيخ إبراهيم يحيى العاملي (١) ، وهو بتمامه مع القصيدة مذكور في مجموعة شيخنا العلاّمة الشيخ عليّ آل كاشف الغطاء ، وفي الجزء الأوّل من سمير الحاضر ومتاع المسافر له ، وفي المجموع الرائق (ص ٧٢٧) لزميلنا العلاّمة السيّد محمد صادق آل بحر العلوم ، أوّله :

أفدي حبيباً كالقمرْ

ناديتُهُ لمّا سَفرْ

يا صاحب الوجه الأغرْ

عذّبت طرفي بالسهرْ

وأذبت قلبي بالفِكَرْ

أبلى صدودُك جدّتي

وتركتني في شدّتي

وأطلتَ فيها مدّتي

ومزجت صفو مودّتي

من يسعد يمد بالكدر

__________________

(١) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر ، تأتي هناك ترجمته. (المؤلف)


ولهذه القصيدة أشباه ونظائر في معناها سابقة ولاحقة ، منها :

١ ـ مدح الخالديّان أبو عثمان سعيد بن هاشم وأخوه أبو بكر محمد ـ من شعراء اليتيمة ـ الشريف الزبيدي أبا الحسن محمد بن عمر الحسيني ، فأبطأ عليهما بالجائزة ، وأراد السفر فدخلا عليه وأنشداه :

قل للشريفِ المستجارِ بهِ

إذا عدم المطرْ

وابن الأئمّة من قريشٍ

والميامينِ الغررْ

أقسمتُ بالريحانِ و

النّغم المضاعف والوترْ

لئن الشريفُ مضى ولم

يُنعِمْ لعبديه النظرْ

لنشاركنَّ بني أُميّة

في الضلال المشتهرْ

ونقول لم يغصب أبو

بكرٍ ولم يظلمْ عمرْ

ونرى معاويةً إما

ماً مَن يخالفه كفرْ

ونقول إنّ يزيد ما

قتَل الحسين ولا أمرْ

ونعدُّ طلحةَ والزبي

ـر من الميامينِ الغُرَرْ

ويكون في عنقِ الشري

ـف دخولُ عبديه سقرْ (١)

فضحك الشريف لهما ، وأنجز جائزتهما.

٢ ـ حبس الشريف الحسن بن زيد الشهيد وزيره لتقصيره ، فكتب إلى الشريف بقوله :

أشكو إلى اللهِ ما لقيتُ

أحببتُ قوماً بهم بُلِيتُ

لأَشتُمُ الصالحين جهراً

ولا تشيّعتُ ما بقيتُ

أمسح خفّي ببطنِ كفّي

ولو على جيفةٍ وطيتُ

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٦ / ٣٠٢.


٣ ـ كتب أبو الحسن الجزّار المصري ـ الآتي ترجمته ـ إلى الشريف شهاب الدين ناظر الأهراء (١) ليلة عاشوراء ، عندما أخّر عنه إنجاز موعده ، بقوله :

قل لشهاب الدين ذي الفضل الندي

والسيّدِ ابن السيّدِ ابن السيّدِ

أقسمُ بالفردِ العليِّ الصمدِ

إن لم يبادرْ لنَجازِ موعدي

لأحضرنَّ للهناء في غدِ

مكحّلَ العينينِ مخضوبَ اليدِ

والإثم في عنقِ الشريفِ الأمجدِ

لأنّني جُنِنتُ في التردّدِ

حتى نصبتُ وكسرتُ عددي

في شهر حزني وجزمتُ لدَدي

٤ ـ كتب القاضي جمال الدين عليّ بن محمد العنسي إلى شريف عصره ، قوله :

بالبيت أُقسمُ أو بأه

ـل البيت سادات البشرْ

وبصولة المولى الذي

تاهتْ به عليا مضرْ

إن طال غصب مطهّرٍ

عمد الدراري واستمرْ

لُاقلّدنَّ أبا حني

ـفةَ صاحبَ الرأيِ الأغرْ

ولأسمعنَّ له وإنْ

حلَّ النبيذَ المعتصرْ

حبّا لقومٍ أَنزلوا

بمطهّرٍ أقوى ضررْ

أعني بهم أبناءَ خا

قانَ الميامينَ الغررْ

ولأتركنَّ الترك تر

فلُ من مديحي في حبرْ

ولأنظمنَّ شوارداً

فيهم تحارُ لها الفِكرْ

وأسوقها زُمَراً إلى

زُمَرٍ وتتلوها زُمَرْ

ولأبكينَّ على الوزي

ـر بكلِّ معنىً مبتكرْ

أعني به حسناً وإن

فعلَ القبيحَ فمغتفرْ

وأقول إنّ سنانهم

سيفٌ نضتْهُ يدُ القدَرْ

__________________

(١) الأهراء : متاع البيت.


ما جار قطُّ ولا أرا

قَ دماً وبالتقوى أمرْ

وإذا جرى ذكر الخمو

ر ومن حساها واعتصرْ

نزّهتُهم عنها سوا (١)

لامَ المفنِّدُ أو عذرْ

أستغفرُ اللهَ العظي

ـم سوى النبيذِ إذا حضرْ

فالرأي رأيُهمُ السدي

ـد وقد رووا فيهِ خبرْ

ولأمقتنَّ (٢) على بكي

ـرٍ في العشايا والبُكرْ

أقضي بتربته الفرو

ضَ ومن زيارتِهِ الوطرْ

ولأملأنَّ على العوا

مِ مسائلاً فيها غَرَرْ

نقضي بتطويلِ الشوا

ربِ عند تقصير الشعرْ

ولأرخينَّ من العما

ئم ما تكوّر واعتصرْ

ولأرفعنَّ إلى الصلا

ة يدي وأرويها أثرْ (٣)

وأقولُ في يومٍ تحا

رُ له البصائرُ والبصرْ

والصحفُ تنشر طيّها

والنارُ ترمي بالشررْ

هذا الشريفُ أضلّني

بعد الهداية والنظرْ (٤)

٥ ـ كتب في هذا المعنى أبو الفتح سبط ابن التعاويذي إلى نقيب الكوفة الشريف محمد بن مختار العلوي ، يعاتبه على عدم الوفاء بما كان وعده به قصيدة تأتي في ترجمة أبي الفتح أوّلها :

يا سميَّ النبيّ يا ابن عليٍ

قامعَ الشركِ والبتولِ الطهورِ

__________________

(١) أي : سواء.

(٢) في أعيان الشيعة : ٨ / ٣٠٧ ولأمضينَّ.

(٣) في أعيان الشيعة : وأزويها أشر.

(٤) الأبيات الثلاثة الأخيرة من قصيدة ابن منير. (المؤلف)


الشاعر

أبو الحسين مهذّب الدين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي (١) الشامي نازل درب الخابوري على باب الجامع الكبير الشمالي ، عين الزمان الشهير بالرفا ، أحد أئمّة الأدب ، وفي الطبقة العليا من صاغة القريض ، وقد أكثر وأجاد ، وله في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عقود عسجديّة أبقت له الذكر الخالد والفخر الطريف والتالد ، وقد أتقن اللغة والعلوم الأدبيّة كلّها ، أنجبت به طرابلس فكان زهرة رياضها ، ورواء أرباضها ، ثمّ هبط دمشق فكان شاعرها المفلق ، وأديبها المِدره ، فنشر في عاصمة الأمويين فضائل العترة الطاهرة بجمان نظمه الرائق ، وطفق يتذمّر على من ناوأهم أو زواهم عن حقوقهم ، محقِّقاً فيه مذهبه الحقّ ، فبهظ ذلك المتحايدين عن أهل البيت عليهم‌السلام فوجّهوا إليه القذائف والطامّات ، وسلقوه بألسنة حداد ، فمن قائل : إنّه كان خبيث اللسان ، وآخر يعزو إليه التحامل على الصحابة ، ومن ناسبٍ إليه الرفض ، ومن مفتعلٍ عليه رؤيا هائلة ، لكن فضله الظاهر لم يدع لهم مُلتحداً عن إطرائه ، وإكبار موقفه في الأدب بالرغم من كلّ تلكم الهلجات ، وجمع شعره بين الرقّة والقوّة والجزالة ، وازدهى بالسلاسة والانسجام ، وقبل أيِّ مأثرة من مآثره ، إنّه كان أحد حفّاظ القرآن الكريم ، كما ذكره ابن عساكر ، وابن خلّكان ، وصاحب شذرات الذهب.

قال ابن عساكر في تاريخه (٢) (٢ / ٩٧) : حفظ القرآن ، وتعلّم اللغة والأدب ، وقال الشعر ، وقدم دمشق فسكنها ، وكان رافضيّا خبيثاً يعتقد مذهب الإماميّة ، وكان هجّاءً خبيث اللسان يكثر الفحش في شعره ، ويستعمل فيه الألفاظ العامّية ، فلمّا كثر

__________________

(١) طرابلس : بلدة على ساحل الشام مما يلي دمشق. (المؤلف)

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٣ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٣٠٦.


الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق في السجن مدّة ، وعزم على قطع لسانه ، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له ، وأمر بنفيه من دمشق ، فلمّا ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ، ثمّ تغيّر عليه إسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه ، فهرب واختفى في مسجد الوزير أيّاماً ، ثمّ خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشماليّة ، يتنقل من حماة (١) إلى شيزر وإلى حلب ، ثمّ قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملك العادل لمّا حاصر دمشق الحصر الثاني ، فلمّا استقرَّ الصلح دخل البلد ورجع مع العسكر إلى حلب فمات بها ، ولقد رأيته غير مرّة ولم أسمع منه ، فأنشدني الأمير أبو الفضل اسما عيل ابن الأمير أبي العساكر سلطان بن منقذ قال : أنشدني ابن منير لنفسه (٢):

أخلى فصدَّ عن الحميمِ وما اختلى

ورأى الحِمامَ يغصُّهُ فتوسّلا

ما كان واديه بأوّلِ مرتعٍ

ودعت طلاوته طلاه فأجفلا

وإذا الكريمُ رأى الخمولَ نزيلَهُ

في منزلٍ فالحزمُ أن يترحّلا

كالبدرِ لمّا أن تضاءلَ نورُهُ

طلبَ الكمالَ فحازه متنقّلا

ساهمتَ عيسَكَ مُرَّ عَيشِكَ قاعداً

أفلا فليتَ بهنّ ناصيةَ الفلا

فارِق تَرقْ كالسيفِ سُلَّ فبان في

متنَيه ما أخفى القرابُ وأخملا

لا تحسبنَّ ذهابَ نفسك ميتةً

ما الموتُ إلاّ أن تعيشَ مذلَّلا (٣)

للقفرِ لا للفقرِ هبها إنّما

مغناك ما أغناك أن تتوسّلا

لا ترضَ عن دنياك ما أدناك من

دنسٍ وكن طيفاً جلا ثمّ انجلى

وصِلِ الهجيرَ بهجرِ قومٍ كلّما

أمطرتهم عسلاً جنوا لك حنظلا

__________________

(١) بلدة شهيرة بينها وبين شيزر نصف يوم ، وبينها وبين دمشق خمسة أيّام للقوافل ، وبينها وبين حلب أربعة أيّام [معجم البلدان : ٢ / ٣٠٠]. (المؤلف)

(٢) ديوان ابن منير : ص ١٠٢.

(٣) هذا البيت وبيت واحد بعده ذكرهما ابن خلّكان في تاريخه : ١ / ٥١ [١ / ١٥٦ رقم ٦٤](المؤلف)


مِن غادرٍ خبُثَتْ مغارسُ ودِّهِ

فإذا محضتَ له الوفاءَ تأوّلا

أو حِلفِ دهرٍ كيف مالَ بوجهِهِ

أمسى كذلك مُدبراً أو مُقبلا

للهِ علمي بالزمانِ وأهلِهِ

ذنبُ الفضيلةِ عندهم أن تكملا

طُبعوا على لؤمِ الطباعِ فخيرُهمْ

إن قلتَ قال وإن سكتَّ تقوّلا

وفي غير هذه الرواية زيادة وهي :

أنا من إذا ما الدهر همَّ بخفضِهِ

سامته همّتُه السماكَ الأعزلا

واعٍ خطابَ الخطبِ وهو مجمجمٌ

راعٍ أَكَلَّ العيس مِن عدمِ الكلا

زعمٌ كمنبلجِ الصباحِ وراءَهُ

عزمٌ كحدِّ السيف صادفَ مقتلا

قال الأميني : والشاعر يصف في نظمه هذا مناوئيه من أهل زمانه ، الذين نبزوه بالسفاسف ورموه بالقذائف ، ممّن أوعزنا إليهم في الترجمة ، وكلّ هجوه من هذا القبيل ، ولذلك كان يثقل على مهملجة الضغائن والإحن.

وقال ابن عساكر (١) : وأنشد أيضاً له (٢):

عَدِمتُ دهراً ولدتُ فيه

كم أشربُ المُرَّ من بنيه

ما تعتريني الهموُم إلاّ

من صاحبٍ كنتُ أصطفيه

فهل صديقٌ يُباع حتى

بمهجتي كنت أشتريه

يكون في قلبه مثالٌ

يشبه ما صاغ لي بفيه

وكم صديقٍ رغبتُ عنه

قد عشتُ حتى رغبتُ فيه

وقال الأمير أبو الفضل : عمل والدي طستاً من فضّة ، فعمل ابن منير أبياتاً كتبت عليه ، من جملتها (٣):

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٤ رقم ٢٧٤.

(٢) ديوان ابن منير : ص ١٢٧.

(٣) ديوان ابن منير : ص ١٢٧.


يا صنو مائدةٍ لأكرمِ مُطعِمِ

مأهولة الأرجاء بالأضيافِ

جمعت أياديه إليَّ أيادَي ال

أُلاّفِ بعدَ البذلِ للآلافِ

ومن العجائب راحتي من راحةٍ

معروفةِ المعروف بالإتلافِ

ومن محاسن شعره القصيدة التي أوّلها :

من ركّبَ البدرَ في صدرِ الردينيِ

وموّهَ السحرَ في حدّ اليمانيِ

وأنزلَ النيّرَ الأعلى إلى فلكٍ

مدارُه في القباءِ الخسروانيِ

طرْفٌ رنا أم قرابٌ سُلَّ صارمُهُ

وأغيدٌ ماس أم أعطاف خَطيِ

أذلّني بعد عزٍّ والهوى أبداً

يستعبدُ الليثَ للظبي الكُناسيِ

وذكر منها ابن خلّكان (١) أيضاً :

أما وذائبِ مسك من ذوائبِه

على أعالي القضيبِ الخيزرانيِ

وما يُجِنُّ عقيقيّ الشفاه من الري

ـق الرحيقيِّ والثغرِ الجمانيِ

لو قيل للبدر : من في الأرض تحسدُهُ

إذا تجلّى لقال ابنُ الفلانيِ

أربى عليَّ بشتّى من محاسنِهِ

تألّفت بين مسموعٍ ومرئيِ

إباءُ فارسَ في لين الشآم مع الظ

ـرف العراقيّ والنطق الحجازيِ

وما المدامةُ بالألبابِ أفتكُ من

فصاحةِ البدوِ في ألفاظِ تركيِ

ويوجد تمام القصيدة (٢٧) بيتاً في نهاية الأرب (٢) (٢ / ٢٣) ، وتاريخ حلب (٣) (٤ / ٢٣٤) ، وذكر ابن خلّكان له أيضاً :

أنكرت مقلتُهُ سفكَ دمي

وعلا وجنتَهُ فاعترفتْ

__________________

(١) وفيات الأعيان : ١ / ١٥٧ رقم ٦٤.

(٢) نهاية الأرب : ٢ / ٢٣٩.

(٣) تاريخ حلب : ٤ / ٢٢٣.


لا تخالوا خالَه في خدِّه

قطرةً من دم جفني نقطتْ (١)

ذاك من نارِ فؤادي جذوةٌ

فيه ساخت وانطفت ثمّ طفتْ

وكان بين المترجم وابن القيسراني (٢) مهاجاة ، واتّفق أنّ أتابك عماد الدين زنكي صاحب الشام غنّاه مغنٍّ على قلعة جعبر وهو يحاصرها قول المترجم :

ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل ال

ـواشي إليه حديثاً كلّه زورُ

سلّمتُ فازورَّ يزوي قوسَ حاجبِهِ

كأنّني كأسُ خمرٍ وهو مخمورُ

فاستحسنها زنكي وقال : لمن هذه؟ فقيل : لابن منير وهو بحلب فكتب إلى والي حلب يسيّره إليه سريعاً ، فسيّره ، فليلةَ وصل ابن منير قُتل أتابك زنكي ، فعاد ابن منير صحبة العسكر إلى حلب ، فلمّا دخل قال له ابن القيسراني : هذه بجميع ما كنت تبكتني به.

كان شاعرنا المترجم عند أُمراء بني منقذ بقلعة شَيزَر ، وكانوا مقبلين عليه ، وكان بدمشق شاعرٌ يقال له : أبو الوحش ، وكانت فيه دعابة وبينه وبين أبي الحكم عبيد الله (٣) مُداعبات ، فسأل منه كتاباً إلى ابن منير بالوصيّة عليه ، فكتب أبو الحكم :

أبا الحسين اسمع مقالَ فتىً

عوجلَ فيما يقول فارتجلا

هذا أبو الوحش جاء ممتدحاً

للقومِ فاهنأ به إذا وصلا

__________________

(١) في وفيات الأعيان : نطَفَت.

(٢) شرف الدين أبو عبد الله محمد بن نصر الخالدي الحلبي الشاعر الفذّ المتوفّى بدمشق (٥٤٨ (المؤلف)

(٣) هو أبو الحكم عبيد الله بن المظفّر المغربي ، الشاعر المتضلّع في الأدب والطبّ والهندسة ، له أشياء مُستملَحة منها مقصورة هزليّة ضاهى بها مقصورة ابن دُريد ، وُلِد باليمن سنة (٤٨٦) وتوفّي بدمشق سنة (٥٤٩). توجد ترجمته في تاريخ ابن خلّكان : ١ / ٢٩٥ [٣ / ١٢٣ رقم ٣٥٩] ، ونفح الطيب : ١ / ٣٨٥ [٢ / ٣٣٧ رقم ٧٥] وغيرهما. (المؤلف)


واتلُ عليهم بحسنِ شرحِكَ ما

أنقله من حديثِهِ جُمَلا

وخبِّرِ القومَ أنّه رجلٌ

ما أبصرَ الناسُ مثلَه رجلا

ومنها :

وهو على خفّةٍ به أبدا

معترفٌ أنّه من الثُّقَلا

يمتُّ بالثلبِ والرقاعةِ والس

ـخفِ وأمّا بغيرِ ذاك فلا

إن أنت فاتحته لتخبر ما

يصدر عنه فتحتَ منه خلا

فنبِّه إن حلَّ خطّة الخسف وال

ـهون ورحِّب به إذا رحلا

واسقه السمّ إن ظفرتَ به

وامزج له من لسانِكَ العسلا (١)

وذكر النويري له في نهاية الأرب (٢) (ج ٢):

لاح لنا عاطلاً فصيغ له

مناطقٌ من مراشقِ المُقَلِ

حياةُ روحي وفي لواحظِهِ

حتفيَ بين النشاطِ والكسلِ

ما خاله من فتيتِ عنبرِ صُد

غيه ولا قطرِ صبغةِ الكحلِ

لكن سويداءُ قلبِ عاشقِهِ

طفت على نارِ وردةِ الخجلِ

وله في النهاية (٣) أيضاً :

كأنّ خدّيه ديناران قد وُزنا

وحرّر الصيرفيُّ الوزنَ واحتاطا

فخفَّ إحداهما عن وزنِ صاحبِهِ

فحطَّ فوق الذي قد خفَّ قيراطا

وله في بدائع البدائه (١ / ٢٤) في صبيٍّ صبيح سرّاج يُسمّى يوسف ، قوله :

يا سميَّ المُتاحِ في ظلمةِ الج

ـبّ لمن ساقه القضاء إليها

__________________

(١) نفح الطيب : ١ / ٣٥٨ [٢ / ٣٣٨]. (المؤلف)

(٢) نهاية الأرب : ٢ / ٩٣.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٩٤.


والذي قطّعَ النساءُ له الأي

ـدي ومكّنَّ حبلَهُ من يديها

لك وجه مياسمُ الحسنِ فيه

سكّةٌ تُطبعُ البدورُ عليها

كتب ابن منير للقاضي أبي الفضل هبة الله المتوفّى (٥٦٢) يلتمس منه كتاب الوساطة بين المتنبّي وخصومه تأليف القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجاني ، وكان قد وعده به :

يا حائزاً غايَ كلِّ فضيلةٍ

تضلُّ في كنهِهِ الإحاطه

ومن ترقّى إلى محلٍ

أحكَم فوق السهى مناطه

إلى متى أُسْعَطُ التمنّي

ولا ترى المنّ بالوساطه

وُلد المترجم ابن منير سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس ، وتوفّي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ـ عند جلِّ المؤرِّخين ـ بحلب ، ودفن في جبل جوشن (١) بقرب المشهد الذي هناك ، قال ابن خلّكان (٢) : زرت قبره ورأيت عليه مكتوباً :

من زار قبري فليكن موقناً

أنّ الذي ألقاهُ يلقاهُ

فيرحمُ اللهُ امرءاً زارني

وقال لي يرحمُكَ اللهُ

ثمّ وجدت في ديوان أبي الحكم عبيد الله أنّ ابن منير توفّي بدمشق في سنة سبع وأربعين ، ورثاه بأبيات على أنّه مات بدمشق ، وهي هزليّة على عادته ، ومنها :

__________________

(١) جوشن جبل في غربي حلب ، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنّه بَطُل منذ عبر سبي الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنه ونساؤه ، وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك ، فطلبت من الصنّاع في ذلك الجبل خبزاً وماء فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم ، فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبليّ الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ، ويسمّى مشهد الدكّة ، والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه. معجم البلدان : ٣ / ١٧٣ [٢ / ١٨٦]. (المؤلف)

(٢) وفيات الأعيان : ١ / ١٥٩ رقم ٦٤.


أَتَوا به فوق أعوادٍ تسيّرُهُ

وغسّلوه بشطّي نهرِ قلّوطِ

وأسخنوا الماءَ في قِدرٍ مرصّعةٍ

واشعلوا تحته عيدانَ بلّوطِ

وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الجمع بين هذين الكلامين ، فعساه أن يكون قد مات في دمشق ثمّ نقل إلى حلب فدفن بها. انتهى.

وأمّا أبو المترجم ـ المنير ـ فكان شاعراً كجدِّه ـ المفلح ـ كما في نسمة السحر (١) ، وكان منشداً لشعر العوني ، ينشد قصائده في أسواق طرابلس كما ذكر ابن عساكر في تاريخ الشام (٢) (٢ / ٩٧) ، وبما أنّ العوني من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ولم يؤثر عنه شيء في غيرهم ، وكان منشده الشيعيّ هذا يهتف بها في أسواق طرابلس وفيها أخلاطٌ من الأُمم والأقوام كانوا يستثقلون نشر تلكم المآثر بملإ من الأشهاد ، وبالرغم من غيظهم الثائر في صدورهم ؛ لذلك ما كان يسعهم مجابهته والمكاشفة معه على منعه لمكان من يجنح إلى العترة الطاهرة هنالك ، فعملوا بالميسور من الوقيعة فيه من أنّه كان يغنّي بها في الأسواق ، كما وقع في لفظ ابن عساكر وقال : كان منشداً ينشد أشعار العوني في أسواق طرابلس ويغنّي. وأسقط ابن خلكان ذكر العوني وإنشاد المنير لشعره ، فاكتفى بأنّه كان يغنّي في الأسواق ـ زيادة منه في الوقيعة ـ وعلماً بأنّه لو جاء بذكر العوني وشعره لعرف المنقِّبون بعده مغزى كلامه كما عرفناه ، وعلم أنّ ذلك الشعر لا يُغنّى به بل تُقرّط به الآذان لإحياء روح الإيمان وإرحاض معرّة الباطل.

توجد ترجمة ابن منير في كثير من المعاجم وكتب السير ، منها (٣):

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٤٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٢ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٣٠٦.

(٣) وفيات الأعيان ١ / ١٥٦ رقم ٦٤ ، الأنساب : ١ / ١٨٣ ، تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٢ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٣٠٦ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٢٨٨ حوادث سنة ٥٤٨ ه‍ ، مجالس المؤمنين ٢ / ٥٣٧ ، أمل الآمل : ١ / ٣٥ رقم ٢٨ ، شذرات الذهب : ٦ / ٢٤١ حوادث سنة ٥٤٨ ه‍ ،


تاريخ ابن خلّكان (١ / ٥١) ، الخريدة للعماد الكاتب ، الأنساب للسمعاني (١) ، المنتظم لابن الجوزي تاريخ ابن عساكر (٢ / ٩٧) ، مرآة الجنان (٣ / ٢٨٧) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٢٣١) ، مجالس المؤمنين (ص ٤٥٦) ، أمل الآمل لصاحب الوسائل ، شذرات الذهب (٤ / ١٤٦) ، نسمة السحر في الجزء الأوّل ، روضات الجنّات (ص ٧٢) ، أعلام الزركلي (١ / ٨١) ، تاريخ آداب اللغة (٣ / ٢٠) ، دائرة المعارف للبستاني (١ / ٧٠٩) ، تاريخ حلب (٤ / ٢٣١).

__________________

نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٤٠ ، روضات الجنّات : ١ / ٢٦١ رقم ٨٢ ، الأعلام : ١ / ٢٦٠ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة ـ : مج ١٤ / ٢٤٨ ، تاريخ حلب : ٤ / ٢٢٠.

(١) قال : أدركته حيّا بالشام وكان قد نزل شيراز في آخر عمره. قال الأميني : شيراز تصحيف شيزر ، وهي تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة. وقال : توفّي في حدود سنة (٥٤٠) وهو كما ترى. (المؤلف)


ـ ٤٦ ـ

القاضي ابن قادوس

المتوفّى (٥٥١)

يا سيّد الخلفاء طرّا

بدوهم والحضرِ

إنْ عظّموا ساقي الحجي

ـج فأنتَ ساقي الكوثرِ

أنت الإمامُ المرتضى

وشفيعُنا في المحشرِ (١)

ووليُّ خيرةِ أحمدٍ

وأبو شبيرَ وشبّرِ

والحائُزُ القصباتِ في

يومِ الغديرِ الأزهرِ

والمطفىءُ الغوغا بب

ـدرٍ والنضيرِ وخيبرِ (٢)

الشاعر

القاضي جلال الدين أبو الفتح محمود ابن القاضي إسماعيل بن حميد الشهير بابن قادوس الدمياطي المصري ، أحد عباقرة الأدب ، وقدٌّ من صيارفة البيان ، مقدّم في حلبة القريض كاتب الإنشاء بالديار المصريّة للعلويّين ، وتصدّر بالقضاء ، جمع بين فضيلتي العلم والأدب ، فعُدَّ من أئمّة البيان الرائع الذين جعلوا من رسائلهم الخلافية

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب [٢ / ٨٣]. (المؤلف)

(٢) أعيان الشيعة : ١٠ / ١٠٢.


والديوانيّة نماذج من الفصاحة الباهرة ، تلمّذ عليه القاضي الفاضل (١) ، وكان يسمّيه ذا البلاغتين ـ الشعر والنثر ـ له ديوان شعر في مجلّدين ، توفِّي بمصر سنة خمسمائة وإحدى وخمسين (٢).

ذكر ابن خلّكان في تاريخه (٣) قوله في القاضي الرشيد (٤) ـ وكان أسود اللون ـ :

يا شبهَ لقمانَ بلا حكمةٍ

وخاسراً في العلم لا راسخاً

سلختَ أشعارَ الورى كلّها

فصرتَ تُدعى الأسودَ السالخا

حكى الحموي في معجم الأدباء (٤ / ٦٠) قال : اجتمع ليلة عند الصالح بنرُزّيك جماعة من الفضلاء ، فألقى عليهم مسألة في اللغة فلم يجب عنها بالصواب سوى القاضي الرشيد ، فقال : ما سُئلت قطّ في مسألة إلاّ وجدتُني أتوقّد فهماً ، فقال ابن قادوس وكان حاضراً :

إنْ قلتَ منْ نارٍ خُلق

ـتُ وفُقتُ كلَّ الناسِ فهما

قلنا صدقتَ فما الذي

أطفاك حتى صرتَ فحما

وذكر له ابن كثير في تاريخه (٥) فيمن يكرِّر التكبير ويوسوس في نيّة الصلاة :

وفاترُ النيّةِ عنِّينُها

مع كثرةِ الرعدة والهمزةِ

__________________

(١) أبو عليّ عبد الرحيم بن عليّ البيساقي ثمّ المصري ، أحد أئمّة البلاغة. ولد سنة (٥٢٩) وتوفّي (٥٩٦). (المؤلف)

(٢) تاريخ ابن كثير : ١٢ / ٢٣٥ [١٢ / ٢٩٣ حوادث سنة ٥٥١ ه‍] ، الحاكم بأمر الله ص ٢٣٤ ، الأعلام : ٣ / ١٠١١ [٧ / ١٦٦ وفيه أنّه توفّي سنة ٥٥٣ ه‍]. (المؤلف)

(٣) وفيات الأعيان : ١ / ١٦٣ رقم ٦٥.

(٤) أبو الحسن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير المصري ، المقتول سنة (٥٦٣). (المؤلف)

(٥) البداية والنهاية : ١٢ / ٢٩٣ حوادث سنة ٥٥١ ه‍.


يكبِّر التسعينَ في مرّةٍ

كأنّه صلّى على حمزةِ (١)

وذكر له المقريزي في الخطط (٢) (٢ / ٢٩٨) في ذكر قلعة الروضة المعروفة بالجزيرة

أرى سرحَ الجزيرةِ من بعيدٍ

كأحداقٍ تغازلُ في المغازلْ

كأن مجرّة الجوزا أحاطتْ

وأثبتتِ المنازلَ في المنازلْ

ومن شعره في المذهب كما في مناقب ابن شهرآشوب (٣) ، قوله :

هي بيعةُ الرضوانِ أبرمَها التقى

وأنارها النصُّ الجليُّ وألحما

ما اضطرَّ جدّك في أبيك وصيّةً

وهو ابن عمّ أن يكون له انتمى

وكذا الحسينُ وعن أخيه حازها

وله البنون بغيرِ خُلفٍ منهما

وله في الإمام زين العابدين عليه‌السلام :

أنت الإمامُ الآمرُ العدلُ الذي

خببَ البُراقَ لجدِّه جبريلُ

الفاضلُ الأطرافِ لم يُرَ فيهمُ

إلاّ إمامٌ طاهرٌ وبتولُ

أنتم خزائنُ غامضاتِ علومِهِ

وإليكمُ التحريمُ والتحليلُ

فعلى الملائكِ أن تؤدّي وحيَهُ

وعليكمُ التبيينُ والتأويلُ (٤)

ذكر سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٥) (١٧ / ٣٣٢) ابن قادوس المصري ، وقال : ذكرنا في (٦ / ٩٣) أنّا لم نعرف اسمه ، وذكرنا في (١٣ / ٢٠٦) أنّ اسمه محمود

__________________

(١) إشارة إلى ما ورد في صلاة النبي صلّي الله عليه واله وسلم علي حمزة سيّد الشهداء يوم أحد من أنّه عليه‌السلام كبّر فيها سبعين أو اثنتين وتسعين تكبيرة. (المؤلف)

(٢) الخطط والآثار : ٢ / ١٨٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٤.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٤٤.

(٥) أعيان الشيعة : ٣ / ٢٩٨ ، ٢ / ٢٧٠.


ابن إسماعيل بن قادوس الدمياطي المصري ، اعتماداً على ما وجدناه في الطليعة للعلاّمة السماوي من نسبة الشعر الذي في المناقب إليه ، ثمّ وجدنا في كتاب شذرات الذهب (١) في حوادث سنة (٦٣٩) ما صورته : وفيها توفّي النفيس ابن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي. فرجّحنا أن يكون هو الذي نسب إليه ابن شهرآشوب الشعر الصريح في تشيّعه ، وترجمناه في مستدركات هذا الجزء (ص ٤٦٨) ، وسبب الترجيح وصفه بالقاضي في المناقب ، والذي كان قاضياً بنصِّ المناقب والشذرات هو أسعد لا محمود ، ومحمود إنّما كان كاتباً للعلويّين بنصِّ الطليعة ، لكن يبعده أنّ صاحب المناقب مات سنة (٥٨٨) وأسعد مات سنة (٦٣٩) ـ بعده بإحدى وخمسين سنة ـ غير أنّه يمكن نقله عنه لأنّ أسعد عاش (٩٦) سنة.

قال الأميني : ما ذكره شيخنا صاحب الطليعة هو الصواب. وقد خفي على سيّدنا الأمين أمور :

الأوّل : كون أبي الفتح ابن قادوس المترجم قاضياً وقد ذكره معاصره القاضي الرشيد المقتول (٥٦٣) في كتابه جنان الجنان ورياضة الأذهان ، ونقله عنه صاحب تاريخ حلب (٢) (٤ / ١٣٣) ، ووصفه بذلك المقريزي في الخطط (٣) (٢ / ٣٠٦) ، والدكتور عبد اللطيف حمزة في كتابه : الحركة الفكريّة في مصر (ص ٢٧١).

والثاني : أنّ المعروف بابن قادوس هو محمود شاعرنا لا أسعد ، فإنّه يُعرف بالقاضي النفيس لا بابن قادوس.

الثالث : أنّ القاضي النفيس لم يُذكر قطُّ بالأدب والشعر في أيّ معجم ، والذي يُذكر شعره في المعاجم ويُعرف بديوانه المجلّدين أبو الفتح ابن قادوس مترجمنا. والله من ورائهم محيط.

__________________

(١) شذرات الذهب : ٧ / ٣٥١.

(٢) إعلام النبلاء : ٤ / ١٢٨.

(٣) الخطط والآثار : ١ / ٤٤١.


ـ ٤٧ ـ

الملك الصالح

ولد (٤٩٥)

استشهد (٥٥٦)

ـ ١ ـ

سقى الحمى ومحلاّ كنت أعهدهُ

حيا بحورٍ بصوبِ المزنِ أجودُهُ

فإن دنا الغيثُ واستسقت مرابعُه

ريّا فدمعيَ بالتسكاب ينجدُهُ

ويقول فيها :

يا راكبَ الغيِّ دع عنك الضلال فه

ـذا الرشدُ بالكوفةِ الغرّاءِ مشهدُهُ

من رُدّتِ الشمسُ من بعدِ المغيبِ له

فأدركَ الفضلَ والأملاك تشهدُهُ

ويومَ خمِّ وقد قال النبيُّ له

بين الحضورِ وشالت عضدَهُ يدُهُ

من كنت مولىً له هذا يكون له

مولىً أتاني به أمرٌ يؤكّدُهُ

من كان يخذله فاللهُ يخذلُه

أو كان يعضدُهُ فاللهُ يعضدُهُ

والباب لمّا دحاهُ وهو في سغبٍ

من الصيامِ وما يخفى تعبّدُهُ

وقلقل الحصنَ فارتاعَ اليهودُ له

وكان أكثرُهمْ عمداً يفنِّدُهُ

نادى بأعلى السما جبريلُ ممتدحاً

هذا الوصيُّ وهذا الطهرُ أحمدُهُ

وفي الفراتِ حديثٌ إذ طغى فأتى

كلٌّ إليه لخوف الهُلْكِ يقصدُهُ


فقال للماء غِضْ طوعاً فبانَ لهمْ

حصباؤه حين وافاهُ يهدِّدُهُ (١)

 ـ ٢ ـ

وله من قصيدة يوجد منها (٥٧) بيتاً يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

وفي مواقف لا يُحصى لها عددٌ

ما كان فيها برعديدٍ ولا نكلِ

كم كربةٍ لأخيه المصطفى فُرجت

به وكان رهين الحادثِ الجللِ

كم بين من كان قد سنَّ الهروبَ ومن

في الحربِ إن زالتِ الأجبالُ لم يزُلِ

في هل أتى بيّنَ الرحمنُ رتبتَهُ

في جودِهِ فتمسّكْ يا أخي بهلِ

عليُّ قال اسألوني كي أُبينَ لكم

علمي وغيرُ عليٍّ ذاكَ لم يَقُلِ

بل قال لستُ بخيرٍ إذ وليتكمُ

فقوِّموني فإنّي غيرُ معتدلِ

إن كان قد أنكرَ الحسّادُ رتبتَهُ

فقد أقرَّ له بالحقِّ كلُّ ولي

وفي الغديرِ له الفضلُ الشهيرُ بما

نصَّ النبيُّ له في مجمعٍ حَفِلِ

 ـ ٣ ـ

قال من قصيدة ذات (٤٤) بيتاً ، أوّلها :

لا تبكِ للجيرة السارين في الظعنِ

ولا تعرّجْ على الأطلالِ والدِّمَنِ

فليسَ بعد مشيبِ الرأسِ من غزلٍ

ولا حنينٍ إلى إلفٍ ولا سَكَنِ

وتُبْ إلى اللهِ واستشفعْ بخيرتِهِ

من خلقِهِ ذي الأيادي البيضِ والمِنَنِ

محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذي سبقت

به بشارةُ قُسٍّ وابنِ ذي يزنِ

ويقول فيها :

فاجعله ذخرَكَ في الدارينِ معتصماً

له وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ

__________________

(١) القصيدة (٣٩) بيتاً يوجد شطر منها في مناقب ابن شهرآشوب [٣ / ٤٠] ، والصراط المستقيم للبياضي [١ / ٣١١] ، وذكرها برمّتها العلاّمة السيّد أحمد العطّار في كتابه : [الرائق من أشعار الخلائق]. (المؤلف)


وصيِّه ومواسيِهِ وناصرِه على

أعاديهِ من قيسٍ ومن يمنِ

أوصى النبيُّ إليه لا إلى أحدٍ

سواه في خمِّ والأصحابُ في عَلَنِ

فقال هذا وصيّي والخليفةُ من

بعدي وذو العلم بالمفروضِ والسننِ

قالوا سمعنا فلمّا أن قضى غدروا

والطهرُ أحمدُ ما وارَوْهُ في الجَبَنِ

 ـ ٤ ـ

وله من قصيدة (٢٧) بيتاً :

أنا من شيعةِ الإمامِ عليِ

حربُ أعدائه وسلمُ الوليِ

أنا من شيعةِ الإمامِ الذي ما

مالَ في عمرِهِ لفعلٍ دنيِ

أنا عبدٌ لصاحب الحوض ساقي

من توالى فيه بكأسٍ رويِ

أنا عبدٌ لمن أبان لنا المش

ـكلَ فارتاضَ كلَّ صعبٍ أبيِ

والذي كبّرتْ ملائكةُ الله لهِ

عند صرعة العامريِ

الإمامُ الذي تخيّره الله

بلا مرية أخاً للنبيِ

قسماً ما وقاه بالنفس لمّا

بات في الفرش عنه غير عليِ

ولعمري إذ حلَّ في يوم خمٍ

لم يكن موصياً لغيرِ الوصيِ

 ـ ٥ ـ

وله من قصيدة ذات (٤١) بيتاً مطلعها :

ما كانَ أوّلَ تائهٍ بجمالِهِ

بدرٌ منالُ البدرِ دونَ منالهِ

متباينٌ فالعدلُ من أقوالِهِ

ليغرَّنا والجورُ من أفعالهِ

صرعَ الفؤادَ بسحرِ طرفٍ فاترٍ

حتى دنا فأصابه بنبالهِ

متعوِّدٌ للرمي حاجبُهُ غدا

من قسْيِهِ واللحظُ بعضُ نصالهِ

ما بلبلَ الأصداغَ فوق عِذارِهِ

إلاّ انطوى قلبي على بِلبالهِ

يبغي مغالطةَ العيونِ بها لكي

يخفي عقاربه مدبَّ صلالهِ


ويظلُّ من ثقل الغلالةِ يشتكي

ما يشتكيه القلب من أغلالهِ

جعل السهادَ رقيبَ عيني في الدجى

كي لا ترى في النومِ طيفَ خيالهِ

وحفظتُ في يديَ اليمينِ ودادَهُ

جَهدي وضيّع مهجتي بشمالهِ

وأباحَ حسّادي مواردَ سمعِهِ

وحميتُ وردَ السمعِ عن عذّالهِ

أغراه تأنيسي له بنفاره

عنّي وإذلالي بفرط دلالهِ

ولربّما عاتبته فيقول لي

قولاً يكذِّبه بفتحِ فعالهِ

كمعاشرٍ أخذ النبيُّ عهودَهُمْ

واستحسنوا الغدرَ الصراحَ بآلهِ

خانوه في أموالِهِ وزروا على

أفعالِهِ وعصوه في أقوالهِ

هذا أميرُ المؤمنين ولم يكنْ

في عصرِهِ من حاز مثلَ خصالهِ

العلمُ عند مقالِه والجودُ حي

ـنَ نوالِهِ والبأسُ يومَ نزالهِ

وأخوه من دون الورى وأمينه

قِدماً على المخفيِّ من أحوالهِ

وصّاهُمُ بولايةٍ فكأنّما

وصّاهمُ بخلافِهِ وقتالهِ

واستنقصوا الدين الحنيفَ بكتمهمْ

يومَ الغديرِ وكان يومَ كمالهِ

أخذنا هذه القصائد من كتاب الرائق لسيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار ، وقد ذكر فيه شطراً مهمّا من شعر الملك الصالح في العترة الطاهرة ، ولعلّه جلّ ما فيهم.

الشاعر

أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين طلائع بن رزّيك بن الصالح الأرمني (١) أصله من الشيعة الإماميّة في العراق ، كما في أعلام الزركلي (٢).

__________________

(١) بكسر الهمزة وكسر الميم نسبة إلى أرمينية على غير قياس ، وهي اسم لصقع عظيم واسع. (المؤلف) [قال ياقوت في معجم البلدان : ١ / ١٦٠ : إرمينية بكسر أوله وبفتح ... والنسبة إليها أرمِني على غير قياس ، بفتح الهمزة وكسر الميم].

(٢) الأعلام : ٣ / ٢٢٨.


وهو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنيا والدين ، فحازوا شرف الدارين ، وحُبوا بالعلم الناجع والإمرة العادلة ، بينا هو فقيه بارع كما في خواصِّ العصر الفاطمي ، وأديب شاعر مجيد كما طفحت به المعاجم ، فإذا به ذلك الوزير العادل تزدهي القاهرة بحسن سيرته ، وتعيش الأمّة المصريّة بلطف شاكلته ، وتزدان الدولة الفاطميّة بأخذه بالتدابير اللازمة في إقامة الدولة ، وسياسة الرعيّة ، ونشر الأمن ، وإدامة السلام ، وكان كما قال الزركلي في الأعلام (١) : وزيراً عصاميّا يعدُّ من الملوك ، ولقّب بالملك الصالح ، وقد طابق هذا اللفظ معناه كما يُنبئك عنه تاريخه المجيد ، فلقد كان صالحاً بعلمه الغزير وأدبه الرائق ، صالحاً بعدله الشامل وورعه الموصوف ، صالحاً بسياسته المرضيّة وحسن مداراته مع الرعيّة ، صالحاً بسيبه الهامر ونداه الوافر ، صالحاً بكلّ فضائله وفواضله دينيّة ودنيويّة ، وقبل هذه كلّها تفانيه في ولاء أئمة الدين عليهم‌السلام ونشر مآثرهم ودفاعه عنهم بفمه وقلمه ونظمه ونثره ، وكان يجمع الفقهاء ويناظرهم في الإمامة والقدَر ، وكان في نصر التشيّع كالسكّة المحماة ، كما في الخطط (٢) والشذرات (٣).

وله كتاب الاعتماد (٤) في الردّ على أهل العناد ، يتضمّن إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام والكلام على الأحاديث الواردة فيها ، وديوانه مجلّدان فيه كلّ فنٍّ من الشعر ، وقد شرح سعيد بن مبارك النحوي الكبير المتوفّى سنة (٥٦٩) بيتاً من شعر المترجم في عشرين كرّاساً ، وكان الأدباء يزدلفون إلى دسته كلّ ليلة ويدوِّنون شعره ، والعلماء يَفدون إليه من كلّ فجٍّ فلا يخيب أمل آمل منهم ، وكان يحمل إلى العلويين في المشاهد المقدّسة كلّ سنة أموالاً جزيلةً ، وللأشراف من أهل الحرمين ما يحتاجون إليه من

__________________

(١) الأعلام : ٣ / ٢٢٨.

(٢) الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٤.

(٣) شذرات الذهب : ٦ / ٢٩٦ حوادث سنة ٥٥٦ ه‍.

(٤) في شذرات الذهب : الاجتهاد. (المؤلف)


كسوة وغيرها حتى ألواح الصبيان التي يكتب فيها والأقلام وأدوات الكتابة. ووقف ناحية المقس (١) لأن يكون ثلثاها على الأشراف من بني الحسنين السبطين الإمامين عليهما‌السلام ، وتسعة قراريط (٢) منها على أشراف المدينة النبويّة المنوّرة ، وجعل قيراطاً على مسجد أمين الدولة ، وأوقف بلقس بالقليوبيّة وبركة الحبش (٣) ، وجدّد الجامع بالقرافة الكبرى ، وبنى الجامع الذي على باب زويلة بظاهر القاهرة ويسمّى بجامع الصالح ، ولم يترك غزو الإفرنج مدّة حياته في البرّ والبحر ، فكانت بُعوثه إليهم تترى في كلّ سنة (٤) ، ولم يزل له صدر الدست وذرى الفخر ونفوذ الأمر وعرش الملك حتى اختار الله تعالى له على ذلك كلّه الفوز بالشهادة ، وقُتل غيلةً في دهليز قصره سنة (٥٥٦) يوم الإثنين (١٩) شهر الصيام ، ودُفن في القاهرة بدار الوزارة ، ثمّ نقله ولده العادل إلى القرافة الكبرى.

كلمات حول المترجم :

١ ـ قال ابن الأثير في الجزء الحادي عشر من تاريخه الكامل (٥) (ص ١٠٣) : في هذه السنة ـ يعني سنة (٥٥٦) ـ في شهر رمضان قُتل الملك الصالح وزير العاضد العلوي صاحب مصر ، وكان سبب قتله أنّه تحكّم في الدولة التحكّم العظيم ، واستبدَّ بالأمر والنهي وجباية الأموال إليه لصغر العاضد ، ولأنّه هو الذي ولاّه ووتر الناس ، فإنّه أخرج كثيراً من أعيانهم وفرّقهم في البلاد ليأمن وثوبهم عليه ، ثم إنّه زوّج ابنته

__________________

(١) بفتح الميم ثمّ السكون ، كان قبل الإسلام يسمّى أم دنين. (المؤلف)

(٢) في الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٤ : سبعة قراريط.

(٣) قال الحموي : هي أرض في وهدة من الأرض واسعة طولها نحو ميل مشرفة على نيل مصر خلف القرافة ، وقف على الأشراف [معجم البلدان : ١ / ٤٠١]. (المؤلف)

(٤) الخطط : ٤ / ٨١ ، ٣٢٤ [٢ / ٢٩٤ ، ٤٤٧] ، تحفة الأحباب للسخاوي : ص ١٧٦ [ص ١٥٥ ، ١٥٩]. (المؤلف)

(٥) الكامل في التاريخ : ٧ / ١٥٧ حوادث سنة ٥٥٦ ه‍.


من العاضد فعاداه أيضاً الحرم من القصر ، فأرسلت عمّة العاضد الأموال إلى الأمراء المصريّين ودعتهم إلى قتله ، وكان أشدَّهم عليه في ذلك إنسانٌ يُقال له ابن الراعي ، فوقفوا له في دهليز القصر ، فلمّا دخل ضربوه بالسكاكين على دهش فجرحوه جراحات مهلكة ، إلاّ أنّه حُمل إلى داره وفيه حياةٌ ، فأرسل إلى العاضد يُعاتبه على الرضا بقتله مع أثره في خلافته ، فأقسم العاضد أنّه لا يعلم بذلك ولم يرضَ به. فقال : إن كنت بريئاً فسلِّم عمّتك إليَّ حتى أنتقم منها ، فأمر بأخذها فأرسل إليها فأخذها قهراً وأُحضرت عنده فقتلها ووصّى بالوزارة لابنه رزّيك ولقّب العادل ، فانتقل الأمر إليه بعد وفاة أبيه. وللصالح أشعارٌ حسنةٌ بليغةٌ تدلُّ على فضل غزير ، فمنها في الافتخار :

أبى اللهُ إلاّ أن يدومَ لنا الدهرُ

ويخدمُنا في ملكنا العزُّ والنصرُ

علمنا بأنّ المالَ تفنى ألوفُه

ويبقى لنا من بعدِه الأجرُ والذكرُ

خلطنا الندى بالبأسِ حتى كأنّنا

سحابٌ لديه البرقُ والرعدُ والقطرُ

قِرانا إذا رحنا إلى الحربِ مرّةً

قِرانا ومن أضيافِنا الذئبُ والنسرُ

كما أنّنا في السلمِ نبذلُ جودَنا

ويرتعُ في إنعامنا العبدُ والحرُّ

وكان الصالح كريماً فيه أدب وله شعر جيّد ، وكان لأهل العلم عنده اتِّفاق ويرسل إليهم العطاء الكثير ، بلغه أنّ الشيخ أبا محمد بن الدهّان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتاً من شعره ، وهو هذا :

تجنّبَ سمعي ما يقولُ العواذلُ

وأصبح لي شغلٌ من الغزوِ شاغلُ

فجهّز إليه هديّة سنيّة ليرسلها إليه فقُتل قبل إرسالها ، وبلغه أيضاً أنّ إنساناً من أعيان الموصل قد أثنى عليه بمكّة فأرسل إليه كتاباً يشكره ومعه هديّة ، وكان الصالح إماميّا لم يكن على مذهب العلويّين المصريّين ، ولمّا ولي العاضد الخلافة وركب


سمع الصالح ضجّة عظيمة ، فقال : ما الخبر؟ فقيل : إنّهم يفرحون. فقال : كأنّي بهؤلاء الجهلة وهم يقولون : ما مات الأوّل حتى استخلف هذا. وما علموا أنّني كنت من ساعة استعرضهم استعراض الغنم. قال عمارة (١) : دخلت على الصالح قبل قتله بثلاثة أيّام فناولني قرطاساً فيه بيتان من شعر وهما :

نحن في غفلةٍ ونومٍ وللمو

ت عيونٌ يقظانةٌ لا تنامُ

قد رحلنا إلى الحِمام سنِيناً

ليت شعري متى يكون الحِمامُ

فكان آخر عهدي به.

وقال عمارة أيضاً : ومن عجيب الاتِّفاق أنَّني أنشدت ابنه قصيدة أقول فيها :

أبوك الذي تسطو الليالي بحدِّهِ

وأنت يمينٌ إن سطا وشمالُ

لرتبتِهِ العظمى وإن طال عمرُه

إليك مصيرٌ واجبٌ ومنالُ

تخالصُك اللحظُ المصونُ ودونها

حجابٌ شريفُ لا انقضى وحجالُ

فانتقل الأمر إليه بعد ثلاثة أيّام.

٢ ـ وقال ابن خلّكان في تاريخه (٢) (١ / ٢٥٩) : دخل الصالح إلى القاهرة وتولّى الوزارة في أيّام الفائز ، واستقلَّ بالأمور وتدبير أحوال الدولة ، وكان فاضلاً محبّا لأهل الفضائل ، سمحاً في العطاء ، سهلاً في اللقاء ، جيّد الشعر ، ومن شعره :

كم ذا يُرينا الدهرُ من أحداثِهِ

عِبَراً وفينا الصدُّ والإعراضُ

ننسى المماتَ وليس يجري ذكرُهُ

فينا فَتُذكِرُنا به الأمراضُ

ومنه أيضاً :

ومهفهفٍ ثملِ القوامِ سرت إلى

أعطافه النشواتُ من عينيهِ

__________________

(١) أحد شعراء الغدير في القرن السادس ، يأتي شعره وترجمته في هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ٥٢٦ رقم ٣١١.


ماضي اللحاظِ كأنّما سلّت يدي

سيفي غداةَ الروعِ من جفنيهِ

قد قلتُ إذ خطَّ العذارُ بمسكِه

في خدِّه ألفيه لا لاميهِ

ما الشعر دبَّ بعارضيه وإنّما

أصداغُه نفضت على خدّيهِ

الناسُ طوعُ يدي وأمري نافذٌ

فيهم وقلبي الآنَ طوعُ يديهِ

فاعجب بسلطانٍ يعمُّ بعدلِهِ

ويجورُ سلطانُ الغرامِ عليهِ

والله لو لا اسمُ الفرارِ وإنّه

مستقبحٌ لفررتُ منه إليهِ

وأنشده لنفسه بمصر :

مشيبُكَ قد نضا صبغَ الشبابِ

وحلَّ البازُ في وكرِ الغرابِ

تنامُ ومقلةُ الحدثان يقظى

وما نابُ النوائبِ عنك نابِ

وكيف بقاءُ عمرِكَ وهو كنزٌ

وقد انفقتَ منه بلا حسابِ

وكان المهذّب عبد الله بن أسعد الموصلي نزيل حمص قد قصده من الموصل ومدحه بقصيدته الكافيّة التي أوّلها :

أما كفاكَ تلاقي في تلاقيكا

ولستَ تنقمُ إلاّ فرطَ حبّيكا

وفيم تغضبُ أن قال الوشاةُ سلا

وأنتَ تعلمُ أنّي لست أسلوكا

لا نلتُ وصْلَكَ إن كان الذي زعموا

ولا شفى ظمئي جودُ ابن رزّيكا

وهي من نخب القصائد.

٣ ـ قال المقريزي في الخطط (١) (٤ / ٨١ ـ ٨٣) : زار الملك الصالح مشهد الإمام عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه في جماعة من الفقراء ، وإمام مشهد عليٍّ رضى الله عنه يومئذٍ السيّد ابن معصوم (٢) ، فزار طلائع وأصحابه وباتوا هنالك ، فرأى السيّد في منامه

__________________

(١) الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٢) قال السيّد ابن شدقم في تحفة الأزهار : كان أبو الحسن بن معصوم بن أبي الطيّب أحمد


الإمام ـ صلوات الله عليه ـ يقول له : قد ورد عليك الليلة أربعون فقيراً من جملتهم رجلٌ يقال له : طلائع بن رزّيك من أكبر محبّينا ، فقل له : اذهب فإنّا قد ولّيناك مصر. فلمّا أصبح أمر من ينادي : مَن فيكم اسمه طلائع بن رزّيك؟ فليقم إلى السيّد ابن معصوم.

فجاء طلائع إلى السيّد وسلّم عليه فقصَّ عليه رؤياه ، فرحل إلى مصر وأخذ أمره في الرقيّ ، فلمّا قتل نصر بن عبّاس الخليفة الظافر إسماعيل استثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بكتاب في طيّه شعورهنّ ، فحشد طلائع الناس يريد النكبة بالوزير القاتل ، فلمّا قرب من القاهرة فرَّ الرجل ودخل طلائع المدينة بطمأنينة وسلام ، فخلعت عليه خلائع الوزارة ، ولُقّب بالملك الصالح ، فارس المسلمين ، نصير الدين ، فنشر الأمن وأحسن السيرة. ثمّ ذكر حديث قتله (١) ، وقال : كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محبّا لأهل الأدب جيّد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسةً وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، وجمع أموالاً عظيمة ، وكان محافظاً على الصلوات فرائضها ونوافلها ، شديد المغالاة في التشيّع ، صنّف كتاباً سمّاه الاعتماد في الردّ على أهل العناد ، جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمّن إمامة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وله شعر كثير يشتمل على مجلّدين في كلّ فنّ ، فمنه في اعتقاده :

يا أمّةً سلكت ضلالاً بيّناً

حتى استوى إقرارها وجحودُها

قلتم ألا إنّ المعاصي لم تكن

إلاّ بتقدير الإله وجودُها

لو صحَّ ذا كان الإلهُ بزعمِكمْ

منَع الشريعةَ أن تُقامَ حدودُها

حاشا وكلاّ أن يكون إلهنا

ينهى عن الفحشاء ثمّ يريدُها

__________________

سيّداً شريفاً جليلاً عظيم الشأن رفيع المنزلة ، كان في المشهد الغروي كبيراً عظيماً ذا جاه وحشمة ورفعة وعزّ واحترام ، عليه سكينة ووقار. انتهى. وهو جدّ الأسرة الكريمة النجفية المعروفة اليوم ببيت خرسان. (المؤلف)

(١) راجع كتابنا شهداء الفضيلة : ص ٥٨. (المؤلف)


وله قصيدة سمّاها الجوهريّة في الردّ على القدريّة.

ثمّ قال : ويُروى أنّه لمّا كانت الليلة التي قُتل في صبيحتها قال : هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمر بقراءة مقتله ، واغتسل وصلّى مائة وعشرين ركعة أحيا بها ليله ، وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته ، واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة ، فأحضر ابن الصيف ، وكان يلفُّ عمائم الخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل ، ليصلح عمامته ، وعند ذلك قال له رجلٌ : إنّ هذا الذي جرى يُتطيّر منه ، فإن رأى مولانا أن يُؤخِّر الركوب فعل.

فقال : الطيرة من الشيطان وليس إلى التأخير سبيل. ثمّ ركب فكان من أمره ما كان.

وقال (١) في (٢ / ٢٨٤) : قال ابن عبد الظاهر : مشهد الإمام الحسين ـ صلوات الله عليه ـ قد ذكرنا أنّ طلائع بن رزّيك ـ المنعوت بالصالح ـ كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسق لان (٢) لما خاف عليها من الفرنج ، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار ، فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا : لا يكون ذلك إلاّ عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه ، وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وسمعت من يحكي حكاية يُستدَلُّ بها على بعض شرف هذا الرأس الكريم المبارك ، وهي أنّ السلطان الملك الناصر رحمه‌الله لمّا أخذ هذا القصر ، وشي إليه بخادم له قدَر في الدولة المصريّة وكان بيده زمام القصر وقيل له : إنّه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن ، فأُخذ وسُئل فلم يجب بشيء وتجاهل ، فأمر صلاح الدين نوّابه

__________________

(١) الخطط والآثار : ١ / ٤٢٧.

(٢) مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر يقال لها : عروس الشام [معجم البلدان ٤ / ١٢٢]. (المؤلف)


بتعذيبه ، فأخذه متولّي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدَّ عليها قرمزية ، وقيل : إنّ هذه أشدُّ العقوبات ، وإنّ الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلاّ تنقب دماغه وتقتله ، ففعل ذلك به مراراً وهو لا يتأوّه وتوجد الخنافس ميّتة ، فعجب من ذلك وأحضره وقال له : هذا سرٌّ فيك ولا بدّ أن تعرِّفني به. فقال : والله ما سبب هذا إلاّ أنّي لمّا وصلت رأس الإمام الحسين حملتها. قال : وأيّ سرٍّ أعظم من هذا. وراجع في شأنه فعفا عنه. انتهى.

٤ ـ وقال الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي (١) (ص ١٢١) : قد ثبت أنّ طلائع بن رزّيك الذي بنى المشهد بالقاهرة ، نقل الرأس إلى هذا المشهد بعد أن بذل في نقلها نحو أربعين ألف دينار ، وخرج هو وعسكره فتلقّاها من خارج مصر حافياً مكشوف الرأس هو وعسكره ، وهو في برنس حرير أخضر في القبر الذي هو في المشهد ، موضوعة على كرسيٍّ من خشب الآبنوس ، ومفروش هناك نحو نصف أردب من الطيب كما أخبرني بذلك خادم المشهد ، إلى أن قال في (ص ١٢٢) : فزر يا أخي هذا المشهد بالنيّة الصالحة إن لم يكن عندك كشف ، فقول الإمام القرطبي : إنّ دفن الرأس في مصر باطل. صحيحٌ في أيّام القرطبي فإنّ الرأس إنّما نقلها طلائع بن رزّيك بعد موت القرطبي.

قال الأميني : هذا التصحيح لقول القرطبي يكشف عن جهل الشعراني بترجمة القرطبي وطلائع ، وقد خفي عليه أنّ القرطبي توفّي سنة (٦٧١) بعد وفاة طلائع الملك الصالح بمائة وخمس عشرة سنة ، فإنّه توفّي سنة (٥٥٦) ونطفة القرطبي لم تنعقد بعدُ.

ثمّ مشهد رأس الحسين الذي بناه طلائع احترق سنة (٧٤٠) فأُعيد بناؤه مراراً ، وأخيراً أُقيم في جواره جامع ، حتى إذا كانت أيّام الأمير عبد الرحمن كخيا ـ أحد أُمراء المماليك ـ فأُعيد بناء المشهد الحسيني في أواخر القرن الماضي للميلاد ، وبعد

__________________

(١) مختصر تذكرة القرطبي : ص ١٩١.


ذلك أُعيد بناؤه برمّته في أيّام الخديوي السابق ، ولم يبق من البناء القديم إلاّ القبّة المغطّية لمقام الإمام ، فأصبح على ما نشاهده الآن ، وهو الجامع المعروف بجامع سيّدنا الحسين (١).

ولادته ووفاته ، مدائحه ومراثيه :

ولد الملك الصالح سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، ومدحه الفقيه عمارة اليمني الآتي ذكره بقصائد توجد في كتابه النكت العصريّة (٢) منها :

دعوا كلّ برق شمتمُ غير بارق

يلوحُ على الفسطاط صادقُ بشرهِ

وزوروا المقامَ الصالحيَّ فكلُّ من

على الأرضِ يُنسى ذكرُه عند ذكرهِ

ولا تجعلوا مقصودَكم طلبَ الغنى

فتجنوا على مجدِ المقامِ وفخرهِ

ولكن سلوا منه العُلى تظفروا بها

فكلُّ امرئٍ يُرجى على قدرِ قدرهِ

ومدحه في شعبان سنة (٥٠٥) بقصيدة منها :

قصدتك من أرضِ الحطيمِ قصائدي

حادي شراها سنّةٌ وكتابُ

إن تسألا عمّا لقيت فإنّني

لا مخفقٌ أملي ولا كذّابُ

لم أنتجعْ ثَمَدَ النطافِ ولم أقفْ

بمذانبٍ وقفتْ بها الأذنابُ

وقال يمدحه :

أعندك أنّ وجدي واكتئابي

تراجعَ مذ رجعتُ إلى اجتنابي

وأنّ الهجرَ أحدثَ لي سلوّا

يسكّن بردُهُ حرَّ التهابي

وأنّ الأربعينَ إذا تولّت

بريعانِ الصبا قَبُحَ التصابي

__________________

(١) تاريخ مصر الحديث : ١ / ٢٩٨ [مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة : مج ٩ / ٣١٠]. (المؤلف)

(٢) النكت العصرية : ص ٣٥.


ولو لم ينهني شيبٌ نهاني

صباحُ الشيبِ في ليلِ الشبابِ

وأيّامٌ لها في كلِّ وقتٍ

جناياتٌ تجلّ عن العتابِ

أُقضّيها وتُحَسبُ من حياتي

وقد انفقتهنَّ بلا حسابِ

وقد حالت بنو رزّيك بيني

وبين الدهرِ بالِمنن الرغابِ

ومنها :

ولولا الصالحُ انتاش القوافي

لكان الفضلُ مجتنبَ الجنابِ

وكنتُ وقد تخيّرَهُ رجائي

كمن هجرَ السرابَ إلى الشرابِ

ولم يخفقْ بحمدِ اللهِ سعيي

إلى مصرٍ ولا خاب انتخابي

ولكن زرت أبلجَ يقتضيه

نداهُ عمارة الأملِ الخرابِ

ومنها :

أقمتَ الناصر (١) المحيي فأحيى

رسوماً كنَّ كالرسم اليبابِ

وبثَّ العدلَ في الدنيا فأضحى

قطيعُ الشاءِ يأنسُ بالذئابِ

وأنت شهابُ حقٍّ وهو منه

بمنزلة الضياء من الشهابِ

سعى مسعاك في كرمٍ وبأسٍ

وشبَّ على خلائقك العذابِ

فأصبحَ معلمَ الطرفينِ لمّا

حوى شرفَ انتسابٍ واكتسابِ

وصنتَ المُلْكَ من عزماتِ بدرٍ

بميمونِ النقيبةِ والركابِ

بأورع لم يزلْ في كلّ ثغرٍ

زعيمَ القبِّ مضروبَ القبابِ

مخوفَ البأسِ في حربٍ وسلمٍ

وحدُّ السيف يُخشى في القرابِ

وقال يمدحه بقصيدة أوّلها :

إذا قدرتَ على العلياء بالغلبِ

فلا تعرّج على سعيٍ ولا طلبِ

واخطبْ بألسنةِ الأغمادِ ما عجزتْ

عن نيلِهِ ألسنُ الأشعارِ والخطبِ

__________________

(١) هو الملك الناصر العادل بن الصالح بن رزّيك. (المؤلف)


ويقول فيها :

ألقى الكفيلُ أبو الغاراتِ كلكلَهُ

على الزمان وضاعتْ حيلةُ النوَبِ

وداخلت أنفسَ الأيامِ هيبتُهُ

حتى استرابت نفوسُ الشكِّ والريبِ

بثَّ الندى والردى زجراً وتكرمةً

فكلُّ قلبٍ رهينُ الرعبِ في الرعبِ

فما لحاملِ سيفٍ أو مثقّفةٍ

سوى التحمّلِ بين الناسِ من إربِ

لمّا تمرّد بهرامٌ وأسرته

جهلاً وراموا قراعَ النبعِ بالغَربِ

صدعت بالناصر المحيي زجاجتهم

وللزجاجة صدعٌ غيرُ منشعبِ

أسرى إليهم ولو أسرى إلى الفلك ال

أعلى لخافت قلوب الأنجم الشهبِ

في ليلةٍ قدحتْ زرقُ النصالِ بها

ناراً تشبُّ بأطرافِ القنا الأشبِ

ظنّوا الشجاعةَ تُنجيهم فقارعَهم

أبو شجاعٍ قريعُ المجدِ والحسبِ

سقُوا بأسكر سكراً لا انقضاءَ له

من قهوةِ الموتِ لا من قهوةِ العنبِ

ومنها :

للهِ عزمةُ محيي الدين كم تركتْ

بتربة الحيِّ من خدِّ امرئٍ تربِ

سما إليهم سموَّ البدرِ تصحبُهُ

كواكبُ من سحابِ النقعِ في حجبِ

في فتيةٍ من بني رزّيك تحسبهُمْ

عن جانبيه رحىً دارتْ على قطبِ

وقال يمدحه بقصيدة منها :

هل القلبُ إلاّ بَضعةٌ يتقلّبُ

له خاطرٌ يرضى مراراً ويغضبُ

أم النفسُ إلاّ وهدةٌ مطمئنّةٌ

تفيضُ شعابُ الهمِّ منها وتنضبُ

فلا تُلزِمنَّ الناسَ غيرَ طباعِهمْ

فتتعبَ من طول التعابِ ويتعبوا

فإنّك إن كشّفتَهمْ ربما انجلى

رمادُهمُ من جمرةٍ تتلهّبُ

فتاركْهمُ ما تاركوك فإنّهم

إلى الشرِّ مذ كانوا من الخيرِ أقربُ


ولا تغترر منهمْ بحسنِ بشاشةٍ

فأكثرُ إيماضِ البوارقِ خُلّبُ

وأصغِ إلى ما قلتُهُ تنتفعْ به

ولا تطّرحْ نصحي فإنّي مجرِّبُ

فما تنكُر الأيّامُ معرفتي بها

ولا إنّني أدرى بهنّ وأدربُ

وإنّي لأقوامٍ جذيلٌ محكّكٌ

وإنّي لأقوامٍ عُذيقٌ مرجّبُ

عليمٌ بما ترضى المروءةُ والتقى

خبيرٌ بما آتي وما أتجنّبُ

حلبتُ أفاويقَ الزمانِ براحةٍ

تدرُّ بها أخلافُه حين تحلبُ

وصاحبت هذا الدهَر حتى لقد غدتْ

عجائبُه من خبرتي تتعجّبُ

ودوّختُ أقطارَ البلادِ كأنّني

إلى الريح أُعزى أو إلى الخضر أُنسبُ

وعاشرتُ أقواماً يزيدون كثرةً

على الألف أو عدّ الحصى حين يحسبُ

فما راقني في روضهم قطُّ مرتعٌ

ولا شاقني في وِردِهم قطُّ مشربُ

تراني وإيّاهمْ فريقين كلّنا

بما عنده من عزّة النفسِ معجبُ

فعندهمُ دنيا وعندي فضيلةٌ

ولا شكَّ أنّ الفضل أعلى وأغلبُ

على أنّ ما عندي يدومُ بقاؤه

عليَّ ويفنى المالُ عنهمْ ويذهبُ

أُناسٌ مضى صدرٌ من العمرِ عندَهمْ

أُصعّدُ ظنّي فيهمُ وأُصوِّبُ

رجوتُ بهم نيلَ الغنى فوجدتُهُ

كما قيلَ في الأمثالِ عنقاء مغربُ

وكسّل عزمَ المدحِ بعد نشاطِهِ

ندى ذمِّه عندي من المدحِ أوجبُ

كأنّ القوافي حين تُدعى لشكرِهمْ

على الجمرِ تمشي أو على الشوكِ تُسحبُ

أفوه بحقٍّ كلّما رمتُ ذمَّهمْ

وما غيرُ قولِ الحقِّ لي قطُّ مذهبُ

وأصدق إلاّ أن اريد مديحَهُمْ

فإنّي على حكمِ الضرورةِ أكذبُ

ولو علموا صدقَ المدائحِ فيهمُ

لكانتْ مساعيهمْ تهشُّ وتطربُ

ولكن دروا أنّ الذي جاء مادحاً

بغيرِ الذي فيهم يسبّ ويثلبُ

وما زال هذا الأمرُ دأبي ودأبَهم

أغالب لومي فيهمُ وهو أغلبُ

إلى أن أذلّتني الليالي وأعتبتْ

وما خلتُها بعد الإساءةِ تعتبُ

فهاجرتُ نحو الصالحِ الملكِ هجرةً

غدتْ سبباً للأمن وهو المسبّبُ


وقال يمدحه من قصيدة :

هي البدرُ من سنّة البدرِ أملحُ

وغرّتُها من غرّةِ الصبحِ أصبحُ

منعّمةٌ تسبي العقولَ بصورةٍ

إلى مثلها لبُّ الجوانحِ يجنحُ

كأنّ الظباءَ العفرَ يحكين جيدَها

ومقلتَها في حين ترنو وتسنحُ

كأنّ اهترازَ الغصن من فوق ردفِها

هضيمٌ بأعلى رملةٍ يترنّحُ

تعلّمتُ من حبّي لها عزّةَ الهوى

وقد كنتُ فيه قبلَها أتسمّحُ

وهيّج نارَ الوجدِ والشوقِ قولُها

أحتى إلى الجوزاءِ طرفُكَ يطمحُ

فلا جفنَ إلاّ ماؤه ثَمَّ يسفحُ

ولا نارَ إلاّ زندُها ثَمَّ يقدحُ

وما علمتْ أنّي إذا شفّني الهوى

إليها بدعوى الصبر لا أتبجّحُ

وإنّ اعترافي بالتأخّر حيث لا

يقدِّمني فضلٌ أجلُّ وأرجحُ

ألم ترَ فضل الصالح الملكِ لم يدعْ

على الأرضِ من يثني عليه ويمدحُ

كأنّ مساعي جملةِ الخلقِ جملةً

غدت بمساعيه الحميدةِ تشرحُ

تجمّعَ فيهِ ما تفرّقَ في الورى

على أنّه أسنى وأسمى وأسمحُ

يُرجّى الندى منه فيغني ويسمح

ويخشى الردى منه فيعفو ويصفحُ

له كلَّ يومٍ منّةٌ مستجدّةٌ

يضوع جميلُ الذكرِ منها وينفحُ

وقال يمدحه من قصيدة :

من كان لا يعشق الأجيادَ والحدقا

ثمّ ادّعى لذّة الدنيا فما صدقا

في العشق معنىً لطيفٌ ليس يعرفه

من البريّةِ إلاّ كلُّ من عشقا

لا خفّف اللهُ عن قلبي صبابتَهُ

للغانياتِ ولا عن طرفيَ الأرقا

ويقول فيها :

لو كنتُ أملكُ روحي وارتضيتُ بها

بذلتُها لكِ لا زوراً ولا ملقا


وإنّما الصالح الهادي تملّكَها

بفيضِ جودٍ رعى آماله وسقى

واقتادها الحظُّ حتى جاورتْ ملكاً

تمسي ملوكُ الليالي عندهُ سُوَقا

وقال يمدحه وولده وأخاه فارس المسلمين :

أَبيضٌ مجرّدةٌ أم عيونْ

تسلّ وأجفانهنّ الجفونْ

عجبت لها قضباً باتره

تصول بها المُقَلُ الفاتره

فتغدو لأرواحنا واتره

ظباءٌ فتكن بأسد العرينْ

وغائرةٌ خرجت من كمينْ

إذا ما هززن رماحَ القدودْ

حمين النفوس لذيذ الورود

حياض اللمى ورياض الخدود

فلا تطمعنّك تلك الغصونْ

فإنّ كثيب نقاها مصونْ

وفيهنّ فتّانةٌ لم تزلْ

أوامر مقلتها تُمتثلْ

ومن أجل سلطانها في المقلْ

تقول لها أعين الناظرينْ

إذا ما رنت ما الذي تأمرينْ

منعّمةٌ ردفها مخصبُ

وما اهتزَّ من خصرها مجدبُ

مقسّمة كلّها يعجبُ

فجسمٌ جرى فيه ماءٌ معينْ

وقلبٌ غدا صخرةً لا تلينْ

أما وعلى الصالح الأوحدِ

ردى المعتدي وندى المجتدي

وجعد العقوبة سَبط اليدِ


ومن نصر العترةَ الطاهرينْ

ونعم النصيرُ لهم والمعينْ

لقد شرفتْ مصرُ والقاهرة

بأيّام دولتِهِ القاهرة

وأصبح للدولةِ الطاهرة

بعزم ابن رزّيك فتحٌ مبينْ

وعزمُ ابنه ناصرِ الناصرينْ

إذا ما بدا المَلِك الناصرُ

بدت شيمٌ مالها حاصرُ

يطول بها الأمل القاصرُ

كريم السجيّةِ طلقُ الجبينْ

برى اللهُ كلتا يديه يمينْ

فتىً شأو همّته لا ينالْ

فما ذا عسى في علاهُ يُقالْ

وقد حاز أنهى صفاتِ الكمالْ

وخوّله اللهُ دنياً ودينْ

وأصخى له كلُّ خلقٍ يدينْ

فلا زال ظلُّ أبيه مديدْ

مدى الدهر في دولةٍ لا تميدْ

وبلّغ في نفسه ما يريدْ

وإخوته السادة الأكرمينْ

وفي عمِّهم فارسُ المسلمينْ

وقال يمدح الصالح ويرثي أهل البيت عليهم‌السلام :

شأنُ الغرامِ أجلُّ أن يلحاني

فيه وإن كنت الشفيقَ الحاني

أنا ذلك الصبُّ الذي قطعتْ به

صلةُ الغرامِ مطامعُ السلوانِ

ملئت زجاجةُ صدرِهِ بضميرِهِ

فبدت خفيّةُ شأنِهِ للشاني

غدرت بموثِقها الدموعٌ فغادرتَ

سرّي أسيراً في يدِ الإعلانِ

عنّفتُ أجفاني فقامَ بعذرِها

وجدٌ يبيحُ ودائعَ الأجفانِ


ومنها :

يا صاحبيَّ وفي مجانبةِ الهوى

رأيُ الرشادِ فما الذي تريانِ

بي ما يذود عن التسبّبِ أوّله

ويزيلُ أيسرُهُ جنونَ جناني

قبضت على كفِّ الصبابةِ سلوةً

تنهى النهى عن طاعةِ العصيان

أُمسي وقلبي بين صبرٍ خاذلٍ

وتجلّدٍ قاصٍ وهمٍّ دانِ

قد سهّلت حزنَ الكلامِ لِنادِبٍ

آلَ الرسولِ نواعبَ الأحزانِ

فابذل مشايعةَ اللسانِ ونصرَهُ

إن فاتَ نصرُ مهنّدٍ وسنانِ

واجعل حديثَ بني الوصيّ وظلمهم

تشبيبَ شكوى الدهرِ والخذلانِ

غصبتْ أميّةُ إرثَ آلِ محمدٍ

سفهاً وشنّت غارةَ الشنآنِ

وغدت تخالفُ في الخلافِة أهلَها

وتُقابلُ البرهانَ بالبهتانِ

لم تقتنع أحلامُها بركوبِها

ظهرَ النفاقِ وغاربَ العدوانِ

وقعودُهمْ في رتبةٍ نبويّةٍ

لم يبنِها لهمُ أبو سفيانِ

حتى أضافوا بعد ذلك أنّهم

أخذوا بثارِ الكفرِ في الإيمانِ

فأتى زيادٌ في القبيحِ زيادةً

تركتْ يزيدَ يزيدُ في النقصانِ

حربٌ بنو حربٍ أقاموا سوقَها

وتشبّهتْ بهمُ بنو مروانِ

لهفي على النفرِ الذين أكفُّهمْ

غيثُ الورى ومعونةُ اللهفانِ

أشلاؤهمْ مِزقٌ بكلِّ ثنيّةٍ

وجسومُهْم صرعى بكلّ مكانِ

مالت عليهم بالتمالئِ أمّةٌ

باعتْ جزيلَ الربحِ بالخسرانِ

دُفِعوا عن الحقِّ الذي شهدت لهمْ

بالنصِّ فيه شواهدُ القرآنِ

ما كان أولاهمْ به لو أُيِّدوا

بالصالحِ المختارِ من غسّانِ

نساهمُا لمختارَ صدقُ ولائه

كم أوّلٌ أربى عليه الثاني

وقضى شاعرنا الملك الصالح شهيداً يوم الإثنين تاسع عشر من شهر رمضان سنة ستّ وخمسين وخمسمائة ، ورثاه الفقيه عمارة اليمني بقصيدة أولها :


أفي أهل ذا النادي عليمٌ أسائله

فإنّي لِما بي ذاهبُ اللبِّ ذاهلُه

سمعت حديثاً أحسد الصمّ عنده

ويُذهل واعيه ويخرس قاتلُه (١)

فهل من جوابٍ يستغيث به المنى

ويعلو على حقِّ المصيبةِ باطلُه

وقد رابني من شاهد الحال أنّني

أرى الدست منصوباً وما فيه كافلُه

فهل غابَ عنهُ واستناب سليلَهُ

أم اختار هجراً لا يُرجّى تواصلُه

فإنّي أرى فوقَ الوجوهِ كآبةً

تدلُّ على أنّ الوجوهَ (٢) ثواكلُه

ويقول فيها :

دعوني فما هذا أوانُ بكائِهِ

سيأتيكمُ طلُّ البكاء ووابلُه

ولا تنكروا حزني عليه فإنّني

تقشّعَ عنّي وابلٌ كنت آملُه

ولِم لا نبكّيه (٣) ونندبُ فقدَه

وأولادُنا أيتامه وأراملُه

فيا ليتَ شعري بعد حسنِ فعالِه

وقد غاب عنّا ما بنا اللهُ فاعلُه

أيكرمُ مثوى ضيفِكم وغريبكمْ

فيمكثُ أم تطوى ببينٍ مراحلُه

ومنها :

فيا أيّها الدستُ الذي غابَ صدرُه

فماجتْ بلاياه وهاجتْ بلابلُه

عهدتُ بكَ الطوَد الذي كان مَفزعاً

إذا نزلتْ بالملك يوماً نوازلُه

فمن زلزلَ الطوَد الذي ساخَ في الثرى

وفي كلِّ أرضٍ خوفُه وزلازلُه

ومن سدَّ باب الملك والأمرُ خارجٌ

إلى سائرِ الأقطارِ منه وداخلُه

ومن عوّقَ الغازي المجاهدَ بعد ما

أُعِدّت لغزو المشركين جحافلُه

__________________

(١) كذا في الديوان ، وفي نهاية الأرب : ٢٨ / ٣٢٧ ، وأعيان الشيعة : ٧ / ٤٠١ : قائلُه ، ولعله الصحيح بحسب المعنى.

(٢) في نهاية الأرب : ٢٨ / ٣٢٧ : النُّفوس بدل الوجوه.

(٣) تقول : بكيت الرجل وبكّيته إذا بكيت عليه.


ومن أكرهَ الرمحَ الردينيَّ فالتوى

وأرهقه حتى تحطّم عاملُه

ومن كسرَ العضبَ المهنّدَ فاغتدى

وأجفانهُ مطروحةٌ وحمائلُه

ومن سلبَ الإسلامَ حليةَ جيدِهِ

إلى أن تشكّى وحشةَ الطرقِ عاطلُه

ومن أسكتَ الفضلَ الذي كان فضلُه

خطيباً إذا التفّت عليه محافلُه

وما هذه الضوضاءُ من بعد هيبةٍ

إذا خامرتْ جسماً تخلّتْ مفاصلُه

كأنّ أبا الغارات لم ينشِ غارةً

يريك سوادَ الليل فيها قساطلُه

ولا لمعتْ بين العجاجِ نصولُه

ولا طرّزتْ ثوبَ الفِجاج مناصلُه

ولا سار في عالي ركابَيْهِ موكبٌ

ينافسُ فيه فارسَ الخيلِ راجلُه

ولا مرحتْ فوق الدروعِ يراعُه

كما مرحتْ تحت السروجِ صواهلُه

ولا قُسّمتْ ألحاظُه بين مخلصٍ

جميلِ السجايا أو عدوٍّ يُجاملُه

ولا قابلَ المحرابَ والحربَ عاملاً

من البأسِ والإحسانِ ما اللهُ قابلُه

تعجّبتُ من فعلِ الزمانِ بنفسِهِ

ولا شكَّ إلاّ أنّه جُنَّ عاقلُه

بمن تفخرُ الأيّامُ بعد طلائعٍ

ولم يكُ في أبنائِها من يُماثلُه

أَتُنزِل بالهادي الكفيلِ صروفَها

وقد خيّمتْ فوق السماكِ منازلُه

وتسعى المنايا منه في مهجةِ امرئٍ

سعت هِممُ الأقدارِ فيما تحاولُه

ورثاه بقصيدة أخرى منها :

تنكّد بعد الصالحِ الدهرُ فاغتدتْ

مجالسُ أيّامي وهنّ غيوبُ

أيجدبُ خدّي من ربيعِ مدامعي

وربعيَ من نعمى يديهِ خصيبُ

وهل عنده أنّ الدخيلَ من الجوى

مقيمٌ بقلبي ما أقامَ عسيبُ

وإنْ برقتْ سنّي لذكرِ حكايةٍ

فإنّ فؤادي ما حييتُ كئيبُ

ورثاه بقصيدة أوّلها :

طمعُ المرءِ في الحياة غرورُ

وطويلُ الآمالِ فيها قصيرُ


ولكم قدّر الفتى فأتتْهُ

نُوَبٌ لم يُحِطْ بها التقديرُ

ومنها :

فضَّ ختمَ الحياةِ عنك حِمامٌ

لا يراعي إذناً ولا يستشيرُ

ما تخطّى إلى جلالِك إلاّ

قَدَرٌ أمره علينا قديرُ

بذرتْ عمرَكَ الليالي سفاهاً

فسيعلمنْ ما جنى التبذيرُ

وقال :

ليتَ يومَ الإثنينِ لم يتبسّم

من محيّاه للّيالي ثُغورُ

طلعتْ شمسُهُ بيومٍ عبوسٍ

حيَّر الطيرَ شرُّه المستطيرُ

وتجلّى صباحُهُ عن جبينٍ

إثمدُ الليل فوقَه مذرورُ

صَبَحَ المجدَ في صبيحةِ ذاك ال

ـيومِ غبراءُ صيلمٌ عنقفيرُ (١)

بلغَ الدهرُ عندها ما تمنّى

وعليها كان الزمانُ يدورُ

حادثٌ ظلّت الحوادثُ ممّا

شاهدتْهُ من جورِهِ تستجيرُ

ترجفُ الأرضُ حين يذكر عنه

وتكاد السماءُ منه تمورُ

طبّق الأرضَ من مصابِ أبي الغا

راتِ خطبٌ له النجومُ تغورُ

ومنها :

لك رضوان زائرٌ ولقومٍ

هلكوا فيه منكرٌ ونكيرُ

حفظتْ عهدَكَ الخلافةُ حفظاً

أنت منها به خليقٌ جديرُ

أحسنتْ بعدكَ الصنيعةَ فينا

فاستوتْ منك غيبةٌ وحضورُ

وأبى اللهُ أن يتمَّ عليها

ما نوى حاسدٌ لها أو كفورٌ

__________________

(١) صبح القوم صبحاً : أتاهم صباحاً. صيلم : الأمر الشديد. يقال : وقعة صيلمة أي مستأصلة. عنقفير : أحسبه مصحّف خنشفير ، أي الداهية. (المؤلف)


ضيّقوا حفرةَ المكيدةِ لكن

ضاقَ بالناكثينَ ذاك الحفيرُ

وتجرّوا على القصورِ بغدرٍ

وسراجُ الوفاء فيها ينيرُ

حَرَمٌ آمنٌ وشهرٌ حرامٌ

هتكتْ منهما عرىً وستورُ

لا صيامٌ نهاهمُ لا إمامٌ

طاهرٌ تُربُ أخمصيهِ طهورُ

أخفروا ذمّةَ الهدى بعد علمٍ

ويقينٍ أنّ الإمامَ خفيرُ

وإذا ما وفتْ خدورُ البوادي

بذمامٍ فما تقول القصورُ

غضِبَ العاضدُ الإمامُ فكادتْ

فَرَقاً منه أن تذوبَ الصخورُ

أدرك الثأرَ من عداهُ بعزمٍ

لم يكنْ في النشاطِ منه فتورُ

واستقامتْ بنصرِهِ وهداهُ

حجّةُ اللهِ واستمرَّ المريرُ

دُفِن الملك الصالح بالقاهرة ، ثمّ نقل ولده العادل سنة سبع وخمسين وخمسمائة في تاسع صفر تابوت أبيه من القاهرة إلى مشهد بُني له في القرافة (١) في وزارته ، وحفر سرداباً يوصل فيه من دار الوزارة إلى دار سعيد السعداء ، وعمل فيه الفقيه عمارة اليمني قصائد منها :

خربتْ ربوعُ المكرماتِ لراحلٍ

عمرتْ به الأجداثُ وهي قفارُ

نعشُ الجدودِ العاثراتِ مشيّعٌ

عميتْ برؤيةِ نعشهِ الأبصارُ

نعشٌ تودُّ بناتُ نعشٍ لو غدت

ونظامُها أسفاً عليه نثارُ

شخصَ الأنامُ إليه تحتَ جنازةٍ

خفضتْ برفعةِ قدرِها الأقدارُ

ومنها :

وكأنّها تابوتُ موسى أُودِعتْ

في جانبيهِ سكينةٌ ووقارُ

أوطنْتَهُ دارَ الوزارةِ ريثما

بُنيت لنقلتِهِ الكريمةِ دارُ

__________________

(١) جبانة في مصر والكلام فيها طويل ، بسط القول فيها المقريزي في الخطط : ٤ / ٣١٧ [٢ / ٤٤٣]. (المؤلف)


وتغاير الهَرَمان والحَرَمان في

تابوتِه وعلى الكريمِ يُغارُ

آثرتَ مصراً منه بالشرفِ الذي

حسدتْ قرافتَها له الأمصارُ

غضبَ الإلهُ على رجالٍ أقدموا

جهلاً عليه وآخرين أشاروا

لا تعجبنْ لقُدارِ ناقةِ صالحٍ

فلكلِّ عصرٍ صالحٌ وقُدارُ (١)

أُحلِلْتَ دارَ كرامةٍ لا تنقضي

أبداً وحلَّ بقاتليكَ بوارُ

وقع القصاصُ بهمْ وليسوا مقنعاً

يرضى وأين من السماءِ غبارُ

ضاقت بهم سعةُ الفجاجِ وربّما

نام الوليُّ ولا ينامُ الثارُ

فتهنَّ بالأجر الجزيلِ وميتةٍ

درجتْ عليها قبلَكَ الأخيارُ

مات الوصيُّ بها وحمزةُ عمُّهُ

وابنُ البتولِ وجعفرُ الطيّارُ

وقال في يوم الخميس وقد نُقل الصالح إلى تربته بالقرافة :

يا مُطلقَ العبراتِ وهي غزارُ

ومقيّدَ الزفراتِ وهي حرارُ

ما بالُ دمعِكَ وهو ماءٌ سافحٌ

يُذكى به من حدِّ وجدِكَ نارُ

لا تتّخذني قدوةً لك في الأسى

فلديَّ منهُ مشاعرٌ وشعارُ

خفِّضْ عليك فإنَّ زندَ بليّتي

وارٍ وفي صدري صدىً وأُوارُ

إن كان في يدِك الخيارُ فإنّني

وَلهانُ لم أُتْرَكْ وما أختارُ

في كلِّ يومٍ لي حنينُ مضلّةٍ

يودى لها بعد الحوارِ حوارُ

عاهدتُ دمعي أن يقرَّ فخانني

قلبٌ لسائلِهِ الهمومُ قرارُ

هل عند محتقرٍ يسيرَ بليّةٍ

إنّ الصغارَ من الهمومِ كبارُ

ومنها :

حتى إذا شيّدْتها ونصبْتها

علماً يُحَجُّ فناؤه ويُزارُ

__________________

(١) قُدار : اسم عاقر ناقة صالح عليه‌السلام.


ومنها :

أكفيلَ آلِ محمدٍ ووليَّهمْ

في حيث عُرفُ وليِّهمْ إنكارُ

ومنها :

ولقد وفى لك من صنائعكِ امرؤٌ

بثنائِهِ تستسمعُ السمّارُ

أوفى أبو حسنٍ بعهدِكَ عندما

خذلتْ يمينٌ أُختَها ويسارُ

غابت حُماتُكَ واثقين ولم تغبْ

فكأنّهم بحضورِه حضّارُ

ومنها :

ملكٌ جنايةُ سيفِهِ وسنانِهِ

في كلّ جبّارٍ عصاه جُبارُ

جمعت له فرقُ القلوبِ على الرضا

والسيفُ جامعهنَّ والدينارُ

وهما اللذان إذا أقاما دولةً

دانتْ وكان لأمرِها استمرارُ

وإذا هما افترقا ولم يتناصرا

عزَّ العدوُّ وَذلّتِ الأنصارُ

يا خيرَ من نُقِضتْ له عُقَدُ الحبى

وغدا إليه النقضُ والإمرارُ

ومضت أوامرُه المطاعةُ حسبما

يقضى به الإيرادُ والإصدارُ

إنّ الكفالةَ والوزارةَ لم يزلْ

يومى إليك بفضلِها ويُشارُ

كانت مسافرةً إليك وتبعد ال

أخطارُ ما لم تُركَبِ الأخطارُ

حتى إذا نزلتْ عليك وشاهدتْ

ملِكاً لزند الملْكِ منه أُوارُ

ألقت عصاها في ذُراك وعُرِّيتْ

عنها السروجُ وحُطَّتِ الأوكارُ

لله سيرتُكَ التي أطلقتَها

وقيودُها التأريخ والأشعارُ

جلّت فصلّى خاطري في مدحِها

وكبتْ ورائي قُرّحٌ ومهارُ

والخيلُ لا يرضيك منها مخبرٌ

إلاّ إذا ما لزّها المضمارُ

ومدائحي ما قد علمتَ وطالما

سبقت ولم يبلل لهنّ عذارُ


إن أخّرتْني عن جنابكِ محنةٌ

بأقلَّ منها تُبسَطُ الأعذارُ

فلديَّ من حسنِ الولاء عقيدةٌ

يرضيك منها الجهرُ والإسرارُ

وقال يرثيه ويمدح ولده الملك الناصر العادل بن الصالح ، وأنشدها في مشهده بالقرافة في شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة :

أرى كلَّ جمع بالردى يتفرّقُ

وكلَّ جديدٍ بالبلى يتمزّقُ

وما هذه الأعمارُ إلاّ صحائفٌ

تؤرَّخُ وقتاً ثمّ تُمحى وتُمحَقُ

ومنها :

ولمّا تقضّى الحولُ إلاّ ليالياً

تضافُ إلى الماضي قريباً وتلحقُ

وعجنا بصحراءِ القرافةِ والأسى

يغرِّبُ في أكبادِنا ويُشرِّقُ

عقدنا على ربِّ القوافي عقائلاً

تغرُّ إذا هانت جيادٌ وأينُقُ

وقلنا له خذْ بعضَ ما كنتَ منعِماً

به وقضاءُ الحقِّ بالحرِّ أليقُ

عقودُ قوافٍ من قوافيك تُنتقى

ودرُّ معانٍ من معانيك يُسرَقُ

نثرنا على حصباءِ قبرِكَ درَّها

صحيحاً ودرُّ الدمع في الخدّ يفلقُ

ويقول فيها :

وجدناكمُ يا آلَ رُزّيكَ خيرَ من

تنصُّ إليه اليعملات وتعنقُ

وفدنا إليكم نطلبُ الجاهَ والغنى

فأُكرِمَ ذو مثوى وأُغني مملقُ

وعلّمتمونا عزّةَ النفسِ بالندى

وملقى وجوهٍ لم يَشنْها التملّقُ

وصيّرتمُ الفسطاطَ بالجود كعبةً

يطوف بركنيها العراق وجِلّقُ (١)

فلا سِترُكم عن مرتَجٍ قطُّ مرتجٌ

ولا بابُكمْ عن معلقِ الحظِّ مغلقُ

وليس لقلبٍ في سواكمْ علاقةٌ

ولا ليَدٍ إلاّ بكم متعلّقُ

__________________

(١) جِلِّق بكسرتين وتشديد اللام ـ : اسم لكورةِ الغوطة كلّها ، وقيل : بل هي دمشق نفسها [معجم البلدان : ٢ / ١٥٤]. (المؤلف)


نماذج من شعر الملك الصالح

ذكر ابن شهرآشوب كثيراً من شعره في كتابه مناقب آل أبي طالب ، منه قوله (١):

محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذي سبقت

به بشارة قُسٍّ وابنِ ذي يزنِ

وأنذَرَ النطقاءُ الصادقون بما

يكونُ من أمرِهِ والطهرُ لم يكنِ

الكاملُ الوصفِ في حلمٍ وفي كرمٍ

والطاهرُ الأصلِ من ذمٍّ ومن درَنِ

ظِلُّ الإلهِ ومفتاحُ النجاة وين

ـبوعُ الحياةِ وغيثُ العارضِ الهتِنِ

فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً

به وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ

وله (٢):

ولايتي لأمير المؤمنين علي

بها بلغتُ الذي أرجوه من أملي

إن كان قد أنكرَ الحسّادُ رتبتَهُ

في جودِهِ فتمسّكْ يا أخي بهلِ (٣)

وله (٤):

كأنّي إذا جعلتُ إليك قصدي

قصدتُ الركنَ بالبيتِ الحرامِ

وخُيِّلَ لي بأنّي في مقامي

لديه بين زمزم والمقامِ

أيا مولاي ذكرُكَ في قعودي

ويا مولايَ ذكرُكَ في قيامي

وأنت إذا انتبهتُ سميرُ فكري

كذلك أنتَ أُنسي في مقامي (٥)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٤٤.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.

(٣) أشار إلى سورة هل أتى ونزولها في العترة الطاهرة :. (المؤلف)

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٦٤.

(٥) في المصدر وديوانه المطبوع في النجف : ص ١٣٢ : في منامي.


وحبُّكَ إن يكن قد حلَّ قلبي

ففي لحمي استكنَّ وفي عظامي

فلو لا أنتَ لم تُقبَلْ صلاتي

ولولا أنت لم يُقبَلْ صيامي

عسى أُسقى بكأسِكَ يوم حشري

ويبرُد حين أشربها أُوامي

وله (١):

يا عروةَ الدينِ المتينِ

وبحرَ علمِ العارفينا

يا قبلةً للأوليا

ءِ وكعبةً للطائفينا

من أهل بيتٍ لم يزالوا

في البريّةِ مُحسنينا

التائبين العابدين ال

ـصائمين القائمينا

العالمين الحافظين ال

ـراكعين الساجدينا

يا من إذا نام الورى

باتوا قياماً ساهرينا

وله (٢):

قومٌ علومُهمْ عن جدِّهم أُخذت

عن جبرئيلَ وجبريلٌ عن اللهِ

هم السفينةُ ما كنّا لنطمعَ أن

ننجو من الهولِ يومَ الحشرِ لو لا هي

الخاشعون إذا جنَّ الظلامُ فما

تغشاهمُ سِنةٌ تنفي بإنباهِ

ولا بدت ليلةٌ إلاّ وقابلَها

من التهجّدِ منهم كلُّ أوّاهِ

وليس يشغلُهمْ عن ذكرِ ربّهمُ

تغريدُ شادٍ ولا ساقٍ ولا طاهِ

سحائبٌ لم تزل بالعلمِ هاميةً

أجلّ من سُحُبٍ تهمي بأمواهِ

وله (٣):

إنّ النبيَّ محمداً ووصيَّهُ

وابنيه وابنتَهُ البتولَ الطاهره

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٢٣١.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤١٨.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٥٣. ونسبها إلى ابن دريد.


أهلُ العباءِ فإنّني بولائهمْ

أرجو السلامةَ والنجا في الآخره

وأرى محبّةَ من يقولُ بفضلِهمْ

سبباً يُجير من السبيلِ الحائره

أرجو بذاك رضا المهيمنِ وحدَهُ

يومَ الوقوفِ على ظهورِ الساهره (١)

وله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢):

هو النور نور الله والنورُ مشرقٌ

علينا ونورُ اللهِ ليس يزولُ

سما بين أملاكِ السماواتِ ذكرُهُ

نبيهٌ فما إن يعتريه خمولُ

وله (٣):

لا تعذلنِّي إنّني لا أقتفي

سُبُلَ الضلال لقولِ كلِّ عذولِ

عند التباهلِ ما علمنا سادساً

تحت الكسا منهمْ سوى جبريلِ

وله في أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام (٤):

بحبِّ عليٍّ أرتقي منكبَ العلى

وأسحبُ ذيلي فوقَ هامِ السحائبِ

إمامي الذي لمّا تلفّظتُ باسمِهِ

غلبتُ به من كان بالكُثْرِ غالبي

أئمّة حقٍّ لو يسيرون في الدجى

بلا قمرٍ لاستصحبوا بالمَناسبِ

بهم تبلغُ الآمالُ من كلّ آملٍ

بهم تُقبَلُ التوباتُ من كلِّ تائبِ

وله في زهد أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥):

ذاك الذي طلّقَ الدنيا لعمريَ عن

زهدٍ وقد سفرت عن وجهها الحسنِ

وأوضح المشكلاتِ الخافياتِ وقد

دقّتْ عن الفكرِ واعتاصتْ على الفطنِ

__________________

(١) الساهره : الأرض التي يحشر الناس عليها.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٩٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٣.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٣٨ ، ٤ / ١٧٦.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١١٨.


وله في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم (١):

آلُ رسولِ الإلهِ قومٌ

مقدارُهمْ في العُلى خطيرُ

إذ جاءهمْ سائلٌ يتيمٌ

وجاءَ من بعدِهِ أسيرُ

أخافَهمْ في المعادِ يومٌ

معظَّمُ الهولِ قمطريرُ

فقد وُقُوا شرَّ ما اتّقوه

وصارَ عقباهمُ السرورُ

في جنّةٍ لا يرونَ فيها

شمساً ولا ثَمَّ زمهريرُ

يطوفُ ولدانُهمْ عليهمْ

كأنّهمْ لؤلؤٌ نثيرُ

لباسُهم في جنانِ عدنٍ

سندسُها الأخضر الحريرُ

جزاهمُ ربُّهم بهذا

وهو لِما قد سعوا شكورُ

وله (٢) في المعنى (٣):

إنّ الأبرارَ يشربون بكأسٍ

كان حقّا مزاجُها كافورا

ولهم أنشأ المهيمنُ عيناً

فجّروها عبادُهُ تفجيرا

وهداهمْ وقال يوفون بالنذ

ر فمن مثلهم يوفّي النذورا

ويخافون بعد ذلك يوماً

هائلاً كان شرُّه مُستطيرا

يُطعمون الطعامَ ذا اليُتم والمس

ـكينَ في حبِّ ربِّهم والأسيرا

إنّما نطعمُ الطعام لوجه الله

لا نبتغي لديكمْ شُكورا

غير أنّا نخافُ من ربِّنا يو

ماً عبوساً عصبصباً قمطريرا

فوقاهمْ إلههم ذلك اليو

م يُلقّونَ نضرةً وسرورا

وجزاهم بأنّهم صبروا

في السرِّ والجهر جَنّةً وحريرا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.

(٣) مرّ حديث هذا المعنى في الجزء الثالث من كتابنا : ص ١٠٦ ـ ١١١ ، ١٦٩ ، ٢٤٣. (المؤلف)


متّكئين لا يرون لدى الجنّةِ

شمساً كلاّ ولا زمهريرا

وعليهمْ ظلالُها دانياتٌ

ذُلِّلتْ في قطوفِها تيسيرا

وبأكوابِ فضّةٍ وقواري

ـرَ قواريرَ قُدِّرت تقديرا

ويطوفُ الولدانُ فيها عليهمْ

فَيُخالون لؤلؤاً منثورا

بكؤوسٍ قد مزجتْ زنجبيلا

لذّة الشاربين تشفي الصدورا

ويُحلَّونَ بالأساورِ فيها

وسقاهمْ ربّي شراباً طهورا

وعليهمْ فيها ثيابٌ من السن

ـدس خضرٌ في الخلدِ تلمعُ نورا

إنّ هذا لكم جزاءٌ من الله

وقد كان سعيُكمْ مشكورا

وله في المعنى أيضاً (١):

واللهُ أثنى عليهمْ

لمّا وفوا بالنذورِ

وخصّهم وحباهم

بجنّةٍ وحريرِ

لا يعرفونَ بشمسٍ

فيها ولا زمهريرِ

يُسقَونَ كأساً رحيقاً

مزيجةَ الكافورِ

وله في المعنى أيضاً (٢)

في هل أتى إن كنت تقرأُ هل أتى

ستصيبُ سعيَهمُ بها مشكورا

إذ أطعموا المسكينَ ثمّةَ أطعموا

الطفلَ اليتيمَ وأطعموا المأسورا

قالوا لوجه اللهِ نطعمُكمْ فلا

منكم جزاءً نبتغي وشكورا

إنّا نخافُ ونتّقي من ربِّنا

يوماً عبوساً لم يزَلْ مجذورا

فَوُقُوا بذلك شرَّ يومٍ باسلٍ

ولَقَوا بذلك نضرةً وسرورا

وجزاهُمُ ربُّ العبادِ بصبرهمْ

يومَ القيامةِ جنّةً وحريرا

وسقاهمُ من سلسبيلٍ كأسُها

بمزاجِها قد فجِّرتْ تفجيرا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٨.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٨.


يُسقَون فيها من رحيقٍ تختم

بالمسكِ كان مزاجُها كافورا

فيها قواريرٌ وأكوابٌ لها

من فضّةٍ قد قدِّرت تقديرا

يسعى بها ولدانُها فتخالُهمْ

للحسنِ منهم لؤلؤاً منثورا

وله في المعنى المذكور (١):

هل أتى فيهمُ تنزّل فيها

فضلُهمْ محكماً وفي السوراتِ

يُطعمونَ الطعام خوفاً فقيراً

ويتيماً وعانياً في العناتِ

إنّما نُطعمُ الطعامَ لوجهِ الله

لا للجزاءِ في العاجلاتِ

فجزاهمْ بصبرِهمْ جنّة الخل

ـد بها من كواعبٍ خيّراتِ

ومن شعر الملك الصالح قصيدته التي جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي الشهيرة التي أوّلها :

مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العرصاتِ (٢)

وأوّل قصيدة الملك قوله :

ألائمُ دع لومي على صبواتي

فما فاتَ يمحوه الذي هو آتِ

وما جزعي من سيّئاتٍ تقدّمت

ذهاباً إذا أتبعتُها حسناتِ

ألا إنّني أقلعت عن كلِّ شبهةٍ

وجانبت غرقى أبْحرِ الشبهاتِ

شُغِلتُ عن الدنيا بحبّي معشراً

بهم يصفحُ الرحمنُ عن هفواتي

وقال في آخرها :

أُعارض من قول الخزاعيِّ دعبلاً

وإن كنت قد أقللتُ في مدحاتي

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٩.

(٢) هذا البيت من قصيدته المشهورة التي أولها :

تجاوبن بالإرنانِ والزفراتِ

نوائحُ عجمُ اللفظِ والنَّطقاتِ


(مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ) (١)

وفي أنوار الربيع (٢) (ص ٣١٢) : ومن الاستثناء الذي ما خرج حجاب السمع ألطف منه ، قول الصالح طلائع وقد ألزم الأمير ابن سنان بمال رفع عليه لكونه كان يتولّى أموالاً له واعتقله ، فأرسل إليه يمتُّ بقديم الخدمة والتشيّع الموافق لمذهبه ، فقال الصالح :

أتى ابنُ سنانٍ ببهتانه

يحصِّنُ بالدين ما في يديهِ

برئتُ من الرفض إلاّ له

وتبت من النصب إلاّ عليهِ

وكان قدر المال ستّين ألف دينار فأخذ منه اثني عشر ألفاً وترك له الباقي.

كتب الملك الصالح إلى صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود ، في تنافس وقع بينه وبين نور الدين محمود بن زنكي :

نقولُ ولكن أين من يتفهّمُ

ويعلمُ وجهَ الرأيِ والرأيُ مبهمُ

وما كلُّ مَن قاس الأمورَ وساسَها

يوفَّقُ للأمرِ الذي هو أحزمُ

وما أحدٌ في الملكِ يبقى مخلّداً

وما أحدٌ ممّا قضى اللهُ يسلمُ

أمن بعد ما ذاق العدى طعمَ حربِكمْ

بفيهم (٣) وكانت وهي صابٌ وعلقمُ

رجعتمْ إلى حكمِ التنافسِ بينكمْ

وفيكم من الشحناء نارٌ تضرّمُ

أما عندكم مَن يتّقي اللهَ وحدَهُ

أما في رعاياكمْ من الناسِ مسلمُ

تعالوا لعلّ اللهَ ينصرُ دينَكمْ (٤)

إذا ما نصرنا الدينَ نحن وأنتمُ

وننهضُ نحو الكافرين بعزمةٍ

بأمثالِها تُحوى البلادُ وتُقسمُ

__________________

(١) أنوار الربيع : ص ٣١٢ [٣ / ١١٢] ، الرائق : ذكر من القصيدة (٤٠) بيتاً. (المؤلف)

(٢) أنوار الربيع : ٣ / ١١٣.

(٣) في الديوان : ص ١٣٣ : بغيّهم.

(٤) في الكامل لابن الأثير : ٧ / ١٨٤ والديوان : دينَهُ.


ويأتي من شعر المترجم في ترجمة الفقيه عمارة اليمني ، ووقفت من شعر الملك الصالح على شطر مهمّ في أهل البيت عليهم‌السلام مدحاً ورثاءً يربو على ألف وأربعمائة بيتٍ ، وقد جمعها سيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار في كتابه الرائق ، ولعلّ ما فاته من شعره في أهل البيت عليهم‌السلام نزر يسير.

توجد ترجمة طلائع الملك الصالح في كثير من الكتب والمعاجم منها (١):

وفيات الأعيان (١ / ٢٥٩) ، الكامل لابن الأثير (١١ / ١٠٣) ، الخطط للمقريزي (٤ / ٨١) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٢٤٣) ، روض المناظر لابن شحنة ، تاريخ أبي الفداء (٣ / ٤٠) ، مرآة الجنان (٣ / ٣١٠) ، أنوار الربيع (ص ٣١٢) ، تحفة الأحباب للسخاوي (ص ١٧٦) ، شذرات الذهب (٤ / ١٧٧) ، نسمة السحر الجزء الثاني ، خواصّ العصر الفاطمي (ص ٢٣٤) ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٥ / ٧٧١) ، الأعلام للزركلي (٢ / ٤٤٩) ، تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان (١ / ٢٩٨) ، شهداء الفضيلة (ص ٥٧).

الملك العادل

خلّف الملك الصالح ولده رزّيك بن طلائع الملقّب بالملك الناصر والعادل ، ولي الوزارة بعد والده الصالح ستة عشر شهراً وعدّة أيّام ، وكان والده قد أوصاه بأن لا يتعرّض شاور ولا يغيّر عليه حاله ، فإنّه لا يأمن عصيانه والخ روج عليه ، وكان كما أشار ، فإنّ العادل حسّن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مكانه ، وخوّفوه منه إن أقرّه على عمله ، فأرسل إليه بالعزل ، فجمع جموعاً كثيرة وسار بهم إلى القاهرة

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٢ / ٥٢٦ رقم ٣١١ ، الكامل في التاريخ : ٧ / ١٥٧ حوادث سنة ٥٥٦ ه‍ ، الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٣ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٣٠٣ حوادث سنة ٥٥٦ ه‍ ، روض المناظر : ٢ / ١٢٨ ، أنوار الربيع : ٣ / ١١٢ ، شذرات الذهب : ٦ / ٢٩٦ ، نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٠٩ ، الأعلام : ٣ / ٢٢٨ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ مصر ـ : مج ٩ / ٣٠٧.


ودخلها يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرّم سنة (٥٥٨) ، وهرب العادل بن الصالح وأهله من القاهرة ليلة العشرين من المحرّم ، فأُخذ وقُتل وأُخِذ موضعه من الوزارة واستولى شاور على ديار مصر ، ودُفن العادل في تربة الملك الصالح وبها جماعة أخرى.

ترجمه الفقيه عمارة في كتابه النكت العصريّة (ص ٥٣) وقال في (ص ٦٦):

دخلت قاعة السرِّ من دار الوزارة فيها طيّ بن شاور وضرغام وجماعة من الأمراء مثل عزّ الزمان ، ومرتفع الظهير ، ورأس رزّيك بن الصالح بين أيديهم في طست ، فما هو إلاّ أن لمحته عيني ورددت كمّي على وجهي ورجعت على عقبي ، وما ملأت عيني من صورة الرأس ، وما من هؤلاء الجماعة الذين كان الرأس بين أيديهم إلاّ مَن مات قتيلاً وقطعت رأسه عن جسده ، فأمر طيّ من ردّني فقلت : والله ما أدخل حتى تغيِّب الرأس عن عيني ، فرفع الطست وقال لي ضرغام : لِمَ رجعت؟ قلت : بالأمس هو سلطان الوقت الذي نتقلّب في نعمته. قال : لو ظفر رزّيك بأمير الجيوش أو بنا ما أبقى علينا.

قلت : لا خير في شيءٍ يؤول الأمر بصاحبه من الدست إلى الطست ، ثمّ خرجت وقلت :

أَعزِزْ عليَّ أبا شجاعٍ أن أرى

ذاك الجبينَ مضرّجاً بدمائهِ

ما قلّبته سوى رجالٍ قلّبوا

أيديهمُ من قبلُ في نعمائهِ

وللفقيه عمارة اليمني شعر كثير يمدح به الملك العادل رزّيك بن طلائع ، ذكره في كتابه النكت العصريّة وفي ديوانه ، منه قصيدة أوّلها :

جاورْ بمجدِكَ أنجمَ الجوزاءِ

وازددْ علوّا فوقَ كلِّ علاءِ

وقصيدةٌ أخرى مُستهلّها :

تبسّمَ في ليلِ الشبابِ مشيبُ

فأصبحَ برد الهمِّ وهو قشيبُ


وثالثة مطلعها :

دانت لأمرِكَ طاعةُ الأقدارِ

وتواضعتْ لك عزّةُ الأقدارِ

ورابعة أوّلها :

في مثلِ مدحِكَ شرحُ القولِ مختصرُ

وفي طوالِ القوافي عنده قِصَرُ

وخامسة مبدؤها :

لمّا أرادَ مدامةَ الأحداقِ

دبّت حُميّا نشوةِ الأخلاقِ

وسادسة مطلعها :

لكلِّ مقامٍ في عُلاكَ مقالُ

يُصدِّقُه بالجودِ منك فِعالُ

وسابعة أوّلها :

فُقتَ الملوك مهابةً وجلالا

وطرائقاً وخلائقاً وخلالا

وثامنة مطلعها :

لك أن تقولَ إذا أردتَ وتفعلا

ولمن سعى في ذا المدى أن يخجلا

وتاسعة أولها :

لله مِن يومٍ أغرَّ محجّلِ

في ظلِّ محترمِ الفناءِ مبجّلِ

وعاشرة مستهلّها :

لو لا جفونٌ ومُقلْ

مكحولةٌ من الكحلْ

ولحظاتٌ لم تزلْ

أرمى نبالاً من ثُعَلْ (١)

__________________

(١) ثُعَلْ : اسم قبيلة مشهورة بالرمي.


وبرَدٌ (١) رضابُهُ

ألذُّ من طعمِ العسلْ

يظما إلى برودِهِ

من علَّ منه ونهلْ

لمّا وصلتُ قاطعاً

إذا رأى جِدّي هزلْ

مخالفٌ لو أنّه

أضمر هجري لوصلْ

وأغيَدٌ منعّمٌ

يميل كلّما اعتدلْ

يهتزُّ غصنُ قدِّه

ليناً إذا ارتجَّ الكفلْ

غرٌّ إذا جمّشته

أطرقَ من فرطِ الخجلْ (٢)

أُريْعِنٌ مدلّلٌ

غُزيّلٌ يأبى الغزلْ

سألتُهُ في قُبلةٍ

من ثغرِهِ فما فعلْ

راضته لي مشمولة

ترمي النشاط بالكسلْ

حتى أتاني صاغراً

يحدوه سكرٌ وثملْ

أمسى بغير شكرِهِ

ذاك المصونُ يبتذلْ

وبات بين عقدِهِ

وبين قرطيه جدلْ

وكدتُ أمحو لَعَسَاً

في شفتيهِ بالقبلْ (٣)

فديتُهُ من مبسمٍ

ألثمُهُ فلا أملْ

كأنّه أناملٌ

لمجد الاسلام الأجلْ

معروفهنّ أبداً

يضحكُ في وجهِ الأملْ

وقال يمدحه من قصيدةٍ أوّلها :

أيا أُذن الأيّامِ إن قلتُ فاسمعي

لنفثةِ مصدورٍ وأنّةِ موجعِ

وعي كلَّ صوتٍ تسمعين نداءَهُ

فلا خيرَ في أُذن تنادى فلا تعي

__________________

(١) البَرَد : مطر جامد شُبِّهت به الأسنان لبياضها.

(٢) جَمَشَ جَمْشاً النبات : إذا حصده ، وجَمَش المرأة إذا غازلها ولاعبها.

(٣) اللعس : سواد مستملح في الشفتين.


ويقول فيها :

ملوكٌ رَعَوا لي حرمةً صارَ نبتُها

هشيماً رعتْهُ النائباتُ وما رُعي

ورُدّتْ بهم شمسُ العطايا لوفدِهمْ

كما قال قومٌ في عُلىً وتوسّعِ

قال الأميني : كذا يوجد البيت الأخير في مختار ديوانه المطبوع في ألمانيا (ص ٢٨٨) ، وهو تصحيف غريب مع التشكيل لحروفه ، والصحيح :

كما قال قومٌ في عليٍّ ويوشعِ

وهذا ينمُّ عن ضئولة أمر المتطفّلين على موائد العربيّة وذهولهم عن معنى البيت الذي لا يستقيم إلاّ على ما ذكرناه ، وقد أوعز الشاعر إلى حديث ردِّ الشمس لمولانا عليّ أمير المؤمنين ويوشع عليهما‌السلام من قبله. هذا أحسن الاحتم الين دعانا إليه حسن ظنِّنا بالقوم وإن كان بعيداً جدّا ، والأقرب ما لا يفوتك عرفانه ، والله أعلم.



ـ ٤٨ ـ

ابن العودي النيلي

المولود (٤٧٨)

المتوفّى (حدود ٥٥٨)

متى يشتفي من لاعجِ القلبِ مغرمُ

وقد لجَّ في الهجرانِ مَن ليس يرحمُ

إذا همَّ أن يسلو أبى عن سُلوِّه

فؤادٌ بنيرانِ الأسى يتضرّمُ

ويثنيه عن سلوانِهِ لفضيلةٍ

عهودُ التصابي والهوى المتقدّمُ

رمته بلحظٍ لا يكاد سليمُهُ

من الخبلِ والوجدِ المبرِّحِ يسلمُ

إذا ما تلظّتْ في الحشا منه لوعةٌ

طفتْها دموعٌ من أماقيه تسجمُ

مقيمٌ على أسر الهوى وفؤادُهُ

تغورُ به أيدي الهمومِ وقتهمُ (١)

يجنّ الهوى عن عاذليه تجلّداً

فيبدي جواه ما يجنُّ ويكتمُ

يعلّل نفساً بالأماني سقيمةً

وحسبُكَ من داءٍ يصحُّ ويسقمُ

وقد غفلت عنّا الليالي وأصبحت

عيون العدى عن وصلِنا وهي نُوّمُ

فكم من غصونٍ قد ضممتُ ثديها

إليَّ وأفواهٍ بها كنت ألثمُ

أُجيل ذراعي لاهياً فوق منكبٍ

وخصرٍ غدا من ثقلِهِ يتظلّمُ

وأمتاحُ راحاً من شنيب كأنّه

من الدرِّ والياقوت في السلك يُنظمُ

__________________

(١) () كذا ، ولعل الصحيح : تُتْهِمُ ، والمراد به تِهامة كما أن المراد ب (تغور) الغور ، ومنه قول الشاعر :

أراني ساكناً من بعد نجدٍ

بلاد الغور والبلد التهاما


فلمّا علاني الشيبُ وابيضَّ عارضي

وبان الصبا واعوجَّ منّي المقوّمُ

وأضحى مشيبي للعَذارِ ملثِّماً

به ولرأسي بالبياضِ يُعمِّمُ

وأمسيتُ من وصلِ الغواني ممنّعاً

كأنّيَ من شيبي لديهنّ مجرمُ

بكيتُ على ما فات منّي ندامةً

كأنّي خنسٌ في البكا أو متمِّمُ (١)

وأصفيتُ مدحي للنبيّ وصنوِهِ

وللنفرِ البيضِ الذين همُ همُ

هم التينُ والزيتونُ آلُ محمدٍ

همُ شجرُ الطوبى لمن يتفهّمُ

همُ جنّةُ المأوى هم الحوضُ في غدٍ

هم اللوحُ والسقفُ الرفيعُ المعظّمُ

همُ آلُ عمرانٍ همُ الحجُّ والنسا

هم سبأٌ والذارياتُ ومريمُ

همُ آلُ ياسينٍ وطه وهل أتى

هم النحلُ والأنفالُ إن كنتَ تعلمُ

همُ الآيةُ الكبرى هم الركنُ والصفا

هم الحجُّ والبيتُ العتيق المكرّمُ

همُ في غدٍ سُفنُ النجاةِ لمن وعى

هم العروةُ الوثقى التي ليس تفصمُ

همُ الجنبُ جنبُ اللهِ في البيتِ والورى

هم العينُ عينُ اللهِ في الناسِ تعلمُ

همُ الآلُ فينا والمعالي همُ العُلى

يُيَمَّمُ في منهاجِهم حيث يمّموا

همُ الغايةُ القصوى همُ منتهى المنى

سلِ النصَّ في القرآن يُنبئك عنهمُ

همُ في غدٍ للقادمين سقاتُهم

إذا وردوا والحوضُ بالماءِ مفعمُ

فلولاهمُ لم يخلقِ اللهُ خلقَهُ

ولا هبطا للنسلِ حوّا وآدمُ

همُ باهلوا نجرانَ من داخلِ العبا

فعادَ المُناوي فيهمُ وهو مفحمُ

وأقبل جبريلٌ يقول مفاخراً

لميكال مَن مثلي وقد صرتُ منهمُ

فمن مثلُهمْ في العالمينَ وقد غدا

لهم سيّدُ الأملاكِ جبريلُ يخدمُ

ومَن ذا يُساويهم بفضلٍ ونعمةٍ

من الناس والقرآنُ يُؤخذُ عنهمُ

أبوهمْ أميرُ المؤمنينَ وجدُّهمْ

أبو القاسمِ الهادي النبيُّ المكرّمُ

__________________

(١) خنس : الشاعرة الخنساء تُماضر بنت عمرو الرياحية السُّلَمية التي عرفت بالبكاء على أخويها صخر ومعاوية ، ومتمم هو : مُتَمِّم بن نُوَيْرَة الذي رثى أخاه مالكاً رثاءً حارّا.


همُ شرعوا الدينَ الحنيفيَّ والتقى

وقاموا بحكمِ اللهِ من حيث يحكمُ

وخالُهمُ إبراهيمُ والأُمّ فاطمٌ

وعمُّهمُ الطيّار في الخُلد يَنعمُ

إلى اللهِ أبرا من رجالٍ تتابعوا

على قتلِهمْ يا للورى كيف أقدموا

حَمَوْهم لذيذَ الماءِ والوردُ مفعمٌ

وأسقوهمُ كأسَ الردى وهو علقمُ

وعاثوا بآلِ المصطفى بعد موتِه

بما قتلَ الكرّارُ بالأمسِ منهمُ

وثاروا عليهِ ثورةً جاهليّةً

على أنّه ما كان في القومِ مسلمُ

وألقوهمُ في الغاضريّات صُرّعاً

كأنّهمُ قفٌّ على الأرض جُثّمُ (١)

تحاماهمُ وحش الفلا وتنوشهمْ

بأرياشِها طيرُ الفلا وهي حُوّمُ (٢)

بأسيافِهمْ أردوهمُ ولدينهمْ

أُريق بأطرافِ القنا منهمُ الدمُ

وما قدّمت يوم الطفوف أُميّةٌ

على السبطِ إلاّ بالذين تقدّموا

وأنّى لهم أن يبرءوا من دمائِهمْ

وقد أسرجوها للخصامِ وألجموا

وقد علموا أنَّ الولاءَ لحيدرٍ

ولكنّه ما زال يُؤذى ويُظلَمُ

تعدّوا عليه واستبدّوا بظلمِهِ

وأُخِّر وهو السيّدُ المتقدِّمُ

وقد زعموها فلتةً كان بدؤها

وقال اقتلوا من كان في ذاك يخصمُ

وأفضوا إلى الشورى بها بين ستّةٍ

وكان ابن عوفٍ منهمُ المتوسِّمُ

وما قصدوا إلاّ ليُقتلَ بينهم

عليٌّ وكان الله للطهرِ يعصمُ

وإلاّ فليثٌ لا يُقاسُ بأضبُعٍ

وأين من الشمسِ المنيرةِ أنجُمُ

فوا عجباً من أين كانوا نظائراً

وهل غيرُهُ طبٌّ من الغيِّ فيهمُ

ولكن أمورٌ قُدِّرت لضلالِهمْ

وللهِ صنعٌ في الإرادةِ محكَمُ

عصوا ربّهم فيه ضلالاً فأُهلِكوا

كما هلكتْ من قبل عادٌ وجُرهمُ

__________________

(١) القفّ : ما يبس من أحرار البقول وذكورها. جثم ـ جمع جاثم من جثم جثماً ـ : تلبّد بالأرض ، ولزم مكانه فلم يبرح. (المؤلف)

(٢) حوّم ـ جمع حائم من حام على الشيء وحوله ـ : دار به ، وحام الرجل : عطش. (المؤلف)


فما عذرهمْ للمصطفى في معادهم

إذا قال لِمْ خنتمْ عليّا وجرتمُ

وما عذرهم إن قال ما ذا صنعتمُ

بصنويَ من بعدي وما ذا فعلتمُ

عهدتُ إليكمْ بالقبولِ لأمرِهِ

فلِم حلتمُ عن عهدهِ وغدرتمُ

نبذتمْ كتابَ اللهِ خلفَ ظهورِكمْ

وخالفتموه بئس ما قد صنعتمُ

وخلّفتُ فيكم عترتي لهداكمُ

فكم قمتمُ في ظلِّهمْ وقعدتمُ

قلبتم لهمْ ظهرَ المجنِّ وجرتمُ

عليهم وإحساني إليكم كفرتمُ

وما زلتمُ بالقتل تطغون فيهمُ

إلى أن بلغتم فيهمُ ما أردتمُ

كأنّهمُ كانوا من الرومِ فالتقتْ

سراياكمُ صُلبانَهمْ وظفرتمُ

ولكن أخذتم من بنيَّ بثارِكمْ

فحسبُكمُ خزياً على ما اجترأتمُ

منعتمْ تراثي ابنتي لا أبا لكم

فلِم أنتمُ آباءَكم قد ورثتمُ

وقلتم نبيٌّ لا تُراثَ لولدِهِ

أللأجنبيِّ الإرثُ فيما زعمتمُ

فهذا سليمانٌ لداودَ وارثٌ

ويحيى لزكريّا فلِم ذا منعتمُ

فإن كان منه للنبوّة وارثاً

كما قد حكمتمْ في الفتاوى وقلتمُ

فقد ينبغي نسلُ النبيّين كلُّهم

ومن جاء منهم بالنبوّة يوسمُ

وقلتم حرامٌ متعةُ الحجِّ والنسا

أعن ربِّكم أم عنكمُ ما شرعتمُ

زناتكمُ تعفونَ عنهم ومن أتى

إليكم من المستمتعين قتلتمُ

ألم يأتِ ما استمتعتمُ من حليلةٍ

فآتوا لها من أجرها ما فرضتمُ

فهل نسخَ القرآنُ ما كان قد أتى

بتحليلِهِ أم أنتمُ قد نسختمُ

وكلُّ نبيٍّ جاءَ قبل وصيِّهِ

مطاعٌ وأنتم للوصيّ عصيتمُ

ففعلكمُ في الدين أضحى منافياً

لفعلي وأمري غير ما قد أمرتمُ

وقلتم مضى عنّا بغيرِ وصيّةٍ

ألم يوصِ لو طاوعتمُ وامتثلتمُ

وقد قال من لم يوصِ من قبل موتِهِ

يمُتْ جاهلاً بل أنتمُ قد جهلتمُ

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلُّكمْ

على اللهِ فاستكبرتمُ وظلمتمُ


وقد قلتُ في تقديمِهِ وولائِهِ

عليكم بما شاهدتمُ وسمعتمُ

عليٌّ غدا منّي محلاّ وقربةً

كهارونَ من موسى فلِمْ عنه حُلتمُ

شقيتم به شقوى ثمودٍ بصالحٍ

وكلُّ امرئٍ يبقى له ما يُقدِّمُ

وملتم إلى الدنيا فضلّت عقولُكمْ

ألا كلُّ مغرورٍ بدنياه يندمُ

لحى الله قوماً أجلبوا وتعاونوا

على حيدرٍ فيما أساؤوا وأجرموا

زووا عن أميرِ النحلِ بالظلمِ حقَّهُ

عناداً له والطهرُ يُغضي ويكظِمُ

وقد نصّها يومَ الغديرِ محمدٌ

وقال ألا يا أيّها الناسُ فاعلموا

لقد جاءني في النصِّ بلِّغ رسالتي

وها أنا في تبليغها المتكلمُ

عليٌّ وصيّي فاتبعوه فإنّه

إمامكمُ بعدي إذا غبتُ عنكمُ

فقالوا رضيناه إماماً وحاكماً

علينا ومولىً وهو فينا المحكَّمُ

رأوا رشدَهمْ في ذلك اليومِ وحدَهُ

ولكنّهم عن رشدِهمْ في غدٍ عموا

فلمّا توفّي المصطفى قال بعضُهمْ

أيحكم فينا لا وباللاّتِ نقسمُ

ونازعه فيها رجالٌ ولم يكن

لهم قدمٌ فيها ولا متقدّمُ

وظلّوا عليها عاكفين كأنّهم

على غرّةٍ كلٌّ لها يتوسّمُ

يقيمُ حدودَ اللهِ في غيرِ حقِّها

ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلمُ

يُكفِّر هذا رأيَ هذا بقولِهِ

وينقضُ هذا ما له ذاك يبرمُ

وقالوا اختلافُ الناسِ في الفقهِ رحمةٌ

فلم يكُ من هذا يحلُّ ويحرمُ

أربّانِ للإنسانِ أم كان دينُهمْ

على النقصِ من دون الكمالِ فتمّموا

أم اللهُ لا يرضى بشرع نبيّه

فعادوا وهم في ذاك بالشرعِ أقومُ

أم المصطفى قد كان في وحي ربِّهِ

ينقِّص في تبليغه ويُجمجمُ

أم القومُ كانوا أنبياءً صوامتاً

فلمّا مضى المبعوث عنهم تكلّموا

أم الشرعُ فيهِ كان زيغ عن الهدى

فسوّوه من بعدِ النبيِّ وقوّموا

أم الدينُ لم يكملْ على عهد أحمدٍ

فعادوا عليه بالكمالِ وأحكموا


أما قال إنّي اليوم أكملتُ دينكمْ

وأتممتُ بالنعماءِ منّي عليكمُ

وقال أطيعوا الله ثمّ رسولَه

تفوزوا ولا تعصوا أُولي الأمر منكمُ

فلِمْ حرّموا ما كان حِلاّ وحلّلوا

بفتواهمُ ما جازَ وهو محرّمُ

ترى اللهَ فيما قال قد زلَّ أم هَذى

نبيُّ الهدى أم كان جبريلُ يوهمُ

لقد أبدعوا ممّا نووا من خلافِهمْ

وقال اقبلوا ممّا يقولُ وسلّموا

وإلاّ تركتمْ إنْ أبيتم رماحَنا

وأسيافَنا فيكم تسدّى وتلحمُ

وما ماتَ حتى أكملَ اللهُ دينَهُ

ولم يبقَ أمرٌ بعد ذلك مبهمُ

ولكنْ حقودٌ أُظهِرتْ وضغائنٌ

وبغيٌ وجورٌ بيّنُ الظلم منهمُ

يُقرَّب مفضولٌ ويُبعَدُ فاضلٌ

ويَسكتُ منطيقٌ وينطقُ أبكمُ

وما أخّروا فيها عليّا لموجبٍ

ولكن تعدٍّ منهمُ وتظلّمُ

وكم شرعوا في نقضِ ما شاد أحمدٌ

ولكنّ دينَ اللهِ لا يتهدّمُ

وحاشا لدينٍ شيّدَ الحقُّ ركنَهُ

بسيفِ عليٍّ يعتريه التهدُّمُ

فحسبهمُ في ظلمِ آلِ محمدٍ

من اللهِ في العقبى عقابٌ ومأثمُ

فإن غصبوهمْ أمرَ دنياً دنيّةٍ

فما لهمُ في الحشر أبقى وأدوَمُ

فهل عظُمتْ في الدهر قطُّ مصيبةٌ

على الناسِ إلاّ وهي في الدينِ أعظمُ

تولّى بإجماعٍ على الناس أوّلٌ

ونصَّ على الثاني بها وهو مُغرمُ

وقال أقيلوني فلستُ بخيرِكمْ

فلِمْ نصّها لو صحَّ ما كان يزعمُ

وأثبتها في جوره بعد موته

صهاكيّةً خشناءَ للخصمِ تكلمُ

ولو أدرك الثاني لمولى حذيفةٍ

لولاّه دون الغير والأنفُ يُرغمُ

وقد نالها شورى من القومِ ثالثٌ

وجُرِّد سيفٌ للوصيّ ولهذمُ

أشورى وإجماعٌ ونصٌّ خلافةٌ

تعالوا على الإسلام نبكي ونلطمُ

وصاحبُها المنصوصُ عنها بمعزلٍ

يُديمُ تلاواتِ الكتابِ ويختمُ

ولو أنّه كان المولّى عليهمُ

إذن لهداهمُ فهو بالأمرِ أعلمُ


هو العالمُ الحَبرُ الذي ليس مثلُهُ

هو البطلُ القرمُ الهزبرُ الغشمشمُ

وما زال في بدرٍ وأُحدٍ وخيبرٍ

يفلُّ جيوشَ المشركين ويحطمُ

يكرُّ ويعلوهم بقائمِ سيفِهِ

إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا

وما دخلوا الإسلام ديناً وإنّما

منافقةً كي يُرفعَ السيفُ عنهمُ

وقالوا عليٌّ كان في الحكمِ ظالماً

ليكثر بالدعوى عليه التظلّمُ

وقالوا دماءُ المسلمين أراقَها

وقد كان في القتلى بريءٌ ومجرمُ

فقلتُ لهم مهلاً عدمتمْ صوابَكمْ

وصيُّ النبيّ المصطفى كيف يظلِمُ

أراقَ دماءَ المسلمين فوالذي

هدانا به ما كان في القومِ مسلمُ

ولكنّه للناكثين بعهدِه

وممّن تعدّى منهم كان ينقمُ

أما قال أقضاكم عليٌّ محمدٌ

كذا قد رواه الناقدُ المتقدّمُ

فإن جار ظلماً في القضايا بزعمِكمْ

عليٌّ فمن زكّاهُ لا شكّ أظلمُ

فيا ليتني قد كنت بالأمسِ حاضراً

فأُشرِكهُ في قتلِهمْ وأُصمّمُ

وألقى إلهي دونهمْ بدمائِهمْ

فننظرُ عند اللهِ من يتندّمُ

فمن كعليٍّ عند كلّ ملمّةٍ

إذا ما التقى الجمعانِ والنقعُ مفعمُ

ومَن ذا يُساميه بعلمٍ ولم يَزَلْ

يقول سلوني ما يحلُّ ويحرمُ

سلوني ففي جنبيَّ علمٌ ورثتُهُ

عن المصطفى ما فاه منّي به الفمُ

سلونيَ عن طرقِ السموات إنّني

بها من سلوكِ الأرضِ والطرقِ أعلمُ

ولو كشفَ اللهُ الغطا لم أزِدْ به

يقيناً على ما كنت أدري وأعلمُ

وكأين له من آيةٍ وفضيلةٍ

ومن مكرماتٍ ما تعمُّ وتكتمُ

فمن ختمتْ أعمالُهُ عند موتِهِ

بخيرٍ فأعمالي بحبِّيه تُختَمُ

فيا ربّ بالأشباحِ آلِ محمدٍ

نجومِ الهدى للناسِ والأفق مظلمُ

وبالقائمِ المهديِّ من آل أحمدٍ

وآبائِه الهادين والحقُّ معصمُ

تفضّل على العوديّ منك برحمةٍ

فأنت إذا استُرحمتَ تعفو وترحمُ


تجاوز بحسنِ العفوِ عن سيّئاتِهِ

إذا ما تلظّت في المعادِ جهنّمُ

ومنّ عليه من لدنكَ برأفةٍ

فإنّك أنتَ المنعمُ المتكرِّمُ

فإن كان لي ذنبٌ عظيمٌ جنيتُهُ

فعفوُكَ والغفرانُ لي منه أعظمُ

وإن كنتُ بالتشبيب في الشعر ابتدي

فإنّي بمدحِ الصفوةِ الزهرِ أختِمُ

وله قصيدة أخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصّا على الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبيّ الأعظم ـ صلوات الله عليه وآله ـ أوّلها :

بفنا الغريّ وفي عراصِ العلقمِ

تُمحى الذنوب عن المسيءِ المجرمِ

قبران قبرٌ للوصيّ وآخرٌ

فيه الحسين فعُجْ عليه وسلّمِ

هذا قتيلٌ بالطفوفِ على ظماً

وأبوه في كوفانَ ضُرِّجَ بالدمِ

وإذا دعا داعي الحجيجِ بمكّةٍ

فإليهما قصدُ التقيِّ المسلمِ

فاقصدْهما وقلِ السلامُ عليكما

وعلى الأئمّةِ والنبيِّ الأكرمِ

أنتمْ بنو طه وقافٍ والضحى

وبنو تباركَ والكتابِ المحكَمِ

وبنو الأباطحِ والمسلخِ والصفا

والركنِ والبيتِ العتيقِ وزمزمِ

بكمُ النجاةُ من الجحيم وأنتمُ

خيرُ البريّة من سلالةِ آدمِ

أنتم مصابيحُ الدجى لمن اهتدى

والعروةُ الوثقى التي لم تُفصمِ

وإليكمُ قصدُ الوليِّ وأنتمُ

أنصارُهُ في كلِّ خطبٍ مولمِ

وبكم يفوزُ غداً إذا ما أُضرِمتْ

في الحشرِ للعاصين نارُ جهنّمِ

مَن مثلُكُم في العالمينَ وعندكمْ

علمُ الكتابِ وعلمُ ما لم يُعلَمِ

جبريلُ خادمُكمْ وخادمُ جدِّكمْ

ولغيرِكمْ في ما مضى لم يخدمِ

أبني رسولِ اللهِ إنّ أباكمُ

من دوحةٍ فيها النبوّةُ ينتمي

آخاه من دونِ البريّةِ أحمدٌ

واختصّه بالأمرِ لو لم يُظلَمِ

نصَّ الولايةَ والخلافةَ بعدَهُ

يومَ الغديرِ له برغمِ اللوّمِ


ودعا له الهادي وقال ملبّياً

يا ربِّ قد بلّغتُ فاشهد واعلمِ

حتى إذا قُبِضَ النبيُّ وأصبحوا

مثلَ الذباب تلوحُ حول المطعمِ

نكثتْ ببيعته رجالٌ أسلمتْ

أفواهُهمْ وقلوبُهم لم تُسلمِ

وتداولوها بينهم فكأنّها

كأسٌ تدور على عطاشٍ حُوّمِ

القصيدة (٥٧) بيتاً

الشاعر

الربيب أبو المعالي سالم بن عليّ بن سلمان بن عليّ المعروف بابن العودي ـ العودي (١) ـ التغلبي النيلي ، نسبة إلى بلدة النيل على نهر النيل المستمدّ من الفرات الممتدّ نحو الشرق الجنوبي ، وكانت ولادته بها سنة (٤٧٨).

لم أقف على ترجمة أبي المعالي أبسط مما نشرته مجلّة الغري النجفيّة الغرّاء في العدد ال (٢٢ و ٢٣) من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد البغدادي ، ذلك البحّاثة المنقِّب ، وإليك نصّه ، قال :

كان أبو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلّت أخبارسيرهم ، فهو كوكب من كواكب الأدب ، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه ، وكان في الأيّام التي جمع فيها عماد الدين الأصفهاني أخبار الشعراء ؛ ولذلك قال في نعته : شابٌّ شبّت له نار الذكاء ، وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء ، ودرّ من فيه شؤبوب الفصاحة ، يسقي من ينشده شعره راح الراحة ، وردتُ واسطاً سنة خمسين ـ يعني خمسين وخمسمائة ـ فذكر لي أنّه كان بها للاسترفاد ، وقام في بعض الأيّام ينشد خادم الخليفة ـ فاتناً (٢) ـ فسبقه غيره إلى الإنشاد ، فقعد ولم يعد إليه وسلّم على رفده

__________________

(١) كما في شعره. (المؤلف)

(٢) هو شمس الدين أبو الفضائل من أكابر مماليك بني العبّاس ، كان ناظر واسط يومئذٍ. (المؤلف)


وعليه ، وصمّم عزم الرحيل إلى وطنه بالنيل ، ولقيته بعد ذلك في سنة أربع وخمسين بالهماميّة. انتهى.

وإشارة العماد إلى أنّه كان شابّا من فلتات الشباب.

ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أنّ ابن العودي كان ـ مع تحريره إنشاده لاسترفاده ـ أبيّ النفس ، معتدّا بشعره ، والشاعر الأبيُّ المسترفد لا يورثه إباؤه إلاّ الحرمان وإساءة الزمان.

ومن شعره الذي نقله قطب الدين أبو يعلى محمد بن عليّ بن حمزة العلوي الأقساسي ، تغزّله بامرأة نصف ـ أي متوسطة العمر ـ :

أبى القلب إلاّ أمَّ فضلٍ وإن غدتْ

تُعَدُّ من النصف الأخيرِ لداتُها

لقد زادها عندي المشيبُ ملاحةً

وإن زعم الواشي وساءَ عداتُها

فإن غيّرت منها الليالي ففي الحشا

لها حُرَقٌ ما تنطفي زفراتُها

فما نال منها الدهرُ حتى تكاملت

كمالاً وأعيى الواصفين صفاتُها

سبتني بفرعٍ فاحمٍ وبمقلةٍ

لها لحظاتٌ ما تُفَكُّ عناتُها

وثغرٌ زهتْ فيه ثنايا كأنّها

حصى بَرَدٍ تشفي الصدارَ (١) شفاتُها

ولمّا التقينا بعد بُعدٍ من النوى

وقد حان نحوي بالسلام التفاتُها

رأيتُ عليها للجمال بقيّةً

فعاد لنفسي في الهوى نشواتُها

وأنشد القاضي عبد المنعم بن مقبل الواسطي له :

همأقعدوني في الهوى وأقاموا

وأبلوا جفوني بالسهادِ وناموا

وهمْ تركوني للعتاب دريئةً

أؤنَّب في حبّيهمُ وأُلامُ

__________________

(١) وفي نسخة قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية عبد العزيز بن جماعة : تسقى الصدار سفاتها. قال الأميني : ما في المتن والهامش فيه تصحيف والصحيح : تشفي الصدى رشفاتها. (المؤلف)


ولو انصفوا في الحبّ قسمة بيننا (١)

لهاموا كما بي صبوةٌ وهيامُ

ولكنّهم لمّا استدرّ لنا الهوى

كرمْتُ بحفظي للوداد ولاموا

ولمّا تنادوا للرحيلِ وقُوِّضتْ

لِبَيْنِهمُ بالأبرقين خيامُ

رميتُ بطرفي نحوهمْ متأمِّلاً

وفي القلبِ منّي لوعةٌ وضرامُ

وعدتُ وبي ممّا أجنّ صبابةٌ

لها بين أثناءِ الضلوعِ كِلامُ

إذا هاج بي وجدٌ وشوقٌ كأنّما

تضمّر أعشارَ الفؤادِ سهامُ

ولائمةٍ في الحبِّ قلت لها اقصري

فمثليَ لا يُسلي هواه ملامُ

أأسلو الهوى بعد المشيبِ ولم يزلْ

يصاحبُني مذ كنتُ وهو غلامُ

ولمّا جزعنا الرملَ رملَ عنيزةٍ

وناحتْ بأعلى الدوحتينِ حَمامُ

صبوت اشتياقاً ثمَّ قلتُ لصاحبي

ألا إنّما نَوحُ الحَمام حِمامُ

تجهّز لبينٍ أو تسلَّ عن الهوى

فما لك من ليلي الغداةَ لمامُ

وكيف يُرجّى النولُ عند بخيلةٍ

ترومُ الثريّا وهي ليس تُرامُ

مهفهفةُ الأعطافِ أمّا جبينُها

فصبحٌ وأمّا فرعُها فظلامُ

فيا ليت لي منها بلوغاً إلى المنى

حلالاً فإن لم يُقضَ لي فحرامُ

وهذه المعاني التي أودعها ابن العودي قصيدة مألوفة متعالمة بين الشعراء ، إلاّ أنّ نسج شعره عربيٌّ بحتٌ يضفي على تلك المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري ؛ وقد نقل الصفدي أبياتاً من هذه القصيدة (٢) ومن غيرها من شعر ابن العودي وذكر : أنّ شعره متوسّط. ولا نرى في هذا الحكم حنقاً فإنّه متوسطٌ حقّا من حيث المعاني ، ولكنّه في حبكه وتأليفه من الطبقة الأولى ؛ فإنّ العرب تنظر إلى المباني قبل المعاني ، بحكم ما في لغتها من موسيقى وجرس ورنين ، وهذا لا يعني أنّها تقرّ من النظم ما لا

__________________

(١) وفي نسخة صلاح الدين الصفدي [الوافي بالوفيات : ١٥ / ٨٨ رقم ١١٦] : ولو أنصفوني قسمة الحبّ بيننا. (المؤلف)

(٢) الوافي بالوفيات : ١٥ / ٨٧ رقم ١١٦.


معنى له ؛ لأنّ شرط صحّة المباني احتواؤها على صحّة المعاني كائنةً ما كانت.

وقد نظم ابن العودي في الشعر المذهبيّ الذي أكثر منه : السيّد الحميري ، وابن حمّاد ، والعوني ، والناشئ الأصغر ، وابن عَلّويه الأصفهاني (١) ، والورّاق القمّي. ولما دخل ابن شهرآشوب العراق في أواسط القرن السادس ألفى شعر ابن العودي في المذهب تستهديه الآذان أفواه الشداة والمنشدين ، فضمّن كتابه مناقب آل أبي طالب شيئاً منه (٢) وكثيراً من شعر الناظمين في المذهب. وبعد ترك ابن شهرآشوب العراق إلى الشام حدثت ببغداد فتن مذهبيّه ووثب الحنابلة كعادتهم بأعدائهم في المذهب ، فأحرقوا كتبهم وفيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهاداً فظيعاً ، فضاع كلُّ ذلك الأدب غثّه وسمينه وصار طعمةً للنار ، والظاهر أنّ ذلك الضرب من النظم في شعر ابن العودي هو الذي حمل محبّ الدين محمداً المعروف بابن النجّار البغدادي على أن يقول في ترجمة ابن العودي : كان رافضيّا خبيثاً يهجو الصحابة.

ومن شعر ابن العودي في إقامته مدّة بواسط :

يؤرّقني في واسطٍ كلَّ ليلةٍ

وساوسُ همٍّ من نوىً وفراقِ

فيا للهوى هل راحمٌ لمتيّمٍ

يعلُّ بكأسٍ للفراقِ دهاقِ

خليليَّ هل ما فاتَ يُرجى وهل لنا

على النأيِ من بعد الفراقِ تلاقي

فإن كنت أُبدي سلوةً عن هواكمُ

فإنّ صباباتي بكم لبواقي

ألا يا حماماتٍ على نهرِ سالمٍ

سلمتِ ووقّاكِ التفرُّقَ واقي

تعالينَ نُبدِ النوحَ كلٌّ بشجوِهِ

فإنّ اكتتامَ الوجدِ غيرُ مطاقِ

على أنّ وجدي غيرُ وجدِكَ في الهوى

فدمعيَ مهراقٌ ودمعُك راقي

__________________

(١) مرّت تراجم هؤلاء الشعراء الخمسة في الجزء الثاني والثالث والرابع من كتابنا هذا ، وكلّهم من شعراء الغدير. (المؤلف)

(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣١١ ، ٣٣٠ و ٢ / ٤٧ و ٣ / ٤٢٣ ، ٤٥٠ و ٤ / ٣٦٠.


وما كنت أدري بعد ما كان بينَنا

من الوصلِ أنّي للفراقِ مُلاقي

فها أنتِ قد هيّجتِ لي حُرَقَ الجوى

وأبديتِ مكنونَ الهوى لوفاقي

وأسهرتِني بالنوحِ حتى كأنّما

سقاكِ بكاساتِ التفرُّق ساقي

فلا تحسبي أنّي نزعتُ عن الهوى

وكيف نزوعي عنه بعد وفاقي

ولكنّني أخفيتُ ما بي من الجوى

لكي لا يرى الواشون ما أنا لاقِ

قال الشريف قطب الدين أبو يعلى محمد بن عليّ بن حمزة : أنشدني الربيب أبو المعالي سالم بن العودي في منزلي مستهلّ صفر سنة خمسين وخمسمائة :

ما حبستُ الكتابَ عنك لهجرٍ

لا ولا كان ذاكمُ عن تجافي

غير أنّ الزمانَ يُحدِث للمر

ء أموراً تنسيه كلّ مصافي

شِيَمٌ مرّت الليالي عليها

والليالي قليلةُ الإنصافِ

وهذه أبيات حكميّة كريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة الحيويّة.

وقال الحسن بن هبة الله التغلبي المعروف بابن مصري الدمشقي : أنشدني أبو المعالي سالم بن عليّ العودي لنفسه :

دعِ الدنيا لمن أمسى بخيلا

وقاطعْ من تراه لها وَصولا

ولا تركنْ إلى الأيّام واعلم

بأنّ الدهرَ لا يُبقي جليلا

فكم قد غرّتِ الدنيا أُناساً

وكم قد أقنتِ الدنيا قبيلا

وما هذي الحياةُ وإن تراخت

بممتعةٍ بها إلاّ قليلا

فويلٌ لابن آدمَ من مقامٍ

يكون به العزيزُ غداً ذليلا

قال : وأنشدني أبو المعالي لنفسه :

أأُخيَّ إنّك ميّتٌ

فدعِ التعلّلَ بالتمادي

لا تركننّ إلى الحيا

ة فإنّ عزّك في نفادِ


أزف الرحيلُ فلا تكن

ممّن يسيرُ بغير زادِ

يا غافلاً والموت يق

ـدحُ في سنيه بلا زنادِ

لا بدّ يوماً للنبا

تِ إذا تكاملَ من حصادِ

وأنشدني لنفسه :

لا أقتضيكَ على السماحِ فإنّه

لك عادةٌ لكنّني أنا مذكرُ

إنّ السحابَ إذا تمسّكَ بالندى

رغبوا إليه بالدعاءِ فيُمطرُ

وأنشدني لنفسه :

سيّدي عُدْ إلى الوصا

ل فقد شفّني الضنا

وترفّق بعاشقٍ

ما له عنك من غنى

إن تكن تطلب الصوا

بَ بوصلٍ فها أنا

أو ترد بالنوى دنوّ حِمامي فقد دنا وأنشد :

يا عاتبين على عانٍ يحبّكمُ

لا تجمعوا بين عتب في الهوى وعنا

إن كان صدُّكمُ عنّي حدوثَ غنى

فما لنا عنكمُ حتى الممات غنى

ومن شعره قوله :

يقولون لو داويتَ قلبَكَ لارعوى

بسلوانِهِ عن حبِّ ليلى وعن جُمْلِ

وهيهاتَ يبرأُ بالتمائمِ والرُّقى

سليمُ الثنايا الغرِّ والحَدَقِ النُّجْلِ

ولم أقف على سنة وفاة ابن العودي ، إلاّ أنّ سنة ولادته ـ أعني سنة (٤٧٨) ـ ورؤية عماد الدين الأصفهاني له سنة (٥٥٤) بالهماميّة قرب واسط ، لا تتركان للظنّ أن يُغالى في بقائه طويلاً بعد سنة (٥٥٤) المذكورة ، بل لا أراه قد جاوز سنة (٥٥٨) فإنّها تجعل عمره ثمانين سنة ، وذلك من نوادر الأعمار في هذه الديار. انتهى.


ـ ٤٩ ـ

القاضي الجليس

المتوفّى (٥٦١)

ـ ١ ـ

دعاهُ لوشْكِ البينِ داعٍ فأسمعا

وأودع جسمي سقمَهُ حين ودّعا

ولم يُبقِ في قلبي لصبريَ موضعاً

وقد سار طوعَ النأيِ والبعدِ موضعا

أُجَنُّ إذا ما الليل جَنَّ كآبةً

وأُبدي إذا ما الصبحُ أزمعَ أدمعا

وما انقدتُ طوعاً للهوى قبل هذه

وقد كنتُ ألوى عنه ليناً وأخدعا

إلى أن يقول :

تصاممتُ عن داعي الصبابة والصبا

ولبّيتُ داعي آلِ أحمدَ إذ دعا

عشوتُ بأفكاري إلى ضوء علمِهمْ

فصادفتُ منه منهجَ الحقِّ مَهْيَعا

علِقتُ بهم فَلْيَلَحَ في ذاك من لحا

تولّيتهم فلينعَ ذلك من نعى

تسرّعت في مدحي لهمْ متبرِّعا

وأقلعتُ عن تركي له متورّعا

هم الصائمونَ القائمونَ لربِّهمْ

هم الخائفوهُ خشيةً وتخشّعا

هم القاطعو الليلِ البهيمِ تهجّداً

هم العامروه سُجّداً فيه ركّعا

هم الطُّيَّبُ الأخيارُ والخيرُ في الورى

يروقون مرأىً أو يشوقون مسمعا

بهم تُقبَلُ الأعمالُ من كلِّ عاملٍ

بهم تُرفَعُ الطاعاتُ ممّن تطوّعا


بأسمائِهمْ يُسقَى الأنامُ ويهطلُ ال

ـغمامُ وكم كربٍ بهم قد تقشّعا

هم القائلون الفاعلون تبرّعاً

هم العالمون العاملون تورّعا

أبوهم وصيُّ المصطفى حاز علمَهُ

وأودعَهُ من قبلُ ما كان أُودِعا

أقام عمودَ الشرعِ بعد اعوجاجِهِ

وساندَ ركنَ الدينِ أن يتصدّعا

وواساه بالنفسِ النفيسةِ دونَهمْ

ولم يخشَ أن يلقى عداه فيجزعا

وسمّاهُ مولاهمْ وقد قام معلناً

ليتلوَه في كلِّ فضل ويشفعا

فمن كشفَ الغمّاء عن وجهِ أحمدٍ

وقد كربت أقرانُه أن يقطّعا

ومن هزَّ بابَ الحصنِ في يومِ خيبرْ

فزلزلَ أرضَ المشركين وزعزعا

وفي يومِ بدرٍ من أحنَّ قليبَهاْ

جسوماً بها تدمي وهاماً مقطّعا

وكم حاسدٍ أغراهُ بالحقدِ فضلُهُ

وذلك فضلٌ مثلُه ليس يُدّعى

لوى غدره يومَ الغديرِ بحقِّهْ

وأعقبه يومَ البعيرِ وأتبعا

وحاربه القرآنُ عنه فما ارعوى

وعاتبه الإسلامُ فيه فما وعى

إذا رام أن يخفي مناقبَهُ جلتْ

وإن رامَ أن يُطفي سناه تشعشعا

متى همَّ أن يطوي شذى المسكِ كاتمٌ

أبى عَرْفُهُ المعروفُ إلاّ تضوّعا

ومنها :

أيا أمّةً لم ترعَ للدينِ حرمةً

ولم تُبقِ في قوسِ الضلالةِ منزعا

بأيّ كتابٍ أم بأيّةِ حجّةٍ

نقضتمْ بها ما سنّه اللهُ أجمعا

غصبتمْ وليَّ الحقِّ مهجةَ نفسِهِ

وكان لكم غصبُ الإمامةِ مُقنعا

وألجمتمُ آلَ النبيِّ سيوفَكمْ

تفري من الساداتِ سُوقاً وأذرعا

وحلّلتمُ في كربلاءَ دماءَهمْ

فأضحت بها هِيمُ الأسنّة شُرَّعا

وحرّمتمُ ماءَ الفراتِ عليهمُ

فأصبح محظوراً لديهمْ ممنّعا

القصيدة (٥٦) بيتاً


ـ ٢ ـ

وله في رثاء السبط الإمام الشهيد عليه‌السلام قوله :

إن خانَها الدمعُ الغزيرُ

فمن الدماءِ لها نصيرُ

دعها تسحُّ ولا تشحَ

فرزؤها رزءٌ كبيرُ

ما غصبُ فاطمةٍ تراثَ

محمدٍ خطبٌ يسيرُ

كلاّ ولا ظلم الوصيِّ و

حقُّه الحقُّ الشهيرُ

نطقَ النبيُّ بفضلِهِ

وهو المبشِّر والنذيرُ

جحدوه عقدَ ولايةٍ

قد غرَّ جاحدَهُ الغرورُ

غدروا به حسداً له

وبنصِّه شهدَ الغديرُ

حظروا عليهِ ما حبا

ه بفخره وهمُ حضورُ

يا أمّةً رعتِ السُّها

وإمامُها القمرُ المنيرُ

إن ضلَّ بالعجلِ اليهو

دُ فقد أضلَّكمُ البعيرُ

لهفي لقتلى الطفِّ إذ

خذلَ المصاحبُ والعشيرُ

وافاهمُ في كربلا

يومٌ عبوسٌ قمطريرُ

دلفتْ لهم عُصَبُ الضلا

لِ كأنّما دُعيَ النفيرُ

عجباً لهم لم يلقَهمْ

من دونِهم قدرٌ مبيرُ

أيُمارُ فوقَ الأرضِ في

ـضُ دمِ الحسينِ ولا تمورُ

أترى الجبالَ درتْ ولم

تقذفهمُ منها صخورُ

أم كيف إذ منعوه وِر

دَ الماءِ لم تَغرِ البحورُ

حُرِمَ الزلالُ عليه

لمّا حُلّلت لهم الخمورُ

القصيدة (٣٦) بيتاً


ـ ٣ ـ

وله من قصيدة تناهز (٢٩) بيتاً مطلعها :

كم قد عصيتُ مقالَ الناصحِ الناهي

ولذتُ منكمْ بحبلٍ واهنٍ واهِ

ويقول فيها :

حبِّي لآلِ رسولِ اللهِ يعصمُني

من كلِّ إثمٍ وهم ذخري وهم جاهي

يا شيعةَ الحقِّ قولي بالوفاءِ لهم

وفاخري بهمُ من شئتِ أو باهي

إذا علقتِ بحبلٍ من أبي حسنٍ

فقد علقتِ بحبلٍ في يد اللهِ

حمى الإلهُ به الإسلامَ فهو به

يزهي على كلِّ دين قبله زاهِ

بعلُ البتول وما كنّا لتهديَنا

أئمّةٌ من نبيِّ اللهِ لو لا هي

نصَّ النبيُّ عليه في الغديرِ فما

زواه إلاّ ظنينٌ دينُهُ واهِ

الشاعر

أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحبّاب (١) الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس ، من مقدّمي شعراء مصر وكتّابهم ، ومن ندماء الملك الصالح طلائع بن رزّيك الذي مرّت ترجمته (ص ٣٤٤) ، وأحسب أنّ تلقيبه بالجليس كان لمجالسته إيّاه متواصلاً ، وهو ممّن أغرق نزعاً في موالاة العترة الطاهرة كما ينمُّ عنه شعره ، ولمعاصره الفقيه عمارة اليمني ـ الآتي ذكره ـ شعر يمدحه ، منه قصيدة في كتابه النكت العصرية (ص ١٥٨) قالها سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، أوّلها :

هي سلوةٌ حلّت عقود وفائِها

مذ شفَّ ثوبُ الصبرِ عن برحائِها

__________________

(١) في معجم الأدباء : ٣ / ١٥٧ : الخباب [٩ / ٤٨ وفيه : الحبّاب]. (المؤلف)


ومنها :

لم أسألِ الركبانَ عن أسمائِها

كفلاً بها لو لا هوى أسمائِها

وسألت أيّامي صديقاً صادقاً

فوجدتُ ما أرجوه جُلَّ رجائِها

ومنها :

ولقد هجرتُ إلى الجليسِ مهاجراً

عصباً يضيمُ الدهرُ جارَ فنائِها

مستنجداً لأبي المعالي همّةً

تغدو المعالي وهي بعضُ عطائِها

لمّا مدحتُ علاهُ أيقنتِ العدى

أنّ الزمانَ أجارَ من عدوائِها

واغدَّ سعديُّ الأوامرِ أبلجٌ

يلقى سقيماتِ المنى بشفائِها

ومنها :

نذرتْ مصافحةَ الغمامِ أناملي

فوفت غمائمُ كفِّه بوفائِها

وقال ، كما في نكته العصريّة (ص ٢٥٢) ، وقد حدث للقاضي الجليس مرضٌ أخّره عن حضور مجلس الملك الصالح طلائع بن رُزّيك :

وحقِّ المعالي يا أباها وصنوها

يمينَ امرئٍ عاداتُه القسمُ البرُّ

لقد قَصُرَتْ عمّا بلغتَ من العلى

وأحرزتَهُ أبناءُ دهرِك والدهرُ

متى كنتَ يا صدرَ الزمانِ بموضعٍ

فرتبتُكَ العليا وموضعُكَ الصدرُ

ولمّا حضرنا مجلس الأُنس لم يكن

على وجهه إذ غبتَ أُنسٌ ولا بِشرُ

فقدناك فقدانَ النفوسِ حياتَها

ولم يكُ فقدُ الأرضِ أعوزَها القطرُ

واظلمَّ جوُّ الفضلِ إذ غابَ بدرُهُ

وفي الليلةِ الظلماءِ يُفتقَدُ البدرُ

ترجمه العماد في الخريدة وأثنى عليه بالفضل المشهور ، وابن كثير في تاريخه (١)

__________________

(١) البداية والنهاية : ١٢ / ٣١٣ حوادث سنة ٥٦١ ه‍.


(١٢ / ٢٥١) ، وابن شاكر في فوات الوفيات (١) (١ / ٢٧٨) فقال : تولّى ديوان الإنشاء للفائز مع الموفّق بن الخلاّل ، ومن شعره :

ومن عجبي أنّ الصوارمَ والقنا

تحيضُ بأيدي القوم وهي ذكورُ

وأعجبُ من ذا أنّها في أكفِّهمْ

تأجّجُ ناراً والأكفُّ بحورُ

وله في طبيب :

وأصلُ بليّتي من قد غزاني

من السقمِ الملحِّ بعسكرينِ

طبيبٌ طبُّهُ كغرابِ بينٍ

يفرِّقُ بين عافيتي وبيني

أتى الحمّى وقد شاختْ وباختْ

فعاد لها الشبابُ بنسختينِ

ودبّرها بتدبيرٍ لطيفٍ

حكاهُ عن سنانٍ أو حنينِ

وكانت نوبةً في كلِّ يومٍ

فصيّرها بحذقٍ نوبتينِ

وله في طبيب أيضاً :

يا وارثاً عن أبٍ وجدِّ

فضيلة الطبِّ والسدادِ

وحاملاً ردَّ كلِّ نفسٍ

همت عن الجسمِ بالبعادِ

أُقسمُ لو قد طبّبتَ دهراً

لعاد كوناً بلا فسادِ

وله :

حيّا بتفاحةٍ مخضّبةٍ

مَن شفّني حبُّه وتيّمني

فقلت ما إن رأيت مشبهها

فاحمرَّ من خجلةٍ فكذّبني

وله :

رُبّ بيضٍ سلَلْنَ باللحظِ بيضاً

مرهفاتٍ جفونُهنّ جفونُ

__________________

(١) فوات الوفيات : ٢ / ٣٣٢ رقم ٢٨٥.


وخدودٍ للدمعِ فيها خدودٌ

وعيونٍ قد فاض فيها عيونُ

وقال أيضاً :

ألمّتْ بنا والليلُ يزهي بلمّةٍ

دجوجيّةٍ لم يكتهل بعدُ فوداها

فأشرقَ ضوءُ الصبحِ وهو جبينُها

وفاحتْ أزاهيرُ الربى وهي ريّاها

إذا ما اجتنت من وجهها العينُ روضةً

أسالتْ خلالَ الروضِ بالدمعِ أمواها

وإنّي لأستسقي السحابَ لرَبعِها

وإن لم تكن إلاّ ضلوعيَ مأواها

إذا استعرتْ نارُ الأسى بين أضلعي

نضحتُ على حرِّ الحشا بردَ ذكراها

وما بيَ أن يصلى الفؤادُ بحرِّها

ويضرم لو لا أنّ في القلب سكناها

كان القاضي الجليس كبير الأنف ، وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصيّاد مولعاً بأنفه وهجائه ، وذكر أنفه في أكثر من ألف مقطوع ، فانتصر له أبو الفتح ابن قادوس ـ المترجم في هذا الجزء (ص ٣٣٨) ـ فقال :

يا مَن يعيبُ أُنوفَنا

الشمَّ التي ليست تُعابُ

الأنفُ خلقةُ ربِّنا

وقرونُكَ الشمُّ اكتسابُ

وله شعر في رثاء والده وقد غرق في البحر بريح عاصفٍ. انتهى.

والمترجم هو الذي قرّظ أبا محمد بن الزبير الحسن بن عليّ المصري المتوفّى سنة (٥٦١) عند الملك الصالح حتى قدّمه ، فلمّا مات شَمَتَ به ابن الزبير ولبس في جنازته ثياباً مذهّبة ، فَنُقِّصَ عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله ، ولم يَعِشْ بعد الجليس إلاّ شهراً واحداً (١).

كان الملك الصالح طلائع لا يزال يحضر ، في ليالي الجمع ، جلساؤه وبعض أمرائه لسماع قراءة صحيح مسلم والبخاري وأمثالهما من كتب الحديث ، وكان الذي

__________________

(١) معجم الأدباء : ٣ / ١٥٧ [٩ / ٤٨]. (المؤلف)


يقرأ رجلاً أبخر ، فلعهدي وقد حضر المجلس مع الأمير عليّ بن الزبير والقاضي الجليس أبي محمد ، وقد أمال وجهه إلى القاضي ابن الزبير وقال له :

وأبخر قلت لا تجلس بجنبي

فقال ابن الزبير :

إذا قابلت بالليل البخاري

فقال القاضي الجليس :

فقلت وقد سألتُ بلا احتشامٍ

لأنّك دائماً مِن فيكَ خاري

أنشد بعض جلساء الملك الصالح بمجلسه بيتاً من الأوزان التي يسمّيها المصريّون ـ الزكالش ـ ويسمّيها العراقيّون ـ كان وكان.

النار بين ضلوعي

وأنا غريقٌ في دموعي

كنّي فتيلة قنديل

أموت غريق وحريق

وكان عنده القاضي الجليس والقاضي ابن الزبير فنظما معناه بديهاً ، فقال الجليس :

هل عاذرٌ إن رمتُ خلعَ عذاري

في شمِّ سالفةٍ ولثمِ عذارِ

تتألّفُ الأضدادُ فيه ولم تزلْ

في سالفِ الأيّامِ ذاتَ نفارِ

وله من الزفراتِ لفحُ صواعقٍ

وله من العبراتِ لجُّ بحارِ

كذبالةِ القنديلِ قُدِّرَ هُلكُها

ما بين ماءٍ في الزجاج ونارِ

وقال ابن الزبير :

كأنّي وقد سالتْ سيولُ مدامعي

فأذكتْ حريقاً في الحشا والترائبِ


ذبالةُ قنديلٍ تقومُ بمائها

وتشعل فيها النارُ من كلِّ جانبِ (١)

كتب أبو المعالي إلى القاضي الرشيد المصري (٢) قوله :

ثروةُ المكرماتِ بعدَكَ فقرُ

ومحلّ العُلى ببُعدِك قَفْرُ

بك تُجْلى إذا حَلَلتَ الدياجي

وتمرُّ الأيّامُ حَيثُ تَمُرُّ

أَذنبَ الدهرُ في مَسِيرِك ذنباً

ليس منه سوى إيابِكَ عُذْرُ (٣)

حُكي أنّه استأذن هو والقاضي الرشيد ذات يوم على أحد الوزراء فلم يأذن لهما واعتذر عن المواجهة ، ووجدا عنده غلظة من الحجّاب ، ثمّ عاوداه مرّة أخرى وأستأذنا عليه ، فقيل لهما : إنّه نائمٌ. فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد :

توقّع لأيّامِ اللئامِ زوالَها

فعمّا قليلٍ سوف تنكرُ حالَها

فلو كنتَ تدعو الله في كلِّ حالةٍ

لتبقى عليهم ما أمِنتَ انتقالَها

وقال القاضي الجليس :

لئن أنكرتمُ منّا ازدحاما

لَيَجْتَنِبَنْكمُ هذا الزحامُ

وإن نمتمْ عن الحاجاتِ عمداً

فعينُ الدهر عنكمْ لا تنامُ

فلم يكن بعد أيّام حتى نُكب الوزير نكبة عظيمة. مرآة الجنان (٣ / ٣٠٢).

قال الصفدي في نكت الهميان (٤) : كان الموفّق بن الخلاّل خال القاضي الجليس ، فحصل لابن الخلاّل نكبة وحصل للقاضي بسبب خاله ابن الخلاّل صداعٌ ، فكتب القاضي إلى القاضي الرشيد :

__________________

(١) بدائع البدائه : ١ / ١٧٦ ، ٢٣٧. (المؤلف).

(٢) أبو الحسين أحمد بن عليّ الغسّاني ، المقتول (٥٦٣). (المؤلف)

(٣) تاريخ ابن خلكان : ١ / ٥٤ [وفيات الأعيان : ١ / ١٦٣ رقم ٦٥]. (المؤلف)

(٤) نكت الهميان : ص ٢١٦.


تسمّع مقاليَ يا ابن الزّبيرِ

فأنت خليقٌ بأن تَسْمَعَه

نُكِبْنا بذي نسبٍ شابكٍ

قليلِ الجَدى في زمانِ الدّعَهْ

إذا ناله الخيرُ لم نرجُهُ

وإن صفعوه صُفِعنا معه

توفّي القاضي الجليس سنة (٥٦١) وقد أناف على السبعين ، كما في فوات الوفيات (١).

ذكر سيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار البغدادي في الجزء الأوّل من كتابه : الرائق ، جملة من شعر شاعرنا الجليس ، منها قصيدةٌ يرثي بها أهل البيت الطاهرين ، ويمدح الملك الصالح بن رزّيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل الله ، أوّلها :

لو لا مجانبةُ الملوكِ الشاني

ما تمَّ شاني في الغرامِ بشاني

(٥٠) بيتاً

وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز (٦٦) بيتاً ، مطلعها :

أرأيتَ جرأةَ طيفِ هذا الزائرِ

ما هاب عاديةَ الغيورِ الزائرِ

وافى وشملتُهُ الظلامُ ولم يكن

ليزورَ إلاّ في ظلامٍ ساترِ

فكأنّه إنسانُ عينٍ لم يَلُحْ

مذ قطّ إلاّ في سوادِ الناظرِ

ما حكمُ أجفاني كحكم جفونها

شتّانَ بين سواهرٍ وسواحرِ

وقصيدة يمدح بها الإمام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ويذكر الملك الصالح ويثني عليه ، تبلغ (٧٢) بيتاً ، مستهلّها :

على كلّ خيرٍ من وصالِك مانعُ

وفي كلّ لحظٍ من جمالِك شافعُ

وقصيدةٌ (٦٢) بيتاً يدعم بها إمرة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد

__________________

(١) فوات الوفيات : ٢ / ٣٣٢ رقم ٢٨٥.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويرثي الإمام السبط عليه‌السلام ، ويذكر الملك الصالح بن رزّيك ويطريه ، أوّلها :

ألا هل لدمعي في الغمامِ رسيلُ

وهل لي إلى برد الغليلِ سبيلُ

وذكر له قصيدةً لاميّة تبلغ (٥١) بيتاً في المديح والرثاء لأهل البيت الطاهر صلّى الله عليهم وسلّم.



ـ ٥٠ ـ

ابن مكّي النيلي

المتوفّى (٥٦٥)

ألم تعلموا أنّ النبيَّ محمداً

بحيدرةٍ أوصى ولم يسكنِ الرمسا

وقال لهم والقومُ في خمِّ حُضّرٌ

ويتلو الذي فيه وقد همسوا همسا

عليٌّ كزرّي من قميصي وإنّه

نصيري ومنّي مثلُ هارون من موسى

ألم تبصروا الثعبانَ مستشفعاً به

إلى اللهِ والمعصوم يلحسُه لحسا

فعاد كطاووسٍ يطيرُ كأنّه

تغشرمَ في الأملاك فاستوجب الحبسا (١)

أما درَّ كفَّ العبدِ بعد انقطاعِها

أما ردَّ عيناً بعد ما طُمِسَتْ طمسا (٢)

الشاعر

سعيد (٣) بن أحمد بن مكّي النيلي المؤدِّب ، من أعلام الشيعة وشعرائها المجيدين المتفانين في حبّ العترة الطاهرة وولائها ، المتصلِّبين في اعتناق مذهبهم الحقِّ ، ولقد أكثر فيهم وأجاد ، وجاهر بمديحهم ونشر مآثرهم حتى نسبه القاصرون إلى الغلوّ ،

__________________

(١) الغشارم : الجريء.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٢٤ طبع إيران [٣ / ٢٤ ، ٢ / ٣٠٥]. (المؤلف)

(٣) في معجم الأدباء [١١ / ١٩٠] وفوات الوفيات : سعد ، وهو تصحيف [في الطبعة المعتمدة ٢ / ٥٠ سعيد]. (المؤلف)


لكن الرجل موالٍ مقتصد ، قد أغرق نزعاً في اقتفاء أثر القوم والاستضاءة بنورهم الأبلج ، وقد عدّه ابن شهرآشوب في معالمه (١) من المتّقين من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام.

قال الحموي في معجم الأدباء (٢) (٤ / ٢٣٠) : المؤدِّب الشيعيّ ، كان نحويّا فاضلاً ، عالماً بالأدب ، مغالياً في التشيّع ، له شعر جيّد أكثره في مديح أهل البيت ، وله غزل رقيق ، مات سنة (٥٦٥) وقد ناهز المائة ، ومن شعره :

قمرٌ أقام قيامتي بقوامِهِ

لِمَ لا يجودُ لمهجتي بذمامهِ

ملّكتُه كبدي فأتلفَ مهجتي

بجمالِ بهجتِهِ وحسن كلامهِ

وبمبسمٍ عذبٍ كأنّ رضابَهُ

شهدٌ مذابٌ في عبيرِ مُدامهِ

وبناظرٍ غنجٍ وطرفٍ أحورٍ

يصمي القلوبَ إذا رنا بسهامهِ

وكأنّ خطَّ عذارِهِ في حسنِهِ

شمسٌ تجلّت وهي تحت لثامهِ

فالصبحُ يسفرُ من ضياءِ جبينهِ

والليلُ يُقبل من أثيثِ ظلامهِ

والظبيُ ليس لحاظُه كلحاظِهِ

والغصنُ ليس قوامُهُ كقوامهِ

قمرٌ كأنّ الحسنَ يعشقُ بعضَهُ

بعضاً فساعدُهُ على قَسّامهِ

فالحسنُ من تلقائِه وورائِه

ويمينهِ وشمالِه وأمامهِ

ويكاد من تَرَفٍ لدقّةِ خَصرِهِ

ينقدُّ بالأردافِ عند قيامهِ

وقال العماد الكاتب : كان غالياً في التشيّع ، حالياً بالتورّع ، عالماً بالأدب ، معلّماً في الكتب ، مقدّماً في التعصّب ، ثمّ أسنَّ حتى جاوز حدّ الهرم ، وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم ، وأناف على التسعين ، وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد في سنة اثنتين وستّين وخمسمائة.

__________________

(١) معالم العلماء : ص ١٥٣.

(٢) معجم الأدباء : ١١ / ١٩٠.


قال الأميني : الصحيح في تاريخ آخر عهد العماد بالمترجم سنة (٥٦٢) وهي سنة خروجه من بغداد ، ولم يعد إليها بعدها حتى مات سنة (٥٩٧) كما أرّخه ابن خلكان في وفيات الأعيان (١) (٢ / ١٨٩) ، فما في فوات الوفيات (٢) (١ / ١٦٩) ودائرة المعارف لفريد وجدي (١٠ / ٤٤٠) نقلاً عن العماد من سنة (٥٩٢) تصحيف واضح.

والعجب أنّ هذا التاريخ ـ أعني (٥٩٢) ـ جعل في شذرات الذهب (٣) (٤ / ٣٠٩) وأعيان الشيعة (٤) (١ / ٥٩٥) تاريخ وفاة ابن مكّي المترجَم له ، وأنت ترى أنّه تاريخ آخر عهد العماد بالمترجَم لا تاريخ وفاته ، على أنّ الصحيح (٥٦٢) لا (٥٩٢) فالصحيح في وفاته ـ كما مرَّ عن الحموي (٥) ـ (٥٦٥) ، وكون المترجَم مذكوراً في معجم العماد الكاتب يومئ إلى عدم وفاته سنة (٥٩٢) ، إذ الكتاب موضوع لترجمة الشعراء الذين كانوا بعد المائة الخامسة إلى سنة (٥٧٢) كما في تاريخ ابن خلكان (٦) (٢ / ١٩٠).

وقال عماد الدين أيضاً : أنشدني له ابن اخته عمر الواسطي الصفّار ببغداد ، قال : أنشدني خالي سعيد بن مكّي من كلمة له :

ما بالُ مغاني اللوى بشخصِكَ أطلال

قد طالَ وقوفي بها وبثّيَ قد طالْ

الربعُ دثورٌ متناه قفار

والربع محيلٌ بعد الأوانسِ بطّالْ

عفته ديورٌ وشمالٌ وجنوب

مع مرّملث مرخي العزالي محلالْ

يا صاح قفا باللوى فسائل رسماً

قد خال لعلّ الرسومَ تنبي عن حالْ

ما شفّ فؤادي إلاّ لغيب غرابٍ

بالبين ينادي قد طار يضرب بالغالْ

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٥ / ١٥٢ رقم ٧٠٥.

(٢) فوات الوفيات : ٢ / ٥٠ ـ ٥١ رقم ١٦٧.

(٣) شذرات الذهب : ٦ / ٥٠٥.

(٤) أعيان الشيعة : ٧ / ٢٢٠.

(٥) معجم الأدباء : ١١ / ١٩٠.

(٦) وفيات الأعيان : ٥ / ١٥٠ رقم ٧٠٥.


مذ طار شجا بالفراق قلباً حزيناً

بالبين وأقصى بالبعد صاحبة الخالْ

تمشي تتهادى وقد ثناها دلٌ

من فرط حياها تخفي رنين الخلخالْ

وترجمه الصفدي في نكت الهميان (١) ، وابن شاكر في فوات الوفيات (٢) (١ / ١٦٩) وقالا : له شعر وأكثره مديح في أهل البيت ، ثمّ ذكرا عبارة العماد الأولى. وتوجد ترجمته في لسان الميزان (٣) (٣ / ٢٣) ، ومجالس المؤمنين (٤) (ص ٤٦٩).

ومن شعره المذهبيّ قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فان يكن آدمُ من قبلِ الورى

نُبِّي وفي جنّةِ عدنٍ دارهُ

فإنّ مولايَ عليّا ذا العُلى

من قبله ساطعةٌ أنوارهُ

تاب على آدمَ من ذنوبِهِ

بخمسةٍ وهو بهم أجارهُ

وإن يكن نوحٌ بنى سفينةً

تنجيهِ من سيلٍ طمى تيّارهُ

فإنّ مولاي عليّا ذا العُلى

سفينةٌ تنجو بها أنصارهُ

وإن يكن ذو النون ناجى حوتَهُ

فى اليمِّ لمّا كظّه حصارهُ

ففي جلندي (٥) للأنام عبرةٌ

يعرفها من دلّه اختيارهُ

رُدّتْ له الشمسُ بأرضِ بابل

والليلُ قد تجلّلتْ أستارهُ

وإن يكن موسى دعا مجتهداً

عشراً إلى أن شقّه انتظارهُ

وسار بعد ضرِّهِ بأهلِهِ

حتى علت بالواديينِ نارهُ

فإنّ مولاي عليّا ذا العُلى

زوّجه واختار من يختارهُ

وإن يكن عيسى له فضيلةٌ

تدهشُ من أدهشَهُ انبهارهُ

__________________

(١) نكت الهميان : ص ١٥٧.

(٢) فوات الوفيات : ٢ / ٥٠ رقم ١٦٧.

(٣) لسان الميزان : ٣ / ٢٩ رقم ٣٦٥٩.

(٤) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧٠.

(٥) قصّة الجلندي مذكورة في مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٤٥٥ طبع إيران [١ / ٣٤٧]. (المؤلف)


من حملته أمّهُ ما سجدتْ

للاّت بل شغّلها استغفارهُ (١)

البيت الأخير فيه إشارة إلى ما رواه الحلبي في السيرة الحلبية (٢) (١ / ٢٨٥) وزيني دحلان في سيرته (٣) ، والصفوري في نزهة المجالس (٢ / ٢١٠) ، والشبلنجي في نور الأبصار (٤) : من أنّ أمير المؤمنين كان يمنع أُمّه من السجود وهو حملٌ (٥).

وله :

ومحمدٌ يومَ القيامةِ شافعٌ

للمؤمنين وكلِّ عبدٍ مُقنتِ

وعليُّ والحسنان ابنا فاطمٍ

للمؤمنين الفائزين الشيعةِ

وعليُّ زينُ العابدين وباقرُ ال

ـعلمِ التقيُّ وجعفرٌ هو منيتي

والكاظمُ الميمونُ موسى والرضا

علمُ الهدى عند النوائبِ عُدّتي

ومحمدُ الهادي إلى سبلِ الهدى

وعليّا المهدي جعلت ذخيرتي

والعسكريّين اللذين بحبّهم

أرجو إذا أبصرتُ وجهَ الحجّة (٦)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام ودحوه باب خيبر :

فهزّها فاهتزَّ من حولِهمْ

حصناً (٧) بنوهُ حجراً جلمدا

ثمّ دحا البابَ على نبذةٍ

تمسحُ خمسين ذراعاً عددا

وعبّرَ الجيش على راحتِهِ

حيدرةُ الطاهرُ لمّا وردا (٨)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٠٧.

(٢) السيرة الحلبية : ١ / ٢٦٨.

(٣) السيرة النبوية : ١ / ٩١.

(٤) نور الأبصار : ص ١٥٦.

(٥) مرّت كلمتنا حول هذه الرواية في الجزء الثالث : ص ٢٣٩. (المؤلف)

(٦) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٩٦.

(٧) كذا في المصدر بالنصب.

(٨) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٣١.


وله من قصيدة مخاطباً أمير المؤمنين عليه‌السلام :

رددتَ الكفَّ جهراً بعد قطعٍ (١)

كردِّ العينِ من بعد الذهابِ

وجمجمة الجلندي وهو عظمٌ (٢)

رميمٌ جاوبتكَ عن الخطابِ

وله من قصيدة ـ مرّت عشرة أبيات منها نقلاً عن الحموي :

دعْ يا سعيدُ هواكَ واستمسك بمنْ

تسعد بهم وتزاح من آثامهِ

بمحمدٍ وبحيدرٍ وبفاطمٍ

وبولدِهمْ عقدُ الولا بتمامهِ

قومٌ يُسَرُّ وليُّهمْ في بعثِهِ

ويعضُّ ظالمُهم على إبهامهِ

ونرى وليَّ وليّهم وكتابُه

بيمينِهِ والنورُ من قدّامهِ

يسقيه من حوض النبيّ محمدٍ

كأساً بها يشفي غليلَ أُوامهِ

بيدي أميرِ المؤمنين وحسبُ من

يسقى به كأساً بكفّ إمامهِ

ذاك الذي لولاه ما اتّضحت لنا

سُبلُ الهدى في غورهِ وشآمهِ

عَبَد الإلهَ وغيرُه من جهله

ما زال معتكفاً على أصنامهِ

ما آصفٌ يوماً وشمعونُ الصفا

مع يوشعٍ في العلمِ مثلُ غلامهِ

وله في ردِّ بيتي يوسف الواسطي في الغمز على أمير المؤمنين عليه‌السلام وتخلّفه عن البيعة قوله :

ألا قل لمن قال في كفره

وربِّي على قوله شاهدُ

(إذا اجتمع الناس في واحدٍ

وخالفهم في الرضا واحدُ)

(فقد دلَّ إجماعُهمْ كلِّهمْ

على أنّه عقلُه فاسدُ)

__________________

(١) إشارة إلى قصّة يد هشام بن عديّ الهمداني ، وهي مذكورة في مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٤٧٣ طبع إيران [٢ / ٣٧٥]. (المؤلف)

(٢) إشارة إلى قصّة جمجمة الجلندي ، توجد في مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٤٧٤ [٢ / ٣٧٥]. (المؤلف)


كذبتَ وقولُك غيرُ الصحيحِ

وزعمُكَ ينقدُه الناقدُ

فقد أجمعتْ قومُ موسى جميعاً

على العجل يا رجسُ يا ماردُ

وداموا عكوفاً على عجلهم

وهارونُ منفردٌ فاردُ

فكان الكثيرُ هم المخطئون

وكان المصيب هو الواحدُ (١)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

خصّه الله بالعلومِ فأضحى

وهو يُنبي بسرِّ كلِّ ضميرِ

حافظُ العلمِ عن أخيه عن اللهِ

خبيراً عن اللطيفِ الخبيرِ (٢)

لفت نظر : ذكر سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٣) (٦ / ٤٠٧) ترجمة تحت عنوان : أبي سعيد النيلي ، وأخذ ما في مجالس المؤمنين من ترجمة المترجَم له وجعله ترجمة لما عنونه ، وأردفها بتحقيق في اسمه يقضى منه العجب ، استخرجه من شعر المترجم له المذكور : دع يا سعيد هواك واستمسك بمن ، فقال :

قوله : دع با سعيد (با) بالباء الموحّدة مخفّف أبا وحذف منه حرف النداء أي يا أبا. وقال (٤) (١٤ / ٢٠٧) : ابن مكّي اسمه سعد أو سعيد ، أرّخ وفاته في (١ / ٥٩٥) من الطبعة الأولى بسنة (٥٩٢) ، وفي الطبعة الثانية في القسم الثاني من الجزء الأول (١ / ١٧٧) بسنة (٥٩٥) ، ونقل ترجمته عن ابن خلّكان ، وابن خلّكان لم يذكره.

__________________

(١) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧١.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١١٨.

(٣) أعيان الشيعة : ٢ / ٣٥٧.

(٤) أعيان الشيعة : ٢ / ٢٧٩.



ـ ٥١ ـ

الخطيب الخوارزمي

المولود (٤٨٤)

المتوفّى (٥٦٨)

ألا هل من فتىً كأبي ترابِ

إمامٌ طاهرٌ فوقَ الترابِ

إذا ما مقلتي رمدتْ فكُحلي

ترابٌ مسَّ نعل أبي ترابِ

محمدُ النبيُّ كمصرِ علمٍ

أميرُ المؤمنين له كبابِ

هو البكّاءُ في المحراب لكن

هو الضحّاكُ في يوم الحرابِ

وعن حمراءِ بيتِ المالِ أمسى

وعن صفرائه صفرَ الوطابِ (١)

شياطينُ الوغى دُحروا دحوراً

به إذ سلَّ سيفاً كالشهابِ

عليٌّ بالهدايةِ قد تحلّى

ولمّا يدّرع بُردَ الشبابِ

عليٌّ كاسرُ الأصنامِ لمّا

علا كتفَ النبيِّ بلا احتجابِ

عليٌّ في النساء (٢) له وصيٌ

أمينٌ لم يمانعْ بالحجابِ

عليٌّ قاتلٌ عمرَو بن ودٍّ

بضربٍ عامر البلدِ الخرابِ

حديثُ براءةٍ وغديرُ خمٍ

ورايةُ خيبرٍ فصلُ الخطابِ

هما مَثَلاً كهارونٍ وموسى

بتمثيلِ النبيِّ بلا ارتيابِ

__________________

(١) الوطاب : جمع وطب ، وهو سقاء اللبن.

(٢) إقرأ واضحك. (المؤلف)


بنى في المسجد المخصوص باباً

له إذ سدَّ أبوابَ الصحابِ

كأنّ الناسَ كلَّهمُ قشورٌ

ومولانا عليٌّ كاللبابِ

ولايتُه بلا ريبٍ كطوقٍ

على رغمِ المعاطسِ في الرقابِ

إذا عُمَرٌ تخبّطَ في جوابٍ

ونبّهه عليٌّ بالصوابِ

يقول بعدله لو لا عليٌ

هلكتُ هلكتُ في ذاك الجوابِ

ففاطمةٌ ومولانا عليٌ

ونجلاه سروري في الكتابِ

ومن يك دأبُه تشييدَ بيتٍ

فها أنا مدحُ أهلِ البيتِ دابي

وإن يك حبّهمْ هيهات عاباً

فها أنا مذ عقلتُ قرينَ عابِ

لقد قتلوا عليّا مذ تجلّى

لأهلِ الحقِّ فحلاً في الضرابِ

وقد قتلوا الرضا الحسنَ المرجّى

جوادَ العربِ بالسمِّ المذابِ

وقد منعوا الحسينَ الماءَ ظلماً

وجُدِّل بالطعانِ وبالضرابِ

ولولا زينبٌ قتلوا عليّا (١)

صغيراً قتلَ بقٍّ أو ذُبابِ

وقد صلبوا إمام الحقِّ زيداً

فيا للهِ من ظلمٍ عجابِ

بناتُ محمدٍ في الشمس عطشى

وآلُ يزيدَ في ظلِّ القبابِ

لآل يزيدَ من أدمٍ خيامٌ

وأصحابُ الكساءِ بلا ثيابِ (٢)

الشاعر

الحافظ أبو المؤيّد وأبو محمد موفّق (٣) بن أحمد بن (٤) أبي سعيد إسحاق بن

__________________

(١) يعني الإمام السجّاد عليّ بن الحسين. (المؤلف)

(٢) القصيدة تبلغ (٤٦) بيتاً طبعت في آخر كتابه المناقب [ص ٣٩٩] وتوجد جملة منها في مقتله [٢ / ١٦١] ، وأخذ منها ابن شهرآشوب في مناقبه [٢ / ١٥٤ ، ١٥٩]. (المؤلف)

(٣) في الفوائد البهيّة [ص ٤١] : موفّق الدين أحمد بن محمد وهو تصحيف. وقد ذكر اسمه في شعره موفّقاً كما يأتي ، وهكذا يوجد في المصادر القديمة. (المؤلف)

(٤) في العقد الثمين [٧ / ٣١٠] : موفّق بن أحمد بن محمد. (المؤلف)


المؤيّد المكّي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم.

كان فقيهاً غزير العلم ، حافظاً طائل الشهرة ، محدِّثاً كثير الطرق ، خطيباً طائر الصيت ، متمكّناً في العربيّة ، خبيراً في السيرة والتاريخ ، أديباً شاعراً ، له خطب وشعرٌ مدوّن.

ذكره (١) الحموي في معجم الأدباء في ترجمة أبي العلاء الهمداني (٢) بالحفظ ، وأثنى عليه الصفدي في الوافي بالوفيات ، والتقيّ الفاسي في العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ، والقفطي في أخبار النحاة ، والسيوطي في بغية الوعاة (ص ٤٠١) ، ومحمد عبد الحيّ في الفوائد البهيّة (ص ٣٩) ، والسيّد الخونساري في روضات الجنّات (ص ٢١) ، وجرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية (٣ / ٦٠) ، وصاحب معجم المطبوعات (ص ١٨١٧) نقلاً عن الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة للشيخ عبد القادر المصري ، وتوجد ترجمته نقلاً عن الجواهر المضيّة في أوّل كتابه مناقب أبي حنيفة ، والمعاجم بأسرها فارغة عن بسط القول في مشايخه وتلامذته والرواة عنه وتآليفه القيّمة ، فنحن نأخذ دروس تلكم النواحي من تآليفه وإجازات مشيخة العلم والحديث.

مشايخه في الأخذ والرواية :

١ ـ الحافظ نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد النسفي : المتوفّى (٥٣٧) ، أخذ منه العلم ويروي عنه.

٢ ـ أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري : المتوفّى (٥٣٨) ، قرأ عليه في العربيّة والأدب ويروي عنه.

__________________

(١) معجم الأدباء : ٨ / ٣٩ ، العقد الثمين : ٧ / ٣١٠ ، إنباه الرواة على أنباه النحاة : ٣ / ٣٣٢ رقم ٧٧٩ ، بغية الوعاة : ٢ / ٣٠٨ رقم ٢٠٤٦ ، روضات الجنّات : ٨ / ١٢٤ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٣١١ ، الجواهر المضيّة : ٣ / ٥٢٣ رقم ١٧١٨.

(٢) الحافظ الحسن العطّار المقري المتوفّى (٥٦٩). (المؤلف)


٣ ـ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي (١) الهروي : المتوفّى (٥٤٨) ، أخذ عنه الحديث في منصرفه من الحجِّ ببغداد ، كما في الجزء الأوّل من مقتله (٢)

٤ ـ أبو الحسن عليُّ بن الحسين الغزنوي الملقّب بالبرهان : المتوفّى (٥٥١) ، أخذ منه الحديث في مدينة السلام في داره سلخ ربيع الأوّل سنة (٥٤٤).

٥ ـ شيخ الدين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن محمويه الجويني البرذي : المتوفّى (٥٥١).

٦ ـ أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني : المتوفّى (٥٥٢) ، أخذ منه الحديث في مدينة السلام.

٧ ـ مجد الدين أبو الفتوح محمد بن أبي جعفر محمد الطائي : المتوفّى (٥٥٥) ، يروي عنه مكاتبة.

٨ ـ زين الدين أبو منصور شهردار بين شيرويه الديلمي : المتوفّى (٥٥٨) ، يروي عنه بالإجازة وبينهما مكاتبات.

٩ ـ أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد العطّار الهمداني : المتوفّى (٥٦٩) يروي عنه بالإجازة.

١٠ ـ أبو المظفّر عبد الملك بن عليّ بن محمد الهمداني نزيل بغداد ، له منه إجازة.

١١ ـ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المروزي ، يروي عنه بالمكاتبة.

١٢ ـ أبو الفرج شمس الأئمّة محمد بن أحمد المكي أخوه كما نصَّ به في مقتله ،

__________________

(١) بالفتح نسبة إلى كروخ بلدة بنواحي هراة. (المؤلف)

(٢) مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام : ١ / ٩.


ويعبّر عنه هناك بالإمام الأجلّ الكبير أخي سراج الدين ركن الإسلام شمس الأمّة إمام الحرمين ، ثمّ يترحّم عليه ، يروي عنه إملاءً.

١٣ ـ أبو طاهر محمد بن محمد الشيحي الخطيب بمرو ، وله منه إجازة.

١٤ ـ أبو بكر محمد بن الحسن بن أبي جعفر بن أبي سهل الزورقي ، يروي عنه بالمكاتبة.

١٥ ـ أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن الباقرحي (١).

١٦ ـ أبو عفّان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي.

١٧ ـ نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي ، له منه إجازة كما ذكره الحمّوئي في فرائد السمطين.

١٨ ـ أبو داود محمد بن سليمان بن محمد الخيّام الهمداني ، يروي عنه بالمكاتبة.

١٩ ـ الحسن بن النجّار ، يروي عنه كما في فرائد السمطين للحمّوئي.

٢٠ ـ أبو محمد عبّاس بن محمد بن أبي منصور الفضاري الطوسي.

٢١ ـ كمال الدين أبو ذرّ أحمد بن محمد بن بندار.

٢٢ ـ أفضل الحفّاظ تاج الدين محمد بن سمّان بن يوسف الهمداني ، يروي عنه بالمكاتبة.

٢٣ ـ فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندي ، يروي عنه بالإجازة.

٢٤ ـ الشيخ سعيد بن محمد بن أبي بكر الفقيهي ، يروي عنه بالإجازة كما في مقتله (٢).

٢٥ ـ أبو عليّ الحدّاد.

__________________

(١) الباقرحي بفتح القاف ، نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد. (المؤلف)

(٢) مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام : ١ / ٢٧.


٢٦ ـ سيف الدين أبو جعفر محمد بن عمران بن أبي عليّ الجمحي ، يروي عنه بالمكاتبة.

٢٧ ـ أبو الحسين بن بشران العدل ، أخذ عنه الحديث ببغداد.

٢٨ ـ المبارك بن محمد الشعطي.

٢٩ ـ ركن الأئمّة عبد الحميد بن ميكائيل.

٣٠ ـ أبو القاسم منصور بن نوح الشهرستاني ، أخذ منه الحديث في رجوعه من حجِّه سنة (٥٤٤) بشهرستان.

٣١ ـ أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني.

٣٢ ـ أبو داود محمود بن سليمان بن محمد الهمداني ، يروي عنه وبينهما مكاتبة (١)

٣٣ ـ سديد الدين محمد بن منصور بن عليّ المقرئ المعروف بالديواني.

٣٤ ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي ، يروي عنه إملاءً.

٣٥ ـ الإمام مسعود بن أحمد الدهستاني ، يروي عنه بالمكاتبة.

تلامذته والرواة عنه :

١ ـ برهان الدين أبو المكارم ناصر بن أبي المكارم عبد السيّد المطرزي الخوارزمي الحنفي : المولود (٥٣٨) والمتوفّى (٦١٠) ، قرأ على المترجم وأخذ منه كما في بغية الوعاة (٢) (ص ٤٠٢) ومفتاح السعادة (٣) (١ / ١٠٨) ، ويروي عنه كما في فرائد

__________________

(١) لعله هو نفسه الذي سبق ذكره في الرقم (١٨).

(٢) بغية الوعاة : ٢ / ٣١١ رقم ٢٠٥٤.

(٣) مفتاح السعادة : ١ / ١٢٢.


السمطين (١) وفي إجازة العلاّمة الحلّي الكبيرة لبني زهرة والإجازة الكبيرة لصاحب المعالم.

٢ ـ مسلم بن عليّ ابن الأُخت ، يروي عنه كتابه المناقب كما في إجازة أحد تلامذة الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي : المتوفّى (٦٨٩) للسيّد شمس الدين محمد بن جمال الدين أحمد أستاد الشهيد الأوّل (٢).

٣ ـ الشيخ أبو الرضا طاهر بن أبي المكارم عبد السيّد بن عليّ الخوارزمي ، يروي عنه كتابه المناقب كما في الإجازة المذكورة الأخيرة.

٤ ـ الشيخ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الحسيني ، يروي عنه كتابه المناقب كما في الإجازة التي أوعزنا إليها.

٥ ـ أبو جعفر محمد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني : المتوفّى (٥٨٨) كما في المقابس (٣) ، وكانت بينه وبين المترجم مكاتبة كما في أوّل مناقبه (٤).

٦ ـ جمال الدين بن معين ، يروي عنه كتاب مقتله كما ذكره الحمّوئي في فرائد السمطين (٥).

٧ ـ أبو القاسم ناصر بن أحمد بن بكر النحوي : المتوفّى سنة (٦٠٧) ، قرأ على المترجم كما في بغية الوعاة (٦) (ص ٤٠٢).

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ٢٥٨ ح ١٩٩.

(٢) ٢٠

(٣) مقابِس الأنوار : ص ١٢.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣١.

(٥) فرائد السمطين : ٢ / ٦٦ ح ٣٩٠.

(٦) بغية الوعاة : ٢ / ٣١١ رقم ٢٠٥٣.


تآليفه :

إنّ تضلّع الرجل في الفقه والحديث والتاريخ والأدب إلى علوم متنوِّعة أخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع أساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة ، وأحسب أنّ الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلاّ كتبه السبعة التي قضت على أكثرها الأيّام ، وهي :

١ ـ كتاب مناقب الإمام أبي حنيفة المطبوع في حيدرآباد سنة (١٣٢١) في مجلّدين.

٢ ـ كتاب ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، ذكره له معاصره والراوي عنه أبو جعفر بن شهرآشوب في المناقب (١) (١ / ٤٨٤).

٣ ـ كتاب الأربعين في مناقب النبيّ الأمين ووصيّه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ كما في مقتله ، يرويه عنه أبو جعفر بن شهرآشوب (٢) وقال : كاتبني به مؤلِّفه الخوارزمي. وينقل عنه كثيراً في المناقب ، ونحن راجعنا الأحاديث المنقولة عنه في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام كتاب مناقبه الدائر السائر وما وجدناها فيه ، فاحتمال اتِّحاد كتابه هذا مع مناقبه في غير محلّه.

٤ ـ كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ذكره له ابن شهرآشوب في مناقبه (١ / ٤٨٤).

٥ ـ كتاب مقتل الإمام السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ يرويه عنه جمال الدين ابن معين كما في الإجازات ، رتّبه على خمسة عشر فصلاً في مجلّدين ، وإليك فهرست فصوله :

١ ـ في ذكر شيءٍ من فضائل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٩٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣١.


٢ ـ في فضائل أُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد.

٣ ـ في فضائل فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٤ ـ نماذج من فضائل أمير المؤمنين وذريّته الطاهرة ـ صلوات الله عليهم.

٥ ـ في فضائل الصدّيقة فاطمة بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٦ ـ في فضائل الحسن والحسين ـ عليهما الصلاة والسلام.

٧ ـ في فضائل الحسين خاصّة.

٨ ـ في إخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحسين وأحواله.

٩ ـ في ما جرى بينه وبين الوليد ومروان حال حياة معاوية وبعد وفاته.

١٠ ـ في أحواله مدّة مقامه بمكّة وبيان ما ورد عليه من كتب أهل الكوفة ، وإرساله مسلم بن عقيل إلى الكوفة ومقتله بها.

١١ ـ في خروجه من مكّة إلى العراق وما جرى عليه في طريقه ، ونزوله بالطفِّ ومقتله بها.

١٢ ـ في عقوبة قاتله وخاذله ـ صلى الله عليه ـ ولعن قاتله.

١٣ ـ في ذكر المصيبة به ومرثيّته عليه‌السلام.

١٤ ـ في ذكر زيارة تربته.

١٥ ـ في انتقام المختار بن أبي عبيد الثقفي من قاتليه وخاذليه.

٦ ـ ديوان شعره ، قال الچلبي في كشف الظنون (١ / ٥٢٤) : ديوانه جيّدٌ ، وكان في الشعر في طبقة معاصريه (١).

٧ ـ كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام المعروف بالمناقب ، المطبوع سنة (١٢٢٤). وهذا الكتاب يرويه عن المؤلّف غير واحد من أئمّة الحديث كما مرَّ الإيعاز إليه ، منهم :

١ ـ الشيخ مسلم بن عليّ ابن الأُخت.

__________________

(١) هذه العبارة أوردها الچلبي بحقّ موفق الدين محمد بن يوسف الإربلي الذي ذكر له ديوانه في كشف الظنون ١ / ٨١٥ بعد الموفق بن أحمد الخوارزمي مباشرة.


٢ ـ الشيخ أبو الرضا طاهر بن أبي المكارم عبد السيّد الخوارزمي.

٣ ـ السيّد أبو محمد عبد الله بن جعفر الحسيني.

٤ ـ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي : المتوفّى (٦٨٩) ، قال :

قرأت كتاب المناقب للخوارزمي على الشيخ أبي محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الحسيني في سنة (٥٩٣).

٥ ـ برهان الدين أبي المكارم ناصر بن أبي المكارم المطرزي.

٦ ـ قال الأميني : وأنا أروي هذا الكتاب عن فقيه الطائفة في علويّة الشيعة آية الله الحاج آقا حسين القمّي (١) : المتوفّى (١٤) ربيع الأوّل (١٣٦٦) ، عن العلاّمة الأكبر السيّد مرتضى الكشميري المتوفّى (١٣٢٣) ، عن السيّد مهدي القزويني المتوفّى (١٣٠٠) ،

__________________

(١) هو الفقيه من آل محمد ، وجماع الفضل الكثار من مآثر أولئك الصفوة ، بطل المسلمين والفقيه المقدّم ، الورع الزاهد ، والمجاهد الناهض ، الداعي إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومنبثق مكارم الأخلاق إلى فضائل جمّة يفوتها حدّ الإحصاء ، وقصارى القول : إنّه لو كانت لهذه المناقب شخصيّة ماثلة لما عدته ، أنا لا أحاول سرد القول عن فقاهته وتقواه وزهادته وقداسته وكرامته على الدين وعند المؤمنين ، فإنها حقائق جليّة ، وإنّما أنوّه بكلمة لا أكثر منها عن بطولته وشجاعته وشممه وإبائه ، وهو ذلك البطل الناهض المدافع عن الدين وعن شرعة جدّه الأمين من دون أن تأخذه في الله لومة لائم. هذه حقيقة عرفها الملأ الديني السابر صحيفته البيضاء في مناوأته جبابرة الوقت وطواغيت الزمن بجأش طامن ، وقلب مطمئن ، وجنان ثابت ، وروح قويّة ، ومثابرة جبّارة ، نعم يقابل هذا اليفن الكبير بعزمه الفتيّ أقوى العوامل الفعّالة ، يقابل عدّتها والعتاد ، يقابل غلواءها بشخصيّة عزلاء إلاّ عن الشجاعة الدينية ، وقوّة الإيمان ، وأبّهة العلم والتقوى ، وعزّ المجد والشرف ، ومنعة السؤدد والخطر ، فكانت من جرّاء هاتيك كلّها أعمال مبرورة ، ومساعٍ مشكورة ، حتى انتهت إلى هجرته من خراسان لبثّ المعروف واكتساح المنكر وإقامة عُمد الدين ، حتى ألقى عصا السير في كربلاء المشرّفة وهو رابض فيها بحمى عمّه الإمام الشهيد ، ينتظر آونة الوثبة مرّة أخرى ، إلى أن أُتيحت له بعد أن كبت بمناوئه بطنته ، وأجهز عليه أمله ، ولم يبق منه إلاّ البدع والمخازي ، فقفل سيّدنا المترجَم إلى إيران ولم يبرح بها حتى اكتسح تلكم المعرّات ، ولقي من حفاوة المؤمنين به ما لا يوصف ، وعرّج على العراق تعريجة الفاتح الظافر ، ولم يزل بها حتى أهاب به داعي ربّه فأجابه. (المؤلف)


عن عمِّه السيّد محمد باقر بن أحمد القزويني المتوفّى (١٢٤٦) ، عن خاله السيّد محمد المهدي بحر العلوم المتوفّى (١٢١٢) ، عن الأستاذ الأكبر البهبهاني المتوفّى (١٢٠٨) ، عن والده الأكمل البهبهاني ، عن جمال الدين الخوانساري المتوفّى (١١٢٥) ، عن العلاّمة التقيّ المجلسي المتوفّى (١٠٧٠) ، عن الشيخ جابر بن عبّاس النجفي ، عن المحقِّق الكركي الشهيد (٩٤٠) ، عن الشيخ زين الدين عليّ بن هلال الجزائري ، عن الشيخ أبي العبّاس أحمد بن فهد الحلّي المتوفّى (٨٤١) ، عن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله الحلّي الأسدي المتوفّى (٨٢٦) ، عن شيخنا الشهيد الأوّل المستشهد (٧٨٦) ، عن رضي الدين أبي الحسن عليّ المزيدي الحلّي المتوفّى (٧٥٧) ، عن آية الله العلاّمة الحلّي المتوفّى (٧٢٦) ، عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد الحلّي المتوفّى (٦٨٩) ، عن السيّد أبي محمد عبد الله بن جعفر الحسيني ، عن المؤلّف الخوارزمي.

وبطريق آخر للعلاّمة الحلّي ، عن برهان الدين أبي المكارم ناصر بن أبي المكارم ، عن أبي المؤيّد المؤلِّف الخوارزمي.

وهذا الكتاب ـ المناقب ـ نسبه إليه الذهبي في ميزان الاعتدال (١) (٣ / ٢٠) في ترجمة محمد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان ، وقال :

لقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجّال ـ ابن شاذان ـ أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيّد عليّ رضى الله عنه (٢).

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٣ / ٤٦٦ رقم ٧١٩٠.

(٢) لقد اندفع الذهبي في قيله هذا إلى ما هو شنشنة كثير من قومه ـ وهو بمقربة منه ـ من تحرّي الوقيعة في الصالحين والسباب من غير سبب والتحكّم بالباطل لا عن موجب له ، فحسب ابن شاذان دجّالاً وهو ذلك العبد الصالح ، والعالم المتبحِّر ، والراوية النيقد ، وحسب أحاديثه أباطيل سمجة ركيكة ، على حين أنّه لم ينفرد بروايتها ، وإنّما خرّجها قبله محدّثو أهل السنّة في مسانيدهم ، وهي ممّا أطبق على روايته الفريقان. نعم ؛ التصقت بها الركّة والسماجة في مزعمة الذهبي لأنّها فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام. (المؤلف)


وذكره له الچلبي في كشف الظنون (١) (٢ / ٥٣٢) وقال : مناقب عليّ بن أبي طالب لأبي المؤيّد موفّق بن أحمد الخوارزمي.

وينقل عنه من عصره حتى اليوم جمعٌ من حملة الحديث ، منهم :

١ ـ الحافظ مفتي الحرمين صاحب كفاية الطالب ـ المطبوع في مصر والعراق وإيران ـ الكنجيّ الشافعي : المتوفّى (٦٥٨) ، ينقل عنه في الكتاب (٢) (١٢٠ ، ١٢٤ ، ١٤٨ ، ١٨٢ ، ١٩١ ، ١٥٢) طبعة النجف الأشرف ، ونصَّ بنسبة الكتاب إلى المترجم في غير واحد من تلكم المواضع.

٢ ـ سيّد الأصحاب رضيُّ الدين بن طاووس : المتوفّى (٦٦٤) ، ينقل عن الكتاب في تأليفه ـ اليقين في أنّ عليّا أمير المؤمنين ـ في غير واحد من أبوابه ، وقال في الباب السادس والعشرين (٣) : الخوارزمي صاحب المناقب من أعظم علماء الأربعة المذاهب ، وقد أثنوا عليه وذكروا ما كان عليه من المناقب.

وقال في موضع آخر (٤) : هو الذي أثنى عليه ومدحه محمد بن النجّار شيخ المحدِّثين ببغداد وزكّاه.

٣ ـ العلاّمة يوسف بن أبي حاتم الشامي ، ينقل عنه كثيراً في الدرِّ النظيم في الأئمّة اللهاميم ، مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه.

٤ ـ بهاء الدين عليّ بن عيسى الإربلي : المتوفّى (٦٩٢) ، نقل عنه كثيراً في كتابه كشف الغمّة (٥) ، مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه.

__________________

(١) كشف الظنون : ٢ / ١٨٤٤.

(٢) كفاية الطالب : ص ٢٢٥ ، ٢٢٧ ، ٢٣٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧ ، ٢٨١ ، ٣٢٣.

(٣) اليقين : ص ١٦٦.

(٤) اليقين : ص ١٥٥ باب ٢٠.

(٥) كشف الغمّة : ١ / ٦٦ ، ٦٩ ، ٧٥ ، ٩٦.


٥ ـ شيخ الإسلام أبو إسحاق الشيخ إبراهيم الحمّوئي : المتوفّى (٧٢٢) ، يروي عنه في كتابه فرائد السمطين (١) ، مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه.

٦ ـ آية الله العلاّمة الحلّي : المتوفّى (٧٢٦) ، ينقل عنه في كتابه كشف اليقين (٢).

٧ ـ نور الدين ابن الصبّاغ المكّي المالكيّ : المتوفّى (٨٥٥) ، قد أكثر النقل عنه قائلاً : بأنّ الخوارزمي روى في المناقب.

٨ ـ الشيخ عليّ بن يونس العاملي النباطي البياضي : المتوفّى (٨٧٧) ، ينقل عنه في كتابه الصراط المستقيم (٣).

٩ ـ ابن حجر العسقلاني : المتوفّى (٩٧٣) ، روى عن الخوارزمي حديث زفاف الزهراء ـ سلام الله عليها ـ والحديث موجودٌ في المناقب (٤).

١٠ ـ السيّد هاشم بن سليمان التوبلي البحراني : المتوفّى (١١٠٧) ، ينقل عنه في غاية المرام (٥) وغيره.

١١ ـ شيخنا أبو الحسن الشريف : المتوفّى (١١٣٨) ، ينقل عنه كثيراً في كتابه ضياء العالمين في الإمامة الموجود عندنا ، قائلاً في بعض مواضعه : رواه الخطيب الخوارزمي المشهور الموثوق به عندهم بنصِّ جماعة منهم في كتاب مناقبه.

١٢ ـ السيّد الشبلنجي الشافعي ، نصَّ في كتابه نور الأبصار (٦) على نسبة

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ٣٨٣ ح ٣١٥ باب ٧٠.

(٢) كشف اليقين : ص ٦ ـ ١٢ وفي مواضع أخرى من الكتاب.

(٣) الصراط المستقيم : ١ / ٢٠٧.

(٤) المناقب : ص ٣٣٥ ـ ٣٥٤ ح ٣٥٦ ـ ٣٦٤.

(٥) غاية المرام : ص ٨٤ ، ٨٧ وغيرها.

(٦) نور الأبصار : ص ٢١٧.


الكتاب إلى الخوارزمي ، وينقل عنه.

١٣ ـ القاضي القندوزيّ الشافعي ، ينقل عنه في كتابه ينابيع المودّة (١) معبِّراً عن الكتاب بفضائل أهل البيت.

١٤ ـ السيّد أبو بكر بن شهاب الدين الحضرمي الشافعي ، ينقل عنه في رشفة الصادي (٢) معبِّراً عنه بكتاب المناقب.

شعره وخطبه ، ولادته ووفاته :

قال الصفدي كما في بغية الوعاة (٣) : إنّ للمترجَم خُطَباً وشعراً. ولم نقف على شيءٍ من خطبه وكلمه وشعره غير ما في كتابيه : المناقب ومقتل الإمام السبط إلاّ القليل ، مع أنّ له ديوان شعر كما ذكره الچلبي (٤) ، ويوجد شطر من شعره في المناقب لابن شهرآشوب (٥) ، والصراط المستقيم للبياضي (٦) ، ومعجم الأدباء للحموي (٧) (٣ / ٤١) في ترجمة أبي العلاء الهمداني المتوفّى (٥٦٧).

وُلد المترجَم في حدود سنة (٤٨٤) كما في (٨) بغية الوعاة ، وطبقات الحنفيّة لمحيي الدين الحنفي ، وديباجة كتابه مناقب أبي حنيفة عن القفطي ، والوافي بالوفيات للصفدي ، وفي الفوائد البهيّة أنّ مولده سنة (٤٨٤).

__________________

(١) ينابيع المودّة : ١ / ٣.

(٢) رشفة الصادي : ص ٤٣.

(٣) بغية الوعاة : ٢ / ٣٠٨ رقم ٢٠٤٦.

(٤) كشف الظنون : ١ / ٨١٥.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٩ ، ٧٨ ، ١٩٥ ، ٢٢٠ و ٣ / ٨٣ ، ٨٥ ، ١٠٧.

(٦) الصراط المستقيم : ٢ / ٦٦.

(٧) معجم الأدباء : ٨ / ٣٩ ، ٤٤.

(٨) بغية الوعاة : ٢ / ٣٠٨ رقم ٢٠٤٦ ، الجواهر المضيّة : ٣ / ٥٢٣ رقم ١٧١٨ ، الفوائد البهية : ص ٤١.


وتوفي سنة (٥٦٨) كما في (١) بغية الوعاة عن القفطي ، وفي الفوائد البهيّة عن الصفدي ، والتقيّ الفاسيّ مؤلّف العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين عن الذهبي في تاريخ الإسلام ، وهكذا أرّخها الچلبي في كشف الظنون ، والخوانساري في روضات الجنّات ، فما في الفوائد البهيّة عن القفطي : أنّه توفّي سنة (٥٩٦) تصحيف واضح ، وقد نقله عنه صحيحاً السيوطي وغيره ، كما أنّ ما في الفوائد من (٥٦٩) ، وما في تاريخ آداب اللغة من أنّه توفي سنة (٥٦٧) بعيدان عن الصواب ، والله العالم.

__________________

(١) بغية الوعاة : ٢ / ٣٠٨ رقم ٢٠٤٦ ، الفوائد البهية : ص ٤١ ، العقد الثمين ٧ / ٣١٠ ، كشف الظنون : ١ / ٨١٥ ، روضات الجنّات : ٨ / ١٢٤ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٣١١.



ـ ٥٢ ـ

الفقيه عُمارة

ولد (٥١٣)

قتل (٥٦٩)

ولاؤك مفروضٌ على كلِّ مسلمِ

وحبُّكَ مفروطٌ وأفضلُ مغنمِ

إذا المرءُ لم يُكرم بحبِّك نفسَه

غدا وهو عند اللهِ غير مُكرّمِ

ورثت الهدى عن نصّ عيسى بن حيدرٍ

وفاطمةٍ لا نصِّ عيسى بن مريمِ

وقال أطيعوا لابن عمّي فإنّه

أميني على سرِّ الإله المكتّمِ

كذلك وصّى المصطفى وابن عمّه

إلى منجدٍ يومَ الغديرِ ومتهمِ

على مستوىً فيه قديمٌ وحادثٌ

وإن كان فضلُ السبقِ للمتقدِّمِ

ملكتَ قلوبَ المسلمين ببيعةٍ

أمدّتْ بعقدٍ من ولائِكِ مبرَمِ

وأوتيت ميراثَ البسيطة عن أبٍ

وجدٍّ مضى عنها ولم يتقسّمِ

لك الحقّ فيها دون كلِّ مُنازعٍ

ولو أنّه نال السماكَ بسُلّمِ

ولو حفظوا فيك الوصيّةَ لم يكن

لغيرِك في أقطارها دون درهمِ (١)

وله قصيدة ـ تأتي ـ يرثي بها أهل القصر ، قوله :

والأرض تهتزُّ في يومِ الغديرِ كما

يهتزُّ ما بين قصريكم من الأَسَلِ

__________________

(١) يمدح بها الخليفة الفائز بن الظافر. (المؤلف)


الشاعر

الفقيه نجم الدين أبو محمد عمارة بن أبي الحسن عليّ بن زيدان بن أحمد الحكميّ اليمني ، من فقهاء الشيعة الإماميّة ومدرّسيهم ومؤلّفيهم ومن شهداء أعلامهم على التشيّع ، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألّق ، وإنّك لا تدري إذا نظم شعراً هل هو ينضد درّا؟ أو يفرغ في بوتقة القريض تبراً؟ فقد ضمَّ شعره إلى الجزالة قوّةً ، وإلى السلاسة رونقاً ، وفوق كلِّ ذلك مودّته المتواصلة لعترة الوحي ، وقوله بإمامتهم عليهم‌السلام حتى لفظ نفَسَه الأخير ضحيّة ذلك المذهب الفاضل ، وقد أبقت تآليفه القيّمة وآثاره العلميّة والأدبيّة له ذكراً خالداً مع الأبد ، منها : النكت العصريّة في أخبار الوزراء المصريّة ، وتاريخ اليمن ، وكتاب في الفرائض ، وديوان شعره ، وقصيدة كتبها إلى صلاح الدين سمّاها : شكاية المتظلّم ونكاية المتألّم.

قال في كتابه النكت العصريّة (١) (ص ٧) عند ذكر نسبه : فأمّا جرثومة النسب فقحطان ثمّ الحكم بن سعد العشيرة المذحجي ، وأمّا الوطن فمن تهامة باليمن مدينة مرطان من وادي وساع ، وبُعدها من مكّة في مهبّ الجنوب أحد عشر يوماً ، وبها المولد والمربى وأهلها بقيّة العرب في تهامة ، وكانت رئاستهم وسياستهم تنتهي إلى المشيب بن سليمان وهو جدّي من جهة الوالدة وإلى زيدان بن أحمد وهو جدّي لأبي ، وهما ابنا عمّ ، وكان زيدان يقول : أنا أعدّ أسلافي أحد عشر جدّا ، ما منهم إلاّ عالم مصنّف في عدّة علوم ، ولقد أدركت عمّي عليّ بن زيدان ، وخالي محمد بن المشيب ، ورئاسة حكم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي إليهما. إلى أن قال : قلتُ لأخي

__________________

(١) طبع مع مختار ديوانه في (٣٩٩) صحيفة في (شالون) على نهر (سون) بمطبع مرسو ، سنة (١٨٩٧) المسيحية. (المؤلف)


يحيى يوماً : من القائل في جدّيك المشيب بن سليمان وزيدان بن أحمد :

إذا طرقتْكَ أحداثُ الليالي

ولم يوجدْ لعلّتها طبيبُ

وأعوز من يجيرُكَ من سطاها

فزيدانٌ يجيرك والمشيبُ

هما ردّا عليَّ شتيتَ ملكي

ووجهُ الدهرِ من رغمٍ قَطوبُ

وقاما عنه خذلاني بنصري

قياماً تستكين به الخطوبُ

فقال : هو السلطان عليّ بن حبابة الفرودي ، كان قومه قد أخرجوه من ملكه وأفقروه من ملكه وولّوا عليهم أخاه سلامة ، فنزل بهما فسارا معه في جموع من قومهما حتى عزلا سلامة وولّيا عليّا وأصلحا له قومه ، وكان الذي وصل إليه من برِّهما وأنفقاه على الجيش في نصرته ، وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف على خمسين ألفاً من الذهب. قال يحيى : وفي أبي وخالي يقول مدبّر الشاعر الحكمي من قصيدة طويلة :

أبواكما ردّا على ابن حبابةٍ

ملكاً تبدّد شملهُ تبديدا

كفل المشيبُ على الحسامِ بعَوْدِهِ

مُذْ صال زيدانٌ به فأُعيدا

وبنيتما ما شيّدا من سؤددٍ

قدماً فأشبه والدٌ مولودا

وحدّثني أبي قال : مرض عمّك عليّ مرضاً أشرف فيه على الموت ثمّ أبلَّ منه ، فأنشدته لرجل من بني الحارث يُدعى سلم بن شافع كان قد وفد عليه يستعينه في دية قتيل لزمته ، فلمّا شغلنا بمرض صاحبنا ارتحل الحارثي إلى قومه وأرسل إليَّ بقصيدة منها :

إذا أودى ابنُ زيدانٍ عليٌ

فلا طلعتْ نجومُكِ يا سماءُ

ولا اشتملَ النساءُ على جنينٍ

ولا روّى الثرى للسحبِ ماءُ

على الدنيا وساكنها جميعاً

إذا أودى أبو الحسنِ العفاءُ


قال فبكى عمّك وأمرني باحضار الحارثي ودفع له ألف دينار وساق عنه الدية بعد ستة أشهر ، وكان إذا رآه أكرمه ورفع مجلسه. وبسط القول في جود عمِّه عليّ بن زيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته. ثمّ قال ما ملخّصه : أدركتُ الحلم سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وفي سنة إحدى وثلاثين بعثني والدي إلى زبيد مع الوزير مسلم ابن سخت ، فنزلت فيها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنين لا أخرج عن المدرسة إلاّ لصلاة يوم الجمعة ، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين وأقمت في زبيد ثلاث سنين وجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث ، ولي في الفرائض مصنّف يُقرأ في اليمن ، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من أخوتي إلى زبيد ، وأنشدت والدي شيئاً من شعري فاستحسنه ، ثمّ قال :

تعلم والله أنّ الأدب نعمةٌ من نعم الله عليك فلا تكفرها بذمِّ الناس ، واستحلفني أن لا أهجو مسلماً قطُّ ببيت شعر فحلفت له على ذلك ، وحججت مع الملكة الحرّة أُمّ فاتك ملك زبيد ، وخرجت مرّة أخرى إلى مكّة سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وفي موسم هذه السنة مات أمير الحرمين هاشم بن فليتة وولّى الحرمين ولده قاسم بن هاشم ، فألزمني السفارة عنه والرسالة المصريّة ، فقدمتها في شهر ربيع الأوّل سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذٍ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزير له الملك الصالح طلائع بن رُزّيك ، فلمّا أُحضرت للسلام عليهما ـ في قاعة الذهب في قصر الخليفة ـ أنشدتهما قصيدة أوّلها :

الحمد للعيس بعد العزمِ والهممِ

حمداً يقوم بما أولتْ من النعمِ

لا أجحد الحقَّ عندي للركاب يدٌ

تمنّت اللجْمُ فيها رتبةَ الخطمِ

قرّبنَ بُعدَ مزارِ العزِّ من نظري

حتى رأيتُ إمام العصر من أممِ

ورُحن من كعبةِ البطحاءِ والحرمِ

وفداً إلى كعبةِ المعروفِ والكرمِ

فهل درى البيتُ أنّي بعد فرقتِهِ

ما سرتُ من حرمٍ إلاّ إلى حرمِ


حيث الخلافةُ مضروبٌ سُرادقُها

بين النقيضينِ من عفوٍ ومن نقمِ

وللإمامةِ أنوارٌ مقدّسةٌ

تجلو البغيضينِ من ظلمٍ ومن ظُلَمِ

وللنبوّةِ أبياتٌ ينصُّ لنا

على الخَفيّين من حُكمٍ ومن حِكَمِ

وللمكارمِ أعلامٌ تُعلّمنا

مدحَ الجزيلينِ من بأسٍ ومن كرمِ

وللعُلى ألسنٌ تثني محامدُها

على الحميدينِ من فعلٍ ومن شيمِ

ورايةُ الشرفِ البذّاخِ ترفُعها

يدُ الرفيعينِ من مجدٍ ومن هِممِ

أقسمت بالفائزِ المعصومِ معتقداً

فوزَ النجاةِ وأجرَ البرّ في القسمِ

لقد حمى الدينَ والدنيا وأهلَهما

وزيرُه الصالحُ الفرّاج للغُمَمِ

اللابسُ الفخرَ لم تنسجْ غلائلَهُ

إلاّ يدٌ لصنيع السيف والقلمِ

وجودُه أوجدَ الأيّام ما اقترحتْ

وجودهُ أعدمَ الشاكين للعدمِ

قد ملّكتهُ العوالي رقَّ مملكةٍ

تعيرُ أنفَ الثريّا عزّةَ الشممِ

أرى مقاماً عظيمَ الشأن أوهمني

في يقظتي أنّها من جملةِ الحُلُمِ

يومٌ من العمرِ لم يخطرْ على أملي

ولا ترقّت إليه رغبةُ الهممِ

ليت الكواكبَ تدنو لي فأنظمَها

عقودَ مدحٍ فما أرضى لكم كلمي

ترى الوزارةَ فيه وهي باذلةٌ

عند الخلافةِ نصحاً غيرَ متّهمِ

عواطفٌ علّمتنا أنّ بينهما

قرابةً من جميلِ الرأيِ لا الرحمِ

خليفةٌ ووزيرٌ مدَّ عدلُهما

ظلاّ على مفرق الإسلام والأممِ

زيادة النيل نقصٌ عند فيضهما

فما عسى يتعاطى مُنّة الديَمِ

وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً ، والأستاذون وأعيان الأُمراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كلّ مذهب ، ثمّ أُفيضت عليَّ خلع من ثياب الخلافة المذهّبة ، ودفع لي الصالح خمسمائة دينار ، وإذا بعض الأُستاذين قد أخرج لي من عند السيّدة الشريفة بنت الإمام الحافظ خمسمائة دينار أخرى ، وحمل المال معي إلى منزلي ، وأُطلقت لي من دار الضيافة رسومٌ لم تطلق لأحد من قبلي ، وتهادتني


أُمراء الدولة إلى منازلهم للولائم ، واستحضرني الصالح للمجالسة ، ونظمني في سلك أهل المؤانسة ، وانثالت عليَّ صِلاته وغمرني برُّه ، ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب : الشيخ الجليس أبا المعالي بن الحبّاب (١) ، والموفّق ابن الخلاّل صاحب ديوان الإنشاء ، وأبا الفتح محمود بن قادوس (٢) ، والمهذّب أبا محمد الحسن بن الزبير ، وما من هذه الحلبة أحدٌ إلاّ ويضرب في الفضائل النفسانيّة والرئاسة الإنسانيّة بأوفر نصيب ، ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.

وقال في (ص ٦٩) : لمّا جلس شاور في دار الذهب ، قام الشعراء والخطباء ولفيفٌ من الناس إلاّ الأقلّ ينالون من بني رُزّيك وضرغام نائب الباب ويحيى بن الخيّاط اسفهسلاّر (٣) العساكر ، وكانت بيني وبين شاور أنسة تامّة مستحكمة ، فأنشدته في اليوم الثاني من جلوسه والجمع حافلٌ قصيدة أوّلها :

صحّت بدولتِكَ الأيّامُ من سقمِ

وزال ما يشتكيه الدهرُ من ألمِ

زالت ليالي بني رُزّيك وانصرمتْ

والحمدُ والذمُّ فيها غيرُ مُنصرمِ

كأنّ صالحَهم يوماً وعادلَهم

في صدرِ ذا الدستِ لم يقعدْ ولم يقمِ

هم حرّكوها عليهم وهي ساكنةٌ

والسلمُ قد تنبتُ الأوراقَ في السلمِ

كنّا نظنُّ وبعضُ الظنِّ مأثمةٌ

بأنّ ذلك جمعٌ غيرُ منهزمِ

فمذ وقعتَ وقوع النسر خانهمُ

من كان مجتمعاً من ذلك الرخمِ

وكان ضرغام ينقم عليَّ هذا البيت ، ويقول : أنا عندك من الرخم!

ولم يكونوا عدوّا زلَّ جانبُهُ

وإنّما غرقوا في سَيلِكَ العرمِ

وما قصدت بتعظيمي سواك سوى

تعظيمِ شأنِكَ فاعذرني ولا تلُمِ

__________________

(١) أحد شعراء الغدير قد مرّت ترجمته في هذا الجزء : ص ٣٨٧. (المؤلف (

(٢) أحد شعراء الغدير أسلفنا ترجمته في هذا الجزء : ص ٣٣٨. (المؤلف)

(٣) معرّب سبهسالار : قائد الجيش. (المؤلف)


ولو شكرتُ لياليهمْ محافظةً

لعهدِها لم يكن بالعهدِ من قدمِ

ولو فتحتُ فمي يوماً بذمِّهمُ

لم يرضَ فضلُك إلاّ أن يسدَّ فمي

والله يأمرُ بالإحسانِ عارفةً

منه وينهى عن الفحشاءِ في الكلمِ

فشكرني شاور وابناه في الوفاء لبني رُزّيك. انتهى.

كان يحمي الذمار بالذمارة ، ويوفي بعهد من صاحبه ونادمه ، ويدافع عنه بصراحة اللهجة ، وله مواقف مشكورة تنمُّ عن أنّه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر يوماً هو والرضي أبو سالم يحيى الأحدب بن أبي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العا ضد عند نجم الدين أيّوب بن شادي ، فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين أيوب ، فقال :

يا مالكَ الأرضِ لا أرضى له طرفا

منها وما كان منها لم يكن طرفا

قد عجّلَ اللهُ هذي الدارَ تسكنُها

وقد أعدَّ لك الجنّاتِ والغرفا

تشرّفتْ بك عمّن كان يسكنُها

فالبس بها العزّ ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صَدفاً والدارُ لؤلؤةٌ

وأنت لؤلؤةٌ صارت لها صدفا

فقال الفقيه عمارة يردُّ عليه :

أثِمتَ يا من هجا الساداتِ والخُلَفا

وقلت ما قلتَهُ في ثلبِهمْ سخفا

جعلتَهمْ صدفاً حَلُّوا بلؤلؤةٍ

والعرفُ ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا

وإنّما هي دارٌ حلَّ جوهرُهمْ

فيها وشفَّ فأسناها الذي وصفا

فقال لؤلؤة عجباً ببهجتها

وكونها حَوَتِ الأشراف والشرفا

فهم بسكناهم الآياتِ إذ سكنوا

فيها ومن قبلها قد أُسكِنوا الصحفا

والجوهرُ الفردُ نورٌ ليس يعرفُه

من البريّة إلاّ كلُّ من عرفا

لو لا تجسّمُهمْ فيه لكان على

ضعف البصائرِ للأبصارِ مختطفا


فالكلبُ يا كلبُ أسنى منك مكرمةً (١)

لأنّ فيه حفاظاً دائماً ووفا

قال المقريزي (٢) : فلله درُّ عمارة لقد قام بحقِّ الوفاء ووفى بحسن الحفاظ كما هي عادته ، لا جرم أنّه قُتل في واجب من يهوى كما هي سنّة المحبّين ، فالله يرحمه ويتجاوز عنه.

وله قصائد يرثي بها أهل القصر من الملوك الفاطميّين بعد انقراض دولتهم وفاءً بعهدهم ، منها قصيدة أوّلها :

لا تندبنْ ليلى ولا أطلالَها

يوماً وإن ظعنتْ بها أجمالها

واندبْ هُدِيتَ قصورَ ساداتٍ عفتْ

قد نالهمْ ريبُ الزمانِ ونالها

درستْ معالمُهمْ لدرسِ ملوكِهمْ

وتغيّرتْ من بعدِهمْ أحوالها

ومنها :

رميتَ يا دهرُ كفَّ المجدِ بالشللِ

وجيدَهُ بعد حسنِ الحَلي بالعطلِ

سعيتَ في منهجِ الرأيِ العثورِ فإن

قدرتَ من عثراتِ الدهرِ فاستقلِ

جدعتَ مارِنَكَ الأقنى فأنفُكَ لا

ينفكُّ ما بين قرع السنِّ والخجلِ (٣)

هدمتَ قاعدةَ المعروفِ عن عجلٍ

سعيتَ مهلاً أما تمشي على مهلِ

لهفي ولهف بني الآمالِ قاطبةً

على فجيعتِها في أكرمِ الدولِ

قدمتُ مصرَ فأولتني خلائفُها

من المكارمِ ما أربى على الأملِ

قومٌ عرفتُ بهم كسبَ الألوف ومن

كمالِها أنّها جاءتْ ولم أسلِ

وكنتُ من وزراءِ الدستِ حين سما

رأسُ الحصانِ يُهاديه على الكفلِ

ونلتُ من عظماءِ الجيشِ مكرمةً

وخلّةً حرستْ من عارضِ الخللِ

__________________

(١) في منتخب ديوانه ص ٢٩٢ : معرفة. (المؤلف)

(٢) الخطط والآثار : ١ / ٤٦٩.

(٣) المارن : طرف الأنف.


يا عاذلي في هوى أبناءِ فاطمةٍ

لك الملامةُ إن قصّرتَ في عذلي

بالله دُر ساحة القصرين وابك معي

عليهما لا على صفّينَ والجملِ

وقل لأهليهما والله ما التحمتْ

فيكم جراحي ولا قرحي بمندملِ

وما ذا عسى كانت الإفرنجُ فاعلةً

في نسلِ آلِ أميرِ المؤمنين علي

هل كان في الأمرِ شيءٌ غير قسمةِ ما

ملكتمُ بين حكمِ السبي والنقلِ

وقد حصلتمْ عليها واسمُ جدّكمُ

محمدٌ وأبوكم غيرُ منتقلِ

مررتُ بالقصرِ والأركانُ خاليةٌ

من الوفودِ وكانت قبلةَ القبلِ

فملتُ عنها بوجهي خوفَ منتقدٍ

من الأعادي ووجه الودِّ لم يملِ

أسلتُ من أسفي دمعي غداةَ خلتْ

رحابُكمْ وغدتْ مهجورةَ السبلِ

أبكي على ما تراءتْ من مكارمِكمْ

حالَ الزمانُ عليها وهي لم تحلِ

دارُ الضيافةِ كانت أُنسَ وافدِكمْ

واليومَ أوحشُ من رسمٍ ومن طللِ

وفطرةُ الصومِ إذ أضحتْ مكارمُكمْ

تشكو من الدهرِ حيفاً غيرَ محتملِ

وكسوةُ الناسِ في الفصلين قد درستْ

ورثَّ منها جديدٌ عندهم وبلِي

وموسمٌ كان في يومِ الخليجِ لكم

يأتي تجمّلُكمْ فيه على الجملِ

وأوّلُ العامِ والعيدين كم لكمُ

فيهنّ من وَبلِ جودٍ ليس بالوشلِ

والأرض تهتزُّ في يومِ الغديرِ كما

يهتزُّ ما بين قصريكم من الأسلِ

والخيلُ تُعرَضُ في وشيٍ وفي شيةٍ

مثلَ العرائسِ في حُليٍ وفي حللِ

ولا حملتم قِرى الأضيافِ من سعةٍ ال

أطباقِ إلاّ على الأكتاف والعجلِ

وما خصصتمْ ببرٍّ أهل ملّتِكمْ

حتى عممتمْ به الأقصى من المللِ

كانت رواتبُكمْ للذمّتين ولل

ـضيفِ المقيمِ وللطاري من الرسلِ

ثمّ الطراز بتنّيس الذي عظمتْ

منه الصلاتُ لأهلِ الأرضِ والدولِ

وللجوامعِ من إحسانِكمْ نعمٌ

لمن تصدّر في علمٍ وفي عملِ

وربّما عادت الدنيا فمعقلُها

منكم وأضحتْ بكم محلولةَ العَقَلِ


والله لا فازَ يومَ الحشر مبغِضُكم

ولا نجا من عذابِ الله غيرُ ولي

ولا سُقي الماءَ من حرٍّ ومن ظمأ

من كفِّ خيرِ البرايا خاتمِ الرسلِ

ولا رأى جنّةَ اللهِ التي خُلقت

من خانَ عهدَ الإمامِ العاضدِ بنِ علي

أئمّتي وهُداتي والذخيرةُ لي

إذا ارتُهِنتُ بما قدّمتُ من عملي

تالله لم أُوفِهمْ في المدحِ حقَّهمُ

لأنّ فضلَهمُ كالوابلِ الهطلِ

ولو تضاعفتِ الأقوالُ واتّسعتْ

ما كنتُ فيهمْ بحمدِ اللهِ بالخَجِلِ

بابُ النجاةِ همُ دنياً وآخرةً

وحبُّهمْ فهو أصلُ الدينِ والعملِ

نورُ الهدى ومصابيحُ الدجى ومح

ـلُّ الغيث إن ربتِ الأنواءُ في المحلِ

أئمّةٌ خُلقوا نوراًفنورُهمُ

من محضِ خالصِ نورِ اللهِ لم يفلِ

واللهِ ما زلتُ عن حبّي لهم أبداً

ما أخّر اللهُ لي في مدّةِ الأجلِ

قُتل المترجَم بسبب هذه القصيدة مع جمع نسب إليهم التدبير على صلاح الدين ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم إليه حتى يجلسوا ولداً للعاضد ، وكانوا أدخلوا معهم رجلاً من الأجناد ليس من أهل مصر ، فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى فأحضرهم فلم ينكروا الأمر ولم يروه منكراً ، فأمر بصلبهم وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة ، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان ، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن الكامل ، وابن عبد القوي داعي الدعاة ، كان يعلمُ بدفائنِ القصر فعوقب ليدلَّ عليها فامتنع من ذلك فمات واندرست ، والعويرس ناظر الديوان ، وشبريا كاتب السرّ ، وعبد الصمد الكاتب أحد أمراء مصر ، ونجاح الحمامي ، ومنجِّم نصرانيّ كان قد بشّرهم بأنّ هذا الأمر يتمُّ لهم.

قال الصفدي في الغيث المُسجم (١) : إنّه لا يبعد أن يكون القاضي الفاضل سعى

__________________

(١) الغيث المُسجم : ٢ / ٣٠٧ مع اختلاف يسير في الألفاظ.


في هلاكه وحرّض عليه ؛ لأنّ صلاح الدين لمّا استشاره في أمره قال : يُنفى. قال : يُرجى رجوعه. قال : يؤدّب. قال : الكلب يسكت ثمّ ينبح. قال : يُقتل. قال : الملوك إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره ، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس وجماعة معه من شيعتهم ، ولمّا أُخذ ليشنق قال : مرّوا بي على باب القاضي الفاضل ؛ لحسن ظنِّه فيه ، فلمّا رآه قام وأغلق بابه فقال عمارة :

عبدُ العزيزِ قد احتجبْ

إنّ الخلاص من العجبْ

وذكر عماد الدين الكاتب في الخريدة لتاج الدين الكندي أبي اليمن بعد صلب المترجَم :

عُمارة في الإسلامِ أبدى خيانةً

وبايع فيها بِيعةً وصليبا

وأمسى شريكَ الشركِ في بغضِ أحمدٍ

وأصبحَ في حبِّ الصليبِ صليبا

وكان خبيثَ الملتقى إن عجمتَهُ

تجدْ منه عوداً في النفاقِ صليبا

سيلقى غداً ما كان يسعى لنفسِهِ

ويُسقى صديداً في لظىً وصليبا

كان للمترجَم مكانة عالية عند بني رزّيك ، وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه النكت العصريّة ، وفي الثاني (١) : إنّ الملك الصالح طلائع بعث إليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس ، وكتب فيها بخطِّه :

قل للفقيه عمارةٍ يا خير من

قد حازَ فهماً ثاقباً وخطابا

اقبلْ نصيحةَ من دعاك إلى الهدى

قل حطّة وادخل إلينا البابا

تجدِ الأئمّةَ شافعين ولا تجدْ

إلاّ لدينا سنّةً وكتابا

وعليَّ أنْ أُعلي محلَّكَ في الورى

وإذا شفعت إليَّ كنت مجابا

وتعجّلِ الآلافَ وهي ثلاثةٌ

ذهباً وقلَّ لك النضارُ مذابا

__________________

(١) النكت العصرية : ص ٤٥.


فراجعه عمارة بقوله :

حاشاك من هذا الخطابِ خطابا

يا خيرَ أملاكِ الزمانِ نصابا

لكنْ إذا ما أفسدتْ علماؤكم

معمورَ معتقدي وصارَ خرابا

ودعوتمُ فكري إلى أقوالِكمْ

من بعدِ ذاك أطاعَكم وأجابا

فاشدد يديكَ على صفاءِ محبّتي

وامنن عليَّ وسدَّ هذا البابا

توفّي للفقيه المترجَم في حياته ستّة أولاد ذكور ورثاهم ، ألا وهم : عبد الله ، ويحيى ، ومحمد ، وعطيّة ، وإسماعيل ، وحسين ، وتوفّي أوّلاً ولداه عبد الله ويحيى ثمّ بعدهما محمد في سنة (٥٥٦) ليلة الإثنين (٤) جمادى الأولى بمصر ، ورثاهم بقصيدة أوّلها :

أُصِبتُ في خيرِ أعضائي وأعضادي

وخيرِ أهلي إذا عدُّوا وأولادي

بأبلجِ الوجهِ من سعدِ العشيرةِ لم

يُعرَفْ بغيرِ الندى والبشرِ في النادي

وله في رثاء محمد قصيدة مطلعها :

سأبكي على ابني مدّتي وحياتي

ويبكيه عنّي الشعرُ بعد مماتي

ومنها :

أَتُبلي المنايا مهجة ابنٍ ذخرتُهُ

لدهري ويُبلوني بخمسِ بنات

وتوفّي بعدهم عطيّة ، ورثاه بقصيدة منها :

عطيّة إن صادفتَ روحَ محمدٍ

أخيك وصنويكَ العليّينِ من قبلِ

فسلّمْ عليهم لا شقيت وقل لهمْ

سقيتُ أباكم بعدكم جرعةَ الثكلِ

وقال في رثائه :

عطيّةُ إن ذقتَ طعمَ الحِمام

فإنّ فراقَكَ عندي أمرّ


هوى كوكبٌ منك بعد الطلوعِ

ذوى غصنٌ منك بعد الثمرْ

ولو لم تكنْ قمراً زاهراً

لما متَّ عند خسوف القمرْ

وتوفّي بعدهم ولده إسماعيل سنة (٥٦١) في ربيع الآخر ، ورثاه بقصيدةٍ أوّلها :

ما كنتُ آلف منزلي إلاّ به

ولقد كرهتُ الدار بعد مصابه

وقال يرثيه :

أأرجو بقاءً أم صفاء حياةِ

وقد بدّدت شملي النوى بشتاتِ

يقول فيها :

أتُبلي الليالي لي بُنيّا ذخرتُهُ

وتُبقي ليَ الأيّام شرَّ بناتي

ومنها :

وما عشتَ إلاّ سبعةً من سني الورى

سقى عهدَهنَّ اللهُ من سنواتِ

وقال في رثائه :

حسبتُ الدهرَ في ولدي

يساعدني ويسعدني

ويقول فيها :

لإسماعيل أشواقي

تزيد على مدى الزمنِ

وإسماعيلُ لي شغلٌ

عن اللذّات يشغلني

وإسماعيلُ لا أسلو

ه حتى الموت يصرعني

سأبكيه وأندبُه

بنوحٍ زائدِ الشجنِ

كما قمريّةٌ ناحتْ

ببغدادٍ على غصنِ

وأبقى بعده أسفاً

مدى الأيّامِ والزمنِ


وتوفِّي حسين سنة (٥٦٣) ورثاه بقوله :

أترى يكون لي الخلاص قريبُ (١)

فالموت بعدك يا بُنيَّ يطيبُ

علّلت فيك الحزنَ كلّ تعلّةٍ

لم تنفعنِّي شربةٌ وطبيبُ

ورثاه بقصيدة أوّلها :

داويتُ ما نفعَ العليلَ دوائي

بل زادَ سقماً في خلال ضنائي

يقول فيها :

ما عاش إلاّ سبعةً من عمرِهِ

ونأى إلى دارِ البلى لبلائي

وله في رثائه من قصيدة مستهلّها :

قل للمنيّة لا شوى

لم يُخطِ سهمُكِ إذ رمى

ومنها :

ما كان إلاّ سبعةً

وثلاثةً ثمّ انقضى

وقال في رثائه :

خطبتني الخطوبُ بالهمِّ لمّا

حدّثتني بألسنِ الحدَثانِ

ومنها :

يا لها نكبةً على نكبةٍ جا

ءت وجرحاً يبكي بجرحٍ ثانِ

ومصابٌ على مصابٍ وثكلٍ

بعد ثكلٍ أُصيب منه جناني

__________________

(١) كذا.


ويقول فيها :

كلَّ عامٍ للموتِ عندي نصيبٌ

في سراة البنينِ والإخوانِ

ونختم الترجمة وهي ختام هذا الجزء من الكتاب بقول المترجَم يدعو ربّه :

يا ربِّ هيِّئ لنا من أمرنا رشَداً

واجعل معونتك الحسنى لنا مَددا

ولا تكِلنا إلى تدبير أنفسنا

فالنفسُ تعجزُ عن إصلاحِ ما فسدا

أنت الكريمُ وقد جهّزتُ من أملي

إلى أياديك وجهاً سائلاً ويدا

وللرجاءِ ثوابٌ أنت تعلمُه

فاجعل ثوابي دوامَ الستر لي أبدا (١)

انتهى الجزء الرابع من كتاب الغدير

ويتلوه الخامس إن شاء الله

وآخر دعوانا

أن الحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) أخذنا الترجمة من النكت العصرية [ص ٧] ، الخريدة لعماد الكاتب [٣ / ١٠١] ، الكامل لابن الأثير : ١١ / ١٦٣ [٧ / ٢٣٩ حوادث سنة ٥٦٩ ه‍] ، تاريخ ابن خلّكان : ١ / ٤٠٩ [٣ / ٤٣١ رقم ٤٨٩] ، تاريخ ابن كثير : ١٢ / ٢٧٥ [١٢ / ٣٤١ حوادث سنة ٥٦٩ ه‍] ، مرآة الجنان : ٣ / ٣٩٠ ، وتوجد في غير واحد من كتب المتأخّرين ومعاجمهم [كما في شذرات الذهب : ٦ / ٣٨٧ ، والعبر : ٣ / ٥٨]. (المؤلف)


محتويات الكتاب

بقية

شعراء الغدير في القرن الرابع

١١ ـ ٢٤

أبو الفتح كشاجم..................................................... ١٢ ـ ٣٨

الشاعر.................................................................. ١٤

أدبه وشعره............................................................... ١٥

هجاؤه................................................................... ٢٠

كشاجم والرئاسة.......................................................... ٢١

جكه ودرر كليه........................................................... ٢٢

رحلة كشاجم............................................................. ٢٥

عقيدته.................................................................. ٢٧

مشايخه وتاليفه............................................................ ٣٣

ولادته ووفاته............................................................. ٣٤

ولده..................................................................... ٣٥


الناشي الصغير........................................................ ٣٩ ـ ٥١

مايتبع الشعر............................................................. ٤٣

الشاعر.................................................................. ٤٤

ولادته ووفاته............................................................. ٤٩

مصادر ترجمة الناشي...................................................... ٥١

البشنوي الكردي...................................................... ٥٣ ـ ٦١

الشاعر.................................................................. ٥٤

البشنويّة................................................................. ٥٦

الزوزانيّة البختيّة الهكّاريّة الجلّانية............................................. ٥٧

الزواديّة الشوانكاريّة الحميديّة الهذبانيّة الحكميّة................................. ٥٨

نبذة من شعره............................................................. ٥٩

الصاحب بن عبّاد................................................... ٦٣ ـ ١١٨

الشاعر.................................................................. ٦٥

وزارته صلاته مادحوه....................................................... ٧٢

شمره في المذهب........................................................... ٨٣

الصاحب ومذهبه......................................................... ٨٣

نوادر فيها المكارم........................................................ ١٠١

غرر كلم للصحاب...................................................... ١٠٦

وفاته................................................................... ١٠٨

مصادر ترجمة الصاحب.................................................. ١١٧


الجوهري الجرجائي................................................ ١١٩ ـ ١٢٦

الشاعر................................................................. ١٢٠

ابن الحجّاج البغدادي............................................. ١٢٧ ـ ١٤٣

الشاعر................................................................. ١٣٠

خلفاء عصره وملوكه...................................................... ١٣٥

ولادته ووفاته............................................................ ١٤٠

مصار ترجمة ابن الحجّاج.................................................. ١٤٣

أبو العبّاس الضيّبي................................................. ١٤٥ ـ ١٥٧

ما يتبع الشعر........................................................... ١٤٥

الشاعر................................................................. ١٤٦

أبو الرقعمق الأنطاكي.............................................. ١٥٩ ـ ١٦٦

الشاعر................................................................. ١٦٠

أبو العلاء السروي................................................. ١٦٧ ـ ١٧٣

الشاعر................................................................. ١٦٧

البيان.................................................................. ١٧٢

أبو محمد العوني.................................................. ١٧٥ ـ ١٩٥

الشاعر................................................................. ١٨٠

ابن حمّاد العيدي................................................. ١٩٧ ـ ٢٣٣

الشاعر................................................................. ٢١١

ولادته ووفاته............................................................ ٢١٤


أبو الفرج الرازي.................................................. ٢٣٥ ـ ٢٣٨

الشاعر................................................................. ٢٣٥

جعفر بن حسين................................................... ٢٣٩ ـ ٢٤٠

شعراء الغدير في القرن الخامس

٢٤١ ـ ٤٢٤

أبو النجيب الطاهر................................................ ٢٤٣ ـ ٢٤٦

الشاعر................................................................. ٣٤٣

الشريف الرضي................................................... ٢٤٧ ـ ٣٠٢

الشاعر................................................................. ٢٤٨

أساتذته ومشايخه........................................................ ٢٥٢

تلامذته والرواة عنه....................................................... ٢٥٤

تأليفه وكتبه............................................................. ٢٥٦

مؤلّف نهج البلاغة....................................................... ٢٦٥

شعره وشاعريته.......................................................... ٢٧٦

ألقابه ومناصبه.......................................................... ٢٨٠

النقابة.................................................................. ٢٨٢

النقابة العامة............................................................ ٢٨٤

ولاية المظالم الولاية على الحج.............................................. ٢٨٥

ولادته ووفاته............................................................ ٢٨٨


أبو محمد الصوري................................................ ٣٠٣ ـ ٣١٥

الشاعر................................................................. ٣٠٧

مهيار الديلمي..................................................... ٣١٧ ـ ٣٥٠

مايتبع الشعر............................................................ ٣١٩

مايتبع الشعر............................................................ ٣٢٣

الشاعر................................................................. ٣٢٤

سيّدنا الشريف المرتضى........................................... ٣٥١ ـ ٣٩٨

الشاعر................................................................. ٣٥٤

كلمات الثناء عليه....................................................... ٣٥٧

مشايخه ومن يروي هو عنه................................................ ٣٦١

تلامذة سيّدنا المرتضى.................................................... ٣٦٢

علم الهدى والمعرّي....................................................... ٣٦٤

علم الهدى وابن المطرّز المرتضى والزعامة..................................... ٣٦٧

ولادته ووفاته............................................................ ٣٧٠

نبذة من ديوان المرتضى................................................... ٣٧١

أبو علي البصير................................................... ٣٩٩ ـ ٤٠١

الشاعر................................................................. ٣٩٩

أبو العلاء المعوي................................................. ٤٠٣ ـ ٤٠٥

مايتبع الشعر والشاعر.................................................... ٤٠٤


المؤيّد في الدين.................................................. ٤٠٧ ـ ٤١٧

مايتبع الشعر............................................................ ٤١١

الشاعر................................................................. ٤١٥

الجبري المصري.................................................. ٤١٩ ـ ٤٢٤

الشاعر................................................................. ٤٢٤

شعراء الغدير في القرن السادس

٤٢٥ ـ ٥٦١

أبو الحسن الفنجكردي............................................ ٤٢٧ ـ ٤٣٥

ما يتبع الشعر........................................................... ٤٢٧

الشاعر................................................................. ٤٢٨

ابن منير الطرابلسي................................................ ٤٣٧ ـ ٤٥٢

ما يتبع الشعر........................................................... ٤٣٩

الشاعر................................................................. ٤٤٤

القاضي ابن قادوس................................................ ٤٥٣ ـ ٤٥٦

الشاعر................................................................. ٤٥٣

الملك الصالح.................................................... ٤٥٧ ـ ٤٩٥

الشاعر................................................................. ٤٥٣

ولادته ووفاته مدائحه مراثيه............................................... ٤٦٩

نماذج من شعر الملك الصالح.............................................. ٤٨٤

الملك العادل............................................................ ٤٩١


ابن العودي النيلي................................................. ٤٩٧ ـ ٥١٠

الشاعر................................................................. ٥٠٥

القاضي الجليس.................................................. ٥١١ ـ ٥٢١

الشاعر................................................................. ٥١٤

ابن مكّي النيلي................................................... ٥٢٣ ـ ٥٢٩

الشاعر................................................................. ٥٢٣

الخطيب الخوارزمي................................................ ٥٣١ ـ ٥٤٥

الشاعر................................................................. ٥٣٢

مشايخه في الأخذ والرواية................................................. ٥٣٣

تلامذته والرواة عنه....................................................... ٥٣٦

تأليفه.................................................................. ٥٣٨

شعره وخطبه ولادته ووفاته................................................ ٥٤٤

الفقيه عمارة...................................................... ٥٤٧ ـ ٥٦١

الشاعر................................................................. ٥٤٨

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ٤

المؤلف:
الصفحات: 568